الحياة السياسية للامام الجواد عليه السلام

اشارة

سرشناسه : عاملي، جعفر مرتضي، 1944- م.

عنوان قراردادي : الحياه السياسيه للامام الجواد عليه السلام

عنوان و نام پديدآور : نگاهي به زندگاني سياسي امام جواد(ع)/ بررسي و تحقيق جعفرمرتضي العاملي؛ ترجمه محمد حسيني.

مشخصات نشر : قم: جامعه مدرسين حوزه علميه قم، دفتر انتشارات اسلامي ، 1365.

مشخصات ظاهري : 144ص.

فروست : دفتر انتشارات اسلامي، جامعه مدرسين حوزه علميه قم؛401.

شابك : 160 ريال (چاپ ؟) ؛ 250 ريال (چاپ ؟ ) ؛ 4000ريال: چاپ نهم 964-476-348-0 :

يادداشت : چاپ نهم: پائيز 1380 .

يادداشت : چاپ (؟): 1364.

يادداشت : چاپ ؟: تابستان 1365.

يادداشت : عنوان روي جلد: زندگاني سياسي امام جواد عليه السلام.

يادداشت : كتابنامه: ص. 142 - 136؛ همچنين به صورت زيرنويس.

عنوان روي جلد : زندگاني سياسي امام جواد عليه السلام.

موضوع : محمدبن علي (ع)، امام نهم، 195 - 220ق. -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده : حسيني، سيدمحمد، 1315 - ، مترجم

شناسه افزوده : جامعه مدرسين حوزه علميه قم. دفترانتشارات اسلامي

رده بندي كنگره : BP48 /ع 2ح 9041 1365

رده بندي ديويي : 297/9582

شماره كتابشناسي ملي : م 65-638

ممهدات

التخطيط... في خدمة الرسالة

.. بعد أن ارتكب الحكم الأموي البغيض جريمته النكراء، و البشعة، في حق الامام الحسين صلوات الله و سلامه عليه، و في حق أبنائه، و أهل بيته، و صحبه الأبرار، رضوان الله تعالي عليهم أجمعين... صعد بشكل مثير و خطير من ممارساته الهادفة لنسف خط الامامة الالهية، المتمثل في أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة عليهم الصلاة و السلام... و تهدف أيضا الي استئصال، و اغتيال كل العاملين في هذا الخط، أو المتعاطفين معه، أيا كانوا، و حيثما وجدوا...

الامام السجاد في مواجهة الردة

و قد استطاع الامام السجاد عليه الصلاة و السلام، الذي واجه الردة عن الخط الاسلامي الصحيح علي أوسع نطاق، حيث لم يكن يعترف بامامته في وقت ما سوي ثلاثة أشخاص، حسبما روي [1] - استطاع - أن [ صفحه 12] يبعث النور، و يزرع بذرة الخير من جديد، و أن يتابع المسيرة، من خلال تركيز خط الامامة في الأمة، حتي تمكن أخيرا من تهيئة الظروف و المناخات الملائكة لقيام نهضة دينية، علمية، ثقافية، و تربوية علي نطاق واسع، من شأنها: أن تعرف الناس، كل الناس علي الاسلام الحق، و علي التعاليم الالهية الصحيحة، التي أريد لها أن تبقي رهن الأبهام و الغموض، و لكن الله يأبي الا أن يتم نوره، و لو كره الكافرون.. ثم جاءت مدرسة الامامين: الباقر و الصادق عليهما الصلاة و السلام، لتكون الثمار الجنية، و النتيجة المرضية و الرضية للجهود الجبارة، التي كان الامام السجاد عليه الصلاة و السلام قد بذلها في هذا السبيل، و روتها و غذتها دماء أبي الشهداء و صحبه الأبرار في كربلاء [2] .

التركيز علي قواعد ثلاث

و قد اتجهت هذه النهضة العلمية الشاملة نحو التركيز علي القواعد القرآنية الثلاث، التي أشارت اليها الآية الكريمة: (هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين).. [3] . [ صفحه 13] و هذه القواعد الثلاث هي: 1- تعليم أحكام الدين، و نشر معارفه، عملا بقوله تعالي: (يعلمهم الكتاب).. 2- تعليم الحكمة، و هي معايير و ضوابط من شأنها تمكين الانسان من أن يأتي بالأمور وفق ما يريده الله تعالي، من حيث انسجام هذه الأمور مع سائر

الحقائق التي لها مساس بما تؤديه من وظائف. و هذا الأمر يستدعي: اثارة دفائن العقول، و الابتعاد عن الجمود، و اعطاء العقل و الفطرة دورهما، و أصالتهما، و هذه هي: (الحكمة).. التي أشير اليها في الآية المباركة آنفا.. 3- التربية الروحية، و تصفية النفوس، و تهذيب الأخلاق، عملا بقوله تعالي: (و يزكيهم).. يضاف الي ذلك كله: الاهتمام بتعميق روح التعبد و الخضوع لأوامر الله تعالي، بهدف حفظ الدين عن التحريف و التأويل غير المسؤول. و كان الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم يهدفون من وراء ذلك الي تهيئة الأجواء و الظروف المناسبة لاقامة حكم الله سبحانه علي الأرض.. فربوا «عليهم السلام» العلماء و الحكماء و الجيل الواعي و المسؤول.. حتي أصبحت تلك الطليعة المثقفة و الواعية، التي رباها الامامان الباقر و الصادق «عليهماالسلام» لها تأثير قوي و واضح في التيار الثقافي العام، و هيمنة فكرية علي مختلف الفئات تقريبا في الدولة العباسية، و قد استمر هذا المد الثقافي العارم حتي عهد الامام الرضا «عليه السلام»، و بعده... [ صفحه 14]

النهي عن الاذاعة

و كانوا «عليهم السلام» يهتمون بأن يبقي عملهم و نشاطهم هذا محتفظا بسريته التامة، فكانوا يشددون علي شيعتهم في النهي عن الاذاعة، و يعتبرونها مروقا من الدين تارة، و قتلا عمديا لشخص الامام «عليه السلام»، أخري، و سببا للبلاء و الابتلاء بحر الحديد، و بالسجون، ثالثة. الي غير ذلك مما يجده المتتبع للأحاديث الكثيرة و يري فيها الحدة الملفتة للنظر [4] . و قد وردت معظم هذه الأخبار عن الامام الصادق «عليه السلام»، و بعضها عن الامام الباقر صلوات الله و سلامه عليه، و ما سوي ذلك فهو نزر قليل..

الاذاعة... و آثارها

ولكن عدم قدرة الشيعة علي الكتمان، و اذاعتهم لأمرهم، و طرحهم لقضياهم بشكل علني و سافر، ليس فقط ضيع الفرصة عليهم و علي الأئمة «عليهم السلام».. و انما هو قد نبه الخلفاء العباسيين لحقيقة ما يجري، و جعلهم يدركون الي حد ما عمق تأثير تعاليم الأئمة عليهم الصلاة والسلام في الناس. و لأجل ذلك بادر هؤلاء الخلفاء ليس فقط الي رصد حركات الشيعة، و بالأخص أئمتهم.. و انما الي ملاحقة الأئمة «عليهم السلام»، و كثير من شيعتهم، و صب مختلف البلايا و المحن عليهم، و قد ضيقوا علي الامام الصادق «عليه السلام» كثيرا، و زجوا بالامام الكاظم «عليه السلام» في سجونهم بعد ذلك.. [ صفحه 15]

الهدف من المناظرات

و بدأوا يقيمون مجالس البحث و المناظرة [5] و يشجعون عليها من أجل التعرف علي مدي تأثير الأفكار الشيعية في الناس عموما، و في الجبل المثقف خصوصا، و كانوا كلما وقفوا علي نسبة عمق تأثيرها انعكس ذلك علي مواقفهم من الأئمة «عليهم السلام»، كما هو الحال في معاملتهم للامام الكاظم عليه الصلاة و السلام في سجونهم، حيث بقي «عليه السلام» ينقل من سجن الي سجن و من بلاء الي بلاء.. و نجد في بعض النصوص: أنه عليه الصلاة و السلام ينهي هشاما عن البحث و المناظرة؛ لأن الأمر شديد [6] . و من أجل التدليل علي مدي خوفهم من تأثير تعاليم الامام الكاظم «عليه السلام»، نذكر: أن يحيي بن خالد البرمكي يقول للرشيد: ان الامام الكاظم «عليه السلام» - السجين و المراقب منهم!! - قد أفسد عليهم قلوب شيعتهم!! [7] .

موازنة

و اذا كان الامامان الصادق و الباقر عليهما الصلاة والسلام قد اهتما بطرح المعارف الاسلامية علي النطاق الأوسع و الأشمل، و لاسيما في المجال الفقهي، و تعريف الناس علي أكبر قدر ممكن من الأحكام الشرعية، و المعارف الالهية.. [ صفحه 16] فاننا نجد الامام الرضا صلوات الله و سلامه عليه يجعل أكبر همه، و معظم جهده منصرفا الي التأكيد علي الجانب العقيدي، و تركيز المعايير التي من شأنها أن تحفظ الخط، و تعطيه المناعة الكافية ضد أي انحراف، أو محاولة استغلال و استثمار غير مسؤول، من قبل أصحاب المنافع و الأهواء. لاسيما و هو يري أن ثمة توجها سلطويا نحو ترجمة المؤلفات من اللغات الأخري، الأمر الذي يعني طرح فكر جديد، لن يكون علي درجة مرضية من النقاء و الصفاء، بل هو ملوث بالأهواء، يعاني من القصور،

و من الخلل في كثير من مفرداته..

خط الأئمة في الأمة

و مهما يكن من أمر.. فان مما لا ريب فيه هو: أن خط الأئمة «عليهم السلام» - رغم جهود السلطة لضربه، و تعمية السبل اليه - كان يزداد قوة و عمقا، و لاسيما في أوساط الطبقة المثقفة، و في قطاع العلماء و أرباب الفكر، و كان الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين هم محط الأنظار، و مهوي الأفئدة، و منتجع الأفكار، و يتمتعون بالاحترام و التقدير، من مختلف الفئات، و يقر الجميع بباسق فضلهم، و عظيم تقواهم و علمهم، و فائق قدسهم و طهارتهم..

ما جري في نيسابور خير شاهد

و ليس ما جري للامام الرضا «عليه السلام» في نيسابور الا واحدا من الشواهد الكثيرة، المعبرة عن مدي احترام الناس، و تقديسهم للأئمة عليهم الصلاة والسلام.. يقول النص التاريخي: انه «عليه السلام» عندما دخل نيسابور تعرض [ صفحه 17] له الحافظان: أبوزرعة الرازي، و محمد بن أسلم الطوسي، و معهما من طلبة العلم ما لا يحصي. و تضرعوا اليه أن يريهم وجهه؛ فأقر عيون الخلائق بطلعته، و الناس علي طبقاتهم قيام كلهم. و كانوا بين صارخ، و باك، و ممزق ثوبه، و متمرغ في التراب، و مقبل لحافر بغلته، و مطول عنقه الي مظلة المهد، الي أن انتصف النهار، و جرت الدموع كالأنهار، و صاحت الأئمة: «معاشر الناس، أنصتوا، وعوا. و لا تؤذوا رسول الله «صلي الله عليه و آله» في عترته».. و بعد أن أملي عليهم الحديث الشريف: «لا اله الا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي الخ..». عد أهل المحابر و الدوي؛ فأنافوا علي العشرين ألفا [8] . و الشواهد التي تدخل في هذا السياق كثيرة، لا مجال لاستقصائها

لابد من سياسات جديدة

والذي يظهر من سير الاحداث هو: أن الائمة «عليهم السلام» بعد [ صفحه 18] الامام الكاظم صلوات الله و سلامه عليه، قد بلغ من عظمتهم في نفوس الناس: أن وجد الخلفاء أنفسهم بين نارين، فهم من جهة أصبحوا غير قادرين علي ايصال الأذي اليهم بصورة علنية و سافرة، تثير عواطف الناس، و تجرح مشاعرهم، كما أنهم من الجهة الأخري لا يمكنهم أن يتركوهم و شأنهم، يتصرفون بحرية تامة، و كما يشاؤون، و حسبما يريدون. فاضطرهم ذلك لانتهاج سياسة جديدة، تجاههم «عليهم السلام».. ظهرت مفرداتها، في كثير من أنماط السلوك و المواقف، فكانت قضية لعبة ولاية

العهد للامام الرضا «عليه السلام».. من قبل المأمون.. ثم موقفه من الامام الجواد «عليه السلام».. و بعد ذلك موقف المتوكل العباسي، الرجل الطاغية و القوي جدا و الذي كان من أشد الناس بغضا، و نصبا لأهل البيت «عليهم السلام»، من الامام الهادي صلوات الله و سلامه عليه، حيث استقدمه الي سامراء، ليجعله علي مقربة منه؛ فكان يكرمه في ظاهر الحال، و يبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه [9] . و كل ذلك.. و سواه يدخل في هذا السياق، و هو شاهد صدق، و دليل حق علي ما نقول...

سؤال يطرح نفسه

ولكن اللافت هو: أن الأئمة «عليهم السلام»، و لم يظهر أنهم يخططون [ صفحه 19] لتسلم زمام الحكم و السلطان بالفعل، و بصورة حاسمة، مع أن الناس في ظاهر الأمر، اما في خطهم، أو علي الأقل ليس لديهم حساسية تجاههم، و لا يأبون عن السير في خطهم، أو التعامل معه.. و لاسيما بملاحظة: أن الطليعة المثقفة و الواعية، التي كان فكرها يهيمن علي مختلف القطاعات في الأمة.. كانت الي حد كبير مدينة لهم «عليهم السلام».. في فكرها، و في بناء شخصيتها، و بلورة خصائصها حسبما تقدم.. فما هو السبب في ذلك، و لماذا لا نجد فيما بين أيدينا بوادر جدية من قبلهم «عليهم السلام» في هذا الاتجاه؟. ان الأجابة علي هذا السؤال تحتاج الي كثير من الدقة و العناية في درس الواقع الذي عايشه الأئمة «عليهم السلام»، و تعاملوا معه، و سجلوا موقفا تجاهه.. و لعلنا غير قادرين علي توفير الحد الأدني من ذلك في هذه العجالة علي الأقل و لكن لا محيص لنا هنا عن الالماح الي مدخل مناسب للاجابة يعطي الباحث تصورا و لو محدودا عن واقع

الفترة التي عاشوها، و عن مدي امكانية القيام بحركة حاسمة علي هذا الصعيد، فنقول:

الثورة قبل أوانها خسارة ولو نجحت

لقد ذكرنا في بحث لنا حول: «نقش الخواتيم لدي الأئمة عليهم السلام» ما لعله يفيد في الاجابة علي السؤال الآنف الذكر.. فقد ذكرنا هناك: أنه و ان تمكن الأئمة «عليهم السلام»، من تربية العديد من العلماء، و تخريج الكثيرين من جهابذة العلم، و أفذاذ الرجال.. و هذا الأمر، و ان كان ينعكس علي كافة القطاعات في الساحة الاسلامية، [ صفحه 20] و كان له أثر لا ينكر في التكوين الفكري، و العاطفي في الناس عموما.. ولكن هذا الأثر لم يتعد بعده العاطفي، و الفكري الجاف، و لم يصل الي درجة أن يصبح هو التكوين العقائدي الراسخ، الذي من شأنه أن يجعل الفكر الحي، يتفاعل مع العاطفة الصادقة، ليكون وجدانا حيا، من شأنه أن يتحول بصورة عفوية و طبيعية الي موقف رسالي علي صعيدا الحركة و العمل. و علي هذا.. فلم يكن يمكن الاعتماد علي هذا الوعي، و لا علي تلك العاطفة في القيام بحركة تغييرية جذرية و حاسمة، و لاسيما بملاحظة ما كان يهيمن علي الناس عموما من ميل قوي للراحة و للحياة المادية، و من استسلام لحياة الترف و اللذة، والتي تستتبع الضعف و الركود، و الخوف من الاقدام علي أي حركة تغييرية تستهدف التغيير فيما ألفوه واعتادوه.. و لو فرض: أنهم في غمرة هيجانهم العاطفي قد نجحوا في حسم الموقف لصالح الاتجاه الآخر، فان رصيدا كهذا، فكريا و عاطفيا و حسب، أي من دون بعد عقيدي، و فناء وجداني، و أصالة في الضمير، لن يكون قادرا علي حماية استمرار الحركة، و سلامة صفائها، و لا علي تحمل مسؤولياتها التغييرية التي

سوف تستهدف جزءا كبيرا من واقعهم و أنفسهم. بل سوف ترتد هذه الحركة علي نفسها لتأكل أبناءها، و تنقض مبادئها، و تستأصل نبضات الحياة فيها.. و ذلك لأن العاطفة سيخبو وهجها، مادام لم يعد ثمة ما يثيرها و يؤججها.. و سيصبح الفكر ركاما جافا و خامدا، حينما تهب عليه رياح المصالح و الأهواء و الشهوات؛ لتجعل منه - من ثم - هشيما تذروه الرياح، ان لم يمكن استخدامه وقودا لها، يعمل علي استصلاحها، [ صفحه 21] و توجيهها، و يهي ء لها الفرصة للاستفادة منه علي النحو الأكمل و الأمثل.

الزيدية.. للاعتبار، لا للأسوة

هذا كله.. لو أمكن أن تصل الحركة الي درجة الحسم لصالح الاتجاه الآخر.. ولكنه فرض بعيد، و بعيد جدا، كما أثبتته التجارب المتكررة في أكثر من قرن من الزمن.. حيث رأينا فيه بوضوح: كيف فشلت الحركات الزيدية الكثيرة جدا، و كيف سهل القضاء عليها، حتي أصبحت في خبر كان، حتي و كأن شيئا لم يحدث، رغم سعة نفوذ الزيدية علي مختلف الأصعدة، و في جميع المجالات، و رغم سيطرتها التامة علي الأمور، سياسيا، و اعلاميا، و ثقافيا، و عاطفيا، و غير ذلك.. كما أوضحناه في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام».. و ما ذلك.. الا لأن حركات الزيدية، و هي حركات سياسية بالدرجة الأولي، و لا يميزها سوي أنها تدعو الي كل من قام بالسيف من آل محمد «صلي الله عليه و آله»، و لم يكن لها أصالة فكرية و عقائدية راسخة، تنطلق من الروح، و تنبع من الوجدان - ان هذه الحركات - انما كانت تعتمد علي هذا المد العاطفي الهائل، و علي ذلك الوعي الثقافي العقلي الجاف، الذي لم يصل الي حد مزج العاطفة

بالفكر، و الفكر بالوجدان، لينتج موقفا رساليا تخاض من أجله اللجج، و تبذل دونه المهج، بل كان يجد من العراقيل و المعوقات النابعة من داخلهم، ما يجعل الاعتماد عليه اعتمادا علي سراب، والتمسك به تمسكا بما هو أوهي حتي من الطحلب، حين يتشبث به الغريق.. [ صفحه 22] و ذلك هو ما يفسر لنا كيف أنه حينما كان الناس يواجهون الأمور بجدية، و يبلغ الحزام الطبيين، يعودون الي دنياهم، و يركنون الي حياة السلامة و الدعة، حسب تصورهم، و ما ينسجم مع هوي نفوسهم.. و لا يهمهم ما سوف يحصل بعد ذلك، و لا ما ذا تكون النتائج.

لا مجال للمجازفة

و اذن.. فلم يكن للأئمة عليهم الصلاة والسلام و الحالة هذه: أن يقدموا علي المجازفة بزج الأمة في صراع لن تكون نتيجته سوي الفشل الذريع، و الخيبة القاتلة، في ظروف كهذه في ذلك الوقت الراهن علي الأقل.. لأن معني ذلك هو: أن ينتهي أمرهم، و تتلاشي دعوتهم، بسهولة و يسر، تماما كما كان الحال بالنسبة للزيدية و أضرابهم [10] . و من الواضح: أن انهاء أمر الأئمة «عليهم السلام» انما يعني انهاء أمر الاسلام و الأمة، و تدميرهما، و القضاء علي كل نبضات الحياة و الحركة فيهما، و ذلك من الخطورة بحيث لا يبقي لدي الانسان المنصف ما يناسبه من فنون التعبير عن قباحته، و لن يقنع أكثر الناس تسامحا، و امعانا في اللامبالاة بأن يصفه بأنه خطأ فاحش في السياسية، و سفه في التدبير.. و خيانة ما بعدها خيانة. و حسبنا ما ذكرناه هنا.. و لننتقل الي الكلام عن الحياة السياسية للامام الجواد «عليه السلام».. ف: الي ما يلي من صفحات.. [ صفحه 25]

زلزال و اعصار في الأعماق

من خصائص الشيعة (الاعتماد علي العقل و الفطرة)

لقد امتاز الشيعة الامامية، و بتأثير من تعليم أئمتهم الأطهار، و التزاما منهم بمنهج القرآن - امتازوا - بالاعتماد علي العقل و الفطرة الانسانية، و الخضوع لقضائهما، و الالتزام بأحكمهما في أصول عقائدهم. أي في التوحيد، و صفات الله الثبوتية، و السلبية، و الاعتقاد بالعدل الالهي و بالنبوات و بالامامة، و بالجزاء.. و هذا الأمر.. أعني اعطاء العقل دوره فيما تتوافق العقول علي ادراكه، لم يكن أمرا عارضا، و لا حالة استثنائية عند الشيعة. و انما هو من الأمور المتأصلة في فكرهم، و يتخذ صفة العمق، و التجذر، و الرسوخ في مختلف مناحي ثقافتهم، و معارفهم بصورة عامة. و قد نبغ

فيهم و منهم كبار المتكلمين، و أرباب الفكر المبدع، و القريحة الخلافة، من أمثال هشام بن الحكم، و هشام بن سالم، و أبي جعفر محمد بن النعمان الأحول، المعروف بمؤمن الطاق عند الشيعة، و بشيطان الطاق عند أهل السنة، وعلي بن اسماعيل الميثمي، و غيرهم، و غيرهم، ثم تلامذتهم من بعدهم.. [ صفحه 26] بل ان الاعتزال الذي يعتبر متطرفا في الاعتماد علي العقل و أحكامه، انما اعتمد في أعظم ركنين فيه، و هما: «التوحيد، و العدل» علي أقوال الامام علي أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام، التي انطلقت من قضاء الفطرة، و أحكام العقل الصحيحة و السليمة. اذن.. فلم يكن للشيعة أن يقبلوا بأمر يخالف صريح حكم العقل، ولكنهم حين يقوم عندهم برهان ساطع، و دليل قاطع، علي أمر ليس للعقل سبيل الي ادراك جميع خصائصه، و خباياه، و ميزاته، و خفاياه، فانهم يجدون أنفسهم ملزمين بقبوله مادام أنه مما تعنو له آراؤهم، و تنقاد له عقولهم بالخضوع و التسليم..

الشيعة.. والامامة

هذا.. و قد كانت قضية الامامة، و شؤونها و خصائصها أيضا، من أهم القضايا التي شغلت الفكر الاسلامي عامة، و الشيعي بصورة أخص، منذ وفاة الرسول الأعظم «صلي الله عليه و آله». و كان جمهور الشيعة، فضلا عن متكلميهم، و العلماء و أرباب الفكر فيهم، مطلعين علي خفايا و مزايا هذا الأمر بشكل تام. و يمتلكون الرؤية الواضحة، و المعايير الصحيحة، في مختلف شؤون الامام و أحواله، و خصائصه، و خصوصا في موضوع لزوم عصمته و طهارته من الأدناس، و العلم الجامع الذي اختص الله به كل امام. [ صفحه 27]

الامام المعجزة

و كان أعظم امتحان واجههم في هذا الأمر، هو امامة الامام محمد التقي الجواد صلوات الله و سلامه عليه، الذي بدأت امامته في سن مبكر جدا، و هو أمر لم يكن الشيعة قد مروا بمثله في تاريخهم.. فقد ولد الامام محمد التقي الجواد عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان المبارك سنة 195 ه. ق، و توفي سنة 220 ه. ق. في ذي القعدة مسموما علي يد زوجته، بتحريض و أمر من المعتصم العباسي. أما والده الامام الرضا عليه الصلاة والسلام، فقد توفي سنة 203 ه. ق. شهيدا بالسم علي يد الخليفة العباسي عبدالله المأمون.. فكان الامام الجواد «عليه السلام»، الأول من الأئمة الاثني عشر «عليهم السلام» يتولي شؤون الامامة، و يتسلم مهام القيادة و الريادة، و هو صغير السن، أي ابن ثماني سنين تقريبا.. ثم جاء بعده ولده الامام علي الهادي صلوات الله و سلامه عليه، ليتولي شؤون الأمة، و هو بهذا السن أو أصغر - ثمان، أو ست سنوات أيضا.. ثم يأتي بعد ذلك الامام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، ليتولي أمر الامامة، و

عمره لا يزيد علي الخمس سنوات كذلك. «فكان الامام الجواد عليه الصلاة والسلام - علي حد تعبير البعض - أول تجسيد حي للامامة، علي حسب ما يقوله الشيعة، بكل ما هذا الكلمة من معني، و علي حسب المواصفات التي وردت في الكتاب و السنة للامام و أحواله و شؤونه، والله سبحانه هو الذي يتولي تسديده و تربيته علي الدوام». [ صفحه 28]

الزلزال من الأعماق

و رغم وضوح الأمور لدي غالبية الشيعة، فانه لا يمكننا غض النظر عن حقيقة: أن الشيعة - و لاسيما غير العلماء منهم - يواجهون في هذا الأمر أول مخاض عقائدي عسير جدا، و فريد من نوعه، و يتعرضون لزلزال عقائدي عنيف من داخل أنفسهم، يزلزل وجودهم، و يهز ضمائرهم من الأعماق.. هذا عدا عما ينشأ عن حدث كهذا، من خلل في العلاقات، و في الموقع الذي تحتله هذه الفرقة في مقابل سائر الفرق و المذاهب. ثم ما يتبع ذلك من تطورات و تحولات علي صعيد الحركة الفكرية في العالم الاسلامي بأسره.. و وضوح قضية الامامة و شؤونها و قطعيتها لدي الشيعة.. لا يعني أن لا يتعرض عامة الناس و الضعفاء منهم لهذا الزلزال الخطير.. بل سيأتي: أن هذا الحدث قد أثر حتي في بعض كبار الشيعة و علمائهم.. لاسيما و أن الأئمة قد ربوا شيعتهم علي احترام الفكر و العقل، فيما يستقل بادراكه، و كان مما تتوافق عليه عقول جميع البشر.. حتي ليصح القول: انهم أصبحوا عقليين الي حد كبير. ولكنه عقل خاضع لله، عارف بواقع نفسه، واقف علي مدي قدراته، لا يدعي لنفسه ما ليس له، و لا يدعي علم ما حجب عنه، و لا يجد الوسيلة اليه.. غير أن بعض

التفصيلات الدقيقة في قضية الامامة، تحتاج لمزيد من الفكر، و العمق، و الدقة، و الاطلاع علي ما كشف عنه عالم الغيب [ صفحه 29] و الشهادة، بواسطة أنبيائه و أوصيائهم. و هذا ما لا يمكن توفره للكثيرين ممن لم يضربوا في العلم بسهم وافر، فكيف بالنسبة للعامة من الناس؟ فاذا تجسدت نفس هذه الحالات الخفية في نفس الواقع و الأمر، فانها لابد و أن تحدث - في بادي الأمر علي الأقل - زلزالا قويا في الفكر، و صدمة عميقة للوجدان.. و لابد من مرور مدة من الزمان، ليعود الفكر و العقل للتصرف فيما لديه من معلومات، و ادراكات، تمكنه من امتلاك زمام المبادرة، و تولي قيادة مسيرة الانسان، و الهيمنة علي مواقفه و حركاته، ثم تغذية ضميره، و الاتصال بوجدانه.

