الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة و تاريخ...

اشارة

‏سرشناسه : حسيني، عدنان
‏عنوان و نام پديدآور : الامام محمد الجواد عليه‌السلام سيره و تاريخ.../ مولف عدنان الحسيني
‏مشخصات نشر : قم: مركز الرساله، ۱۴۲۰ق. = ۱۳۷۸.
‏مشخصات ظاهري : ص ۱۴۹
‏فروست : (سلسله المعارف الاسلاميه‌۳۴)
‏شابك : 964-319-217-2۱۸۰۰ريال
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
‏موضوع : محمدبن علي(ع)، امام نهم، ق‌۲۲۰ - ۱۹۵
‏رده بندي كنگره : BP۴۸/ح‌۴۵الف‌۸
‏رده بندي ديويي : ۲۹۷/۹۵۸۲
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۹-۱۷۳۰۴

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين... و بعد.. فاننا مع الامام الجواد عليه‌السلام سنعيش لأول مرة ظاهرة مثيرة بحق، تستوقف النظر و تستحث العقول، ألا و هي الامامة المبكرة، الظاهرة التي نصادفها لأول مرة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام، فابن الثامنة من العمر يتولي هنا امامة المسلمين بكل ما يتعلق بها من مسؤوليات و مهام، و ما تتطلبه من علم كامل بالشريعة و أحكامها، و من الصعب بل المتعذر أن يدعي كل هذا لمن هو في هذه السن، الا أن يكون محاطا بعناية الهية خاصة و قد اصطنعه الله تعالي لهذه المهمة، و أعد لها الاعداد التام من قبل. و هذا ما ينقلنا علي الفور الي استدعاء البعد المميز لشأن المصطفين و دور الاصطفاء في احداث النقلة النوعية في الذات الانسانية، الأمر الذي يجعل مقارنة المختص بهذا الاصطفاء مع غيره من سائر الناس حتي أصحاب المواهب الخاصة مقارنة فاقدة لموضوعها، غير مبررة بحال... و هذا ما يجعل ظاهرة كهذه أمرا طبيعيا، في دائرة الامكان، و بلا غرابة، و هذا ما ينقلنا مرة أخري الي النماذج الأسبق في هذه الدائرة، و الذي باصطحابه ستكون الظاهرة التي اقترنت بالامام الجواد عليه‌السلام انما هي أنموذجا مكررا لظاهرة أسبق تاريخا، بكثير، ففي دائرة الاصطفاء قد سبقت النبوة لعيسي ابن‌مريم في السابعة من عمره بعد أن تكلم بها في مهده، ثم سبقت بكل مهماتها و لوازمها لصبي ما يزال في بواكير صباه، ذلك يحيي بن زكريا عليهماالسلام: (و آتيناه الحكم صبيا).. فلسنا اذن مع أمر ممكن الوقوع فحسب، بل مع أنموذج مكرر لواقع محقق، و ضمن الدائرة ذاتها، دائرة الاصطفاء.. [ صفحه 6] ثم بعد ذلك فان المتقلد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم و جاهلهم، فليس من الصعب اذن التحقق من صحة هذا التقليد و التقدم، و هذا ما وقع مبكرا مع الامام الجواد عليه‌السلام من قبل من استنكر شأنه، و في مجلس عقده المأمون و شحنه بأهل العلم ممن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيي بن أكثم بأن ابن‌الثامنة، الجواد بن الرضا عليهماالسلام، ان هو الا امام معلم، و ليس هو بفتي ملهم و حسب.. ثم عاش الامام الجواد عليه‌السلام تجربته كلها و من حوله علماء فحول، من أصحاب القرآن و الحديث و الكلام، في عصر ازدهرت فيه العلوم و قعدت قواعدها، و أسست أصولها، فلم ير منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم و حلم و حكمة، و تلك تجربة أمة امتدت به سبع عشرة سنة، حتي وفاته عليه‌السلام، و ليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمة.. فكيف اذا كانت تجربة في عصر عصيب، يطارد الحكام أصحابها، و من قبل قتلوا جده الكاظم عليه‌السلام سجينا، ثم اغتالوا أباه الرضا عليه‌السلام، ثم هم من حوله يتربصون به و بأصحابه؟ ان هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة و عظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون و هم الحاكمون، و الدينيون و هم متوافرون، من مغمز لما توانوا في نشره، بل لطربوا له و لنسجوا من حوله الحكايات و الأساطير... و في صفحات اصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة، وفي رحاب رائدها الأول في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام، و الثالث في دائرة الاصطفاء، مؤدين بعض الحق لهذا الامام العظيم، مستلهمين المزيد من الدروس و العبر... و كم هو جميل أن يتزامن اصدارنا هذا مع مرور ألف و مئتي عام علي وفاته سلام الله عليه يوم ولد و يوم مات و يوم يبعث حيا. مركز الرسالة [ صفحه 7]

المقدمة

الحمدلله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و آل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين، و صحبه الهداة المهديين. فقد درجت الامم و الشعوب منذ عهدها بالتدوين علي تخليد قادتها و رجالاتها، عرفانا منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة، و بما زانوا مجدها و تأريخها بكل طارف و تليد. و نحن كأمة اسلامية لنا أعظم دين، و أغني تراث، و أرقي حضارة، ما كنا بدعا من الامم و الحضارات في تخليد عظمائنا و رجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الأمة، و بنوا صرحها الشامخ. بل، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات. و رب تساؤل يقفز الي ساحة الذهن، بأنهم كثر أولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ، و صناعة المجد، و بناء الحضارة.. فمن من اولئك حقيق بالتخليد و الذكر الجميل؟ ثم، كيف نحيي تراثهم، و نعيد تأريخهم؟ و لماذا..؟ و طبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الأمة علي مبادي‌ء رسالتها الخالدة، و أن تشتمل تلك الدراسة علي تاريخ حياة أولئك الأعلام المضحين، و مناهجهم في عملية البناء و التغيير، و جهادهم و جهودهم المضنية في هذا المجال، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية و أقوالهم بالدرس و التحليل. و أما الغرض من تدارس أحوال و مواقف أولئك العظام؛ فهو لاستلهام [ صفحه 8] مناهجهم في الحياة، و في البناء الحضاري، و للاستنارة من فيض علومهم و معارفهم الخلاقة، و اسهاماتهم في تبيين معالم الدين، و توضيح أصول الشريعة... أضف الي ذلك مكافحتهم للجهل، و مقارعة الظلم و الظالمين، و نشر العدل، و احقاق الحق... بل، و اتخاذهم منارات يسترشد بهديهم لجميع الأجيال البشرية علي رغم تعاقبها مر الدهور. و لا ريب بأن الأحق بهذا التدارس و التعظيم، هو شخص النبوة الكريم، أشرف موجود، و سيد الكائنات و أقدسها، و هل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، و اختارهم قادة رساليين يقتدي بهم؟ حتي صار و دورهم ملموسا و متميزا في بناء الانسان و صيانته و حفظ المجتمع و كيانه. و من هنا أصبح تسليط الضوء علي حياتهم المشرقة بالعطاء - بعد اختلاط الأوراق - وفاء لرسالة الاسلام الخالدة باعتبارهم عليهم‌السلام قادتها الأمناء الحقيقيين. فالأئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم‌السلام الذين نص عليهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في عدة أحاديث صحاح، هم محور الحياة الذي تدور عليه كل مكرمة و فضيلة، فقد جعلهم الله حياة للأنام، و مصابيح الظلام، و مفاتيح الكلام، و دعائم للاسلام... و وصفهم أمير البيان عليه‌السلام بقوله: «هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، و ظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق». فدراسة حياة الأئمة الميامين عليهم‌السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة، و ينبغي التركيز علي المنهج الأصيل و الدور الحقيقي و الواقعي لهم عليهم‌السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل و التغيير للوصول الي الهدف المشترك للجميع. فهم عليهم‌السلام رغم تنوع أدوارهم، وفق [ صفحه 9] طبيعة المرحلة و الظروف السياسية المحيطة بهم، يحملون هدفا مشتركا واحدا لا يختلفون فيه، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم و سنة الرسول المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، و طلب الاصلاح و الهداية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و نحن علي أعتاب مرور اثني عشر قرنا (1200 عام) علي شهادة الامام الجواد عليه‌السلام، فالأمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام القاء بعض الضوء علي الدور الفاعل و الكبير لتحرك الامام أبي‌جعفر الثاني الجواد عليه‌السلام في الأمة، من خلال جس مواقع حركته التغييرية و الاصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه. و يمكن تلمس تحرك الامام عليه‌السلام، و استشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الأربعة التي اشتملتها هذه الدراسة. فمرورا بالتعريف بظروف مولد الامام عليه‌السلام، الي التعريف بشخصه المبارك و بعض سماته، ثم النصوص الدالة علي امامته، و أخيرا كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر و منصب الامامة، كل ذلك تضمنه الفصل الأول. أما الفصل الثاني: فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الامام الجواد عليه‌السلام خاصة بعد شهادة أبيه، و ما رافق ذلك من ارهاصات انعكست مباشرة علي حياة الامام. فكان لابد من استبيان الظروف و الأحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الامام، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن، ثم علاقة الامام عليه‌السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربص به الدوائر للقضاء عليه. كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه‌السلام علي ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها، و ما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة علي حياته عليه‌السلام. و في خاتمة الفصل كانت لنا اطلالة علي بعض الثورات [ صفحه 10] و الانتفاضات التي كانت تصب في خط أهل البيت عليهم‌السلام و تدعو لهم. و أما الفصل الثالث: فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري و دوره الرسالي، و نشاطه في استقطاب الأصحاب و الوكلاء و توجيه الأمة نحو المسار الاسلامي الصحيح، و ممارسة دوره العلمي في ارساء قواعد التشريع الاسلامي، و مناظراته و احتجاجاته في الدين و العقيدة. و لم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمة الندية، كي نروي بها صحراء نفوسنا المجدبة. و أخيرا كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للامام من المدينة الي بغداد، و الأسباب و الدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال الي التآمر علي الامام و تنفيذ عملهم الدني‌ء بقتله بالسم و هو في غضارة شبابه، ثم عرجنا علي من أشاد بشخصية الامام الجواد عليه‌السلام و أقر بفضله و تقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب. و قبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح و الرثاء لجواد الأئمة عليه‌السلام. اللهم فاجعلنا به مهتدين، و بنوره مستوضحين طريق الحق، و ببركته مستمطرين خير السماء و بركاتها، فانه حجتك العليا، و مثلك الأعلي، و كلمتك الحسني... الداعي اليك، و الدال عليك، الذي نصبته علما لعبادك، و مترجما لكتابك، و صادعا بأمرك، و ناصرا لدينك، و حجتك علي خلقك، و نورا تخرق به الظلم، و قدوة تدرك بها الهداية، و شفيعا تنال به الجنة.. و الحمد لله رب العالمين [ صفحه 11]

الجواد في ظل أبيه

ظروف ما قبل الميلاد

لو عدنا قليلا الي الوراء... أي الي ما قبل مولد أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام بسنة أو نحوها، لو جدنا أن ظروفا عصيبة مرت بأبيه الامام الرضا عليه‌السلام، الذي عاني في أخريات سني حياته الشريفة من أزمات حادة، كان يثيرها بعض الواقفة و الانتهازيين؛ للتشكيك بامامته عليه‌السلام بعدم انجابه الولد. ذلك أنه كان مركوزا في الذهنية العامة للمسلمين أن من علامات الامام المعصوم أن يخلفه امام من صلبه، اذ لا تكون الامامة في أخ أو عم أو غيرهم، فقد سئل الامام الرضا عليه‌السلام، أتكون الامامة في عم أو خال؟ فقال: «لا، فقلت: ففي أخ؟ قال: لا، قلت: ففي من؟ قال: في ولدي، و هو يومئذ لا ولد له» [1] . و أغلب الظن أن الأيدي العباسية لم تكن بعيدة عن ساحة قدس الامام الرضا عليه‌السلام في التنقيب و افتعال الحوادث و المواقف للنيل من امامته عليه‌السلام و الطعن فيها. نعم، من هنا كانت معاناة الامام أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام تتزايد يوما بعد [ صفحه 12] يوم، خاصة و قد امتد به العمر الي نحو الخامسة و الأربعين، و لم يكن قد خلف بعد (الولد) الذي يليه بالامامة، ثم الذي زاد المحنة سوءا هو تكالب بعض اخوته و عمومته و أبناء عمومته من العلويين و العباسيين عليه، حسدا من بعضهم، و بغضا و كرها من البعض الآخر.. و ثمة تأليب الانتهازيين و السلطويين علي البيت النبوي عموما، حيث أثاروا جميعا حول شخصية الامام العظيمة غبار حسدهم و أحقادهم الدفينة. لكن الامام عليه‌السلام كان يقف أمامهم بحزم... و يجيبهم جواب الواثق المطمئن من نفسه بأن الليالي و الأيام لا تمضي حتي يرزقه الله ولدا يفرق به بين الحق و الباطل. هذا الموقف نستشفه من رواية محمد بن يعقوب الكليني، قال: كتب ابن‌قياما [2] الي أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام كتابا يقول فيه: كيف تكون اماما و ليس لك ولد؟ فأجابه أبوالحسن عليه‌السلام: «و ما علمك أنه لا يكون لي ولد؟! و الله لا تمضي الأيام و الليالي حتي يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق و الباطل») [3] . و ينقلنا الكليني عليه الرحمة الي مشهد آخر مع نفس هذا الموقفي، و هو يصف حواره مع الامام الرضا عليه‌السلام بقوله: دخلت علي علي بن موسي، فقلت له: أيكون امامان؟ قال: «لا، الا أن يكون أحدهما صامتا». فقلت له: هو ذا أنت، ليس لك صامت! فقال لي: «و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله، و يمحق به الباطل و أهله» و لم يكن في الوقت له ولد، فولد له أبو [ صفحه 13] جعفر عليه‌السلام بعد سنة [4] . و حتي بعد مولد أبي‌جعفر التقي عليه‌السلام لم يكن المشككون منفكين من محاولاتهم تلك حتي رأوا البينة و أذعنوا لها صاغرين، هم و من جاءوا بهم من القافة أجمعين. و هنلك رقي ابن‌الرضا عليه‌السلام درجات منبر، و ألقي خطبة قصيرة بليغة، و صلت في مداها أقصي غاية المني في تأنيب المشككين، و ردع (الواقفة) و المتصيدين في الضباب، أو عكر من الماء، حين طعنوا في بنوة أبي‌جعفر عليه‌السلام و انتسابه للامام الرضا عليه‌السلام. فلقد جاءوا بالافك، و قول الزور... و انه لكبير ما ادعوه علي قدس الامامة، و الشرف الباذخ للبيت النبوي الطاهر. مطهرون نقيات ثيابهم تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا كانت هذه لمحة ضوء خاطفة تطلعنا من خلال أشعتها علي بعض الظروف التي و اكبت و سبقت ولادة الامام أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام.. ثم يحين اليوم الموعود...

بشري المولد العظيم

«اللهم اني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني، و ابنه علي بن محمد المنتجب...» [5] الدعاء. هذا الدعاء أورده شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله (ت / 460 ه) في مصباح [ صفحه 14] المتهجد [6] ، و ابن‌عياش أحمد بن محمد بن عبدالله الجوهري صاحب كتاب (مقتضب الأثر)، و قيل هو دعاء مأثور عن صاحب الأمر عليه‌السلام، قال ابن‌عياش: خرج الي أهلي علي يد الشيخ أبي‌القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في مقامه عندهم. و به أخذ بعض المؤرخين بناء علي نقل ابن‌عياش من أن مولد الجواد عليه‌السلام كان في يوم الجمعة العاشر من رجب سنة (195 ه) الموافق لسنة (811) الميلادية. و هو التاريخ المعمول به عند الطائفة اليوم. لكن العلماء و مشايخ الطائفة يذهبون الي أن ولادته الميمونة كانت في شهر رمضان من عام (195 ه)، و ترددوا بين (19 ، 18 ، 17 ، 15) منه، و لعل ثانيها [7] هو الأرجح من بين هذه التواريخ، لكن الأكثر قال بالتاريخ الأخير بناء علي نقل اللاحق عن السابق [8] . و أما حدث المولد العظيم و ساعته و ما جري فيه من الكرامة فتحكيه السيدة الكريمة حكيمة بنت أبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام قالت: (لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي‌جعفر عليه‌السلام دعاني الرضا عليه‌السلام، فقال: «يا حكيمة احضري ولادتها»، و أدخلني و اياها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا، و أغلق الباب علينا. فلما أخذها الطلق طفي‌ء المصباح، و كان بين يديها طست، فاغتممت بطف‌ء المصباح، فبينا نحن كذلك اذ بدر أبوجعفر عليه‌السلام في الطست، و اذا [ صفحه 15] عليه شي‌ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت فأبصرناه فأخذته فوضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء للرضا عليه‌السلام و فتح الباب و قد فرغنا من أمره، فأخذه و وضعه في المهد، و قال لي: «يا حكيمة الزمي مهده». قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره الي السماء ثم نظر يمينه و يساره ثم قال: «أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله». فقمت ذعرة فزعة فأتيت أباالحسن عليه‌السلام، فقلت: سمعت من هذا الصبي عجبا. فقال: «و ما ذاك؟»، فأخبرته الخبر. فقال: «يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر» [9] .

رعاية أبوية خاصة

ليس أمرا غريبا أن يكتنف الامام الرضا عليه‌السلام وليده برعاية و عناية خاصتين، بل و يحيطه بهالة من التعظيم و التبجيل و هو طفل رضيع، ذلك أن أباجعفر هو وحيد الامام أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام الذي رزقه بعدما جاوز عليه‌السلام الخامسة و الأربعين من العمر، فعليه تكون الامامة منحصرة بوليده الفرد. لهذا كله فقد كان امامنا الرضا عليه‌السلام يوليه تربية خاصة، و عناية زائدة، كما كان يتوسم فيه بركة و خيرا عظيما علي شيعته و محبيه. فعن يحيي الصنعاني، قال: دخلت علي أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام و هو بمكة و هو يقشر موزا و يطعم أباجعفر عليه‌السلام، فقلت له: جعلت فداك هو المولود المبارك؟ قال: «نعم يا يحيي، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه») [10] . [ صفحه 16] و ينقل لنا الرواة و المؤرخون أيضا كيف أن الامام الرضا عليه‌السلام كان يترقب و بشوق بالغ، و لهفة عجلي مولد ابنه محمدا، فلما ولد كان عليه‌السلام يلازم مهده، و في بعض الأحيان كان يناغيه و هو في مهده طول ليلته [11] ؛ بل ان علقته بطفله الرضيع بلغت حدا أنه عليه‌السلام كان يلازم مهده لعدة ليال حتي ان أحد شيعته كلمه في أن يكف عن كثرة ملازمته لمهد وليده قائلا له: جعلت فداك قد ولد للناس أولاد قبل هذا، فكل هذا تعوذه؟ لقد ظن هذا المعترض أن الامام أباالحسن عليه‌السلام، و لشدة حبه لمولوده، فانه يخاف عليه من عيون الحساد؛ لذلك فهو يعوذه طوال هذه المدة. لكن الامام عليه‌السلام أجاب المستفهم بأن حنوه علي ولده ليس لغرض التعويذ، بل انه عليه‌السلام يلقي اليه أمر الامامة و علومها، بقوله: «ويحك ليس هذا عوذة، انما أغرة بالعلم غرا» [12] ، كما كان يطعمه بنفسه، و ما كان يفارقه طويلا، حتي انه عليه‌السلام ليصطحبه في سفره و تنقلاته داخل المدينة و خارجها تنويها به عليه‌السلام، و زيادة في اعظامه و اكرامه. و أما تعظيم الامام الرضا عليه‌السلام لمولوده المبارك، فانه ما كان يناديه الا بكنيته منذ نعومة أظفاره، فقد تحدث محمد بن أبي‌عباد و كان يكتب للرضا عليه‌السلام، ضمه اليه الفضل بن سهل، قال: ما كان عليه‌السلام يذكر محمدا ابنه الا بكنيته، و يقول: كتب الي أبوجعفر... و كنت أكتب الي أبي‌جعفر.. و هو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، و ترد كتب أبي‌جعفر عليه‌السلام في نهاية البلاغة و الحسن، فسمعته يقول: «أبوجعفر وصيي و خليفتي في أهلي من [ صفحه 17] بعدي» [13] ، و ربما كتب اليه الامام الرضا عليه‌السلام: فداك أبوك!! فقد روي العياشي عن محمد بن عيسي بن زياد: قال: كنت في ديوان أبي‌عباد، فرأيت كتابا ينسخ فسألت عنه فقالوا: كتاب الرضا الي ابنه عليهماالسلام من خراسان، فسألتهم أن يدفعوه الي فاذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أبقاك الله طويلا و أعاذ من عدوك يا ولد، فداك أبوك...» ثم يوصيه عليه‌السلام بالانفاق و خاصة علي الهاشميين من قرابته، و يختم كتابه بقوله: «و قد أوسع الله عليك كثيرا، يا بني فداك أبوك لا تستر دوني الأمور لحبها فتخطي‌ء حظك، و السلام» [14] . و يبلغ حب الوالد لولده مداه و يغرق فيه نزعا، حتي يوصله الي امتزاج روحيهما في روح واحدة هي روح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ذلك الاغراق في الحب و المودة يوقفنا عليه بنان بن نافع في خبر يرويه حول محاورة في الامامة جرت بينه و بين الامام الرضا عليه‌السلام من جهة و بين الامام الجواد عليه‌السلام من جهة أخري. يقول ابن‌نافع في نهاية الخبر: ثم دخل علينا أبوالحسن، فقال لي: «يابن نافع سلم و اذعن له بالطاعة، فروحه روحي و روحي روح رسول الله» [15] . و أخيرا ينقل لنا صاحب كتاب دلائل الامامة خبرا عن أمية بن علي القيسي الشامي يمكننا من خلاله الوقوف علي درجة العلاقة بين الوالد و الولد، و شدة حب الوالد لولده و اهتمامه به من جهة، و مدي تعلق الولد [ صفحه 18] بوالده من جهة أخري، فقد نقل قول أمية: كنت مع أبي‌الحسن عليه‌السلام بمكة، في السنة التي حج فيها، ثم صار الي خراسان، و معه أبوجعفر، و أبوالحسن عليه‌السلام يودع البيت، فلما قضي طوافه عدل الي المقام فصلي عنده، فصار أبوجعفر الي الحجر فجلس فيه، فأطال. فقال له موفق: ثم جلعت فداك. فقال: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا الا أن يشاء الله»، و استبان في وجهه الغم. فأتي موفق أباالحسن عليه‌السلام فقال له: جعلت فداك قد جلس أبوجعفر في الحجر، و هو يأبي أن يقوم، فقام أبوالحسن عليه‌السلام فأتي أباجعفر فقال: «قم يا حبيبي». فقال عليه‌السلام: «ما أريد أن أبرح من مكاني هذا». قال عليه‌السلام عليهم‌السلام «بلي يا حبيبي». ثم قال عليه‌السلام: «كيف أقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه»؟ فقال له عليه‌السلام: «قم يا حبيبي»، فقام معه [16] .

نسبه الشريف

سمي محمدا و هو بعد في الأصلاب الشامخات و الأرحام المطهرات، أبوه علي الرضا عليه‌السلام، و جده الكاظم موسي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن‌علي السجاد زين‌العابدين بن الحسين السبط الشهيد ابن‌علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. نسب وضاح، و ذرية طيبة مطهرة نقية.. نعم، انها (سلسلة الذهب) باعتراف عشرين ألفا أو يزيدون من الكتاب أو النساخ، و طلبة العلم و الحديث و رواته في نيسابور، و علي رأسهم الحافظان أبوزرعة، و محمد ابن‌أسلم الطوسي [17] . [ صفحه 19]

امه

أما أمه، فهي أم ولد اسمها (سبيكة)، نوبية. و قيل: سكن المريسية [18] و قيل أيضا: ان الامام الرضا عليه‌السلام لما اشتراها لاستيلادها أطلق عليها اسم «خيزران»، و هي من قبيلة مارية القبطية زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و علي كل حال... فقد كانت من الجلال و القدر أن عدت في زمانها أفضل بنات جنسها، و اليها أشار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يذكر الامام محمدا التقي عليه‌السلام بقوله: «بأبي ابن‌خيرة الاماء، ابن‌النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم» [19] . و يدل علي مكانتها و جلالة قدرها أيضا، أن الامام الكاظم موسي بن جعفر عليه‌السلام طلب من يزيد بن سليط أن يبلغها منه السلام ان استطاع الي ذلك سبيلا، فقد ورد في الخبر أن الامام الكاظم عليه‌السلام التقاه في طريق مكة و هم يريدون العمرة. فقال له: «اني أؤخذ في هذه السنة، و الأمر الي ابني علي سمي علي و علي. فأما علي الأول فعلي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و أما علي الآخر فعلي بن الحسين... يا يزيد فاذا مررت بالموضع و لقيته، و ستلقاه فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، و سيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل مارية القبطية جارية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ان قدرت أن تبلغها مني السلام، فافعل ذلك». و الرواية سنوردها بتمامها بعد قليل في موضوع النص علي امامة الجواد عليه‌السلام. و في خبر آخر أورده المحدث الشيخ حسين بن عبدالوهاب في «عيون [ صفحه 20] المعجزات» بسند ذكره، عن كلثم بن عمران [20] ، قال: قلت للرضا عليه‌السلام: ادع الله أن يرزقك ولدا. فقال: «انما أرزق ولدا واحدا و هو يرثني». فلما ولد أبوجعفر عليه‌السلام قال الرضا عليه‌السلام لأصحابه: «قد ولد لي شبيه موسي بن عمران، فالق البحار، و شبيه عيسي بن مريم، تقدست أم ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة» [21] .

كنيته

و كني بأبي‌جعفر من يوم مولده، و ما كان الامام الرضا عليه‌السلام يدعوه الا بها، و هي الكنية المشهور بها [22] ، ثم عرفه الرواة و المحدثون بالثاني لتمييزه عن الامام أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام، و يكني أيضا بأبي علي، و لا يعرف بها.

حليته

كان عليه‌السلام شديد الأدمه [23] ، ضاوي الجسم [24] قصيره، قط الشعر مثل حلك الغراب [25] ، و طبيعي جدا أن يكون الامام أبو جعفر عليه‌السلام - و هو من بين أب حجازي و أم نوبية - حائل اللون، و لا ريب في ذلك، هذا و ان كان الامام الجواد عليه‌السلام حائل اللون الا أنه: [ صفحه 21] مشتقة من رسول الله نبعته طابت مغارسه و الخيم و الشيم و أما ما انفرد به ابن‌الصباغ من أن صفته أبيض معتدل، و وافقه بعض من كتب في سيرة الامام الجواد عليه‌السلام، و رجح قوله، استثقالا منه أن يقول بسمرة الامام، فهو خلاف المشهور من صفته عليه‌السلام [26] .

القابه الشريفة

تميز امامنا الجواد عليه‌السلام بألقاب عديدة من أخصها به قديما لقب (التقي) [27] ثم بعد ذلك (الجواد) [28] قال ابن‌شهر آشوب: فديت امامي أباجعفر جوادا يلقب بالتاسع و بين هذين اللقبين عددوا له ألقابا أخري منها: المنتجب و المرتضي و الزكي و القانع و الرضي و المتوكل و غيرها [29] .

اولاده

ذكر الشيخ المفيد رحمه الله أن الجواد عليه‌السلام (خلف بعده من الولد عليا ابنه الامام من بعده، و موسي، و فاطمة، و أمامة ابنتيه، و لم يخلف ذكرا غير من [ صفحه 22] سميناه) [30] . و نقل ابن‌شهر آشوب عن الشيخ الصدوق انهن: حكيمة و خديجة و أم‌كلثوم [31] و زاد عليهن السيد ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار): فاطمة. و في (الشجرة الطيبة) للمدرس الرضوي المشهدي أن بنات الامام الجواد عليه‌السلام: زينب، و أم محمد، و ميمونة، و خديجة، و حكيمة، و أم‌كلثوم. و قال آخر: ولد الجواد عليه‌السلام عليا، و موسي، و الحسن، و حكيمة، و بريهة، و أمامة، و فاطمة [32] . اذن، المشهور أن للامام الجواد عليه‌السلام ابنة يقال لها (حكيمة) كانت جليلة القدر، رفيعة المقام، عالية الشأن. أو كل اليها أخوها الامام الهادي عليه‌السلام جاريته (نرجس) كي تعلمها معالم الدين، و أحكام الشريعة، و تؤدبها بالآداب الالهية. و زوج الامام الهادي عليه‌السلام نرجس من ولده الامام العسكري عليه‌السلام فانجبت له الامام المهدي عليه‌السلام و قامت حكيمة بمهمة القابلة لأمه ليلة ولادته [33] ، و صرحت بمشاهدة الامام المهدي عليه‌السلام بعد مولده [34] . و كان لحكيمة دور مهم بعد استشهاد الامام الحسن العسكري عليه‌السلام، حيث كانت تقوم بدور السفارة بين الشيعة و بين الامام محمد المهدي عليه‌السلام [ صفحه 23] في غيبته الصغري، فكانت تقوم باستلام الكتب و المسائل و توصلها الي الامام عليه‌السلام ثم تستلم منه توقيعاته الشريفة و توصلها الي الناس [35] . أضف الي ذلك أنها تروي حرز الامام الجواد عليه‌السلام، و قد توفيت هذه السيدة الجليلة في مدينة سامراء، و دفنت عند رجلي الامامين العسكريين عليهماالسلام، و قبرها مشهور معروف. و غريب من مثل الشيخ المفيد أن يفوته التعرض لذكر اسمها ضمن تعداده لأبناء الامام أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام، مع أنه - عليه الرحمة - ذكرها في «الارشاد» في ثاني خبر له في باب ذكر من رأي الامام الثاني عشر عليه‌السلام، فقال: أخبرني أبوالقاسم، عن محمد بن يعقوب - و هو الكليني -، عن محمد بن يحيي، عن الحسين بن رزق الله، قال: حدثني موسي بن محمد ابن‌القاسم ابن‌حمزة بن موسي بن جعفر، قال: حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي - و هي عمة الحسن عليه‌السلام - أنها رأت القائم عليه‌السلام ليلة مولده و بعد ذلك [36] . و أما ولده موسي المعروف بالمبرقع، و اليه ينتهي نسب السادة الرضويين، فقد عاش في المدينة، و بعد شهادة أبيه انتقل الي الكوفة فسكنها مدة، ثم هاجر الي قم فوردها سنة (256 ه) قاصدا استيطانها، فكان أول سيد رضوي تطأ أقدامه هذه المدينة، و كان من أهل الحديث و الدراية. توفي في ربيع الآخر سنة (296 ه) و دفن في بيته.

