الروض الفسيح في الفرق بين المهدي والمسيح

اشارة

نوع: كتاب

پديدآور: الهي قمي، محمدباقر

عنوان و شرح مسئوليت: الروض الفسيح في بيان الفوارق بين المهدي و المسيح / محمدباقر الهي قمي

ناشر: مركز الابحاث العقائديه

يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس

موضوع: فضايل اهل بيت (علیهم السلام)

فضايل حضرت مهدي

ص :1

فهرس المطالب

الباب الأول: في الكلام عن حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم).

الفصل الأول: في ذكر مخرجيه والتعريف بحال رواته.

الفصل الثاني: في الكلام على أصل الحديث وبيان درجته.

الفصل الثالث: في إيراد ما ذكروه من وجوه الجمع بين حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) وبين أحاديث المهدي عليه الصلاة والسلام والجواب عنها.

الباب الثاني: في حكاية جملة من فتاوى العلماء في من أنكر المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام.

الباب الثالث: في ذكر طرف من الوجوه الفارقة بين المهدي المنتظر وبين المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام

ص :2

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله الذي نصب لكل عصر إمام هدى، فلم يدع أمر الخلق إليهم سدى، ووعد الصالحين من عباده أن يورثهم الثرى، بعدما ملئت أطباقها ظلما وجورا، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين، محمد وعلى آله أولي التقى والطاعة، لا سيما المنتظر الموعود به قبل قيام الساعة.

وبعد:

فإن كثيرا ممن يدعي اتباع السنة وملازمة الجماعة، قد دلع لسانه بإرجاف المؤمنين ورميهم بكل شناعة، منكرا عليهم اعتقادهم خروج المهدي المنتظر الموعود به في آخر الزمان، عند انفراط الأمر، وكثرة الهرج والمرج، وامتلاء الدنيا ظلما وجورا، وضرب بالأحاديث الصحيحة، والسنن الصريحة عرض الجدار، فويل لهم مما عملوا، وويل لهم مما يصنعون.

ص :1

وقد ازداد هذا الأمر شدة عند جماعة من المنتمين إلى العلم وهم خلو منه حتى تولى كبر ذلك مشايخ سوء (1) فضحهم الله على رؤوس الأشهاد، وأخزاهم في الدنيا قبل المعاد.

وربما تشبث المنكرون لأمر المهدي عليه الصلاة والسلام بما رواه ابن ماجة والحاكم عن أنس: " لا مهدي إلا عيسى بن مريم ".

وهذا من فرط جهلهم وضلالهم، إذ قد بلغ الفرق بينهما في الاشتهار مبلغ الشمس في رائعة النهار.

ولما كانت هذه الفتنة يستفحل أمرها زمانا، وتخمد نار ضلالتها أحيانا، رأيت أن أجمع في ذلك رسالة تكون وازعة للجاهلين، ورادعة للضالين عن إنكار ما علم ثبوته بالتواتر، والخوض في ما لا يبلغه فكرهم القاصر، عسى الله أن يقطع بذلك دابرهم، ويكشف عن أهل الحق شرهم، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.

ورتبتها على ثلاثة أبواب وخاتمة.

* * *

ص :2

الباب الأول: في الكلام عن حديث: لا مهدي إلا عيسى بن مريم

اشارة

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: في ذكر مخرجيه والتعريف بحال رواته

فنقول وبالله تعالى التوفيق:

أخرج ابن ماجة في سننه، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارا، ولا الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم (1).

وفي رواية الحاكم: " ولا الدين " بدل " ولا الدنيا " ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم (2)..

قال الحاكم في المستدرك: فذكرت ما انتهى إلي من علة هذا الحديث تعجبا لا محتجا به في المستدرك على الشيخين (3).

ص :3


1- (1) سنن ابن ماجة 2 / 1340 1341 ح 4039.
2- (2) المستدرك على الصحيحين 4 / 441 ح 8363.
3- (3) المستدرك على الصحيحين 4 / 442 ضمن ح 8363.

وقد أخرجه ابن مندة في فوائده، والقضاعي في مسند الشهاب (1)، وأبو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريا الساجي بطريقهم عن يونس بن عبد الأعلى (2).

والكلام عليه يقع تارة في متن الحديث، وأخرى في إسناده.

أما متنه:

فإنه ورد من غير طريق محمد بن خالد الجندي، مجردا عن هذه الزيادة المنكرة، فقد أخرجه الطبراني والحاكم في المستدرك (3)، كلاهما من طريق مبارك بن سحيم، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لن يزداد الزمان إلا شدة، ولا يزداد الناس إلا شحا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " (4).

وهذا اللفظ لم تذكر فيه تلك الزيادة المنكرة الباطلة التي يدركها كل عاقل بالبداهة، فدل على أنها من صنيع الجندي (5).

قال الإمام المحدث أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحسني

ص :4


1- (1) مسند الشهاب 2 / 68 ح 198.
2- (2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي 7 عند أهل السنة 2 / 376: 584.
3- (3) انظر: المعجم الكبير للطبراني 19 / 357 ح 835، المستدرك على الصحيحين 4 / 442.
4- (4) ورواه ابن السمعاني كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 441 بلفظ: " لا يزداد الأمراء إلا شدة "، وهو تصحيف ظاهر.
5- (5) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي 7 عند أهل السنة 2 / 376: 584.

الغماري المغربي في كتابيه إبراز الوهم المكنون وفتح الوهاب (1): وتلك عادته، فقد زاد أيضا زيادة باطلة في حديث صحيح متفق عليه، وذلك مما يدل على القطع بكذبه، فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمة يزيد بن عبد الهاد من التمهيد: أن محمد بن خالد الجندي هذا روى عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا: تعمل الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند.

قال ابن عبد البر عقب ذكر الحديث: محمد بن خالد متروك، والحديث لا يثبت.

قال المحقق الغماري: يعني بهذه الزيادة التي زادها هذا الدجال (محمد بن خالد الجندي) من إعمال الرحلة إلى مسجد بلده الجند.

وأما إسناده:

* ففيه: يونس بن عبد الأعلى الصدفي.

وقد طعن الناس فيه مع كونه من رجال مسلم وابن ماجة والنسائي بسبب تفرده بهذا الحديث عن الشافعي.

فأورده الذهبي في الضعفاء وقال: وثقه أبو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ إلا أنه تفرد عن الشافعي بذاك الحديث " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وهو منكر جدا (2).

ص :5


1- (1) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 378: 586، فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب 2 / 109.
2- (2) ميزان الاعتدال 7 / 317 ح 9917.

وقال أيضا في تذكرة الحفاظ بعد نقل توثيقه: قلت: له حديث منكر عن الشافعي (1)، ثم ساقه بإسناده.

وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (2): قال مسلمة بن قاسم:

كان حافظا، وقد أنكروا عليه تفرده بروايته عن الشافعي حديث " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " أخرجه ابن ماجة عنه (3)، وكذا الذهبي يدعي أن يونس دلسه (4).

وذكر الحلواني في رسائله الخمس عن بعضهم: أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول: كذب علي يونس بن عبد الأعلى، ليس هذا من حديثي (5).