حيرة الشيعة

و في مجال التدليل علي تأثيرات صغر سن الامام «عليه السلام» في داخل البيت الشيعي.. نشير الي الأمور التالية: قال ابن رستم الطبري: «و لما بلغ عمره ست سنين و شهور، قتل المأمون أباه، و بقيت الطائفة في حيرة. واختلفت الكلمة بين الناس، واستصغر سن أبي جعفر، و تحير الشيعة في سائر الأمصار» [11] .

تمهيد الامام الصادق للامام الجواد

بل الظاهر: أن التمهيد لهذا الأمر قد بدأ من عهد الامام الصادق «عليه السلام»، فقد قال أبوبصير: [ صفحه 30] «دخلت عليه، و معي غلام يقودني خماسي لم يبلغ. فقال: كيف أنتم اذا احتج عليكم بمثل سنه؟ و قال: سيلي عليكم بمثل سنه» [12] . و سنشير الي استدلال الامام الجواد نفسه «عليه السلام» باستخلاف داود لسليمان عليهماالسلام و هو صبي يرعي الغنم. و باتباع علي «عليه السلام» للنبي «صلي الله عليه و آله»، و هو ابن تسع سنين، و نزول الآية في ذلك.

و الامام الرضا أيضا

و روي المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد: أن صفوان بن يحيي - و هو أيضا من أصحاب الاجماع، و من جلة أصحاب الأئمة «عليهم السلام» - لا يكاد يتعقل أن يكون امام المسلمين طفلا صغيرا، حتي يؤكد له الرضا «عليه السلام» ذلك، و يستدل له بقوله: «و ما يضره؟!.. قد قام عيسي بالحجة، و هو ابن أقل من ثلاث سنين» [13] . [ صفحه 31] و في نص آخر: عن علي بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (أي البزنطي)، قال: دخلت علي الرضا، أنا و صفوان بن يحيي، و أبوجعفر «عليه السلام» قائم، و قد أتي له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا الله فداك، ان - و أعوذ بالله - حدث حدث، فمن يكون بعدك؟ قال: ابني هذا، و أومأ اليه. قال: فقلنا له: و هو في هذا السن؟. قال: نعم، و هو في هذا السن، ان الله تبارك و تعالي احتج بعيسي و هو ابن سنتين [14] . كما أن الرضا

«عليه السلام» قد استدل بما هو قريب من هذا لعلي بن أسباط، و هو من الثقات المعروفين، و لمعلي بن محمد أيضا [15] . [ صفحه 32] و هناك موقف آخر للامام الرضا «عليه السلام»، أراد فيه تقريب هذا الأمر الي أذهانهم، رواه لنا ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن معمر بن خلاد قال: «هذا أبوجعفر، قد أجلسته مجلسي، و صيرته مكاني. و قال: انا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا، القذة بالقذة» [16] .

الامتحان وفق المعايير

ولكن رغم ذلك كله: فانه اذا كانت معرفة العصمة و الطهارة، ثم معرفة من أودعه الله علوم الامامة، يمكن أن تتم بواسطة النص المباشر، و وضع هذا النص في متناول أيدي الناس، فكان كل امام ينص علي الامام الذي بعده، و يدل طائفة من خواصه عليه.. لكن من الواضح: أن الشيعة يعرفون أيضا أن شدة ملاحقة السلطان لهم، و رصده لكل حركاتهم، قد يبلغ حدا يجعل من وضوح النص علي الامام اللاحق خطرا علي حياته، فتدعوا الحاجة الي التكتم علي اسمه، و عدم البوح به الي أكثر الناس، و لابد من اعطاء الناس القاعدة التي تدلهم علي الامام «عليه السلام» بصورة قاطعة. لكي لا تشتبه الأمور عليهم، و لكي لا يفسح المجال للمزيفين لا دعاء هذا المقام الالهي، فكانت أهم قاعدة تفيدهم [ صفحه 33] في ذلك هو امتلاك الامام علم الامامة، و هو علم خاص، يؤثره الله به دون سائر الخلق، حتي و هو طفل صغير، و قد استفاد الشيعة من هذه القاعدة في التعرف علي الامام الحق في أكثر من مورد و مقام، خصوصا بعد استشهاد الامام الرضا «عليه السلام» أيضا، فكانت الوسيلة الي

ذلك، هي: الامتحان بالأسئلة التي لا تعلم أجوبتها باعمال الفكر، بل تحتاج الي التعلم، أو الي الأخذ من مصدر الفيض و اللطف، بطرق تشي بالارتباط به سبحانه و تعالي.. و ذلك مثل الأسئلة الفقهية، و قد تلحق بها بعض المعارف الاعتقادية التوقيفية و غيرها، أو بظهور المعجزات، و الكرامات الباهرة. فاذا أخبرهم بما لا سبيل الي العلم به الا بتعليم من الله عزوجل، أو أظهر الله له الكرامة التي تعرفهم علي أنه مورد عنايته تعالي، فان ذلك يكون هو الدلالة القاطعة علي امامة الامام المنصوص عليه كما هو معلوم. و بسبب وضوح هذا الأمر لدي شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، فانهم «سرعان ما يكتشفون حقيقة من يدعي الامامة زورا، و يفتضح أمره، و يشتهر بكذبه، كما كان الحال بالنسبة لعبدالله الأفطح، ابن الامام جعفر الصادق «عليه السلام»، الذي ادعي الامامة لنفسه بعد الامام الصادق «عليه السلام». و لم يكن صادقا في دعواه.. و كما كان الحال أيضا بالنسبة لجعفر ابن الامام علي الهادي «عليه السلام»، الذي ادعي الامامة لنفسه بعد أخيه الحسن العسكري «عليه السلام»، فان أمرهما قد افتضح بسرعة. حتي ان أولاد هذا الأخير أنفسهم، لم يقبلوا بامامته، و قالوا بامامة المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف. [ صفحه 34] و كان منهم علماء كثيرون، و بعضهم من أعيان الطائفة الامامية. فان الشيخ الطوسي أو المفيد رحمهما الله تعالي (علي ما ببالي) لم يذكر في أبيهم جعفر، كبير طعن، احتراما منه لولده رضي الله عنهم..». و نجد في المقابل: التسليم و القبول لدي جمهور الشيعة بامامة الجواد عليه الصلاة والسلام. حتي ان عم أبيه علي بن جعفر قد كان من كبار العلماء و من الأجلة، و كان شيخا كبير

السن، يظهر للامام الجواد «عليه السلام» - علي صغر سنه - الكثير من الاحترام و التبجيل علي اعتبار أن الله تعالي قد اختصه بالامامة، الأمر الذي جعل البعض يتعجب و يعترض عليه لذلك؛ فيسمع منه الجواب الذي يؤكد هذا المعني أيضا.. [17] .

الامام الجواد و الشيعة

و يقول مؤلف كتاب عيون المعجزات و غيره: «.. لما قبض الرضا «عليه السلام» كان سن أبي جعفر نحو سبع سنين؛ فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد، و في الأمصار. واجتمع الريان بن الصلت، و صفوان بن يحيي و محمد بن حكيم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمن، و جماعة من وجوه الشيعة، و ثقاتهم، في دار عبدالرحمن بن الحجاج في «بركة زلول» يبكون، و يتوجعون من المصيبة.. [ صفحه 35] فقال لهم: يونس بن عبدالرحمن: دعوا البكاء من لهذا الأمر؟ و الي من نقصد بالمسائل الي أن يكبر هذا.. يعني: أباجعفر «عليه السلام». فقام اليه الريان بن الصلت، و وضع يده في حلقه، و لم يزل يلطمه، و يقول له: أنت تظهر الايمان لنا، و تبطن الشك و الشرك، ان كان أمره من الله، فلو أنه كان ابن يوم واحد، لكان بمنزلة الشيخ و قوته، و ان لم يكن من عند الله، فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس. هذا مما ينبغي أن يفكر فيه؟.. فأقبلت العصابة عليه تعذله و توبخه. و كان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار، و علمائهم ثمانون رجلا؛ فخرجوا الي الحج، و قصدوا المدينة، ليشاهدوا أباجعفر؛ فلما وافوا.. تقول الرواية التي أوردها في المناقب و البحار (و النص للبحار) [18] : «فجئنا و دخلنا القصر، فاذا الناس فيه متكابسون، فجلسنا معهم، اذ خرج علينا عبدالله

بن موسي، شيخ، فقال الناس: هذا صاحبنا.. فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر، و أبي عبدالله «عليهماالسلام»: أنه لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن و الحسين «عليهماالسلام»، فليس هذا صاحبنا، فجاء حتي جلس في صدر المجلس. فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتي حمارة؟ فقال: تقطع يده، و يضرب الحد، و ينفي من الأرض سنة. ثم قام اليه آخر، فقال: ما تقول آجرك الله في رجل طلق امرأته عدد [ صفحه 36] نجوم السماء؟ قال: بانت منه بصدر الجوزاء، و النسر الطائر، و النجم الواقع.. فتحيرنا في جرأته علي الخطأ، اذ خرج علينا أبوجعفر «عليه السلام»، و هو ابن ثمان سنين، فقمنا اليه، فسلم علي الناس، و قام عبدالله بن موسي من مجلسه، فجلس بين يديه، و جلس أبوجعفر «عليه السلام» في صدر المجلس، ثم قال: سلوا رحمكم الله. فقام اليه الرجل الأول، و قال: ما تقول - أصلحك الله - في رجل أتي حمارة؟ قال: يضرب دون الحد، و يغرم ثمنها، و يحرم ظهرها و نتاجها، و تخرج الي البرية، حتي تأتي علي منيتها، سبع أكلها، ذئب أكلها.. ثم قال بعد كلام: يا هذا، ذاك الرجل ينبش عن ميتة، يسرق كفنها، و يفجر بها، و يوجب عليه القطع بالسرق، و الحد بالزني، و النفي، اذا كان عزبا، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم.. فقال الرجل الثاني: يابن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال: تقرأ القرآن؟ قال: نعم. قال: اقرأ سورة الطلاق الي قوله: (و أقيموا الشهادة لله) [19] . [ صفحه 37] يا هذا لا طلاق الا بخمس: شهادة عدلين، في طهر،

من غير جماع، بارادة و عزم.. ثم قال بعد كلام: يا هذا، هل تري في القرآن عدد نجوم السماء؟ قال: لا..» (الخبر).. و في نص آخر يقول الراوي: بعد أن ذكر أن عبدالله بن موسي أجاب بغير الواجب: «فورد علي الشيعة ما حيرهم و غمهم، واضطربت الفقهاء، و قاموا، و هموا بالانصراف، و قالوا: لو كان أبوجعفر يكمل جواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان، من الجواب بغير الواجب..». ثم تذكر الرواية: أن الناس بعد أن أجابهم أبوجعفر «عليه السلام» بالحق، فرحوا، و ألحوا عليه بمسائلهم.. ثم تذكر الرواية: ما جري بينه و بين أسحاق بن أبراهيم، فليراجعها من أراد [20] . [ صفحه 38] و بعد.. فانه اذا كانت تلك هي حال حتي بعض العلماء والفقهاء، من أمثال يونس بن عبدالرحمن - و هو من أصحاب الاجماع - ذلك الرجل. الكبير، و الثابت القدم في موالاة أهل البيت «عليهم السلام».. فكيف اذن تكون حال الآخرين، ممن لم يستضيؤا بنور العلم، و لا يملكون قناعات ثابتة و مركزة في كثير من العقائد، و لاسيما في الأمور التفصيلية منها؟!. و قد لاحظنا: أن الريان بن الصلت قد واجهه بالقواعد الثابتة، التي تزيل كل شبهة، و تقطع كل عذر.. كما و يلاحظ أيضا: أن الأسئلة التي طرحت لمعرفة الامام قد كانت من الأسئلة التي لا تنال أجوبتها بالعقول، بل تحتاج الي تعليم و توقيف.

و للامام الجواد موقف آخر أيضا

و قد روي أن الامام الجواد «عليه السلام»، قد واجه هذه الشكوك بنفس الروح، و بالاستناد الي تلكم الحجج، فعن الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن علي بن أسباط، قال: «خرج «عليه السلام» علي، فنظرت الي رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر،

فبينا أنا كذلك، حتي قعد، و قال: يا علي ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: (و آيتناه الحكم صبيا) [21] . و قال: (و لما بلغ أشده) [22] و بلغ أربعين سنة.. [ صفحه 39] فقد يجوز أن يؤتي الحكم صبيا، و يجوز أن يعطاها و هو ابن أربعين سنة».. و مثل ذلك جاء عن معلي بن محمد أيضا.. [23] .

صغر سنه يغري بطرح الأسئلة

و لعل هذا الوضع الخاص جدا، الذي تميز به الامام الجواد «عليه السلام»، و هو الذي جعل الناس يهتمون بطرح الأسئلة الكثيرة عليه صلوات الله و سلامه عليه، حتي ليقول النص: «استأذن علي أبي جعفر «عليه السلام» قوم من أهل النواحي، من الشيعة؛ فأذن لهم؛ فدخلوا. فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، فأجاب، و له عشر سنين» [24] . و لعل تلك الجماعة التي تقدمت الاشارة اليها، و كان من بينها يونس بن عبدالرحمن، و الريان بن الصلت، هي نفسها التي سألته هذه المسائل، حينما قدمت عليه.. [ صفحه 40]

ثلاثون ألف مسألة!! كيف؟

و لا نستبعد: أن يكون هذا العدد - أعني ثلاثين ألف مسألة - تقريبيا، أو فيه شي ء من المبالغة لاظهار نسبة الكثرة، اذ من البعيد أن يتم احصاء دقيق في هذه الموارد، و أمثالها.. و يبدوا لنا: أنهم قد بقوا يحاورونه في المسائل مدة من الزمان، و لربما أياما، في محل واحد، لم يتحول عنه الي غيره، كأن يكون في «صريا» مثلا، أو في «قبا». فالمراد بوحدة المجلس: في قوله «في مجلس واحد» الوحدة النوعية، بملاحظة وحدة المكان، و المسؤول، و السائل. كما أن من المحتمل أن تكون كلمة «ألف» زائدة من النساخ، أو من غيرهم. و قد ذكر الكاشاني هذا الحديث، و ليس فيه كلمة «ألف» هذه [25] . و معهما يكن من أمر؛ و علي تقدير ثبوت هذه الكلمة في الحديث - و لعله هو الراجح - اذ ان الرواية تريد أن تذكر أمرا غريبا - فقد ذكر المجلسي و غيره وجوها أخري في بيان المراد من النص المذكور [26] فلا بأس بالرجوع اليها لمن أحب ذلك. و اللافت: أن أهل السنة

يدعون لأئمتهم نظير هذا أيضا، فان عبد [ صفحه 41] الوهاب الوراق يقول عن أحمد بن حنبل: انه «رجل سئل عن ستين ألف مسألة، فأجاب فيها بأن قال: حدثنا، و أخبرنا» [27] . و لا ريب في أن ذلك - لو صح!! -: فان لم يكن في مجلس واحد، بل كان في مجالس متعددة: كما أن من الواضح: انه لم يتم احصاء دقيق لهذا المسائل.. و انما ذكر العدد علي وجه التقريب أيضا. حسبما قدمنا.. و علي كل، فاننا نعود فنكرر: أن اختصاص الامام الجواد - علي صغر سنة - من بين سائر الأئمة «عليهم السلام» بهذه المسائل الكثيرة، انما يعبر عن أن ثمة تعمدا خاصا بالنسبة الي هذا الامام بالذات لخصوصية دعتهم الي ذلك بلا ريب.. و لكن ما يؤسف له هو: أننا لم نجد الا النزر اليسير جدا. من هذه المسائل التي سئل عنها الامام الجواد «عليه السلام»، حيث لم يكن الهدف الا الحصول علي الطمأنينة القلبية بامامته «عليه السلام»، و لم يكن ثمة التفات للزوم تدوين تلك المسائل..

الواقفة بعد الامام الرضا

لقد رأينا: أن بعض الناس، بعد وفاة الامام الرضا «عليه السلام» قد رجعوا الي المواقف علي الامام الكاظم، و هم المؤلفة. و بعضهم قال بامامة أحمد بن موسي. [ صفحه 42] و هؤلاء.. قد كانوا قلة بالقياس الي جمهور الشيعة القائلين بامامة التقي الجواد «عليه السلام»، فان القائلين بامامته «عليه السلام» قد كانوا أكثر الفرق عددا.. [28] . و قد انقرضت سائر الفرق دونهم.. ولكن نفس عودة القائلين بالوقف الي مقالتهم الأولي، يشير الي أنهم: قد بقوا علي حالة التزلزل الداخلي الذي نالهم من قبل، و أثر في الضعفاء، و غير الواعين منهم. و أن أمر الامامة لم يحسم

عندهم، بعد وقفهم علي الامام الكاظم «عليه السلام»، و أن اظهارهم لتولي الامام الرضا «عليه السلام» انما كان انسياقا مع التيار، و لم يكن عن قناعة حقيقية..

الامام الجواد ليس هو السبب

و هذا معناه: أن عودتهم الي الوقف لم يكن بسبب صغر سن الامام الجواد «عليه السلام»، اذ لو كان الأمر كذلك لكان اللازم عليهم الوقف علي الامام الرضا «عليه السلام»، لا العودة الي الوقف علي الامام الكاظم «عليه السلام».. كما أن الذين قالوا بامامة أحمد بن موسي، لم يكن قولهم بامامته الا امتدادا لانتقالهم اليه من أبيه موسي مباشرة، ثم أظهروا القول بامامة الرضا «عليه السلام» انسياقا مع التيار، لا عن قناعة حقيقية به، ثم عادوا الي ما كانوا عليه كما سيوضحه لنا النصان التاليان: [ صفحه 43] قال النوبختي و غيره: «و كان سبب الفرقتين، اللتين ائتمت واحدة منهما بأحمد بن موسي، و رجعت الأخري الي القول بالوقف: أن أباالحسن الرضا «عليه السلام» توفي، و ابنه محمد ابن سبع سنين، فاستصبوه، و استصغروه، و قالوا: لا يجوز الامام الا بالغا» [29] . و علي حد تعبير الشهرستاني: «ان من الشيعة من قال بامامة أحمد بن موسي بن جعفر، دون أخيه علي الرضا. و من قال بعلي، شك أولا في محمد بن علي، اذ مات أبوه و هو صغير، غير مستحق للامامة، و لا علم عنده بمناهجها، و ثبت قوم علي امامته» [30] . و بذلك يعلم: أن سعيهم لابطال امامة الجواد «عليه السلام» قد جاء علي سبيل الكيد و المناكدة، و لم يكن صغر سنه هو السبب الحقيقي في عودتهم الي الوقف علي الامام الكاظم «عليه السلام»، أو الي امامة ولده أحمد.. اذ لو كانوا صادقين في ذلك، لكان عليهم أن يعترفوا بامامة الامام الرضا

«عليه السلام» كما أشرنا اليه..

بطلان استدلال الواقفة

و مهما يكن من أمر: فانهم استدلوا علي ذلك، حسبما جاء في المصادر، بأنه: «لو جاز أن يأمر الله عزوجل بطاعة غير بالغ، لجاز أن يكلف غير [ صفحه 44] بالغ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ، فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس، و دقيقه، و جليله، و غامض الأحكام، و شرايع الدين، و جميع ما أتي به النبي «صلي الله عليه و آله»، و ما تحتاج اليه الأمة يوم القيامة، من أمر دينها و دنياها طفل غير بالغ. و لو جاز أن يفهم ذلك من نزل عن حد البلوغ درجة، لجاز أن يفهم ذلك من نزل عن حد البلوغ درجتين، و ثلاثا، و أربعا، راجعا الي الطفولية، حتي يجوز أن يفهم ذلك طفل في المهد و الخرق، و ذلك غير معقول، و لا مفهوم، و لا متعارف» انتهي [31] . ولكن الاجابة عما ذكروه: كانت سهلة و واضحة جدا، و لأجل ذلك لم يعبأ أحد بمقالتهم، فان النبي عيسي «عليه السلام» قد قام بالحجة، و هو ابن أقل من ثلاث سنين: (قال اني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا) [32] كما ورد في الروايات و بعضها تقول: سنتين.. و قال تعالي في حق النبي يحيي «عليه السلام»: (و آتيناه الحكم صبيا) [33] كما أن داود جعل سليمان خليفة له، و هو صبي يرعي الغنم، ثم هناك قضية ايمان علي «عليه السلام»، و هو ابن تسع سنين، و قول الله [ صفحه 45] عزوجل: (قل هذه سبيلي أدعوا الي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني) [34] . و تقدم أيضا: جواب الريان بن الصلت ليونس بن عبدالرحمن.. الي غير

ذلك من الأجوبة القاطعة، التي لا مجال لها هنا.

مصادر علم الامام الجواد

و بعد ذلك.. فان الشيعة الذين اعتقدوا بامامة الجواد عليه الصلاة والسلام، قد اختلفوا في مصدر علمه.. فقال بعضهم: انه يتلقي علومه من كتب أبيه، و ما رسم له فيها من الأصول و الفروع. و قال آخرون: انه لم يتعلم من أبيه؛ لأنه حمل الي خراسان، و هو ابن أربع سنين و أشهر. نعم.. عند بلوغه يهي ء الله له أسباب العلم، كالالهام، و النكت بالقلب، و الرؤيا الصادقة، و غير ذلك. و قالت فرقة: يمكن أن يعلم بكلا الطريقتين [35] . و ذلك ان دل علي شي ء فانما يدل علي أن هذا الحدث - و ان لم يكن قد أثر علي اعتقاد جمهور الشيعة في أصل الامامة، لأنهم كانوا علي درجة عالية [ صفحه 46] من المعرفة والوعي، و علي بينة من أمرهم، فيها، الا أنه قد اتخذ ذريعة لتأكيد الشبهة لدي تلك القلة التي كانت قد وقفت علي الامام الكاظم «عليه السلام»، أو قالت بامامة أحمد بن موسي كما أشرنا اليه، فراحوا بسبب ضعفهم يتخبطون خبط عشواء، في الليلة المطيرة الظلماء. و مهما يكن من أمر.. فان كلام الريان بن الصلت و غيره، يعطي: أن جمهور الشيعة كانوا يعتقدون: بأن صغر سنه عليه التحية والسلام لا يؤثر علي قدرته علي تلقي العلوم و المعارف، ما دام أن علمه وراثي الهي الهامي.. هذا بالاضافة الي تصريح بعض الروايات: بأنه «عليه السلام» قد تلقي قسطا من علومه من أبيه مباشرة رغم صغر سنه [36] . و ما يمنعه من ذلك.. ما دام أن الله سبحانه هو الذي اصطفاه، و هو الذي يؤهله لهذا المقام السامي، و كما استطاع

عيسي أن يكون نبيا، و هو في المهد، و قد آتاه الله الكتاب، و جعله نبيا، و آتي الله يحيي بن زكريا الحكم صبيا.. فلماذا لا يؤتي هذا الامام العظيم القدرة علي التعلم من أبيه جميع علوم الامامة في خلال وقت يسير جدا، فضلا عن أربع سنوات؟ و في حال صغر سنه؟!

صلاحيات الامام مع صغر سنه

هذا.. و لم يقتصر الخلاف علي ما تقدم. بل تعداه الي الخلاف في صلاحيات الامام. ففريق رأي: أنه واجب الطاعة منذ وفاة أبيه، و يقوم بما يقوم به غيره [ صفحه 47] من الأئمة، و ليس صغر سنه مانعا من استفتائه في الحوادث، و الائتمام به في الصلاة.. و هؤلاء هم الأكثر، و هم الذين ثبتت مقالتهم و استمرت.. و قال بعضهم: انه امام في تلك الحال، بمعني أن له الأمر، و لا يصلح للأمامة في وقته أحد غيره، ولكن لا يجوز أن يؤمهم في الصلاة، و انما يتولي الصلاة [37] ، و ينفذ الأحكام غيره من أهل الفقه، و الدين، و الصلاح، الي [ صفحه 48] وقت ادراكه [38] . غير أن من الواضح: أنها خلافات في أمور ثانوية ناشئة عن عدم تجربة لهم في أمر كهذا من قبل،فبقيت بعض التفاصيل غامضة بالنسبة الي الذين لم يتيسر لهم سؤال الأئمة «عليهم السلام» عنها، و لم تكن موضع ابتلائهم، ولكن أصل اعتقادهم بالامام و بالامامة ثابت و راسخ..