النص علي امامته

اشاره

من نافلة القول معرفة أن منصب الامامة نص الهي، أبلغه تعالي نبيه [ صفحه 24] الكريم صلي الله عليه و آله و سلم يوم نص علي خلافة الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام له صلي الله عليه و آله و سلم في منصب امامة المسلمين؛ ثم كانت للرسول الأعظم محمد صلي الله عليه و آله و سلم مواقف و كلمات - في روايات وردتنا - صرح في بعضها بأسماء الأئمة خلفائه واحدا واحدا حتي أثني عشر اماما، كما أن الأئمة عليهم‌السلام - باعتبار عصمتهم - نصوا علي من يليهم بهذا المنصب، و لم يكن الأمر باختيارهم. أخرج ابراهيم بن محمد الحموئي الشافعي في فرائده بسنده، عن سعيد ابن‌جبير، عن ابن‌عباس رفعه: «ان خلفائي و أوصيائي و حجج الله علي الخلق بعدي لاثنا عشر، أولهم أخي و آخرهم ولدي». قيل: يا رسول الله و من أخوك؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: «علي». قيل: فمن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا..» الحديث [37] . و فيه: عن الأصبغ بن نباتة، عن ابن‌عباس رفعه: «أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون» [38] . و امامنا الجواد عليه‌السلام وردت النصوص بامامته عن جده النبي الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم و عن آبائه عليهم‌السلام و اليك جملة من هذه النصوص:

نص النبي

عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «يا جابر ان أوصيائي و أئمة المسلمين من بعدي [ صفحه 25] أولهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر، ستدركه يا جابر فاذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي ابن‌محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم اسمه اسمي، و كنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي...» [39] . و نقل صاحب الفرائد خبرا آخر يرويه ابن‌عباس عن يهودي يدعي نعثلا حاجج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في صفات الله، ثم في أوصيائه و طلب من النبي تسميتهم، فسماهم له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اثناعشر وصيا [40] . و نقل أخطب خوارزم الموفق بن أحمد في كتابه «مقتل الحسين» عن ابن‌شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ حدثني علي بن علي بن سنان الموصلي عن أحمد بن محمد بن صالح عن سلمان بن محمد عن زياد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سلامة عن أبي‌سلمي راعي أبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: ««ليلة أسري بي الي السماء قال لي الجليل جل و علا: (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه)، قلت: و المؤمنون، قال: صدقت يا محمد من خلفت في أمتك، قلت: خيرها، قال: علي بن أبي‌طالب، قلت: نعم يا رب، قال: يا محمد اني اطلعت الي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من اسمائي فلا اذكر في موضع الا ذكرت معي، فأنا المحمود و أنت محمد، ثم اطلعت الثانية، فاخترت عليا، و شققت له اسما من اسمائي، فأنا الأعلي و هو علي؛ يا محمد اني [ صفحه 26] اني خلقتك و خلقت عليا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده من سنخ نور من نوري و عرضت ولايتكم علي أهل السموات و أهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو ان عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم، يا محمد أتحب أن تراهم، قلت: نعم يا رب، فقال: لي التفت عن يمين العرش فالتفت اذا أنا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاح من نور قياما يصلون و هو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري. قال: يا محمد هؤلاء الحجج و هو الثائر من عترتك، و عزتي و جلالي انه الحجة الواجبة لاوليائي و المنتقم من أعدائي» [41] . روي الشيخ المفيد رحمه الله بالاسناد عن زكريا بن يحيي بن النعمان، قال: سمعت علي بن جعفر بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال في حديثه: لقد نصر الله أباالحسن الرضا عليه‌السلام لما بغي عليه اخوته و عمومته... و ذكر حديثا طويلا حتي انتهي الي قوله: فقمت و قبضت علي يد أبي‌جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام، و قلت له: أشهد أنك امام عند الله. فبكي الرضا عليه‌السلام ثم قال: «يا عم، ألم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بأبي ابن‌خيرة الاماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد، الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة...» [42] . [ صفحه 27] و روي الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا) بسنده عن محمد بن علي بن عبدالصمد الكوفي، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن محمد بن علي ابن‌موسي، عن أبيه علي بن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، قال: «دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عنده أبي بن كعب، فقال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: مرحبا أباعبدالله، يا زين السموات و الأرض... ثم ذكر حوارا طويلا مفصلا بين النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بين أبي ابن‌كعب ذكر له النبي أسماء الأئمة و دعاء كل واحد منهم حتي وصل الي امامنا أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام، فقال في صفته: و ان الله عزوجل ركب في صلبه - أي في صلب الامام الرضا عليه‌السلام - نطفة مباركة طيبة رضية مرضية، و سماها محمد بن علي، فهو شفيع شيعته، و وارث علم جده. له علامة بينة، و حجة ظاهرة، اذا ولد يقول: لا اله الا الله، محمد رسول الله...» الخبر [43] .

نص الامام الكاظم

جاء في كتاب الغيبة لشيخ الطائفة الطوسي رحمه الله خبر رفع الي محمد بن سنان، قال: دخلت علي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام من قبل أن يقدم العراق بسنة، و علي ابنه جالس بين يديه، فنظر الي و قال: «يا محمد ستكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك.. الي أن قال عليه‌السلام: «من ظلم ابني هذا حقه و جحد امامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام امامته و جحده حقه بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: قلت: و الله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه، [ صفحه 28] و لأقرن بامامته. قال: صدقت يا محمد يمد الله في عمرك و تسلم له حقه، و تقر له بامامته و امامة من يكون بعده، قال: قلت: و من ذاك؟ قال: ابنه محمد». قال: قلت: له الرضا و التسليم [44] . و هذا نص صريح بامامته من جده الامام الكاظم عليه‌السلام، و هناك نص آخر في رواية طويلة ننقل منها موضع الحاجة، يرويها يزيد بن سليط الزيدي في لقائه مع الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام في طريق مكة، و هم يريدون العمرة - الي أن قال: -. ثم قال أبوابراهيم عليه‌السلام: «اني أؤخذ في هذه السنة، و الأمر الي ابني علي سمي علي و علي، فأما علي الأول فعلي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و أما علي الآخر فعلي بن الحسين، أعطي فهم الأول و حكمته، و بصره و وده و دينه، و محنة الآخر و صبره علي ما يكره، و ليس له أن يتكلم الا بعد موت هارون بأربع سنين، ثم قال: يا يزيد فاذا مررت بهذا الموضع، و لقيته و ستلقاه، فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، و سيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ان قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل ذلك». ثم يرحل الامام الكاظم عليه‌السلام، و يلتقي يزيد بالامام الرضا في نفس ذلك الموضع و يخبره، و يقص عليه الخبر. فيجيبه الامام عليه‌السلام: «أما الجارية فلم تجي‌ء بعد، فاذا دخلت أبلغتها منك السلام». قال يزيد: فانطلقنا الي مكة، و اشتراها في تلك السنة، فلم تلبث الا قليلا حتي حملت، فولدت ذلك الغلام [45] . [ صفحه 29]

نص الامام الرضا

نصوص كثيرة رويت عن الامام الرضا عليه‌السلام بشأن امامة أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام و النص عليه جمع شتاتها العلامة المجلسي و استوفاها في الجزء الخمسين من بحاره [46] فكانت ستة و عشرين نصا، اخترنا منها النصوص التالية: روي الكليني بسنده عن معمر بن خلاد قوله: ذكرنا عند أبي‌الحسن عليه‌السلام شيئا بعد ما ولد له أبوجعفر عليه‌السلام، فقال: «ما حاجتكم الي ذلك، هذا أبوجعفر قد أجلسته مجلسي و صيرته في مكاني» [47] . و عنه بسنده، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي‌الحسن عليه‌السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي ان كان كون فالي من؟ قال: «الي أبي‌جعفر ابني». فكأن القائل استصغر سن أبي‌جعفر عليه‌السلام، فقال أبوالحسن عليه‌السلام: «ان الله تبارك و تعالي بعث عيسي بن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتداة في اصغر من السن الذي فيه أبوجعفر عليه‌السلام» [48] . و نقل ابن‌الصباغ المالكي في فصوله المهمة عن الشيخ المفيد قدس سره باسناده عن صفوان بن يحيي قال: قلت للرضا عليه‌السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أباجعفر فكنت تقول: «يهب الله لي غلاما». فقد وهبه الله لك، و قر عيوننا به، فلا أرانا الله يومك، فان كان كون فالي من؟ فأشار بيده الي أبي [ صفحه 30] جعفر و هو قائم بين يديه، فقلت له: جعلت فداك، و هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: «و ما يضر من ذلك! قد قام عيسي بالحجة و هو ابن أقل من ثلاث سنين» [49] . كما نقل القندوزي الحنفي في ينابيعه، عن فرائد السمطين للمحدث الجويني الخراساني الشافعي باسناده، عن دعبل الخزاعي، عن علي الرضا ابن‌موسي الكاظم عليهماالسلام قال: «يا دعبل الامام من بعدي محمد ابني، و بعد محمد ابنه علي، و بعد علي ابنه الحسن، و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره» [50] .

شهادات أخري

و ممن شهد بامامة الجواد عليه‌السلام و أذعن لها عم أبيه: علي بن الامام جعفر الصادق عليه‌السلام المعروف بالعريضي، فقد روي الكليني رحمه الله بسنده، عن محمد ابن‌الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر الصادق جالسا بالمدينة، و كنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه - يعني أباالحسن موسي الكاظم عليه‌السلام - اذ دخل عليه أبوجعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فوثب علي بن جعفر رحمه الله بلا حذاء و لا رداء فقبل يده و عظمه، فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: «يا عم اجلس رحمك الله» فقال: يا سيدي! كيف أجلس و أنت قائم؟ [ صفحه 31] فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عم أبيه، و أنت تفعل به هذا الفعل؟! فقال: (اسكتوا، اذا كان الله عزوجل - و قبض علي لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد) [51] . و روي الكشي بسنده عن علي بن جعفر خبرا له مع واقفي حاججه في أمر الامامة، فأجابه علي بن جعفر جوابا قاطعا بأن أباجعفر الجواد عليه‌السلام هو الامام الناطق بعد أبيه علي بن موسي الرضا [52] . كما روي الكشي في رجاله باسناده عن أبي‌عبدالله الحسين بن موسي ابن‌جعفر، قال: كنت عند أبي‌جعفر عليه‌السلام بالمدينة و عنده علي بن جعفر، و أعرابي من أهل المدينة جالس، فقال لي الأعرابي: من هذا الفتي؟ و أشار بيده الي أبي‌جعفر عليه‌السلام. قلت: هذا وصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقال: يا سبحان الله! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة و كذا و كذا سنة، و هذا حدث، كيف يكون؟! قلت: هذا وصي علي بن موسي، و علي وصي موسي بن جعفر، و موسي وصي جعفر بن محمد، و جعفر وصي محمد بن علي... الخبر [53] . و هذا الخبر من جملة الأحاديث و المرويات المستفيضة في مظانها، الدالة علي أنه كان معروفا آنذاك أن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام هم أوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالنص عليهم واحدا بعد واحد. [ صفحه 32]

العمر و منصب الامامة

ليس غريبا اذا قلنا: انه لا مدخلية للعمر في تسنم منصب الامامة، و لو أن ظاهرة الامام الجواد عليه‌السلام كانت الاولي من نوعها في الاسلام علي ما هو معهود و معروف! الا أنها لم تكن الاولي في العالم علي مستوي حركة الأنبياء و الرسل و أوصيائهم السابقين، فذاك عيسي بن مريم آتاه الله الحكمة و النبوة و كان في المهد صبيا، و قبله كان يحيي، فقد آتاه الله الحكم و الكتاب و هو صبي (و آتيناه الحكم صبيا) [54] . (فان الظاهرة التي وجدت مع هذا الامام و هي ظاهرة تولي شخص للامامة و هو بعد في سن الطفولة، علي أساس أن التاريخ يتفق و يجمع علي أن الامام الجواد توفي أبوه و عمره لا يزيد عن سبع سنين. و معني هذا أنه تولي زعامة الطائفة الشيعية روحيا و فكريا و علميا و دينيا و هو لا يزيد عن سبع سنين، هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الأئمة في الامام الجواد عليه‌السلام) [55] . و قد قدمنا في الفصل الأول الروايات التي تنص علي أن الامام الرضا عليه‌السلام و هو الامام المعصوم قد شهد بأن مولوده الصغير - و كان يشير اليه - سيكون الامام من بعده بالرغم من صغر سنه [56] ، و بذلك فقد حل الامام الرضا عليه‌السلام اشكالية المسألة في حياته و أرجع أصحابه و شيعته و جميع [ صفحه 33] المسلمين الي ابنه الجواد عليه‌السلام. ثم ان الامام الجواد عليه‌السلام نفسه قد أدرك الشك و الحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الأمر؛ لأنهم لم يألفوا ذلك من قبل فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة، و الفات نظر المترددين الي الحقيقة التي غابت عن أذهانهم، فقد روي الكليني بالاسناد عن علي بن اسباط، قال: خرج عليه‌السلام علي فنظرت الي رأسه و رجليه؛ لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتي قعد، فقال: «يا علي، ان الله احتج في الامام بمثل ما احتج في النبوة، فقال: (و آتيناه الحكم صبيا) [57] ، قال: (و لما بلغ أشده) [58] ، (و بلغ أربعين سنة) [59] فقد يجوز أن يؤتي الحكمة صبيا [60] ، و يجوز أن يعطاها و هو ابن أربعين سنة» [61] . و عندما يسأل عن هذا الموضوع و هو ابن سبع سنين أو نحوها، يجيب سائله اجابة قاطعة ليس فيها ترديد و لا تورية... جواب واثق مطمئن من امامته علي الناس، و هو ما رواه الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: سألته - يعني أباجعفر عليه‌السلام - عن شي‌ء من أمر الامام، فقلت: يكون الامام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال: «نعم، و أقل من خمس سنين». فقال سهل: فحدثني علي بن مهزيار بهذا في سنة احدي و عشرين [ صفحه 34] و مائتين [62] . كما أنه عليه‌السلام يرد علي المنكرين عليه صغر سنه بشواهد قرآنية لها مصاديق من سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، و هو ما نقرأه في رواية الكليني الاخري عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، قال: قال علي بن حسان لأبي‌جعفر عليه‌السلام: يا سيدي، ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: (و ما ينكرون من ذلك، قول الله عزوجل؟ لقد قال الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (قل هذه سبيلي أدعو الي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني) [63] فوالله ما تبعه الا علي عليه‌السلام و له تسع سنين و أنا ابن تسع سنين» [64] . من خلال التأمل في الروايات التي مر ذكرها يتبين لنا تركيز الأئمة عليهم‌السلام علي دور الامامة في حياة الامة، و مقارنتها بالنبوة. و طبيعي أن تقرن الامامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة، فالامام عليه‌السلام انما يلفت نظر النسا الي أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوة و الامامة؛ لأنهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه و تعالي، و الله تعالي لا يختار لرسالاته الا المعصوم المتحصل لجميع الكمالات، و عليه فهو تبارك و تعالي لا يتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة و الأمة، و مدي الحاجة الي الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة اليه هناك ماسة و ضرورية. نعم، فالامام يريد أن يقول للناس: عليكم أن تنظروا للامام.. أن تتعاملوا [ صفحه 35] مع منصب الامامة، كما تنظرون الي مقام النبوة و تتعاملوا معها. فالامامة امتداد طبيعي للنبوة، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لأنهما كما قلنا - من مختصات السماء، و ما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة، و أنها - أي الامامة - «.. أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا، و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالونها بآرائهم، أو يقيموا اماما باختيارهم...» [65] . و لما كان هذا حال الامامة و الامام، يجريان مجري النبوة و الأنبياء، فانه يجوز علي الامام أن يتولي الامامة و هو ابن سنتين - مثلا - أو أقل من ذلك أو أكثر، كما جاز ذلك في النبوة و هو ما عرفناه من قبل في مثال يحيي بن زكريا، و عيسي بن مريم عليهماالسلام. و الشهيد آية الله العظمي السيد محمد باقر الصدر قدس سره في محاضرته التي أشرنا اليها قبل قليل يلفت النظر الي أنه لو تم دراسة ظاهرة امامة الجواد عليه‌السلام بقانون حساب الاحتمالات لتبين: (أنها وحدها كافية للاقتناع بحقانية هذا الخط الذي كان يمثله الامام الجواد عليه‌السلام). و هو طريق عقلي آخر يضاف الي طرق اثبات الامامة و حصرها بأهل البيت عليهم‌السلام، ثم يفترض السيد الشهيد قدس سره عدة افتراضات يمكن أن تثار حول امامة الامام الجواد عليه‌السلام و يجيب عنها منطقيا و تاريخيا، لكنه قدس سره يجيب قبل طرح الافتراضات فيقول: (اذ كيف يمكن أن نفترض فرضا آخر غير فرض الامامة الواقعية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين و يتولي زعامة هذه الطائفة في كل المجالات الروحية و الفكرية و الفقهية و الدينية). [ صفحه 37]

الحالة السياسية في عصر الامام

اشاره

تميزت الفترة الزمنية التي عاشها الامام الجواد عليه‌السلام بعد استشهاد والده الامام الرضا عليه‌السلام؛ بهدوء سياسي نسبي، بعد أن تم تصفية الحساب في وقت سابق بين الأخوين العباسيين الأمين و المأمون بمقتل الأول (25 محرم 198 ه)، و تفرد الثاني بالسلطة السياسية، و قد خلا له الجو من المنافس السياسي سوي الامام الرضا عليه‌السلام، الذي كان يتصدر الزعامة الروحية و الاجتماعية للمجتمع الاسلامي، و سوي بعض الثورات و الانتفاضات العلوية هنا و هناك، و التي سرعان ما قضي عليها بحنكة سياسية، و دهاء ماكر، و قوة عسكرية حاسمة، ثم دبر أمر تصفية الامام الرضا عليه‌السلام في آخر صفر [66] سنة 203 ه، بمكيدة و دهاء تامين، الأمر الذي جنب المأمون أي مشكلة سياسية ذات بال تواجه استقرار الحكومة. أما اضطرابات بغداد و انفصالها عن سلطة المأمون، و مبايعة عمه ابراهيم [ صفحه 38] ابن‌المهدي العباسي في) 5 محرم سنة 202 ه) بالخلافة، ثم مناوشاتهم و حروبهم مع ولاة دولة المأمون، فسرعان ما أخمدت و عادت بغداد الي أحضان دولة الخلافة المأمونية، بدخول المأمون مدينة السلام علي رأس جيش خراساني لجب في 18 صفر سنة 204 ه [67] . و بعد استتباب الأوضاع السياسية في بغداد، و استقرار شؤون الدولة في العاصمة الجديدة (بغداد)، من بناء القصور الملكية و الدواوين (الوزارات)، و المراكز الأمنية و غيرها، تتناهي الي سمع المأمون أخبار أبي‌جعفر ابن‌الرضا عليه‌السلام و احتفاء الناس به، و ظهور كراماته و معجزاته. فيتأمل المأمون - و هو السياسي المحنك و الخبير - في الأمر مليا، و يرسل خلف الامام ابن‌الرضا عليه‌السلام يستدعيه من المدينة الي بغداد في تلك السنة. و في تقديرنا أن التحرك السياسي للامام الجواد عليه‌السلام يبتدي‌ء من السنة التالية (205 ه) التي وصل فيها الي بغداد بعد أن أدي نسك الحج، و عاد الي المدينة ليجمع أهل بيته و عمومته من الهاشميين و خدمه؛ لمرافقته الي عاصمة الدولة لاجابة (المأمون) طلبه، و كان له عليه‌السلام أول لقاء مع المأمون العباسي في التاريخ المذكور، و من ذلك الوقت يبدأ المسلسل التاريخي الحافل السياسي، و الاجتماعي، و العلمي لحياة جواد الأئمة عليهم‌السلام. بعد هذه التقدمة الموجزة ندخل الي رحاب الحياة السياسية للامام الجواد عليه‌السلام، باستشفاف بعض ملامح موقف السلطة العباسية تجاه الامام عليه‌السلام من جهة، و تجاه الشيعة عموما من جهة أخري. [ صفحه 39]

الموقف السياسي بعد شهادة الامام الرضا

كانت الفترة بين (رمضان 201 - صفر 203 ه) [68] التي تقلد فيها الامام الرضا عليه‌السلام ولاية العهد سني هدوء نسبي الا ما كان من اضطراب الأمور في بغداد حنقا علي المأمون؛ لمقتل محمد الأمين أولا؛ و لتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ظنا منهم أن الخلافة ستخرج من بني‌العباس الي آل أبي‌طالب، لكن تبين بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ما كانوا يستعجلون تفكيره. و أما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الامام الرضا عليه‌السلام فكانت هي الاخري مشحونة بالحذر و الترقب من قبل الشيعة عموما و البيت الهاشمي خصوصا؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الامام الجواد عليه‌السلام و انزاله تلك المنزلة منه، و هذا الترقب و الحذر راجع الي عدة أمور لعل من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية: 1 - شغف المأمون بأبي‌جعفر عليه‌السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة الي بغداد؛ لما رأي من غزارة علمه و هو لم يبلغ الحلم بعد، و لم يحضر عند أحد للتلمذ و الدراسة، ثم ان صغر السن و امتلاك علوم جمة و الجلوس للمناظرة و الحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة و غريبة في دنيا الاسلام [ صفحه 40] يومذاك، تجلب الانتباه و تأخذ بالعقول و تستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة. 2 - المأمون، و لأجل رفع أصابع الاتهام عنه باغتيال الامام الرضا عليه‌السلام، أراد أن يثبت ظاهريا للعوام و الخواص حبه للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، من خلال بقائه علي ولاء و حب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماما زائدا، و تكريما متميزا للامام الجواد عليه‌السلام، بل و أقر له ما كان يعطي أباه الرضا عليه‌السلام من عطاء و زيادة، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهم سنويا [69] . 3 - تزويجه اياه من ابنته (زينب) المكناة بأم الفضل، و اسكانه قصور السلطنة. 4 - توليته بعد وروده بغداد عام (204 ه) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام مكة و المدينة. و بقي علي ولايتهما حتي أواخر عام (206 ه). 5 - أمره ولاة الأقاليم و الخطباء باظهار فضائل الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام علي المنابر في جميع المناسبات. 6 - تبنيه مذهب الاعتزال و اظهار القول بخلق القرآن في ربيع الأول سنة (212 ه)، و كان الدافع من وراء ذلك - علي ما يظهر لنا - سياسيا، لأجل تصفية بعض الخصوم و ابعاد البعض الآخر، و اجبار بعض الفقهاء، خارج المدار السلطاني، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة. ثم لعله أراد من اظهار هذا الحق باطلا كان يختبي‌ء في [ صفحه 41] مطاوي نفسه التي لم تعرف نواياها الحقيقية، فماتت معه بموته. كما أراد صرف الناس عن التوجه الي أهل البيت عليهم‌السلام و التمسك بمنهجهم القويم. بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم‌السلام عموما، و الطالبيين بشكل أخص، و فوت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته. و بذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب - و ان كان علي حذر و وجل الي فترة غير قليلة - استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي، و استحكام أمر الخلافة. و لم يكن المأمون مستعجلا هذه المرة مع الامام الجواد عليه‌السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع، بشأن تصفية وجوده، لما يشكله عليه‌السلام من خطر علي مستقبل الخلافة و الوجود العباسي ككل. و لقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الامام الرضا عليه‌السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده، علي امتداد فترة امامة أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام، الا ما كان من ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام في اليمن سنة (207 ه). كان هذا مجمل الوضع السياسي بعيد استشهاد الامام الرضا عليه‌السلام، و تسنم الامام الجواد عليه‌السلام منصب الامامة، و اظهاره لها و هو حدث صغير، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه نحوه، و تصطك عنده ركب العلماء، و تثني أمامه هيبة و اذعانا لعلمه. ثم ما كان من أحداث (قم) سنة (210 ه). و في سنة (214 ه) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر. و سنأتي علي تفصيل هذه الثورات [ صفحه 42] و الحركات في خاتمة هذا الفصل ان شاء الله. و في مطلع سنة (215 ه) كان خروج المأمون لغزو الروم، مارا بتكريت سالكا طريق الموصل - نصيبين علي ما يبدو. و قد طال أمد حروبه نسبيا مع الروم فاستمرت حتي وفاته في عام (218 ه) [70] تخللتها فترات هدنة عاد فيها الي الشام. و لعل آخر حدث في حياة الامام الجواد عليه‌السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام (219 ه) يدعو للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

القول بخلق القرآن

في ربيع الأول من عام (212 ه) أظهر المأمون لأول مرة القول بخلق القرآن الكريم، و تفضيل علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. ثم بعد فترة أصدر (مرسوما) ملوكيا و عممه علي كافة ولايات الامبراطورية الاسلامية يدعو فيه القضاة و المحدثين للقول بخلق القرآن، و الا ردت شهاداتهم، و أمر باشخاص جماعة منهم اليه، و كان يومها في الرقة. أما السبب الذي قاد الي أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين و العلماء الذين لم يكونوا ميالين الي السلطة السياسية، و لم يستطيعوا خوض نضال سياسي و اجتماعي مكشوف مع السلطة خوفا علي استمرارية وجودهم في الحياة، لما تميز به الدور الأموي من طابع قمعي استبدادي. [ صفحه 43] فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطور الفلسفة الاسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر، و اعتماده الجدل المنطقي، و القياس في مناقشة القضايا الكلامية. ثم كان من مقولاتهم: المنزلة بين المنزلتين، و حرية الاختيار (التفويض)، و أخيرا خلق القرآن. و بوصول نوبة الخلافة الي المأمون و دعمه مذهب الاعتزال، حدا به الموقف (السياسي - العقيدي) الي اتباع وسائل ادارية قسرية لفرض و اشاعة هذا المذهب، حتي بلغ الأمر أن أصدر مرسومه السلطاني - فيما بعد - بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال و القائلين بخلق القرآن. هذه الأطروحة الفكرية العقائدية التي كان يراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون و المعتصم و الواثق، يعاقب من لم يقل بها و يتخذها مبدأ له. و فعلا فقد شكل هذا المقطع الزمني (محنة) بالنسبة لغير (فقهاء السلطان). فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر و المعتقد الي مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية، و ضرب المعارضة الفكرية في آن واحد. و التأريخ لم يحدثنا عن موقف للامام الجواد عليه‌السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل و نقاش سنين عديدة.

