اعلام الهداية الامام محمد بن علي الجواد علیهما السلام

اشارة

المؤلف: المجمع العالمي لاهل البيت عليهم السلام
الكمية: 5000 نسخة
الطبعة: الاولي\par طبع في سنة: 1422 ق\par المطبعة: ليلي

المقدمة

الحمد لله الذي أعطي كلّ شيء خلقه ثم هدي، ثم الصلاة والسلام علي من اختارهم هداةً لعباده، لا سيما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفي محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي آله الميامين النجباء. لقد خلق الله الانسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه. وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له علي خلقه، وأعانه بما أفاض علي العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلي طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلي هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها. وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة اُخري. قال تعالي: [ صفحه 8] (قُلْ إنّ هُدي الله هو الهُدي) (الانعام (6): 71). (والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم) (البقرة (2): 213). (والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل) (الأحزاب (33): 4). (ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلي صراط مستقيم) (آل عمران (3): 101). (قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتَّبع أ مّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدي فمالكم كيف تحكمون)(يونس (10): 35). (ويري الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل اليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلي صراط العزيز الحميد) (سبأ (34): 6). (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هديً من الله) (القصص (28):50). فالله تعالي هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الانسان إلي الصراط المستقيم وإلي الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد أودع الله في فطرة الانسان النزوع إلي الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلي الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف علي طريق الكمال، ومن هنا قال تعالي: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)(الذاريات (51): 56). وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، صارت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلي قمّة الكمال. وبعد أن زوّد الله الانسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوي الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الانسان ـ بالإضافة إلي عقله وسائر أدوات المعرفة ـ الي مايضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، [ صفحه 9] وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الانسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الارشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة. وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلي مدي العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه، لئلاّ يكون للناس علي الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد)(الرعد (13): 7). ويتولّي أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: (الله أعلم حيث يجعل رسالته)(الانعام (6): 124) و (الله يجتبي من رسله من يشاء) (آل عمران (3): 179). 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية الي البشرية ولمن اُرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ علي الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب والإحاطة اللازمة» بتفاصيل [ صفحه 10] الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و «العصمة» عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالي: (كان الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)(البقرة (2): 213). 3 ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالي: (يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة) (الجمعة (62): 2) والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة)(الاحزاب (33): 21). 4 ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّي بالعصمة. 5 ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف علي المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّي إدارة شؤون الاُمة علي أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وصموداً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطي بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً علي مسيرة القيادة وانقياد الاُمة لها بحيث يتنافي مع أهداف الرسالة وأغراضها. [ صفحه 11] وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكؤا طرفة عين. وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ علي مدي العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبري ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي: 1 ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي علي عناصر الديمومة والبقاء. 2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف. 3 ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة. 4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء. 5 ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته (صلي الله عليه وآله). ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ أن تستمر القيادة الكفؤة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربصون بها الدوائر. [ صفحه 12] ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال؛ علي يد مربٍّ كفوءٍ علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلي الله عليه وآله) يستوعب الرسالة ويجسدها في كل حركاته وسكناته. ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم علي الرسول (صلي الله عليه وآله) إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتولي مهمة إدامة الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال علي قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها علي مرّ العصور، وحتي يرث الله الأرض ومن عليها. وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لقيادة الاُمّة من بعده. وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم (صلّي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لقيادة الاُمّة من بعده. إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للإسلام بعد عصر الرسول (صلّي الله عليه وآله)، ودراسة حياتهم بشكلٍ مستوعبٍ تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الإسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلي أعماق الأمة ووجدانها بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلّي الله عليه وآله)، فأخذ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) يعملون علي توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلّي الله عليه وآله) وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والأمة جمعاء. [ صفحه 13] وتبلورت سيرة الأئمّة الراشدين في استمرارهم علي نهج الرسول العظيم وانفتاح الأمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء علي الله لنيل مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق إليه، والسابقين إلي تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر علي طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّي ضربوا أعلي أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالي، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ علي الحياة مع الذلّ، حتي فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاحٍ عظيمٍ وجهادٍ كبير. ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا سيرتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسي الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلّي الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه وأنار الأرض بعدله. ويختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام محمّد بن علي الجواد (عليه السلام) تاسع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهو المعصوم الحادي عشر من أعلام الهداية والذي تمثلت كل جوانب الشريعة في حياته فكراً وخلقاً وسلوكاً فكان نبراساً ومثلاً أعلي للبشرية بعد سيّد المرسلين وآبائه الطاهرين الذين أذهب الله عنهم [ صفحه 14] الرجس وطهرهم تطهيراً. ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر إلي كلّ الإخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلي عالم النور، لا سيَّما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالي. ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل إلي الله تعالي بالدعاء والشكر لتوفيقه علي إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير. المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) قم المقدسة [ صفحه 17]

الإمام محمد الجواد في سطور

الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) هو التاسع من أئمة أهل البيت الذين أوصي إليهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) ـ بأمر من الله سبحانه ـ لتولّي مهام الإمامة والقيادة من بعده، بعد أن نصّ القرآن علي عصمتهم وتواترت السنة الشريفة بذلك. وتجسّدت في شخصية هذا الإمام العظيم ـ كسائر آبائه الكرام ـ جميع المثل العُليا والأخلاق الرفيعة التي تؤهّل صاحبها للإمامة الرسالية والزعامة الربّانية. وتقلّد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو إلي العجب فقد تقلّد عيسي بن مريم (عليه السلام) النبوّة وهو في المهد. لقد أثبت التاريخ من خلال هذه الإمامة المبكرة صحة ما تذهب إليه الشيعة الإمامية في الإمامة بأنّه منصب إلهي يهبه الله لمن يشاء ممّن جمع صفات الكمال في كل عصر، فقد تحدّي الإمام الجواد(عليه السلام) ـ علي صغر سنّه ـ أكابر علماء عصره وعلاهم بحجته بما أظهره الله علي يديه من معارف وعلوم أذعن لها علماء وحكّام عصره. وقد احتفي به(عليه السلام) ـ وهو ابن سبع سنين ـ كبار العلماء والفقهاء والرواة وانتهلوا من نمير علمه ورووا عنه الكثير من المسائل العقائدية ـ الفلسفية [ صفحه 18] والكلامية ـ والفقهية والتفسيرية إلي جانب عطائه في سائر مجالات المعرفة البشرية. وقد سار هذا الإمام العظيم علي نهج أبيه من القيام برعاية الشيعة وتربيتهم علمياً وروحيّاً وسياسيّاً بما يجعلهم قادرين علي الاستمرار في المسيرة التي خططها لهم أئمتهم المعصومون حيث تنتظرهم الأيّام المقبلة الّتي تتميّز بالانقطاع عن أئمتهم فكان لابدّ لهم أن يقتربوا من حالة الاكتفاء الذاتي في إدارة شؤونهم فكريّاً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً. أجل، لقد استطاع هذا الإمام ـ العظيم بالرغم من قصر عمره الشريف ـ أن يحقق أهدافاً كبري تصبُّ في الرافد الذي ذكرناه. ويدل استشهاده ـ وهو في الخامسة والعشرين من عمره ـ علي مدي نجاحه في حركته وتخطيطه حيث أربك حضوره في الساحة الاجتماعية الإسلامية الحكّام الطغاة واضطرّهم لاغتياله والقضاء علي نشاطه البنّاء. [ صفحه 19]

انطباعات عن شخصية الإمام الجواد

إنّ مواهب الإمام التقي محمّد بن علي الجواد(عليه السلام) قد ملكت عقول كل من عاصره وتطّلع إلي شخصيته العملاقة واطلع علي عظمة فكره وكمال علمه. وكل من كان يراه لم يقدر أن يتمالك نفسه أمامه ويخرج من عنده إلاّ والإعجاب والخضوع يتسابق بين يديه. وهنا نشير إلي بعض ما وصلنا من معالم عظمته وسموّ شخصيته علي لسان من عاصره ثم من كتب عنه وأرّخ له. 1 ـ والده الإمام الرضا (عليه السلام): لقد وصف الإمام الرضا (عليه السلام) ابنه الجواد بما يلي: أ ـ قال عنه قبل ولادته للحسين بن بشار: «والله لا تمضي الأيّام والليالي حتي يرزقني الله ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل» [1] . وزاد في نص آخر: «حتي يولد ذكر من صُلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل» [2] . [ صفحه 20] ب ـ وقال عنه بعد ولادته: «هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه» [3] . ج ـ وقال أيضاً: «هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني» [4] . د ـ وقال أيضاً لصفوان بن يحيي: «كان أبو جعفر محدَّثاً» [5] . 2 ـ علي بن جعفر (عمّ أبيه): «قال محمد بن الحسن بن عمّار: دخل أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يديه وعظّمه. فقال له أبو جعفر: يا عمّ اجلس رحمك الله، فقال: يا سيّدي كيف أجلس وأنت قائم؟! فلّما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال: اسكتوا إذا كان الله عزّوجلّ ـ وقبض علي لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتي ووضعه حيث وضعه، اُنكِرُ فضله؟! نعوذ بالله ممّا تقولون! بل أنا له عبد» [6] . 3 ـ قال الشيخ المفيد: وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر (عليه السلام) لِما رأي من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوّجه ابنته أمّ الفضل وحملها معه الي المدينة، وكان متوفّراً علي إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره [7] . [ صفحه 21] وقال في وصف الإمام أبي جعفر (عليه السلام) حينما أراد تزويجه واعترض عليه العباسيون: «وأما أبو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك.. ثم قال لهم: وَيْحَكم إني أعرف بهذا الفتي منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله، ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال [8] . وقال له المأمون أيضاً بعد أوّل لقاء معه بعد وفاة أبيه الرضا(عليه السلام) وبعد أن اختبره ـ والإمام لم يتجاوز العقد الأول من عمره ـ: «أنت ابن الرضا حقاً ومن بيت المصطفي صدقاً وأخذه معه وأحسن اليه وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه». 4 ـ وعزّي أبو العيناء ابن الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) فقال له: «أنت تجلّ عن وصفنا ونحن نقلّ عن عظتك، وفي علم الله ما كفاك، وفي ثواب الله ما عزّاك» [9] . 5 ـ وقال عنه العلاّمة سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفّي سنة (654 هـ): «ومحمد، الإمام أبو جعفر الثاني كان علي منهاج أبيه في العلم والتقي والزهد والجود.. وكان يلقّب بالمرتضي والقانع...» [10] . 6 ـ وقال عنه الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي المتوفّي سنة (652 هـ): «وان كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر.. وقال أيضاً: مناقب أبي جعفر محمد الجواد ما اتسعت حلبات مجالها ولا [ صفحه 22] امتدّت أوقاف آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها فقلّ في الدنيا مقامه وعجّل عليه فيها حمامه فلم تطل لياليه ولا امتدّت أيّامه غير أن الله خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم.. ثم ذكر تلك المنقبة التي اعترف بعدها المأمون له بالفضل والسموّ» [11] . 7 ـ وأدلي علي بن عيسي الأربلي المتوفّي سنة (693 هـ) في حقّه وشأنه(عليه السلام) بكلمات أعرب فيها عن عمق ايمانه به وولائه له صلوات الله عليه، فقال: «الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللُغوي: جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العُنصر، وزكاء الميلاد، وافترع قُلَّة العلاء فما فاز به أحد ولا كاد. مجده عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو علي الكواكب، ومنصبه يشرف علي المناصب، إذا آنس الوفد ناراً قالوا: ليتها نارُه، لا نار غالب. له إلي المعالي سُموّ، والي الشّرف رواح وغُدُوّ، وفي السيادة إغراق وغُلُوّ، وعلي هام السماك ارتفاع وعُلوّ، ومن كل رذيلة بُعْدٌ، وإلي كل فضيلة دُنُوّ. تتأرّج المكارم من أعطافه، ويقطر المجد من أطرافه، وتُروي اخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه، فطوبي لمن سعي في ولائه، والويل لمن رغب في خلافه. إذا اقتُسمتْ غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها، وإذا امتُطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها. [ صفحه 23] يباري الغيث جوداً وعطيةً، ويجاري الليث نجدةً وحميّة، ويبذّ السير سيرةً رضية، مرضية سريّة. إذا عُدِّدَ آباؤه الكرام، وأبناؤه (عليهم السلام) نظَم اللئالي الأفراد في عدِّه، وجاء بجماع المكارم في رسمه وحدِّه، وجَمَع أشتات المعالي فيه، وفي آبائه من قبله، وفي أبنائه من بعده، فمن له أبٌ كأبيه أو جد كجدّه؟!. فهو شريكهم في مجدهم، وهم شركاؤه في مجده، وكما ملأوا أيدي العفاة بِرِفْدِهم، ملأ أيديهم بِرِفده... بهم اتَّضحت سُبُل الهُدي، وبهم سُلِمَ من الردي، وبِحُبِّهم تُرجي النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف، وأولوا النَّدي. كُلُّ المدائح دون استحقاقهم، وكُلُّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكُلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم، فالجنة في وصالهم، والنار في فراقهم. وهذه الصفات تصدق علي الجمع والواحد، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزَّل علي الولد منهم والوالد. حُبُّهم فريضة لازمة، ودولتهم باقية دائمة، وأسواق سُؤدَدِهم قائمة، وثغور محبيهم باسمة، وكفاهم شَرَفاً أن جدّهم محمد، وأبوهم علي، وأُمُّهم فاطمة (عليهم السلام)» [12] . فمن يجاريهم في الفخر؟! ومن يسابقهم في علوّ القدر؟ وما تركوا غاية إلاّ انتهوا اليها سابقين، ولا مرتبة سؤدد إلاّ ارتفقوها آمنين من اللاحقين، وهذا حقّ اليقين بل عين اليقين. [ صفحه 24] الناس كلّهم عيال عليهم ومنتسبون انتساب العبودية اليهم. عنهم اُخذت المآثر، ومنهم تعلّمت المفاخر، وبشرفهم شرف الأوّل والآخر. ولو اطلتُ في صفاتهم لم آتِ بطائل، ولو حاولت حصرها نادتني الثريا: مَن يد المتناول؟ وكيف تطيق حصر ما عجز عنه الأواخر والأوائل؟» 8 ـ وقال الذهبي: «كان محمّد يلقّب بالجواد وبالقانع والمرتضي، وكان من سروات آل بيت النبي (صلي الله عليه وآله).. وكان أحد الموصوفين بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد...» [13] . 9 ـ وقال عنه ابن الصبّاغ المالكي المتوفّي سنة (855 هـ): «وهو الإمام التاسع.. عرف بأبي جعفر الثاني، وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر القائم بالإمامة بعد علي بن موسي الرضا.. للنص عليه والإشارة له بها من أبيه كما أخبر بذلك جماعة من الثقات العدول» [14] . 10 ـ وقال الشيخ عبدالله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفّي سنة (1154 هـ): التاسع من الأئمة محمد الجواد... ثم ذكر نسب الإمام وولادته سنة (195 هـ) ثم قال: وكراماته رضي الله عنه كثيرة ومناقبه شهيرة، ثم ذكر بعض مناقبه وختم حديثه بقوله: وهذا من بعض كراماته الجليلة ومناقبه الجميلة [15] . 11 ـ وقال عنه يوسف اسماعيل النبهاني: «محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمة ومصابيح الاُمة من ساداتنا أهل البيت...» [16] . [ صفحه 25] 12 ـ ووصفه محمود بن وهيب البغدادي بقوله: «هو الوارث لأبيه علماً وفضلاً وأجلّ إخوته قدراً وكمالاً..» [17] . 13 ـ وذكره الفضل بن روزبهان المتوفّي سنة (927 هـ) في شرحه للصلوات التي أنشأها لبيان فضل النبي(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين فقال ما نصّه: «اللهم وصلّ وسلّم علي الإمام التاسع الأوّاب السجّاد، الفائق في الجود علي الأجواد، مانح العطايا والأوفاد لعامّة العباد، ماحي الغواية والعناد، قامع أرباب البغي والفساد، صاحب معالم الهداية والإرشاد إلي سبل الرشاد، المقتبس من نور علومه الأفراد من الأبدال والأوتاد أبي جعفر محمّد التقيّ الجواد بن علي الرّضا ساكن روضة الجنة بأنعم العيش، المقبور عند جدّه بمقابر قريش، اللّهم صلّ علي سيّدنا محمد وآل سيّدنا سيّما الإمام السجّاد محمد التقي الجواد» [18] . 14 ـ وقال عنه خير الدين الزركلي: «كان رفيع القدر كأسلافه ذكيّاً طلق الّلسان قويّ البديهة.. وللدبيلي محمد بن وهبان كتاب في سيرته سمّاه: «أخبار أبي جعفر الثاني» [19] . هذه بعض النصوص التي أدلي بها معاصرو الإمام الجواد(عليه السلام) ومن جاء بعدهم في القرون اللاحقة وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام وشخصيّته الفذّة التي تحكي شخصيّة آبائه الكرام الذين حملوا مشاعل الهداية وأعلامها بعد خاتم المرسلين محمد (صلي الله عليه وآله). [ صفحه 27]

مظاهر من شخصية الإمام الجواد

اشاره

لا ريب في أن فضائل الأئمة الإثني عشر المعصومين (عليهم السلام) ـ والإمام الجواد منهم ـ كثيرة لا تحصي، كيف وقد اختارهم الله تعالي للإمامة علي علم، وهذا الاختيار يكشف عن اختصاصهم بكمالات ومناقب تفرّدوا بها وامتازوا عن من سواهم وبذلك جعلهم حججه علي خلقه واُمناء علي وحيه. ولكن لم يصل إلينا ـ للأسف الشديد ـ من تلك الفضائل والمآثر الخاصة بكل إمام إلاّ الشيء القليل والنزر اليسير، بسبب الظروف القاسية التي مرّ بها أهل البيت(عليهم السلام) واتباعهم المعنيّون بنقل تراثنا الاسلامي المجيد. إنّ الإرهاب الفكري والتصفية الجسدية التي مارستها السلطات الجائرة ضد أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وضد أتباعهم وكل من كان يحاول ان يكشف عن شيء من سيرتهم العطرة، كان كافياً لضياع هذا التراث العظيم والعطاء الكبير. وسنورد في هذا الفصل اشارات الي بعض ما ورد في أحوال الإمام الجواد (عليه السلام) ومناقبه ومكارم أخلاقه.

تكلمه في المهد

ذكر المؤرخون أن الإمام الجواد (عليه السلام) تشهّد الشهادتين لمّا وُلد، وانه حمد الله تعالي وصلّي علي الرسول الاكرم (صلي الله عليه وآله) والأئمة الراشدين في يومه الثالث. [ صفحه 28] فعن حكيمة ابنة موسي بن جعفر الكاظم(عليهما السلام) قالت: «لمّا حملت اُم أبي جعفر الجواد (عليه السلام) به كتبتُ اليه [يعني: إلي الإمام الرضا(عليه السلام)]: «جاريتك سبيكة قد علقت. فكتب اليّ: انّها علقت ساعة كذا، من يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام. قالت: فلمّا ولدته، وسقط الي الأرض، قال: اشهد ان لا إله إلاّ الله، وان محمداً رسول الله. فلمّا كان اليوم الثالث، عطس، فقال: الحمد لله، وصلّي الله علي محمد وعلي الأئمة الراشدين» [20] . و أيضاً قالت: «لمّا حضرت ولادة الخيزران اُم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام)، فقال: يا حكيمة احضري ولادتها، وادخلي وإياها والقابلة بيتاً. ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا، فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح، وبين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح. فبينا نحن كذلك، إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، واذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد، وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده. قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره الي السماء ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال: أشهد ان لا إله إلاّ الله، واشهد ان محمداً رسول الله، فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر، فقال: يا حكيمة، ما ترون من عجائبه اكثر» [21] . [ صفحه 29]

اتيانه الحكم صبيا

أصبح الإمام الجواد (عليه السلام) خليفة الله تعالي في خلقه وإماماً لهم وهو لم يزل حديث السن، وذلك ما اقتضته مشيئة الله ـ جلّ جلاله ـ مثلما اقتضت ذلك مع عيسي وسليمان (عليهما السلام). وقد أثارت حداثة سنة(عليه السلام) استغراب بعض الناس وتشكيكهم، الأمر الذي دعا الإمام الجواد (عليه السلام) الي توضيح الامر لهم، وهو ما نجده في الروايات الآتية: 1 ـ قال الراوي: قلت له (لأبي جعفر الثاني (عليه السلام)): انهم يقولون في حداثة سنك، فقال: «ان الله تعالي أوحي الي داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعي الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني اسرائيل وعلماؤهم، فأوحي الله الي داود(عليه السلام) أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فاذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا: قد رضينا وسلَّمنا» [22] . 2 ـ قال الراوي: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج عليّ فأخذت أنظر اليه وجعلت انظر الي رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتي قعد، فقال: «يا عليّ! ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: (وآتيناه الحكم صبياً) [23] (ولمّا بلغ اشده) [24] (وبلغ اربعين سنة) [25] فقد يجوز أن يؤتي الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن الأربعين سنة» [26] . [ صفحه 30] 3 ـ قال الراوي لأبي جعفر (عليه السلام): يا سيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: «وما ينكرون من ذلك قول الله عزوجل، لقد قال الله عزّوجلّ لنبيه (صلي الله عليه وآله): (قل هذه سبيلي ادعوا الي الله علي بصيرة انا ومن اتبعني) [27] فو الله ما تبعه إلاّ علي(عليه السلام) وله تسع سنين وانا ابن تسع سنين» [28] .

علمه

اشاره

لابدَّ للإمام من أن يكون واسع العلم والمعرفة، فهو أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين مع الإحاطة بالنواحي السياسية والادارية وغير ذلك مما يحتاج اليه الناس. وقد دلّ الإمام الجواد (عليه السلام) بنفسه علي ذلك، إذخاض ـ وهو في سنّه المبكّر ـ في مختلف العلوم، وسأله العلماء والفقهاء عن أعقد المسائل الشرعية والعلمية فأجاب عنها بكل احاطة ودقة مما أدي ذلك الي انتشار مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وتزايد الاقبال عليه في ذلك العصر وذهب كثير من العلماء الي القول بالإمامة [29] . وقبل ان نشير الي شيء من علمه (عليه السلام) لابد أن نشير الي مصادر هذا العلم الربّاني الذي امتاز به أهل البيت (عليهم السلام). 1 ـ روي المسعودي عن عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران أنه قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت تحبّ الصبيان فادع الله أن يرزقك ولداً. فقال: «إنّما اُرزق ولداً واحداً وهو يرثني. فلما ولد أبو جعفر كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلمّا طال ذلك علي عدّة ليال، قلت: جُعلت فداك قد ولد للناس أولادقبل هذا فكل هذا [ صفحه 31] تعوّذه! فقال: وَيْحَك! ليس هذا عوذة إنّما أغرّه بالعلم غرّاً» [30] . 2 ـ وقد لاحظنا فيما سبق ما ورد من نصوص تأريخيّة تشهد بتكلمّه وهو في المهد الي جانب نصوص اُخري تشير الي أنه قد اُوتي الحكم صبيّاً [31] . 3 ـ وجاء أيضاً عن الإمام محمّد الجواد أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، انه قال: «قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): إن الأوصياء محدّثون يحدّثهم روح القدس ولا يرونه» [32] . وروي أيضاً انه جيء بأبي جعفر الجواد (عليه السلام) إلي مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) وهو طفل، وجاء الي المنبر ورقي منه درجة، ثم نطق فقال: «انا محمد بن علي الرضا، انا الجواد، انا العالم بأنساب الناس في الاصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم، وما أنتم صائرون اليه، عِلمٌ منحنا به من قبل خالق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين، ولو لا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشكّ، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون. ثم وضع يده الشريفة علي فيه، وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل» [33] . ومن هنا ينبغي أن نعرض بايجاز إلي بعض ما اُثر عنه من العلوم:

التوحيد

اُثيرت في عصر الإمام الجواد (عليه السلام) كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد وقد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين علي الإسلام لزعزعة [ صفحه 32] العقيدة في نفوس المسلمين، ولتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم، وقد أجاب الإمام (عليه السلام) عن تلك الشبهات وفنّدها خير تفنيد، وكان من بينها ما يلي: 1 ـ قال الراوي: «سألت أبا جعفر عن التوحيد فقلتُ: أتوهّم شيئاً. فقال: نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل وخلاف ما يُتصور في الأوهام؟ إنّما يُتوهم شيء غير معقول ولا محدود» [34] . 2 ـ وقال الراوي: «سئل أبو جعفر الثاني (عليه السلام): يجوز أن يقال لله إنه شيء؟ قال: نعم يُخرجه من الحدَّين، حدّ التعطيل وحد التشبيه» [35] . 3 ـ قال الراوي: «سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني (عليه السلام): ما معني الواحد؟ فقال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية» [36] .

تفسير القرآن الكريم وتأويله

وردت عن الإمام الجواد (عليه السلام) نصوص كثيرة في تفسير وتأويل بعض آيات القرآن الكريم. فمنها ما ورد عنه (عليه السلام) في تفسير الآيتين المباركتين: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ـ إلي قوله تعالي ـ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) [37] . إذ قال (عليه السلام): (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها. [ صفحه 33] (أو ننسها) بأن نرفع رسمها ونزيل عن القلوب حفظها، وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالي: (سنقرئك فلا تنسي - إلاّ ما شاء الله...) [38] أن ينسيك، فرفع ذكره عن قلبك. (نأت بخير منها) يعني: بخير لكم. فهذه الثانية أعظم لثوابكم، وأجلّ لصلاحكم من الآية الأولي المنسوخة، أو مثلها من الصلاح لكم، أي إنّا لا ننسخ ولا نبدّل إلاّ وغرضنا في ذلك مصالحكم. ثم قال: يا محمد (ألم تعلم أن الله علي كل شيء قدير)، فانه قدير يقدر علي النسخ وغيره. ألم تعلم ـ يا محمد ـ أن الله له ملك السماوات والأرض وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبّركم بعلمه (وما لكم من دون الله من ولي) يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عَزَّ وجَلَّ دون غيره ولا نصير وما لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد الله إنزاله بكم، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم» [39] . إنّ منهج الاستهداء بالقرآن نفسه لتفسير آياته الكريمة واضح جدّاً في هذا النص. وفي مجال تأويله لقوله تعالي: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله علي كل شيء قدير) [40] . فقد جاء عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني أنّه قال: «قلت لمحمد بن علي بن موسي (عليه السلام): اني لأرجو ان تكون القائم من أهل بيت محمد (صلي الله عليه وآله) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فقال (عليه السلام): يا أبا القاسم: ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّوجلّ، وهاد الي دين الله، [ صفحه 34] ولكن القائم الذي يطهّر الله عزّوجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته وهو سميُّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكنيّه، وهو الذي تطوي له الأرض، ويذلّ له كل صعب) و (يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّوجلّ: (أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً ان الله علي كل شيء قدير). فاذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّوجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله عزّوجلّ. قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلمُ أن الله عزّوجلّ قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزي فأحرقهما» [41] .

الحديث

روي الإمام الجواد (عليه السلام) طائفة من الأحاديث بسنده عن جدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وروي أيضاً عن جدّه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن آبائه (عليهم السلام) وفيما يلي مختارات من ذلك التراث الذي يكشف بثّه من قِبَل الإمام(عليه السلام) عن اهتمامه بنشر حديث الرسول(صلي الله عليه وآله) وآبائه الميامين: 1 ـ روي (عليه السلام) بسنده ان رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريّتها علي النار» [42] . 2 ـ روي (عليه السلام) إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: «المرء مخبوء تحت لسانه» [43] . 3 ـ وقال (عليه السلام): «قام الي أمير المؤمنين رجل بالبصرة، فقال: أخبرنا عن [ صفحه 35] الإخوان؟ فقال: الإخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة. فأمّا إخوان الثقة فهم كالكفّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافه وعاد من عاداه واكتم سرّه وأعنه واظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم اعزّ من الكبريت الأحمر. وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن ذلك منهم،ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان» [44] . 4 ـ روي (عليه السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن الزاهد في الدنيا، قوله: «الذي يترك حلالها مخافة حسابه، ويترك حرامها مخافة عقابه» [45] . 5 ـ وروي (عليه السلام) عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قيل له صف لنا الموت، قوله (عليه السلام): «للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كله عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشد» [46] . 6 ـ وقال (عليه السلام): مرض رجل من أصحاب الرضا (عليه السلام) فعاده، فقال: كيف تجدك؟ قال: لقيت الموت بعدك. يريد به ما لقيه من شدة مرضه. فقال (عليه السلام): كيف لقيته؟ قال: شديداً أليماً. قال: ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك به ويعرفك بعض حاله، إنما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومُستراح منه به، فجدّد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً [47] . [ صفحه 36]

نماذج من فقهه

اشاره

تشكّل الأحاديث التي تُروي عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدي فقهاء الشيعة الإمامية، لأنها تعبّر عن سنة المعصومين وسنّة المعصوم هي قوله وفعله وتقريره. وقد أُثرت عنه (عليه السلام) طائفة كبيرة من الأخبار التي دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعض النماذج منها:

الصلاة

1 ـ قال الراوي: كتبت إلي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «في السنجاب والفنك والخزّ، وقلت: جعلت فداك، أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك فكتب بخطّه إلي: صلّ فيها» [48] . واستدل الفقهاء بهذا الخبر ونحوه مما ورد في هذا الموضوع علي جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات.2 ـ قال الراوي: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) صلّي حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام، وعليه نعلاه لم ينزعهما [49] . واستدل الفقهاء بهذه الرواية علي جواز الصلاة بالنعل الطاهرة المتخذة من الذبيحة المذكّاة. [ صفحه 37]

الزكاة

وردت عن الإمام الجواد (عليه السلام) عدة اخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يأتي: استدل الفقهاء علي جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما جاء عنه (عليه السلام) في جوابه عن السؤال: «هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب علي الذهب دراهم بقيمة ما يسوي؟ أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كل شيء ما فيه؟ فأجاب (عليه السلام) أيّما تيسّر يخرج» [50] .

الحج

واستند الفقهاء في فتاواهم في بعض فروع الحج ومسائله الي ما اُثر عن الإمام الجواد (عليه السلام) فيها، وفيما يأتي بعض ذلك: 1 ـ استند الفقهاء في استحباب الحج للصبي بما جاء في الرواية التالية: قال الراوي: «سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن الصبي متي يحرم به؟ قال: إذا أثغر» [51] . 2 ـ واتفق فقهاء الإمامية علي أنّ حجّ التمتع أفضل انواع الحج لمن أراد ان يحج حجاً مندوباً، وقد استندوا في ذلك الي ما ورد عن الإمام الجواد (عليه السلام) وغيره من أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، حيث قال الراوي: «كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: المتمتع بالعمرة الي الحج أفضل من المفرد السائق للهدي. وكان يقول: ليس يدخل الحاجّ بشيء أفضل من المتعة [52] . [ صفحه 38]

فلسفة التشريع وعلل الأحكام

وكشف الإمام محمد الجواد (عليه السلام) النقاب عن بعض العلل في تشريع بعض الأحكام الشرعيّة، وكان من بينها: ما سأله محمد بن سليمان عن العلة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، وصارت عدة المتوفّي عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) عن ذلك: «أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، واما عدّة المتوفي عنها زوجها فإن الله تعالي شرط للنساء شرطاً، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهن، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ، اما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزّوجلّ: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه انه غاية صبر المرأة عن الرجل، واما ما شرط عليهنّ فإن أمرها أن تعتد إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء، قال الله عزّوجلّ: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) ولم يذكر العشرة أيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر، وعلم ان غاية المرأة الاربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجبه عليها ولها...» [53] .

عبادته ونسكه

اشاره

كان الإمام الجواد (عليه السلام) أعبد أهل زمانه، وأشدهم حبّاً لله عزّوجلّ وخوفاً منه، وأخلصهم في طاعته وعبادته، شأنه شأن الأئمة الطاهرين من آبائه (عليهم السلام) [ صفحه 39] الذين عملوا كلّ ما يقرّبهم إلي الله زلفي. ومن مظاهر عبادة الإمام الجواد (عليه السلام) نشير الي ما يلي:

نوافله

كان (عليه السلام) كثير النوافل، ويقول المؤرخون إنه: كان يصلّي ركعتين يقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة، وسورة الاخلاص سبعين مرة [54] وانه (عليه السلام) إذا دخل شهر جديد يصلّي اول يوم منه ركعتين يقرأ في أول ركعة «الحمد» مرة، و «قل هو الله أحد» لكل يوم الي آخره ـ يعني ثلاثين مرة ـ. وفي أول الركعة الاخري «الحمد» و «انا أنزلناه» مثل ذلك ويتصدق بما يتسهل، يشتري به سلامة ذلك الشهر كله [55] . وجاء في الرواية أنه صام أبو جعفر الثاني (عليه السلام) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب، ويوم سبع وعشرين منه، وصام معه جميع حشمه، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتي عشرة ركعة: تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة، فاذافرغت قرأت «الحمد» أربعاً، و «قل هو الله أحد» أربعاً، والمعوّذتين أربعاً، وقلت: «لا إله إلاّ الله والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم» أربعاً، «الله الله ربي لا اُشرك به شيئاً» أربعاً، «لا اُشرك بربّي أحداً» أربعاً [56] . [ صفحه 40]

حجه

وكان الإمام (عليه السلام) كثير الحج، وقد جاء في الرواية: «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس عشرة ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده، ثم أتي المقام، فصلّي خلفه ركعتين ثم خرج الي دبر الكعبة الي الملتزم، فالتزم البيت،... ثم وقف عليه طويلاً يدعو، ثم خرج من باب الحناطين. قال الراوي: فرأيته في سنة (219 هـ) ودّع البيت ليلاً، يستلم الركن اليماني والحجر الاسود في كل شوط، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل... ثم أتي الحجر فقبّله ومسحه وخرج الي المقام فصلّي خلفه ثم مضي ولم يعد الي البيت، وكان وقوفه علي الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة اشواط وبعضهم ثمانية» [57] .

اذكار الإمام وأدعيته ومناجاته

اشاره

وهنا نورد بعضاً من أذكار الإمام وأدعيته ومناجاته التي كان يناجي بها ربّه الأعلي كأحد مظاهر التسبيح والتمجيد في محراب عبادته لله جلّ جلاله:

من أدعيته في حال القنوت

«اللهم أنت الأول بلا اولية معدودة، والآخر بلا آخرية محدودة، أنشأتنا لا لعلّة اقتساراً، واخترعتنا لا لحاجة اقتداراً، وابتدعتنا بحكمتك اختياراً، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختباراً، وايدتنا بالآلات، ومنحتنا بالأدوات، وكلّفتنا الطاقة، وجشمتنا الطاعة، فأمرت [ صفحه 41] تخييراً ونهيت تحذيراً، وخوّلت كثيراً، وسألت يسيراً، فعصي أمرك فحلُمت، وجهل قدرك فتكرّمت..» [58] .

من أدعيته اذا انصرف من الصلاة

«رضيت بالله ربّاً، وبالاسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبمحمد نبياً، وبعليٍّ ولياً، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسي بن جعفر، وعلي بن موسي، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي، أئمة. اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرك، المنتصر لدينك وأره ما يحبّ وتقرّ به عينه في نفسه وفي ذرّيته وأهله وماله وفي شيعته وفي عدوه، وأرهم منه ما يحب وتقرّ به عينه، واشف به صدورنا وصدور قوم مؤمنين» [59] .

من دعائه عند الصباح والمساء لقضاء الحوائج

قال الراوي: كتبت الي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله ان يعلّمني دعاء، فكتب اليّ: «تقول اذا اصبحت وأمسيت: الله الله الله، ربي الرحمن الرحيم، لا اشرك به شيئاً». وإن زدت علي ذلك فهو خير، ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك، فهو لكل شيء بإذن الله تعالي، يفعل الله ما يشاء [60] . [ صفحه 42]

معجزاته وكراماته

ورغم أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) كان معجزة بذاته، حيث تصدي لإمامة المسلمين وهو صبي لم يبلغ السابعة من عمره، فإنّ الله جّل جلاله أجري علي يديه كرامات أخري في مناسبات عديدة لكي يتم بها الحجة علي العباد ويقطع بها ألسنة المعاندين وتطمئن بسببها قلوب الموالين. وإليك بعض مصاديقها [61] . 1 ـ قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: «دخلت علي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك، فتناول إحداهنّ وقال: هذه رقعة ريّان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة محمد بن حمزة وتناول الثالثة، وقال: هذه رقعة فلان فبهتّ، فنظر اليّ وتبسّم(عليه السلام). قال: وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرّة وأمرني ان أحملها الي بعض بني عمّه، وقال: أما انه سيقول لك دلّني علي حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه. قال: فأتيته بالدنانير فقال لي: «يا أبا هاشم دلّني علي حريف يشتري لي بها متاعاً». ففعلت. قال أبو هاشم: وكلّمني جمّال ان اُكلّمه ليدخله في بعض اموره، فدخلت عليه لاُكلّمه فوجدته يأكل مع جماعة فلم يمكنني كلامه، فقال: يا أبا هاشم: كل ووضع بين يديّ ثم قال ـ ابتداءً منه من غير مسألة ـ: يا غلام انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه اليك». [ صفحه 43] 2 ـ قال أبو هاشم: ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له: جعلت فداك، إني مولع بأكل الطين، فادع الله لي، فسكت ثم قال لي بعد أيام ابتداءً منه ـ: «يا أبا هاشم، قد أذهب الله عنك أكل الطين». قال أبو هاشم: فما شيء أبغض اليّ منه. 3 ـ قال علي بن أسباط: خرج عليّ أبو جعفر حدثان موت أبيه فنظرت الي قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد، ثم قال: «يا عليّ، ان الله تعالي احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: (وآتيناه الحكم صبيّاً)» [62] . 4 ـ قال الراوي: «مضي أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ولي عليه أربعة آلاف درهم، لم يكن يعرفها غيري وغيره، فأرسل اليّ أبو جعفر(عليه السلام): «إذا كان في غد فائتني. فأتيته من الغد، فقال لي: مضي أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم؟. فقلت: نعم. فرفع المصلّي الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها اليّ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم». 5 ـ قال الراوي: «كنت بالمدينة، وكنت اختلف الي أبي جعفر (عليه السلام) وأبو الحسن (عليه السلام) بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً الجارية، فقال: قولي لهم: يتهيأون للمأتم. فلمّا تفرّقوا قالوا: ألا سألناه مأتم مَن؟ فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم مَن؟ قال: مأتم خير مَن علي ظهرها. [ صفحه 44] فأتانا خبر أبي الحسن)الرضا((عليه السلام) بعد ذلك بأيّام، فاذا هو قد مات في ذلك اليوم». 6 ـ قال الراوي: كتب اليّ أبو جعفر(عليه السلام): «إحملوا اليّ الخمس، فإني لستُ آخذه منكم سوي عامي هذا». فقبض (عليه السلام) في تلك السنة.

من مكارم اخلاقه الاجتماعية

اشاره

لقد كان الإمام الجواد(عليه السلام) شاباً في مقتبل العمر، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة وقد بلغت مليون درهم. وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الطائفة الشيعية التي كانت تعتقد بإمامته بالإضافة إلي الأوقاف التي كانت في قم وغيرها إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها في اُموره الخاصّة وإنّما كان ينفقها علي الفقراء والمعوزين والمحرومين.. وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فظنّ انّ الإمام(عليه السلام) سوف لا يرجع إلي وطنه يثرب بل يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف، وعرف الإمام قصده، فانعطف عليه وقال له: «يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أحب إليَّ ممّا تراني فيه..» [63] . إنّه لم يكن من طلاب تلك المظاهر التي كانت تضفيها الدولة، وإنّما كان كآبائه الذين طلّقوا الدنيا، واتّجهوا صوب الله تعالي لا يبغون عنه بديلاً. [ صفحه 45]

السخاء

كان الإمام أبو جعفر (عليه السلام) من أندي الناس كفّاً وأكثرهم سخاءً، وقد لُقِّب بالجود لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلي النّاس وقد ذكر المؤرّخون قصصاً كثيرة من كرمه. منها: ما روي المؤرّخون من أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلي الحجّ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلي يثرب انطلق أحمد إلي الإمام محمّد الجواد وأخبره بما جري عليهم فأمر (عليه السلام) له بكسوة وأعطاه دنانير ليفرقها علي جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم [64] . وبهذا أنقذهم الإمام من المحنة وردّ لهم ما سلب منهم بسخاء وافر. واشتهر أنّ كرم الإمام ومعروفه قد شمل حتي الحيوانات، فقد روي محمّد ابن الوليد الكرماني أنّه قال: أكلت بين يدي أبي جعفر الثاني(عليه السلام) حتي إذا فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من فتات الطعام فقال(عليه السلام) له: «ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبعه والقطه» [65] . لقد أمره(عليه السلام) بترك الطعام الذي في الصحراء ليتناوله الطير وسائر الحيوانات التي ليس عندها طعام. [ صفحه 46]

الإحسان إلي الناس

أمّا الإحسان إلي الناس والبرّ بهم فإنّه من سجايا الإمام الجواد ومن أبرز صفاته، وقد سجل التاريخ قصصاً كثيرة من إحسانه منها: ما رواه أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان [66] قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم فقلت له: وأنا علي المائدة: إنّ والينا جعلت فداك يتولاكم أهل البيت يحبّكم وعليَّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ، فقال (عليه السلام): لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك انّه علي ما قلت: من محبيّكم أهل البيت(عليهم السلام)، وكتابك ينفعني واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة: «أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه، فأحسن إلي اخوانك و اعلم أنّ الله عزّوجلّ سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل..» [67] . ولما ورد إلي سجستان عرف الوالي وهو الحسين بن عبدالله النيسابوري انّ الإمام قد أرسل إليه رسالة فاستقبله من مسافة فرسخين، وأخذ الكتاب فقبّله، [ صفحه 47] واعتبر ذلك شرفاً له، وسأله عن حاجته فأخبره بها، فقال له: لا تؤدِّ لي خراجاً ما دام لي عمل، ثمّ سأله عن عياله فأخبره بعددهم فأمر له ولهم بصلة، وظلّ الرجل لا يؤدّي الخراج ما دام الوالي حيّاً، كما انّه لم يقطع صلته عنه [68] كلّ ذلك ببركة الإمام ولطفه.

