الامام الجواد عليه السلام : الامامة المبكرة ... و تداعيات الصراع العباسي

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الامام محمد الجواد(ع) : الامامه المبكره .. و تداعيات الصراع العباسي/ تاليف: محمد علي الحلو

مشخصات نشر : قم: موسسه السبطين (ع) العالميه، 1429ق.=1387ش.

مشخصات ظاهري : 200ص.

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1580249

الأهداء

سيدي يا أبامحمد... أيها الرضا من عبق الامامة تصنع ملاحم الولاء... و هوية الانتماء تحكي فصول الدفاع عن تاريخ المضرج بالدماء... فاليكم - سيدي - تنتمي الكلمات... و تطوي مسافات الزمن... لتحكي صراعات الماضي مدججة بمحن الحاضر في الانتماء... محمدعلي [ صفحه 9]

كلمة المؤسسة

يسر مؤسسة السبطين عليهماالسلام العالمية أن تقدم الي القارئ كتابا جديدا من مؤلفات الباحث (السيد محمدعلي الحلو) و هو باحث معاصر يتميز بكونه ينتسب الي الخطاب الحديث في تعامله مع الحدث التاريخي أو الشخصية التاريخية، أو الموقف التاريخي... الي آخره. ان المعنيين بهذا الشأن الثقافي ينشطرون الي اللغة الموروثة في التعامل مع الظاهرة، و الي اللغة الحديثة، حيث يتميز (الحلو) بتوفره علي الشطر الآخر، و هذا ما يهب كتاباته قيمة معرفية جديدة من جانب أو يهبها جمالية و طرافة و متعة من الجانب الآخر، و لا يخفي أن الكتابة الموروثة عند ما تدور حول ما هو مكرر و ما هو غير متناغم مع العصر، تفقد جاذبيتها و تبعث علي الملل بخلاف ما لو خاطبت القارئ بلغة و بمنهج و بتحليل يعتمد البعد النفسي و الاجتماعي في التعامل مع الظواهر المطروحة، حيث أن ولادة المعرفة المرتبطة بعلوم النفس و التربية و الاجتماع الي آخره، تسهم بلا شك في اكساب التحليل و التفسير و التقويم أهمية لها ظرافتها و متعتها. ان القارئ للاصدار الجذيذ لهذا الكاتب، و هو: ما يرتبط بالامام الجواد عليه السلام، يجد جملة خصائص قد و اكبت الكتابة المذكورة، منها: الربط أو التمهيد بين البيئة السياسية بخاصة و انعكاسها علي الظاهرة المبحوثة، حيث تمنح البحث عمقا أكبر لفهم الظاهرة. كما أن ابراز الجانب المرتبط بما هو معجز في حياة الامام عليه السلام،

حيث تولي الامامة في عمره المبكر، و الاستشهاد بشخصيات نبوية مثل يحيي و عيسي بحكمة أتاهما الله تعالي الحكم صبيين، يظل بدوره عنصرا معمقا لقناعة القارئ. [ صفحه 10] و لا نغفل جهة ثالثة ثبتها هنا الباحث و هي: الأسباب الظاهرة و الخفية و تداعياتها المتنوعة الكامنة وراء تعامل السلطان العباسي (المأمون) بخاصة مع الامام الجواد عليه السلام من حيث اظهاره للعجز العلمي و تنبيه للامام عليه السلام، للمصالحة بين صراح الخليفة مع التيار المعارض و أهدافه التي جعلت المعنيين بالامر يتفاوتون في تقويمهم للسلطان المذكور من حيث انتصاره لمذهب الحق أو العكس من ذلك. هذا بالاضافة الي محاور متنوعة في الكتاب المذكور، يجدها القارئ متسمة بما هو عميق و طريف و جديد... و في ضوء ما تقدم يجد القارئ في كتابة الباحث المعاصر (الحلو) نكهة خاصة لها أهميتها كما أشرنا. بخاصة و أن مؤسستنا قدمت للقارئ جملة اصدارات للكاتب المذكور في نطاق الشخصيات المعصومة عليهم السلام، مثل (الحسن عليه السلام)، و الشخصيات المنتسبة لأهل البيت عليهم السلام مثل (... الحسين عليه السلام) و في نطاق الابحاث العقائدية مثل (التحريف...) الي آخره، حيث أن الانتصار لأحقية المذهب الامامي و اظهار الزيف الذي كثفه أعداء المذهب يظل أبرز النتائج التي توفر عليها الباحث المشار اليه. و ما نعمله هو: أن يتابع الكاتب المذكور رصده لسائر الشخصيات المعصومة، و سائر الأبحاث العقائدية و سواها مما تفتقر اليه حياتنا المعاصرة. ختاما نكرر الاشارة الي أهمية هذا الكتاب و سواه، سائلين الله تعالي أن يوفق مؤسستنا لنشر المزيد من الاصدارات المرتبطة بمعرفة مذهب الحق، انه ولي التوفيق. مؤسسة السبطين عليهماالسلام العالمية 20 جمادي الثاني 1429 هجري قمري [ صفحه 11]

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين. لم تكن دراسة حياة الامام الجواد عليه السلام تنطلق من الحاجة الي قراءات التاريخ الاسلامي بما ينسجم و تاريخ التحديات السياسية التي رافقت بلورة نظام الحكم و التنظيم السياسي الاسلامي، و ان كان ذلك أحد دواعي الدراسة كذلك، الا أن قراءة حياة الامام الجواد عليه السلام تمثل الحقيقة الحرجة لمعطيات الظرف العام الذي يعيشه المسلمون آنذاك، فالامام الجواد مثل تطلعا جديدا في العطاء العام للقيادة الاسلامية التي تقود الأمة نحو الهدف الأسمي و الأكمل، فالامامة المبكرة للامام الجواد عليه السلام كانت تحولا جديدا في صياغة الاطروحة الاسلامية للحكم، و التنظير لها بما بعطي قراءة جديدة للقيادة المعصومة التي تجاوزت الحسابات المادية؛ لكونها صياغة الهية مسددة بغض النظر عن عمر الامام الذي يتولي مهمة الامامة، بل يمكن أن نقول: ان امامة الجواد المبكرة كانت تحديا حقيقيا لتقليدية الحكم العباسي الذي تجاوز مرحلة النضج و الرشد للخليفة العباسي الوريث لحكم آبائه، فالخليفة العباسي كان يعيش محنة عدم النضج و التكامل، فانه ما أن وصل الي [ صفحه 12] منصب الخلافة بالوراثة التقليدية، حتي بذل الجهود في تربيته الخاصة لانضاجه، و لكنه رغم ذلك كان يعاني من تعثرات الأداء في ادارة الدولة، و يؤول الأمر الي استيلاء ذوي الحنكة السياسية من القادة و الخدم و الصبيان الذين يحيطون بالخليفة، فتدار الدولة علي أساس مشتهيات هذا اللوبي أو ذاك، في حين تثبت امامة الجواد المبكرة تحديا كبيرا لتقليدية الوراثة العباسية، و لنظرية الاستحقاق الوراثي الذي يتقلد من خلاله الخليفة العباسي منصبه. و في عمر مبكرة كان للامام الجواد عليه السلام جولات صراع لاثبات أن الحق مع هذا الخط الالهي، الذي لا

يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. و كانت المناظرات قائمة بين الامام و بين مخالفيه بما يشكل تهديدا حقيقيا للوجود العباسي، بل لوجود مدرسة الخلفاء المقابلة لمدرسة آل البيت المعصومة، و علي هذا الأساس أخذ الصراع العباسي منحي جديا، فهو اليوم يواجه خطرا حقيقيا يطبح بكل مبتنياته، بل يمكن القول: ان امامة الجواد المبكرة كانت ثورة تغلي و تتقد دواعيها بشكل خفي، حتي في مشاعر العباسيين أنفسهم، اذ يري هؤلاء أن الخلافة لا تنتقل بالوراثة النسبية التقليدية، بل هي قضية الهية لا يمكن تجاوزها، و الامام الجواد السباعي أو الثماني من العمر يشكل معلما رئيسيا لهذا التحدي الخطير، فقناعات العباسيين لامامة الجواد المبكرة تسير وفق قناعات الانسان بكل موضوعيته، و اعتباراته عقلائية، و معارضة العباسيين للامام الجواد عليه السلام تسير وفق سياقات التنافس السياسي، فهم بالنتيجة في أعماق ذواتهم «المنكسرة» يقتنعون بمعجزات الامام، و بالتالي بأحقيته في الخلافة و الامامة، الا أن هذا التحدي يعني الغاء دورهم كحاكمين و يحيلهم محكومين تابعين. [ صفحه 13] من هنا نشأ الصراع العباسي في قراءة متحدية لواقع أهل البيت عليهم السلام من قبل المأمون العباسي، الذي كان يعيش قلق الاستحقاق الحقيقي الذي يجده في آل البيت عليهم السلام، و كذلك يعيش هاجس انتقال السلطة من البيت العباسي الي البيت العلوي، و هو الهاجس نفسه الذي يعيشه العباسيون كذلك، فالمأمون مثلا كان يمثل حقبة الصراع العباسي - العباسي، و الامام الجواد يمثل التحدي الحقيقي لسلطة العباسيين التي يقرأ جميع فصولها المسلمون، و لذلك فحياة الامام الجواد عليه السلام مثلت مقطعا مهما من الصراع بين فلسفتين متناقضتين في الحكم و السياسة و الحياة بجميع مفاصلها، من هنا تنطلق أهمية دراسة حياة

الامام الجواد عليه السلام و تاريخه الملي ء بالتحديات العباسية و المؤمرات و الفتن. و من العجيب أن هذا المقطع التاريخي قد الغيت فصوله التاريخية، أو اختفي منها الكثير، و صودر الأكثر؛ لذا تجد أن الباحث في هذا المقطع التاريخي المثير يجد الصعوبة بمكان في تحديد معالم الصراع و الوقوف علي مفاصله؛ لندرة النصوص، أو الغاء الكثير من فصول هذا الصراع، و التعتيم علي هذه الفترة التاريخية الحرجة من حياة الامة الاسلامية؛ لذا تجد أن الدراسة عن الامام الجواد عليه السلام لا تتعدي سوي استعراض مبسط لجزء من حياته الشريفة، و الباقي صادرته كتابات المؤرخين بالاشارة الخاطفة لحياة هذا المقطع المثير، أو أخفت السلطات الحاكمة الكثير من هذا التراث التاريخي المهم، و بذلك فان المؤرخ الاسلامي متهم بالاهمال - علي أحسن تقدير - لهذه الفترة المعطاء من حياة الامام الجواد عليه السلام. أما علي أساس الكتابات الشيعية فهي بالرغم من أنها معدودة جدا الا أنها لا يتعدي أكثرها عن اشارات لحياة الامام الجواد عليه السلام عدا ما كتبه العلامة [ صفحه 14] المحقق السيد عبدالرازق المقرم في كتابه الامام الجواد عليه السلام: فكانت دراسة تحليلية في أكثر جوانبها بعيدة عن السرد، و مهما يكن من أمر فان حياة الامام الجواد عليه السلام تستدعي الوقوف كثيرا لقراءة هذا المقطع الرائع من «الامامة المبكرة و تداعيات الصراع العباسي». شعبان ذكري ولادة الامام زين العابدين عليه السلام 1428 ه_ محمدعلي السيد يحيي السيد محمد الحلو [ صفحه 15]

الدعوة العباسية قراءة تأسيسية

دخلت الامة الاسلامية بعد هدنة الامام الحسن عليه السلام مع معاوية ابن أبي سفيان منعطفا خطيرا، اذا احليت الخلافة الاسلامية الي وراثة كسروية و ملك قيصري، و من جراء ذلك نشطت التيارات السياسية، و انطلقت توجهات دينية و فلسفات ثفافية

و تطلعات طائفية جراء التعسفات التي أصابت الامة، و خلقت بذلك دواعي للتكتلات السياسية، بل قل: للتجمعات السرية التي روجت من خلال نشاطها فكرة الانقلابات السياسية التي تأطرت باطار الثورة الداعية الي التغيير بلافتة علوية تدعو للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله. و يبدو أن المتاجرة بهذا الشعار هو أقصر الطرق للوصول الي الغايات المرجوة، فكانت الدعوة العباسية حاضرة في الأحداث الاسلامية، بل من أقوي الأنشطة المعارضة للسياسة الاموية المجحفة بحقوق المسلمين؛ لذا فقد نجحت هذه الدعوة في استقطاب الكثير ممن دعتهم مقتضيات النصرة لآل البيت بالانضمام الي تكتلات هذه الدعوة، و دخل الكثير ممن كان ناقما من التعسف الاموي الذي أذاق الناس و بال السكوت عن الظلم و القبول بالواقع المعاش، و سارع الآخرون الذين حلموا بالحصول علي مناصب حرموا من التمتع بها في عهد الامويين. و كان [ صفحه 16] الهاشميون أوائل طلائع التنظيم، فأبوهاشم بن محمد بن الحنفية هو صاحب فكرة التنظيم، و العلويون هم أهل «براعة الاختراع» لهذه الحركة الهاشمية، و آل العباس أتباع مستضعفون ينضوون تحت لواء العلويين في هذا التنظيم السري الذي تزعمه أبوهاشم بن محمد بن الحنفية، الذي عرفه بعض المؤرخين بالزعيم الكيساني، و هو ما يمكن استبعاده في جو ملبد بغيوم الريبة حيال أي توجه خارج عن اطار عقيدة آل البيت عليهم السلام، و من غير المناسب أن يخالف أبوهاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب دين آبائه لينتسب الي الكيسانية أو غيرها من التوجهات العقائدية. نعم، بالامكان القول بأن التفاف بعض الكيسانية حول دعوته و هو في طور التأسيس السري جعل البعض ينظر الي أبي هاشم بمنظار الكيسانية، و يبدو أن قتل أبي هاشم علي يد

سليمان بن عبدالملك جعل الدعوة السرية تنحو مسارا آخر اتخذته للحفاظ علي خط هذه الحركة و سريتها، بعد أن تسلم مهامها محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، أي تحال الدعوة العلوية الي دعوة عباسية، و من الغريب في الأمر انتقال هذه الدعوة الي محمد بن علي العباسي، بعد أن عهد بها اليه زعيمها العلوي أبوهاشم بعد موته، كما عليه أكثر المؤرخين. و يمكن أن نتوقف عند هذه الحادثة الغريبة، عمن العجيب أن يتجاوز أبوهاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، و أن لا يعهد الي أحد من الهاشميين حتي وقع اختياره علي محمد بن علي العباسي، و مهما يكن من أمر فان توجسات الريبة تحيط بتحركات هؤلاء العباسيين. و حادثة عبيدالله بن العباس لا زالت في ذاكرة الهاشميين بعد غدره بالامام الحسن بن علي عليهماالسلام في حادثة الانهزام عن قيادة جيشة و الالتحاق بمعاوية، و استيلاء عبدالله بن العباس علي أموال البصرة [ صفحه 17] حسبما ذكره بعض المؤرخون، الا ان بعضعم كانوا يبرئون ساحة عبدالله و ينسبون الحادثة الي عبيدالله، أو الي أحد أولاد العباس بن عبدالمطلب. أو أن بعضهم اعتمد علي مسوغات هذا التصرف من قبل عبدالله بن عباس، و جعل ذلك في ضمن دائرة الممكن من الأعمال التي يرتكبها غير المعصوم، و الذي يفسر الامور في ضوء اجتهاداته القاصرة، الي غير ذلك من تعثر العلاقة بين آل علي و آل العباس، و هذا ما يدفعنا الي عدم ترجيح امكانية ايكال الأمر بالوصية الي محمد بن علي العباسي من قبل أبي هاشم بن محمد العلوي، و أغلب الظن أن الاحتمال عندنا يقوم علي أساس امكانية استغلال الفراغ العلوي في دعوة أبي هاشم، فربما

كان الاغتيال مفاجأة أربك العلويين دون أن يدخلوا في عملية انتقال الدعوة اليهم، أو أن محمد بن علي بن عبدالله بادر الي استلام الدعوة بصورة خاطفة ليقطع فيها الطريق علي الآخرين، و منهم العلويين الي استلام الدعوة. أو يمكن القول: ان العلويين لم يزجوا أنفسهم في مثل هذه التنظيمات «الحزبية» التي يعلمون فيها عاقبة أمرهم من مطاردة الامويين لهم، و من كون أنفاسهم تحصي من قبل عيون الامويين الذين راحوا يراقبون أدني حركاتهم، و دليل ذلك: أن أباهاشم بن محمد بن الحنيفة وقع في فخ الامويين، فكانت نتيجته التصفية و التنكيل، و ذلك لمراقبة الامويين تحركات العلويين و منهم أبوهاشم، في حين يبقي بنو العباس بعيدين عن عيون السلطة و توجساتها؛ حتي استطاع محمد ابن علي أن يكمل مسيرة الدعوة دون الوقوع تحت أنظار السلطة الاموية، و بالفعل استمرت الدعوة العباسية حتي أتت اكلها. و لا يمكننا أن نغفل عن امكانية محمد بن علي التنظيمية، و معها يمكن أن [ صفحه 18] نكتشف دقة تحركاته، و امكانية اختطاف هذا العمل التنظيمي من صاحب الدعوة الرئيسي الزعيم العلوي أبوهاشم، و من هنا يمكننا أن نرجح أن هناك انقلابا دبر في ليل علي دعوة العلويين ليحوزها العباسيون، و يبقي الشك قائما علي كون محمد بن علي قد تزعم التنظيم بوصية أبي هاشم بعد موته. فالتنظيم الدقيق الذي عمله محمد بن علي يكشف عن براعة و دهاء و حسن تدبير في تحويل التنظيم باسمه، فقد عمل محمد بن علي علي اختيار اثني عشر نقيبا من الدعاة العباسيين: سليمان بن كثير الخزاعي، و مالك بن الهيثم، و طلحة بن زريق، و عمر بن أعين، و عيسي بن أعين، و قحطبة بن

شبيب الطائي، و لاهز بن قريظ التميمي، و موسي بن كعب، و القاسم بن مجاشع، و أبوداود خالد بن ابراهيم الشيباني، و أبوعلي الهروي شبل بن طهمان الحنفي، و عمران بن اسماعيل المعيطي. و اختار سبعين رجلا يأتمرون بأمر هذه المجموعة. و لكننا لم نجد في هذه الأسماء من يمكن ترجيح علويته، فهؤلاء الي العباسيين أقرب منه الي آل علي، فضلا عما نقرؤه في كتاب هذا الزعيم العباسي من تبصر في أحوال البلدان، و تقلبات شعوب الأمصار، و توجهات العامة في أقطار الدولة الاسلامية، و هو في ضوء رؤيته هذه اختط العباسيون لأنفسهم خارطة الدعوة و التنظيم السري، فقد جاء في كتاب محمد بن علي ما نصه: أما الكوفة و سوادها فشيعة علي و ولده، و أما البصرة و سوادها فعثمانية تدين بالكف، تقول: كن عبدالله المقتول و لا تكن عبدالله القاتل، و أما الجزيرة فحرورية مارقة، و أعراب كأعلاج، و مسلمون [ صفحه 19] في أخلاق النصاري. و أما أهل الشام فليس يعرفون الا آل أبي سفيان و طاعة بني مروان، و عداوة راسخة و جهلا متراكما. و أما مكة و المدينة فقد غلب عليهما أبوبكر و عمر، ولكن عليكم بخراسان، فان هناك العدد الكثير و الجلد الظاهر، و هناك صدور سليمة، و قلوب فارغة، لم تتقسمها الأهواء و لم يتوزعها الدغل، و هم جند لهم أبدان و أجسام، و مناكب و كواهل و هامات، و لحي و شوارب، و أصوات هائلة، و لغات فخمة تخرج من أجواف منكرة... و بعد، فاني أتفاءل الي المشرق، و الي مطلع سراج الدنيا و مصباح الخلق. [1] . و الرسالة تقدم مسحا شاملا لشعوب البقعة الاسلامية، و تصنف الناس

علي أساس الولاء السياسي و الفكر العقائدي، الذي وزع أهواءهم بين شيعة علويين كما في الكوفة، و بين عثمانية الدين كما في البصرة، أو حرورية مارقين كما في الجزيرة، و الي مروانية الشام، و عمرية المدينتين، و هو بقدر ما يتشاءم في توزيعه هذا يتطلع الي أهل خراسان الذي ضمن ولاءهم بوصفهم «أهل الصدور السليمة و القلوب الفارغة»، و هي اشارة الي امكانية استغلال الخراسانيين، و الاملاء عليهم ولاء آل بني العباس بحجة النصرة لآل محمد و الرضا لهم، و هم بذلك سيكسبون الجولة في دعوتهم هذه بحزب خراساني جاهز الولاء... ان ما يثير التساؤل حقا هو ما أشار اليه محمد بن علي العباسي، من أن توجسا حذرا يحيط بولاء الكوفيين في استجابتهم لدعوته، و هو ما يكشف لدينا أن الفجوة الكبيرة التي تفصل الكوفيين عن دعوة العباسيين هذه سببها ما ينظر اليه [ صفحه 20] شيعة الكوفة من عدم الثقة في تحرك محمد بن علي، بل عدم مشروعية تحركه، و هو ما يثبت لدينا قضيتين: الاولي: أن كيسانية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية مختلقة حقا، اذ لو كانت حقيقة لاستفاد من ولاء الكوفيين الشيعة، و الكيسانيين الذين يتمركزون في الكوفة كذلك، و هي نفس الدعوي الباطلة في كيسانية المختار الثقفي الذي ظن بعض المؤرخين أنه اتخذ الكوفة منطلقا لحركته؛ لما تضمه الكوفة من المذهب الكيساني، في حين نجد أن محمد بن علي بن عبدالله يبعد احتمالية نصرة الكوفيين له و انضمامهم لدعوته، مما يؤكد لنا أن كيسانية أبي هاشم غير ثابتة، و أن أنصاره من الكيسانية أمر غير حقيقي. الثانية: أن ابتعاد محمد بن علي بن عبدالله بدعوته عن الكوفيين الشيعة يثبت عدم ولاء الشيعة له،

و بالتالي فهو علي غير وفاق مع أبي هاشم بن محمد، الذي أثبتنا عدم كيسانيته، بل الأصح هم ثبوت تشيعه حقيقة، و هي قضية توحي لنا بأن شكا يحوم حول مصرع أبي هاشم علي يد سليمان بن عبدالملك، فلربما كانت تصفية أبي هاشم علي يد محمد بن علي بن عبدالله؛ ليحوز بحظوة قيادة الحركة التنظيمية العلوية، و ليحيلها عباسية صرفة، و هي ما تشير اليه أخبار التنظيم السري من أن محمد بن علي اختار لحركته اثني عشر نقيبا غير معروفين بالولاء العلوي، بل يختصون بولائهم العباسي، أي أن هناك انقلابا نقل زعامة التنظيم بهدوء من القيادة العلوية الي القيادة العباسية، و هو ما أردنا الوصول اليه بعد بحثنا هذا، و خلاصته: ان قتل أبي هاشم بن محمد بن الحنفية يحتمل أن لا يكون علي يد سليمان بن [ صفحه 21] عبدالملك؛ و ذلك اذا كان القتل بسبب ما علمه الامويون من حركة أبي هاشم التنظيمية السرية لكان الآخرون الذين مع أبي هاشم قد تعرضوا للتصفية كذلك، و لو كان الامويون قد اكتشفوا التنظيم و أخذوا أبي هاشم بجريرة الحركة السرية و الانقلاب علي سلطتهم لكان أتباعه الآخرون معرضين لنفس المصير، خصوصا محمد بن علي بن عبدالله الذي عرف بشخصيته و منزلته الخطيرة في قلوب أتباعه، و الترجيح القائم لدينا أن تصفية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية حدثت علي يد محمد بن علي بن عبدالله، أو بأمر منه، مما حدا بمحمد هذا أن ينقل التنظيم الي العباسيين و يخصهم و حدهم به، لذلك حاول أن يبتعد عن مركز الولاء العلوي و هو الكوفة، و أن يجد ولاء جديدا يحمله الخراسانيون؛ و ذلك بعد أن بذل جهدا استثنائيا ليربيهم علي دعوته، دون أن يدخل مراكز

الولاء العلوية الاخري كالكوفة و اليمن و غيرها في خطته. هذا ما يمكن أن يكون رأينا في خصوص العلاقة بين أبي هاشم العلوي و بين محمد بن علي العباسي، أي أن هناك اختطافا مفاجئا حدث في نقل التنظيم السري من العلويين الي العباسيين، و منذ تلك اللحظة بدأ تنافس العباسيين للعلويين و توجسهم من وجودهم، و شعور العباسيين بأن هناك حالة غبن تحصل في مشاعر العلويين من استيلاء العباسيين علي الجهد التأسيسي لحركة الثورة علي الامويين و استئصالهم، و كأن شعور الذنب هذا لدي العباسيين ولد عقدة الدونية و النقص لديهم حيال أبناء عمومتهم العلويين؛ مما دعاهم الي ملاحقتهم و محاولة استئصالهم ظنا منهم بأن العلويين يتطلعون الي سلطة مغبونة اختطفها منهم العباسيون في يوم من الأيام، و لعل هذا أحد أسباب العداء العباسي لآل علي [ صفحه 22] و محاولة تصفيتهم و ملاحقتهم في كل مكان. علي أن التصفية العباسية للخصوم فلسفة نشأت منذ تولي العباسيين زعامة التنظيم السري، و هي سليقة تعاظمت لديهم منذ ذلك الحين، فحين نقف علي وصية ابراهيم بن محمد بن علي المعروف بابراهيم الامام نجد أن حالة الانتقام و تصفية الخصوم هي فلسفة الحركة العباسية، بل الدولة العباسية بعد ذلك، اذ استطاع العباسيون أن يفرضوا هيمنتهم علي الخراسانيين بأخذ البري ء بتهمة الجاني، لا علي أساس اليقين، بل ان الشكل كان هو الحاكم في اتخاذ قرار تصفية الخصوم الحقيقيين أو الوهميين؛ لذا فقد سار أبومسلم الخراساني علي أساس وصية ابراهيم بن محمد بن علي العباسي المعروف بابراهيم الامام، علي أن يقتل كل من ظن في معارضته أو شك في ولائه، أو تحسب من معارضته مستقبلا، أو ترجي اصلاح خطتهم بتصفيته. و

خطورة الكتاب المرسل الي أبي مسلم الخراساني تتبين حين أحصي المؤرخون أن مقتل الخصوم أو المعارضين للعباسيين بلغ ستمائة ألف نفس قتلت صبرا، بغض النظر عن صحة هذا الرقم أو المبالغة فيه، و هو أمر ممكن في ظل الظرف السياسي الحرج الذي عاشته الدعوة العباسية و التي لم تجد سبيلا للنصر الا بتصفية الخصوم و قتلهم بطريقة أبي مسلم البربرية، فقد جاء في رسالة ابراهيم الامام ابن محمد بن علي العباسي الموجهة الي أبي مسلم الخراساني ما نصه: انك رجل منا أهل بيت [2] ، احفظ وصيتي: انظر هذا الحي في [ صفحه 23] اليمن فالزمهم و اسكن بين أظهرهم، فان الله لا يتم هذا الأمر الا بهم، و اتهم ربيعة في أمرهم، و أما مضر فانهم العدو القريب الدار، و اقتل من شككت فيه، و ان استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل، و أيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله. [3] . و بهذا انتهج العباسيون منذ ذلك الحين سياسة تصفية الخصوم، و القتل علي الظنة و التهمة، و سار خلفاؤهم علي هذه السياسة من البطش و التنكيل بأدني معارضة تصدر، فهم يتهمون الجميع في ولائهم، حتي صنف ابراهيم الامام معارضي الدعوة العباسية الي أربعة أقسام: أولا: ربيعة، فانهم متهمون في ولائهم للعباسيين، فولاء ربيعة علوي يتطلعون لآل علي و يتشوقون لخلافتهم، و هم بعد ذلك قليلو الحظ من نصرة العباسيين و تأييدهم. ثانيا: المضريون، و هم أصحاب ولاء أموي، لا يرون لغير الامويين بديلا؛ فلذا عبر عنهم بأنهم «العدو القريب الدار». [ صفحه 24] عبر عنهم بأنهم «العدو القريب الدار». ثالثا: كل من تكلم العربية، و الظاهر أن ذلك اشارة الي أن التشيع

في خراسان عربي الأصل، و الذين يتكلمون العربية هم من شيعة علي، بل هم نواة التشيع في خراسان، لذا فان ابراهيم الامام يتوجس من كل من تكلم العربية، و هذا التحذير أثبت أن هوية التشيع هي العربية، و هو أمر يشير الي اولئك البائسين الذين ينظرون الي أن التشيع فارسي الأصل، و أن كل شيعي يحمل معه الهوي الفارسي، في حين يطالعنا هذا النص خلاف ما أشاعه بعض المؤرخين الجدد الذي يحملون في عباراتهم تهمة الفارسية لمذهب التشيع، بل بالعكس، فان تشيع الخراسانيين عربي الأصل و ان كان ينتسب الي العرب بالولاء، و لذا أشار ابراهيم الامام علي أبي مسلم من أن يخلي خراسان من العرب الذين هم شيعة علي. رابعا: اليمنيون، فهم معروفون بمقامهم و منزلتهم في خراسان، و هم و ان كانوا شيعة علي الا أن الدعوة العباسية لا تتم الا باستقطاب هؤلاء اليمنيين الي هذه الدعوة الجديدة؛ ليضمنوا ولاء الخراسانيين لبني العباس، فاقناعهم يتطلب أمرا كبيرا و جهدا استثنائيا تتطلبه كفاءة أبي مسلم الخراساني. و هنا نقف علي جهود اليمنيين - شيعة أهل البيت - و هم أشعرية اليمن في بذل الجهود الاولي في تشيع الخراسانيين الفرس، و بذلك فالتشيع الفارسي عربي الهوي و الهوية.

ابو سلمة الخلال العباسي الكوفي المتمرد

و تنتقل الدعوة العباسية منعطفا جديدا بعد مقتل ابراهيم الامام، الذي أوصي الي أخيه أبي العباس السفاح، و الانتقال من الحميمة قرب المدينة - التي اتخذها [ صفحه 25] العباسيون منطلقا لدعوتهم باستقبال الحجيج القادمين من كل البلدان ليطرحوا عليهم دعوتهم بعيدا عن عيون الامويين و رجالهم - الي الكوفة ذات الولاء العلوي، و قد انضم في هذه الأثناء رجل كوفي يسمي بأبي سلمة الخلال، و عمل مع العباسيين و

ساعدهم و هم في الكوفة، الا أن أباسلمة الخلال هذا عدل عن الدعوة العباسية و انحاز الي العلويين. و لم يقف المؤرخون علي أسباب هذا العدول المفاجي ء، الا أننا نحتمل أن أباسلمة الخلال حينما دخل الي الدعوة العباسية السرية دفعه ولاؤه لآل البيت ظنا منه أن العباسيين يمثلون تطلعات العلويين و آمالهم، الا أنه اكتشف بعد ذلك عداء العباسيين لآل علي و التخطيط لمحاولة تصفيتهم، و حقدهم غير المبرر لآل البيت عليهم السلام، و هم مع ذلك يسعون في جملة أهدافهم الي القضاء علي المجموعة العلوية المنتسبة لآل البيت، و التي تتحرك الدعوة العباسية علي أساس النصرة لها، و هو نفاق سياسي ديني لم يعجب أباسلمة الخلال، مما دعاه الي الانقلاب عليهم و ايجاد بديل علوي يخلف العباسيين في تنظيمهم ضد الامويين. هذا أغلب الظن الذي نحتمله هنا في تحول الخلال من التنظيم العباسي الي محاولة اقناع العلويين بتولي زعامة المعارضة الاموية. الا أن أباسلمة الخلال أخطأ في حساباته، فقد ظن أن هناك ثلاثة بدائل، و سيتفق أحدها معه و يقبل بعرضه، و هم: الامام جعفر الصادق عليه السلام، و عبدالله بن الحسن المحض، و عمر الأشرف. أما الامام الصادق عليه السلام فقد رفض دعوة الخلال، و أحرق كتابه بالمصباح الذي كان أمامه، نافيا بذلك قبول أي حركة تنظيمية بهذه الصيغ المنطلقة من نقاشات [ صفحه 26] سياسية غير شرعية، و مصالح دنيوية شخصية، و لم يكن الخلال يمثل تطلعات الأئمة عليهم السلام في اقامة دولتهم، و لا طموحاتهم في الوصول الي هدفهم و هو اقامة دولة الحق، مما دعا الخلال أن يعرض الأمر علي عبدالله بن الحسن المحض، الذي أخذ بوعود الخلال و اغتراره بالاندفاع في صنع القيادة

البديلة عن بني العباس، و يبدو أن العباسيين كانوا قد وقفوا علي حركة الخلال و قبول عبدالله بن الحسن، مما دعاهم الي قتل الخلال، و التوجس من عبدالله بن الحسن، الذي آل أمره بحبسه في عهد المنصور و قتل أبنائه بعد خروجهم علي المنصور، و مواصلة العداء التقليدي بين العباسيين و بين بني عبدالله الحسنيين، بل قل بين العباسيين و آل علي عموما؛ مما عرضهم الي التنكيل و التصفية و القتل علي يد العباسيين، الذين لا يزالون ينظرون الي آل علي بأنهم المنافسون التقليديون الأقوي من بين كل فصائل المعارضة الاخري.