الامام و السلطة

قبل الحديث عن علاقة الامام أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام بالسلطة العباسية، [ صفحه 44] و المأمون العباسي رأس السلطة بالخصوص، ثم ما تمخض عن تلك العلاقة من ارهاصات، لابد من القاء الضوء علي بعض المقدمات التي استرعت انتباه السلطة الحاكمة، و جعلتها تولي قضية الامام الجواد عليه‌السلام أهمية خاصة، سيما و أن امامته عليه‌السلام و هو بهذه السن غير المعهودة من قبل، قد طار صيتها في الآفاق، و أخذت تجتذب اليها القلوب، و تستهوي جماهير الأمة الاسلامية، و راح حديث خلافة أبي‌جعفر لأبيه الرضا عليهماالسلام في منصب الامامة، و نبوغه العلمي و هو في هذا السن المبكر يسري شيئا فشيئا الي مختلف أقطار الدولة الاسلامية، بعد أن أصبح حديث عامة الناس و شغلهم في مكة و المدينة. و مرة اخري اختلفت كلمة الشيعة بعد استشهاد الامام الرضا عليه‌السلام، و وقعوا في حيرة من أمر الامامة؛ لاستصغار بعضهم سن أبي‌جعفر عليه‌السلام، رغم أن الرضا عليه‌السلام طالما أكد لشيعته و أصحابه حال حياته بصريح العبارة، و أبوجعفر لم يتجاوز الثلاث سنوات، بأنه امامهم و مولاهم من بعده، و قد مرت الاشارة الي تلك الأحاديث في النص علي امامته عليه‌السلام من الفصل الأول. و لكن... و بعد استشهاد الامام الرضا عليه‌السلام تحيرت الشيعة و اضطرب أمرهم في كل الأمصار، ففي بغداد مثلا (اجتمع الريان بن الصلت، و صفوان ابن‌يحيي، و محمد بن حكيم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمن و جماعة من وجوه الشيعة و ثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في (بركة زلزل) يبكون و يتوجعون من المصيبة. فقال لهم يونس بن عبدالرحمن: دعو البكاء، من لهذا الأمر، و الي من نقصد بالمسائل الي أن يكبر هذا الصبي؟ يعني أباجعفر عليه‌السلام، و كان له ست [ صفحه 45] سنين و شهور [71] ثم قال: أنا و من مثلي! فقام اليه الريان بن الصلت فوضع يده في حلقه، و لم يزل يلطمه و يقول له: أنت تظهر الايمان لنا و تبطن الشك و الشرك،: ان كان أمره من الله جل و علا، فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم و فوقه، و ان لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما ينبغي أن يفكر فيه، فأقبلت العصابة عليه (يونس بن عبدالرحمن) تعذله و توبخه. و كان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار و علمائهم ثمانون رجلا، فخرجوا الي الحج، و قصدوا المدينة؛ ليشاهدوا أباجعفر عليه‌السلام فلما وافوا، أتوا دار الامام جعفر الصادق عليه‌السلام؛ لأنها كانت فارغة، و دخلوها و جلسوا علي بساط كبير، و خرج اليهم عبدالله بن موسي، فجلس في صدر المجلس، و قام مناد و قال: هذا ابن‌رسول الله، فمن أراد السؤال فليسأله. فقام اليه رجل من القوم فقال له: ما تقول في رجل قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟ قال: طلقت ثلاث دون الجوزاء. ثم قام اليه رجل آخر فقال: ما تقول في رجل أتي بهيمة؟ قال: تقطع يده، و يجلد مئة جلدة، و ينفي. فورد علي الشيعة ما حيرهم و غمهم، و اضطربت الفقهاء و قاموا و هموا بالانصراف، و قالوا في أنفسهم: لو كان أبوجعفر عليه‌السلام يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان، و من الجواب بغير الواجب، فهم في ذلك اذ فتح باب من صدر المجلس، و دخل (موفق) و قال: هذا أبوجعفر، فقاموا اليه بأجمعهم و استقبلوه و سلموا عليه، فدخل عليه‌السلام و عليه قميصان، [ صفحه 46] و عمامة بذؤابتين احداهما من قدام و الاخري من خلف، و نعل بقبالين [72] ، فجلس و أمسك الناس كلهم، ثم قام صاحب المسألة الاولي، فقال: يابن رسول الله، ما تقول فيمن قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟ فقال له: «يا هذا اقرأ كتاب الله، قال الله تبارك و تعالي: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) [73] في الثالثة». قال: فان عمك أفتاني بكيت و كيت. فقال: «يا عم اتق الله و لا تفت و في الامة من هو أعلم منك». فقام اليه صاحب المسألة الثانية، فقال له: يابن رسول الله، ما تقول في رجل أتي بهيمة؟ فقال: «يعزر، و يحمي ظهر البهيمة، و تخرج من البلد حتي لا يبقي علي الرجل عارها». فقال: ان عمك أفتاني بكيت و كيت. فالتفت و قال بأعلي صوته: «لا اله الا الله، يا عبدالله! انه عظيم عند الله أن تقف غدا بين يدي الله فيقول لك، لم أفتيت عبادي بما لا تعلم و في الأمة من هو أعلم منك؟». فقال عبدالله بن موسي: رأيت أخي الرضا و قد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: «انما سئل الرضا عن نباش نبش قبر امرأة ففجر بها، و أخذ ثيابها، فأمر بقطعه للسرقة، و جلده للزنا، و نفيه للمثلة». ففرح القوم، و دعوا له و أثنوا عليه) [74] . [ صفحه 47] نعم، فرح القوم لما عرفوا من أن الامامة حقا متعينة في هذا الفتي المستوعب للفقه... الحاضر الجواب... العارف باجابة أبيه، و قد تركه أبوه طفلا صغيرا في الخامسة من عمره... و جاء في العديد من المصادر أن القوم سألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة [75] ، و وجدنا أن البعض أخذ يلتمس وجوها لتبرير عدم معقولية مثل هذا العدد الهائل من المسائل في مجلس واحد [76] و هو أمر غير معقول طبعا، اللهم الا أن يستمر انعقاد المجلس لعدة أيام أو يخفض العدد الي الثلاثين. و المرجح - و الي هذا الرأي ذهب آخرون - أن (الألف) زيادة من النساخ، فان الفيض الكاشاني رحمه الله نقل الخبر في المحجة البيضاء و ليس فيه كلمة (ألف) [77] . من ثم - و بعد استتباب الأوضاع الأمنية داخليا - بدأ يتناهي الي سمع الدولة في بغداد، احتفاء الناس بالامام و انبهارهم بعلومه علي صغر سنه. و نظرا لأن اللعبة السياسية لم تنته بعد. فبغياب نجم الامام الرضا عليه‌السلام، برز نجم آخر لمع في دنيا الاسلام، أخذ يستقطب اليه الأمة شيئا فشيئا بجاذبية يندر وجودها في أكابر الشخصيات العلمية أو السياسية. اذن فمشكلة الامامة - بالنسبة للسلطة العباسية - و استقطاب جماهير [ صفحه 48] الأمة لم تزل قائمة الي الآن، و فصول المسلسل (الدرامي) الذي لم ينته بانتهاء الامام الرضا عليه‌السلام.. يجب أن يعالج هذه المرة بأسلوب أهدأ.. و طريقة طبيعية تسقط الامام و الامامة من أعين الناس، دون استخدام العنف أو التصفية الجسدية.. فلقد سعي المأمون الداهية المتآمر، و هو أعظم خلفاء بني‌العباس خطرا.. و أكثرهم علما.. و أبعدهم نظرا.. و أشدهم مكرا.. و أخفاهم مكيدة.. سعي هو و حاشيته الي الالتفاف علي الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام بالمكر و التحايل؛ لقتله و هو ما يزال حيا، و ذلك باسقاطه في أعين الناس، و كذا فعل المعتصم. ففي احدي المرات وصل بهم خبث السريرة الي أنهم أرادوا ايثاق الامام و سقيه خمرا الي حد الاسكار، ثم اخراجه الي الناس علي تلك الحالة مضمخا بخلوق الملوك. لكن كيدهم لم يتم باذن الله تعالي، اذ منعهم المأمون من ذلك قبل تنفيذ خطتهم، حيث خاف عواقب هذا الفعل الشنيع، قائلا لهم: لا تؤذوا أباجعفر.. [78] . كما احتال المأمون علي أبي‌جعفر عليه‌السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شي‌ء، فلما اعتل و أراد أن يزف اليه ابنته، قال محمد بن الريان: (دفع الي مئة [79] و صيفة من أجمل ما يكون، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلن أباجعفر عليه‌السلام اذا قعد في موضع الأختان. فلم يلتفت اليهن، و كان رجل يقال له «مخارق» صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون. فقال: يا أميرالمؤمنين ان كان في شي‌ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد [ صفحه 49] بين يدي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني، فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر لا يلتفت اليه لا يمينا و لا شمالا، ثم رفع رأسه و قال: «اتق الله يا ذا العثنون!»، قال: فسقط المضراب من يده و العود و فلم ينتفع بيديه الي أن مات، قال: فسأله المأمون عن حاله، قال: لما صاح بي أبوجعفر، فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا) [80] . و علي كل حال، فقد أرسل المأمون الي محمد بن عبدالملك الزيات يوصيه بحمل أبي‌جعفر من المدينة الي بغداد علي أحسن محمل، و أن لا يعجل بهم السير، و يريحهم في المنازل. فيكلف ابن الزيات الحسن بن علي بن يقطين؛ لمنزلته و منزلة أبيه من الأئمة عليهم‌السلام و الخلفاء و الأمراء معا. بأن يرافق أباجعفر و أهله و عياله في سفرهم. و يظعن الرحل مودعا المدينة المنورة، متجها صوب بغداد. و ينسي الخليفة أو يتناسي قدوم الوفد المدني، فلقد ألهته ليالي الانس... و أيام الصيد، السؤال عن القادمين من المدينة أو أنه فعلا تناسي أمرهم، و هي عادة الملوك في استصغار من سواهم، و أراد أن يلتقي بأبي جعفر بشكل غير علني، اما حياء من البيت الهاشمي لما أحله بأبيهم الرضا عليه‌السلام قبل عهد قريب، و اما أنفة و استعلاء منه - و هو أميرالمؤمنين المسيطر علي الآفاق شرقا و غربا - أن يلتقي بحدث صغير لم يبلغ الحلم. فلم يكن المأمون قد وقف بعد علي علم الامام الجواد عليه‌السلام و نبوغه المذهل. أو انه لم يكن هذا و لا ذاك، انما أراد أن يستريح القادمون لبضعة أيام من و عثاء السفر، ثم يستدعي اليه التقي عليه‌السلام ليتعرف أخباره. [ صفحه 50] و ذكرت الأخبار أن المأمون خرج يوما في نزهة للصيد، فاجتاز بطرق البلد. و لعله كان قاصدا لاختيار هذا الطريق، فقد علم قبل ذلك أين نزل الوافدون... و علم أيضا من هم؟! و هكذا كان... فقد تم (اللقاء الأول) في الطريق علي ما ينقله المؤرخون، و يمكن أن يكون الامام الجواد عليه‌السلام هو الذي سعي لأن يلتقيه المأمون في هذا المكان. فلسان الرواية يقول: اجتاز - المأمون - بطرف البلد، و ثم صبيان يلعبون، و محمد الجواد عليه‌السلام واقف عندهم... فالامام عليه‌السلام ليس من شأنه الوقوف علي قارعة الطريق أو التفرج علي ملاعب الصبيان لقضاء الوقت، و لا عرف عن الأئمة أنهم كانوا يلعبون و يلهون في الطرقات مع أقرانهم في أيام طفولتهم، فهم أجل و أسمي من أن يصرفوا أوقاتهم في اللعب أو اللهو؛ لأن الامام عليه‌السلام متعين عليه هداية الأمة و بنائها فكريا و اجتماعيا، و قيادتها نحو ارساء قواعد الشريعة بما يحقق حكومة الله في الأرض. فالامام عليه‌السلام لا يلهو و لا يلعب [81] قط منذ طفولته، فقد روي عن علي بن حسان الواسطي أنه كان ممن خرج مع الجماعة [82] ، و هم ثمانون عالما [ صفحه 51] اجتمعوا في موسم عام (203 ه) من مختلف الأقطار، و التقوا في المدينة المنورة لمعرفة من هو المتعين للامامة بعد شهادة الامام الرضا عليه‌السلام. قال علي بن حسان: حملت معي اليه عليه‌السلام من الآلة التي للصبيان، بعضها من فضة، و قلت: أتحف مولاي أباجعفر بها. فلما تفرق الناس عنه بعد جواب الجميع قام فمضي الي صريا و اتبعته، فلقيت موفقا، قلت: استأذن لي علي أبي‌جعفر، فدخلت فسلمت، فرد علي السلام و في وجهه كراهة، و لم يأمرني بالجلوس، فدنوت منه و فرغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر الي نظر مغضب، ثم رمي يمينا و شمالا، ثم قال: «ما لهذا خلقني الله، ما أنا و اللعب؟!» فاستعفيته، فعفا عني، فأخذتها و خرجت [83] . اذن، يبدو أن الامام أباجعفر عليه‌السلام استغل فرصة خروج المأمون و مروره بالقرب من منازلهم، فوقف بازاء صبيان يلعبون في الطريق؛ ليتم هنالك اللقاء... و خبر هذا اللقاء ينقله لنا ابن‌شهر آشوب، و ابن‌الصباغ المالكي، و المحدث الشيخ عباس القمي، و غيرهم. و نحن ننقل نص رواية ابن‌شهر آشوب حيث قال: اجتاز المأمون بابن الرضا عليه‌السلام و هو بين صبيان يلعبون، فهربوا سواه، فقال: علي به، فقال له: مالك ما هربت في جملة الصبيان؟ قال عليه‌السلام: «مالي ذنب فأفر، و لا الطريق ضيق فأوسعه عليك، تمر من حيث شئت، فقال: من تكون؟ قال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن‌علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. فقال: ما تعرف من العلوم؟ قال: سلني عن أخبار السموات». فودعه [ صفحه 52] و مضي، و علي يده باز أشهب يطلب به الصيد. فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا، و الباز يثب عن يده، فأرسله و طار يطلب الأفق حتي غاب عن ناظرة ساعة ثم عاد اليه و قد صاد حية، فوضع الحية في بيت الطعم، و قال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي، ثم عاد و ابن‌الرضا في جملة الصبيان. فقال: ما عندك من أخبار السموات؟ فقال: «نعم يا أميرالمؤمنين، حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي، عن جبرئيل، عن رب العالمين، أنه قال: بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور، و يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء». فقال: صدقت، و صدق آباؤك، و صدق جدك، و صدق ربك. فأركبه ثم زوجه أم‌الفضل [84] . بعد ذلك اللقاء و الحوار الحاسمين أدرك المأمون عظمة هذا الصبي، و بعد شأوه... فاصطحبه معه الي قصوره حيث الرفاه و نعومة العيش و طراوة الحياة باستبرقها و جواريها و قيانها.. لكن الخليفة علم أن الصبي لا تستهويه فخامة الخدمة، و أبهة الملوك كثيرا، و لم يسترع انتباهه الجمال الفاتن لحظة.. فقرر - و في مناورة سياسية حاذقة - اصطياد ثلاثة في رمية واحدة، و رميته هي أن يزوجه من ابنته الجميلة الصغيرة (زينب) المكناة بأم الفضل، [ صفحه 53] و لا فضل لها. خاصة و هي مسماة له منذ سنوات خمس. أما صيده الذي توخي اصابته، فقد حسب: أولا: أنه سيصرف الامام الصبي اليافع الي ملاذ الحياة، و تنتشي نفسه بقرب النساء، و سوف يشغفن قلبه شيئا فشيئا فيصبو اليهن. و ثانيا: أراد أن يجعل من ابنته و خدمها رقيبا دائميا علي كل حركة للامام، و علي من يتصل به من الشيعة، ثم انه أسكنه بالقرب منه كي يحد من اتصال الناس به؛ لأن القصور الملكية لا يتيسر لكل أحد أن يدخلها، و لا دخولها بالأمر اليسير. و الهدف الأخير الذي حاول اصابته هو أن يجعل من نفسه قريبا من البيت العلوي، فهو عم ولدهم الامام الجواد عليه‌السلام اليوم، و الأب الأكبر (جد) لصبيهم غدا الذي هو ابن‌رسول الله، و هذا مكسب سياسي و اجتماعي مهم جدا. و فيما لو أصابت رمياته الثلاث هذه فسوف يكم أفواه الطالبيين، و يقطع أي قيام أو تحرك لهم، و هو العالم المتيقن بأنهم أحق بالخلافة من أي انسان علي هذه الأرض. و بناء علي تحقيق هذه الأغراض و غيرها مما كان يدور في رأس المأمون، خطي خطوته الأولي و قرر من جانب واحد أن يتم الزواج و الاقتران مهما يكن من أمر، و رغم كل المعترضين، و لا موافق لهذا الزواج سواه. ثم يأتي دور المعتصم الذي لم يكن أرأف بلامام خاصة، و العلويين عامة من أخيه المأمون، فقد احتال هو الآخر علي الامام الجواد عليه‌السلام للوقيعة به، و ايجاد مبرر لسجنه ثم قتله، بأن اتهمه بجمع السلاح، و أنه يريد الثورة [ صفحه 54] عليه، و أشهد بذلك عليه شاهدين حلفا زورا و كذبا أنهما رأيا السلاح يجمع. لكن الامام عليه‌السلام تخلص من هذا الموقف بأن أراهم معجزة أرهبهم بها، فخاف المعتصم سوء العاقبة فتركه لسبيله دون أن يتعرض له مضمرا عليه حقدا دفينا [85] .

احداث الزواج و مراسيم عقد القران

عند مطالعة تاريخ الامام الجواد عليه‌السلام تشعر أن أحداثه مقتضبة يشوبها الغموض في العديد من جنباته و منعطفاته الحساسة، كما يراودك احساس بأن هناك أمورا و أحداثا قد خفيت من صفحة التاريخ، أو أنها أخفيت تعمدا و حسدا و حقدا طورا، و خوفا من سياط السلطان و بطشه طورا آخر. أحدها هو حدث زواج الامام، و هو المنعطف المهم و الخطير بالنسبة للبيتين العلوي و العباسي، لم يؤرخ بدقة و تفصيل بحيث يقف القاري‌ء - من خلال مطالعته - علي حقائق هذه المرحلة المهمة من حياة الامام المباركة أو علي الأقل أن يلم ببعض تلك الحقائق التي بقيت خفية حبيسة الكتمان؛ لأن الحياة القصيرة للامام أبي‌جعفر عليه‌السلام لم تكن طبيعية أبدا في مختلف مقاطعها الزمنية. و علي أي حال، فمن خلال استقراء مراجع و مصادر ترجمة الامام الجواد عليه‌السلام الخاصة و العامة نستظهر أن الزواج تم علي ثلاث مراحل (التسمية، عقد القران، الزواج)، و كل واحدة تمت في فترة زمنية متباعدة نسبيا عن الاخري. [ صفحه 55] ففي عام (201 ه) و في مراسم تنصيب الامام الرضا عليه‌السلام لولاية العهد - في رمضان - و تكريما للامام ظاهريا، فقد عقد له المأمون علي ابنته، و قيل: اخته أم حبيبة في نفس تلك الليلة، و سمي ابنته الصغيرة الأخري لأبي‌جعفر أيضا زيادة في التكريم و الاجلال؛ لكنه كان يضمر وراء هذا الزواج دوافع سياسية و اجتماعية عديدة. أما عقد القران الفخم و المجلل و الذي تحدث عنه أغلب الرواة و المؤرخين علي أنه حدث الزواج، فقد كان في عام (205 ه) بعد قدوم الامام من المدينة الي بغداد للمرة الأولي، وكان يومها ابن‌تسع سنين ونصف السنة أو نحوها، و استمر الحفل ليومين. صرف خلاله المأمون علي ابنته ملايين الدراهم و زعها بدرا و اقطاعات و جواهرا و ثيابا علي قواده و وزرائه و حاشيته و مدعويه [86] . أما عن حدث الزواج الذي لم يكن اختياريا، بل يظهر من القرائن أن الامام الجواد عليه‌السلام كان مجبرا علي القدوم الي بغداد ثانية مع زوجه أم‌الفضل؛ للدخول بها بأمر من أبيها، رغم استعدادات المأمون الهائلة للخروج الي حرب الروم. و فعلا فقد كانت طلائع جيشه قد خرجت أمامه تغذ الخطي نحو بلاد الروم، و يتبعها المأمون صاعدا مع دجلة بكتائبه الخاصة حتي اذا عسكر بتكريت، قدم عليه الامام الجواد عليه‌السلام في صفر من عام (215 ه) و التقاه بها، [ صفحه 56] فأمر المأمون أباجعفر عليه‌السلام أن يدخل بأم الفضل من فوره بعد أن هيئت له دار أحمد بن يوسف - من أعوان المأمون - التي علي شاطي‌ء دجلة، فأقام بها مدة لا تقل عن تسعة أشهر، فلما كان أيام الحج، خرج بأهله و عياله حتي أتي مكة، ثم منزله بالمدينة، فأقام بها [87] . كما أن قرائن أخري تشير الي أن هناك مشكلة زوجية كانت قائمة بين الامام و زوجه أم‌الفضل، كان المأمون - علي ما يبدو - قد وعد ابنته الشابة المراهقة علي حلها؛ لكثرة ما كانت تكتب من رسائل الي أبيها شارحة فيها حظها العاثر [88] ، و تفضيل الجواري و السراري عليها، بل و كانت تدعو علي أبيها علي هذا الزواج غير الموفق [89] ؛ لأنها حسب الظاهر لم تكن تصلح لأن تكون حليلة للامام عليه‌السلام و أما لأولاده، و هي كذلك بالفعل. فقد لمس البيت المأموني الوضع الكئيب لابنتهم، و أصبح الأمر يقلقهم كثيرا، بل ان المأمون ما زوج ابنته من أبي‌جعفر عليه‌السلام الا ليستولدها منه، و يكون جدا لأحد أبناء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مما يقوي مركزه السياسي في الحكم، كما صرح هو بذلك حين أفصح عن أحد الدواعي التي دفعته الي هذا التزويج، و هو السياسي المحنك الذي ينظر الي مدي أبعد مما ينظره غيره، فقال: (اني أحببت أن أكون جدا لامري‌ء ولده رسول الله، و علي بن أبي‌طالب) [90] ؛ و لهذا السبب وحده كان هذا الاستدعاء المفاجي‌ء و العاجل، [ صفحه 57] و المثول بين يدي المأمون ثم (الأمر) بالدخول بالفتاة. و لا ريب أن الامام كان عارفا بالنوايا؛ لذا فقد كان يفشل خططهم بطرقة الخاصة و هم لا يشعرون. و هنا نشير الي ما أورده محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي في (دلائل الامامة) بقوله: (و مكث أبوجعفر مستخفيا بالامامة، فلما صار له ست عشرة سنة، وجه المأمون من حمله اليه، و أنزله بالقرب من داره، و عزم علي تزويجه ابنته..) [91] . و يبدو أن في عبارة الطبري بعض الارتباك و التصحيف، حيث نقل المسعودي رواية قدوم و فد علماء بغداد الي المدينة و سؤالهم الجواد عليه‌السلام و كان مع الوفد علي بن حسان الواسطي المعروف بالأعمش [92] الذي حمل معه تحفا و بعض اللعب الفضية مما كان يلهو به صبية بغداد في ذلك الوقت، ظنا منه أن أباجعفر عليه‌السلام سوف يسر بها؛ لكن الامام عليه‌السلام نهره بغضب، و بدا علي وجهه عدم الارتياح، لما وضعها أمامه، و رد عليه بما قدمناه في الحديث آنفا. ثم في نهاية الخبر ذكر المسعودي عبارة علي بن حسان بقوله: و خرجت و معي تلك الآلات. و بقي أبوجعفر عليه‌السلام مستخفيا بالامامة الي أن صارت سنة عشر سنين. الي هنا ينتهي خبر الواسطي في اثبات الوصية، ثم أتبعه المسعودي برواية اخبار الجواد عليه‌السلام جاريتهم بمضي والده في [ صفحه 58] خراسان... ثم أتبع الرواية مباشرة بقوله: ثم وجه المأمون فحمله و أنزله بالقرب من داره و أجمع علي أن يزوجه ابنته... فانك تري هنا أن عبارة المسعودي: الي أن صارت سنه عشر سنين. أصبحت عند الطبري في الدلائل: صار له ست عشرة سنة. هذا ما أردنا الاشارة اليه، فلاحظ. و عقد القران الذي تميز بحدث المناظرة المهم و الخطير، و لعله يعد من أهم أحداث حياة الامام الجواد عليه‌السلام؛ لكثرة من كان قد حضر في ذلك المجلس من عامة الناس و خاصتهم، فقد تناقله المحدثون و المؤرخون بما رافقه من حوادث أخري بشي‌ء من التفصيل. فالحدث أورده علي بن الحسين المسعودي [93] ، و الشيخ المفيد [94] كل بسنده عن الريان بن شبيب، قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم‌الفضل أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم و استكبروه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا عليه‌السلام، فخاضوا في ذلك. و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا له: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن‌الرضا، فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله، و ينزع منا عز قد ألبسناه الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم، آل أبي‌طالب، قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن [ صفحه 59] تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن‌الرضا و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي‌طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكان أولي بكم، و أما ما كان يفعله من كان قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم، أعوذ بالله من ذلك، و والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته أن يقوم بالأمر و انزعه عن نفسي فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا، و أما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه. فقالوا: ان هذا الصبي و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم انني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما و صفت من حاله. قالوا له: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي‌ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه، لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه. فقال لهم المأمون: شأنكم و ذاك متي أردتم. فخرجوا من عنده و أجمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم، و هو يومئذ قاضي القضاة علي أن يسأله [ صفحه 60] مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك. و اجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي‌جعفر عليه‌السلام دست [95] ،و تجعل له فيه مسورتان [96] ، ففعل ذلك، و خرج أبوجعفر عليه‌السلام و هو يومئذ ابن‌تسع سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي‌جعفر عليه‌السلام. فقال يحيي بن أكثم للمأمون: يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيي بن أكثم فقال: أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟ فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: «سل ان شئت» قال يحيي: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟ فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: «قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم كبارها؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما؟». فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع و لجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم [ صفحه 61] تنكرونه؟ ثم أقبل علي أبي‌جعفر عليه‌السلام فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ قال: «نعم يا أميرالمؤمنين» فقال له المأمون: أخطب، جلعت فداك لنفسك، فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوجك أم‌الفضل ابنتي و ان رغم قوم لذلك. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: «الحمدلله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته. أما بعد: فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم) [97] ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب أم‌الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهماالسلام و هو خمسمائة درهم جياد، فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟». قال المأمون: نعم، قد زوجتك أباجعفر أم‌الفضل ابنتي علي هذا الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام: «قد قبلت ذلك و رضيت به». فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة. قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم علي عجل مملوءة من الغالية [98] ، فأمر المأمون أن تخضب [ صفحه 62] لحي الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فطيبوا منها، و وضعت الموائد فأكل الناس، و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم، فلما تفرق الناس و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي‌جعفر: ان رأيت - جلعت فداك - أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: «نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فان كان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و ان كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة، فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه للحج نحره بمني، و ان كان احرامه للعمرة نحرة بمكة. و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد له المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ، و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة». فقال له المأمون: أحسنت - أباجعفر - أحسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك. فقال أبوجعفر ليحيي: «أسألك؟» قال: ذلك اليك - جعلت فداك - فان عرفت جواب ما تسألني عنه و الا استفدته منك. فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: «خبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار فكان [ صفحه 63] نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة و بماذا حلت له و حرمت عليه؟». فقال له يحيي بن أكثم: لا و الله ما أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه. فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: «هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له». قال: فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟! قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم و ما رأي. فقال لهم: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و هو ابن‌عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره. و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما ابناه دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما، أفلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها [ صفحه 64] من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟! قالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين، ثم نهض القوم. فلما كان من الغد احضر الناس، و حضر أبوجعفر عليه‌السلام، و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي‌جعفر عليه‌السلام، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك و زعفران معجون، في أجواب تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنية و اقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة، أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فاطلق له. وضعت البدر، فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا. و تقدم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين. و لم يزل مكرما لأبي‌جعفر عليه‌السلام معظما لقدره مدة حياته، يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته [99] .

الثورات و الانتفاضات في عهد الامام

اشاره

لم تزل الثورات العلوية و الانتفاضات الشيعية، منذ وضعت حرب الامام الحسين عليه‌السلام أوزارها، تتأجج و تشتعل بين الحين و الآخر كلما سنحت لذلك فرصة، و كلما برز قائد ناهض. يساعد علي ذلك؛ استمرار دور [ صفحه 65] الأئمة عليهم‌السلام و حركتهم التغييرية داخل الامة أولا؛ و ثانيا: استمرارية تسلط الحكومة الجائرة الظالمة اللاشرعية علي رقاب المسلمين، و انتشار الفساد الاجتماعي و الاداري و التعسف و الجور. و سنتناول هنا ما سجله لنا التاريخ من ثورات أو انتفاضات انطلقت في عهد امامة أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام. مع أن البعض من تلك الأحداث و ان وقعت في حياته عليه‌السلام الا أننا أعرضنا عن ذكرها؛ لئلا تطول بنا صحائف هذه الدراسة الموجزة؛ و لأن تلك الحوادث كانت مما وقع في عهد (امامة) الامام الرضا عليه‌السلام؛ كثورة محمد بن ابراهيم بن طباطبا في الكوفة، و ما تلاها من مساجلات و حروب لقائده العسكري أبي‌السرايا السري بن منصور [100] ثم انتفاضة اليمن بقيادة ابراهيم ابن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام؛ و خروج محمد ابن الامام جعفر الصادق عليه‌السلام في المدينة المنورة [101] ؛ و انتفاضة الكوفة مرة اخري سنة (202 ه) بقيادة أبي‌عبدالله ابن‌منصور أخو أبي‌السرايا [102] كما أن حركة حدثت بقيادة جعفر بن داود القمي سنة (214 ه) ذكرها الطبري في تاريخه [103] بشكل مقتضب، و لم نعثر علي تفاصيل تاريخية لهذه الحركة، و لم نقف علي ذكر لجعفر القمي هذا، و من يكون؟ و تحت تأثير القسوة التي أبداها المأمون العباسي، والدهاء الذي أظهره، من خلال تسليم ولاية العهد للامام الرضا عليه‌السلام، أصبحت الأوضاع السياسية في حالة شبه مستقرة، واستحالت الثورات و كل تحرك ضد سلطته القائمة [ صفحه 66] الي رماد، و لو أنه كان يخبي‌ء تحته نارا. ثم يخيم وجوم... و يسود صمت (شيعي - علوي).. يدوم بضع سنين.. و الناس في حيرة و وجل مما يفعله المأمون بابن الرضا عليه‌السلام، فبين شاك، و مصدق، و منتظر ما يؤول اليه الأمر غدا، و هو ما أراده المأمون من مناورة الاستدعاء للامام الجواد عليه‌السلام الي بغداد ثم تزويجه من ابنته و اسكانه بالقرب منه و الجعجعة به. و يستمر هذا الحال و الامام يمارس دور الامامة و مهامها الكبري بأناة و ترو، حتي تحين سنة (207 ه).

