الامام التاسع محمّد بن علي الجواد عليه السّلام
المؤلف : لجنة التحرير في طريق الحق
اسم الكتاب... الامام التاسع محمَّد بن عَليّ الجواد(علیه السلام)
المؤلف... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم... محمّد عبد المنعم الخاقاني
الناشر... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ... 3000
المطبعة... سلمان الفارسي
الطبعة... الثانية
تاريخ النشر... 1425 ه- ق - 2004م
ISBN: 964 - 6425 - 87 - 9
السعر 400 تومان
محرر الرقمي: علي کهن کار
ص: 1
الامام التّاسع
محمّد بن عليّ الجواد (عليه السّلام)
المولف:لجنة التحرير في طريق الحق
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
لاريب في انّ اغرب واعجب قصّة في جميع أرجاء الوجود هي قصة خلافة الانسان في الأرض، ولو تعمّقنا في الرّؤية لوجدنا انّ تكريم الانسان على سائر المخلوقات هو بسبب هذه الميزة و هي التّمتّع بموهبة عظيمة و هي كونه «خليفة الله».
يقول حافظ الشّيرازي:
آسِمان بارِ آمانت نَتَوانست کَشید قُرعِه فال بِه نام مَن دیوانه زَدَند
یعنی: «لم تستطع السّماوات ان تتحمل عبئ الأمانة، فوقعت القرعة باسمي انا المجنون».
إنّ مجموعة أنبياء الله و أوصيائه من آدم و حتّى النّبيّ الخاتم، و من النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتى الامام القائم (علیه السلام) في تاريخ معرفة الله و معنويّة الانسان تشبه الجبال الشاهقة الّتي تضمّ في باطنها معادن العلم والحكمة والولاية، وهي تشكّل الواسطة بين الله تعالى و سائر المخلوقات، وهي الحفاظة للأمانة الالهيّة (الخلافة) في الأرض.
ص: 3
و هذه السّلسلة من جبال المعنويّات تعتبر أفضل المخلوقات و أقربها إلى الله و هى الأسوة والقدوة للآخرين، وحياة كلّ واحد وهي من هؤلاء لم تكن حياة عاديّة في عصره بسبب ما يتمتّع به من علوم تتعّلق بما وراء هذا العالم و بسبب افعاله و أقواله الالهيّة، فكانت تتضمن عجائب و غرائب كثيرة في المناسبات المختلفة، فنوح (علیه السّلام) عمّر ما يناهز الف عام و كان خلالها نبيّاً، وأخيراً ارسل الله تعالى على اعدائه طوفاناً أغرقهم به، و أنزل من السّماء العذاب على مخالفي هود وصالح (عليهما السّلام) و منكري نبوّتها، و سقط ابراهيم الخليل (عليه السّلام) في النّار كالفراشة لكنّها اصبحت له باذن الله برداً وسلاماً، وتحوّلت العصا في يد موسى عليه السّلام باذن الله الى ثعبان يلقف إفك الفراعنة، وتحكّم سلیمان (عليه السّلام) في مسير الرّيح وكلّم الطّير، واحيا عيسى باذن الله الأموات، و أما نبيّ الاسلام الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد رافقته عدّة عجائب، فبولادته تحطمت الأصنام و انهدم اربعة عشر ايواناً من قصر كسرى، و انطفأت نار فارس و... و خلال نبوَته تغير العالم وبدأت البشرية عصراً جديداً.
أجل انّ اغرب القصص في تاريخ العالم هي قصّة خلافة الانسان لله في الأرض. و أينما تجلّت هذه الموهبة الغريبة و في ايّ نموذج ظهرت فقه رافقتها عجائب و غرائب عديدة.
و من جملة تلك العجائب انّ الأنبياء و الأئمة لم يدرسوا عند أحد ولم يكتسبو اعلومهم من استاذ ،بشريّ، وانّما اخذ و اتلك العلوم مَن
ص: 4
الذّات الالهيّة الفيّاضة.
وقد أدَت هذه الخاصّة- و هي عدم الحاجة الى التعلّم- الى أن لا يكون للعمر دور في الرسالة الالهية للقادة السّماويين، و انّما يُختار الشَخص في ايّ عُمُر كان بارادة الله و تأييده للنبوّة و هداية النّاس، و من هنا فقد اختير البعض في اواسط عمرهم والبعض في سنين أعلى و البعض في شبابهم والبعض في طفولتهم لهذا المنصب الرّفيع - خليفة الله- الذّي لا يمكن الظّفر به إلّا بارادة الله تعالى ومشيئته، وعندما تتعلّق ارادة الله بشي فانّه لا دور هناك للعمر و مقدار السّنين...
و هكذا كان حيث نلاحظ بتصريح من القرآن الكريم انَ «يحيى» قد ظفر بالنبوّة و هو صبيّ، و ان «عيسى» قدنال النبوّة و هو في المهد. يقول عزّوجلّ:
«يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتيناهُ الْحُكْمَ صَبيّاً».(1)
ويقول سبحانه:
«قالُوا كَيْفَ نُكِلَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْد صَبيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبيّا»(2).
وبناءً على هذا فمن السّذاجة والجهل ان يُشكل بعض المعاندين على امامة بعض أئمتنا الطّاهرين الذّين نالوا منصب
ص: 5
الامامة في سنين الطّفولة. اذن من يعترض على امامة الامام الجواد علیه السّلام قائلاً كيف يصل الى الامامة و هو في سنّ الثّامنة اوالتّاسعة، فقد دلّ على جهله وخالف امراً ينصّ القرآن الكريم على امكانه.
فالامام أبوجعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهما السّلام تولّى الامامة وخلافة الله في الأرض بعد استشهاد والده الكريم، وذلك بتصريح الأئمّة السّابقين. وبتعيين مسبق من قبل الامام الثّامن صلوات الله عليه، و بسبب صغر سنّه فقد تعرّض كثيرا للاختبار و الامتحان من قبل الأعداء والجهلاء، إلّا انّ تجلّى العلوم الالهيّة على يدهذا الامام الكريم كان بشكل باهر و رائع بحيث ينبغي ان تؤخذ امامة هذا الامام الجليل شاهداً ومؤيّداً لنبوّة يحيى وعيسى، لا أن تؤخذ نبوّة هذين النبييّن الكريمين شاهداً على امامة هذا الامام الجليل.
شورى المؤلَفين لمؤسسة في طريق الحقَ
ص: 6
كان قدمرّ من عمر الامام الثّامن علىّ بن موسى الرّضا عليه السّلام اكثر من اربعين عاماً لكنه لم يُرزق بولد، فكان هذا الأمر محزنا و مقلقاً للشّيعة، حيث كانوا يعتقدون حسب الرّوايات الواردة عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة المعصومين (عليهم السّلام)-بانّ الامام التّاسع سيكون ابن الامام الثّامن، و لهذا كانوا ينتظرون بفارغ الصّبر ان يمّن الله تعالى على الامام الرّضا عليه السّلام بولد، حتّى أنّهم في بعض الأحيان كانوا يذهبون الى الامام (عليه السّلام) ويطلبون منه ان يدعو الله سبحانه بان يرزقه ولداً، والامام (عليه السّلام) يسلّيهم في الجواب ويقول لهم:
«انّ الله سوف يرزقني ولداً يكون الوارث لي و الامام من بعدي»(1) .