المواساة للناس

وواسي الإمام الجواد (عليه السلام) الناس في البأساء والضرّاء، فقد ذكروا: أنه قد جرت علي إبراهيم بن محمّد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي، فكتب إلي الإمام الجواد(عليه السلام) يخبره بما جري عليه، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة: «عجّل الله نصرتك علي من ظلمك، وكفاك مؤنته، وابشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله، وبالآخرة آجلاً، وأكثر من حمد الله..» [69] . ومن مواساته للناس: تعازيه للمنكوبين والمفجوعين، فقد بعث رسالة إلي رجل قد فجع بفقد ولده، وقد جاء فيها بعد البسملة: «ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك الله عزّوجلّ إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكي ما عند أهله، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة، فأعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وربط علي قلبك، إنّه قدير، وعجّل الله عليك بالخلف، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله...» [70] . [ صفحه 48] وأعربت هذه الرسالة الرقيقة عن مدي تعاطف الإمام مع الناس، ومواساته لهم في البأساء والضرّاء. ومن مواساته للناس: أنّ رجلاً من شيعته كتب إليه يشكو ما ألمَّ به من الحزن والأسي لفقد ولده، فأجابه الإمام (عليه السلام) برسالة تعزية جاء فيها: «أما علمت أنّ الله عزّوجلّ يختار من مال المؤمن، ومن ولده أنفسَه ليؤجره علي ذلك..» [71] . لقد شارك الناس في البأساء والضرّاء، وواساهم في مصائبهم ومحنهم، ومدَّ يد المعونة إلي فقرائهم وضعفائهم، وبهذا البرّ والإحسان احتلّ القلوب وملك العواطف وأخلص له الناس واحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحبّ. لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل أروع صور الفضيلة والكمال في الأرض، فلم ير الناس في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، فقد كان نسخة لا ثاني لها في فضائله ومآثره التي هي السرّ في إمامته. لقد أعجبت الأوساط الإسلامية بالإمام الجواد(عليه السلام) لما عرفوا مواهبه، وملكاته العلمية التي لا تحدّ، وهي ممّا زادت الشيعة إيماناً ويقيناً بصحّة ما تذهب إليه وتعتقد به من أنّ الإمام لا بدّ أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم واتقاهم [72] . [ صفحه 51]

نشأة الإمام محمد الجواد

1 ـ نسبه: الإمام محمد الجواد (عليه السلام) من الاُسرة النبوية وهي أجلّ وأسمي الاُسر التي عرفتها البشرية، فهو ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسي الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي السجاد ابن الإمام الحسين سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) وابن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام). 2 ـ اُمه: هي من أهل بيت مارية القبطية، نوبيّة مريسية، امها: سبيكة أو ريحانة أو درّة، وسمّاها الرضا (عليه السلام) خيزران. وصفها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأنها خيرة الإماء الطيبة. وقال العسكري (عليه السلام): «خُلقت طاهرة مطهّرة وهي اُم ولد تكنّي باُم الجواد، واُم الحسن، وكانت أفضل نساء زمانها» [73] . 3 ـ ولادته: ولد (عليه السلام) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر وقيل: للنصف منه ليلة الجمعة [74] وكانت ولادته في المدينة. وغمرت الإمام الرضا (عليه السلام) موجات من الفرح والسرور بوليده المبارك، [ صفحه 52] وطفق يقول: «قد ولد لي شبيه موسي بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسي بن مريم، قدّست اُم ولدته..» [75] . 4 ـ كنيته: أبو جعفر، وهي كنية جده الباقر(عليه السلام) وللتمييز بينهما يكنّي بأبي جعفر الثاني، وأضاف في دلائل الإمامة كنية ثانية له هي: أبو علي الخاص، وفسّر المتأخرون هذه العبارة بأنّ له كنية خاصة هي: «أبو علي»، وليست كنيته هي «أبو علي الخاص» كما يبدو للناظر في عبارة دلائل الإمامة. 5 ـ ألقابه: أمّا ألقابه الكريمة فهي تدل علي معالم شخصيته العظيمة وسمو ذاته وهي: 1 ـ الجواد: لُقب به لكثرة ما أسداه من الخير والبر والاحسان الي الناس. 2 ـ التقي: لقب به لأنه اتّقي الله وأناب اليه، واعتصم به ولم يستجب لأي داع من دواعي الهوي. 3 ـ المرتضي. 4 ـ القانع. 5 ـ الرضي. 6 ـ المختار. 7 ـ باب المراد [76] . نقش خاتمه: يدل نقش خاتمه(عليه السلام) علي شدة انقطاعه(عليه السلام) الي الله سبحانه، فقد كان «العزّة لله» [77] . [ صفحه 53]

مراحل حياة الإمام محمد الجواد

ولد الإمام محمّد بن علي الجواد عام (195 هـ) أي في السنة التي بويع فيها للمأمون العباسي، وعاش في ظلّ أبيه الرضا (عليه السلام) حوالي سبع سنين، وعاصر أحداث البيعة بولاية العهد لأبيه الرضا (عليه السلام) وما صاحبها وتلاها من حوادث ومحن حتي تجلّت آخر محن أبيه (عليه السلام) في اغتيال المأمون للرضا (عليه السلام). وبقي الإمام محمد الجواد (عليه السلام) بعد حادث استشهاد أبيه (عليه السلام) في منعة من كيد المأمون الذي قتل الإمام الرضا(عليه السلام) وبقي عند الناس متّهماً بذلك. لكنه لم ينج من محاولات التسقيط لشخصيّته ومكانته المرموقة والسامية في القلوب. وقد تحدّي كل تلك المحاولات إعلاءً لمنهج أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في عقيدة الإمامة والزعامة وما يترتب عليها من الآثار السياسية والاجتماعية. وينتهي عهد المأمون العباسي في سنة (218 هـ) ويتربّع أخوه المعتصم علي كرسي الخلافة حتي سنة (227 هـ) ولم يسمح للإمام الجواد(عليه السلام) بالتحرّك ويراقب ـ بكل دقّة ـ النشاط الاجتماعي والسياسي للإمام(عليه السلام) ثمّ يغتاله علي يد ابنة أخيه المأمون، المعروفة باُم الفضل والتي زوّجها المأمون من الإمام الجواد(عليه السلام) ولم تنجب له من الأولاد شيئاً، وذلك في سنة (220 هـ)، وهكذا قضي المعتصم علي رمز الخط الهاشمي وعميده، الإمام محمّد التقي أبي جعفر الجواد(عليه السلام). [ صفحه 54] اذن تنقسم الحياة القصيرة لهذا الإمام المظلوم الي قسمين وثلاث مراحل: القسم الأول: حياته في عهد أبيه وهي المرحلة الاولي من حياته القصيرة والمباركة وتبلغ سبع سنوات تقريباً. والقسم الثاني: حياته بعد استشهاد أبيه حتي شهادته. وتبلغ حوالي سبع عشرة سنة. وينقسم هذا القسم بدوره إلي مرحلتين متميّزتين: المرحلة الاُولي: حياته في عهد المأمون وهي المرحلة الثانية من حياته وتبلغ حوالي خمس عشرة سنة. وهي أطول مرحلة من مراحل حياته القصيرة. والمرحلة الثانية: وهي مدة حياته في عهد المعتصم العباسي وتبلغ حوالي سنتين وتمثّل المرحلة الثالثة من حياته الشريفة. وهكذا تتلخص مراحل حياته (عليه السلام) كما يلي: المرحلة الاُولي: سبع سنوات وهي حياته في عهد أبيه الرضا(عليه السلام) حيث ولد سنة (195 هـ) ـ وفي حكم محمد الأمين العبّاسي ـ واستشهد الإمام الرضا(عليه السلام) في صفر من سنة (203 هـ). المرحلة الثانية: خمس عشرة سنة وهي حياته بقية حكم المأمون من سنة (203 هـ) الي سنة (218هـ). المرحلة الثالثة: حياته بعد حكم المأمون وقد بلغت حوالي سنتين من أيّام حكم المعتصم أي من سنة (218 ـ 220 هـ). [ صفحه 55]

الإمام الجواد في ظل أبيه

اشاره

قامت الدولة العباسية ـ في بداية أمرها ـ علي الدعوة الي العلويين خاصة، ثم لأهل البيت(عليهم السلام)، ثم الي الرضا من آل محمد (صلي الله عليه وآله)، وكان سرّ نجاحها في ربطها بأهل البيت(عليهم السلام)، حيث تحكّم العباسيون وتسلّطوا علي الاُمة بدعوي القربي النسبية من الرسول الاكرم (صلي الله عليه وآله). ومن هنا فإنّ من الطبيعي، أن يكون الخطر الحقيقي الذي يتهدد العباسيين وخلافتهم، هو من جهة أبناء عمّهم العلويين، الذين كانوا أقوي منهم حجة وأقرب الي النبي (صلي الله عليه وآله) منهم نسباً ووشيجة. فادّعاء العلويين الخلافة له مبرراته الكاملة، ولا سيما وان من بينهم من له الجدارة والاهلية، ويتمتع بأفضل الصفات والمؤهلات لهذا المنصب من العلم والعقل والحكمة وبعد النظر في الدين والسياسة، علاوة علي ما كان يكنه الناس لهم من الاحترام والتقدير. أضف الي ذلك كله ان رجالات الإسلام وأبطاله، كانوا هم آل أبي طالب ـ رضوان الله تعالي عليه ـ فأبو طالب مربي النبي (صلي الله عليه وآله) وكفيله، وعلي(عليه السلام) وصيه وظهيره، وكذلك الحسن والحسين وعلي زين العابدين وبقية الائمة (عليهم السلام). [ صفحه 56] وقد كان الخلفاء من بني العباس يدركون جيداً مقدار نفوذ العلويين، ويتخوفون منه، منذ أيامهم الاولي في السلطة. فمثلاً وضع السفاح من أول عهده الجواسيس علي بني الحسن، حيث قال لبعض ثقاته، وقد خرج وفد بني الحسن من عنده: قم بانزالهم ولا تأل في الطافهم، وكلما خلوت معهم فأظهر الميل اليهم، والتحامل علينا وعلي ناحيتنا وانهم أحق بالأمر منّا، واحصِ لي ما يقولون وما يكون منهم في مسيرهم ومَقدمهم» [78] . أجل لقد أدرك العباسيون ان الخطر الحقيقي الذي يتهدّدهم إنّما هو من قبل العلويين وعليه كان عليهم ان يتحركوا لمواجهة الخطر المحدق بهم بكل وسيلة، وبأي اسلوب كان، سيّما وهم يشهدون عن كثب سرعة استجابة الناس للعلويين، وتأييدهم ومساندتهم لكل دعوة من قبلهم.

سياسة العباسيين مع الرعية

لا نريد أن نعرض لأنواع الظلامات التي كان العباسيون يمارسونها، فإن ذلك مما لا يمكن الإلمام به ولا استقصاؤه في هذه العجالة. وإنما نريد فقط أن نعطي لمحة سريعة عن سيرتهم السيئة في الناس، ومدي اضطهادهم وظلمهم لهم، وجورهم عليهم، الأمر الذي أسهم إسهاماً كبيراً في كشف حقيقتهم أمام الملأ، حتي لقد قال أبو عطاء السندي المتوفّي سنة (180 هـ): يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار [79] . [ صفحه 57] إنّ المثل الأعلي للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين، قد أصبح وهماً من الأوهام، فشراسة المنصور والرشيد وجشعهم، وجور أولاد علي ابن عيسي وعبثهم بأموال المسلمين، يذكّرنا بالحجّاج وهشام ويوسف بن عمرو الثقفي، ولقد عمّ الاستياء أفراد الشعب بعد ان استفتح أبو عبدالله المعروف بـ «السفّاح» وكذلك «المنصور»، بالإسراف في سفك الدماء، علي نحو لم يعرف من قبل [80] . ويقول المؤرخون أيضاً عن أبي العباس السفاح انّه كان سريعاً الي سفك الدماء، فاتبعه عمّاله في ذلك، في المشرق والمغرب، واستنوا بسيرته، مثل: محمد بن الاشعث بالمغرب، وصالح بن علي بمصر، وخازم بن خزيمة، وحميد ابن قحطبة، وغيرهم.. [81] . لقد كان أبو جعفر المنصور يعلق الناس من أرجلهم حتي يؤدّوا ما عليهم.. [82] ووصفه آخرون بأنه كان غادراً خدّاعاً، لا يتردد البتة في سفك الدماء... كان سادراً في بطشه، مستهتراً في فتكه، وتُعتبر معاملته لأولاد عليّ من أسوأ صفحات التاريخ العباسي [83] . وأما الهادي فقد كان يتناول المسكر ويحب اللهو والطرب وكان ذا ظلم وجبروت. وكان سيئ الاخلاق، قاسي القلب، جبّاراً، يتناول المسكر، ويلعب [84] . [ صفحه 58] واما الرشيد، فيكفيه انه ـ كما ينص المؤرخون ـ يشبه المنصور في كل شيء إلاّ في بذل المال حيث يقولون ان المنصور كان بخيلاً. وهكذا لم يكن بقية الخلفاء العباسيين أفضل من الذين أشرنا اليهم، ولا كانت أيامهم بدعاً من تلك الأيام. ولعل الكلمة التي تجمع صفات بني العباس الخلقيّة، هي الكلمة التي كتبها المأمون، وهو في مرو في رسالة منه للعباسيين، بني أبيه في بغداد، والمأمون هو من أهل ذلك البيت، الذين هم أدري من غيرهم بما فيه، لأنهم عاشوا في خضمّ الأحداث، وشاهدوا كل شيء عن كثب، يقول المأمون في تلك الرسالة: «... وليس منكم إلاّ لاعب بنفسه، مأفون في عقله وتدبيره، إما مغنّ، أو ضارب دفّ، أو زامر، والله لو أن بني اُمية الذين قتلتموهم بالأمس نُشِروا، فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها، لما زادوا علي ما صيّرتموه لكم شعاراً ودثاراً، وصناعة وأخلاقاً. ليس منكم إلاّ من إذا مسّه الشر جزع، وإذا مسّه الخير منع. ولا تأنفون، ولا ترجعون إلاّ خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوباً، ويصبح بإثمه معجباً. كأنه قد اكتسب حمداً، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي ان ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس اليه مَن زيّن له معصية، أو أعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة..» [85] . [ صفحه 59]

الحالة السياسية في هذه المرحلة

لا يمكن من الناحية التاريخية ان يفصل دور أي إمام من ائمة أهل البيت (عليهم السلام) عن دور مَن سبقه من الائمة او دَور مَن يليه منهم، بالنظر الي تنوع الأدوار والأعمال والمهمّات التي ينهضون بها مع اتحاد الهدف والغاية والمقصد. كما ان من العناصر المهمّة في فهم دور الإمام الجواد (عليه السلام) في تحريك الاوضاع في الاتجاه الذي يخدم المصالح العليا للاسلام والمسلمين، إلمامنا بالخطوط العامة للوضع السياسي في مرحلتي تصديه للقيادة بعد شهادة أبيه الإمام الرضا(عليه السلام) وقبل التصدي عندما كان في ظل أبيه (عليه السلام). وقد عاصر الإمام في هاتين المرحلتين خليفتين متميّزين باُسلوب الحكم وإن اشتركا بغصبهما لمنصب القيادة الشرعية والكيد لها. وكانت إمامة الجواد (عليه السلام) واقعة في ملك ولدَي هارون الرشيد المأمون والمعتصم. وقبل تصديه للإمامة كان قد عاصر الأمين والمأمون معاً. ولأجل أن نقف علي اهم ملامح المرحلة الاولي من حياة هذا الإمام العظيم فلابد لنا أن نقف علي أهم الاحداث السياسية لهذه المرحلة ونلمّ بأهم أسبابها وما خلّفته من آثار سلبية اجتماعية ودينية واقتصادية علي الأمة الاسلامية عامة وعلي الدولة الاسلامية بشكل خاص. ومن هنا لزم الوقوف عند ما يلي: 1 ـ الفتنة بين الأمين والمأمون. 2 ـ الأمين ونزعاته واتجاهاته وسياسته. 3 ـ المأمون ونزعاته واتجاهاته وسياسته. [ صفحه 60] إن الفتنة بين محمد الأمين وعبدالله المأمون ولدَي هارون الرشيد تعتبر أهمّ حدث سياسي قد وقع في هذه الرحلة التي نتكلم عن ملامحها، وقد عُبّر عنها بالفتنة الكبري التي أدّت إلي إشعال نار الحرب بينهما وكلّفت المسلمين ثمناً باهضاً بذلوه من دماء وأموال وطاقات في سبيل استقرار الملك والسلطان لكل منهما. وللوقوف علي أسباب هذه الفتنة لابد أن نقف علي شخصية كل واحد من هذين الأخوين بالإضافة الي ما قام به الرشيد شخصياً لزرع بذور هذه الفتنة حيث عهد لابنائه الثلاثة: الأمين ثم المأمون ثم المؤتمن وبذلك قد مهّد لهم سبيل التنافس علي المُلك مع ما منحهم من امكانيات وقدرات مادّية يتنافسون بسببها ويأمل كل منهم حذف من سواه، وسوق منصب الخلافة لأبنائه دون إخوته.

محمد الأمين: نزعاته وسياسته

اشاره

لم تكن في الأمين أيّة صفة كريمة يستحق بها هذا المنصب الخطير في الإسلام، فقد أجمع المترجمون له علي انّه لم يتّصف بأيّة نزعة شريفة، وانّما قلّده الرشيد منصب الخلافة نظراً لتأثير زوجته السيدة زبيدة عليه وفيما يلي بعض صفاته:

كراهيته للعلم

كان الأمين ينفر من العلم، ويحتقر العلماء، وكان اُمّياً لا يقرأ ولا يكتب [86] وإذا كان بهذه الصفة كيف قلّده الرشيد الخلافة الاسلامية؟

ضعف الرأي

وكان الأمين ضعيف الرأي، وقد اُعطي المُلك العريض ولم يحسن سياسته، وقد وصفه المسعودي بقوله: كان قبيح السيرة ضعيف الرأي [ صفحه 61] يركب هواه، ويهمل أمره، ويتّكل في جليلات الخطوب علي غيره، ويثق بمن لا ينصحه [87] ووصفه الكتبي بقوله: وكان قد هانَ عليه القبيح فاتّبع هواه، ولم ينظر في شيء من عقباه. وكان من أبخل الناس علي الطعام، وكان لا يبالي أين قعد، ولا مع من شرب [88] وممّا لا شبهة فيه أنّ أصالة الفكر والرأي من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يلي اُمور المسلمين.

احتجابه عن الرعية

واحتجب الأمين عن الرعية كما احتجب عن أهل بيته واُمرائه وعمّاله واستخفّ بهم [89] وانصرف إلي اللهو والطرب، وقد عهد إلي الفضل بن الربيع اُمور دولته، فجعل يتصرف فيها حسب رغباته وميوله، وقد خفّ إلي الأمين اسماعيل بن صبيح، وكان أثيراً عنده، فقال له: يا أمير المؤمنين أنّ قوّادك وجُندك وعامة رعيتك، قد خبثت نفوسهم، وساءت ظنونهم وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فإنّ في ذلك تسكيناً لهم، ومراجعة لآمالهم. واستجاب له الأمين فجلس في بلاطه ودخل عليه الشعراء فأنشدوه قصائدهم، ثمّ انصرف فركب الحرّاقة إلي الشماسية، واصطفّت له الخيل وعليها الرجال، وقد اصطفّوا علي ضفاف دجلة، وحملت معه المطابخ والخزائن، أمّا الحرّاقة التي ركبها فكانت سفينة علي مثال أسد وما رأي الناس منظراً كان أبهي من ذلك المنظر. [ صفحه 62] لقد كان الأمين انساناً تافهاً قد اتجه إلي ملذّاته وشهواته ولم يُعنَ بأيّ شأن من شؤون الدولة الاسلامية.

خلعه للمأمون

وتقلّد الأمين الخلافة يوم توفّي الرشيد، وقد ورد عليه خاتم الخلافة والبردة والقضيب التي يتسلّمها كلّ من يتقلّد الخلافة من ملوك العباسيين وحينما استقرت له الاُمور خلع أخاه المأمون، وجعل العهد لولده موسي وهو طفل صغير في المهد وسمّاه الناطق بالحق، وأرسل إلي الكعبة من جاءه بكتاب العهد الذي علّقه فيها الرشيد، وقد جعل فيه ولاية العهد للمأمون بعد الأمين، وحينما أتي به مزّقه.

الحروب الطاحنة

اشاره

وبعد ما خلع الأمين أخاه المأمون عن ولاية العهد، وأبلغه ذلك رسمياً ندب إلي حربه علي بن عيسي، ودفع إليه قيداً من ذهب، وقال له: أوثق المأمون، ولا تقتله حتي تقدم به إلَيَّ وأعطاه مليوني دينار سوي الأثاث والكراع، ولمّا علم المأمون ذلك سمّي نفسه أمير المؤمنين، وقطع عنه الخراج، وألغي اسمه من الطراز والدراهم والدنانير، وأعلن الخروج عن طاعته، وندب طاهر بن الحسين، وهرثمة بن أعين إلي حربه، وإلتقي الجيشان بالري، وقد إلتحما في معركة رهيبة جرت فيها أنهار من الدماء وأخيراً انتصر جيش المأمون علي جيش الأمين، وقتل القائد العام للقوات المسلحة في جيش الأمين، وانتهبت جميع أمتعته وأسلحته، وكتب طاهر بن الحسين إلي الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الباهر وقد جاء في رسالته: «كتبت إليك، ورأس علي بن عيسي في حجري، وخاتمه في يدي والحمد لله ربّ العالمين» ودخل الفضل علي المأمون فسلّم عليه بالخلافة، وأخبره بالأمر، وأيقن المأمون بالنصر فبعث إلي طاهر القائد العام في [ صفحه 63] جيشه بالهدايا والأموال، وشكره شكراً جزيلاً علي ذلك، وقد سمّاه ذا اليمينين، وصاحب خيل اليدين، وأمره بالتوجه إلي احتلال العراق والقضاء علي أخيه الأمين. وخفّت جيوش المأمون إلي احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين، فحاصرت بغداد، وقد دام الحصار مدة طويلة تخرّبت فيها معالم الحضارة في بغداد، وعمّ الفقر والبؤس جميع سكانها وكثر العابثون، والشذّاذ فقاموا باغتيال الأبرياء، ونهبوا الأموال وطاردوا النساء حتي تهيأت جماعة من خيار الناس تحت قيادة رجل يقال له سهل بن سلامة فمنعوا العابثين وتصدوا لهم بقوة السلاح حتي أخرجوهم من بغداد [90] . وقد زحفت جيوش المأمون إلي قصر الأمين وطوّقته وألحقت الهزائم بجيشه، فلم تتمكّن قوّات الأمين من الصمود أمام جيش المأمون الذي كان يتمتّع بروح معنوية عالية بالإضافة إلي ما كان يملكه من العتاد والسلاح.

قتل الأمين

وكان الأمين في تلك المحنة مشغولاً بلهوه، إذ كان يصطاد سمكاً مع جماعة من الخدم وكان فيهم (كوثر) الذي كان مغرماً به فكان يوافيه الأنباء بهزيمة جنوده، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك، وكان يقول: اصطاد كوثر ثلاث سمكات وما اصطدت إلاّ سمكتين!! وهجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه، وحمل رأسه إلي طاهر بن الحسين فنصبه علي رمح وتلا قوله تعالي: (اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء) [91] . [ صفحه 64]

خلافة إبراهيم الخليع

سمّي إبراهيم بالخليع لأنه لم يترك لوناً من ألوان المجون إلاّ ارتكبه، وكان مدمناً علي الخمر في أكثر أوقاته، وقد نصّبه العبّاسيون خليفة عليهم، وذلك لحقدهم علي المأمون وكراهيّتهم له، وقد بايعه الغوغاء، وأهل الطرب من الناس، ومن الطريف أنّ الغوغاء أرادوا منه المال فجعل يسوّفهم، وطال عليهم الأمر فأحاطوا بقصره فخرج إليهم رسوله فأخبرهم أنّه لا مال عنده، فقام بعض ظرفاء بغداد فنادي: «أخرجوا إلينا خليفتنا ليغنّي لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاءاً لهم...» [92] . وزحف المأمون بجيوشه نحو بغداد للقضاء علي تمرّد إبراهيم، فلمّا علم ذلك هرب، وهرب من كان يعتمد علي نصرته، وظلّ إبراهيم مختفياً في بغداد يطارده الرعب والخوف، وقد ظفر به المأمون فعفا عنه لأنّه لم يكن له أي وزن سياسي حتي يخشي منه.

ثورة أبي السرايا

من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) ثورة أبي السرايا التي استهدفت القضايا المصيرية لجميع الشعوب الإسلامية، فقد رفعت شعار الدعوة إلي (الرضا من آل محمّد (عليه السلام)) الذين كانوا هم الأمل الكبير للمضطهدين والمحرومين، وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العبّاسية، فقد استجاب لها معظم الأقطار الإسلامية، فقد كان قائدها الملهم أبو السرايا ممّن هذّبته الأيام، وحنّكته التجارب، وقام علي تكوينه عقل كبير، فقد استطاع [ صفحه 65] بمهارته أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) ويجعلهم قادة في جيشه، ممّا أوجب اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلي تأييد ثورته والانضمام إليها إلاّ أنّ المأمون قد استطاع بمهارة سياسية فائقة أن يقضي علي هذه الحركة، ويقبرها في مهدها، فقد جلب الإمام الرضا (عليه السلام) إلي خراسان، وأرغمه علي قبول ولاية العهد، وأظهر للمجتمع الإسلامي أنّه علوي الرأي، فقد رفق بالعلويّين، وأوعز إلي جميع أجهزة حكومته بانتقاص معاوية والحطّ من شأنه، وتفضيل الإمام أمير المؤمنين علي جميع صحابة النبيّ (صلي الله عليه وآله) فاعتقد الجمهور أنّه من الشيعة واستطاع بهذا الاُسلوب الماكر أن يتغلّب علي الأحداث ويخمد نار الثورة [93] . لقد عاش الإمام أبو جعفر محمّد الجواد (عليه السلام) معظم حياته في عهد المأمون، ولم يلبث بعده إلاّ قليلاً حتي وافاه الأجل المحتوم.. ويري بعض المؤرّخين أنّ المأمون كان يكنّ له أعظم الودّ وخالص الحبّ، فزوّجه من ابنته اُمّ الفضل، ووفّر له العطاء الجزيل، وكان يحوطه، ويحميه ويخشي عليه عوادي الدهر، ويضنّ به علي المكروه، وكان يصرّح أنّه يبغي بذلك الأجر من الله، وصلة الرحم التي قطعها آباؤه، وفيما أحسب أنّ ذلك التكريم لم يكن عن إيمان بالإمام أو إخلاص له، وإنّما كان لدوافع سياسية نعرض لها في المباحث الآتية. وعلي أيّة حال فلابدّ لنا من وقفة قصيرة لدراسة حياة المأمون، والوقوف علي اتّجاهاته الفكرية والعقائدية، والنظر فيما صدر منه من تكريم للإمام (عليه السلام) فإنّ ذلك ممّا يرتبط ارتباطاً موضوعيّاً بالبحث عن حياة الإمام أبي جعفر (عليه السلام). [ صفحه 66]

عبد الله المأمون: نزعاته وسياسته

اشاره

عبد الله المأمون هو أبو العباس بن هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، ولد بالياسرية في ليلة الجمعة منتصف ربيع الأول سنة (170 هـ) وبويع له بمرو فتوجه الي بغداد وقدمها وعمره اذ ذاك تسع وعشرون سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام. واُمّه ام ولد تسمّي مراجِل.

من أبرز نزعات المأمون وصفاته

الدهاء

لم يعرف العصر العبّاسي من هو أذكي من المأمون، ولا من هو أدري منه في الشؤون السياسية العامّة فقد كان سياسياً من الطراز الأوّل، حتّي استطاع بحدّة ذكائه، وقدراته السياسية أن يتغلّب علي كثير من الأحداث الرهيبة التي ألمّت به، وكادت تطوي حياته، وتقضي علي سلطانه، فقد استطاع أن يقضي علي أخيه الأمين الذي كان يتمتّع بتأييد مكثّف من قِبل الاُسرة العبّاسيّة، والسلطات العسكرية، كما استطاع أن يقضي علي أعظم حركة عسكرية مضادّة له، تلك ثورة أبي السرايا التي اتّسع نطاقها فشملت الأقاليم الإسلامية حتي سقط بعضها بأيدي الثوار، وكان شعار تلك الثورة الدعوة إلي الرضي من آل محمّد (صلي الله عليه وآله) فحمل الإمام الرضا(عليه السلام) إلي خراسان، وكان(عليه السلام) زعيم الاُسرة العلويّة وعميدها، فأرغمه علي قبول ولاية العهد، وعهد إلي جميع أجهزة حكومته بإذاعة فضائله ومآثره، كما ضرب السكّة باسمه، فأوهم بذلك علي الثوار والقوي الشعبية المؤيّدة لهم أنّه جادّ فيما فعله، حتي أيقنوا أنّه لا حاجة إلي الثورة وإراقة الدماء بعد أن حصل الإمام(عليه السلام) علي ولاية العهد، وقضي بذلك علي الثورة، وطوي معالمها، وهذا التخطيط كان من أروع المخطّطات السياسية التي عرفها [ صفحه 67] العالم في جميع مراحل التاريخ.

القسوة

وانعدام الرحمة والرأفة من آفاق نفسه هي صفة اُخري له، والذي يدعم ذلك فهو قتله لأخيه حينما استولت عليه قوّاته العسكرية، ولو كان يملك شيئاً من الرحمة لما قتل أخاه. كما أنّه قابل العلويّين بعد قتله للإمام الرضا (عليه السلام) بمنتهي الشدّة والقسوة، فعهد إلي جلاّديه بقتلهم والتنكيل بهم أينما وجِدوا.

الغدر

فقد بايع للإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وبعد ما تحققت مآربه السياسية دسّ إليه السمّ فقتله ليتخلّص منه.

ميله إلي اللهو

أمّا الميل إلي اللهو فقد أقبل عليه بنهم وفيما يلي بعض ما أثر عنه: -لعبه بالشطرنج ولم يكن شيء من الملاهي أحبّ إلي المأمون من الشطرنج [94] فقد هام في هذه اللعبة وقد وصفها بهذه الأبيات:
أرض مربّعة حمراء من أدم ما بين الفين موصوفين بالكرم تذاكرا الحرب فاحتلالها شبهاً من غير أن يسعيا فيها بسفك دم هذا يغير علي هذا وذاك علي هذا يغير وعين الحرب لم تنم فانظر إلي الخيل قد جاشت بمعركة في عسكرين بلا طبل ولا علم [95] . وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، ولعلّه أسبق من نظم فيه الشعر الذي أحاط بأوصافه، وكان أبوه الرشيد مولعاً بالشطرنج، وقد أهدي إلي ملك فرنسا أدواته، وتوجد حالياً في بعض متاحف فرنسا. [ صفحه 68] - ولعبه بالموسيقي وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقي، وكان له هوي شديد في ذلك وكان معجباً كأشدّ ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي، الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي، وقد قال فيه: كان لا يغنّي أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان [96] . وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف علي العود، ولم يمرّ اسم الله ولا ذكره في قصوره ولياليه.

تظاهره بالتشيع

اشاره

لقد تظاهر المأمون بالتشيّع، حتي اعتقد الكثيرون أنّه من الشيعة ; لأنّه قام بما يلي:

رد فدك للعلويين

بعد أن صادرتها الحكومات السابقة عليه وكان قصدها إشاعة الفقر بين العلويّين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم حتي يشغلهم الفقر والبؤس عن مناهضة اُولئك الحكّام، وقد أنعش المأمون العلويّين، ورفع عنهم تلك الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، واعتبر البعض هذا الإجراء دليلاً علي تشيّعه.

تفضيل الإمام علي بن أبي طالب علي الصحابة

وقام المأمون بإجراء خطير فقد أعلن رسمياً فضل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) علي عموم الصحابة كما أعلن الحطّ من معاوية بن أبي سفيان. [ صفحه 69] وكان هذا الإجراء من أهمّ المخطّطات التي تُلفت النظر إلي تشيّعه، فقد جري سلفه علي انتقاص الإمام (عليه السلام)، والحطّ من شأنه، وتقديم سائر الصحابة عليه.

ولاية العهد للإمام الرضا

حيث قيل إنّ معناها أنه قد أخرج بذلك الخلافة من العبّاسيّين إلي العلويّين. ويلاحظ علي كل هذه الظواهر أنه إنّما صنع الاُمور المتقدّمة تدعيماً لسياسته وأغراضه، ويدلّ علي ذلك ما يلي: أوّلاً: إنّه كان مختلفاً كأشدّ ما يكون الاختلاف مع الأسرة العبّاسية الذين كانت ميولهم مع أخيه الأمين لأنّ اُمّه زبيدة كانت من أندي الناس كفّاً، ومن صميم العبّاسيّين، أمّا اُمّ المأمون فهي مراجل، وكانت من إماء القصر العبّاسي، وكان العبّاسيّيون ينظرون إليه نظرة احتقار باعتبار اُمّه، فأراد المأمون بما أظهره من التشيّع ارغام اُسرته الذين كانوا من ألدّ الأعداء لآل رسول الله (صلي الله عليه وآله) وشيعتهم. ثانياً: إنّه أراد كشف الشيعة، ومعرفة السلطة بهم بعدما كانوا في الخفاء، ولم تستطع الحكومات العبّاسية معرفتهم والوقوف علي أسمائهم وخلاياهم، فأراد المأمون بما صدر منه من إحسان لهم أن يكشفهم، وقد دلّت علي ذلك بعض الوثائق الرسمية التي صدرت منه. ثالثاً: إنّه أراد القضاء علي الحركة الثورية التي فجّرتها الشيعة بقيادة الزعيم الكبير أبي السرايا، فرأي المأمون أن خير وسيلة للقضاء عليها وشلّ فعّاليّاتها هو الإحسان إلي الشيعة [97] . [ صفحه 70]

وقفة عند سلوك المأمون ونزعاته

كانت حياة المأمون ـ قبل توليه الخلافة ـ حياة جد ونشاط وتقشف، علي العكس من أخيه الأمين، الذي كان يميل الي اللعب والبطالة اكثر منه الي الجد والحزم. ولعل سرّ ذلك يعود الي أن المأمون لم يكن كأخيه، يشعر بأصالة محتده، ولا كان مطمئناً إلي مستقبله، والي رضا العبّاسيين به، بل كان يقطع بعدم رضاهم به خليفةً وحاكماً، ولهذا فقد وجد انه ليس لديه أي رصيد يعتمد عليه غير نفسه، فشمر عن ساعد الجد وبدأ يخطط لمستقبله منذ أن ادرك واقعه، والمميزات التي كان يتمتع بها أخوه الأمين عليه. ويُلاحظ انه كان يستفيد من أخطاء أخيه الأمين وان الفضل عندما رأي اشتغال الأمين باللهو واللعب، أشار علي المأمون بإظهار الورع والدين، وحسن السيرة، فأظهر المأمون ذلك... وكان كلما اعتمد الأمين حركة ناقصة اعتمد المأمون حركة شديدة. ومن هنا يتبيّن السرّ فيما يبدو من رسالته للعبّاسيين، حيث نصب فيها نفسه واعظاً تقيّاً، وأضفي عليها هالة من الورع والزهد في الدنيا والالتزام بأحكام الشريعة، ليروه ويراه الناس نوعية اخري تفضل علي نوعية أخيه الأمين. وقد برع المأمون في العلوم والفنون حتي فاق أقرانه، بل فاق جميع خلفاء بني العباس، فإنه لم يكن في بني العباس أعلم من المأمون [98] . وهو أعلم الخلفاء بالفقه والكلام [99] . وكل مَن تعرّض من المؤرخين وغيرهم، لشرح حال المأمون، قد شهد له [ صفحه 71] بالتقدم، وبأنه رجل خلفاء بني العباس وواحدهم [100] . وما يهمنا هنا، هو مجرد الاشارة الي حال المأمون، وما كان عليه من الدهاء والسياسة وحسن التدبير. وبالرغم من جدارة المأمون فيما اذا قورن الي أخيه الأمين باعتراف أبيه الرشيد بذلك، لكن الرشيد قد اعتذر عن إسناده الأمر إلي الأمين بأن العبّاسيين لا يرضون بالمأمون خليفة [101] . ويري بعض المؤرخين أنّ السرّ في عدم رضا العبّاسيين بالمأمون يرجع الي ان الأمين كان عبّاسيّاً، بكل ما لهذه الكلمة من معني فأبوه: هارون، وأمه زبيدة حفيدة المنصور... وكان في كنف الفضل بن يحيي البرمكي أخي الرشيد من الرضاعة واعظم رجل نفوذاً في بلاط الرشيد، وكان يشرف علي مصالحه الفضل بن الربيع، العربي الذي لم يكن ثمّة من شك في ولائه للعبّاسيين. أمّا المأمون فقد كان في كنف جعفر بن يحيي، الذي كان اقل نفوذاً من أخيه الفضل. وكان مؤدبه والذي يشرف علي مصالحه ذلك الرجل الذي لم يكن العباسيون يرتاحون اليه.. لأنه كان متهماً بالميل الي العلويين... أما اُم المأمون فخراسانية غير عربية... [102] .

التحديات التي واجهت حكم المأمون وموقفه منها

لقد جابه حكم المأمون تحديات خطيرة كانت تهدد كيانه وكادت تعصف به، وكان بقاؤه في السلطة يحتاج الي الكثير من الدهاء. [ صفحه 72] وأهمّ ما كان يواجه المأمون ما يلي: 1 ـ تحرك الشيعة ضده وكان تحركاً عنيفاً، وكانت ثورة أبي السرايا التي عمّت الكثير من الحواضر الاسلامية آنذاك نموذجاً له. 2 ـ تكتل العائلة العباسية ضد المأمون ووقوفها الي جانب الأمين أولاً، ثم عزلها له وتعيين عمه ابراهيم بن المهدي بعد ذلك. 3 ـ تحركات الخوارج والفئات المناوئة الاُخري. 4 ـ وجود المخاطر الخارجية من جانب الدول المتربصة بالدولة الاسلامية، خصوصاً الدولة البيزنطية. وأمام هذه التحديات قام المأمون بما يلي: أولاً ـ تصفيته لتحرك أخيه الأمين والقوي المتحركة القوية ضده. ثانياً ـ القيام بلعبة تولية الإمام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد بالإكراه ليصوّر للاُمة انه مع القيادة الشرعية وانه نقل الحكم اليها وهذا من شأنه أن يقلل من الروح الثورية للاُمة باتجاه اقامة الحكم بقيادة أهل البيت (عليهم السلام). ثالثاً ـ محاربة وتصفية ثورات العلويين. رابعاً ـ التصفية الجسدية للإمام الرضا (عليه السلام) بعد انتهائه من تصفية الثورات الخطيرة. خامساً ـ التوجّه الي بغداد للقضاء علي معارضة البيت العباسي. سادساً ـ تصفية مراكز القوي في الدولة باتجاه تعزيز قوته ووضعه. سابعاً ـ اشاعة فتنة خلق القرآن لإشغال الناس بها عمّا يهمّهم. ثامناً ـ تصفية قوي المعارضة من قبيل الخوارج. تاسعاً ـ التوجه لمحاربة الدولة البيزنطية ودفع خطرها. [ صفحه 73]

العلاقة بين الإمام الرضا والمأمون

اشاره

وصلت المسيرة الإسلامية اثناء إمامة الرضا(عليه السلام) الي مرحلة متقدمة نتيجة الجهود العظيمة التي بذلها الأئمة السابقون علي الإمام الرضا(عليه السلام) مما جعل السلطة العباسية مضطرة للدخول فيما دخلت فيه من تولية الإمام الرضا (عليه السلام) لولاية العهد والإيحاء بتحويل الخلافة من العباسيين لأهل البيت (عليهم السلام). ولايضاح هذا الأمر نذكر الاُمور التالية:

حالة الامة بلحاظ القيادة الشرعية

يبدو ان الاُمة كانت تؤيّد قيادة أهل البيت (عليهم السلام) وتعتقد بها ولكن ضمن ثلاثة مستويات، هي: 1 ـ عموم الاُمة التي اصبحت مؤمنة بقيادة أهل البيت (عليهم السلام)، دون ارتباطها بهم برباط عميق واع. 2 ـ المعارضون للدولة الذين يعتمدون الكفاح المسلّح لاسقاطها واقامة الحكم الإسلامي، وثورة أبي السرايا نموذج لذلك. 3 ـ المؤمنون الواعون بالقيادة الشرعية وهم أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) وانصاره.

تحرك المأمون علي واقع المستويات الثلاثة

انتهج المأمون سياسة المراحل في احتواء المستويات الثلاثة واجهاضها بحنكة ودهاء وبالشكل التالي: 1 ـ التصدي لمواجهة الثوّار الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) وتصفيتهم عسكرياً، ففي أيامه خرج أبو السرايا وقويت شوكته ودعا الي بعض [ صفحه 74] أهل البيت (عليهم السلام)، فقاتله الحسن بن سهل، فكانت الغلبة لجيش المأمون وقتل أبو السرايا. 2 ـ احتواء التوجه الشعبي لأهل البيت (عليهم السلام). لقد ابتكر المأمون وسيلة سياسية بارعة لاحتواء هذا التوجه وذلك ببيعة الإمام الرضا (عليه السلام) ولياً للعهد والتظاهر بموالاة أهل البيت (عليهم السلام) لتشويه هذا التوجه وامتصاصه. وكان المأمون قد أنفذ إلي جماعة من آل أبي طالب، فحملهم اليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسي(عليهما السلام)، فأخذ بهم علي طريق البصرة حتي جاؤوا بهم إليه، وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجَلودي. فقدم بهم علي المأمون فانزلهم داراً، وانزل الرضا عليّ بن موسي (عليهما السلام) داراً، وأكرمه وعظّم أمره، ثم أنفذ اليه: أني أريد ان اخلع نفسي من الخلافة واُقلدك اياها فما رأيك في ذلك؟ فأنكر الرضا (عليه السلام) هذا الأمر وقال له: «اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام، وأن يسمع به أحد». فرد عليه الرسالة: فإذا ابيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي. فأبي عليه الرضا إباءً شديداً، فاستدعاه اليه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرئاستين، ليس في المجلس غيرهم، وقال له: اني قد رأيت ان اقلدك أمر المسلمين، وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك. فقال له الرضا (عليه السلام): «الله الله ـ يا أمير المؤمنين ـ انه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه» قال له: فإني موليك العهد من بعدي فقال له: أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين. فقال له المأمون كلاماً فيه كالتهديد له علي الامتناع عليه، وقال له في كلامه: إن عمر بن الخطاب جعل الشوري في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي [ صفحه 75] ابن أبي طالب وشرط فيمن خالف منهم ان تُضرب عنقه، ولا بد من قبولك ما اُريده منك، فإنني لا أجد محيصاً عنه، فقال له الرضا (عليه السلام): «فإني اجيبك إلي ما تريد من ولاية العهد، علي انني لا آمر ولا أنهي ولا اُفتي ولا أقضي ولا اُوَلّي ولا اعزل ولا أغيّر شيئاً مما هو قائم» فأجابه المأمون إلي ذلك كله. وقد كان الإمام (عليه السلام) مرغَماً علي قبول ولاية العهد أي أنه لم يكن له الخيار في رفضها فقد كان المأمون جادّاً في قتله لو تخلف عن قبول البيعة. فعن الريان بن الصلت أنه قال: دخلت علي علي بن موسي الرضا (عليه السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله، ان الناس يقولون انك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟ فقال (عليه السلام): «قد علم الله كراهتي لذلك فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول علي القتل، ويحهم أما علموا ان يوسف(عليه السلام) كان نبياً رسولاً فلما دفعته الضرورة إلي تولّي خزائن العزيز قال له: (اجعلني علي خزائن الأرض أني حفيظ عليم) ودفعتني الضرورة إلي قبول ذلك علي اكراه وإجبار بعد الاشراف علي الهلاك، علي اني ما دخلت في هذا الأمر إلاّ دخول خارج منه، فإلي الله المشتكي وهو المستعان» [103] . وروي عن أبي الصلت الهروي أنه قال: «إن المأمون قال للرضا علي بن موسي (عليه السلام) يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك احقّ بالخلافة منّي، فقال الرضا (عليه السلام): بالعبودية لله عزّوجل افتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزّوجلّ. [ صفحه 76] فقال له المأمون: فإني قد رأيت ان اعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وابايعك، فقال له الرضا (عليه السلام): إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز ان تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك. فقال المأمون: يا ابن رسول الله لا بدّ لك من قبول هذا الأمر، فقال: «لست أفعل ذلك طائعاً أبداً». فما زال يجهد به أياماً حتي يئس من قبوله، فقال له: فان لم تقبل الخلافة ولم تحبّ مبايعتي لك فكن وليّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي. فقال الرضا (عليه السلام): والله لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسم، مظلوماً تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الأرض، وأدفن في أرض غربة إلي جنب هارون الرشيد. فبكي المأمون ثم قال له: يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر علي الإساءة اليك وأنا حيّ؟ فقال الرضا (عليه السلام): أما اني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت. فقال المأمون: يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، ودفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس إنك زاهد في الدنيا. فقال الرضا (عليه السلام): والله ما كذبت منذ خلقني ربّي عزّوجلّ وما زهدت في الدنيا للدنيا وإني لأعلم ما تريد. فقال المأمون: وما اُريد؟ قال: الأمان علي الصدق؟ قال: لك الأمان. قال: تريد بذلك أن يقول الناس: إنّ علي بن موسي لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة؟ فغضب المأمون ثم قال: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه. وقد أمنت سطوتي، فبالله اُقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك علي ذلك فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك. فقال الرضا (عليه السلام): قد نهاني الله عزّوجلّ ان اُلقي بيدي إلي التهلكة، فإن كان الأمر علي هذا، فافعل ما بدا لك، وأنا أقبل ذلك علي أنّي لا اُوَلّي أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقض رسماً ولا سُنّة، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً. [ صفحه 77] فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهد علي كراهة منه (عليه السلام) لذلك» [104] .

مع المؤمنين الواعين

كان المأمون حذراً من الإمام الرضا (عليه السلام) يتحيّن الفرص لاغتياله، وقد فعل ذلك في أول فرصة مناسبة فأوعز لعملائه باغتياله، وذلك بعد نحو عامين من ولاية العهد. ففي أول شهر رمضان سنة إحدي ومائتين كانت البيعة للرضا صلوات الله عليه [105] وقبض الرضا (عليه السلام) بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة.. [106] . عن أحمد بن علي الانصاري قال: سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا (عليه السلام) مع اكرامه ومحبته له وما جعل له من ولاية العهد بعده؟ فقال: ان المأمون انما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً في ان يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصاري والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجة، وكان الناس يقولون: والله إنه أولي بالخلافة من المأمون، وكان أصحاب الاخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له، وكان الرضا (عليه السلام) لا يحابي المأمون في حق وكان يجيبه بما [ صفحه 78] يكره في أكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له، فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم [107] . وعن علي بن ابراهيم، عن ياسر الخادم قال: «لمّا كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتلّ أبو الحسن (عليه السلام) فدخلنا طوس وقد اشتدّت به العلّة، فبقينا بطوس أياماً فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين فلمّا كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفاً في ذلك اليوم فقال لي بعدما صلّي الظهر: يا ياسر أكل الناس شيئاً؟ قلت: يا سيدي من يأكل ههنا مع ما أنت فيه؟! فانتصب (عليه السلام) ثم قال: هاتوا المائدة، ولم يدع من حشمه أحداً إلاّ أقعده معه علي المائدة يتفقد واحداً واحداً، فلما اكلوا قال: ابعثوا إلي النساء بالطعام، فحمل الطعام إلي النساء فلمّا فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف، فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات، ووقعت الوصية [108] بطوس وجاء المأمون حافياً وحاسراً يضرب علي رأسه، ويقبض علي لحيته، ويتأسف ويبكي وتسيل الدموع علي خديه فوقف علي الرضا (عليه السلام) وقد أفاق فقال: يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم عليّ، فقدي لك وفراقي إياك؟ أو تهمة الناس لي أنا اغتلتك وقتلتك؟ قال: فرفع طرفه اليه ثم قال: أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر، فإنّ عمرك وعمره هكذا وجمع سبّابتيه. قال: فلما كان من تلك الليلة قضي(عليه السلام) بعد ما ذهب من الليل بعضه، فلمّا أصبح اجتمع الخلق وقالوا: هذا قتله واغتاله ـ يعني المأمون ـ وقالوا: قتل ابن رسول الله واكثروا القول والجلبة [109] ، وكان محمد بن جعفر بن محمد(عليه السلام) استأمن إلي المأمون وجاء إلي خراسان وكان عمّ أبي الحسن فقال له المأمون: يا أبا جعفر [ صفحه 79] أخرج إلي الناس وأعلمهم ان أبا الحسن لا يخرج اليوم، وكره ان يُخرِجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر إلي الناس فقال: ايها الناس تفرقوا فإن أبا الحسن لا يخرج اليوم، فتفرق الناس وغسل أبو الحسن في الليل ودفن» [110] . وقد استطاع المأمون ان يخدع الكثيرين عندما أظهر حزنه وجزعه علي استشهاد الإمام الرضا (عليه السلام) وبصورة أثرت علي العوام، لكنها لم تنطل علي الخواص. حيث إنهم عرفوا دوافع المأمون وأساليبه وأهدافه، كما لاحظنا ذلك في نصّ أبي الصلت، وكما سنلاحظ ذلك في رسالة عبدالله بن موسي التالية.