و من تجليات الأخطار الجسام أيضا

و بعد كل ما تقدم.. و اذا كان حتي بعض كبار العلماء و الفقهاء، و رجال الفكر في الطائفة قد عرضت لهم أمثال هذه التساؤلات، في مثل هذه الامور الدقيقة و الصعبة، و لو لفترة وجيزة، و ذلك في اللحظات الأولي من حدوث الأمر.. و اذا كان هؤلاء أيضا قد اختلفوا فيما بينهم - و لو بصورة محدودة - فيما أشرنا اليه من تفاصيل.. فان حال العامة من الناس تصبح أكثر وضوحا في تلك الفترة، حيث سيكون من الصعب اقناعهم بأن طفلا ناشئا، لا يتجاوز عمره الثماني سنوات - علي أبعد التقادير - يتحمل مسؤولية قيادة الأمة،

و هدايتها، و باستطاعته أن يحل مشاكلها علي أفضل وجه، و أتمه، و أن يواجه مختلف [ صفحه 49] التحديات و الأخطار، و يتجاوزها بحنكة، و وعي، و مسؤولية!! و لو فرض: أن هذا الجيل قد تمكن من اجتياز هذا المخاض العسير، بسبب ما يملكه من رصيد عاطفي، و من وعي نشأ عن رؤية المعجزات و الكرامات و خوارق العادات، للأئمة صغارا و كبارا، ثم ما اجتمع لديهم - لأسباب مختلفة - من رواسب فكرية، و عقائدية، نشأوا و ترعرعوا عليها، حتي أصبحت منسجمة مع التركيبة الذهنية و الحياتية لهم في الحالات الطبيعية، التي تكون فيها عادة أقوي منها في غيرها.. نعم.. لو فرض ذلك: فأن هذا الحدث لسوف يستمر، ربما لعقود من الزمن، حيث سيتكرر من جديد، بالنسبة للامام الهادي عليه الصلاة والسلام، الذي يخلف الامام الجواد صلوات الله و سلامه عليه مباشرة. ثم لحفيده الامام المهدي، و هو الحجة المنتظر صلوات الله و سلامه عليه. مما يعني: أن هذه الحالة المتميزة لسوف تتعدي هذا الجيل السابق الي جيل ناشي ء جديد، ربما لم تتمكن فيه الرواسب العقيدية، و لا ارتبط بمسألة الامامة ارتباطا عاطفيا عميقا.. و انما تعامل معها في أجواء من الريب و الشك، منذ اللحظات الأولي التي عايشها، أو تفاعل معها فيها.. فهو لا يملك أية مناعة أو حصانة في مقابل هذا الزلزال، التي يتعرض له من الداخل، و بالذات.. من الأعماق.. و هذا مما يزيد: في معاناة هذه الطائفة و يجعلها أمام مخاض أصعب، و في مواجهات أوسع، و أشد، و أعتي، من داخلها أولا، ثم ما سوف تتعرض له [ صفحه 50] من مواجهات كثيرة و متنوعة، من الخارج أيضا..

تعظيم علي بن جعفر للامام الجواد

و بعد أن ظهرت دلائله، و تجلت براهينه، بخع عظماء الشيعة لامامته.. و نعرف مدي عظمة الامام الجواد التقي عليه الصلاة والسلام، من شدة تعظيم عم أبيه: علي بن جعفر الصادق «عليه السلام» له. و كان علي بن جعفر هذا من جلة العلماء و من المحدثين المعروفين، و قد ترجمه العسقلاني في تهذيب التهذيب، و روي عنه الترمذي [39] . و لسنا هنا في صدد استقصاء ترجمته.. فيحدثنا الحسين بن موسي بن جعفر عليهماالسلام، قال: «كنت عند أبي جعفر «عليه السلام» بالمدينة، و عنده علي بن جعفر، فدنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام علي بن جعفر، فقال: يا سيدي، يبدأ بي لتكون حدة الحديد في قبلك. قال: قلت: يهنئك، هذا عم أبيه.. فقطع له العرق.. ثم أراد أبوجعفر «عليه السلام» النهوض. فقام علي بن جعفر، فسوي له نعليه، حتي يلبسهما» [40] . و عن محمد بن الحسن بن عمار، قال: كنت عند علي بن جعفر، بن محمد [ صفحه 51] جالسا بالمدينة. و كنت أقمت عنده سنتين، أكتب عنه ما سمع من أخيه - يعني أباالحسن - اذ دخل عليه أبوجعفر، محمد بن علي الرضا المسجد، مسجد رسول الله «صلي الله عليه و آله». فوثب علي بن جعفر، بلا حذاء، و لا رداء، فقبل يده، و عظمه. فقال له أبوجعفر «عليه السلام»: يا عم، اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدي، كيف أجلس، و أنت قائم؟ فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، و يقولون: أنت عم أبيه، و أنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا، اذ كان الله عزوجل - و قبض علي لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي، و وضعه حيث وضعه،

أنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا عبد له» [41] . و في نص آخر عنه: «أن رجلا سأله عن أبي الحسن موسي، ثم عن الامام الرضا «عليهماالسلام»، فأخبره بموتهما.. فقال: «و من الناطق من بعده؟» قال: قلت: أبوجعفر، ابنه. قال: فقال له: أنت في سنك و قدرك، و ابن جعفر بن محمد؟! تقول هذا القول في هذا الغلام؟! [ صفحه 52] قال: قلت: ما أراك الا شيطانا. قال: ثم أخذ بلحيته، فرفعها الي السماء، ثم قال: فما حيلتي ان كان الله رآه أهلا لهذا، و لم ير هذه الشيبة لهذا أهلا؟!» [42] . [ صفحه 55]

عواطف و أعاصير تقتحمهم

عواصف.. و أعاصير تقتحمهم

و بعد كل ما تقدم.. فان القاء نظرة فاحصة علي طبيعة العصر الذي عايشته هذه الحالة المتميزة للامام «عليه السلام»، و لطائفة الشيعة معه، تعطينا: أن هذه الطائفة تواجه خطرا داهما، و أعاصير هوجاء عاتية، تقتحمها من خارج كيانها.. و هي من شأنها - لو تمكنت منها -: أن تقتلعها من جذورها، و ترمي بها بعيدا، بعيدا، في متاهات النسيان، والانقراض، أو الغموض و الابهام، كما كان الحال بالنسبة لكثير من الفرق الأخري التي لم تستطع الصمود، فتلاشت واضمحلت أمام ما هو أقل و أضعف بأضعاف كثيرة، مما واجهته هذه الطائفة.. و ما يزيد الأمر خطورة، والمشكلة تعقيدا، و لاسيما بالنسبة للعامة من الناس، الذين لم يأخذوا من العلم بنصيب وافر، هو ذلك الانفتاح الواسع لأرباب الملل و المذاهب، بعضهم علي بعض، و الاهتمام بطرح المسائل الفكرية، و العقائدية الدقيقة، و المحاولات الجادة من كل طرف لالقاء الشبهات، و وضع علامات الاستفهام الكبيرة حول كل ما يرتبط بعقائد الفئات الأخري، و كل نحلهم، و أفكارهم، و تصوراتهم.. [ صفحه

56] حيث ان تلك الفترة كانت فترة نضج و تبلور، ثم تكريس للأفكار و المذاهب، التي يمكنها أن تثبت جدارتها في مقابل غيرها، ثم تفرض هيمنتها و قدرتها علي استقطاب القطاع الأكبر و الأوسع من الناس.. حتي اذا ما فشلت في ذلك، فان مصيرها هو الانكسار، ثم الدمار، و الاندثار..

التشيع.. والحكام

و من المعلوم: أن هناك ضدية حقيقية قائمة بين حقيقة التشيع، و بين حكومة كل من عدا الأئمة «عليهم السلام»، فأساس التشيع قائم علي الاعتقاد بالامامة، الذي يعني أن كل حاكم سواهم «عليهم السلام»، ظالم معتد أثيم، متمرد علي الله تعالي، عاص له، و لرسوله «صلي الله عليه و آله»، فلابد من محاربته، و اسقاطه بكل حيلة و وسيلة.. و هذا من شأنه: أن يحرك الحكام ضد كل من يتوهم في حقه التشيع، حيث يرون أن الصراع مع الشيعة و التشيع صراع فناء أو وجود، و حياة أو موت.. و لأجل ذلك تجد الحكام يلاحقون الشيعة تحت كل حجر و مدر، و في كل سهل و جبل، كما أنهم يسعون لابطال أمر الامامة، بكل ما يملكونه من قوة و حول، لن يرضوا بأقل من التشكيك فيها، و اثارة الشبهات حولها..

موقع الحكام في هذا الصراع

و لأجل ذلك: فان من الطبيعي أن لا يكون الحكام آنئذ بمنأي عن ساحة الصراع الفكري، و العقائدي هذه، بل كانوا يرصدونها بدقة فائقة، [ صفحه 57] و مهارة فريدة، لأنها كانت تعنيهم أكثر من كل أحد.. و كانوا يرون: أن عليهم أن يهتموا بالأمر اهتمامهم بمستقبلهم، و بحياتهم، و وجودهم، و بمصيرهم.. و يعملون - علنا تارة، و في الخفاء أخري - علي تقوية ذلك الفريق الذي يجدون: أن التعامل معه لا يواجه بأية صعوبات، أو مشكلات تذكر.. فكيف اذا كانوا يرون أن في هذا التعامل ضمانة حقيقية و أكيدة لمستقبلهم بجميع آفاقه و حالاته و تقلباته.. الا أن بعض هؤلاء الحكام - و في طليعتهم المأمون العباسي، الذي كان أعظم الخلفاء العباسيين دهاء و حنكة، و أكثرهم علما، و أبعدهم، نظرا، و أعلمهم بالسياسة

و أحابيلها [43] - قد رأوا: أن الظهور بمظهر المشجع و المناصر للفكر و للعلم، و الحامي و المدافع عن حرية الكلمة، و عن قدسيتها، أمر يخدم قضيتهم و وجودهم في الحكم بصورة عامة - و ذلك لأسباب مختلفة، لا مجال لبحثها الآن - مهما كان هذا الستار الزائف يخفي وراءه الكثير من الخداع، و التضليل،ثم التزييف الماكر لكثير من الحقائق، التي لا توافق سياساتهم، و لا تخدم مصالحهم [44] . [ صفحه 58]

المعتزلة

و بعد.. فان ما تجدر الاشارة اليه، و يتميز بأهمية خاصة هنا، هو: أن المعتزلة كانوا في تلك الفترة بالذات في مرحلة نضجهم، و تكامل مدرستهم من الناحية الفكرية.. و قد رأت السلطة آنئذ: أن من مصلحتها أن تؤيدهم، و تشد من أزرهم، و تستفيد من موقعها السلطوي، و من نفوذها، و سائر ما تملك من قدرات، مادية و معنوية، في مجال ترسيخ و تثبيت خطهم، و ضرب الفئات، الأخري بهم، و تحطيهم نفوذها، و زعزعة موقعها، بنحو، أو بآخر من خلالهم.. و خط الاعتزال هذا: يكاد يكون متطرفا الي حد كبير في اعتماده علي العقل و قبول أحكامه، و رفض كل ما لا يتوافق معه، فكانوا يقيسون النصوص الدينية علي العقل، فما أيده بشكل صريح قبلوه، و ما عداه ردوه و رفضوه، أو تصرفوا به و أولوه. و يقصدون بالعقل هو عقولهم هذه؛ القاصرة عن الوصول الي حقائق الأمور، والتي تعتمد علي وسائل ادراك، تبقي محدودة المجالات، كما أن عقولهم هذه لا تملك أية ضمانة من أن تتعرض للقهر و الابعاد من قبل سلطان الهوي، و نوازع الشهوة، و داعي الغريزة، و طغيان العاطفة، و ما الي ذلك..

طائفة الشيعة.. و موقعها

و اذا نظرنا الي طائفة الشيعة الامامية، فسنجد: أنها تعتبر من أعرق الفرق و أشهرها، و أبلغها حجة، و أشدها في الصراع الفكري شكيمة.. حتي لقد بلغ [ صفحه 59] من قوتها، و عظمة دعوتها: أن اضطرت السلطة للتعامل مع قائدها و زعيمها - و هو الامام الرضا «عليه السلام»، الذي اغتالته بالأمس - بذلك الأسلوب الخاص، والنادر جدا، و الفريد من نوعه.. و ذلك بالبيعة له بولاية العهد، حتي اذا رأوا أنهم قد فشلوا في

تحقيق مقاصدهم، بادروا الي التخلص منه بالطريقة التي عرفها كل أحد، و هي دس السم اليه، حسبما أوضحناه، في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام». و ذلك ان دل علي شي ء فانما يدل علي قوة حجة الأئمة «عليهم السلام»، ثم علي مدي نفوذ و قوة فرقة الشيعة الامامية، و تأثير كلمتها، و آرائها في الناس، و في عواطفهم، و مواقفهم. الي حد أن سائر الفرق، أصبحت تري فيها: أنها أقوي منافس فكري عقائدي لها، و أنها هي الأوضح حجة، و الأبين دليلا، و أنها لو أفسح لها المجال، فسوف تكتسح الساحة، و تستقطب مختلف قطاعات الأمة، بما تملكه من فكر حي، و بما لها من أصالة متجذرة في أعماق الفطرة، و العقل، و الوجدان. و هذا معناه: أن أي حدث عقائدي فريد من نوعه، و خطير تتعرض له هذه الفرقة بالذات.. كصيرورة الامامة الي من هو في سن السبع أو الثمان سنوات.. لسوف يلفت أنظار خصومها، و يشد عقولهم اليه، و سوف تغريهم السلطة، و طبيعة الحدث معا، بالاستفادة من هذه الحالة العارضة، لشن هجوم عنيف و حاسم، يستهدف الفكر العقائدي لهذه الفرقة في الصميم.. [ صفحه 60] و هذا الهجوم سيثلج صدر السلطة، التي لن تألوا جهدا، و لن تدخر وسعا في المساعدة عليه، و خلق الظروف الملائمة لتحقيق أكبر قدر من النجاح له.. لأنه ينسجم كل الانسجام مع أطروحتها الرامية للتخلص من الفكر العقائدي لهذه الفرقة، و محوه من الوجود بالكلية.. و اذا ما أتيح لهم و للسلطة ذلك، فان جميع فرص النجاح علي الصعيد العام، لسوف تكون متاحة لهم، و يحق لهم - و الحالة هذه - أن يحلموا بمستقبل زاهر، يحمل لهم

معه كل الامتيازات و المكاسب، دونما رقيب، و دونما منازع، حيث لم يعد ثمة ما يمكن أن يعتبر خطرا جديا يتهدد المستقبل العقائدي لهؤلاء، و السياسي لأولئك علي حد سواء.. نعم.. ان معاصرة هذه الفرقة لتلك النهضة الفكرية القوية جدا منذ بدايتها، و لمدة طويلة، في أعظم الأمور حساسية، و هو أمر الامامة و القيادة.. و في حالة مثيرة للانتباه، لافتة للنظر، و هي تشير للخصوم بأن هذه الفرقة في أشد حالات الضعف و الوهن - بنظرهم - المتمثل في صغر سن الامام الجواد «عليه السلام»، ثم الامام الهادي عليه الصلاة والسلام، و الامام الحجة المنتظر صلوات الله عليه من بعده. ثم استمرار هذه الحالة لسنوات كثيرة، ترافق ذلك الانفتاح و التجاذب الفكري - ان ذلك - من شأنه أن يهي ء الفرصة، و يثير الشهية لطرح ما أمكنهم من الأسئلة التشكيكية، و اثارة كل ما يقع تحت يدهم من الشبهات في أعظم قاعدة دينية، تخاض من أجلها اللجج، و بذلت، و تبذل دونها المهج، حتي ليقول الشهرستاني: [ صفحه 61] «و أعظم خلاف بين الأمة خلاف الامامة، اذ ما سل سيف في الاسلام علي قاعدة دينية، مثل ما سل علي الامامة في كل زمان» [45] . و لهم أن يتخيلوا كيف أن ذلك سيجبر فرقة الشيعة الامامية الي الانسحاب من الساحة، لتقبع في زوايا الخمول، و ليؤول أمرها - من ثم - كما آل أمر كثير غيرها الي الاضمحلال و التلاشي.

الشيعة و العقل

و بعد... فقد قدمنا: أن فرقة الشيعة الامامية تهتم بالعقل و أحكامه الي حد بعيد، و تري أن جميع قضاياها و أحكامها قد دل عليها الدليل القاطع، و البرهان الساطع، و أنها منسجمة مع

قضاء الفطرة السليمة، و حكم العقل الصريح، و ما يرضاه الوجدان الصحيح... و تعتز بهذا الأمر، و هي تتباهي و تفخر بهذا الأمر علي كل خصومها، مؤكدة علي أنها لا تحيد عن هذا الخط، و لا تتنازل عنه، مهما كانت الظروف، و أيا كانت النتائج..

الشيعة في قلب المعترك

و هي أيضا فرقة تعيش في قلب مقر الخلافة، حيث العاصمة العلمية و الثقافية، و القلب النابض بالحركة و الحياة، و المفعمة بالنشاط و الحيوية.. بل هي موجودة في كل موقع يوجد فيه العلم، و الفكر، و المعرفة، و الثقافة.. و هي فرقة ليست معزولة في الأصقاع النائية، و لا هي منطوية علي نفسها، و لا تخفي شيئا من عقائدها و أفكارها.. و لم تترك شيئا من ذلك الا [ صفحه 62] و قد صرحت به، و أعلنت عنه.. و قد كان أعلامها و علماؤها لا يزالون يجاورون جميع خصومهم بالدليل و بالحجة، انطلاقا من دار الخلافة، و وصولا الي كل ناد، بل الي كل بيت يعيش الهم العلمي، و يتعاطي قضايا العقيدة و الايمان..

ماذا لو فشل الشيعة؟

فلو قدر لهذه الفرقة أن تفشل في تسجيل نصر حاسم لها في هذا الظرف بالذات، الذي يري الناس فيه: أنها تتمتع بحرية الحركة و الكلمة معا، ثم يكون فشلها في أكثر القضايا حساسية، و أعظمها خطرا، و أبعدها أثرا، والتي هي المحور و الأساس لسائر القضايا، و في مختلف المجالات... فان فشلها هذا سيكون حاسما، و نهائيا. و لن تقوم لها بعد أية قائمة.. و لاسيما في هذه الفترة التي كانت فيها سائر العقائد و الفرق، تحاول اثبات وجودها، و تكريس خطها في أكبر قطاع ممكن في الأمة الاسلامية، في مختلف أرجاء العالم الاسلامي.. لأن الفرقة التي تعجز عن ذلك، فلسوف تفقد فرصة العيش و البقاء، و لسوف يكون مصيرها التلاشي، و الاندثار، أمام قوة اندفاع سائر الفرق.. و ان هذا الفشل لو أصاب الطائفة الامامية، فان من شأنه أن يضعها - شاءت أم أبت - أمام الخيارات الصعبة

التالية: 1- أن يرمي بها بعيدا الي الأصقاع النائية، حيث الجهل، و الحرمان، و التخلف، و البداوة، بعيدا عن مناطق الصراع و التحدي.. كما حصل لعامة فرق الخوارج، التي كانت عامة مبادئها منافرة لأحكام العقل، و الفطرة، [ صفحه 63] الوجدان، فلم تستطع الثبات أمام الفكر، و المنطق، و العلم، فانحسرت الي تلك المناطق البعيدة الخاوية، و الربوع الخالية.. 2- أن تعدل الكثير من أفكارها و عقائدها، و تجعلها تتوافق و تتلاءم، أو علي الأقل لا تتنافر، أو تتناقض، مع النظرة التزويرية العامة، التي ارتضاها الحكام للناس، و المحمية بحراب الارهاب، و التجويع، أو الاغراء و التطميع.. و هذا بالذات هو ما فعلته فرقة الاباضية من الخوارج، كما أوضحناه في كتابنا: «علي عليه السلام و الخوارج».. 3- أن تتحول الي عقيدة باطنية، منغلقة علي نفسها، و تعيش في ظلام الابهام و الغموض، و لا تجرؤ علي الظهور الي النور، و معالجة الصراع، علي أساس الدليل و الحجة، حتي بالنسبة لغالب من ينتمون اليها - اسميا أو وراثيا - فضلا عن معالجة الصراع و التحدي علي الصعيد الفكري العام.. و هذه الخيارات كلها تتناقض مع أساس أطروحة التشيع، و مع مبادئه.. و لا يمكن أن ترضي طائفة الشيعة بأن يمر خيال ذلك في وهمها، فضلا عن أن ترضي به كأمر واقع في حياتها..

ماذا لو نجحت فرقة الشيعة؟

و من الجهة الأخري.. فان هذه الفرقة - فرقة الامامية من الشيعة - لو استطاعت أن تجتاز هذه المرحلة المصيرية البالغة الحساسية. و تمكنت من أن تربح المعركة الفكرية، و أن تحتفظ بدورها الطليعي، علي الصعيد الفكري العام، و علي صعيد [ صفحه 64] الواقع و نفس الأمر.. فانها تكون قد برهنت بشكل

قاطع و نهائي علي حقانيتها، و أثبتت جدارتها، ليس فقط بالنسبة لذلك الجيل الذي عاصر ذلك الحدث المتميز، و عايش تلك الانطلاقة الفكرية في أوج قوتها.. و انما للأجيال الأخري، التي سوف تأتي فيما بعد أيضا.. و ما ذلك.. الا لأن انتصار هذه الفرقة، في هذا الظرف بالذات، قد جاء علي خصوم، هم في أفضل حالاتهم، و أتمها، و أقواها، و لاسيما فكريا، و سياسيا، و في غير ذلك من مجالات، و اتجاهات.. فهم يستفيدون من هيبة السلطان، و من كل ما تحت يده من قوة عسكرية و اقتصادية لدولة هي الأقوي في العالم، و الأكثر استقرارا، و الأوسع نفوذا، و الأعظم نشاطا ثقافيا، و مخابراتيا، و يحكمها، ويدبر شؤونها، و يكيد خصومها أعظم خلفاء بني العباس في العلم و الدهاء، و في السياسة، و المكر.. ثم يري الناس: من وجهة أخري.. أن أعظم الفرق شأنا، من حيث العلم و الفكر، تمر في أدق مرحلة، و أخطرها، و تواجه خصومها و هم في أقصي درجات القوة - تواجههم - و هي في أشد حالات الضعف، مع عدم وجود ما يمنع من الاحتكاك المباشر و الصريح، و ابراز كل ما يملك أولئك و هؤلاء، من طاقات و قدرات، مع وجود اندفاع غير عادي من قبل خصومها لمواجهتها، و للانقضاض عليها و تمزيقها، و اسقاط أطروحتها..

استغلال صغر سن الامام

نعم.. و هذا هو ما حصل بالفعل، فلقد خاض المناوئون لخط الامامة، في أمر سن الامام عليه التحية و السلام، و جعلوا ذلك من جملة المآخذ، [ صفحه 65] وسعوا عن طريق ذلك، الي التشكيك في الامامة، و الزعامة، و النيابة له «عليه السلام» عن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، في

قيادة الأمة، و هدايتها.. و لقد سأل البعض، الامام الجواد «عليه السلام»، فقال له: «انهم يقولون في حداثة سنك؟ فقال: ان الله تعالي أوحي الي داود أن يستخلف سليمان، و هو صبي يرعي الغنم الخ..» [46] . «و قال له علي بن حسان: يا سيدي، ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك؟! فقال: و ما ينكرون من ذلك قول الله عزوجل؟!.. لقد قال الله عزوجل لنبيه «صلي الله عليه و آله»: (قل هذه سبيلي أدعوا الي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني).. فوالله، ما اتبعه الا علي، و له تسع سنين. و أنا ابن تسع سنين» [47] . و أخيرا.. فان البعض قد صرح في هذا المقام بقوله: «مات أبوه، فخلفه في الامامة، و هو ابن تسع سنين، فأنكر جمهور المسلمين علي الشيعة ولاية الأئمة، و الأخذ عنهم، و هو في الصبا، و لاسيما [ صفحه 66] أن العادات العربية تجعل للسن أهمية في ولاية الأمور، فكانت امامته - و لم يبلغ سن الرشد - أخطر مشكلة واجهت الشيعة، بالنسبة لشخص الجواد».. [48] .

النتيجة الحاسمة

نعم.. و قد كانت النتيجة الحاسمة هي: أن هذه العقيدة التي ظن الناس فيها هذا الضعف، قد خرجت من هذا المخاض العسير أكثر تبلورا، و أشد تألقا و وضوحا، و أعظم ثباتا و رسوخا.. و قد تجاوزت كل عوامل التحدي، و قهرت كافة رموز الطغيان.. الا أن ما ينبغي لفت النظر اليه هنا هو: أن النتيجة، و ان كانت علي الصعيد الفكري هي ذلك، الا أنها لم تكن حاسمة و لا نهائية في مجال التصفية التامة و الشاملة للعقائد و الأفكار المناوئة، لأن تلك العقائد كانت محمية و متبناة من قبل

السلطة. كما ألمحنا اليه فيما سبق. ولكن مما لا شك فيه هو: أن ذلك الانتصار في المجال العقائدي والفكري، قد استطاع أن يضع علامة استفهام كبيرة علي جدارة و قدرة جميع الاتجاهات الأخري علي اختلافها و تنوعها، علي تقديم الحلول الجذرية، و الصحيحة لعلامات الاستفهام الكبيرة التي كان الشيعة الامامية يطرحونها.. خصوصا فيما يرتبط بصحة و سلامة تلك العقائد و الأفكار و النحل، من وجهة نظر علمية و ايمانية.. [ صفحه 67] فان تلك الاتجاهات و ان كانت قادرة علي التهويش، و التطبيل و التزمير، ثم التزييف و التزوير، فضلا عن التهميش و التشهير، فيما يرتبط بهذا الاتجاه أو ذاك. ولكنها لم تكن جميعها تملك أي دليل مقنع أو مقبول، علي أحقية و صحة دعواها، التي تخالف مذهب الشيعة الامامية، الذي كان محروسا بالامامة و بالامام، علي مر العصور و الدهور.. [ صفحه 71]

الامامة.. في معرض الاغتيال

الامامة.. في مضمونها العام

ان الامامة عند أهل البيت و شيعتهم هي ذلك الامتداد الحي لمسيرة النبوة، في قيادتها الالهية للأمة نحو هدفها الأسمي. ثم هي: المعين الذي لا ينضب للفكر الذي يمد الأمة بالري، و بالحياة و يستمد أصالته، و صفاءه من حقائق الاسلام، و من القرآن الكريم، و كذلك من النبي العظيم «صلي الله عليه و آله»، الذي لا ينطق عن الهوي. من هنا: كان لابد من أن يعلن من له الحق بذلك، من موقع معرفته العميقة بأحوال البشر، بقبوله لهذا الامتداد، و بتفويضه تلك المهام الكبري لمن يري فيهم كامل الجدارة و الأهلية لتحمل مسؤولياتها الجسام. ثم لابد للعالم بالسرائر، من أن يعلم الناس، كل الناس، بالمصدر الصافي و الأصيل، الذي يمتلك الرصيد الكافي من العلوم و المعارف، لتغذية حركة الفكر،

و تزويد العقل و الروح بما لابد منه و لا غني عنه في مسيرة الانسان التكاملية الرائدة، نحو هدفه المنشود الأسمي..