و اخيراً ولد الامام محمّد الجواد (عليه السّلام) في اليوم العاشر من شهر رجب عام (195) هجريّة قريّة .(2)
ص: 7
و قد سُمّي ب- «محمّد»، و كنيته «ابوجعفر»، و أشهر ألقابه «التقيّ» و «الجواد».
و اشاعت ولادته الفرح والسّرور في المجتمع الّشيعيّ، وأدت الى تقوية الايمان والاعتقاد، وذلك لانّ التّرديد الّذين كان من الممكن ان يطرأ على قلوب بعض الشّيعة بسبب تأخر ولادة هذا الامام الكريم قد زال تماماً.
أمّا والدة الامام الجواد فاسمها «سبيكة»، وقد سماها الامام الرّضا عليه السّلام ب- «خیزران».
و تنحدر هذه السّيّدة الكريمة من أسرة «مارية القبطية» (1) زوج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعّد من أفضل نساء عصرها في الفضائل الأخلاقيّة، و في احدى الرّوايات انّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد سمّاها ب«خيرة الإماء»(2)، وقدبيّن الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام قبل ان تدخل هذه السّيّدة الى بيت الامام الرّضا عليه السّلام بعدّة سنوات بعض خصائصها و ميزاتها، و أرسل اليها سلاماً بواسطة احد أصحابه و هو «يزيد بن سليط».(3)
تقول «حكيمة» أخت الامام الرّضا عليه السّلام: عند ولادة الامام محمّد الجواد (عليه السّلام) طلب منّي اخي أن أكون الى
ص: 8
جانب «خیزران»، و في اليوم الثّالث من ولادة هذا الطّفل فقد فتح عينيه ونظر الى السّماء ثمّ التفت يميناً وشمالاً وقال:
«اشهد ان لا اله إلا الله وأشهد ان محمداً رسول الله»، ولمّا لاحظت هذا الأمر العجيب نهضتُ خائفة مضطربة وذهبت الى اخي و نقلت له ما شاهدته، فقال الامام: إنّ ما سوف ترونه منه بعد ذلك اكثر مما رأيتموه لحد الآن.(1)
يقول «ابو يحيى الصّنعاني»:
كنت عند الامام الرّضا عليه السّلام فجاءوا اليه بالامام الجواد و كان طفلاً صغيراً، فقال:
«إنّ هذا المولود لم يولد للشّيعة مولود اكثر بركة منه»(2).
و لعلّ قول الامام هذا كان بسبب ما اشرنا اليه آنفاً، وذلك لانّ ولادة الامام الجواد قد ازالت القلق من قلوب الشّيعة حيث كان يحزنهم ان لا يكون للامام الرّضا (عليه السّلام) خليفة، و انتشلت ايمانهم من ان يتلوّث بالشك و الترديد.
يقول (النّوفليّ): عند ما سافر الامام الرّضا (عليه السّلام) الى خراسان قلت له: أتأمرني بشئ ؟
قال: عليك ان تتبّع من بعدي ولدي «محمّداً»، فأنا ذاهب الى سفر لا اعود منه.(3)
ص: 9
يقول «محمّد بن ابي عباد» و هو كاتب الامام الرّضا عليه السّلام: كان الامام (عليه السّلام) يذكر ابنه محمّداً بكنيته(1)، و اذا وصلته رسالة من الامام الجواد (عليه السّلام) قال (علیه السّلام): «كتب اليّ ابوجعفر ...» و اذا كتبتُ رسالة لا بي جعفر (بأمر من الامام الرّضا ( عليه السّلام)) فانّه كان يخاطبه باكبار و احترام. و الرّسائل الّتي تأتي من الامام الجواد (عليه السّلام) كانت في غاية البلاغة والجمال.
و يقول «محمّد بن ابي عباد» ايضاً: سمعت الامام الرّضا عليه السّلام يقول: ابوجعفر وصيّي من بعدي وخليفتي من اهل بيتي.(2)
يقول «معمر بن خلاد»: كان الامام الرّضا عليه السّلام قد ذكر موضوعاً فقال: ما الدّاعي لان تسمعو امني هذا الموضوع ؟ هذا ابوجعفر قد أجلسته في محلّي وجعلته في مكاني (فأيّ سؤال او مشكلة تواجهكم فهو يجيبكم عليها)، فنحن اهل بيت يرث فيه الأبناء ما لدى الآباء (من حقائق و معارف و علوم) بصورة تامّة.(3) (والمقصود هو انّ جميع علوم الامامة و مقاماتها تصل الى الامام اللاحق من الامام السّابق، وهذا مختصّ بالأئمة عليهم السّلام و لا يشمل سائر أولادهم).
ص: 10
ينقل «الخيراني» عن ابيه أنّه قال: كنت عند الإمام الرّضا عليه السّلام في خراسان فسأله شخص: لو حدث لك أمر فلمن نرجع؟
قال: ارجعو الولدي ابي جعفر.
وكأنّ السائل لم يكن يرى عمر الامام الجواد كافيا (و هو يفكّر كيف يمكن ان يتوّلّى الامامة طفل صغير)، فقال الامام الرضا عليه السّلام: «لقد بعث الله تعالى عيسى بالنبوّة والرسالة بينما كان عمره أقلّ من العمر الحاليّ لابي جعفر».(1)
يقول «عبدالله بن جعفر»: ذهبت مع «صفوان بن يحيى» الى الامام الرضا عليه السّلام، و كان الامام الجواد حاضراً و عمره ثلاث سنين، فسألنا الامام: لوجرى لك حادث فمن هو خليفتك؟
فأشار الامام الى ابي جعفر وقال: ولدي هذا.
قلنا: وهو بهذا العمر؟
قال : اجل بهذا العمر و هذه السنّ، والله تعالى جعل عيسى عليه السّلام حجّته بينما لم يصل عمره حتّى الى ثلاث سنين.(2)
انّ الامامة كالنبوّة موهبة الهيّة يمنحها الله تعالى لمن هو اهل لها
ص: 11
من عباده المصطفين، ولا دخل للعمر في هذه الموهبة النّادرة. ولعلّ من يستبعد نبوّة و امامة الطّفل الصّغير او يتصوّرها مستحيلة قد خلط بين الأمور الالهيّة السّماويّة والشّؤون العاديّة، وتصوّرها بشكل واحد، بينما الواقع ليس كذلك ، فالامامة و النبوة مرتبطة بارادة الله تعالى، و هو يمنحها للعباد الذين يعلم بعلمه اللا محدود أهليتهم لهذا المقام الرّفيع، ولا مانع من اعطاء جميع العلوم احيانا بناءً على مصالح معيّنة لطفل صغير السن فيبعثه نبياً أويند به للامامة و هو في مرحلة الطفولة.
و قد وصل الى مقام الامامة الشّامخ الامام الجواد عليه السّلام و هو في سنّ الثّامنة أو التّاسعة.