ثورة عبدالرحمن في اليمن

بعد استتباب الامور للمأمون، و سيطرته التامة علي مجاري الشؤون الداخلية للدولة الاسلامية المترامية الأطراف، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و هو يدعو للرضا من آل محمد [104] (سنة 9207 ه). و كان ذا جاه، فالتف حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن و من غيرهم ممن ضاقوا ذرعا من العباسيين و ولاتهم. و سرعان ما سيطرت الحركة علي البلاد، لتعاطف جماهير الامة معها. و التاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة و ظروفها و أسبابها و مداخلاتها. و هناك قول لم نتحقق صحته، أن الثائر عبدالرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسي عليه‌السلام و دعا اليه سنة سبع و مئتين (207 ه) [105] . [ صفحه 67] و تتسارع أنباء الثورة الي بغداد عاصمة الخلافة، فيجهز المأمون جيشا كثيفا بقيادة دينار بن عبدالله، و يرسله الي اليمن لمساعدة و اليه المفوض هناك علي تهامة اليمن محمد بن ابراهيم بن عبيدالله بن زياد ابن أبيه، و عاصمته زبيد، لقمع الثورة، و كتب مع قائد الجيش كتاب أمان الي عبدالرحمن. و ما أن وصلت طلائع الجيش الي مشارف اليمن، و علم عبدالرحمن أن لا قبل له بها، و كان قد قري‌ء عليه كتاب الأمان، عندئذ لم يجد بدا من تسليم نفسه علي شرط الكتاب فقبض عليه و أرسل الي بغداد، فغضب المأمون بسببه علي الطالبيين و منعهم من الدخول الي مجلسه، ثم أجبرهم علي لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية [106] . و كان محمد بن ابراهيم الزيادي من أشد الناس بغضا لعلي بن أبي‌طالب و أهل بيته عليهم‌السلام؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجده لغير رشده [107] فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه، فأوقع بالعلويين و أنصارهم و قتل شيعتهم و فرق جمعهم، و بدد أوصالهم، و اجتاح مناطق تواجدهم، و أخذ يوسع منطقة نفوذه حتي تم له الاستيلاء علي أغلب البلاد اليمنية [108] . [ صفحه 68]

انتفاضة القميين

ان القبضة الحديدية للسلطة العباسية تجاه أهل البيت عليهم‌السلام و شيعتهم، لم تمنع من ظهور الحركات و الثورات ضد التعسف و الجور العباسي بين الفينة و الاخري، من هذه الحركات حركة أهالي قم و انتفاضتهم عام (210 ه). و معلوم تشيع القميين و ولاؤهم لأهل البيت عليهم‌السلام، فانهم و تبرما من كثرة ما يدفعون من خراج السلطان الذي فرض عليهم، اذ كان عليهم دفع مليوني (2000000) درهم سنويا، فاستكثروا هذا المبلغ و طلبوا تخفيفه أسوة بما لحق الري من حطيطة خراجهم. و رفع طلبهم الي المأمون، فرفض اجابتهم الي ما سألوا، فامتنعوا من أداء خراج هذا العام، و ثاروا فخلعوا و اليهم و طردوه، و نجحوا في السيطرة علي البلد، و لو استمر نجاحهم لتغير الحال الي وضع لا تحمد عقباه بالنسبة للسلطة المركزية، لكن المأمون تدارك أمرهم بعلي بن هشام علي رأي جيش أتبعه بآخر بقيادة عجيف بن عنبسة، ثم ألحقهما بسرية كانت عائدة من خراسان. فالتقي الطرفان في حرب غير متكافئة بالعدة و العدد حتي ظفر علي بن هشام بالقميين و قتل رئيسهم يحيي بن عمران، و هدم سور المدينة، و فرض عليهم بدل المليونين سبعة ملايين درهم سنويا، جباها منهم في سنته، فدفعوها اليه صاغرين [109] .

ثورة محمد بن القاسم العلوي

من أهم الثورات العلوية الشيعية التي حدثت في زمن امامة الامام [ صفحه 69] الجواد عليه‌السلام، هي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن‌علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام الملقب بالصوفي؛ للبسه ثياب الصوف و المكني بأبي‌جعفر. كان من أهل العلم و الفقه و الدين و الزهد. و قد فصل خروجه و منازلاته ثم القبض عليه أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين قائلا: و كان خروجه في منطقة الطالقان التي تبعد عن مرو أربعين فرسخا و دعوته كانت للرضا من آل محمد كما هي حال كل الثورات العلوية، و قد تبعه عدد من وجوه الزيدية كيحيي بن الحسن بن الفرات الحريري، و عباد بن يعقوب الرواجني، و كانوا يدعون الناس اليه فتبعهم في مدة يسيرة خلق كثير. و تمت سيطرته علي الطالقان مدة أربعة أشهر. فلما بلغ خبره عبدالله بن طاهر وجه اليه الجيوش، فكانت له بين قواد عبدالله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان و جبالها، انهزم أخيرا محمد و أصحابه و تفرقوا في النواحي و الآكام، و لجأ محمد بن القاسم الي (نسا) فوشي به هناك فألقي عليه القبض، و قيد بالحديد و أرسل الي عبدالله بن طاهر، فأرسله عبدالله الي المعتصم في (سر من رأي) فأدخل عليه في مجلس شرابه و لهوه يوم 15 ربيع الثاني سنة (219 ه)، و كان يوم نوروز، فأوقفه المعتصم حتي فرغ الغلمان من اللعب و الراقصات الفرغانيات من الرقص، و كانت أكؤس الشراب تدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم، فلما رأي هذا الوضع بكي ثم قال: اللهم انك تعلم أني لم أزل حريصا علي تغيير هذا و انكاره. ثم أمر به المعتصم فحبس في سرداب ضيق كاد أن يموت فيه، فأمر باخراجه منه و ايداعه في سجن في بستان. فلما كان ليلة عيد الفطر احتال محمد بطريقة فهرب بها من السجن و غاب عن الأنظار و لم يعرف له خبر [ صفحه 70] بعد ذلك، و قيل: انه رجع الي الطالقان فمات بها. و قيل: بل انه اختفي ببغداد مدة ثم انحدر الي واسط فمكث بها حتي مات، و هو الذي مال اليه أبوالفرج الأصفهاني و صححه. و قيل: انه تواري أيام المعتصم و الواثق، و أخذ في أيام المتوكل فحبسه حتي مات في محبسه، و يقال: انه دس اليه سما فمات منه [110] . قال المسعودي: و قد انقاد الي امامته خلق كثير من الزيدية الي هذا الوقت، و هو سنة (332 ه)، و منهم خلق كثير يزعمون أن محمدا لم يمت، و أنه حي يرزق، و أنه يخرج فيملؤها عدلا كما ملئت جورا، و أنه مهدي هذه الامة، و أكثر هؤلاء بناحية الكوفة و جبال طبرستان و الديلم و كثير من كور خراسان [111] . هذا ما وقفنا عليه من حوادث و أحداث خلال سني امامة أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام، و مع أن التاريخ لم يحدثنا عن موقف علني للامام عليه‌السلام من هذه الثورات و الانتفاضات الا أنها بلا شك كانت ستنال رضا الامام عليه‌السلام فيما لو نجحت في تحقيق أهدافها في الاطاحة بالمتسلطين علي الحكم ظلما و عدوانا. [ صفحه 71]

العطاء الفكري للامام

اشاره

لابد للامام المعصوم أن يمارس نفس الأدوار و المهام التي كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يمارسها في حياة الأمة من تبليغ الرسالة... و هداية الأمة الي الرشاد.. أصالة عن دوره في تحمل أعباء الامامة المتعينة من قبل السماء، و التي «هي منزلة الأنبياء، وارث الأوصياء..» [112] ، و نيابة عن النبوة الخاتمة باعتبارهم الامتداد الطبيعي لها بما اكتسبوه من عصمة في الفكر و السلوك، و «ان الامامة خلافة الله، و خلافة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم» [113] ، و لهذا و ذاك فان حاجة الناس الي الامام كحاجتها الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم؛ لتعليق نظام أمورها الدينية و الدنيوية عليه. و عليه فدراسة حياة الأئمة عليهم‌السلام باعتبارهم أوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يجب أن تعتمد المنهجية الأصيلة في البحث؛ فتبرز خصائص الامام الذاتية و سيرته و سلوكه علي أنها متممة للسيرة النبوية المباركة من جانب، و من جانب آخر عليها - أي الدراسة - ابراز جانب التكليف الالهي لمنصب وصاية الأنبياء، و وظيفة الامام الرسالية في البناء الفكري و العقيدي للامة [ صفحه 72] الاسلامية، ثم هداية الشعوب و الامم الي خط الاسلام الأصيل، تماما كما كان يفعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ابان الدعوة، و بعد انتشار الاسلام. و هكذا تحتفظ مسيرة حركة الأنبياء بتعجيلها في انطلاقتها الي آخر عمر الدنيا، حيث ان الاسلام رسالة خاتمة، و ليس بعده نبوة أو رسالة. و لهذا اكتسب منصب الامامة و الوصاية أهمية بالغة و خطيرة في حركة الامة، و من هنا ندرك معني قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «من سره أن يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، و ليوال وليه، و ليقتد بأهل بيتي من بعدي فانهم عترتي، خلقوا من طينتي، و رزقوا فهمي و علمي» [114] . فالأئمة اذن؛ قوام الله علي خلقه، و عرفاؤه علي عباده، و لا يدخل الله أحدا الجنة الا من قد عرفهم و عرفوه، و لا يدخل النار الا من أنكرهم و أنكروه [115] . و من خلال هذه السلسلة لأئمة الهدي الاثني عشر تطالع الأنموذج الأمثل لسيرة أولياء الله الصالحين، الهادين المهديين، و هي تضارع سيرة الأنبياء ان لم تكن تماثلها أو تسمو عليها في بعض الحالات. و لا تحسبن ذلك غلوا منا أو شططا من القول، فالصحيح المتواتر عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أن عيسي بن مريم و هو نبي من أولي العزم ينزل عند خروج المهدي صاحب الزمان (عج) و يكون بمثابة وزيره، و يصلي خلفه مأموما [116] . [ صفحه 73] و هكذا جميع الأئمة عليهم‌السلام كل له دوره المتميز، و هم متحدون في الصفات و الأهداف، و منهم امامنا الجواد عليه‌السلام الذي لا يختلف عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام، انما تميزوا باختلاف أدوارهم، و تنوع مواقفهم حسب ظروف المرحلة التي مروا بها و طبيعتها. و رغم قصر عمر أبي‌جعفر الثاني، فقد تميزت حياته بدور فاعل و مؤثر في حركة المجتمع خاصة و أنه مهد الطريق، و هيأ الأجواء لثلاثة أئمة أتوا من بعده كانت ظاهرة صغر السن بالنسبة الي بعضهم تشكل أمرا بالغ الخطورة، خاصة في قضية الامام القائم محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام. و سوف نلمس العطاء الفكري و العلمي للامام الجواد عليه‌السلام من خلال أصحابه و تلامذته و الرواة عنه، و من خلال ما تناوله من علوم و معارف أثري بها مدوناتنا الفقهية و الحديثية، رغم (الحصار المبطن) الذي أحيط بالامام طيلة اقامته في بغداد و التي لم يفصح المؤرخون عن مدتها تحديدا؛ و من خلال كلماته القصار التي هي مناهج للعقيدة... و برامج عمل نحو السمو و التكامل الروحي لبناء الانسان وفق المنظور الاسلامي.

اصحاب الامام و الرواة عنه

أصحاب الأئمة عليهم‌السلام عموما، و المحدثون و الرواة منهم خاصة، يشكلون بلا ريب الامتداد الحضاري لفكر الامام و رسالته علي طول الفترة الزمنية التي يعيشها المحدث، ثم الذي يحدث عنه... و هكذا كلما تطاولت سلسلة الرواة عبر التاريخ كما وكيفا، زادت الصلة و توثقت، و تعمق الترابط بين [ صفحه 74] تراثنا العريق و بين الحاضر المعاصر الجديد. و سبق الحديث عن ما لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام من دور في حركة المجتمع و التاريخ، كذلك أصحابهم و وكلاؤهم عليهم‌السلام كان لهم أيضا دور فاعل في عملية التغيير و البناء الرسالي التكاملي للامة، فقد كانوا بمثابة أذرع الامامة الممتدة في الامة، و أصواتها الموصلة لرسالتهم الي جماهير الناس و أفرادها. ثم ان هؤلاء هم الحافظون لتراثهم الاسلامي الأصيل، و الناقلون له الي الأجيال التالية من بعدهم. لهذا كان الأئمة عليهم‌السلام يحرصون علي اصطفاء مجموعة من الأصحاب الثقات المخلصين الذين يرون فيهم أهلية تحمل بعض علوم الامام و استيعابها. فكانوا عليهم‌السلام يعدونهم اعدادا خاصا؛ ليفضوا اليهم ببعض أسرارهم و علومهم. و بذا فقد تخرج من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام رجال أفذاذ يعتبرون من مفاخر التاريخ، و نوادر الدنيا في مختلف العلوم من فقه و حديث و تفسير و لغة و فلسفة و أخلاق الي غير ذلك ما شاء الله من العلوم و المعارف الاسلامية. و لو تصفحنا تاريخ الثلة المؤمنة من أولئك الرجال الأماثل، و تتبعنا ما حفظوه لنا من تراثنا الاسلامي، فسنجد أن هناك كنوزا من الذخائر أودعوها لنا في مدونات بلغ ما كتبه منها محمد بن أبي‌عمير - مثلا - أربعا و تسعين كتابا، و ما كتبه الفضل بن شاذان يبلغ مئة و ثمانين كتابا، و يونس ابن‌عبدالرحمن أكثر من ثلاثمائة كتاب، و محمد بن أحمد بن ابراهيم أكثر من سبعين كتابا، و علي بن مهزيار خمسا و ثلاثين كتابا. [ صفحه 75] فهذه أكثر من ستمئة و سبعين كتابا لخمسة فقط من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام، علما بأن لدينا ما يزيد علي ستة آلاف و ستمئة كتاب [117] مؤلفة في أبواب الفقه و الأحكام، اشتهر منها (400) كتاب سميت (أصولا) كانت هي المعول عليها في الرجوع الي المسائل الفقهية و استكشاف جواباتها الواقعية التي هي جوابات الأئمة عليهم‌السلام عن المسائل التي كانت تطرحها الناس عليهم، ثم اعتمدت هذه الاصول فيما بعد في كتابة مدوناتنا الحديثية. و لو نظرنا الي المعاجم الرجالية الاولي، فسنجد أن لكل امام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مجموعة كبيرة من الرجال و المحدثين تحيط به، تسمع منه، و عنه تأخذ أحكام الدين، و عن طريقه تعيد سماع أحاديث الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم. و امامنا الجواد عليه‌السلام واحد من تلك الكوكبة المختارة رحمة للبشرية، و القطب الذي كانت تدور عليه العلماء و الفقهاء، ليس من الشيعة فحسب، بل و من غير الشيعة من المذاهب و الفرق و التيارات الاخري. و في تقديرنا أن عدد الأصحاب و الرواة يشير الي مدي تحرك الامام في الامة، و طبيعي أن للظروف السياسية أثرا ايجابيا في تحديد الكم الظاهري الذي يدور حول محور الامام عليه‌السلام، و الذي يستقطب اليه كل التيارات و ان كانت معاكسة و مخالفة في مسيرها للاتجاه الطبيعي للتحرك الاسلامي. و هذه هي احدي مهام و أهداف الامامة في العمل الرسالي، و التوجه التربوي الذي تقوم عليه. فالامام هو القاسم المشترك الذي تلتقي عنده كل المعادلات، و تقبله جميع الأرقام السياسية و العقيدية و الفكرية، و هو أمر لا يتهيأ لكل أحد الا [ صفحه 76] من عصمه الله تعالي من الزلل و الخطل، و أعده لتولي هداية البشر. و لو نظرنا الي أصحاب و رواة الامام أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام نظرة تحليلية فاحصة، فاننا نجد أن هناك مجموعة كبيرة من الرواة و الأصحاب نسبة الي باقي الأئمة عليهم‌السلام مع الأخذ بنظر الاعتبار قصر عمر الامام، و الظروف السياسية الخاصة التي كانت تحيط به، ثم صغر سنه و ما قد عرفت فيما مضي من تردد البعض في قبول امامته، و مع كل هذا فقد كانت حصيلة امامنا الجواد عليه‌السلام من الصحابة و الرواة و الوكلاء أن أحصينا تعدادهم بما يقرب من (250) و هو عدد لم يسبقنا اليه أحد ممن ترجم للامام عليه‌السلام و عد أو أحصي رواته و صحبه من الرجاليين، فالشيخ الطوسي - مثلا - عد في موسوعته الرجالية (116 ه) من أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام و رواته. كما أنك تلحظ أن بين هذه الجمهرة من الصحابة و الرواة كبار العلماء و الفقهاء و المحدثين، و أعلام الفكر و الأدب، كما أن فيهم من العامة و الغلاة و المجاهيل لدينا أو لمن ذكرهم بالمجهولية، و هذه الجمهرة ان دلت علي شي‌ء فانها أول ما تدل علي مقدار و مدي ما يتمتع به الامام عليه‌السلام من حصيلة علمية ثرة يتصاغر أمام سعتها و شموليتها أكابر العلماء، و عظماء الفقهاء، كما أن العدد الجم الذي صحب الامام و هو في أوان شبابه، ما صحبوه الا للاستفادة من ثراء علمه و حاجتهم اليه. كما تجد من بين هذا العدد الغفير ما يزيد علي الأربعين من الرواة الثقات أو الوكلاء، و فيهم من أجمعت الطائفة علي تصحيح كل ما رووه و ان أرسلوا، و منهم نحو هذا العدد أيضا من أصحاب المؤلفات و الشعراء. و لا يخفي ما لهؤلاء الأعلام من دور ايجابي فاعل في حفظ و نشر التراث الاسلامي الأصيل، تراث أهل البيت عليهم‌السلام. فمن ذكر في أصحاب الامام أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام من العلماء و الفقهاء من [ صفحه 77] أصحاب المصنفات: 1 - ابراهيم بن أبي‌البلاد يحيي، أبويحيي الكوفي: ثقة، قاري‌ء، أديب، له كتاب. عمر طويلا فصحب من الأئمة الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد عليهم‌السلام. و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام، أثني عليه الامام الرضا عليه‌السلام في رسالة بعثها اليه. 2 - ابراهيم بن أبي‌محمود الخراساني: ثقة، جليل القدر، من أهل الحديث و الرواية، مصنف. مكفوف البصر. عد في أصحاب الامامين الكاظم و الرضا عليهماالسلام، دعا له الامام الجواد عليه‌السلام بالجنة. 3 - ابراهيم بن مهزيار، أبواسحاق الأهوازي: هو أخو علي بن مهزيار، عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام، و أدرك الامام المهدي عليه‌السلام و شاهده. له كتاب البشارات. 4 - أحمد بن اسحاق بن عبدالله، أبوعلي الأشعري القمي: ثقة، عين، شيخ القميين و مبعوثهم و رابطهم مع الأئمة عليهم‌السلام، اختص بالامام العسكري عليه‌السلام و توكل له. عد في أصحاب الامامين الجواد و العسكري عليهماالسلام، و تشرف بلقاء الامام المهدي عليه‌السلام. له مؤلفات في الفقه. 5 - أحمد بن عبدالله بن عيسي بن مصقلة الأشعري القمي: له كتاب عن الامام الجواد عليه‌السلام. 6 - أحمد بن محمد بن خالد، أبوجعفر البرقي: فقيه، محدث، مصنف، له نحو مئة مصنف كلها مفقودة عدا كتاب المحاسن المشهور و كتاب في الرجال عرف ب«رجال البرقي». توفي سنة (274 ه) و قيل سنة: (280 ه). [ صفحه 78] 7 - أحمد بن محمد بن عبيدالله الأشعري القمي، ثقة، له كتاب، يعد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 8 - أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي‌نصر، أبوجعفر البزنطي: ثقة، ثبت، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الكاظم و الرضا و الجواد عليهم‌السلام، توفي سنة (221 ه). 9 - أحمد بن محمد بن عيسي، أبوجعفر الأشعري القمي: فقيه، مصنف، شيخ القميين و رئيسهم. و هو أول من سكن قم من الأشعريين، جليل القدر، يلقي السلطان و الولاة مكرما مهابا. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام. 10 - اسماعيل بن سهل الدهقان: له كتاب، ذكر في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام، و فيه ضعف. 11 - اسماعيل ابن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام، أبوأحمد: مصنف، ذكر في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 12 - أيوب بن نوح بن دراج، أبوالحسين الكوفي: ثقة، مأمون، مصنف، عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام. من خواص الامام الجواد عليه‌السلام، ولي قضاء الكوفة. 13 - بكر بن أحمد بن ابراهيم، أبومحمد الأشج: مصنف، ذكر في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 14 - بكر بن صالح الرازي: له كتاب، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 15 - جعفر بن محمد بن يونس الأحول الصيرفي: ثقة، له كتاب. عد في [ صفحه 79] أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 16 - الحسن بن سعيد بن حماد، أبومحمد الأهوازي: مصنف، جليل القدر، واسع الرواية، كوفي الأصل. عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام شريك أخيه الحسين في تصانيفهما. 17 - الحسن بن العباس بن الحريش، أبوعلي الرازي: له كتاب، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 18 - الحسن بن علي بن زياد، أبومحمد الكوفي الخزاز المعروف بالوشاء: وجه من وجوه الشيعة، له كتاب. عد في أصحاب الامامين الرضا و الهادي عليهماالسلام، و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. و هو القائل في مسجد الكوفة: أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر ابن‌محمد. 19 - الحسن بن علي بن يقطين: له كتاب. عد في أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام، و يروي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 20 - الحسن بن محبوب بن وهب، أبوعلي السراد الكوفي: ثقة، فقيه، مصنف. أحد الأركان الأربعة في عصره. و هو من المجمع علي تصحيح ما يروون و ان أرسلوا. ذكر في أصحاب الامامين الكاظم و الرضا عليهماالسلام، روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. توفي أواخر سنة (224 ه). 21 - الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي: ثقة، مصنف، كوفي، شارك أخاه الحسن في جميع تصانيفهما. 22 - حمدان بن اسحاق الخراساني: مصنف، ذكر في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. [ صفحه 80] 23 - سعد بن سعد الأحوص بن سعد الأشعري القمي: ثقة، مصنف، من أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. ترحم عليه الامام الجواد عليه‌السلام هو و آخرين، و عد في رجاله و الرواة عنه. 24 - سهل بن زياد، أبوسعيد الآدمي الرازي: مصنف. عد في أصحاب الأئمة الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام. 25 - صفوان بن يحيي، أبومحمد البجلي الكوفي: فقيه، ثقة، عين، مصنف، ورع، زاهد، من أوثق أهل زمانه. توفي بالمدينة المنورة سنة (210 ه)، فأمر الامام الجواد عليه‌السلام عمه اسماعيل بن موسي الكاظم بالصلاة عليه، دفن بالبقيع. 26 - عبدالرحمن بن عمرو بن مسلم، أبوالفضل التميمي الكوفي: ثقة، محدث، مصنف، عد في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 27 - عبدالسلام بن صالح بن سليمان، أبوالصلت الهروي: ثقة، امامي، صحيح الحديث مأمون، مصنف. مخالط للعامة. أطراه العامة و الخاصة. مولده بالمدينة، وفاته كانت سنة (232 ه)، و قال الخطيب: سنة (236 ه). 28 - عبدالعزيز بن يحيي بن أحمد، أبوأحمد الجلودي البصري: ثقة، شيخ البصرة، مصنف، له حوالي (190) كتابا في مختلف المواضيع. ذكر في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 29 - عبدالله بن الصلت، أبوطالب القمي: ثقة، مسكون الي روايته، يعرف له كتاب في التفسير. عد في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 30 - عبدالله بن محمد بن حصين الحصيني العبدي الاهوازي: ثقة، [ صفحه 81] مصنف. عد في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 31 - عبدالله بن المغيرة، أبومحمد البجلي الخزاز الكوفي: ثقة، جليل القدر، صنف (30) كتابا، و عد من أصحاب الاجماع. عد في أصحاب الامامين الكاظم و الرضا عليهماالسلام. و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 32 - علي بن اسباط بن سالم، أبوالحسن الكندي الكوفي بياع الزطي: ثقة، محدث، معتمد، مصنف، من أوثق الناس و أصدقهم لهجة. 33 - علي بن بلال، أبوالحسن البغدادي: ثقة، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام. كان حيا سنة (232 ه). 34 - علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام المدني المعروف بالعريضي: ثقة، جليل‌القدر، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الصادق و الكاظم و الرضا عليهم‌السلام، و أدرك الامام الجواد عليه‌السلام، توفي سنة (210 ه) بالعريض من نواحي المدينة المنورة و بها دفن. 35 - علي بن سيف بن عميرة، أبوالحسن النخعي الكوفي: ثقة، مصنف، عد في أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام، و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 36 - علي بن عبدالله، أبوالحسن العطار القمي: ثقة، مصنف. عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 37 - علي بن مهزيار، أبوالحسن الأهوازي: فقيه، ثقة، دين، له نحو (33) كتابا. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام. 38 - الفضل بن شاذان، أبومحمد الأزدي النيشابوري: ثقة، جليل القدر، صنف مئة و ثمانين كتابا. عد في أصحاب الامامين الهادي و العسكري، [ صفحه 82] و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. توفي سنة (260 ه). 39 - محمد بن اسماعيل بن بزيع، أبوجعفر: ثقة، صالح، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الكاظم و الرضا و الجواد عليهم‌السلام. امتدحه الامامان الرضا و الجواد عليهماالسلام. 40 - محمد بن اسماعيل الرازي: ثقة، مصنف. روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 41 - محمد ابن أورمة، أبوجعفر القمي: حديثه نقي لا فساد فيه، له أكثر من (30) مصنفا. قال ابن‌الغضائري: رأيت كتابا خرج من أبي‌الحسن علي ابن‌محمد عليه‌السلام الي القميين في براءته مما قذف به، و عد في أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام. و روي عن ابنه الامام الجواد عليه‌السلام. 42 - محمد بن الحسن بن شمون، أبوجعفر البصري البغدادي: وصف بالوقف و الغلو و طعن في مصنفاته. تروي له مكاتبات مع الامام العسكري عليه‌السلام تدل علي اعتداله و استقامة مذهبه، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام. عاش (114) سنة، و توفي سنة (258 ه). 43 - محمد بن الحسين بن أبي‌الخطاب زيد، أبوجعفر الزيات الهمداني الكوفي: ثقة، عالم، مصنف. عد في أصحاب الأئمة الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام. توفي سنة (262 ه). 44 - محمد بن حمزة العلوي المرعشي الطبري: زاهد، صالح، له كتاب في الفضائل. [ صفحه 83] 45 - محمد بن سهل بن اليسع الأشعري القمي: الظاهر أنه ثقة، معتمد، له كتاب. يروي عن الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 46 - محمد بن عيسي بن عبيد بن يقطين، أبوجعفر العبيدي اليقطيني: ثقة، عين، مصنف، عد في أصحاب الأئمة الرضا و الهادي و العسكري عليهم‌السلام و روي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 47 - محمد بن الفرج بن عبدالله الرخجي: ثقة، وجه من وجوه الشيعة. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام، و روي أيضا عن الامام الكاظم عليه‌السلام. 48 - مروك بن عبيد بن سالم بن أبي‌حفصة زياد: ثقة، صدوق، حتي ان القميين قالوا ان كتاب نوادره أصل. عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 49 - معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الكوفي الدهني: ثقة، من أجلة العلماء و الفقهاء و العدول، و هو فطحي. عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 50 - معمر بن خلاد، أبوخلاد البغدادي: ثقة، له كتاب، ذكر في أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام، و لا يبعد ادراكه لالامام الجواد عليه‌السلام. 51 - منذر بن قابوس: قال النجاشي: منذر بن محمد بن المنذر بن سعيد ابن أبي‌الجهم القابوسي، أبوالقاسم. من ولد قابوس بن النعمان بن المنذر، ثقة، مصنف. عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 52 - منصور بن العباس، أبوالحسين الرازي: قال النجاشي: سكن بغداد، و بها توفي. عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. و روي عن الامام [ صفحه 84] الجواد عليه‌السلام. 53 - موسي بن عمر بن بزيع الكوفي: ثقة، له كتاب. عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 54 - موسي بن القاسم بن معاوية، أبوعبدالله البجلي: ثقة، جليل‌القدر، حسن الطريقة، صنف ثلاثين كتابا. عد في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 55 - هارون بن الحسن بن محبوب البجلي: ثقة، صدوق، له كتاب. عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 56 - يعقوب بن اسحاق، أبويوسف ابن‌السكيت: عالم، أديب، نحوي، لغوي. له مؤلفات عديدة أشهرها اصلاح المنطق. و له عن أبي‌جعفر عليه‌السلام رواية و مسائل، و كان متقدما عنده و عند أبي‌الحسن عليه‌السلام و كانا يختصانه. طلب اليه المتوكل العباسي تأديب ولديه المعتز و المؤيد، فأدبهما خير أدب حتي كانا يتسابقان علي تقديم نعليه. و لما رأي المتوكل منهما ذلك، و قد علم بتشيعه، سأله هل ابناي هذان أفضل أم‌الحسن و الحسين؟ فغضب ابن‌السكيت و قال: و الله ان قنبرا خادم علي بن أبي‌طالب خير منك و من ولديك. فأمر المتوكل حرسه من الاتراك أن يستلوا لسانه، فسلوه فمات من فوره رحمه الله كان ذلك في الخامس من رجب سنة (244 ه). 57 - يعقوب بن يزيد بن حماد، أبويوسف الأنباري السلمي الكاتب: ثقة، صدوق، مصنف، من كتاب الخليفة العباسي المنتصر. روي عن الجواد عليه‌السلام، و كان من قبل من أصحاب أبيه. [ صفحه 85] تلك كانت جمهرة العلماء من أصحاب التصانيف، و اليك طائفة أخري من الثقات و المختصين بالامام الجواد عليه‌السلام و مريديه، و بعضا من وكلائه: 1 - ابراهيم بن محمد الهمداني: ثقة، كتب له الامام الجواد عليه‌السلام كتابا وكله فيه علي همدان و نواحيها بعد موت يحيي بن أبي‌عمران فكان وكيله، و أولاده من بعده وكلاء للأئمة الأطهار عليهم‌السلام. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام. 2 - اسحاق بن اسماعيل، أبوأحمد النيسابوري: ذكره ابن‌شهر آشوب في جملة ثقات الامام الجواد عليه‌السلام، و عد في أصحاب الامام الحسن العسكري عليه‌السلام. 3 - اسحاق الأنباري: من أجلاء الشيعة، كان محل ثقة الامام الجواد عليه‌السلام. 4 - الحسن بن راشد، أبوعلي البغدادي: فقيه، من الوكلاء الأعلام الممدوحين. عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. يروي عن الامام الجواد عليه‌السلام. 5 - الحسن بن محمد بن عبيدالله الأعرج: هو من السادات العلوية، و هو أحد شهود وصية الامام الجواد عليه‌السلام الي ابنه أبي‌الحسن الهادي عليه‌السلام، و قد كتب شهادته و أمضاها مع آخرين. 6 - الحسين بن أسد البصري: ثقة، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 7 - الحسين بن مسلم بن الحسن: وثقه ابن‌شهر آشوب في مناقبه، و عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 8 - الحسين ابن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام أبوعبدالله: كان مقرا بامامة [ صفحه 86] أخيه الرضا و ابنه الجواد عليه‌السلام. 9 - حماد الشاعر: ذكر أنه شاعر الامام الجواد المختص به هو و داود بن القاسم الجعفري الآتي ذكره. 10 - حماد بن عيسي، أبومحمد الجهني البصري: كوفي سكن البصرة، فقيه، ثقة، صدوق، ثبت في الحديث. قيل: انه ممن أجمعوا علي تصحيح ما يصح عنهم و تصديقهم. توفي سنة (209 ه) بعد أن تجاوز التسعين من العمر. 11 - حمزة بن يعلي، أبويعلي الأشعري القمي: ثقة، وجه، روي عن الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 12 - خيران الخادم القراطيسي: ثقة، جليل القدر، يظهر أنه كان وكيلا للامام الجواد عليه‌السلام و من الموثقين لديه. أجازه الامام الجواد عليه‌السلام بالعمل برأيه بشأن استلام الحقوق و صرفها بقوله عليه‌السلام: «فان رأيك رأيي، و من أطاعك فقد أطاعني». 13 - داود بن القاسم بن اسحاق، أبوهاشم الجعفري: ثقة، جليل، شاعر أهل البيت عليهم‌السلام و لازم الامام الجواد عليه‌السلام. عاصر خمسة من الأئمة عليهم‌السلام من الامام الرضا و حتي الامام المهدي المنتظر محمد بن الحسن عليهم‌السلام و روي عنهم. و له فيهم شعر جيد. حبس سنة (252 ه) في سامراء هو و الامام الهادي عليه‌السلام معا في سجن واحد. عد في أصحاب الأئمة الرضا و الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام. توفي سنة (261 ه). 14 - الريان بن شبيب: ثقة، ذكر في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام، و هو خال المعتصم العباسي. [ صفحه 87] 15 - الريان بن الصلت، أبوعلي الأشعري القمي: ثقة، معتمد عليه، صدوق، روي عن الامام الجواد عليه‌السلام، و قبل ذلك كان له اتصال بالامام الرضا عليه‌السلام. 16 - زكريا بن آدم بن عبدالله، أبويحيي الأشعري القمي: ثقة، عظيم القدر، ذكر في أصحاب الأئمة الصادق و الرضا و الجواد عليهم‌السلام. وصفه الامام الرضا عليه‌السلام بأنه المأمون علي الدين و الدنيا. ترحم عليه الامام الجواد عليه‌السلام حين سمع بموته في قم. و هو المدفون في المقبرة التي تعرف اليوم بمقبرة شيخان. 17 - سعيد بن جناح: ثقة، روي عن الامام الجواد عليه‌السلام، كوفي الأصل، نشأ و توفي ببغداد. 18 - شاذان بن الخليل النيسابوري: والد العالم الفاضل المتكلم الفضل ابن‌شاذان، فقيه، فاضل، جليل القدر، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 19 - صالح بن محمد الهمداني: ثقة، عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 20 - عبدالحميد بن سالم العطار الكوفي: ثقة، عد في أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام، و ذكر أيضا في أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام. 21 - عبدالعزيز بن المهتدي بن محمد الأشعري، القمي: ثقة، جليل القدر، توكل للامام الرضا عليه‌السلام، و كان من خاصته، و عد في أصحابه. 22 - عبدالعظيم بن عبدالله بن علي بن الحسين بن زيد ابن الامام الحسن المجتبي عليه‌السلام أبوالقاسم الحسني الرازي: ثقة، محدث، جليل القدر، عظيم [ صفحه 88] المنزلة، ذو ورع و اجتهاد. أدرك من الأئمة: الرضا و الجواد و الهادي عليهم‌السلام. كانت ولادته نحو سنة (200 ه)، أما وفاته فقد ترددت بين سنة (250 ه) و (252 ه) أو (255 ه). 23 - عبدالله ابن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام: شيخ كبير، عابد زاهد، عليه أثر السجود، صحب الامام الجواد عليه‌السلام فترة من حياته. كان يعظم الامام كثيرا. 24 - علي بن حسان، أبوالحسين الواسطي القصير المعروف بالمنمس: ثقة، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام، و قد عمر أكثر من مئة سنة. 25 - علي بن عاصم الكوفي: شيخ الشيعة في وقته، محدث، زاهد عابد. قيل: كان يحفظ (100 ألف) حديث. توفي سجينا زمن المعتضد العباسي قبل سنة (289 ه)، و قد تجاوز التسعين من العمر. 26 - محمد بن ابراهيم الحضيني الأهوازي: كان يعد من خواص الامام الجواد عليه‌السلام، و قد ترحم عليه الامام لما علم بموته. عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 27 - محمد بن عبدالجبار الشيباني القمي: ثقة، عد في أصحاب الامامين الجواد و الهادي عليهماالسلام. 28 - محمد بن يونس بن عبدالرحمن: ثقة، عد في أصحاب الامامين الرضا و الجواد عليهماالسلام. 29 - المختار بن زياد العبدي البصري: ثقة، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. [ صفحه 89] 30 - مصدق بن صدقة المدائني: ثقة، من أجلة الفقهاء و العلماء، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام و قد عمر مئة سنة. 31 - يحيي بن أبي‌عمران الهمداني: وكيل الامام الجواد عليه‌السلام في نواحي همدان. 32 - أبوالحصين بن الحصين الحصيني: ثقة، عد في أصحاب الامام الجواد عليه‌السلام. 33 - حكيمة بنت علي بن موسي الرضا عليه‌السلام: جليلة القدر، عظيمة المنزلة، حدثت عن أخيها الجواد عليه‌السلام. 34 - حكيمة بنت الامام الجواد عليه‌السلام: و هذه أيضا جليلة القدر، عظيمة المنزلة، حضرت ولادة الامام المهدي عليه‌السلام. كان لها دور بارز في عملية السفارة و ايصال الكتب الي الامام المهدي عليه‌السلام في غيبته الصغري. توفيت سنة (274 ه) و دفنت عند رجلي الامامين العسكريين. هذه المجموعة الكبيرة من الثقات و التي سبقتها من أصحاب المؤلفات و التصانيف و غيرهم من رواة الامام و أصحابه يشكلون رصيدا علميا ثرا لا غناء لنا عنه و لا محيد، و هم بعد هذا يعتبرون أوتاد المذهب و حفظة التراث، و سلفنا الصالح الذين بهم يقتدي، و عليهم يعول. ثم ان الامام عليه‌السلام باعتبار دوره القيادي الرائد في الأمة، وما يحمله من علوم و معارف، الأمر الذي جعله محورا يدور عليه فلك الأمة الاسلامية، بمختلف اتجاهاتها و تياراتها المذهبية، و لا عجب اذن لو رأيت أن بعض [ صفحه 90] رواة الأئمة عليهم‌السلام من غير شيعتهم [118] ، بل و لعل البعض منهم من الغلاة أو الواقفة و غيرهم، و هذا يؤكد ما قلناه من محورية الامام في الاشعاع العلمي الاسلامي و استقطابه لكافة الفعاليات العلمية و الاجتماعية في عصره. و لولا الأوضاع السياسية التي مرت علي الامة الاسلامية و عصفت بها منذ عهد بني‌أمية و حتي زمن متأخر من عصورنا الحاضرة لألفيت الصحاح و المدونات الحديثية قد ملئت بحديث أهل البيت عليهم‌السلام بعشرات أضعاف ما تحتويه اليوم، لكن الخوف من روايته قد حال دون ذلك؛ لأن عقوبة روايته كانت تواجه من قبل السلطان بأقسي ما تتصور من عقوبة أقلها كان هدم داره، و حذف اسمه من ديوان العطاء، و نفيه مع من يلوذ به في العراء، و هو المرحوم بحاله من قبل السلطة، هذا اذا لم تنل السيوف من حبال رقبته.