* وفي إسناده أيضا: محمد بن خالد الجندي، وقد رموه بنكارة الحديث وضعفه.

قال الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمته في ميزان الاعتدال: قال الأزدي: منكر الحديث (6). انتهى.

وقال الحاكم وأبو حاتم وأبو الحسين الآبري وابن الصلاح في أماليه والحافظ في التقريب: مجهول (7).

ص :6


1- (1) تذكرة الحفاظ 2 / 527.
2- (2) تهذيب التهذيب 6 / 278.
3- (3) سنن ابن ماجة 2 / 1340 1341 ح 4039.
4- (4) سير أعلام النبلاء 12 / 351.
5- (5) ذكره في رسائله الخمس المسماة: منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي عليه السلام المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 118: 45.
6- (6) ميزان الاعتدال 3 / 535.
7- (7) تقريب التهذيب 2 / 157 رقم 6.

وقال ابن عبد البر: متروك.

وقال ابن تيمية: لا يحتج به.

وحكى الإمام الحافظ الكنجي في البيان عن الشافعي أنه قال: كان فيه تساهل في الحديث.

قال: وقد ذكر الشافعي في كتاب الرسالة وكتابه أصل قال: اتفقوا على أن الحديث لا يقبل إذا كان الراوي معروفا بالتساهل في روايته (1). انتهى.

فظهر بذلك أن ما ذكره الحافظ عماد الدين ابن كثير في النهاية (2) من كونه شيخ الشافعي، وأنه ليس بمجهول كما زعم الحاكم بل قد حكي عن ابن معين أنه ثقة، ليس بشئ، لأنهم قد ردوا على ابن معين توثيقه، ولم يقبلوه منه.

قال الآبري: وإن وثقه يحيى فهو غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد اختلفوا في إسناد حديثه هذا كما ذكره المحقق ابن الصديق في الرد على ابن خلدون.

ومن المعلوم المقرر في محله أن الجرح مقدم على التعديل، ومن جرحه قد ذكر سبب جرحه وهو مخالفته وانفراده بما عارض القطعي، مع جهالته، ولم يأت ابن معين مع انفراده بتوثيقه بما يثبت عدالته، ولا بما يرفع جهالته، فقول من جرحه مقدم على جميع الأقوال كما أفاده المحقق المذكور.

ص :7


1- (1) البيان في أخبار صاحب الزمان: 28 29.
2- (2) البداية والنهاية 1 / 32.

هذا، مع شهادة الأئمة بجهالته وسقوطه ونكارة حديثه، بل جزم في إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون بأنه: كذاب وضاع.

قلت:

وناهيك بكلام هذا الإمام المتتبع الخريت المتضلع في معرفة الأحاديث وطرقها قولا فصلا وحكما جزما، والله يؤتي الحكمة من يشاء.

* وفي إسناده أيضا: أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي، مولاهم.

قال ابن عبد البر في التمهيد: أبان بن صالح ضعيف.

وقال ابن حزم في المحلى: أبان ليس بالمشهور كما بترجمته في تهذيب التهذيب.

وقال العظيم آبادي في عون المعبود: متروك الحديث (1).

قلت:

وسيأتي في كلام الحافظ الذهبي بيان الانقطاع بين يونس بن عبد الأعلى وبين الشافعي، وكذا بين أبان بن صالح وبين الحسن.

على أنه اختلف عليه أعني الجندي في حديث الترجمة، فتارة

ص :8


1- (1) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11 / 362.

جعله عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس كما تقدم.

وتارة جعله عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن مرسلا.

قال الحاكم (1) : قال صامت بن معاذ: عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء فدخلت على محدث لهم فطلبت هذا الحديث فوجدته عنده، عن محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مثله.

قال البيهقي: فرجع الحديث إلى محمد بن خالد الجندي وهو مجهول ، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منقطع.

قال: والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة (2).

فانكشف ووهى كما قال الذهبي في الميزان (3) بعد حكايته هذه العلة عن البيهقي.

قلت:

وفي إسناده أبان بن أبي عياش، وهو ضعيف متروك لا يحتج به كما بترجمته في تهذيب التهذيب (4).

ص :9


1- (1) المستدرك على الصحيحين 4 / 441.
2- (2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 937: 578.
3- (3) ميزان الاعتدال 3 / 535.
4- (4) تهذيب التهذيب 1 / 65 67.

قال الفلاس وابن سعد: متروك الحديث.

وقال البخاري: كان شعبة سئ الرأي فيه.

وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث، ترك الناس حديثه منذ دهر.

وقال أيضا: لا يكتب عنه، قيل: كان له هوى؟ قال: كان منكر الحديث.

وكذا قال وكيع.

وقال ابن معين: ليس حديثه بشئ، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: متروك الحديث.

وكذا قال النسائي والدارقطني وأبو حاتم.

وقال النسائي أيضا: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه.

وقال أبو عوانة: لا أستحل أن أروي عنه شيئا.

وقال ابن حبان: لعله حدث عن أنس بأكثر من ألف وخمسمائة حديث، ما لكثير شئ منها أصل.

وقال شعبة: ردائي وخماري في المساكين صدقة إن لم يكن ابن أبي عياش يكذب في الحديث.

وقال أيضا: لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان.

وفي تلخيص المستدرك (1): عن الحاكم قال: حدثني به يعني حديث (لا مهدي إلا عيسى بن مريم) عبد الرحمن بن يزداد المزكي ببخارى من أصله، ثنا عبد الرحمن بن أحمد الرشديني بمصر، ثنا المفضل الجندي، ثنا صامت بن معاذ، ثنا يحيى بن السكن، ثنا محمد بن خالد

ص :10


1- (1) تلخيص المستدرك 4 / 441.

الجندي، فذكره.

قال الذهبي: يحيى بن السكن ضعفه صالح جزرة وقال: ليس بقوي الحديث (1).

وكذا ضعفه الدارقطني (2).

والله الموفق والمستعان.

* * *

ص :11


1- (1) ميزان الاعتدال 7 / 183 رقم 9533.
2- (2) لسان الميزان 1 / 29.

الفصل الثاني: في الكلام على أصل الحديث وبيان درجته

إعلم هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم ومنهجه القويم أن الجهابذة النقاد من أئمة الحديث لم يعتمدوا على هذا الحديث المنحول إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقيموا له وزنا، بل أجمعوا على ضعفه، وأطبقوا على تركه وإن تأوله بعضهم بما لا ينجع فذكره مغن عن بيان رتبته وحاله، لكن لا بأس بإيراد طرف من كلامهم فيه.

قال أبو بكر بن زياد: هذا الحديث غريب.

وقال القرطبي في التذكرة وكذا الطيبي كما في المرقاة: الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة، ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم لها دونه (1). انتهى.

وقال العلامة الحافظ شمس الدين الذهبي بترجمة محمد بن خالد الجندي من ميزان الاعتدال: في حديثه " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة، ووقع لنا موافقة من حديث يونس بن عبد الأعلى وهو ثقة تفرد به عن الشافعي، فقال في روايتنا: " عن " هكذا بلفظ " عن الشافعي " (2).

وقال في جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى

ص :12


1- (1) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 2 / 617، مرقاة المفاتيح المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 475: 5 / 186.
2- (2) ميزان الاعتدال 3 / 535.