يقول «معلّى بن محمد»:
بعد استشهاد الامام الرّضا عليه السّلام رأيت الامام الجواد فنظرت الى قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد ثمّ قال يا معلّى انّ الله احتّج في الامامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال «وآتيناه الحكم صبيّاً»(1)
يقول محمّد بن الحسن بن عمار:
كنت عند على بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة و كنت أقمت عنده سنتين اكتب عنه ما يسمع من اخيه يعني ابا الحسن (علیه السّلام)- اذ دخل عليه ابوجعفر محمد بن على الرضا
ص: 12
(علیه السّلام) المسجد مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)-فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولارداء فقبّل يده وعظّمه، فقال له ابوجعفر (عليه السّلام): يا عمّ اجلس رحمك الله فقال: يا سيّدي كيف اجلس و انت قائم، فلّما رجع عليّ بن جعفر الى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عمّ ابيه و أنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال اسكتوا اذا كان الله عزّوجلّ-وقبض على لحيته-لم يؤهَل هذه الشّيبة و أهل هذا الفتى و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله ؟! نعوذ بالله ممّا تقولون بل أنا له عبد.(1)
يقول عمر بن فرج: قلت للامام الجواد (عليه السّلام): إنّ شيعتك تدّعي انّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه؟ و كنّا على شاطئ دجلة، فقال (عليه السّلام): يقدر الله تعالى ان يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه ام لا؟ قلت: نعم يقدر، فقال: أنا اكرم على الله تعالى من بعوضة و من اكثر خلقه.(2)
و يقول عليّ بن حسان الواسطي:
حملت مع اليه (للامام الجواد حيث كان صغير السنّ) من الآلة الّتى للصّبيان بعضاً من فضّة، وقلت اتحف مولاي أبا جعفر (عليه السّلام) بها فلّما تفرّق النّاس عنه عن جواب لجميعهم قام فمضى الى صريا و اتبعته فلقيت موفَقاً فقلت: استأذن لي على ابي
ص: 13
جعفر علیه السّلام فدخلت و سلّمت فردّ عليّ السّلام و في وجهه الكراهة ولم يأمرني بالجلوس فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمّي بين يديه فنظر اليّ نظر مغضب ثمّ رمى يميناً وشمالاً ثمّ قال: ما لهذا خلقني الله، ما أنا واللّعب؟ فاستعفيته فعفى عنيّ فخرجت.(1)
1- جانب من اخباره الغيبية ومعجزاته: بعد استشهاد الامام الرّضا عليه السّلام سافر الى مكّة لأداء مراسم الحجّ ثمانون شخصاً من علماء وفقهاء بغداد والمدن الأخرى، و في أثناء الطّريق عرّجوا على المدينة للقاء الامام الجواد (عليه السّلام) أيضاً، فنزلوا في بيت الامام الصّادق عليه السّلام حيث كان خاليا آنذاك، و كان الامام عليه السّلام طفلاً فدخل الى مجلسهم و عرّفه للحاضرين شخص يسمّى «موفّق» فنهضوا جميعاً احتراما له وسلّموا عليه. وعندئذ طرحوا أسئلتهم و كان الامام يجيب عليها بشكل رائع ففرح الجميع (حيث شاهدوا فيه سماء الامامة واطمأنوا بامامته اكثر) و أثنو عليه و دعوا له ...
يقول أحد هؤلاء و هو اسحاق بن اسماعيل:
في السّنة التي خرجت الجماعة الى ابي جعفر (عليه السّلام) أعددت له في رقعة عشرة مسائل لأسأله عنها وكان لي حمل فقلت: اذا أجابني عن مسائلي سألته ان يدعو الله لي ان يجعله ذكراً، فلما سألته النّاس قمت و الرّقعة معي لأسأله عن مسائلي فلّما نظر اليّ قال
ص: 14
لی: يا ابا يعقوب سمّه احمد، فولد لي ذكر فسمّیته احمد، فقلت: شكراً لله، لا شكّ انّ هذا هو حجّة الله .(1)
2 - يقول عمران بن محمد الأشعرّي: دخلت على الامام الجواد عليه السّلام وقضيت حوائجي و قلت له: انّ ام الحسن تقرئك السّلام وتسألك ثوباً من ثيابك تجعله كفناً لها، قال: قد استغنت عن ذلك. فخرجت ولست ادري ما معنى ذلك، فأتاني الخير بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوماً أو أربعة عشر يوماً.(2)
3-عن احمد بن حديد قال: خرجت مع جماعة حجّاجاً فقطع علينا الطّريق، فلما دخلت المدينة لقيت الامام الجواد عليه السّلام في بعض الطّريق فأتيته الى المنزل فأخبرته بالّذي اصابنا فأمر لي بكسوة واعطاني دنانير، وقال: فرقَها على اصحابك، على قدر ما ذهب، فقسّمتها بينهم،فاذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقّل ولا أكثر.(3)
4-عن محمّد بن سهل القمّي انّه قال: كنت مجاوراً بمكّة فصرت الى المدينة فدخلت على الامام الجواد (عليه السّلام) واردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتّفق أن أسأله حتى ودّعته وأردت الخروج فقلت اكتب اليه وأسأله. قال: فكتبت اليه الكتاب فصرت الى المسجد على أن اصلي ركعتين واستخير الله مائة مرّة، فان وقع في قلبي ان ابعث اليه بالكتاب بعثت، واِلّا خرقته،
ص: 15
ففعلت فوقع في قلبي ان لا ابعث فخرقت الكتاب، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك اذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار ويسأل عن محمّد بن سهل القمي حتَى انتهى اليّ، فقال: مولاك بعث اليك بهذا و اذا ملاءتان .....(1)
استقدم المأمون الامام الجواد عليه السّلام الى بغداد و زوّجه ابنته، إلّا انّ الامام (عليه السّلام) لم يبق في بغداد بل عاد مع زوجته الى المدينة.
و عند العودة شيع جماعة من النّاس الامامَ الى خارج بغداد للوداع و التّجليل، فوصلوا الى مسجد قديم عند حلول وقت صلاة المغرب فدخل الامام الى ذلك المسجد ليقيم صلاة المغرب، وكانت في ساحة المسجد سدرة يابسة ليس عليها ورق، فدعا الامام بماء وتهيأ تحت السّدرة فعاشت السّدرة و أورقت وحملت من عامها.(2)
و نقل عن المرحوم الشّيخ المفيد انّه بعد سنين عديدة شاهد بنفسه هذه الشجرة وأكل من ثمرها.