تأريخية التنافس بين العباسيين

هذه هي حيثيات التأسيس للمنظمة السرية العباسية التي جاءت علي أنقاض جهود التأسيس العلوي الذي بدأه أبوهاشم أول الأمر. من هنا نقرأ فلسفة التنافس الذي أحاط بتحركات العباسيين، و كيف أن هؤلاء الساسة المحترفين يمثلون طموحات السياسي المحترف الذي من شأنه أن يسحق قيمه و مبادئه من أجل تحقيق الفوز السياسي الذي يؤهله لتبوء مناصب الدولة، متنكرا بذلك لجميع حلفائه، و اذا كان الأمر كذلك فلا نستعبد ممارسات العباسيين القمعية مع حلفائهم التقليديين ليحيلوهم الي أعداء تقليديين، و بذلك كانت حركة الدعوة العباسية [ صفحه 27] مزدوجة، و هو العمل علي اسقاط الامويين كدولة قائمة، و كذلك اقصاء المعارضة العلوية المنافسة للعباسيين في طموحاتهم. اذن لم يكن الصراع العباسي العلوي صراعا طارئا وليد أحداث ما بعد تأسيس الدولة، بل هو صراع أيديولوجي تنظيمي أطلق شرارته العباسيون في بادئ الأمر، و أذكي روحه العباسيون أصحاب الدولة، متجاهلين بذلك دور آل علي في اسقاط أنظمة الحكم الاموي، و تنظير الحركة الثورية التي أطاحت بآل أبي سفيان، و مصادرة جهود العلويين و احالتهم الي أعداء و معارضين مطاردين

ينكل بهم في كل موقع من ساحات الصراع السياسي و الاجتماعي و الديني، و هو أهمها، بل أشدها. من هنا ستكون القراءة التأسيسية للدعوة العباسية و لدولتها تمهيدا لفهم مجريات الأحداث التي أحاطت بحياة الامام الجواد عليه السلام، و الذي عاني بشكل لا يمكن تصوره من المنافسة العباسية التقليدية التي تسحق معها كل المبادئ و القيم، و التي من شأنها أن تتخذ معاناة الامام الجواد عليه السلام مع رجال الدولة العباسية، بل مع الآخرون من معارضيه الدينيين منحي جديدا تستحق معه الدراسة و التمعن و التحقيق. «و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله، و يمحق الباطل و أهله». [4] . هكذا كان علي بن موسي الرضا عليهماالسلام يقرأ غيب السماء في ولده القادم «محمد» انه الوريث الوحيد لامامة حافلة بالتحديات التي تحيق بامامة علي الرضا، و قد خرج توا من معترك الشبهات التي أثارتها «الواقفة» علي امامة أبيه. انهم كلاب [ صفحه 28] «ممطورة» [5] كما وصفهم الرضا من قبل؛ ليخرج من جولات تحدياتهم منتصرا، مثبتا لهم و لغيرهم امامته الالهية...

قراءة في الصراع العباسي - العباسي

كان الجو ملبدا بتحديات السياسة، فالمأمون لم تنته سباقات تنافساته مع أخيه الأمين بعد... و الغلبة الآن للحكمة و للحصانة، فليس للأمين و هو بين عباسيين حظوة الانتصار، فهو خائر أمام رغباته و أهوائه و ليس لنفسه الانقياد، لا لأهوائه الجامحة التي فتكت به أخيرا و ألقت برأسه يتدحرج تحت أقدام من أحسن اللعبة مع أخيه المأمون، انه الحسين بن طاهر، ذلك القائد الطموح الذي لم يمهل الأمين أن يتنازل عن كرسيه بعد مفاوضاته مع هرثمة بن أعين الذي أحب أن يصلح أمر الأمين و يبقي علي حشاشة نفسه. [6] .

هكذا كانت أجواء السياسة العباسية... مراجل تغلي بالأحقاد و التنافس، و نفوس طامحة الي الأثرة السياسية الجامحة... و لم تكن السياسة قد ألقت ثقلها علي جهة التحديات الأسرية لبني العباس فحسب، بل كانت تبعات هذا الانفلات تشحن النفوس الموتورة أن تروض في حمي التشكيك بامامة الرضا الذي لم يولد له ولد بعد...، أي كان هذا التنافس الأسري العباسي يلقي بظلاله علي ساحة الأحداث. و كانت الأحداث مأخوذة في حمي الصراع بين قوميتين، تراهنان علي هوي [ صفحه 29] الأطراف في تقديم عنصر علي عنصر، و قومية علي اخري، و كان العرب يتوجسون من تقدم الفرس لدي المأمون، و خشية بني العباس أن ينحاز الأمر للفرس بتولي المأمون قيادة السلطة، و هاجس التنافس محموم في نفوس هؤلاء و مأخوذ بالجد في همم اولئك. و شأن القلة من الغرباء أن يلتمسوا مواضع التقدم علي حساب غيرهم، فاثيرت هواجس العباسيين من اولئك القادمين... و لا ننسي ما للفارق العقائدي من عظيم خطر في اذكاء روح التنافس، فظن بنوالعباس أن الفرس أنصار العلويين و سيستأثرون بالأمر؛ لما للفرس من هوي التشيع و محبة آل علي، و هي وراثة ورثوها يوم كان «الحمراء» بعض رعية الكوفيين في عهد علي (ع) الخليفة.. الانسان... القائد... الانموذج في كل تعاملاته مع رعيته، و كان له الأثر في رفع الحيف عن اولئك المستضعفين من حمراء فارس، حتي أزال عنهم ما عانوه أيام الخليفة الثاني من تحقيرهم و الازدراء بهم، فكان عاقبة أمره اغتياله علي يد بعضهم ثأرا لحقوقهم المهدورة في عهده. و كان فرق العهدين: أن انتصروا لعلي الامام و ناصروه و أحبوه و شايعوه، و أخفوا بغضهم للخليفة الثاني؛ لاسرافه في الامعان بعزهم و

نقص حظوظهم من العطاء، و حث أصحابه علي اخراجهم من جزيرة العرب، كما صرح هو به في اخريات حياته. هذه دواعي حب الفرس لعلي (ع) و هي الدواعي ذاتها في محبة غير الفرس لعلي (ع)، و الانسان رهين الاحسان، فكان علي (ع) الاحسان في كل اموره، فلم يكن التشيع لعلي (ع) موقوفا علي الفرس وحدهم، و لم يكن حبه مرهونا لقومية [ صفحه 30] دون اخري، فحب علي انساني يستعذبه كل انسان مولود علي فطرة الخير و الكمال. كان الفضل بن الربيع «عروبيا» علي ما يبدو، يثأر لقوميته من اولئك البرامكة «الغرباء» الذين قدموا من بلاد فارس، فظل الفضل علي «عروبة» الخلافة العباسية، و كانت لهذه القومية آفة التطرف في حسم الأحداث لصالحها، و هذا آفة كل قومية، فحرض الأمين أن ينازع اخاه المأمون، و عاضده علي بن عيسي بن ماهان الذي انف تقدم العنصر الفارسي بتقدم المأمون، فعمد علي التنكيل بهولاء «الفرس»، الذين تظاهروا علي عروبة هؤلاء، هكذا تخيل علي بن عيسي بن ماهان و الفضل بن الربيع و من هم علي شاكلتهما في احداث الشغب بين الأخوين، فدفعا محمد الأمين علي خلع أخيه المأمون و مبايعة ابنه بولاية العهد، و كان ذلك لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر سنة (194)، فقام الي العهود التي كتبها الرشيد فحرقها، امعانا في نقض العهد و مخالفة المواثيق... و لم يكن أهل خراسان قد خفوا لهذه البيعة بنقض تلك العهود، و كأن الخراسانيين ثأروا لخؤلتهم في المأمون من امه الفارسية «مراجل» تلك الجارية السوداء، قليلة الحظ من بين جواري الرشيد، و الداخلة في خدمة سيدة القصر العباسي «زبيدة» والدة الأمين. و أني لبني العباس أن يقنعوا أنفسهم

بطاعة المأمون فيتغلب بذلك عنصر الفرس و لتكون لهم الحظوة و السطوة من خليفتهم القادم «المأمون ابن مراجل الفارسية». [ صفحه 31] هكذا كان الصراع بين القوميتين يؤججه أصحاب المصالح.. و تبعث فيه الحياة دواعي الأنفة و المكابرة بين الفريقين، فيأخذ هذا ما حظي به نسبه من التقدم في أمر الخلافة، و يستأثر الآخر ما ميزته الفطنة في مستقبل الخلافة، فالأمين يفخر بحسبه العباسي، و المأمون يتفاضل بفطنته و ذكائه... و يتميز الأمين باللهو و الاسراف، و يتفرد المأمون بالجد و الاسفاف، و بين اللهو و الجد.. و الاسراف و الاسفاف.. هوة ساحقة من التقدم و الجد و المثابرة... و من هذه الهوة يتترس الجد في جانب، و اللهو في آخر... و منهما تنشأ محاسن الطرفين و مثالب الفريقين.. و من سعيهما تتحقق آمال الأنصار و تكبر أحلام المؤيدين.. و تأخذ حلوم ذوي الشأن حظوظ الجدة و الأثرة من الأنصار الأوفياء و جماهير المؤيدين.. و تتقاعس مصالح العامة، فلم يجد من يديم النظر فيها ليكشف عنهم عادية البلاء، و يزيل عنهم حيف اللأواء، و يجنبهم مواضع الشر و وحشة الفتن، و يمنعهم بواثق العدوان عند اثارة الشغب ليأخذهم الي حيث الأمن و الاستقرار... و لم يجد فرقاء النزاع مندوحة التصبر علي طي صفحة التنافس؛ حتي ألقوا الامور علي كاهل الحسد و الآثرة، و أرخوا زمام المصالح فالقي الجميع في حضيض نزاع انتهي الي قتل المأمون للأمين، و انحاز كل فريق الي حيث أهواؤه و مطامعه. لم يسع المأمون الا أن يعارض ما صدر من نزق الأمين ليواجهه بالحلم، و طيشه بالجد، و لهوه بالمثابرة، و بطشه بالعفو، و اساءته بالاحسان، و جهله بالحكمة، و لا

نوعز هذا التباين في جبلة المتناقضين الي عفوية الحال، أو صدقة الامور، بل كان ذلك لرغبة المأمون أن يحتل مكانة الحرم في قلب الرشيد [ صفحه 32] «الخليفة»، و رعاية الحشمة في نفوس بني العباس «الحاشية» و سمعة الورع في أذهان العامة «الرعية»، و هذه - لعمري - مقومات السلطان، و دواعي ولاية العهد فيما اذا رغب الرشيد اناطة الأمر الي أحدهما يوم ترجع الكفاءة علي رغبات العاطفة، و تلتمس الأهلية حين تحكم في الاختيار... و لعل للنسب و الحسب شأن في تقرير مصير ما آل الأمر اليه من اختيار الأمين وليا لعهد الرشيد، و كان للمأمون حظ الامرة و الولاية تبعا الي أخيه الأمين... و كان الرشيد يعلم فوارق النقيضين فيسجل شهادته لولديه بقوله: .. و قد عنيت بتصحيح هذا العهد و تصييره الي من أرضي سيرته، و أحمد طريقته، و أثق بحسن سياسته، و آمن ضعفه و وهنه، و هو عبدالله، و بنوهاشم مائلون الي محمد بأهوائهم، و فيه ما فيه من الانقياد لهواه، و التصرف مع طويته، و التبذير لما حوته يده، و مشاركة النساء و الاماء في رأيه، و عبدالله المرضي الطريقة، الأصيل الرأي، الموثوق به في الأمر العظيم، فان ملت الي عبدالله أسخطت بني هاشم [7] ، و ان أفردت محمدا بالأمر لم آمن تخليطه علي الرعية.. [8] . و لا نرجح ما رجحه الرشيد في أمر التفاضل علي واقعه، بقدر ما ننقل صورة المأمون التي حاول أن يحسنها للعامة تهالكا علي السلطة، و طمعا في الامرة، [ صفحه 33] و ليس دخيلة المأمون أطهر من سيرة الأمين، و لا سريرته بأنقي من طيش أخيه، الا فيما يسبقه بحسن التدبير، و

الاحتيال بحظوة الترشيح، و التنافس علي استئثار أحدهما علي الآخر حسدا و طمعا.. و لعل للمأمون دواعيه في انبثاق ذلك السلوك الذي ميزه عن أخيه، فشعوره بالعزلة من قبل بني أبيه و نظرتهم الدونية له دعته الي تأسيس سلوك آخر في التعامل و الرغبة في لفت الأنظار اليه...، فالعباسيون لم يقتنعوا بانحدار المأمون من خؤولته الفارسية بسبب امه مراجل، الأمة المعروفة بعدم حظوتها بين نساء القصر، فهو في العرف العباسي ابن أمة، غير جدير لتقلد أية مسؤولية ترفع من محتده [9] الحقير... و لابد للمأمون أن يسلك سلوكا يرتفع علي هذه النظرة الخسيسة التي قلدها اليه العباسيون، فاذا تمرد علي تقاليد حياة البلاط و تقاليد الامارة من اللهو و المجون و العبث فانه يتمرد الآن علي تقاليد بني أبيه العقائدية، التي ما برحت تقدم أبابكر و عمر علي علي (ع)، و تحاول عبثا أن تنيط الحق الي غير علي (ع)، غير آبهة بمسلمات أحقية الخلافة و وصاية الرسول (ص) لعلي (ع)، و قد رواها العباسيون يوم كانوا يستجدون استعطاف الناس لهم، و ميل القلوب اليهم، كما استجدوا بهذه الفضائل لقمة العيش، و محاباة الناس، و استعطاف قلوبهم، و قد فعل ذلك أبوجعفر المنصور قبل تسلمه الحكم، و قد كان صعلوكا يجوب مواطن [ صفحه 34] الاسترزاق و مظان التقمم... و اذا خالف المأمون بني أبيه في عقيدته فانه مدفوع بالانتقام من تقليدية هؤلاء ليصبح مثار الانتباه و مآل اهتمام أهله و ذويه، و ليتحدثوا به بعد أن كان مغمورا في خسة النسب، و مهملا في بعد شقة الخؤولة الفارسية، و ليحذر منه بنوالعباس فيحسبوا فيه حسابهم، و يأخذوا منه حذرهم، و يحتشموه موثوقا بعقيدة العلوية

الزاحفة اليهم خلف الأسواء العباسية الموصدة، فضلا عما سيملكه من رصيد قوة الفرس الذين دخلوا البلاط منافسين للترك، و مبارزين للروم في حصولهم علي حظوة القرب في البلاط العربي بما كان هؤلاء الفرس ينحازون في هواهم لعلي و آل علي عليهم السلام؛ مكافأة منهم علي رفع الحيف منهم يوم كان علي حاكم الكوفة و خليفتها، فقد نظر اليهم؛ ضحية العصبية القبلية حين كانت الكوفة تفاخر بقبائليتها و تفخر علي كل عنصر من غير العرب، تمسكا منهم بما جعله الخليفة عمر تقدما لهم علي غيرهم، و شدد علي الفرس بأن يخرجوهم من جزيرة العرب الي حيث لا يراهم هو و قبيله ممن هم علي سنته و هواه في قوميتهم العروبية، حتي أنه أنقص حظوظ الفرس من العطاء، و زاد للعرب في اعطياتهم دون مراعاة (ان أكرمكم عندالله أتقاكم) [10] . هكذا نشأت دوافع الفرس في حبها لعلي و لآل علي عليهم السلام، لا لصدفة الاتفاق، أو وثبة النزق، أو طيش التعنت، أو هوي العصبية، بل لداعي الفطرة، و انبعاث الوفاء في النفس الانسانية بميلها الي من أحسن اليها، فان الانسان مجبول علي حب الاحسان، و اذا كان الفرس تواقين لآل علي عليه السلام في هواهم، فما الذي يمنع المأمون [ صفحه 35] أن يدين بدينهم انسان يأخذه حب علي، و يملك فيه عافية التطلع الي حياة علي عليه السلام؟ ذلك الانسان الذي يملك من مواصفات الخلافة الالهية ما لا يملك غيره، و يقرأ المأمون في علي عليه السلام سيرة المجاهد كما يقرأ فيه سيرة الزاهد، و يتطلع اليه عالما كما يسبره حكيما، و يبكيه مظلوما كما يعرفه جادا في انتزاع حقه لو لا حرصه علي سلامة الاسلام، و بقاء الدين، و

وحدة الأمة من الضياع... فاذن «علي عليه السلام» ملحمة الانسان المجهول الذي حاول بنو العباس أن يزووه عن مخيلة الباحث عن الحقيقة، و يتجاهلوه حرصا منهم علي أن لا تقوم لبنيه قائمة، و يهملوا ذكره سعيا و راء اخفاء ما يملكه بنوه من رصيد المحبة في قلوب الناس، و هم المعارضة الخفية لسلطان العباسيين، و كل هذا لا يثني عزيمة الباحث عن الحقيقة في علي و آل علي عليهم السلام، و المأمون باحث من الباحثين، و مقتف لآثار الأولين، و فرق بين الباحث عن الحقيقة و بين المعتقد بها، فلرب من يقف علي الحقيقة كمطلع، و رب من يتابعها كمعتقد، و رب من تدعوه دواع الرغبة في معرفة ما تخفيه دواعي الحسد، و دوافع الانتقام، و كأن المأمون ثالث ثلاثة في اقتفاء الأثر، و معرفة الجد في رغبة بني أبيه باخفاء معالم علي عليه السلام، فجد منهمكا في متابعة الحقيقة دون أتباع الحق، و كان حريصا كل الحرص علي ابراز ما أخفاه المنافسون له من بني أبيه تنكيلا منه بهم، و تحقيرا لدعاهم في أحقيتهم للخلافة دون طائل، و امعانا منه في اطفاء سورة المكابرة و قد أشعرتهم بأنهم ظل الله في أرضه، و هم أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله مناجزة لأهل البيت النبي، علي عليه السلام و بنيه... اذن لم يكن المأمون متشيعا لعلي عليه السلام بقدر ما عني في معارضة بني أبيه، تمردا منه عليهم، و بحثا عن الحقيقة دون الاعتقاد بها، و تثبيتا للحق من غير اعتراف به، [ صفحه 36] و طلبا للواقع خلافا لما أظهره مع آل علي كما سيأتي... فضلا عن احراز رضا الفرس في دعواه التشيع لعلي؛ ليضمن بذلك مناصرتهم

في دفع المعارضين له من بني العباس، و حرصا منه علي كسب ود العلويين الثائرين، و سنجد أن عصر المأمون حفل بثورات المعارضة العلوية، كخروج أبي السرايا، السري بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، و مناصرة بعض العلويين له، كالحسن بن الحسين بن زيد، و محمد بن محمد بن زيد، و الحسن بن اسحاق بن علي بن الحسين، و محمد بن الحسين بن الحسن، و علي بن عبدالله بن محمد. و كمبايعة أهل المدينة لمحمد بن جعفر بن محمد عند خروجه علي المأمون و خلع نفسه عن البيعة بعد معارك يطول ذكرها، الي غير ذلك من خروج العلويين عليه، و خطورة ذلك تكمن في كون المأمون خرج توا من أخطر معاركه منتصرا علي أخيه الأمين، تاركا في قلوب بني أبيه شعور الخيبة في انشقاق عصبة الخلافة العباسية، و انخرام عصمة الرحم بين وريثي البيت العباسي في الخلافة، و هي أول حالة تقصم فيها عري الاخوة بين متنافسين ينتهي أمرهما بأن يطوف برأس أحدهما في آفاق البلدان، و هو أمر لا يرتضيه العباسيون، حتي يعلنوا تذمرهم علي المأمون ببيعتهم لعمه ابراهيم بن المهدي المغني المعروف، رافضين بذلك المأمون، محتملين ما يصيبهم من عنت الطعن و اللوم علي سوء الاختيار لهذا المغني الماجن، و هو أمر يكشف عن مدي لجاجة الأحداث في أن تصل الي هذا الأمر... و من هذا فعلي المأمون أن يأخذ حذره من تمرد محسوب يؤدي به و بملكه، فما السبيل الي ذلك؟ [ صفحه 37] و لعل بعضهم يذهب الي غير ذلك، فهو يري أن طبع المأمون كان مجبولا علي حب آل علي عليه السلام دون تكلف المجاملة، أو التربص في ارضاء الخصوم العلويين

الذين باتوا يرون ملاحاة العباسيين لهم في العداء أمرا تقتضيه جبلة التنافس، و طبيعة الحريص علي اقتناص فرص الغلبة في بسط هيمنة السطوة علي غيرهم من منافسيهم، و نقرأ فيما أرخه ابن الأثير في كامله أن المأمون لم يتصنع العطف أو يتكلف الحب، أو يستأثر الشفقة علي العلويين درءا لخطر التهالك في الحصول علي حطام الملك، أو دفعا لاحتمال الأسوأ في اتخاذ بعض ما يلومه عليه بنوأبيه من تقديم آل علي في حظوة التكريم و بسط أسباب التبجيل، أو كل ما من شأنه أن يرفع من مقامات آل علي عليهم السلام؛ محتملا لوم اللائمين و تعنيف العاذلين من بني أبيه. قال ابن الأثير في كامله: قال أبوالعباس أحمد بن عبدالله بن عمار: كان المأمون شديد الميل الي العلويين، و الاحسان اليهم، و خبره مشهور معهم، و كان يفعل ذلك طبعا لا تكلفا، فمن ذلك أنه توفي في أيامه يحيي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين العلوي، فحضر الصلاة عليه بنفسه، و رأي الناس عليه من الحزن و الكآبة ما تعجبوا منه، ثم ان ولدا لزينب بنت سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس - و هي ابنة عم المنصور - توفي بعده، فأرسل له المأمون كفنا، و سير أخاه صالحا ليصلي عليه، و يعزي امه؛ فانها كانت عند العباسيين بمنزلة عظيمة، فأتي اليها و عزاها عنه، و اعتذر عن تخلفه عن الصلاة عليه، فظهر غضبها و قالت لابن ابنها: تقدم فصل علي أبيك، و تمثلت: سبكناه و نحسبه لجينا فأبدي الكير عن خبث الحديد ثم قالت: لصالح: قال له: يابن مراجل، أما لو كان يحيي بن الحسين بن زيد [ صفحه 38] لوضعت ذيلك علي

فيك و عدوت خلف جنازته. [11] . و لم تجد ما يعزز نظرة اولئك الذين مالوا الي تشيع المأمون أو أفرطوا فيه بوصفهم أن المأمون قد غالي في تشيعه، كما عن الذهبي في تاريخ الاسلام سنة (201 - 200) ما يضمن لنا قوة الحجة في هذه المقطوعة التاريخية، فلربما كان يدفعه موقف من مواقف الخطر السياسي الذي أحدق بالمأمون و شيعة علي يتربصون به، فأراد بذلك دفع غائلة الثورة و التمرد، أو ربما كانت شبهة اغتيال المأمون للامام الرضا عليه السلام تحيق بالمأمون فيتوجس من خلالها الغوائل، و يدرأ في ذلك عادية الثورات العلوية، أو - لنحسن الظن في هذه الواقعة أن نقول و علي أحسن تقدير: - ان المأمون كان يعجبه آل أبي طالب، فكان تواقا في مواصلتهم و الحرص علي برهم، لا لعقيدة الايمان فيه، بل لجبلة الفتوة التي فطر عليها المأمون، فأحب فتوة الطالبين الموروثة من فتوة علي و آله الطيبين، و الا فليس ذلك ما يبرر تشيع المأمون و انكفاءه علي عقيدة يعلم فيها نهاية ملكه و حتمية مآله. و لعل ما يدور في خلد العباسيين، و ما يجري في أروقة القصر من التهامس بين الساسة و أنصار العباسيين وقادة الأحداث و اولي الأمر، و ما يدب بين العامة فيما تلقيه الخاصة من كون المأمون قد مال في هواه لآل علي، و غلب عليه نصرتهم، و أخذ بحبهم دفع بالمأمون أن يعتذر لقاضيه يحيي بن أكثم مقرر عقيدة القصر، و السائس لتوجهات البلاط العباسي، و المعروف بعدائه لآل علي و أنصارهم من أنه مأخوذ بتهمة العداء للصحابة، و قد خرج توا من مناظراته في الدفاع عن أحقية [ صفحه 39] علي عليه السلام في

الخلافة و تقديمه علي بقية الصحابة، و هو أمر يستحق عليه صاحبه في نظر «الآخر» أن يوصم بتهمة العداء لصحابة النبي صلي الله عليه و آله، و هو سلاح طالما يستخدمه اولئك المقلدة من أجل افشال أي مشروع اصلاحي لبيان حقائق تاريخ الامة، و تهمة العداء للصحابة بضاعة جاهزة بخسة الأثمان يسوقها تجار السياسة وقادة الفتن و أصحاب الأهواء المتناحرة، و كأن المأمون قد توجس من نتائج مناظرة عقدها مع فقهاء بغداد و أهل العلم منهم في أمر الخلافة، فأراد أن يبعث برسالة طمأنة الي الخاصة من المقلدة و عامتهم، و هاجس الاصلاح و توجسات التغيير تدور في أذهان أهل الحل و العقد، من ساسة العقائد الحاكمة و الأهواء السائدة يومذاك. فقال المأمون لابن أكثم: يا أبامحمد، كره هذا المجلس الذي جعلناه للنظر طوائف من الناس، بتعديل أهوائهم و تزكية آرائهم، فطائفة عابوا علينا ما نقول في تفضيل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و ظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي عليه السلام الا بانتقاص غيره من السلف! و الله ما أستجيز أن أنتقص الحجاج فكيف السلف الطيب؟! و ان الرجل ليأتيني بالقطيعة من العود أو بالخشية أو بالشي ء الذي لعل قيمته لا تكون الا درهما أو نحوه، فيقول: ان هذا كان للنبي صلي الله عليه و آله، قد وضع يده عليه أو شرب فيه أو مسه، و ما هو عندي بثقة، و لا دليل علي صدق الرجل، الا أني بفرط النية و المحبة أقبل ذلك فأشتريه بألف دينار، أو أقل أو أكثر، ثم أضعه علي وجهي و عيني و أتبرك بالنظر اليه و بمسه، فأستشفي به عند المريض يصيبني، أو يصيب من أهتم به فأصونه كصيانتي

لنفسي، و انما هو عود لم يفعل شيئا، و لا فضيلة له يستوجب المحبة الا ما ذكر من مس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكيف لا أرعي حق أصحابه و حرمة من قد صحبه، و بذل ماله و دمه دونه، و صبر معه أيام الشدة و أوقات [ صفحه 40] العسرة، و عادي العشائر و العمائر و الأقارب و فارق الأهل و الأولاد، و اغترب عن داره ليعز الله دينه و يظهره دعوته؟! يا سبحان الله! و الله لو لم يكن هذا في الدين معروفا لكان في الأخلاق جميلا! و ان من المشركين لمن يرعي في دينه من الحرمة ما هو أقل من هذا. معاذ الله مما نطق به الجاهلون... [12] الي آخر ما يعتذر به الي يحيي بن أكثم، و ما يسوغه من دفاعه عن علي عليه السلام في حقه و عن مذهبه في تقديمه علي غيره، و هو بعد لم تثبت لنا صحة اعتقاده الشيعي أو ايمانه الراسخ، ففي مناورات السياسة ما تخفي الأحداث وراءها مقاصد التناحر و دواعي التنافس، و مقتضيات التصفيات السياسية، و قتل الخصوم، و كان علي بن موسي الرضا عليه السلام بعض من نالته كؤوس حتوف الاحتراب السياسي و التنافس المحموم بحمي تداعيات الأثرة و التهالك علي حطام السلطان. لم يسع المأمون الا أن يأخذ حذره كما قلنا، فما الذي يفعله غير أن ينقلب علي تقليدية آبائه في عدائهم لآل علي، حتي يعمل علي تقريب الامام علي بن موسي الرضا و يتشفع عند العلويين بتوليته ولاية العهد، فضلا عما سيحدثه المأمون من التلويح لبني أبيه باخراج الأمر منهم الي معارضيهم من آل علي، ان لم يحسنوا مع

المأمون التصرف و يعملوا معه علي ادارة الأمر، و القضاء علي تمردات العلويين و ثوراتهم، أي سيجعل ولاية العهد قوة ضاغطة علي الوجود العباسي، مهددا اياهم علي مصادرة مجدهم و هيبتهم، و كسر شوكتهم، أي كانت ولاية العهد للامام [ صفحه 41] الرضا عليه السلام من قبل المأمون رسالة مفتوحة قرأ فيها العباسيون حاضرهم و استشرفوا فيها مستقبلهم، مما دعاهم الي التخلي عن عزمهم في الابقاء علي ابراهيم بن المهدي بديلا عن المأمون، و مقابل هذا أن يقصي المأمون الامام الرضا عن ولاية العهد بتصفيته سما و اغتياله، ارضاء للنزعة العباسية، و تمت الصفقة الخسيسة بين الطرفين، فشلت يد البائع، و تبت يمين المشتري. حاول المأمون دون جدوي أن يضع الأمر في عنق الامام، مختبيا خلف نوايا عدة، و الامام كان رافضا له أشد الرفض، محبطا بذلك مشاريع المأمون، و ساعيا الي تحويل ما عزم عليه المأمون من فتح الي هزيمة، و من نصر الي خذلان، و من نجاح الي احباط، فالمأمون أراد أن يدخل اللعبة منتصرا بما يحسنه من تدبير السياسة، و الامام عاجله في افشال اللعبة بما يملكه من حنكة التبصر في عواقب الأمور، و المأمون أضعف من أن يجعل الامام سببا في تنفيذ مآربه، أو قنطرة توصله الي تحقيق مصالحه، و الامام أجل من أن يصغي للمأمون أو يركن الي زبرجة و عوده، فالامام لا يرفعه ما يمنحه المأمون من خلافة مزعومة، و سلبيته حيال عرض المأمون كشف عن تداعيات خلافة بني العباس غير المشروعة، و الامام لا يحول عنه أحد دون الخلافة الشرعية، فهو لم يكن في يوم ما محتاجا الي عرض المأمون، أو مخذولا من ازواء الرشيد، فخلافتهم ملك دنيوي، و خلافته

نص الهي. و هذا أمر جدير بالتأمل و التبصر بما آلت اليه الامور... فعرض الخلافة كان [ صفحه 42] مدفوعا من قبل الامام، محتجا علي المأمون بأن الأمر ليس بيدك، فان كانت الخلافة لك فلا معني لمنحها غيرك، و ان كانت لغيرك فلا يجوز أن تجعل لي ما ليس لك، و كان ذلك جدير بادانة المأمون و أسلافه في عدم مشروعية خلافتهم، و لنستمع الي ما دار بين الامام الرضا و بين المأمون في شأن الخلافة؛ لينبلج الحق لذي عينين... روي الصدوق بسنده، عن علي ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي قال: ان المأمون قال للرضا عليه السلام: يابن رسول الله، قد عرفت علمك و فضلك و زهدك و ورعك و عبادتك، و أراك أحق بالخلافة مني. فقال الرضا عليه السلام: «بالعبودية لله عزوجل أفتخر، و بالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، و بالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عندالله عزوجل». فقال له المأمون: فاني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة و أجعلها لك و ابايعك. فقال له الرضا عليه السلام: ان كانت هذه الخلافة لك و الله جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسك الله و تجعله لغيرك، و ان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك. فقال له المأمون: يابن رسول الله، فلابد لك من قبول هذا الأمر. فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا. فما زال يجد به أياما حتي يئس من قبوله. فقال له: فان لم تقبل الخلافة و لم تجب مبايعتي لك فكن ولي عهدي، تكن لك [ صفحه 43] الخلافة بعدي. فقال الرضا

عليه السلام: و الله لقد حدثني أبي، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اني أخرج من الدنيا قبلك مسموما مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي ملائكة السماء و ملائكة الأرض، و ادفن في أرض غربة الي جنب هارون الرشيد، فبكي المأمون! ثم قال له: يابن رسول الله، و من الذي يقتلك أو يقدر علي الاساءة اليك و أنا حي؟! فقال الرضا عليه السلام: أما اني لو أشاء أن أقول لقلت من الذي يقتلني. فقال المأمون: يابن رسول الله، انما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك و دفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس: انك زاهد في الدنيا. فقال الرضا عليه السلام: و الله ما كذبت منذ خلقني ربي عزوجل، و ما زهدت في الدنيا للدنيا، و اني لأعلم ما تريد. فقال المأمون: و ما اريد؟ قال: الأمان علي الصدق. قال: لك الأمان. قال: تريد بذلك أن يقول الناس: ان علي بن موسي الرضا لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة؟ فغضب المأمون ثم قال: انك تتلقاني أبدا بما أكرهه و قد أمنت سطوتي، فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد، و الا أجبرتك علي ذلك، فان فعلت، و الا ضربت عنقك. [ صفحه 44] فقال الرضا عليه السلام: قد نهاني الله أن القي بيدي في التهلكة، فان كان الأمر علي هذا فافعل ما بدا لك، و أنا أقبل ذلك علي أني لا اولي أحدا، و لا أعزل أحدا، و لا أنقض رسما و لا سنة، و أكون في الأمر من بعيد مشيرا. فرضي بذلك، و جعله ولي عهده علي كراهة منه عليه السلام بذلك.