طبيعة حكم المأمون

لقد شخّص السيد عبد الله بن موسي بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، طبيعة حكم المأمون وأساليبه برسالة تسلط مزيداً من الأضواء علي العلاقة بين هذا الحاكم وبين الإمام الجواد(عليه السلام)، فقد كان تشخيص هذا السيد دقيقاً وعميقاً، فقد كتب المأمون الي عبد الله بن موسي وهو متوار منه يعطيه الأمان ويضمن له ان يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسي، ويقول: ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعدما عملته بالرضا، وبعث الكتاب اليه. فكتب عبد الله بن موسي: وصل كتابك وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال عليّ حيلة المغتال القاصد لسفك دمي، وعجبت من بَذْلِك العهد وولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا؟! ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟ أفي الملك الذي قد غرتك حلاوته؟! فوالله لاَنْ اُقذف ـ وأنا حي ـ في نار تتأجج أحب إليّ من أن ألي أمراً بين المسلمين أو اشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل، أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟ ام ظننت أن [ صفحه 80] الاستتار قد أمّلني وضاق به صدري؟ فوالله اني لذلك. ولقد مللت الحياة وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك حتي تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر عليّ المخاطرة بدمي، وليتك قدرتَ عليَّ من غير أن أبذل نفسي لك فتقتلني، ولقيت الله عزوجل بدمي، ولقيتُه قتيلاً مظلوماً، فاسترحت من هذه الدنيا. واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عزوجل عنّي وفي عمل اتقرب به اليه، فلم أجد رأياً يهدي الي شيء من ذلك، فرجعت الي القرآن الذي فيه الهدي والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه من الشهادة في طلب مرضاته. ثم تتبعته ثانية اتأمل الجهاد أيّه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جلّ وعلا يقول: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)، فطلبت أي الكفار أضر علي الإسلام، وأقرب من موضعي فلم أجد أضر علي الإسلام منك، لأن الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم، وأنت ختلت المسلمين بالاسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت المال من غير حِلِّه فأنفقته في غير محله، وشربت الخمر المحرمة صراحاً، وأنفقت مال الله علي الملهين وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالاسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعينني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك بذلاً يرضيه منّي، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تختر مني الايام قبل ذلك،فحسبي من سعيي ما يعلمه الله عزوجل من نيتي، والسلام» [111] . [ صفحه 81]

استشهاد الرضا والنص علي إمامة الجواد

الإمام الرضا و إمامة ابنه الجواد

لقد رسّخ الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) إمامة ابنه الجواد(عليه السلام) كما قام بذلك الأئمة (عليهم السلام) الذين سبقوه حيث نوهوا باسم من يأتي من بعدهم من أئمة، وفي هذا المجال سنعرض المواقف التي ثبّت بها الإمام الرضا (عليه السلام) إمامة الجواد (عليه السلام) ودعا شيعته للإعتصام بها، ومن ذلك: 1 ـ قال الراوي: أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جالساً، فلمّا نهضوا، قال لهم: «ألقوا أبا جعفر فسلِّموا عليه وأحدثوا به عهداً، فلمّا نهض القوم إلتفت اليّ فقال: يرحم الله المفضَّل انه كان ليقنع بدون هذا» [112] . 2 ـ قال الراوي: سمعتُ الرضا (عليه السلام) وذكر شيئاً فقال: «ما حاجتكم الي ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القُذّة بالقذّة» [113] . 3 ـ قال الراوي: «سمعت علي بن جعفر يُحدّث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه: لقد نصر الله أبا الحسن الرضا (عليه السلام) لمّا بغي عليه اخوته وعمومته، وذكر حديثاً طويلاً حتي انتهي الي قوله: فقمت وقبضت علي يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وقلت: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكي الرضا (عليه السلام) ثم قال: «يا عمّ، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): بأبي خيرة الإماء النوبية الطيّبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات او هلك أي واد سلك؟ [ صفحه 82] فقلت: صدقت جعلت فداك» [114] . 4 ـ قال الراوي: قلت للرضا (عليه السلام) قد كنّا نسألك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول: «يهب الله لي غلاماً» فقد وهبه الله لك، فأقرّ عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كونٌ فإلي من؟. فأشار بيده الي أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت له: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين!؟ قال: «وما يضره من ذلك، قد قام عيسي بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين» [115] . 5 ـ قال الراوي: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر وهو صغير فقال: «هذا المولود الذي لم يُولَد مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه» [116] . 6 ـ قال الراوي: «دخلتُ علي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وقد ولد له أبو جعفر (عليه السلام)، فقال: ان الله قد وهب لي مَن يرثني ويرث آل داود» [117] . 7 ـ قال الراوي: «كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) جالساً، فدعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجري فقال لي: جرّده وانزع قميصه، فنزعته، فقال: انظر بين كتفيه شبيه الخاتم داخل في اللحم. ثم قال: اتري هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي (عليه السلام)» [118] . 8 ـ قال الراوي: «ما كان (عليه السلام) ـ يعني الرضا ـ يذكر محمداً ابنه (عليه السلام) إلاّ بكنيته، يقول: كتب اليّ أبو جعفر، وكنت اكتب الي أبي جعفر وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة والحسن فسمعته يقول: أبو جعفر وصييّ وخليفتي في أهلي من بعدي» [119] . 9 ـ قال الراوي: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: انشدت مولاي علي [ صفحه 83] ابن موسي الرضا (عليه السلام) قصيدتي ـ الي ان قال ـ: «يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني وبعد محمد ابنه عليّ وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر» [120] .

الإمام الجواد عند استشهاد أبيه

عن أبي الصلت الهروي أنه قال: «بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) إذ قال لي: ياأبا الصلت، ادخل هذه القبّة الّتي فيها قبر هارون وآتني بتراب من أربعة جوانبها. قال: فمضيت فأتيت به، فلمّا مثلت بين يديه، قال لي: ناولني (من) هذا التراب، ـ وهو من عند الباب ـ فناولته فأخذه وشمّه ثم رمي به، ثمّ قال: سيحفر لي (قبر) ههنا، فتظهر صخرة لو جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها، ثمّ قال في الذي عند الرّجل والّذي عند الرأس مثل ذلك، ثمّ قال: ناولني هذا التراب فهو من تربتي. ثمّ قال: سيحفر لي في هذا الموضع، فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراق إلي أسفل، وأن تشقّ لي ضريحه، فإن أبوا إلاّ أن يلحدوا، فتأمرهم أن يجعلوا اللّحد ذراعين وشبراً فإنّ الله تعالي سيوسّعه ما يشاء، وإذا فعلوا ذلك فإنّك تري عند رأسي نداوةً، فتكلّم بالكلام الّذي أعلّمك، فإنّه ينبع الماء حتّي يمتلئ اللّحد وتري فيه حيتاناً صغاراً، فتفتّت لها الخبز الذي أعطيك فإنّها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتّي لا يبقي منها شيء، ثمّ تغيب، فإذا غابت فضع يدك علي الماء، ثمّ تكلّم بالكلام الّذي اُعلّمك، فإنّه ينضب الماء ولا يبقي منه شيء، ولا تفعل ذلك إلاّ بحضرة المأمون. [ صفحه 84] ثمّ قال (عليه السلام): ياأبا الصلت غداً أدخل علي هذا الفاجر، فإن خرجت (وأنا) مكشوف الرأس، فتكلّم أكلّمك، وإن خرجت وأنا مغطّي الرأس فلا تكلّمني. قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك، إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه، حتّي دخل علي المأمون، وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه، وبقي بعضه. فلمّا أبصر بالرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه ثمّ ناوله العنقود، وقال: ياابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من هذا! قال له الرضا (عليه السلام): ربّما كان عنباً حسناً يكون من الجنّة. فقال له: كل منه فقال له الرضا (عليه السلام): تعفيني منه. فقال: لا بدّ من ذلك، وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشيء. فتناول العنقود فأكل منه، ثمّ ناوله فأكل منه الرضا (عليه السلام) ثلاث حبّات، ثمّ رمي به وقام. فقال المأمون: إلي أين؟ قال: إلي حيث وجّهتني، وخرج (عليه السلام) مغطّي الرأس فلم أكلّمه حتّي دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب، فغلق ثمّ نام (عليه السلام) علي فراشه، ومكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً. فبينا أنا كذلك، إذ دخل عليّ شاب حسن الوجه، قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا (عليه السلام)، فبادرت إليه وقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الّذي جاء بي من المدينة في هذاالوقت: هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق. فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجّة الله عليك ياأبا الصلت، أنا محمّد بن عليّ. ثمّ مضي نحو أبيه (عليه السلام) فدخل وأمرني بالدخول معه، فلمّا نظر إليه [ صفحه 85] الرضا (عليه السلام) وثب إليه، فعانقه وضمّه إلي صدره وقبّل ما بين عينيه، ثمّ سحبه سحباً إلي فراشه، وأكبّ عليه محمّد بن عليّ (عليه السلام) يقبّله ويسارّه بشيء لم أفهمه. ومضي الرضا (عليه السلام)، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ياأبا الصلت قم فأتني بالمغتسل والماء من الخزانة. فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء. فقال لي: إنته إلي ما آمرك به، فدخلت الخزانة، فإذا فيها مغتسل وماء، فأخرجته وشمّرت ثيابي لأغسّله معه، فقال لي: تنحّ ياأبا الصلت فإنّ لي من يعينني غيرك. فغسّله. ثمّ قال لي: ادخل الخزانة، فأخرج إليّ السفط الذي فيه كفنه وحنوطه، (فدخلت)فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قطّ، فحملته إليه فكفّنه وصلّي عليه. ثمّ قال لي: ائتني بالتابوت. فقلت: أمضي إلي النجّار حتّي يصلح التابوت. قال: قم فإنّ في الخزانة تابوتاً. فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قطّ فأتيته به، فأخذ الرضا (عليه السلام) بعد ما صلّي عليه فوضعه في التابوت، وصفّ قدميه، وصلّي ركعتين لم يفرغ منهما حتّي علا التابوت، فانشقّ السقف، فخرج منه التابوت ومضي. فقلت: ياابن رسول الله، الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا(عليه السلام) فما نصنع؟ فقال لي: أسكت فإنّه سيعود ياأبا الصلت، ما من نبيّ يموت بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع الله تعالي بين أرواحهما وأجسادهما. فما أتمّ الحديث، حتّي انشقّ السقف ونزل التابوت، فقام (عليه السلام) فاستخرج الرضا (عليه السلام) من التابوت، ووضعه علي فراشه كأنه لم يغسّل ولم يكفّن. ثمّ قال لي: ياأبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون، ففتحت الباب، فإذا [ صفحه 86] المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكياً حزيناً قد شقّ جيبه، ولطم رأسه، وهو يقول: ياسيّداه فجعت بك ياسيّدي، ثمّ دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه. فأمر بحفر القبر، فحفرت الموضع فظهر كلّ شيء علي ما وصفه الرضا (عليه السلام) فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنّه إمام؟ قال: بلي. قال: لا يكون الإمام إلاّ مقدّم الناس. فأمر أن يحفر له في القبلة، فقلت: أمرني أن أحفر له سبع مراق، وأن أشقّ له ضريحه فقال: انتهوا إلي ما يأمر به أبو الصلت سوي الضريح، ولكن يحفر له ويلحد. فلمّا رأي ما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك، قال المأمون: لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتّي أراناها بعد وفاته أيضاً. فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك به الرضا؟ قال: لا. قال: إنّه أخبرك أنّ ملككم يابني العبّاس مع كثرتكم وطول حذركم مثل هذه الحيتان، حتّي إذا افنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم، سلّط الله تعالي عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم قال له: صدقت. ثمّ قال لي: ياأبا الصلت علّمني الكلام الّذي تكلّمت به. قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي. وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي، ودفن الرضا (عليه السلام)، فحبست سنة، فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليل، ودعوت الله تعالي بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله (عليهم السلام)، وسألت الله تعالي بحقّهم أن يفرّج عنّي. فلم أستتم الدعاء حتّي دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام). فقال (لي): ياأبا الصلت ضاق صدرك؟ فقلت: إي والله. قال: قم فاخرج. [ صفحه 87] ثمّ ضرب يده إلي القيود الّتي كانت (عليّ) ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمة يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلّموني، وخرجت من باب الدار. ثمّ قال لي: إمض في ودائع الله، فإنّك لن تصل إليه، ولا يصل إليك أبداً. قال أبو الصلت: فلم ألتق مع المأمون إلي هذا الوقت» [121] . [ صفحه 91]

ملامح عصر الإمام الجواد

اشاره

كان عصر الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) من أزهي العصور الاسلامية وأروعها، من حيث تميّزه في نهضته العلمية وحضارته الفكرية، وقد ظل المسلمون وغيرهم أجيالاً وقروناً يقتاتون من موائد الثروات الفكرية والعلمية التي اُسّست في ذلك العصر. ولا بدّ لنا من الحديث ـ بايجاز ـ عن معالم عصر الإمام (عليه السلام) فقد أصبحت دراسة العصر من المباحث المنهجية التي لا غني للباحث عنها.

الحياة الثقافية

اشاره

تعتبر الحياة الثقافية في ذلك العصر من أبرز معالم الحياة في العصور الاسلامية علي الاطلاق، فقد ازدهرت الحركة الثقافية، وانتشر العلم انتشاراً واسعاً، وتأسّست المعاهد الدراسية، وشاعت الحلقات العلمية، واقبل الناس بلهفة علي طلب العلم، يقول نيكلسون: وكان لانبساط رقعة الدولة العباسية، ووفرة ثروتها، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل، حتي لقد بدا أنّ الناس جميعاً من الخليفة إلي أقل أفراد العامة شأناً غدوا فجأة طلاّباً للعلم أو علي الأقل أنصاراً للأدب، وفي عهد الدولة العباسية كان الناس [ صفحه 92] يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلي موارد العلم والعرفان ليعودوا إلي بلادهم كالنحل يحملون الشهد إلي جموع التلاميذ المتلهّفين، ثمّ يصنّفون بفضل ما بذلوه من جهد متصل هذه المصنّفات التي هي أشبه شيء بدوائر المعارف، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم الحديثة إلينا بصورة لم تكن متوقعة من قبل [122] ونُلمح إلي بعض المعالم الرئيسية من تلك الحياة الثقافية.

المراكز الثقافية

اشاره

أمّا المراكز الثقافية في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فهي:

المدينة

وكانت المدينة من أهم المراكز العلمية في ذلك العصر، فقد تشكّلت فيها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وقد ضمّت عيون الفقهاء والرواة من الذين سهروا علي تدوين أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وقد عنوا بصورة موضوعية بتدوين أحاديثهم الخاصة في الفقه الذي يمثل روح الإسلام وجوهره، كما تشكّلت في المدينة مدرسة التابعين وهي مدرسة فقهية عنت بأخذ الفقه ممّا روي عن الصحابة، ويرجع فيما لم يرو فيه عنهم حديث إلي ما يقتضيه الرأي والقياس حسب ما ذكروه.

الكوفة

وتأتي الكوفة بعد المدينة في الأهمية، فقد كان الجامع الأعظم من أهم المعاهد، والمدارس الاسلامية، فقد انتشرت فيه الحلقات الدراسية، وكان الطابع العام للدراسة هي العلوم الاسلامية من الفقه والتفسير والحديث وغيرها. وكانت الكوفة علوية الرأي، فقد عنت مدرستها بعلوم أهل البيت (عليهم السلام) وقد حدّث الحسن بن علي الوشاء فقال: أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد [ صفحه 93] الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد [123] ومن أهم الأسر العلمية التي درست في ذلك الجامع هي آل حيّان التغلبي وآل أعين، وبنو عطيّة وبيت بني دراج وغيرهم [124] . ولم يكن الفقه وحده هو السائد في مدرسة الكوفة، وإنّما كان النحو سائداً أيضاً، فقد اُنشئت في الكوفة مدرسة النحويين، وكان من أعلامها البارزين: الكسائي الذي عهد إليه الرشيد بتعليم ابنيه الأمين والمأمون، ومن الجدير بالذكر انّ هذا العلم الذي يصون اللسان عن الخطأ قد اخترعه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو الذي وضع قواعده واُصوله.

البصرة

وكانت مركزاً مهمّاً لعلم النحو، وكان أوّل من وضع أساس مدرسة البصرة أبو الأسود الدؤلي تلميذ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت هذه المؤسسة تنافس مدرسة الكوفة، وقد سُمّي نُحاة البصرة (أهل المنطق) تمييزاً عن نُحاة الكوفة وكان من أعلام هذه الصناعة سيبويه الفارسي، وهو صاحب «كتاب سيبويه»، الذي هو من أنضج الكتب العربية وأكثرها عمقاً وأصالة يقول دي بور: «فلو نظرنا إلي كتاب سيبويه لوجدناه عملاً ناضجاً، ومجهوداً عظيماً، حتي أنّ المتأخّرين قالوا: إنّه لا بدّ أن يكون ثمرة جهود متضافرة لكثير من العلماء، مثل قانون ابن سيناء» [125] . وكما كانت البصرة ميداناً لعلم النحو كذلك كانت مدرسة لعلم التفسير الذي كان من علمائه البارزين أبو عمرو بن العلاء، وكانت مدرسة أيضاً لعلم العروض الذي وضع أصوله الخليل بن أحمد صاحب كتاب «العين» الذي هو أوّل معجم وضع في اللغة العربية. [ صفحه 94]

بغداد

حيث ازدهرت بالحركات العلمية والثقافية، وقد انتشرت فيها المدارس والمعاهد ولم يعد هناك شيء أيسر ولا أبذل من العلم. ولم تختص بغداد في علم خاص كما كانت بقية المراكز الاسلامية، وإنّما شملت جميع أنواع العلوم العقلية والنقلية، وكذا سائر الفنون، وقد أصبحت أعظم حاضرة علمية في ذلك العصر، وتوافد عليها طلاّب العلوم والمعرفة من جميع أقطار الدنيا. يقول غوستاف لوبون: «كان العلماء ورجال الفن والاُدباء من جميع الملل والنحل من يونان وفُرس وأقباط وكلدان يتقاطرون إلي بغداد، ويجعلون منها مركزاً للثقافة في الدنيا»، قال أبو الفرج عن المأمون: «إنّه كان يخلو بالحكماء، ويأنس بمناظرتهم، ويلتذ بمذاكرتهم علماً منه بأنّ أهل العلم هُم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده [126] . هذه بعض المراكز الثقافية في ذلك العصر.

العلوم السائدة

اشاره

وكانت العلوم السائدة التي أقبل الناس علي تعلّمها، هي:

علوم القرآن

علم القراءات

ويُعني هذا العلم بالبحث عن قراءة القرآن وقد وجدت سبع طُرق في القراءات، كل طريقة منها تُنسب إلي قارئ، ومن أشهرهم في العصر العباسي يحيي بن الحارث الذماري المتوفّي سنة (145 هـ) وحمزة بن حبيب الزيات المتوفّي سنة (156 هـ) وأبو عبد الرحمن المقري المتوفّي [ صفحه 95] سنة (213 هـ) وخلف بن هشام البزاز المتوفّي سنة (229 هـ) [127] .

التفسير

ويُراد به ايضاح الكتاب العزيز وبيان معناه، وقد اتجه المفسّرون في تفسيره اتجاهين: الأوّل: التفسير بالمأثور، ونعني به تفسير القرآن بما أثر عن النبي (صلي الله عليه وآله) وأئمّة الهُدي(عليهم السلام) وهذا ما سلكه أغلب مُفسّري الشيعة كتفسير القمّي، والعسكري والبرهان، وحجّتهم في ذلك أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هم المخصوصون بعلم القرآن علي حقيقته وواقعه، وقد أدلي بذلك الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) بقوله: «ما يستطيع أحد أن يدّعي انّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء» [128] وقد تظافرت الأدلّة علي وجوب الرجوع إليهم في تفسير القرآن، يقول الشيخ الطوسي: «انّ تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي (صلي الله عليه وآله) وعن الأئمّة الذين قولهم حجة كقول النبي (صلي الله عليه وآله)» [129] . الثاني: التفسير بالرأي، ويُراد به الأخذ بالاعتبارات العقلية الراجعة إلي الاستحسان وقد ذهب إلي ذلك المفسرون من المعتزلة، والباطنية فلم يعنوا بما أثر عن أئمّة الهُدي في تفسير القرآن الكريم، وإنّما استندوا في تفسيره إلي ما يرونه من الاستحسانات العقلية [130] . وعلي أيّة حال فإنّ أوّل مدرسة للتفسير بالمأثور كانت في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو أوّل مفسّر للقرآن الكريم وعنه أخذ عبد الله بن عباس [ صفحه 96] وغيره، من أعلام الصحابة، وكذلك اهتمّ به اهتماماً بالغاً الأئمّة الطاهرون، فتناولت الكثير من محاضراتهم تفسير القرآن، وأسباب نزول آياته وفضل قراءته.

علم الحديث

ونعني به ما أثر عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أو عن أحد أوصيائه الأئمّة الطاهرين، من قول أو فعل أو تقرير لشيء ويعبّر عن ذلك كلّه بالسنّة. وقد سبق الشيعة إلي تدوين الأحاديث، فقد حثّ الأئمّة الطاهرون أصحابهم علي ذلك، حيث روي أبو بصير فقال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام) فقال، «ما يمنعكم من الكتابة، إنّكم لن تحفظوا حتي تكتبوا، أنّه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها» وقد انبري جماعة من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) إلي جمع الأحاديث الصحيحة في جوامع كبيرة، وهي الجوامع الاُولي للإمامية والتي تعدّ الأساس لتدوين الجوامع الأربعة لمشايخ الإسلام الثلاثة [131] .

الفقه

ومن أبرز العلوم التي ساد انتشارها في ذلك العصر بل في جميع العصور الإسلامية هو علم الفقه الذي يتكفل بيان التكاليف اللازمة علي المكلّفين وماهم مسؤولون عنه عند الله ومطالبون بامتثالها وتطبيقها علي واقع حياتهم، ومن ثمّ كان الاهتمام بدراسة علم الفقه أكثر من سائر العلوم، وقد قام أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) بدور فعّال في إنشاء مدرستهم الفقهيّة التي تخرّج منها كبار [ صفحه 97] الفقهاء والعلماء أمثال زرارة، ومحمّد بن مسلم، وجابر بن يزيد الجعفي وأمثالهم من عيون العلماء، وقد دوّنوا ما سمعوه من الأئمّة الطاهرين في اُصولهم التي بلغت زهاء أربعمائة أصل، ثمّ هذّبت، وجمعت في الكتب الأربعة التي يرجع إليها فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية. ولم يقتصر هذا النشاط في طلب علم الفقه والإقبال عليه علي الشيعة، وإنّما شمل جميع الطوائف الإسلامية.

علم اصول الفقه

وأسّس هذا العلم الإمام أبو جعفر محمّد الباقر(عليه السلام)، وهذا العلم ممّا يتوقّف عليه الاجتهاد والاستنباط، وكان موضع دراسة في ذلك العصر.

علم النحو

وهو من العلوم التي لعبت دوراً مهمّاً في العصر العبّاسي، فقد كانت بحوثه موضع جدل، وقد عقدت لها الأندية في قصور الخلفاء وجري في بعض مسائله نزاع حادّ بين علماء هذا الفنّ، وقد تخصّص بهذا العلم جماعة من الأعلام في ذلك العصر في طليعتهم الكسائي والفراء وسيبويه، وقد أسّس هذا العلم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) رائد العلم والحكمة في الأرض.

علم الكلام

ويقصد به الدفاع عن المعتقدات الدينية بالأدلّة العلميّة، وقد تأسّس هذا الفنّ علي أيدي الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) وتخصّص فيه جماعة من تلاميذهم، يعدّ في طليعتهم العالم الكبير هشام بن الحكم، ومن أشهر المتكلّمين عند أهل السنّة واصل بن عطاء، وأبو الهذيل العلاّف، وأبو الحسن الأشعري والغزالي. [ صفحه 98]

علم الطب

وقد شجّع ملوك بني العبّاس علي دراسة الطب، ومنحوا الجوائز والأموال الطائلة للمتخصّصين فيه أمثال جبريل بن بختشوع الطبيب النصراني.

علم الكيمياء

وقد تخصّص فيه جابر بن حيان مفخرة الشرق العربي، وقد تلقّي معلوماته في هذا المجال من الإمام جعفر الصادق العقلية المفكّرة الفريدة في العالم الإنساني والمؤسس لهذا العلم.

علم الهندسة المعمارية والمدنية

علم الهندسة المعمارية والمدنية

علم الفلك

علم الفلك

ترجمة الكتب

وكان من مظاهر الحياة الثقافية في ذلك العصر الاقبال علي ترجمة الكتب إلي اللغة العربية، وقد تناولت كتب الطب، والرياضة، والفلك، وأصناف العلوم السياسية والفلسفة، ذكر أسماء كثير منها: ابن النديم في الفهرست، وكان يرأس ديوان الترجمة حنين بن اسحاق، وقد روي ابن النديم: أنّ المأمون كان بينه وبين ملك الروم مراسلات، وقد استظهر عليه المأمون فكتب إليه يسأله الإذن في انفاذ من يختار من العلوم القديمة المخزونة، المدّخرة ببلد الروم فأجابه إلي ذلك بعد إمتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجّاج بن مطر وابن البطريق ومسلم صاحب بيت الحكمة وغيرهم، فأخذوا ممّا وجدوا، فلمّا حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل.. [132] . [ صفحه 99]

المعاهد والمكتبات

وأنشأت الحكومة في هذا العصر الكثير من المدارس والمعاهد في بغداد لتدريس العلوم الاسلامية وغيرها، فقد أنشئت فيها حوالي ثلاثون مدرسة، وما فيها من مدرسة إلاّ ويقصر القصر البديع عنها. كما اُسّست فيها المكتبات العامة التي كان منها مكتبة بيت الحكمة، فقد نقل إليها الرشيد مكتبته الخاصة، وأضاف إليها من الكتب ما جمعه جدّه المنصور وأبوه المهدي، وفي عهد المأمون طلب من أمير صقلية بعض الكتب العلمية والفلسفية، فلمّا وصلت إليه نقلها إلي مكتبة بيت الحكمة، كما جلب إليها من خراسان الكثير من الكتب، وكان حيث ما سمع بكتاب جلبه لها، وظلّت هذه الخزانة التي هي من أثمن ما في العالم قائمة يرجع إليها البحّاث وأهل العلم فلمّا استولي السفّاك المغول علي بغداد سنة (656 هـ) عمدوا إلي إتلافها، وبذلك خسر العالم الاسلامي أعظم تراث علمي له [133] .

الخرائط والمراصد

أمر المأمون بوضع خريطة للعالم سُمّيت (الصورة المأمونية) وهي أوّل خريطة صُنعت للعالم في العصر العباسي، كما أمر بإنشاء مرصد فلكي فاُنشي بالشماسية وهي إحدي محلاّت بغداد [134] . في هذا الجو العلمي الزاهر كان الإمام أبو جعفر الجواد (عليه السلام) الرائد الأعلي للحركة الثقافية، فقد التفّ حوله العلماء أثناء اقامته في بغداد وهم ينهلون من [ صفحه 100] نمير علومه، وقد سألوه عن أدقّ المسائل الفلسفية والكلامية فكان يجيبهم عليها ويتحدّي الزمن مما منّ الله به عليه من معارف وعلوم [135] .

الحياة السياسية

اشاره

لقد كانت الحياة السياسية في عصر الإمام أبي جعفر(عليه السلام) سيئة وكانت الظروف حرجة للغاية لا للإمام فحسب وإنّما كانت كذلك لعموم المسلمين وذلك لما وقع فيها من الأحداث الجسام، فقد مُنيت الاُمّة بموجات عارمة من الفتن والاضطرابات، وقبل أن نتحدّث عنها نري من اللازم أن نعرض لمنهج الحكم في العصر العباسي وغيره ممّا يتصل بالموضوع وفيما يلي ذلك:

منهج الحكم

فقد كان علي غرار الحكم الأموي، في الأهداف والأساليب وقد وصفه (نكلسون) بأنّه نظام استبدادي، وانّ العباسيين حكموا البلد حكماً مطلقاً علي النحو الذي كان يحكم به ملوك آل ساسان قبلهم [136] . لقد كان الحكم خاضعاً لرغبات ملوك العباسيين واُمرائهم، ولم يكن له أي إلتقاء مع معايير الدين الإسلامي، فقد شذّت تصرّفاتهم الادارية والاقتصادية والسياسية عمّا قنّنه الإسلام في هذه المجالات. واستبدّ ملوك بني العباس بشؤون المسلمين وأقاموا فيهم حكماً ارهابياً لا يعرف الرحمة والرأفة، وهو بعيد كلّ البعد عمّا شرّعه الإسلام من الأنظمة والقوانين الهادفة إلي بسط العدل، ونشر المساواة والحق بين الناس. [ صفحه 101]

الخلافة والوراثة

لم تخضع الخلافة الاسلامية حسب قيمها الأصلية لقانون الوراثة ولا لأي لون من ألوان المحاباة أو الاندفاع وراء الأهواء والعصبيات، فقد حارب الإسلام جميع هذه المظاهر واعتبرها من عوامل الانحطاط والتأخر الفكري والاجتماعي، وأناط الخلافة بالقيم الكريمة، والمُثل العُليا، والقدرة علي ادارة شؤون الاُمّة، فمن يتصف بها فهو المرشّح لهذا المنصب الخطير الذي تدور عليه سلامة الاُمّة وسعادتها. وأمّا الشيعة فقد خصَّصت الخلافة بالأئمّة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) لا لقرابتهم من الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) وكونهم ألصق الناس به وأقربهم إليه، وإنّما لمواهبهم الربّانية، وما اتصفوا به من الفضائل التي لم يتصف بها أحد غيرهم فضلاً عن النصّ عليهم، بما لا يدع مجالاً للاختيار. وأمّا الذين تمسكوا بعنصر الوراثة فهم العباسيّون، علي غرار الاُمويين فاعتبروها القاعدة الصلبة لاستحقاقهم للخلافة بحجة أنّهم أبناء عم الرسول(صلي الله عليه وآله) وقد بذلوا الأموال الطائلة لأجهزة الاعلام لنشر ذلك واذاعته بين الناس. وقد هبّت إلي تأييد ودعم الوسط العباسي الأوساط المرتزقة من خلال انتقاص العلويين فتتقرب اليهم بذلك وتشهد بأنّ ذئاب بني العباس أولي بالنبي(صلي الله عليه وآله) من السادة الأطهار من آل الرسول(صلي الله عليه وآله) [137] .

تصرفات شاذة

ولمّا التزم العباسيّون بقانون الوراثة، قاموا بتصرفات شاذّة تسي الي مصلحة الاُمّة وكان من بينها: 1 ـ اسناد الخلافة إلي من لم يبلغ الرشد، فقد عهد الرشيد بالخلافة إلي ابنه الأمين، وكان له من العمر خمس سنين، وإلي ابنه المأمون وكان عمره ثلاث [ صفحه 102] عشرة سنة، من دون أن يكونا قد حازا العلم والحكمة والحنكة الادارية والسياسية، حتي كان يسيّرهما مَن سواهما من أصحاب البلاط. علماً بأن الإمامة والخلافة للرسول(صلي الله عليه وآله) منصب ربّاني وعهد إلهي لا يرتقي إليه إلاّ من اعتدلت فطرته وسلمت سيرته من الخطل والخطأ والانحراف في كل مجالات حياته، ليكون قادراً علي قيادة الاُمة الي طرق الرشاد. وهكذا انحرف العبّاسيون بذلك عمّا قرّره الإسلام من انّ منصب الخلافة إنّما يُسند إلي من يتمتع بالحكمة والصيانة والمعرفة بالشؤون الاجتماعية والدراية التامة بما تحتاج إليه الاُمّة في جميع شؤونها. 2 ـ اسناد ولاية العهد الي أكثر من واحد فانّ في ذلك تمزيقاً لشمل الاُمّة وتصديعاً لوحدتها وقد شذّ الرشيد عن ذلك فقد أسند الخلافة من بعده إلي الأمين والمأمون، وقد ألقي الصراع بينهما، وعرّض الاُمّة إلي الأزمات الحادّة، والفتن الخطيرة، وسنعرض لها في البحوث الآتية.

الوزارة

من الأجهزة الحساسة في الدولة العباسية هي الوزارة، فكانت ـ علي الأكثر ـ وزارة تفويض، فكان الخليفة يعهد إلي الوزير بالتصرف في جميع شؤون دولته ويتفرغ هو للّهو والعبث والمجون، فقد استوزر المهدي العباسي يعقوب بن داود، وفوّض إليه جميع شؤون رعيّته وانصرف إلي ملذّاته. واستوزر الرشيد يحيي بن خالد البرمكي ومنحه جميع الصلاحيات واتجه [ صفحه 103] نحو ملاذّه وشهواته فكانت لياليه الحمراء في بغداد شاهدة علي ذلك. وتصرّف يحيي في شؤون الدولة الواسعة الأطراف حسب رغباته، فقد أنفق الأموال الطائلة علي الشعراء المادحين له، واتخذ من العمارات والضِياع التي كانت تدرّ عليه بالملايين، الكثير الكثير وهي التي سببت قيام هارون الرشيد باعتقاله، وقتل ابنه جعفر ومصادرة جميع أموالهم. وفي عهد المأمون أطلق يد وزيره الفضل بن سهل في اُمور الدولة فتصرّف فيها كيفما شاء، وكان الوزير يكتسب الثراء الفاحش بما يقترفه من النهب والرشوات، وقد عانت الاُمّة من ضروب المحن والبلاء في عهدهم مما لا يوصف فكانوا الأداة الضاربة للشعب، فقد استخدمتهم الملوك لنهب ثروات الناس واذلالهم وارغامهم علي ما يكرهون. وكان الوزراء معرّضين للسخط والانتقام وذلك لما يقترفونه من الظلم والجور، وقد نصح دعبل الخزاعي الفضلَ بن مروان أحد وزراء العباسيين فأوصاه باسداء المعروف والاحسان إلي الناس، وقد ضرب له مثلاً بثلاثة وزراء ممّن شاركوه في الاسم وسبقوه إلي كرسي الحكم، وهم الفضل بن يحيي، والفضل بن الربيع، والفضل بن سهل، فانّهم لمّا جاروا في الحكم تعرّضوا إلي النقمة والسخط. ومن غرائب ما اقترفه الوزراء من الخيانة انّ الخاقاني وزير المقتدر بالله العباسي ولّي في يوم واحد تسعة عشر ناظراً للكوفة وأخذ من كلّ واحد رشوة [138] الي غير ذلك من هذه الفضائح والمنكرات الكثيرة عند بعض وزراء العباسيين [139] . [ صفحه 104]

اضطهاد العلويين

اضطهدت أكثر الحكومات العبّاسيّة رسمياً العلويّين، وقابلتهم بمنتهي القسوة والشدّة، وقد رأوا من العذاب ما لم يروه في العهد الاُموي وأوّل من فتح باب الشر والتنكيل بهم الطاغية فرعون هذه الاُمّة المنصور الدوانيقي [140] وهو القائل: «قتلت من ذريّة فاطمة ألفاً أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمّد» [141] وهو صاحب خزانة رؤوس العلويّين التي تركها لابنه المهدي تثبيتاً لملكه وسلطانه وقد ضمّت تلك الخزانة رؤوس الأطفال والشباب والشيوخ من العلويّين [142] . وهو الذي وضع أعلام العلويّين واعيانهم في سجونه الرهيبة حتي قتلتهم الروائح الكريهة وردم علي بعضهم السجون حتي توفّوا دفناً تحت أطنان الأتربة والأحجار!! لقد اقترف هذا الطاغية السفّاك جميع ألوان التصفية الجسدية مع العلويّين، وعانوا في ظلال حكمه من صنوف الارهاب والتنكيل ما لا يوصف لفضاعته وقسوته. أمّا موسي الهادي فقد زاد علي سلفه المنصور، وهو صاحب واقعة فخ التي لا تقل في مشاهدها الحزينة عن واقعة كربلاء، وقد ارتكب فيها هذا السفاك من الجرائم ما لم يُشاهد مثله، فقد أوعز بقتل الأطفال واعدام الأسري، وظلّ يطارد العلويّين، ويلحّ في طلبهم فمن ظفر به قتله، ولكن لم تطل أيام هذا الجلاّد حتي [ صفحه 105] قصم الله ظهره. أمّا هارون الرشيد فهو لم يقلّ عن أسلافه في عدائه لأهل البيت (عليه السلام) والتنكيل بهم وهو القائل: «حتام اصبر علي آل بني أبي طالب، والله لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم، ولأفعلنّ وأفعلنّ» [143] وهو الذي سجن الإمام الاعظم موسي بن جعفر (عليه السلام) عدة سنين، ودسّ إليه السمّ حتي توفّي في سجنه، لقد جهد الرشيد في ظلم العلويّين وإرهاقهم، فعانوا في عهده من الارهاب ما لا يقلّ فضاعة عمّا عانوه في أيام المنصور. ولما آلت الخلافة إلي المأمون رفع عنهم المراقبة، وأجري لهم الأرزاق وشملهم برعايته وعنايته، ولكن لم يدم ذلك طويلاً إذ انّه بعد ما اغتال الإمام الرضا (عليه السلام) بالسمّ، أخذ في مطاردة العلويّين والتنكيل بهم كما فعل معهم أسلافه. وعلي أيّة حال فإنّ من أعظم المشاكل السياسية التي اُمتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً هي التنكيل بعترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) وذرّيته وقتلهم بيد الزمرة العبّاسية الغاشمة والتي فاقت في قسوتها وشرورها أعمال بني اُميّة، حتي انتهي الأمر بأبناء النبيّ العظيم(صلي الله عليه وآله) أنّهم كانوا يتضورون جوعاً وسغباً، سوي المآسي الاُخري التي حلّت بهم، وكان من الطبيعي أن تؤلم هذه الحالة قلب الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، وتصيبه بالأسي والحزن [144] .

مشكلة خلق القرآن

لعلّ من أعقد المشاكل السياسية التي اُبتلي بها المسلمون في ذلك العصر هي محنة خلق القرآن التي أوجدت الفتن والخطوب في البلاد. [ صفحه 106] فقد أظهر المأمون هذه المسألة في سنة (212 هـ). واُمتحن بها العلماء امتحاناً شديداً، وارهقوا إلي حدّ بعيد فمن لا يقول بمقالة المأمون سجَنه أو نفاه أو قتله وقد حمل الناس علي ما يذهب إليه بالقوّة والقهر. إنّ هذه المسألة تعتبر من أهمّ الأحداث الخطيرة التي حدثت في ذلك العصر، وقد تعرّض الفلاسفة والمتكلّمون إلي بسطها وإيضاح غوامضها. [145] .

الحياة الاقتصادية

اشاره

اهتم الإسلام بالحالة الاقتصادية وازدهارها، واعتبر الفقر كارثة مدمّرة يجب القضاء عليه بكافة الطرق والوسائل، وألزم ولاة الاُمور والمسؤولين أن يعملوا جاهدين علي تنمية الاقتصاد العام، وزيادة دخل الفرد، وبسط الرخاء والرفاهية بين الناس ليسلم المسلمون من الشذوذ والانحراف الذي هو ـ علي الأكثر ـ وليد الفقر والحرمان، وكان من بين ما عني به أنّه حرّم علي ولاة الاُمور إنفاق أموال الدولة في غير صالح المسلمين، ومنعهم أن يصطفوا منها لأنفسهم وأقربائهم، ومن يمتّ إليهم، ولكن ملوك بني العبّاس تجاهلوا ما أمر به الإسلام في هذا المجال فاتّخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً، وأنفقوا أموال المسلمين علي شهواتهم وملاذهم من دون تحرج!!، وقد أدّت هذه السياسة المنحرفة إلي أزمات حادّة في الاقتصاد العام، حيث انقسم المجتمع إلي طبقتين: الاُولي وهي الطبقة الراقية في الثراء التي لا عمل لها إلاّ اللهو واللعب، والاُخري الطبقة الكادحة التي تزرع الأرض، وتعمل في الصناعة، وتشقي في سبيل اُولئك السادة ولا تحصل بجهدها إلاّ علي ما يسدّ رمقها، وترتّب علي فقدان التوازن في الحياة [ صفحه 107] الاقتصادية انعدام الاستقرار في الحياة السياسية والاجتماعية علي السواء [146] وفيما يلي نتحدث ـ بإيجاز ـ عن الحياة الاقتصادية في ذلك العصر:

واردات الدولة

كانت واردات الدولة الإسلامية في العصر العبّاسي الذي عاش فيه الإمام أبو جعفر الجواد(عليه السلام) ضخمة للغاية، فقد أحصي ابن خلدون الخراج في عهد المأمون فكان مجموعه ما يزيد علي (400) مليون درهم [147] ، وقد بلغ من كثرة المال ووفرته أنّه كان لا يُعدّ، وإنّما كان يوزن، فكانوا يقولون: إنّه بلغ ستة أو سبعة آلاف قنطار من الذهب [148] ، وقد حسب عامل المعتصم علي الروم خراجها فكان اقلّ من ثلاثة آلاف ألف، فكتب إليه المعتصم يعاتبه، وممّا جاء في عتابه: «إنّ أخسّ ناحية عليها أخس عبيدي خراجها أكثر من خراج أرضك«. [149] ومن المؤسف أنّ هذه الأموال الوفيرة لم تنفق علي تحسين أوضاع المسلمين وتطوير حياتهم، وإنّما كان الكثير منها يصرف علي الشهوات والملذّات، وقد عكست تلك الانفاقات الهائلة ترف بغداد في ذلك العصر ذلك الترف الذي تحكيه قصص (ألف ليلة وليلة) التي مثّلت حياة اللهو في ذلك العصر.

التهالك علي جمع المال

وتهالك الناس في ذلك العصر علي جمع المال بكلّ وسيلة كانت، مشروعة أم غير مشروعة، فقد أصبح المال هو المقياس في قيم الرجال، وأخذ يتردّد في الأمثلة الجارية في بغداد «المال مال، وما سواه محال» [ صفحه 108] وتوسّل الناس إلي جمعه بكلّ طريق لا يعفون عن محرم، ولا يتورّعون عن خبيث، وأصبح الخداع والغشّ هو الوسيلة في جمعه [150] .

تضخم الثروات

وتضخّمت الثروات الهائلة عند بعض الناس خصوصاً في بغداد عاصمة العالم الإسلامي آنذاك، فقد وجدت فيها طبقة رأسمالية كانت تملك الملايين، وكذلك البصرة فقد ضمّت طبقة كبيرة من أهل الثراء العريض وكانت البصرة ثغر العراق والمركز التجاري الخطير الذي يصل بين الشرق والغرب، وتستقبل متاجر الهند، وجزر البحار الشرقية، ومن أجل ذلك سمّيت البصرة أرض الهند واُمّ العراق [151] .

نفقات المأمون في زواجه

وكان من مظاهر ذلك الاسراف والبذخ والتصرف الظالم في أموال المسلمين ما انفقه المأمون من الأموال الطائلة المذهلة في زواجه بالسيّدة بوران فقد أمهرها ألف ألف دينار، وشرط عليه أبوها الحسن بن سهل أن يبني بها في قريته الواقعة بفم الصلح فأجابه إلي ذلك، ولمّا أراد الزواج سافر إلي فم الصلح ونثر علي العسكر الذي كان معه ألف ألف دينار وكان معه في سفره ثلاثون ألفاً من الغلمان الصغار والخدم الصغار والكبار وسبعة آلاف جارية... وعرض العسكر الذي كان معه فكان اربعمائة ألف فارس، وثلثمائة ألف راجل.. وكان الحسن بن سهل يذبح لضيوفه ثلاثين ألف رأس من الغنم، ومثليها من الدجاج، واربعمائة بقرة، وأربعمائة جمل وسمّي الناس هذه الدعوة «دعوة الإسلام» وهو ليس من الإسلام في شيء، فإنّ الإسلام احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في بيت مال المسلمين فحرم انفاق أي شيء في غير صالحهم. [ صفحه 109] وحينما بني المأمون ببوران نثروا من سطح دار الحسن بن سهل بنادق عنبر فاستخفّ بها الناس، وزهدوا فيها، ونادي شخص من السطح قائلاً: كلّ من وقعت بيده بندقة فليكسرها فإنّه يجد فيها رقعة، وما فيها له وكسر الناس البنادق فوجدوا فيها رقاعاً في بعضها تحويل بألف دينار وفي اُخري خمسمائة دينار إلي أن تصل إلي المائة دينار، وفي بعضها عشرة أثواب من الديباج، وفي بعضها خمسة أثواب، وفي بعضهاغلام، وفي بعضها جارية، وحمل كلّ من وقعت بيده رقعة إلي الديوان واستلم ما فيها [152] كما أنفق علي قادة الجيش فقط خمسين ألف ألف درهم [153] . وفي ساعة الزفاف اُجلست بوران علي حصير منسوج من الذهب ودخل عليها المأمون ومعه عمّاته وجمهرة من العبّاسيّات فنثر الحسن بن سهل علي المأمون وزوجته ثلثمائة لؤلؤة وزن كلّ واحدة مثقال، وما مدّ أحد يده لالتقاطها، وأمر المأمون عمّاته بالتقاطها، ومدّ يده فأخذ واحدة منها «فالتقطتها العبّاسيّات». لقد أنفق الحسن والمأمون هذه الأموال الطائلة علي هذا الزواج من بيت مال المسلمين، وقد أمر الله بانفاقه علي مكافحة الفقر ومطاردة البؤس والحرمان.

هبات وعطايا

ووهب ملوك بني العبّاس أموال المسلمين بسخاء إلي المغنّين والمغنّيات والخدم والعملاء، فقد غنّي إبراهيم بن المهدي العبّاسي محمّد الأمين صوتاً فأعطاه ثلاثمائة ألف ألف درهم فاستكثرها إبراهيم، وقال له: يا سيّدي لو قد أمرت لي بعشرين ألف ألف درهم فقال له الخليفة: هل هي إلاّ [ صفحه 110] خراج بعض الكور [154] ، وغنّي ابن محرز عند الرشيد بأبيات مطلعها «واذكر أيام الحمي ثمّ انثن» فاستخفّ به الطرب فأمر له بمائة ألف درهم، وأعطي مثل ذلك للمغنّي دحمان الأشقر [155] ولمّا تقلّد المهدي العبّاسي الخلافة وزّع محتويات إحدي خزانات بيت المال بين مواليه وخدمه [156] إلي غير ذلك من الهبات والهدايا التي كانت من الخزينة المركزية التي كان ملزماً شرعاً بإنفاقها علي المشاريع الحيوية التي تزدهر بها البلاد.

اقتناء الجواري

وبدل أن يتّجه ملوك بني العبّاس إلي إصلاح البلاد وتنميتها الاقتصادية فقد اتّجهوا بنهم وجشع إلي اقتناء الجواري، والمغالاة في شرائها، فقد جلبت إلي بغداد الجواري الملاح من جميع أطراف الدنيا، فكان فيهنّ الحبشيات، والروميّات، والجرجيات، والشركسيات، والعربيات من مولدات المدينة والطائف واليمامة ومصر من ذوات الألسنة العذبة، والجواب الحاضر، وكان بينهنّ الغانيات اللاتي يعزفن مع ما عليهن من اللباس الفاخر وما يتّخذن من العصائب التي ينظمنها بالدرّ والجواهر، ويكتبن عليهنّ بصفائح الذهب [157] وقد كان عند الرشيد زهاء ألفي جارية، وعند المتوكّل أربعة آلاف جارية [158] وقد زار الرشيد في يوم فراغه البرامكة فلمّا أراد الانصراف خرجت جواريهم فاصطففن مثل العساكر صفّين صفّين، وغنين وضربن بالعود ونقرن علي الدفوف إلي أن طلع مقاصير القصر [159] وكان عند والدة جعفر البرمكي مائة وصيفة لباس كلّ [ صفحه 111] واحدة منهنّ وحليّها غير لبوس الاُخري وحليّها [160] لقد كان اقتناء الجواري بهذه الكثرة من نتائج وفرة المال وكثرته عند هذه الطبقة الرأسمالية التي حارت في كيفيّة صرف ما عندها من الأموال.