6-الاخبار باستشهاد الامام الرّضا ( عليه السّلام): عن اميّة بن عليّ قال: كنت بالمدينة و كنت اختلف الى الامام الجواد عليه
ص: 16
السّلام، و الامام الرّضا بخراسان، و كان اهل بيته و عمومة من ابيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً الجارية فقال: قولي لهم يتهيؤون للمأتم، فلّها تفرقوا قالوا: ألا سألناه مأتم من؟ فلّما كان من الغد فعل مثل ذلك، قالوا: مأتم من؟ قال: مأتم خير من على ظهرها، فأتانا خبر الامام الرّضا (عليه السّلام) بعد ذلك بأيام فاذا هو قدمات في ذلك اليوم.(1)
عن محمّد بن أبي العلاء قال: سمعت يحيى بن اكثم-قاضي سامراء-(و هو من اعداء اهل بيت النبوّة والامامة) بعد ماجهدت به و ناظرته و حاورته و واصلته وسألته عن علوم آل محمّد فقال: بينا أنا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلّم فرآيت محمّد بن عليّ الرّضا عليهما السّلام يطوف به، فناظرته في مسائل عندي فأخرجها اليّ، فقلت له: والله اني اريد ان اسألك مسألة و اني والله لأستحيي من ذلك، فقال لي: أنا اخبرك قبل ان تسألني، تسألني عن الامام، فقلت: هو و الله هذا، فقال: انا هو، فقلت: علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: انّ مولاي امام هذا الزمان و هو الحجّة.(2)
8-انقاذ الجار: روي عن علي بن جرير انّه قال: كنت عند الامام الجواد عليه السّلام جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا
ص: 17
بعض الجيران يجرّونهم اليه ويقولون: انتم سرقتم الشّاه،فقال الامام (علیه السّلام): ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، وأخذوا الرّجل و ضربوه و خرقوا ثيابه، و هو يحلف انّه لم يسرق هذه الشّاة، الى ان صاروا الى الامام الجواد(عليه السّلام) فقال: ويحكم ظلمتم الرّجل فانّ الشّاة دخلت داره و هو لا يعلم بها، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه و ضربه.(1)
9-اطلاق سراح السّجين: عن علي ابن خالد قال: كنت بالعسكر (سامّراء) فبلغني ان هناك رجلاً محبوساً أتي به من ناحية الشّام مكبولاً وقالوا: انّه تنبّأ قال: فأتيت الباب وداريت البوّابين حتّى وصلت اليه فاذا رجل له فهم و عقل فقلت له: ما قصتك؟ فقال: انيّ كنت بالشّام اعبدالله في الموضع الّذين يقال انه نصب فيه رأس الحسين (عليه السّلام) فبينا انا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب اذكر الله تعالى اذ رأيت شخصاً بين يدي فنظرت اليه فقال: قم، فقمت فمشى بي قليلاً فاذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: أتعرف هذا المقام؟ قلت: نعم هذا مسجد الكوفة، قال فصلّى وصلّيت معه، ثمّ انصرف فانصرفت فمشى بي قليلاً فاذا نحن في مسجد الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فسلم على الرسول وصلّى وصلّيت معه، ثمّ خرج و خرجت معه فمشى قليلاً فاذا أنا بمكّة
ص: 18
فطاف بالبيت وطفت معه، ثمّ خرج و مشيت معه قليلاً فاذا أنا بموضعي الّذي كنت اعبدالله بالشّام وغاب الشّخص عن عيني، فبقيت معجباً حولاً ممّا رأيت.
فلّما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشّخص فاستبشرت به و دعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي، فلّما اراد مفارقتي بالشّام قلت له: سألتك بحقّ الذّي اقدرك على ما رأيت منك إلّا أخبرتني من انت؟ قال: انا محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام، فحدثت من كان يصير اليّ بخبره، فتراقى ذلك الى محمّد بن عبدالملك الزيّات فبعث الىّ من أخذني وكبّلني في الحديد و حملني الى العراق و حبست كما ترى وادّعي عليّ المحال، فقلت له: ارفع عنك القصّة الى محمّد بن عبد الملك؟ قال افعل فكتبت عنه قصّة شرحت فيها حاله فرفعتها الى محمّد بن عبدالملك، فوقّع في ظهرها: قل له: الّذي أخرجك من الشّام في ليلة الى الكوفة و من الكوفة الى المدينة و من المدينة الى مكّة وردّك من مكّة الى الشام ان يخرجك من حبسك هذا.
قال عليّ بن خالد: فغمّني ذلك من امره، فانصرفت محزوناً عليه، فلّما كان من الغد باكرت الى الحبس لأعلمه الحال و آمره بالصّبر والعزاء فوجدت الجند و أصحاب الحرس و خلقاً عظيماً يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المتنبّي المحمول من الشّام افتقد البارحة من الحبس، فلايدرى أخسفت به الأرض أو اختطفه الطّير،
ص: 19
و كان عليّ بن خالد هذا زيديّاً فقال بالامامة لمّا رأى ذلك و حسن اعتقاده.(1)
10 - يقول ابو الصّلت الهروي: و هو من اقرب اصحاب الامام الرّضا عليه السّلام اليه وقد اودع السّجن بأمر من المأمون بعد استشهاد الامام الرّضا (عليه السّلام):
فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت اللّيلة و دعوت الله تعالى بدعاء ذكرت فيه محمّداً وآله صلوات الله عليهم وسألت الله تعالى بحقّهم ان يفرج عنّي.
فلم استتمّ الدّعاء حتى دخل عليّ الامام محمّد الجواد عليه السّلام فقال: يا ابا الصلت ضاق صدرک؟ فقلت: اي والله، قال قم فأخرجني ثمّ ضرب يده الى القيود التّي كانت ففكّها وأخذ بيدي وأخرجني من الدّار والحراسة و الغلمة يرونني، فلم يستطيعوا ان يكلّموني و خرجت من باب الدّار ثم قال لي: امض في ودائع فانّك لن تصل اليه ولا يصل اليك ابداً، فقال ابو الصّلت: فلم التق مع المأمون الى هذا الوقت.(2)
11-في مجلس المعتصم العبّاسيّ: يقول،زرقان و كان صديقاً حميماً لا بن ابي دُواد، رجع ابن ابي دواد (و هو من قضاة بغداد في
ص: 20
عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل) ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتّم فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم انيّ قدمُت منذ عشرين سنة، قال قلت له:
و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود ابي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى اليوم بين يدي امير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك ؟ قال: انّ سارقاً اقرّ على نفسه بالسّرقة، وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمّد بن عليّ، فسألنا عن القطع في ايّ موضع يجب ان يقطع ؟ قال: فقلت: من الناتئ عند الرّسغ).
قال: وما الحجّة في ذلك ؟ قال: قلت لان اليد هي الاصابع و الكف الى الكرسوع، لقول الله في التيمّم:
«فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُم وَايديكُمْ».(1)
واتفق معي في ذلك قوم.
و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: وما الدّليل على ذلك؟ قالوا: لانّ الله لمّا قال:
«فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَايديكم إِلى المَرافِقِ»(2)
في الوضوءِ دلّ ذلك على انّ حدّ اليد هو المرفق.
ص: 21
قال: فالتفت الى محمّد بن عليّ (عليه السّلام) فقال: ما تقول في هذا يا ابا جعفر؟ فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين. قال: دعنی مما تكلّموا به أيّ شي عندك؟ قال اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال: أقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك فيه.