قال: " حدثت عن الشافعي " فهو على هذا منقطع.

على أن جماعة رووه عن يونس، قال: " حدثنا الشافعي " والصحيح أنه لم يسمعه منه.

قال: وأبان بن صالح صدوق وما علمت به بأسا، لكن قيل: إنه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح في أماليه.

وذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية في منهاج السنة: أن هذا الحديث ضعيف (1) 4.

قال: وقد اعتمد أبو محمد ابن الوليد البغدادي وغيره عليه، وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجة، عن يونس، عن الشافعي، والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي، وهو ممن لا يحتج به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إن الشافعي لم يسمعه من الجندي، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي. انتهى.

وقال ابن قيم الجوزية في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف: قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:

أحدها: أنه المسيح بن مريم، وهو المهدي على الحقيقة، واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم، وقد بينا حاله وأنه لا يصح (2).

وقال الإمام الصغاني: موضوع، كما في الفوائد المجموعة

ص :13


1- (1) منهاج السنة 4 / 211.
2- (2) المنار المنيف في الصحيح والضعيف المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي 7 عند أهل السنة 1 / 289 148.

للشوكاني (1).

وقال القاري في مرقاة المفاتيح: إعلم أن حديث " لا مهدي إلا عيسى ابن مريم " ضعيف باتفاق المحدثين كما صرح به الجزري (2).

هذا، وجزم الإمام المحدث العلامة أبو الفيض شهاب الدين أحمد بن الصديق الحسني الغماري المغربي في كتابه القيم الموسوم ب: إبراز الوهم المكنون بأن الحديث باطل موضوع، مختلق مصنوع، لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من كلام أنس، ولا من كلام الحسن البصري (3).

ثم خاض في تبيين ذلك وإيضاحه من ثمانية وجوه، استوفى فيها الكلام على هذا الحديث بأطرافه، بما لم يتكلم فيه أحد بمثله، ولا تجده في كتاب كما صرح هو بذلك، وحق ما قال وقد مر بيان بعضها، فلنذكر ما بقي منها، وهو وجهان:

الأول: أن مما يدل على بطلان هذا الخبر معارضته للمتواتر المفيد للقطع، فقد قرر علماء الأصول أن من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنص القطعي على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال.

وقد ذكروا للجمع بين هذا الخبر وبين أحاديث المهدي أوجها ذكر بعضها الطاعن [يعني ابن خلدون] وبعضها غيره كالقرطبي في التذكرة (4

ص :14


1- (1) الفوائد المجموعة: 510 511.
2- (2) مرقاة المفاتيح المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 457 5 / 186.
3- (3) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي 7 عند أهل السنة 2 / 376: 584.

والآبي في شرح مسلم، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة (1) وصاحب ينابيع المودة وغيرهم، وكلها بعيدة لا حاجة تلجئ إليها مع بطلان الخبر، إذ لا تعارض بين متواتر وباطل (2). انتهى.

قلت:

وقد عقدنا الفصل الثالث لذكر تلك الوجوه والجواب عنها تحذيرا للقاصر من الاغترار بها والركون إليها، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

الثاني: أن مما يوجب القطع ببطلانه أيضا كون ذكر المهدي وخبره لم يرد إلا من جهة الشارع، فكيف يخبر بأمر أنه سيقع وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ثم ينفيه؟! والأخبار لا يتصور وقوعها على خلاف ما أخبر به الصادق، ونفي المهدي يلزم منه وقوع الخبر على خلاف ما أخبر به أولا من وجوده، واللازم باطل، وهذا مما قرروا به أن النسخ لا يدخل الأخبار التي هي من هذا القبيل، وهذا متفق عليه بين علماء الأصول.

قال الزركشي: إن كان مدلول الخبر مما لا يمكن تغيره، بأن لا يقع إلا على وجه واحد كصفات الله تعالى وخبر ما كان من الأنبياء والأمم وما يكون من الساعة وآياتها كخروج الدجال، فلا يجوز نسخه بالاتفاق كما قاله أبو إسحاق المروزي وابن برهان في الأوسط، لأنه يفضي إلى الكذب.

ص :15


1- (1) الصواعق المحرقة: 251.
2- (2) إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 380: 558.

قال ابن الصديق: والعجب ممن أورد هذا الحديث من العلماء وأجاب عنه بأنواع من طرق الجمع بين مختلف الآثار، كيف خفي عليه بطلانه من جهة ما قررناه إن خفي عليه ذلك من جهة الإسناد وما فيه من العلل الظاهرة والخفية؟! فإن العقل قاطع ببطلانه كما عرفت مما قررناه لك (1).

وإذا أمعن المنصف في كلام هذا الإمام البحر العلم، لعلم أنه نطق بالحق وآثر الصدق، كيف لا؟! وهو الخبير الخريت في هذا العلم الشريف (ولا ينبئك مثل خبير) (2).

وقد حذا شيخ الأزهر الشيخ محمد الخضر حسين المغربي حذو هذا الإمام فقال (3): هذا حديث موضوع، ثم أورد كلام الحاكم وابن عبد البر والأزدي في الجندي المذكور وقال: آخذ في مثل هذا بقول ابن حزم: إذا كان في سند الحديث رجل مجروح بكذب أو غفلة أو مجهول الحال لا يحل عندنا القول به، ولا تصديقه، ولا الأخذ بشئ منه.

* * *

ص :16


1- (1) انظر: إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 380 381: 588 589.
2- (2) سورة فاطر 35: 14.
3- (3) في مقال تحت عنوان " نظرة في أحاديث المهدي "، مجلة الهداية الإسلامية (المحرم سنة 1369) ومجلة التمدن الإسلامي المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 213: الجزء 35 36 من المجلد 16.

الفصل الثالث: في إيراد ما ذكروه من وجوه الجمع بين حديث " لا مهدي إلا عيسى بن مريم " وبين أحاديث المهدي عليه الصلاة السلام

اشارة

والجواب عنها وقد تقدم آنفا أن الحديث موضوع، وأحاديث المهدي متواترة كما سيأتي إن شاء الله تعالى فلا تعارض بينهما، فلا وجه حينئذ لتجشم تلك الوجوه التي لا ترجع إلى محصل.

لكن لما ذكرها جماعة في كتبهم وتداولوها آثرنا ذكرها هنا والجواب عنها ليسفر القناع عن وجهها، ويعلم ما فيها، فإنه قد يعول عليها ويستأنس بها بعض من لا فطنة له، وهو غافل عن حقيقتها، فكان التنبيه على ذلك من المهمات.

فنقول وبالله التوفيق:

قد ذكروا للجمع في هذا المقام ثلاثة أوجه:

الأول:

أنه لا مهدي في الحقيقة سوى عيسى بن مريم وإن كان غيره مهديا أيضا، لحكمه بكتاب الله، وقتله اليهود والنصارى، ووضعه الجزية، وإهلاك أهل الملة في زمانه (1).

ص :17


1- (1) انظر: المنار المنيف في الصحيح والضعيف المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 289: 148.