التفنن في البناء

وتفنّن ملوك بني العبّاس في بناء قصورهم، فأشادوا أضخم القصور التي لم يشيّد مثلها في البلاد وقد بنوا في بغداد قصر الخلد تشبيهاً له بجنّة الخلد التي وعد الله بها المتّقين، وكان من أعظم الأبنية الأيوان الذي بناه الأمين، وقد وصفه المؤرّخون بأنّه جعله كالبيضة بياضاًثمّ ذهب بالابريز المخالف بينه باللازورد، وكان ذا أبواب عظام ومصاريع غلاظ تتلألأ فيه مسامير الذهب التي قمعت رؤوسها بالجوهر النفيس وقد فرش بفرش كأنّه صبغ بالدم وقد نقش بتصاوير من الذهب، وتماثيل العقيان، ونضّد فيه العنبر الأشهب والكافور المصعد [161] وقد أنفق جعفر البرمكي علي بناء داره نحواً من عشرين مليون درهم [162] . وبلغ البذخ والترف في ذلك العصر أنّ كثيراً من أبواب الدور في بغداد كانت من الذهب في حين أنّ الأكثرية الساحقة من أفراد الاُمة كانت تشكو الجوع والحرمان.

اثاث البيوت

وحفلت قصور العبّاسيّين بأنواع الأثاث وأفخرها في العالم، ويقول المؤرّخون: إنّ السيّدة زبيدة قد اصطفت بساطاً من الديباج جمع صورة كلّ حيوان من جميع الأجناس، وصورة كلّ طائر من الذهب، وأعينها اليواقيت [ صفحه 112] والجواهر يقال إنّها أنفقت علي صنعه مليون دينار [163] ، كما اتّخذت الآلة من الذهب المرصّع بالجوهر، والآبنوس، والصندل عليها الكلاليب من الذهب الملبّس بالوشي والديباج، والسمور، وأنواع الحرير، كمثل اتّخاذها شمع العنبر، واصطناعها الخفّ مرصّعاً بالجوهر واتّخاذها الشاكرية [164] . أمّا مجالس البرامكة فكانت مذهلة، فكان الرشيد إذا حضر مجالس البرامكة وهو بين الآنية المرصّعة والخزائن المجزعة، والمطارح من الوشي والديباج والجواري يرفلن في الحرير والجوهر، ويستقبلنه بالروائح التي لا يدري لطيبها ما هي، خيّل إليه أنّه في الجنّة بين الجمال والجوهر والطيب [165] .

الثياب

وكان من نتائج بذخ العبّاسيّين وترفهم ما ذكره ابن خلدون أنّه كانت دور في قصورهم لنسج الثياب تسمّي دور الطراز، وكان القائم عليها ينظر في اُمور الصنّاع وتسهيل آلاتهم وإجراء أرزاقهم [166] .

الوان الطعام

وتعدّدت ألوان الطعام بسبب تقدّم الحضارة فقد روي طيفور عن جعفر بن محمّد الأنماطي أنّه تغذّي عند المأمون فوضع علي المائدة ثلاثمائة لون من الطعام [167] ونظراً لتعدّد ألوان الطعام فقد فسدت أسنانهم ممّا اضطرّهم إلي شدّها بالذهب للعلاج [168] . [ صفحه 113]

مخلفات العباسيين من الأموال

خلّف ملوك بني العبّاس ووزراؤهم من الأموال ما لا يحصي، وفيما يلي بعض ما تركوه: 1 ـ ترك الطاغية البخيل المنصور الدوانيقي من الأموال التي سرقها من المسلمين ما يقرب من ستمائة مليون درهم و أربعة عشر مليون دينار [169] وقد كدّس هذه الأموال الهائلة في خزائنه وترك الفقر والبؤس يهيمنان علي جميع أنحاء البلاد الإسلامية. 2 ـ خَلّف الرشيد من المال ما يقدّر بنحو تسعمائة مليون درهم [170] . 3 ـ توفّيت الخيزران اُمّ الرشيد، فكانت غلّتها ألف ألف وستّين ألف درهم [171] . 4 ـ ترك عمرو بن سعدة أحد وزراء المأمون ما يقرب من ثمانية ملايين دينار فأخبروا المأمون بذلك في رقعة فكتب عليها «هذا قليل لمن اتّصل بنا، وطالت خدمته لنا فبارك الله لولده فيه» [172] .

حياة اللهو والطرب

وعاش أكثر خلفاء بني العبّاس عيشة اللهو والطرب والمجون، عيشة ليس فيها ذكر لله ولا لليوم الآخر، وقضوا أيامهم في هذه الحياة التافهة التي تمثّل السقوط والانحطاط. [ صفحه 114] وقد روي أحمد بن صدقة قال: دخلت علي المأمون في يوم السعانين [173] وبين يديه عشرون وصيفة جلباً روميات مزنرات قد تزيّنّ بالديباج الرومي وعلّقن في أعناقهنّ صلبان الذهب، وفي أيديهنّ الخوص والزيتون. وكان من مظاهر الحياة اللاهية لعبهم بالنرد والشطرنج، والعناية بتربية الحمام والمغالاة في أثمانه [174] كما تهارشوا بالديوك والكلاب [175] ولعبوا بالميسر وقد انتشر ذلك حتي في حانات الفقراء [176] . ومن المؤسف أنّ الطرب والمجون قد سري إلي بعض المحدّثين الذين يجب أن يتّصفوا بالإيمان والاستقامة فقد ذكر الخطيب البغدادي عن المحدّث محمّد بن الضوء إنّه ليس بمحلّ لأن يؤخذ عنه العلم ; لأنّه كان من المتهتّكين بشرب الخمر والمجاهرة بالفجور، وكان أبو نؤاس يزوره في الكوفة في بيت خمّار يقال له جابر [177] .

التقشف والزهد

وبجانب حياة اللهو والطرب التي عاشها الناس في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) فقد كانت هناك طائفة من الناس قد اتّجهت إلي الزهد والتقشّف ونظرت إلي مباهج الحياة نظرة زهد واحتقار، فكان من بينهم إبراهيم بن الأدهم وهو ممّن ترك الحياة الناعمة وأقبل علي طاعة الله [ صفحه 115] وكان يردّد هذا البيت: اتّخذ الله صاحباً ودع الناس جانبا وكان يلبس في الشتاء فرواً ليس تحته قميص [178] مبالغة منه في الزهد وكان ممّن عُرِف بالتقشّف معروف الكرخي فكان يبكي وينشد في السحر: أي شيء تريد منّي الذنوب شغفت بي فليس عنّي تغيب ما يضرّ الذنوب لو اعتقتني رحمةً بي فقد علاني المشيب [179] . وكان من زهّاد ذلك العصر بشر بن الحارث وهو القائل: قطع الليالي مع الأيام في خلق والقوم تحت رواق الهمّ والقلق أحري وأعذر لي من أن يقال غداً إنّي التمست الغني من كفّ مختلق قالوا: قنعت بذا؟ قلت: القنوع غني ليس الغني كثرة الأموال والورق رضيت بالله في عسري وفي يسري فلست أسلك إلاّ أوضح الطرق [180] . ومن الطبيعي أنّ هذه الدعوة إلي الزهد إنّما جاءت كرد فعل لإفراط ملوك العبّاسيّين والطبقة الرأسماليّة في الدعارة والمجون وعدم عفافهم عمّا حرّمه الله من الملاهي.وبهذا ينتهي بنا الحديث عن عصر الإمام الجواد(عليه السلام). [181] . الي هنا نكون قد وقفنا علي ملامح هذا العصر وخصائصه الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسوف نردفها ببيان طبيعة علاقة حكّام عصر الإمام مع الإمام(عليه السلام) من جهة، ثم ندرس متطلبات هذا العصر علي ضوء هذه الملامح وعلي ضوء رسالة الإمام الجواد(عليه السلام) في تلك الظروف التي أحاطت به آخذين [ صفحه 116] بنظر الاعتبار مجمل أهداف الإمام(عليه السلام) باعتباره أحد عناصر أهل بيت الرسالة الذين اُوكلت اليهم مهمة الحفاظ علي الرسالة والاُمة المسلمة لإيصالهما الي شاطئ الأمن والسلام الذي نادي به الإسلام ووعد به المؤمنين بل المسلمين فضلاً عن العالَمين. [ صفحه 117]

الإمام الجواد وحكام عصره

المأمون العباسي

اشاره

استمرّ المأمون علي منهجه السابق في التظاهر بالإحسان لأهل البيت (عليهم السلام) وقد تظاهر بإكرام الإمام الجواد (عليه السلام) فزوّجه ابنته وحاول التقرّب اليه كثيراً لكنه في الوقت ذاته كان يكيد للإمام من خلال تحجيم دوره وتشديد الرقابة عليه، بالرغم من تظاهره بالولاء لأهل البيت(عليهم السلام) والرعاية له بشكل خاص. وذلك لما عرفناه من موقف المأمون من أبيه الرضا(عليه السلام) فيما سبق من بحوث، وبه نفسّر كل ما صدر من المأمون تجاه الإمام الجواد(عليه السلام). وسنتطرق الي الثغرات الرئيسية في العلاقة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون فيما بعد.

تزويج المأمون ابنته من الإمام الجواد

قال المؤرخون: «لمّا أراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، واستنكروه وخافوا ان ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرّضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته [ صفحه 118] الادنون منه. فقالوا: ننشدك الله ياأمير المؤمنين ان تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنّا نخاف ان يخرج به عنا أمر قد ملّكناه الله عزوجل، وينزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا (عليه السلام) ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك. فالله الله ان تردّنا الي غمّ قد انحسر عنّا، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الي مَن تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو انصفتم القوم لكانوا اولي بكم، واما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعاً للرّحم، واعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت علي ما كان منّي من استخلاف الرضا (عليه السلام) ولقد سألته ان يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبي، وكان أمر الله قدراً مقدوراً. واما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والاعجوبة فيه بذلك، وانا أرجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون ان الرأي ما رأيت فيه. فقالوا له: ان هذا الفتي وإن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم اني اعرف بهذا الفتي منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالي وموادّه والهامه، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله. [ صفحه 119] قالوا: قد رضينا لك ياأمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متي أردتم. فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم، وهو يومئذ قاضي الزمان علي ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، وعادوا الي المأمون وسألوه ان يختار لهم يوماً للاجتماع فأجابهم الي ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيي بن اكثم وأمر المأمون ان يفرش لابي جعفر دست [182] ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيي بن اكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (عليه السلام). فقال يحيي بن اكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن اسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيي بن اكثم، فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): «سل إن شئت». قال يحيي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً؟ [ صفحه 120] فقال أبو جعفر (عليه السلام): «قتله في حلّ أو في حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً، قتله عمداً أو خطأ، حرّاً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان او كبيراً، مبتدئاً بالقتل او معيداً، من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها، من صغار الصيد ام من كبارها، مصرّاً علي ما فعل او نادماً، في الليل كان قتله للصيد ام في النهار، محرماً كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرماً؟» فتحيّر يحيي بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتي عرف جماعة اهل المجلس أمره. فقال المأمون: الحمد لله علي هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر الي أهل بيته فقال لهم: اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم اقبل علي أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: اتخطب يا أبا جعفر؟ فقال: نعم ياأمير المؤمنين. فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي وانا مزوّجك ام الفضل ابنتي وان رغم قوم ذلك. فقال أبو جعفر (عليه السلام): الحمد لله إقراراً بالنعمة، ولا اله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته وصلي الله علي محمد سيد بريّته، والأصفياء من عترته. اما بعد فقد كان من فضل الله علي الأنام، ان أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (وانكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم). ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب اُمّ الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها من الصّداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد(عليهما السلام) وهو خمسمائة درهم جياداً فهل زوّجته ياأمير المؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟ فقال المأمون: نعم قد زوّجتك ياأبا جعفر ام الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ [ صفحه 121] قال أبو جعفر (عليه السلام): قد قبلت ذلك ورضيت به. فأمر المأمون ان يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة والعامة. قال الريّان: ولم نلبث ان سمعنا أصواتاً تشبه اصوات الملاّحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرّون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم، علي عجلة مملوّة من الغالية، ثم أمر المأمون ان تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدّت الي دار العامّة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز الي كلّ قوم علي قدرهم. فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام): ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده. فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم ان المحرم اذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، واذا قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن واذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فاذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة وان كان ظبياً فعليه شاة وان كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. واذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمني، وان كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد علي العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة علي الحرّ في نفسه، وعلي السيّد في عبده، والصغير لاكفّارة عليه، وهي علي الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة. [ صفحه 122] فقال المأمون: أحسنت ياأبا جعفر احسن الله اليك فان رأيت ان تسأل يحيي عن مسألة كما سألك. فقال أبو جعفر (عليه السلام) ليحيي: أسألك؟ قال: ذلك اليك جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني والا استفدته منك. فقال له أبو جعفر (عليه السلام): اخبرني عن رجل نظر الي امرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه، فلما ارتفع النهار حلّت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلّت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيي بن اكثم: لا والله لا اهتدي الي جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه، فان رأيت ان تفيدناه. فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذه أمة لرجل من الناس، نظر اليها أجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراماً عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوّجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهَر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلما كان نصف الليل طلّقها واحدة، فحرمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له. قال: فأقبل المأمون علي من حضره من اهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب، او يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله ان أمير المؤمنين اعلم وما رأي. فقال: ويحكم! إن أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل، [ صفحه 123] وان صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال. اما علمتم ان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام وحكم له به، ولم يدع أحداً في سنّه غيره، وبايع الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما ابنا دون الست سنين، ولم يبايع صبياً غيرهما، أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم؟! وانهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم. فقالوا: صدقت ياأمير المؤمنين ثم نهض القوم. فلما كان من الغد اُحضر الناس وحضر أبو جعفر (عليه السلام) وسار القوّاد والحجّاب والخاصة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (عليه السلام) فاخرجت ثلاثة أطباق من الفضة، فيها بنادق مسك وزعفران، معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، وعطايا سنية، واقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق يده له، ووضعت البدر، فنثر ما فيها علي القوّاد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا. وتقدم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين، ولم يزل مكرماً لابي جعفر (عليه السلام) معظماً لقدره مدة حياته، يؤثره علي ولده وجماعة أهل بيته» [183] . [ صفحه 124]

حقيقة العلاقة بين الإمام والمأمون

بعد استعراضنا لقضية زواج الإمام (عليه السلام) من بنت المأمون وبيان ملابساتها وما دار خلالها من نقاش وسجال وحوار، نسجل الملاحظات الآتية لبيان الثغرة في علاقة المأمون العباسي بالإمام الجواد (عليه السلام). 1 ـ كان المأمون يدرك جيداً ان الجواد (عليه السلام) هو الوارث الحقيقي لخط الإمامة وهو القائد الشرعي لاُمة جده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، لذلك تعامل في تخطيطه السياسي معه تعاملاً جادّاً بصفة ان الإمام (عليه السلام) كان قطباً مهماً من اقطاب الساحة السياسية الإسلامية وقائداً مطاعاً من قبل الطليعة الواعية في الاُمة مع ما يمتلكه من مكانة واحترام في نفوس قطّاعات واسعة من الاُمة. وقد اعلن المأمون تصوره هذا أمام العباسيين عندما قالوا له: يا امير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبياً لم يتفقه في دين الله؟ ولا يعرف حلاله من حرامه؟ ولا فرضاً من سنة؟ ولابي جعفر (عليه السلام) اذ ذاك تسع سنين، فلو صبرت له حتي يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف الحلال من الحرام. فقال المأمون: «انه لأفقه منكم واعلم بالله ورسوله وسنته واحكامه، وأقرأ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصه وعامه وتنزيله وتأويله، منكم». لذلك لابدّ أن يكون المأمون مع الإمام الجواد(عليه السلام) مخططاً له بعناية وحنكة. وهذا يفسر البعد الضخم الذي اكتسبه زواج الجواد(عليه السلام) من بنت المأمون ومدي اهتمام المأمون به من قبل القوّاد والحجّاب والخاصّة. 2 ـ علي أساس النقطة السابقة فقد تظاهر المأمون بحبه وتقديره للإمام [ صفحه 125] الجواد (عليه السلام) طالباً بذلك: أ ـ كسب الجماهير المسلمة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) بصفته من الموالين والمكرمين لآل الرسول، وهو نظير ما يقوم به السياسيون المعاصرون من رفعهم للشعارات التي تطمح الاُمة الي تحقيقها. ب ـ التغطية علي جريمة قتله للإمام الرضا (عليه السلام)، وذلك باظهار الحب والشفقة والاحترام لولده الجواد (عليه السلام) وبهذا التصرف استطاع المأمون ان يخدع الرأي العام. 3 ـ كانت علاقة المأمون بالجواد (عليه السلام) كعلاقته السابقة مع أبيه الإمام الرضا (عليه السلام)، تنطوي علي اغراض سياسية أي انه كان ظاهرها حسناً جميلاً وباطنها يتضمّن النيّة الشريرة والمكر السيئ!! لقد كاد المأمون للإمام الجواد (عليه السلام)، ولكنه لم يستطع تحقيق أغراضه في الانتقاص منه واسقاطه، فكانت آخر محاولة له مع الجواد هي تزويجه لبنته، فقد روي في الكافي: عن محمد بن الريّان أنّه قال: «احتال المأمون علي أبي جعفر (عليه السلام) بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شيء فلما اعتلّ وأراد ان يبني عليه ابنته دفع الي مائتي وصيفة من أجمل ما يكون الي كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر (عليه السلام) اذا قعد في موضع الأخيار فلم يلتفت اليهن وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون، فقال: يا امير المؤمنين ان كان في شيء من امر الدنيا فأنا اكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه اهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغنّي، فلما فعل ساعة واذا أبو جعفر لا يلتفت اليه يميناً ولا شمالاً، ثم رفع اليه [ صفحه 126] رأسه وقال: اتق الله يا ذا العثنون. قال: فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيديه الي ان مات، قال: فسأله المأمون عن حاله فقال: لما صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا اُفيق منها أبداً» [184] . يتجلّي لنا من هذه الرواية انّ المأمون احتال بكل حيلة لاظهار عدم صلاحية الإمام الجواد(عليه السلام) للإمامة والقيادة أمام الناس وأنه أولي منه بالخلافة والقيادة، لكنه فشل في ذلك مما اضطرّه لتجريب اسلوب آخر يحتوي به حركة الإمام، وذلك بتزويجه إبنته. علي أنّ هذا الزواج كان تحديداً للإمام وليس إكراماً له، كما أنه قد كشف عن واقعه مآله وعاقبته التي تجلّت في اغتيال اُم الفضل للإمام الجواد(عليه السلام)، كما سيأتي تفصيله. أمّا توجّهات قاضي القضاة ابن اكثم في التصدي لإحراج الإمام بالأسئلة الصعبة فما كانت إلاّ بدافع من المأمون، والرواية الآتية تدل علي ذلك: قال المأمون ليحيي بن اكثم: اطرح علي أبي جعفر محمد بن علي الرضا(عليهما السلام) مسألة تقطعه فيها. فقال: يا أبا جعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة علي زنا ايحل ان يتزوجها؟ فقال(عليه السلام): «يدعها حتي يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، اذ لا يؤمَن منها ان تكون قد احدثت مع غيره حدثاً كما احدثت معه. ثم يتزوج بها إن اراد، فانما مثلها مثل نخلة اكل رجل منها حراماً ثم اشتراها فأكل منها حلالاً». فانقطع يحيي [185] . ولكن دهاء المأمون وحنكته السياسية جعلاه يظهر الفرح عندما يجيب الإمام الجواد (عليه السلام) علي المشكلات من المسائل فتظهر توجهات ابن اكثم وكأنها توجهات فردية. وهذا لون من ألوان السياسة المتبعة حتي الآن وهي ان القائد [ صفحه 127] يُظهر الودّ لجهة ما، لكنه يأمر اتباعه وأذنابه بمحاربة تلك الجهة. وإذا انطلت هذه الاحابيل علي البسطاء فإنها لم تنطل علي الموالين للامام (عليه السلام) ففي رواية نقلها الكليني تفيد ان بعض الاوساط السياسية آنذاك كانت غير منخدعة بتزويج المأمون ابنته للامام الجواد (عليه السلام) بل كانت تحتمل وجود مكيدة سياسية خلف العملية. فعن محمد بن علي الهاشمي قال: «دخلت علي أبي جعفر (عليه السلام) صبيحة عرسه حيث بني بابنة المأمون ـ وكنت تناولت من الليل دواء ـ فأول من دخل عليه في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت ان ادعو بالماء، فنظر أبو جعفر (عليه السلام) في وجهي وقال: «اظنك عطشان؟» فقلت: أجل. فقال: ياغلام ـ او ياجارية ـ اسقنا ماءً. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء يسمّونه به، فاغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء، فتبسم في وجهي، ثم قال: ياغلام ناولني الماء، فتناول الماء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم عطشت أيضاً وكرهت ان ادعو بالماء، ففعل ما فعل في الاولي، فلمّا جاء الغلام ومعه القدح قلت في نفسي مثل ما قلت في الاولي، فتناول القدح ثم شرب، فناولني وتبسم» [186] . فلقد كان هذا الهاشمي يتوقّع اغتيال الإمام (عليه السلام) في ظلّ العداء الذي يكنّه المأمون وجهازه الحاكم للامام (عليه السلام)، لذلك اغتمّ عندما طلب الإمام(عليه السلام) الماء.

السبب في تزويج المأمون ابنته للإمام الجواد

انّ هذا الزواج اضافة لما سيحققه من دعاية للمأمون تُظهر حبّه وولاءه لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ ثمة سبباً آخر نرجّحه علي غيره ونراه السبب الأساس [ صفحه 128] وهو وضع الجاسوس والرقيب الخاص علي الإمام (عليه السلام) يلازمه في بيته، يحصي عليه سكناته وحركاته ويرفعها الي الجهة التي زرعته وهكذا كانت اُمّ الفضل ابنة المأمون العبّاسي مع الإمام الجواد (عليه السلام).

موقف العباسيين

اتّسم موقف العباسيين بالحقد والتعصب والسذاجة. فقد استاؤوا مما تصوروه من تساهل المأمون مع الإمام (عليه السلام) فقد كانت المظاهر تؤثر عليهم كثيراً، دون ادراكهم البعد العميق والحقيقي الذي كان يقصده المأمون وقد استفاد المأمون من وضعهم هذا عندما راح يفنّد مزاعمهم فيظهر وكأنه موال حقيقةً لأهل البيت (عليهم السلام).

موقف الإمام الجواد من ابن الأكثم

لقد تصدي الإمام (عليه السلام) للرد علي ابن الأكثم واظهار عجزه أمام الناس للأسباب الآتية. أ ـ اثبات إمامته وعلمه أمام الناس في وقت راحت الجهات المعادية تشن حملة إعلامية شديدة علي الإمام بادعائها انه(عليه السلام) لا يفقه من الدين شيئاً وذلك لصغر سنه. ب ـ ان تفنيده وإفحامه لابن الأكثم كان يعتبر تفنيداً وإفحاماً للنظام الحاكم باعتبار أنّ ابن الأكثم عالم المأمون وقاضي قضاته. ج ـ تثقيف الناس وكشف العلم الصحيح لهم من خلال الاجابات علي اسئلته. [ صفحه 129]

مدة إمامة الجواد في عهد المأمون

استلم الإمام الجواد (عليه السلام) منصب الامامة ونهض بأعباء قيادة الاُمة سنة (203 هـ) بعد شهادة أبيه الإمام الرضا (عليه السلام)، وكان المأمون قد تسنّم منبر الخلافة وقتذاك. وتوفي المأمون سنة (218 هـ) بالبدندون من اقصي الروم ونقل إلي طوس فدفن فيها [187] . وبذلك يكون الإمام الجواد (عليه السلام) قد قضي خمس عشرة سنة من إمامته التي استمرت سبع عشرة سنة في خلافة المأمون، وهذا يعني أنّ أغلب سنوات إمامته كانت في فترة حكم المأمون.

المعتصم العباسي

اشاره

المعتصم هو أبو اسحاق محمد بن هارون الرشيد ولد سنة ثمانين ومائة، كذا قال الذهبي. وقال الصولي: في شعبان سنة ثمان وسبعين. واُمه اُم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظي الناس عند الرشيد. وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة وكان عرياً من العلم، لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام بالله عزوجل. وكان فاسد الاخلاق له غلام يقال له عجيب وكان مشغوفاً به. وقد استمر علي نهج أخيه في اثارة فتنة خلق القرآن. فسلك ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن، فكتب الي البلاد وأمر المعلمين ان يعلّموا الصبيان ذلك وقاسي الناس منه مشقة في ذلك وقتل عليه [ صفحه 130] خلقاً من العلماء، وضرب الإمام احمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين. قيل فجلده حتي غاب عقله وتقطع جلده وقيده وحبسه [188] . لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالاً للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم، وكان يفتقد كثيراً من مقومات الحنكة السياسية في ادارة شؤون الدولة، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في اقاليم عديدة من الدولة العباسية. [189] . وقد هيمن الجيش علي الحكم في عصره بعد ان مال المعتصم الي اخواله الاتراك وكوّن منهم جيشاً خاصاً، واغدق عليهم الاموال الطائلة مما اثار حفيظة العسكريين العرب، واثار النزعة القومية في المجتمع. وتعتبر سياسة المعتصم هذه اخطر ما واجهته الدولة العباسية في مسيرتها. وقد ساءت الاحوال بعد المعتصم، واستشري خطر العسكريين في الدولة وقاموا بالانقلابات العسكرية علي الخلفاء الذين حاولوا تقليص سلطاتهم.

المعتصم والطليعة الاسلامية الواعية

علي خلفية الخلاف العقائدي الشديد بين ائمة أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم المؤمنين من جهة والخلافة العباسية واتباعها من جهة اخري، استمر العداء بين الخطين وان اتخذ في كل فترة لوناً أو درجة من الشدة، ولم يكن المعتصم بمنفصل عن سياسة أسلافه المعادين لأهل البيت(عليهم السلام) وحزبهم. [ صفحه 131] لقد كاد للإسلام وخطه الصحيح فواجه معارضة شديدة من أهل البيت (عليه السلام) وشيعتهم وسنتناول الانتفاضات التي انطلقت في عصره خلال فصل قادم.

الإمام الجواد والمعتصم

اشاره

لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد (عليه السلام) في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين، كان ختامها شهادة الإمام (عليه السلام) علي يد النظام المنحرف، وفيما يلي استعراض للعلاقة بين الإمام الجواد (عليه السلام) والمعتصم.

استقدام الإمام الي بغداد

لقد خشي المعتصم من بقاء الإمام الجواد (عليه السلام) بعيداً عنه في المدينة، لذلك قرر استدعاءه الي بغداد، حتي يكون علي مقربة منه يحصي عليه انفاسه ويراقب حركاته، ولذلك جلبه من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وتوفي بها(عليه السلام) في ذي القعدة من هذه السنة. [190] . لقد كان هذا الاستقدام بمثابة الاقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية.

اغتيال الإمام الجواد

كان وجود الإمام الجواد (عليه السلام) يمثل خطراً علي النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للاُمة، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الاُمة. [ صفحه 132] فقد روي المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد قاضي المعتصم قوله: «رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم اني قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسي اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقاً اقرّ علي نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في اي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع. قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الاصابع والكفّ الي الكرسوع [191] ، لقول الله في التيمم (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) [192] واتفق معي ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل علي ذلك؟ قالوا: لأن الله لمّا قال: (وايديكم الي المرافق) في الغسل دلّ ذلك علي ان حدّ اليد هو المرفق. قال: فالتفت الي محمد بن علي (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا ياأبا جعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه ياأمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلموا به! اي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا ياأمير المؤمنين، قال: اقسمت عليك بالله لمّا اخبرت بما عندك فيه. فقال: أمّا اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انهم اخطأوا فيه السنّة، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل اُصول الاصابع، فيترك الكفّ، قال: وما الحجة [ صفحه 133] في ذلك؟ قال: قول رسول الله: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالي: (وان المساجد لله) [193] يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحداً) وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ. قال ابن أبي دؤاد: قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً. قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد: صرت الي المعتصم بعد ثالثة، فقلت: ان نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وانا أكلّمه بما أعلم أني ادخل به النار، قال: وما هو؟ قلت: اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من اُمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بامامته، ويدّعون أ نّه أولي منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟ قال: فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً. قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه (اي الجواد(عليه السلام)) الي منزله فدعاه فأبي ان يجيبه وقال(عليه السلام): قد علمت اني لا أحضر مجالسكم، فقال: إني انما ادعوك الي الطعام واحبّ ان تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد احبّ فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل ان يقيم. قال(عليه السلام): خروجي من دارك خير لك، فلم يزل [ صفحه 134] يومه ذلك وليله في خلفة حتي قبض (عليه السلام)» [194] . لقد كان الإمام الجواد (عليه السلام) يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن اسماعيل بن مهران قوله: «لمّا اُخرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلي بغداد في الدفعة الاولي من خرجتيه قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلي من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ بوجهه اليّ ضاحكاً وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة. فلمّا استدعي به الي المعتصم صرتُ اليه فقلتُ له: جُعلتُ فداك، أنت خارجٌ، فإلي من هذا الأمرُ من بعدك؟ فبكي حتي اخضلّت لحيته ثم التفتَ اليّ فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي الي ابني علي» [195] . لقد درس المعتصم اكثر السبل التي يستطيع بها ان يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً، فلم يجد افضل من اُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع ان تقتله بصورة اكيدة دون ان تثير ضجة في الاُمة، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما: 1 ـ كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم، وليست بالمستوي الايماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام. 2 ـ غيرتها وحقدها علي الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء اُخريات خصوصاً وانها لم تلد للامام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي (عليه السلام). ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون: «وقد روي الناس ان اُم الفضل كتبت الي أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: انه يتسري [ صفحه 135] علي ويغيرني. فكتب اليها المأمون: يابنيّة انا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها» [196] . ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية علي الإمام (عليه السلام) من أذناب السلطة، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت (عليهم السلام) والعامل عند السلطة العباسية. فمثلاً روي المؤرخون عن محمد بن سنان قوله: دخلت علي أبي الحسن الهادي(عليه السلام) فقال: يامحمد حدث بآل فرج حدث؟ فقلت: مات عمر. فقال: الحمد لله علي ذلك، أحصيت أربعاً وعشرين مرة، ثم قال: أو لا تدري ما قال ـ لعنه الله ـ لمحمد بن علي أبي؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شيء، فقال: أظنّك سكران، فقال أبي: اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتي حُرب ماله، وما كان له، ثم اُخذ أسيراً فهو ذا مات» [197] .

استشهاد الإمام الجواد

تحدثنا عن دوافع المعتصم في اغتيال الإمام الجواد (عليه السلام) وعن اختياره اُم الفضل لتنفيذ الجريمة. ومما يشير الي أسباب استغلال المعتصم لاُمّ الفضل وكيفية تحريضها علي الاقدام علي قتل الإمام (عليه السلام) ما روي من شدة غيرتها أيام أبيها وتوريطها لأبيها علي ارتكاب جريمة قتل الإمام من قبل المأمون نفسه. [198] . قال أبو نصر الهمداني: «حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسي بن [ صفحه 136] جعفر عمّة أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام). قالت: لمّا مات محمّد بن عليّ الرّضا (عليه السلام) أتيت زوجته اُم عيسي [199] بنت المأمون فعزّيتها فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها ان تتصدّع مرارتها فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خُلقه وما اعطاه الله تعالي من الشّرف والاخلاص ومَنَحَهُ من العزّ والكرامة، اذ قالت امّ عيسي: الا اخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار؟ قلت: وما ذاك؟ قالت: كنت أغار عليه كثيراً وأراقبه ابداً وربما يسمعني الكلام فاشكو ذلك الي أبي فيقول يابنيّة احتمليه فانّه بضعة من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فبينما انا جالسة ذات يوم اذ دخلت عليّ جارية فسلّمت، فقلت: من انت؟ فقالت: انا جارية من ولد عمّار بن ياسر وانا زوجة أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) زوجك. فدخلني من الغيرة ما لا اقدر علي احتمال ذلك هممت ان اخرج واسيح في البلاد وكاد الشيطان ان يحملني علي الإساءة اليها، فكظمت غيظي واحسنت رفدها وكسوتها، فلمّا خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت علي أبي وأخبرته بالخبر وكان سكراناً لا يعقل. فقال: ياغلام عليّ بالسّيف، فاتي به، فركب وقال: والله لاقتلنّه فلمّا رايت ذلك قلت: انّا لله وانّا اليه راجعون، ما صنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حرّ وجهي، فدخل عليه والدي وما زال يضربه بالسيف حتي قطعه. ثم خرج من عنده وخرجت هاربة من خلفه فلم ارقد ليلتي فلمّا ارتفع النّهار اتيت أبي فقلت: اتدري ما صنعت البارحة؟ قال: وما صنعتُ؟ قلت: قتلتَ ابن [ صفحه 137] الرّضا (عليه السلام)، فبرق عينه وغشي عليه ثم افاق بعد حين وقال: ويلك ما تقولين؟ قلت: نعم والله يا ابه دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسّيف حتي قتلته، فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً وقال: عليّ بياسر الخادم فجاء ياسر. فنظر اليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الّذي تقول هذه ابنتي قال: صدقَتْ ياامير المؤمنين فضرب بيده علي صدره وخدّه، وقال: انّا لله وانّا اليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا وافتضحنا الي آخر الابد ويلك ياياسر فانظر ما الخبر والقصة عنه(عليه السلام)؟ وعجّل عليّ بالخبر فان نفسي تكاد ان تخرج السّاعة فخرج ياسر وانا ألطم حرّ وجهي، فما كان ياسر من ان رجع، فقال: البشري ياامير المؤمنين. قال: لك البشري فما عندك؟ قال ياسر: دخلت عليه فاذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلّمت عليه وقلت: ياابن رسول الله اُحب أن تهب لي قميصك هذا اصلّي فيه واتبرك به، وانما اردت ان انظر اليه والي جسده هل به اثر السّيف فوالله كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به اثر. فبكي المأمون طويلاً وقال: ما بقي مع هذا شيء إنّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين. وقال: ياياسر امّا ركوبي اليه واخذي السّيف ودخولي عليه فاني ذاكر له وخروجي عنه فلست اذكر شيئاً غيره ولا اذكر ايضاً انصرافي الي مجلسي فكيف كان امري وذهابي اليه، لعن الله هذه الابنة لعناً وبيلاً، تقدّم اليها وقل لها يقول لك ابوك والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت او خرجت بغير اذنه لانتقمنّ له منك. ثم سر الي ابن الرّضا وابلغه عني السّلام واحمل اليه عشرين الف دينار وقدّم اليه الشهري الّذي ركبته البارحة، ثم أمر بعد ذلك الهاشميّين ان يدخلوا عليه بالسّلام ويسلّموا عليه. قال ياسر: فأمرت لهم بذلك ودخلت انا ايضاً معهم وسلّمت عليه وابلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه وعرضت الشّهري عليه فنظر اليه ساعة ثم تبسّم. [ صفحه 138] فقال(عليه السلام): ياياسر هكذا كان العهد بيننا وبينه حتّي يهجم علي، اما علم ان لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه. فقلت: ياسيّدي ياابن رسول الله دع عنك هذا العتاب واصفح، والله وحق جدّك رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما كان يعقل شيئاًمن امره وما علم اين هو من ارض الله وقد نذر لله نذراً صادقاً وحلف ان لا يسكر بعد ذلك ابداً، فان ذلك من حبائل الشّيطان، فاذا انت ياابن رسول الله اتيته فلا تذكر له شيئاً ولا تعاتبه علي ما كان منه. فقال (عليه السلام): هكذا كان عزمي ورأيي والله، ثم دعا بثيابه ولبس ونهض وقام معه الناس اجمعون حتي دخل علي المأمون فلمّا رآه قام اليه وضمّه الي صدره ورحّب به ولم يأذن لأحد في الدخول عليه ولم يزل يحدّثه ويستأمره، فلمّا انقضي ذلك قال أبو جعفر محمّد بن علي الرّضا (عليه السلام): «يا أمير المؤمنين»، قال: لبيّك وسعديك. قال: «لك عندي نصيحة فاقبلها». قال المأمون: بالحمد والشكر فما ذاك ياابن رسول الله؟ قال(عليه السلام): احبّ لك ان لا تخرج باللّيل فإني لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس وعندي عقد تحصّن به نفسك وتحرّز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما انقذني الله منك البارحة ولو لقيت به جيوش الرّوم والتّرك واجتمع عليك وعلي غلبتك اهل الأرض جميعاً ماتهيّأ لهم منك شيء بإذن الله الجبّار. وان احببت بعثت به اليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك. قال: نعم، فاكتب ذلك بخطّك وابعثه اليّ، قال: نعم. قال ياسر: فلمّا اصبح أبو جعفر (عليه السلام) بعث اليّ فدعاني فلمّا صرت اليه وجلست بين يديه دعا برقّ ظبي من ارض تهامة ثم كتب بخطّه هذا العقد. ثم قال(عليه السلام): ياياسر احمل هذا الي امير المومنين وقل له: حتي يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما اذكره بعده فإذا اراد شدّه علي عضده فليشدّه علي عضده الأيمن وليتوضّأ وضوءاً حسناً سابغاً وليصل اربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب مرّة وسبع مرّات: آية الكرسي وسبع مرات: شهد الله وسبع مرّات والشمس وضحاها وسبع [ صفحه 139] مرّات: واللّيل اذا يغشي وسبع مرّات: قل هو الله احد. فاذا فرغ منها فليشدّه علي عضده الايمن عند الشّدائد والنوائب يسلم بحول الله وقوته من كلّ شيء يخافه ويحذره وينبغي ان لا يكون طلوع القمر في برج العقرب ولو انه غزي اهل الرّوم وملكهم لغلبهم باذن الله وبركة هذا الحرز. وروي انه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلّها غزا اهل الرّوم فنصره الله تعالي عليهم ومنح منهم من المغنم ما شاء الله ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة وكان ينصره الله عزوجلّ بفضله ويرزقه الفتح بمشيّته انَّه وليّ ذلك بحوله وقوته». [200] . ويقول المؤرخون إن اُم الفضل ارتكبت جريمتها بحقّ الإمام الجواد (عليه السلام) عندما سقته السمّ. فقد روي: «أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (عليه السلام) وأشار علي ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف علي انحرافها عن أبي جعفر (عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه... فأجابته الي ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال: ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر، فماتت بعلّة في اغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً فانفقت مالها وجميع ما ملكته علي تلك العلّة، حتي احتاجت الي الاسترفاد» [201] . وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً حتي لفظ انفاسه الاخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالي، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من الامامة والقيادة المعصومة في الاسلام. لقد استشهد الإمام الجواد (عليه السلام) علي يد طاغية زمانه المعتصم العباسي وقد [ صفحه 140] انطوت بموته صفحة من صفحات الرسالة الاسلامية التي اضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الأرض.

تجهيزه ودفنه

وجُهّز بدن الإمام (عليه السلام) فغسّل واُدرج في اكفانه، وبادر الواثق والمعتصم فصليا عليه [202] ، وحمل الجثمان العظيم الي مقابر قريش، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمي التي مني بها المسلمون في فقدهم للامام الجواد (عليه السلام) وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) فواروه فيه وقد واروا معه القيم الانسانية، وكل ما يعتز به الانسان من المثل الكريمة [203] . عن أبي جعفر المشهدي باسناده عن محمد بن رضيّة عن مؤدّب لأبي الحسن)الهادي(عليه السلام)(، قال: «انه كان بين يدي يوماً يقرأ في اللوح اذ رمي اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول: انا لله وانا اليه راجعون مضي والله أبي (عليه السلام) فقلت: من اين علمت هذا؟ فقال(عليه السلام): من اجلال الله وعظمته شيء لا أعهده. فقلت: وقد مضي، قال: دع عنك هذا ائذن لي ان ادخل البيت واخرج اليك واستعرضني بآي القرآن ان شئت اقل لك بحفظ، فدخل البيت فقمت ودخلت في طلبه اشفاقاً مني عليه وسألت عنه فقيل دخل هذا البيت وردّ الباب دونه وقال لي: لا تؤذن عليّ أحداً حتي أخرج عليكم. [ صفحه 141] فخرج(عليه السلام) إليَّ متغيّراً وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون مضي والله أبي، فقلت: جعلت فداك، قد مضي فقال: نعم وتولّيت غسله وتكفينه وما كان ذلك لِيلَي منه غيري ثم قال لي: دع عنك واستعرضني آي القرآن ان شئت أفسر لك تحفظه» فقلت: الاعراف. فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم

عمره وتاريخ استشهاده

اما عمر الإمام الجواد(عليه السلام) حين قضي نحبه مسموماً فكان خمساً وعشرين سنة [204] علي ما هو المعروف، وهو أصغر الائمة الطاهرين الاثني عشر(عليهم السلام) سنّاً، وقد أمضي حياته في سبيل عزة الاسلام والمسلمين ودعوة الناس الي رحاب التوحيد والايمان والتقوي. واستشهد الإمام الجواد (عليه السلام) سنة (220 هـ) يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة، وقيل: لخمس ليال بقين من ذي الحجة وقيل: لست ليال خلون من ذي الحجة، وقيل: في آخر ذي القعدة [205] . فسلام عليه يوم ولد ويوم تقلّد الإمامة وجاهد في سبيل ربّه صابراً محتسباً ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً. [ صفحه 143]

متطلبات عصر الإمام الجواد

بعد أن وقفنا في الفصلين السابقين علي ملامح عصر الإمام الجواد(عليه السلام) وطبيعة تعامل الحكّام مع الإمام(عليه السلام) وخطّه الرسالي والجماعة الصالحة التي تقف الي جانب الإمام الحق الذي تمثّل مسيرته خطّ الهداية الربّانية للبشرية.. لابدّ أن نقف في هذا الفصل علي مجمل متطلّبات عصر الإمام الجواد(عليه السلام) الخاص بظروفه ومستجداته الثقافية والسياسية والاجتماعية من خلال مجموعة المهام الرسالية التي جُعلت في الشريعة الإسلامية علي عاتق أهل البيت(عليهم السلام) بشكل عام وعلي عاتق (التاسع منهم) الإمام الجواد بشكل خاص. وذلك لأن أهل البيت(عليهم السلام) هم أهل بيت النبوّة والرسالة الذين ربّاهم الرسول(صلي الله عليه وآله) بيديه الكريمتين وجعلهم الدرع الحصينة التي تقي الرسالة من أن يتلاعب بها الحكّام ووعّاظ السلاطين بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، كما أنها تقي الاُمة الإسلامية من السقوط والتردّي الي المهوي السحيق، بعد أن أصبحت الاُمة الإسلامية هي الاُمة الحية التي لابدّ لها أن تحمل مشعل الحضارة الإسلامية والربّانية الي العالم أجمع، وقد مُنيت بصدمة كبيرة تمثّلت في الانحراف الذي طال القيادة السياسية والذي أخذ يستشري في سائر مجالات الحياة الإسلامية. [ صفحه 144] والإمام الجواد(عليه السلام) في عصره الخاص أمام مجموعة من الإنجازات التي حققها آباؤه الطاهرون في هذين الحقلين المهمّين، كما أنّه أمام مستجدات ومتغيّرات في الوضع السياسي والاجتماعي والديني بعد أن سمحت الدولة الإسلامية للتيارات المنحرفة لتعمل بحرّية في الساحة الإسلامية وذلك لأن الحكام المنحرفين قد استهدفوا إضعاف جبهة أهل البيت الرسالية دون مواجهة علنية سافرة. والإمام الجواد(عليه السلام) لابدّ أن يوازن ويوائم بين المهامّ والمسؤوليات الرسالية من جهة، والامكانات وما يمكن تحقيقه في هذا الظرف الخاص من جهة اُخري للاقتراب من الأهداف الكبري والنهائية التي رسمتها له الشريعة وصاحبها وجعلت منه قيّماً رسالياً وقائداً ربّانياً قد نذر نفسه لله تعالي ولرسالته الخالدة. من هنا يتّضح لنا ما يتطلبه العصر الخاص بالإمام الجواد(عليه السلام) وما ينبغي أن يقوم به من دور فاعل في الساحة الإسلامية وما يحققه من انجازات خاصة بالجماعة الصالحة. إذاً نقسّم البحث عن هذه المتطلّبات الي بحثين أساسييّن: الأوّل: متطلّبات الساحة الإسلامية العامة. الثاني: متطلّبات الجماعة الصالحة. أما متطلّبات الساحة الإسلامية العامّة فتتلخّص فيما يلي: 1 ـ إثبات جدارة خط أهل البيت(عليهم السلام) للقيادة الرسالية لجمهور المسلمين وجدارة الإمام الجواد(عليه السلام) بشكل خاص لمنصب القيادة الربّانية. 2 ـ الردّ علي محاولات التسقيط والاستفزاز التي كان يقوم بها الخطّ الحاكم ضد أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم. [ صفحه 145] 3 ـ التمهيد العام لدولة الحق المرتقبة رغم محاولات السلطة للقضاء علي قضية الإمام المهدي(عليه السلام) بأشكال شتي. 4 ـ مواجهة الانحرافات والبدع والتيارات المنحرفة في الساحة الإسلامية. 5 ـ التوجّه الي هموم أبناء الاُمة الإسلامية. وأما متطلّبات الخط الرسالي والجماعة الصالحة فهي كما يلي: 1 ـ تجسيد ظاهرة الإمامة المبكّرة، من خلال تخطي القوانين الطبيعية. 2 ـ تعميق البناء الثقافي والروحي والتربوي للجماعة الصالحة. 3 ـ إحكام تنظيم الجماعة الصالحة واعدادها لدور الغيبة الطويلة. 4 ـ التمهيد لإمامة الهادي المبكّرة رغم الظروف الحرجة. 5 ـ التمهيد للإمام الغائب المنتظر بما يتناسب مع حراجة الظرف والاعداد الفكريوالروحي لعصر الغيبة المرتقب إعداداً يتناسب مع صعوبات الظرف الخاص. وسوف نقدم البحث عن متطلّبات الساحة الإسلامية العامة في هذا الفصل، ونرجئ البحث عن متطلبات الجماعة الصالحة الي فصول لاحقة ان شاء الله تعالي. [ صفحه 149]