[13] . لم يثبت النص مفخرة للمأمون، و لم يجعل له مكرمة التنازل عن الخلافة الي الامام الا لعبة ما كرة مكشوفة الأوراق، جلية الغايات، و لم يستطع اولئك الذين يذهبون الي تشيع المأمون أن يثبتوه و بين أيديهم نص الادانة لتصرف المأمون فيما عزم عليه من قتل الرضا ان هو يرفض فكرة تحويل الخلافة، أو مسألة قبول ولاية العهد، و أي ولاء هذا و المأمون ليس له خيار الا خيار القتل فيما اذا تسبب الامام الرضا في احباط مشروع المأمون؟! و أي تشيع هذا و الامام يتعرض لكراهية القبول في أمر لم يكن هو راضيه، فصار المأموم متبوعا، و غدا الامام تابعا؟! فأي تشيع بعد هذا يبقي للمأمون؟! نعم، كان المأمون قد استهواه التشيع كانسان تحكمت فيه رغبة الحق كمعرفة مجردة عن كل دواعي السلطان، و هواية البحث تأخذ الانسان الي مديات الرغبة الصادقة حينما يتخلي عن نوازع السطوة، بل قد يتأصل الخير في كوامن الفطرة ليدفع الانسان لأن يعود الي انسانيته كانسان مجرد عن كل النقائص العارضة علي توجهات الخير، المستوحاة من سلامة الفطرة اذا ما هي نجت من معائب النفس [ صفحه 45] الهابطة الي حضيض الأشياء. كان المأمون - كما أشرنا - يعاني من عقدة النقص التي تلقي بظلالها علي شخصيته المنعزلة و الطموحة كذلك، فالنقص أشعر المأمون بدونية الانتساب لامه الفارسية، و كانت مراجل عنوانا كبيرا لمعاناة المأمون التي خلقتها نظرة العباسيين اليه. و الذي نريد قوله: أن المأمون شذ في «عباسيته» الخاصة به، فهو لم يحمل معه «عباسية» الرشيد و لم يتخل منها كما في «عباسية» الناصر... و لم يختر الوسطية في عباسيته بعد ذلك، فعباسيته لغز محير خاض

فيه الكثير، فمنهم من أقصاه عن عباسيته و أحاله شيعيا خالصا، و منهم من ذهبت به المذاهب دون أن ينتهي بنتيجة معينة، و هكذا تضاربت آراء المحققين، و تعارضت روي الباحثين، فلم يحطوا رحالهم الي ما تطمئن له نفوسهم، أو يتفقون علي رأي يقطعون به شأفة العصيبة في الاستنتاج التاريخي، و أي استنتاج لأية قضية تاريخية لا يمكن الوقوف منها موقف المتحيز ما لم يتجرد المؤرخ عن نزعاته العصبية، أو نظرته القبلية، ليلقي عنان الحقيقة الي حيث تسلكه من وهاد التحقيق الي مكامن قضايا أخفتها نزعات الرغبة في اثبات ما يستسيغه هو و ما تهواه نفسه. و مهما يكن من أمر فان تهمة تصفية الامام الرضا لن تتخطي المأمون، أو تتعداه الي ابني الفضل، أو تتجاوزه بتآمر الحاشية علي قتله، فان سنة تصفية الخصوم قد عرفت منذ زمان، و سعد بن عبادة أول من ذاق كأس حتوف المعارضة السياسية، و أوعزوا تصفيته الي الجن فقالوا: «قتلت الجن سعدا»، و لم نسمع قبل و بعد مصرع [ صفحه 46] سعد أن تدخلت الجن في تصفية الخصوم، فان جن السياسة أفتك و أشد بطشا... و لم يخف التاريخ ما ابتكره ابن أبي سفيان في دس السم بالعسل، فأودي بخصومه الي حيث شاءت لهم «جنود الله من العسل»، و هو ما استساغه ابن أبي سفيان أن يطلق علي مكائده فيوعزها الي «جنود الله»... و في معرض تحليله لشخصية المأمون السياسية ذكر يوسف العشر في تاريخ عصر الخلافة العباسية ما نصه: (... و كان اذا فاجأته حادثة أخر حلها حتي يستقيم له الرأي فيها. و هو علي كل حال يحل المسائل هادئا دون أن يكون في الأمر اثارة أو استثارة، ليس

فيه عنف و لا قسوة، يرغب في أن يكون حلا هادئا ناعما لطيفا [14] ، لعل الناس في عصره ما كانوا يشعرون بأهمية الحل، و لا يقدرون قيمته، قد يلجأ في هذا الحل الي السم أو الي قتل الناس، و لعله كان يفعل ذلك لصالح الدولة. [15] و لعله كان يفضل الحلول الهادئة هذه علي ارسال الجيوش و قتال الناس، و كان بعد أن يوعز بالسم و يقتل من يقتل من يقتل يتبرأ من هذا الفعل، و يعلن سخطه عليه، بل يحاول أن يخفي تدبيره وراء ترتيب جديد: ينعم علي أهل الشخص المقتول، و يضفي عطفه علي اسم المسموم و اسم ذويه... و لعله كان من خطته أيضا أن يفتدي نفسه بعلي الرضا بن موسي، فانه ما مضي علي وفاة الفضل بن سهل عدد من الأشهر حتي تناول علي الرضا بن موسي كمية [ صفحه 47] كبيرة من العنب يحبه فمات [16] لعلنا لا نصدق أن انسانا يموت من أكل العنب اذا لم يكن في العنب ما يؤثر في الحياة كالسم مثلا، أعلن المأمون حزنه علي وفاة الرضا، و لم يغير سياسته في الأمر، بل استمر علي لبس الخضرة [17] . و هكذا هي سيرة المأمون، فانه ليس بدعا من ذوي السياسة و أهل الرئاسة حيث يختمون تحالفاتهم بالاغتيال لمنافسيهم الأقوياء... فالمأمون فكر في بيعته علي الرضا، فأعظم أن يرجع عنها، و خاف اذا رجع أن يثور عليه أهل خراسان فيقتلوه، فعمد الي سياسة الفتك، فدس اليه من أطعمه عنبا مسموما فمات) [18] . و لم يكن هذا الرأي قد اختص به جرجي زيدان حتي وافقه أحمد شلبي بقوله: ان ثورة بغداد قد أرغمت المأمون

علي التخلص من الرضا... [19] . و ليس المحدثون قد انفردوا في هذا الرأي، فان أبي الفرج الاصفهاني ذكر في مقاتل الطالبيين ما يؤكد ذلك، فقال: (و كان المأمون عقد له علي العهد من بعده - أي الرضا - ثم دس اليه بعد ذلك سما فمات) [20] . و لم ينكر ابن الطقطقي في آدابه السلطانية ما ارتكبه المأمون من قتل الامام الرضا عليه السلام، و ألمح الي أنه كان في قتله للرضا استرضاء لبني العباس، و أن في موته [ صفحه 48] ذهابا لخوفهم و توجسهم مما ستؤول اليه ولاية عهد الرضا بزعمهم، فقال في معرض تأريخه للمأمون: (ثم دس الي علي بن موسي الرضا عليه السلام سما في عنب فمات من ساعته، ثم كتب الي بني العباس ببغداد يقول لهم: ان الذي أنكرتموه من أمر علي بن موسي قد زال، و ان الرجل مات، فأجابوه أغلظ جواب) [21] . و حسبنا جواب عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن علي علي رسالة بعث بها المأمون اليه، حيث تواري عنه، فأرسل اليه أمانا و أوعده بولاية العهد، فقال عبدالله في معرض جوابه اليه: وصل كتابك و فهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، و تحتال علي حيلة المغتال القاصد لسفك دمي، و عجبت من ذلك العهد و ولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا، ففي أي شي ء ظننت أني أرغب من ذلك؟! أفي الملك الذي قد غرتك نضرته و حلاوته، فوالله لئن اقذف - و أنا حي - في نار تتأجج أحب الي من أن ألي أمرا بين المسلمين، أو أشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل... أم في العنب

المسموم الذي قتلت به الرضا؟! [22] . و في خبر آخر: فبأي شي ء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن - صلوات الله عليه - بالعنب الذي أطعمته اياه فقتلته [23] . و أحسب أن هذه الرسالة من شأنها قطع عادية اللجاج في أمر شهادة الرضا [ صفحه 49] علي يد المأمون. فعبدالله بن موسي هذا قريب عهد علي حادث الاغتيال، و هو مترصد لسلوك المأمون و مذهبه في تصفية الخصوم، و دم الرضا من ذحول الهاشميين المعارضين لسياسة العباسيين، الذين ما فتأوا يتخلصون من آل علي بمثل هذه الغيل و تلك الدسائس سبب في غليان الهاشميين بالثورة، انتقاما مما أقدم عليه المأمون في التمادي بقتل الامام... و لأبي فراس الحمداني موقف من العباسيين يحاججهم بسوءاتهم، و أشهرها اغتيال الرضا و تصفيته بسم المأمون، ففي رائعته الميمية يذكر بها أمر الاغتيال بقوله: ليس الرشيد كموسي في القياس و لا مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته و أبصروا بعض يوم رشدهم و عموا و لم تقف التهمة في حدود الاغتيال المروع، بل عمد المأمون أن ينفي تهمة كهذه عن نفسه، فأرسل الي ابن الرضا و خليفته «محمد صلي الله عليه و آله و سلم»، فكان من أمره ما يتكفله بحثنا هذا...

الوليد المبارك

كانت تلك الليلة مليئة بالمفاجئات للسيدة حكيمة بنت الامام موسي بن جعفر عليهماالسلام، حين أبلغها الرضا بأن الخيزران أصابها الطلق، و عليها أن تحضرها لتليها أمرها... كانت حكيمة و جلة من تلك الليلة، فهي تستشعر خوفا مصحوبا [ صفحه 50] بأمل الحدث الجديد، و تتوجس مما تخفيه هذه الليلة من تلك المفاجئات... فحكيمة قلقة الآن مما ستتلقاه من بشارة المولود الذي طال

انتظاره و أخيها و قد بلغ الخامسة و الأربعين... و تحديات الآخرين تتصاعد و تائرها لتشكك في امامته، بدعوي أن الامام لابد أن يلي أمره امام مثله، و لم يحن لأخيها الذي يواجه تشكيكات الخصوم أن يولد خليفته الموعود... فربما ستلد الخيزران غير ما ينتظره المنتظرون من شيعة الامام، الذين بدورهم يواجهون تحديات الخصوم، و لجاجة المشككين، و شماتة الحاقدين، و خوض الخائضين في امامة علي خليفة أبيه موسي. و ما الذي يفعله اولئك الواقفة علي امامة موسي غير مواجهة الرضا و شيعته بالاستدلال علي صحة مزاعمهم، من كون الأمر قد وقف علي موسي بن جعفر الذي لم يخلف اماما بعده. هذه الهواجس تتزاحم في ذهن حكيمة، التي ما فتأت تراقب الموقف بحذر عندما أخذ خيزران الطلق و اطفئ المصباح... ارتاعت حكيمة من هول اللحظات الحاسمة، حتي واجه حكيمة شي ء يتجلي أمامهما، عليه شي ء رقيق كهيئة الثوب، و نور يسطع من ذلك الوليد حتي أضاء البيت... لم تتمالك حكيمة نفسها، حتي و ثبت للوليد تأخذه برفق مصحوب برعدة اللحظات المهيبة، و هي تتناول ذلك الموعود انه «محمد». سبحانك اللهم و بحمدك، كل شي ء عجيب في ولادة هذا الحبيب القادم من ثنايا الانتظار الأليم، الذي أذاق «أبامحمد» والده الامام صنوف الاعتراض و غصص الشامتين الذين يأملون احباط خلافة الله بكل ما لديهم من حول و قوة، (و يأبي [ صفحه 51] الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون) [24] تتمتم حكيمة بهذه الهواجس و تلهج بالوليد الجديد... انه «محمد» يا أبامحمد... و قد ناولته حكيمة بعد أن فتح الرضا باب الغرفة ليضعه في مهده؛ ليقول لها: «يا حكيمة الزمي مهده». لم تبارح حكيمة مهد

محمد حتي رأت في يومه الثالث ما لم تره في غيره... تحدق حكيمة في الوليد الجديد الذي يرمق السماء ببصره؛ لينظر يمينا و شمالا فيتمتم بكلمات الوحدانية... نعم، تسمع حكيمة صوت الوليد في يومه الثالث: «أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله...» لم تتمالك حكيمة نفسها بعد أن أخذتها رعدة لا تحملها رجلاها المرتجفتان لتقوم بمشقة كبيرة فتخبر الامام بأنها رأت عجبا و سمعت عجبا... أبامحمد، وليدك الميمون ما فتأت ابارحه حتي يريني ما أعجب منه، انه يتشهد، و تحكي له كل ما تراه بنبرات مرتجفة... كان الامام يدرك أنها مفاجئة لحكيمة و لغيرها في كل ما تراه من ولده الميمون، فيقول: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر». و يكبر «محمد» لتكبر فيه عناية أبيه الذي يتطلع اليه بشغف مصحوب بعناية والده الامام... فهو الآن «أبوجعفر» يخاطبه الامام بكنيته تعظيما له، و توقيرا لمقامه المقدس... انه أبوجعفر... و هو المولود المبارك يا يحيي... و لم يكتم يحيي الصنعاني تساؤلاته عن المولود الجديد، فيبادر الامام متسائلا: جعلت فداك، هو المولود المبارك؟ فيجيبه الامام: «نعم يا يحيي، هذا [ صفحه 52] المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه». [25] . و لم يجد الامام الرضا بدا من التنويه بمنزلة أبي جعفر عليه السلام، فهو لحمة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو روحه، بل هو بعضه، فقوله لابن نافع حين دخل عليه: «يا ابن نافع، سلم و أذعن له بالطاعة، فروحه روحي، و روحي روح رسول الله». [26] . كان ابن نافع يدور في خلدة منزلة أبي جعفر كيف هي؟ و لكنه لم

يتيقن أنه خليفة أبيه، حتي ذكر الامام أن ولده هو روح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و لا يعني قول الامام الا اشارة الي نسب ولده، و أنه ينتمي الي رسول الله، فليس عند ابن نافع شك في ذلك، و لم يخف علي أحد و لا علي ابن نافع ذلك، بل أراد الامام أن ينوه عن وراثة أبي جعفر له، و من ثم وراثته لرسول الله، فهو روحه يا ابن نافع... و ليس بعد ذلك تفصيل... كان أبوجعفر يتلقي الرسائل من أبيه «المبعد» الي خراسان... و كان الوالد يراقب عن كثب أحوال أبي جعفر، فكانت بينهما مراسلات تفصح عن جلالة «محمد» بالرغم من صغر سنة، و كان الرضا يتحف ولده بأنواع التبجيل، و فوق ذاك فقد كان يفديه... فأي منزلة هي اذن؟ و أي كرامة تحيط بالمذخور لوراثة الامامة؟! كان الجواد عليه السلام يقرأ في ثنايا رسائل والده عطفا مشوبا بشوق البعد و عناء الفراق... و كان يتطلع برسائل والده فيقرأ فيها عناية تنطوي فيها حرارة الشوق مع قداسة التعظيم، و هو أمر لا يقف عند حدود المراسلات، أو يندرج في شؤون المخاطبات، أو يرتسم في ملاكات التشريف بقدر ما هو تنويه علي أمر خطير، [ صفحه 53] و مكانة جسيمة لا تكشفها الا مخاطبات الامام لأبي جعفر حين يكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله طويلا، و أعاذ من عدوك يا ولد، فداك أبوك... و في نفس الرسالة يخاطبه: و قد أوسع الله عليك كثيرا، يا بني فداك أبوك... و في قوله: «أبوجعفر وصيي و خليفتي في أهلي من بعدي...» ينكشف سر مكانة أبي جعفر، و خطر منزلته عند أبيه... فهو وصيه و خليفته. كان

الرضا ملازما لمهد «محمد» عدة ليال... لا يفارقه، و هو أمر أثار استغراب أحدهم، و سأل الرضا عليه السلام عن سبب ذلك؟ و هل ملازمته لمهد الوليد تعويذا له من عين الحاسدين؟.. أجل، لم يدرك المتسائل سر هذه الملازمة، و ظنه أنها ملازمة الوالد لوليده الوحيد الذي يخشي عليه كيد الحاسدين... و لم يتبين لهذا السائل أنه أمر عظيم يكتنف هذه الملازمة ليالي عدة... انه أمر أعظم من أن يدركه هذا و غيره، فيكتفي الامام عليه السلام بأن ذلك من أسرار الوراثة و خصائص الامامة... انه العلم يا هذا... و أي علم هو يتلقاه أبوجعفر في مهده؟ و لم يزد الامام علي أكثر من قوله: «ويحك! ليس هذا عوذة، انما أغره بالعلم غرا» [27] . و هكذا يكبر أبوجعفر، و يكبر معه علمه و رعاية الوالد الحبيب... و أي لحظات هي، و أبوجعفر يراقب والده و قد ودع البيت وداع من لا يرجع بعد سفره هذا؟... [ صفحه 54] و لم يرتض أبوجعفر أن تمر هذا اللحظات العصيبة الا ليعبر عن ألمه و استيائه لما سيفعل بوالده المعظم... و هل يخفي علي أبي جعفر ما تنطوي عليه الأيام الزاخرة بالمفاجئات؟ و هل فات أبوجعفر الصبي الرباعي أو الخماسي أن لا يدرك ما هو فيه أبوه؟ و هل خفي علي الرضا ما تكنه نفس أبي جعفر و تنطوي عليه من معرفة المستقبل بتفاصيله؟! و لم يستغرب الرضا ما بدا علي أبي جعفر ولده من قلق و هم و حزن عبر عنه بلزومه الحجر، و لم يبارحه حتي جاء والده فاستجاب اليه، و بقي موفق الخادم متعجبا مما يراع من هذا الصبي الحزين علي فراق والده! و أي صبي في الرابعة يدرك

ما تجري الأحداث و الوقائع مما يجعل موفقا الخادم متحيرا لادراك أبي جعفر خطورة الأمر التي ستؤول الي تصفية الامام؟ و لم يحر الخادم موفق فعل شي ء و هو يري الصبي «محمدا» لم يبرح الحجر... فهذا امية بن علي القيسي [28] الشامي يحكي لنا مشاهداته عن سلوك الصبي الذي يرافق والده عند طوافه، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكة في السنة التي حج فيها، ثم صار الي خراسان و معه أبوجعفر، و أبوالحسن عليه السلام يودع البيت، فلما قضي طوافه عدل الي المقام فصلي عنده، فصار أبوجعفر الي الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له موفق: قم جعلت فداك، فقال: «ما اريد أن أبرح من مكاني هذا الا أن يشاء الله»، و استبان في وجهه الغم، فأتي موفق أباالحسن عليه السلام فقال له: جعلات فداك، قد جلس أبوجعفر في [ صفحه 55] الحجر، و هو يأبي أن يقوم، فقام أبوالحسن عليه السلام فأتي أباجعفر فقال: «قم يا حبيبي» فقال عليه السلام: «ما اريد أن أبرح من مكاني هذا»، قال عليه السلام: «بلي يا حبيبي» ثم قال عليه السلام: «كيف أقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه؟»، فقال له عليه السلام: «قم يا حبيبي» فقام معه. [29] . و لم يدرك الباقون نعي «محمد» لوالده الامام... فلعل في نفوس هؤلاء تكمن حيرة الموقف، و هيبة التأبين، و قداسة النعي المستوحي من الغيب... انه الغيب يا سادة... و أنتم تستشعرون أمرا لم تدركوه بعد... فما يجري بين الامام و بين ولده نفثات علم مخزون في صدر الصبي المفجوع بفراق والده... و حشاشته الحري تتأجج حزنا لما انتهي اليه من علم بفراق والده الامام... و لعلكم ظننتم انه لهو الصبي الذي لم يبارح المكان الا

بأمر والده... و أنتم لم تدركوا أنه أبوجعفر الامام القادم، و التي ستنتهي اليه مقاليد خلافة الله...

ابوجعفر الامام... الامامة المبكرة...

و لم يلبث الامام الرضا في خراسان حتي تمت المؤامرة... انها مؤامرات اللعب السياسية التي زوالها المأمون... و لم يكن من أمر غير انهاء المرحلة الحرجة من الحياة السياسية للعباسيين... و تنافسات الأطراف المتنازعة تؤجج لظي التسابق السياسي الذي ينتهي بشهادة الرضا مسموما سنة (203) للهجرة في صفر من ذلك العام. و يصل خبر نعي الامام الرضا عليه السلام الي المدينة، و أبوجعفر يومها في السابعة من [ صفحه 56] العمر... كان الموقف مضطربا... فالتجربة الجديدة في تولي الامامة المبكرة أمر لم يألفه الناس، و حتي شيعة الامام فانهم لم يألفوا امامة الصبي و هو في السابعة، فأخذوا يتجاذبون الحديث عن صلاحية الامامة لهذه السن المبكرة... انها محنة التسليم لأمر الله تعالي حين يأتي وليه الحكم و هو صبي... و اذا غابت مسوغات لامامة المبكرة فان القرآن لم يغب عن أذهان الناس حين يذكرهم بالصبيين اللذين آتاهما الله الحكم و الكتاب (يا يحيي خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا) [30] و كان يحيي معجزة احتج بها الله علي عباده... و لم تكن مرحلة يحيي وحدها معجزة، فان في عيسي تتكرر معجزة النبوة المبكرة، و لا تزال التجربة تختبر الناس في تسليمهم لأمره تعالي... كانت نبوة عيسي امتحانا عسيرا لأولئك الذين يتساءلون عن أمر الصبي عيسي كيف يكون نبيا؟ (فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا - قال اني عبدالله آتاني الكتاب و جعلني نبيا - و جعلني مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا - و برا بوالدتي و

لم يجعلني جبارا شقيا - و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا - ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون) [31] . و ذلك محمد بن علي الذي فيه يمترون، بل فيه يضطربون... و فيه يخوضون... و لم يكن الرضا قد غاب عنه ما توجس منه أصحابه في صغر سن ولده الخليفة و الامام القادم... هي تجربتهم الاولي في الامامة المبكرة... [ صفحه 57] كان أصحاب الرضا يتساءلون عن أمر ذلك... و كان الخيراني يروي عن أبيه هذا الموقف الذي يبين تصورات شيعة الامام و مواليه، قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي، ان كان كون فالي من؟ قال: «الي أبي جعفر ابني» فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام، فقال: أبوالحسن عليه السلام: «ان الله تبارك و تعالي بعث عيسي بن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبوجعفر عليه السلام» [32] . و في رواية صفوان بن يحيي قال: قلت للرضا عليه السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب لك الله أباجعفر؟ فكنت تقول: «يهب الله لي غلاما»، فقد وهبه الله لك، و قر عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فان كان كون فالي من؟ فأشار بيده الي أبي جعفر و هو قائم بين يديه، فقلت له: جعلت فداك، و هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: «و ما يضر من ذلك! قد قام عيسي بالحجة و هو ابن أقل من ثلاث سنين» [33] . و روي الكشي في رجاله باسناده، عن أبي الحسين بن موسي بن جعفر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام بالمدينة و عنده علي بن جعفر، و أعرابي من أهل المدينة

جالس، فقال لي الأعرابي: من هذا الفتي؟ و أشار بيده الي أبي جعفر عليه السلام قلت: هذا وصي رسول الله صلي الله عليه و آله، فقال: يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة و كذا و كذا سنة، و هذا حدث كيف يكون؟! [34] . هكذا يضطرب الناس في امامة أبي جعفر السباعي، فهي تجربتهم الجديدة في المعرفة، و التسليم لامامة مبكرة شاء الله أن يجعلها ورائة آبائه المعصومين... و هذا [ صفحه 58] علي بن جعفر عم أبيه يمر بتجربة الامامة المبكرة ليتصاغر لأمر الله و يذعن لارادته في أوليائه المكرمين... كان علي بن جعفر قد ناهز الثمانين عاما، و هم عم أبيه - أي عم الرضا - قد عرف منزلة أبي جعفر، و أدرك أن الامامة ليست بالسن و الشيخوخة و غيرها... انما هو أمر الهي... سر الهي... مكنون من مكنونات الغيب، لا يحل غوامضه الا التسليم لأمره تعالي... و هكذا فعلي علي بن جعفر... فقد أصاب هذا الشيخ في فعله لأبي جعفر و في تسليمه لأمر الله... كان علي بن جعفر نموذجا رائعا من نماذج الطاعة و التسليم لأمر لا يعرف منه الا أنه «أمر الله»... روي محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر الصادق جالسا بالمدينة، و كنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه - يعني أباالحسن موسي الكاظم عليه السلام - اذ دخل عليه أبوجعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله، فوثب علي بن جعفر رحمه الله بلا حذاء و لا رداء، فقبل يده و عظمه، فقال له أبوجعفر عليه السلام: «يا عم، اجلس رحمك الله»، فقال: يا سيدي،

كيف أجلس و أنت قائم؟. فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عم أبيه و أنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا، اذا كان الله عزوجل - و قبض علي لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد [35] . هكذا كان علي عم أبيه... الشيخ المحدث... الفقيه... شيخ الهاشميين سنا... لازم [ صفحه 59] جعفر الامام والده... و موسي الامام أخاه... و علي الامام ابن أخيه... روي عنهم و سمع أحاديثهم... و تفقه بفقههم حتي صار علي الفقيه و المحدث و نقيب العلويين في وقته.. هو اليوم يخضع لامامة ابن اخيه الصبي السباعي... و لا يري شيخ الهاشميين و نقيبهم ضيرا أن يتصاغر للامام أبي جعفر، و أن يعظم مقامه، و يراعي حقه... فقد تربي في كنف ثلاثة أئمة... فعليه اليوم أن يظهر ما تأدب عليه من التسليم و الطاعة و الاتباع لامام وقته... خليفة أبيه.. بل خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله... و كان الناس يوبخون الشيخ علي توقيره لهذا الصبي السباعي.. انهم لا يدركون الا أنه الصبي «محمد».. و علي لا يدرك عن محمد الا أنه الامام... الحجة... خليفة أبيه... بل خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله.

محمد بن علي.. وصي آبائه

كانت امامة أبي جعفر تعني برعاية آبائه.. و عناية أسلافه المعصومين.. انها وصاية تتعدي تقليدية الأعراف الاسرية في الحفيد القادم.. و كان «محمد» أمل من سبقه ليقوم بالأمر.. فلعل «محمدا» الصبي سيعاني صخب المشككين و ضجيج المعترضين في الامامة المبكرة... التجربة الاولي... و العملية الجديدة في الاعجاز الالهي تتعدي حسابات

اولئك الذين تنزعزع في نفوسهم ارادة التسليم للغيب، و الاذعان للمعجزة... كانت بوادر الامامة القادمة من ثنايا الغيب تحمل أسرار التحدي للوارثة الملوكية في بني العباس... و في بني امية من قبل... فالوراثتان الاموية و العباسية ترتسم فيهما ملامح كسروية في الطاعة و قيصرية في التسليم.. فكسري يرث [ صفحه 60] كسري، و قيصر محل قيصر، و الجميع يغض الطرف عن صلاحية المورث و أهلية الوريث.. انها تقليدية الملك، و أعراف السلطنة في اولئك القياصرة و الأكاسرة.. و في هؤلاء الامويين و العباسيين... فالجميع تجمعهم الوراثة الدنيوية، و ليست هي وراثة الهية كما يزعمون.. اذن امامة «محمد» ستكون تحديا لبني العباس، و ابطالا لأكذوبتهم في وراثة رسول الله... و الأمر مختلف الآن... «فمحمد» الامام يحظي برعاية خاصة.. و «محمد» الآن يحفل بتراث نبوي و معصومي يفوق تصورات اولئك المشاغبين، و المعطلين لارادة الله في عباده... اكذوبة المدعين تفتضح اليوم، فأبوجعفر الامام... السباعي من العمر يتحدي عراقيل السياسة و طيش المغامرين في السلطة، و أبوجعفر ينتظر تحديات اولئك العابثين الذين يحاولون عبثا أن يحبطوا مشروع أبي جعفر في الامامة المبكرة... مشروع آبائه... مشروع النبي... بل المشروع الالهي بعد هذا و ذاك..

بشارة النبي

كان النبي يتطلع ماوراء الغيب... يترنم بكلمات لم يدركها اولئك النفر الذين يحيطون به صلي الله عليه و آله، الا أنهم يستمعون الي مناجاة تسمو في روعتها تراتيل النبوة في سفر الغيب المكنون... انهم لا يدركون شيئا الا أنها متعة الاستماع لكلمات يضوع شذاها فمه الطاهر... فالنبي الآن يستذكر حفيده السابع... يفديه بأبيه، و يذكر أن امه هي خيرة الاماء المنتجبة، يستمعون اليه و هو يقول: «بأبي ابن خيرة الاماء، ابن [ صفحه 61] النوبية الطيبة الفم،

المنتجبة الرحم» [36] . و لم يخف النبي صلي الله عليه و آله عن جابر بن عبدالله الأنصاري أسماء أوصيائه و خلفائه من بعده.. فجابر يحبوه النبي بكرامة البشارة، انه يحمله أمانة التبليغ، و جابر قمين أن يؤدي الأمانة كما ائتمنه النبي صلي الله عليه و آله، كيف لا و جابر يتشوق الي حديث الغيب؟ و أي رجل لا يفخر بهذه المهمة؟! فحقيق بجابر أن يفخر و هو يتحدث في مجلسه الذي يضم شيوخ الرواية، كجابر بن يزيد الجعفي و أمثاله، فقد سمع من جابر الأنصاري يقول: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله: «يا جابر، ان أوصيائي و أئمة المسلمين من بعدي أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم اسمه اسمي، و كنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي...» [37] . و لم يقتصر الأمر علي ذكر وصايته صلي الله عليه و آله لحفيده الامام القادم محمد بل كانت خلقته النورية كآبائه الطاهرين موضع اهتمامه، و هي دلالة عظمته، و علو قدره، و كمال منزلته، فهو كآبائه شرقا، و مرتبة، و مقاما.. كان صلي الله عليه و آله ينقل مشاهداته عن عروجه الي الملكوت الأعلي، يروي نعم الله تعالي عليه و علي ذريته، خلفائه من بعده، و أوصيائه علي امته.. فلعل حديثه ذاع [ صفحه 62] و استطار في آفاق الدنيا، كسريانه في آفاق النفس المتلهفة لمعرفة المجهول، كان

يحدث أصحابه صلي الله عليه و آله فيقول: «ليلة اسري بي الي السماء قال لي الجليل جل و علا: (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) [38] ، قلت: و المؤمنون، قال: صدقت يا محمد، من خلفت في امتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب قال: يا محمد، اني اطلعت الي الأرض اطلاعة فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي فلا اذكر في موضع الا ذكرت معي، فأنا المحمود و أنت محمد. ثم اطلعت الثانية فاخترت عليا و شققت له اسما من أسمائي، فانا الأعلي و هو علي. يا محمد، اني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، و عرضت ولايتكم علي أهل السماوات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد، لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع، أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم، يا محمد، أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فقال لي: التفت عن يمين العرش، فالتفت فاذا أنا بعلي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و المهدي، في ضحضاح من نور قياما يصلون [ صفحه 63] و هو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري. قال: يا محمد، هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عترتك، و عزتي و جلالي انه الحجة

الواحبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي». [39] . هكذا كان محمد النبي يبشر بمحمد الوصي... كان الجد يقرأ الحفيد علي أنه ملحمة الكرامة النبوية، و عطاء الرب الذي لا ينضب.

و موسي يبشر أيضا

كان موسي بن جعفر قد ورث غيب آبائه في قراءة المحنة.. انها محنة القديس، و قد غيبته طوامير السياسة في سجونها الحالكة، و مهمة موسي الآن في صد عادية اولئك المنكرين لامامة ولده «علي» و حفيده «محمد» و الآخرين من عترته المعصومين.. أجل: (المنكرين القادمين) قريبا علي ظهر الأهواء، و الممتطين صهوة الطمع و حب المال الواقفة... خطر يهدد جهود النبي الذي بشر باثني عشر نقيبا من أئمة الهدي، هو اليوم تواجههم دعوة الواقفة الذين وقفوا علي امامة موسي دون ولده الآخرين... و موسي يقرأ غيب الأحداث، فهذا أبوحمزة البطائني و أمثاله يطمعون في حفنة مال مودعة لديهم، فيخافون محاسبة القادم بعد موسي ليطالبهم بالمال، فأنكروا امامته و ألبوا عليه، و لعل «عليا عليه السلام» سيهب هذه الأموال المودعة اذا ما علم أن أصحابها بحاجة اليها، لكنه الطمع و حب المال أهوي بهم الي مزالق النكران [ صفحه 64] و مهاوي الجحود. و لم يأل موسي بن جعفر جهدا في بذل جهود الوصية لولده و ولد ولده، فهذا «علي بن موسي» يحظي بالعشرات من وصايا أبيه يحتج بها «علي» علي منكري امامته، و هذا «محمد» ولده مثله؛ فزحف دعوة الواقفة و مثلهم من أهل الأهواء ستصل اليه، و لا يهم «محمدا» الحفيد؛ بعد ما سمع الناس من فم موسي الامام و وعوه و سلم له بعضهم و جحده آخرون... و لا يضر «محمد» جحد الجاحدين من شراذمة الواقفة و قطاع الطرق من أهل الأهواء المنحرفة. بعد

ما يقرأ أصحابه وصية جده لأحدهم كان محمد بن سنان يستمع لوصية الامام موسي بن جعفر في ولده و حفيده القادمين في زحمة الأهواء الهائجة، قال محمد بن سنان: دخلت علي أبي الحسن موسي عليه السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة، و علي ابنه جالس بين يديه، فنظر الي و قال: يا محمد، ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك، قال: قلت و ما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني؟ قال: أصير الي هذا الطاغية، أما انه لا يبدأني منه سوء و من الذي يكون بعده. قال: قلت: و ما يكون جعلني الله فداك؟ قال: (يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء) [40] ، قال: قلت: و ما ذلك جعلني الله فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه و جحده امامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه السلام امامته و جحده حقه بعد رسول الله صلي الله عليه و آله. قال: قلت: و الله لئن مد الله لي في العمر لاسلمن له حقه، و لأقرن بامامته و امامة من يكون بعده، قال: قلت: و من ذاك؟ قال: ابنه محمد، قال: قلت: له الرضا [ صفحه 65] و التسليم. [41] .