دور الامام في الحياة العلمية

اشاره

من المقدمات التي يلزم التذكير بها هنا أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام جميعا هم أبواب مدينة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يختلفون سعة، و لا يتميزون عمقا، و لا تتباين أهدافهم البتة، و انما الاختلاف و التباين و التنوع في أدوار كل منهم، تبعا للظروف السياسية و الاجتماعية و الاقليمية التي تتحكم في مساحة تحرك كل امام علي الساحة الاسلامية، و في صفوف الامة. [ صفحه 91] فهناك دور مفروض للأئمة عليهم‌السلام في نص الشريعة الاسلامية، و هو دور صيانة تجربة الاسلام... و تعميق الرسالة فكريا و روحيا و سياسيا في الأمة.. و المحافظة علي المقياس العقائدي و الرسالي في المجتمع الاسلامي. و لقد تمثل الدور الايجابي لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام، في أنهم استطاعوا الابقاء علي المعالم الدينية الأساسية للامة، و الحفاظ علي طابعها الرسالي، و هويتها الفكرية من ناحية، و مقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطرا علي الرسالة، و ضربها في بدايات تكوينها من ناحية اخري.. [119] . و بعد ذلك فان الرسالة الاسلامية تعني بالانسان من كل نواحيه، و تأخذ بيده الي كل مجالاته و لا تفارقه، و هو علي مخدعه في فراشه، و هو في بيته بينه و بين ربه، بينه و بين نفسه، بينه و بين أفراد عائلته، و هو في السوق، و هو في المدرسة، و هو في المجتمع، و هو في السياسة، و هو في الاقتصاد، و هو في أي مجال من مجالات حياته [120] ، و من هنا يتوجب في القائد أن يكون علي اطلاع و معرفة بكل مناحي الحياة، و استيعاب لمجمل العلوم التي يحتاجها أهل الأرض، و لكل ما نزل من السماء، و هو ما لم يتحقق في غير النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و بمن أودعهم مكنون علومه من أهل بيته المعصومين المنتجبين الأبرار عليهم‌السلام. و قد ورد في الأخبار أن من صفات الامام عليه‌السلام: «أن يكون أعلم الناس بحلال الله و حرامه، و ضروب أحكامه، و أمره و نهيه، و جميع ما يحتاج اليه [ صفحه 92] الناس. فيحتاج الناس اليه، و يستغني عنهم» [121] . من هنا نقف علي أن علم الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام واحد، فعلم أولهم كعلم آخرهم، علم الهامي يتوارثونه خلفا عن سلف، صغيرهم و كبيرهم فيه سواء، بل ورد أن الأئمة عليهم‌السلام تنتقل اليهم بعض مواريث الأنبياء عليهم‌السلام أيضا، كالسيف و الخاتم و العصا، و غيرها. اضافة الي ما يعلمونه من أحكام جميع رسالات السماء السابقة. و حديثهم أيضا واحد ليس فيه اختلاف و تعارض، و ان ظهر في ألفاظ و معان مختلفة: لأنه صادر من منبع واحد، فهم عليهم‌السلام يحدثون عن آبائهم عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عليه‌السلام عن الله تبارك و تعالي، و ذلك ما جاء في قول الامام الصادق عليه‌السلام: «ان حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدي، و حديث جدي حديث علي بن أبي‌طالب أميرالمؤمنين، و حديث علي أميرالمؤمنين حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و حديث رسول الله قول الله عزوجل» [122] . بعد هذه المقدمة نعود الي ساحة قدس امامنا الجواد عليه‌السلام، كي نستلهم من فيض علومه ما نتمكن من خلاله رسم خط بياني نستطيع به استشفاف و استقراء نشاط الامام العلمي خلال حياته القصيرة جدا، و رغم سني التضييق و الاقامة الجبرية في بغداد، و ان لم تكن معلومة العدد، الا أنها بلا شك ليست قليلة بالنسبة الي المدة التي عاشها عليه‌السلام.

دوره في الفقه و أحكام الشريعة

لفقه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام سمات بارزة متميزة عن سائر الفقه السائد [ صفحه 93] في المدرسة الرأي، و خلاصة تلك السمات أنه يستمد مقوماته من القرآن الكريم أولا، ثم السنة الثابتة ثانيا، و لهذا أصبح فقه مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام هو الامتداد الطبيعي لفقه القرآن الكريم و السنة المطهرة، و ليس فيه شي‌ء من عمل الرأي أو استعمال القياس و الاستحسان و ما شابه ذلك، و هناك عشرات بل مئات الروايات المصرحة بأن كل ما لدي أهل البيت عليهم‌السلام انما هو عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم توارثوه واحدا بعد واحد وصولا الي الامام المهدي عليه‌السلام [123] . و يتميز أيضا بالشمولية فانه لم يدع ملحظا كليا أو جزئيا الا و قد بينه بمنتهي الدقة و التفصيل، أما من حيث الامتداد الزماني فهو فقه الأمس و اليوم و غدا، لصلاحيته لكل زمان و امتداده الي حل كل مشكلات الحياة. و مما تقدم يتبين أن فقه أهل البيت فقه واحد لا يقبل التفكيك و الفصل، فلا يمكننا أن نقول: ان هذا هو فقه الامام علي عليه‌السلام و هذا فقه الامام الصادق عليه‌السلام و هكذا بالنسبة الي جميع أئمة أهل البيت المعصومين عليهم‌السلام. فحديثنا اذن عن دور الامام الجواد الفقهي هو عين الحديث عن فقه أهل البيت عليهم‌السلام الذين أمرنا بطاعتهم و الاقتداء بهديهم و التمسك بحبلهم، و ذلك أمان من الضلالة بنص حديث الثقلين المتواتر عند جميع فرق المسلمين. أما عن الموارد الفقهية الكثيرة المروية عن الامام الجواد عليه‌السلام و التي لا تتسع لها هذه الدراسة الموجزة؛ فهي دالة بلا شك علي أنه عليه‌السلام ملأ الفراغ الفقهي في عصره و أنه قد أغني الساحة الاسلامية، و شيعته علي وجه [ صفحه 94] الخصوص عن غيره، فلم يلتمسوا حلول مشكلاتهم و اجابات اسئلتهم من أحد غيره، و هم الطائفة الواسعة الانتشار في شرق بلاد المسلمين و غربها. و من خلال قراءة و استعراض لبعض تلك الموارد نستخلص أن الامام الجواد عليه‌السلام كان مبرزا علي جمهور الفقهاء، و كبار العلماء و القضاة المعاصرين له... فمن حيث مجلسه عليه‌السلام في ديوان الخلافة، ما كان ليجلس الا بموازاة مجلس الخليفة، و العلماء و القضاة في مجلسهم جميعا كانوا دون مجلسه، و يمثلون بين يديه - هيبة - عند محادثته. و أما آراؤه في (العقيدة، و التفسير، و الفقه) فهي المقدمة علي بقية الآراء؛ لأنها تعكس واقعا و حقيقة روح الاسلام، و ذلك اذ يتجلي من خلال ما مر من مناظرات أو من خلال ما أثبته لنا التأريخ في قصة الزواج في عهد المأمون... أو قصة السارق الذي اعترف علي نفسه بالسرقة في عهد المعتصم، و قد طلب السارق من الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه. فأرجي‌ء الحكم عليه الي وقت معلوم. و استدعي المعتصم لذلك جمعا من العلماء و القضاة الي مجلسه للحكم في القضية، و استدعي من جملة من استدعي الامام الجواد عليه‌السلام الي ذلك المجلس الضخم الذي عقده لهذا الغرض، و كان الامام عليه‌السلام يومذاك الشاب ابن‌الخامسة و العشرين سنة أو نحوها. و رغم أن الرواية التي بين أيدينا لم تسم الفقهاء الذين حضروا مجلس الحكم، و لا عددهم؛ لكن بداهة يمكن الجزم - و يشاركنا هذا الرأي كل أحد - بأن الخليفة ما يستدعي الي مجلسه الا الطبقة الاولي من فقهاء بغداد، و محدثيها المرموقين، و قضاتها المتمكنين، لا ضعافها و مغموريها أو [ صفحه 95] أذناب الناس و شذاذهم. و عليه نستطيع أن نشخص مجموعة من فقهاء تلك المرحلة، و رؤوس مذاهبها، و أكابر قضاتها من الذين يمكن أن يستدعون الي ديوان الخلافة؛ لابداء رأي فقهي، أمثال: ابراهيم بن سيار بن النظام (ت / 231 ه)، ابراهيم بن المهدي المصيصي (ت / 225 ه) أبوثور ابراهيم ابن‌خالد الكلبي البغدادي (ت / 240 ه)، أبوحسان الزيادي الحسن بن عثمان (ت / 242 ه) و قيل: أبوحيان، أبوخيثمة زهير بن حرب النسائي (ت / 234 ه)، أبومعمر الهذلي (ت / 236 ه)، أبونصر التمار، أبوالهذيل محمد بن الهذيل العلاف العبدي (ت / 235 ه)، كان نسيج وحده و عالم دهره، لم يتقدمه أحد من الموافقين له و لا من المخالفين، أحمد بن ابراهيم الدورقي العبدي (ت / 246 ه)، أحمد بن أبي‌دؤاد (ت / 240 ه) قاضي قضاة الدولة العباسية، أحمد بن حنبل (ت / 241 ه) و لو أنه لم يكن يحضر مجالس الخلفاء الا أنه لا يمنع أن يجيب اذا استدعي، أحمد بن الفرات (ت / 258 ه)، أحمد بن منيع البغوي (ت / 244 ه)، اسحاق بن أبي‌اسرائيل، اسماعيل بن اسحاق السراج، اسماعيل بن أبي‌أويس (ت / 226 ه) و هو ابن‌أخت مالك بن أنس، اسماعيل بن حماد بن أبي‌حنيفة ولي القضاء للمعتصم بعد ابن‌سماعة، بشر بن المعتمر الهلالي رئيس معتزلة بغداد في زمانه، بشر ابن‌الوليد الكندي الحنفي (ت / 238 ه)، ثمامة بن الأشرس و كان واحد دهره في العلم و الأدب، جعفر بن حرب الهمداني (ت / 236 ه)، جعفر ابن‌عيسي الحسني أحد القضاة، جعفر بن مبشر الثقفي (ت / 234 ه)، الحسن ابن‌عرفة العبدي (ت / 257 ه)، حفص بن عمر بن عبدالعزيز الدوري البغدادي (ت / 246 ه) امام القراء و شيخ زمانه، حيان بن بشر تسلم قضاء الكرخ سنة (237 ه)، خلف بن هشام البزار (ت / 229 ه)، سجادة أبوعلي [ صفحه 96] الحسن بن حماد الحضرمي البغدادي (ت / 241 ه) من أجلة العلماء في زمانه، سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان (ت / 225 ه)، سليمان بن داود العتكي (ت / 234 ه)، سوار بن عبدالله العبري التميمي (ت / 245 ه) تسلم قضاء الرصافة سنة (237 ه)، شجاع بن مخلد الفلاس البغوي (ت / 235 ه)، شعيب بن سهل الرازي الملقب شعبويه (ت / 246 ه) قاضي الرصافة للمعتصم العباسي، عبدالرحمن بن اسحاق الشافعي القاضي، عبدالرحمن ابن‌كيسان الأصم، عبيدالله بن محمد بن الحسن، علي بن الجعد الجوهري البغدادي (ت / 230 ه) الحافظ الحجة مسند بغداد، علي بن الجنيد الاسكافي، عيسي ابن‌صبيح أبوموسي من علماء المعتزلة و المقدمين فيهم، قتيبة بن سعد، القواريري عبيدالله بن عمر، كامل بن طلحة الجحدري (ت / 231 ه)، المحاسبي الحارث بن أسد (ت / 243 ه)، محمد ابن‌بكار بن الريان البغدادي (ت / 238 ه)، محمد بن حاتم بن ميمون السمين (ت / 235 ه) الحافظ المجود المفسر، محمد بن الحسين البرجلاني الحنبلي (ت / 238 ه)، محمد بن حماد و كان مقربا من المأمون العباسي، محمد بن سعد (ت / 230 ه) صاحب الطبقات الكبري، محمد بن سماعة (ت / 233 ه) تولي القضاء للرشيد و بقي فيه الي أن ضعف بصره في عهد المعتصم فصرفه عنه باسماعيل بن حماد و توفي و له مئة و ثلاث سنين، محمد بن عبدالله بن المبارك المخرمي (ت / 254 ه)، محمد بن هارون الوراق (ت / 247 ه)، النضر بن شميل، هارون بن عبدالله الحمال البغدادي (ت / 243 ه)، هارون بن عبدالله الزهري (ت / 232 ه)، يحيي ابن‌أكثم التميمي المروزي البغدادي (ت / 242 ه) قاضي القضاة الفقيه العلامة من أئمة الاجتهاد، يحيي بن معين أبوزكريا المري البغدادي (ت / 233 ه) [ صفحه 97] الحافظ شيخ المحدثين و امامهم، يعقوب بن ابراهيم الدورقي (ت / 252 ه) محدث العراق [124] . و أضراب هؤلاء كثير مما يطول به المقام من الذين كانوا ببغداد يومذاك و يشار اليهم بالمشيخة و التفرد بالفضل و العلم. فالرواية التي ينقلها العياشي عن زرقان و هو محمد بن شداد أبويعلي المسمعي (ت / 278 أو 279 ه) و قد عمر طويلا، و هو أيضا من الفقهاء و المتكلمين. قال العياشي: عن زرقان صاحب ابن أبي‌دؤاد و صديقه بشدة، قال: رجع ابن أبي‌دؤاد ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة، قال: قلت له: و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أباجعفر محمد بن علي ابن‌موسي اليوم بين يدي أميرالمؤمنين المعتصم، قال: قلت له: و كيف كان ذلك؟ قال: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، و قد أحضر محمد بن علي عليه‌السلام، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع، قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع و الكف الي الكرسوع؛ [ صفحه 98] لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) [125] و اتفق معي علي ذلك قوم. و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: و ما الدليل علي ذلك؟ قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [126] في الغسل دل ذلك علي أن حد اليد هو المرفق، قال: فالتفت الي محمد بن علي عليه‌السلام، فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟ فقال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين، قال: دعني مما تكلموا به، أي شي‌ء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أميرالمؤمنين. قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه، فقال: أما اذا أقسمت علي بالله اني أقول انهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف. قال: و ما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين [127] فاذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قال الله تبارك و تعالي: (و أن المساجد لله) [128] يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحدا) و ما كان لله لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف، قال ابن أبي‌دؤاد: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أك [ صفحه 99] حيا [129] . فلسان الرواية يبين أن الخليفة أعد مسبقا لذلك المجلس جمعا غفيرا من الفقهاء للحكم في هذه المسألة، و يبدو أيضا أنه اختارهم علي مختلف المشارب و الاتجاهات الفقهية و الفكرية؛ لأن الوقت آنذاك كان وقت كلام و مساجلات و تعدد في الآراء الفقهية.

دوره في تفسير القرآن

من نافلة القول ان الأئمة من أهل البيت النبوي الطاهر عليهم‌السلام، هم الراسخون في العلم، المفسرون للقرآن الكريم كما أنزله الله و أراده حقيقة، و هم وحدهم العالمون بتأويله، و الدليل علي ظاهره و باطنه، و ليس بدعا من القول اذا سلمنا بأنهم عدل القرآن؛ للنبوي الصحيح المروي في المدونات الحديثية لدي الفريقين سواء بسواء، ذلك هو الحديث: «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا» [130] . اذا علمت هذا، فينبغي بمن هو عدل الكتاب و قرينه، أن يكون عالما بكل آياته، و محيطا بجميع أسراره و محكمه و متشابهه، ناسخه و منسوخه، و هكذا كان أهل البيت عليهم‌السلام قرآنا ناطقا يهدي للتي هي أقوم، و يبشر [ صفحه 100] المؤمنين بخط ولايتهم بأن لهم قدم صدق عند مليك مقتدر. و علي الرغم من أن ما وصل الينا عن الأئمة الميامين عليهم‌السلام بشأن القرآن الكريم و تفسيره لا يشكل الا نزرا يسيرا لما يمتلكون من حصيلة علمية، و ثراء فكري ليس لهما حدود، الا أن المتصدي لتفسير القرآن الكريم لا يمكنه الاستغناء عن تفسيرهم عليهم‌السلام لما فيه من سمات أصيلة لفهم كتاب الله، أبرزها تفسير القرآن بالقرآن، و القول بسلامة القرآن من التحريف و غيرها من المبادي‌ء الأساسية لادراك معاني الكتاب الكريم. و امامنا الجواد عليه‌السلام هو واحد من تلك الكوكبة، لا يمكن الاستغناء عما وصلنا عنه في التفسير بحال، و هو كثير جدا لو استخرج من مظانه، و جمع شتاته. و من أمثلة تفسيره عليه‌السلام، ما نقله الكليني في الكافي بسنده عن داود بن القاسم أبي‌هاشم الجعفري الذي قال: قلت لأبي‌جعفر عليه‌السلام سائلا عن معني: (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار) [131] . فقال عليه‌السلام: «يا أباهاشم، أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند، و البلدان التي لم تدخلها، و لا تدركها ببصرك، و أوهام القلوب لا تدركه، فكيف أبصار العيون؟!» [132] . و نقل شيخ الطائفة في تهذيبه، بسنده عن السيد (عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن أبي‌جعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنه قال: سألته عما أهل [ صفحه 101] لغير الله. قال: «ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر، حرم الله ذلك كما حرم الميتة و الدم و لحم الخنزير (فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه) [133] أن يأكل الميتة». قال: فقلت له: يابن رسول الله، متي تحل للمضطر الميتة؟ فقال: «حدثني أبي عن أبيه، عن آبائه عليهم‌السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سئل فقيل له: يا رسول الله انا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة، فمتي تحل لنا الميتة؟ قال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفوا بقلا، فشأنكم بهذا». قال عبدالعظيم: فقلت له: يابن رسول الله فما معني قوله عزوجل: (فمن اضطر غير باغ و لا عاد)؟ قال: «العادي: السارق، و الباغي: الذي يبغي الصيد بطرا و لهوا؛ ليعود به علي عياله، ليس لهما أن يأكلا الميتة اذا اضطرا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار، و ليس لهما أن يقصرا في صوم و لا صلاة في سفر». قال: قلت له: فقول الله تعالي: (و المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع الا ما ذكيتم) [134] قال: «المنخنقة: التي انخنقت بأخناقها حتي تموت. و الموقوذة: التي مرضت و وقذها المرض حتي لم تكن بها حركة. المتردية: التي تتردي من مكان مرتفع الي أسفل أو تتردي من جبل أو في بئر فتموت. و النطيحة: التي تنطحها بهيمة أخري فتموت. و ما أكل السبع منه فمات. و ما ذبح علي حجر أو علي صنم، الا ما أدركت ذكاته فذكي». قلت: (و أن تستقسموا بالأزلام)؟ قال: «كانوا في الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس، و يستقسمون عليه بالقداح، و كانت عشرة، سبعة [ صفحه 102] لهم أنصباء و ثلاثة لا أنصباء لها. أما التي لها أنصباء: فالفذ، و التوأم، و النافس، و الحلس، و المسبل، و المعلي، و الرقيب [135] و أما التي لا أنصباء لها: فالسفح، و المنيح، و الوغد. و كانوا يجيلون السهام بين عشرة، فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها ألزم ثلث ثمن البعير، فلا يزالون كذلك حتي تقع السهام التي لا أنصباء لها الي ثلاثة، فيلزم ثمن البعير، ثم ينحرونه و يأكل السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا، و لم يطعموا منه الثلاثة شيئا. فلما جاء الاسلام حرم الله تعالي ذكره ذلك فيما حرم، و قال: (و أن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق) يعني حراما» [136] .