الإمام الجواد و متطلبات الساحة الإسلامية العامة

اهل البيت والقيادة الرسالية

لم يستطع المأمون العبّاسي أن يحقّق نواياه الخفية في تسقيط شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) واخراجها من القلوب العامرة بحب أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّ الإمام الرضا(عليه السلام) استطاع أن يخترق العقول والنفوس علي مستوي اجتماعي عام، فتلألأت شخصيته العملية وتجلّت ذاته السامية للقريب والبعيد. ولم يجد المأمون لنفسه طريقاً إلاّ أن يتخلّص من تواجد الإمام وحضوره الفاعل في الساحة الإسلامية من خلال تصفيته الجسديّة; لأن ترك الإمام ليرجع الي المدينة بعدما طار صيته وتلألأت شخصيته سوف يطيح بعرش المأمون والعباسيين بسرعة، وبقاؤه في عاصمة الخلافة لم يكن بأقل تأثيراً من إبعاده الي المدينة من حيث الآثار السلبية علي عرش المأمون والآثار الايجابية لصالح خط الإمام الرسالي. والنقطة الثانية التي جدّ فيها العباسيون بشكل عام وتجلّت في سلوك المأمون السياسي بشكل خاص هي قلقهم من قضية الإمام المهدي الموعود والمنتظر الذي قد وعد الله به الاُمم ليرأب به الصدع ويلمّ به الشعث ويقضي به علي أعمدة الجور والطغيان، فالخطر الذي قد أنذر به الرسول(صلي الله عليه وآله) الحكّام الطغاة [ صفحه 150] وبشّر به المؤمنين والمستضعفين بدأ يقترب منهم، لما أفصح به النبي(صلي الله عليه وآله) من بيان نسب الإمام المهدي(عليه السلام) وموقعه القيادي حين نصّ علي أنه التاسع من ولد الحسين(عليه السلام) حتي ذكر اسمه واسم أبيه ومجموعة من صفاته وخصائصه وعلائمه. ومثل هذا الإخبار من النبي(صلي الله عليه وآله) لا يدع الظالمين في راحة واطمئنان; لأن الرسول(صلي الله عليه وآله) مرتبط بالوحي ومسدّد من السماء، ولا تكون إخباراته سُديً. ومثل هذا الإخبار من منجّم عادي أومحترف يكفي لزعزعة الاستقرار النفسي الذي يبحث عنه الحكّام الظالمون فكيف وهم يسمعون هذا الإخبار من نبي مرسل يدّعون الانتساب إليه؟! ولا سيّما وهم يبحثون عن كلّ شيء لإحكام ملكهم ويحسبون لما يزعزعه ألف حساب، فكيف لا يتهيّؤون لدرء الخطر الداهم؟ والعدد الذي ذكره النبي(صلي الله عليه وآله) لأهل بيته الطاهرين المسؤولين عن حمل مشعل الرسالة عدد مضبوط محدود، فهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ومن بني هاشم وهم علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأحد عشر من ولده الأبرار الأطهار. وهاهو الرضا(عليه السلام) كان الثامن من الاثني عشر المنصوص علهيم من قبل الرسول(صلي الله عليه وآله) وهو الخامس من ولد الحسين(عليه السلام) فضلاً عن النصوص عليهم من سائر الأئمة الطاهرين. ولا نستبعد وجود عناصر مرتبطة بالجهاز الحاكم كانت تحاول اختراق الجماعة الصالحة التي حرصت علي حفظ تراث أهل البيت(عليهم السلام) وعلومهم الربّانية والتي استودعوها اسرارهم، وهي الأسرار التي لا يتحملها إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. والحكّام العباسيّون إن لم يستطيعوا السيطرة علي الجماعة الصالحة فلا أقل من اختراقها والحصول علي المعلومات التي تخدمهم للتعرّف علي الخط المناوئ لهم. [ صفحه 151] ومع شعورهم بقرب ولادة المهدي(عليه السلام) مع جهلهم بزمان ولادته وظهوره، لابد وأنهم يحاولون صد أهل البيت(عليهم السلام) من انجاب الإمام المهدي(عليه السلام) قبل كل شيء كما حدث لفرعون مع موسي النبي(عليه السلام). ومن أجل تحقيق هذه المهمة والحيلولة دون ولادة من يقلقهم ذكره ووجوده شدّدوا المراقبة علي أهل البيت(عليهم السلام) ودخلوا الي أعماق حياتهم الشخصية فجعلوا الرقيب الخاص علي تصرّفاتهم كما يبدو من إصرار المأمون لتزويج ابنته اُم الفضل من الإمام الجواد(عليه السلام) بل حدّدوهم حتّي من حيث الزواج والانجاب، ويشهد لذلك قلّة عدد أبناء الأئمة(عليهم السلام) بعد الإمام الرضا(عليه السلام) بشكل ملفت للنظر،إذا ما قسناهم مع من سبق الإمام الرضا(عليه السلام) من الأئمة من حيث الأبناء والأزواج. كما حاولوا طرح البديل عن الإمام المهدي المنتظر للاُمة الإسلامية بتسمية بعض أبنائهم بالمهدي والمهتدي تمويهاً وتغريراً لعامّة الناس بأنهم هم المقصودون بهذه النصوص النبوية. ولكن حبل الكذب قصير والحقيقة لابدّ أن تنجلي والطغاة لا يستطيعون أن يتظاهروا بمظهر الحق علي مدي طويل فلا يطول التظاهر منهم ماداموا غير متلبسين حقيقةً بلباس الحق ومادامت شخصيتهم لم تنشأ في بيئة طاهرة تتّسم بالحق وبالقيم الربّانية الفريدة. ومن هنا نجد أن هذا التمويه لم يستطيع أن يحقق الغرض الذي من أجله ارتكبوه وهو التغطية علي حقيقة المهدي المنتظر(عليه السلام). وتبقي الخطوة الأخيرة الممكنة لهم وهي أنهم إن لم يستطيعوا أن يحولوا بين أهل البيت(عليهم السلام) وبين انجاب الإمام المهدي(عليه السلام) ولا التمويه علي جمهور المسلمين فعليهم أن يكتشفوه، أي أنّ عليهم أن يترصّدوا ولادته ليقضوا عليه ويريحوا أنفسهم من هذا الكابوس الذي يُخيّم عليهم وهو كابوس المهدي المنتقم الذي يزعزع عروش الطغاة لا محالة. [ صفحه 152] نعم لا ضرورة للاعتقاد البات من قبل الخلفاء بهذه الحقيقة بل يكفي لديهم احتمالها ليبادروا لاتخاذ الاجراءات الصارمة أمام الخطر الداهم أو المحتمل الذي قد يحدق بهم عن قريب. وهكذا كانت الساحة السياسية العامّة من جهة والحاجة العامة للمسلمين تتطلب بقاء الأمل كبيراً بانجلاء غياهب الجور والطغيان علي يدي الإمام القائم بالسيف من أهل بيت النبوّة والذي بشّر به الرسول(صلي الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون. وكان من الضروري استمرار شعلة هذا الأمل والحيلولة دون انطفائها لأنها تهزّ عروش الظالمين والمستكبرين وتسلب الأمان والحياة الرغيدة منهم إن هذه المفردة حاجة واقعية للاُمة ومهمّة رسالية لأهل البيت(عليهم السلام) الذين لم تسمح لهم الظروف بالقيام بدور الإمام المهدي(عليه السلام) المرتقب، غير أنهم يستطيعون التمهيد لولادته ومن ثم بقائه حيّاً ليدبّر شؤون المسلمين من وراء ستار كيما تتهيأ له ظروف الثورة المباركة التي بشّر بها القرآن الكريم وأيّدتها نصوص الرسول العظيم. وفي مقابل هذه الحاجة العامّة نجد محاولات العباسيين للحيلولة دون ولادة القائم المهدي من آل محمد(صلي الله عليه وآله) أصبحت جادّة وقوية وسريعة، لأن الخطر بدأ يقترب منهم. فالإمام الجواد ومن سيأتي بعده من الأئمة(عليهم السلام) بين مهمّتين: مهمّة حفظ الأمل الكبير واستمرار شعلته، ومهمّة التعتيم علي السلطة تجاه ولادة المهدي(عليه السلام) والحيلولة بينهم وبين الاقتراب من المهدي(عليه السلام) لئلاّ تناله أيديهم الأثيمة ولئلاّ يصادروا آخر قيادة ربّانية قد نذرت نفسها لله لتحمل لواء الحق وراية الإسلام المحمدي وتحقق كل آمال الأنبياء علي مدي القرون والأعصار، كما صادروا قيادة آبائه من قبل وأحكموا الحصار علي من تبقّي منهم. وقد استطاع الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) فضح الحكّام المنحرفين من خلال سيرتهم المباركة التي شكّلت تحدّياً عملياً و علمياً وأخلاقياً صارخاً فاتّضحت [ صفحه 153] للاُمة جملة من الفواصل الكبيرة بين الخط الحاكم والخط الذي ينبغي له أن يتولّي شؤون الحكم والزعامة الإسلامية. والاُمة لازالت بحاجة للتعرّف علي مزيد من الفواصل المعنوية بين الخطّين، كما أنها لابدّ أن تقف علي حقيقة الأقنعة الزائفة التي يقبع تحتها الحكّام الظالمون. واستطاع المأمون أن يقترب من الإمام الجواد(عليه السلام) ويتقرّب منه شيئاً ما بتقريبه له وتزويجه لابنته لترصد تحركات الإمام ولتستطيع أن تمنعه من الانجاب منها [206] وممّن سواها، إذا كان ذلك مقصوداً للمأمون تحقيقاً لجملة من الأهداف التي لاحظناها في هذا البحث. واستمرّ الحكّام من بعده علي نفس هذا المنهج الدقيق لأنّهم لا يرون بديلاً له بعد ما فضح المأمون نفسه باغتيال الإمام الرضا(عليه السلام) حيث تخلّص من رقيب كبير كان يهدد ملكه ولكنه قد اُبتلي برقيب جديد يفوقه في التحديوارغام اُنوف الظالمين. ومن هنا كانت ظروف الإمام الجواد(عليه السلام) لا سيّما وهو في التاسعة من سني عمره، تشكل سؤالاً أسياسياً للمأمون أوّلاً ولعامة الناس ثانياً، ولبعض شيعة أهل البيت ثالثاً، والسؤال هو مدي جدارة هذا الصبي للقيام بمهمة الإمامة والقيادة الربانية المفترضة الطاعة التي لابد لها أن تخترق كل الحجب السياسية والاجتماعية الموجودة. وهكذا كان الإمام الجواد(عليه السلام) حين تسلّمه زمام القيادة الرسالية أمام تساؤل كبير قد طرح نفسه لأوّل مرة علي مستويات ثلاثة، ولابدّ للإمام الجواد(عليه السلام) من [ صفحه 154] أن يثبت جدارته للجميع، وإن كان ذلك يكلّفه حياته فيما بعد; لأن بقاء هذا الخط الربّاني وإثبات حقّانية خط أهل البيت ورسالته الربانية هما فوق كل شيء. ومن هنا كان لابدّ للإمام الجواد(عليه السلام) أن يتصدّي للردّ علي كل هذه الأسئلة ويتحدّي كل القوي السياسية والعلمية التي تنطوي عليها الساحة الإسلامية ليتسني له القيام بسائر مهامّه الرسالية الاُخري في الحقلين العام والخاص معاً. إذاً فقد كان إثبات الإمامة علي المستويين العام والخاص اُولي مهام الإمام الرسالية في مرحلته التي عاشها بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا (عليه السلام) الذي كان قد نصّ عليه وعرّفه لأصحابه واتباعه ; لأنّ الإمام الرضا(عليه السلام) كان قد عاصر خطط المأمون وعرف عن كثب اهدافه الخفية من اُطروحة ولاية العهد الخبيثة والتي استطاع الإمام أن يستثمرها لصالح الإسلام رغم قصر الفترة الزمنية ورغم ما كلّفته من حياته الغالية والتي قدمها رخيصة في ذات الله تعالي. وتأتي إجابات الإمام الجواد(عليه السلام) في المجالس العامة للخلفاء علي الأسئلة الموجّهة اليه خطوة موفّقة لإثبات أحقيّة خط أهل البيت(عليهم السلام) الرسالي وإثبات امامة محمد الجواد(عليه السلام) وجدارته العلمية وشخصيته القيادية لعامّة المسلمين إتماماً للحجة عليهم وعلي الخلفاء والعلماء المحيطين بهم. وهي في نفس الوقت تشكّل تحدّياً عملياً للخلفاء وعلمائهم الذين كانوا يشكّلون الرصيد العلمي والخلفية الثقافية والشرعية في منظار مجموعة من أبناء المجتمع الذين نشأوا في مجتمع منحرف عن خط الرسالة المحمدية الأصيلة ممّن اغترّوا بالمظاهر والشعارات ولم ينفذوا بعقولهم الي عمق الأحداث والتيارات المتحكّمة في المجتمع الإسلامي آنذاك. كما أنها كانت ردّاً علي محاولات التسقيط والاستفزاز التي كان يستهدفها الحكّام بالنسبة لأهل البيت(عليهم السلام) الذين كانوا يشكّلون المعارضة الصامتة والخطّ المخالف للخلفاء المستبدين بالأمر والمتربّعين علي كرسيّ الحكم دون إذن ونصّ الهي، كما هي عقيدة أهل البيت(عليهم السلام) بالنسبة للإمامة حيث إن الإمام(عليه السلام) لابد أن يكون معصوماً ومنصوصاً عليه من الله تعالي ورسوله. [ صفحه 155]

الساحة الإسلامية وظاهرة الإمامة المبكرة في مدرسة أهل البيت

يشكّل وجود الإمام الجواد (عليه السلام) ـ كما أشرنا ـ برهاناً علي صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في الإمامة. وذلك لأن ظاهرة تولّي شخص في سنّ الطفولة لمنصب الإمامة وما رافقها من شؤون تستطيع أن تقدم لنا دليلاً قاطعاً علي سلامة هذه العقيدة التي يتميز بها مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عمّا سواه من المذاهب في قضية الإمامة باعتبارها منصباً ربّانياً لا يكون علي اساس الانتخاب والترشيح البشري وإنما يكون علي أساس التعيين والنصب الإلهي لشخص تجتمع في وجوده كل عناصر الكفاءة والقدرة الحقيقية لإدارة هذا المنصب الربّاني من قيادة فكرية علمية ودينية وعملية للمؤمنين بإمامته بل للمسلمين جميعاً. لقد أجمع المؤرخون علي أن الإمام الجواد (عليه السلام) قد توفّي أبوه (عليه السلام) وعمره لا يزيد علي سبع سنين، وتولّي منصب الإمامة بعد أبيه وهو في هذه السن من سنيّ الطفولة بحسب ظاهر الحال. وهذه الظاهرة هي أوّل ظاهرة من نوعها في حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام). ولو درسنا هذه الظاهرة علي اساس المعايير الإلهية من جانب والوقائع التاريخية، لوجدناها كافية لوحدها للاقتناع بحقّانية مدرسة الإمام الجواد وخط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد (عليه السلام). إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الإمامة الواقعية الربّانية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويقوم فعلاً بقيادة وهداية هذه الطائفة في كل المجالات الروحية والفكرية والدينية الفقهية وغير الفقهية. والفروض الاُخري التي لا يمكن افتراضها وقبولها هنا هي كما يلي: [ صفحه 156] الفرض الأول: ن الطائفة الشيعية التي آمنت بإمامة هذا الشخص لم ينكشف لديها بوضوح أن هذا المدعي للإمامة هو صبي. وهذا الفرض غير صحيح لأن زعامة الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن زعامة محاطة بالشرطة والجيش وابّهة الملك والسلطان بحيث يحجب الزعيم عن رعيّته. ولم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية وغيرها من الدعوات الباطنية كالفاطمية التي تحجب بين القمة والقاعدة بها. إن الإمام الجواد مثل غيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان مكشوفاً أمام الطائفة وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وفي قضاياها الروحية والأخلاقية. إن الإمام الجواد (عليه السلام) نفسه كان قد أصرّ علي المأمون حينما استقدمه إلي بغداد في أن يسمح له بالرجوع إلي المدينة وسمح له بالرجوع الي المدينة فرجع وقضي بقية عمره أو اكثر عمره فيها. وهكذا بقي الإمام الجواد (عليه السلام) مكشوفاً أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وإمامته. فافتراض أنه لم يكن مكشوفاً أمام شيعته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي اُنشئت منذ البداية بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقواعدهم الشعبية هذا أوّلاً. وثانياً أن الإمام الجواد (عليه السلام) كان قد سُلّطت عليه أضواء خاصة من قبل الخليفة العباسي كما لاحظنا في القصة المعروفة عن تزويجه باُمّ الفضل، وهكذا رصد العباسيين له(عليه السلام) للرد علي موقف المأمون منه، وهو شاهد آخر علي بطلان احتمال عدم انكشافه أمام المسلمين. [ صفحه 157] الفرض الثاني: ان المستوي الفكري والعلمي للطائفة الشيعية التي آمنت بالإمام (عليه السلام) وقتئذ لم يكن بالمستوي المطلوب الذي تستطيع من خلاله أن تميّز الخطأ من الصواب في مجال الإيمان بإمامة طفل يدّعي الإمامة وهو ليس بإمام. وهذا الافتراض أيضاً مما يكذّبه الواقع التأريخي لهذه الطائفة مع ما وصلت إليه من مستوي علميّ وفقهيّ. فإنّ هذه الطائفة قد تربت علي أيدي الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) وكان فيها اكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الإسلامي علي الإطلاق وهذه المدرسة تتكوّن من جيلين متعاقبين: جيل تلامذة الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وجيل تلامذة تلامذتهم. وكان هذان الجيلان علي رأس هذه الطائفة متميزين في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والأخلاق بل كل جوانب المعرفة الإسلامية. إذاً فالمستوي الفكري والعلمي لهذه الطائفة ما كان ليمكن أن يُمرّر عليه مثل هذا الاعتقاد ما لم يكن له رصيد واقعي ودليل منطقي ومعقول ومُلزم لمعتنقيه بالايمان بهذه الإمامة المبكّرة التي تشكل تحدّياً لكل الظروف والواقع المعاش الذي لا يستفيد معتنقيه من الايمان به غير التحديد والضغط والمطاردة والقتل والتهديد. وإن أمكن لشخص أن يتصوّر أنّ رجلاً عالماً كبيراً مُحيطاً مطّلعاً بلغ الخمسين أو الستّين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته وهو ليس بإمام لمجرد أنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم والمعرفة والذكاء والاطلاع فليس بالإمكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره، إذ كيف يستطيع أن يقنع طائفة كبري بإمامته كذباً وهو مكشوف أمامها وهذه الطائفة ذات مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الإسلامي يومئذ. وهي [ صفحه 158] مدرسة بعض عناصرها في الكوفة وبعضها في قم وبعضها في المدينة، فهي مدرسة موزّعة في حواضر العالم الإسلامي وكانت علي صلة مباشرة بالإمام الجواد(عليه السلام) تستفتيه وتسأله وتنقل إليه الأموال من مختلف الأطراف من شيعته. فمثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر أنّها تغفل عن حقيقة طفل لا يكون إماماً. الفرض الثالث: إن مفهوم الإمام والإمامة لم يكن واضحاً عند الطائفة الشيعية بل إنها كانت تتصوّر أن الإمامة مجرد تسلسل نسبي ووراثي ولم تكن تعرف ما هو الإمام وما هي قيمة الإمام وما هي شروط الإمام. وهذا الافتراض يكذّبه واقع التراث المتواتر من أمير المؤمنين (عليه السلام) الي الإمام الرضا (عليه السلام) عن شروط الإمامة وحقيقتها وعلامات الإمام عند هذه الطائفة بنحو يميّزها عما سواها من الطوائف والمذاهب التي تجعل الامامة منصباً بشرياً لا يصعب لكثير من الناس التسلق إليه وانتحالها وادعائها. بينما قام التشيّع علي المفهوم الإلهي المعمّق للإمامة وهو من المفاهيم الاُولي والبديهية للتشيّع، فإنّ الإمام في المفهوم الشيعي إنسان فذّ فريد في معارفه وأخلاقه وأقواله وأعماله. وهذا المفهوم قد بشّرت به مجموعة كبيرة من عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) الي عهد الإمام الرضا (عليه السلام). [207] . وقد أصبحت كل التفاصيل والخصوصيات بالتدريج واضحة ومرتكزة عند الطائفة الشيعية. يقول الراوي: دخلت المدينة بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) أسأل عن الخليفة بعد الإمام الرضا (عليه السلام). فقيل: إن الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت إلي [ صفحه 159] تلك القرية ودخلت القرية وكان فيها بيت للامام موسي بن جعفر انتقل الي أولاده. فرأيت البيت غاصّاً بالناس ورأيت أحد إخوة الإمام الرضا (عليه السلام) كان جالساً يتصدّر المجلس إلاّ أن الناس يقولون إن هذا ليس هو الإمام بعد الرضا (عليه السلام) لأننا سمعنا من الأئمة أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين. نعم كل هذه التفاصيل والخصوصيات النسبية والمعنوية كانت واضحة ومحدّدة عند الطائفة. إذاً فهذا الافتراض الثالث أيضاً يكذّبه واقع التراث الثابت والمتواتر عن الأئمة السابقين علي الإمام الجواد (عليه السلام). الفرض الرابع: أن يكون هناك بين أبناء الطائفة الشيعية نوع من التواطؤ علي الزور والباطل. وهذا الافتراض أيضاً يكذّبه الواقع. لا لإيماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة وقدسيّتها، بل لأن الظرف الموضوعي لهذه الطائفة هو الذي يكذب هذا الافتراض. فإن التشيع لم يكن في يوم من الأيام في حياة هذه الطائفة طريقاً إلي الأمجاد والي المال والجاه والسلطان والمقامات العالية، بل التشيع طيلة هذه المدّة كان طريقاً الي التعرض للتعذيب والسجون والحرمان والويل والدمار. لقد كان التشيع طريقاً شائكاً مزروعاً بالألغام، فالخوف والتقية والذل كانت هي مظاهر وثمار هذا الطريق فما الفائدة المادية في التواطؤ علي هذا الزور والباطل في الإمامة ما دام التشيع ليس سبيلاً لتحقيق أي مطمع مادي أو مطمع دنيوي آنئذ. فلماذا يتواطأعقلاء الطائفة الشيعية ووجهاؤها وعلماؤها علي إمامة باطلة مع [ صفحه 160] أن ثباتهم عليها يكلفهم كثيراً من ألوان الحرمان والعذاب، وأيّ عقل يستسيغ مثل هذه التبعات إذا كان مجرّد تباني علي أمر باطل. انّ هذه الظروف الموضوعية ألا تكون شاهداً ودليلاً علي أن هذا الاعتقاد إنما كان ناشئاً عن حقيقة ثابتة وملزمة لأبناء الطائفة قد وعوها وآمنوا بها واستسلموا للوازمها وآثارها بالرغم من أنها كانت تكلّفهم حياتهم المادية علي طول الخط. اذن لا يبقي إلاّ القبول بالافتراض الأخير وهو أن الإمام الجواد (عليه السلام) بدعواه الإمامة المبكرة وتحدّيه لكل من وقف أمامه، وصموده أمام كل الإثارات والتساؤلات والاختبارات شكّل دليلاً تأريخياً علمياً قاطعاً علي حقّانية دعواه ومذهبه وخطّه وهو خط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد(عليه السلام) في مجال إمامة المسلمين وزعامة الاُمة الإسلامية التي بدأت بالقيادة النبوية تلك الاُمة التي خلّفها الرسول (صلي الله عليه وآله) لتتكامل وتؤسّس الحضارة الإسلامية علي أسس الهية وقيم ربّانية. وإن التراث القيّم الذي تركه لنا هذا الإمام العظيم لدليل قاطع علي عظمة الدور الذي قام به هذا الإمام في تبلور العقيدة الشيعية في مجال القيادة الاسلامية التي أكّدتها الآيات القرآنية والنصوص النبوية الشريفة. [208] . [ صفحه 161]

الإمام الجواد والمفاهيم المنحرفة عند الأمة

لم يتخذ الغلو لوناً واحداً بل كانت ثمة الوان متعددة، منها الغلو بالصحابة، وفي حوار مفتوح للامام الجواد (عليه السلام) مع يحيي بن الأكثم أمام جماعة كبيرة من الناس منهم المأمون العبّاسي فنّد الإمام الجواد(عليه السلام) التوجهات المغالية في شأن الصحابة، وإليك نص الحديث: «روي ان المأمون بعد ما زوّج ابنته اُمّ الفضل أبا جعفر (عليه السلام) كان في مجلس وعنده أبو جعفر (عليه السلام) ويحيي بن الأكثم وجماعة كثيرة. فقال له يحيي بن الأكثم: ما تقول يابن رسول الله في ا لخبر الذي روي: أنه نزل جبرئيل (عليه السلام) علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقال: يامحمد! ان الله عزوجل يُقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عنّي راض فإني عنه راض. فقال أبو جعفر (عليه السلام): «لست بمنكر فضل أبي بكر ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله(صلي الله عليه وآله) في حجّة الوداع: قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار فاذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه علي كتاب الله عزوجل وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالي: (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد) [209] فالله عزوجل خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتي يسأل عن مكنون سره، هذا مستحيل في العقول». [ صفحه 162] ثم قال يحيي بن الأكثم: وقد روي: أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء. فقال (عليه السلام): «وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه; لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان لم يعصيا الله قط، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزّوجلّ وإن أسلما بعد الشرك. فكان أكثر أيّامهما الشرك بالله فمحال أن يشبّههما بهما». قال يحيي: وقد روي أيضاً: أنهما سيدا كهول أهل الجنة. فما تقول فيه؟ فقال (عليه السلام): وهذا الخبر محال أيضاً، لان أهل الجنة كلهم يكونون شبّاناً ولا يكون فيهم كهل وهذا الخبر وضعه بنو اُمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله (صلي الله عليه وآله) في الحسن والحسين (عليهما السلام) بأنهما «سيدا شباب اهل الجنة». فقال يحيي بن الأكثم: وروي ان عمر بن الخطاب سراج اهل الجنة. فقال (عليه السلام): وهذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد(صلي الله عليه وآله)، وجميع الانبياء والمرسلين. لا تضيء بأنوارهم حتي تضيء بنور عمر؟! فقال يحيي بن الأكثم: وقد روي: أن السكينة تنطق علي لسان عمر. فقال (عليه السلام): لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر. فقال ـ علي رأس المنبر ـ: إن لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني. فقال يحيي: قد روي ان النبي (صلي الله عليه وآله) قال: لو لم اُبعث لبُعث عمر. فقال (عليه السلام): كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) [210] ، فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكان الانبياء (عليهم السلام) لم يشركوا بالله طرفة عين؟ فكيف يبعث بالنبوة من أشرك [ صفحه 163] وكان اكثر أيامه مع الشرك بالله؟! وقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «نبّئت وآدم بين الروح والجسد.» فقال يحيي بن الأكثم: وقد روي أيضاً أن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: ما احتبس عنّي الوحي قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب. فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً، لأنه لا يجوز ان يشك النبي(صلي الله عليه وآله) في نبوّته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) [211] فكيف يمكن ان تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به؟! قال يحيي: روي ان النبي (صلي الله عليه وآله) قال: لو نزل العذاب لما نجي منه إلاّ عمر. فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً، لأن الله تعالي يقول: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) [212] ، فأخبر سبحانه انه لا يعذب أحداً ما دام فيهم رسول الله(صلي الله عليه وآله) وما داموا يستغفرون الله» [213] . وفي هذا النص شواهد كافية لمدي التحريف الذي سيطر علي مجال الحديث والبدع التي اُدخلت علي السنّة النبوية الشريفة في عصر الخلافة الاُموية والعباسية، ومدي نفوذها الي واقع الاُمة بالرغم من كونها تخالف النصوص الصريحة للقرآن الكريم. وهذا كاشف عن مدي هبوط مستوي الوعي والثقافة العامة عند علماء البلاط فضلاً عن عامة أتباعهم. وهذا الحوار يكشف لنا عن مدي شجاعة الإمام(عليه السلام) وقوّة منطقه، ودوره الكبير في تصحيح هذه الانحرافات الخطيرة التي تشوّه حقائق الدين من أجل تصحيح أخطاء شخصيات استغلّت شرف الصحبة والصحابة، وقبع الحكام المنحرفون تحت هذه الأقنعة التي نسجت منهم شخصيات وهميّة علي مدي التاريخ في أذهان عوامّ علماء المسلمين فضلاً عن أتباعهم. [ صفحه 164]

الإمام الجواد والتوجه الي هموم أبناء الامة الإسلامية

اهتمّ الإمام الجواد (عليه السلام) بخدمة الناس وبدعوتهم الي الاسلام المحمدي الاصيل وكسبهم الي اهل البيت (عليهم السلام)، ومن امثلة ذلك: 1 ـ لمّا انصرف أبو جعفر (عليه السلام) من عند المأمون ببغداد ومعه اُم الفضل إلي المدينة، صار إلي شارع باب الكوفة والناس يشيّعونه فانتهي الي دار المسيّب عند مغيب الشمس، فنزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اصل النبقة وقام وصلّي بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الاُولي «الحمد» و «اذا جاء نصر الله» وفي الثانية «الحمد» و «قل هو الله أحد» وقنت قبل الركوع، وجلس بعد التسليم هنيئة يذكر الله تعالي، وقام من غير تعقيب فصلّي النوافل أربع ركعات، وعقّب بعدها، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج، فلمّا انتهي الي النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً كثيراً حسناً، فتعجبوا من ذلك، فأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له، ومضي (عليه السلام) الي المدينة [214] . لقد قدّم الإمام الجواد (عليه السلام) للناس الدليل علي إمامته (عليه السلام) بالاُمور المحسوسة. علاوة علي ذلك فإنّ اهتمام الإمام (عليه السلام) بخدمة الناس يعكس أهميّة هذا الأمر وفضله في الإسلام كما يكشف عن توجّهه (عليه السلام) لكسبهم بطريقة عملية وهدايتهم لاختيار منهج أهل البيت (عليهم السلام)، ونقتصر علي بعض الأمثلة في هذا الصدد. [ صفحه 165] 2 ـ روي عن الشيخ أبي بكر بن اسماعيل أنه قال: «قلت لابي جعفر ابن الرضا(عليه السلام): ان لي جارية تشتكي من ريح بها، فقال: ائتني بها فأتيت بها فقال: ما تشتكين ياجارية؟ قالت: ريحاً في ركبتي، فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب فخرجت الجارية من عنده ولم تشتك وجعاً بعد ذلك» [215] . 3 ـ وروي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي أنه قال: «دخلت علي أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) ومعي أخي به بهر شديد فشكي اليه ذلك البهر [216] ، فقال (عليه السلام): عافاك الله ممّا تشكو، فخرجنا من عنده وقد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلي أن مات. 4 ـ قال محمد بن عمير: «وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كل اسبوع فيشتد ذلك الوجع بي أيّاماً وسألته ان يدعو لي بزواله عنّي، فقال: وأنت فعافاك الله فما عاد الي هذه الغاية». [217] . 5 ـ وروي عن علي بن جرير قال: «كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم اليه ويقولون: انتم سرقتم الشاة. فقال أبو جعفر (عليه السلام): ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان»، فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، واخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف انه لم يسرق هذه الشاة، الي ان صاروا الي أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «ويحكم ظلمتم الرجل فانّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، [ صفحه 166] فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه» [218] . 6 ـ وروي عن القاسم بن الحسن، أنّه قال: «كنت فيما بين مكة والمدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال فسألني شيئاً فرحمته، فأخرجت له رغيفاً فناولته إيّاه فلمّا مضي عنّي هبّت ريح زوبعة، فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت ولا أين مرّت، فلمّا دخلت المدينة صرت الي أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) فقال لي: «ياأبا القاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟ قلت: نعم، فقال: ياغلام أخرج اليه عمامته، فأخرج اليّ عمامتي بعينها، قلت: يا ابن رسول الله كيف صارت اليك؟ قال: تصدّقتَ علي أعرابي فشكره الله لك، فردّ إليك عمامتك، وانّ الله لا يضيع أجر المحسنين» [219] . إنّ هذه الأعمال تدلّ علي الأهمية الكبيرة التي كان يمنحها أهل البيت (عليهم السلام) لخدمة الناس. ولا يخفي علي الناظر المتأمل ما تتركه مثل هذه الأعمال من أثر كبير علي الناس باعتبار أنّ لغة العمل هي اللغة الاوضح عند الناس الإمام الجواد (عليه السلام) ومتطلّبات الجماعة الصالحة والأشد تأثيراً عليهم كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كلمته المعروفة عنه: «كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم». [ صفحه 167]

الإمام الجواد ومتطلبات الجماعة الصالحة

الإمام الجواد يعالج ظاهرة التشكيك بإمامته

نهض الإمام الجواد (عليه السلام) بأعباء الإمامة الشرعية للمسلمين وهو لما يبلغ الحلم علي نحو ما حدث لعيسي بن مريم(عليه السلام) حيث اُوتي النبوّة في المهد، وقد أوجدت هذه الظاهرة حالة من التساؤل والتشكيك لدي البعض من الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) والمعتقدين بإمامتهم بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)، لكن الإمام(عليه السلام) استطاع أن يدحض هذه التشكيكات ويجيب علي التساؤلات المعلنة والخفيّة بما اوتي من فضل وعلم وحكمة وحنكة. إن حالة الصبا التي تزامنت مع اضطلاع الإمام (عليه السلام) بأعباء الخلافة لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، وتصديه لامامة المسلمين في ذلك الوقت المبكّر دفعت ببعض أتباع أهل البيت(عليهم السلام) الي التساؤل والتشكيك. وأما التساؤلات فقد تمّ حسمها بدرجة ما، من خلال الأحاديث والتوجيهات والإشارات التي صدرت عن والده الإمام عليّ الرضا(عليه السلام) وانتشرت بين مقرّبيه ورؤساء القوي الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) في البلدان كمصر والحجاز والعراق وبلاد فارس. علي أنّ الإمام الجواد(عليه السلام) نفسه قد قام بنشاط واسع لتبديد تلك الشكوك [ صفحه 168] التي اُثيرت بشكل أو بآخر بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) وهو ما نفهمه من خلال بعض الروايات الواردة بهذا الشأن، ومنها ما يلي: أ ـ أورد السيد المرتضي (رضي الله عنه) في عيون المعجزات أنّه: لما قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريّان بن الصلت، وصفوان بن يحيي، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمن بن الحجّاج، ويونس بن عبد الرحمن، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول، يبكون ويتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمن: دعوا البكاء! مَن لهذا الأمر والي من نقصد بالمسائل إلي أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام). فقام اليه الريّان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك. إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وان لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا ممّا ينبغي أن يفكّر فيه.فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه. وكان وقت الموسم، فاجتمع فقهاء بغداد والأمصار وعلماؤهم ثمانون رجلاً، فخرجوا إلي الحج، وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام)، فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق (عليه السلام) لأنها كانت فارغة، ودخلوها وجلسوا علي بساط كبير، وخرج إليهم عبد الله بن موسي، فجلس في صدر المجلس وقام مناد وقال: هذا ابن رسول الله فمن أراد السؤال فليسأله. فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد علي الشيعة ما حيّرهم وغمّهم. واضطرب الفقهاء، وقاموا وهمّوا بالانصراف، وقالوا في أنفسهم: لو كان [ صفحه 169] أبو جعفر (عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدا لله ما كان، من الجواب بغير الواجب. ففُتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفّق وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه فدخل صلوات الله عليه، وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلهم، فقام صاحب المسألة، فسأله عن مسائله، فأجاب عنها بالحق، ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له: إن عمّك عبد الله أفتي بكيت وكيت، فقال: «لا اله الاّ الله ياعمّ إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم، وفي الاُمة من هو أعلم منك؟!» [220] . ب ـ وروي أنّه جيئ بأبي جعفر (عليه السلام) إلي مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعد موت أبيه، وهو طفل، وجاء إلي المنبر ورقا منه درجة ثم نطق، فقال: «أنا محمد ابن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة اهل الضلال ووثوب أهل الشك، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون..» [221] . ج ـ وقال اسماعيل بن بزيع: سألته ـ يعني أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ـ عن شيء من أمر الإمام، فقلت: يكون الإمام ابن أقلّ من سبع سنين؟ فقال: «نعم وأقل من خمس سنين» [222] . د ـ قال علي بن أسباط: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج عليّ فأخذت [ صفحه 170] أنظر إليه وجعلت انظر الي رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر فبينا أنا كذلك حتي قعد، فقال(عليه السلام): ياعليّ! ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة، فقال: (وآتيناه الحكم صبياً) [223] (ولمّا بلغ اشده) [224] (وبلغ اربعين سنة) [225] ، فقد يجوز ان يؤتي الحكمة وهو صبي ويجوز ان يؤتاها وهو ابن اربعين سنة» [226] . إنّ تصدي الإمام الجواد (عليه السلام) لإمامة المسلمين وهو صبي كان معجزة بذاته. وسنتطرق فيما بعد الي ما أظهره من المعارف الإلهية، وقد ذكرنا نماذج من تحدّيه لكبار الفقهاء ومنهم قاضي قضاة الدولة العباسيّة مع ما كان عليه من كبر السن، ولاشك أنّ ذلك من مصاديق الصفة الإعجازية في الإمام(عليه السلام) ومن الأدلة التي تجسّد مدي علاقته وتؤكد عمق ارتباطه بالله تعالي وقربه منه وحجم الدعم الغيبي الذي كان يحظي به الإمام(عليه السلام) من عند الله عَزَّ وجَلَّ. [ صفحه 171]

الإمام الجواد والبناء الثقافي للجماعة الصالحة

اشاره

لقد توخي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تحقيق عزة الاسلام والمسلمين من خلال المواقف والتحركات الحكيمة التي تضمن الوصول الي الهدف المطلوب علي احسن وجه. وكان تحرك الإمام الجواد (عليه السلام) ينطلق من هذه الرؤية فكان ذلك التحرك واسعاً ومؤثراً رغم كل الظروف المعرقلة التي أحاطت تحركه وفي هذا المجال نشير الي نماذج من تحرك الإمام (عليه السلام) في الميادين التي كان يتوخي منها إعداد الاُمة وطلائعها إعداداً رسالياً. ومن هذه الميادين:

تعميق البناء الفكري

اشاره

كان اهتمام الإمام الجواد (عليه السلام) في بناء الجانب العقائدي في شخصية الانسان المسلم واضحاً للناظر في تراثه الذي ورثناه والذي يحتوي علي مفردات اساسية تتقوم بها العقيدة ومن ذلك:

الإمام والدعوة الي التوحيد الخالص

التوحيد اساس العقيدة الاسلامية، وسلامة تصورات المسلم عن الله تعالي هي الركيزة الجوهرية التي تستند عليها باقي المفردات العقيدية، من هنا كان الإمام(عليه السلام) يُعني عناية شديدة بإيضاح هذا الاساس وتجليته، وفي المحاضرة التي ألقاها علي داود بن القاسم الجعفري دليل علي ما قلناه. فقد قال الجعفري: «قلت لأبي جعفر الثاني(عليه السلام): (قل هو الله أحد)، ما معني: الأحد؟ قال: المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول: (ولئن سألتهم من خلق [ صفحه 172] السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) [227] ، ثم يقولون بعد ذلك: له شريك وصاحبة. فقلت: قوله: (لا تدركه الأبصار) [228] . قال: ياأبا هاشم! اوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار؟! وسئل (عليه السلام): أيجوز ان يقال لله: انه شيء؟ فقال: نعم، تخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه [229] [230] . وعن أبي هاشم الجعفري، قال: «كنت عند أبي جعفر الثاني(عليه السلام) فسأله رجل، فقال: أخبرني عن الرب تبارك وتعالي له اسماء وصفات في كتابه؟ وأسماؤه وصفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): «ان لهذا الكلام وجهين: إن كنت تقول: هي هو، اي انه ذو عدد وكثرة، فتعالي الله عن ذلك. وان كنت تقول: هذه الصفات والأسماء لم تزل، فإنّ «لم تزل» محتمل معنيين: فان قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقها، فنعم، وان كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ الله ان يكون معه شيء غيره. بل كان الله ولا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه يتضرعون بها اليه ويعبدونه وهي ذكره، وكان الله ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل. والاسماء والصفات مخلوقات، والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف، وانما يختلف ويأتلف المتجزئ فلا يقال: الله مؤتلف، [ صفحه 173] ولا الله قليل ولاكثير، ولكنه القديم في ذاته، لأن ما سوي الواحد متجزئ، والله واحد لا متجزئ، ولا متوهم بالقلة والكثرة وكل متجزئ او متوهم بالقلة والكثرة، فهو مخلوق دالّ علي خالق له. فقولك: ان الله قدير خبّرت انه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز وجعلتالعجز سواه. وكذلك قولك: عالم انما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه، واذا أفني الله الاشياء أفني الصورة والهجاء والتقطيع، ولا يزال من لم يزل عالماً. فقال الرجل: فكيف سمّينا ربنا سميعاً؟ فقال: لانه لا يخفي عليه ما يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس. وكذلك سمّيناه بصيراً لانه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار، من لون او شخص او غير ذلك، ولم نصفه ببصر لحظة العين. وكذلك سمّيناه لطيفاً لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفي من ذلك، وموضع النشوء منها، والعقل والشهوة للفساد والحدب علي نسلها وإقام بعضها علي بعض، ونقلها الطعام والشراب الي اولادها في الجبال والمفاوز والاودية والقفار، فعلمنا ان خالقها لطيف بلا كيف، وانما الكيفية للمخلوق المكيّف. وكذلك قويّاً لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصاً كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزاً. فربّنا تبارك وتعالي لا شبه له ولا ضدّ ولا ندّ ولاكيف ولانهايةولا تبصار بصر، ومحرّم علي القلوب أن تمثّله، وعلي الأوهام ان تحدّه، وعلي الضمائر ان تكوّنه، جلّ وعز عن أداة خلقه وسمات بريّته، وتعالي عن ذلك علوّاً كبيراً». [231] . [ صفحه 174]

مكافحة الغلو

من الانحرافات الخطيرة التي انتشرت عند البعض الغلو بأهل البيت (عليهم السلام). وقد وقف الائمة من أهل البيت (عليهم السلام) بالمرصاد للمغالين فيهم فردّوهم وأفحموهم وأمروا أتباعهم بالابتعاد عنهم. وقد سار الإمام الجواد (عليه السلام) علي نهج آبائه في هذه المسألة وكان حذراً من نشأة بذور الغلو، كما يظهر ذلك من خلال ترصّده لبعض الممارسات ومن الادلة علي هذا الأمر، ما ذكره المؤرخون عن الحسين بن محمد الاشعري حيث قال: «حدثني شيخ من أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال: كنت مجاوراً بالمدينة مدينة الرسول وكان أبو جعفر (عليه السلام) يجيء في كل يوم مع الزوال الي المسجد فينزل الي الصخرة ويمرّ الي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويسلّم عليه، ويرجع الي بيت فاطمة ويخلع نعله فيقوم فيصلّي فوسوس اليّ الشيطان، فقال: اذا نزل فاذهب حتي تأخذ من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم انتظره لأفعل هذا. فلمّا ان كان في وقت الزوال أقبل (عليه السلام) علي حمار له فلم يزل في الموضع الذي كان ينزل فيه فجازه حتي نزل علي الصخرة التي كانت علي باب المسجد ثم دخل فسلّم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم رجع الي مكانه الذي كان يصلّي فيه ففعل ذلك أياماً فقلت اذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه. فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل علي الصخرة ثم دخل علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) وجاء الي الموضع الذي كان يصلّي فيه ولم يخلعهما ففعل ذلك أياماً فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ههنا ولكن اذهب الي باب الحمّام فاذا دخل اخذت من التراب الذي يطأ عليه فسألت عن الحمّام فقيل لي انه يدخل حمّاماً بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرّضت اليوم الذي يدخل فيه الحمّام، وصرت الي باب الحمّام وجلست الي الطلحي احدِّثه وانا انتظر مجيئه (عليه السلام). [ صفحه 175] فقال الطلحي: ان اردت دخول الحمام فقم فادخل فانه لا يتهيأ لك بعد ساعة، قلت: ولم؟ قال: لان ابن الرضا(عليه السلام) يريد دخول الحمام، قال: قلت: ومَن ابن الرضا؟ قال: رجل من آل محمد(صلي الله عليه وآله) له صلاح وورع، قلت له: ولا يجوز ان يدخل معه الحمام غيره؟ قال: نخلي له الحمام اذا جاء، قال: فبينا انا كذلك إذ أقبل(عليه السلام) ومعه غلمان له، وبين يديه غلام، ومعه حصير حتي ادخله المسلخ، فبسطه ووافي وسلّم ودخل الحجرة علي حماره، ودخل المسلخ، ونزل علي الحصير. فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفته من الصلاح والورع؟ فقال: ياهذا والله ما فعل هذا قط الا في هذا اليوم، فقلت في نفسي: هذا من عملي أنا جنيته، ثم قلت: انتظره حتي يخرج فلعلّي أنال ما أردت إذا خرج. فلمّا خرج وتلبّس دعا بالحمار وأدخل المسلخ، وركب من فوق الحصير وخرج (عليه السلام)، فقلت في نفسي: قد والله آذيته ولا أعود أروم ما رمت منه أبداً وصحّ عزمي علي ذلك. فلمّا كان وقت الزوال من ذلك اليوم أقبل علي حماره حتي نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه في الصحن، فدخل فسلّم علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجاء الي الموضع الذي كان يصلّي فيه في بيت فاطمة(عليها السلام) وخلع نعليه وقام يصلّي» [232] .

تعميق البناء العلمي

اشاره

ومن جملة المجالات التي تحرّك فيها الإمام الجواد (عليه السلام) هو إكماله لبناء الصرح العلمي الذي أشاده الائمة (عليهم السلام) من آبائه الكرام، وفي سياق هذا النشاط نلاحظ إجابته علي الاستفسارات العلمية والاستفتاءات الفقهية التي كانت تستجد [ صفحه 176] للطائفة الشيعية والامة الاسلامية آنذاك. والأهم من ذلك ملاحظة نشاطه في اكمال الأدوات والمنهج العلمي.