الامام الرضا في مواجهة العاصفة

و تنبعث زوبعة التشكيك في امكانية ولادة الامام الرضا عليه السلام لولده «محمد»، فالرضا عليه السلام يتجاوز الأربعين من عمره و لم ينجب ولدا يرثه بعد، و كلما تقدم العمر بالامام تقدمت أمامه تحديات الخصوم، و مواجهات المشككين، اولئك الواقفة أو الذين تأخذهم مدعيات الواقفة لاثبات دعاواهم في الوقوف علي موسي بن جعفر، و تتصاعد و تيرة الاعتراض في أن عليا لم يلد ولدا، فكيف يكون اماما يدعو الي ولده الأربعة من سلالته

ليكونوا أئمة؟! كان الامام الرضا يبشر لولده القادم محمد، و بكل اطمئنان كان يتلقي اعتراض هؤلاء و تشكيك اولئك، انها مرحلة الاختبار للثبات علي امامته، فتأخير ولادة «محمد» كانت لها مصالحها المسوغة، فالمحنة هي محنة الاختبار، و علي اولئك المدعين أن يثبتوا أمام هذه العاصفة التي تهب من أطراف عدة، و لا داعي للحيرة في من يرث الامام، اذا كان الأمر يخضع للتسليم و الرضا للرضا من آل محمد فما معني الحيرة و التردد اذن؟ و اذا كانت مرحلة الحسم تعني مرحلة التصفية للاذعان و التسليم فان موجبات تأخير ولادة «محمد» الموعودة معقولة اذن، بل ضرورية جدا لقطع دابر النفاق و التردد، و ستكون مسألة الثبات علي امامة الرضا هي ثبات الخاصة علي ولايته بعد ذلك، بل موت الرضا بعد ولادة محمد بخمس أو ست سنوات مرحلة للامتحان كذلك، فالتسليم للامامة المبكرة جولة أخري من ذلك [ صفحه 66] الاختبار العسير. كان (ابن قياما) تحديا جديا للرضا، فهو يشكك في امامته عن طريق التساؤل عن الوريث الذي لم يولد بعد، فكيف يكون اماما و لم يولد له ولد؟ هذا منطق التحدي، و تلك هي تداعيات العاصفة من التشكيك. كتب (ابن قياما) الي أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا يقول فيه: كيف تكون اماما و ليس لك ولد؟ فأجابه أبوالحسن عليه السلام: «و ما علمك أن لا يكون لي ولد؟ و الله لا تنقضي الأيام و الليالي حتي يرزقني الله ولدا يفرق بين الحق و الباطل». [42] . قال أحمد بن محمد بي أبي نصر: قال ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبكم؟ فدخلت علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فأخبرته، فقال: «الامام بعدي ابني». ثم قال: هل يجرأ أحد أن يقول: ابني

و ليس له ولد؟! [43] . و لم يكتف ابن قياما بكتاب التحدي المبعوث للرضا في نكران امامته؛ لعدم ولادة من يرثه حتي يسأله بعد ما لقيه: هكذا تخلو الأرض من أن يكون فيها امام؟ فقال الرضا: «لا». قال: فيكون فيها اثنان؟ قال: «لا، الا و أحدهما صامت لا يتكلم». قال: قد علمت أنك لست بامام. قال: «و من أين علمت؟» [ صفحه 67] قال: انه ليس لك ولد، و انما هي في العقب. فقال له: «فوالله لا تمضي الأيام و الليالي حتي يولد لي ذكر من صلبي يقوم مثل مقامي، يحق الحق و يمحق الباطل» [44] . و يسأله آخر: أتكون الامامة في عم أو خال؟ فقال الرضا: «لا». فقال: في أخ؟ قال: «لا». قال (أي السائل): ففي من؟ قال: «في ولدي» و هو يومئذ لا ولد له. [45] . و هكذا يواجه الرضا تحديات اولئك المشككين، و تساؤلات المتحيرين، و هو يجيبهم بكل اطمئنان: أنه سيولد لي ولد يكون حجة الله علي خلقه، و قد ولد محمد، و صدقت نبوءة الرضا و آبائه من قبل.

الأحداث الحاسمة

و في صفر سنة (203 ه) كان الأجل موعده مع الامام الرضا عليه السلام بعد تصفية المأمون له، فرحل راضيا مرضيا، و كان «محمد» الثماني تنتظره وراثة أبيه في الامامة، فهو وحيده الذي تشخص اليه الأبصار، و ترمقه أنظار العامة و الخاصة، فمحمد اليوم يتصدي لمهمة السماء... و حداثة سنه تثير تساؤلات هؤلاء و تحفظات [ صفحه 68] اولئك... انها محنة التسليم كذلك لامامة مبكرة تستشعر معها محنة يحيي الذي شهد له القرآن: (و آتيناه الحكم صبيا) [46] ، و نوه عن عيسي و هو في مهده: (اني

عبدالله آتاني الكتاب و جعلني نبيا) [47] فلا غرابة اذن لدي اولئك النفر الذين لم تغب عنهم ارادة الله في عباده الذين اصطفي و هدي منهم ليكونوا حججه البالغة.. في خضم هذه التجاذبات الفكرية بين أتباع الامام الجواد و بين مناوئيه يعلن المأمون دعوته للجواد بالمجي ء الي بغداد، و لم تكن تلك الدعوة الا ضريبة الظرف الخانق الذي يعيشه المأمون، فهو الآن محاصر بتهمة تصفية الامام الرضا، و آل علي عليهم السلام و من تبعهم لا يترددون في تهمة الخيانة التي ارتكبها المأمون في شأن الرضا، و هم اليوم يعيدون قواهم للاقتصاص من المأمون. فبالأمس القريب استجابت ثوراتهم للهدوء بعد غليان لم يمهل العباسيين الا قتلا و تنكيلا، و كانت هدنتهم استجابة لظروف الامام الرضا الذي يتحمل مسؤولية هذه الثورات علي المستوي الرسمي و الامام تحرجه تحركات العلويين، فالمأمون لا يلقي باللائمة الا علي الرضا حينذاك، فكان العلويون أكثر تعقلا من أن يحرجوا الامام في ظرف كهذا، أما اليوم فلا معني للسكوت عن دم مهدور متهم فيه المأمون و نظامه، و لا يجد آل علي عليهم السلام غير النهوض بوجه عادية الغدر و الخيانة التي يمثلها نظام المأمون، هذا من جهة. و من جهة اخري فان العباسيين يشعرون بالانقباض مما تصرف به المأمون، و قد خشي هؤلاء من ضياع ملكهم بعد ما أعلن المأمون أن للرضا ولاية العهد، [ صفحه 69] فكانت هواجس العباسيين تتجه نحو ملك أهدره المأمون بعمله هذا، فهم لا يرتضون بغير الاقتصاص منه ليرجعوا ملكا مضاعا و سلطنة مقطعة الأوصال. هكذا كانت الأوضاع بعيد شهادة الامام الرضا عليه السلام و لم يكن مندوحة للمأمون غير أن يعيد الكرة ثانية مع الجواد، فالجواد الثماني من

العمر لعله يفشل في خطة أبيه و يساعد المأمون في انجاح خطته، و المأمون يريد أن يعيد تجربته ليعوض ما خسره بالأمس. هذه هي هواجس المأمون الخائبة اذن.. و لم يكن للجواد مندوحة سوي القبول بعرض المأمون تحت طائلة ضغوط هي نفسها التي واجهها والده من قبل... و يحط الجواد رحله في بغداد الجولة الخطيرة من مهام امامته، فهو الآن يواجه عدوا قد أحسن اللعبة في التعامل مع الظروف الهائجة و التي تحيط به و بمصيره المجهول في ظل ما ينتظره من معارضتين قويتين: احداهما تقليدية محكمة تلك هي معارضة العلويين، و الأخري مستجدة متزلزلة تلك هي معارضة العباسيين. و بين المعارضتين بون شاسع من الرفض و القبول، أو من التمرد و السكوت، و بين المعارضتين رؤية الاختلاف، أو فقل: الخلاف كما هو بين أطروحتيهما المتناقضتين. و لم تقنع المعارضتين بالذي يفعله المأمون من تقريب الجواد اليه، أو الأصح في الواقع: تقرب المأمون من الجواد ليقضي أمرا لا يخفي علي أحد منهم. و لم يقتنع آل علي عليهم السلام بسياسة المأمون الجديدة، فهي لا تتعدي اسكات الخصوم و الاظهار بمظهر الحريص المتباكي علي حقوق أهل البيت، و لم تكن هذه الخديعة تستغفل العلويين حينذاك، فحسبهم ما كان من مصير الرضا علي يده، و ما ينتظر الجواد مصير أبيه. [ صفحه 70] فلم تهدأ للعلويين ثورة، و لا تحط لهم أوزار فورة، فثوراتهم ملأت أركان مملكة المأمون، فكان لصدي ثورة أبي السرايا و آثارها ما جعلت المأمون يعيش ذكرياتها المرعبة، و هواجسها المهددة له، و لسطوته علي أركان دولته، حتي كأن ثورته لا زالت تشحذ همم الثوريين من آل علي عليهم السلام. فكانت حركة عبدالله بن جعفر بن ابراهيم

بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام [48] ، و ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام في اليمن، فبايعه خلق كثير. [49] . و كان للقميين هياج و تمرد علي حكومة المأمون في سنة (210)، انتهت بثورة مسلحة تصدي لها المأمون بقيادة علي بن هشام و جيش آخر بقيادة عجيف بن عنبسة، و يبدو أنها صدي لتذمر القميين المعروفين بولائهم لآل علي عليهم السلام؛ جراء سياسة المأمون الطائشة مع الامام الرضا، و ان كان المؤرخون يجعلونها ثورة اقتصادية يدفعها كثرة الخراج الذي فرضه عليهم المأمون آنذاك. [50] . ظروف حرجة اذن تحيط بالمأمون، و تكاد تطيح به لولا اجراءاته المشددة فضلا عن سياساته التي كان يسكت بها اولئك الثائرين، أو يهادنهم بعد ما أقدم اليه محمد بن الرضا و المأمون متهم بتصفية والده، و المأمون كذلك يتمتع بحصانة و لو ظاهرية من تفاهم المد الثوري لشيعة علي، فهو الآن عرف كيف يتعامل مع تلك الثورات المؤجلة، أو يهادن اولئك العلويين المسلحين الذين ما فتئوا يتربصون للمأمون و لأمثالهم من العباسيين. [ صفحه 71] و لم يكتف المأمون بتقريب «محمد» الي دار الخلافة، بل عمد الي تزويجه من ابنته ام الفضل، كما ذكر الطبري ذلك، و أرخ في سنة (202) زوج المأمون علي ابن موسي ابنته ام حبيب، و زوج محمد بن علي بن موسي ابنته ام الفضل. [51] . و لا ترجيح فيما أرخه الطبري عندنا، اذ كان أبوجعفر في المدينة و كان له من العمر أقل من ثمان سنين، و لم يأت الي خراسان بعد. نعم، فلعله عزم في هذه السنة تزويج أبي جعفر من ابنته ام الفضل، اذ لم يكن

للعباسيين رضا في مثل هذا التزويج، بل أثار ذلك حفيظتهم و أزعجهم أيما ازعاج، فان ذلك يعني مصاهرة سياسية غير محمودة لا يرتضيها بنوالعباس، فذلك ضياع لملكهم و تفريط في أمرهم، هكذا تصوروه. و للمأمون خلاف ما يرونه في الظاهر اذا أراد أن يتقرب لآل علي عليه السلام و لفتاهم هذا الذي زق العلم زقا، و ورث ما كان لآبائه من الحظوة في العلم و الجلالة في القدر، و الخطر في الأمور، هكذا قدم المأمون أباجعفر لبني العباس، و حقيقة الأمر غير ما يدعيه من الحرص لأبي جعفر الجواد، فان للمأمون حنكة السياسة في ترتيب الامور، و غدرة المناور في دفع التهم، و ابعاد الخطر من معارضة العلويين الذين تحفزوا للثأر من المأمون الذي قتل الرضا غيلة. و لعل زواج الجواد محمد من ابنة المأمون كانت مناورة جديدة يرتكبها المأمون. فلما أراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام بلغ ذلك العباسيين، فغلظ عليهم، و استنكروه منه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما ينتهي مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك، و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: [ صفحه 72] ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل و ينزع منا عزا قد ألبسناه الله و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا علي غم قد

انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي لكم. و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم. ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه من نفسي فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا.

مؤهلات أبي جعفر عند المأمون

و أما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته للتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صفر سنه، و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت. فقالوا له: ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، [ صفحه 73] فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم، اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان أهل هذا البيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

اقتراح العباسيين علي المأمون

قالوا قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متي أردتم. فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم، و هو يومئذ قاضي الزمان، علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون و سألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك.

المناظرة... الجولة الحاسمة

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست، و يجعل له فيه مسورتان [52] ، ففعل ذلك، و خرج أبو [ صفحه 74] جعفر و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه الصلاة و السلام. فقال يحيي بن أكثم للمأمون: يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسال أباجعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: «سل ان شئت». قال يحيي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: «قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدأ بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير

كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما». فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و لجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس أمره. فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟

عرض المأمون علي الامام الجواد الزواج من ابنته

ثم أقبل علي أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ فقال: «نعم يا أميرالمؤمنين»، فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك، قد [ صفحه 75] رضيتك لنفسي، و أنا مزوجك أم الفضل ابنتي و ان رغم قوم لذلك. فقال أبوجعفر عليه السلام: «الحمد لله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء من عترته. أما بعد، فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، و قال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم) [53] . ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهماالسلام، و هو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟ فقال المأمون: نعم، قد زوجتك يا أباجعفر أم الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبوجعفر عليه السلام: «قد قبلت ذلك و رضيت به».

مراسم الاحتفال في بلاط الخلافة

فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة. قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم، علي عجلة مملوءة من الغالية، ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فتطيبوا منها، و وضعت الموائد فأكل الناس، و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم. [ صفحه 76]

توضيح الامام مسألته الفقهية

فلما تفرق الناس و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: ان رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه و نستفيده. فقال أبوجعفر عليه السلام: «نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، فاذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة، و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة. و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، و كان احرامه بالحج نحره بمني، و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء. و في العمد عليه المأثم و هو موضوع عنه في الخطأ، و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة،

و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة».

رغبة المأمون في اظهار فضل الامام علي يحيي و بني العباس

فقال المأمون: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك. فقال أبوجعفر عليه السلام ليحيي: أسألك؟ [ صفحه 77] قال: ذلك اليك جعلت فداك، فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك. فقال له أبوجعفر عليه السلام: «أخبرني عن رجل نظر الي امرأة فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، ما حال هذه؟ و بماذا حلت له و حرمت عليه؟ فقال له يحيي بن أكثم: لا و الله لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه. فقال أبوجعفر عليه السلام: «هذه امة لرجل من الناس، نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له».

ثناء المأمون علي الامام وقوة موقف المأمون أمام العباسيين

قال: فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم و ما رأي. فقال: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. [ صفحه 78] أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب

و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين و هما أبناء دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما؟ أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم، و انهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟ فقالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين، ثم نهض القوم.

الاحتفال الرسمي بزواج الامام الجواد من ام الفضل

فلما كان من الغد أحضر الناس، و حضر أبوجعفر عليه السلام و سائر القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة و أبي جعفر عليه السلام، فاخرجت ثلاثة أطباق من الفضة، فيها بنادق مسك و زعفران، معجون في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، و عطايا سنية، و اقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فأطلق يده له، و وضعت البدر، فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا. و تقدم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين، و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته، يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته. [54] . و لم نجد تصويرا للواقع أقرب من هذه الرواية، و التي حفلت بقراءات عدة: [ صفحه 79]

القراءات المتعددة لمواقف المأمون من الامام

القراءة (1)

دعوة المأمون لأبي جعفر الجواد عليه السلام و اقامته في العاصمة أضاف لقناعاتنا مؤشرا آخر علي تورط المأمون في اغتيال الامام الرضا و تصفيته جسديا، و محاولة المأمون ابعاد هذه التهمة عنه، فضلا عن امتصاص النقمة الجماهيرية لدي الأوساط العامة من المسلمين و خصوصا شيعة الامام، الذين باتوا يدركون أهمية المعارضة ضد النظام، و محاولة تنظيم صفوفهم لايقاف الانتهاكات التي ارتكبها المأمون و نظامه من اجبار الامام الرضا عليه السلام علي مغادرة المدينة و الاقامة في خراسان، و فرض قبول ولاية العهد بالتهديد و القوة، حتي النهاية التي انتهت اليها مخططات المأمون من اغتيال مشروعه السياسي الذي تبناه، و هو المصالحة مع الأطراف الشيعية و العمل علي ايجاد هدنة لوقف الاحتجاجات الشيعية و معارضتها، و قد احترمت هذه القواعد رغبة المأمون في ايجاد مخرج للأزمة

السياسية بينه و بين المعارضة الشيعية، فضلا عن منح الثقة لنظام المأمون في الأخذ بزمام المبادرة في تنقية الأجواء المبلدة بغيوم القطيعة دائما، و المتوترة بين البيتين: العباسي الحاكم، و العلوي المعارض. الا أن المأمون لم يحسن المهمة، فأودي بمشروعه و دعاواه الاصلاحية؛ و ذلك بتعرض الامام الرضا عليه السلام للتصفية علي يديه، كما مر. و اليوم يريد المأمون ترميم هذه المحاولة الاصلاحية بدعوة الامام الجواد عليه السلام للاقامة عمده، الا أنه أخذت المحاولة هذه المرة منحي آخر، و هو تأمين جانب الامام الجواد خشية أن تصدر من قبل الامام محاولة الثأر و الانتقام لوالده - هكذا تصور المأمون؛ و ذلك علي أساس الحسابات السياسية المتعارفة في البلاط العباسي، و التي ابتعد عنها أهل البيت عليهم السلام تماما - فلعل الامام يوعز لقواعده [ صفحه 80] الشيعية بالتحرك ضد النظام و اعلان التمرد أو الانتفاضات و حتي الثورات الشعبية، الا أن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم ينتهجوا هذا الاسلوب المادي في المواجهة مع الحاكم، بقدر ما أرادوا عليه السلام الابقاء علي وحدة الامة و العمل علي تربيتها الروحية و الأخلاقية، و أي تقدم في هذا المضمار يعد نجاحا كبيرا في مهمة الامام عليه السلام و انجازا يحققه علي صعيد تنفيذ الرسالة، و تحقيق الاطروحة الالهية في تكامل الانسان و تنامي المجتمع الرسالي. هذا أحد الأسباب - كما نري - من دعوة المأمون للامام عليه السلام الي الاقامة عنده و الزواج بابنة المأمون تنفيذا لرغبته.

القراءة (2)

يتطلع المأمون بكل ثقة الي قراءة المجريات التاريخية علي أساس الواقع الموضوعي بكل تجرد، فهو بغض النظر عن دوافعه لهذه القراءات التاريخية و دواعيه المختلفة فان تحليله لسبب القطيعة بين العباسيين و بين العلويين ببيان مظلمة

العلويين مما ارتكبه العباسيون من قطيعة الرحم، (و أما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم) [55] فالقاء المسؤولية علي الجانب العباسي تنظير للمسيرة التاريخية و حقائقها المختفية وراء حجب الاعتذار الذي تعهدته الكتابات التاريخية الدائرة في فلك النظام، و المأمون اليوم يكشف عن هذه الخفايا؛ ليجسد الحيف الذي عاناه أهل البيت عليهم السلام و أتباعهم. و لا يهمنا دوافع المأمون من موقفه هذا بقدر ما هي محاولة لتعزيز وجهة نظره في اتخاذ اجراءات لتقريب العلويين، و الدفاع عن سياسته الجديدة التي فاجأ بها [ صفحه 81] بني أبيه من العباسيين، فالقاء اللائمة علي السياسة العباسية في عدائها التقليدي للعلويين عزز الموقف الجديد لتوجهات المأمون. و بهذا التنظير كسب المأمون جولة النزاع الأيديولوجي بين التوجهين العباسيين: العباسية التقليدية التي يقودها عباسيون محافظون، و العباسية المأمونية التي يتزعمها المأمون و تياره الاصلاحي المنفتح لايجاد مخرج لأزمة العلاقة المتشنجة بينهم و بين آل علي الأقرب الي قلوب الناس، و الأحق بهذا الأمر، و علي أساس قناعات جديرة بالاهتمام لاستنادها علي أدلة شرعية منطقية.

القراءة (3)

تظهر الرواية وجود تجاذبات فكرية بين الخطين العباسيين المتنازعين: الخط العباسي التقليدي، و الخط العباسي المأموني، فالأول يحاول ثني المأمون عن قراره بأن محمد بن علي عليه السلام لم يزل غير مؤهل للمسؤولية الخطيرة التي يتطلع اليها المأمون؛ لصغر سن «محمد» هذا، و هو بحاجة الي أن يتلقي العلم و الفقه علي يد مؤدبين يخصصهم المأمون له، في حين يحاول المأمون اثبات خلاف هذه النظرة الساذجة التي تنم عن معرفة سطحية بأحوال محمد بن علي عليه السلام، في حين تكشف توجهات المأمون عن معرفة جديرة بمقام الامام و مقتضيات الامامة، و أن أهل هذا

البيت لا يقاسون بأحد، فهم أهل العلم، و خزنة الأسرار الالهية «فقد اخترته لابرازه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل، مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك». [56] . و هذه النظرة المتفائلة لذي المأمون في امكانية «محمد عليه السلام» و أهليته لمهمة أبيه [ صفحه 82] تنبع عن قناعات المأمون في حيثيات هذا البيت العلوي، و تقدمه في كل الامور، و صلاحيته للخلافة دون غيرهم، و هذه النظرة التفاؤلية في توجهات المأمون لأهل هذا البيت العلوي تجيب عن تساؤلات عدة في سبب تعاطيه مع آل علي عليهم السلام، متجاوزا تقليدية العداء بين العباسيين و العلويين.

القراءة (4)

يمثل فقه يحيي بن أكثم بأنه الفقه المقابل لمدرسة أهل البيت عليهم السلام أو الفقه الرسمي الذي تتعاطي معه الدولة، في حين يعد فقه أهل البيت عليهم السلام هو الفقه المطارد، و في جولة المناظرة التي أقامها المأمون بطلب من العباسيين، ظهر مستوي هذا الفقه مقابل تدني مؤهلات أصحابه، فهو مهزوم أمام مماظره الآخر «فقه علي عليه السلام»، الذي مثله محمد بن علي الجواد عليه السلام، و هو الشعور الكامن في دواخل المأمون،بل العامة كذلك، الا أن الغلبة السياسية تلعب دورها في الترهيب الثقافي، و توجهات المدارس الفكرية المناوئة لأهل البيت عليهم السلام تعطي انطباعا عاما عن الفقه الرسمي بأنه هو الفقه الذي يمثل التيار العام، فكانت جولة المناظرة هذه امتحانا لأهلية هذا الفقه، و كانت خسارة بن أكثم في المناظرة انعكاسا لمدي صلاحية هذا الفقه الذي مثله، بخلاف العمق و الموضوعية التي تجلت علي طروحات محمد بن علي الفقهية. و لم يكتف المأمون بالهزيمة التي لحقت بيحيي بن أكثم جراء هذه المناظرة، بل زاد علي ذلك بأن طلب من الامام الجواد عليه السلام

أن يسأل يحيي ليؤكد هزيمة العباسيين في هذه الجولة، و انتصار الجانب الذي كان يلتزمه المأمون، و هو الطرف التقليدي المعارض للعباسيين، و لما لم يستطع ابن أكثم الاجابة علي مسألة الامام [ صفحه 83] أعلن المأمون انتصاره علي خصومه العباسيين، فأقبل علي توبيخهم و تأنيبهم لموقفهم المتشدد ضد آل البيت عليهم السلام. «فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم و ما رأي. فقال: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما ابنان دون الست سنين، و لم يبايع صبيا غيرهما؟! أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم، و انهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟! فقالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين: ثم نهض القوم». [57] . كان هذا التنظير الذي قدمه المأمون اطروحة لمشروعه و مسوغات لاجراءاته التي وقف حيالها العباسيون موقف الناقم و المعارض، و لم يبد العباسيون أي اعتراض في هذا الشأن؛ و ذلك لما للمأمون من حجج أفحمت معارضيه، و أوقفت حملات السخط الذي بدأ، تعاطي العباسيين مع المأمون كونه خارجا علي نظامهم التقليدي في العداء لآل علي (عليهم السلام) و شيعتهم.

القراءة (5)

تعد هذه المناظرة

و أمثالها من المناظرات الاخري مؤشرا مهما علي تقدم [ صفحه 84] المعارضة العلوية في سبيل انجاز و تحقيق مهامها علي الصعيد العام، فالمحاولات العباسية في اخفاء معالم مدرسة آل البيت عليهم السلام سعت اليها كافة الأطراف السياسية و العقائدية المناوئة لهم، و كانت السلطة العباسية تسير دفة هذه المحاولات،؛ لتساهم في طمس معالم المدرسة العلوية و تصنيفها في خانة المعارضة المطاردة، و الأطروحة المحظورة، الا أن حالة من الانفراج الاعلامي بدت معالمها واضحة، بعد أن ازيلت بعض القيود العباسية علي اطروحة آل البيت عليهم السلام، و التي تمنع من انتشارها أو تداولها لتطلع الامة علي أحقية هذا الفكر الناضج و التوجه الرشيد.

القراءة (6)

ان التقدم الحاصل في مسيرة المدرسة العلوية سيوجج مشاعر العباسيين، و يثير توجسات اولئك السائرين في فلكهم السياسي من القضاة و الفقهاء، الذين شعروا بهزيمة واضحة و خسارة لا يمكن الاعتذار عنها أحبطت معها مشاريع هؤلاء؛ مما دعاهم الي التفكير بكل جدية في التخلص من الامام الجواد عليه السلام، كما كانت محاولات ابن أبي داود في التآمر عليه، و هو القاضي الذي هزم أمام المعتصم في مسألة فقهية أبدي اجتهاده فيها و خالفه محمد بن علي في الرأي، فكان المعتصم مذعنا لأدلة «محمد» و الأخذ بها و تجاهل آراء فقهاء البلاط، فكانت تلك الحزازة دافعة لهؤلاء في التخلص من «محمد بن علي»، الذي هيمنت مدرسته علي مدارس فقهاء البلاط، و غدت هذه المدارس تتراجع أمام تقدم مدرسة العلويين الفقهية، التي كانت يوما ما محظورة علي الصعيد الرسمي، و هو أمر أرق هؤلاء الفقهاء، حتي نفذوا في محمد بن علي مؤامراتهم التي حققها المعتصم بعد ذلك. [ صفحه 85]

فقهاء نظريات الاعتذار

و لم تحد مضايقات فقهاء البلاط من نشاط محمد بن علي الجواد عليه السلام، فقد شمخ في عطائه شموخ الأوائل، دون أن تراوده فكرة الاحباط رغم ما يعانيه من مؤامرات اولئك المتوجسين؛ خيفة من منافسة «محمد» لمقاماتهم الرسمية التي زعزعتها الرياح العاتية لحركة المأمون، فتقتلع معها الثوابت التي دعا اليها «محمد» و نافح من أجلها آباؤه من قبل. كان البلاط يترصد تحركات الامام، و فقهاء البلاط يتربصون به ليوقعوه في قضية ساخنة تجره الي مواجهات غير محمودة، و هم يسعون لاذكاء روح العداء بين الامام الجواد عليه السلام و بين الامة التي ما فتأت تتحدث في قابلياته و لياقته، و هي لا تخفي اعجابها به، فانه امتداد لسلالة النبوة، و

مستودع العلوم، و كان اعجاب الامة بحفيد النبي صلي الله عليه و آله يوصل نظرية السماء في خلافة الله علي الأرض، و ليس الفقهاء بغافلين عن ذلك الذي تستشعره الامة في حفيد محمد صلي الله عليه و آله، و لا تخفي عليها مناورات التآمر حينما تريد أن توقع ما يثير الامة و يستفزها من مطارحات عقائدية تؤجج شحناء العامة و تقدمها مادة للفرقة و الاحتراب. و لم يغب عن الجواد محمد أنه عليه السلام صاحب رسالة ورثها عن آبائه عن النبي صلي الله عليه و آله، فهو اليوم يؤسس لنظرية أسلافه، كما هو يؤصل و يقتن، فخلاف الخلافة بات يؤرق الامة حيثما لم تهتد في ظل رؤي النظام و التأريخ المسيس و قتذاك، و لابد ليحيي بن أكثم المنهزم بالأمس أن يوقع بمحمد بن علي الذي كشف عواره و أظهر للناس سذاجة ما يحمله يحيي من علم أغدق عليه النظام لقب «قاضي القضاة»، فهو اليوم يثأر لكرامته المهدورة و شخصيته الممتهنة بالأمس، فبادر في [ صفحه 86] اليوم الثاني أن يسأل يحيي هذا السؤال للامام محمد عليه السلام: قال يحيي بن أكثم: ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي: أنه نزل جبريل عليه السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله و قال: يا محمد، ان الله عزوجل يقرؤك السلام و يقول لك: سل أبابكر هل هو عني راض فاني عنه راض؟! [58] . فقال أبوجعفر عليه السلام: «لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلي الله عليه و آله في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة و ستكثر بعدي، فمن كذب علي معتمدا فليتبوأ

مقعده من النار، فاذا أتاكم الحديث عني فأعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به، و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [59] فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سأل عن مكنون سره؟! هذا مستحيل في العقول!». ثم قال يحيي بن أكثم: و قد روي: «أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل [ صفحه 87] جبرائيل و ميكائيل في السماء». فقال عليه السلام: «و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه؛ لأن جبرائيل و ميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عزوجل و ان أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيامهما الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما». قال يحيي: و قد روي أيضا «أنهما سيدا كهول أهل الجنة». فما تقول فيه؟ فقال عليه السلام: «و هذا الخبر محال أيضا: لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنوامية؛ لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله صلي الله عليه و آله في الحسن و الحسين عليهماالسلام بأنهما سيدا شباب أهل الجنة». فقال يحيي بن أكثم: و روي: «أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة». فقال عليه السلام: «و هذا أيضا محال؛ لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم و محمد، و جميع الأنبياء و المرسلين لا تضي ء الجنة بأنوارهم حتي تضي ء بنور عمر؟!». فقال يحيي: روي: «أن السكينة تنطق علي لسان عمر».

فقال عليه السلام: (لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبابكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني». فقال يحيي: قد روي: أن النبي صلي الله عليه و آله قال: «لو لم ابعث لبعث عمر». فقال عليه السلام: «كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح) [60] فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه؟! و كل الأنبياء عليهم السلام لم يشركوا بالله طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله؟! و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نبئت و آدم بين الروح و الجسد». [ صفحه 88] فقال يحيي بن أكثم: «و قد روي أيضا: أن النبي صلي الله عليه و آله قال: «ما احتبس عني الوحي قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب». فقال عليه السلام: «و هذا محال أيضا: لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلي الله عليه و آله في نبوته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) [61] ، فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به؟!». قال يحيي: روي أن النبي صلي الله عليه و آله قال: «لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر». فقال عليه السلام: «و هذا محال أيضا: لأن الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) [62] فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و ما داموا يستغفرون. [63]

. و لم يكن يحيي قد ألقي علي الامام الجواد عليه السلام هذه الأسئلة لمجرد كونها أسئلة نقلها يحيي عن الرواة ليقف علي الصحيح منها، بقدر ما هي محاولات استدراج استفز بها أباجعفر أمام المأمون، و أهل الحل و العقد من أصحاب القرار في الدولة العباسية يحضرون هذا الحوار... و لم يكن بوسع الامام السكوت عن كل ما طرحه يحيي، فالامام في طور التأسيس لمبتنيات أفقدتها السياسة حضورها، و همشت توجهاتها في خضم صراع سياسي تقليدي ألغي معها جميع الثوابت عند ذاك، و كان يحيي في موقع التنظير لنظرية الخلافة و التأصيل لتداعيات السقيفة حينما قدمت رجالاتها، دون أن يجد المسلمون اي فضل لأصحابها، و كان نظرية السقيفة حوصرت من قبل معارضة أهل البيت الصامتة، الا أنها كانت ناطقة بفضل أصحابها [ صفحه 89] و مقامات أهلها، و كانت تدين اولئك الذين تدافعوا علي مقام الخلافة بمحاولات الغلبة السياسية و مناوراتها... و لم يجد أتباعها بعد ذلك مندوحة من السكوت أو الغض عن كل ما يلمزه المتسائلون عن حقيقة الاستحقاق الذي دعا أهل السقيفة الي ترشيح أنفسهم، و دفع الآخرين بقوة السيف عن كل معارضة تطيح بمشروعهم هذا. و وجد هؤلاء الأتباع أنهم تحت طائلة التساؤل الحثيث في تقديم رؤية عن قابليات أصحاب السقيفة، الذين أغلقوا الطريق علي كل أحد للوصول الي منصب الخلافة... فهم الآن مطالبون بوضع ملامح الصورة الجديدة لأصحاب السقيفة، و وضع رتوش التجميل حتي علي حساب المبادئ.. و هم اليوم أحوج الي ذلك من أي وقت كان بعد أن صار للمعارضة العلوية حضورها... اذن فليكن يحيي و غير يحيي من أصحاب نظرية السقيفة أن يبرمجوا نظريتهم حديثيا، أي محاولة استيعاب الحديث النبوي

لنظرية السقيفة علي أساس لون من ألوان الفضائل؛ و ليجدوا الحديث الآن حاضرا في قولبة نظرية السقيفة و حضورها ضمن مخططات رواة الحديث، و قصاري ما تجيب المعارضة العلوية في نظر هؤلاء: أن هذه الأحاديث موضوعة، و أقصر الطرق لرد المنكرين لهذه الأحاديث بأن هؤلاء لم يستطيعوا استيعاب هذه الفضائل حسدا منهم لأهل الشأن من السقيفيين الأوائل، و أهل السلف من الأصحاب، و بذلك فستكون في نظر يحيي و فريقه أجوبة المعارضة واهية لا تنفع شيئا.. و في غمرة هذه التمنيات التي توقعها هؤلاء تفاجؤهم أجوبة الامام الجواد بقرآنية الأدلة و سنن النبي صلي الله عليه و آله التي يتفق عليها الفريقان، أي كان للقرآن حضوره، [ صفحه 90] و صار الامام يحاكم هذه النصوص بآيات الكتاب، و لم تجد ليحيي بعد ذلك أية مشاركة علي صعيد الدفاع عن مبتنياته التي صاغها علي أساس الحديث النبوي فهو مجرد متلق لصناعات الاجابة بكل تسليم دون أن يقوي علي ردها أو انكارها علي الأقل، مما سجل هذا الحوار سببا في دفع نظرية الامامة الي تقدم واسع شهده المأمون و سمعه الآخرون، و لعل هذا الانتصار الرائع من مقتضيات نشر عقيدة آل البيت عليهم السلام في الأوساط السياسية المتشنجة ضدهم، و في الوقت نفسه كان هذا الانتصار داعيا كذلك للتآمر علي حياة الامام من قبل فقهاء الاغتيالات «الاسلامية»، أي التصفيات الجسدية للمعارضة و هي ترتدي لباسها الديني الفتوائي.