فقال: أما اذا أقسمت عليّ بالله اني اقول انهم اخطأوا فيه السنّة، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الأصباع فيترك الكف (والمقصود هو قطع الأصباع الأربعة دون الابهام). قال: وما الحجّة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والرّكبتين والرّجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى :
«وَاَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ».(1)
یعنی به هذه الأعضاء السّبعة الّتي يسجد عليها، و ما كان لله لم یقطع(2).
ص: 22
قال : فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكفّ.
قال ابن ابي دواد: قامت قيامتي و تمنّيت انّي لم أك حيّاً...... (1)
ذكرنا أثناء استعراضنا لحياة الامام الرّضا عليه السّلام انّ المأمون حاول ان يظهر نفسه بمظهر المحبّ لأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك لاحباط الاضطرابات الموجودة في المجتمع و لتهدئة ثورة العلويين و جلب حبّ الشّيعة و الايرانيّين، ففرض ولاية العهد على الامام الرّضا (عليه السّلام)، لتنفيذ هذا الهدف من ناحية و جعل الامام تحت الرقابة المباشرة من ناحية اخرى
ص: 23
و من جهة اخرى فقد كان بنوالعبّاس غاضبين من أسلوب المأمون هذا و خائفين من احتمال انتقال الخلافة من بني العبّاس الى العلوييّن، و لهذا فقد نهضوا لمخالفته، و لمّا دُسّ السّمّ للامام بواسطة المأمون و استشهد فقد اطمأنوا و فرحوا و اقبلوا على المأمون.
و قد حاول المأمون التَخفّي بقضيّة دسّ السّمّ للامام وقام بذلك في سرّية تامّة وبذل كلّ جهده لئلا يطلّع المجتمع على هذه الجريمة النّكراء، و لكي يخفي جريمته تظاهر بالحزن و العزاء وأقام ثلاثة ايّام على قبر الامام واكل الخبز و الملح، وعدّ نفسه المعزّى في هذه المصيبة، و لكنه مع كلّ هذا التخفّي والرياء فقد انكشف اخيراً للعلوييّن انّ قاتل الامام لم يكن سوى المأمون، ولهذا تألموا كثيراً و حقدوا عليه. ومرة اخرى رأى المأمون الخطر يهدّد حكومته، و للوقاية و الحماية فقد دبّر مؤامرة اخرى، و اظهر للامام الجواد عليه السّلام حنانه وحبّه، ولكي يثبت هذا الأمر عملياً و في واقع الحياة فقد زوّجه من ابنته، و حاول ان يستفيد من هذه الصّلة ما كان يطلبه من فرض ولاية العهد على الامام الرّضا عليه السّلام.
و هكذا فقد نقل الامام الجواد (عليه السّلام) عام (204) هجريّة - اي بعد عام واحد من استشهاد الامام الرّضا ( عليه السّلام)-من المدينة الى بغداد و زوّجه ابنته «امّ الفضل».
يقول الرّيان بن شبيب:
لمّا اراد المأمون ان يزوّج ابنته امّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام بلغ ذلك العبّاسيّين فغلظ عليهم، و استنكروه منه، و
ص: 24
خافوا ان ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرّضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم اهل بيته الأدنون منه، فقالوا ننشدك الله ان تقيم على هذا الأمر الّذي عزمت عليه من تزويج ابن الرّضا فانا نخاف ان يخرج به عنّا أمرقد ملّكناه الله عزّ و جلّ وينزع منّا عزّاً قدأ لبسناه الله وقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، و ما كان عليه الخلفاء الرّاشدون قبلك، من تبعيدهم و التّصغير بهم، و قد كنّا في وهلة من عملك مع الرّضا (عليه السّلام) ما عملت فكفانا الله المهمّ من ذلك فالله الله ان تردّنا الى غم قد انحسر عنّا، واصرف رأيك عن ابن الرّضا واعدل الى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون: أمّا ما بينكم وبين آل ابي طالب فأنتم السّبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأمّا ما كان يفعله مَن قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرّحم، واعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرّضا عليه السّلام و لقد سألته ان يقوم بالأمر (أي الخلافة) و انزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.
و أمّا ابوجعفر محمّد بن عليّ فقد اخترته لتبريزه على كافّة اهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنّه، و الأعجوبة فيه بذلك، و إنا أرجو ان يظهر للنّاس ما قد عرفته منه، فيعلمون انّ الرّأي ما رأيت فيه.
فقالوا له: انّ هذا الفتى و ان راقك من هديه فانّه صبي لامعرفة
ص: 25
له و لا فقه فأمهله ليتأدب ثمّ اصنع ماتراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم انيّ أعرف بهذا الفتى منكم و انّ اهل هذا البيت علمهم من الله تعالى و مواده و الهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدّين الأدب عن الرّعايا النّاقصة عن حدّ الكمال، فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.
قالوا: قد رضينا لك يا امير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشّريعة، فان اصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصّة والعامّة سديد رأي امير المؤمنين فيه، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى اردتم.
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، و هو يومئذ قاضي الزّمان على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا الى المأمون وسألوه ان يختار لهم يوماً للاجتماع فأجابهم الى ذلك .
فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم و أمر المأمون ان يفرش لأبي جعفر دست و يجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك وخرج أبوجعفر و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر فجلس بين المسورتين و جلس يحيى بن ا بين يديه وقام النّاس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصّل بدست ابي جعفر عليه الصّلاة والسّلام.
ص: 26
فقال يحيى بن اكثم للمأمون: أتأذن لي أن أسأل ابا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال ابوجعفر (علیه السّلام): سل
ان شئت.
قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً؟ فقال ابو جعفر (عليه السّلام): قتله في حل أوحرم، عالماً كان المحرم او جاهلاً قتله عمداً أو خطأ، حرّاً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أوكبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطّير كان الصّيد أم من غيرها، من صغار الصّيد أم من كبارها، مصرّاً على ما فعل أونادماً، في اللّيل كان قتله للصيّد أم في النّهار، محرماً كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما ؟
فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز و الانقطاع و لجلج حتّى عرف جماعة اهل المجلس أمره. فقال المأمون: الحمد لله على هذه النّعمة والتّوفيق لي في الرّأي ثمّ نظر الى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل على أبي جعفر (عليه السّلام) فقال له: أتخطب يا ابا جعفر؟ فقال: نعم. فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك قد رضيتك لنفسي و أنا مزوّجك امّ الفضل ابنتي و ان رغم قوم لذلك.
فقال ابوجعفر عليه السّلام: الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا اله إلا الله اخلاصاً لوحدانيّته وصلّى الله على محمّد سيّد بريّته، و الأصفياء من عترته.
ص: 27
أمّا بعد فقد كان من فضل الله على الأنام ان اغناهم بالحلال عن الحرام، وقال سبحانه: «وَاَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه وَاللهُ واسعٌ عَليمٌ».