اكمال الأدوات والمنهج العلمي

تشكّل القواعد الاُصولية جزءً من المنهج العام لفهم الشريعة واستنباط أحكامها. ونوجز منهجه (عليه السلام) فيمايلي: أ ـ عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلاّ بعد معرفة تفسيرها من الأئمّة (عليهم السلام). فقد روي في الكافي عن الإمام الجواد(عليه السلام) أنه قد روي عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) أنّ رجلاً سأل أباه محمّد الباقر(عليه السلام) عن مسائل، فكان ممّا دار بينهما أن قال: «قل لهم: هل كان فيما أظهر رسول الله (صلي الله عليه وآله) من علم الله ـ عزّ ذكره ـ اختلاف؟ فإن قالوا لا، فقل لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف، فهل خالف رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ فيقولون: نعم، فإن قالوا: لا ; فقد نقضوا أوّل كلامهم ; فقل لهم: ما يعلم تأويله إلاّ الله والرّاسخون في العلم. فإن قالوا: من الرّاسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه. فإن قالوا: فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) صاحب ذلك ـ إلي أن قال ـ: وإن كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم يستخلف في علمه أحداً فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده. قال أيضاً: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلي، إن وجدوا له مفسّراً. قال: وما فسّره رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟ قال: بلي قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للاُمّة شأن ذلك الرجل، وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)» [233] . [ صفحه 177] وقال(عليه السلام) أيضاً: «والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد ; فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم الله عزّوجلّ ; ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأي أنّه مصيب، فقد حكم بحكم الطاغوت» [234] . ب ـ وجوب العمل بأحاديث الأئمّة (عليهم السلام) المنقولة في الكتب المعتمدة. فقد جاء في الكافي أيضاً عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شنبولة، أنّه قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقيّة شديدة، فكتموا كتبهم، ولم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا. فقال (عليه السلام): «حدّثوا بها، فإنّها حقّ» [235] . ج ـ جواز العمل بقول من أجازه الإمام (عليه السلام) في العمل برأيه. فقد جاء في رجال الكشّي: عن خيران الخادم أنّه قال: «وجّهت إلي سيّدي [236] ثمانية دراهم ـ في حديث ـ وقال: قلت: جعلت فداك، إنّه ربّما أتاني الرجل لك قبله الحقّ، أو يعرف موضع الحقّ لك، فيسألني عمّا يعمل به، فيكون مذهبي أخذ ما يتبرّع في سرّ؟ قال: اعمل في ذلك برأيك، فإنّ رأيك رأيي، ومن أطاعك فقد أطاعني» [237] . د ـ عدم جواز الافتاء من دون علم فقد مرّ أنه حينما توفي الإمام الرضا (عليه السلام) كان عمر أبي جعفر (عليه السلام) حينذاك سبع سنين، فاختلفت كلمة الشيعة حوله ببغداد والأمصار فاجتمع وجهاء الشيعة [ صفحه 178] وفقهاؤهم في الموسم ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) فوجدوا في دار جعفر الصادق(عليه السلام) عبد الله بن موسي قد جلس في صدر المجلس وكان يُسأل فيجيب بأجوبة دعتهم الي الحيرة فاضطربوا وهمّوا بالانصراف، واذا بموفّق الخادم يدخل عليهم مع أبي جعفر (عليه السلام) فقاموا اليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه ثم جلس وبدأوا بالسؤال فكان يجيب علي أسئلتهم بالحق. ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له: إن عمّك عبد الله أفتي بكيت وكيت فقال (عليه السلام): لا إله إلاّ الله! ياعمّ! إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك؟!» [238] .

الاجابة علي الاستفتاءات الفقهية والاستفسارات العلمية

لقد أسهمت إجابات الإمام الجواد(عليه السلام) علي الاستفتاءات الفقهية وغيرها من الاستفسارات العلمية في البناء العلمي للجماعة الصالحة ولك أن تلاحظها في النصوص التالية: وقت صلاة الفجر: عن الحصين بن أبي الحصين، قال: «كتبت الي أبي جعفر(عليه السلام): جعلت فداك، اختلف مواليك في صلاة الفجر، فمنهم من يصلّي اذا طلع الفجر الاول المستطيل في السماء، ومنهم مَن يصلي اذا اعترض في أسفل الارض واستبان، ولست اعرف افضل الوقتين فاُصلي فيه. فان رأيت يامولاي جعلني الله فداك ان تعلّمني افضل الوقتين، وتحدّ لي كيف اصنع مع القمر والفجر لأتبين معه حتي يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله. [ صفحه 179] فكتب بخطّه (عليه السلام): «الفجر ـ يرحمك الله ـ الخيط الابيض، وليس هو الأبيض صعداً، ولا تصلّ في سفر، ولا في حضر حتي تتبيّنه ـ رحمك الله ـ، فان الله لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال تعالي: (كلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الاسود من الفجر) [239] فالخيط الابيض هو الفجر الذي يحرم به الأكل والشرب في الصيام، وكذلك هو الذي يوجب الصلاة» [240] . البسملة في الصلاة: عن يحيي بن أبي عمران الهمداني، قال: «كتبت الي أبي جعفر(عليه السلام): جعلت فداك، ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في ام الكتاب، فلمّا صار الي غير اُم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي [241] : ليس بذلك بأس. فكتب بخط يده: يعيدها مرتين علي رغم انفه ـ يعني العباسي ـ [242] . الإكراه في الزواج: جاء في رواية علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعري، قال: «كتب بعض بني عمي الي أبي جعفر الثاني (عليه السلام): ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها، فلمّا كبرت أبت التزويج؟ فكتب بخطه (عليه السلام): «لا تكره علي ذلك، والأمر أمرها» [243] . [ صفحه 180] حكم الوقف: عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي، قال: «كتبت الي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) اسأله عن أرض أوقفها جدّي علي المحتاجين من ولد فلان بن فلان وهم كثير، متفرقون في البلاد؟ فأجاب (عليه السلام): ذكرت الارض التي أوقفها جدك علي فقراء ولد فلان بن فلان وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، وليس لك ان تتبع من كان غائباً» [244] . شهادة الزوج وغير الزوج: عن محمد بن سليمان أنه قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): «كيف صار الزوج اذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله؟ وكيف لا يجوز ذلك لغيره وصار اذا قذفها غير الزوج جلد الحدّ، ولو كان ولداً او أخاً؟ فقال: قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا، فقال: الا تري انه اذا قذف الزوج امرأته، قيل له: وكيف علمت انها فاعلة؟ فان قال: رأيت ذلك منها بعيني، كانت شهادته اربع شهادات بالله، وذلك انه قد يجوز للرجل ان يدخل المدخل في الخلوة التي لا تصلح لغيره ان يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار، فلذلك صارت شهادته اربع شهادات بالله اذا قال: رأيت ذلك بعيني. واذا قال: اني لم اُعاين، صار قاذقاً في حدّ غيره، وضرب الحدّ إلاّ أن يقيم عليها البيّنة، وإن زعم غير الزوج اذا قذف وادّعي أنه رآه بعينه قيل له: وكيفرأيت ذلك؟ وما ادخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك؟ انت متّهم في دعواك، وان كنت صادقاً فأنت في حدّ التهمة، فلا بدّ من أدبك بالحدّ الذي أوجبه الله عليك. [ صفحه 181] قال: وانما صارت شهادة الزوج اربع شهادات بالله لمكان الاربعة شهداء مكان كل شاهد يمين» [245] . إنّ ما ذكر من الامثلة السابقة نماذج لبعض توجهات الإمام الجواد (عليه السلام) وهو تفقيهه لشيعته ومواليه عن طريق مراسلتهم إياه او سؤاله بصورة مباشرة.

تعميق البناء التربوي

اشاره

من المفردات الاساسية التي اهتم بها الإمام الجواد (عليه السلام) هو مسألة بناء الخلق الاسلامي عند الفرد والمجتمع. وقد كان الإمام (عليه السلام) وفي سياق تربية الامة ينقل لهم احاديث اجداده خصوصاً امير المؤمنين (عليه السلام) لما تحتويه من توجيهات تربوية عميقة ومؤثرة وفي هذا المجال سنعتبر كلمات الإمام الجواد (عليه السلام) وما نقله عن اجداده الائمة (عليهم السلام) وطرحه للاُمة مادة لفهم توجهاته التربوية.

الحكمة في العمل

أراد الإمام الجواد (عليه السلام) ان يعلم شيعته ضرورة اعتماد الحكمة في العمل ومراعاة عامل الزمن في اتضاح الاشياء فللامور دورات زمنية ينبغي ان تمرّ بها حتي تكتمل، وعدم الالتفات الي هذا الجانب يفسد العمل ويجهضه قبل استوائه. قال (عليه السلام): «إظهار الشيء قبل ان يستحكم مفسدة له» [246] . كما ان للمحن دورات لا يستطيع المرء ان يتخلص منها قبل انتهاء دورتها الزمنية وهذا الأمر اشبه شيئاً بالدورات المرضية التي لا يمكن تقليل مدتها، وهذا التوجه لا يعني عدم استعمال الوسيلة لإزالة المحن بل العمل مطلوب وهو يسهم [ صفحه 182] بتقليل مدة المحنة وبالتالي ازالتها وإلي هذا المعني اشار الإمام الجواد (عليه السلام) عندما نقل حديثاً عن جده امير المؤمنين (عليه السلام): «قال لقيس بن سعد، وقد قدم عليه من مصر: «ياقيس ان للمحن غايات لا بد ان ينتهي اليها، فيجب علي العاقل ان ينام لها الي إدبارها، فإنّ مكايدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها» [247] . كما انه (عليه السلام) نقل عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) العناصر المساعدة علي اكتمال الأعمال فقال: «اربع خصال تعين المرء علي العمل: الصحة والغني والعلم والتوفيق» [248] .

التعامل مع الظالمين

ركّز الإمام الجواد (عليه السلام) علي ضرورة ابتعاد المسلم عن مجاراة الظالمين والركون اليهم، ودعا الي رفضهم والابتعاد عنهم. فقد روي (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء» [249] . وكذلك ما رواه عنه (عليه السلام): «من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه» [250] . كما انه (عليه السلام) شدّد علي عدم طاعة المنحرفين والاستماع اليهم واعتبر ذلك كالطاعة والاستماع للشيطان. قال (عليه السلام): «من أصغي الي ناطق فقد عبده، فان كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس» [251] . وبلحاظ الرفض الشديد للظالمين والتنديد بهم كان للإمام الجواد (عليه السلام) [ صفحه 183] تفسير مهم لمعني التديّن يتضح من قوله (عليه السلام): «أوحي الله الي بعض الانبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجّلك الراحة، واما انقطاعك اليّ فيعزِّزك بي، ولكن هل عاديتَ لي عدوّاً وواليت لي ولياً» [252] فالدين حسب هذه الرواية، يتحقق بموالاة اولياء الله ومعاداة اعداء الله، وعدم مهادنتهم ومسالمتهم ولإذكاء هذه الروح عند الاُمة كان ينقل حديث جده امير المؤمنين (عليه السلام) عندما قال لأبي ذر: «انما غضبت لله عزوجل فارج من غضبت له، ان القوم خافوك علي دنياهم وخفتهم علي دينك، والله لو كانت السماوات والارضون رتقاً علي عبد، ثم اتقي الله لجعل الله له منها مخرجاً، لا يؤنسنّك إلاّ الحق، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل» [253] .

النشاط الاجتماعي

إن حركة الانسان في المجتمع تشتدّ بمقدار تجذّره وتأثيره في ذلك المجتمع، لذلك توجّه الإمام الجواد (عليه السلام) الي توضيح المفاهيم المتصلة بالنشاط الاسلامي للطليعة المؤمنة، وفيما يأتي نذكر بعضاً من هذه المفاهيم: 1 ـ كلما ترسخ مركز الانسان في المجتمع ازداد توجه الناس اليه وطلبهم منه في قضاء حوائجهم وحل مشاكلهم. روي الإمام الجواد (عليه السلام) عن أجداده عن الإمام علي(عليه السلام): «ما عظمت نعمة الله علي عبد إلاّ عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرّض النعمة للزوال» [254] . 2 ـ بقاء نعمة الانسان واستمرار موقعه في الاُمة مقترن بدرجة إحسانه اليها وخدمته لها، فقد روي الإمام (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ان لله عباداً يخصهم [ صفحه 184] بالنعم، ويقرّها فيهم ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها الي غيرهم» [255] وقال(عليه السلام): «أهل المعروف الي اصطناعه احوج من اهل الحاجة اليه، لأن لهم اجره وفخره وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبنّ شكر ما صنع الي نفسه من غيره» [256] . 3 ـ ضرورة مجازاة المحسن بالشكر، يقول (عليه السلام) راوياً عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، «كفر النعمة داعية المقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك اكثر مما أخذ منك» [257] . 4 ـ كما ان الإمام (عليه السلام) بيّن طرق تحسين العلاقة بين الناس واصول التعامل بين الاصدقاء فقد روي عن جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة، والانطواع والرجوع الي قلب سليم» [258] . وقال (عليه السلام): «لا يفسدك الظنّ علي صديق وقد أصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظ علانية فقد شانه. استصلاح الاخيار باكرامهم، والاشرار بتأديبهم، والمودّة قرابة مستفادة، وكفي بالأجل حرزاً، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان علي الرجل الي ثمانية عشر سنة، فاذا بلغها غلب عليه اكثرهما فيه، وما أنعم الله عزوجل علي عبد نعمة فعلم انها من الله إلاّ كتب الله جلّ اسمه له شكرها قبل ان يحمده عليها، ولا أذنب ذنباً فعلم ان الله مطّلع عليه إن شاء عذبه وان شاء غفر له، الاّ غفر الله له قبل ان يستغفره» [259] . 5 ـ كما شدّد(عليه السلام) علي ضرورة اختيار القرين الصالح لما يورثه من اثر علي [ صفحه 185] المرء، فقد روي(عليه السلام): «فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق اشكال فكل يعمل علي شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت اخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالي: (الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاّ المتقين).» [260] [261] . فاذا حصل المرء علي الاخ المخلص في الله فانه فاز بشيء عظيم وينبغي له مشاورته واستنصاحه. روي الإمام الجواد (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) قال: «بعثني النبي (صلي الله عليه وآله) الي اليمن، فقال لي وهو يوصيني: «ياعلي، ما حار من استخار، ولا ندم من استشار»، وقال(عليه السلام): «من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة» [262] .

وصايا للعاملين

كان الإمام الجواد(عليه السلام) يزرع روح الأمل والصبر في قلوب المؤمنين ليسلّحهم بالسلاح الفاعل عند مقارعتهم للظلم والطغيان وتحركهم ضده. لقد اشار الي يوم يعاقب فيه الظالم عندما ينتصر العدل فينتقم للمظلومين من جوره اشد الانتقام. ان حمل المستضعفين لهذا المفهوم ومعايشتهم اياه يصنع منهم قوة لا تلين وثورة لا تقاوم. روي الإمام الجواد (عليه السلام): «يوم العدل علي الظالم اشد من يوم الجور علي المظلوم» [263] . ولقد روي(عليه السلام) «ان صبر المؤمن علي البلاء من اشد الاسلحة ضد الظالمين» وقال(عليه السلام): «الصبر علي المصيبة مصيبة علي الشامت بها» [264] . كما انه(عليه السلام) روي عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) المنهاج الذي ينبغي ان [ صفحه 186] يلتزم به المؤمنون ليبلغوا غاياتهم السامية. عنه(عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «من وثق بالله أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الاُمور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الاّ مؤمن أمين، والتوكل علي الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو، والدين عزّ، والعلم كنز، والصمت نور، وغاية الزهد الورع، ولاهدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجال من الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البليّة، ومن ركب مركب الصبر اهتدي الي مضمار النصر، ومن عاب عيب، ومن شتم اجيب، ومن غرس اشجار التقي اجتني ثمار المني» [265] .

الحث علي اكتساب العلم

حثّ الإمام الجواد (عليه السلام) علي طلب العلم وبيّن فضل العلماء من خلال أحاديثه ورواياته عن جده أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيما يأتي نماذج من هذه الأحاديث: قال (عليه السلام): «عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة، وهو صلة بين الاخوان، ودليل علي المروّة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر، واُنس في الغربة» [266] . وقال (عليه السلام): «العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع، ومن عرف الحكمة لم يصبر علي الازدياد منها، الجمال في اللسان، والكمال في العقل» [267] . وعنه(عليه السلام) عن علي، قال في كتاب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «ان ابن آدم [ صفحه 187] أشبه شيء بالمعيار، إما راجح بعلم ـ وقال مرة بعقل ـ أو ناقص بجهل» [268] . وقال (عليه السلام): «اقصد العلماء للمحجّة الممسك عند الشبهة، والجدل يورث الرياء، ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، والطامع في وثاق الذلّ، ومن احبّ البقاء فليعدّ للبلاء قلباً صبوراً» [269] . كما انه كان يتألّم لكثرة الجهلاء وابتلاء العلماء بهم وكان يعتبر سبب الاختلاف هو ما يطرحه الجهلاء نتيجة جهلهم، فقد روي عن جده أميرالمؤمنين(عليه السلام):«العلماء غرباء لكثرة الجهّال بينهم» [270] . وقال (عليه السلام): «لو سكت الجاهل ما اختلف الناس» [271] .

الحث علي التوبة

دعا الإمام الي كيفية التوبة الي الله تعالي وبيّن طريقها، فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «التوبة علي أربعة دعائم: ندم القلب، واستغفار باللسان، وعمل بالجوارح، وعزم علي ان لا يعود». «وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة» [272] . كما انه (عليه السلام) اشار الي فوريّتها وحذّر من التسويف بها بقوله: «تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال علي الله هلكة، والاصرار علي الذنب أمنٌ [ صفحه 188] لمكر الله (ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) [273] » [274] .

احكام تنظيم الجماعة الصالحة واعدادها لدور الغيبة

نظام الوكلاء ودقة التحرك

إنّ بناء الجماعة الصالحة وتنظيم شؤونها وتحرّك الائمة (عليهم السلام) من خلالها كان هدفاً أساسيّاً لأهل البيت (عليهم السلام) وقد قاموا بإشادة صرحه منذ عصر الإمام عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) واستمروا بإكمال البناء وتعميق الطرح وتوسيع دائرة العمل حتي عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وابنه الإمام المهدي عجل الله فرجه. لقد كانت رقابة السلطة الحاكمة علي تحرّكات أهل البيت (عليهم السلام) تزيد في ضرورة إكمال الطرح والبناء. وكان لأصحاب الأئمة (عليهم السلام) وتلامذتهم وثقاتهم دور رساليّ في تحقيق بعض أهداف الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وكان لاتّساع دائرة افراد الجماعة الصالحة وتعدد مراكز النشاط والحضور في مختلف حواضر العالم الاسلامي أثر كبير في ايجاد وتوسيع دائرة نظام الوكلاء الذي كان قد أصبح ضرورة من ضرورات عمل الائمة(عليهم السلام) ليساعدهم علي سهولة وسرعة التحرّك والارتباط. كما كان لازدياد الضغط والرقابة عليهم لا سيما في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) بعد قبوله ولاية العهد ثم الإمام الجواد (عليه السلام) أثر بالغ في الاهتمام الكبير بنظام الوكلاء الذي كان يشرف عليه الإمام المعصوم مباشرة، إذا كان الارتباط بالوكلاء بحاجة الي دقة ومراقبة لحراجة الظرف المحيط بالإمام (عليه السلام). [ صفحه 189] إن البحث عن دقة الإمام الجواد (عليه السلام) في التحرك بعد الاعتراف بأنه الإمام المعصوم والقائد الشرعي للاُمة المسلمة الذي ورث العلم والخط الصحيح من آبائه الميامين المنتجبين (عليهم السلام) يكون بحثاً مفروغاً منه. وإنّ دراسة حياة الإمام الجواد (عليه السلام) تكشف للدارس بشكل واضح وجليّ مدي الدقة والمتانة في التحرك عند الإمام (عليه السلام)، فكل مفردة مرتبطة مع نظيرتها ومتجانسة مع ظرفها ومعبرة عن رأي الرسالة في ذلك الموضوع. وعند الحديث عن أساليب العمل عند الإمام (عليه السلام) يَرد هذا الكلام كذلك، وسنذكر لتوضيح هذه القضية نماذج لتبيان المقصد. ومن اُصول التحرّك عند الإمام (عليه السلام) تجاه قواعده الشعبية يمكن ذكر ما يلي:

المراسلات السرية

لا شك في ان الاتصالات كانت جارية بين الإمام وأتباعه إلاّ أن بعضها كان سريّاً وذلك خشية تفشّي أسماء مرسليها إلي الإمام خصوصاً وأن الإمام كان مرصوداً من الداخل عن طريق زوجته. هذا إلي جانب انّ نمطاً معيناً من الرسائل كان يصل الإمام دون ذكر أسماء مرسليها عليها، ولكن الإمام (عليه السلام) كان يستطيع معرفة المرسلين لهذه الرسائل بطريقته الخاصة، ولا نستبعد ان ذلك كان يتم عن طريق وجود رمز معين في هذه الرسائل، هذا اذا لم نحاول تفسير ذلك بعلم الإمام المعصوم بالغيب، باعتبار أنه: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك [275] . قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: «دخلت علي أبي جعفر [ صفحه 190] الثاني(عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك، فتناول إحداهن وقال: هذه رقعة ريّان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة محمد بن حمزة وتناول الثالثة وقال: هذه رقعة فلان فبهت فنظر اليّ وتبسّم(عليه السلام)» [276] . وقد اُحصيت مكاتبات الإمام الجواد(عليه السلام) ـ بحسب ما جاء في موسوعة الإمام الجواد(عليه السلام) ـ فبلغت اثنين وسبعين مكاتبة [277] .

الإحاطة بدقائق الامور الاجتماعية

لم يكن الإمام (عليه السلام) بمنأي وبمعزل عن مجتمعه، بل كان حاضراً دائماً بين الناس يعيش احتياجاتهم وتطلّعاتهم. وهناك أمثلة كثيرة تعكس مثل هذا التوجه عند الأئمة (عليهم السلام). والإمام الجواد (عليه السلام) ينطبق عليه ما ينطبق علي أجداده ومن ذلك هذا المثال: جاء في تكملة الرواية السابقة ان داود بن القاسم الجعفري قال: وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرّة وأمرني أن أحملها إلي بعض بني عمّه وقال: «أما انه سيقول لك دلّني علي حرّيف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه. قال: فأتيته بالدنانير فقال لي: يا أبا هاشم دلّني علي حرّيف يشتري لي بها متاعاً. ففعلت» [278] . يتضح من هذا المثال أنّ الإمام (عليه السلام) كان يتتبع الاحتياجات ويسعي الي سدّها. [ صفحه 191]

متابعة تربية الأفراد

ومن الاُمور التي تصدّي لها الإمام الجواد(عليه السلام) اهتمامه بتربية أتباعه وشيعته ومتابعته لتربيتهم، ومن الأمثلة علي ذلك موقفه من الشاعر المعروف دعبل الخزاعي. فعن دعبل بن علي: «انه دخل علي الرضا(عليه السلام) فأمر له بشيء فأخذه ولم يحمد الله، فقال له: لِمَ لَمْ تحمد الله؟ قال: ثم دخلت علي أبي جعفر فأمر له بشيء فقلت: الحمد لله. فقال: تأدّبت» [279] . إنّ هذا المثال يكشف عن تتبّع الإمام(عليه السلام) لسلوك أتباعه واهتمامه بتكاملهم الثقافي والروحي.

التمهيد لإمامة علي الهادي المبكرة

من المهام التي اشترك فيها الائمة (عليهم السلام) دعوتهم الي الإمام الآتي بعدهم. وقد سار الإمام الجواد (عليه السلام) علي منهج آبائه في قضية الدعوة الي الإمام القادم بعده وترسيخ ذلك عند الطليعة المؤمنة من الاُمة، وفيما يأتي أمثلة علي هذا الأمر عند الإمام (عليه السلام): أ ـ عن الخيراني عن أبيه انه قال: كنت الزم باب أبي جعفر (عليه السلام) للخدمة التي وُكّلت بها، وكان احمد بن محمد بن عيسي الاشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علّة أبي جعفر (عليه السلام)، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به. [ صفحه 192] قال الخيراني: فخرج ذات ليلة وقام أحمد بن محمد بن عيسي عن المجلس، وخلا بي الرسول، واستدار احمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول: ان مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: «اني ماض، والأمر صائر الي ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي». ثم مضي الرسول ورجع احمد الي موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك؟ قلتُ: خيراً، قد سمعتُ ما قال، وأعادَ عليّ ما سمع، فقلتُ له: قد حرّم الله عليك ما فعلتَ، لان الله تعالي يقول: (ولا تجسّسوا) [280] ، فاذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلّنا نحتاج اليها يوماً ما، واياك ان تظهرها الي وقتها. قال: واصبحتُ وكتبتُ نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها الي عشرة من وجوه أصحابنا، وقلتُ: إن حدث بي حدثُ الموت قبل ان اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها. فلمّا مضي أبو جعفر (عليه السلام) لم اخرج من منزلي حتي عرفتُ أن رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج [281] يتفاوضون في الأمر. وكتب اليّ محمد ابن الفرج يُعلِمُني باجتماعهم عنده ويقول: لولا مخافةُ الشهرة لصرتُ معهم اليك، فاُحِبّ أنْ تركب اليّ. فركبتُ وصرتُ اليه، فوجدتُ القومَ مجتمعين عنده، فتجارينا في الباب، فوجدت اكثرهم قد شكّوا، فقلتُ لمن عنده الرقاع ـ وهم حضور ـ: أخرجوا تلك الرقاع، فأخرجوها، فقلت لهم: هذا ما امرتُ به. فقال بعضهم: قد كنّا نحبّ ان يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكّد القول. فقلتُ لهم: قد أتاكم الله بما تحبّون، هذا أبو جعفر الاشعري يشهد لي [ صفحه 193] بسماع هذه الرسالة فاسألوه، فسأله القوم فتوقّف عن الشهادة، فدعوته الي المباهلة، فخاف منها، وقال: قد سمعتُ ذلك، وهي مكرمةٌ كنتُ اُحبُّ ان تكون لرجل من العرب، فأما مع المباهلة فلا طريق الي كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتي سلّموا لأبي الحسن (عليه السلام) [282] . ب ـ عن اسماعيل بن مهران، قال: «لمّا خرج أبو جعفر(عليه السلام) من المدينة الي بغداد في الدفعة الاُولي من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جُعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلي من الأمر بعدك؟ فكرّ بوجهه اليّ ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننتَ في هذه السنة، فلمّا اُخرج به الثانية الي المعتصم صرت اليه، فقلتُ له: جُعلت فداك أنت خارج، فإلي من هذا الأمر من بعدك؟ فبكي حتي اخضلّت لحيته، ثم التفت اليّ، فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي إلي ابني علي» [283] . ج ـ عن محمد بن الحسين الواسطي انه سمع احمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر يحكي انه اشهده علي هذه الوصية المنسوخة: «شهد أحمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أشهده أنه أوصي الي علي ابنه بنفسه وإخوانه وجعل أمر موسي [284] إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائماً علي تركته من الضياع والاموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلي أن يبلغ علي بن محمد، صيّر عبد الله بن المساور ذلك اليوم اليه، يقوم بأمر نفسه، وإخوانه ويصيّر أمر موسي اليه، يقوم لنفسه بعدهما علي شرط أبيهما [ صفحه 194] في صدقاته التي تصدق بها وذلك يوم الاحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطّه وشهد الحسن بن محمد ابن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو الجوّاني علي مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده» [285] . قال الطبرسي بعد نقل هذه النصوص الثلاثة: والأخبار في هذا الباب كثيرة، وفي إجماع العصابة علي إمامته وعدم من يدّعي فيه إمامة غيره غناء عن إيراد الأخبار في ذلك، هذا وضرورة أئمتنا (عليهم السلام) في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيّتهم منهم اُحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم علي من بعدهم الي ما ذكرناه من الاستخراج حتي أنّ أوكد الوجوه في ذلك عندهم دلائل العقول الموجبة للامامة وما اقترن الي ذلك من حصولها في ولد الحسين (عليه السلام)، وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة وبالله التوفيق [286] .

الإمام الجواد وقضية الإمام المهدي

قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه من القضايا الاساسية في المسيرة الاسلامية والمتتبع لآثار الرسول (صلي الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لا يجد أحداً منهم غفل عن الدعوة اليها أو تجاهلها. وعلي هذا المنهج سار الإمام الجواد (عليه السلام) فطرح قضية المهدي (عج) علي الاُمة قاصداً من ذلك تركيز هذا المفهوم في أذهانها من جهة وإعدادها لاستقبال يومه من جهة ثانية، ونذكر فيما يأتي نماذج من هذه الدعوة: [ صفحه 195] 1 ـ عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (رضي الله عنه) قال: «قلت لمحمد بن علي ابن موسي (عليهم السلام): يامولاي! اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فقال (عليه السلام): ما منّا الا قائم بأمر الله، وهاد الي دين الله. ولكن القائم الذي يطهّر الله به الأرض من اهل الكفر والجحود ويملأها قسطاً وعدلاً هو الذي يخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله وكنيته، وهو الذي تطوي له الارض، ويذل له كل صعب، يجتمع اليه من أصحابه عدّة أهل بدر: (ثلاثمائة وثلاثة عشر) رجلاً من أقاصي الارض وذلك قول الله عزوجل: (اينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله علي كل شيء قدير) [287] فاذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الاخلاص، أظهر الله أمره، فاذا كمل له العقد وهو (عشرة آلاف) رجل، خرج باذن الله تعالي، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله عزوجل» [288] . 2 ـ عن أبي تراب عبد الله موسي الروياني، قال: حدثنا عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) الحسني قال: «دخلت علي سيدي محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام) وانا اريد ان اسأله عن القائم أهو المهدي او غيره فابتدأني فقال لي: [ صفحه 196] ياأبا القاسم إن القائم منّا هو المهدي الذي يجب ان ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمداً (صلي الله عليه وآله) بالنبوّة وخصّنا بالإمامة، انه لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتي يخرج فيه فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وإنّ الله تبارك وتعالي ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسي (عليه السلام) اذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسولٌ نبيٌ، ثم قال (عليه السلام): أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج» [289] . 3 ـ عن حمدان بن سليمان قال: حدّثنا الصقر ابن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يقول: «إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت. فقلت له: ياابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي (عليه السلام) بكاءً شديداً، ثم قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له: ياابن رسول الله لم سمّي القائم؟ قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟ قال: لأنّ له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذّب بها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون.» [290] . [ صفحه 197]

مدرسة الإمام الجواد وتراثه

اصحاب الإمام الجواد

اشاره

حفَّ جمهور كبير من العلماء والرواة بالامام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وهم يقتبسون من نمير علومه التي ورثها عن جده رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكانوا يدوّنون أحاديثه وكلماته وما كان يدلي به من روائع الحكم والآداب. ولهؤلاء الأعلام يرجع الفضل في تدوين ذلك التراث القيم الذي يعد من ذخائر الثروات الفكرية في الاسلام. لقد عمل أصحاب الائمة (عليهم السلام) بوحي من عقيدتهم الدينية التي ألزمتهم بالحفاظ علي أحاديث الائمة الاطهار وتدوينها، والتي يرجع اليها فقهاء الإمامية في استنباطهم للأحكام الشرعية، ولولاها لما كان لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هذا الفقه المتطور والعظيم الذي اعترف بأصالته وعمقه جميع رجال الفكر والقانون في العالم الاسلامي بل الانساني. وما يدعو الي الاعتزاز بأصحاب الائمة (عليهم السلام) هو أنهم جهدوا علي ملازمة الائمة (عليهم السلام) وتدوين أحاديثهم في وقت كان من أعسر الاوقات وأشدها حراجة وأعظمها ضيقاً، فقد ضربت الحكومات الجائرة العباسية والأموية معاً الحصار الشديد علي الأئمة (عليهم السلام) ومنعت من الاتصال بهم لئلا تتبعهم الجماهير. [ صفحه 198] وقد بلغ التضييق علي العلماء والرواة من أصحاب الائمة حدّاً بحيث كانوا لا يستطيعون ان يجهروا باسم الإمام الذي أخذوا عنه، وإنّما كانوا يلمّحون إليه ببعض أوصافه وسماته من دون التصريح باسمه خشية القتل أو السجن. ونظراً للحصار الأمني الذي كانت السلطة العباسية تفرضه علي الإمام الجواد (عليه السلام)، فقد أوعز (عليه السلام) لأصحابه بالتحرك في المجالات التي تتعسر عليه الحركة فيها. ومن المجالات الأساسية التي تكتشف تحرّكات الإمام الجواد (عليه السلام) من خلالها هي تحرّكات أصحابه الذين ما كانوا يصدرون إلاّ عنه، وذلك بحكم طاعتهم له وقبولهم لإرشاداته. والسبب في ذكرنا لأصحاب الإمام الجواد، هو أن نشاطاتهم العلمية والفكرية تعبّر عن توجهات الطليعة الواعية آنذاك تحت قيادة الإمام (عليه السلام). وفيما يلي نستعرض طائفة من هؤلاء الأصحاب الرواة الذين يعبّرون بصدق عن مدي نشاط وسعة مدرسة الإمام الجواد(عليه السلام).

الحسين بن سعيد الاهوازي

ابن حمّاد الاهوازي، ثقة، روي عن الإمام الرضا(عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام) وأبي الحسن الثالث. [291] وهو الإمام علي الهادي(عليه السلام).

اخوه الحسن بن سعيد الأهوازي

من اصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) والإمام الجواد [292] . لقد اشترك عمل الحسن والحسين الأهوازيان في التحرك مع الإمام [ صفحه 199] الرضا (عليه السلام) ثم مع الإمام الجواد (عليه السلام) كما اشتركا في التصنيف وكان لهما دور في هداية بعض الأفراد. كان الحسن بن سعيد هو الذي أدخل اسحاق بن ابراهيم الحضيني وعلي بن الريان بعد اسحاق الي الرضا (عليه السلام)، وكان سبب معرفتهم لهذا الأمر أعني مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، ومنه سمعوا الحديث وبه عرفوا، وكذلك فعل بعبد الله بن محمد الحضيني وغيرهم حتي جرت الخدمة علي أيديهم وصنّفا الكتب الكثيرة، ويقال ان الحسن صنف خمسين تصنيفاً. [293] . ويقول شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) عند حديثه عن الحسين الأهوازي: ثقة روي عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث (عليهم السلام) وأصله كوفي وانتقل مع أخيه الحسن (رضي الله عنه) الي الاهواز ثم تحوّل الي قم فنزل علي الحسن ابن أبان وتوفي بقم، وله ثلاثون كتاباً وهي: 1 ـ كتاب الوضوء 2 ـ كتاب الصلاة 3 ـ كتاب الزكاة 4 ـ كتاب الصوم 5 ـ كتاب الحج 6 ـ كتاب النكاح والطلاق 7 ـ كتاب الوصايا 8 ـ كتاب الفرائض 9 ـ كتاب التجارات 10 ـ كتاب الاجارات 11 ـ كتاب الشهادات 2 ـ كتاب المناقب 13 ـ كتاب الايمان والنذوروالكفارات 14 ـ كتاب البشارات 15 ـ كتاب الحدود والديات 16 ـ كتاب الزهد 17 ـ كتاب الاشربة 18ـ كتاب المكاسب 19ـ كتاب التقية 20 ـ كتاب الخمس 21 ـ كتاب المروة والتجمل 22 ـ كتاب الصيد والذبائح 23 ـ كتاب المثالب 24 ـ كتاب التفسير 25 ـ كتاب المؤمن 26 ـ كتاب الملاحم 27 ـ كتاب المزار 28ـ كتاب الردعلي الغالية 29 ـ كتاب الدعاء 30 ـ كتاب العتق والتدبير [294] . [ صفحه 200]

محمد بن اسماعيل

اشاره

ابن بزيع، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد (عليهما السلام) [295] وكان من خيار أصحاب الائمة (عليه السلام) في ورعه وتقواه، ونتحدث ـ بايجاز ـ عن بعض شؤونه:

اتصاله بالامام الرضا

اتصل محمد بالإمام الرضا (عليه السلام) اتصالاً وثيقاً فكان (عليه السلام) ينظر اليه بعين الإكبار والتقدير، وقد رُوي أن الإمام الرضا (عليه السلام) عندما ذكر عنده قال (عليه السلام): «وددت أنّ فيكم مثله» [296] .

مع الإمام الجواد

واتّصل محمد بن اسماعيل بالإمام الجواد(عليه السلام) اتّصالاً وثيقاً، فقد روي عنه بعض الاحاديث المتعلقة بأحكام الشريعة، وقد سأل الإمام أن يأمر له بقميص من قمصه ليجعله كفناً له فبعث اليه الإمام(عليه السلام) بذلك [297] .

احمد بن أبي عبد الله البرقي

أبو جعفر بن محمد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمد بن علي البرقي وقد عدّه الشيخ الطوسي في كتاب رجاله تارة من اصحاب الجواد (عليه السلام) بعنوان احمد بن محمد بن خالد البرقي واُخري من اصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) بعنوان احمد بن أبي عبد الله البرقي. [298] . ومن الآثار الخالدة لهذا العلامة الكبير كتابه المحاسن. فلقد كان كتابه هذا مرجعاً لعلماء التاريخ والجغرافيا والتراجم كما كان مرجعاً لعلماء الحديث ومنه [ صفحه 201] نعرف عظمته وسعة علمه وسعة روايته واطلاعه وانه من اعاظم علماء الشيعة وثقات رجال الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام) [299] .

علي بن مهزيار

اشاره

من ألمع أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن مشاهير علماء عصره فضلاً وتقوي ونلمح الي بعض شؤونه:

اسلامه

كان علي بن مهزيار ينتحل المسيحية، فهداه الله الي الإيمان بالاسلام فأسلم وأخلص في اسلامه كأشدّ مايكون الاخلاص. [300] .

عبادته

ولم ير مثل علي بن مهزيار في طاعته وتقواه، وبلغ من عبادته انه اذا طلعت الشمس سجد لله فلا يرفع رأسه من السجود حتي يدعو لألف رجل من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه، وكان علي جبهته مثل ركبة البعير [301] من كثرة السجود. وثاقته في الرواية: أجمع المترجمون له علي وثاقته في الرواية فقد قال النجاشي: كان ثقة في روايته لا يطعن عليه [302] .

مؤلفاته

ألّف مجموعة كبيرة من الكتب تدل علي سعة علومه ومعارفه، ومن بينها: [ صفحه 202] 1 ـ كتاب الوضوء 2 ـ كتاب الصلاة 3 ـ كتاب الزكاة 4 ـ كتاب الصوم 5 ـ كتاب الحج 6 ـ كتاب الطلاق 7 ـ كتاب الحدود 8 ـ كتاب الديات 9 ـ كتاب التفسير 10 ـ كتاب الفضائل 11 ـ كتاب العتق والتدبير 12 ـ كتاب المكاسب 13 ـ كتاب المثالب 14 ـ كتاب الدعاء 15 ـ كتاب التجمل والمروة 16 ـ كتاب المزار 17 ـ كتاب الردّ علي الغلاة 18 ـ كتاب الوصايا 19 ـ كتاب المواريث 20 ـ كتاب الخمس 21 ـ كتاب الشهادات 22 ـ كتاب فضائل المؤمنين وبرّهم 23 ـ كتاب الملاحم 24 ـ كتاب التقية 25 ـ كتاب الصيد والذبائح 26 ـ كتاب الزهد 27 ـ كتاب الأشربة 28 ـ كتاب النذور والايمان والكفارات 29 ـ كتاب الحروف 30 ـ كتاب القائم 31 ـ كتاب البشارات 32 ـ كتاب الأنبياء 33 ـ كتاب النوادر 34 ـ رسائل علي بن أسباط. [303] . هذه المؤلفات تتنوّع بين فروع الفقه والعقيدة والتفسير والأخلاق علي أن معظمها في الفقه الاسلامي وهي تدلّ علي أنه كان من كبار الفقهاء في الاسلام.

رسائل الإمام الجواد إليه

وبعث الإمام الجواد (عليه السلام) الي علي بن مهزيار عدة رسائل تكشف عن شدة صلته بالإمام (عليه السلام) وسموّ منزلته ومكانته عنده، ومن بين هذه الرسائل: أ ـ «قد وصل اليّ كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وقد ملأتني سروراً، فسرّك الله، [ صفحه 203] وأنا ارجو من الكافي الدافع ان يكفيك كيد كل كائد ان شاء الله تعالي» [304] . ودلت هذه الرسالة علي قيام علي بن مهزيار بخدمة الإمام (عليه السلام) وقد ملأت قلبه الشريف فرحاً فراح يدعو له بأن يجزل له الله تعالي الأجر والثواب. ب ـ «قد فهمت ما ذكرت من أمر القمّيين ـ خلصهم الله وفرّج عنهم ـ وسررتني بما ذكرت من ذلك، ولم تزل تفعل، سرّك الله بالجنة، ورضي عنك، برضائي عنك، وأنا ارجو من الله العفو والرأفة، وأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل» [305] . وهذه الرسالة كشفت عن إنقاذ ابن مهزيار للقميّين من محنة كانوا فيها مما أوجب سرور الإمام ودعائه له بالفوز بالفردوس الاعلي. ج ـ «فأشخص الي منزلك صيّرك الله الي خير منزل في دنياك وآخرتك» [306] . لقد أمره الإمام (عليه السلام) بالشخوص الي منزله بعد ما أدي ما عليه من الخدمة للإمام (عليه السلام). د ـ «وأسأل الله أن يحفظك من بين يديك، ومن خلفك، وفي كل حالاتك فابشر فإني ارجو ان يدفع الله عنك، واسأل الله ان يجعل لك الخيرة فيما عزم لك به عليه من الشخوص في يوم الأحد، فأخر ذلك الي يوم الاثنين إن شاء الله، صحبك الله في سفرك، وخلفك في اهلك، وأدي عنك أمانتك، وسلمت بقدرته» [307] . هـ ـ وكتب ابن مهزيار الي الإمام (عليه السلام) يسأله التوسعة عليه وتحليله لما في يده من مال للامام فأجابه (عليه السلام): «وسع الله عليك، ولمن سألت له التوسعة في أهلك وأهل بيتك، ولك ياعلي عندي [ صفحه 204] اكثر من التوسعة، وأنا اسأل الله ان يصحبك بالتوسعة والعافية، ويقدّمك علي العافية، ويسترك بالعافية انه سميع الدعاء» [308] . وقد أجاز الإمام (عليه السلام) بما طلبه من المال ودعا له بأخلص الدعاء. و ـ وكتب علي بن مهزيار الي الإمام (عليه السلام) يطلب منه الدعاء له فأجابه (عليه السلام): «وأما ما سألت من الدعاء فانك بعد لست تدري كيف جعلك الله عندي وربما سمّيتك باسمك ونسبك، مع كثرة عنايتي بك ومحبتي لك ومعرفتي بما انت عليه فأدام الله لك افضل ما رزقك من ذلك ورضي عنك، وبلغك افضل نيتك، وأنزلك الفردوس الاعلي برحمته انه سميع الدعاء، حفظك الله وتولاك، ودفع عنك السوء برحمته، وكتبت بخطي» [309] . ز ـ «ياعلي أحسن الله جزاك، وأسكنك جنّته، ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا، ياعلي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير، والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: اني لم أر مثلك لرجوت ان اكون صادقاً، فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً، وما خفي عليّ مقامك، ولا خدمتك في الحرّ والبرد، والليل والنهار، فأسأل الله اذا جمع الخلائق للقيامة ان يحبوك برحمة تغتبط انه سميع الدعاء» [310] . وهكذا تعطي رسائل الإمام (عليه السلام) لعلي بن مهزيار صورة مشرقة عن سمّو منزلته وعظيم مكانته عند الإمام (عليه السلام) وانه نسخة لا ثاني لها في تقواه وورعه.

صفوان بن يحيي

هو صفوان بن يحيي أبو محمد البجلي بياع السابري، [ صفحه 205] كوفي، ثقة، ثقة عين، روي أبوه عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروي هو عن الرضا (عليه السلام) وكانت له عنده منزلة شريفة ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسي (عليه السلام) وقد توكل للرضا وأبي جعفر (عليه السلام) وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً وكان شريكاً لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان وروي انهم تعاقدوا في بيت الله الحرام انه من مات منهم صلي من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكّي عنه زكاته فماتا وبقي صفوان فكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة ويصوم في السنة ثلاثة اشهر ويزكي ثلاث دفعات وكل ما يتبرع به عن نفسه ما عدا ما ذكرناه تبرع عنهما ما مثله. وحكي أصحابنا أنّ إنساناً كلفه حمل دينارين الي اهله الي الكوفة فقال: إن جمالي مكرية وأنا استأذن الاجراء. وكان من الورع والعبادة علي ما لم يكن عليه أحد من طبقته (رحمه الله) وصنف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا يعرف منها الآن: 1 ـ كتاب الوضوء 2 ـ كتاب الصلاة 3 ـ كتاب الحج 4 ـ كتاب الزكاة 5 ـ كتاب النكاح 6 ـ كتاب الطلاق 7 ـ كتاب الفرائض 8 ـ كتاب الوصايا 9 ـ كتاب الشري والبيع 10 ـ كتاب العتق والتدبير 11 ـ كتاب البشارات والنوادر مات صفوان بن يحيي (رحمه الله) سنة عشرة ومائتين» [311] . وترحّم عليه الإمام الجواد (عليه السلام) وشهد له بأنه كان من حزب آبائه الكرام وهو حزب الله المفلحون. [ صفحه 206]

عبد الله بن الصلت

هو عبد الله بن الصلت أبو طالب القمي مولي بني تيم اللات ابن تغلبة. حمدان بن احمد النهدي قال: حدثنا أبو طالب القمي قال: كتبت الي أبي جعفر ابن الرضا يأذن لي أن أندب أبا الحسن ـ أعني أباه ـ فقال: فكتب اليّ «اندبني واندب أبي» [312] .

علي بن اسباط

هو علي بن اسباط بن سالم الكندي بياع الزطي كوفي، قال الكشي انه كان فطحياً ولعلي بن مهزيار اليه رسالة في النقض عليه مقدار جزء صغير، وقال النجاشي انه كان فطحياً جري بينه وبين علي بن مهزيار رسائل في ذلك، فرجعوا فيها الي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فرجع علي بن اسباط عن ذلك القول وقد روي عن الرضا (عليه السلام) من قبل ذلك وكان ثقة أوثق الناس وأصدقهم لهجة فأنا اعمد علي روايته، له اصل وروايات [313] . من كتبه: 1 ـ كتاب الدلائل 2 ـ كتاب التفسير 3 ـ كتاب المزار 4 ـ كتاب نوادر مشهور [314] .

ابراهيم بن أبي محمود الخراساني

من ثقاة الرواة عن الإمام الجواد (عليه السلام)، كما ذكر الكشي في رجاله، وقد روي عن الإمام موسي الكاظم وعلي بن موسي الرضا (عليهما السلام). [ صفحه 207]

ابراهيم بن محمد الهمداني

من الرجال الاجلاء، وقد روي عن الإمام الجواد وأبيه الرضا وولده الهادي (عليهم السلام).

احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الكوفي

كان عظيم المنزلة عند الإمام الجواد (عليه السلام) وأبيه الرضا (عليه السلام) كما كان جليل القدر.

احمد بن معافي

من أصحاب الجواد (عليه السلام).

جعفر بن محمد بن يونس الأحول

من اصحاب الجواد وأبيه وولده (عليهم السلام).

الحسين بن بشار المدايني

من أصحاب الجواد وابيه وجده (عليهم السلام).

الحكم بن علياء الاسدي

من أصحاب الجواد (عليه السلام).

حمزة بن يعلي الاشعري أبو يعلي القمي

كان ثقة ووجه، روي عن الجواد وأبيه (عليهما السلام).

داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

يكني أبا هاشم الجعفري، من اهل بغداد. جليل القدر ثقة عظيم المنزلة عند الائمة (عليهم السلام). صاحب الإمام الجواد (عليه السلام) وروي عنه كما روي عن ولده الهادي وحفيده العسكري (عليهم السلام).