ركنان تقوم عليهما الامامة

و من هنا: فقد كان طبيعيا أن يكون صرح الامامة قائما علي ركنين، [ صفحه 72] و أساسين اثنين [49] ، لو فقد أي منهما، فانها تفقد مضمونها من الأساس. و هذان الركنان هما: الأول: النص. الثاني: العلم الخاص، الذي اختص به الأئمة «عليهم السلام» و أخذوه بالالهام أو عن آبائهم عليهم الصلاة والسلام، عن النبي «صلي الله عليه و آله». هذا بالاضافة: الي سائر ما يؤكد ما هم عليه من الجدارة و الأهلية، و القدرة علي النهوض بأعباء المسؤولية.. الأمر الذي يعني: توفي الخصائص و الملكات لمثل هذا المقام العظيم، و كل ما من شأنه أن يحفظ المسيرة، و يضمن سلامة الاتجاه، كصفة «العصمة» و التدبير، و الحكمة، و الشجاعة، و الكرم، و ما الي ذلك.. و من أجل ذلك: نجد اهتمام الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام بأبراز تلكم الأمور، و لاسيما ذينك الركنين الهامين في المناسبات المختلفة، [ صفحه 73] و لا يثنيهم عن ذلك احتمالات مواجهة المشاق و التعرض للأخطار - نتيجة ذلك -، مهما عظمت..

الاهتمام بالنص

و الشواهد علي اهتمام الأئمة «عليهم السلام» بهذين الركنين لا تكاد تحصي كثرة، و يكفي أن نشير هنا: الي قضية استشهاد أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام بالصحابة لحديث الغدير، في موارد كثيرة: في رحبة الكوفة، و في صفين، و يوم الشوري، و يوم الجمل.. حيث كان يشهد له به عدد كبير من الصحابة و البدريين. كما أن الامام الحسين «عليه السلام» قد جمع الصحابة في مني، و ذكرهم بفضائل أبيه، و بحديث الغدير، و أفاعيل معاوية [50] . كل ذلك.. من أجل تركيز قضية الامامة و تثبيتها، و للحافظ علي النصوص و الوقائع المثبتة لها من الضياع، أو من

تحريف المحرفين، و عبث [ صفحه 74] المبطلين أو لغير ذلك من أهداف.

الاهتمام بالعلم الخاص

هذا بالاضافة: الي التصريحات الكثيرة للأئمة عليهم الصلاة والسلام، التي يظهرون فيها: أن عندهم العلم الخاص، و هو علم الامامة الذي اختصهم به النبي الأكرم «صلي الله عليه و آله» بأمر من الله جل و علا.. كتلك الأحاديث التي تقول: ان عندهم الجفر، و الجامعة، و ما الي ذلك مما يجده المتتبع في المصادر و المراجع الكثيرة المتنوعة. و تجد في الكافي، و في بصائر الدرجات، و في بحارالأنوار، و في احقاق الحق و ملحقاته، و في سائر المجاميع الحديثية، ما بعد بالمئات و الألوف، بمختلف الصيغ، و من جميع الصنوف..

وضوح النص

و مهما حاول خصوم أهل البيت «عليهم السلام» انكار أو دفع النص علي أميرالمؤمنين، و علي الأئمة الأطهار من ولده صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.. و مهما حاولوا تخريجة أو تأويله بوجوه بعيدة يأباها الطبع، و يمجها الذوق. فانهم لم و لن يتمكنوا من انكار الحديث المتواتر، عندهم، والذي يتحدث: أنه يكون بعد النبي «صلي الله عليه و آله» اثنا عشر خليفة، أو أميرا، أو اماما، كلهم من قريش، أو من بني هاشم. و في كثير من النصوص: تصريح بأسمائهم، أو بأسماء بعضهم عليهم الصلاة والسلام. [ صفحه 75] قال القندوزي الحنفي: «ذكر يحيي بن الحسن في كتاب العمدة، من عشرين طريقا، في أن الخلفاء بعد النبي «صلي الله عليه و آله» اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش، في البخاري من ثلاثة طرق، و في مسلم من تسعة طرق، و في أبي داود من ثلاثة طرق، و في الترمذي من طريق واحد. و في الحميدي من ثلاثة طرق» [51] . و هناك كتب كثيرة تكفلت بجمع طرق هذا الحديث و سواه، و منهم العلامة المتتبع

الشيخ لطف الله الصافي، الذي جمع في كتابه مئات الأحاديث، بالطرق الكثيرة، سنيها و شيعيها، و كلها تؤكد خلافة و امامة الاثني عشر من بعده «صلي الله عليه و آله» [52] . و أخيرا.. فقد صرح السيوطي بأن عبارة: «يكون خلفي اثنا عشر خليفة» مجمع علي صحتها، و واردة من طرق عدة [53] .

من هم الخلفاء الاثنا عشر؟

هذا و قد رأينا: أنهم - أعني أولئك المتمحلين - حين يريدون تعيين هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، يخبطون خبط عشواء في الليلة المطيرة الظلماء.. فراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي.. الذي لم يستطع أن يجزم بشي ء في مجال التعرف علي هؤلاء الاثني عشر، حيث استطاع أن يعد ثمانية خلفاء فقط، [ صفحه 76] وجد فيهم ما رآه مبررا لجعلهم منهم، و هم الخلفاء الأربعة، و الحسن «عليه السلام» و معاوية، و ابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، قال: «و يحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية، و كذلك الظاهر، لما أوتيه، من العدل، و بقي الاثنان المنتظران: أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمد «صلي الله عليه و آله» [54] . و لا ندري ما المبرر هذه الفجوات الواسعة، التي تركها شاغرة، حيث انتقل من معاوية الي عمر بن عبدالعزيز، ثم منه الي المهدي أو المهتدي العباسي!! و هكذا.. فهل يمكن أن يكون هذا مقبولا لدي العقلاء، و لدي أهل اللسان في فهم نص كهذا؟!! أم أنهم يفهمون الاتصال، و عدم الفصل!! و من جهة أخري: فقد أجهد العسقلاني نفسه للخروج من هذه المعضلة، بحيث يبقي محتفظا بما هو أقل القليل من ماء الوجه. فلم يفلح الا باضافة المزيد من الشبهات و التعميات علي البسطاء و السذج.. أما القاضي

عياض، فقط طبق الحديث علي الخلفاء الأربعة، و خلفاء بني أمية الذين منهم يزيد لعنة الله تعالي!!.. متجاهلا بذلك تصريح بعض الروايات بأنهم كلهم من بني هاشم.. و تصريح عدد آخر بأسمائهم «عليهم السلام»، و تصريح طائفة أخري، بأنهم «كلهم يعمل بالهدي و دين الحق» [ صفحه 77] الي غير ذلك من خصوصيات تكذب و تبعد ما ادعاه.. ولكننا نجد في المقابل: أن فيهم من ظهر الحق علي لسانه، و نطق بالصدق و لم يخش في الله لومة لائم.. فقد قال القندوزي الحنفي: «قال بعض المحققين: ان الأحاديث الدالة علي كون الخلفاء بعده «صلي الله عليه و آله» اثنا عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان، و تعريف الكون و المكان، علم: أن مراد رسول الله «صلي الله عليه و آله» من حديثه هذا: الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، و عترته. اذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه، لقلتهم عن اثني عشر. و لا يمكن أن يحمله علي الملوك الأموية لزيادتهم علي اثني عشر، و لظلمهم الفاحش، الا عمر بن عبدالعزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبدالملك عن جابر. و اخفاء صوته «صلي الله عليه و آله» في هذا القول [55] يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم. و لا يمكن أن يحمله علي الملوك العباسية، لزيادتهم علي العدد المذكور، و لقلة رعايتهم الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي).. [56] و حديث الكساء.. [ صفحه 78] فلابد من أن يحمل هذا الحديث علي الأئمة الاثني عشر، من أهل بيته و عترته «صلي الله عليه و آله»،

لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم، و أجلهم، و أورعهم، و أتقاهم، و أعلاهم نسبا، و أفضلهم حسبا، و أكرمهم عند الله. و كان علمهم عن آبائهم متصلا بجدهم «صلي الله عليه و آله»، و بالوراثة و اللدنية، كذا عرفهم أهل العلم و التحقيق،و أهل الكشف و التوفيق. و يؤيد [57] هذا المعني، أي أن مراد النبي «صلي الله عليه و آله» الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، و يشهده و يرجحه: حديث الثقلين، و الأحاديث المتكثرة، المذكورة في هذا الكتاب و غيرها.. و أما قوله «صلي الله عليه و آله» كلهم تجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة، فمراده «صلي الله عليه و آله»: أن الأمة تجتمع علي الاقرار بامامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي رضي الله عنهم» [58] انتهي. أو أن الأمة تجتمع علي الاقرار بفضلهم، و علمهم، و تقواهم، كما سننقله عن الجاحظ في أواخر الفصل السادس. ان شاء الله تعالي.. و حسبنا ما ذكرناه هنا، فان استقصاء البحث في هذا الأمر يحتاج الي توفر تام، و تأليف مستقل.. غير أن لنا كلاما في حقيقة ما يرمي اليه هؤلاء من القبول بتطبيق [ صفحه 79] حديث الأئمة الاثني عشر علي أئمة الشيعة الامامية ذكرناه في كتابنا: «ابن عربي سني متعصب».. حيث ذكرنا هناك: أن هؤلاء يهدفون الي الحفاظ علي عقيدة التسنن، و لكنهم لا يزيدون علي الاعتراف بأنهم مجرد أئمة في العلم و الدين، ولكن لا ربط لامامتهم بالحكم و الحاكمية،فهم يشبهون أولياء الصوفية عندهم.. و بقية الكلام موكول الي الكتاب المشار اليه آنفا..

علم الامامة طريق لاثبات النص

و بعد ما تقدم نقول: انه كما يمكن اثبات النص الخاص علي امامة الأئمة صلوات الله و

سلامه عليهم اجمعين، بالنقل القطعي عن النبي الأكرم «صلي الله عليه و آله».. كذلك، فانه اذا لج الخصوم بالتكذيب و الجحود، و حاولوا التعتيم علي ذلك السيل الهائل من النصوص القطعية، أو الاحتماء بالتأويلات السقيمة و الباردة، فانه يمكن [59] اثبات الامامة، و النص نفسه، عن طريق اظهار جانب من العلوم التي اختصهم الله بها، ليكون ذلك بمثابة شاهد صدق علي صحة النص و واقعيته. و لعل ذلك هو أحد أسباب اهتمام الامام علي «عليه السلام»، باخبار الناس الأمور الغيبية، خصوصا في حربه مع الخوارج، الذين كانوا أعرابا [ صفحه 80] جفاة، و أحفاء الهام سفهاء الأحلام.. ليؤكد لهم امامته عن طريق اثبات امتلاكه لعلم الامامة.. بعد أن كان يؤكدها عن طريق اثبات النص، فيطلب الشهادة لحديث الغدير من الناس، فيشهد له به طائفة من الصحابة الذين حضروا الواقعة..

اغتيال الامامة: أو اغتيال الامام

نعم.. و ذلك هو السر الحقيقي، الكامن وراء اصرار الحكام و غيرهم من الخصوم،من أرباب الفرق الأخري، علي اغتيال الامامة، تارة عن طريق التشكيك بالنصوص سندا أو دلالة، و أخري عن طريق افراغها من محتواها الفكري و العلمي أيضا.. حتي اذا ما فشلوا في ذلك، اتجهوا نحو أسلوب اغتيال شخصية الامام عن طريق التزوير، و الاشاعات الكاذبة، و تلفيق التهم الباطلة.. حتي اذا ما فشلوا في ذلك أيضا، اعتمدوا أسلوب اغتياله جسديا، علنا تارة، و بالخفاء أخري، في عملية معالجة وقتية لما يرون فيه مصدر خطر حقيقي علي واقعهم، الذي يهتمون - لأكثر من سبب - بالحفاظ عليه في حياتهم الحاضرة، و تثبيت دعائمه، و تقوية أركانا في المستقبل كذلك.

المأمون نموذجا

و لعل أقرب مثال يمكن أن نسوقه هنا، و له ارتباط وثيق في موضوع بحثنا هذا، هو تلك الطريقة التي تعامل بها المأمون مع الامام الرضا «عليه السلام» أولا، ثم مع الامام الجواد «عليه السلام» ثانيا، حيث حاول أولا [ صفحه 81] الكيد للامام الرضا «عليه السلام» بالبيعة بولاية العهد بعده [60] . ثم حاول اغتيال الامامة - علميا - بأسلوبه الخاص، و الفريد من نوعه [61] . حتي اذ فشل هذا الأسلوب و ذاك، كان له، و لأخيه المعتصم من بعده موقف آخر، و من نوع آخر، من هذين الامامين العظيمين صلوات الله و سلامه عليهما، و علي آبائهما الطيبين الطاهرين. و هو اغتيالهما جسديا، و هكذا كان.. و المأمون هو أعظم خلفاء بني العباس خطرا، و أكثرهم علما، و أبعدهم نظرا، و أشدهم مكرا، و أخفاهم مكيدة، كما صرحت به النصوص التاريخية العديدة [62] . و هذا الرجل بالذات هو الذي قام بأكثر من محاولة في

سبيل تحقيق النصر النهائي و الحاسم علي الفكر الامامي الشيعي. و قد أدرك هذا الرجل خطأ أسلافه في تعاملهم مع أئمة أهل البيت «عليهم السلام».. فحاول أن يعتمد أسلوبا جديدا و فريدا من نوعه، يخفي وراءه مكرا أشد، و كيدا أعظم.. [ صفحه 82]

اتق الله يا ذا العثنون

فمن مظاهر محاولات المأمون اغتيال شخصيته «عليه السلام»، ما تظهره القضية التالية: قال محمد بن الريان: «احتال المأمون علي أبي جعفر «عليه السلام» بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شي ء، فلما اعتل، و أراد أن يبني عليه ابنته دفع اليه مائة وصيفة، من أجمل ما يكون، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر، يستقبلون أباجعفر، اذ قعد في موضع الاختان.. فلم يلتفت اليهن.. و كان رجل يقال له: مخارق، صاحب عود، و صوت، و ضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون.. فقال: يا أميرالمؤمنين، ان كان في شي ء من أمر الدنيا، فأنا أكفيك أمره. فقعد بين يدي أبي جعفر «عليه السلام»، فشهق شهقة اجتمع اليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده، و يغني.. فلما فعل ساعة، و اذ أبوجعفر «عليه السلام»، لا يلتفت اليه، و لا يمينا، و لا شمالا، ثم رفع رأسه اليه، و قال: اتق الله يا ذا العثنون! قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الي أن مات. قال: فسأله المأمون عن حاله. قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا [63] . [ صفحه 83] نعم.. و هذا هو جلال الايمان، و عظمة و رهبة، و وقار الاسلام..

مخارق، أو ابن مخارق

ولكن يلاحظ: أن الرواية قد نصت علي أن مخارقا لم ينتفع بيده الي أن مات.. و ليس في ما بأيدينا من مصادر ما يشير الي أن مخارقا كان ذا عاهة في يده.. فلعل التاريخ قد أهمل التعرض لهذا الأمر، لعدم توفر الدواعي للاشارة اليه، أو كان ثمة داع لاخفائه، كما نراه في كثير من الأمور الأخري.. أو لعل اسم مخارق قد جاء علي سبيل الغلط و الاشتباه، و يكون صاحب القضية شخصا آخر، كما ربما

يشير الي محاولة الرواية اعطاء المواصفات له، و مخارق كان له من الشهرة ما يجعله في غني عن ذكر هذه المواصفات.. و لربما يكون صاحب القضية هو: هارون بن مخارق، فيكون في الرواية سقط من قبل النساخ. هذا علي تقدير أن يكون هارون هذا، كان كأبيه يتعاطي صنعة الضرب و الغناء.

استجابة دعائه

و كما أن هناك ما يدل علي أن محاولات أخري قد بذلت للمساس بقداسته «عليه السلام»، فكانت النتيجة هي ظهور و تأكيد قداستهم، بما يصنعه الله تعالي بأعدائهم، و المتجرئين عليهم، فلاحظ الرواية التالية: قال ابن سنان [ صفحه 84] دخلت علي أبي الحسن «عليه السلام»، فقال: يا محمد، حدث بآل فرج حدث؟ فقلت: مات عمر. فقال: الحمد لله علي ذلك. أحصيت له أربعا و عشرين مرة. ثم قال: أو لا تدري ما قاله لعنة الله لمحمد بن علي أبي؟ قال:قلت: لا. قال: خاطبه في شي ء: قال: أظنك سكران. فقال أبي: اللهم ان كنت تعلم أني أمسيت لك صائما، فأذقه طعم الحرب، و ذل الأسر. فوالله ما ذهبت الأيام حتي حرب ماله، و ما كان له، ثم أخذ أسيرا، فهو ذا مات.. [64] .

اغتيال علم الامامة

ثم حاول اغتيال الامامة بافراغها من محتواها العلمي، فصار يجمع العلماء، و أهل الكلام، و لاسيما من المعتزلة، و هم أصحاب جدل و كلام، و تنبه للدقائق، ليحدقوا بالامام الرضا «عليه السلام»، و يكسروه في محاوراتهم و مجادلاتهم، في أعظم ما يدعيه هو و آباؤه من العلم الخاص بآثار [ صفحه 85] النبي «صلي الله عليه و آله» و علومه.. لكي ينهار المذهب الشيعي بانهيار فكرة الامامة فيه، و يكون بذلك قد قضي علي أعظم مصدر للمشاكل و الأخطار، التي يواجهها هو و غيره من الحكام الغاصبين و المتجبرين.. و النصوص التالية تدل علي ذلك: 1- قال الصدوق: «كان يجلب علي الامام «عليه السلام» من متكلمي الفرق، و أهل الأهواء المضلة كل من سمع به، حرصا علي انقطاع الرضا «عليه السلام» عن الحجة مع واحد منهم» [65] . 2- و قال أبوالصلت: «جلب عليه المتكلمين من البلدان،

طمعا في أن يقطعه واحد منهم، فيسقط محله عند العلماء، و بسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود، و النصاري، و المجوس، و الصابئين، و البراهمة، و الملحدين، و الدهرية، و لا خصم من فرق المسلمين الا قطعه، و ألزمه الحجة».. الي أن قال: «فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله، فقتله بالسم» [66] . 3- و قال ابراهيم بن العباس: «سمعت العباس يقول:.. و كان [ صفحه 86] المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شي ء فيجيبه الجواب الشافي» [67] . 4- و قال المأمون لحميد بن مهران، حينما طلب منه أن يوليه مجادلته، لينزله منزلته: «ما من شي ء أحب الي من هذا» [68] . 5- و قال لسليمان المروزي: «انما وجهت اليك لمعرفتي بقوتك، و ليس مرادي الا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط» [69] . 6- و حينما أخبر الامام «عليه السلام» المأمون بصفات حمل جاريته، قال المأمون: «فقلت في نفسي: هذه والله فرصة، ان لم يكن الأمر علي ما ذكر خلعته؛ فلم أزل أتوقع أمرها الخ..». ثم تذكر الرواية مجي ء الولد علي الصفة التي ذكرها الامام «عليه السلام» له [70] . [ صفحه 87] 7- كما أنه قد كان من جملة ما يهدف اليه، من جعل ولاية العهد له «عليه السلام» هو أن يري الناس أن الامام ليس زاهدا في الدنيا، حسبما أوضحناه في كتابنا الحياة السياسية للامام الرضا «عليه السلام».. فراجع..

خداع السلطة، و تقية الامام

ان نفس سعي المأمون لتولية الامام الرضا «عليه السلام» للعهد، ثم سعيه لتزويج ابنته من الامام الجواد «عليه السلام»، و اقامة علاقات طيبة معه، من شأنه أن يضع شيعة الامام أمام خيارات غير عادية، اذ ان ما ذكرناه من المنافرة بين عقائد الشيعة

و بين أية سلطة غير سلطة الامام.. يجعل أي انسجام بين السلطة، و بين أرباب ذلك الفكر، و معتنقي تلك العقيدة، و المبشرين بها، و لاسيما اذا كان ذلك علي مستوي القمة الشامخة، التي تتحدي السلطة، حتي في الأساس و المبرر لوجودها.. أمام أحد احتمالين، أحدهما: أن تلك الطائفة - أو قمتها - تخضع لضغط خانق مباشر، و تهديد صريح من قبل السلطة.. أو أنها تتعامل مع الحكم انطلاقا من مبدأ التقية، الذي يهدف للحفاظ علي المبدأ، و علي القدرات المؤهلة لحماية و الدفع عنه.. الثاني: أن نجد أنفسنا ملزمين بتوجيه اتهام صريح: اما لتلك الطائفة بأنها قد قدمت تنازلا عقائديا خطيرا في هذا المجال.. و اما لقيادتها، و أنها ليست هي القيادة الحقيقية، و أن ثمة خطأ في التعرف علي الرمز الحقيقي للامامة.. و اما للسلطة نفسها بأنها تقوم بعملية خداع خطيرة، و تعني بتنفيذ [ صفحه 88] مؤامرة مرعبة، بهدف اغتيال تلك الفرقة، في فكرها، و في عقائدها، أو حتي في وجودها بصورة عامة.. و هذا الأمر الأخير.. هو ما تجلي لنا بوضوح في لعبة البيعة للامام الرضا «عليه السلام» بولاية العهد، حيث اضطر الامام «عليه السلام» للتعامل مع هذه القضية انطلاقا من مبدأ التقية و غيره. من مبادي تدخل في هذا المجال.. كما أوضحناه في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الرضا «عليه السلام».. كما أن هذا الخداع الخطير قد مارسه الخليفة العباسي المأمون تجاه الامام محمد التقي الجواد «عليه السلام»، كما سيتضح لنا من خلال هذا العرض الموجز.. [ صفحه 91]

اللقاء الأول في بغداد

مما سبق

قد عرفنا فيما سبق حقيقة نوايا المأمون تجاه الامام الرضا «عليه السلام»، و تجاه الامامة، و قلنا: انه قد فشل في تحقيق مآربه مع الامام الرضا

«عليه السلام» فشلا ذريعا و مخزيا. و بعد وفاته صلوات الله و سلامه عليه، واصل حركته التآمرية، التي تستهدف حركة التشيع، و نقطة الارتكاز فيها، من أجل أن تفقد تأثيرها في نطاق الحكم العباسي بصورة عامة، عن طريق افراغها من محتواها العلمي، الذي هو العنصر الأهم، و الأساس الأعظم فيها، أو الطعن في عنصر العصمة المتمثل في محاولات الاساءة الي سمعته و كرامته، و حالة الطهر و القداسة، التي له في نفوس الناس.

الرقابة حذفت

و يبدو من ملاحظة النصوص: أن هذه المحاولات قد تنوعت، و تكررت. و لعل ما وصل الينا منها لا يمثل كل الحقيقة، و انما هو يعكس جانبا ضئيلا، و نزرا يسيرا منها. و للتدليل علي ما نقول، نشير الي ما قاله محمد بن الريان في هذا المجال، [ صفحه 92] و هو: «احتال المأمون علي أبي جعفر عليه الصلاة والسلام بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شي ء فلما اعتل، و أراد أن يبني عليه ابنته الخ..» [71] . فقول ابن الريان هذا يشير الي أن ثمة أحداثا كثيرة واجه فيها أبوجعفر التقي الجواد «عليه السلام» كيد المأمون.. ولكننا اذا راجعنا النصوص التاريخية، التي ذكرت لنا ما كان يتوسل به المأمون لالحاق الأذي بأبي جعفر الجواد «عليه السلام».. فسوف نجد: أنه لا يكاد يذكر لقلته و ندرته، و هذا يدل بوضوح علي شدة الرقابة التي كان المأمون - السلطة - يقوم بها علي أصحاب الأقلام، و أهل المعرفة، لمنعهم من تسجيل الحقيقة كل الحقيقة، للتاريخ، و للأجيال.. و علي كل حال.. فاننا اذا أردنا اجمال تلك الوقائع و الأحداث التي استطاعت أن تجتاز حواجز الرقابة، فسوف تكون علي النحو التالي:

بغداد.. سجن أم رقابة

ان من المعروف: أنه قد كان للمأمون.. علي كل رجل صاحب خبر [72] و كان يدس الوصائف هدية، ليطلعنه علي أخبار من شاء [73] . [ صفحه 93] و قد جرب ذلك مع الامام الرضا «عليه السلام» أيضا: فباء بالفشل الذريع، و مني بالخيبة القاتلة.. و ربما كانت هذه الرقابة هي احدي أهداف تزويج ابنته للامام الرضا «عليه السلام»، ثم تزويج ابنته الأخري لولده الامام الجواد صلوات الله و سلامه عليه فيما بعد.. [74] . و هذا معناه: أنه قد كان من الطبيعي

أن يكون المأمون قد اطلع علي تحركات الشيعة، بعد وفاة الامام الرضا «عليه السلام»، و علي اتصالهم بالامام الجواد عليه الصلاة والسلام.. و بلغه بعض أو كل ما صدر عن الامام عليه التحية و السلام من كرامات و فضائل، و من أجوبة علي المسائل الدقيقة و الصعبة رغم صغر سنه. و لا شك في أن تصدي الامام عليه الصلاة والسلام - و هو بهذه السن بالذات - لمقام الامامة، و حمله مسؤوليته القيادية، يعتبر بحد ذاته تحديا للسلطة، و لجميع الفرق علي اختلافها، في أعظم عقائها أثرا، و أشدها خطرا، و أكثرها حساسية، فمن الطبيعي اذن أن يحتاط المأمون للأمر، و يعد العدة لكل المفاجآت المحتملة في هذا المجال، خصوصا بعد أن جرب مختلف الأساليب الماكرة مع الامام الرضا «عليه السلام» من قبل، و رأي بأم عينيه كيف كان كيده يرتد عليه.. [ صفحه 94]

استقدام المأمون للامام الجواد

و لأجل ذلك.. فاننا نعتقد: أن استقدام المأمون للامام الجواد «عليه السلام» من المدينة الي بغداد، قد كان بهدف الاحتفاظ به علي مقربة منه، لأهداف عديدة، سنشير الي جانب منها.. و كان استقدام المأمون له «عليه السلام» الي بغداد في سنة 204 ه. ق علي ما يظهر. أي فور وصول المأمون من خراسان. كما تشير اليه قضية الباز الأشهب الآتية.. ولكن ابن طيفور يذكر: أن الامام التقي الجواد صلوات الله و سلامه عليه قدم من المدينة الي بغداد في سنة 215 ه ق، و تسلم زوجته أم الفضل بنت المأمون، في تكريت، و المأمون في حال سفر، كما سيأتي. و ليس ثمة ما يمنع من الاعتقاد بأنه «عليه السلام» قدم الي بغداد أكثر من مرة، أو أن المأمون بعد أن استقدمه الي بغداد، قد فرض عليه

المقام فيها، و جرت له معه فيها أمور كثيرة، و هامة. و نحن و ان لم نطلع علي طبيعتها، ولكنها كانت في غير صالح المأمون بلاشك، كما يفهم من كلام ابن الريان.. و يلاحظ: أن عجلة المأمون في أمر استقدامه من المدينة اليه، يشبه تماما استعجال أخيه المعتصم في استقدامه أيضا فور توليه للخلافة، ثم الاحتفاظ به الي أن دس اليه السم في سنة 220 ه. ق. و يؤيد أنه «عليه السلام» قد أقام مدة في بغداد من دون اختيار منه، ما رواه محمد بن أرومة، عن حسين المكاري، قال: [ صفحه 95] «دخلت علي أبي جعفر ببغداد، و هو علي ما كان من أمره، فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع الي موطنه أبدا، أعرف مطعمه.. [أي أنه لا يرجع الي وطنه،ما دام: أن مطعمه بالطيب، و اللذة و السعة، التي أعرفها].. قال: فأطرق رأسه، ثم رفعه، و قد اصفر لونه، فقال: يا حسين، خبز شعير، و ملح جريش، في حرم رسول الله، أحب الي مما تراني فيه..» [75] . و يؤيد ذلك أيضا.. ما سيأتي من أن المأمون قد احتال علي الامام «عليه السلام» بكل حيلة، قبل أن يسلم اليه ابنته، فلم يمكنه فيه شي ء. و من الواضح: أن هذه المحاولات، تحتاج الي شي ء من الوقت [76] ، الذي قد يستغرق أشهرا، أو سنوات.