الجواد و وراثة التوحيد... دفاع عن الوحدانية الحقة

و لم يكتف «محمد عليه السلام» في دفاعه عن مبدأ الامامة ما لم يكن مطعما بمبدأ التوحيد، فالتشبيه و التجسيم صنمية الثقافة العباسية المستوردة من خلف الأسوار الاسلامية، تنتفض اليوم بعد أن دعاها معاوية بن أبي سفيان برجالاتها المنظرين: كعب الأحبار و

أبوهريرة و أمثالهما؛ لايجاد صيغ جاهزة تحرف المسيرة التوحيدية عن اتجاهها المحمدي الذي أرسي قواعده ابان دعوته، و تتراجع هذه التنظيرات التجسيمية بعد تصدي أهل البيت عليهم السلام خصوصا، و عصر الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام يسمحان للتحرك بهذا الاتجاه، الا أن عصر المزاوجة الثقافية بين الغرب المسيحي و الشرق الاسلامي دعا المأمون أن يتسامح في اذكاء روح الثقافة التجسيمية من جديد، و لم يكن بوسع أئمة أهل البيت عليهم السلام الا أن يتصدوا [ صفحه 91] لمثل هذه التيارات و ايقاف عتوها المقتلع لثواب التوحيد. و كان الامام علي بن موسي الرضا عليهماالسلام قد تمنع بفرصة الحوار مع اولئك المجسمة من المسلمين و الديانات الاخري: يهودية و نصرانية و مجوسية و غيرها، فاغتنم فرصة المحاورات الرسمية التي عقدها المأمون لاظهار فضل الامام الرضا عليه السلام و مقامه العلمي، و تصويب رأيه في اختياره الموفق للامام وليا للعهد، و اليوم خليفته الجواد يعتلي منصة الحوار، و يلقي من نظريات التوحيد ما توقف معها انتهاكات اولئك المجسمة و أمثالهم. ففي جوابه لمن سأله عن الرب تعالي: أله أسماء و صفات في كتابه؟ و هل أسماؤه و صفاته هي هو؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: «ان لهذا الكلام وجهين: ان كنت تقول: (هي هو) أنه ذو عدد و كثرة فتعالي الله عن ذلك، و ان كنت تقول: (هذه الأسماء و الصفات لم تزل) فان مما لم تزل محتمل علي معنيين. فان قلت: لم تزل عنده في علمه و هو يستحقها فنعم، و ان كنت تقول: لم تزل صورها و هجاؤها و تقطيع حروفها فمعاذ الله أن يكون معه شي ء غيره، بل كان الله تعالي ذكره و لا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه

و بين خلقه، يتضرعون بها اليه و يعبدون، و هي ذكره و كان الله سبحانه و لا ذكر، و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، و الأسماء و الصفات مخلوقات، و المعني بها هو الله، لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف، و انما يختلف و يتألف المتجزئ، و لا يقال له: قليل و لا كثير، ولكنه القديم في ذاته؛ لأن ما سوي الواحد متجزي، و الله واحد لا متجزئ و لا متوهم بالقلة و الكثرة، و كل متجزئ أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له، فقولك: (ان الله قدير) [ صفحه 92] خبرت أنه لا يعجزه شي ء، فنفيت بالكلمة العجز، و جعلت العجز لسواه، و كذلك قولك: (عالم) انما نفيت بالكلمة الجهل و جعلت الجهل لسواه، فاذا أفني الله الأشياء أفني الصورة و الهجاء و التقطيع فلا يزال من لم يزل عالما». فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟ فقال عليه السلام: «لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع، و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك، و لم نصفه ببصر طرفة العين، و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة و ما هو أخفي من ذلك، و موضع المشي منها و الشهود و السفاد، و الحدب علي أولادها، و اقامة بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المغاور و الأودية و القفار، و علمنا بذلك أن خالقها لطيف بلا كيف، اذ الكيف للمخلوق المكيف. و كذلك سمينا ربنا قويا بلا قوة البطش المعروف من الخلق

و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه و احتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا، فربنا تبارك و تعالي لا شبه له، و لا ضد و لا ند، و لا كيفية، و لا نهاية، و لا تصاريف، محرم علي القلوب أن تحمله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تصوره، جل و عز عن أداة خلقه، و سمات بريته، تعالي عن ذلك علوا كبيرا». [64] . و في رواية داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: (قل هو الله أحد) [65] ما معني الأحد؟ [ صفحه 93] قال: «المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض و سخر الشمس و القمر ليقولن الله) [66] ثم يقولون بعد ذلك: له شريك و صاحبة». فقلت: قوله: (لا تدركه الأبصار)؟ [67] . قال: «يا أباهاشم، أوهام القلوب أدق من ابصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها، و لم تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار» [68] . و في حديث بي أبي نجران قال: سألت: أباجعفر الثاني عليه السلام عن التوحيد، فقلت: أتوهم شيئا؟ فقال: «نعم، غير معقول و لا محدود، فما وقع و همك من شي ء فهو خلافه، لا يشبهه شي ء و لا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل و خلاف ما يتصور في الأوهام؟ انما يتوهم شي ء غير معقول و لا محدود» [69] . و سئل عليه السلام: أيجوز أن يقال لله: انه شي ء؟ فقال عليه السلام:

«نعم، تخرجه من الحدين: حد الابطال، و حد التشبيه» [70] . في واقع اسلامي أغرقته نظريات المتفلسفين القادمة ضمن حملات الترجمة التي بدأها المأمون في جلب الكثير من كتابات الروم الفلسفية، و توجهات الهند [ صفحه 94] القصصية، و مساعي الفرس الأدبية، فضلا عن ثقافات أهل الصين، و محاولات الترك، و نزعات البربر، و فنون اليونان، و غيرها من تجسيمات اليهود، و تثليث النصاري، و اختلافات أهل الملة، كل ذلك أربكت عقلية الفرد و أودت بالجماعة الاسلامية الي تقمصات هذه الثقافات الجديدة غير الواعية في معرفة صفات الله، فخلطت بين صفات الذات و صفات الفعل، و أثبتت من صفات التنزيه ما كان ينبغي أن تجل عنه الذات و توصف به أفعاله تعالي، و انزلق المجتمع الاسلامي الي مهاوي التشبيه و محاولات الالحاد، حتي كان للامام الجواد و قبله والده الامام الرضا عليهماالسلام الأثر في صد عادية هذه التيارات الفكرية المنحرفة.. و أنت تري ما لهذه الاسس التوحيدية في كلام الامام الجواد من أثر في انتشال المدرسة الاسلامية من مخاطر الانحراف الفكري القادم.

ما منا الا قائم بأمر الله

مع تزايد الاهتمام في قضية الامام المهدي عليه السلام من لدن المجتمع الاسلامي؛ و ذلك بسبب تصاعد و تيرة الظلم و استشراء الفساد، دفع الناس الي أن تتوجه أنظارهم للمنقذ الموعود، و تمني هؤلاء أن يرتفع ما يعانيه المجتمع من ظلم و فوضي في المفاهيم الاسلامية بظهور من يعيد للأمة شخصيتها الاسلامية المفقودة، و توسل اولئك المحيطون بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن يكون صاحبهم هو القائم الموعود، و الامام الجواد أحد أولئك المؤمل فيهم القيام بأمر الله، الا أن الامام الجواد يحاول أن يبعد هذه الفكرة، و يقرب صفات القائم عليه السلام الي

أذهان الناس، بقوله لعبدالعظيم الحسني رضي الله عنه حين سأله عن القائم، حيث قال: [ صفحه 95] قلت لمحمد بن علي موسي عليهم السلام: يا مولاي، اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. فقال عليه السلام: «ما منا الا قائم بأمر الله، و هاد الي دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر و الجحود، و يملأ الأرض قسطا و عدلا هو الذي تخفي علي الناس ولادته، و يغيب عنهم شخصه، و تحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول الله و كنيه، و هو الذي تطوي له الأرض، و يذل له كل صعب، يجتمع اليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض؛ و ذلك قول الله (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله علي كل شي ء قدير) [71] ، فاذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فاذا كمل له العقد و هو عشر آلاف رجل خرج باذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي عزوجل». قال عبدالعظيم: فقلت له: يا سيدي، فكيف يعلم أن الله رضي؟ قال: «يلقي في قلبه الرحمة، فاذا دخل المدينة أخرج اللات و العزي فأحرقهما» [72] . و لم يكن عبدالعظيم قد اختلط عليه أمر قائمهم عليهم السلام، فهو الحامل لأحاديثهم، و الحافظ لتراثهم، و القيم علي رواياتهم ايان اشتداد الأمر علي شيعتهم و ملاحقتهم اياهم، فكان عبدالعظيم الحسني مهاجرا الي حيث حفظ نفسه الشريفة و تراث أئمته المقدس، حرصا منه علي ايصال هذا الكم الهائل من تراثهم الي أجيال شيعتهم، و هو الملازم

لهم عليهم السلام في أحلك الظروف، فكيف يغيب عن عبدالعظيم مسألة القائم [ صفحه 96] و تشخيصه حتي يختلط عليه الأمر فيسأل الجواد عليه السلام عن كونه القائم أم لا؟! و علي ما يبدو أن عبدالعظيم أراد أن يسأل الامام الجواد عليه السلام عن القائم ليبعد شبهة الضعفاء الذين يتوسلون بأي شخصية يجدون فيها مواصفات خاصة يقتنعون بها، فيجعلون صاحبها مؤهلا لأن يكون المهدي، و قد انخرط في شبهة المهدوية الكثير، حيث نسبوها الي بعض الأئمة عليهم السلام، كالامامين الصادق و الكاظم عليهماالسلام، و لبعض أبناء الأئمة أبناء الأئمة كذلك، و الظاهر أن ضيق الظروف الأمنية و الاختناق السياسي الذي تفرضه السلطة تدفع بالبعض الي اضطراب العقيدة المهدوية لديهم، فيأملون أن يكون الامام الحاضر هو قائم آل البيت عليهم السلام، و هو ما دعا عبدالعظيم الحسني أن يثير هذا التساؤل الخطير، و قد أضاف عبدالعظيم بسؤاله هذا للامام تراثا مهدويا مهما، و رؤية ناضجة معصومة؛ كي تعرف الامة في ظل هذه الظروف امامها و واقعه الذي يحبط به.

الامام الجواد... راوية الحديث المحظور

لم يزل حديث علي عليه السلام محاصرا يعاني من الحظر الرسمي الذي لا يجوز معه في عرف السياسة أن تبقي آثاره كمعارضة شاخصة تدين النظام القائم، و تحرض الامة أن تقرأ واقعها علي أساس معطيات الاسلام الأصيل، و لم يزل رواته يحفظونه في صدورهم، و يكتمونه خشية الملاحقة و القتل و التنكيل، و هو مع هذا كله يخترق حواجز الممنوع و حجب المحظور، و سياسات الأنظمة لا تقوي علي قهر ارادة الامة في حقها للوقوف علي المعرفة الحقيقية حينما تجدها في منابعها الروائية، فالحظر لم يرهب الحديث النبوي يوم كان محظورا عليه و محجورا علي [ صفحه 97] رواته، و هو لا

يوقف رغبة الامة في سماعها الحديث، و لا يلغي دور رواته في مناقلته و العمل علي ضوئه، و لم يجد الحديث متنفسا بعيد رحيل نبيه صلي الله عليه و آله، حتي مر بفترات الحظر و المطاردة و القهر، بل و حتي التحريف يوم كان معاوية بن أبي سفيان متوثبا ليلفق أحاديث موضوعة تحط من مناقب أعدائه و فضائلهم و كل ما ورد في علي و آل علي عليهم السلام، و تحدث ما ينافي ذلك لتنسج الفضائل علي لسان النبي صلي الله عليه و آله و سلم في شخص معاوية و آل ابي سفيان، و فيما ذكرناه في بحوث تاريخ الحديث النبوي بين سلطة النص و نص السلطة غني عن كل مجريات معاناة الحديث و حملته و رواته. في ظل هذا الصراع المحتدم بين الحديث النبوي و بين السلطة صراع بكل حيثياته و دقائقه و توجهاته، بل صراع بين مفاهيم الحديث و قيمه، و بين دواعي السلطة و طموحها في الاستحكام علي مناشئ الحديث و رواته؛ لتغلق منافذ الطريق علي القيم الأصيلة التي يحملها الحديث النبوي، أضف الي ذلك أن الحديث النبوي بمثابة الرقيب علي الحاكم و نظامه، فهو اذن حالة من حالات العرقلة لتحركات النظام باتجاهاته الخاصة البعيدة عن الشريعة و التزاماتها، و بذلك سيعيش النظام مذعورا من الحديث،، تطارده هواجسه التي ما فتئت تدين النظام و رجالاته، من هنا تعرف مدي الهوة الساحقة بين الحديث النبوي كمفهوم و بين السلطة كتوجهات و طموحات جامحة، و مثل هذا الوضع الحذر الذي يعيشه النظام من الحديث لا يسمح بعد ذلك لرواته أن يؤسسوا مدرستهم الروائية علي أساس مبتنيات سليمة، و معني ذلك أن الحديث الملاحق يبقي محاصرا، الا أنه

يجد متنفسا أحيانا ليبيح به حملته الي أسماع الثقات. [ صفحه 98] و اذا كان النظام قد أذن أن تتخذ ثقافة أهل البيت عليهم السلام متسعا من الحركة ابان المأمون العباسي الذي أسس نظرية امكانية التعايش مع العلويين و دعا الي سياسة التسامح و الحوار، فان الامام محمد الجواد عليه السلام سيكون في طليعة اولئك المعنيين بهذه النظرية المأمونية التي من خلالها أشرف الحديث النبوي من نافذة الامامة علي ثقافة الامة و توجهاتها، و كان الامام الجواد عليه السلام حاضرا في تمتين العلاقة بين الامة و بين الحديث النبوي؛ لذا سيجد الحديث متنفسا يتجه بامتداداته الي قطاعات الامة بكل ألوانها؛ لذا فان الامام عليه السلام قدم نماذج المعرفة علي أساس صيغ الحديث النبوي، أو الحديث العلوي المضمخ بدماء آل علي منذ عقود حتي يصل معافي دون أن تمسه يد الوضع و التحريف. فقد روي عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام، قال: «بعثني النبي صلي الله عليه و آله الي اليمن، فقال لي و هو يوصيني: يا علي، ما حار من استخار، و لا ندم من استشار. يا علي، عليك بالدلجة (أي السير بالليل) فان الأرض تطوي في الليل ما لا تطوي بالنهار، يا علي، اغد باسم الله فان الله بارك لامتي في بكورها» [73] . و قال عليه السلام: «من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة» [74] . و عنه عليه السلام و قد سئل عن حديث النبي صلي الله عليه و آله: «أن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار؟ فقال: خاص للحسن و الحسين». [75] . و عنه، عن علي عليه السلام قال: «في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام: أن ابن آدم أشبه شي ء [ صفحه

99] بالمعيار، اما راجح بعلم - و قال مرة بعقل - أو ناقص بجهل» [76] . و عنه: قال علي عليه السلام لأبي ذر رضي الله عنه: «انما غضبت لله عزوجل، فارج من غضبت له، ان القوم خافوك علي دنياهم و خفتهم علي دينك، و الله لو كانت السماوات و الأرضون رتقا علي عبد ثم اتقي الله لجعل الله له منها مخرجا، لا يؤنسنك الا الحق، و لا يوحشنك الا الباطل» [77] . و عنه، عن علي عليه السلام أنه قال لقيس بن سعد و قد قدم عليه من مصر: «يا قيس ان للمحن غايات لابد أن ينتهي اليها، فيجب علي العاقل أن ينام لها الي ادبارها، فان مكايدتها بالحيلة عند اقبالها زيادة فيها». [78] .

وريث النهج

وراثة علوية تأخذ بآفاق الحكمة الي مديات واسعة؛ لتفعل الخير تجسيدا لواقع مقروء بل معاين و مشاهد، يجسده الامام ليلقيه شذرات من درر أقواله في صياغة نهج جده العلوي؛ ليعيد الي الذاكرة تلك البلاغة التي ما فتئت ترتضع من القرآن و تغفو علي عتبات الحديث النبوي و الحكمة العلوية، و «محمد» هذا هو الامام، هو امام الكلام، لا يدانيه أحد في عصره كما كان آباؤه عليهم السلام من قبل، و قد ألقي في مجالسه هذه الشذرات التي ما قرأتها الا و تخيلت أني أقرأ في نهج البلاغة، و هو دليل الوراثة النبوية و السلالة العلوية المباركة. و بهذا فسنقرأ العطاء الثر الذي خلقه محمد الجواد لأمة جده، بل للانسانية جمعاء. [ صفحه 100] و روي عنه عليه السلام قال: «من وثق بالله أراه السرور، و من توكل عليه كفاه الأمور، و الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الا مؤمن أمين، و التوكل علي

الله نجاة من كل سوء، و حرز من كل عدو، و الدين عز، و العلم كنز، و الصمت نور، و غاية الزهد الورع، و لا هدم للدين مثل البدع، و لا أفسد للرجال من الطمع، و بالراعي تصلح الرعية، و بالدعاء تصرف البلية، و من ركب مركب الصبر اهتدي الي مضمار النصر، و من عاب عيب، و من شتم اجيب، و من غرس أشجار التقي اجتني ثمار المني». [79] . و قال عليه السلام: «أربع خصال تعين المرء علي العمل: الصحة، و الغني، و العلم، و التوفيق» [80] . و قال عليه السلام: «ان الله عبادا يخصهم بالنعم، و يقرها فيهم ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها عنهم و حولها الي غيرهم». [81] . و قال عليه السلام: «ما عظمت نعمة الله علي عبد الا عظمت عليه مؤنة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤنة فقد عرض النعمة للزوال». [82] . و قال عليه السلام: «أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه؛ لأن لهم أجره و فخره و ذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن شكر ما صنع الي نفسه من غيره» [83] . و قال عليه السلام: «من أمل انسانا فقد هابه، و من جهل شيئا عابه، و الفرصة خلسة، و من [ صفحه 101] كثر همه سئم جسده، و المؤمن لا يشتفي غيظه، و عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه». [84] . و قال في موضع آخر: «عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه». [85] . و قال عليه السلام: «من استغني بالله افتقر الناس اليه، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا» [86] . و قال عليه السلام:«عليكم بطلب العلم فان طلبه فريضة، و

البحث عنه نافلة، و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و انس في الغربة.» [87] . و قال عليه السلام: «العلم علمان: مطبوع و مسموع، و لا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوعا، و من عرف الحكمة لم يصبر علي الازدياد منها، الجمال في اللسان، و الكمال في العقل» [88] . و قال عليه السلام «العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و خفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة [ صفحه 102] الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع» [89] . و قال عليه السلام: «حسب المرء من كمال المروءة، و تركه ما لا يحمل به، و من حيائه أن لا يلقي أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه أن لا يترك ما لابد له منه، و من عرفانه علمه بزمانه، و من ورعه غض بصره و عفة بطنه، و من حسن خلقه كفه أذاه، و من سخائه بره بمن يحب حقه عليه، و اخراجه حق الله من ماله، و من اسلامه تركه ما لا يعنيه، و تجنبه الجدال و المراء في دينه، و من كرمه ايثاره علي نفسه، و من صبره قلة شكواه، و من عقله انصافه من نفسه، و من حلمه تركه الغضب

عند مخالفته، و من انصافه قبوله الحق اذا بان له، و من نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه، و من حفظه جوارك تركه توبيخك عن اساءتك مع علمه بعيوبك، و من رفقه ترك عذلك عند غضبك بحضرة من تكره، و من حسن صحبته لك اسقاطه عنك مؤنة أذاك، و من صداقته كثرة موافقته و قلة مخالفته، و من صلاحه شدة خوفه من ذنوبه، و من شكره معرفة احسان من أحسن اليه، و من تواضعه معرفته بقدره، و من حكمته علمه بنفسه، و من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره و عنايته باصلاح عيوبه». [90] . و قال عليه السلام: «لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه». [91] . و قال عليه السلام: «الفضائل أربعة أجناس: أحدها: الحكمة، و قوامها في الفكرة. و الثاني: العفة، و قوامها في الشهوة. و الثالث: القوة، و قوامها في الغضب. و الرابع: العدل، [ صفحه 103] و قوامه في اعتدال قوي النفس». [92] . و قال عليه السلام: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء». [93] . و قال عليه السلام: «يوم العدل علي الظالم أشد من يوم الجور علي المظلوم». [94] . و قال عليه السلام:«أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة، و الجدل يورث الرياء، و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، و الطامع في وثاق الذل، و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا» [95] . و قال عليه السلام: «العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم». [96] . و قال عليه السلام: «الصبر عند المصيبة مصيبة الشامت بها». [97] . و قال عليه السلام: «التوبة علي أربع دعايم: ندم القلب، و استغفار باللسان، و عمل

بالجوارح، و عزم أن لا يعوده» [98] . و قال عليه السلام: «ثلاث من عمل الأبرار: اقامة الفرائض، و اجتناب المحارم، و احتراس من الغفلة في الدين». [99] . و قال عليه السلام: «ثلاث يبلغن العبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصدقة». [100] . [ صفحه 104] و قال عليه السلام: «أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي لله، و منع في الله، و أحب لله، و أبعض فيه.» [101] . و قال عليه السلام: «ثلاث من كن فيه لم يندم: «ترك العجلة، و المشورة، و التوكل عند العزم علي الله عزوجل». [102] . و قال عليه السلام: «لو سكت الجاهل ما اختلف الناس». [103] . و قال عليه السلام: «مقتل الرجل بين لحييه، و الرأي مع الأناة، و بئس الظهير الرأي الفطير» [104] . و قال عليه السلام:«ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصاف في المعاشرة، و المواساة في الشدة، و الانطواء و الرجوع الي قلب سليم». [105] . و قال عليه السلام «فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، و صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، و الخلق أشكال، فكل يعمل علي شاكلته، و الناس أخوان فمن كانت اخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوة؛ و ذلك لقوله تعالي (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين [106] ) [107] . و قال عليه السلام: «من استحسن قبيحا كان شريكا فيه» [108] . [ صفحه 105] و قال عليه السلام: «كفر النعمة داعية المقت، و من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك» [109] . و قال عليه السلام: «لا يفسدك الظن علي صديق و قد أصلحك اليقين له، و من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه، استصلاح الأخيار

باكرامهم، و الأشرار بتأديبهم، و المودة قرابة مستفادة، و كفي بالأجل حرزا، و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان علي الرجل الي ثمانية عشر سنة، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه، و ما أنعم الله عزوجل علي عبد نعمة فعلم أنها من الله الا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له الا غفر الله له قبل أن يستغفره» [110] . و قال عليه السلام: «الشريف كل الشريف من شرفه علمه، و السؤدد حق السؤدد لمن اتقي الله ربه، و الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه» [111] . و قال عليه السلام: «من أمل فاجرا كان أدني عقوبته الحرمان». [112] . و قال عليه السلام: «موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، و حياته بالبر أكثر من حياته بالعمر» [113] . و قال عليه السلام: «لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، و ارحموا ضعفاءكم و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم». [114] . [ صفحه 106] قال الاربلي أبوالحسن علي بن عيسي: هذا ما أردت نقله من كتاب الجنابذي رحمه الله، و قد نقل أشياء رايقة و فوائد فايقة و آدابا نافعة، و فقرا ناصعة من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام مما رواه الامام محمد الجواد بن الامام علي بن موسي الرضا عن آبائه عليهم السلام. و روي الشيخ الصدوق، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني رحمه الله أنه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهماالسلام: يا ابن رسول الله، حدثني بحديث عن آبائك عليهم السلام. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي آبائه عليهم السلام، قال: قال

أميرالمؤمنين عليه السلام: لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فاذا استووا هلكوا». قال: قلت له: زدني يا ابن رسول الله، فقال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لو تكاشفتم ما تدافنتم». قال: قلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه و حسن اللقاء، فاني سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام:«حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من عتب علي الزمان طالت معتبته». قال: قلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي عن، جدي، عن آبائه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: [ صفحه 107] مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: بئس الزاد الي المعاد العدوان علي العباد». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. قال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: قيمة كل امرئ ما يحسنه». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. قال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: المرء مخبوء تحت لسانه». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام:ما هلك امرؤ عرف قدره». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. قال

عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: التدبير قبل العمل يؤمنك الندم». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام: من وثق بالزمان صرع». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: [ صفحه 108] خاطر بنفسه من استغني برأيه». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: قلة العيال أحد اليسارين». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من دخله العجب هلك». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال عليه السلام: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام:من أيقن بالخلف جاد بالعطية». قال: فقلت له: زدني يا ابن رسول الله. فقال: «حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: من رضي بالعافية ممن دونه رزق السلامة ممن فوقه». قال: فقلت له: حسبي. [115] . و روي عنه قوله عليه السلام: «الثقة بالله تعالي ثمن لكل غال، و سلم الي كل عال». [116] . و قوله عليه السلام: «عز المؤمن من غناه عن الناس». [117] . و قال عليه السلام: «لا تكن ولي الله في العلانية، عدوا له في السر». [118] . [ صفحه 109] و قال عليه السلام: «من استفاد أخا في الله استفاد بيتا في الجنة». [119] . و قوله عليه السلام: «كيف يضيع من الله كافله؟ و كيف ينجو من الله طالبه؟ و من انقطع الي غير

الله و كله الله اليه، و من عمل علي غير علم ما، أفسد أكثر مما يصلح». [120] . و قال عليه السلام: «اياك و مصاحبة الشرير فانه كالسيف المسلول يحسن منظره و يقبح أثره.» [121] . و قال عليه السلام: «كفي بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة». [122] . و قال له عليه السلام رجل: أوصني. قال عليه السلام: «و تقبل؟». قال: نعم. قال عليه السلام: «توسد الصبر، و اعتنق الفقر، و ارفض الشهوات، و خالف الهوي، و اعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون؟» [123] . و قال عليه السلام: «المؤمن يحتاج الي ثلاث خصال: توفيق من الله، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه». [124] . و قال عليه السلام: «لا تعادي أحدا حتي تعرف الذي بينه و بين الله تعالي، فان كان محسنا [ صفحه 110] فانه لا يسلمه اليك، و ان كان مسيئا فان علمك به يكفيكه فلا تعاده». [125] . و قال عليه السلام: «القصد الي الله تعالي بالقلوب أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال» [126] . و عنه عليه السلام قال: «من أطاع هواه أعطي عدوه مناه». [127] .

الدعاء المعارض، التراتيل، المعارضة

لم يزل أئمة أهل البيت عليهم السلام يعانون من مشكلة التضييق بل و المطاردة، لطروحاتهم، و لم يزل يعاني أصحابهم من الملاحقة و حبس الأنفاس، و احصاء تحركاتهم التي تعدها الأنظمة بأنها المعارضة الأشد عنفا في التأثير و النتائج.. الا أن ذلك لا يمنع من ممارسة أنشطتهم و بث روح العلم و المثابرة من أجل الوصول الي الحقائق... و اذا حظر علي الحديث و معارفه فان الامام علي بن الحسين عليهم السلام لم تتوقف جهوده المعرفية، فقد صاغها علي شكل أدعية تتعهد في تقديم اطروحة أهل البيت

عليهم السلام من خلال تراتيل تنبعث في جوف الليل، أو تلقي في جموع المحتشدين من الناس، أو يأنس بها الانسان عند عزلته، أو يتوسل بها المحزون عند وحشته، أو تنفث الي حشاشته الحري عند تعسر حاجته.. هكذا هي أدعية أهل البيت عليهم السلام، و هذه هر تراتيل الصحيفة السجادية، الا أنها لم تكن مجردة عن هدف معرفي يسعي الأئمة الي تعزيز مفاهيمه و ايداع معارفه في ضمير الأمة، و معني هذا فان الدعاء سيحال فضلا عن كونه عبادة يتبتل بها ذوو الحاجات، الا أنه خطاب ثقافي فكري يطرحه أئمة أهل البيت عليهم السلام بعيدا عن [ صفحه 111] توجسات الدولة و مطاردة النظام، و بهذا فقد حفظ أهل البيت عليهم السلام - بالرغم من الظرف السياسي العنيف الذي طاردهم - مفاهيمهم المحظورة ضمن أدعية و توسلات، فضلا عن تنبيهات الامة عما يحيطها من مخاطر تعمل علي ايقاظها، و النظام في هذه الحالة غير قادر علي منع هذه الاطروحات التي تصاغ علي شكل أدعية، و لم يشملها الحظر كما يشمل التعاطي بحديث أحد الأئمة، و التي تعده الدولة ترويجا لاطروحاته و تبليغا لشخصه. و الامام محمد بن علي الجواد عليهم السلام لم يكن بعيدا عن هذه الحالة من الطرح و التبليغ، فقد أعد أدعيته لتعطي رؤية في توجهات الامام و مفاهيم رسالته، و في بعض نماذج أدعيته نقرا بعض هذه الاطروحات التي صاغها الامام في صحيفته... فمن ذلك ما صاغه من الدعاء و بيان مظلوميته عليه السلام و ما يعانيه من المضايقة، و مناشدة أتباعه في الوقوف عليها، و هي وثيقة تتناقلها الأجيال ليقرؤوا فيها محنة أهل البيت عليهم السلام و مظلوميتهم و معاناتهم: «منائحك متتابعة، و أياديك متوالية، و نعمك سابغة، و

شكرنا قصير، و حمدنا يسير، و أنت بالتعطف علي من اعترف جدير. اللهم و قد غص أهل الحق بالريق، و ارتبك أهل الصدق في المضيق، و أنت - اللهم - بعبادك و ذوي الرغبة اليك شفيق، و باجابة دعائهم و تعجيل الفرج عنهم حقيق. اللهم فصل علي محمد و آل محمد، و بادرنا منك بالعون الذي لا خذلان بعده، و النصر الذي لا باطل يتكأده، و أتح لنا من لدنك متاحا فياحأ، يأمن فيه وليك، و يخيب فيه عدوك، و تقام فيه معالمك، و تظهر فيه أوامرك و تنكشف فيه عوادي [ صفحه 112] أعدائك. [128] . اللهم بادرنا منك بدار الرحمة، و بادر أعداءك من بأسك بدار النقمة. اللهم أعنا، و أغثنا، و ارفع نقمتك عنا، و أحلها بالقوم الظالمين». [129] . و في دعائه بعد أن يظهر نعم الله علي عباده و رحمته و فضله، فانه عليه السلام يطرح معارضته للأنظمة الجائرة ضمن دعائه، و يبين ما ارتكبته هذه الأنظمة من جرائم و خروقات و تعديات علي حقوق أصحاب الحق، و هم الأئمة عليهم السلام و كيف أنهم أبعدوا عن حقوقهم و ممارستها... «اللهم أنت الأول بلا أولية معدودة، و الآخرة بلا آخرية محدودة، أنشأتنا لا لعلة اقتسارا، و اخترعتنا لا لحاجة اقتدارا، و ابتدعتنا بحكمتك اختيارا، و بلوتنا بأمرك و نهيك اختبارا، و أيدتنا بالآلات، و منحتنا بالأدوات، و كلفتنا الطاقة، و جشمتنا الطاعة، فأمرت تخييرا، و نهيت تحذيرا، و خولت كثيرا، و سألت يسيرا، فعصي أمرك فحلمت، و جهل قدرك فتكرمت، فأنت رب العزة و البهاء، و العظمة و الكبرياء، و الاحسان و النعماء، و المن و الآلاء، و المنح و العطاء، و

الانجاز و الوفاء. و لا تحيط القلوب لك بكنه، و لا تدرك الأوهام لك صفة، و لا يشبهك شي ء من خلقك، و لا يمثل بك شي ء من صنعتك. تباركت أن تحس أو تمس، أو تدركك الحواس الخمس، و أني يدرك مخلوق خالقه؟ تعاليت - يا الهي - عما يقول الظالمون علوا كبيرا. [ صفحه 113] اللهم أدل [130] لأوليائك من أعدائك الظالمين، الباغين الناكثين القاسطين المارقين، الذين أضلوا عبادك، و حرفوا كتابك، و بدلوا أحكامك، و جحدوا حفك، و جلسوا مجالس أوليائك، جرأة منهم عليك، و ظلما منهم لأهل بيت نبيك عليهم سلامك و صلواتك و رحمتك و بركاتك، فضلوا و أضلوا خلقك، و هتكوا حجاب سترك عن عبادك، و اتخذوا - اللهم - مالك دولا، و عبادك خولا [131] ، و تركوا اللهم عالم أرضك في بكماء عمياء ظلماء مدلهمة، فأعينهم مفتوحة، و قلوبهم عميئة، و لم تبق لهم اللهم عليك من حجة. لقد حذرت اللهم عذابك، و بينت نكالك، و وعدت المطيعين احسانك، و قدمت اليهم بالنذر، فآمنت طائفة. فأيد اللهم الذين آمنوا علي عدوك و عدو أوليائك، فأصبحوا ظاهرين، و الي الحق داعين، و للامام المنتظر القائم بالقسط تابعين. و جدد اللهم علي عدوك و أعدائهم نارك و عذابك، الذي لا تدفعه عن القوم الظالمين. اللهم صل علي محمد و آل محمد، و قو ضعف المخلصين له بالمحبة، المشايعين لنا بالموالاة، المتبعين لنا بالتصديق و العمل، المؤازرين لنا بالمواساة فينا، المحيين ذكرنا عند اجتماعهم، و شد ركنهم، و سدد لهم اللهم دينهم الذي ارتضيته لهم، و أتمم عليهم نعمتك، و خلصهم و استخلصهم. و سد اللهم فقرهم، و المم اللهم شعث فاقتهم،

و اغفر اللهم ذنوبهم و خطاياهم، و لا تزغ قلوبهم بعد اذ هديتهم، و لا تخلهم أي رب بمعصيتهم، و احفظ لهم ما [ صفحه 114] منحتهم به من الطهارة بولاية أوليائك، و البراءة من أعدائك، انك سميع مجيب، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين». [132] . هكذا كان الامام الجواد عليه السلام كآبائه الطاهرين من قبل، يصدر معارفه الي الامة عن طريق الدعاء، و هي قنوات أمينة تضمن وصول رؤي الأئمة الي الناس بعيدا عن توجسات النظام و مراقبته لتحركاتهم عليهم السلام، و بذلك فقد نجحت انسيابية المعرفة الي أعماق المجتمع بطريقة لم يكن للنظام أن يمنعها، فهي تراتيل القديس في أعماق المحن و أغوار النوائب.