ثمّ انّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب امّ الفضل بنت عبدالله المأمون، وقد بذل لها من الصّداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد عليها السّلام و هو خمس مائة درهم جياداً فهل زوّجته بها على هذا الصّداق المذكور؟
فقال المأمون: نعم قد زوّجتك يا ابا جعفر امّ الفضل ابنتي على الصّداق المذكور، فهل قبلت النّكاح؟
قال ابوجعفر علیه السّلام: قد قبلت ذلك ورضيت به. فأمر المأمون ان يقعد النّاس على مراتبهم في الخاصّة والعامّة...
ثمّ امر المأمون ... و وضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز الى كلّ قوم على قدرهم.
فلّما تفرّق الناس وبقي من الخاصّة من بقي، قال المأمون لابي جعفر عليه السّلام ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه الّذي فصّلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.
فوافق الامام على ذلك و شرح الموضوع بالتّفصيل ...(1)
فقال المأمون: أحسنت يا ابا جعفر احسن الله اليك فان رأيت
ص: 28
ان تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال ابوجعفر عليه السّلام ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك اليك جعلت فداك فان عرفت جواب ماتسألني وإلّا استفدته منك .
فقال له ابوجعفر عليه السّلام: أخبرني عن رجل نظر الى امرأة في اوّل النّهار فكان نظره اليها حراماً عليه، فلّما ارتفع النّهار حلّت له، فلّما زالت الشّمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلّت له، فلّما غربت الشّمس حرمت عليه، فلّما دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلّما كان وقت انتصاف اللّيل حرمت عليه، فلّما طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة وبماذا حلّت له و حرمت عليه؟
فقال له يحيى بن اكثم: لا و الله لا اهتدي الى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فيه، فان رأيت ان تفيدناه.
فقال ابوجعفر (عليه السّلام) هذه أمة لرجل من النّاس، نظر اليها أجنبيّ في أوّل النّهار فكان نظره اليها حراماً عليه، فلّما ارتفع النّهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلّما كان عند الظّهر اعتقها فحرمت عليه، فلّما كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلّما كان وقت المغرب ظاهر منها(1) فحرمت عليه، فلّما كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلّما كان نصف اللّيل طلّقها واحدة،
ص: 29
فحرمت عليه، فلّما كان عند الفجر راجعها فحلّت له.
قال: فأقبل المأمون على من حضره من اهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدّم من السّؤال؟ قالوا: لا والله ....، فقال: وكم انّ اهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل، و انّ صغر السّن فيهم لا يمنعهم من الكمال ...(1)
ولابّد من الانتباه الى انّ المأمون مع كلّ تظاهره بالحبّ و ريائه الكاذب بالصّداقة لم يكن له ايّ هدف من هذا التّزويج سوى اهدافه السّياسيّة، ويمكننا ان نحدد عدّة اهداف معينّة كان يقصدها:
1-بارساله ابنته الى بيت الامام (عليه السّلام) قد جعله دائماً تحت مراقبة شديدة و أصبح مطلعاً على نشاطاته (والحقيقة ان ابنة المأمون قد قامت بمهمة التّجسّس ونقل الأخبار للمأمون كما يشهد التّاريخ بذلك).
2-كان يهدف من هذا الزّواج ان يجر الامام الى بلاطه المرفّه المنحطّ بحيث يتعلّم منه اللّهو واللعب والفسق والفجور، فتتحطم بذلك عظمة الامام ويسقط في انظار النّاس عن مقام العصمة والامامة ويخّف وزنه.
يقول محمّد بن الرّيان:
ص: 30
احتال المأمون على ابي جعفر عليه السّلام بكّل حيلة فلم يمكنه فيه شي فلما اراد ان يبني عليه ابنته دفع اليّ مائة وصيفة من اجمل ما يكنّ الى كل واحدة منهن جاماً فيه جوهر يستقبلون ابا جعفر عليه السّلام اذا قعد في موضع الإختان فلم يلتفت اليهن.
و كان رجل يقال له مخارق صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللّحية، فدعاه المأمون فقال: للمامون ان كان في شي من امر الدّنيا فأنا اكفيك امره فقعد بين يدي ابي جعفر عليه السّلام فشهق مخارق شهقة اجتمع اليه اهل الدّار، وجعل يضرب بعوده ويغنيّ، فلّما فعل ساعة و اذا ابوجعفر (عليه السّلام) لا يلتفت اليه ولا يميناً و لا شمالاً ، ثمّ رفع راسه اليه وقال: اتق الله ياذا العُثنون! قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الى ان مات.(1)
3-كما اشرنا من قبل فالمأمون يهدف من هذا الزّواج ان يكفّ العلويّين من الثّورة ضدّه والاعتراض عليه، ويظهر نفسه بمظهر المّحب والصّديق لهم.
4- و من جملة أهدافه هو خداع العامّة، فقد كان يصرّح احياناً: انني أقدمت على هذا التّزويج حتى يكون لأبي جعفر (عليه السّلام) من ابنتي طفل فأصبح جدّ طفل من نسل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي بن ابي طالب (عليه السّلام)! (2)
ص: 31
و من حسن الحظّ ان لعبة المأمون هذه لم تنجح، وذلك لان ابنته لم تلد ايّ مولود، و جميع أبناء الامام الجواد عليه السّلام (الامام العاشر علي الهادي عليه السلام و موسى المبرقع والحسين و عمران و فاطمة وخديجة و ام كلثوم و حكيمة) قد ولدوا من زوجة اخرى للامام وهي أمة حسنة السّيرة جليلة القدر تُسّمى «سمانة المغربية».(1)
و على كلّ حال فالمأمون الذي كان يصرّ كثيراً على هذا الزّواج لم يكن يهدف منه الى شيء سوى اهدافه السّياسيّة، ومع انّ هذا الزّواج ملازم للحياة المرّفهة الرّغيدة لكنّه لم تكن له قيمة عند الامام الجواد (عليه السّلام) لانه مثل آبائه الكرام لم يكن مهتمّاً بالدّنيا ولا يجذبه زرقها و برقها، بل الحياة مع المأمون اساساً كانت مفروضة عليه و تحمل له الآلام و الغصص.
يقول الحسين المكاري:
دخلت على ابي جعفر ببغداد وهو على ما كان من امره، فقلت في نفسي: هذا الرّجل لا يرجع الى موطنه ابداً و ما عرف مطعمه ؟ قال: فأطرق رأسه ثم رفعه وقد اصفّر لونه فقال: يا حسين خبز شعير
ص: 32
و ملح جريش في حرم رسول الله احب الى ممّا تراني فيها(1).
و لهذا السّبب لم يبق الامام في بغداد و انّما عاد مع زوجته «امّ الفضل» الى المدينة، واستّمر على وضعه في المدينة حتى عام (220) هجريّ.
ومات المأمون في عام (218) هجريّ وحلّ محلّه في الحكم أخوه «المعتصم»، و في عام (220) هجريّ جاء المعتصم بالامام الى بغداد ليكون مراقباً له عن كثب، وكما ذكرنا من قبل فانّه اشركه في المجلس الّذي شُكّل لتعيين مقدار القطع من يد السّارق، وانتهى بفضيحة لقاضي بغداد-ابن ابي دُواد-و للآخرين.