دوره في ترسيخ العقائد الاسلامية

اشاره

في هذا المقطع التاريخي الذي عاصره الامام الجواد عليه‌السلام كانت حمي ظهور المذاهب الكلامية و العقائدية تأخذ بالانتشار هنا و هناك، يساعد علي ذلك توجه الحاكم نفسه الي اللعب بالورقة المذهبية من جهة و ظهور طبقة من وعاظ السلاطين نظمت نفسها و كيفتها علي نمط خاص للدخول في اكمام السلطان و العيش تحت آباطه، قانعين بما ينالهم من نتانة الموقع، و الاذلال و الصغار، مقابل أن لا يحرموا من بذخ القصور، و دعة العيش، و فاخر الثياب، و بدر الدراهم. و تموج الامة في ضلال تيارات عقيدية و فكرية عديدة فمن مشبهة الي معطلة الي مجبرة الي غير ذلك من العقائد الباطلة و الدعاوي المنحرفة، التي أثيرت في عصره عليه‌السلام، مما لا تتسع له صفحاتنا هذه، و كان للامام الجواد عليه‌السلام [ صفحه 103] دور بارز في ترسيخ العقائد الاسلامية و الدفاع عنها، و تصحيح معتقدات الناس مما قد يخطر في أذهانهم من تصورات خاطئة حول اصول الاعتقاد.

التوحيد و الصفات

فعندما يسئل من قبل عبدالرحمن بن أبي‌نجران عن التوحيد حين قال له: أتوهم شيئا؟ أجابه الامام عليه‌السلام من فوره: «نعم، غير معقول و لا محدود، فما وقع وهمك عليه من شي‌ء فهو خلافه، لا يشبهه شي‌ء، و لا تدركه الأوهام. كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل، و خلاف ما يتصور في الأوهام؟ انما يتوهم شي‌ء غير معقول و لا محدود» [137] . و يسأل الامام عليه‌السلام أيضا عن الباري تبارك و تعالي أنه يجوز أن يقال له: انه شي‌ء؟ (قال: «نعم، يخرجه من الحدين: حد التعطيل، و حد التشبيه») [138] . و في الكافي أيضا أن عبدالرحمن بن أبي‌نجران كتب الي أبي‌جعفر عليه‌السلام أو سأله قائلا: (جعلني الله فداك، نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ فقال: «ان من عبد الاسم دون المسمي بالأسماء أشرك و كفر و جحد، و لم يعبد شيئا، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمي بهذه الأسماء، دون [ صفحه 104] الأسماء. ان الأسماء صفات وصف بها نفسه») [139] . و في اطار الأسماء و الصفات لله تبارك و تعالي، يسأله داود بن القاسم أبوهاشم الجعفري عن معني الواحد. فيجيبه الامام عليه‌السلام قائلا: «اجماع الألسن عليه بالوحدانية، كقوله تعالي: (و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)» [140] . و روي داود بن القاسم أبوهاشم الجعفري أن رجلا ناظر الامام الجواد عليه‌السلام في أسماء الله تعالي و صفاته، فقال: (كنت عند أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و تعالي، له أسماء و صفات في كتابه؟ و أسماؤه و صفاته هي هو؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام: «ان لهذا الكلام وجهين: ان كنت تقول: هي هو، أي أنه ذو عدد و كثرة فتعالي الله عن ذلك. و ان كنت تقول: هذه الصفات و الأسماء لم تزل فان (لم تزل) محتمل معنيين: فان قلت: لم تزل عنده في علمه و هو مستحقها، فنعم. و ان كنت تقول: لم يزل تصويرها و هجاؤها و تقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي‌ء غيره، بل كان الله و لا خلق، ثم خلقها - أي الأسماء - وسيلة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه، و يعبدونه و هي ذكره. و كان الله و لا ذكر، و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل، و الأسماء و الصفات مخلوقات. و المعاني و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف و لا الائتلاف و انما يختلف و يأتلف المتجزي‌ء، فلا يقال: الله مؤتلف، و لا: الله [ صفحه 105] قليل، و لا كثير، ولكنه القديم في ذاته؛ لأن ما سوي الواحد متجزي‌ء، و الله واحد لا متجزي‌ء، و لا متوهم بالقلة و الكثرة، و كل متجزي‌ء أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له. فقولك: (ان الله قدير)، خبرت أنه لا يعجزه شي‌ء فنفيت بالكلمة العجز، و جلعت العجز سواه. و كذلك قولك: (عالم)، انما نفيت بالكلمة الجهل، و جعلت الجهل سواه. و اذا أنفي الله الأشياء أفني الصورة و الهجاء و التقطيع، و لا يزال من لم يزل عالما». فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟ فقال الامام: «لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع، و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، و كذلك سميناه بصيرا؛ لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار. من لون أو شخص أو غير ذلك، و لم نصفه ببصر لحظة العين. و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي‌ء اللطيف مثل البعوضة و أخفي من ذلك، و موضع النشوء منها، و العقل و الشهوة للسفاد و الحدب علي نسلها، و اقام بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار. فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، و انما الكيفية للمخلوق المكيف. و كذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه و لاحتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا. فربنا تبارك وتعالي لا شبه له و لا ضد، و لا ند، و لا كيف، و لا نهاية، و لا [ صفحه 106] تبصار بصر. و محرم علي القلوب أن تمثله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تكونه جل و عز من أداة خلقه، و سمات بريته، و تعالي عن ذلك علوا كبيرا» [141] .

الفرق المنحرفة

في رجال الكشي عن علي بن مهزيار قال: (سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول - و قد ذكر عنده أبوالخطاب [142] -: «لعن الله أباالخطاب، و لعن أصحابه، و لعن الشاكين في لعنه، و لعن من وقف فيه، و شك فيه...» [143] . و بالاضافة الي لعن الامام عليه‌السلام لأبي‌الخطاب و أصحابه، فانه عليه‌السلام وقف موقفا حاسما من الفرقة الواقفية و غيرها. فقد أورد الكشي بسنده عن محمد بن رجاء الحناط، عن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام أنه قال: «الواقفة حمير الشيعة». [ صفحه 107] ثم تلا قوله تعالي: (ان هم الا كالأنعام بل هو أضل سبيلا) [144] . كما تجلي موقفه الحاسم هذا في نهيه عن التعامل مع الفطحية و الواقفة و لم يجوز الصلاة خلف أحدهم [145] .

الرد علي الأحاديث الموضوعة

و في اطار البحوث العقائدية رد الامام الجواد عليه‌السلام علي جملة وافية من الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة، التي روج لها بنوأمية منذ زمان معاوية بن أبي‌سفيان، و صرفوا الأموال الطائلة في سبيل وضعها و نشرها، و ذلك لبلوغ أهدافهم السياسية و المحافظة علي أركان ملكهم و استمرار تسلطهم غير المشروع علي الخلافة الاسلامية. فقد روي أن ابن‌أكثم ناظر الامام أباجعفر عليه‌السلام بمحضر المأمون و جماعة كبيرة من أركان دولته و خاصته، فقال يحيي للامام عليه‌السلام: ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن جبرائيل نزل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا محمد ان الله يقرؤك السلام، و يقول لك: سل أبابكر هل هو راض عني، فاني راض عنه؟ فقال عليه‌السلام: «لست بمنكر فضل أبي‌بكر، و لكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة و ستكثر، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به. و ليس يوافق هذا الخبر [ صفحه 108] كتاب الله، قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [146] فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي‌بكر من سخطه حتي سأل عن مكنون سره؟! هذا مستحيل في العقول». ثم قال يحيي بن أكثم: و قد روي أن مثل أبي‌بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء. فقال الامام عليه‌السلام: «و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه؛ لأن جبرئيل و ميكائيل ملكان لله مقربان، لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة. و هما - أي أبوبكر و عمر - قد أشركا بالله عزوجل، و ان أسلما بعد الشرك، و كان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما..». قال يحيي: و قد روي أنهما سيد اكهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟ فقال عليه‌السلام: «و هذا محال أيضا؛ لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنوأمية لمضادة الخبر الذي قال فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الحسن و الحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة». فقال يحيي بن أكثم: و روي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة. فقال عليه‌السلام: «و هذا أيضا محال؛ لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم، و محمدا و جميع الأنبياء و المرسلين، لا تضي‌ء بأنوارهم حتي تضي‌ء بنور عمر؟!». قال يحيي: و روي أن السكينة تنطق علي لسان عمر. [ صفحه 109] فقال عليه‌السلام: «لست بمنكر فضائل عمر، لكن أبابكر - و أنه أفضل من عمر - قال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني». فقال يحيي: قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو لم أبعث لبعث عمر. فقال عليه‌السلام: «كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح) [147] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يستبدل ميثاقه؟ و كان الأنبياء لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله؟! و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نبئت و آدم بين الروح و الجسد». قال يحيي: و قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما احتبس الوحي عني قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب. فقال عليه‌السلام: «و هذا محال أيضا؛ لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلي الله عليه و آله و سلم في نبوته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) [148] فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله الي من أشرك به؟». قال يحيي: روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو نزل العذاب لما نجي منه الا عمر. فقال عليه‌السلام: «و هذا محال أيضا، ان الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) [149] فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا مادام فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما داموا يستغفرون الله تعالي». [ صفحه 110] فأفحم يحيي بن أكثم و سكت، بعد أن أعيته أجوبة الامام عليه‌السلام عن ايجاد مخرج لما تورط فيه [150] .

توظيف المعجزة و الكرامة في الهداية و الارشاد

اشاره

الحدث المعجز انما يجريه الله سبحانه و تعالي علي يد أنبيائه و رسله أو أوصيائهم؛ للتدليل علي أن النبي المرسل أو الوصي المختار مرتبط بالسماء بشكل أو بآخر، و أن المعجزة - و هي أمر خارق للعادة الطبيعية - هي تأييد لدعوي النبي بأنه ينطق عن السماء، و أن ما يأتي به من تعاليم انما تصدر عن الله تبارك و تعالي؛ و تأييد لدعوي الوصي أو الامام المعصوم أيضا بأنه يتصل بالنبوة التي هي بدورها من مختصات السماء. و لقد وظف أئمة أهل البيت عليهم‌السلام المعاجز و الكرامات التي كانت تجري علي أيديهم في استقطاب أفراد الأمة حول محور الامامة، ثم ارشادهم و هدايتهم نحو المسار الصحيح. و من ذلك، الخبر الذي يبين بجلاء توظيف الامام عليه‌السلام للمعجزة في هداية الناس الي طريق الحق، و الفات نظرهم الي عظيم منزلة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عند الله سبحانه، فقد جاء عن علي بن خالد، قال: كنت بالعسكر، فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا، و قالوا: انه تنبأ [151] . قال: فأتيت الباب و داريت البوابين حتي وصلت اليه، فاذا رجل له فهم [ صفحه 111] و عقل، فقلت له: يا هذا ما قصتك؟ فقال: اني كنت رجلا بالشام أعبدالله في الموضع الذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين عليه‌السلام فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل علي المحراب أذكر الله تعالي اذ رأيت شخصا بين يدي، فنظرت اليه. فقال لي: قم، فقمت معه فمشي بي قليلا فاذا أنا في مسجد الكوفة، قال: فصلي فصليت معه ثم انصرف و انصرفت معه، فمشي قليلا فاذا نحن بمسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صلي و صليت معه، ثم خرج و خرجت معه فمشي قليلا فاذا أنا بمكة، فطاف بالبيت و طفت معه، ثم خرج فمشي قليلا فاذا أنا بموضعي الذي كنت أعبدالله تعالي فيه بالشام، و غاب الشخص عن عيني، فبقيت متعجبا حولا مما رأيت. فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به، و دعاني فأجبته، ففعل كما فعل في العام الماضي، فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بحق الذي أقدرك علي ما رأيت منك الا أخبرتني من أنت؟ فقال: «أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر». فحدثت من كان يصير الي بخبره، فرقي ذلك الي محمد بن عبدالملك الزيات، فبعث الي فأخذني و كبلني في الحديد و حملني الي العراق و حبست كما تري، و ادعي علي المحال. فقلت له: فأرفع عنك قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات. فقال: افعل. فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها و رفعتها الي محمد بن عبدالملك [ صفحه 112] الزيات، فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة الي الكوفة و من الكوفة الي المدينة و من المدينة الي مكة و ردك من مكة الي الشام، أن يخرجك من حبسك هذا. قال علي بن خالد: فغمني ذلك من أمره و رققت له و انصرفت محزونا عليه، فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء، فوجدت الجند و أصحاب الحرس و أصحاب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرعون، فسألت عن حالهم فقيل لي: المحمول من الشام المتنبي‌ء افتقد البارحة من الحبس، فلا يدري أخسفت به الأرض أو اختطفته الطير! و كان هذا الرجل - أعني علي بن خالد - زيديا، فقال بالامامة لما رأي ذلك و حسن اعتقاده [152] . و روي عن القاسم بن المحسن [153] ، قال: كنت فيما بين مكة والمدينة فمر بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئا فرحمته و أخرجت له رغيفا فناولته اياه، فلما مضي عني هبت ريح شديدة - زوبعة - فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت؟ و أين مرت؟ فلما دخلت علي أبي‌جعفر بن الرضا عليه‌السلام، فقال لي: «يا قاسم! ذهبت عمامتك في الطريق؟». قلت: نعم. قال: «يا غلام أخرج اليه عمامته»، فأخرج الي عمامتي بعينها، قلت: [ صفحه 113] يابن رسول الله! كيف صارت اليك؟ قال: «تصدقت علي الأعرابي، فشكر الله لك، ورد عمامتك، و ان الله لا يضيع أجر المحسنين» [154] . و نقل الاربلي عن القاسم بن عبدالرحمن - و كان زيديا - قال: خرجت الي بغداد فبينا أنا بها اذ رأيت الناس يتعاودون و يتشرفون و يقفون قلت: ما هذا؟ فقالوا: ابن‌الرضا، ابن‌الرضا. فقلت: و الله لأنظرن اليه، فطلع علي بغل - أو بغلة - فقلت: لعن الله أصحاب الامامة حيث يقولون ان الله افترض طاعة هذا. فعدل الي و قال: «يا قاسم بن عبدالرحمن (أبشرا منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال و سعر).» [155] . فقلت في نفسي: ساحر و الله. فعدل الي فقال: (أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر)» [156] . قال: فانصرفت و قلت بالامامة، وشهدت أنه حجة الله علي خلقه و اعتقدت [157] .

دوره في التربية الأخلاقية و الاجتماعية

ان دور الامام عليه‌السلام في المجتمع هو نفس دور الأنبياء و الرسل عليهم‌السلام، يتمثل [ صفحه 114] في بناء و صياغة الانسان النموذج؛ لأن النبي أو الامام هو شاهد منتخب من قبل عالم الغيب، و يتحمل في عالم الشهادة مسؤولية تأسيس أمة صالحة من الداخل، بعد أن يغرس في أعماقها كل المعاني و المثل والقيم الفاضلة، ثم قيادتها وفق الأوامر الالهية، للوصول الي المجتمع التوحيدي المتكامل. و من خلال استقراء منهج الأنبياء و الرسل في قيادة البشرية و هدايتها عبر سلسلتهم الطويلة الممتدة منذ بدء الخليقة المتمثلة بالانسان الأول، و الذي كان نبيا أيضا، و حتي الرسالة الخاتمة المتمثلة بأشرف الأنبياء و الرسل صلي الله عليه و آله و سلم، و هو خاتمهم، نجد أن هذا المنهج يعتبر الانسان محور حركته... الانسان لا كعقل مجرد، بل الانسان صاحب العقل و الروح و الأحاسيس والمشاعر... الانسان صاحب القلب و العواطف.. و عليه فمشروع الأنبياء عليهم‌السلام و أوصيائهم - و خاتمتهم الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام - في صياغة الانسان و تربيته و صنعه، يتم من خلال التعامل مع تلك المقومات الانسانية التي ذكرنا بشكل عاطفي و عملي، و ليس كالفلاسفة الذين يتعاملون و يتجاذبون مع العقول المجردة. بعد هذه المقدمة الموجزة نستعرض بعض المرويات عن امامنا جواد الأئمة عليه‌السلام و التي تكشف لنا كيفية توعيته لأصحابه و شيعته و عموم الامة و ارشادهم الي السلوك الايماني القويم و من ذلك؛ الخبر الذي أورده ابن‌شعبة في تحف العقول حيث نقل أن أباهاشم الجعفري قال للامام أبي‌جعفر عليه‌السلام في يوم تزوج أم‌الفضل ابنة المأمون: (يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم. [ صفحه 115] فقال عليه‌السلام: «يا أباهاشم! عظمت بركات الله علينا فيه». قلت: نعم يا مولاي. فما أقول في اليوم. فقال عليه‌السلام: «تقول فيه خيرا فانه يصيبك». قلت: يا مولاي أفعل هذا و لا أخالفه. قال عليه‌السلام: «اذا ترشد و لا تري الا خيرا») [158] . و من ذلك أيضا الخبر المروي في تهذيب شيخ الطائفة قدس سره بسنده عن أبي‌ثمامة قال: قلت لأبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام: اني أريد أن ألزم مكة أو المدينة، و علي دين، فما تقول؟ فقال عليه‌السلام: «ارجع الي مؤدي دينك و انظر أن تلقي الله عزوجل و ليس عليك دين، ان المؤمن لا يخون» [159] . و في الكافي أورد عن ابن‌مهران، قال: كتب أبوجعفر الثاني عليه‌السلام الي رجل: «ذكرت مصيبتك بعلي ابنك، و ذكرت أنه كان أحب ولدك اليك، و كذلك الله عزوجل انما يأخذ من الولد و غيره أزكي ما عند أهله؛ ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة.فأعظم الله أجرك، و أحسن عزاك، و ربط علي قلبك، انه قدير، و عجل الله عليك بالخلف، و أرجو أن يكون الله قد فعل ان شاء الله تعالي» [160] . و نقل المجلسي في بحاره بسند رفعه الي بكر بن صالح قال: (كتب صهر [ صفحه 116] لي الي أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام أن أبي‌ناصب خبيث الرأي، و قد لقيت منه شذة و جهدا، فرأيك - جعلت فداك - في الدعاء لي، و ما تري جعلت فداك؟ أفتري أن أكاشفه أم أداريه؟ فكتب: «قد فهمت كتابك و ما ذكرك من أمر أبيك، و لست أدع الدعاء لك ان شاء الله، و المداراة خير لك من المكاشفة، و مع العسر يسر، فاصبر ان العاقبة للمتقين ثبتك الله علي ولاية من توليت، نحن و أنتم في وديعة الله الذي لا يضيع ودائعه». قال بكر: فعطف الله بقلب أبيه حتي صار لا يخالفه في شي‌ء) [161] . و حدث الشيخ الصدوق عن أبيه قوله: (حدثني سعد بن عبدالله، عن الهيثم بن أبي‌مسروق النهدي، عن اسماعيل بن سهل، قال: كتبت الي أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام علمني شيئا اذا أنا قلته كنت معكم في الدنيا و الآخرة. قال: فكتب بخطه أعرفه: «أكثر من تلاوة (انا أنزلناه) و رطب شفتيك بالاستغفار» [162] .

روائع من نور كلمه

أئمة أهل البيت عليهم‌السلام هم أزمة الحق، و أعلام الدين، و ألسنة الصدق! ان نطقوا صدقوا، و ان صمتوا لم يسبقوا. فهم عيش العلم، و موت الجهل. [ صفحه 117] يخبركم حلمهم عن علمهم، و ظاهرهم عن باطنهم، و صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه. ان سكتوا كان سكوتهم ذكرا، و ان نظروا كان نظرهم عبرة، و ان نطقوا كان منطقهم الحكمة. فكلامهم: لا يمل، و حديثهم لا تمجه الآذان، و تستأنس به النفوس، و هو الي القلب أسرع منه الي السمع و ان كان يمر عبر صيوانه؛ و ذلك لأن لسان حالهم أسبق من لسان مقالهم. و ان مايخرج من القلب لا شك أنه يدخل مفترشا صحراء القلب، و لا يبقي عالقا في شفير المسامع. فكما أن كلامهم عليهم‌السلام، و كل كلامهم نور.. و نطقهم حكمة.. فان امامنا الجواد عليه‌السلام - و هو أحد أهل البيت النبوي الطاهر - له أيضا كلمات حكيمة، و مواعظ نورانية، و آداب الهية. و قد آثرنا و نحن نقترب من خاتمة هذه الدراسة، نقل قبسات من أنوار حكمه عليه‌السلام و التي هي في مضامينها مناهج عمل، و برامج توعية و هداية للساكين طريق الحق و الصلاح. فمما قاله عليه‌السلام: «لا تعاد أحدا حتي تعرف الذي بينه و بين الله تعالي، فان كان محسنا فانه لا يسلمه اليك، و ان كان مسيئا فان علمك به يكفيكه، فلا تعاده». و قال عليه‌السلام أيضا: «الثقة بالله تعالي ثمن لكل غال، و سلم الي كل عال». و قال عليه‌السلام: «من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة». و قال عليه‌السلام: «كيف يضيع من الله كافله؟! و كيف ينجو من الله طالبه؟! و من انقطع الي غير الله وكله الله - تعالي - اليه، و من عمل علي غير علم أفسد أكثر [ صفحه 118] مما يصلح» [163] . و قال عليه‌السلام: «استصلاح الأخيار باكرامهم، و الأشرار بتأديبهم، و المودة قرابة مستفادة». و قال عليه‌السلام: «القصد الي الله تعالي بالقلوب أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال». و قال عليه‌السلام: «من أصغي الي ناطق فقد عبده، فان كان الناطق يؤدي عن الله عزوجل فقد عبد الله، و ان كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» [164] . و قال عليه‌السلام: لو كانت السموات و الأرض رتقا علي عبد ثم اتقي الله تعالي لجعل منها مخرجا». و قال عليه‌السلام: «لا تكن وليا لله في العلانية، و عدوا له في السر». و قال عليه‌السلام: «من استغني بالله افتقر الناس اليه، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا». و قال عليه‌السلام: «لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر هواه و شهوته علي دينه». و قال عليه‌السلام: «عز المؤمن غناه عن الناس». و قال عليه‌السلام: «من أطاع هواه أعطي عدوه مناه». [ صفحه 119] و قال عليه‌السلام: «من هجر المداراة قارنه المكروه، و من لم يعرف الموارد، أعيته المصادر» [165] . و قال عليه‌السلام: «راكب الشهوات لا تستقال له عثرة». و قال عليه‌السلام: «ما عظمت نعمة الله علي عبد الا عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرض النعمة للزوال». و قال عليه‌السلام: «من كثر همه سقم جسده». و قال عليه‌السلام: «من لم يرض من أخيه بحسن النية، لم يرض بالعطية». و قال عليه‌السلام: «أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه؛ لأن لهم أجره و فخره و ذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن شكر ما صنع الي نفسه من غيره». و قال عليه‌السلام: «من أخطأ وجوه المطالب خذلته وجوه الحيل». و قال عليه‌السلام: «من استحسن قبيحا كان شريكا فيه». و قال عليه‌السلام: «موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، و حياته بالبر أكثر من حياته بالعمر». و قال عليه‌السلام: «ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالي: كثرة الاستغفار؛ و لين الجانب؛ و كثرة الصدقة. و ثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة؛ و التوكل علي الله عند العزم». و قال عليه‌السلام: «المؤمن يحتاج الي ثلاث خصال: توفيق من الله، و واعظ من [ صفحه 120] نفسه، و قبول ممن ينصحه». و قال عليه‌السلام: «التوبة علي أربع دعائم: ندم بالقلب، و استغفار باللسان؛ و عمل بالجوارح، وعزم أن لا يعود». و قال عليه‌السلام: «أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي لله؛ و منع في الله؛ و أحب لله؛ و أبغض فيه». و قال عليه‌السلام: «الجمال في اللسان، و الكمال في العقل». و قال عليه‌السلام: «العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و خفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع». و قال عليه‌السلام: «يوم العدل علي الظالم أشد من يوم الجور علي المظلوم». و قال عليه‌السلام: «اظهار الشي‌ء قبل أن يستحكم مفسدة له». و قال عليه‌السلام: و قد سئل عن الحزم: «هو أن تنظر فرصتك و تعاجل ما أمكنك» [166] . و قال لبعض الثقات عنده، و قد أكثر من تقريظه: «أقلل من ذلك، فان [ صفحه 121] كثرة الملق تهجم علي الظنة، و اذا حللت من أخيك في الثقة فاعدل عن الملق الي حسن النية» [167] . و قال عليه‌السلام: «الحسد ماحق للحسنات، و الزهو جالب للمقت، و العجب صادن عن طلب العلم داع الي التخمط في الجهل، و البخل أذم الأخلاق، و الطمع سجية سيئة» [168] . و نقل ابن‌حمدون - أيضا - في تذكرته عن ربيع الأبرار، قوله عليه‌السلام: «اياك و الحسد فانه يبين فيك و لا يبين في عدوك» [169] . و قال عليه‌السلام: «عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة، و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروءة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة» [170] . [ صفحه 123]

شهادته و ما قيل فيه

استدعاء المعتصم

برحيل المأمون في 13 رجب سنة» 218 ه» بويع لأخيه أبي‌اسحاق المعتصم محمد بن هارون في شعبان من نفس ذلك العام. و يبدو أن الأشهر الأخيرة من تلك السنة كانت حافلة بحدث البيعة للخليفة الجديد، حيث انه لم يكن يومها في بغداد عاصمة الخلافة، اذ كان خرج مع جيش المأمون لحرب الروم و كان قائدا لأحد فصائل الجيش. و لما رجع الي بغداد في رمضان شغلته الأشهر الثلاثة الأخيرة في ترتيب القواد و الوزراء و عمال الولايات، و بعض الثورات و التحركات المضادة. و ما أن أستتب له أمر الملك و انقادت البلاد له شرقا و غربا، حتي أخذ يتناهي الي سمعه بروز نجم الامام الجواد عليه‌السلام، و استقطابه لجماهير الامة، و أخذه بزمام المبادرة شيئا فشيئا. و تتسارع التقارير الي الحاكم الجديد بتحرك الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام وسط الامة الاسلامية. عليه، يقرر المعتصم العباسي و بمشورة مستشاريه و وزرائه، و منهم ابن أبي‌دؤاد الايادي، قاضي القضاة المعروف حاله الشخصي، المبغض لأهل البيت النبوي عليهم‌السلام الذي كان يسيطر علي المعتصم و قراراته و سياسته، يقرر [ صفحه 124] المعتصم بكتاب يبعثه الي واليه علي المدينة محمد بن عبدالملك الزيات [171] في عام» 219 ه» بحمل الامام أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام و زوجته أم‌الفضل بكل اكرام و اجلال و علي أحسن مركب الي بغداد. لم يكن بد من قبل الامام عليه‌السلام من الاستجابة لهذا الاستدعاء، الذي يشم منه الاجبار و الاكراه، و قد أحس الامام عليه‌السلام بأن رحلته هذه هي الأخيرة التي لا عودة بعدها؛ لذلك فقد خلف ابنه أباالحسن الثالث في المدينة بعد أن اصطحبه معه الي مكة لأداء موسم الحج، و أوصي له بوصاياه و سلمه مواريث الامامة، و أشهد أصحابه بأنه امامهم من بعده.. [172] و تستمر الاستعدادات لترحيل الامام الي بغداد، و يستمهلهم الامام عليه‌السلام لحين أداء الموسم، و فعلا يؤدي الامام الجواد عليه‌السلام الموسم، و يترك مكة فور أداء المناسك معرجا علي المدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ليخلف فيها ابنه الوصي الوريث، ولكن يبدو أنه عليه‌السلام خرج من المدينة متجها الي بغداد و لم يزر جده المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، و كأنه أراد بهذه العملية التعبير عن احتجاجه علي هذا الاستدعاء، و أن خروجه من مدينة جده انما هو مكره عليه. و يواصل الامام عليه‌السلام رحلته الي المصير المحتوم و قد أخبر أحد أصحابه بأنه غير عائد من رحلته هذه مرة اخري [173] كما روي محمد بن القاسم، عن أبيه، و روي غيره أيضا، قال: لما خرج - الامام الجواد عليه‌السلام - من المدينة في [ صفحه 125] المرة الأخيرة، قال: «ما أطيبك يا طيبة! فلست بعائد اليك» [174] ، و بعيد هذا فقد أخبر الامام عليه‌السلام أصحابه في السنة التي توفي فيها بأنه راحل عنهم هذا العام. فعن محمد بن الفرج الرخجي، قال: (كتب الي أبوجعفر عليه‌السلام: «احملوا الي الخمس فاني لست آخذه منكم سوي عامي هذا». فقبض في تلك السنة) [175] . و أخيرا ينتهي به المسير الي بغداد عاصمة الدولة العباسية، مقره و مثواه الأخير الأبدي، و يدخلها لليلتين بقيتا من المحرم من سنة» 220 ه» [176] و ما أن وصل اليها و حط فيها رحاله حتي أخذ المعتصم يدبر و يعمل الحيلة في قتل الامام عليه‌السلام بشكل سري؛ و لذلك فقد شكل مثلثا لتدبير عملية الاغتيال بكل هدوء..