صالح بن محمد الهمداني

من أصحاب الجواد (عليه السلام) وولده الهادي (عليه السلام).

عبد الجبار بن المبارك النهاوندي

من أصحاب الجواد (عليه السلام) وأبيه (عليه السلام).

عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب

يكني بأبي القاسم، كان عابداً ورعاً من خواص أصحاب الإمام [ صفحه 208] الجواد (عليه السلام)، وصاحب ولده الإمام الهادي (عليه السلام) وحفيده العسكري (عليه السلام) وقد عدّ الإمام الهادي (عليه السلام) زيارة قبره كفضل زيارة قبر الحسين (عليه السلام).

عثمان بن سعيد العمري

يكني أبا عمرو والسمّان ويقال له: الزيات الأسدي. ثقة جليل القدر من أصحاب الجواد (عليه السلام)، عاصر الإمام العسكري (عليه السلام) وصار له وكيلاً.

علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين

كان شديد الورع، كثير الفضل، جليل القدر. روي كثيراً عن الائمة (عليه السلام). صاحب الجواد ومن قبله الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام).

علي بن بلال البغدادي

من اصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) فحسب.

الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الازدي النيسابوري

كان ثقة جليلاً فقيهاً متكلماً. ترحم عليه الإمام العسكري (عليه السلام)، روي عن الإمام الجواد (عليه السلام)، وذكر انه روي عن الرضا (عليه السلام).

محمد بن عبد الجبار

وهو ابن أبي الصّهبان «قمي» من أصحاب الجواد وولده الهادي وحفيده العسكري (عليهم السلام).

ابو علي محمد بن عيسي بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري

شيخ القميين روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) وسمع من الإمام الرضا (عليه السلام).

نوح بن شعيب البغدادي

كان فقيهاً عالماً صالحاً مرضياً وهو من أصحاب الجواد (عليه السلام).

يعقوب بن اسحاق السكيت (أبو يوسف)

كان عالماً باللغة، من خواص الإمام الجواد (عليه السلام)، ومُقدماً عنده، وكان كذلك عند الإمام الهادي (عليه السلام)، قتله المتوكل لتشيعه لأهل البيت (عليهم السلام). [ صفحه 209]

ابو يوسف الكاتب يعقوب بن يزيد بن حماد الأنباري

ثقة صدوق. روي عن الإمام الجواد، وكان من أصحاب أبيه (عليه السلام) قبله.

ابو الحصين بن الحضين الحضيني

من أصحاب الجواد (عليه السلام) وولده الهادي (عليه السلام). وقد أحصي الشيخ العطاردي صاحب مسند الإمام الجواد (عليه السلام) مئةً وواحداً وعشرين راوياً من رواة أحاديث الإمام الجواد (عليه السلام) بما فيهم أصحابه ووكلاؤه وخواصّه الذين يشكّلون طائفة من كبار الفقهاء ووجهاء الطالبيين والطالبيّات وشعراء الإمام ومن حظي بخدمة الإمام (عليه السلام) في زمن أبيه الرضا (عليه السلام) وبعده وهو عصر الإمام الجواد (عليه السلام). بينما أحصي السيد محمد كاظم القزويني في كتابه، الإمام الجواد من المهد الي اللحد (275) شخصاً من الرجال والنساء تحت عنوان: أصحاب الإمام الجواد(عليه السلام). لقد شكل الإمام الجواد (عليه السلام) تياراً من الأصحاب المخلصين لرسالته كرواة حديث وفقهاء ومتكلمين ودعاة للفضيلة والاصلاح في الامة وروّاد للتغيير في الأوضاع المتردية للمجتمع الإسلامي وقتذاك. وهكذا أسدي الإمام محمد الجواد (عليه السلام) للإسلام وحركته العظمي كل ما كان بمقدوره أن يسديه من خدمات جليلة في ظل الفرص والامكانات المتاحة، والمعوقات التي فرضها الواقع الموضوعي ومع الرعاية التامة لمتطلبات الحكمة. وقد تمّ للإمام (عليه السلام) ما أراد فيما كان لتلاميذه دور ايجابي فاعل في نشر الفضيلة والحق والمعروف والهدي بين الناس من خلال رواياتهم وارشاداتهم ومؤلفاتهم الجليلة. [ صفحه 210]

تراث الإمام الجواد

اشاره

بالرغم من قصر المدة التي عاشها الإمام محمد الجواد (عليه السلام) وهي خمسة وعشرون سنة منذ ولادته وحتي استشهاده، وهو أقصر عمر نراه في أعمار الأئمة الأثني عشر (عليهم السلام) من أهل بيت رسول الله (صلي الله عليه وآله)، إلاّ أنّ التراث الذي وصل إلينا إذا قارنّاه بالظروف التي أحاطت بالإمام (عليه السلام) وبشيعته وقارنّاه بأعمار من سبقه من آبائه الكرام والتي يبلغ معدّلها ضعف عمر هذا الإمام العظيم، نجده غنيّاً من حيث تنوّع مجالاته، ومن حيث سموّ المستوي العلمي المطروح في نصوصه وحجمه، ومن حيث دلالاته التي تعتبر تحدّياً صارخاً عند ملاحظة صدور هذا التراث من مثل هذا الإمام الذي بدأ بالإشعاع والعطاء منذ ولادته وحتي سِنيّ إمامته وهو لم يبلغ عقداً واحداً من العمر. وقد أشرنا الي جوانب من هذا التراث في بحوث سابقة وذكرنا نماذج منه. وبقي علينا أن نشير الي جوانب اُخري من هذا التراث العظيم إكمالاً للفائدة وإتماماً للحديث عن هذا الجانب المغمور من جوانب حياة هذا الإمام العظيم.

من تراثه التفسيري

أ ـ عن داود بن قاسم الجعفري قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جُعلت فداك ما الصمد؟ قال: السيد المصمود إليه في القليل والكثير». [315] . ب ـ عن أبي هاشم الجعفري قال: «سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ما معني [ صفحه 211] الواحد؟ قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد كما قال الله عزّوجل: (ولئن سئلتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله)» [316] . ج ـ عن جعفر بن محمد الصوفي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وقلت له: يا ابن رسول الله لم سمّي النبيّ الاُميّ؟ لأنه لم يكتب؟ فقال: كذبوا عليهم لعنة الله أنّي يكون ذلك والله تبارك وتعالي يقول في محكم كتابه: (هو الذي بعث في الاُميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة) فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن؟! والله لقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو بثلاثة وسبعين لساناً، وإنّما سُمّي الاُميّ لأنه كان من أهل مكة، ومكة من اُمّهات القري، وذلك قول الله تعالي في كتابه: (لتنذر اُمّ القري ومن حولها)» [317] . ولا بد أن نشير هنا الي أن الإمام (عليه السلام) قد أعطي من خلال هذه النماذج صورة مصداقية لفهم المصطلحات والمفاهيم القرآنية من خلال القرآن نفسه وهو المنهج الذي عرف فيما بعد بتفسير القرآن بالقرآن. ثم إنّ هذا المعني للاُمّي لا ينفي عدم تعلّم النبي للقراءة والكتابة من أحد والذي يشكّل نقطة إعجازية في حياته (صلي الله عليه وآله)، وفي عدم تعلّمه من أحد واتصافه بأعلي مستويات المقدرة علي التعليم دليل قاطع علي ارتباطه بالله العليم المعلم للانسان ما لم يعلم. د ـ وعن عمرو بن أبي المقدام قال: «سمعت أبا الحسن وأبا جعفر (عليه السلام) يقول في هذه الآية: (ولا يعصينك في معروف) قال: إنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): إذا أنا مُتّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة، ثم قال: هذا المعروف الذي قال الله عزّوجلّ في كتابه: [ صفحه 212] (ولايعصينك في معروف).» [318] . هـ ـ وروي في الكافي عن أبي جعفر الجواد (عليه السلام) قال: «قال الله عزوجل في ليلة القدر: (فيها يفرق كل أمر حكيم) يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم. والمحكم ليس بشيئين، إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزّوجلّ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأي أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت. إنه لينزل في ليلة القدر إلي وليّ الأمر تفسير الاُمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا. وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوي ذلك كلّ يوم علم الله عزّوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون، مثل ماينزل في تلك الليلة من الأمر. ثمّ قرأ: (ولو أ نّما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر مانفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم)» [319] .

من تراثه الكلامي

ضرورة التحصين العقائدي

روي في الاحتجاج عن الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال: «من تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم الاُساري في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودلائل أئمتهم ليحفظوا عهد الله علي العباد بأفضل الموانع بأكثر من فضل السماء علي الأرض والعرش والكرسي والحجب علي السماء، وفضلهم علي العباد كفضل القمر ليلة البدر علي [ صفحه 213] أخفي كواكب السماء». [320] .

التوحيد

وروي أيضاً عن أبي داود بن القاسم الجعفري أنه قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): (قل هو الله أحد)، ما معني الأحد؟ قال (عليه السلام): المجمع عليه بالوحدانية أما سمعته يقول: (ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولنّ الله) ثم يقولون بعد ذلك له شريك وصاحبة. فقلت: قوله (لا تدركه الأبصار)؟ قال (عليه السلام): «ياأبا هاشم! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار؟» [321] .

النبوة

عن الحسن بن عبّاس بن حريش عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ أرواحنا وأرواح النبيين توافي العرش كل ليلة جمعة فتصبح الأوصياء وقد زيد في علمهم مثل جمّ الغفير من العلم». [322] .

الامامة

وروي عنه أيضاً: «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لابن عباس: إنّ ليلة القدر في كل سنة، وانه لينزل في تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاةٌ بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله)» فقال ابن عباس: من هم؟ قال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدّثون». [323] .

وسأله أبو هاشم الجعفري

هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم. قال: فقلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم (عليه السلام)؟ فقال:«إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد». [324] .

عن بنان بن نافع عن أبي جعفر الثاني

«إنّا معاشر الأئمة إذا حملته [ صفحه 214] اُمّه يسمع الصوت من بطن اُمّه أربعين يوماً فإذا أتي له في بطن اُمّه أربعة أشهر رفع الله تعالي له أعلام الأرض فقرب له ما بَعدُ عنه حتي لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارة». [325] .

قال عمرو بن الفرج الرخجي

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن شيعتك تدّعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه؟ وكنا علي شاطئ دجلة، فقال (عليه السلام) لي: يقدر الله تعالي أن يفوّض علم ذلك الي بعوضة من خلقه أم لا؟ قلت: نعم يقدر. فقال (عليه السلام): أنا أكرم علي الله تعالي من بعوضة ومن أكثر خلقه». [326] .

من تراثه الفقهي

أ ـ روي أبو خداش المهري: «أن شخصاً دخل علي الرضا (عليه السلام) فسأله عن اُمور ثلاثة فأجابه (عليه السلام) عنها. ثم حضر أبو خداش مجلس أبي جعفر (عليه السلام) في ذلك الوقت فسأله الأسئلة ذاتها فكان الجواب هو الجواب. قال: فقلت: جعلت فداك انّ اُمّ ولد لي أرضعت جارية لي بلبن ابني أيحرم عليّ نكاحها؟ فقال (عليه السلام): «لا رضاع بعد فطام». قلت: الصلاة في الحرمين؟ قال: إن شئت قصرت وإن شئت أتممت. قال: قلت: الخادم يدخل علي النساء؟ فحوّل وجهه، ثم استدناني فقال: وما نقص منه إلاّ الواقعة عليه» [327] . ب ـ عن علي بن مهزيار قال: «كتبت إلي أبي جعفر محمد بن علي بن موسي الرضا (عليه السلام): جُعلت فداك اُصلي خلف من يقول بالجسم ومن يقول بقول يونس يعني ابن عبد الرحمن؟ فكتب (عليه السلام): لا تصلّوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة [ صفحه 215] وابرؤا منهم برئ الله منهم» [328] . ج ـ سأله سائل عن الملاّح يقصّر في السفينة؟ فقال(عليه السلام): «لا لأن السفينة بمنزلة بيته ليس بخارج منها» [329] . د ـ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ـ وكان يتولّي له الوقف بقم ـ فقال: «ياسيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ فإنّي أنفقتها. فقال له (عليه السلام): أنت في حلّ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام) لابراهيم بن هاشم: أحدهم يثب علي أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ: أتراه ظنّ أني أقول لا أفعل؟! والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً» [330] . هـ ـ عن علي بن مهزيار قال: «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قوله عزّوجلّ: (والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلّي) وقوله عزّوجلّ: (والنجم إذا هوي). وما أشبه هذا، فقال: إن الله عزوجل يقسم من خلقه بما يشاء وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به عزّوجلّ» [331] . و ـ قال (عليه السلام): «ما استوي رجلان في حسب ودين قطّ إلاّ كان أفضلهما عند الله عزّوجلّ آدبهما فسأله الراوي عن وجه فضله عند الله عزّوجلّ؟ فقال (عليه السلام): بقراءة القرآن كما اُنزل ودعائه الله عزّوجلّ من حيث لا يلحن وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد الي الله عزّوجلّ» [332] . [ صفحه 216]

من تراثه التاريخي

أ ـ روي المجلسي عن الصدوق بإسناده عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟ فكتب صلوات الله وسلامه عليه: «بعث الله تعالي جلّ ذكره مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبيّاً، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وإنّ ذا الكفل منهم صلوات الله عليهم، وكان بعد سليمان بن داود (عليه السلام). وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلاّ لله عزّوجلّ وكان اسمه (عويديا) وهو الذي ذكره الله تعالي جلّت عظمته في كتابه حيث قال: (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل كلّ من الأخيار)» [333] . ب ـ المسعودي، باسناده عن أبي جعفر الثاني محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أنه قال عن آبائه صلوات الله عليهم. قال: «اقبل امير المؤمنين ومعه أبو محمد)أي الحسن المجتبي((عليه السلام) وسلمان الفارسي فدخل المسجد وجلس فيه فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس فسلم علي أمير المؤمنين(عليه السلام) وجلس، ثم قال: ياأمير المؤمنين اني قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهن علمت أنك وصي رسول الله حقاً وإن لم تخبرني بهن علمت أنك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين: «سل عما بدا لك». فقال: أخبرني عن الرجل اذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل كيف يذكر وينسي، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين الي أبي محمد فقال: «ياأبا محمد أجبه، فقال أبو محمد: «أما الانسان اذا نام فإن روحه متعلقة بالريح والريح متعلقة بالهواء إلي [ صفحه 217] وقت يتحرك صاحبها الي اليقظة. فإذا أذن الله برد الروح جذبت تلك الروح الريح وجذبت الريح الهواء فرجعت الروح الي مسكنها في البدن، وان لم يأذن الله برد الروح الي صاحبها جذبت الهواء الريح وجذبت الريح الروح فلم ترجع الي صاحبها الي أن يبعثه الله تعالي، وأما الذكر والنسيان فإن قلب الرجل في مثل حق وعليه طبق. فإن سمي الله وذكره وصلي عند نسيانه علي محمد وآله انكشف ذلك الطبق وهو غشاوة عن ذلك الحق وأضاء القلب وذكر الرجل ما كان نسي وان هو لم يصلّ علي محمد وآله بعد ذكر الله تعالي انطبقت تلك الغشاوة علي ذلك الحق فأظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر. وأما المولود الذي يشبه الأعمام والأخوال فان الرجل اذا أتي أهله فوطأها بقلب ساكن وعروق هادئة وبدن غير مضطرب استكنت تلك النقطة [334] في جوف الرحم وخرج الرجل يشبه أباه وامه، وان هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب اضطربت النقطة فوقعت في اضطرابها علي بعض العروق. فان وقعت علي عرق من عروق الأعمام اشبه الولد أعمامه وان وقعت علي عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله. فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله ولم ازل أشهد بها وأشهد أن محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها واشهد أنك وصيه وخليفته والقائم بحجته. وأشار الي أمير المؤمنين: وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته. واشار الي الحسن: وأشهد أن أخاك الحسين وصي أبيك ووصيك والقائم بحجته بعدك وأشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين وأشهد ان محمد بن علي القائم بأمر علي ابن الحسين واشهد ان جعفر بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه وحجته واشهد ان موسي بن [ صفحه 218] جعفر القائم بأمر الله بعد ابيه جعفر واشهد ان علي بن موسي القائم بأمر الله بعد أبيه. واشهد ان محمد بن علي القائم بأمر الله بعد ابيه واشهد ان علي بن محمد القائم بأمر الله بعد ابيه محمد بن علي واشهد ان الحسن بن علي القائم بأمر ابيه علي ابن محمد واشهد ان رجلاً من ولد الحسين بن علي لا يسمي ولكن يكني حتي يظهر الله امره يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً والسلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ومضي. فقال أمير المؤمنين: «اتبعه ياأبا محمد فانظر أين يقصد، قال: فخرج الحسن بن علي في اثره فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف اخذ من ارض الله فرجع اليه فأعلمه، فقال: ياأبا محمد أتعرفه. قال: الله ورسوله وامير المؤمنين اعلم به، قال: ذاك الخضر». [335] . ج ـ روي أبو جعفر المشهدي باسناده عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: «بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله) سلمان الي فاطمة (عليها السلام) لحاجة، قال سلمان: فوقفت بالباب وقفة حتي سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن خفاءً والرحي تدور من برّ ما عندها انيس، قال: فعدت الي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقلت: يارسول الله سمعت فاطمة تقرأ القرآن من خفاء والرحي تدور من برّ ما عندها انيس. قال: فتبسم (صلي الله عليه وآله) وقال: ياسلمان ان ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها ايماناً ويقيناً الي مبانيها ففرغت لطاعة الله، فبعث الله ملكاً اسمه روفائيل. وفي موضع آخر «رحمة»، فادار لها الرحي وكفاها الله مؤونة الدنيا والآخرة» [336] . د ـ روي الحافظ أبو نعيم، فقال حدّثنا أحمد بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن نائلة حدثنا جعفر بن محمّد بن مزيد قال: كنتُ ببغداد فقال لي محمّد بن مَنْدة بن مهربزذ: هل لك أن اُدخلك علي ابن الرِضا؟ قلتُ: نعم. قال: فأدخلني فسلّمنا [ صفحه 219] عليه وجلسنا، فقال له حديث النبيّ (صلي الله عليه وآله): «أنّ فاطمة أحصنت فَرْجَها فحرّم الله ذرّيّتها علي النار، قال: خاصٌّ للحسن والحسين رضي الله عنهما» [337] . هـ ـ روي باسناده عن علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه عن احمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: «قلت لابي جعفر محمد بن علي بن موسي(عليهم السلام)ان قوماً من مخالفيكم يزعمون أباك انما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده. فقال: «كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالي سماه الرضا لانه كان رضي الله عزوجل في سمائه ورضي لرسوله والائمة من بعده صلوات الله عليهم في أرضه قال: فقلت له: الم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي الله تعالي ولرسوله والائمة (عليهم السلام)؟ فقال: بلي، فقلت: فلم سمي أبوك من بينهم الرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ولم يكن ذلك لاحد من آبائه(عليهم السلام)، فلذلك سمي من بينهم الرضا (عليه السلام) [338] .

الطب في تراث الإمام الجواد

اشاره

لقد استوعب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) شتّي العلوم ومنها علوم الطبّ والحكمة بما آتاهم الله من فضله، وأطلعهم علي غيبه، وحباهم من نوره، وألهمهم من معرفته، وبما ورّثوه من علوم خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين (صلي الله عليه وآله)، فكانوا (عليهم السلام) يعالجون المرضي تارةً بالقرآن والدعاء والأحراز والرقي والصدقة، وتارةً يوصونهم بضرورة النظافة والطهارة والوقاية العامّة، وثالثة يصفون لهم الأعشاب والنباتات وغيرها من العقاقير الطبّية التي كانت تؤثر بشكل فعّال في [ صفحه 220] شفاء المرضي ممّا يدلّ علي قدراتهم (عليهم السلام) الكبيرة وإمكاناتهم الواسعة بتشخيص المرض من دون اللجوء إلي إجراء التحليلات المختبريّة والصور الشعاعيّة والتخطيطات وما إلي ذلك من الوسائل المتطورة الحديثة المعروفة في يومنا هذا. وينمّ أيضاً عن درايتهم (عليهم السلام) واطّلاعهم الواسع بخواص تلك العقاقير وتأثيرها المباشر علي المرض وبالتالي صحّة تشخيصهم لمختلف الأمراض. وتجدر الإشارة هنا إلي أنّه بعد مرور عدّة قرون جاء الطبّ الحديث بإمكاناته الواسعة ليبرهن علي صحة وصواب ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أخبار وأحاديث في هذا المجال لا بل إنّه اعتمد الكثير من تلك الأخبار، وما العودة إلي استخدام الحجامة والفصد علاجاً أساسياً أو مساعداً لغيره من العلاجات ومتعاضداً معها للوصول إلي الشفاء إلاّ مثالاً صارخاً علي صحة ما ذكرناه. ولقد أقرّ الكثير من العلماء والمستشرقين في بحوثهم وتحقيقاتهم بتلك الحقائق والأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) واتّفقوا علي أنّ قوانين الطبّ قد جمعت في قوله تعالي: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) [339] ولا بأس أن نذكر هنا لمحاً عن الحجامة والفصد. يقال: فصد العرق فصداً: شقّه، ويقال: فُصد المريض: اُخرج مقدار من دم وريده. وقد تكامل الفصد اليوم باستعمال إبرة واسعة القناة بواسطتها ويؤخذ الدم من الوريد مباشرة، وتتراوح كميّة الدم المفصود بين 300 ـ 500 سم3، ويجب أن يتم بأسرع ما يمكن. وتختلف الحجامة عن الفصد في أنّ الأخير هو إخراج دم الوريد بشقّه كما هو نقيّاً كان أو غليظاً، بينما الحجامة هي إخراج الدم الفاسد بواسطة آلة ماصّة من [ صفحه 221] العروق الدقيقة والشعيرات الدمويّة المبثوثة في اللحم، والفصد يقلل الدم، وبالتالي يحتاج إلي تعويض وخلق جديد، بينما الحجامة تنقّي الدم وتصفّيه دون أن يفقد الجسم كميّة كبيرة منه بل العكس أنّها تنشّط الدورة الدمويّة وتوجب الرشد. وعلي هذا فالحجامة لا تضعف البدن كما في الفصد. وتستعمل الحجامة أساساً للتخفيف عن الدورة الدمويّة وما يثقلها من سموم الفضلات والدهون والمتخلّفات من الإفراز، وقد استعملت منذ قديم الزمان كواجب من الواجبات الفصليّة، وكعلاج ناجح لعدد من الأمراض كالجلطة الدمويّة والسكتة القلبيّة، وانفجار الشريان الدماغي. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «عليكم بالحجامة، لا يتبيّغ الدم بأحدكم، فيقتله». وقال جالينوس: دمك عبدك، وربّما قتل العبد سيّده، فأطلقه، فإن رأيته صالحاً فأمسكه. والأحاديث فيها كثيرة ويعدّ العلق الطبّي ـ واحدتها علقة ـ وهي دودة تعيش في الماء تمص الدم ـ من ملحقات الحجامة، وله اهميته أيضاً في العلاج الموضعي لكثير من أمراض الأوردة الدمويّة كركود الدم في منطقة ما في الجسم، وذلك بما يتمتع به العلق من غريزة خاصّة في مصّ الدم الفاسد، وإدخاله الهواء أثناء عمليّة المصّ تحت الجلد. ومن ناحية أخري ينفرد الفصد في علاج الحالات التالية: 1 ـ الهبوط الوظيفي في البطين الأيسر المؤدّي إلي تورّم في الرئتين ينجم عنها عسر شديد في التنفس. 2 ـ ضغط الدم الدماغي العالي لغلظة الدم. 3 ـ إزدياد عدد كريات الدم الأولي. 4 ـ الإحتقان الرئوي. وللفصد عروق معروفة ولها أسماء خاصة كالعرق الزاهر والأكحل يخرج منها الدم، وقد ورد عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم أن للفصد أوقات معينة. وأمّا الحجامة فلها مواضع معروفة كاليافوخ من الرأس والنقرة من الظهر [ صفحه 222] وغيرها، ولها أوقات معيّنة أيضاً، وردت عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم في الأحاديث الشريفة. 1 ـ جاء في المناقب لابن شهرآشوب: وفي كتاب «معرفة تركيب الجسد» عن الحسين بن أحمد التيميّ: روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أنّه استدعي فاصداً في أيّام المأمون فقال له: أفصدني في العرق الزاهر! فقال له: ما أعرف هذا العرق ياسيّدي، ولا سمعت به. فأراه إيّاه، فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر، فجري حتّي امتلأ الطست، ثمّ قال له: أمسكه. وأمر بتفريغ الطست ; ثمّ قال: خلّ عنه. فخرج دون ذلك، فقال: شدّه الآن. فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار، فأخذها وجاء إلي يوحنّا بن بختيشوع [340] فحكي له ذلك، فقال: والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ، ولكن هاهنا فلان الأسقف [341] قد مضت عليه السنون، فامض بنا إليه، فإن كان عنده علمه وإلاّ لم نقدر علي من يعلمه، فمضيا ودخلا عليه وقصّا القصة. فأطرق مليّاً، ثمّ قال: يوشك أن يكون هذا الرّجل نبيّاً أو من ذريّة نبيّ. [342] . 2 ـ وجاء في رجال الكشيّ: ـ يأتي في باب حال عمّ أبيه عليّ بن جعفر (عليه السلام): [ صفحه 223] ودنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام عليّ بن جعفر (عليه السلام) فقال: ياسيّدي، يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك...

علاج حمي الغب والربع

غبّت عليه الحمّي: أخذته يوماً وتركته يوماً (حمّي الربع: هي الّتي تنوب كلّ رابع يوم) 1 ـ عن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا أبو جعفر (عليه السلام)، عن أبي الحسن(عليه السلام) «وسئل عن حمّي الغبّ الغالبة. فقال (عليه السلام): يؤخذ العسل والشونيز [343] ويلعق منه ثلاث لعقات فإنّها تنقلع. وهما المباركان قال الله تعالي في العسل: (يخرُجُ مِن بطونِها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيهِ شِفاءٌ للنّاسِ) [344] . قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): في الحبّة السوداء شفاء من كلّ داء إلاّ السام. قيل يارسول الله، وما السام؟ قال: الموت. قال: وهذان لا يميلان إلي الحرارة والبرودة، ولا إلي الطبائع، إنّما هما شفاء حيث وقعا» [345] . 2 ـ عن الحسن بن شاذان، قال: حدّثنا أبو جعفر، عن أبي الحسن (عليهما السلام) [346] . [ صفحه 224] قال: خير الأشياء لحمّي الربع أن يؤكل في يومها الفالوذج [347] المعمول بالعسل، ويكثر زعفرانه، ولا يؤكل في يومها غيره» [348] .

علاج اليرقان

اليرقان: حالة مرضيّة تمنع الصفراء من بلوغ المعي بسهولة، فتختلط بالدم فتصفّر بسبب ذلك أنسجة الحيوان. عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن مهزيار، قال: تغدّيت مع أبي جعفر (عليه السلام) فأتي بقطاة [349] ، فقال: «إنّه مبارك، وكان أبي(عليه السلام) يعجبه، وكان يأمر أن يطعم صاحب اليرقان، يشوي له فإنّه ينفعه» [350] .

علاج ضربة الريح الخبيثة

عن أحمد بن إبراهيم بن رياح، قال: حدّثنا الصباح بن محارب، قال: «كنت عند أبي جعفر ابن الرضا(عليهما السلام) فذكر أنّ شبيب بن جابر ضربته الريح الخبيثة، فمالت بوجهه وعينه [351] ، فقال: يؤخذ له القرنفل [352] خمسة مثاقيل، فيصير في قنّينة يابسة، ويضمّ رأسها ضمّاً شديداً، ثمّ تطيّن وتوضع في الشمس قدر يوم في الصيف، وفي الشتاء قدر يومين. ثمّ يخرجه فيسحقه سحقاً ناعماً، ثم يديفه [353] بماء المطر حتّي يصير بمنزلة الخلوق، ثمّ يستلقي علي قفاه، ويطلي ذلك القرنفل المسحوق علي الشقّ الماثل [354] ولا يزال مستلقياً حتّي يجفّ القرنفل، فإنّه إذا جفّ رفعه الله عنه، وعاد إلي أحسن [ صفحه 225] عاداته بإذن الله تعالي. قال: فابتدر إليه أصحابنا فبشّروه بذلك، فعالجه بما أمره به، فعاد إلي أحسن ما كان بعون الله تعالي». [355] .

علاج من أصابها حيض لا ينقطع

عن محمّد بن يحيي، عن محمّد بن عيسي، عن عليّ بن مهزيار، قال: إنّ جارية لنا أصابها الحيض وكان لا ينقطع عنها حتّي أشرفت علي الموت، فأمر أبوجعفر(عليه السلام) أن تسقي سويق العدس [356] ، فسقيت فانقطع عنها وعوفيت» [357] .

علاج برد المعدة وخفقان الفؤاد

عن محمّد بن عليّ زنجويه [358] المتطبّب، قال: «حدّثنا عبد الله بن عثمان، قال: شكوت إلي أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسي (عليهم السلام) برد المعدة وخفقاناً في فؤادي، فقال (عليه السلام): «أين أنت عن دواء أبي ـ وهو الدواء الجامع ـ؟!» قلت: يابن رسول الله! وما هو؟ قال: معروف عند الشيعة. قلت: سيّدي ومولاي، فأنا كأحدهم فأعطني صفته حتّي اُعالجه واُعطي الناس. [ صفحه 226] قال: خذ زعفران [359] وعاقرقرحا [360] وسنبل [361] وقاقلّة [362] وبنج [363] وخربق أبيض [364] وفلفل أبيض [365] أجزاء سواء، وأبرفيون [366] جزءين، يدقّ ذلك كلّه دقّاً ناعماً، وينخل بحريرة، ويعجن بضعفي وزنه عسلاً [367] منزوع الرغوة، فيسقي منه صاحب خفقان [ صفحه 227] الفؤاد، ومن به برد المعدة حبّة بماء كمّون [368] يطبخ، فإنّه يعافي بإذن الله تعالي. [369] .

علاج وجع الحصاة

عن محمّد بن حكام، قال: حدّثنا محمّد بن النضر ـ مؤدب ولد أبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسي (عليهم السلام) ـ قال: شكوت إليه ما أجد من الحصاة، فقال: «ويحك! أين أنت عن الجامع دواء أبي؟ فقلت: سيّدي ومولاي أعطني صفته. فقال: هو عندنا، ياجارية أخرجي البستوقة الخضراء. قال: فأخرجت البستوقة، وأخرج منها مقدار حبّة. فقال:اشرب هذه الحبّة بماء السداب [370] أو بماء الفجل [371] المطبوخ، فإنّك تعافي منه» [372] . قال: فشربته بماء السداب، فوالله ما أحسست بوجعه إلي يومنا هذا» [373] . [ صفحه 228]

الدعاء في تراث الإمام الجواد

اشاره

هذه مجموعة من الأدعية الجليلة رواها الإمام الجواد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) عن الله عز وجل وهي بمثابة صحيفة الجواد (عليه السلام) في الدعاء والمناجاة. روي السيد ابن طاووس باسناده الي أبي جعفر بن بابويه عن ابراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي، قال: «حدّثني أبي ـ وكان خادماً لمحمد بن علي الجواد(عليه السلام): لمّا زوج المأمون أبا جعفر محمد بن علي بن موسي (عليهم السلام) ابنته، كتب اليه: ان لكل زوجة صداقاً من مال زوجها، وقد جعل الله أموالنا في الآخرة، مؤجلة مذخورة هناك، كما جعل اموالكم معجّلة في الدنيا وكنزها هاهنا. وقد أمهرت ابنتك: الوسائل الي المسائل، وهي مناجاة دفعها اليّ أبي، قال: دفعها اليّ أبي موسي، قال: دفعها اليّ أبي جعفر، قال: دفعها اليّ محمد أبي، قال: دفعها اليّ علي بن الحسين أبي، قال: دفعها اليّ الحسين أبي: قال: دفعها اليّ الحسن أخي، قال: دفعها اليّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم)، قال: دفعها اليّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال: دفعها اليّ جبرئيل(عليه السلام)، قال: يا محمد... ربّ العزّة يقرئك السلام ويقول لك: هذه مفاتيح كنوز الدنيا والآخرة، فاجعلها وسائلك الي مسائلك، تصل الي بغيتك وتنجح في طلبتك، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظّ في آخرتك. وهي عشر وسائل)الي عشر مسائل(تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح، وتطلب بها الحاجات فتنجح وهذه نسختها» [374] . [ صفحه 229]

المناجاة للاستخارة

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ ان خيرتك فيما استخرتك فيه تُنيل الرغائب، وتجزل المواهب، وتغنم المطالب، و تطيب المكاسب، وتهدي إلي أجمل المذاهب، وتسوق الي أحمد العواقب، وتقي مخوف النوائب. اللهمّ اني استخيرك فيما عزم رأيي عليه، وقادني عقلي اليه، فسهّل اللهمّ منه ما توعّر، ويسّر منه ما تعسّر، واكفني فيه المهمّ، وادفع عنّي كلّ ملمّ، واجعل يا ربّ عواقبه غُنماً، ومخوفه سلماً، وبُعده قرباً، وجدبه خصباً. وأرسل اللهم إجابتي، وأنجح طلبتي، واقض حاجتي، واقطع عنّي عوائقها، وامنع عنّي بوائقها، واعطني اللهمّ لواء الظفر والخيرة فيما استخرتك، ووُفور المغنم فيما دعوتك، وعوائد الافضال فيما رجوتك. واقرُنه اللهمّ بالنجاح، وخصّه بالصلاح، وأرني أسباب الخيرة فيه واضحة، واعلام غُنمها لائحة، و اشدد خناق تعسّرها، وانعش صريع تيسّرها. وبيّن اللهمّ ملتبسها واطلق محتبسها، ومكّن اُسّها حتّي تكون خيرة مقبلة بالغُنم مزيلة للغُرم، عاجلة للنفع، باقية الصنع، إنّك مليئ بالمزيد، مبتدئ بالجود».

المناجاة بالاستقالة

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إنّ الرجاء لسعة رحمتك أنطقني باستقالتك والأمل لأناتك، ورفقك شجعني علي طلب أمانك وعفوك، ولي يا ربِّ ذنوب قد واجَهَتها أوجه الانتقام، وخطايا قد لاحظتها أعين الاصطلام، واستوجبت بها علي عدلك أليم العذاب، واستحققت باجتراحها مبير العقاب، وخفت تعويقها لإجابتي، وردّها إيّاي عن قضاء حاجتي، وإبطالها لطلبتي، وقطعها لأسباب رغبتي، من أجل ما قد أنقض ظهري من ثقلها، وبهظني من الاستقلال بحملها، ثمّ تراجعت ربّ الي حلمك عن الخاطئين، وعفوك عن المذنبين، ورحمتك للعاصين، فأقبلت بثقتي متوكّلاً عليك، طارحاً نفسي بين يديك، شاكياً بثّي اليك، سائلاً ما لا استوجبه من تفريج الهمّ، ولا استحقه من تنفيس الغمّ، مستقيلاً لك [ صفحه 230] إيّاي، واثقاً مولاي بك. اللهمّ فامنُن عليّ بالفرج، وتطوّل بسهولة المخرج، وادلُلني برأفتك علي سمت المنهج، وأزلقني بقدرتك عن الطريق الاعوج، وخلّصني من سجن الكرب بإقالتك، واطلق أسري برحمتك، وطُل عليّ برضوانك، وجُد عليّ بإحسانك، وأقلني عثرتي، وفرّج كربتي، وارحم عبرتي، ولا تحجب دعوتي، واشدد بالاقالة أزري، وقوّ بها ظهري، وأصلح بها أمري، وأطل بها عمري، وارحمني يوم حشري ووقت نشري، انك جواد كريم، غفور رحيم».

المناجاة بالسفر

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إنّي اُريد سفراً فخر لي فيه، وأوضح لي فيه سبيل الرأي، وفهّمنيه، وافتح عزمي بالإستقامة، واشملني في سفري بالسلامة، وأفدني جزيل الحظ والكرامة، واكلأني بحسن الحفظ والحراسة، وجنّبني اللهمّ وعثاء الأسفار، وسهّل لي حُزونة الأوعار، وأطو لي بساط المراحل، وقرّب منّي بُعد نأي المناهل، وباعدني في المسير بين خُطي الرواحل، حتّي تقرّب نياط البعيد، وتسهّل وعور الشديد. ولقّني اللهمّ في سفري نجح طائر الواقية، وهبني فيه غُنم العافية، وخفير الإستقلال، ودليل مجاوزة الاهوال، وباعث وفور الكفاية، وسانح خفير الولاية، واجعله اللهمّ سبَب عظيم السِلم حاصل الغُنم. واجعل الليل عليّ ستراً من الآفات، والنهار مانعاً من الهلكات، واقطع عنّي قطع لصوصه بقدرتك، واحرسني من وحوشه بقوّتك، حتي تكون السلامة فيه مصاحبتي، والعافية مُقاربتي، واليُمن سائقي، واليُسر مُعانقي، والعسر مفارقي، والفوز موافقي، والأمن مُرافقي، انك ذوالطول والمنّ، والقوّة والحول، وأنت علي كلّ شيء قدير، وبعبادك بصير خبير». [ صفحه 231]

المناجاة في طلب الرزق

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ أرسل عليّ سجال رزقك مدراراً، و أمطر عليّ سحائب إفضالك غِزاراً، وأدم غيث نيلك اليّ سجالاً، وأسبل مزيد نعمك علي خلّتي إسبالاً، وأفقرني بجودك اليك، وأغنني عمّن يطلب ما لديك، وداوِ داء فقري بدواء فضلك، وانعش صرعة عَيلتي بطولك، و تصدّق علي إقلالي بكثرة عطائك، وعلي اختلالي بكريم حبائك، وسهّل ربّ سبيل الرزق اليّ، وثبّت قواعده لديّ، وبجّس لي عيون سعته برحمتك، وفجّر أنهار رغد العيش قبلي برأفتك، وأجدب أرض فقري، وأخصب جدب ضرّي، واصرف عنّي في الرزق العوائق، واقطع عنّي من الضيق العلائق، وارمني من سهم الرزق اللهم بأخصب سهامه، وأحيني من رغد العيش بأكثر دوامه، واكسُني اللهمّ سرابيل السعة، وجلابيب الدّعة فإنّي يا ربّ منتظر لإنعامك بحذف المضيق، ولتطوّلك التعويق، ولتفضلك بإزالة التقتير، ولوصول حبلي بكرمك بالتيسير. وأمطر اللهمّ عليّ سماء رزقك بسجال الدّيم، وأغنني بعوائد النّعم، وارم مقاتل الإقتار منّي، واحمل كشف الضر عنّي علي مطايا الإعجال، واضرب عنّي الضيق بسيف الاستيصال، وأتحفني ربّ منك بسعة الإفضال، وامددني بنموّ الاموال، واحرسني من ضيق الإقلال. واقبض عنّي سوء الجدب، وابسط لي بساط الخصب، واسقني من ماء رزقك غدقاً، وانهج لي عميم بذْلك طُرُقاً، وفاجئني بالثروة والمال، وأنعشني به من الإقلال، وصبّحني بالاستظهار، ومسّني بالتمكّن من اليسار، إنّك ذوالطول العظيم، والفضل العميم، والمنّ الجسيم وأنت الجواد الكريم. [ صفحه 232]

المناجاة بالاستعاذة

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ اني اعوذ بك من ملمّات نوازل البلاء، وأهوال عظائم الضرّاء، فأعذني ربّ من صرعة البأساء، واحجُبني من سطوات البلاء، ونجّني من مفاجأة النقم وأجرني من زوال النعم ومن زلل القدم، واجعلني اللهمّ في حياطة عزّك، وحفاظ حرزك من مباغتة الدوائر، ومعاجلة البوادر. اللهمّ ربّ، وأرض البلاء فاخسِفها، وعرصة المحن فارجفها، وشمس النوائب فاكسِفها، وجبال السوء فانسفها، وكُرَبَ الدهر فاكشفها، وعوائق الاُمور فاصرفها، وأوردني حياض السلامة، واحملني علي مطايا الكرامة، واصحبني بإقالة العثرة، واشملني بستر العورة. وجُدْ عليّ يا رب بآلائك، وكشف بلائك، ودفع ضرّائك، وادفع عنّي كلاكل عذابك، واصرف عنّي أليم عقابك، وأعذني من بوائق الدهور، وأنقذني من سوء عواقب الاُمور، واحرسني من جميع المحذور. واصدع صفات البلاء عن أمري، واشلُل يده عنّي مدي عُمري. إنّك الربّ المجيد، المبدئ المعيد، الفعّال لما تريد».

المناجاة بطلب التوبة

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ اني قصدت اليك بإخلاص توبة نصوح، وتثبيت عقد صحيح، ودعاء قلب قريح واعلان قول صريح. اللهمّ فتقبّل منّي مخلص التوبة، واقبال سريع الأوبة، ومصارع تخشّع الحوبة. وقابل ربّ توبتي بجزيل الثواب، وكريم المآب، وحطّ العقاب، وصرف العذاب، وغُنم الإياب، وستر الحجاب. وامحُ اللهمّ ما ثبت من ذنوبي، واغسل بقبولها جميع عيوبي، واجعلها جاليةً لقلبي، شاخصة لبصيرة لُبّي، غاسلة لدرني، مطهّرة لنجاسة بدني، مصحّحة فيها ضميري، عاجلة [ صفحه 233] الي الوفاء بها بصيرتي. واقبَل ياربّ توبتي، فإنها تصدر من إخلاص نيّتي، ومحض من تصحيح بصيرتي، واحتفال في طويّتي واجتهاد في نقاء سريرتي، وتثبيت لإنابتي، مسارعةً الي أمرك بطاعتي. واجلُ اللهمّ بالتوبة عنّي ظلمة الإصرار، وامحُ بها ما قدّمتُه من الاوزار، واكسُني لباس التقوي، وجلابيب الهدي، فقد خلعتُ رِبق المعاصي عن جلدي، ونزعتُ سربال الذنوب عن جسدي، مستمسكاً ربّ بقدرتك، مستعيناً علي نفسي بعزّتك، مستودعاً توبتي من النكث بحضرتك، معتصماً من الخذلان بعصمتك مقارناً به لا حول ولا قوّة إلاّ بك.

المناجاة بطلب الحج

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ ارزقني الحجّ الّذي فرضته علي من استطاع اليه سبيلاً. واجعل لي فيه هادياً واليه دليلاً، وقرّب لي بُعد المسالك. وأعنّي علي تأدية المناسك، وحرّم بإحرامي علي النار جسدي، وزد للسفر قوّتي وجَلدي، وارزقني ربّ الوقوف بين يديك، والإفاضة اليك واظفرني بالنجح بوافر الربح. واصدرني رب من موقف الحج الأكبر الي مزدلفة المشعر، واجعلها زُلفة الي رحمتك، وطريقاً الي جنّتك، وقفني موقف المشعر الحرام، و مقام وقوف الإحرام، وأهّلني لتأدية المناسك، ونحر الهدي التوامك بدم يثجّ، واُوداج تمُجّ، واراقة الدماء المسفوحة، والهدايا المذبوحة، وفَري أوداجها علي ما أمرت، والتنفّل بها كما وسمت. وأحضرني اللهمّ صلاة العيد، راجياً للوعد، خائفاً من الوعيد، حالقاً شعر رأسي ومقصّراً، ومجتهداً في طاعتك، مشمّراً، رامياً للجمار، بسبع بعد سبع من الأحجار، وأدخلني اللهمّ عرصة بيتك وعَقْوَتك وأولجني محلّ أمنك وكعبتك، ومشاكيك وسؤالك ووفدك ومحاويجك، وجد عليّ اللهمّ بوافر الأجر، من الإنكفاء والنّفر، واختم اللهمّ مناسك حجّي، وانقضاء عجّي، بقبول منك لي، ورأفة منك بي يا أرحم الراحمين». [ صفحه 234]

المناجاة بكشف الظلم

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ إن ظلم عبادك قد تمكّن في بلادك، حتّي أمات العدل، وقطع السبل، ومحق الحقّ، وأبطل الصدق، وأخفي البرّ، وأظهر الشرّ، وأخمد التقوي، وأزال الهدي، وأزاح الخير، وأثبت الضير، وأنمي الفساد، وقوّي العناد، وبسط الجور، وعدي الطور. اللهمّ يا ربّ لا يكشف ذلك إلاّ سلطانك، ولا يجير منه إلاّ امتنانك اللهمّ ربّ فابتُر الظلم، وبتّ حبال الغشم، واخمد سوق المنكر، وأعزّ من عنّه ينزجر، واحصد شأفة اهل الجور، وألبسهم الحور بعد الكور. وعجّل اللهمّ إليهم البيات، وأنزل عليهم المُثلات، وأمت حياة المنكر، ليؤمَن المخوف، ويسكن الملهوف، ويشبع الجائع، ويحفظ الضائع، ويأوي الطريد، ويعود الشريد، ويغني الفقير، ويجار المستجير، ويوقّر الكبير، ويُرحم الصغير، ويعزّ المظلوم، ويذلّ الظالم، ويفرّج المغموم، وتنفرج الغمّاء، وتسكن الدهماء، ويموت الاختلاف، ويحيي الائتلاف، ويعلو العلم، ويشمل السلم، ويجمع الشتات، ويقوي الإيمان، ويُتلي القرآن، إنك أنت الديّان، المنعم المنّان».

المناجاة بالشكر لله تعالي

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ لك الحمد علي مردّ نوازل البلاء، و توالي سبوغ النعماء، وملمّات الضرّاء، وكشف نوائب الّلأواء. ولك الحمد ربّ علي هنيئ عطائك، ومحمود بلائك، وجليل آلائك، ولك الحمد علي إحسانك الكثير، وجودك الغزير، و تكليفك اليسير، ودفعك العسير. ولك الحمد يا ربّ علي تثميرك قليل الشكر، واعطائك وافر الأجر، وحطّك مثقل [ صفحه 235] الوزر، وقبولك ضيق العذر، ووضعك باهض الإصر، وتسهيلك موضع الوعر، ومنعك مفظع الأمر. ولك الحمد علي البلاء المصروف، ووافر المعروف، ودفع المخوف، وإذلال العسوف. ولك الحمد علي قلّة التكليف، وكثرة التخفيف، وتقوية الضعيف، وإغاثة اللهيف، ولك الحمد رب علي سعة إمهالك، ودوام افضالك، وصرف أمحالك، وحميد أفعالك، وتوالي نوالك. ولك الحمد علي تأخير معاجلة العقاب، وترك مغافصة العذاب، وتسهيل طريق المآب، وإنزال غيث السحاب إنّك المنّان الوهاب».