اهداف استقدام الامام الي بغداد

و مهما يكن من أمر.. فان محاولة ابقاء الامام «عليه السلام» في بغداد، بالقرب من الخليفة، و تحت نظره - و التي نجح فيها المأمون جزئيا علي الأقل - لسوف تكون مفيدة جدا للمأمون، و نظام حكمه، لأن بقاءه هذا من شأنه أن يسهل عليهم جعله تحت الرقابة المستمرة، و رصد كل تحركاته، [

صفحه 96] و مواقفه، ثم تطويقها بسرعة، ان وجدوا فيها أي ضرر، أو خطر. و كذلك.. فان ذلك يمكنهم من قطع صلاته بشيعته، و قطع صلاتهم به، أو التقليل منها الي حد كبير.. اذ من الطبيعي أنه اذا أحيط الامام «عليه السلام» بهالة الحكم، و أبهة الملك، فان ذلك سيجعل الكثيرين يتهيبون الاتصال به بصورة عفوية. و بالأخص أولئك الذين لا يرغبون بتعريض أنفسهم، و علاقاتهم بالأئمة عليهم الصلاة و السلام للأضواء الكاشفة من قبل السلطة الغاشمة.. و أيضا.. فلربما كان المأمون يأمل في أن يتمكن من خلال محاولاته و أساليبه الاغرائية أو الاغوائية، أو الترهيبية من أن يقنع الامام في المستقبل، بأن يكون دعاؤه له و لدولته، هذا الأمل نفسه الذي كان يراوده بالنسبة لأبيه الامام الرضا «عليه السلام» من قبل، كما أوضحناه في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الرضا «عليه السلام»».. أضف الي ذلك: أنه باظهاره المحبة، و التبجيل، و الاكرام و التعظيم للامام «عليه السلام»، يكون قد قدم دليلا لربما ينطلي علي الكثيرين، يثبت به حسن نواياه تجاة الأئمة «عليهم السلام»، و يبرئه الي حدما من دم الامام الرضا صلوات الله و سلامه عليه. كما أنه يكون قد أثبت للملأ من الشيعة: أنه لا يري في خطهم تناقضا مع خطه، و لا مع موقفه، كحاكم، و كسلطان، الأمر الذي قد يبعث في قلوبهم بعض الاحساس بالأمان من جهته.. و كذلك.. فانه اذا استطاع أن يجعل الامام «عليه السلام»، الذي كان [ صفحه 97] في مقتبل عمره، يعيش حياة اللذة و الرفاهية، و الدعة، فلربما يؤثر ذلك علي طموحاته و آماله «عليه السلام»، و من ثم علي مواقفه.. و أخيرا علي مجمل تصوراته و أفكاره، و أسلوب حياته، حسبما أشير اليه

فيما نقل عن الحسين المكاري آنفا.. نعم.. ان ذلك أوجله، و لربما بالاضافة الي أمور أخري كان محط نظر المأمون.. و ان كان قد فشل في تحقيق كامل آماله و في الوصول الي جميع أهدافه، كما سنري..

البازي الأشهب في اللقاء الأول

و كانت أول حادثة تحصل بين الامام «عليه السلام»، و بين المأمون، بعد استقدامه «عليه السلام» الي بغداد، عفوية و مفاجئة بالنسبة للمأمون، و كان لها وقع الصاعقة عليه، و كان فيها النصر الحاسم و المؤزر بالنسبة للامام «عليه السلام».. يقول النص التاريخي: «لما طعن الناس في المأمون، بعد وفاة الرضا «عليه السلام» واتهموه، أراد أن يبري نفسه من ذلك. فلما أتي من خراسان الي بغداد، كاتب الجواد «عليه السلام» الي المدينة، يستدعي قدومه عليه بالاعزاز و الاكرام. فلما ورد بغداد اتفق أن المأمون قبل ملاقاته له «عليه السلام» «خرج الي الصيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه..» [77] . [ صفحه 98] و كان ذلك بعد موت الامام الرضا «عليه السلام» بسنة [78] ، فاجتاز المأمون - والنص لابن شهرآشوب: «بابن الرضا «عليه السلام» [79] ، و هو بين صبيان، فهربوا سواه. فقال: علي به. فقال: ما لك لا هربت في جملة الصبيان؟! فقال: ما لي ذنب فأفر منه، و لا الطريق ضيق فأوسعه عليك، سر حيث شئت. فقال: من تكون أنت؟! قال: أنا محمد بن علي، بن موسي، بن جعفر، بن محمد، بن علي بن الحسين،بن علي، بن أبي طالب «عليهم السلام».. فقال: ما تعرف من العلوم؟! [80] . قال: سلني عن أخبار السموات.. فودعه، و مضي، و علي يده باز أشهب، يطلب به الصيد.. فلما بعد عنه، نهض عن يده الباز، فنظر يمينه و شماله لم ير صيدا، و الباز [ صفحه 99] يشب عن يده،

فأرسله، فطار يطلب الأفق، حتي غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد اليه، و قد صاد حية [81] . فوضع الحية في بيت المطعم.. و قال لأصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي [82] . ثم عاد، و ابن الرضا في جملة الصبيان. فقال: ما عندك من أخبار السموات؟! [و في نص آخر: «ثم انه كر راجعا الي داره، و ترك الصيد في ذلك اليوم» فلما وصل وجد الصبيان علي حالهم، فانصرفوا كما فعلوا أول مرة، و أبوجعفر لم ينصرف، فقال له المأمون: ما في يدي؟ الخ..]. فقال: نعم يا اميرالمؤمنين، حدثني أبي عن آبائه، عن النبي، عن جبرائيل، عن رب العالمين، أنه قال: بين السماء و الهواء بحر عجاج، يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن به العلماء. فقال: صدقت، و صدق أبوك، و صدق جدك، و صدق ربك، فأركبه، ثم زوجه أم الفضل». و في نص آخر: «تصيدها بزاة الملوك و الخلفاء، فيختبرون بها سلالة أهل النبوة».. [ صفحه 100] فلما سمع المأمون كلامه عجب منه، و قال له: «أنت ابن الرضا حقا، و من بيت المصطفي صدقا» [83] .

هذا الحدث بين النقد و التحليل

و بالقاء نظرة علي مضامين هذا الحديث، تستوقفنا الأمور التالية (الحدث) لعل المأمون حينما سأل الامام عن نفسه بقوله: «من تكون أنت؟ كان متجاهلا لا جاهلا، و ذلك لأن الامام الجواد «عليه السلام»، كان قد قدم الي خراسان قبل سنتين من ذلك التاريخ، أي في سنة 202 ه. ق لزيارة أبيه الامام الرضا «عليه السلام».. قال في تاريخ بيهق: انه عبر البحر من طريق طبس مسينا [84] ، لأن طريق قومس لم يكن مسلوكا في ذلك الوقت،

و صار مسلوكا في عهد قريب. فجاء من ناحية بيهق، و نزل في قرية «ششتمد» و ذهب من هناك الي زيارة أبيه علي [ صفحه 101] بن موسي الرضا «عليه السلام» سنة 202 ه الخ.. [85] . و من البعيد أن لا يكون المأمون قد رآه حينئذ، و أبوه ولي عهده، و قد عقد له علي ابنته أم الفضل أو سماها له، في نفس المجلس الذي زوج فيه أباه الرضا «عليه السلام» ابنته الأخري..

هل يلعب الامام؟:

قد يقال: ان هذه الرواية توحي بأن الامام الجواد عليه الصلاة والسلام قد كان يلعب مع الصبيان حينئذ، حيث ذكرت: أنهم كانوا يلعبون، و هو واقف معهم، الي أن مر عليهم المأمون.. و ذلك مما لا يمكن قبوله.. فان الامام لم يكن ليلعب أو يلهو. و نقول: ان وقوفه «عليه السلام» في مكان يتفق وجود بعض الصبيان فيه، لا يعني: أنه «عليه السلام» كان يلعب معهم. ولو كان يلعب معهم حقا لصرحت الرواية بذلك، و لم تكتف بالقول: انه كان واقفا معهم، خصوصا، و أن لعب الامام في مثل هذا الظرف بالذات، و بعد اضطلاعه بمهمات الامامة بعد وفاة أبيه لهو أمر يلفت نظر الأعداء ليشهروا به، و نظر الأصدقاء ليعترضوا عليه و يشكوا بامامته.. و هذا يدل علي: أن وجود الامام «عليه السلام» في ذلك الموضع كان [ صفحه 102] اتفاقيا صنعه الله تعالي له لتظهر معجزته. أو أنه تعمد منه «عليه السلام»، ليواجه المأمون بالموقف القوي و الحكيم.. والخلاصة: انه لا دليل علي أنه كان «عليه السلام» يلعب مع الصبيان، بل ليس في الرواية: أنه «عليه السلام» قد تعمد أن يكون معهم، و في جملتهم. فلعله كان واقفا أمام داره، و اتفق وجود صبيان في ذلك المكان، بل

ليس في الرواية حتي ما يدل علي أن نفس الصبيان كانوا يلعبون أيضا.. بل قد يكون «عليه السلام» قد وقف معهم ليعلمهم و يرشدهم، و يوحي اليهم بالمفاهيم الانسانية، بحسب ما يملكونه من استعداد للفهم و التعقل. و قد نجد الكثير من الحالات التي من هذا القبيل في حياتنا الحاضرة أيضا. و علي كل حال.. فان وقوفه «عليه السلام» معهم لم يكن للعب قطعا.. كيف و قد حمل اليه علي بن حسان الواسطي الي المدينة بعض الآلة التي للصبيان ليتحفه بها، قال علي: «فدخلت، و سلمت. فرد علي السلام، و في وجهه الكراهة. و لم يأمرني بالجلوس. فدنوت منه، و فرغت ما كان في كمي بين يديه. فنظر الي نظرة مغضب، ثم رمي يمينا و شمالا، ثم قال: ما لهذا خلقني الله، ما أنا و اللعب؟! فاستعفيته، فعفا عني، فخرجت» [86] . [ صفحه 103] كما أن صفوان الجمال، قد سأل أباعبدالله عليه الصلاة والسلام عن صاحب هذا الأمر. فقال: «صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب» [87] .

هل الامام في بغداد، أم عند المأمون؟

ان البعض يعتقد: أنه «عليه السلام» كان بالمدينة الي أن أشخصه المأمون الي بغداد.. [88] فهو قد كان عند المأمون، فكيف يخرج ليكون مع الصبيان، أو مع غيرهم؟. و أين هم الرجال الذين يفترض أن يكون المأمون قد وضعهم عليه لحفظه و حراسته؟! و نقول: ان حمل المأمون له الي بغداد، لا يعني: أنه قد التقي به من أول يوم وصوله. و قد نري: أن البعض يستقدمهم الخليفة، ثم تمر الأيام و الليالي الكثيرة، و ربما الأشهر و السنوات، قبل أن يتهيأ له أو قبل أن يرغب باللقاء بهم، حيث قد يكون تأخير اللقاء بهم متعمدا [89]

. [ صفحه 104] هذا بالاضافة: الي أن النص المتقدم يصرح بأن المأمون قد خرج الي الصيد قبل أن يلتقي به «عليه السلام». و يتأكد ما نقول هنا: اذا عرفنا: أن من جملة الأهداف الهامة التي كان يرمي اليها المأمون من استقدامه له «عليه السلام» هو أن يكون علي مقربة منه، ليتهيأ له الاشراف [90] بواسطة عيونه و رقبائه علي مجمل تحركاته، و اتصالاته، التي يكون للمأمون حساسية خاصة تجاهها.. و المأمون.. هو ذلك الرجل العجيب، الذي يهتهم برصد كل تحركات خصومه، أو من يري فيهم مشروع خصوم له في وقت ما، بكل دقة، كما ألمحنا اليه فيما سبق..

لماذا رجع الخليفة عن الصيد؟

و في هذا الحدث: اشارات عديدة هامة، ان بالنسبة لموقف الامام التقي [ صفحه 105] الجواد عليه الصلاة و السلام.. و ان بالنسبة للخليفة المأمون.. غير أننا نكتفي هنا: بالالماح الي أن الخليفة الذي من أبسط مميزاته، هو اهتمامه بالحفاظ علي أبهة الملك، و جلال السلطان.. لم يكن ليرجع عن صيده، لأمر عادي و تافه، و بهذه السرعة.. حتي ان ذلك الصبي كان لا يزال يقف في نفس المكان الذي تركه فيه.. بل لابد أن يكون الذي أرجعه عن مقصده، من جلائل الأمور، و عظائمها، و مما له مساس قوي بأساس الملك، و مصير النظام كله. و لاسيما اذ كان رجوعه عن مقصده بهذه الصورة المثيرة، و غير المألوفة، مصحوبا بحركات تشبه حركات الممرورين، أو المشعوذين!!، و من أجل امتحان صبي يقف مع أترابه!! و هذا ان دل علي شي ء، فانما يدل: علي أن المأمون كان - في الحقيقة - بصدد ابطال ما يقوله أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام من العصمة لهم و أن لديهم العلم

الخاص، الذي هو علم الامامة، كما قلنا..

صغر سن الامام أطعمه

و هو مع أنه كان قد جرب مثل ذلك مع الامام الرضا «عليه السلام» من قبل، و فشل في تجربته.. الا أنه ربما يكون قد طمع بالفرصة، و هو يري صغر سن الامام محمد التقي الجواد «عليه السلام»، و قد احتمل أو ظن: أنه صلوات الله و سلامه عليه لم يتمكن - و هو في هذه السن - من تحصيل العلوم و المعارف اللازمة في مواقف التحدي، والتي تؤهله للفلج و الظفر في مقام الحجاج، و الخصام.. [ صفحه 106]

ماذا لو لم يجب الامام علي السؤال؟

و بعد.. فان سؤالا يبقي يتردد حائرا هنا، و هو: ماذا عساه كان سيفعل لو أنه لم يجد عند هذا الصبي الصغير، الجواب الكافي، والشافي علي سؤال عن أمر غيبي، بكل ما لكمة الغيب من معني؟!.. و لا يمكن أن تناله العقول، و لا تهتدي اليه الافكار؟! فهل سيقتله - كما صرح به النص المتقدم علي لسان المأمون نفسه، حيث قال: «قد دنا حتف ذلك الصبي علي يدي». نعم.. يقتله ليشتهر بين الكافة، في أرجاء العالم الاسلامي بأسره: أن سبب قتله هو جرأته و ادعاؤه ما ليس له، ثم عجزه عن الاجابة الصحيحة في أمر يدعي لنفسه العلم به. و ليبطل من ثم أمر الامامة فيه، و في ولده من بعده، و حتي من آبائه من قبل.. و ذلك لأن هدفه الأول و الأخير، هو: تكذيب أن هذا الأمر فيهم.. كما ألمح اليه هو نفسه بقوله: «صدقت، و صدق أبوك، و صدق جدك، و صدق ربك».. حيث ان هذا الكلام يتضمن اعترافا ضمنيا له: بأن لديه «عليه السلام» ذلك العلم الخاص الذي يدعيه لنفسه، و أنه تلقاه من أبيه، عن جده، عن ربه سبحانه.. أم أن قوله

بأنه سيقتله، كان نزوة عارضة، لا تعكس الرأي السياسي الهادي و لاسيما لرجل معروف بمكره و عظيم دهائه مثل المأمون؟!.. بل ان رأيه النهايي و الأخير فيه و الحالة هذه هو: أن يبقيه هكذا.. فارغا من معني [ صفحه 107] الامامة، و من خصائصها، ليكون سندا قويا، و حجة دامغة، علي كل من يحاول أن يدعي ذلك له، أو لأحد من أهل البيت «عليهم السلام» في مختلف الظروف و الأحوال.. و بذلك ينتهي أمره و أمر أهل البيت معه، و يضمحل و يتلاشي أتباعه و محبوه، و أتباعهم و محبوهم، بصورة طبيعية، و من دون أي جهد، أو عناء؟ لا ندري.. و لعل الفطن الذكي و الخبير بمكر المأمون و أحابيله هو الذي يدري. و يلاحظ هنا: أن الامام الجواد «عليه السلام» كان - كجده علي أميرالمؤمنين «عليه السلام» - يظهر في مناسبات كثيرة: علم الامامة، الذي تلقاه عن آبائه «عليهم السلام»، عن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، عن جبرئيل «عليه السلام»، عن الله سبحانه، فكان يكثر من الاخبارات الغيبية، أو يتخذ موقفا يشير الي ذلك، سواء مع شيعته، أم مع غيرهم، فراجع حياته و سيرته [91] . و من ذلك قصته مع الفاصد.. حيث أمره «عليه السلام» بأن يفصده في العرق الزاهر، فراجع [92] . [ صفحه 108]

الرعب القاتل

اننا لا نشك: في أن المأمون، بعد أن جري بينه و بين الامام محمد التقي «عليه السلام» ما جري في اللقاء الأول معه، في قصة الباز الأشهب.. و بعد أن بهره ذلك الجواب الصاعق منه عليه التحية والسلام.. قد تجسدت أمامه خطورة الموقف، و صعق لعظم الهول، و جليل الخطب، و أدرك أنه لابد له من مواجهة هذا الامر بجدية أعظم،

و مكر أشد، اذا أراد أن يطمئن الي مصيره و مستقبله في الحكم، و معه بنوأبيه: العباسيون. فماذا فعل المأمون؟! و ماذا يمكن له أن يفعل؟ هذا ما سوف نحاول الاجابة عليه في الفصل التالي، ان شاء الله تعالي.. [ صفحه 111]

مناظرات.. أم مؤامرات؟

التجربة المأساة

و قد عرفنا فيما سبق: أن المأمون كان يهتم بجمع العلماء، و أرباب الكلام، من أهل الفرق والملل، ليناظروا الامام الرضا «عليه السلام»، علي أمل أن يقطعه واحد منهم، و لو في مسألة واحدة.. و قد كثرت هذه المناظرات و زادت، ولكن حصادها كان هو اظهار عظمة الامام، و الخيبة و الخزي لأعدائه، و المأمون منهم، فندم المأمون حيث لا ينفعه الندم، ثم اقترف جريمته النكراء بحق الامام الرضا «عليه السلام»، حسبما هو معروف و مشهور.. والآن.. فلماذا لا يجرب هذا الأسلوب مرة أخري مع ولده الجواد، الذي ظن: أنه بسبب صغر سنه، لا خبرة له بأساليب الكلام، و لا معرفة له بدقائق الحقائق، و لم تكفه اجابة الامام علي سؤاله عما صاده البازي الأشهب.. فلعلها كانت رمية من غير رام.. و لعل.. و لعل.. و تجربة واحدة، لو أحكم تدبيرها، و وضعت الخطة له بدقة و عناية، فلربما تنهي هذا الأمر، و تضع حدا لجميع المشاكل المحتملة، و تقضي علي مصدر كل المتاعب و الأخطار،و الي الأبد.. [ صفحه 112] و ان لم تنجح هذه التجربة، بتحقيق هذا الهدف الكبير، فان بامكانها أن تحقق قسطا هاما من التقدم في هذا السبيل.. و خاض المأمون غمار هذا الحدث، بكل ما لديه من حنكة و دهاء، و رصد لها كل ما يملك من رصيد معنوي و سياسي، و نفذها بعناية فائقة، و دقة لا تجاري..

ولكن هل استطاع المأمون أن يؤمن حتي الحد الأدني من النجاح في هذا المجال؟! هذا ما سوف يتضح لنا فيما يلي من صفحات..

الزواج.. المؤامرة

كان المأمون العباسي، قد زوج ابنته أم الفضل من الامام الجواد صلوات الله و سلامه عليه، حينما عقد لأبيه الرضا «عليه السلام» بولاية العهد بعده [93] ، أو أنه كان قد سماها له آنئذ، علي أقل تقدير [94] . ربما من أجل تعمية مقاصده من البيعة لأبيه علي الناس، و لمقاصد أخري، أشرنا الي جانب منها في مجال آخر [95] . [ صفحه 113] ثم انه حينما استشهد أبوه، استقدمه الي بغداد، و بدأ معه سلسلة من التجاذبات كان أولها قصة البازي الأشهب، التي تقدمت، ثم استجابته بيسر و سهولة لطلب بني أبيه العباسيين منه: أن لا يسلم اليه زوجته، الا بعد امتحانه بالمسائل الصعبة، التي يلقيها عليه يحيي بن أكثم.. بل انه هو الذي اقترح عليهم ذلك،كما سنري.. و لم يكن العباسيون ليجرؤوا علي هذا الطلب منه، لو لا أنه هو الذي طرحه عليهم، و أغراهم به.. و نحن نورد هنا ملخصا عن هذا الحدث، فنقول:

الحدث.. في نصه التاريخي

يقول النص التاريخي: انه لما عزم المأمون علي أن يزوج ابنته أم الفضل من أبي جعفر «عليه السلام»، قال له العباسيون: «أتزوج ابنتك، و قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، و لا يعرف حلاله من حرامه، و لا فرضا من سنته؟ - و لأبي جعفر اذ ذاك تسع سنين - فلو صبرت حتي يتأدب، و يقرأ القرآن، و يعرف الحلال من الحرام؟!». فقال المأمون: «انه لأفقه منكم، و أعلم بالله و رسوله، و سنته، و أحكامه، و أقرأ لكتاب الله منكم، و أعلم بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و ظاهره و باطنه، و خاصه و عامه، و تنزيله و تأويله منكم، فاسألوه، فان كان الأمركما وصفتهم قبلت منكم».. و في

نص آخر قال لهم: «ويحكم، اني أعرف بهذا الفتي منكم».. الي أن قال: «فان شئتم، فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت [ صفحه 114] من حاله..». و في نص ثالث، بعد أن ذكروا: أنه صبي صغير السن، قال: «كأنكم تشكون في قولي، ان شئتم فاختبروه، أو ادعوا من يختبره، ثم بعد ذلك لوموا فيه، أو اعذروا».. قالوا: و تتركنا و ذلك؟ قال: نعم. قالوا: «فيكون ذلك بين يديك، تترك من يسأله عن شي ء من أمور الشريعة، فان أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين. و ان عجز عن ذلك كفينا خطبه، و لم يكن لأميرالمؤمنين عذر في ذلك». فقال لهم المأمون: «شأنكم و ذاك، متي أردتم..». ثم تذكر الروايات: اطماعهم يحيي بن أكثم في هدايا، علي أن يحتال علي أبي جعفر «عليه السلام» بمسألة في الفقه، لا يدري ما الجواب فيها.. ثم تذكر مساءلته اياه بحضور: «خواص الدولة، و أعيانها، من أمرائها، و حجابها، و قوادها».. ثم تذكر جوابه عليه الصلاة والسلام بذلك الجواب الدقيق و الشامل، الذي لم يكن يتوقعه أحد حتي السائل نفسه، حتي ذهل يحيي بن أكثم و ارتبك، و تحير في أمره. تقول الرواية - و النص هنا لكتاب الاحتجاج - ما يلي: «و خرج أبوجعفر «عليه السلام»، و هو ابن تسع سنين و أشهر، [ صفحه 115] فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم، و المأمون في دست متصل بدست أبي جعفر «عليه السلام». فقال يحيي بن أكثم للمأمون: تأذن يا أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟ فقال المأمون: استأذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال:

أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟ فقال أبوجعفر «عليه السلام»: سل ان شئت. فقال يحيي: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟! فقال أبوجعفر «عليه السلام»: قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كباره؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله أم بالنهار؟ [ صفحه 116] محرما كان بالعمرة اذ قتله، أو بالحج كان محرما؟ فتحير يحيي بن أكثم، و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس عجزه. فقال المأمون: الحمد لله علي هذه النعمة، و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته، فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟! ثم أقبل الي أبي جعفر، فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ ثم تذكر الرواية خطبته «عليه السلام» و تزويج المأمون اياه.. الي أن قالت الرواية: فلما تفرق الناس، و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر «عليه السلام»، جعلت فداك: ان رأيت أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم، لنعلمه، و نستفيده.. فقال أبوجعفر «عليه السلام»: نعم، ان المحرم اذ قتل صيدا في الحل، و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها، فعليه شاة، و ان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا.. و اذا قتل فرخا في الحل: فعليه حمل قد فطم من اللبن، فاذا قتله في الحرم، فعليه الحمل و قيمة الفرخ. فاذا كان من الوحش، و كان حمار وحش، فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه

بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة، و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا: هديا بالغ الكعبة.. [ صفحه 117] و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهوي فيه، و كان احرامه للحج، نحره بمني، و ان كان بعمرة، نحرة بمكة.. و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ.. و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه. و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه عقاب الآخرة. فقال المأمون: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك.. فقال أبوجعفر «عليه السلام» ليحيي: أسألك؟ قال: ذلك اليك جعلت فداك؛ فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك. فقال أبوجعفر «عليه السلام»: أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار؛ فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له؛ فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له، و حرمت عليه؟! فقال له يحيي بن أكثم: لا والله، لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدنا. [ صفحه 118] فقال أبوجعفر «عليه السلام»: هذه أمة لرجل من الناس، نظر اليها أجنبي في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت

له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها طلقة واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.. فقال المأمون: ويحكم، أما علمتم: أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من هذا الخلق؟ أما علمتم: أن رسول الله «صلي الله عليه و آله»، افتتح دعوه بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام، و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين، و هما صبيان، و لم يبايع غيرهما طفلين.. أو لا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟! قالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين.. و تقول الرواية أخيرا: ان المأمون التفت الي أهل بيته، الذين أنكروا تزويجه، فقال: «هل فيكم من يجيب هذا الجواب»؟! قالوا: لا والله، و لا القاضي يا أميرالمؤمنين، كنت أعلم به منا. [ صفحه 119] ثم تذكر الرواية: أنه قد زوجه ابنته في نفس ذلك المجلس [96] . أما انتقالها اليه، فكان في بلدة تكريت في سنة خمس عشرة و مئتين للهجرة، فقد قال أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر الكاتب: «خرج أميرالمؤمنين من الشماسية الي البردان، يوم الخميس، صلاة الظهر، لست بقين من المحرم، سنة خمس عشرة و مئتين، و هو اليوم الرابع و العشرين من آذار. ثم سار حتي أتي تكريت. و فيها قدم محمد بن علي بن موسي، بن جعفر، بن محمد بن علي، بن الحسين

بن علي بن أبي طالب من المدينة، في صفر ليلة الجمعة.. فخرج من بغداد حتي لقي أميرالمؤمنين بتكريت، فأجازه، و أمره أن يدخل عليه امرأته، ابنة أميرالمؤمنين، فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف، [ صفحه 120] التي علي شاطي ء دجلة، فأقام بها، فلما كان أيام الحج خرج بأهله و عياله، حتي أتي مكة، ثم أتي منزله بالمدينة، فأقام به..» [97] .