محمد... الامام... القديس... ذلك المعجز

و لم يقف القوم عند «محمد» الحكيم عند هذا الحد من عبقات بلاغته الموروثة من آبائه حتي يتوج عطاءه بالمعجزة الشاهدة علي صدق دعواه، أو بالكرامة المؤيدة لمقامه الالهي... انه «محمد» الامام... الحجة... القديس الذي يبعث الأمل في نفوس أتباعه، بل في نفوس الكثير حينما ينقطع عنهم حديث القرب الي الله، و حينما يحال الزمان الي خواطر مغامرات القتل و الحيل، أو مدعيات القداسة المزيقة، أو تنهاوي القيم من أجل كسب قضية يرعاها البلاط و يتدافع عليها فقهاؤه، اولئك المتسولون علي أبوابه، أو المقتنصون رضا الخليفة، أو المزدحمون علي عطاء القصر الملوكي في زحمة الفتاوي التي يطلقها الفقهاء ارضاء لنزوات أسيادهم، أو شهوات الوزراء المدججين بمدي التحايل و خطط المؤامرات، تلتبس علي الامة مصاديق [ صفحه 115] القداسة، و تختلط عليها حقائق الصدق من تسويات الدجل، فينفرج الأمر عن «محمد» المعجز، ذلك الامام الذي جرت علي يده الكرامات، و تدحرجت من تحت قدميه مدعيات بني العباس الذي

أوهموا الناس بأحقية الخلافة دون غيرهم، و تنازع أسلافهم مع أهل الحق، فاحتلبوا شطرها ملأ القعب دما عبيطا، كما أشار الي ذلك علي عليه السلام في تقويمه لتهالك القوم عليها. و هكذا ينتزع «محمد» الامام شرعية الخلافة و أحقية السيادة بما أثبته من أنه هو القديس المعجز...، فضلا عما أثبته لأولئك المنكرين لامامته، أو المشككين في انتسابه لآبائه الطاهرين... فأجري الله علي يده كرامات الامامة و معجزات الحجة، و كم هي وطيدة الانتساب لكرامات الآباء الميامين يوم كان الأتباع يتطاولون بأمانيهم أن يريهم الله كراماته في أوليائه، تجري أمامهم و تحدث براهينها كلما أحوجتهم المحاججة أو الدليل لاثبات أحقية ما يعتقدونه في أهل البيت فيفيضون ما أفاض الله عليهم من هذه الكرامة، أو تلك المعجزة، أو ذلك البرهان الذي لا يفتأ في اثبات الحق لأهله.. و محمد بن علي الجواد عليهماالسلام من أهل هذه المعجزات المنتسبة لآل الله الميامين... و لربما يجد البحث طريقه في الكم الهائل من كرامات الجواد و معجزات امامته؛ لما تقتضيه ظروف الاثبات و الانتساب، فكان محمد عليه السلام سخيا علي الملأ من الناس؛ ليفيض بما أفاض الله عليه من الحق و الدلالة علي النهج القويم. و سنحاول الخوض في عباب هذه الملاحم الجوادية من الكرامة و المعجز و الدليل، و ما جري له - صلوات الله عليه - مع أصحابه و مع غيرهم ممن توقفوا في القول بامامته و البخوع بأحقيته. و مما يجدر التنويه اليه أن الامام كان كثيرا ما يقف علي ضمائر [ صفحه 116] الناس و ما في نفوسهم بفراسة تزيل الشك، و تقتلع الشبهة، و تهدي الي الصراط المستقيم.

الامامة و صغر السن

علي بن اسماعيل، عن محمد بن عمر، عن

علي بن أسباط، قال: رأيت أباجعفر عليه السلام قد خرج علي، فأحددت النظر اليه و الي رأسه و الي رجله لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فخر ساجدا و قال: ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة، قال الله تعالي: (و آتيناه الحكم صبيا) [133] ، و قال الله: (و لما بلغ أشده) [134] (و بلغ أربعين سنة) [135] فقد يجوز أن يؤتي الحكمة و هو صبي، و يجوز أن يؤتي و هو ابن أربعين سنة. [136] .

وراثة عيسوية

عن أحمد بن محمد الحضرمي، قال: حج أبوجعفر عليه السلام، فلما نزل زبالة فاذا هو بامرأة ضعيفة تبكي علي بقرة مطروحة علي قارعة الطريق، فسألها عن علة بكائها؟ فقامت المرأة الي أبي جعفر عليه السلام و قالت: يا ابن رسول الله، اني امرأة ضعيفة لا أقدر علي شي ء، و كانت هذه البقرة كل ما أملكه، فقال لها أبوجعفر عليه السلام: «ان [ صفحه 117] أحياها الله تبارك و تعالي لك فما تفعلين؟» فقالت: يا ابن رسول الله، لاجددن لله شكرا. فصلي أبوجعفر ركعتين و دعا بدعوات، ثم ركض برجله البقرة فقامت البقرة، و صاحت المرأة: عيسي بن مريم، فقال أبوجعفر عليه السلام: «لا تقولي هذا، بل عباد مكرمون، أوصياء الأنبياء» [137] . و قد حرص أبوجعفر- صلوات الله عليه - أن يؤكد للمرأة انما يكون احياء البقرة راجعا لله تعالي، و نحن عباد مكرمون، و حاول الامام عليه السلام أن يؤكد أنهم أوصياء أنبياء: لئلا يتوهم السامع شيئا وراء ذلك يساء فهمه، و هم أوصياء الأنبياء بمعني ورثتهم، و الا فهم أعظم مقاما من الأنبياء؛ لأنهم ورثة خاتم الأنبياء.

شهادة الزور

روي عن ابن أروبه أنه قال: ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي علي محمد بن علي بن موسي زورا و اكتبوا أنه أراد أن يخرج، ثم دعاه فقال: انك أردت أن تخرج علي. فقال عليه السلام: «و الله ما فعلت شيئا من ذلك». قال: ان فلانا و فلانا شهدوا عليك، فأحضروا فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك! قال: و كان جالسا في بهو، فرفع أبوجعفر عليه السلام يده و قال: «اللهم ان كانوا كذبوا علي فخذهم». [ صفحه 118] قال: فنظرنا الي ذلك البهو كيف يرجف و يذهب

و يجي ء، و كلما قام واحد وقع! فقال المعتصم: يا ابن رسول الله، اني تائب مما قلت، فادع ربك أن يسكنه! فقال عليه السلام: «اللهم سكنه، انك تعلم أنهم أعداؤك و أعدائي» فسكن. [138] .

نعم... عندي سلاح رسول الله

روي بكر بن صالح، عن محمد بن فضيل الصيرفي، قال: كتبت الي أبي جعفر عليه السلام كتابا، و في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب، فكتب الي بحوائج، و في آخر كتابه «عندي سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل امام» [139] .

المداراة خير من المكاشفة

أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن بكر بن صالح، قال: كتب صهر لي الي أبي جعفر الثاني عليه السلام: أن أبي ناصب خبيث الرأي، و قد لقيت منه شدة و جهدا، فرأيك - جعلت فداك - في الدعاء لي، و ما تري جعلت فداك، أفتري أن اكاشفه أم اداريه؟ فكتب عليه السلام: «قد فهمت كتابك و ما ذكرت من أمر أبيك، و لست أدع الدعاء لك ان شاءالله، و المداراة خير لك من المكاشفة، و مع العسر يسر، فاصبر ان العاقبة للمتقين، ثبتك الله علي ولاية من توليت، و نحن و أنتم في وديعة الله التي لا تضيع ودائعه». [ صفحه 119] قال بكر: فعطف الله بقلب أبيه حتي صار لا يخالفه في شي ء. [140] .

احباط مخططات النظام

محمد بن الريان قال: احتال المأمون علي أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة، فلم يمكنه في شي ء، فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته دفع الي مائة وصيفة من أجمل ما يكن، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلون أباجعفر عليه السلام اذا قعد في موضع الأختان، فلم يلتفت اليهن. و كان رجل يقال له: مخارق صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون، فقال: يا أميرالمؤمنين، ان كان في شي ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع اليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني، فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر عليه السلام لا يلتفت اليه لا يمينا و لا شمالا، ثم رفع رأسه اليه. و قال عليه السلام: «اتق الله يا ذا العثنون!». قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الي

أن مات. قال: فسأله المأمون عن حاله؟ قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا. [141] . و كأن احتياله لادخاله فيما فيه من اللهو و الفسوق. و بني علي أهله بناء: زفها. و العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت علي الذقن و تحته [ صفحه 120] سفلا، أو هو طولها. و العثون أيضا، شعيرات تحت حنك البعير. [142] . و لا يهمنا سرد معجزاته، فهي أكثر من أن تحصي، و قد أعرضت عن تعدادها لعلمي أنها لا يستوعبها مختصر استطرد فيه بعض سيرته، فآثرت العدول عن سردها لكثرتها، و وجدت أنه عليه السلام قد اختص بكثرة المعاجز و تعداد الكرامات، و يبدو أن متطلبات عصره التشكيكي بامامته المبكرة اقتضت اظهار كراماته بهذا الكم الهائل، تأكيدا للحجة، و اتماما للبينة التي يتطلبها مقام امامته الذي كثر التساؤل عن امكانيته و هو لا يزال ابن العاشرة أو دونها، مما حدا بالبعض أن يتوقف ان لم يتساءل، أو يتساءل ان لم يشكك، أو يشكك ان لم يعارض، و هكذا تضطرب مفاهيم الناس بامامته عليه السلام، و تعتور الأذواق بامكانية أدائه لمهمة آبائه الذين تصدوا للامامة في سن اعتاد عليه الناس، و ألفته العامة، و استأنس في أهليته الجميع. و لم يكن محمد بن علي الجواد عليهماالسلام ذلك الامام الثماني من العمر قد اختلف فيه الجميع، بل قبله من عرفه، و أثني عليه من خالطه، و أكبره من سمع منه، و آمن به من جالسه، و اعتقد فيه من شاهده، و لكأني أجد سرد الفضائل فضولا من القول، فخشيت الاطالة و آثرت الايجاز، و توسلت بمآثر الثناء، و تقاريض المدح، و الامام

أرفع من أن يعرف قدره بمدح المادحين، و اطراء الحامدين له، الا أن ذلك من مجريات البحث و مطاوي الكلام، و عزمت استعراض بعض ما حضرني من كلمات الثناء و جمل التقريض. روي الشيخ المفيد بسنده عن الريان بن شبيب ما نقله عن المأمون: و أما أبو [ صفحه 121] جعفر محمد بن علي عليهماالسلام قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه. فقال بنوالعباس: ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم! اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله، و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به بما وصفت من حاله.... [143] . و في وصيته لابنته: يا بنية، احتمليه فانه بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله. [144] . و ما نقله الطبرسي عن موقف المأمون من الامام بقوله: و كان المأمون مشغوفا بأبي جعفر عليه السلام لما رأي من فضله مع صغر سنه، و بلوغه في العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل... و كان متوفرا علي اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره. [145] . و عن ابن الصباغ المالكي: قال الشيخ كمال الدين بن طلحة: مناقب أبي جعفر محمد الجواد عليه السلام ما اتسعت جلبات مجالها، و لا

امتدت أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الالهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و سجالها، فقل في الدنيا مقامه، و عجل عليه فيها حمامه. فلم تطل لياليه و لا امتدت أيامه، غير أن الله خصه بمنقبة أنوارها متألفة في مطالع التعظيم، و أخبارها مرتفعة في معارج التفضيل [ صفحه 122] و التكريم. [146] . و قال الشبلنجي: و ان كان (الجواد عليه السلام) صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، و مناقبه عليه السلام كثيرة. [147] . و ما نقله ابن شهر آشوب، عن الأسقف الذي رأي الامام عليه السلام، فقال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي. [148] . هذه شهادة من شاهد «محمدا» و عرف مكارمه، و سمع مناقبه، فألجأه الاعجاب الي التقريض فيه، و آذنه الاكبار للثناء عليه، و دعاه الاكرام الي التبجيل و التعظيم، و هو بعد ذلك لحمة رسول الله و بضعته و وريثه، فيتصاغر عند ذلك كل ثناء و ذكر كبير.

النهاية المؤسفة... و فتوي فقهاء الارهاب...

و من المؤسف أن تصل التنافسات بين فقهاء البلاط للوصول الي حظوة القرب من الخليفة العباسي بأن تحاك ضد الامام المؤامرات لتصفيته بعد أن رأوا أنه عليه السلام قد اكتسح وجودهم المهزوم، بعدما اعتقد الخليفة بأعلميته و أنه حاز من العمل ما لم يكن أحد منهم قد حازه و حباه الله به و اجتباه، و كان العمل قائما علي التنافس بين علماء البلاط لاثبات أيهم أصلح و أوفق لخدمة السلطان، و اذا ما هدد وجوده مقامهم العلمي - في نظر السلطان - و أخرهم عن رتبة التقدم فانهم يسعون لاتخاذ أي اجراء يضمن ابقاءهم علي هيبتهم، أما اذا كسرت هيبة هؤلاء المتدافعين علي [ صفحه 123] مكانتهم لدي

البلاط فانهم لا يتأخرون عن التآمر و الانتقام من أجل الابقاء علي مكانتهم، و بما أن الجواد عليه السلام يبقي منافس فقهاء البلاط فان هؤلاء لم يجدوا بعده عليه السلام هذا غير تأخرهم عن رتبتهم الرسمية، فهم اذن بعد ذلك لابد أن يستعيدوا مقامهم المفقود من أعلمية «محمد بن الرضا» و المنافس لهم في منتدياتهم العلمية، فيدبروا التآمر عليه و تصفيته، و الانتقام لكرامتهم المفقودة في أروقة البلاط، و المناظرة التالية تتيح - في نظر هؤلاء - أن يتفقوا علي تصفية الامام الجواد عليه السلام و قتله: روي العياشي في تفسيره باسناده عن زرقان صاحب ابن أبي داوود قال: رجع ابن أبي داوود ذات يوم من عند المعتصم و هو مغنم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قدمت منذ عشرين سنة، قلت له: و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود [149] أبي جعفر محمد بن علي بن موسي اليوم بين يدي أميرالمؤمنين. قال: قلت له: و كيف ذلك؟ قال: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي. فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع. قال: ما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع، و الكف الي الكرسوع لقول الله في التيمم [ صفحه 124] (فأمسحوا بوجوهكم و أيديكم) [150] و اتفق معي علي ذلك قوم. و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: و ما الدليل علي ذلك؟ قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [151] في الغسل دل ذلك أن حد اليد هو المرفق. قال: فالتفت الي محمد بن

علي عليه السلام فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟ فقال عليه السلام: «قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين». قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال عليه السلام: «أما اذا أقسمت علي بالله، اني أقول: انهم أخطؤوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الأصابع، فيترك الكف». قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: «قول رسول الله صلي الله عليه و آله: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قد قال الله تعالي: (و أن المساجد لله) [152] ، يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، (فلا تدعوا مع الله أحدا) [153] ، و ما كان لله لن يقطع». قال: فأعجبت المعتصم ذلك، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. [ صفحه 125] قال ابن أبي داوود: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أكن. قال ابن أبي زرقان: ان ابن أبي داوود قال: صرت الي المعتصم بعد ثلاثة، فقلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار. قال: و ما هو؟ قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من امور الدين، فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر مجلسه أهل بيته و قواده و وزراؤه و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامة بامامته، و يدعوه أنه أولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء. قال: فتغير لونه و انتبه لما نبهته

له، و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا. قال: فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه الي منزله، فدعاه، فأبي أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم. فقال: اني انما أدعوك الي الطعام و احب أن تطأ ببابي [154] و تدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك. فصار اليه، فلما طعم منها (أي الطعام) أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم. قال: خروجي من دارك خير لك. فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلفة [155] حتي قبض [156] . [ صفحه 126] هذه هي مؤامرات النظام العباسي و فقهائه، فهم بعد أن دعوه و عزموا عليه الاجابة غاضهم تقدمه علي جميع فقهاء البلاط، و علموا أن ذلك سيكون سببا في تفاقم أمره عند المسلمين، و اعترافهم بأن شطر هذه الامة تقول بامامته و هذا دليل علي أن الامة تنصاع للامام عليه السلام معتقده بامامته و أهليته للخلافة دون بني العباس، و مجرد احتمال الجهاز العباسي من تأثير الامام في الامة، و احتمالية أن تكون مجريات الامور لصالح الامام فان الخليفة العباسي لم يمهله حتي أمر بتصفيته فورا؛ دون أدني انتظار و حساب لأي العواقب المترتبة علي هذا التصرف الطائش. و بالرغم من كون الامام الجواد يمثل الخط المنافس لخط فقهاء البلاط فان المعتصم حسم الفتوي لصالح قول الامام عليه السلام، و كأن المعتصم لم يرتض أقوال هؤلاء الجمع من فقهاء الدولة؛ لما يستبين الرشد برأي الامام عليه السلام، فالامام من بيت زقوا العلم زقا، و اجتباهم بأسرار خصهم بها و حباهم.

الخطاب الأدبي الشيعي في خضم تداعيات الصراع العباسي

لم يقف جهاد الشيعة في العصر العباسي الأول في حدود النضال السياسي الذي

التزمه أتباع أهل البيت عليهم السلام، بل تعدي الي المقاومة الثقافية و الفكرية. فالعباسيون بالرغم من انتسابهم الي شعار «الرضا من آل محمد» من أجل تسويق حركتهم لدي العامة، الا أنهم تحركوا باتجاه المعارضة الفكرية للمذهب العلوي الذي يتزعمه آل البيت عليهم السلام، و جعلوه منافسهم الوحيد الذي يحسب له حسابه، و بالرغم من الاعتناء بالمنحي الأدبي لهذا العصر و مباراة شعرائه في مديح الخلفاء العباسيين، الا أن حالة حذر شديد أصابت الجهد الأدبي الشيعي ابان تلك [ صفحه 127] الفترة الحرجة. فالعباسيون يرون أن منافسيهم من العلويين أوفر حظا لذي الامة، و هم يحاولون اثبات خلافتهم بما يتيح لهم قطع الطريق علي آل علي و شيعتهم من المطالبة بأحقية الخلافة، و يعملون علي نشر ثقافة الانتساب التي من شأنها أن تنقل العباسيين من أتباع الي متبوعين، بمعني أن دعوي الانتساب لأهل البيت قد أخذت مسارها في الثقافة العباسية، و استمكنت هذه الثقافة من الخطاب العباسي الذي برمجه أبوجعفر المنصور، و قدمه علي أنه الفسلفة الفكرية و الخطاب الرسمي للدولة العباسية القائمة علي التنافس للعلويين، لذا كانت سمة الخطاب العباسي يؤطره المنصور و من عقبه «بأننا أهل البيت»، أملا في أن تكون ثقافة الانتساب هذه قد أخذت محلها من قلوب العامة، الا أن ذلك لم يؤثر أثره في قناعة المسلمين، فالانتساب الحقيقي لأهل البيت عليهم السلام غير الانتساب السياسي لهم، و المسلمون كانوا يتعاطون مع هذا الخطاب بأنه الخطاب السياسي الذي لا يقوي علي الصمود أمام التحديات الحقيقة للانتساب الواقعي لآل البيت عليهم السلام.. الا أن هذا الخطاب لم يقف علي مستوي التسويق السياسي بقدر ما هو سياسة تصفية الخصوم و المنافسين، فالعلويون الأوفر حظا في التطلعات التي تحملها

العامة حيال قضية الخلافة و كونهم الأجدر في الأهلية لهذا المنصب الالهي، نجد أن العباسيين علي مستوي التأييد العام تتراجع شعبيتهم بعد ما اكتشفوا سياسة التنكيل و القتل التي استخدمها المنصور قبالة الوجود العلوي، الذي كان سببا في انجاح عملية الثورة و الانقلاب علي الحكم الاموي، علي أمل أن يكون للعلويين حظوة الحكم و مسؤولية الدولة الجديدة، أو علي أقل تقدير سيكون هناك متنفس [ صفحه 128] من شأنه أن يعطي للعلويين حرية التحرك الطبيعي ضمن النظام العام، في حين يجد المسلمون أن العلويين صاروا الأكثر اضطهادا و تنكيلا ابان خلافة العباسيين، و حسابات العامة لم توفق في ظل العنف العباسي ضد أبناء عمومتهم العلويين حينما ظنوا بأن العباسيين مؤهلين لرفع الحيف آل علي و استرداد حقوقهم و اعادة اعتبارهم المسلوب. و تتفاقم أزمة التنافس السياسي بين العباسيين و بين معارضيهم من آل علي، حتي يصل الأمر الي مصادرة الحقائق التاريخية؛ و ذلك من خلال ما بذلته الدولة العباسية من دعاوي استحقاق الخلافة و عدم مصداقية الوراثة لآل علي، و جعلت اعلامها موجها بحملته في أدبياتها العامة من أن الاستحقاق لخلافة النبي صلي الله عليه و آله هي لبني العباس دون آل علي، و أن دعاوي العلويين في الخلافة غير ثابتة، و يمكن ردها بما يتسني شعراء البلاط من تقديم الخطاب السياسي علي أساس شعري يتغني به في محافلهم الرسمية. ففي بدايات العصر العباسي يشتد الصراع حول فلسفة الخلافة، و يشعر العباسيون أن العلويين يهددون وجودهم بالشرعية التي يمتاز بها آل علي في أحقية الخلافة، و لم يجد العباسيون من اسلوب رادع لاطروحات العلويين غير الاسلوب الاستباقي في محاولة تزوير الحقائق و مصادرة تلك المبادئ

التي تعارف عليها المسلمون من كون الخليفة الشرعي بعد رسول الله صلي الله عليه و آله هو علي بن أبي طالب، في حين يعد بنوالعباس في مرتبة متأخرة من استحقاق الخلافة، و هم اليوم يتصدون لذلك و يجعلون أنفسهم الأحق و الأولي بخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله دون غيرهم، و هي محاولات تحتاج الي جهد استثنائي في تغيير مسارات المفاهيم [ صفحه 129] العامة للخلافة الاسلامية، لذا فان الجهد الأدبي كان المتقدم في مخاض هذا التثقيف العكسي الذي يتزعمه أدباء البلاط، و لعل نموذج هذا العنف الفكري في فرض اطروحة الدولة يتزعمه مروان بن أبي حفصة، الذي كانت قصيدته بمثابة الخطاب الرسمي المتشدد الذي فرض رؤي العباسيين في الخلافة بقوله: أني يكون و ليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام؟ فكان ذلك الطرح مؤثرا علي المستوي العام في المفهوم الثقافي التأسيسي لاطروحة الخلافة، مما دعا شعراء الشيعة و هم في أوج الدفاع عن عقيدتهم و حقوق أئمتهم أن يتصدوا لهذا الطرح و الأدعاء؛ لذا فان جعفر بن عفان الطائي الشاعر الكوفي المعاصر للامام جعفر الصادق عليه السلام - المتوفي سنة 150 ه - انتفض بقصيدته المعروفة للرد علي تخرصات ابن أبي حفصة، فقال: لم لا يكون و ان ذاك لكائن لبني البنات وراثة الأعمام؟ للبنت نصف كامل من ماله و العم متروك بغير سهام ما للطليق و للتراث و انما صلي الطليق مخافة الصمصام [157] . و لعل ما قاله مروان ابن أبي حفصة قد أخذ مأخذه حتي بعد عقود، فكان أئمة آل البيت عليهم السلام يزعجهم هذا التهور في قلب الحقائق، و السعي من أجل تغيير مسارات المفهوم الاسلامي في الخلافة، فالامام الرضا يستذكر هذه الحادثة فيقول

بعد أن دخل عليه جماعة فرأوه متغيرا، فسألوه عن ذلك؟ قال: بت ليلتي ساهرا متفكرا في قول مروان بن أبي حفصة، و ذكر البيت المتقدم قال: ثم نمت فاذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب و هو يقول: [ صفحه 130] أني يكون و ليس ذاك بكائن للمشركين دعائم الاسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم و العم متروك بغير سهام ما للطليق و للتراث و انما سجد الطليق مخافة الصمصام قد كان أخبرك القران بفضله فمضي القضاء به من الحكام ان ابن فاطمة المنوه باسمه حاز الوراثة عن بني الأعمام و بقي ابن نثلة واقفا مترددا يبكي و يسعده ذوو الأرحام [158] . و لم تكن دعوي العباسية بالاستحقاق الوراثي حديثة عهد في زمن الامام الصادق عليه السلام أي ايان بدايات العهد العباسي، بل أوعز أحد المحققين - و هو صاحب كتاب أدب الطف - الي أن المعني هذا لم يكن من ابتكار مروان ابن أبي حفصة، بل هو قد تسرب اليه من أحد موالي تمام بن معبد بن العباس بن عبدالمطلب، حيث كان يخاطب به الامام الحسن بن علي عليهماالسلام، فيقول له: جحدت بني العباس حق أبيهم فما كانت في الدعوي كريم العواقب متي كان أولاد البنات كوارث يحوز و يدعي والدا في المناسب [159] . و هو يعني أن هذا الخطاب العباسي كان مبكرا جدا، أي بعيد شهادة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام و في خلافة الامام الحسن بن علي عليهماالسلام، بالرغم من أن تقاربا في وجهات النظر بين العباسيين و بين آل علي - عدا ما ارتكبه عبيدالله بن العباس من [ صفحه 131] خيانته المعروفة مع الامام الحسن عليه السلام - كان موجودا، أي أن نزعة الخلاف

علي وراثة النبي و خلافته مبكرة جدا تحظي بنزعة عباسية مبيتة؛ أخذت متنفسها ابان العهد العباسي، و عند اشتداد التنافس بين البيتين. و في القرن الثالث الهجري - و هو أوج التنافس العلوي العباسي - تشتد لهجة محاولات تفيد الاستحقاق الوراثي لخلافة النبي صلي الله عليه و آله من قبل الخطاب الرسمي العباسي، و الذي يمثله بأعنف صوره الخليفة العباسي عبدالله بن المعتز، الذي أنشد قصيدته المعروفة التي ينكر من خلالها استحقاق آل البيت وراثة النبي، و أنهم هم الأقرب في هذا الاستحقاق، فقال في بعض قصيدته: ألا من لعيني و تسكابها تشكي القذا و بكاها بها ترامت بنا حادثات المنون ترامي القسي بنشابها و يا رب ألسنة كالسيوف تقطع أرقاب أصحابها و يقول فيها: و نحن ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها لكم رحم يا بني بنته ولكن بنو العم أولي بها و منها: قتلنا امية في دارها فنحن أحق بأسلابها اذا ما دنوتم تلقيتم زبونا أقرت بجلابها و هو يحاول أن يجرد العلويين من حقوقهم في الخلافة، و يفتخر في الثورة علي الامويين، و بذلك فهم - علي حد تعبيره - أحق بالاستيلاء علي الخلافة بعد الامويين. [ صفحه 132] و قد تحدثنا في بداية البحث بأن اسقاط الدولة الاموية هي مبادرة علوية و فكرة اختص بها أبوهاشم محمد بن الحنفية، و تكلمنا عن ذلك باسهاب. و محاولة عبدالله بن المعتز في تحويل الخلافة بحسب دعواه من آل علي الي آل العباس دعوي خطيرة؛ اذ تتحدث عن الخطاب الرسمي العباسي الذي التزمه هذا الشاعر الخليفة. و يبدو أن الردود علي هذه الدعوي كانت كثيرة، الا أنها مكتمة لم تر النور، و لم تستطع

البوح و الانتشار الا بعد أربعة قرون حين تصدي الشاعر صفي الدين الحلي (752 - 677 ه) من الرد علي دعوي ابن المعتز ليجاري قصيدته بقصيدة طويلة يقول فيها: ألا قل لشر عبيد الاله و طاغي قريش و كذابها و باغي العباد و باغي العناد و هاجي الكرام و مغتابها أأنت تفاخر آل النبي فتجحدها فضل أحسابها؟! بكم باهل المصطفي أم بهم فرد العداة بأوصابها أعنكم نفي الرجس أم عنهم لطهر النفوس و ألبابها أم اللهو و الخمر من دأبكم و فرط التلاوة من دابها؟ و قلت: ورثنا ثياب النبي فكم تجذبون بأهدابها؟ و عندك لا يورث الأنبياء كيف حضيتم بأثوابها؟! فكذبت نفسك في الحالتين و لم تنه نفسك عن عابها أجدك يرضي بما قلته و ما كان يوما بمرتابها و كان بصفين من حزبهم لحرب الطغاة و أحزابها؟! [ صفحه 133] الي أن يقول: و صلي مع الناس طول الحياة و حيدر في صدر محرابها فهلا تقمصها جدكم اذا كان اذ ذاك أحري بها و اذ جعل الأمر شوري لهم فهل كان من بعض أربابها؟ أخامسهم كان أم سادسا و قد جليت بين خطابها؟ و قولك أنتم بنو بنته ولكن بنو العم أولي بها بنو البنت أيضا بنو عمه و ذلك أدني لأنسابها فدع في الخلافة ذكر الخلاف فلست ذلولا لركابها و ما أنت و الفحص عن شأنها؟ و ما قمصوك بأثوابها و ما ساورتك سوي ساعة فما كنت أهلا لأسبابها و كيف يخصوك يوما بها و لم تتأدب بآدابها؟! و قلت بأنكم القاتلون اسود امية في غابها كذبت و أسرفت فيما ادعيت و لم تنه نفسك عن عابها فكم حوالتها سراة لكم فردت علي

نكص أعقابها و لولا سيوف أبي مسلم لعزت علي جهد طلابها و ذلك عبد لهم لا لكم رعي فيكم قرب أنسابها و كنتم اساري ببطن الحبوس و قد شفكم لثم أعتابها أفأخرجكم و حباكم بها و قمصكم فصل جلبابها فجازيتموه بشر الجزاء لطغوي النفوس و اعجابها فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف و جاؤوا الخلافة من بابها [ صفحه 134] هم الزاهدون هم العابدون هم الساجدون بمحرابها هم الصائمون هم القائمون هم العالمون بآدابها هم قطب ملة دين الاله و دور الرحي حول أقطابها عليك بلهوك بالغانيات و خل المعالي لأصحابها فذلك شأنك لا شأنهم و جري الجياد بأحسابها [160] . ان هذه القصيدة من القصائد المهمة التي أوضحت التطرف في الخطاب الرسمي العباسي، الذي حاول احالة مسألة الخلافة الي قضية سياسية تنافسية يراد من خلالها اقصاء المنافسين لهم؛ و ذلك في محاولة ازواء العلويين عن حقوقهم في الخلافة. كانت قصيدة صفي الدين الحلي تمثل الخطاب العقائدي للامة الاسلامية، و الذي من خلاله يحاكم ابن المعتز علي تطرفه في نفي كثير من الحقائق، و ادعاء ما لا يمكن أن يصمد أمام أدني مراجعة تاريخية. فصفي الدين الحلي يحاجج ابن المعتز بمواقف جده العباس بن عبدالمطلب الذي، رفض أن يكون طرفا في الخلافة مع وجود الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، بل سعي العباس أن يدعم موقف ابن أخيه علي بعرض المبايعة عليه، و سيكون العباس قد أكد خلافة علي عليه السلام كونه شاهدا قويا في استحقاق علي للخلافة بوصية من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا أن رفض علي لهذا العرض كان محسوبا له حسابه و هذه الطريقة من المبايعة السرية بل و الاسرية مرفوضة في مفهوم

علي عليه السلام، فهو كما أعلن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن خلافته في غديرخم أمام الملأ من المسلمين؛ فان تجديد [ صفحه 135] بيعته في الأحداث الساخنة من انعقاد السقيفة و تربص الآخرين لمنصب الخلافة أبعد عليا ان يخوض مع الخائضين في اثبات حقه بالخلافة، و أرادها اختيارية بارادة الجميع أو الأكثر علي الأقل، دون أن تتدخل الارادات الشخصية في قضية تفوق السعي الاسري أو التنافس القبائلي، و هكذا نجح علي عليه السلام في عدم الانجرار بهذه التسابقات الخاسرة، و أبقي قضية الخلافة فوق كل الاعتبارات، و كونها قضية الهية بوصية السماء. ثم يحتج الحلي بالقرب النسبي الذي جعله ابن المعتز حجه له، و أثبت أن آل علي عليه السلام هم الأقرب نسبا و حسبا، فهم أولاد بنت و أبناء عمومة، فلا يعدون الأباعد نسبة لأبناء عمومته صلي الله عليه و آله. و من الطريف أن صفي الدين الحلي يذكر ابن المعتز بأنه ليس أهلا في المحاججة بالخلافة، فهو أضعف من أن يكون مطالبا بها و هم لم يستلمها سوي ساعة اشارة الي قصة خلافته التي دامت يوما واحدا فقط، و هي أقصر مدة لخليفة عباسي يستلم الخلافة بعد المقتدر الذي ثار عليه الأتراك و نصبوا مكانه ابن المعتز الملقب بالمرتضي بالله، ثم أرجح الأتراك المقتدر في اليوم الثاني و ألقي القبض علي ابن المعتز و اودع في السجن، ثم قتل صبرا، و بذلك فان صفي الحلي يلغي عن ابن المعتز امكانية الاستحقاق لمنصب الخلافة فضلا عن امكانية الدفاع عن بني أبيه في استحقاقهم للخلافة دون آل علي عليه السلام. و القصيدة كذلك تبعد امكانية العباسيين عن استلام الخلافة لولا جهود أبي مسلم الخراساني، الذي قدم لهم امكانياته

في الوصول الي الخلافة بسبب ما كان يعتقده أبومسلم من قرب العباسيين لآل علي عليه السلام، فهو رعاية لحق العلويين - كما [ صفحه 136] عليه أكثر المؤرخين مع تحفظنا علي هذا الاتجاه، و ليس هنا محل ذكره - عمل أبومسلم علي ايصال العباسيين الي هذه الخلافة، ثم هم لم يكافئوه الا بالقتل و التنكيل، و كأن الغدر كان لهم شيمة و عادة، و الظاهر أن الحلي لم يرد بذلك الدفاع عن أبي مسلم بقدر ما أراد ادانة العباسيين في كون تصفية الخصوم بل و حتي الحلفاء لأدني خلاف. تلك هي سياسة عباسية متأصلة لا يمكن الغض عنها ضمن معطيات تعاملهم مع الخصوم السياسيين و العقائديين، و آل علي يمثلون كلا التوجهين في المخاصمة العقائدية و المنافسة السياسية مع العباسيين، فحال أبي مسلم الخراساني الحليف القوي مع العباسيين - و الذي كان سببا رئيسا في وصولهم الي الحكم - مصيره القتل لمجرد الشك في ولائه و انحراف توجهاته عنهم، فكيف بحال آل علي الأكثر تأثيرا علي العباسيين في منافساتهم و معارضتهم لهم؟! و جهد آخر يستحق الوقوف لديه، و هو ما قدمه العباس بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام - حفيد العباس بن علي شهيد كربلاء - من محاولة أدبية موفقة يستعرض فيها صلاحية العلويين، و أنهم هم مفخرة قريش، فاذا كانت لقريش مفخرة في انتساب العلويين لهم، و هو خطاب يستبطن المعارضة العنيفة للجهد العباسي الذي تزعمه أدباء البلاط في غضون عصر الرشيد العباسي الذي كان يحسب لهذا الأديب الهاشمي حسابه، و بذلك فسيكون شعره في هذا الخصوص خطابا رسميا علويا يوقف محاولات العباسيين في المفاخرة و دعوي استحقاق الخلافة، فيقول: و