المناجاة لطلب الحوائج

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهمّ جدير من أمرته بالدعاء أن يدعوك، ومن وعدته بالإجابة ان يرجوك. وَليَ اللهمّ حاجة قد عجَزَت عنها حيلتي، وكلّت فيها طاقتي، وضعفت عن مرامها قوّتي، وسوّلت لي نفسي الأمّارة بالسوء، وعدوّي الغرور الّذي أنا منه مبتلي، أن أرغب فيها الي ضعيف مثلي، ومَن هو في النكول شكلي، حتّي تداركتني رحمتك، وبادرتني بالتوفيق رأفتك، ورددت عليّ عقلي بتطوّلك، وألهمتني رشدي بتفضّلك، وأحييت بالرجاء لك قلبي، وأزلت خدعة عدوّي من لبّي، وصحّحت بالتأميل فكري، وشرحت بالرجاء لإسعافك [ صفحه 236] صدري، وصوّرت لي الفوز ببلوغ ما رجوته، والوصول الي ما أمّلته فوقفت اللهمّ ربّ بين يديك سائلاً لك، ضارعاً اليك، واثقاً بك، متوكّلاً عليك في قضاء حاجتي، وتحقيق اُمنيّتي، وتصديق رغبتي. اللهمّ وأنجحها بأيمن النجاح واهدها سبيل الفلاح، واشرح بالرجاء لإسعافك صدري، ويسّر في أسباب الخير أمري، وصوّر اليّ الفوز ببلوغ ما رجوته بالوصول الي ما أمّلته». ووفّقني اللهمّ في قضاء حاجتي ببلوغ اُمنيّتي، وتصديق رغبتي، وأعذني اللهمّ بكرمك من الخيبة والقنوط، والأناة والتثبيط بهني اجابتك وسابغ موهبتك. اللهمّ إنّك مليّ بالمنائح الجزيلة، وفيّ بها، وأنت علي كلّ شيء قدير وبكل شيء محيط وبعبادك خبير بصير.

في رحاب مواعظ الإمام الجواد

روي الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني في باب مواعظ أبي جعفر الجواد (عليه السلام) أحاديث مرسلة نذكرها فيما يلي: 1 ـ قال له رجل: أوصني؟ «قال(عليه السلام): وتقبل؟ قال: نعم. قال: توسَّد الصَّبر واعتنق الفقر، وارفض الشَّهوات، وخالف الهوي، واعلم أنَّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون» [375] . 2 ـ وقال (عليه السلام): «أوحي الله إلي بعض الأنبياء: أمّا زهدك في الدُّنيا فتعجِّلك الرَّاحة، وأمّا انقطاعك إلي فيعزِّزك بي، ولكن هل عاديت لي عدواً وواليت لي وليّاً». [376] . 3 ـ وروي أنّه حمل له حمل بزٍّ له قيمة كثيرة، فسل في الطَّريق، فكتب إليه الّذي حمله يعرِّفه الخبر، فوقَّع بخطِّه: «إنَّ أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة يمتِّع بما متَّع منها في سرور وغبطة ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة. فمن غلب جزعه علي صبره حبط أجره ونعوذ بالله من ذلك» [377] . [ صفحه 237] 4 ـ وقال (عليه السلام): «من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده» [378] . 5 ـ وقال (عليه السلام): «من أصغي إلي ناطق فقد عبده، فإن كان النّاطق عن الله فقد عبدالله ; وإن كان النّاطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس». [379] . 6 ـ قال له أبو هاشم الجعفريّ في يوم تزوَّج امَّ الفضل ابنة المأمون: «يامولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم. فقال (عليه السلام): يا أباهاشم عظمت بركات الله علينا فيه؟ قلت: نعم يامولاي، فما أقول في اليوم؟ فقال: قل فيه خيراً، فإنّه يصيبك. قلت: يامولاي أفعل هذا ولا اخالفه. قال (عليه السلام): إذاً ترشد ولا تري إلاّ خيراً» [380] . 7 ـ وكتب(عليه السلام) إلي بعض أوليائه: «أمّا هذه الدُّنيا فإنّا فيها مغترفون ولكن من كان هواه هوي صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان، والآخرة هي دار القرار». [381] . 8 ـ وقال (عليه السلام): «تأخير التَّوبة اغترار، وطول التَّسويف حيرةٌ، والاعتلال علي الله هلكة، والإصرار علي الذَّنب أمن لمكر الله (ولا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون)» [382] . 9 ـ وروي أنَّ جمّالاً حمله من المدينة إلي الكوفة فكلَّمه في صلته وقد كان أبو جعفر (عليه السلام) وصله بأربعمائة دينار، فقال (عليه السلام): «سبحان الله ; أما علمت أنَّه لا [ صفحه 238] ينقطع المزيد من الله حتي ينقطع الشُّكر من العباد». [383] . 10 ـ وقال (عليه السلام): «إظهار الشَّيءِ قبل أن يستحكم مفسدةٌ له». [384] . 11 ـ وقال (عليه السلام): «المؤمن يحتاج إلي توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممَّن ينصحه». [385] . 12 ـ روي الشيخ المفيد باسناده عن عليِّ بن مهزيار، عن بكر بن صالح قال: كتب صهر لي إلي أبي جعفر الثّاني صلوات الله عليه: إنَّ أبي ناصب خبيث الرَّأي، وقد لقيت منه شدّة وجهداً، فرأيك ـ جعلت فداك ـ في الدُّعاءِ لي، وما تري ـ جعلت فداك ـ؟ أفتري أن أكاشفه أم اُداريه؟ فكتب (عليه السلام): «قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدُّعاءَ لك إن شاء الله، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر فإنَّ العاقبة للمتَّقين. ثبَّتك الله علي ولاية من تولّيت، نحن وأنتم في وديعة الله الّذي لا تضيع ودائعه». قال بكر: فعطف الله بقلب أبيه) عليه (حتّي صار لا يخالفه في شيء. [386] . 13 ـ وقال: «ملاقاة الإخوان نشرة وتلقيح للعقل وإن كان نزراً قليلاً». [387] . 14 ـ عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «انّ في الجنّة باباً يقال له المعروف لا يدخله إلاّ أهل المعروف فحمدت الله تعالي في نفسي وفرحت بما اتكلف من حوائج النّاس، فنظر اليَّ (عليه السلام)، فقال: نعم تمّ علي ما انت عليه فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أباهاشم [ صفحه 239] ورحمك». [388] . 15 ـ عنه، عن أبي هاشم الجعفري قال: «سأل محمد بن صالح الأرمني عن قول الله تعالي: (لله الأمر من قبل ومن بعد): فقال (عليه السلام): من قبل ان يأمر ولله الأمر من بعد ان يأمر بما يشاء»، فقلت في نفسي: هذا تأويل قول الله تعالي: (ألا له الخلق والأمر تبارك الله احسن الخالقين) فقلت: اشهد انّك حجّة الله وابن حجّته علي العباد». [389] . 16 ـ وقال (عليه السلام): «من أطاع هواه أعطي عدوَّه مناه». 17 ـ وقال (عليه السلام): «راكب الشهوات لا تستقال له عثرة». [390] . 18 ـ وقال (عليه السلام): «نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر». [391] . 19 ـ وقال (عليه السلام): «كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه، ومن انقطع الي غير الله وكّله الله اليه». [392] . 20 ـ وقال (عليه السلام): «اتّئد تصب أو تكدّ». [393] . 21 ـ وقال (عليه السلام): «من لم يعرف الموارد أعيته المصادر». [394] . 22 ـ وقال (عليه السلام): «من انقاد إلي الطمأنينة قبل الخبرة، فقد عرض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة». [395] . [ صفحه 240] 23 ـ وقال (عليه السلام): «من هجر المداراة قاربه المكروه». [396] . 24 ـ وقال (عليه السلام): «اياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره». [397] . 25 ـ وقال (عليه السلام): «عزّ المؤمن غناه عن الناس». [398] . 26 ـ وقال (عليه السلام): «لا يضرّك سخط من رضاه الجور». [399] . 27 ـ وقال (عليه السلام): «كفي بالمرء خيانة ان يكون أميناً للخونة». [400] . 28 ـ وقال (عليه السلام): «من عمل علي غير علم ما يفسد اكثر مما يصلح». [401] . 29 ـ وقال (عليه السلام): «القصد الي الله تعالي بالقلوب ابلغ من اتعاب الجوارح بالاعمال». [402] . 30 ـ وقال (عليه السلام): «من عتب من غير ارتياب اعتب من غير استعتاب». [403] . 31 ـ وقال (عليه السلام): «الثقة بالله ثمن لكلّ غال وسلّم الي كل عال». [404] . 32 ـ وقال (عليه السلام): «اذا نزل القضاء ضاق الفضاء». [405] . 33 ـ وقال (عليه السلام): «غني المؤمن غناه عن الناس». [406] . [ صفحه 241] 34 ـ وقال (عليه السلام): «من لم يرض من اخيه بحسن النيّة لم يرض بالعطية». [407] . 35 ـ وقال (عليه السلام): «قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعاً لما تهواه». [408] . 36 ـ وقال (عليه السلام): «الحوائج تطلب بالرَّجاء وهي تنزل بالقضاء، والعافية أحسن عطاء». [409] . 37 ـ وقال (عليه السلام): «لا تعادي أحداً حتّي تعرف الّذي بينه وبين الله تعالي، فإن كان محسناً فإنّه لا يسلّمه إليك وإن كان مسيئاً فإن علمك به يكفيكه فلا تعاده». [410] . 38 ـ وقال (عليه السلام): «لا تكن وليّاً لله في العلانية، عدوّاً له في السّرِّ». [411] . 39 ـ وقال (عليه السلام): «التّحفّظ علي قدر الخوف». [412] . 40 ـ وقال (عليه السلام): «الأيّام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة». [413] . 41 ـ وقال (عليه السلام): «تعرف عن الشّيء إذا صنعته لقلّة صحبته إذا أعطيته». [414] . 42 ـ عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسي عن أبيه علي عن أبيه موسي عن آبائه عن علي(عليه السلام). قال: «بعثني النبي(صلي الله عليه وآله) الي اليمن فقال لي وهو يوصيني: ياعلي ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ياعلي عليك بالدُّلجة فإن الارض تطوي بالليل ما لا تطوي بالنهار، ياعلي اغد بسم الله فإن الله بارك لاُمتي في بكورها». [415] . 43 ـ عنه (عليه السلام) قال: «من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة». [ صفحه 242] 44 ـ عنه (عليه السلام) انه قال: «لو كانت السموات والارض رتقاً علي عبد ثم اتقي الله تعالي لجعل منها مخرجاً». 45 ـ وقال (عليه السلام): «انه من وثق بالله أراه السرور». 46 ـ وقال (عليه السلام): «من توكل علي الله كفاه الاُمور». 47 ـ وقال (عليه السلام): «الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلاّ المؤمن». 48 ـ وقال (عليه السلام): «التوكل علي الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو». 49 ـ وقال (عليه السلام): «الدين عز والعلم كنز والصمت نور وغاية الزهد الورع ولاهدم للدين مثل البدع ولا افسد للرجال من الطمع وبالراعي تصلح الرعية وبالدعاء تصرف البلية». 50 ـ وقال (عليه السلام): «من ركب مركب العمر اهتدي الي مضمار النصر ومن شتم اجيب ومن غرس اشجار التقي اجتني أثمار المني». 51 ـ وقال (عليه السلام): «اربع خصال تعين المرء علي العمل، الصحة والغني والعلم والتوفيق». 52 ـ وقال (عليه السلام): «ان لله عباداً يخصّهم بدوام النعم فلا تزال فيهم ما بدّلوا لها فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها الي غيرهم». 53 ـ وقال (عليه السلام): «أهل المعروف الي اصطناعه احوج من أهل الحاجة اليه لأن لهم اجره وفخره وذكره فما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه». 54 ـ وقال (عليه السلام): «من أمّل انساناً هابه ومن جهل شيئاً عابه والفرصة خلسة ومن كثر همّه سقم جسده وعنوان صحيفة المسلم حسن خلقه». 55 ـ وقال (عليه السلام) في موضع آخر: «عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه». 56 ـ وقال (عليه السلام): «الجمال في اللسان والكمال في العقل». [ صفحه 243] 57 ـ وقال (عليه السلام): «العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني، والصبر زينة البلا، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الكرم، و ترك المن زينة المعروف، والخشوع زينة الصلوة، والتنفل زينة القناعة، و ترك ما يعني زينة الورع». 58 ـ وقال (عليه السلام): «حسب المرء من كمال المروة ان لا يلقي أحداً بما يكره، ومن حسن خلق الرجل كفه أذاه، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه، ومن كرمه ايثاره علي نفسه، ومن صبره قلة شكواه، ومن عقله انصافه من نفسه، ومن انصافه قبول الحقّ اذا بان له، ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه، ومن حفظه لجوارك تركه توبيخك عند اشنانك مع علمه بعيوبك، ومن رفقه تركه عذلك بحضرة من تكره، ومن حسن صحبته لك كثرة موافقته وقلة مخالفته، ومن شكره معرفته احسان من احسن اليه ومن تواضعه معرفته بقدره، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره و عنايته بصلاح عيوبه». 59 ـ وقال (عليه السلام): «العامل بالظلم والمعين له والراضي شركاء» [416] . 60 ـ وقال (عليه السلام): «يوم العدل علي الظالم اشد من يوم الجور علي المظلوم». 61 ـ وقال (عليه السلام): «من اخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل والطامع في وثاق الذلّ ومن طلب البقاء فليعد للمصائب قلباً صبورا». 62 ـ وقال (عليه السلام): «العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم». 63 ـ وقال (عليه السلام): «الصبر علي المصيبة مصيبة للشامت». 64 ـ وقال (عليه السلام): «مقتل الرجل بين فكيه والرأي مع الأناة وبئس الظهر و بئس الظهير الرأي القصير الرأي الفطير». 65 ـ وقال (عليه السلام): «ثلاث خصال تجلب بها المودة: الانصاف والمعاشرة [ صفحه 244] والمواساة والشدة والانطواء علي قلب سليم». 66 ـ وقال (عليه السلام): «الناس اشكال وكلّ يعمل علي شاكلته، والناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله تعالي فإنها تعود عداوة، وذلك قوله عزّ وجلّ: (الاخلاّء بعضهم لبعض عدو الاّ المتقين)». 67 ـ وقال (عليه السلام): «من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه». 68 ـ وقال (عليه السلام): «كفر النعمة داعية للمقت ومن جازاك بالشكر فقد اعطاك اكثر ممّا أخذ منك». 69 ـ وقال (عليه السلام): «لا تفسد الظن علي صديق قد اصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه». 70 ـ وقال (عليه السلام): «كل الشريف من شرفه علمه والسؤدد كل السؤدد لمن اتقي الله ربه». 71 ـ وقال (عليه السلام): «لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وارحموا ضعفاءكم واطلبوا من الله الرحمة بالرحمة فيهم». 72 ـ وقال (عليه السلام): «من أ مّل فاجراً كان أدني عقوبته الحرمان». 73 ـ وقال (عليه السلام): «موت الانسان بالذنوب اكثر من موته بالأجل وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر.» [417] . وآخر دعوانا أن الحمد الله ربِّ العالمين

پاورقي

[1] الكافي: 1 / 320، والإرشاد: 2 / 277.
[2] رجال الكشي: 463.
[3] الكافي: 1 / 321.
[4] الكافي: 1 / 321.
[5] اثبات الوصية: 212.
[6] الكافي: 1 / 322.
[7] الارشاد: 2 / 281.
[8] الإرشاد: 2 / 282.
[9] المناقب: 4 / 362. [
[10] تذكرة الخواص: 358 ـ 359.
[11] راجع مطالب السؤول: 239، والفصول المهمة: 252.
[12] راجع كشف الغُمّة في معرفة الأئمة: الإمام محمّد الجواد: 2 / 370 ـ 371.
[13] تاريخ الإسلام: 8، والوافي بالوفيات 4: 105.
[14] الفصول المهمة: 251.
[15] الاتحاف بحب الأشراف: 168.
[16] جامع كرامات الأولياء: 1 / 100.
[17] جوهرة الكلام: 147.
[18] راجع: شرح الصلوات للفضل بن روزبهان، وقد سمّاه بوسيلة الخادم الي المخدوم أيضاً.
[19] الاعلام: 7 / 155.
[20] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 151 ـ 152.
[21] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 151 ـ 152.
[22] اُصول الكافي: 1 / 314.
[23] مريم (19): 12.
[24] القصص (28): 14.
[25] الأحقاف (46): 15.
[26] اُصول الكافي: 1 / 315.
[27] يوسف (12): 108.
[28] اُصول الكافي: 1 / 315.
[29] حياة الإمام الجواد: 66.
[30] اثبات الوصية: 210.
[31] راجع فقرتي (أ) و (ب) من هذا الفصل.
[32] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 159.
[33] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 159.
[34] أصول الكافي: 1 / 64.
[35] أصول الكافي: 1 / 64.
[36] التوحيد للصدوق: 82.
[37] البقرة (2): 106 ـ 107.
[38] الأعلي (87): 6 ـ 7.
[39] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 164.
[40] البقرة (2): 148.
[41] كمال الدين وتمام النعمة، للصدوق القمي: 377 ـ 378.
[42] حياة الإمام محمد الجواد: 79 ـ 80.
[43] حياة الإمام محمد الجواد: 80، عن بحار الأنوار: 12 / 101.
[44] حياة الإمام محمد الجواد: 81، عن وسائل الشيعة: 8 / 58.
[45] الإمام محمد بن علي الجواد، عبد الزهراء عثمان محمد: 106 عن معاني الأخبار: 287.
[46] الإمام محمد بن علي الجواد، عبد الزهراء عثمان محمد: 106 عن معاني الأخبار: 287.
[47] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 286.
[48] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 286. الفنك: حيوان صفير من فصيلة الكلبيات، شبيه بالثعلب، لكن اذنيه كبيرتان، لا يتجاوز طوله اربعين سنتيمتر بما فيه الذنب، فروته من أحسن الفراء. والسمور: حيوان برّي من فصيلة السموريات ورتبة اللواحم، يشبه ابن عرس واكبر منه، لونه أحمر مائل الي السواد، تتخذ من جلده فراء ثمينة.
[49] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 389.
[50] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 411.
[51] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 426.
[52] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 430.
[53] حياة الإمام محمّد الجواد: 101.
[54] حياة الإمام محمّد الجواد: 67.
[55] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 220.
[56] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 222.
[57] حياة الإمام محمد الجواد: 68.
[58] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 212.
[59] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 214 ـ 215.
[60] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 218.
[61] نقلنا هذه المصاديق عن إعلام الوري بأعلام الهدي: 97 ـ 100، ومستدرك عوالم العلوم: 23 / 218.
[62] مريم (19): 12.
[63] إثبات الهداة: 6 / 185.
[64] الوافي بالوفيات: 4 / 105، بحار الأنوار: 12 / 109.
[65] وسائل الشيعة: 6 / 499.
[66] قال محمّد بن بحر الرهني: سجستان: إحدي بلدان المشرق، لم تزل لفاحاً علي الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن، متوحَدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصحّ منهم معاملة، ولا أقلّ منهم مخاتلة، وأضاف في تعداد مآثرها أنّه لُعن عليّ بن أبي طالب علي منابر الشرق والغرب، ولم يلعن علي منابرها إلاّ مرّة، وامتنعوا علي بني اُميّة حتي زادوا في عهدهم أن لا يلعن علي منبرهم أحد.. وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي منبرهم، وهو يلعن علي منابر الحرمين مكّة والمدينة؟ ـ معجم البلدان: 3 / 190 ـ 191.
[67] بحار الأنوار: 50 / 86.
[68] بحار الأنوار: 12 / 129.
[69] بحار الأنوار: 12 / 126.
[70] وسائل الشيعة: 2 / 874.
[71] وسائل الشيعة: 2 / 893.
[72] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 70 ـ 75.
[73] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 20.
[74] إعلام الوري بأعلام الهدي: 2 / 91.
[75] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 22.
[76] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 27 ـ 29.
[77] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 31.
[78] الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 66.
[79] الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 108.
[80] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 108 ـ 109.
[81] مروج الذهب: 3 / 222.
[82] المحاسن والمساوئ: 339.
[83] مختصر تاريخ العرب و التمدن الاسلامي: 184.
[84] تاريخ الخميس: 2 / 331.
[85] الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 463 ـ 464.
[86] السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي: 1 / 16.
[87] التنبيه والاشراف: 302.
[88] عيون التواريخ: 3، ورقة: 212.
[89] سمط النجوم: 3 / 306.
[90] اتّجاهات الشعر العربي: 73.
[91] عيون التواريخ: 3، ورقة: 211 / حياة الإمام محمد الجواد: 193 ـ 197.
[92] حياة الإمام محمّد الجواد(عليه السلام): 198.
[93] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 198 ـ 199.
[94] العقد الفريد: 3 / 254.
[95] المستطرف: 2 / 306.
[96] الحضارة العربية لجاك س. ريلر: 108.
[97] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 221 ـ 225.
[98] حياة الحيوان: 1 / 72.
[99] الفهرست: 174، ابن النديم. [
[100] الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 154.
[101] راجع الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 152.
[102] راجع الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 156 ـ 157.
[103] الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 141.
[104] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 141.
[105] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 141.
[106] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 66.
[107] الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 107 ـ 108.
[108] الوصية: الصوت يكون في الناس وغيرهم. الوصية: الرحمة.
[109] الجلبة: اختلاط الأصوات والصياح.
[110] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 108، عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 2 / 269، 270.
[111] نظرية الإمامة: 381، نقلاً عن الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 465.
[112] اُصول الكافي: 1 / 256 ـ 257.
[113] اُصول الكافي: 1 / 256 ـ 257.
[114] إعلام الوري: 2 / 92.
[115] إعلام الوري: 2 / 93.
[116] إعلام الوري: 2 / 95.
[117] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 68.
[118] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 69.
[119] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 72.
[120] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 73 و 76.
[121] كذا في الأمالي: 526 ح17، العيون: 2 / 242 / ح1، عنهما الوسائل: 2 / 837 / ح4، والبحار: 49 / 300 / ح10، وج: 82 / 46 / ح 35، ومدينة المعاجز: 498 / ح 114 و ص: 524 / ح 37. وأوردها القطب الراوندي في الخرائج: 1 / 352 ح 8، عن أبي عبد الله محمّد بن سعيد النيسابوري، عن أبي الصلت الهروي.
[122] تاريخ الإسلام: 2 / 322 للدكتور حسن إبراهيم حسن.
[123] حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 82.
[124] تاريخ الإسلام: 2 / 338 للدكتور حسن احبراهيم حسن.
[125] تاريخ الفلسفة في الإسلام: 39.
[126] حضارة العرب: 218.
[127] المعارف: 230 ـ 231، الفهرست: 42 ـ 45.
[128] التبيان: 1 / 4.
[129] حياة الإمام محمّد الباقر: 1 / 181.
[130] حياة الإمام محمّد الباقر: 1 / 181.
[131] مقدّمة المقنع والهداية: 10.
[132] الفهرست: 339.
[133] تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي: 4 / 160 ـ 162.
[134] عصر المأمون: 1 / 375.
[135] راجع: حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 179 ـ 188.
[136] اتّجاهات الشعر العربي: 49.
[137] راجع حياة الإمام محمّد الجواد: 190 بتصرف بسيط.
[138] تاريخ التمدّن الإسلامي: 4 / 182.
[139] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 188 ـ 192.
[140] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 261.
[141] الأدب في ظلّ التشيّع: 68.
[142] تاريخ الطبري 10 / 446.
[143] حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 47.
[144] الحدائق الوردية: 2 / 220.
[145] راجع: حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 203 ـ 205.
[146] الإدارة الإسلامية في عزّ العرب: 82.
[147] المقدّمة: 179 ـ 180.
[148] المقدّمة: 179 ـ 180.
[149] أحسن التقاسيم للمقدسي: 64 (طبع ليدن).
[150] مقدّمة البخلاء: 24.
[151] مقدّمة البخلاء: 24.
[152] تاريخ الطبري: 7 / 149، وابن الأثير: 4 / 206.
[153] تزيين الأسواق للأنطاكي 3 / 117.
[154] الإسلام والحضارة العربية 2 / 231.
[155] المستطرف: 182 ـ 184.
[156] تاريخ بغداد: 5 / 393.
[157] حضارة الإسلام: 98.
[158] الأغاني: 9 / 88.
[159] حضارة الإسلام في دار السلام: 96.
[160] الجهشياري: 246.
[161] طبقات الشعراء لابن المعتزّ: 209.
[162] تاريخ الطبري: 10 / 92.
[163] حضارة الإسلام: 95، نقلاً عن المستطرف: 96.
[164] حضارة الإسلام: 95.
[165] حضارة الإسلام: 96.
[166] المقدّمة: 267.
[167] تاريخ بغداد لطيفور: 36.
[168] التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية لصالح أحمد: 177.
[169] أمراء الشعر العربي: 45.
[170] أمراء الشعر العربي: 45.
[171] الإسلام والحضارة العربية: 2 / 230.
[172] الإسلام والحضارة العربية: 2 / 231.
[173] يوم السعانين: عيد للنصاري.
[174] حياة الحيوان: 3 / 91.
[175] الأغاني: 6 / 74 ـ 75.
[176] حياة الحيوان: 5 / 115.
[177] الأوراق: 61.
[178] حلية الأولياء: 7 / 367 ـ 373.
[179] حلية الأولياء: 2 / 181.
[180] صفة الصفوة: 2 / 189.
[181] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 206 ـ 216.
[182] الدست هنا صدر البيت وهو معرب.
[183] بحار الانوار: 50 / 74 ـ 79.
[184] اُصول الكافي: 1 / 494 ـ 495، نقلاً عن حياة الإمام محمد الجواد: ص 228 ـ 229.
[185] تحف العقول: 454.
[186] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 81.
[187] تاريخ الخلفاء: 333 ـ 334.
[188] مجلة دراسات وبحوث: ص 94.
[189] راجع الكامل لابن الاثير: 5 / 232 ـ 265: ثورة الطالقان بقيادة محمد بن القاسم العلوي، وثورة الزط في البصرة، وثورة بابك الخرمي، وتحرك الروم الي زبطرة وغيرها من بلاد الاسلام، وثورة المبرقع في فلسطين وغيرها.
[190] كشف الغمة: 2 / 361.
[191] الكرسوع: كعصفور: طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ.
[192] المائدة (5): 5.
[193] الجن (72): 18.
[194] بحار الانوار: 50 / 5 ـ 7.
[195] الارشاد: 2 / 298.
[196] كشف الغمة: 2 / 358.
[197] بحار الأنوار: 50 / 62 ـ 63.
[198] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 264.
[199] اُم عيسي هي كنية اُخري لاُم الفضل، واسمها زينب، كما في بعض النصوص.
[200] بحار الأنوار: 50 / 62 ـ 63.
[201] بحار الانوار: 50 / 17.
[202] ان الصلاة من قبل المعتصم والواثق علي الإمام (عليه السلام) إنما هو للتعتيم الإعلامي علي قتل الإمام (عليه السلام) والمعروف ان المعصوم (عليه السلام) يقوم بتجهيز المعصوم والصلاة عليه. فلا مانع من حضور الإمام الهادي(عليه السلام) عند تجهيز أبيه الجواد (عليه السلام). راجع النص من الإمام الهادي علي حضوره تغسيل وصلاة ودفن أبيه في مسند الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 125 ـ 126.
[203] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 263.
[204] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 264.
[205] الكافي: 1 / 497 / 12، اعلام الوري عن ابن عياش، التهذيب: 6 / 90.
[206] إذا كان الإنجاب مقصوداً للمأمون فاحتواء ابن الإمام من قبل العباسيين يكون أمراً ممكناً بل متوقعاً وإذا لم يكن الانجاب مطلوباً لهم فسوف تكون مهمة أبنة المأمون الحيلولة دون إنجاب الإمام(عليه السلام) من طرفها وممّن سواها كما تلاحظ ذلك في غيرتها وشكايتها لأبيها من الإمام الجواد الذي كان من الطبيعي في ذلك المجتمع أن يتزوج من أمة من الإماء بالرغم من وجود زوجة عنده مثل ابنة المأمون.
[207] راجع في هذا الجانب بالخصوص الحديث التفصيلي الذي ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) حول الإمام والامامة في تحف العقول.
[208] اعتمدنا في هذا البحث علي محاضرة للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) حول الإمام الجواد (عليه السلام) وعرضناها بتصرّف.
[209] سورة ق (50): 16.
[210] الأحزاب (33): 7.
[211] الحج: (22): 75.
[212] الأنفال (8): 33.
[213] الاحتجاج: 2 / 477 ـ 480.
[214] إعلام الوري بأعلام الهدي: 2 / 105 ـ 106.
[215] بحار الانوار: 50 / 46 ـ 47.
[216] البُهرة بالضم تتابع النفس.
[217] مستدرك عوالم العلوم: 50 / 47.
[218] مستدرك عوالم العلوم: 50 / 47.
[219] مستدرك عوالم العلوم: 47 ـ 48.
[220] بحار الانوار: 50 / 99 ـ 100.
[221] بحارالأنوار: 108.
[222] حلية الابرار: 2 / 398، نقلاً عن حياة الإمام محمّد بن علي الجواد: 32 ـ 33.
[223] مريم (19): 12.
[224] القصص (28): 14.
[225] الاحقاف (46): 15.
[226] اُصول الكافي: 1 / 314.
[227] العنكبوت (29): 61.
[228] الانعام (6): 103.
[229] حد التعطيل هو عدم اثبات الوجود، والصفات الكمالية والفعلية والاضافية له تعالي، وحد التشبيه الحكم والاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات وعوارض الممكنات.
[230] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 353 ـ 354.
[231] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 354 ـ 356.
[232] بحار الانوار: 50 / 59 ـ 61.
[233] اُصول الكافي: 1 / 245.
[234] اُصول الكافي: 1 / 248.
[235] اصول الكافي: 1 / 53 ح 15، عنه الوسائل: 18 / 58 / 27.
[236] المراد بسيّده هنا إمّا الإمام الرضا، أو الإمام الجواد، أو الإمام الهادي (عليهم السلام) لأنّه خدمهم ثلاثتهم(عليهم السلام)، والمرسل إليه يحتمل الثلاثة.
[237] رجال الكشي: 610 ح 1134، وزاد فيه: قال أبو عمرو: هذا يدل علي أنّه كان وكيله، ولخيران هذا مسائل يرويها عنه، وعن أبي الحسن (عليهما السلام)، عنه في الوسائل: 12 / 216 / ح 6.
[238] بحار الأنوار: 50 / 99.
[239] البقرة (2): 187.
[240] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 382 ـ 382.
[241] هو هشام بن ابراهيم العباسي وكان يعارض الرضا والجواد (عليهما السلام).
[242] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 162 ـ 163.
[243] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 475.
[244] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 466.
[245] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 484 ـ 485.
[246] تحف العقول: 457.
[247] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[248] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[249] مستدرك عوالم العلوم:: 23 / 278.
[250] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 280.
[251] تحف العقول: 456.
[252] تحق العقول: 455 ـ 456.
[253] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 257.
[254] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[255] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[256] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[257] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 280.
[258] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 279.
[259] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 280.
[260] الزخرف (43): 67.
[261] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 279.
[262] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 275.
[263] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 278.
[264] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 278.
[265] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 276.
[266] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 277.
[267] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 277.
[268] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 275.
[269] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 278.
[270] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 278.
[271] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 279.
[272] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 279.
[273] الاعراف (7): 97.
[274] تحف العقول: 456.
[275] راجع اُصول الكافي: 1 / 201.
[276] إعلام الوري بأعلام الهدي: 2 / 98.
[277] راجع موسوعة الإمام الجواد(عليه السلام): 2 / 413 ـ 515.
[278] إعلام الوري بأعلام الهدي: 2 / 98.
[279] كشف الغمة: 2 / 363.
[280] الحجرات (49): 12.
[281] هو محمد بن الفرج الرُخّجي، من أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام).
[282] الارشاد: 2 / 298 ـ 300.
[283] اُصول الكافي: 1 / 323.
[284] يعني ابنه الملقب بالمبرقع المدفون بقم.
[285] اُصول الكافي: 1 / 261.
[286] إعلام الوري: 339.
[287] البقرة (2): 148.
[288] الاحتجاج: 2 / 481 ـ 482.
[289] كمال الدين وتمام النعمة: 377.
[290] كمال الدين وتمام النعمة: 378.
[291] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 139 ـ 141.
[292] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 139 ـ 141.
[293] رجال الكشي: 552 طبعة مشهد.
[294] الفهرست للشيخ الطوسي ص58.
[295] رجال الطوسي: 405.
[296] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 164.
[297] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 164.
[298] مقدمة كتاب المحاسن، للسيد محمد صادق بحر العلوم.
[299] مقدمة كتاب المحاسن، للسيد محمد صادق بحر العلوم.
[300] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 156.
[301] رجال الكشي: 548، طبعة مشهد.
[302] رجال النجاشي: 253.
[303] رجال النجاشي: 253.
[304] رجال الكشي: 550، طبعة مشهد.
[305] رجال الكشي: 550 طبعة مشهد.
[306] عن رجال الكشي: 550 طبعة مشهد.
[307] رجال الكشي: 551 طبعة مشهد.
[308] رجال الكشي: 551 طبعة مشهد.
[309] رجال الكشي: 551 طبعة مشهد.
[310] حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 159.
[311] رجال النجاشي: 149، وراجع غيبة الشيخ الطوسي: 216 والكشي: 502 ـ 503 طبعة مشهد.
[312] رجال الكشي: 275.
[313] جامع الرواة: 1 / 554.
[314] رجال النجاشي: 190.
[315] اُصول الكافي: 1 / 123.
[316] التوحيد: 83.
[317] بصائر الدرجات: 225، وعلل الشرائع: 1 / 118.
[318] معاني الأخبار: 390.
[319] اُصول الكافي: 1 / 248.
[320] الاحتجاج: 1 / 9.
[321] الاحتجاج: 2 / 338.
[322] بصائر الدرجات: 132.
[323] اُصول الكافي: 1 / 532.
[324] غيبة النعماني: 302.
[325] المناقب: 2 / 432.
[326] بحار الأنوار: 50 / 100.
[327] دلائل الامامة: 206.
[328] امالي الصدوق: 167.
[329] الثاقب في المناقب: 209.
[330] الكافي: 1 / 548.
[331] من لا يحضره الفقيه: 3 / 376.
[332] عدّة الداعي: 18.
[333] بحار الأنوار: 13 / 405.
[334] كذا في الاصل والظاهر: النطفة.
[335] اثبات الوصية: 157.
[336] الثاقب في المناقب: 119، مخطوط.
[337] اخبار اصفهان: 1 / 242 و 2 / 206، وتاريخ بغداد: 3 / 54، والوفيات: 3 / 315.
[338] عيون الاخبار: 1 / 13، والعلل: 1 / 126.
[339] الأعراف (7): 31.
[340] ويوحنا بن بختيشوع: هو طبيب أخي المعتمد، شخص أسقفاً علي الموصل سنة (893 م) ـ (279 هـ) وهذا التاريخ بعيد عن حياة الإمام الجواد (عليه السلام) والّذي اُستشهد سنة 220 هـ. والظاهر أنّه جبرئيل بن بختيشوع بن جورجيس، طبيب المأمون، توفي سنة (828 م) (212 هـ). واُسرة بختيشوع: اُسرة أطباء من النساطرة أصلها من جند نيسابور، خدمت الخلفاء العباسيين نحو ثلاثة قرون. اشتهر منها: جورجيس بن جبرئيل وبختيشوع بن جبرئيل.
[341] الأسقف: فوق القسيس ودون المطران، والكلمة يونانيّة.
[342] المناقب: 3 / 495، وبحار الأنوار: 50 / 57 ضمن ح31، ومدينة المعاجز: 533 ح60.
[343] الشينيز والشونيز والشونوز والشهنيز: الحبّة السوداء «القاموس المحيط: 2 / 179» وقال ابن البيطار في الجامع لمفردات الأدوية والأغذية: 3 / 72: الحبّة السوداء: وتسمّي أيضاً بالشونيز. وهو نبات صغير دقيق العيدان، طوله نحو شبرين أو أكثر، وله ورق صغار، وعلي طرفه رأس شبيهة بالخشخاش في شكله، طويلة مجوفّة تحوي بزراً أسوداً حريفاً طيّب الرائحة وفيه عن جالينوس أنّه يشفي الزكام إذا صيّر في خرقة وهو مقلوّ وشمّه الانسان.
[344] النحل (16): 69.
[345] رجال الكشي: 65، عنه الوسائل: 17 / 76 ح 15، والبحار: 62 / 100 ح 23 وص 227 ح 3.
[346] زاد في م «الثالث» وهو تصحيف بقرينة سند الحديث السابق وعدم رواية الجواد عن ولده (عليهما السلام) ومكاتبة ابن شاذان لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) وعليه فلا تصحّ رواية ابن شاذان عن أبي الحسن الثالث بواسطة، ويحتمل «الثالث» تصحيف «الثاني» اُنظر معجم رجال الحديث: 4 / 367.
[347] الفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل.
[348] رجال الكشي: 65، عنه البحار: 62 / 100 ح 24.
[349] القطاة، واحدة القطا: هو ضرب من الحمام ذوات أطواق يشبه الفاختة والقماري.
[350] الكافي: 6 / 312 ح 5، عنه البحار: 65 / 43 ح 2، والوسائل: 17 / 33 ح 2.
[351] «وعينيه» م.
[352] القرنفل: ثمر شجرة كالياسمين، وهو أفضل الأفاويه الحارة.
[353] داف الدواء ونحوه: خلطه. أذابه في الماء وضربه فيه ليختثر. وفي م «تدنفه» تصحيف.
[354] «الحامل» خل.
[355] الكافي: 6 / 81، عنه في بحار الأنوار: 62 / 186 ح 2، ومستدرك الوسائل: 16 / 446 ح 11.
[356] سويق العدس: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: سويق العدس يقطع العطش ويقوّي المعدة، وفيه شفاء من سبعين داء، ويطفئ الصفراء، ويبرّد الجوف، وكان (عليه السلام) إذا سافر لا يفارقه، وكان (عليه السلام) إذا هاج الدم بأحد من حشمه قال له: اشرب من سويق العدس، فإنّه يسكّن هيجان الدم، ويطفئ الحرارة (الكافي: 6 / 307 ح1). وقال المجلسي (رحمه الله) في البحار: 66 / 63:... وأمّا إطفاؤه للصفراء والحرارة) كما في رواية أبي عبد الله(عليه السلام) أعلاه (فقيل لجهتين: أحدهما من جهة التبريد في الأمزجة الحارّة، والآخر من جهة تغليظ الدم وتسكين حدّته، فيقلّ جريانه وسيلانه في العروق، ولهذا السبب يقطع دم الحيض كما في الخبر.
[357] الكافي: 6 / 307 ح 2، عنه الوسائل: 17 / 10 ح 2.
[358] «رنجومة» كما في نسخة اُخري.
[359] الزعفران: نبات معمّر من الفصيلة السوسنيّة، منه أنواع بريّة ونوع صبغي طبيّ مشهور وهو حارّ يابس مفرح يقوّي الروح، وجيّده الطريّ الحسن اللون، الزكيّ الرائحة، علي شعره قليل بياض غير كثير ممتلئ صحيح، سريع الصبغ، غير ملزج ولا متفتّت، وإذا كان في بيت لا يدخله سام أبرص. راجع الطب من الكتاب والسنّة: 113، القانون: 1 / 306، القاموس المحيط: 2 / 39.
[360] العاقر قرحا: نبات من الفصيلة المركّبة تستعمل جذوره في الطبّ، ويكثر في إفريقية، وقال في إحياء التذكرة: 430: هو أصل الطرخون الجبلي، ينقّي البلغم من الرأس، ويزيل وجع الأسنان والسعال وأوجاع الصدر وبرد المعدة والكبد، ويزيل الخناق غرغرة.
[361] قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: 3 / 398: السنبل، كقنفذ: نبات طيّب الرائحة ويسمّي سنبل العصافير، أجوده السوري وأضعفه الهندي مفتّح محلّل مقوّ للدماغ والكبد والطحال والكلي والأمعاء مدرّ، وله خاصيّة في حبس النزف المفرط من الرحم، والسنبل الرومي الناردين.
[362] القاقلّة: ثمر نبات هندي من العطر والأفاويه مقوّ للمعدة والكبد، نافع للغثيان والاعلال الباردة حابس، والقاقلّة الكبيرة أشدّ قبضاً من الصغيرة وأقل حرافة، قاله في القاموس المحيط: 4 / 39.
[363] البنج: قال في المعجم الوسيط: 1 / 71: (من الهندية): جنس نباتات طبيّة مخدّرة من الفصيلة الباذنجانيّة. وقال في القاموس المحيط: 1 / 179: مسكّن لأوجاع الأورام والبثور ووجع الأذن، وأخبثه الأسود ثمّ الأحمر، واسلمه الأبيض.
[364] الخربق ـ كجعفر ـ نبات ورقه كلسان الحمل أبيض وأسود وكلاهما يجلو ويسخّن وينفع الصرع والجنون والمفاصل والبهق والفالج ويسهّل الفضول اللزجه، وربما أورث تشنّجات، وإفراطه مهلك... قاله في القاموس المحيط: 3 / 225، وقال ابن البيطار في جامعه: 2 / 55: عن ابن سرابيون أنّه قال: الخربق الأسود يسهّل المرّة الصفراء الغليظة جداً، ويعطي في العلل الحادة والمزمنة التي تحتاج إلي دواء يسهل المرّة الصفراء كعلل الصدر، وهو نافع في تنقية الاحشاء جداًوالرحم والمثانة والعلل المتقادمة في قصبة الرئة.
[365] الفلفل (كهدهد وزبرج): حبّ هندي، والأبيض أصلح وكلاهما نافع لقلع البلغم اللزج مضغاً بالزفت، ولتسخين العصب والعضلات تسخيناً لا يوازيه غيره وللمغص والنفخ واستعماله في اللعوق للسعال وأوجاع الصدر وقليله يعقل وكثيره يطلق ويجفّف ويدرّ ويبرّد المني بعد الجماع. القاموس المحيط: 4 / 32.
[366] أبرفيون: هو صمغ تنتجه شجرة شائكة، ويحصل عليه بواسطة شق أغصان الشجرة فتسيل منها عصارة صمغية لا تلبث أن تجفّ وتتجمّد بعد ملامستها الهواء، ومن أسمائها، الفربيون، قال في القاموس المحيط: 4 / 255: هو دواء ملطف نافع لعرق النسا وبرد الكلي والقولنج ولسع الهوام وعضّة الكلب ويسقط الجنين ويسهّل البلغم اللزج.
[367] العسل: قال تعالي في سورة النحل: 69: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس). هو غذاء ودواء ذكرت منافعه في الكثير من كتب الطبّ لا مجال لذكرها لكثرتها.
[368] الكمّون (كتنّور): حبّ مدرّ مجشّ هاضم طارد للرياح وابتلاع ممضوغه بالملح يقطع اللّعاب، والكمّون الحلو الآنيسون، والحبشي شبيه بالشونيز، والأرمني الكوربا، والبريّ الأسود. وقال في الطبّ من الكتاب والسنّة: 147: حار يحلّ القولنج ويطرد الريح، وإذا نقع في الخلّ وأكل قطع شهوة الطين والتراب وروي ليس شيء يدخل الجوف إلاّ تغيّر إلاّ الكمون.
[369] راجع مستدرك عوالم العلوم والمعارف: 23 / 361 ـ 368.
[370] ذكر المجلسي في بحار الأنوار: 62 / 145: قال في القانون (1 / 388)، السداب الرطب حارّ يابس في الثاني، واليابس حارّ يابس في الثالثة، واليابس السري حارّ يابس في الرابعة، وعصارته المسخّنة في قشور الرمان يقطر في الأذن فينقّيها ويسكن الوجع والطنين والدويّ، ويقتل الدود، ويطلي به قروح الرأس، ويحدّ البصر خصوصاً عصارته مع عصارة الرازيانج والعسل كحلاً وأكلاً، وقد يضمد به مع السويق علي ضربان العين (انتهي). وفي المعجم الوسيط: 1 / 424 ـ بالذال المعجمة ـ: جنس نباتات طبيّة من الفصيلة السدابيّة. وقيل: نبات ورقه كالصعتر ورائحته كريهة.
[371] الفجل: غذاؤه قليل وفيه حرارة، ويفتح سدد الكبد ويعين علي الهضم ويعسر هضمه وأكله يولّد القمل. قاله في الطبّ من الكتاب والسنّة: 140، وفي هامشه: يؤكل الفجل مع باقي المشهّيات والمقبّلات للطعام، ويحتوي علي الفيتامين (c) ومدرّ للبول، يساعد علي الهضم، ويكافح السعال.
[372] راجع هذا البحث في مستدرك عوالم العلوم (الإمام محمد بن علي الجواد): 23 / 358 ـ 370.
[373] الكافي: 99، عنه في بحار الأنوار: 62 / 249 ح 11، ومستدرك الوسائل: 16 / 465 / ح 25.
[374] مستدرك عوالم العلوم: 23 / 227 ـ 228 ـ 238.
[375] تحف العقول: 335.
[376] تحف العقول: 335.
[377] تحف العقول: 335.
[378] تحف العقول: 336.
[379] تحف العقول: 336.
[380] تحف العقول: 336.
[381] تحف العقول: 456.
[382] تحف العقول: 456.
[383] تحف العقول: 335.
[384] تحف العقول: 336.
[385] تحف العقول: 336.
[386] أمالي المفيد: 191.
[387] أمالي المفيد: 329.
[388] الثاقب في المناقب: 226.
[389] الثاقب في المناقب: 226.
[390] بحار الأنوار: 70 / 78.
[391] بحار الأنوار: 71 / 53.
[392] بحار الأنوار: 71 / 155.
[393] بحار الأنوار: 71 / 340.
[394] بحار الأنوار: 71 / 340.
[395] بحار الأنوار: 71 / 340.
[396] بحار الأنوار: 71 / 341.
[397] بحار الأنوار: 74 / 198.
[398] بحار الأنوار: 75 / 109.
[399] بحار الأنوار: 75 / 380.
[400] بحار الأنوار: 75 / 380.
[401] بحار الأنوار: 78 / 346.
[402] بحار الأنوار: 78 / 364.
[403] بحار الأنوار: 78 / 364.
[404] بحار الأنوار: 78 / 364.
[405] بحار الأنوار: 78 / 364.
[406] بحار الأنوار: 78 / 364.
[407] بحار الأنوار: 78 / 364.
[408] بحار الأنوار: 78 / 364.
[409] بحار الأنوار: 78 / 365.
[410] بحار الأنوار: 78 / 365.
[411] بحار الأنوار: 78 / 365.
[412] بحار الأنوار: 78 / 365.
[413] بحار الأنوار: 78 / 365.
[414] بحار الأنوار: 78 / 365.
[415] تاريخ بغداد: 3 / 54، والوفيات: 3 / 315.
[416] كشف الغمة: 2 / 348.
[417] الفصول المهمة: 274 ـ 275.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.