وقفات مع الحدث

1- لقد كان المأمون عارفا بمقام الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و بأن الحق معهم و لهم، و أنهم هم أئمة الهدي، و العروة الوثقي، و الججة علي أهل الدنيا.. و كان يعلم أيضا أنهم صلوات الله و سلامه عليهم أعلم أهل الأرض، و أنهم أتقي الناس، و أعبدهم، وأكملهم، و أفضلهم.. ولكنه مع كل ذلك.. كان يجهد لاطفاء نور الحق، و طمس معالمه و آثاره، ما وجد الي ذلك سبيلا.. و ذلك طمعا منه بالدنيا، و رغبة في ظلها الزائل، و لذتها العاجلة.. ولكن المأمون الذي كان كالغريق الذي يتشبث بالطحلب، قد ثار لديه احتمال أن لا يكون «عليه السلام» و هو بهذا السن، قد تمكن من تلقي العلوم و المعارف من أبيه، الذي عاش معه فترة قصيرة، و لا سمع منه الكثير من الأمور التوقيفية، التي يكون العلم بها منحصرا بالنقل و التعليم، فاختار السؤال عن هذا السنخ من المعارف دون سواه، لأنه «عليه السلام» فرض قدرته رغم صغر سنه علي الاجابة علي الأمور العقلية، مهما كانت عميقة و معقدة، فانه لا يحتمل أن يجيب علي ما لا مجال للعلم به الا عن طريق [ صفحه 121] التعليم خصوصا في المجال الفقهي، و في مسألة معقدة، قلما تخطر علي البال..

العباسيون في الواجهة لماذا؟

و هكذا.. فقد خاض المأمون التجربة، ولكنه خاضها بحنكة ظاهرة، حيث رمي الكرة في ملعب العباسيين، ربما لأنه خاف أن يعلن نواياه، حتي لا يفاجئوه بما لم يكن قد حسب له حسابا، و لذلك فانه في حين يطلب من العباسيين: أن يمتحنوا أباجعفر «عليه السلام».. فانه يظهر نفسه بمظهر الواثق من أنه «عليه السلام» قادر علي الاجابة علي أسئلتهم رغم صغر سنه.. و تظاهره

هذا من شأنه: أن يستفز بني العباس، و يغريهم بالمزيد من الاصرار علي اسقاط الامام «عليه السلام»، و تحطيم شخصيته.. كما أنه يجعل المأمون غير مسؤول مباشرة عن هذا الأمر، لو حدث فعلا، مهما كانت نتائجه.. كما أنه اذا جاءت النتائج علي خلاف ما يرغب، فان ذلك يمنحه الفرصة و المبرر للاستمرار في خطته المرسومة القاضية بتكرار التجربة، و باحتواء الامام، و رصد كل حركاته و سكناته.. الي أن تحين فرصة أخري لتسديد الضربة الغادرة الأخيرة، في عملية التخلص منه جسديا، والتي يعد لها لينفذها - ان اقتضي الأمر ذلك - في الوقت المناسب.. هذا كله.. عدا عن أن الفرصة تكون متاحة له للنيل من شخصية الامام، و اسقاطه بأساليب أخري، سنلمح اليها فيما يأتي ان شاء الله تعالي.. [ صفحه 122]

لا مجال لاحسان الظن بالمأمون

و المأمون.. الذي كان قد حاول النيل من مقام الامام الرضا «عليه السلام» بصنوف المكر و التآمر، ثم اغتاله أخيرا بأسلوب أدني من أن يقال فيه: انه أسلوب جبان و عاجز، هو نفسه المأمون الذي يتعامل الآن مع الامام الجواد «عليه السلام»، مستندا الي حصيلة واسعة من الخبرة و التجارب، و لعله أصبح أكثر اصرارا علي المضي في خططه الماكرة، الرامية لانهاء أمر الامامة و الامام، ما دام أنه يري فيهما خطرا جديا، يتهدد وجوده و مستقبله في الحكم، و معه بنوأبيه العباسيون.. و لا نجد فيما بأيدينا من نصوص و وقائع: ما يبرر لنا الاعتقاد، بأن المأمون قد أصبح بين عشية و ضحاها تقيا ورعا، و صادقا فيما يدعيه من الاعتقاد بامامة الأئمة، و مهتما باظهار علومهم، و معارفهم التي اختصهم الله تعالي بها. و تزويجه ابنته أم الفضل للامام الجواد عليه الصلاة والسلام، و اظهار

المحبة و الاكرام له، لا يصلح شاهدا علي ذلك، اذ ليس هو بأكثر من تزويجه ابنته الأخري لأبيه الامام الرضا «عليه السلام» من قبل، مع اظهاره المزيد من المحبة و التبجيل و الاكرام له أيضا، حتي لقد جعل أباه ولي عهده.. فاذا كان ذلك عن سياسة دهاء و مكر، و سوء نية - كما ثبت بشكل قاطع - فليكن ما يجري منه تجاة الامام الجواد كذلك أيضا، ما دامت الدلائل القوية، و الشواهد و المبررات لاستمرار هذا المكر، و ذلك الدهاء، لا تزال قائمة. [ صفحه 123]

محاولة أخري للمأمون

و مما يدل علي سوء نواياه: أنه قال مرة أخري ليحيي بن أكثم: اطرح علي أبي جعفر، محمد بن الرضا عليهماالسلام مسألة تقطعه فيها.. فقال: يا أباجعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة علي زني، أيحل له أن يتزوجها؟ فقال «عليه السلام»: يدعها حتي يستبرئها.. الي أن قالت الرواية: فانقطع يحيي الخ».. [98] . و هذا يعني: أن الهم الأكبر للمأمون، و شغله الشاغل هو أن ينقطع الامام «عليه السلام»، و لو في مسألة واحدة، كما كان دأبه مع أبيه الرضا «عليه السلام» من قبل..

التقديرات المأمونية سراب

و مهما يكن من أمر: فلقد كانت التقديرات المأمونية، و العباسية من ورائها، تتجه نحو الاعتقاد بأن ما جري علي لسان هذا الطفل في قضية البازي الأشهب، ربما كان رمية من غير رام، أو احتمال أن يكون لديه خبر بذلك عن آبائه «عليهم السلام»، كما ألمح اليه هو نفسه في جوابه للمأمون في تلك الواقعة حسبما تقدم.. [ صفحه 124] فما عليهم لو طرحوا عليه مسألة صعبة و دقيقة، لا تدرك بالعقل، بل تحتاج الي تعليم، فان هذا الطفل قد فارق أباه مدة، و لم يقض مع أبيه مدة يمكنه فيها تلقي العلوم و المعارف الكافية من أبيه، و كان بحسب ما ألفوه، غير قادر علي استيعاب جميع ما يلقي اليه من علوم و معارف.

اخطر مؤامرة

و اذا عجز هذا الامام الصغير السن علي مسألة من مسائل يحيي بن أكثم الصعبة، بمحضر من الأعيان، و القواد، و الحجاب و غيرهم، فلسوف يظهر للناس جميعا: أن امام الشيعة، و قائدهم طفل صغير، لا يعقل، و لا يعلم شيئا، و أن ما يدعونه في أئمتهم، انما هو زخرف باطل، و ظل زائل، لا حقيقة له، و لا واقع وراءه.. نعم.. و قد جاءت صياغة هذا الحدث بنحو طريف و لافت، يعطي المأمون الفرصة و المبرر للامتناع عن تسليم الامام الجواد «عليه السلام» زوجته، التي كان قد عقد له عليها منذ سنوات، أو لا أقل كان قد سماها له في احتفال عام، و في حدث نادر لم يبق أحد في الدولة الاسلامية المترامية الأطراف الا و قد عرف به، و تعجب منه، و تتبع أخباره بدقة و حساسية متناهية.. و اذا استطاع أن يجد المبرر الآن للامتناع عن تسليم ابنته

الي هذه الرجل - الذي يدين شطر هذه الأمة بامامته - فان ذلك لسوف يشيع بين الناس، و في جميع الأقطار، و لاسيما بملاحظة نوع الحضور في ذلك الاجتماع، و أهميتهم، و سعة نفوذهم، و سيصبح حديث كل الندوات و المحافل: أن امام الشيعة قد حرم من زوجته، و هي ابنة أعظم رجل في العالم الاسلامي، [ صفحه 125] و يهتم الناس كلهم بكل ما يتفق له، أو معه، و يصدر عنه، و بيده كل أجهزة الاعلام و التشهير.. و لسوف يبررون لهم هذا الحرمان، بأن سببه هو عي، و جهل هذا الامام في أعظم ما يدعيه لنفسه، و يدعيه له كل أتباعه و محبيه. ولكن أجوبة الامام «عليه السلام» الجامعة والدقيقة، و القاطعة، قد قطعت الطريق علي المأمون، و علي بني أبيه، و جعلت الأمور تسير في غير صالحه، و علي خلاف ما يريد، و بالذات في الاتجاه المضاد لرغباته و ميوله.

الناس يدركون سوء النوايا

واللافت هنا: أننا نلاحظ: أن الناس، حتي من غير الشيعة، كانوا يدركون سوء نوايا السلطة في قصة تزويج الامام ببنت المأمون، و يعلمون أنها انما تدبر للقضاء علي الامام «عليه السلام»، و التخلص منه، فيحدثنا الحسين بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن حمزة الهاشمي، عن علي بن محمد، أو محمد بن علي الهاشمي، قال: «دخلت علي أبي جعفر «عليه السلام» صبيحة عرسه، حيث بني بابنة المأمون، و كنت تناولت من الليل دواء، فأول ما دخل عليه في صبيحته أنا، و قد أصابني العطش، و كرهت أن أدعوا بالماء، فنظر أبوجعفر «عليه السلام» في وجهي و قال: أظنك عطشانا. فقلت: أجل. فقال: يا غلام، أو جارية، أسقنا ماء. [ صفحه 126] فقلت في نفسي: الساعة

يأتونه بماء يسمونه به، فاغتممت لذلك، فأقبل الغلام و معه الماء.. فتبسم في وجهي، ثم قال: يا غلام ناولني الماء. فشرب، ثم ناولني فشربت و أطلت عنده، فعطشت، و كرهت أن أدعوا بالماء، ففعل ما فعل بالأولي. فلما جاء الغلام و معه القدح، قلت في نفسي مثل ما قلت في الأولي، فتناول القدح، ثم شرب، فناولني و تبسم.. قال محمد بن حمزة: فقال لي محمد بن علي الهاشمي: والله، اني أظن أن أباجعفر يعلم ما في النفوس، كما يقول الرافضة» [99] .

العقرب تعود من جديد

و لم يقف الأمر عند حد ما جري بين الامام «عليه السلام» و المأمون و العباسيين، و لا عند حد ما جري بين الامام و المأمون و يحيي بن أكثم، حينما أراد أن يقطع الامام ولو في مسألة واحدة.. بل عادت العقرب للظهور من جديد، في ثوب يحيي بن أكثم ليطرح مسائله علي الامام. و كأني به «عليه السلام» يبتسم آنئذ بمرارة و سخرية، و لسان حاله يقول: [ صفحه 127] ان عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة و قد كان «عليه السلام» يعلم: أن هذه المحاولات ستزيد المأمون خزيا و حقدا.. و قد جاءت الأسئلة هذه المرة ذات طعم خاص، و نكهة خاصة، اذ انها ترتبط بفضائل أبي بكر و عمر - و ذلك بحضور جماعة كثيرة، و فيهم المأمون نفسه.. فقد روي: أن المأمون بعد ما زوج ابنته أم الفضل أباجعفر «عليه السلام»، كان في مجلس، و عنده أبوجعفر «عليه السلام»، و يحيي بن أكثم و جماعة كثيرة، فقال له يحيي بن أكثم: ما تقول يابن رسول الله في الخبر الذي روي أنه: «نزل جبرئيل «عليه السلام» علي رسول الله «صلي الله عليه و آله»، و قال:

يا محمد، ان الله عزوجل يقرؤك السلام، و يقول لك: سل أبابكر، هل هو عني راض، فاني عنه راض؟!». فقال أبوجعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله «صلي الله عليه و آله» في حجة الوداع: لقد كثرت علي الكذابة، و ستكثر بعدي، فمن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده في النار، فاذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به.. و ليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان [ صفحه 128] و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [100] فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتي سأل عن مكنون سره؟! هذا مستحيل في العقول.. ثم قال يحيي بن أكثم: و قد روي: أن مثل أبي بكر و عمر في الأرض، كمثل جبرئيل و ميكائيل في السماء؟! فقال: و هذا أيضا يجب النظر فيه، لأن جبرئيل و ميكائيل ملكان لله، لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد أشركا بالله عزوجل، و ان أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما.. قال يحيي: و قد روي أيضا: أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟ فقال «عليه السلام»: و هذا الخبر محال أيضا، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل.. و هذا الخبر وضعه بنوأمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله «صلي الله عليه و آله» في الحسن و الحسين «سيدا شباب

أهل الجنة».. فقال يحيي بن أكثم: و روي: أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة. فقال «عليه السلام»: و هذا محال أيضا، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم، و محمد، و جميع الأنبياء و المرسلين، لا تضي ء الجنة بأنوارهم حتي تضي ء بنور عمر؟! [ صفحه 129] فقال يحيي: و قد روي: أن السكينة تنطق علي لسان عمر. فقال «عليه السلام»: لست بمنكر فضائل عمر، ولكن أبابكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: «ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني».. فقال يحيي: قد روي أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: لو لم أبعث لبعث عمر. فقال «عليه السلام»: كتاب الله أصدق من هذا الحديث،يقول الله في كتابه: (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح) [101] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه؟! و كل الأنبياء لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك، و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله.. و قال رسول الله «صلي الله عليه و آله»: نبئت و آدم بين الطين و الجسد. فقال يحيي بن أكثم: و قد روي: أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: ما احتبس عني الوحي قط الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب. فقال «عليه السلام»: و هذا محال، لأنه لا يجوز آن يشك النبي «صلي الله عليه و آله» في نبوته، قال الله تعالي: (الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس) [102] فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالي الي من أشرك به؟! [ صفحه 130] قال يحيي: روي أن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: لو نزل العذاب لما نجا

منه الا عمر.. فقال «عليه السلام»: و هذا محال أيضا: لأن الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون) [103] فأخبر سبحانه أنه لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله «صلي الله عليه و آله»، و ما داموا يستغفرون.. [104] .

يحيي بن أكثم اداة أيضا

و نعتقد: أن يحيي لم يكن ليجرؤ علي أمر كهذا بحضور المأمون، لو لم يكن يعلم برضاه به، و موافقته عليه.. بل انه قد كان من الأعراف السائدة، أن لا يبادر أحد الي أي تصرف في مجلس الخليفة، الا باذن صريح منه، و بدون ذلك فانه يعرض نفسه للعقاب.

الأسئلة تحريضية

و نحن اذا أخذنا مكانة أبي بكر، و عمر في الناس بنظر الاعتبار من جهة، و أخذنا بنظر الاعتبار أيضا: أن الامامة لأهل البيت «عليهم السلام» معناها رفض امامة غيرهم و اعتبارهم معتدين و غاصبين، فاننا نعرف أن طرح هذه الأسئلة علي الامام «عليه السلام» قد جاء في سياق خطة تحريضية ماكرة و خبيثة، و ذلك لأن الامام «عليه السلام»، اذا قبل بتلك [ صفحه 131] الكرامات و الفضائل، التي تنسب الي أبي بكر و عمر، فانه يكون قد نقض الأساس الذي تقوم عليه امامته و امامة آبائه الطاهرين. كما أن الكثيرين من شيعته و أتباعه لسوف يرتابون بالأمر، لعلمهم بأن ذلك خلاف ما عرفوه عنه و عن آبائه «عليهم السلام»، و خلاف ما ثبت لديهم في هذا المجال.. و قد لا يمكنهم تفسير ذلك علي أساس مبدأ العمل بالتقية، لأنهم يرون أنه في موضع القوة، و يرون أن المأمون معه و الي جانبه، و هذا سوف يوقعه في تناقض صريح معهم. أضف الي ذلك: أن أتباع الخلفاء سوف يعتبرون هذا نصرا لهم، و سيتمكنون من خداع الكثيرين بهذا الاعتراف الصريح.. و اذا أنكر تلك الفضائل وردها، فان عامة الناس و أرباب سائر الفرق، سوف يثورون ضده، و لعل ذلك يتم بتحريض خفي من المأمون نفسه، و قد لا يرضيهم حينئذ ابعاده عن موقعه، الذي تري السلطة نفسها مضطرة لأن تضعه

فيه..فيطالبون بما هو أشد و أعظم، و أخطر و أدهي، ليس بالنسبة لشخص التقي الجواد «عليه السلام» و حسب، و انما بالنسبة لكل أتباعه و محبيه في سائر الأقطار و الأمصار.. ولكننا نجد الامام «عليه السلام» قد استطاع في اجابته علي تلك الأسئلة أن يحتفظ بخطه الصحيح و يعطي رأيه الصائب في الأمور التي طرحت عليه من جهة، و أن يسد الطريق أمام ظهور أي تشنج غير مسؤول، سواء علي مستوي العامة من الناس، أم علي مستوي أهل العلم و المعرفة، الذين يخالفونه في الرأي في هذه المسائل، من جهة أخري. [ صفحه 132] بالاضافة: الي أنه لم يبق أي مجال لاستغلال غير مسؤول، من قبل من كانوا يترصدون الفرصة لذلك.. و علي رأسهم المأمون العباسي بالذات.. حيث انه عليه الصلاة والسلام قد طرح القضية بشكل علمي هادي ء، قائم علي الاستدلال والمنطق، الذي لن يجد أحد عنه محيصا، مع التركيز علي التهذيب في الكلمة، و الرصانة في التعبير، و في الأسلوب و السجاحة و السماحة في الأخلاق..

انحسار ظاهرة المناظرات

و نلاحظ أخيرا: أننا لم نجد لتلك المناظرات العلمية، التي كان المأمون يهتم بها في عهد الرضا عليه الصلاة والسلام بما لا مزيد عليه، لا نجد لها أثرا في عهد الامام الجواد «عليه السلام»، سوي هذه الأحداث الثلاثة التي أشرنا اليها آنفا، و أنها قد جرت بين يحيي بن أكثم و الامام الجواد عليه الصلاة والسلام، باغراء من المأمون نفسه، علنا تارة، و في الخلفاء أخري. و ربما يكون التاريخ - بسبب قدم العهد - قد أخفي عنا شيئا من ذلك، ولكنه لابد أن يكون يسيرا جدا، لا يمكن أن يقاس بالسنوات الكثيرة التي عايش فيها الامام المأمون.. فلماذا اختفت

رغبة المأمون بجمع العلماء، و اقامة مجالس المناظرة مع الأئمة «عليهم السلام»؟!، واختفي معها ما كان يتظاهر به من حب العلم و العلماء، فجأة، و بفعل ساحر، و بصورة تامة و نهائية، فسبحان الله، مقلب القلوب و الأفئدة، و المطلع علي السرائر، و ما تكنه الضمائر!! نعم سبحان الله، علام الغيوب!! [ صفحه 133] و ستار العيوب!! و كاشف الكروب!!

قد يخدع السراب

و بعد كل ما تقدم.. فاننا نشير الي أن البعض قال: «قصد المأمون من عقد مجالس المناظرة مع الامام الرضا «عليه السلام» لزعزعة مركزه، ليهبط به، بينما كان قصده من المناظرة مع الامام أبي جعفر «عليه السلام»: أن يظهر للملأ فضله..» [105] . و هو قول لا يستند الي أساس قوي، و لا يعتمد علي ركن وثيق، فان المأمون كان هو المأمون، لم يتغير، و لم يتبدل، فلم يكن يوما شيطانا، و يوما انسانا.. بل كان أحدهما فقط في يوميه معا، و الوقائع و الأحداث التي سبقت و تلت، هي التي تثبت أيهما كان!! و مهما يكن من أمر: فقد غر ظاهر المأمون كثيرين من أرباب العلم و الفضل، فتوهموا: أنه انما كان يكرم الامام التقي الجواد «عليه السلام» علي الحقيقة، و أنه كان يعتقد بفضله، و علمه، و أنه كان يوده و يحبه، حتي أحله محل مهجته الخ.. علي حد تعبير بعضهم [106] . [ صفحه 134] مع أنه قد مر التصريح منه أكثر من مرة بما ينم عن دخيلة نفسه، و يؤكد سوء نيته، كما في قصة البازي الأشهب، و حديث طلبه من ابن أكثم أن يقطع الامام ولو في مسألة واحدة، و أنه احتال عليه بكل حيلة، و غير ذلك..

عقد ذنب البرذون

ولكن الامام «عليه السلام» لم يزل يظهر الناس ما يدلهم علي أن له شأنا عظيما، و أن لديه علوما خاصة به، ليست لدي أحد غيره، ليؤكد لهم أمر امامته «عليه السلام» عن هذا الطريق، حتي لقد روي أبوسليمان، عن صالح بن داود اليعقوبي، قال: لما توجه في استقبال المأمون الي ناحية الشام، أمر أبوجعفر «عليه السلام»، أن يعقد ذنب دابته، و ذلك في يوم صائف شديد الحر، لا يوجد

الماء، فقال بعض من كان معه: لا عهد له بركوب الدواب، فان موضع عقد ذنب البرذون غير هذا.. [107] . قال: فما مررنا الا يسيرا حتي ضللنا الطريق بمكان كذا، و وقعنا في وحل كثير، ففسد ثيابنا و ما معنا، و لم يصبه شي ء من ذلك.. [108] . و لا شك في أن هذا الأمر سوف يلفت نظر من معه و غيرهم، الي أن استقباله للمأمون لا يعني أن المأمون امتيازا عليه، بل هو يدخل في نطاق التصرفات الاضطرارية للامام بالحق، تجاه متعد، غاصب، جبار.. [ صفحه 135]

المولود المبارك

هذا.. ولكن رغم كل تلك المؤامرات و الدسائس الرامية الي الحط من الامام الجواد «عليه السلام» في المناسبات المختلفة، فان الامام صلوات الله و سلامه عليه قد بقي القمة الشامخة، التي لم تنل منها العوادي، و لم تدنسها أهواء المبطلين، حتي ليقول النص التاريخي: «احتال المأمون علي أبي جعفر «عليه السلام» بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شي ء» [109] . نعم.. لم يمكنه من شي ء، و كان «عليه السلام» يزداد عظمة و تألقا، و يزيد أمره تجذرا و رسوخا، بشكل مرعب و مخيف لطلاب الدنيا، و علي رأسهم المأمون و العباسيون، و من تابعهم، و شايعهم، و قد استطاع «عليه السلام» أن يجتاز بالامامة و الأمة ذلك المخاض الصعب و المجهد، التي تعرضت له، علي أحسن و أفضل ما يمكن، فركز دعائم الدين، و أقام الحجة، و أنار السبيل للمدلجين. و تجسد فيه قول أبيه الامام المعصوم، علي بن موسي الرضا صلوات الله و سلامه عليه بصورة تامة و جلية: «هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام أعظم بركة منه» [110] . و علي حسب نص آخر: «هذا المولود، الذي لم يولد

مولود أعظم علي [ صفحه 136] شيعتنا بركة منه» [111] . كما أننا نقرأ في زيارته عليه الصلاة والسلام: «هادي الأمة، و وارث الأئمة، و خازن الرحمة، و ينبوع الحكمة، و قائد البركة، و عديل القرآن في الطاعة، و واحد الأوصياء في الاخلاص و العبادة. و حجتك العليا، و مثلك الأعلي، و كلمتك الحسني، الداعي اليك، و الدال عليك، الذي نصبته علما لعبادك، و مترجما لكتابك، و صادعا بأمرك، و ناصرا لدينك، و حجة علي خلقك، و نورا تخرق به الظلم، و قدوة تدرك بها الهداية، و شفيعا تنال به الجنة الخ..» [112] . نعم.. و لم يزل أمر الامام «عليه السلام» يعلو، و نجمه يتألق، حتي أصبح - علي صغر سنه - يقر له بالعلم و الفضل المؤالف و المخالف، و العدو و الصديق. و لربما تكون تلك المجالس التي كانت السلطة وراء اقامتها قد ساهمت في اظهار علمه و فضله، و انتشار صيته «عليه السلام» الي حد بعيد.. و من يراجع حادثة التزويج يجد الثناء العظيم عليه - و كان عمره آنئذ تسع سنين - حيث يذكر المأمون أيضا: أنه «انما اختاره لتميزه علي كافة أهل [ صفحه 137] الفضل علما، و معرفة، و حلما، علي صغر سنه». كما أنه: «لم يزل مشغوفا به، لما ظهر له بعد ذلك من فضله و علمه، و كمال عظمته، و ظهور برهانه، مع صغر سنه» [113] . و قال سبط ابن الجوزي: «و كان علي منهاج أبيه في العلم، و التقي، و الزهد، و الجود» [114] . كما أن الجاحظ المعتزلي العثماني النزعة، و المنحرف عن الامام علي «عليه السلام» و أهل بيته الأطهار، والذي كان يعيش في البصرة، كان

طويل الباع، و واسع الاطلاع، و قد كتب في كثير من الفنون، التي كانت شائعة في عصره، والذي كان معاصرا للامام الجواد، و لأبنائه من بعده «عليهم السلام».. الجاحظ هذا - قد جعل الامام الجواد عليه الصلاة والسلام: «من الذين يعد من قريش، أو من غيرهم، ما يعد الطالبيون في نسق واحد، كل واحد منهم: عالم زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، فمنهم خلفاء، و منهم مرشحون: ابن ابن، ابن ابن، هكذا الي عشرة، و هم: [ صفحه 138] الحسن بن علي، بن محمد، بن علي، بن موسي، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي. و هذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب، و لا من العجم الخ..» [115] . و قال علي جلال الحسيني: «برز علي أهل زمنه في العلم، و الفضل، مع صغر سنه» [116] . و قال محمود بن وهيب البغدادي الحنفي: «و هو الوارث لأبيه علما و فضلا، و أجل اخوته قدرا و كمالا» [117] . و كلمات العلماء في هذا المجال كثيرة لا مجال لتتبعها [118] .