قالت قريش لنا مفخر رفيع علي الناس لا ينكر [ صفحه 137] فقد صدقوا لهم فضلهم و بينهم رتب تقصر و أدناهم رحما بالنبي اذا فخروا فبه المفخر بنا الفخر منكم علي غيركم فأما علينا فلا تفخروا ففضل النبي عليكم لنا أقروا به بعدما أنكروا فان طرتم بسوي مجدنا فان جناحكم الأقصر [161] . و هي أبيات يظهر فيها أحقية العلويين و تقدمهم علي غيرهم، و أن كل فخر و حسب و نسب فهو دونهم. اذن فالخطاب الأدبي الشيعي ابان العهد العباسي الأول كان في صدد الدفاع عن مبتنيات الخلافة الاسلامية، و الحفاظ علي المفهوم المقدس لأساسيات النزاع بين فريقي المخاصمة العقائدية، و التي احيلت الي نزاع سياسي يأخذ مديات المواجهة و التصدي في بعض صوره، و الاطروحة الثقافية و الفكرية في صوره الاخري. فعرض سريع لجهود الأدباء الشيعة ابان الامام الصادق عليه السلام و ما بعده يكشف مدي رغبة الأدب الشيعي في العمل علي تأصيل اطروحة الفلسفة الامامية في الخلافة، و أن الاستحقاق الحقيقي لهذا المنصب لا يناله الا أهله، و هم أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ لذا فقد تعهد الأدب الشيعي في تلك الفترة الي تثبيت مبادئ الأهلية و الاستحقاق للوصول الي الخلافة، و ليس المدعيات السياسية التي تزعمها العباسيون و أتباعهم من شعراء البلاط. [ صفحه 138]

الكميت بن زيد مقدمة شعراء التحدي

لم ننس ما قدمه الكميت بن زيد الأسدي و هو ينافح عن مبدأ العقيدة و الدفاع عن حقوق أهل البيت عليهم السلام، و تتأتي أهمية جهوده الأدبية في كونها تحت رعاية الامام الباقر عليه السلام ابان احتدام المواجهة الفكرية بين آل البيت و بين الامويين، الذين حاولوا الاطاحة بمبتنيات الخلافة الحقه، اذ نجد أن الكميت كان يحظي بعناية

الامام الباقر عليه السلام فيوجهه و يسدده حتي في فنيات شعره. فقد روي صاعد مولي الكميت، قال: دخلنا علي أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام فأنشده الكميت: من لقلب متيم مستهام غير ما صبوة و لا أحلام؟ بل هواي الذي أجن و أبدي لبني هاشم أجل الأنام فأنصت له عليه السلام، فلما وصل الي قوله: أخلص الله هواي فما أغرق نزعا و لا تطيش سهامي قال له الباقر عليه السلام: قل: «فقد أغرق نزعا و لا تطيش سهامي». فقال: يا مولاي، أنت أشعر مني بهذا المعني [162] ، و عرض عليه مالا فلم يقبل، و قال: و الله ما قلت فيكم شيئا اريد به عرض الدنيا، و لا أقبل عليه عوضا اذا كان لله و رسوله. قال عليه السلام: «فلك ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله لحسان: لا زلت مؤيدا بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت». قال: جعلني الله فداك. ثم لم يبق من أهل البيت الا من حمل اليه شيئا فلم يقبل [ صفحه 139] منهم [163] و في رواية أنه قال: و لكن تكرمني بقميص من قمصك، فأعطاه [164] و دخل يوما علي الامام فأنشده: ذهب الذين يعاش في أكنافهم لم يبق الا شامت أو حاسد و بقي علي ظهر البسيطة واحد فهو المراد و أنت ذاك الواحد هذه هي علاقة الكميت بالامام الباقر عليه السلام، و معني ذلك: أن الكميت لا يتصرف في أدبياته الشعرية الا بتوجيه من الامام يومذاك، يوم كان الصراع الفكري مع أهل البيت عليهم السلام علي أوجه مع الامويين؛ و ذلك علي خلفية واقعة كربلاء و شهادة الامام الحسين عليه السلام. و كانت هاشمياته التي كلفته الكثير من التشرد و الترقب من الامويين

تستثير حفيظة الامويين، حتي دفعت بهشام بن عبدالملك أن يهدر دم الكميت و يلاحقه في كل مكان، و كانت الهاشميات تحديا جديا للاطروحة الاموية، و التي يقول فيها: ألا حييت عنا يا مدينا و هل ناس تقول مسلمينا الي أن يقول: لنا قمر السماء و كل نجم تشير اليه أيدي المهتدينا وجدت الله اذ أسمي نزارا و أسكنهم بمكة قاطنينا لنا جعل المكارم خالصات و للناس القفا و لنا الجبينا [ صفحه 140]

السيد الحميري راوية الفضائل

هذه هي جهود الكميت، و لم يكن السيد الحميري بأقل جهدا من الكميت، فلربما قد تضاعف جهد السيد الحميري ابان العهد العباسي أضعاف ما قدمه الكميت في عهد الامويين، و تعهد السيد الحميري أن يقدم فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام «المحظورة» و قتذاك؛ نتيجة التنافس العباسي و تحدي نظامه في الغاء ثقافة الفضائل العلوية عن ذاكرة الامة، بل محاولة مسخها الي فضائل عباسية موضوعة يتكفل بوضعها رواة البلاط، فكان السيد الحميري قد صاغ فضائل علي في ملاحم أدبية شعرية يتغني بها الناس؛ ليقطع الطريق علي الفضائل «العباسية» الموضوعة، و التي تعهدت نشرها فرق اعلام النظام العباسي، حتي أنه لم يستطع العباسيون ايقاف نشر هذه الفضائل و منع التعاطي بها بعد أن نشرها السيد الحميري علي ألسنة الناس و تناقلها رواة الشعر و نقاد الأدب. فهو ابتداء يبرر موقفه هذا من شعر التحدي في مديح أهل البيت عليهم السلام و الدفاع عن نهجهم بقوله: فيا رب اني لم ارد بالذي به مدحت عليا غير وجهك فارحم [165] . و له أيضا: و اذا الرجال توسلوا بوسيلة فوسيلتي حبي لآل محمد [166] . فهو اذن ينطلق من عقيدته الراسخة في الدفاع عن مبتنيات مذهب

أهل البيت عليهم السلام. [ صفحه 141] و لربما كان السيد الحميري يوثق مروياته الأدبية في فضائل علي عليه السلام من محدثي أهل السنة و رواتهم الموثقين ليرويها شعرا، فكان يكتب الفضائل عن سليمان بن محراث الكوفي (ت 148 ه)، و يخرج من عنده و يقول في تلك المعاني شعرا، و هو اشارة الي جهود السيد الحميري في ثوثيق فضائل آل البيت عليهم السلام في شعره، و من مصادرها المقبولة لدي «أطراف النزاع»، و هو سليمان بن مهران الكوفي الذي قبل روايته أهل السنة و الشيعة، سواء مما عد بعضهم أن شعر السيد الحميري شعرا توثيقا لفضائل علي فضلا عن كونه متحديا للنظام العباسي آنذاك.

رواة فضائل آخرين

و كان لسفيان بن مصعب العبدي الكوفي موقف في نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام، اذ كان يروي هذه المناقب عن الامام الصادق عليه السلام ليصيغها شعرا، فيقول في بعض مقطوعاته: آل النبي محمد أهل الفضائل و المناقب المرشدون من العمي و المنقذون من اللوازب الصادقون الناطقون السابقون الي الرغائب الي قوله: فهم الصراط فمستقيم فوقه ناج و ناكب صديقة خلقت لصديق شريف في المناسب أسماهما قرنا علي سطر بظل العرش راتب [ صفحه 142] كان الاله وليها و أمينه جبريل خاطب و المهر خمس الأرض موهبة تعالت في المواهب و نهابها من حمل طوبي طيبت تلك المناهب [167] . و للمفجع البصري وصف رائع لعلي بن أبي طالب عليه السلام، و كونه أشبه بالأنبياء في صفاته: أيها اللائمي لحبي عليا قم ذميما الي الجحيم خزيا أبخير الأنام عرضت لازلت مذودا عن الهدي مزويا؟ أشبه الأنبياء كهلا و زولا و فطيما و راضعا و غذيا كان في علمه كآدم اذ علم شرح الأسماء و المكنيا و

كنوح نجا من الهلك من سير في الفلك اذ علا الجوديا و له من أبيه ذي الأيد اسماعيل شبه ما كان عني خفيا [168] . الي آخر قصيدته، و الذي يريد به قوله: أن من كان شبيها بالأنبياء فهو الأحق [ صفحه 143] بوراثتهم و خلافتهم، و ليس غيره من اولئك المدعين العباسيين. و أيمن بن خزيم يشير في بعض مقطوعاته بأحقية أهل البيت عليهم السلام بقوله: نهاركم مكابدة و صوم و ليلكم صلاة و اقتراء الي قوله: أأجعلكم و أقواما سواء و بينكم و بينهم الهواء و هم أرض لأرجلكم و أنتم لأرؤسهم و أعينهم سماء [169] . و حالة التفضيل هذه بين أهل البيت عليهم السلام و بين غيرهم من أقوام يرون أنهم أحق منهم بالخلافة - و هم بنوالعباس - لون آخر من ألوان المعارضة الأدبية. خلاصة القول: و الذي نريد قوله: ان الصراع العلوي العباسي لم يقف عند حدود الحركات المسلحة التي تزعمها علويون ثوريون مثل بعضهم رؤية أئمة أهل البيت عليهم السلام، و مثل الآخر توجهاته الخاصة به، الا أنها لم تخرج عن الاعتراض علي ظلم الحاكم و تعسفه، أي أن الصراع أخذ أبعاده الاخري، و هو البعد الثقافي و الفكري، و ارتأي أئمة أهل البيت عليهم السلام أن يأخذوا بتوجهات الادباء و جهودهم الشعرية؛ لتنحي منحي المعارضة الفكرية، و لتعمل علي تطويق خروقات الطرح العباسي الذي أخذ أبعادا خطيرة، و هي التصفية الفكرية التي صاحبت التصفية الجسدية لمعارضيهم من العلويين. و التغييب الفكري لم يكن بأقل خطورة من التغييب الجسدي الذي مارسه العباسيون، و عمد أهل البيت عليهم السلام الي تطويق المدعيات الفكرية التي خاضها [ صفحه 144] العباسيون في ضمن خطابهم السياسي، و

عمل الأئمة علي تثبيت الاسس و دعائم المفاهيم الاسلامية، و ترشيد الرؤي المطروحة التي كادت أن تنقض علي ثوابت الامة، عندها لم يستطع الجهد العباسي الا أن يقف عاجزا عن امتداداته في دعاواه بالخلافة و محاولة حجبها عن أهلها، و لم يكن أهل البيت عليهم السلام يسعون في هذا الاتجاه للوصول الي الحكم بقدر ما كانوا يسعون للحفاظ علي المبتنيات و الاسس الاسلامية التي تضمن انسيابية الحقائق التاريخية التي سعي العباسيون الي تغييبها عن ذهن الامة. ان الجهد الأدبي و الفكري أوفق مع معطيات حركة أهل البيت عليهم السلام السلمية التي سعت الي الحفاظ علي الحقائق دون تحريفها علي يد السلطة العباسية، و تمتين علاقة الامة مع الحدث التاريخي الواقعي غير المحرف، و لا ننكر أن العصر العباسي عمق المنهج الأدبي في تعاطيه مع الأحداث بعد أن كان ديدن شعراء البلاط الاسترزاق علي قصائد مدح الخلفاء، و معلوم أن القصيدة لا تتجاوز مديح هذا الخليفة أو ذاك، و لابد من أن يتعرض الشاعر الي قضية محورية واحدة، و هي استحقاق العباسيين دون غيرهم الخلافة، و لازم ذلك أن غيرهم من معارضيهم - و هم العلويون - غير جديرين بالخلافة؛ مما عزز هذه الرؤية عند العامة، و كادت أن تلغي عن أذهانهم الحقائق التاريخية التي ورثتها ثقافة صراع العلويين طيلة عقود مع مناوئيهم من الحكام الامويين. من هنا نجد أن عصور الأئمة من الباقر حتي الامام الحجة عليهم السلام قد خلت من قصائد الثناء و التقريض لهم من شعراء الشيعة الذين لازموهم، بل لم نجد - عدا بعض المفردات الشعرية و بعضها في عهد الامام الباقر عليه السلام - قصيدة تثني علي هذا [ صفحه 145] الامام أو ذاك، بل

توجه الجهد الأدبي و بحضورهم الي الدفاع عن القضية الرئيسية، و هي الامامة و الخلافة الحقة و التصدي للمدعيات العباسية، في حين تقرأ في التراث الأدبي الشعري المتأخر ما ينم عن توجهات أدبية في مدح الأئمة عليهم السلام، و هو ما يجيب عن التساؤل التالي: لم لم يذكر الشعراء المعاصرون لأهل البيت عليه السلام قصائد مدح تخصهم في حين نجد أن الجهد الأدبي منصبا علي تأريخ مقطع واحد، و هو شخصية الامام علي بن أبي طالب عليه السلام و خصائصه و علاقة ذلك باستحقاق الخلافة و وصاية النبي صلي الله عليه و آله و سلم، في حين يندر الجهد الأدبي الشيعي عن مدائح أئمة أهل البيت عليهم السلام بالرغم من اختصاص بعض الشعراء بامام من أئمة أهل البيت؟ و بهذا فان القول نفسه ينطبق علي حياة الامام الجواد عليه السلام، فانك لم تجد من المديح ما يذكر من شعراء عصره عدا ما تجده من قصائد المديح لشعراء محدثين تنطوي علي مشاعر خاصة يتأثر بها الشاعر حينما يقف علي حياة الامام الجواد عليه السلام، أو ما يعزز وجدانياته الخاصة و هو يقرأ من سيرة الامام ما تجيش به شاعريته و تحتفل فيه ملكة الشعر و أحاسيس الولاء.

الامام الجواد في الأدب العربي

اشاره

هذه باقة من بعض ما وقفنا عليه من الشعر في مديح الامام الجواد عليه السلام و رثائه، تمثل تحولا جديدا في الأدب العربي؛ ليخص تأريخ الامام و حياته، منتزعا من انطباعات الشاعر و هو يتحدث عن وجدانياته و أحاسيسه عند قراءته لهذا المقطع التاريخي الخطير: [ صفحه 146]

القصيدة للعلامة الشيخ محمد علي الأردوبادي الغروي

بأي ثناء أقتفي محكم الذكر بمدح بنيك المصطفين اولي الأمر و اني و ان أفنيت فيهم مشاعري كمن شبه الطود الممنع بالذر و ان كان في الآي الكريمة ذكرهم فماذا عسي أن يقتني فيهم شعري؟! فأيام تشريق بهم كل دهرهم و عن ليلهم يحكي السنا ليلة القدر و آخر دعوانا أن الحمد كله لمن خصنا بعد الولاية بالشكر فلي من علي والحسين و صنوه ذخائر تنجيني لدي موقف الحشر و ان بزين العابدين و حبه يهون غداة الموت حشرجة الصدر ولي من ولاء الصادقين وسيلة تطيب بها في برزخي نومة القبر و فوزي في الدنيا بموسي بن جعفر و يصلح في يوم الحساب به أمري [ صفحه 147] و أرجو بمولاي الرضا كل خطوة لديه و أنجو عند مقتبل الضر و هذا أبوالهادي سيصبح جنتي متي أعوزت يوم اللقا جن النصر له جذم فيه النبوة تزدهي و آصرة تزدان في طيب النجر و نفس أناطت بالقديم حوادثا مضت قيد أمر منه أو منتهي زجر و قدسي فيض منه بث علي الدنا فآثر في الأكوان طيبا علي نشر و ان قلت في حلم فثهلان دونه و ان قلت في بأس ففي الجحفل المجر و ان قلت في عزم يدك رواسي الجبال فأرسل بالمهندة البتر و عن رأيه لوح المقادير نضدت صحائفه حيث القضاء بها يجري و يستصغر الأطواد

باذخ علمه كما استزر الدهماء بالنائل الغمر و في مبدأ الايجاد أول صادر له عنت الأشباح في عالم الذر [ صفحه 148] و قد نيطت الآفاق فيه بأنفس عليهن أضحي موئل النهي و الأمر لئن يمشي في صقع الشهود فمستوي القداسة منه شع في عالم الأمر مواليه في يوم التغابن رابح كما أن من ناواه فيه علي خسر و أرجو نجاة منه في يوم فاقتي كما طاب قبلا في مودته نجر و يا بعد ام الفضل مما أتت به لمعتصم في فعله بعري الكفر أحالت صباح الدين أسود فاحما دجنة غي من جنوح الي غدر أباجعفر أبكيت شرعة أحمد و غادرت طرف الدين أدمعه تجري و أذكيت في الأحشاء جذوة لوعة عليك فأحنيت الضلوع علي جمر [170] . [ صفحه 149]

القصيدة للعلامة الشيخ محمدرضا المظفر

حي قلبا تذيبه الحسرات انما الموت في التصابي حياة كل ما تعرف الوري عن حياة النفس في غير حبها منكرات أبهذا الخلي حسب المعني خلسة في الدجي رعتها الوشاة؟ ينثني في طلا الغرام فيصحو فيري السكر ما عليه الصحاة شت نحو الفضاء عينا علي البعد و عين الوصال فيه الشتات حيث تلك الزلفي و قد هجع الناس و مالت عليهم الغفلات حيث دار الهوي بكأس تناجيه فحطمن دونه الكاسات حيث ألقي طمر السفاسف وارتاح لقدس عنه السماء مرآة فاعتلي غبطة يطل علي الكون بحيث اطمأنت الحركات [ صفحه 150] و اختلي و الخيال بالألف لا تلهيه الا بالفه السكرات ان في ذلك التجلي تخلي النفس عما جاذبة الشهوات أنا فارقت في هوي الالف صحبي و كذا الناس في الهوي أشتات ان نفسا تعلقت فيه تكفيها ابتهاجا بذكره اللذات و حياتي فيه افتضاحي لتقفوا

الناس أثري فتكثر الأموات أيهذا الخلي حي علي الحب فهذي المناهل المترعات خل في ذلك الفضاء سبيل القلب حيث القلوب منتهلات أثري القلب يستقيم سبيلا و حنايا الضلوع منحنيات؟ انما الماء بالاناء فلا تطبع الا بظرفه الهيئات ظلمات هذي الحياة و لا مصباح الا ما أوقدته (الهداة) [ صفحه 151] عنصر للوجود كونه الله فكانت بنوره النيرات مثل النور و الزجاجة و المصباح أنتم و أنتم المشكاة أنتم النور للكليم علي الطور و أنتم لآدم الكلمات أنتم باب حطة من أتاه كان أدني ما يرتجيه النجاة و كفي مفخرا بغير ولاكم لا تتم الصلاة و الصلوات بالامام (الجواد) منكم تمسكت و حسبي من قدسه النفحات حدث قلد الامامة فانقادت لعلياء حكمه الحادثات ابن سبع و يا بنفسي قد قام اماما تجلي به الكربات ان هذا السر الخفي و ما أجلاه تجلي بنوره الظلمات لا تخل ويك و هو في المهد طفل هذبته بدرها المرضعات [ صفحه 152] هو نور من قبل أن تتجلي بسنا الحق هذه الكائنات جاء للأرض هاديا و نذيرا فتنزلن بالهنا المرسلات طاب في شهر طاعة الله مولودا فنيطت بحبه الطاعات اصطفاه الاله للخلق قواما فقامت لفضله المعجزات عن علاه قاضي القضاة فسله و لكم ضلت السبيل القضاة سله لما خانته نجواه غيا كيف دارت بجهلة الدائرات؟! زعم الغض من معاليه حتي فضحته المزاعم الفاسدات و عليه المأمون مذمر سله أتري من اماه كن البزاة؟! حين جاء البازي يحمل من حيات بحر أمواجه الزاخرات ليبين الحق الصراح و تعلو لسنا بيت (أحمد) المكرمات [ صفحه 153] ليس يلهو و ليس يلعب مذ كان و لكن لتظهر الكائنات و سل السدرة التي قد

حباها بطهور فاضت به البركات أورقت غبطة فباهت فخارا سدرة المنتهي و هذي الهبات أثمرت حين أثمرت بالجني الغض و ما فيه كالثمار النواة و سل الجعفري مذ جاء مغتما له و الرقاع مشتبهات و أباسلمة الأصم فشافاه هنيئا فهذه الخطوات معجزات تفني النجوم حسابا كيف تحصي أنوارها؟! هيهات أتراني أسطيع مدح امام نزلت في مديحه الآيات؟! ان بيتا له انثني العرش طوعا قصرت عن ثنائه الأبيات يا أباجعفر، و ما أنت الا البحر جودا له الهدي مرساة [ صفحه 154] أنا عبد قد مسني الضر وافيت و هذي بضاعتي المزجاة أتراني أعود في صفقة الخسر و أنتم للمستجير الحماة؟! صمت عن حب ما سواكم لا زكوا و كذا الصوم للأنام زكاة عذب الله امة جعجعت فيكم مقاما قامت به الكائنات قد تصابوا الي لظي غضب الجبار صبت عليهم اللعنات

القصيدة للعلامة الشيخ محمد طاهر الشيخ راضي

رضاك و كل ما أبغي رضاك فما شئت افعلي و دعي جفاك علي عيني عتابك ان عتبت اذا ما كان عتبك عن رضاك معاتبتي علي التشبيب فيها و لم أذكرك لا و علا هواك ذكرت من المها جيدا و عينا و من شجر القنا خوط الأراك فبالله انصفي هل ذاك ذنبي بعد أذاهما لم يخطئاك و قيل: من الحبيبة قلت: شمس فما انصرف الجواب الي سواك و حيتني فقلت: أشم مسكا فلامت قلت: لومي فيه فاك فديتك حين ألقاك امهليني فاني سوف يخرسني ارتباكي [ صفحه 155] كأن القلب بعدك في ظلام فان فاجأت أرمضه ضياك لو ان القرط يجذبه جمال اذا لم تشتريه لاشتراك يطل علي جنان من خلود و يهمس منك في اذني ملاك و ليس المشط في معروش فرع بسجن و

الشباك ضفيرتاك اعاوضه الفضا لو كنت طيرا و اغبنه بسجن في الشباك ملكت علي آفاقي جميعا سواء في سكوني أو حراك افكر ان لقيتك في فراق و ان فارقت أشغل في لقاك و في مدح (الجواد) أبي (علي) شغلت عن اقترابك أو نواك فيا بغداد نور الله هذا و أرضك فيه أشرف من سماك فقل لابن الرشيد: عداك رشد رميت فرد سهمك درع شاكي أتسأل عنه عن سمك و هذا الخبير فسله عن خلق السماك و شقشقة ابن أكثم لا تهيجي و ردي القهقراء الي وراك و هذا لا يلاك لديه فك و لو أن الفضاء يكون فاك و لا عجب هو الله اصطفاه و أنت الشرك خارك و اصطفاك أام الفضل ويك بأي عذر ستعتذرين في يوم التشاكي؟! تركت الدار موصدة عليه و ما في الدار من أحد سواك فعلت و ما رحمت له شبابا فهلا قد رحمت أنين شاكي و كم قطعوا له رحما و قربي و هذا القطع عن قطع (الأراك) و قتلك عن (سقيفتهم) تمشي و قبلك قتل آباك الزواكي و هب سمتك أم الفضل لكن تسبب كل ذلك عن (...) [ صفحه 156] فأي مصابكم نبكي عليه لسم أو لقتل و انتهاك يزيد علي مصائبكم (حسين) فقد رضته بالطف (المذاكي) عليه قضت امية و هو ظام فلا روي الاله غدا ظماك جنيت عليه تمثيلا و قتلا و ليت بأن ذلك قد كفاك فسقت الي دمشق نساه أسري و تلطم كل باكية و باكي

القصيدة في رثاء الامام للعلامة الشيخ قاسم محيي الدين

بكيت علي رسم درسن منازله و ناحت لفرط الوجد فيه بلابله وقفت بها و العين تنشر جفنها سحابا و قد سحت نجيعا هواطله و قد غالني الدهر

الخؤون بفادح به نسفت أطواد صبري زلازله فأصبحت ترتاد الرزايا حشاشتي و مني نجيع الدمع فاضت جداوله دهتني رزايا قد ألمت بسيد فضائله مشهودة و فواضله جواد خضم الجود أسرار كفه و لا زال تهمي البر سحا أنامله سليل الرضا سبط النبي محمد جواد الوري من لا يخيب سائله أبوجعفر مدحي علاه فريضة و ان كبرت عن مدح مثلي نوافله فبعدا لقوم لا تراعي عهوده و لم يرع فيه حق أحمد خاذله فكم جرعته الهون قسرا فلم يزل حليف شجون دمعه سح هاطله و كم ناضلته عصبة بسهامها عنادا و بغيا لا تزال تناضله فأصمت حشا الدين القويم و أنها أصابت اماما قد تعالت فضائله و ما نقموا منه سوي الفضل و العلي فظلت بفرط الجور غدرا تواصله [ صفحه 157] فأصبح رهنا للرزايا و مرتمي لنبل كفور غال بالحتف غائله فما حفظوا في قربه قرب أحمد غداة بعظم المكر قسرا تخاتله الي أن قضي بالسم ظلما مجرعا كؤوس عداء و الحتوف مناهله

القصيدة له أيضا

اذا رمت الشفاعة في المعاد فلذ بحمي محمد الجواد شفيعا للأنام و خير غوث مغيثا للوري يوم التناد به الأملاك قد شرفت و فيه سمت شاؤوا علي السبع الشداد امام لو دعي المقدور وافي لنافذ حكمه سلس القياد مناقبه الثواقب ليس تحصي بها اعترف الموالي و المعادي بأخمصه رقي أوج المعالي و طاول عرشها سامي المعاد جواد ما دعي للجود الا غددت كفاه تهمي كالغوادي فلا عجب اذا نعشوا اليه فساطع نوره للخلق هادي و من غير الجواد أبي علي شفيع الخلق في يوم المعاد فيا لهفي له كم من ملم أراع حشاه من باغ و عاد و كم من عصبة عضت

عليه بنان الغيظ من فرط العناد ألا بعدا لقوم لم يراعوا عهودكم و جدوا بالفساد فكم ساموكم حربا فسالت دمائكم كمنسكب العهاد عتوا عن أمركم و بغوا الي أن تطامنتم علي شوك القتاد [ صفحه 158] سعيدا عشت في زمن يسير أجل، و مضيت محمود الأيادي قضيت بسم أم الفضل غدرا و لم تحفظ لكم حق الوداد قضيت بظلم من ظلموك صبرا و جرعك العدا أصاب النكاد بكاك الدين مذ قوضت حزنا عليك قد اكتسي ثوب الحداد و فقدك قد أثار جوي لؤي و غادرها محالفة السهاد و أشجي قلب خير الرسل حزنا و منه الدمع منهل الغواد و أذكي في حشا الهادي علي لظي الأحزان وارية الزناد و غادر فاطم الزهراء ثكلا مجللة يرزئك في السواد و أبكي المجتبي حسنا و أقذي مصابك مذ دهي عين الرشاد و أبكي خير مقتول صريع بكته الأرض مع سبع شداد

القصيدة للعلامة الشيخ محمدحسين الاصفهاني الغروي

سبحان من جاد علي الذوات بمقتضي الأسماء و الصفات فقد تجلي باسمه الجواد في مصدر الخيرات و الأيادي في عنصر النبوة الختمية بصورة الولاية العلية حقيقة الأمانة المعروضة رقيقة الديانة المفروضة صحيفة المكارم الجميلة لطيفة المعارف الجليلة سر النبي خاتم النبوة في العلم و الحكمة و المروة و مهجة المخصوص بالاخوة في الحلم و الاباء و الفتوة سليل ياسين و سبط طاها فقد تعالي شرفا وجاها [ صفحه 159] سلالة الخليل في وفائه و صفوة الصفي في صفائه ساحل جوده هو الجودي به نجي ربنا نجي بل هو للكليم تاج رأسه في بطشه و في شديد بأسه بل هو روح الروح في ابن مريم و هو من الكلام ام الكلم و حشمة الله رهين نعمته في ملكه و

علمه و حكمته و لا تري في الأنبياء مكرمة الا و فيه كل معني الكلمة و وجهه مصباح نور النور طلعته منصة الظهور و نور وجهه كنور الباري يذهب بالألباب و الأبصار غرته بارقة الكمال شارقة الجلال و الجمال و عينه في عالم التكوين انسان عين الحق و اليقين و قلبه عرش مليك المعرفة بل عرش من لا اسم له و لا صفه و صدره خزانة الغيوب في سره مسرة القلوب لسانه شريعة الأحكام لا بل لسان الوحي و الالهام لسانه ينطق لا عن الهوي فانه من الشديد في القوي يمثل النبي في منطقه فان هذا النور من مشرقه كأنه اريد ذاك المنطق هذا كتابنا عليكم ينطق كلامه ام جوامع الكلم و منه سر الكل في الكل علم كلامه هو الكتاب الناطق آياته الغر هي الحقائق حقيقة السبع المثاني ذاته و الكلمات كلها آياته سر علي في علو المنزلة فهو اذا نقطة باء البسملة [ صفحه 160] و ليس عاليات الأحرف الا رموز سر سره الخفي و له رحمه الله أيضا: و جوده مصباح أنوار الهدي و جوده مفتاح أبواب الندي دليل أهل الأرض و السماء بل سره معلم الأسماء هو الجواد لا الي نهاية و جوده غاية كل غاية هو الجواد بالوجود الساري و جوده مظهر جود الباري هو الجواد المحض لا لغاية فانه المبدأ و النهاية و كل ما في الكون فيض جوده و الجود كالذاتي في وجوده و من بديع جوده الابداع فانه لأمره مطاع فالمبدعات من معالي هممه و الكائنات نبذة من كرمه و جنة النعيم من نعمائه و كيف و الجواد من أسمائه؟! هو الجواد بالعلوم و الحكم بل كل

ما في الكون يسطر القلم له يد المعروف بالمعارف فانها قرة عين العارف بل يده البيضا تعالت عن صفة اذ هي بيضاء سماء المعرفة و هي يد الجواد بالافاضة أكرم بهذه اليد الفياضة و باب أبواب المراد بابه و الحرز من كل البلا حجابه كهف الوري و غوث كل ملتجي في الضيق و الشدة باب الفرج و كعبة البيت لكل ناسك و قبلة الضراح للملائك معتكف للتاليات ذكرا مختلف المدبرات أمرا [ صفحه 161] و هو مدار الفلك الدوار و مركز الثابت و السيار و الحجب السبعة سر بابه و الحضرات الخمس في قبابه و العرش كرسي بباب داره و مستوي الرحمة في جواره كيف و باب الجود للجواد و اسم الجواد مبدأ الايجاد و كم لأرباب العقول المرسله باب من الخير و باب الجود له كل المعالي في أئمة الوري هو الجواد أولا و آخرا و كلهم أسماء حسني الباري و الجود مبدأ الوجود الساري و كلهم جواهر الكنز الخفي و اسم الجواد مبدأ التعرف و كل اسم مبدأ العناية و اسم الجواد مبدأ و غاية من جاد ساد فله السيادة في ملكوت الغيب و الشهادة و المكرمات كلها في الجود أكرم به من خلق محمود عين الرضا لابد منه فيه فهو اذا سر الرضا أبيه بل هو كالكاظم في مراتبه فان كظم الغيظ جود صاحبه يمثل الصادق فيما وعدا اذ صادق الوعد جوادا بدا يمثل الباقر في المكارم فان نشر العلم جود العالم يمثل السجاد في فضائله فان بذل الجود جود باذله و ليس كالشهيد من جواد بالنفس و الأموال و الأولاد و من كعمه الزكي المجتبي فانه الكريم من آل العبا بل

حلمه من جوده العظيم فلا أحق منه بالتكريم هو الجواد صفوة الأجواد و نخبة الوجود و الايجاد [ صفحه 162] يمثل المبدأ جودا جوده و المثل الأعلي له وجوده كل مبادي الجود و الايجاد لا تنتهي الا الي الجواد كأن ماء الحيوان جوده حياة كل ممكن وجوده و ليس في الأيدي يد الأيادي علي الوري الا يد الجواد و لا يد المعروف الا يده فهو لكل مصدر مورده هو الجواد لا جواد غيره لا خير في الوجود الا خيره و جاد بالتكوين و التشريع بمقتضي مقامه المنيع حتي اذا لم تبق منه باقية جاد بأنفس النفوس الراقية جاد بنفسه سميما ضاميا نال من الجود مقاما ساميا و العروة الوثقي التي لا تنفصم تقطعت ظلما بسم المعتصم قضي شهيدا و هو في شبابه دس اليه السم في شرابه أفطر عن صيامه بالسم فانفطرت منه سماء العلم و انشقت السماء بالبكاء علي عماد الأرض و السماء و انطمست نجومها حيث خبا بدر المعالي شرفا و منصبا و انتشرت كواكب السعود علي نظام عالم الوجود و كادت الأرض له تميد بأهلها اذ فقد العميد قضي بعيد الدار عن بلاده و عن عياله و عن أولاده تبكي علي غربته الأملاك تنوح في صريرها الأفلاك تبكيه حزنا أعين النجوم تلعن قاتليه بالرجوم و ناحت العقول و الأرواح بل ناحت الأظلال و الأشباح [ صفحه 163] صبت عليه أدمع المعالي هدت له أطوادها العوالي بكت لربانيها العلوم ناحت علي حافظها الرسوم قضي شهيدا و بكاه الجود كأنه بنفسه يجود يبكي علي مصابه محرابه كأنه أصابه مصابه تبكي الليالي البيض بالضراعة سودا الي يوم قيام الساعة تعسا و بؤسا لابنة المأمون من

غدرها لحقدها المكنون فانها سر أبيها الغادر مشتقة من أسوء المصادر قد نال منها من عظائم المحن ما ليس ينسي ذكره مدي الزمن فكم سعت الي أبيها الخائن به لما فيها من الضغائن حتي اذا تم لها الشقاء أتت بما اسود به الفضاء سمته غيلة بأمر المعتصم و الحقد داء هو يعمي و يصم ويل لها مما جنت يداها و في شقاها تبعت أباها و لا تحننت علي شبابه و لا تعطفت علي اغترابه تبت يداها و يدا أبيها مصيبة عز العزاء فيها

القصيدة للعلامة الشيخ جعفر النقدي

لكم غزلي و مدحي في امامي أبي الهادي (محمد الجواد) هو البر التقي، حمي البرايا و غيث المجتدي، غوث المنادي امام أوجب الباري ولاه و طاعته علي كل العباد دليل بني الهداية خير داع الي رب السماء و خير هادي [ صفحه 164] امام هدي مقام علاه أضحت به الأملاك رائحة غوادي تقبل منه أرضا قد أنافت برفعتها علي السبع الشداد من الغر الاولي فيهم تجلت لرواد الهدي سنن الرشاد و من في فضلهم طوعا و كرها فد اعترف الموالي و المعادي بهم كتب السما نطقت و كم من حديث جاء من أهل السداد و قبل وجودهم قد كان يدعو بهم قس بن ساعدة الأيادي تخدت ولاءهم دينا لأني رأيت ولاءهم خير العتاد و هم حصني اذا ما ناب خطب و هم مغني انتجاعي و ارتيادي و منهم نعمتي و هم رجائي و هم ذخري الطريف مع التلاد اذا ما سدت الأبواب فاقصد (جواد) بني الهدي باب المراد تري بابا به الحاجات تقضي و منتجعا خصيب المستراد و مولي فيه تلتجئ البرايا لدي الجلي و في السنة الجماد لطلاب الحوائج من

نداه تزاحمت العوائد و البوادي علي وفاده كالغيث تهمي يداه مدي الزمان بلا نفاد بحار علومه علم البرايا لدي زخارها شبه الثماد رأي دين المهيمن منه شهما كريم الذب عنه و الذياد فكان بظله في خير أمن به لم يخش غائلة الأعادي و كم ظهرت له من معجزات رآهن الحواضر و البوادي و ما ارتدعوا بنوالعباس عما قلوبهم حوته من عناد فساموه الأذي حسدا ببغي لهم قد فاق شرا بغي عاد [ صفحه 165] و دس لقتله سما ذعافا زنيم ليس يؤمن بالمعاد فأغضب ربه فيما جناه و أرضي (أحمد بن أبي دؤاد) و بات الطهر و الأحشاء منه بها نار الأسي ذات اتقاد كأن فؤاده و السم فيه تقطعه ظبي بيض حداد تقلبه الشجون علي بساط من الأسقام دامي القلب صادي ءام الفضل لا قدست روحا و لا وفقت يا بنت الفساد حكيت (جعيدة) في سوء فعل فخصمك أحمد يوم التناد أمثل (ابن الرضا) يبقي ثلاثا رهين الدار في كرب الشداد و يقضي فوق سطح الدار فردا و أنت من الغواية في تمادي أفتيان العلي من آل فهر و أبطال الوغي يوم الجلاد و أبناء المواضي و العوالي و فرسان المطهمة الجياد هلموا بالمسومة المذاكي لدرك الثأر ضابحة عوادي عليها كل مغوار جسور يزين حسامه طول النجاد فان دماءكم ضاعت جبارا لدي الطلقاء من باغ و عادي و فعل (بني نثيلة) فاق شرا فعال امية و بني زياد سقي الزوراء غيث مستمر و عاهد أرضها صوب العهاد ربا أرجائها أعلي مقاما و أزهي من ربا ذات العماد بقبر ابن الرضا و أبيه حق لها لو فاخرت كل البلاد هما كهف النجاة لمن رمته لياليه بداهية تآد كريما محتد

من كان مثلي يؤدهما فمن كرم الولاد [ صفحه 166] فما زالت قبورهما قصورا مشيدة رفيعات العماد و ما برحت وجوه بني البغايا بأقلامي يسودها مدادي [171] .