وأنت خبير بأنه لو صح هذا فإن المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام يكون أولى بكونه المهدي على الحقيقة كما هو كذلك، لأنه الذي يملأ الله تعالى به الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وهذا أعظم أمر يقع في آخر الزمان.

ومعلوم أن عيسى عليه السلام يكون مقتفيا لشرع الإسلام الذي يحيي المهدي معالمه بعدما اندرست، ويرفع أعلامه بعدما انتكست، والحكم بكتاب الله تعالى، وقتل أهل الإلحاد إنما يكون بيد المهدي عليه السلام، وعيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه يساعده في ذلك، لا استقلال ابن مريم به كما قد يظهر من كلام بعضهم.

فالمهدي حق، والمهدي هو من يفعل ذلك، وليس ذاك إلا المهدي الموعود من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فظهر أنه أفضل من المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام كما سيأتي في كلام الحافظ الكنجي أيضا فضلا عن أبي بكر وعمر، فقد أخرج نعيم بن حماد عن محمد بن سيرين أنه ذكر فتنة تكون، فقال: إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر، قيل: أفيأتي خير من أبي بكر وعمر؟! قال: قد كان يفضل على بعض.

وفي المصنف لابن أبي شيبة، عن ابن سيرين، قال: يكون في هذه الأمة خليفة، لا يفضل عليه أبو بكر وعمر كما في العرف الوردي (1).

ص :18


1- (1) مصنف ابن أبي شيبة 15 / 198 ح 19496، عن أبي أسامة، عن عوف، عن محمد وهو ابن سيرين، رسالة العرف الوردي المطبوعة ضمن كتاب الحاوي 1 / 103. للفتاوي المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 384

الثاني:

أن المراد بذلك أنه لا مهدي كاملا معصوما إلا ابن مريم عليهما السلام .

وفيه: أن المهدي عليه الصلاة والسلام معصوم أيضا كالمسيح بن مريم.

أما على مذهب أهل الحق فظاهر غاية الظهور.

وأما على مذهب مخالفيهم: فإن أريد عصمته في الأحكام فإن ذلك حاصل له.

قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية (1): إنه يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة، وذلك بأن يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث: " المهدي يقفو أثري لا يخطئ " فعرفنا صلى الله عليه وآله وسلم أنه متبع لا مبتدع، وأنه معصوم في حكمه، إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ، وحكم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخطئ، فإنه (لا ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى) (2) وقد أخبر عن المهدي أنه لا يخطئ، وجعله ملحقا بالأنبياء في ذلك الحكم.

قلت:

وقضية كونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت له ما كان ثابتا له صلى الله عليه وآله وسلم في الجملة، ومنه العصمة في الأحكام، وهذا ظاهر جلي، فلا وجه لتخصيص العصمة بعيسى بن مريم.

ص :19


1- (1) الفتوحات المكية المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 111 ج 3 الباب 366.
2- (2) سورة النجم 53: 4 و 5.

وقد شرح المعين بن الأمين السندي في كتابه دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب كلام الشيح المتقدم بما لا غنى لذوي الفضل والتحقيق من الوقوف عليه.

هذا، وإن أريد عصمته عليه الصلاة والسلام في الأفعال، فإن ذلك حاصل له أيضا.

قال الإمام الحافظ الكنجي في البيان في ذكر تقدم المهدي عليه السلام في الصلاة والجهاد على عيسى بن مريم عليه السلام: هما قدوتان نبي وإمام، وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الإمام يكون قدوة للنبي عليه السلام في تلك الحال، وليس فيهما من تأخذه في الله لومة لائم، وهما أيضا معصومان من ارتكاب القبائح كافة، والمداهنة والرياء والنفاق، ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل ما يكون خارجا عن حكم الشريعة ولا مخالفا لمراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: وإذا كان الأمر كذلك، فالإمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن استووا فأعلمهم، فإن استووا فأفقههم، فإن استووا فأقدمهم هجرة، فإن استووا فأصبحهم وجها ".

فلو علم الإمام أن عيسى أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه علم الشريعة، ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كل مكروه.

وكذلك لو علم عيسى أنه أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به، لموضع تنزيه الله تعالى له من الرياء والنفاق والمحاباة، بل لما تحقق أنه أعلم منه جاز أن يتقدم عليه، وكذلك قد تحقق عيسى أن الإمام أعلم منه،

ص :20

فلذلك قدمه وصلى خلفه، ولولا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام (1).

ثم بين تقدم المهدي في الجهاد، فراجع ثمة إن شئت.

الثالث:

أنه لا قول للمهدي إلا بمشورة عيسى، بناء على أنه من وزرائه (2).

والجواب: أنه لو سلم مع ما فيه من مخالفة ظاهر الحديث فغاية ما يدل عليه: أن المهدي عليه السلام لا يقطع أمرا إلا بمشورة المسيح بن مريم عليهما السلام وهذا مبني على القول بأنه من وزرائه، وهو غير ثابت وذلك لا ينافي كون مآل الأمر إلى المهدي عليه الصلاة والسلام، فإنه إذا عزم على أمر توكل على الله تعالى وفعله كما كان ذلك شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه.

مضافا إلى عصمته المطلقة وقد تقدم الكلام على ذلك آنفا فلا يحتاج إلى مشورة عيسى عليه السلام بالأصالة، بحيث لولاها لما نفذ له قول ولا أمر، لمكان تلك العصمة والتسديد من الله تعالى، وإنما هي أعني المشورة على تقدير ثبوتها سياسة أدبية منه مع عيسى بن مريم عليه السلام، وهذا لا ضير فيه، ولا يقدح في شئ من أمر المهدي عليه الصلاة والسلام وإمامته وتقدمه على جميع أهل عصره، ووجوب طاعته كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حذو القذة بالقذة، كما لا يخفى.

* * *

ص :21


1- (1) البيان: 21.
2- (2) مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 62: 115.

الباب الثاني: في حكاية جملة من فتاوى العلماء في من أنكر المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام

ونقتصر في هذا الباب على ما وقفنا عليه على العجالة، فعسى الله أن يردع بذلك من صبا إلى القول بإنكاره من أهل الجهالة والضلالة، ويكون بلاغا ناهيا للزائغين، إنه الهادي إلى سبيله.

فنقول:

إعلم رحمك الله أنه لا ريب في أن أحاديث خروج المهدي عليه الصلاة والسلام متواترة، بإجماع من يعتد به من أهل العلم وأئمة الحديث، فإنكار هذا الأمر المتواتر جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر، كما قال القنوجي في الإذاعة (1).

وقد سئل شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر المكي الشافعي عمن أنكر المهدي الموعود به، فأجاب: أن ذلك إن كان لإنكار السنة رأسا فهو كفر يقضى على قائله بسبب كفره وردته فيقتل.

وإن لم يكن لإنكار السنة وإنما هو محض عناد لأئمة الإسلام فهو

ص :22


1- (1) راجع: الإذاعة لما كان وما يكون المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 104: 146.

يقتضي التعزير البليغ والإهانة بما يراه الحاكم لائقا بعظيم هذه الجريمة، وقبح هذه الطريقة، وفساد هذه العقيدة، من حبس وضرب وصفع وغيرها من الزواجر عن هذه القبائح، ويرجعه إلى الحق راغما على أنفه، ويرده إلى اعتقاد ما ورد به الشرع ردعا عن كفره. انتهى.