و بعد هذه القضية بعدّة أيام جاء «ابن ابي دُواد» للمعتصم و هو ممتلئ حسداً و غيظاً وقال:
انّي لأحبّ الخيرلك وانصحك بانّ ما حدث قبل ايّام لم يكن في صالح حكومتك، لانك في حضور جميع العلماء و اصحاب المناصب العالية في الدولة رجحت فتوى ابي جعفر (الامام الجواد) و هو الّذي يعتقد نصف المسلمين بانّه الخليفة وانك غاصب لحقه على فتاوى الآخرين، وقد شاع هذا الخبر بين الناس وغدا برهاناً للشّيعة.
و هيّج كلامُ ابن ابي دواد هذا المعتصمَ الّذي كان مستعّداً في ذاته لأيّ لون من ألوان العداء للامام (عليه السّلام) فوقع في نفسه ان
ص: 33
ينشط لقتل الامام و اخيراً فقد نفّذ رغبته المنحطة ودسّ السّمّ للامام (عليه السّلام) في آخر شهر ذي القعدة عام (220) هجري و استشهد الامام نتيجةً لذلك .
و دفن الجثمان الطّاهر للامام الجواد الى جانب قبر جدّه الكريم الامام موسى بن جعفر في مقبرة قريش في بغداد(1)، صلّى الله عليه و على آبائه الطّاهرين.
و مزار هذين الامامين الجليلين مشهور حاليّاً ب- (الكاظمين) و يحجّ اليه المسلمون من ارجاء العالم الاسلامي من قديم الأزمان.
جرى أئمتّنا الطّاهرون على سنة النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بذل اقصى الجهد لتربية وتعليم النّاس، وينبغي لالتفات الى انّ عملهم هذا لا يمكن مقارنته بعمل المؤسّسات التعليميّة، وذلك لانّ للمؤسّسات التّعليميّة وقتاً محدّداً للتّدريس و التعليم، وتكون معطّلة لا تقوم بأيّ خدمة خارج ذلك الوقت، بينما أئمّتنا المعصومون عليهم السّلام مقيّدون بتعليم النّاس و هدايتهم في جميع الأوقات، وهم يعلمون من يتصل بهم بأقوالهم وافعالهم و
ص: 34
أسلوب معاشرتهم وبكلّ ابعاد حياتهم اليوميّة، فكلّ من كان يحظى بمجالستهم و في ايّ وقت فانّه يستطيع التّمتّع بأخلاقهم وعلومهم، و اذا كان لديه سؤال فهو يستطيع ان يطرحه، ويسمع الجواب عليه، و لم تكن الأسئلة محصورة بمجال معيّن، فأيّة مشكلة يواجهونها كانوا يستطيعون السّؤال عنها وسماع الجواب عليها.
و من الواضح انّ مثل هذه المدرسة لم تتيسّر اطلاقاً في ايّ مكان سوى عند الأنبياء و الأئمّة ( عليه السّلام) و من الطّبيعي ان تكون ثمار هذه المدرسة رائعة ومباركة، ومن هنا حاول الخلفاء الأمويون و العبّاسيّون-الذين كانوا يعلمون انّ النّاس لو التفتوا الى هذه الحضائص و الميزات لا نجذبوا نحو أئمّة الحق والقادة الالهييّن و عندئذ يهدّد الخطر حكومة هؤلاء الغاصبين- بكلّ ما يستطيعون ان يحولوا دون اتصال النّاس بقادة الاسلام الواقعيين بصورة حرّة، و نستثني من ذلك سنوات قليلة من عهد الامام الباقر (عليه السّلام) بسبب السّلوك الانسانيّ الّذي اتّبعته حكومة «عمر بن عبدالعزيز»، و في زمان الامام الصّادق (عليه السّلام) ايضاً بسبب ضعف الحكومة الأموية الّتى كانت تنحو نحو الزّوال وضعف الحكومة العباسية التي كانت حديثة العهد، فقد استطاع النّاس خلال هذه الفترة ان يستفيدوا من هذين الامامين الكريمين بصورة اكثر تحرّراً، ومن هنا نلاحظ انّ عدد طلاّب الامام الصادق (عليه السّلام) و الرّواة منه يناهز عددهم اربعة آلاف رجل(1)، بينما
ص: 35
36
نلاحظ في المراحل التاريخيّة الاخرى ان عدد طلاب بعض الأئمّة (علیه السّلام) والرواة منهم قليل جدّاً، وكمثال على ذلك فانّ اصحاب وطلاّب الامام الجواد عليه السّلام و الرواة منه قديقارب عددهم مائة و عشرة اشخاص ، (1) ، ويدلّ هذا على مدى صعوبة الاتّصال بهذا الامام الكريم في ذلك الزّمان.
ومع كلّ هذا فانّ بين هؤلاء الأفراد المعدودين توجد شخصيّات لامعة نشير الى بعضهم كنموذج فحسب:
و هو من جملة الأصحاب المقرّبين للامام الجواد عليه السّلام و من وكلائه، ويعتبر ايضاً من اصحاب الامام الرّضا والامام الهادي عليهما السّلام.
كان كثير العبادة ونتيجةً لسجوده الطّويل فقد بدت آثار السّجود في جبهته. فقد كان يسجد من طلوع الشّمس ولا يرفع رأسه من ذلك السّجود حتّى يدعو لألف شخص من المؤمنين ويطلب من الله تعالى لهم ما يطلبه لنفسه.
و كان عليّ بن مهزيار يعيش في الأهواز وقد ألّف ما يزيد على ثلاثين كتابا ، (2) و قد وصل في مراتب الايمان والعمل الصّالح الى درجة راقية بحيث كتب اليه فى احدى المرات الامامُ الجواد عليه السّلام رسالة تقدير و تكريم نتبرّك هنا بذكرها:
ص: 36
«بسم الله الرّحمن الرّحيم، يا عليَ أحسن الله جزاك ، و اسكنك جنّته، ومنعك من الخزي في الدّنيا و الآخرة وحشرك الله معنا. يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة و الطّاعة والخدمة و التّوقير و القيام بما يجب عليك، فلو قلت: اني لم أر مثلك، لرجوت ان أكون صادقاً، فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً، فما خفي عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ و البرد في الليل والنهار، فأسأل الله اذا جمع الخلائق للقيامة ان يحبوك برحمة تغتبط بها انّه سميع الدعاء». (1)
و هو من اهل الكوفة و من جملة خواصّ اصحاب الامام الرّضا و الامام الجواد عليهما السّلام، و كان رفيع المنزلة جدّاً عند هذين الامامين المعصومين، وقد ألّف عدّة كتب، من جملتها كتاب «الجامع»، ويعترف بفقاهته جميع علماء الشّيعة ويطمئنّون بوثاقته . (2)
و قد رافق هذا الرّجل ثلاثة اشخاص آخرين في زيارة للامام الرّضا عليه السّلام، وقد اظهر لهم الامام (عليه السّلام) حبّاً خاصّاً و احتراماً فائقاً.(3)
ص: 37
و هو من اهل قم، و مزاره اليوم في مدينة قم معروف و مشهور، و يعد من الأصحاب المقرّبين لامام الرّضا والامام الجواد عليهما السّلام، وقد دعا له الامام الجواد (عليه السّلام) وعدّه من جملة اصحابه المقرّبين.(1)
و في احدى المرّات زار الامام الرّضا (عليه السّلام) فاستبقاه الامام (عليه السّلام) و اخذ يتبادل معه الحديث من أوّل اللّيل و حتى الصّباح منفردين.(2)
وسأل الامام الرضا (عليه السّلام) شخص قال :
شقّتي بعيدة ولست اصل اليك في كلّ وقت فعمّن آخذ معالم دینی؟ قال (عليه السّلام): من زكريّا بن آدم القمّي المأمون على الدّين والدّنيا.(3)
و هو من اصحاب الامام الكاظم والامام الرّضا والامام الجواد عليهم السّلام، ويعدّ من جملة الموّثقين عند الشيعة.