القصيدة للحاج محسن المظفر

(باب المراد) و لا كصدرك اذ تؤم في حاجة رحب اليه الجم ضم و بحسب آمال تزم لغاية ان (الجواد) محط آمال تزم هو للذي وهب الهداية بابه بالرغم ممن بات يختبط الظلم باب له في الآي أي مفاتح فتح الاله بها الهدي و بها ختم رهط المباهلة الجليلة رهطه أدريت من بهم المباهل قد خصم؟ أجر الرسالة ودهم و كفي به أما يراع الفخر مفخرة رقم ينحط عن تطهيرهم في آية التطهير حتي الفضل ينتعل القمم [ صفحه 167] ملك بأمر الله (جل) متوج ان كان تاج سواه تعقده الامم وقف علي أمر المهيمن أمره و ببعض ما عنه نهي ما كان هم متجرد لله جرد عزمه لرضاه مذ هزء جميعا بالسأم ذو طلعة بهر النواظر حسنها متطلعات للضياء عليه نم ذو نشأة أعيي التفكر كهنها سبحان من أنشأه من علق و دم غذاه در العلم قبل فصاله فنما كما ينمو و بالعلم انفطم أجري اليه العلم بالقلم الذي يجري علي اللوح المعلم بالقلم تعنو الشيوخ الي الصبي متي استوي في الدست يشرع الحكومة و الحكم و بحضرة المأمون أفحم سائل للامتحان أتي فعاد مخيط فم قد أخرس (ابن أكثم) فانثني يومي لمن حضروا بأن (العلم) جم [ صفحه 168] أو ما سمعتم ما سمعت؟ فدونكم ثمر الجناية فاجتنبوا نكبا و هم يليانكم ما دمتم لم تقطفوا من ينعها غير التحسر و الندم هلا اقتديتم بالاولي في الآل قد بذلوا ليخفوا فضلهم أقصي الهمم نحلوا العيون

تمد للأعيان و الآ ذان ترهف للصدي صدا و صم ضربوا الستور حيالهم كي يحجبوا منهم عن البصر الحديد بدور تم و أبيتم الا انتدابي ضلة للندب كم خصم بحجته انخضم فلكم تبصر ذو عمي فيما له فبهتموا كم غافل و لكم و كم أعلنتم السر الذي كتموا كما قاضي قضاتكم الحقيقة قد كتم فجري بمجري الجهل سابق علمه بمصيره متعثرا حتي ارتطم هوذا مفاد (اشارة) سبقت لهم لتنوب عن فهمه الذي الحجر التقم [ صفحه 169] نكروه و هي بحالها قد فسرت من هيأة (المندوب) ما كان (ابنهم) ثم انبري (ذو التاج) ثمة قائلا و الكل تحسب من وجوم كالصنم لكأن طيرا قد علا تلك الرؤوس فمن بحضرته سوي (المولي) و جم و خطابه للرهط لاموه بمن بأبيه قبل ملامهم فيه ألم يالائمي و عذركم من جهلكم فيما علمت فلو علمتم لم ألم جاريتكم كي تفهموا من أمره ما غم بعد عليكم و خلاه ذم هذا ابن ورثت نبوة العلم غير مدافعين فما لنا و لمن ظلم ورثوه منه حيث كان نصيبهم مهما الخلاف من الخلا لهم حرم خلق الخلاف حديث (لا) و جميعهم ترك المهم مع الخلاف الي الأهم فرضوا الحديث مخالفا للذكر اذ في الارث مفترضا لمثلهم حكم [ صفحه 170] هذا سليمان النبي و مثله يحيي وارثهما من (العلم) الأعم ما يصنع التأويل و العرب الاولي تركو الفصيح الي رطانات العجم؟! في ظاهر اللفظ الذي هو حجة عند الخصام لمن لحمكه احتكم دعوي أبيها (الزوج) قوم قيلها و سكوت عم الجد فريته دعم و لئن زوي ميراثهم فبحسبهم علم زواه الله عن (زوج و عم) علم له حتي المعاند مذعن فمقالكم

(أمهله...) سم في دسم فهنا لكم مرقت من الأكم العيون فأبصرت شبحا تستر بالأكم ماذا يريد ترون و هو محاضر في علمه بالنبش عن تلك الرمم؟ همسا لبعضهم ألا فلتقنطوا (فابن الرضا) لولاية العهد استلم يا للمفاجأة البغيضة أنه فيها أعاد اللحم منا للوضم [ صفحه 171] هانه للابن بعد أبيه قد أعطي زمام الأمر أقحم أم خرم بنياهم في مثل ذلك و كلهم مما أطار اللب ينفخ في حمم و اذا المحاضر عند فصل خطابه يصل الحديث بما عليه قد عزم فتراه يقبل بالحديث علي الذي من أجله شمل الحضور قد التأم يابن الرضا و بك الرضا أعرض فديتك و ابنتي زوجت منك رضيت أم؟ فاذا تألق نجم سعدي طالعا و قبلت (ام الفضل) زوجا قل: نعم و اخطب لنفسك حيث شئت فمهرها مهما غلا مني فلا يعلوك هم فأجابه المولي بما انبسطت له نفس الأمير كمن تنفس عنه غم و لقد تحول حيث هيي ء كلما أوحي به لأمينه نحو الخدم فبدوركم يا غلمتي هيا اقبلوا بنثاركم فالطيب فالعقد انتظم [ صفحه 172] هيا انثروا في الحاضرين و عطروا فالبشر كل الكائنات أراه عم شكرا لذي نعم أراني ضوؤها عند اقتران (النيرين) مدي النعم فاذا الندي و نده الفياح قد ملأ الفضا مترنح من خمر شم و اذا البلاط و كل شي ء ضاحك حتي (الرقاع) كثغر حسناء ابتسم و الرشد وقع بابتهاج مشعرا بسروره الهادين في بر و يم رقصت قلوب المهتدين لضربه بنياطها لا الضرب في أوتار بم انشودة الأفراح لحنها الوفاء بثاني (العهدين) في أشهي رنم جاري الموقع صوته فكأنما مزمار (داوود) أعارهما النغم و الكون يرفل في مطارف غبطة خيطت بهدب العين

لا بذوات سم بل كل ما في الكون تحسب من هوي في العرس أفنانا تنسمت النسم [ صفحه 173] عرس تحاماه الخيال فلم يطق تصويره للمعجمين بما رسم عرس توهمه الجميع سعادة لشتيتهم شعث الجميع بها يلم عرس به الدنيا تزف و ضيئة للدين من أنواره البدر استتم بغداد لم تشهد، و كم شهدت من الأعراس كالعرس العبوس له بسم بغداد و هي بعصرها الذهبي لم تر مثله نثر الفرائد قد نظم لكنني لنتيجة حصلت له أدعو و ان عجلت و من يدعو عتم يا ويح ذاك العرس ينقصه الهنا يا ليت لو تعطي المني ما كان تم فلقد جني مرا و أعقب لوعة منحا الشجي حلقي و قلبي للضرم يا ويح أم الفضل غادر سمها انسان عين الفضل ثم صريع سم يا ويحها خبثت فغادر فضلها أما تبنت بعده الغدر الأذم [ صفحه 174] غدرت بأرعي العالمين لعهده راعت بفعل الشرر رغبة شر عم تركته منفردا يجود بنفسه في الدار بارحها القطين خلا الألم تركته يلتمس الممرض لم يجد فيها سوي سقم يمرض ذا سقم الله من فعل القضاء بمرتجي لدفاعه و لحله اما انبرم ذو الوجه عندالله يصبح وجهه يا للأسي كالآس غصنه الشيم

القصيدة للشيخ محمدجواد قسام

بكم آل بيت الله يستدفع الضر و في فضلكم قد صرح الوحي و الذكر فأنتم هداة الخلق للحق و الهدي و فيكم و منكم لا لغيركم الفخر تشيد هذا الدين في سيف جدكم و لولاه لم يخضع لتصديقه الكفر فما أسلموا الا لحقن دمائهم و لما التقي الجمعان في (أحد) فروا [ صفحه 175] و جاهدتم في الله حق جهاده فبان له في بذل جهدكم النصر و أنتم

رعاة الناس حقا و حبكم من الله فرض كيف يعصي لكم أمر؟! صبرتم علي جور الطغاة و انما سلاح رجال المصلحين هو الصبر عزيز علي الاسلام ما حل فيكم من الضيم ما يشجي لسامعه الذكر فبين قتيل بالطفوف معفر توزع في أحشائه البيض و السمر و بين عليل بالقيود مصفد يري حرما في الأسر سائقها زجر و لهفي لكم بالسيف بعض و بعضكم بسم قضي هذا لعمري هو الجور و ان أنس لا أنسي (الجواد محمدا) (أباجعفر) من فيض أنمله بحر معاجزه كالنجم لاحت منيرة فليس لها نكر و ليس لها حصر أقر بها الحساد بالرغم منهم فسل عنه (يحيي) حين حل به الحصر [ صفحه 176] لقد أشخصوه عن مدينة جده لبغداد قهرا عندما دبر الأمر و دسوا له سما علي يد زوجة بها من أبيها كامن ذلك الغدر فظل يعاني السم في الدار وحده ثلاثة أيام أما علمت فهر؟! قضي فوق سطح الدار و الطير فوقه تظلله كيلا يؤلمه الحر ولكن علي وجه الصعيد مجردا بقي جده ثاو و أكفانه العفر

المثوي الطاهر في ذمة التاريخ

و يشمخ المرقد الطاهر للامام الجواد بجوار جده موسي بن جعفر رغم عادية الزمن و عواصف الأهواء، و تتداعي مؤامرات الأعداء كلما تشهق منائر المجد سموا، و تخلد عمائر الولاء كلما تداعت محاولات الاعداء.. و هكذا تحكي عمارة المرقد الشريف للامام الجواد و جده موسي تاريخ معاناة الامة و محنة الامامة: 1- كانت عمارة المرقد لا تتعدي عن قبر يضم رفاة الامامين عليهماالسلام في مقابر قريش يرتاده شيعته علي خوف و وجل خشية اولئك الذين يراقبون شيعة الامام و يمنعونهم من مزاولة حقوقهم في تجديد العهد للامامين عليهماالسلام. [ صفحه 177]

2- و تعمر البقعة المباركة بالدور المحيطة بالمرقد الشريف و تزداد أعداد الزائرين المرتادين للبقعة المباركة أيام الديالمة. 3- سنة 336 ه يجدد معز الدولة أحمد بن بويه عمارة ضريحي الامامين، و يأمر بتعيين الخدم و الجند لتأمين خدمات المرقد و ما تحتاجه جماهير الزائرين المحتشدة في البقعة المباركة. 4- سنة 369 ه يعمر عضد الدولة البويهي المشهد الطاهر بعمارة جديدة. 5- سنة 443 ه تقع الفتنة التي أدت الي حرق المرقد الشريف و محاولة الرعاع حفر القبر الطاهر و نقل الجثمانين الشريفين الي مقبره أحمد بن حنبل لكن شاء الله تعالي أن يحفظ هذا الصرح العظيم لقوله تعالي: (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه) فلم يأذن في خرابها، بل أذن في أن تبقي خالدة بخلود الايمان، شامخة بشموخ المجد و الولاء. 6- في سنة 446 ه جدد المرقد الطاهر بعد الفتنة في بغداد. 7- في سنة 490 ه عمارة أبوالفضل الأسعد بن موسي القمي أحد الوزراء السلجوقين. 8- سنة 517 ه تعرض الغوغاء الي المرقد الطاهر محاولة منهم لهدمه و حرقه و ذلك أيام المسترشد بالله العباسي، فعاثوا في الأرض الفساد و عمدوا الي نهب المرقد و سرقة ما فيه من النفائس. 9- سنة 575 ه كانت عمارة الناصر العباسي فقام ببناء المرقد الشريف و تعميره و تزيين الصندوق و بناء المآذن و توسعة الصحن الشريف و بناء حجراته. 10- تعرض المرقد الطاهر الي حريق في أيام الظاهر بأمر الله العباسي [ صفحه 178] فاحترقت الأثاث و الكتب. 11- في سنة 966 ه كانت عمارة الشاه اسماعيل الصفوي فجدد المشهد الطاهر و بني القبتين الشريفتين. 12- في سنة 1047 ه

نهب جنود العثمانية المرقد الطاهر بعد دخول السلطان العثماني مراد الرابع الي بغداد و سرقوا نفائس الحرم الشريف و نهب قناديل الذهب و الفضة. 13- سنة 1211 ه كانت عمارة الشاه القاجاري محمد شاه بتهذيب القبتين و المنائر و الايوان الصغير. 14- و في سنة 1287 ه عمارة السلطان ناصرالدين شاه و أمر بنصب الضريح الفضي علي الضريح الفولاذي. 15- و في سنة 1293 ه قام فرهاد ميرزا عم ناصرالدين شاه ببناء الصحن الشريف و تجديد عمارته. 16- و في سنة 1425 ه جدد الضريح الطاهر الذي أوعز ببنائه المرجع الديني الأعلي آية الله السيد أبوالقاسم الموسوي الخوئي و أشرف علي انجازه جمع من الفضلاء في الحوزة العلمية في قم و كان لجهد السيد جلال فقيه ايماني و ولده حجة الاسلام السيد محمد جلال فقيه ايماني الاثر البارز في انجاز هذا الضريح الرائع. و قد كلفت بنظم قصيدة كتب بعضها علي الضريح الطاهر و هي: يا جواد الآل يا نعم الجواد يا سمي المصطفي خير العباد يا ابن موسي الرضا ضاق الفؤاد قد أنخت الركب في باب المراد و سعيت اليوم أرجو حاجتي [ صفحه 179] حاجتي تقضي فما خاب الوفاد مسني الضر فلا أملك زاد و فزعت لائذا في خير واد قد رجوت الفوز في يوم المعاد ببني الزهرا ضمنت عدتي عدتي في الحشر حب المرتضي و لطهر و زكي و شهيد قد مضي و أبي الباقر و ابنيه و موسي و الرضا و تقي و نقيين و مهدي قضي محكم الذكر فهاكم حجتي حجتي في كل حين لائحه لهوي الآل شجوني واضحه و أتيت بذنوب فادحه و سعيت بدموع سائحه زائرا موسي لتجلي كربتي

كربتي تجلي بموسي الكاظم قد تمسكت بحبل دائم و توجهت بقول عاصم ما رواه عالم عن عالم قد خلفت الثقل فيكم عترتي عترتي تنجي من نار الحريق يوم يمتاز فريق عن فريق و اعتصمت بحمي ركن وثيق يوم لا يغني رفيق عن رفيق بسلام ادخلوها جنتي «قبر موسي و ابنه من جنتي» السيد محمدعلي الحلو

پاورقي

[1] عصر المأمون، لأحمد فريد رفاعي: 83.

[2] الظاهر: منا أهل البيت، و هي اللغة التي خاطب بها العباسيون رعيتهم و أنصارهم، و دعوي أنهم هم أهل البيت دعوي تتركز فيها حالة العداء و التنافس لأهل بيت النبي من آل علي صلوات الله عليهم؛ لذا حاول العباسيون أن يسوقوا فكرة انتسابهم لآل البيت لعقدة النسب التي كان يعاني منها بنوالعباس، فضلا عن شعورهم بمنافسة آل علي بنسبهم التليد هذا، و الذي يأخذ مأخذه من قلوب المسلمين فينزلونهم بمنزلتهم العظيمة، في حين يبقي العباسي يعاني من عقدة هذا الشعور، فهو يحاول أن يعزز فكرة الانتساب هذا بطرق عدة ليقطع الطريق علي المعارضة العلوية التي تطالبه - علي الأقل - بشرف الانتساب للنبي و كونهم سلالته و ذريته، فضلا عن تعزيز فكرة أن آية التطهير تشمل حتي العباسيين؛ لأنهم من آل البيت المقصودين في الآية (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) الأحزاب: 33. فهم مشمولون بالعصمة، و معني ذلك: أنهم منزهون عن ارتكاب القبائح، و كل ما يفعله العباسي يدخل في نطاق العصمة، و لا يعد خرقا للمحذور الشرعي.

[3] عصر المأمون، أحمد فريد رفاعي: 84.

[4] الكافي، 1 / 321، ح 7 قطعة.

[5] انظر هامش اكمال الدين، ص 93.

[6] انظر الأخبار الطوال للدينوري: 399.

[7] يعني بذلك: بني العباس دون

آل علي، فان العلويين ليس لهم شأن في الرغبة عن هذا و تقديم ذاك فيما يخص خلفاء بني العباس، الذين لم يشاركوهم في الأمر، و لم يقرؤا لهم بشي ء.

[8] مروج الذهب 3 : 386.

[9] المحتد: الأصل و الطبع و المقام و المنزلة و الخالص من كل شي ء. لسان العرب 3 : 40 (مادة: حتد). [

[10] الحجرات: 13.

[11] الكامل في التاريخ، 6 / 438. عصر المأمون لأحمد فريد رفاعي: 368.

[12] عصر المأمون: 369 لأحمد فريد رفاعي عن تاريخ بغداد.

[13] عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق 2 : 151.

[14] من العجيب أن يصف الكاتب حلول الاغتيال بأنها حلول ناعمة لطيفة، و الا فمن القبيح أن تكون المعارضة أو الاختلاف في الرؤي سببا للتصفيات الجسدية، بل و حتي الفكرية كذلك.

[15] و هذا تعليل أعجب، اذ يستحسن الكاتب مثل هذه الحلول اللاأخلاقية و يسوغها بأنها لمصلحة الدولة، فأي دولة هذه تقوم علي تصفيات الخصوم و صراع الارادات، ثم هي بعد ذلك تسوقها بأنها لمصلحة عقلانية؟!.

[16] هذا ما حاوله بعضهم أن يشوهوا الحقائق و يدعوا أن الامام الرضا عليه السلام قد مات من تناول كمية كبيرة من العنب؛ ليحاولوا أن يبعدوا شبهة قتل المأمون له، و لم نعهد من قبل أن أحدا مات من كثرة أكل العنب، بل ثبت علميا بأن العنب من المواد التي يتقبلها الجسم دون أية مضاعفات صحية، كثر ذلك أو قل، الا أن المؤرخين يشاركون الحاكم في جريمة قتل الخصوم بتبريرات يفتعلونها لا تطرأ علي بال حتي منفذ الجريمة نفسه.

[17] تاريخ عصر الخلافة العباسية، ليوسف العشر: 90 و ما بعدها.

[18] تاريخ التمدن الاسلامي 4 : 44.

[19] التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية 3 : 107.

[20] مقاتل الطالبيين: 454.

[21] الآداب السلطانية.

[22]

مقاتل الطالبيين: 500.

[23] المصدر السابق. 499.

[24] التوبة: 32.

[25] فروع الكافي: 6 / 361، باب الموز.

[26] مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 388.

[27] الامام محمد الجواد سيرة و تاريخ، عدنان الحسيني: 16.

[28] معجم رجال الحديث: 4 / 144، ت 1548، و فيه في نسخة: (القبسي).

[29] كشف الغمه: 2 / 874.

[30] مريم: 12.

[31] مريم: 34 - 29.

[32] اصول الكافي: 1 / 322، ح 13.

[33] الفصول المهمة لابن الصباغ: 261.

[34] رجال الكشي: نقله عنه معجم رجال الخوئي: 2 / 316، ضمن / 7979.

[35] الكافي: 1 / 322، ح 12.

[36] اصول الكافي: 1 / 323، ضمن ح 14.

[37] كشف الغمة للأربلي: 2 / 1006.

[38] سورة البقرة: آية 258.

[39] فرائد السمطين: 2 / 319.

[40] ابراهيم: 27.

[41] الغيبة للشيخ الطوسي: 25 - 24، و البحار: 50 / 19، ح 4.

[42] كشف الغمة للأربلي: 2 / 865.

[43] الغيبة للشيخ الطوسي: 48.

[44] البحار: 50 / 34، ح 19. عن رجال الكشي: ص 596 / 1044.

[45] البحار: 50 / 35، ح 21.

[46] مريم: 12.

[47] مريم: 30.

[48] مقاتل الطالبيين: 453.

[49] المجدي في أنساب الطالبيين: 295.

[50] راجع تاريخ الطبري: 7 / 184.

[51] تاريخ الطبري: 149.

[52] المسور و المسورة: متكا من أدم، و جمعها المساور. لسان العرب: 6 / 428 (مادة: سور).

[53] النور: 32.

[54] البحار: 50 / 79 - 74.

[55] مناقب آل الرسول للنجف آبادي: ص 209.

[56] كشف الغمة: 2 / 867.

[57] كشف الغمة: 2 / 870 - 869.

[58] ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه هكذا عن ابن عمر، قال: كنت عند النبي صلي الله عليه و آله و عنده أبوبكر الصديق، عليه عباءة قد خلها علي صدره بخلال، فنزل عليه جبريل فقال: مالي أري أبابكر عليه عباءة قد

خلها علي صدره بخلال؟ قال: أنفق ماله علي قبل الفتح. قال: فأقرئه عن الله السلام و قل له: يقول لك ربك: يا أبابكر، أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ قال: فالتفت النبي صلي الله عليه و آله الي أبي بكر، فقال: يا أبابكر هذا جبريل يقرئك عن الله السلام، و يقول لك: أراض عني في فقرك هذا أم ساخط؟ قال: فبكي أبوبكر، و قال: أعلي ربي أسخط؟! أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 2 / 6، و العجيب أن الخطيب سكت عما رواه مما يدل علي ارتضائه لهذه الأعاجيب.

[59] ق: 16.

[60] الأحزاب: 7.

[61] الحج: 75.

[62] الأنفال: 33.

[63] الاحتجاج للطبرسي: 2 / 480 - 477، ح 323، و عنه البحار: 50 / 80، ح 6.

[64] الاحتجاج للطبرسي 2 / 467، ح 321 - عنه البحار: 4 / 153، ح 1.

[65] الاخلاص: 1.

[66] العنكبوت: 61.

[67] الأنعام: 103.

[68] الاحتجاج 2 / 465، عنه البحار: 4 / 39، ح 17.

[69] التوحيد: ص 103، ح 6، عنه البحار: 3 / 266، ح 22.

[70] التوحيد: ص 104، عنه البحار: 3 / 260، ح 29، الاحتجاج: 2 / 466، ح 320.

[71] البقرة: 148.

[72] الاحتجاج: 2 / 481، ح 324، اكمال الدين: 2 / 377، ح 2، ب 36، عنه البحار: 52 / 283، ح 10.

[73] أمالي الطوسي: ص 136، ح 33، كشف الغمة: 2 / 859.

[74] أمالي الطوسي: ص 84، ح 33.

[75] أعيان الشيعة: 2 / 35.

[76] اعيان الشيعه: 2 / 35، كشف الغمة: 2 / 859.

[77] اعيان الشيعة: 2 / 35، كشف الغمة: 2 / 859.

[78] اعيان الشيعة: 2 / 35،

كشف الغمة: 2 / 859.

[79] كشف الغمة: 2 / 860، اعيان الشيعة: 2 / 35، الفصول المهمة: 2 / 1052.

[80] كشف الغمة: 2 / 860، الفصول المهمة: 2 / 1053.

[81] المصدر السابق.

[82] كشف الغمة: 2 / 860، الفصول المهمة: 2 / 1053.

[83] المصدر السابق.

[84] المصدر السابق.

[85] كشف الغمة: 2 / 860، الفصول المهمة: 2 / 1054.

[86] كشف الغمة: 2 / 860.

[87] المصدر السابق.

[88] المصدر السابق.

[89] كشف الغمة: 2 / 861، الفصول المهمة: 2 / 1054.

[90] كشف الغمة: 2 / 861، الفصول المهمة: ج 2، ص 1054، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر: ص 44، ح 9، طبع قم، و الديلمي في اعلام الخاطر: ص 127.

[91] كشف الغمة: 2 / 861.

[92] كشف الغمة: 2 / 862.

[93] المصدر السابق.

[94] كشف الغمة: 2 / 862، الفصول المهمة: 2 / 1055.

[95] كشف الغمة: 2 / 862.

[96] كشف الغمة: 2 / 862، الفصول المهمة: 2 / 1055.

[97] المصدر السابق.

[98] كشف الغمة: 2 / 862.

[99] المصدر السابق. [

[100] كشف الغمة: 2 / 862، الفصول المهمة: 2 / 1055.

[101] كشف الغمة: 2 / 862.

[102] كشف الغمة: 2 / 862، الفصول المهمة: 2 / 1055.

[103] المصدر السابق.

[104] المصدر السابق.

[105] المصدر السابق.

[106] سورة الزخرف، آية 67.

[107] كشف الغمة: 2 / 863، الفصول المهمة: 2 / 1056.

[108] المصدر السابق.

[109] المصدر السابق.

[110] كشف الغمة: 2 / 863، الفصول المهمة: 2 / 1056.

[111] كشف الغمة: 2 / 863.

[112] كشف الغمة: 2 / 863، الفصول المهمة: 2 / 1057.

[113] المصدر السابق.

[114] كشف الغمة: 2 / 863، الفصول المهمة: 2 / 1056.

[115] منتهي الآمال 2 / 558 - 555 عن عيون الأخبار 2 / 53، ح 204.

[116] اعلام الدين: ص

309، البحار: 75 / 364، ضمن ح 5.

[117] اعلام الدين: ص 309، عنه البحار: 75 / 365، ح 5، اعلام الهداية، ص 204.

[118] المصدر السابق.

[119] ثواب الاعمال: ص 183، ح 1، البحار: 71 / 276، ح 5، وسائل الشيعة: 12 / 232، ح 1، أمالي المفيد: ص 316، ح 8.

[120] أعلام الدين: ص 309، البحار: 75 / 364، ضمن ح 5، أعلام الهداية: ص 239.

[121] المصدر السابق.

[122] البحار: 75 / 364، ح 4، عن الدرة الباهرة، أعلام الهداية: ص 240.

[123] تحف العقول: ص 455، عنه البحار: 75 / 358، ح 1، أعلام الهداية: ص 238.

[124] تحف العقول: ص 457، عنه البحار: 75 / 358، ح 1، أعلام الهداية: ص 238.

[125] اعلام الدين: ص 309، عنه البحار: 75 / 365، ضمن ح 5، اعلام الهداية: ص 241.

[126] البحار: 75 / 364، ضمن ح 4، عن الدرة الباهرة، أعلام الهداية: ص 240.

[127] اعلام الدين: ص 309، عنه البحار: 75 / 364، ضمن ح 5، أعلام الهداية: ص 239.

[128] في المصدر: «و تنكف فيه عوادي عداتك».

[129] مهج الدعوات لابن طاووس: 80، طبع مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1414 ه. ق.

[130] الادالة: الغلبة.

[131] الخول: واحدة خائل، و هم العبيد و الاماء و غيرهم من الحاشية، و خول الرجل: حشمه، و الخول: ما أعطي الله سبحانه و تعالي للانسان من النعم. لسان العرب 250:4 (مادة خول).

[132] حياة اولي النهي: 227، عن مهج الدعوات: 82 -80.

[133] مريم: 12.

[134] يوسف: 22.

[135] الاحقاف: 15.

[136] بصائر الدرجات: ص 258، ح 10، عنه البحار: 25 / 100، ح 1، و 50 / 37، ح 1، الكافي: 1 / 374، ح 7.

[137] الثاقب في المناقب لابن حمزة: 503.

[138] الخرائج

و الجرائح: 2 / 670، ح 18، عنه البحار: 50 / 45، ح 18.

[139] الخرائج و الجرائح: 1 / 387، ح 16، عنه البحار: 50 / 53، ح 27، العوالم: 23 / 87، ح 12.

[140] أمالي المفيد: ص 191، ح 20، عنه مستدرك الوسائل: 15 / 178، ح 1، البحار: 71 / 79، ح 79، و 50 / 55، ح 30.

[141] مناقب آل أبي طالب: 4 / 427، عنه البحار: 50 / 61، ح 37.

[142] البحار: 50 / 62 بيان.

[143] الارشاد 282:2.

[144] موسوعة الامام الجواد عليه السلام 362:1.

[145] نفس المصدر.

[146] الفصول المهمة لابن الصباغ: 266.

[147] نور الأبصار: 326.

[148] المناقب لابن شهر آشوب 384: 4.

[149] هكذا يلقبون الامام الجواد عليه السلام لشدة سمرته؛ تنكيلا به و حقدا عليه.

[150] النساء: 43.

[151] المائدة: 6.

[152] الجن: 18.

[153] الجن: 18.

[154] و في رواية: تطأ ثيابي.

[155] الخلفة، الاسهال.

[156] مدينة المعاجز: 536 - 535 عن كتاب حياة اولي النهي: 213 - 211.

[157] أدب الطف 193:1، عن الأغاني 45:9.

[158] أدب الطف 194:1.

[159] راجع أدب الطف 194: 1 و لعل ذلك تفرد به المحقق السيد جواد شبر في ارجاع مروان بن أبي حفصة بسرقته الي مولي تمام.

[160] معجم شعراء الحسين عليه السلام 461:1.

[161] الفصول المختارة للسيد المرتضي: ص 41، أدب الطف: 1 / 227، أعيان الشيعة: 7 / 411.

[162] مناقب آل ابي طالب: 4 / 244، عنه البحار: 46 / 338، ح 27.

[163] مختصر أخبار شعراء الشيعة للمرزباني الخراساني: ص 73.

[164] مناقب آل أبي طالب: 4 / 214، عنه البحار: 46 / 333، ح 16.

[165] ديوان السيد الحميري: ص 188.

[166] ديوان السيد الحميري: ص 89.

[167] الغدير: 2 / 429، أعيان الشيعه: 7 / 270.

[168] اعيان الشيعة: 1 / 172، الغدير: 3

/ 483.

[169] أعيان الشيعة: 3 / 520، شرح احقاق الحق للسيد المرعشي: 9 / 697.

[170] وفاة الامام الجواد عليه السلام لعبد الرزاق الموسوي المقرم: 85 - 80.

[171] الامام الجواد عليه السلام من المهد الي اللحد للسيد محمدكاظم القزويني: 410 - 390.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.