وقد ذكر المتقي الهندي في أواخر كتابه البرهان (1) هذه الفتوى بعين ألفاظها، وأوردها المفتي ابن حجر مختصرة في الفتاوى الحديثية (2) له.

وكذلك أفتى الشيخ العلامة يحيى بن محمد الحنبلي بكفر من أنكر المهدي عليه السلام فقال: وأما من كذب بالمهدي الموعود به فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بكفره (3).

وقد وقفت على فتوى لشيخ الإسلام محمد بهاء الدين العاملي رحمه الله تعالى في هذه المسألة، قال في جواب من سأله عن خروج المهدي بقول مطلق، هل هو من ضروريات الدين فمنكره مرتد، أم ليس من ضرورياته، لما يحكى من خلاف بعض المخالفين فيه، وأن الذي يخرج إنما هو عيسى عليه السلام، وهل يكون خلافهم مانعا من ضروريته؟:

الأظهر أنه من ضروريات الدين، لأنه مما انعقد عليه إجماع المسلمين، ولم يخالف فيه إلا شرذمة شاذة لا يعبأ بهم، لا يعتمد عليهم ولا بخلافهم، ولا يقدح خروج أمثال هؤلاء من ربقة الإجماع في حجيته، فلا مجال للتوقف في كفرهم إن لم تكن لهم شبهة محتملة. انتهى.

ص :23


1- (1) البرهان: 178 179.
2- (2) الفتاوى الحديثية: 37.
3- (3) البرهان: 182.

قلت:

إكفار المنكر عند الفريقين يدور على أحد أمرين:

أولهما: ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن حجر في الفتاوى الحديثية وهو ما أخرجه أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر (1).

قال ابن حجر في القول المختصر كما في البرهان: أي حقيقة، كما هو المتبادر من اللفظ، لكن إن كان تكذيبه من السنة، أو لاستهتاره بها، أو للرغبة عنها، فقد قال أئمتنا وغيرهم: لو قيل لإنسان قص أظفارك فإنه من السنة، فقال:

لا أفعله وإن كان سنة رغبة عنها فقد كفر، فكذا يقال بمثله (2).

قلت:

حديث جابر أخرجه أبو القاسم السهيلي في شرح السيرة له.

وأبو بكر ابن أبي خيثمة في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي.

والحافظ السيوطي الشافعي في العرف الوردي (3).

ص :24


1- (1) الفتاوى الحديثية المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 432: 37، الإشاعة في إشراط الساعة المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 505: 112.
2- (2) البرهان: 170 171.
3- (3) العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 392: 487.

وشيخ الإسلام إبراهيم بن محمد الجويني الشافعي في فرائد السمطين (1).

والحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة (2).

واعتمده بعض أهل العلم كابن حجر الشافعي، ويحيى بن محمد الحنبلي وأفتيا بمدلوله، كما مر آنفا.

وكذا الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في لوائح الأنوار البهية (3) فإنه قال: قد روى الإمام الحافظ ابن الإسكافي بسند مرضي إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه إلى آخره، وأورده البرزنجي الشافعي في الإشاعة (4).

فظهر بذلك ما في دعوى بعضهم من الحكم بوضع الحديث ورمي ابن الإسكافي به، والله المستعان.

وثانيهما: إجماع أهل الإسلام قاطبة، واتفاقهم على مر الأعصار والأعوام على خروج المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام، حتى عد ذلك من ضروريات الدين كما صرح به شيخ الإسلام البهائي، وهو اتفاق قطعي منهم، لا يشوبه شك ولا يعتريه ريب، اللهم إلا من شذ، ممن لا يعتد بخلافه، ولا يلتفت إليه، ولا تكون مخالفته قادحة في حجية

ص :25


1- (1) فرائد السمطين 2 / 334 ح 585.
2- (2) ينابيع المودة 3 / 295 ح 1 و ص 383 ح 1، وفيه " أنكر " بدل " كذب "، الحاوي للفتاوي، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 392.
3- (3) انظر: لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 21.
4- (4) الإشاعة في إشراط الساعة المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 505: 112.

الإجماع، ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، مضافا إلى تواتر أحاديث المهدي عليه الصلاة والسلام تواترا قطعيا.

وظاهر أن من أنكر المتواتر من أمور الشرع والغيب بعد ما ثبت عنده ثبوتا يقينيا فإنه كافر، لرده ما قطع بصدوره وتحقق ثبوته عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شبهة في كفر من ارتكب ذلك بإجماع المسلمين، لأن الراد عليه صلى الله عليه وآله وسلم كالراد على الله تعالى، والراد على الله كافر باتفاق أهل الملة، وإجماع أهل القبلة.

ودعوى التواتر صحيحة ثابتة كما صرح بذلك جمهور أهل العلم من الفريقين، ولا نعلم رادا لها إلا بعض من امتطى مطية الجهل، واتخذ إلهه هواه، وكابر الحق، فكان حقيقا بالإعراض عنه.

ونحن نقتصر في هذا المختصر على نقل كلام جماعة من محققي العلماء في تحقق التواتر لتتبين لك جلية الحال.

قال الشيخ أبو الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى بن مريم خلفه (1).

انتهى.

وفي بعض فتاوى شيخ الإسلام ابن حجر المكي، أن الأحاديث في ذلك مستفيضة متواترة.

ص :26


1- (1) انظر: العطر الوردي المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 118: 45.

وقال في الصواعق: الأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة.

وقال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي في اللوائح (1):

الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام.

قال: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، فلا معنى لإنكارها (2).

ومثله في شرح الشرقاوي على ورد البكري كما في مشارق الأنوار للحمزاوي (3).

وقال قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح: الأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر.

قال: وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول.

قال: وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضا، لها

ص :27


1- (1) انظر: لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 20.
2- (2) انظر: لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 20.
3- (3) انظر: مشارق الأنوار المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 62: 115.

حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك (1).

وقال السويدي البغدادي في كتابه سبائك الذهب: الذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الوقت، وأنه يملأ الأرض عدلا، والأحاديث في ظهوره كثيرة (2).

وقال الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد الإدريسي الحسني الكتاني في كتابه نظم المتناثر من الحديث المتواتر (3): قد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوي أنها متواترة يعني أحاديث المهدي عليه السلام، والسخاوي ذكر ذلك في فتح المغيث.

قال: وفي تأليف لأبي العلاء إدريس بن محمد بن إدريس الحسني العراقي في المهدي هذا، أن أحاديثه متواترة أو كادت، وجزم بالأول غير واحد من الحفاظ النقاد.

وبالجملة: فإنكار المهدي وإنكار خروجه أمر عظيم لا ينبغي التفوه به، بل ربما أفضى بصاحبه إلى الكفر والخروج عن الملة والعياذ بالله تعالى.

وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، شيخ علماء نجد والحجاز في هذا العصر، ومعتمدهم في علوم الشرع المطهر: أما من أنكر ذلك يعني نزول عيسى وخروج الدجال والمهدي وزعم أن نزول المسيح بن مريم ووجود المهدي إشارة إلى ظهور الخير، وأن وجود

ص :28


1- (1) راجع: الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 71 72: 113 114.
2- (2) سبائك الذهب: 78.
3- (3) انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 194: 144 145.