مثلث الاغتيال

علي الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الامام أبي‌جعفر الجواد عليه‌السلام، فان أغلبها يجمع علي أن الامام اغتيل مسموما - و لو أن البعض توقف في أن يشهد بذلك؛ لعدم ثبوت خبر لديه [177] - و أن مثلث الاغتيال قد تمثل في زوجته أم‌الفضل زينب بنت المأمون، و هي المباشر الأول التي قدمت للامام عنبا مسموما، ثم في أخيها جعفر، يدبرهم و يساعدهم علي هذا الأمر المعتصم بن هارون. [ صفحه 126] فقد ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين ومنهم المؤرخ الشهير المسعودي فقال: (فلما انصرف أبوجعفر الي العراق لم يزل المعتصم و جعفر بن المأمون يدبرون و يعملون الحيلة في قتله، فقال جعفر لاخته أم‌الفضل - و كانت لامه و أبيه - في ذلك؛ لأنه وقف علي انحرافها عنه و غيرتها عليه لتفضيله أم أبي‌الحسن ابنه عليها، مع شدة محبتها له؛ و لأنها لم ترزق منه ولد، فأجابت أخاها جعفرا) [178] . و قال غيره: (ثم ان المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي‌جعفر عليه‌السلام و أشار الي ابنة المأمون زوجته بأن تسمه؛ لأنه وقف علي انحرافها عن أبي‌جعفر عليه‌السلام و شدة غيرتها عليه؛ لتفضيله أم أبي‌الحسن ابنه عليها؛ و لأنه لم يرزق منها ولد، فأجابته الي ذلك) [179] . أما ابن‌شهر آشوب فقد نقل في مناقبه أنه: (لم بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله، فكتب الي عبدالملك الزيات أن ينفذ اليه التقي و أم‌الفضل) [180] .

و حان الرحيل

كما تضاربت الآراء و اختلفت في تعيين تاريخ مولده، كذلك وقع الاختلاف في تعيين يوم شهادته عليه‌السلام. و لا يمكن الترجيح علي نحو الجزم بأحد تلك الأقوال سواء في المولد أو الوفاة، لكننا نستطيع أن نستقرب أحد التواريخ المنقولة في المصادر من خلال الاستئناس ببعض القرائن أو [ صفحه 127] الدلائل التي تساعد علي ذلك. و بناء علي كون عمر الامام الجواد عليه‌السلام عند وفاته قد ضبط في بعض المصادر بخمس و عشرين سنة، و شهرين، و ثمانية عشر يوما [181] ، و لو رجح تاريخ مولده في 17 رمضان سنة (195 ه) [182] ، فان وفاته عليه‌السلام ستكون وفق ذلك البناء يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي‌الحجة سنة (220 ه) [183] . و مما يعضد هذا الرأي وجود رواية في الكافي في باب الاشارة و النص علي أبي‌الحسن الثالث عليه‌السلام: «شهد أحمد بن أبي‌خالد مولي أبي‌جعفر أن أباجعفر محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، أشهده أنه أوصي الي علي ابنه بنفسه و أخواته.. الي أن ينتهي من بعض وصاياه و يؤرخ الوصية بقوله: و ذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي‌الحجة سنة عشرين و مئتين..» [184] . من هذا يتبين أن الامام عليه‌السلام حي يرزق في يوم الأحد، حيث كتب وصيته و أشهد عليها ثلاثة من أصحابه المقربين اليه: خادمه، و مولاه، و أحد أبناء عمومته، ثم كانت بعد ذلك شهادته عليه‌السلام يوم الثلاثاء. و قيل: يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي‌الحجة سنة عشرين و مائتين [185] . [ صفحه 128] أما كيفية وفاته عليه‌السلام فانه اختلف فيها أيضا، فمن قائل بشهادته مسموما بعنب رازقي، و من قائل بمسموميته في منديل، و هناك من قال انه سم بشراب، أو من قال ان المعتصم أشار الي أعوانه بدعوته الي مأدبة فقدم له طعام مسموم فأكل منه، و منهم من صرح بعدم ثبوت خبر موته بالسم، و سكت البعض الآخر عن كيفية موته و اكتفي بكلمة (قبض). و لعل أقدم نص توفرنا عليه الخبر الذي أورده العياشي المتوفي سنة» 320 ه) في تفسيره. قال العياشي: (.. قال زرقان: ان ابن أبي‌دؤاد قال: صرت الي المعتصم بعد ثلاثة، فقلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار. قال: و ما هو؟ قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر المجلس أهل بيته و قواده و وزراؤه و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته، و يدعون أنه أولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء!! قال: فتغير لونه و انتبه لما نبهته له، و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا، قال: فأمر (المعتصم) يوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه الي منزله، [ صفحه 129] فدعاه. فأبي أن يجيبه و قال: «قد علمت أني لا أحضر مجالسكم». فقال: اني انما أدعوك الي الطعام، و أحب أن تطأ ثيابي و تدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان (من وزراء الخليفة) لقاءك. فصار اليه، فلما أطعم منها أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: «خروجي من دارك خير لك». فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلفة حتي قبض عليه‌السلام) [186] . أما الشيخ المفيد رحمه الله فقد نقل في ارشاده بأنه عليه‌السلام: (قبض ببغداد، و كان سبب وروده اليها اشخاص المعتصم له من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم من سنة عشرين و مئتين، و توفي بها في ذي‌القعدة من هذه السنة. و قيل: انه مضي مسموما، و لم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به) [187] . في حين نجد أن المؤرخ علي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة» 436 ه» يقول: (و قيل: ان أم‌الفضل بنت المأمون لما قدمت معه من المدينة الي المعتصم سمته) [188] . و في موضع آخر ذكر أن مثلث الاغتيال (المعتصم - جعفر - أم‌الفضل) كانوا قد تشاوروا و تعاونوا علي قتل الامام و التخلص منه بعد قدومه الي بغداد، بل ما استدعي الا للغرض ذاته. فقال: (.. و جعلوا - المعتصم بن [ صفحه 130] هارون و جعفر بن المأمون و أخته أم‌الفضل - سما في شي‌ء من عنب رازقي و كان يعجبه العنب الرازقي، فلما أكل منه ندمت و جعلت تبكي. فقال لها: «ما بكاؤك؟ و الله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر، و بلاء لا ينستر»، فبليت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا ينتقض عليها في كل وقت. فأنفقت مالها و جميع ملكها علي تلك العلة حتي احتاجت الي رفد الناس. و تردي جعفر في بئر فأخرج ميتا، و كان سكرانا.. و لما حضرت الامام عليه‌السلام الوفاة نص علي أبي‌الحسن و أوصي اليه، و كان قد سلم المواريث و السلاح اليه بالمدينة) [189] . و أضاف ابن‌شهر آشوب السروي المازندراني (ت / 588 ه)، و أبوجعفر محمد بن جرير الطبري الامامي (من أعلام القرن الخامس الهجري)، «ان امرأته أم‌الفضل بنت المأمون سمته في فرجه بمنديل، فلما أحس بذلك قال لها: «أبلاك الله بداء لا دواء له»، فوقعت الأكلة في فرجها، و كانت تنصب للطبيب فينظرون اليها و يسرون - أو يشيرون - بالدواء عليها فلا ينفع ذلك حتي ماتت من علتها) [190] . و قال ابن‌شهر آشوب قبل ذلك أن الامام عليه‌السلام لما تجهز (و خرج الي بغداد فأكرمه - أي المعتصم - و عظمه، و أنفذ أشناس [191] بالتحف اليه و الي أم [ صفحه 131] الفضل، ثم أنفذ اليه شراب حماض الأترج [192] تحت ختمه علي يدي أشناس، و قال: ان أميرالمؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي‌دؤاد، و سعد بن الخضيب و جماعة من المعروفين، و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج، و صنع في الحال. فقال - أي الامام عليه‌السلام -: «أشربها بالليل». قال: انها تنفع باردا، و قد ذاب الثلج، و أصر علي ذلك، فشربها عالما بفعلهم) [193] . و بعد، فهذا اجمال لما ورد في شأن وفاته و كيفيتها، و الذي يبدو راجحا هو أن الامام عليه‌السلام قضي عليه بالسم، و أن المشاركين في عملية الاغتيال قد عرفتهم، و عرفت تدبيرهم. مع العلم أن محاولات سبقت كانت تدبر لاغتيال الامام؛ لكنه عليه‌السلام كان يعلم بها، و كان حذرا و قد أخذ بالاحتياط في التعامل سواء مع زوجته أو مع أعوان السلطان في مأكله و مشربه. و لقد كان متوقعا هذا الأمر قبل وقت غير قليل، فيوم دخل عليه محمد بن علي الهاشمي صبيحة عرسه في بغداد كان يتوقع هذا أن يأتوا للامام بماء مسموم حين طلب ماء للشرب. كما أفلت عليه‌السلام من محاولة استهدفت سمه في طعام قدم له، فقد نقل أبوجعفر المشهدي باسناده: (عن محمد بن القاسم، عن أبيه، و عن غير واحد من أصحابنا أنه قد سمع عمر بن الفرج أنه قال: سمعت من أبي‌جعفر عليه‌السلام شيئا لو رآه محمدا أخي لكفر. فقلت: و ما هو أصلحك الله؟ [ صفحه 132] قال: اني كنت معه يوما بالمدينة اذ قرب الطعام، فقال: «أمسكوا». فقلت: فداك أبي، قد جاءكم الغيب! فقال: «علي بالخباز». فجي‌ء به، فعاتبه و قال: «من أمرك أن تسمني في هذا الطعام؟». فقال له: جعلت فداك (فلان)، ثم أمر بالطعام فرفع و أتي بغيره) [194] . و علي أي حال فقد نجح مثلث الاغتيال في تدبيرهم الأخير، و أطفأوا نور الامام، و حرموا أنفسهم و الامة من بركاته، و ما أطفأوا الا نورا من أنوار النبوة، لو كانوا رعوه حق رعايته لسقوا ماء غدقا، و لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم، ولكنهم: عجبت لقوم أضلوا السبيل و لم يبتغوا اتباع الهدي فما عرفوا الحق حين استنار و لا أبصروا الفجر لما بدا و سرعان ما يلتحق الامام عليه‌السلام الي بارئه فينال هناك كأسه الأوفي، و هو لم يخسر الدنيا؛ لأنه لم يكن يملك منها شيئا، و لا رجا و أمل يوما من حطامها شيئا، لكن الامة خسرته ابنا من أبناء الرسالة، و علما من أعلام النبوة، و طودا شامخا كان يفيض علي هذا الوجود كل أسباب العلم و المعرفة، و التقي و الصلاح، و لو قدروه حق قدره؛ لأكلوا من فوق رؤوسهم و من تحت أرجلهم، و لوجدوا به خيرا كثيرا. و روي أن ابنه علي الهادي عليه‌السلام قام في جهازه و غسله و تحنيطه و تكفينه كما أمره و أوصاه، فغسله و حنطه و أدرجه في أكفانه و صلي عليه في جماعة [ صفحه 133] من شيعته و مواليه [195] . و جاء في الأخبار أن الواثق صلي عليه بحضور جماهير غفيرة من الناس، ثم حمل جثمانه في موكب مهيب تشيعه عشرات الآلاف من الناس الي مقابر قريش حيث مثوي جده الامام الكاظم موسي بن جعفر عليهماالسلام، فأقبر الي جواره في ملحودة أصبحت اليوم عمارة شامخة تناطح السماء بمآذنها الذهبية، و قبلة يؤمها آلاف المسلمين يوميا للتبرك بأعتابها، و طلب الحوائج من ساكنيها. و لطالما انقلب الملمون و المستغيثون الي أهلهم فرحين بما وجدوا من انجاز طلباتهم التي تعسر حل مشكلها، بل و ان البعض منها كان في حكم المحال حل معضله.

الاشادة بشخصية الامام

الامام الجواد عليه‌السلام ما رآه أحد الا أعجب به و دهش، و ما سمع به أحد الا أشاد به و أطراه، فقد ملكت هيبة الامام و مواهبه و نبوغه المبكر عقول و عواطف العلماء و المؤرخين، فراحوا يسجلون اعظامهم و اكبارهم عبر كلمات المديح و الاطراء عندما يصلون الي ساحة قدس الامام الجواد عليه‌السلام ليكتبوا عن حياته الشريفة. و قد انتخبنا هذه المجموعة من الانطباعات لعدد من العلماء و كبار المؤرخين - من غير الامامية غالبا - عن شخصية الامام الجواد عليه‌السلام و مواهبه الخلاقة، و عبقريته المنقطعة النظير، و ما اتصف به من نزعات و أخلاق كانت تحكي خلق و صفات جده الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم، و آبائه الميامين الأطهار، نردفها وفق تسلسل سني وفيات أصحابها، و هي كما يلي: [ صفحه 134] 1 - ابن‌طلحة الشافعي (ت / 652 ه)، قال في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول» عند تعرضه لترجمة الامام الجواد عليه‌السلام: (و أما) مناقب أبي‌جعفر محمد الجواد.. فما اتسعت له حلبات مجالها، و لا امتدت له أوقات آجاله، بل قضت عليه الأقدار الالهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و سجالها، فقل في الدنيا مقامه، و عجل عليه فيها حمامه، فلم تطل لياليه، و لا امتدت أيامه.. فانه قد تقدم في آبائه عليهم‌السلام أبوجعفر محمد الباقر بن علي، فجاء هذا باسمه و كنيته و اسم أبيه، فعرف بأبي جعفر الثاني. و ان كان صغير السن فهو كبير القدر، رفيع الذكر، و مناقبه رضي الله عنه كثيرة.. [196] . 2 - سبط ابن‌الجوزي (ت / 654 ه)، قال في «تذكرة الخواص»: محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام.. و كان علي منهاج أبيه في العلم و التقي و الزهد و الجود. و لما مات أبوه قدم علي المأمون فأكرمه و أعطاه ما كان يعطي أباه.. و كان يلقب بالمرتضي و القانع، و كانت وفاته خامس ذي‌الحجة.. و قبره يزار، و كان له أولاد المشهور منهم علي الامام [197] . 3 - علي بن عيسي الاربلي (ت / 693 ه)، قال في «كشف الغمة»: الجواد عليه‌السلام في كل أحواله جواد، و فيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العنصر، و زكاء الميلاد، فما قاربه [ صفحه 135] أحد.. و مكانته الرفيعة تسمو علي الكواكب، و منصبه يشرق علي المناصب. له الي المعالي سمو، و الي الشرف رواح و غدو، و في السيادة اغراق و علو. تتأرج المكارم من أعطافه، و يقطر المجد من أطرافه. اذا اقتسمت غنائم المجد و المعالي و المفاخر كان له صفاياها، و اذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها و أسماها. يباري الغيث جودا و عطية، و يجاري الليث نجدة و حمية. فمن له أب كأبيه أو جد كجده؟ فهو شريكهم في مجدهم و هم شركاؤه في مجده، و كما ملأوا أيدي العفاة برفدهم، ملأ أيديهم برفده [198] . 4 - أبوالفداء (ت / 732 ه)، في تاريخه المسمي «المختصر في أخبار البشر» أو «تأريخ أبي‌الفداء»: محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب، و هو أحد الأئمة الاثني عشر عند الامامية.. و محمد الجواد المذكور، هو تاسع الأئمة الاثني عشر، و قد تقدم ذكر أبيه علي الرضا [199] . 5 - الحافظ الذهبي (ت / 748 ه)، قال في «تاريخ الاسلام»: محمد بن الرضا علي بن الكاظم علي بن الكاظم موسي بن الصادق جعفر بن الباقر محمد بن زين‌العابدين علي بن الشهيد الحسين بن أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب، أبوجعفر الهاشمي الحسيني. [ صفحه 136] كان يلقب بالجواد، و بالقانع، و بالمرتضي. كان من سروات آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم.. توفي ببغداد في آخر سنة عشرين شابا طريا.. و كان أحد الموصوفين بالسخاء؛ و لذلك لقب بالجواد.. رحمه الله و رضي عنه [200] . 6 - ابن‌تيمية الحنبلي (ت / 758 ه)، قال في كتابه «منهاج السنة» ما نصه: محمد بن علي الجواد، كان من أعيان بني‌هاشم، و هو معروف بالسخاء و السؤدد، و لهذا سمي (الجواد). و مات و هو شاب ابن‌خمس و عشرين سنة [201] . 7 - اليافعي (ت / 768 ه)، قال في كتابه «مرآة الجنان»: أبوجعفر محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أحد الاثني عشر اماما الذين يدعي الرافضة فيهم العصمة. و كان المأمون قد نوه بذكره.. و كان الجواد يروي مسندا عن آبائه الي علي بن أبي‌طالب رضوان الله تعالي عليهم أجمعين. و كان يقول: «من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة» [202] . 8 - الغزي (ت / 1167 ه)، ذكر ترجمة مقتضبة للامام الجواد عليه‌السلام في كتابه «ديوان الاسلام»، فقال: الجواد: محمد بن علي بن موسي، السيد الشريف أبوجعفر الهاشمي [ صفحه 137] الحسيني، أحد الأئمة الاثني عشر عند الامامية [203] . 9 - الزركلي (ت / 1396 ه)، قال في «الأعلام»: محمد بن علي الرضا بن موسي الكاظم الطالبي الهاشمي القرشي، أبوجعفر الملقب بالجواد (220 - 195 ه / 835 - 811 م): تاسع الأئمة الاثني عشر عند الامامية. كان رفيع القدر كأسلافه، ذكيا، طلق اللسان، قوي البديهة [204] .

ما قيل في رثائه

و قبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الأدب، و من الأدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوي مفردات الأدب العربي شيوعا، و أبرز الوسائل الاعلامية و أكثرها فاعلية و انتشارا يومذاك، و حتي في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر، و قل الاهتمام بالشعر و الشعراء الي حد كبير جدا، حيث أصبح الشعر في البرامج و المهرجانات و الاحتفالات مادة لمل‌ء الفراغ، فانه - مع ذلك - ما تزال له رنة و تأثير علي السامعين يفوق أي وسيلة اعلامية أخري. و للأثر البالغ للشعر علي مسامع الناس، و لشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية، و ميل النفوس اليه، فقد قال فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «ان من الشعر [ صفحه 138] لحكما، و ان من البيان لسحرا» [205] . كما أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فاستنشدوا الشعر، و بعضهم أنشد. و قربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق و العدل و أهله، و حثوهم علي قول الشعر و أجزلوا لهم العطاء و وعدوهم الجنة. قال الامام الصادق عليه‌السلام: «من قال فينا بيت شعر بني الله له بيتا في الجنة» [206] . و عليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحق، و لم تأخذهم في الله لومة لائم، و نافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و مدحوهم و رثوهم بأحسن ما يكون المدح و الرثاء، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي، و الكميت الأسدي، و مهيار، و كوكبة لا تحصي عدا منذ الصدر الأول و الي يومنا هذا. فملأوا بمديحهم و رثائهم عشرات الدواوين، و طبيعي أن يكون لامامنا أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام نصيب من ذلك المديح و الرثاء، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب. و قد وقفنا علي الكثير من شعر المدح و الرثا بشأن الامامين الهمامين الجواد و جده موسي بن جعفر عليهماالسلام، و ما يختص بالجواد عليه‌السلام وحده. انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه، فالي المراثي و المديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها: 1 - فأقدم نص وقفنا عليه في مديح الامام الجواد عليه‌السلام و آبائه الطاهرين عليه‌السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفي سنة» 230 ه»، المعاصر للامام الجواد عليه‌السلام. و القصيدة تتألف من» 59 «بيتا، و هي [ صفحه 139] ليست في ديوانه المطبوع، عثر عليها الشيخ حسين علي آل سليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه، و مطلعها: حصحص الحق فاسهري أو فنامي عن ملامي ستحتوين ملامي ثم يصل بعد عدة أبيات الي غرضه فيقول: ربي الله و الأمين نبيي صفوة الله و الوصي امامي ثم سبطا محمد تالياه و علي و باقر العلم حامي و التقي الزكي جعفر الطيب مأوي المعتو و المعتام ثم موسي ثم الرضا علم الفصل الذي طال سائر الأعلام و المصفي محمد بن علي و المعري من كل سوء و ذام أبرزت منه رأفة الله بالناس لترك الظلام بدر التمام فرع صدق نمي الي الرتبة العليا و فرع النبي لا شك نامي فهو ماض علي البديهة بالفيصل من رأي هبرزي همام عالم بالامور غارت فلم تنجم و هذا يكون بالانجام بالامور التي تبيت تقاسيها علي حين سكرة النوام هؤلاء الاولي أقام بهم حجته ذوالجلال و الاكرام عصبة لست منكرا أنني يفني قعودي بحبهم و قيامي [207] . [ صفحه 140] 2 - و في المقتضب روي ابن‌عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي، قال: حدثني المغيرة بن محمد المهلبي، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي [208] الشاعر، و كان انقطاعه الي أبي‌الحسن علي بن موسي الرضا عليه‌السلام، و لما توفي عليه‌السلام وقف يؤبنه و يمتدح أباجعفر محمدا ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها: يابن الذبيح و يابن أعراق الثري طابت أرومته و طاب عروقا يابن الوصي وصي أفضل مرسل أعني النبي الصادق المصدوقا ما لف في خرق القوابل مثله أسد يلف مع الخريق خريقا يا أيها الحبل المتين متي أعذ يوما بعقوته أجده وثيقا أنا عائذ بك في القيامة لائذ أبغي لديك من النجاة طريقا لا يسبقني في شفاعتكم غدا أحد فلست بحبكم مسبوقا يابن الثمانية الأئمة غربوا و أبا الثلاثة شرقوا تشريقا ان المشارق و المغارب أنتم جاء الكتاب بذلكم تصديقا [209] . [ صفحه 141] 3 - أما شاعر الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام أبومحمد العوني [210] ، فقد نظم في مولد الامام الجواد عليه‌السلام أبياتا يقول فيها: هذا الذي اذ ولدته أمه عاجلها منه حسيبا فابتدر حتي تفرغن النسا من حولها و قلن هذا هو أمر مبتكر و الولد الطيب قد جلله عنهن مولاه بثوب فاستتر [211] . 4 - و لأبي‌الفتح علي بن عيسي الاربلي قصيدة في مدح الامام الجواد عليه‌السلام و بيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها: حماد حماد للمثني حماد علي آلاء مولانا الجواد امام هدي له شرف و مجد علا بهما علي السبع الشداد امام هدي له شرف و مجد أقر به الموالي و المعادي تصوب يداه بالجدوي فتغني عن الأنواء في السنة الجماد يبخل جود كفيه اذا ما جري في الجود منهل الغواد فواضله و أنعمه غزار عهدن أبر من سح العهاد فمن يرجو اللحاق به اذا ما أتي بطريق فخر أو تلاد [ صفحه 142] من القوم الذين أقر طوعا بفضلهم الأصادق و الأعادي بهم عرف الوري سبل المعالي و هم دلوا الأنام سبل الرشاد و هم من غير شك و خلف اذا أنصفت سادات العباد أيا مولاي دعوة ذي ولاء اليكم ينتمي و بكم ينادي و قد قدمتكم زادا لسيري الي الاخري و نعم الزاد زادي فأنتم عدتي ان ناب دهر و أنتم ان عري خطب عتادي [212] . 5 - و للشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه الي الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه و المتوفي سنة» 1104 ه»، أرجوزة طويلة في تاريخ الامام الجواد عليه‌السلام و بيان معجزاته و فضائله، منها قوله: نصوصه كثيرة تواترت معجزاته كذاك اشتهرت و ما جري له مع المأمون من موطئات العلم و اليقين ان كان طفلا و بدا ما قد بدا من فضله و علمه لذي الهدي و امتحنوه و أجاب العلما جواب عالم درس و علما [213] . 6 - و ثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفي سنة» 1306 ه» في تاريخ الامام عليه‌السلام أبان فيها فضائله و معجزاته، و مطلعها: سل الدار عن ساكنها أين يمموا فهل أنجدوا يوم استقلوا و اتهموا [ صفحه 143] و منها قوله في رثائه عليه‌السلام: فيا لقصير العمر طال لموته علي الدين و الدنيا البكا و التألم بفقدك قد أثكلت شرعة أحمد فشرعته الغراء بعدك أيم عفا بعدك الاسلام حزنا و أطفئت مصابيح دين الله فالكون مظلم فيالك مفقودا ذوت بهجة الهدي له و هوت من هالة المجد أنجم يمينا فما لله الاك حجة يعاقب فيه من يشاء و يرحم و ليس لآخذ الثأر الا محجب به كل ركن للظلال يهدم [214] . 7 - و نظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفي سنة» 1309 ه» رائية في مدح الامامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة اتمام عمارة الصحن و مرقدهما الشريف عام» 1301 ه» يقول فيها: جواد يمير السحب جود يمينه علي أن فيض البحر راحته اليسري امام يمد الشمس نورا فان تغب كسا بسنا أنواره الأنجم الزهرا فحق اذا أزهرت في صحن داره و درن علي ما حول مرقده دورا و مذ زين الأفلاك أحسن زينة خضعن له لا بل سجدن له شكرا و من يك موصولا بأحمد في العلي تهيب غير الذكر في نعته الذكرا مدينة قدس قدس الله سرها و شرفها حتي علي عرشه قدرا [ صفحه 144] لقد حشرت فيها الملائك و الملا جميعا و لما تدرك البعث و الحشرا أحاطت بموسي و الجواد فقل لمن بهم غير علم الله لم يحط خبرا أبوهم علي الطهر من بعد أحمد نبي الهدي و الام فاطمة الزهرا [215] . 8 - أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفي سنة» 1279 ه / 1862 م» فله في مدح الامامين الجوادين هذه الأبيات: حظرة الكاظمين منها المرايا قد حكت قلب صب أهل الطفوف قد أظلت شمسا بغير كسوف و أقلت بدرا بغير خسوف و طوت (كاظما) و لفت (جوادا) فازدهت بالمطوي و الملفوف شرفت فيهما و ما كل ظرف حاز تشريفه من المظروف و هي لما علي السماء أنافت بهما قلت يا سما المجد نوفي لا تلمني علي وقوفي بباب تتمني الأملاك فيه وقوفي هو باب مجرب ذو خواص كان منها اغاثة الملهوف ملجأ العاجزين كهف اليتامي مروة المرملين مأوي الضيوف فليلمني من شاء اني موال رافل من ولائهم بشغوف [216] . [ صفحه 145] 9 - و للعلامة الأديب الشيخ محمد رضا المظفر المتوفي سنة» 1383 ه» منظومة تائية في رثاء الامام الجواد عليه‌السلام و تاريخ حياته، منها قوله: بالامام الجواد منكم تمسكت و حسبي من قدسه النفحات حدث قلد الامامة فانقا دت لعلياء حكمه الحادثات ابن‌سبع و يا بروحي قد قام اماما تجلي به الكربات لا تخل ويك و هو في المهد طفل هذبته بدرها المرضعات هو نور منق بل أن تتجلي بسنا الحق هذه الكائنات طاب في شهر طاعة الله مولودا فنيطت بحبه الطاعات و اصطفاه الاله للخلق قواما فقامت لفضله المعجزات يا أباجعفر و ما أنت الا البحر جودا له الهدي مرساة كيف تقضي سما غريبا و باسم الله تجري و لا سمك الحادثات أنت أدري بما أتت فيه أم الفضل لكن شاءت لك النازلات [217] . 10 - أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة» 1303 ه» و المتوفي سنة» 1358 ه» فله قصيدة دالية في مديح الامام الجواد عليه‌السلام و رثائه، انتخبنا منها الأبيات التالية و مطلعها: نفت عن مقلتي طيب الرقاد أحاديث الصبابة في سعاد [ صفحه 146] الي أن يقول: لكم غزلي و مدحي في امامي أبي‌الهادي محمد الجواد هو البر التقي حمي البرايا و غيث المجتدي غوث المنادي امام أوجب الباري ولاه و طاعته علي كل العباد اذا ما سدت الأبواب فاقصد (جواد) بني‌الهدي باب المراد تري بابا به الحاجات تقضي و منتجعا خصيب المستراد و كم ظهرت له من معجزات رآهن الحواضر و البوادي و دس لقتله سما زعافا زنيم ليس يؤمن بالمعاد [218] .