و كان رجلاً صالحاً حسن السّيرة و من اهل العبادة، وقد ألف كتباً، و هو في نفس الوقت يعمل في بلاط العبّاسييّن،(4) و قد قال له
ص: 38
الامام الرّضا عليه السّلام فيما يتعلّق بهذا الأمر: «انّ لِله تعالى بأبواب الظّالمين من نوّر الله له البرهان، ومكنّ له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه، ويصلح الله بهم امور المسلمين، اليهم ملجأ المؤمن من الضّر، و اليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظّلمة، اولئك المؤمنون حقّاً، اولئك أمناء الله في أرضه اولئك نور في رعيّتهم يوم القيامة، ويزهر نورهم لأهل السّماوات كما تزهر الكواكب الدّرية لأهل الأرض، اولئك من نورهم يوم القيامة تضئ منهم القيامة، خلقوا والله للجّنة وخلقت الجنّة لهم، فهنيئاً لهم، ما على أحدكم أن لوشاء النالَ هذا كلّه».
قال محمّد بن اسماعيل: قلت بماذا جعلني الله فداك ؟
قال عليه السّلام يكون معهم، فيسرّنا بادخال السّرور على المؤمنين من شيعتنا (بمعنى انّه يحتلّ منصباً و هدفه من ذلك رفع الظّلم عن المؤمنين)، فكن منهم يا محمّد».(1)
يقول الحسين بن خالد الصيرفي:
كنا عند الرضا عليه السّلام و نحن جماعة، فذكر محمّد بن اسماعيل بن بزيع، فقال عليه السّلام: «وددت انّ فيكم مثله» . (2)
يقول محمّد بن احمد بن يحيى:
كنت بفَيده(3)فقال لي محمّد بن علي بن بلال: مرّبنا الى قبر
ص: 39
محمّد بن اسماعيل بن بزيع لنزره، فلّما أتيناه، جلس عند رأسه مستقبل القبلة و القبر أمامه، ثمّ قال: أخبرني صاحب هذا القبر، يعني محمّد بن اسماعيل، انّه سمع ابا جعفر عليه السّلام يقول: «من زار قبر أخيه، و وضع يده على قبره، وقرأ «انّا انزلناه في ليلة القدر» سبع مراّت أمن من الفزع الأكبر».(1)
و يقول محمّد بن اسماعيل بن بزيع:
سألت أبا جعفر (الامام الجواد) عليه السّلام ان يأمر لي بقميص من قمصه أعدّه لكفني، فبعث به اليّ فقلت له كيف أصنع به جعلت فداك ؟ قال : انزع از راره. (2)
نماذج من الكلمات الثّريّة للامام عليه السلام:
انّ كلام الأئمّة المعصومين عليهم السّلام- و هو شعاع من شمس علومهم يعدّ ارشاداً واضحاً و مأموناً لعباد الله، وذلك لانّ هؤلاء الكرام مبّرءون من كلّ لون من ألوان الخطأ والانحراف و اعوجاج السّليقة و ارشاد اتهم ليست مقصورة على بُعد واحد و انّما هي ناظرة الى جميع الأبعاد الوجوديّة للانسان، وليست مختصّة بطبقة معيّنة، وانّما هي تسوق جميع الطّبقات الى الكمال الانسانيّ، وهي توقظ الفطرة وتبعثها في جميع المراتب.
ص: 40
و ننقل هنا نماذج من كلام الامام التّاسع ابي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليها السّلام، و هي مقتبسة من كتب الأخوة اهل السّنة، آملين ان ينتفع بها القرّاء ويهتدوا بمضامينها:
1-«من استغنى بالله افتقر النّاس اليه، ومن اتقّى الله أحبّه النّاس».(1)
2-«الكمال في العقل» . (2)
3-«حسب المرء من كمال المرّوة ان لا يلقى احداً بما يكره» (3)
4-«لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا ولا يطولنّ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم وارحموا ضعفاء كم واطلبوا من الله الرّحمة بالرحمة فيهم». (4)
5-«من استحسن قبيحا كان شريكاً فيه». (5)
6-«العامل بالظّلم والمعين عليه والرّاضي شركاء».(6)
7-«من وعظ اخاه سرّاً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه».(7)
8-«القصد الى الله بالقلوب ابلغ من اثبات الجوارح بالأعمال».(8)
ص: 41
9-«يوم العدل على الظّالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم» .(1)
10 - «عنوان صحيفة المسلم حسن خلقه». (2)
11- «ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالى: كثرة الاستغفار و لين الجانب وكثرة الصّدقة، وثلاث من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة والمشورة والتوكّل على الله عند العزم». (3)
12-«من أمل فاجراً كان أدنى عقوبته الحرمان». (4)
13-«من انقطع الى غير الله وكله الله اليه ومن عمل على غير علم أفسد اكثر ممّا يصلح».(5)
14-«اهل المعروف الى اصطناعه احوج من أهل الحاجة اليه لانّ لهم أجرهم وفخره و ذكره فمهما اصطنع الرجل من معروف فانّما يبتدء فيه بنفسه».(6)
15-«العفاف زينة الفقر، والشّكر زينة الغنى، والصّبر زينة البلاء، والتّواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والحفظ زينة الرّواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل وبسط الوجه زينة الكرم، وترك المنّ زينة المعروف، والخشوع زينة الصّلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع».(7)
16-«من وثق بالله وتوكّل على الله نجّاه الله من كلّ سوء و
ص: 42
حرزه من كلّ عدّو».(1)
17-«الدّين عزّ والعلم كنز، والصمّت نور، ولاهدم للدين مثل البدع ولا أفسد للرّجال من الطّمع، وبالرّاعي تصلح الرعيّة و بالدعاء تصرف البليّة» . (2)
18 - «الصّبر على المصيبة مصيبة للشّامت». (3)
19-«كيف يضيع مَن اللهُ كافلُه، وكيف ينجو مَن اللهُ طالبه».(4)
20-«قال عليه السّلام في جواب رجل قال له أوصني بوصيّة جامعة مختصرة: صُن نفسك عن عار العاجلة ونار الآجلة». (5)
و آخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين.
ص: 43