الدجال ويأجوج ومأجوج وما أشبه ذلك إشارة إلى ظهور الشر، فهذه أقوال فاسدة، بل باطلة في الحقيقة، لا ينبغي أن تذكر، فأهلها قد حادوا عن الصواب، وقالوا أمرا منكرا وأمرا خطيرا لا وجه له في الشرع، ولا وجه له في الأثر ولا في النظر.

قال: والواجب تلقي ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقبول، والإيمان التام به والتسليم، فمتى صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله عز وجل:

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1) وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر عن الدجال، وعن المهدي، وعن عيسى بن مريم، ووجب تلقي ما قاله بالقبول والإيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة (2).

ولا يسع المقام لاستقصاء كلام الأئمة والعلماء في تواتر أحاديث المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام، والتحذير من إنكار شأنه، لكن في ما حكينا لك مقنع وكفاية إن شاء الله تعالى، والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * * * * *

الباب الثالث: في ذكر طرف من الوجوه الفارقة بين المهدي المنتظر وبين المسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام

اشارة

إعلم رحمك الله أن هذا الباب هو المقصود بالأصالة، والداعي إلى جمع هذه الرسالة، وأن ما تقدم إنما هو كالتمهيد له، فنقول وبالله نستعين:

قد مر عليك آنفا قول العلامة السفاريني: إن الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى.

إذا تقرر هذا فاعلم: أن المتأمل في الأحاديث النبوية، والآثار المروية تظهر له فروق شتى بين خروج المهدي المنتظر آخر الزمان، وبين المسيح عيسى بن مريم صلى الله على نبينا وآله وعليه وسلم.

1 فمنها: ما ورد في الأحاديث المستفيضة من كون المهدي من هذه

الأمة، وأنه من ولد فاطمة عليها الصلاة والسلام، وأنه من ذرية الحسين السبط الشهيد عليه السلام.

ولا ريب أن ابن مريم عليه السلام ليس من هذه الأمة المرحومة، بل هو من أنبياء بني إسرائيل، ولا هو من ولد فاطمة صلوات الله وسلامه عليه وعليها، بل هو ابن مريم العذراء، ليس له أب فضلا عن كونه من ذرية الحسين عليه الصلاة والسلام، وهذا مما أطبق عليه بنو آدم أبد الآبدين، وهو من أعظم

ص :29


1- (1) سورة النساء 4: 65.
2- (2) مجلة الجامعة الإسلامية المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 435، العدد الثالث من السنة الأولى، ذو العقدة 1388 ه.

الفوارق وأبينها.

قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات: قد تضافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة. انتهى.

قلت:

ويدل على ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف عن أبي سعيد الخدري، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا... الحديث (1).

وأخرج ابن ماجة عن أبي سعيد أيضا، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

" يكون في أمتي المهدي " (2).

وأخرج أيضا عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة " (3).

ورواه أحمد وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن (4).

وأخرج أيضا عن عبد الله بن مسعود، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم " اغرورقت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه! فقال:

ص :30


1- (1) المصنف 11 / 371 372 ح 20770.
2- (2) سنن ابن ماجة 2 / 1366 ح 4083.
3- (3) سنن ابن ماجة 2 / 1367 ح 4085.
4- (4) الفتن: 254 ح 996، مسند أحمد بن حنبل 1 / 84، المصنف لابن أبي شيبة 15 / 197 ح 19490.

نكرهه! فقال: " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا " (1).

وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب، قال: كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " المهدي من ولد فاطمة " (2).

وفي لفظ أبي داود: " المهدي من عترتي من ولد فاطمة " (3).

وأخرج أبو نعيم وابن ماجة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " نحن سبعة من ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي " (4).

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا " (5).

وفي حديث عن ابن مسعود: " لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني، أو: من أهل بيتي.. " الحديث (6).

ص :31


1- (1) سنن ابن ماجة 2 / 1366 ح 4082.
2- (2) سنن ابن ماجة 2 / 1368 ح 4086.
3- (3) سنن أبي داود 4 / 107.
4- (4) سنن ابن ماجة 2 / 24.
5- (5) سنن أبي داود 4 / 107، المصنف لابن أبي شيبة 8 / 678 ح 194.
6- (6) سنن أبي داود 4 / 106.

وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين " (1).

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " (2).

قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، وأم سلمة، وأبي هريرة، وهذا حديث حسن صحيح.

وأخرج الترمذي عن ابن مسعود أيضا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " (3).

وأخرج أيضا عن أبي سعيد، قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدث، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: " إن في أمتي المهدي.. " الحديث (4).

وأخرج البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟! " (5).

وأخرج نور الدين الهيثمي في موارد الظمآن عن أبي هريرة أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل

ص :32


1- (1) سنن أبي داود 4 / 107.
2- (2) مسند أحمد 1 / 377 و ص 430، سنن أبي داود 4 / 107، سنن الترمذي 4 / 438 ح 2230 باب ما جاء في المهدي.
3- (3) سنن الترمذي 4 / 438 ح 2231 باب ما جاء في المهدي.
4- (4) سنن الترمذي 4 / 439 ح 2232.
5- (5) صحيح البخاري 4 / 325 ح 245.

من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم " (1).

وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو يعلى والطبراني، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يكون اختلاف عند موت خليفة، يخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبتعثون إليه جيشا من أهل الشام، فإذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فإذا بلغ الناس ذلك أتاه أهل الشام وعصائب من أهل العراق فيبايعونه، وينشأ رجل من قريش أخواله من كلب فيبتعثون إليهم جيشا فيهزمونهم ويظهرون عليهم فيقسم بين الناس فيؤهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، يمكث سبع سنين " (2).

وأخرج أحمد والباوردي في المعرفة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أبشركم بالمهدي، رجل من قريش [من عترتي] (3) يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا كما ملئت جورا وظلما، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض.. " الحديث (4).

وأخرج الطبراني في الأوسط من طريق عمر بن علي، عن علي بن

ص :33


1- (1) موارد الظمآن: 463 باب ما جاء في المهدي.
2- (2) سنن أبي داود 4 / 107 108، مسند أحمد 6 / 316، المصنف 11 / 376 ح 20769، مسند أبي يعلى 12 / 369 370 ح 6940، المعجم الكبير للطبراني 23 / 39 ح 931.
3- (3) ما بين المعقوفين أثبتناه من العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي.
4- (4) العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 58.

أبي طالب عليه السلام أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: " بل منا، بنا يختم الله كما بنا فتح، وبنا يستنقذون من الشرك.. " الحديث (1).

وأخرج نعيم بن حماد وأبو نعيم من طريق مكحول، عن علي عليه السلام، قال: قلت: يا رسول الله! أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال: " لا، بل منا.. " الحديث (2).

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين، قال: " المهدي من هذه الأمة، وهو الذي يؤم عيسى بن مريم عليه السلام " (3).

وأخرج نعيم بن حماد عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حق هو؟ قال: نعم. قلت: ممن هو؟ قال: من ولد فاطمة (4).