پاورقي

[1] أصول الكافي / الكليني 1: 286 / 3 كتاب التوحيد.
[2] ابن‌قياما الواسطي: واقفي، مخالف معروف.
[3] أصول الكافي 1: 320 / 4. و عنه نقل الشيخ المفيد في الارشاد 277: 2 بواسطة أبي‌القاسم جعفر ابن‌محمد بن قولويه. و راجع اثبات الوصية / المسعودي: 183.
[4] أصول الكافي 1: 321 / 7. و الارشاد 2: 278 - 277.
[5] الامام علي بن محمد التقي يلقب بالنجيب أيضا، و أن أباه الامام الجواد عليه‌السلام يلقب بالمنتجب، فلاحظ.
[6] مصباح المتهجد و سلاح المتعبد: 741.
[7] اعلام الوري 2: 91. و تاج المواليد / الطبرسي أحمد بن علي (ت / 548 ه): 52 المطبوع ضمن كتاب «مجموعة نفيسة».
[8] أصول الكافي 1: 492. والارشاد 2: 273. و عيون المعجزات: 121. و المناقب آل أبي‌طالب 4: 379. و كشف الغمة 3: 135.
[9] مناقب آل أبي‌طالب 4: 394، الفصول المهمة / ابن‌الصباغ المالكي: 209 - 208.
[10] الفروع من الكافي 360 / 3: 6.
[11] عيون المعجزات: 121 و عنه بحارالأنوار 50: 15 / 19.
[12] اثبات الوصية: 183.
[13] عيون أخبار الرضا 2: 266 باب 60، و عنه بحارالأنوار 50: 18 / 2.
[14] تفسير العياشي 1: 132 - 131.
[15] مناقب آل أبي‌طالب 4: 388.
[16] كشف الغمة 3: 155.
[17] أخبار الدول / القرماني 3: 344.
[18] نسبة الي مريسة و هي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة.
[19] اصول الكافي 1: 323 / 14.
[20] و جاء في مصادر اخري باسم: كليم، و بأي الاسمين ورد فهما واحد.
[21] عيون المعجزات: 121 و عنه الأنوار البهية / المحدث الشيخ عباسي القمي: 209.
[22] الكافي 1: 320، 469، و اثبات الوصية: 194 - 183. و تهذيب الأحكام 6: 90 باب 37 و ما بعده.
[23] دلائل الامامة: 384 / 342، و 404 / 365.
[24] مناقب أل أبي‌طالب 4: 387. و دلائل الامامة: 404 / 365.
[25] راجع: دلائل الامامة: 397 / 346، و في مقاتل الطالبيين: 456 جاء أيضا ما هذا نصه: و زوج المأمون ابنته أم‌الفضل محمد بن علي بن موسي علي حلكة لونه و سواده.
[26] حياة الامام محمد الجواد عليه‌السلام / باقر شريف القرشي: 24.
[27] عيون المعجزات: 121. و دلائل الامامة: 396. و اعلام الوري 2: 91. و تاج المواليد / الطبرسي: 52. و الدعوات / الراوندي: 224 / 89 و 106 / 234. و مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 379 و 411 - 410.
[28] دلائل الامامة: 396. و مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 379 و 411 - 410. و كشف الغمة 3: 137. و النجوم الزاهرة 2: 321 حوادث سنة 219.
[29] راجع: الارشاد 2: 295. و دلائل الامامة: 396. و اعلام الوري 2: 91.
[30] الارشاد 2: 295. و اعلام الوري 2: 106.
[31] مناقب آل أبي‌طالب 4: 380.
[32] عمدة الطالب في أنساب آل أبي‌طالب: هامش ص 199.
[33] كمال‌الدين 2: 424 / 1 ط 2. و الغيبة / الشيخ الطوسي: 234 / 204.
[34] اصول الكافي 1: 330 / 3. و كمال‌الدين 2: 433 / 14.
[35] بحارالأنوار 102: 79، و عنه رجال بحرالعلوم 2: 317.
[36] الارشاد 2: 351.
[37] فرائد السمطين 2: 312 / 562. و راجع: ينابيع المودة / القندوزي الحنفي 3: 383 الباب 94 الطبعة الأولي 1416 ه، تحقيق علي جمال أشرف الحسيني، نشر دار الاسوة - طهران.
[38] فرائد السمطين 2: 313 / 563، 564. و راجع: ينابيع المودة 3: 384.
[39] راجع: ينابيع المودة 3: 398 الباب 94. و كشف الغمة / الاربلي 3: 314.
[40] فرائد السمطين 2: 132 / 431، و عنه أورده القندوزي في ينابيع المودة 3: 281 الباب 76.
[41] مقتل الحسين / الخوارزمي: 96 - 95. و عنه رواه الجويني الشافعي في فرائد السمطين 319: 2 / 571.
[42] الارشاد 2: 275. و راجع: اصول الكافي 1: 323 / 14. و اعلام الوري 2: 92. و بحارالأنوار 50: 21 / 7.
[43] عيون أخبار الرضا 2: 62 / 29.
[44] راجع: أصول الكافي 319: 1 / 16. و الغيبة / الشيخ الطوسي: 32 / 8. و بحارالأنوار 50: 19 / 4.
[45] أصول الكافي 1: 313 - 319 / 14. و اعلام الوري 50: 2 و عنه بحارالأنوار 50: 25 - 28 / 17.
[46] بحارالأنوار 50: 36 - 18.
[47] اصول الكافي 1: 321 / 6. و نحوه في 1: 320 / 2. و الارشاد 2: 276. و اعلام الوري 2: 93. و الفصول المهمة / ابن‌الصباغ المالكي: 261.
[48] اصول الكافي 1: 322 / 13.
[49] الفصول المهمة: 261، و راجع: الارشاد 2: 276. و اثبات الوصية / المسعودي: 185. و أصول الكافي 1: 321 / 10 باختلاف يسير جدا. و ذكر نحوه الخزاز في كفاية الأثر: 279.
[50] ينابيع المودة 3: 348 الباب 86. و فرائد السمطين 2: 337 / 591. نقله عن عيون أخبار الرضا 2: 296 / 35 من الباب 66.
[51] اصول الكافي 1: 322 / 12.
[52] رجال الكشي: 429 / 803.
[53] رجال الكشي: 429 / 804.
[54] سورة مريم: 19 / 12.
[55] من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره في 29 ذي‌القعدة الحرام سنة 1388 ه لم تنشر توجد ضمن مستندات و وثائق موسوعة الشهيد الصدر.
[56] راجع: النصوص المتقدمة آنفا عن أصول الكافي 1: 321 / 10 و 322 / 13 و 383 / 2. و اثبات الوصية: 185.
[57] سورة مريم: 19 / 12.
[58] سورة يوسف: 12 / 22. و سورة القصص: 28 / 14.
[59] سورة الأحقاف: 46 / 15.
[60] في الرواية الأخري: الحكمة و هو صبي.
[61] اصول الكافي 1: 494 / 3، و مثله أيضا 1: 384 / 7 باب حالات الأئمة في السن.
[62] اصول الكافي 1: 384 / 5.
[63] سورة يوسف: 12 / 108.
[64] اصول الكافي 1: 384 / 8.
[65] اصول الكافي 1: 199 / 1.
[66] تاريخ الطبري 7: 150. و الشذرات الذهبية / ابن‌طولون: 98 و فيه: آخر صفر سنة اثنتين و مئتين. و في التنبيه و الاشراف / المسعودي: 303: في أول صفر؛ لكنه في اثبات الوصية: 182، قال: مضي - صلي الله عليه - في سنة اثنين و مئتين من الهجرة في آخر ذي‌الحجة. و روي أنه مضي في صفر، و الخبر الأول أصح.
[67] راجع: التنبيه و الاشراف / المسعودي: 304 - 302.
[68] هناك نص نقله النجاشي في رجاله: 277 رقم 727. و شيخ الطائفة الطوسي في أماليه: 359 / 749 يشير الي أن الامام الرضا عليه‌السلام كان في خراسان سنة (198 ه)، حيث يروي أبوالحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنه و دعبل رحلا الي الامام علي بن موسي الرضا عليه‌السلام و التقياه في تلك السنة، و حدثهما املاء في رجب من ذلك العام، و أقاما عنده الي آخر سنة (200 ه). ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الامام عليه‌السلام اليهما أن يصيرا اليها و هما في طريق عودتهما الي واسط، بعد أن خلع عليهما و زودهما و أعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما.
[69] مرآة الجنان / اليافعي 2: 80.
[70] تاريخ الطبري 7: 190 - 189.
[71] بناء علي هذه الرواية نستظهر أن شهادة الامام الرضا عليه‌السلام كانت سنة (202 ه).
[72] القبال: سير من الجلد طويل يربط علي الرجل لشد النعال.
[73] سورة البقرة: 2 / 229.
[74] النص أخذناه عن عيون المعجزات: 123 - 122. و عنه بحارالأنوار 50: 99 / 12. و الزيادات فيه أوردناها عن رواية الطبري في دلائل الامامة: 390 - 388. و راجع: اختصاص الشيخ المفيد: 102 طبع قم. و مناقب آل أبي‌طالب 4: 383 - 382.
[75] اصول الكافي 1: 496 / 7.
[76] راجع: بحارالأنوار 50: 93.
[77] راجع: المحجة البيضاء 4: 306؛ لكنه في كتاب الوافي 3: 830 / 1440 أورد الخبر نفسه عن أصول الكافي و فيه ثلاثون ألف مسألة و لم يعلق عليه.
[78] راجع: اختيار معرفة الرجال: 560 / 1058 ترجمة محمد بن أحمد بن حماد المحمودي.
[79] في الكافي: مئتي. و ما أثبتناه عن ابن‌شهر آشوب و العلامة المجلسي.
[80] أصول الكافي 1: 494 / 4. و عنه مناقب آل أبي‌طالب 4: 396.
[81] وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن منها، ما رواه الكليني بسنده عن الامام الباقر عليه‌السلام في معرض بيانه علائم الامام المعصوم فقال: «طهارة الولادة، و حسن المنشأ، و لا يلهو و لا يلعب». و روي صفوان الجمال عن الامام الصادق عليه‌السلام في صفات الامام، فقال عليه‌السلام: «صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب». و ما تعرض له أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام من خصائص و علامات الامام المعصوم، فقال: «و الامام المستحق للامامة له علامات فمنها: أن يعلم أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها و كبيرها، لا يزل في الفتيا، و لا يخطي‌ء في الجواب، و لا يسهو، و لا ينسي، و لا يلهو بشي‌ء من أمر الدنيا». راجع: مناقب آل أبي‌طالب 4: 317. و بحارالأنوار 25: 164.
[82] اثبات الوصية: 188. و دلائل الامامة: 402 / 360.
[83] المصدر السابق نفسه.
[84] مناقب آل أبي‌طالب 4: 389 - 388. أما رواية ابن‌الصباغ في الفصول المهمة: 252، و الشيخ المحدث القمي في منتهي الآمال 528 - 527: 2 عن مستدرك العوالم 23: 522. و بحارالأنوار 50: 56 فهي تختلف عن هذه في بعض أحداثها، فراجع.
[85] راجع: بحارالأنوار 50: 45 / 18.
[86] الارشاد 2: 281. و تحف العقول: 451. و مناقب آل أبي‌طالب / ابن‌شهر آشوب 4: 381. و اعلام الوري: 351. و الاختصاص: 98. و روضة الواعظين: 238. و الاتحاف بحب الأشراف / الشبراوي: 171. و الصواعق المحرقة: 204. و الفصول المهمة / ابن‌الصباغ المالكي: 253.
[87] تاريخ الطبري 8: 623.
[88] راجع: الارشاد 2: 288. و مناقب آل أبي‌طالب 4: 382. و الفصول المهمة: 270. و بحارالأنوار 50: 79 / 5.
[89] مشارق أنوار اليقين / الحافظ البرسي: 98.
[90] تاريخ اليعقوبي 2: 454، الطبعة السادسة - دار صادر - بيروت 1415 ه.
[91] دلائل الامامة: 391 / 345، مؤسسة البعثة، الطبعة المحققة 1412 ه.
[92] في رجال النجاشي: 197؛ المنمس، طبعة مكتبة الداوري - قم 1397 ه، و في بعض المصادر الاخري: العمش.
[93] اثبات الوصية: 189، طبعة النجف الأشرف.
[94] الارشاد 2: 288 - 281.
[95] جانب من البيت، و هي فارسية معربة.
[96] المسورة: متكأ من أدم.
[97] سورة النور: 24 / 32.
[98] الغالية: ضرب من الطيب مركب من مسك و عنبر و كافور و دهن البان و عود.
[99] اعلام الوري 2: 105 - 101. و الاحتجاج: 2: 469 - 477 / 322 الطبعة الاولي المحققة 1413 ه مثله. و ذكره نحوه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره 1: 182. و الطبري في دلائل الامامة: 391 / 345. و المفيد في الاختصاص: 98 طبع قم 1402 ه. ابن‌الصباغ في الفصول المهمة: 267، و غيرها من المصادر.
[100] راجع مقاتل الطالبيين: 435.
[101] مقاتل الطالبيين: 438.
[102] راجع: تاريخ الطبري 8: 558. و تاريخ الاسلام / الذهبي 14: 8 حوادث سنة 210 - 201 ه.
[103] تاريخ الطبري 8: 622.
[104] الرضا من آل محمد: اصطلاح يطلق علي كل علوي يرتضونه خليفة عليهم، و يتصدي لقيادة الثورة فينادون به. أو يراد منه امام الوقت دون التعريف باسمه.
[105] المجدي في أنصاب الطالبيين / ابن‌الصوفي العمري العلوي: 295 طبع مكتبة المرعشي النجفي 1409 ه.
[106] تاريخ الطبري 7: 168 حوادث سنة (207 ه) طبعة القاهرة 1358 ه. و الكامل في التاريخ: 5: 468 الطبعة الثانية 1415 ه، تحقيق محمد يوسف الدقاق.
[107] أخرج ابن‌عساكر في تاريخ دمشق 42: 287 الطبعة المحققة، بسنده عن مالك بن أنس، عن ابن أبي‌الزناد قوله: (قالت الأنصار: ان كنا لنعرف الرجل الي غير أبيه ببغضه علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام). و راجع: فرائد السمطين / الجويني الشافعي 1: 365 / 293 فقد أخرجه بطريقة عن مالك بن أنس، عن ابن أبي‌الزناد أيضا، و راجع أيضا ما أخرجه في 1: 134 / 97 عن الزهري عن أنس بن مالك من أنه لا يبغض عليا من قريش الا سفحي، و لا من العرب الا دعي، و لا من سائر الناس الا شقي.
[108] راجع: تاريخ ابن‌خلدون 4: 148، 217. و طبقات سلاطين الاسلام / استانلي لين بول: 88 - 86 الطبعة الاولي 1406 ه الدار العالمية - بيروت.
[109] راجع: تاريخ الطبري 7: 184. و الكامل في التاريخ 5: 481.
[110] مقاتل الطالبيين: 472 - 464. و تاريخ الطبري 7: 224 - 223 حوادث سنة (219 ه). عمدة الطالب / أحمد بن علي الداوودي: 306 الطبعة الحيدرية - النجف. و البحر الزخار / أحمد بن يحيي ابن‌المرتضي (ت / 840 ه) 1: 228 المقدمة، و فيه: أن المعتصم حبسه أياما و هرب من حبسه، فأخذه و ضرب عنقه صبرا، و صلبه بباب الشماسية، و هو ابن‌ثلاث و خمسين سنة، و هو أحد أئمة الزيدية و علمائهم و زهادهم.
[111] مروج الذهب 4: 61 - 60.
[112] الكافي 1: 200 / 1 عن الامام الرضا عليه‌السلام.
[113] المصدر السابق نفسه.
[114] كنز العمال 12: 103 / 34198 عن الطبراني في المعجم الكبير باسناده عن ابن‌عباس.
[115] راجع: نهج‌البلاغة: 212 خطبة 152 تنظيم صبحي الصالح.
[116] راجع: مصنف ابن أبي‌شيبة 15: 198 / 19495. و الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 78. و فيض القدير 6: 17. و راجع: دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 259 - 254 ففيه مزيد شرح و تفصيل.
[117] راجع: الفائدة الرابعة من فوائد خاتمة الوسائل: 30 / 165.
[118] روي عن الامام الجواد عليه‌السلام من أهل السنة ابراهيم بن عبدالحميد الصنعاني، و ابراهيم بن عقبة، و ابراهيم بن محمد بن حاجب، و ابراهيم بن مهدويه، و أمية بن علي القيسي الشامي، و جعفر ابن‌محمد بن مزيد، و منخل بن علي، و عمارة بن زيد الأنصاري، و عمر بن الفرج الرخجي و غيرهم.
[119] أهل البيت عليهم‌السلام تنوع أدوار و وحدة هدف / السيد الشهيد محمد باقر الصدر: 145 ، 144 ، 131 ، 127.
[120] أهل البيت عليهم‌السلام تنوع أدوار و وحدة هدف / السيد الشهيد محمد باقر الصدر: 75.
[121] بحارالأنوار / المجلسي 64: 25.
[122] اصول الكافي 1: 53 / 14 (كتاب فضل العلم). و الارشاد / الشيخ المفيد 2: 186.
[123] راجع: اصول الكافي 1: 263 / 1 - 3 و 265 / 2 و 268 / 9 و في غير موضع منه.
[124] اعتمدنا في استخلاص هذه الجمهرة من علماء و قضاة بغداد المعاصرين للامام الجواد عليه‌السلام في تلك الفترة: البداية و النهاية 10: 299 حوادث سنة (218 ه). و تاريخ أبي‌الفداء 1: 340. و تاريخ الخلفاء / السيوطي: 312 - 309 بتحقيق محمد محيي‌الدين عبدالحميد. و تاريخ الطبري 7: 206 - 187 حوادث سنة (218 ه). و طبقات الفقهاء / أبواسحاق الشيرازي الشافعي (ت / 476 ه). و الكامل في التاريخ 6: 3 - 6 مراجعة و تصحيح الدكتور محمد يوسف الدقاق. و محاضرات تاريخ الامم الاسلامية / الخضري 2: 215 - 212. و الوفيات / ابن‌قنفذ (ت / 809 ه) و غيرها.
[125] سورة النساء: 4 / 43.
[126] سورة المائدة: 5 / 6.
[127] صحيح البخاري 1: 280 / 776 و 777 باب السجود علي سبعة أعظم أخرجه عن ابن‌عباس. و الجامع الصحيح 1: 446 / 231 (491) أخرجه عن العباس بن عبدالمطلب. و كذا الأحاديث 230 - 227. و سنن ابن‌ماجة 1: 282 / 884 و 885.
[128] سورة الجن: 72 / 18.
[129] تفسير العياشي 1: 320 - 319 / 109 طبع طهران بتحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.
[130] الحديث روي في العديد من المصادر التي لا يمكن حصرها هنا نذكر منها: صحيح مسلم 4: 1873 / 2408. و مسند أحمد 5: 189. و سنن الدارمي 2: 432 - 431. و مصنف ابن أبي‌شيبة 11: 452 / 11725. و صحيح الترمذي 5: 662 / 3786. و للمزيد راجع: دفاع عن الكافي / ثامر العميدي 1: 153 - 144 ففيه تفاصيل عن ألفاظ الحديث و طرقه و دلالاته و مصادره.
[131] سورة الأنعام: 6 / 103.
[132] اصول الكافي 1: 99 / 11.
[133] سورة المائدة: 5 / 3.
[134] سورة البقرة: 2 / 173.
[135] و قيل في ترتيبها غير ذلك.
[136] تهذيب الأحكام 9: 83 / 354.
[137] اصول الكافي 1: 82 / 1 باب اطلاق القول بأنه شي‌ء من كتاب التوحيد.
[138] اصول الكافي 1: 82 / 2. و راجع: التوحيد / الصدوق: 107.
[139] اصول الكافي 1: 87 / 3 باب المعبود من كتاب التوحيد.
[140] اصول الكافي 12 / 1: 118. و الآية من سورة الزخرف: 43 / 87.
[141] اصول الكافي 1: 116 / 7. و راجع: التوحيد / الصدوق: 193.
[142] أبوالخطاب: هو محمد بن أبي‌زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع. كان في بادي‌ء أمره من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام، ثم انحرف عن خط أهل البيت عليهم‌السلام، بل و عن الدين، فأخذ ينسب أباطيله و عقائده الفاسدة الي الامام الصادق عليه‌السلام كذبا و زورا، و تبعه عدد من المضللين و النفعيين حتي شكلوا فرقة سميت فيما بعد بالخطابية. من عقائدهم زعموا أن الصلاة و الصيام و التكاليف الاخري، و الخمر والزنا و السرقة و غيرها هي أسماء رجال، و الآيات القرآنية الآمرة بأداء تلك الأعمال و الناهية عنها، انما هي آمرة بمحبة أولئك الرجال أو النهي عن محبتهم فقط. كما أظهروا كثيرا من البدع و الضلالات و الاباحات، حتي وصل بهم الأمر الي الدعوة الي نبوة أبي‌الخطاب. بعث اليهم و الي المدينة جيشا - بعد أن استفحل أمرهم - فقاتلوهم حتي أبادوهم عن آخرهم الا رجلا واحدا منهم نجا من القتل.
[143] اختيار معرفة الرجال: 528 / 1012.
[144] سورة الفرقان: 25 / 44.
[145] راجع: تهذيب الأحكام 3: 28 / 98.
[146] سورة ق: 50 / 16.
[147] سورة الأحزاب: 33 / 7.
[148] سورة الحج: 22 / 75.
[149] سورة الأنفال: 8 / 33.
[150] الاحتجاج / الطبرسي 2: 245 طبعة النجف - دارالنعمان 1386 ه، تعليق السيد محمد باقر الخرسان.
[151] تنبأ أي ادعي النبوة.
[152] الارشاد 2: 291 - 289. و راجع: دلائل الامامة: 205 / 366. و اعلام الوري: 347. و كشف الغمة 3: 149.
[153] الظاهر أنه: القاسم بن الحسن البزنطي، اذ لا وجود للقاسم بن المحسن في كتب الرجال.
[154] كشف الغمة 3: 160 - 159.
[155] سورة القمر: 54 / 24.
[156] سورة القمر: 54 / 25.
[157] كشف الغمة 3: 150.
[158] تحف العقول: 339 طبعة النجف 1380 ه.
[159] تهذيب الأحكام 6: 184 / 382.
[160] الفروع من الكافي 3: 205. و راجع أيضا: 218.
[161] بحارالأنوار 50: 55 / 30.
[162] ثواب الأعمال: 165 باب ثواب الاستغفار.
[163] التذكرة الحمدونية / ابن‌حمدون 1: 113 / رقم 228.
[164] الفروع من الكافي 6: 434 / 24.
[165] التذكرة الحمدونية 1: 383 / رقم 1008.
[166] التذكرة الحمدونية 1: 383 / رقم 1005.
[167] المصدر السابق 4: 363 / رقم 927.
[168] المصدر السابق 2: 182 / رقم 425.
[169] المصدر السابق 2: 183 / رقم 427.
[170] راجع في مصادر هذه الأقوال: تحف العقول: 340 - 339. و كشف الغمة 3: 142 - 137. و الفصول المهمة: 269 و قد أخذها عن كتاب «معالم العترة النبوية» لعبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي. و بحارالأنوار 78: 365 - 358.
[171] راجع: مناقب آل أبي‌طالب / ابن‌شهر آشوب 4: 384.
[172] راجع: اثبات الوصية / المسعودي: 192. و عيون المعجزات: 131، و عنه في بحارالأنوار 50: 16 و اصول الكافي 1: 323 / 1.
[173] اصول الكافي 1: 323 / 1 باب الاشارة و النص علي أبي‌الحسن الثالث عليه‌السلام.
[174] الثاقب في المناقب / ابن‌حمزة الطوسي: 516.
[175] مناقب آل أبي‌طالب 4: 389.
[176] الارشاد 2: 295. و روضة الواعظين 1: 243.
[177] راجع الارشاد 2: 295، و السبب في ذلك أن الشيخ المفيد لا يعمل و لا يأخذ الا بالأخبار المتواترة.
[178] اثبات الوصية: 192. و راجع: دلائل الامامة: 395.
[179] عيون المعجزات: 132.
[180] مناقب آل أبي‌طالب 4: 384.
[181] اصول الكافي 1: 492.
[182] اعلام الوري 2: 91.
[183] اثبات الوصية: 192.
[184] اصول الكافي 3 / 1: 325.
[185] تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام: 85، بتحقيق السيد محمد رضا الجلالي، نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام 1410 ه - قم.
[186] تفسير العياشي 1: 320 / 109 و عنه بحارالأنوار 50: 5 / 7. و الخلفة: ذهاب شهوة الطعام من المرض، أو الاسهال و التقيؤ نتيجة التسمم.
[187] الارشاد 2: 295.
[188] مروج الذهب 4: 60 الطبعة الاولي 1411 ه، تحقيق عبدالأمير علي مهنا.
[189] دلائل الامامة: 395. و عيون المعجزات: 131 و عنه بحارالأنوار 50: 16 / 26.
[190] مناقب آل أبي‌طالب 4: 391. و دلائل الامامة: 395.
[191] أشناس: من كبار قواد جيش المعتصم، تركي الأصل. اشترك في فتح عمورية سنة» 223 ه». عهد اليه المعتصم بناء مدينة سامراء لتكون ثكنة للجيش التركي الذي ضاقت به بغداد. تولي امرة دمشق في عهد الواثق. مات سنة» 230 ه»، و قيل سنة» 252 ه».
[192] الأتروج أو الأترنج: ثمر من جنس الحمضيات و يقال له (الترنج) أيضا و الحماض: ما في جوف الأترج من اللب.
[193] مناقب آل أبي‌طالب 4: 384.
[194] الثاقب في المناقب: 517 / 446.
[195] مجموعة وفيات الأئمة: 342.
[196] مطالب السؤول 2: 74.
[197] تذكرة الخواص: 352.
[198] كشف الغمة 3: 162.
[199] تأريخ أبي‌الفداء 1: 343.
[200] تاريخ الاسلام 15: 385 رقم 372 وفيات سنة (220 - 211 ه).
[201] منهاج السنة 2: 127.
[202] مرآة الجنان 2: 80.
[203] ديوان الاسلام 2: 67 رقم 651.
[204] الأعلام 6: 271.
[205] بحارالأنوار 79: 290.
[206] بحارالأنوار 79: 291 / 9، نقلا عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1: 15 / 1.
[207] رياض المدح و الرثاء / الشيخ حسين البحراني: 723 طبعة المكتبة الحيدرية - قم 1410، تحقيق حسن عبدالأمير.
[208] عبدالله بن أيوب، أبومحمد الخريبي البصري: نسبة الي الخريبة و هو موضع مشهور بالبصرة. أديب، فاضل. لزم الامام الرضا عليه‌السلام، و لعله كان شاعره. ذكره ابن‌شهر آشوب في المعالم: 152 ضمن الشعراء المتقين. و ترجم له سيد الأعيان في موسوعته الرجالية أعيان الشيعة 8: 46.
[209] أعيان الشيعة 2: 36.
[210] طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي‌عون، أبومحمد العوني الغساني: شاعر شهير، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم‌السلام. توفي حوالي سنة) 350 ه) بمصر. ترجم له السيد الأمين في أعيانه 7: 401. و العلامة الأميني في الغدير 4: 175 الطبعة المحققة.
[211] مناقب آل أبي‌طالب 4: 388.
[212] كشف الغمة 3: 164.
[213] نزهة الجليس و منية الأنيس 2: 111.
[214] الدمعة الساكبة 8: 87.
[215] شعراء الغري 2: 62.
[216] موسوعة العتبات المقدسة 9: 83.
[217] شعراء الغري 8: 474.
[218] رياض المدح و الرثاء: 753 الطبعة المحققة.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.