شغف أهل بغداد بالامام الرضا

و علي كل حال.. فلقد كان «عليه السلام» مورد تقدير و عناية الخاص و العام، و بلغ من حب الناس له، و شغفهم به، و تشويقهم الي رؤية طلعته البهية، و أنواره القدسية، أنه كان اذا خرج الي شوارع العاصمة - عاصمة الخلافة - بغداد، يتراكض الناس من هنا و هناك، و يتشرفون، و يقفون لرؤيته.. [ صفحه 139] الأمر الذي يعطي: أن رؤيته «عليه السلام» كانت تعتبر حدثا هاما بالنسبة اليهم... قال قاسم بن عبدالرحمن - و كان زيديا - «خرجت الي بغداد، فبينا أنا بها، اذ رأيت الناس يتعادون، و

يتشرفون، و يقفون. فقلت: ما هذا؟! فقالوا: ابن الرضا. ابن الرضا. فقلت: والله، لأنظرن. فطلع علي بغل أو بغلة. فقلت: لعن الله أصحاب الامامة، حيث يقولون، ان الله افترض طاعة هذا. فعدل الي، و قال: يا قاسم بن عبدالرحمن، (أبشرا منا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال و سعر) [119] . فقلت في نفسي: ساحر والله.. فعدل الي فقال: (أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر) [120] . قال فانصرفت، و قلت بالامامة، و شهدت أنه حجة الله علي خلقه واعتقدت الخ..» [121] . [ صفحه 143]

المعتصم: في أسلوبه الغبي، والجبان

الهم الأول للمعتصم

و أخيرا.. فاننا نجد المعتصم العباسي، بمجرد أن بويع له بالخلافة، توجه نحو الامام الجواد «عليه السلام» «و جعل يتفقد أحواله، فكتب الي عبدالملك الزيات: أن ينفذ اليه التقي، و أم الفضل، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين [122] اليه، فتجهز، و خرج الي بغداد. فأكرمه، و عظمه، و أرسل أشناس بالتحف اليه، و الي أم الفضل» [123] . و كان استقدام المعتصم له في أول السنة التي توفي بها «عليه السلام».. [124] . [ صفحه 144] و هذا.. ان دل علي شي ء، فانما يدل علي أن نفوذ الامام عليه الصلاة والسلام، كان قد اتسع و تعاظم بحيث جعل المعتصم، يبادر فور بيعته الي تفقد أحواله «عليه السلام» و رصدها.. و أخيرا.. فلا يجد حيلة الا أن يستقدم الامام «عليه السلام» اليه، لنفس الأهداف التي سبق أن دعت المأمون لاستقدامه و أبيه عليهما الصلاة والسلام من قبل..

للامام أسلوبه مع أوليائه

و لسنا نشك: في أن المعتصم العباسي كان يخشي من نفوذ الامام «عليه السلام».. حيث انه رغم كل ما كان يعتبره مزايا ضعف، قد استطاع «عليه السلام» أن يجعل منه مزايا قوة، و أن يجد حتي في رجالات الدولة، من يتفاني في حبه، و يطفح قلبه بالتشيع له.. فقد روي الكليني عن: «محمد بن يحيي، و محمد بن أحمد، عن السياري، عن أحمد بن زكريا الصيداني، عن رجل من بني حنيفة، من أهل بست و سجستان، قال: رافقت أباجعفر في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم، فقلت له، و أنا معه علي المائدة، و هناك جماعة من أولياء السلطان: ان والينا - جعلت فداك - رجل يتولاكم أهل البيت و يحبكم، و علي في ديوانه خراج، فان رأيت جعلني الله فداك، أن تكتب اليه بالاحسان

الي؟! فقال: لا أعرفه. فقلت: جعلت فداك، انه علي ما قلت، من محبيكم أهل البيت، [ صفحه 145] و كتابك ينفعني عنده. فأخذ القرطاس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد.. فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا، و انما لك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن الي اخوانك. واعلم أن الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل. قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر الي الحسين بن عبدالله النيسابوري، و هو الوالي، فاستقبلني علي فرسخين من المدينة، فدفعت اليه الكتاب، فقبله، و وضعه علي عينيه، و قال لي: حاجتك؟ فقلت: خراج علي في ديوانك. قال: فأمر بطرحه عني، و قال: لا تؤد خراجا ما دام لي عمل، ثم سألني عن عيالي، فأخبرته بمبلغهم، فأمرلي و لهم بما يقوتنا و فضلا. فما أديت في عمله خراجا ما دام حيا، و لا قطع عني صلته حتي مات..» [125] . و يلاحظ هنا: أولا: مدي فناء هذا الرجل في محبة الامام الجواد «عليه السلام»، و أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم.. ثانيا: انه «عليه السلام» قد أنكر في بادي ء الأمر معرفته به، و لعله من [ صفحه 146] أجل الحفاظ عليه، حيث يعلم: أن في مجلسه من هو من موالي السلطان و جواسيسه. ثالثا: انه «عليه السلام» لم يأمر في رسالته ذلك العامل بشي ء خاص، و انما وعظه و خوفه من حساب الله سبحانه، و عرفه أن ما يجديه من عمله هو ما أحسن فيه، كما أنه قد أشار في الرسالة الي أن ذلك الرجل هو الذي نقل عنه ذلك المذهب الجميل، و لم يضف الي ذلك ما يفيد صحة ما نقل له عنه..

التزوير المعتصمي

و ذلك كله

هو الذي يوضح لنا: سر اهتمام المعتصم برصد حركات الامام «عليه السلام»، ثم استقدامه اليه ليكون علي مقربة منه.. كما أن ذلك يجعلنا لا نستغرب عليه أن يبذل محاولة تزويرية، تهدف الي تبرير الايقاع بالامام «عليه السلام»، ولكن السحر ينقلب علي الساحر، فيبوء بالفشل الذريع، و يمني بالخيبة القاتلة.. و تتلخص هذه المحاولة التزويرية الرخيصة في: «أن المعتصم دعا جماعة من وزرائه، فقال: اشهدوا لي علي محمد بن علي، بن موسي زورا، واكتبوا: أنه أراد أن يخرج.. ثم دعاه، فقال: انك أردت أن تخرج علي! فقال: والله، ما فعلت شيئا من ذلك.. قال: ان فلانا و فلانا شهدوا عليك.. فأحضروا، فقالوا: نعم. هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك الخ..». [ صفحه 147] ثم تذكر الرواية: أن الامام عليه الصلاة والسلام دعا عليهم، فأخذ البهو يموج بهم، فطلب المعتصم منه أن يدعو الله لتسكينه، ففعل، فسكن [126] .

الظلم و الظالمون

ولكنه رغم كل مضايقاتهم، فان الامام «عليه السلام» لا يتزحزح قيد أنملة عن موقفه الذي يرفض الخضوع لحكام الجور، و يرفض مختلف أشكال التعامل معهم: و قد روي عن خيران الخادم القراطيسي أنه قال: «و كان الريان بن شبيب قال لي: ان وصلت الي أبي جعفر «عليه السلام»، قلت له: مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام، و يسألك الدعاء له و لولده.. [فذكرت له ذلك]: فدعا له، و لم يدع لولده.. فأعدت عليه، فدعا له، و لم يدع لولده.. فأعدت عليه ثالثا، فدعا له، و لم يدع لولده.. فودعته و قمت.. فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه، و لم أفهم ما قال، و خرج الخادم في أثري، فقلت له: ما قال سيدي لما قمت؟ فقال لي: قال: من هذا الذي يري

أن يهدي نفسه؟ [ صفحه 148] هذا ولد في بلاد الشرك، فلما أخرج منها سار الي من هو شر منهم، فلما أراد الله أن يهديه هداه..» [127] . فهو يرفض الدعاء لهذا الشخص، لمجرد أنه مع الظالمين، و هو يري أن هؤلاء الظالمين أشر من أهل الشرك في بلاد الشرك!! فكم كان يعاني صلوات الله و سلامه عليه، من أذي في تلك الأجواء التي كان يسعي أولئك الظالمون لاثارتها من حوله.. هذا.. و يلاحظ: أنه «عليه السلام» لا يزال يلمح و يصرح بادانة الظلم، والظالمين، و المعينين لهم، و الراضين بظلمهم، فقد روي «عليه السلام» عنه أنه قال: «العامل بالظلم، و المعين له، و الراضي به، شركاء» [128] . و قال: «يوم العدل علي الظالم أشد من يوم الجور علي المظلوم» [129] .

نعم القادر الله

و غني عن البيان: أن الحركة السياسية للأئمة «عليهم السلام»، لا تقتصر علي بعض المواقف القوية التي تختزن الكثير من التصميم علي مواجهة أخطار التحدي للسلطة، و لركائزها السياسية العقائدية.. [ صفحه 149] بل يتعدي ذلك ليطبع حياتهم كلها بطابع الجهاد، و لتكون كل كلماتهم و مواقفهم، و كل أسلوب حياتهم زاخرا بالمعاني، غنيا بالمعطيات، حتي أكلهم و شربهم، و مشيهم، و ركوبهم، و لبسهم، في ألوانه، و في تكوينه، و حتي ألقابهم، و حتي في نقش خواتيمهم. و قد كتبنا عن نقش خاتم الامام الجواد «عليه السلام»، ما يلي: «بعد أن تمكن المأمون من تغيير مجريات الأمور لصالحه، و لصالح تثبيت دعائم الحكم العباسي، عن طريق اجبار الامام الرضا «عليه السلام» علي قبول ولاية العهد، و بيعة الناس له «عليه السلام» بها.. ثم تمكنه من تصفية الامام «عليه السلام» جسديا بدس السم اليه.. و بعد أن أخمدت

الثورات، و خنقت جميع الأصوات، و عادت المياه الي مجاريها بين المأمون و بني أبيه العباسيين، فان من الطبيعي أن يشعروا (المأمون، و العباسيون، و أعوانهم): أنهم قد حققوا غاية آمالهم، و حصلوا علي أعز و أغلي أمنياتم، ألا و هي تثبيت دعائم ملكهم، و ترسيخ أركان سلطانهم، و أنه لم يعد ثمة أية قوة تستطيع أن تقف في وجه جبروتهم، و مقابل فاحش طغيانهم... بعد كل ذلك نلاحظ: أن نقش خاتم الامام الجواد «عليه السلام»، يتحدي كل تصوراتهم تلك، و يدين جميع مظاهر بغيهم و ظلمهم، فيكون هو: «نعم القادر لله».. و هذا هو نفس نقش أحد الخواتيم التي كانت لأميرالمؤمنين «عليه السلام»، من قبل، في ظروف لا تبتعد عن ظروف حفيده صلوات الله [ صفحه 150] و سلامه عليهم أجمعين..

متي الفرج؟

و في عودة منا لسياق الحديث نقول: ان مضايقات السلطة لأبي جعفر «عليه السلام» كانت لا تطاق، حتي لقد روي عن ابن بزيع العطار، قال: قال أبوجعفر «عليه السلام»: الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا. قال: فنظرنا، فمات «عليه السلام» بعد ثلاثين شهرا.. [130] . فاذا كان «عليه السلام»، يري أن في الموت فرجا، فان ذلك يفسح المجال أمام تصوراتنا لحقيقة المعاناة التي كان يكابدها الامام «عليه السلام»، مع هؤلاء الظالمين..

الأسلوب الجبان

قلنا: ان السلطة قد أدركت: أن اغتيال الامامة عن طريق افراغها من محتواها العلمي، باعتماد أسلوب الحجاج و الخصام، قد أفاد في تعزيز دعوة أهل البيت «عليهم السلام»، و خطهم، بدل أن يكون الأمر علي عكس ذلك.. و قد ظهر لهم: أن السلطة، باعدادها أجواء الحجاج هذه، انما كانت تبحث عن حتفها بظلفها، و تهي ء أسباب انتشار الدعوة و رسوخها، و تعريف الناس بها و بخصائصها.. [ صفحه 151] الأمر الذي ينذر بالخطر الداهم، و يبشر بالخسران المبين و العظيم لها، ليس فقط في مجال الحجاج، القائم علي العقل و الفكر، و المنطق، و البرهان، بل هو سوف يؤثر علي قدرتها علي مواجهة هذا الاتجاه فيما سوي ذلك من مجالات، و لاسيما في المجال السياسي.. و أدركت كذلك.. أن اعتماد أسلوب اغتيال شخصية الامام «عليه السلام»، و قدسيته من النفوس، و هدر كرامته بالشائعات، و الاتهامات، لا يجدي كثيرا..بل هو ربما يكون قد ساعد في اظهار الكثير من الخصائص و المزايا، التي يهتم الحكام بطمسها، و التعتيم عليها بكل ما يقدرون عليه.. و هي أيضا: قد فشلت في عملية التزوير و الافتراء علي الامام «عليه السلام»، بهدف ايجاد المبرر للتخلص منه بشكل علني و سافر، علي النحو الذي يسمح بملاحقته بعد ذلك بحملة اعلامية

مركزة، لتشويه سمعته، و النيل من قداسته في نفوس الناس.. بعد كل هذا و سواه: اتجهت السلطة المتمثلة بشخص المعتصم العباسي لعنةالله - بعد أن رأي كيف أن كيدهم، و مكرهم، قد عاد اليهم، و أن ما دبروه قد انقلب عليهم - اتجهت الي التفكير و التخطيط للتخلص منه عليه الصلاة والسلام، بتلك الطريقة الجبانة، التي انتهجها الأسلاف الجبارون مع سلفه الصالح.. ألا و هي دس السم اليه صلوات الله و سلامه عليه.. حيث انها هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم الاعتماد عليها، من دون أن تعرضهم لمشاكل و لأخطار ربما لا يتمكن الحكم من الصمود أمامها، أو من تجاوزها بيسر و سهولة.. [ صفحه 152]

السبب المباشر للاغتيال

و يذكرون: أن السبب المباشر للاغتيال، هو ما ذكره ابن أبي دؤاد للمعتصم، من أنه قال للمعتصم حينما رجع الي قول الامام الجواد «عليه السلام»، في مسألة قطع يد السارق، و ترك أقوال الفقهاء الآخرين.. «ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته، و يدعون: أنه أولي بمقامه، ثم يحكم بحكمه، دون حكم الفقهاء؟! قال: فتغير لونه، وانبته لما نبهته له».. ثم تذكر الرواية: أن المعتصم قد دس السم الي الامام «عليه السلام» في اليوم الرابع [131] . و بعد.. فان من الطبيعي: أن لا تنظر السلطة لهذه القضية العقائدية الخطيرة بعين الرضا و القبول، و أن تسعي لعرقلة جهود أصحابها و معتنقيها لنشر فكرهم، و التبشير بمبادئهم و عقائدهم.. بل ستجد نفسها مندفعة بقوة و حماس نحو مقاومة هذه العقيدة، و محاربتها، و محاربة معتنقيها، و الدعاة اليها، بمختلف الوسائل و الأساليب التي تقع تحت اختيارها، و تتمكن من الاستفادة منها، بشكل أو بآخر.. لأن قضيتها معها تصبح قضية

مصير، و حياة أو موت.. أما بالنسبة للرمز الذي يمثل هذه العقيدة، فسوف لن يهنأ لها عيش، و لن يقر لها قرار، الا بعد القضاء عليه قضاء مبرما و نهائيا، و محوه و كل آثاره [ صفحه 153] عن صفحة هذا الوجود، ما وجدت الي ذلك سبيلا..

الوسيلة.. والأداة

و كانت الوسيلة و الأداة التي استخدمها المعتصم العباسي في ذلك هي: بنت المأمون بالذات، [132] والتي كانت زوجة الامام «عليه السلام»، و الرقيب لهم عليه، كما يظهر.. و كانت العدة التي ادخروها للقيام بمثل هذه المهمة و تنفيذها بدقة، و بأمانة، و في الوقت المناسب.. و اذا كانوا قد نجحوا في التكتم علي جريمتهم الي حد جعل الشيخ المفيد رضوان الله تعالي عليه، و هو الرجل العظيم و الدقيق النظر، يشك في اقدامهم علي هذه الجريمة النكراء.. حيث قال: «و قيل انه مضي مسموما، و لم يثبت عندي بذلك خبر فأشهد به».. [133] . فاننا نجد: أن الكثيرين أعلنوا بالفعل: أن أولئك الحكام قد اقترفوا هذه الجريمة. تصريحا تارة، و تلويحا أخري [134] . [ صفحه 154] بل لقد كان ذلك متوقعا منذ اللحظات الأولي للزواج، حسبما أسلفناه.. و قد بلغ وضوح هذا الأمر حدا أصبح الامام الجواد التقي عليه أفضل الصلاة والسلام يعد من جملة الثمانية أعداء، الذين قتلهم المعتصم - و قد سمي المثمن، لكثرة الثمانيات التي اتفقت له في حياته حسبما يقولون، و كانت هذه احداها.. يقول الصفدي، و ابن شاكر الكتبي: «و قتل ثمانية أعداء: بابك، و باطيش، و مازيار، و الأفشين، و عجيف، و قاروت، و قائد الرافضة، و رئيس الزنادقة» [135] . و قال ابن طاووس عليه الرحمة في دعاء كل يوم من

شهر رمضان: «اللهم صل علي محمد بن علي، امام المسلمين، و وال من والاه، و عاد من عاداه، و ضاعف العذاب علي من شرك في دمه. و هو المعتصم» [136] . [ صفحه 155]

كيف استشهد

و أما عن كيفية استشهاده فهناك روايات تقول انه سم علي يد زوجته أم الفضل بنت المأمون، بايعاز من عمها المعتصم نفسه.. ولكن بعض الروايات تقول: انه بعد أن استقدمه المعتصم، أنفذ اليه شراب حماض الأترج، تحت ختمه علي يدي أشناس، فقال: ان أميرالمؤمنين ذاقه، قبل أحمد بن أبي دؤاد، و سعيد بن الخضيب، و جماعة من المعروفين. و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج، و صنع في الحال، و قال، اشربها بالليل، و قال: انها تنقع باردا، و قد ذاب الثلج. و أصر علي ذلك. فشربها عالما بفعلهم [137] . و في نص آخر: أن ابن أبي دؤاد حرض المعتصم علي قتله، بعد قضية جرت، ترتبط بقطع يد السارق، حيث أقام الامام «عليه السلام» عليهم الحجة، و أخذ المعتصم بقوله دونهم. فقال ابن أبي دؤاد للمعتصم: «ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكمله بما أعلم أني أدخل به النار! قال: ما هو؟ قلت: جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضر مجلسه أهل بيته و قواده، و وزراؤه، و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته. [ صفحه 156] و يدعون أنه أولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه، دون حكم الفقهاء؟! قال: فتغير لونه، وانتبه لما نبهته له. و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا..

قال: فأمر اليوم الرابع فلانا، من كتاب وزرائه، بأن يدعوه الي منزله، فدعاه، فأبي أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم. فقال: اني انما أدعوك الي الطعام، و أحب أن تطأ ثيابي، و تدخل منزلي، فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان - من وزراء الخليفة - لقاءك.. فصار اليه، فلما طعم منها أحس السم، فدعا دابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خير لك. فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلفة [138] ، حتي قبض «عليه السلام» [139] . و لعل دس السم اليه «عليه السلام»، قد تكرر، و يمكن أن يكون المعتصم قد بذل المحاولات الثلاث في يوم واحد، لكي يتأكد لديه النجاح فيما يرمي اليه.. كما و يلاحظ: أن رواية أشناس لا تصرح بأنه «عليه السلام» قد استشهد نتيجة لشربه ذلك الشراب.. [ صفحه 157] و حول توهم وفاته «عليه السلام» في زمن الواثق راجع كتاب بحارالأنوار.. [140] فان ذلك ناشي ء عن صلاة الواثق عليه في ظاهر الحال، حسبما أشار اليه العلامة المجلسي رحمه الله تعالي..

كلام العلامة المظفر

و أخيرا: فقد قال العلامة الشيخ محمد حسين المظفر قدس الله نفسه: «و كان يجمع العلماء ليحاججوه، زعما منه: أن يجد له زلة، يؤاخذه فيها، أو يسقط مقامه بها. و زور عليه مرة كتبا تتضمن الدعوة لبيعته، فلا يكون مغبة ذلك، الا اعلاء شأن أبي جعفر، و اظهار الكرامة و الفضل له.. فكان المعتصم لا يزداد لذلك الا حنقا و غيظا، و لا يقوي علي كتمان ما يسره من الحسد و الحقد، فحبسه مرة، و ما أخرجه من السجن، حتي دبر الأمر في قتله، و ذلك أن قدم لزوجته ابنة المأمون سما، و حملها

علي أن تدفعه للامام، فأجابته الي ما أراد، فمات قتيلا بسم المعتصم. و عندما شاهدت أثر السم قد بان في بدن الامام تركته وحيدا في الدار، حتي قضي نحبه. و احتشدت الشيعة علي الدار، و استخرجوا جنازته، و السيوف علي عواتقهم، و قد تعاقدوا علي الموت، لأن المعتصم حاول أن يمنعهم عن تشييعه.. [ صفحه 158] و تعرف من مثل هذه الحادثة كثرة الشيعة ذلك اليوم في بغداد، و قوتهم علي المراس. و من كثرة الرواة منهم تعرف كثرة العلم فيهم. و من كثرة الحجاج و الجدال، لاسيما في الامامة تعرف قوة الحجة عندهم، و قوة الكفاح عن المذهب، واتضاح أمرهم» [141] .