وأخرج أيضا عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " المهدي رجل من عترتي، يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي " (5).

وبالجملة: فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلا كما صرح بن الشبلنجي في نور الأبصار (6).

ص :34


1- (1) المعجم الأوسط 1 / 97 98 ح 157.
2- (2) كتاب الفتن: 229، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 62.
3- (3) المصنف لابن أبي شيبة 8 / 679 ح 159.
4- (4) كتاب الفتن: 228.
5- (5) كتاب الفتن: 229.
6- (6) نور الأبصار: 187 188، وانظر: موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 47.

وقال القنوجي في الإذاعة: قال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة: إن كون المهدي من ذريته صلى الله عليه وآله وسلم مما تواتر عنه، فلا يسوغ العدول والالتفات إلى غيره (1).

2 ومنها: ما ورد في حليتهما، فإن بينهما في ذلك اختلافا بينا.

أخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين " (2).

وأخرج أبو داود كما في جامع الأصول لابن الجزري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ليس بيني وبينه يعني عيسى عليه السلام نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، ينزل بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل.. " الحديث (3).

وأخرج الحموئي في فرائد السمطين بإسناده عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: المهدي من ولدي، ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دري، في خده خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان، كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك " (4).

وروى نحوه نعيم بن حماد عن عبد الله بن الحارث (5).

ص :35


1- (1) الإذاعة لما كان وما يكون: 147.
2- (2) المصنف لابن عبد الرزاق 11 / 372 ح 20773، سنن أبي داود 4 / 107.
3- (3) سنن أبي داود 4 / 115 ح 4324.
4- (4) فرائد السمطين 2 / 314.
5- (5) انظر: كتاب الفتن: 225.

وأخرج في فرائد السمطين أيضا عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " المهدي منا أهل البيت، رجل من أمتي، أشم الأنف، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا " (1).

ورواه أبو نعيم (2).

وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا، أعلى الجبهة، يملأ الأرض عدلا، يفيض المال فيضا " (3).

وأخرج الروياني في مسنده وأبو نعيم عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خده الأيمن خال، كأنه كوكب دري.. " الحديث (4).

وأخرج أبو عمرو الداني في سننه عن حذيفة أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صل بنا.. " الحديث (5).

وفي اللوائح للسفاريني عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام عن صفة المهدي، قال: " هو شاب مربوع، حسن

ص :36


1- (1) فرائد السمطين 2 / 330.
2- (2) كتاب الفتن: 232، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 58.
3- (3) انظر: العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 63.
4- (4) انظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 66، موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 368.
5- (5) كتاب الفتن: 348 و ص 352، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 81، موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 1 / 389.

الوجه، يسيل شعره على منكبه، يعلو نور وجهه، سواد شعره ولحيته ورأسه ".

قال: وفي رواية أخرى عن علي عليه السلام: " أن المهدي كث اللحية، أكحل العينين، براق الثنايا، في وجهه خال، أقنى، أجلى، في كتفه علامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ".

قال: وفي بعض الروايات: " المهدي أزج، أبلج، أعين " (1).

3 ومنها: افتراقهما عليهما الصلاة والسلام في الاسم والكنية

واللقب.

فالمهدي عليه السلام اسمه: (محمد) وكنيته: (أبو القاسم) على المشهور.

وقيل: اسمه أحمد، وكنيته: أبو عبد الله، وليس بشئ.

والمسيح بن مريم عليه السلام اسمه: (عيسى).

ولقب المهدي: الحجة، والمنتظر، والقائم، والموعود، وغير ذلك.

ولقب عيسى: المسيح، وروح الله، وكلمته.

وأخرج أحمد وأبو داود الترمذي عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " (2).

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ص :37


1- (1) لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 12.
2- (2) مسند أحمد 1 / 377 و ص 430، سنن أبي داود 4 / 107، سنن الترمذي 4 / 438 ح 2230، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 58 59.

وكذلك أخرج الطبراني في المعجم الكبير أحاديث كثيرة في ذلك بألفاظ مختلفة (1).

وأخرج نعيم بن حماد، عن ابن مسعود أيضا، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: اسم المهدي (محمد) (2).

وأخرج أبو داود عن علي عليه السلام أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه (3 رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق، ولا يشبهه في الخلق (3).

4 ومنها: أن مع المهدي عليه الصلاة والسلام راية رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم المعلمة كما أخرجه نعيم بن حماد عن عبد الله بن شريك (4) مكتوب عليها: " البيعة لله " كما أخرجه نعيم عن ابن سيرين (5) وكذلك أشياء أخر.

فقد أخرج نعيم بن حماد أيضا عن أبي جعفر عليه السلام، قال: يظهر المهدي بمكة عند العشاء، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقميصه، وسيفه،

ص :38


1- (1) المعجم الكبير 10 / 133 137 ح 10213 10230.
2- (2) كتاب الفتن: 227، وانظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 73.
3- (4) سنن أبي داود 4 / 108.
4- (5) كتاب الفتن: 220، وفيه " المغلبة " بدل " المعلمة "، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 75.
5- (6) كتاب الفتن: 220، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 75.

وعلامات، ونور، وبيان... إلى آخره (1).

وقد جاء في أحاديث أن صاحب راية المهدي رجل يقال له: " شعيب بن صالح التميمي " (2).

وظاهر أنه ليس لعيسى عليه السلام شئ من ذلك.

5 ومنها: ما رواه الحفاظ من أن عدد أصحاب المهدي عليه الصلاة

والسلام عدة أهل بدر.

أخرج الطبراني في المعجم الأوسط والحاكم عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يبايع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر.. " الحديث (3).

ومعلوم أن عيسى بن مريم عليهما السلام لا ينزل من السماء بهذا العدد، ولا تجتمع معه تلك العدة، بل ينزل بعد خروج المهدي عليه الصلاة والسلام متبعا إياه.

6 ومنها: ما تواتر من خروج الدجال والسفياني قبل ظهور المهدي المنتظر

عليه السلام (4)، وما ورد من خروج القحطاني بعده (5).

7 ومنها: مساعدة عيسى على قتل الدجال بباب (لد) كما صرح به

ص :39


1- (1) كتاب الفتن: 213، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 71.
2- (2) كتاب الفتن: 190، العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 69.
3- (3) المعجم الأوسط 9 / 288 ح 9459، المستدرك على الصحيحين 4 / 431.
4- (4) البدء والتاريخ للبلخي 1 / 186، العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 71 و ص 75.
5- (5) كتاب الفتن: 247، البدء والتاريخ للبلخي 1 / 184.

الآبري والشبلنجي في نور الأبصار بتواتره (1).

8 ومنها: ما روي مستفيضا من موت المهدي عليه السلام ببيت المقدس

بعد انقضاء مدة ملكه، وصلاة عيسى بن مريم والمسلمين عليه.

9 ومنها: ما روي من خروج المهدي عليه السلام ومبايعته بين الركن

والمقام (2).

أخرج أبو داود في سننه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: " يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق، فيبايعونه بين الركن والمقام.. " الحديث (3).

وأخرج نعيم بن حماد عن أبي هريرة، قال: يبايع المهدي بين الركن والمقام، لا يوقظ نائما ولا يهريق دما (4).

وأما المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فإنه ينزل من السماء بعد ظهور المهدي ووقوع البيعة له.

وقد دلت السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على نزول عيسى بن مريم عليهما السلام على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وحكمه بكتاب الله تعالى، وقتله اليهود

ص :40


1- (1) نور الأبصار: 189، وانظر: كتاب الفتن: 341 342، صحيح مسلم 8 / 198.
2- (2) انظر: العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 59 و ص 61.
3- (3) سنن أبي داود 4 / 107.
4- (4) انظر: العرف الوردي في أخبار المهدي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 76.

والنصارى، وإهلاك أهل الملل في زمانه كما قال ابن قيم الجوزية في المنار المنيف (1).

وأخرج الطبراني في الكبير عن أوس بن أوس: ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما في الجامع الصغير للحافظ السيوطي (2).

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ينزل يعني المسيح بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين.. " الحديث (3).

10 ومنها: أن عيسى بن مريم عليه السلام يقتدي بالمهدي عليه السلام في

الصلاة، فيكون المهدي إماما وعيسى مأموما.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة، وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه (4).

ويدل على ذلك أيضا:

ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟! " (5).

وأخرج أبو نعيم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه " (6).

ص :41


1- (1) المنار المنيف: 148.
2- (2) المعجم الكبير 1 / 217 ح 590، الجامع الصغير: 590 ح 10023.
3- (3) صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب ذكر الدجال 8 / 197 198.
4- (4) فتح الباري 6 / 611 باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام.
5- (5) صحيح البخاري 4 / 325 ح 245.
6- (6) العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 64.

وفي صحيح ابن حبان من حديث عطية بن عامر نحوه (1).

وأخرج مسلم وأبو نعيم أيضا واللفظ له عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله لهذه الأمة " (2).

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين، قال: المهدي ينزل عليه ابن مريم، ويصلي خلفه عيسى (3).

وأخرج نعيم بن حماد، عن عبد الله بن عمرو، قال: المهدي ينزل عليه ابن مريم ويصلي خلفه عيسى (4).

تلك عشرة كاملة من وجوه الفرق بين المهدي المنتظر والمسيح بن مريم عليهما الصلاة والسلام، وقد تستنبط وجوه أخرى بالتأمل في ما ورد من الأحاديث في هذا الباب، لا تكاد تخفى على أولي الألباب.

وفي ما أثبتناه هنا غنية وحجة لمن آتاه الله الحكمة والهداية، وجنبه سبل الضلالة والغواية، إنه خير هاد ومعين.

ص :42


1- (1) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 8 / 283 284 رقم 6764.
2- (2) صحيح مسلم 1 / 95، جامع الأصول 10 / 329 330 ح 7832.
3- (3) المصنف لابن أبي شيبة 8 / 679، وفيه: " المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم الناس ".
4- (4) العرف الوردي في أخبار المهدي، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي 2 / 78.

تنبيه

قال ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة بعد حكاية كلام الشيخ أبي الحسين الآجري في صلاة المهدي بعيسى بن مريم، المذكور آنفا: وما ذكره من أن المهدي يصلي بعيسى هو الذي دلت عليه الأحاديث.

قال: وأما ما صححه السعد التفتازاني من أن عيسى هو الإمام بالمهدي لأنه أفضل فإمامته أولى، فلا شاهد له في ما علله به، لأن القصد بإمامة المهدي لعيسى إنما هو إظهار أنه نزل تابعا لنبينا، حاكما بشريعته، غير مستقل بشئ من شريعة نفسه (1).

قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص بعدما نقل كلام السدي في اجتماع المهدي وابن مريم وإمامة المهدي بعيسى: فلو صلى المهدي خلف عيسى لم يجز لوجهين:

أحدهما: لأنه يخرج عن الإمامة بصلاته مأموما فيصير تبعا.

الثاني: لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا نبي بعدي "، وقد نسخ جميع الشرائع، فلو صلى عيسى بالمهدي لتدنس وجه " لا نبي بعدي " بغبار الشبهة (2).

وقد حكاه الشهاب القسطلاني في إرشاد الساري عن أبي الفرج ابن الجوزي (3).

ص :43


1- (1) الصواعق المحرقة: 254 255.
2- (2) تذكرة الخواص: 325.
3- (3) إرشاد الساري 14 / 491.

قلت:

حديث الشيخين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

" كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟! " (1).

وحديث مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة " (2).

صريحان في تفنيد دعوى التفتازاني ومن قلده في ذلك، والله المستعان.

وقد أفاد الإمام الحافظ الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان كلاما في هذا المقام ينقطع دونه دابر المفسدين، ويذعن بمتانته كل ذي لب وحجى وقد تقدم شطر منه فحقيق ببغاة الحق أن يقفوا عليه، ويتدبروا فيه بإمعان، والله الموفق والمستعان.

* * *

ص :44


1- (1) صحيح البخاري 4 / 325 ح 245، صحيح مسلم 8 / 94.
2- (2) صحيح مسلم 8 / 95.

الخاتمة

إعلم رحمك الله أن القول بوجود المهدي عليه الصلاة والسلام، وخروجه هو الحق الذي أخبر به نبي الإسلام، وأجمع عليه الأئمة الأعلام، على مر العصور والأيام، فمخالفة هذا الأمر الثابت المقطوع الذي كاد يلحق بالضروريات، بل هو منها كما مر عن شيخ الإسلام البهائي، جرأة عظيمة، ومهلكة سحيقة، يخشى على مقتحمها الكفر والارتداد عن ملة الإسلام، والعياذ بالله تعالى.

فليحذر الذين يشككون في أمر المهدي أن تصيبهم بذلك فتنة توجب خسرانهم وهلاكهم في الدارين، نسأل الله السلامة من الخذلان، والاستقامة على الهدى، والثبات على الحق، آمين.

قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي المكي في القول المختصر كما في البرهان (1): الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي خلفه، وأنه المراد حيث أطلق المهدي.

وقال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني في اللوائح: الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم.

ص :45


1- (1) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: 168 169.

قال: فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة، وكذا عند أهل الشيعة أيضا (1).

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: إن عقيدة خروج المهدي ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم يجب الإيمان بها، لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين، كما قال تعالى: (ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) (2) وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر (3).

وقد صحح القول بخروج المهدي المنتظر عليه السلام في آخر الزمان جماعة من أعلام الحفاظ وأئمة الحديث كالعقيلي والخطابي وابن حبان البستي والقاضي عياض والقرطبي وابن تيمية وابن كثير وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فلا يتجرأ بعد ذلك كله على رد الأحاديث وإنكار شأن المهدي عليه الصلاة والسلام إلا جاهل بليد أو مكابر عنيد، والله المستعان، وعليه التكلان.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

* * *

ص :46


1- (1) انظر: لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الإلهية، المطبوع ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 20 21.
2- (2) سورة البقرة 2: 1 3.
3- (3) مجلة التمدن الإسلامي السنة 22 المجلد 27 و 28 ص 646، المطبوعة ضمن موسوعة الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2 / 391.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.