اللمسات الأخيرة

و بعد كل ما تقدم.. فاننا علينا أن نسجل هنا الحقيقة التالية: و هي: أن الامام الجواد «عليه السلام» قد قام بأعظم المهمات و أخطرها.. ولو أنه لم يقم طول حياته الشريفة بأي نشاط آخر، سوي ما ذكرناه من تثبيت دعائم الامامة، و حفظ خط الوصاية و الزعامة في أهل البيت عليهم التحية والسلام.. لكفاه ذلك رفعة و فخرا، و عظمة و مجدا، علي مدي الدهور و العصور.. فان نفس عجزهم عن النيل من مقام امامته عليه الصلاة والسلام، و يبقي هو الزعيم و القائد، و الوصي و الامام و عدم تمكنهم من مواجهته في أعظم ما يدعيه، رغم صغر سنه، و رغم أنه لم يتلق العلوم و المعارف من [ صفحه 159] أحد من الناس سوي أبيه الذي عاش معه لفترة وجيزة جدا، حينما كان طفلا.. ان هذا كاف في المراد، و واف في المقصود.. كما أن نفس قبول الشيعة بهذا الأمر، و التزامهم به، و هم الطائفة التي تأخذ علي

نفسها أن تكون منسجمة كل الانسجام مع المنطق و العقل، و مع الدليل القاطع، و البرهان الساطع، مهما كانت الظروف، و أيا كانت النتائج.. نعم.. ان هذا و ذاك لهو من أعظم الأدلة علي أحقية هذا الخط، و علي سلامة هذا النهج، و علي وضوح هذا السبيل.. و حتي حينما عملوا علي قتله «عليه السلام»، بذلك الأسلوب العاجز و الجبان، و كان عمره الشريف لا يزيد عن خمس و عشرين سنة الا قليلا.. فان خليفته و وصيه، و القائم مقامه، هو الآخر يتولي هذا الأمر و هو صغير السن، بل كان عمره أقل من عمر أبيه حين تصدي لأمر الامامة.. فيقف ليتحداهم، و ليقهرهم، و يبهرهم، بنفس الحالة التي بهرهم و قهرهم بها أبوه من قبل.. ثم يتولي الامامة بعد ذلك: الامام الحجة «عليه السلام»، في سن أصغر من ذلك، حيث كان عمره خمس سنين فقط.. و يكون كل منهم «عليهم السلام» أعظم الدلالات، و أوضح السبل و المناهج، لتعريف الناس بمقام الامامة، الذي أراد أعداؤهم، و عملوا بكل ما في وسعهم لتعمية الدلالات عليه، و تشويش، و طمس السبل و المناهج اليه.. و قد كانت امامة الهادي، بعد الامام الجواد عليهماالسلام، تتحدي سلطانا غاشما، ظالما، متعصبا، لا يطيق ذكر الامام علي «عليه السلام» بخير [ صفحه 160] أبدا، و هو الذي حرث قبر الامام الحسين «عليه السلام»، و أجري عليه الماء، بهدف طمس معالمه، و ليعفي أثره، و كان منقادا لزعيم تيار أهل الحديث الذي يعتمد النصوص أساسا لحركته الفكرية و الايمانية، و قد كان هؤلاء في أوج قدرتهم و في عصرهم الذهبي، في ظل أكبر زعمائهم، و هو أحمد بن حنبل، تحميهم حراب سلطة لا تخاف الله في

أهل البيت «عليهم السلام»، و في شيعتهم، مع حرصهم الشديد و الأكيد علي التشكيك بالنصوص.. خصوصا ما كان منها في حق الامام علي و أهل بيته «عليهم السلام»، و بالأخص ما يثبت امامتهم صلوات الله و سلامه عليهم.. و قد كان الفلج لأئمتنا الأطهار «عليهم السلام» علي كلا هذين التيارين: تيار الاعتزال، و تيار أهل الحديث، و حيث كان التشيع في أضعف حالاته باعتقاد الناس، في أهم عنصر يقوم عليه، و هو عنصر الامامة... و ذلك لصغر سن أئمتهم «عليهم السلام».. ثم كان الاعتزال و أهل الحديث في أقوي حالاتهما، و في عصريهما الذهبيين، و في عهد عظماء أئمة الفريقين و مفكريهما، و حيث تتوفر كل الامكانات لهم، و هم تحت رعاية و حماية السلطة بكل عساكرها، وقواها المادية و المعنوية، و حيث يتوفر البطش و التعصب، و التسلح بالنص الديني المقدس، هو المسيطر في جانب أهل الحديث، و حيث يكون العقل و الحنكة و الحيلة و المكر، و السلطة و كل امكاناتها و رموزها، و عظماء النحلتين، هم المسيطرون و من ورائهم الشعب بكل طبقاته، و المذاهب، و النحل بجميع توجهاتها، في جانبهم.. [ صفحه 161] نعم... ان النجاح للشيعة في هذين الحالين سيكون الضمانة للنجاح في كل العصور و الدهور، و سيكون هو الانجاز الأعظم و الأفخم كما قلنا.. فاتضح: أن هذه القضية - و هي امامة التقي الجواد عليه الصلاة والسلام علي صغر سنه - كانت من أعظم القضايا، التي مهدت لتلك المفاجأة الكبري، التي تعرض لها الشيعة الامامية في قضية الامام المهدي عليه الصلاة والسلام، الذي أصبح اماما، و عمره لا يزيد علي الخمس سنوات، ثم غاب عنهم غيبته الصغري، ثم الكبري، عجل الله تعالي

فرجه، و سهل مخرجه، و جعلنا من أعوانه و أنصاره، و المجاهدين، و المستشهدين بين يديه، انه خير مأمول، و أكرم مسؤول.. و نعتقد: أن الرسول الأعظم «صلي الله عليه و آله»، هو الذي بدأ التمهيد لهذا الحدث الهائل، و ذلك حينما بايع الحسنين عليهما الصلاة والسلام في بيعة الرضوان - و لم يبايع صبيا غيرهما - حسبما ألمح المأمون اليه في كلامه المنقول عنه فيما تقدم.. و كذلك حينما أشهد الحسن «عليه السلام» علي كتاب لثقيف، ثم أخرجه النبي «صلي الله عليه و آله» مع أخيه «عليهماالسلام» للمباهلة مع نصاري نجران، و غير ذلك.. ثم تلا ذلك قضية استشهاد الزهراء البتول بهما صلوات الله و سلامه عليها و عليهما.. حسبما أوضحنا ذلك كله في كتابنا: «الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام».. فليراجعه من أراد.. وليكن هذا هو آخر كلامنا في ما يرتبط بالحياة السياسية للامام التقي [ صفحه 162] الجواد عليه الصلاة والسلام.. و نعتذر لعدم تمكننا من استيفاء الكلام في هذا المجال.. فان ذلك يحتاج الي توفر تام، و وقت طويل.. و ما لا يدرك كله، لا يترك جله.. والحمد لله، والصلاة والسلام علي محمد و آله الطيبين الطاهرين. [ صفحه 163]

كلمة ختامية

و بعد.. فقد كانت تلك دراسة موجزة، و سريعة جدا حول الحياة «السياسية للامام الجواد» عليه التحية والصلاة والسلام.. و يمكن أن يكون قد اتضح منها، ولو بشكل محدود، أهمية ما قام به هذا الامام العظيم من أثر في تثبيت قواعد الدين، و الحفاظ علي خط الامامة، و في التمهيد لذلك الحدث الكبير و العظيم، الذي تجسد بامامة الامام المهدي أرواحنا فداه، و هو صبي صغير السن، ثم غيبته الصغري و الكبري

عجل الله تعالي فرجه الشريف.. و اذا كانت ثمة أحداث كبري لا تنسي في حياة الأمة و الأئمة عليهم الصلاة والسلام، فان هذا الحدث لابد أن يكون منها، و في طليعتها أيضا، فانه لا يقل في أهميته عن هدنة الامام الحسن «عليه السلام» مثلا، و لا عن البيعة بولاية العهد للامام علي الرضا «عليه السلام» و لا عن غيرهما من الأحداث الهامة و الخطيرة.. و ذلك لأنه يرتبط مباشرة بالهيكلية العقائدية للأئمة و لهذه الطائفة، التي تدين باستمرار خط الامامة فيهم عليهم الصلاة والسلام.. و يمسها في الصميم. [ صفحه 164] نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لدراسة حياة الأئمة عليهم الصلاة والسلام من كافة جوانبها، للاستفادة منها في حياتنا الفكرية و العملية.. فانهم «عليهم السلام» هم القدوة، و هم الأسوة، و هم أئمة الهدي، و أعلام التقي، و سفن النجاة.. و أنني اذ أعتذر للقاري ء الكريم عن عدم تمكني في هذه العجالة من القيام بدراسة مستوعبة و شاملة لحياة هذا الامام العظيم.. فانني أطلب منه أن يتحفني بآرائه، و بملاحظاته حول هذا البحث المقتضب.. و له مني جزيل الشكر، و وافر التقدير.. والله هو الموفق، و المسدد، و هو المعين، و هو الهادي. يوم الجمعة: 8 جمادي الأولي 1406 هجري قمري. جعفر مرتضي الحسيني العاملي

پاورقي

[1] هم: أبوخالد الكابلي، و يحيي ابن أم الطويل، و جبير بن مطعم (و لعل الصحيح: حكيم بن جبير) ثم ان الناس لحقوا و كثروا. راجع: ترجمة هؤلاء في كتب الرجال و التراجم.

[2] راجع فيما تقدم، من أجل التعرف علي جانب من الدور الذي قام به الامام السجاد عليه الصلاة و السلام... مقالا لنا بعنوان: «الامام السجاد باعث الاسلام من جديد» في كتابنا: «دراسات

و بحوث في التاريخ و الاسلام» ج 1.

[3] الآية 2 من سورة الجمعة.

[4] راجع في هذه الأحاديث الكثيرة جدا: البحار ج 72 ص 68 حتي 89 و ج 2 ص 74 و 75 و 79 و سفينة البحار ج 1 ص 490 و 491 و قصار الجمل ج 1 ص 225 - 227.

[5] راجع: ترجمة هشام بن الحكم مثلا، في قاموس الرجال ج 9.

[6] راجع: قاموس الرجال، ج 9 ترجمة هشام.

[7] الغيبة للشيخ الطوسي ص 20، و البحار للعلامة المجلسي رحمة الله تعالي.

[8] راجع: عيون أخبار الرضا ج 2 ص 135. و مجلة مدينة العلم، السنة الأولي ص 415 عن صاحب تاريخ نيسابور، و عن المناوي في شرح الجامع الصغير. و الصواعق المحرقة ص 202، و ينابيع المودة ص 364 و 385، و البحار ج 49 ص 123 و 126 و 127 و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 240 و نورالأبصار ص 154 و كشف الغمة ج 3 ص 98، و مسند الامام الرضا ج 1 ص 44 - 43 عن التوحيد، و معاني الأخبار و راجع: نزهة المجالس ج 1 ص 22، و حلية الاولياء، ج 3 ص 192 و أمالي الصدوق ص 208 و 209.

[9] الفصول المهمة، لابن الصباغ المالكي ص 226، و الارشاد للمفيد ص 314، و البحار ج 50 ص 203.

[10] راجع فيما تقدم: نقش الخواتيم لدي الأئمة عليهم السلام ص 38 - 39.

[11] دلائل الامامة ص 204.

[12] الكافي ج 1 ص 314.

[13] الارشاد للمفيد ص 357 و راجع ص 358، و اعلام الوري ص 346 في موضعين، و الكافي ج 1 ص 314 و 258 و راجع ص 413 و 259 و

315 و عيون المعجزات ص 119 و روضة الواعظين ص 237 و الصراط المستقيم ج 2 ص 166، و اثبات الوصية ص 212 و البحار ج 50 ص 21 و 32 و 34 و دلائل الامامة ص 204 و كفاية الأثر ص 274 و 275 و كشف الغمة ج 3 ص 141 و 143 و الامام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص 13 عن الارشاد و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 251.

[14] كفاية الأثر ص 275 و البحار ج 50 ص 35.

[15] الكافي ج 1 ص 413 و 315 و اعلام الوري ص 350 - 349 و كشف الغمة ج 3 ص 151 - 150 و الصراط المستقيم ج 2 ص 166 و اثبات الوصية ص 211 و البحار ج 50 ص 20 و 37 و الخرايج و الجرايح ص 346 - 345 و بصائر الدرجات ص 238 و الارشاد للشيخ المفيد ص 367 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 389 و راجع الفصول المهمة للمالكي ص 252.

[16] الارشاد للشيخ المفيد ص 357 و الكافي ج 1 ص 257 - 256 و البحار ج 50 ص 21 و اعلام الوري ص 346 و كشف الغمة ج 3 ص 141 و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 251.

[17] راجع: البحار ج 50 ص 36 و 104 و الكافي ج 1 ص 258 و رجال الكشي ص 429 و 430 و قاموس الرجال ج 6 ص 436 و 437 و سيأتي النص بتمامه في آخر الفصل الثالث، ان شاء الله تعالي.

[18] المناقب ج 4 ص 384 - 382 و البحار ج 50 ص 90 و 91 و راجع

ص 85 و 86.

[19] الآية 2 من سورة الطلاق.

[20] عيون المعجزات ص 121 - 119، و اثبات الوصية ص 215 - 213 و دلائل الامامة ص 206 - 204 و 212 و البحار 50 ص 100 - 99 و قاموس الرجال ج 9 ص 499. و ذكر جانب من هذه القضية أيضا في البحار ج 50 ص 92 - 91 و 86 - 85 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 383 - 382 عن الجلاء و الشفاء، و الاختصاص للشيخ المفيد ص 102.

[21] الآية 12 من سورة مريم.

[22] الآية 22 من سورة يوسف.

[23] راجع الهامش الذي قبل الرقمين السابقين.

[24] الكافي ج 1 ص 415 و الأختصاص ص 102 و البحار ج 50 ص 86 و 93، و كشف الغمة ج 3 ص 154 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 384 و المجالس السنية ج 5 ص 623 و الامام الجواد لمحمد علي دخيل ص 46 عن بعض من تقدم و عن: صحيفة الأبرار ج 2 ص 300 و الأنوار البهية ص 130 و وفاء الامام الجواد ص 58 و الدمعة الساكبة ج 3 ص 113 و جلاء العيون ج 3 ص 106 و اثبات الهداة ج 6 ص 175.

[25] المحجة البيضاء ج 4 ص 306.

[26] راجع: البحار ج 50 ص 94 - 93، و الامام الجواد، لمحمد علي دخيل ص 48 - 46.

[27] مناقب الامام أحمد بن حنبل ص 142.

[28] الفصول المختارة من العيون و المحاسن ص 256.

[29] فرق الشيعة ص 98 - 97، و المقالات و الفرق ص 95 و الفصول المختارة من العيون و المحاسن ص 256، و نظرية الامامة ص 390 عن

النوبختي.

[30] الملل و النحل ج 1 ص 169.

[31] راجع المصادر في الهامشين السابقين.

[32] الآية 30 من سورة مريم.

[33] الآية 12 من سورة مريم.

[34] الآية 108 من سورة يوسف.

[35] راجع: فرق الشيعة ص 99 - 98، و المقالات و الفرق ص 98 - 97 و نظرية الامامة ص 392 - 391.

[36] اثبات الوصية ص 210.

[37] بل لقد ورد في بعض الروايات جواز امامة الصبي في الصلاة، كمعتبرة «طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام: لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم، و أن يؤم» الوسائل ج 5 ص 398، و في هامشه عن التهذيب ج 1 ص 254 و الاستبصار ج 1 ص 212. و في موثق غياث بن ابراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام: «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم، و أن يؤذن» الوسائل ج 5 ص 397 و في هامشه عن الفروع ج 1 ص 105 و أورده في ج 2 ص 324 من الأذان. و في موثقة سماعة عن الصادق عليه السلام: «يجوز صدقة الغلام، و يؤم الناس اذا كان له عشر سنين» راجع الوسائل ج 5 ص 397 و في هامشه عن الفقيه ج 1 ص 183. و لا يعارضها سوي فتوي المشهور و خبر اسحاق بن عمار: «أن عليا عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤم حتي يحتلم، فان أم جازت صلاته و بطلت صلاة من خلفه» الوسائل ج 5 ص 398 و في هامشه عن التهذيب ج 1 ص 254 و الاستبصار ج 1 ص 212 و أورد صدره في الفقيه ج 1 ص 130 في الأذان.. و

بعد.. فلعل للأئمة عليهم السلام خصوصية ليست لغيرهم.

[38] راجع: الحور العين ص 165 و مقالات الاسلاميين ج 1 ص 102 و راجع أيضا: المقالات و الفرق ص 97 و فرق الشيعة للنوبختي ص 99 - 98، و نظرية الامامة ص 391.

[39] تهذيب التهذيب - ترجمة علي بن جعفر - ج 7 ص 293.

[40] البحار ج 50 ص 104 و رجال الكشي ص 430 و قاموس الرجال ج 6 ص 437.

[41] البحار ج 50 ص 36 و الكافي ج 1 ص 258 و قاموس الرجال ج 6 ص 437.

[42] اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي) ص 429، و قاموس الرجال ج 6 ص 436.

[43] راجع كتابنا: الحياء السياسية للامام الرضا عليه السلام. فصل: من هو المأمون.

[44] راجع: المصدر السابق ص 408 - 405 ففيه بعض ما يرتبط بهذا المقام. و الذي يثير الالتفات هو تناقضهم في مواقفهم، ففي نفس الوقت الذي يتظاهرون فيه بتشجيع العلم و الفكر فانهم يفرقون تلامذة الرضا، و يمنعون ابن عباس من التفسير و الكلام.

[45] الملل و النحل ج 1 ص 24.

[46] الكافي ج 1 ص 314.

[47] الكافي ج 1 ص 415، فاستدلاله عليه السلام ناظر الي ما هو المعروف عند غير الشيعة، من قلة سن علي عليه السلام حين اسلامه، فهو استدلال الزامي للطرف الآخر بما يعتقده بالدرجة الأولي.

[48] نظرية الامامة ص 390.

[49] أضاف المحقق البحاثة، الشيخ علي الأحمدي حفظه الله - حينما قرأ هذا البحث - ركنا ثالثا، و هو: «العصمة». و نقول له: لا شك في أن العصمة ركن في الامامة.. ولكن نظرنا هنا الي خصوص الأركان التي من شأنها أن تكون حاسمة في مجال اثبات الامامة، و تشييد صرحها في مقابل الخصوم و

غيرهم علي حد سواء.. حيث لابد لكل أحد من التسليم و البخوع لهذين الركنين في مختلف الظروف، و سائر الأحوال.

[50] راجع: الغدير للعلامة الأميني ج 1 ص 213 - 159 و دلائل الصدق، و كتابنا: الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام ص 90 فيما بعدها.. بالاضافة الي سائر الكتب التي تعرضت لبحث قضية الامامة، و كتب التراجم، و الحديث و التاريخ، التي تعرضت لذكر الفضائل، و النصوص النبوية المرتبطة بالامامة، و غير ذلك مما يمكن أن تذكر فيه هذه الأمور.. و ليراجع: حول المناشدة بحديث الغدير، الجزء الأول من كتاب الغدير، و أيضا أنساب الأشراف ج 2 ص 159 بتحقيق المحمودي و ذكر أخبار اصفهان ج 1 ص 107.

[51] ينابيع المودة ص 444.

[52] راجع: منتخب الأثر من ص 10 حتي ص 140. و اعلام الوري ص 386 - 381.

[53] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 61.

[54] المصدر السابق ص 12.

[55] كما جاء في عدد من النصوص، التي ذكرها في ينابيع المودة قبل ذلك.

[56] الآية 23 من سورة الشوري.

[57] الظاهر: أن كلام ذلك المحقق قد انتهي، و بدأ من هنا فصاعدا كلام القندوزي الحنفي نفسه.

[58] ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 446.

[59] و يشهد لذلك الأحداث الكثيرة الدالة علي المنع عن ذكر فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام و نسبة فضائله لغيره.

[60] راجع حول هذا الموضوع كتابنا: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام.

[61] سيأتي بعض ما يرتبط بالامام الجواد عليه السلام.. أما ما يخص الامام الرضا عليه السلام،فقد تحدثنا عنه في كتابنا: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام.

[62] راجع: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام فصل: من هو المأمون.

[63] الكافي ج 1 ص 495 - 494 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 396 و البحار ج 50 ص

62 - 61.

[64] المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 397 و البحار ج 50 ص 62 و 63.

[65] عيون اخبار الرضا ج 1 ص 191، و البحار ج 49 ص 179 و مسند الامام الرضا ج 2 ص 105، و الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام ص 377 عنهم.

[66] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 239 و مثير الأحزان ص 263 و البحار ج 49 ص 290، و مسند الامام الرضا ج 2 ص 128 و شرح ميمية أبي فراس ص 204 و الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام ص 378 - 377 عنهم.

[67] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 237 و اعلام الوري ص 314 و أعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 107 و ليراجع أيضا: المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 350. و الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام عنهم ص 377.

[68] راجع: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام ص 378. و دلائل الامامة للطبري ص 198.

[69] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 179 و البحار ج 49 ص 178 و مسند الامام الرضا ج 1 ص 97 و الحياة السياسية للامام الرضا ص 378.

[70] الغيبة للشيخ الطوسي ص 49، و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 224 و البحار ج 49 ص 307 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 333 عن الجلاء و الشفاء.

[71] راجع: البحار ج 50 ص 61، و الكافي ج 1 ص 413، و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 396.

[72] تاريخ التمدن الاسلامي، المجلد الثاني ص 441 و في هاشمه عن: المسعودي ج 2 ص 225 و عن طبقات الأطباء ج 1 ص 171.

[73] تاريخ التمدن الاسلامي، المجلد الثاني ص 549 عن العقد الفريد ج

1 ص 148.

[74] راجع كتابنا: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام ص 213 و 214.

[75] الخرائج و الجرائح ص 344 و البحار ج 50 ص 48.

[76] و احتمال أن يكون جانب من تلك الاحتيالات علي الامام، قد تم و الامام عليه السلام في المدينة.. بعيد في الغاية.

[77] جلاء العيون ج 3 ص 106 و يفهم أيضا من الفصول المهمة لابن الصباغ ص 252 و كذلك سائر المصادر التي ستأتي: أنه لم يكن قد رآه بعد.

[78] البحار ج 50 ص 91 عن كشف الغمة.

[79] و كان عمره يومئذ احدي عشرة سنة أو نحوها البحار ج 50 ص 91.

[80] لابد من التأمل كثيرا في مبادرة المأمون هنا الي سؤاله عما يعرفه من العلوم، بمجرد أن أخبره باسمه و نسبه.

[81] في المصادر الأخري: أنه صاد سمكة.

[82] لم ترد هذه العبارة في المصادر الأخري.

[83] المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 388 و 389، و البحار ج 50 ص 56 و 92. و لتراجع هذه القضية أيضا في: كشف الغمة ج 3 ص 134 عن ابن طلحة، و ص 135 و جلاء العيون ج 3 ص 107 و الصواعق المحرقة ص 204 و نور الأبصار ص 161 و الصراط المستقيم ج 2 ص 202 و ينابيع المودة ص 365 و الاتحاف بحب الأشراف ص 170 - 168 و الفصول المهمة للمالكي ص 253 - 252. و الامام الجواد لمحمد علي دخيل ص 74 عن أخبار الدول ص 116.

[84] لعل الصحيح: مسيفا، أي مارا علي سيف البحر و ساحله.

[85] أعيان الشيعة ج 2 ص 33.

[86] دلائل الامامة ص 213 - 212 و البحار ج 50 ص 59، و اثبات الوصية ص 215.

[87] المناقب لابن شهرآشوب ج 4

ص 317.

[88] راجع: هامش البحار ج 50 ص 92.

[89] و قد بقي موسي المبرقع ابن الامام الجواد عليه السلام، ثلاث سنين يبكر كل يوم الي باب المتوكل فيقال له قد تشاغل اليوم، فيروح فيبكر فيقال له قد سكر، فيبكر، حتي قتل المتوكل، البحار ج 50 ص 4 عن ارشاد المفيد.

[90] و يري المحقق البحاثة الشيخ علي الأحمدي: أنه قد يكون التأخير في اللقاء يهدف الي ضبط تحركاته، و لقاءاته مع الناس و من أجل أن التأخير في اللقاء، و التسويف فيه، يتضمن استخفافا و اهانة، و ذلك هو أحد أهدافهم في كثير من مواقفهم من الأئمة عليهم السلام كما فعله المتوكل مع الامام الهادي عليه السلام حينما أشخصه الي سامراء، حيث أنزله في دار الصعاليك.. و يكون نتيجة كلا الأمرين أيضا شعور الانسان في قرارة نفسه بالضعة و المهانة، الأمر الذي يضعفه في أهدافه و أغراضه.

[91] راجع علي سبيل المثال: البحار ج 50 ص 9 و 38 و 46 - 44 و 54 و 57 و 60 و 61 و 63 و 67 - 65.

[92] البحار ج 50 ص 57 عن المناقب لابن شهرآشوب، عن كتاب معرفة تركيب الجسد للحسين بن أحمد التيمي.

[93] البداية و النهاية ج 10 ص 269 و تاريخ الطبري ط الاستقامة ج 7 ص 149 و مروج الذهب ج 3 ص 441 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 147 و البحار ج 49 ص 132 و تذكرة الخواص ص 352 عن الصولي و غيره.

[94] أعيان الشيعة ج 2 ص 33.

[95] راجع كتابنا: الحياة السياسية للامام الرضا عليه السلام ص 210 - 209.

[96] راجع فيما تقدم: الاتحاف بحب الأشراف ص 172 - 171 و تحف العقول

ص 453 - 451 و الاختصاص ص 101 - 98 و الاحتجاج ج 2 ص 245 - 240 و كشف الغمة ج 3 ص 144 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 381 و جلاء العيون ج 3 ص 108 و الصواعق المحرقة ص 204 و نور الأبصار ص 161 و دلائل الامامة ص 208 - 206 و روضة الواعظين ص 238، فما بعدها، و الارشاد للمفيد ص 359 و 360 فما بعدها و اعلام الوري ص 351 فما بعدها و البحار ج 50 ص 75 عن الاحتجاج، و عن تفسير القمي، و الامام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص 41 - 37 و أعيان الشيعة ج 2 ص 34 - 33. و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 256 - 253.

[97] بغداد ص 143 - 142.

[98] تحف العقول ص 454. ثم تذكر الرواية أسئلة الامام ليحيي حول المرأة التي تحل لرجل ثم تحرم عليه مرات كثيرة في يوم واحد، و عدم قدرة يحيي علي الاجابة علي ذلك. و احالته الاجابة علي الامام نفسه.

[99] راجع الكافي ج 1 ص 414 و 415 و الارشاد للمفيد ص 366 و البحار ج 50 ص 50 و 54.

[100] الآية 16 من سورة ق.

[101] الآية 7 من سورة الأحزاب.

[102] الآية 75 من سورة الحج.

[103] الآية 33 من سورة الأنفال.

[104] هذه الرواية في الاحتجاج ج 2 ص 248 - 245 و البحار ج 50 ص 83 - 80.

[105] الامام الجواد، لمحمد علي دخيل ص 65.

[106] راجع الارشاد للمفيد، و اعلام الوري، و غير ذلك من المصادر التي تقدمت لقضية الزواج - و راجع أيضا أعيان الشيعة ج 2 ص 36 - 33.

و سيأتي ما يشير الي ذلك في العنوان التالي، بعد الفقرات التي نقلناها من زيارته عليه السلام مباشرة.

[107] البرذون: دابة الحمل الثقيلة. و التركي من الخيل، و يقابلها: العراب.

[108] البحار ج 50 ص 45 و في هامشه عن الخرائج و الجرائح ص 327.

[109] الكافي ج 1 ص 413 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 396 و البحار ج 50 ص 61.

[110] البحار ج 50 ص 20 عن الخرائج و الجرائح.

[111] اعلام الوري ص 347 و الارشاد للمفيد ص 358 و الكافي ج 1 ص 258 و البحار ج 50 ص 23 و 35 عمن تقدم، و روضة الواعظين ص 237 و الصراط المستقيم ج 2 ص 167 و اثبات الوصية ص 211.

[112] مفاتيح الجنان ص 481 عن ابن طاووس في المزار، و مصابيح الجنان ص 323.

[113] راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 254 و 253 و الصواعق المحرقة ص 204 و نورالأبصار ص 161 و روضة الواعظين ص 237 و كشف الغمة ج 3 ص 143 و 160 و اعلام الوري ص 351 - 350 و الارشاد للمفيد، و غير ذلك مما تقدم في حديث الزواج.

[114] تذكرة الخواص ص 359 - 358 و عنه الامام الجواد لمحمد علي دخيل ص 72.

[115] آثار الجاحظ ص 235، و الحياة السياسية للامام الرضا ص 403 و ليراجع ما هناك من التوضيح.

[116] الامام محمد الجواد، لمحمد علي دخيل ص 76 عن كتاب الحسين ج 2 ص 207.

[117] المصدر السابق عن جوهرة الكلام ص 147.

[118] راجع علي سبيل المثال: الارشاد للمفيد، و اعلام الوري، و أعيان الشيعة ج 2 ص 33، و الفصول المهمة للمالكي ص 251.

[119] الآية 24 من سورة القلم.

[120] الآية

25 من سورة القلم.

[121] البحار ج 50 ص 64 و كشف الغمة ج 3 ص 153.

[122] قال المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله: ان علي بن يقطين كان قد توفي قبل ذلك الزمان، أي في سنة 182 ه. ق. و نقول: هذا صحيح. و يمكن أن يكون الصحيح هو: الحسن بن علي بن يقطين، أو أخوه الحسين بن علي بن يقطين.. و معني ذلك: أن في الرواية سقطا؛ فليلاحظ.

[123] المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 384 و البحار ج 50 ص 8. و أشار اليه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 261 فليراجع هو و غيره من المصادر.

[124] الكافي ج 1 ص 411 و البحار ج 50 ص 1 و 2 و 8 و 13 و الارشاد للمفيد ص 368 و المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 380 و اعلام الوري ص 354.

[125] البحار ج 50 ص 86 و 87 و الكافي ج 5 ص 111 و 112.

[126] البحار ج 50 ص 46 - 45 و في هامشه عن: الخرائج و الجرائح ص 237.

[127] رجال الكشي ص 609 و 610 و البحار ج 50 ص 107.

[128] كشف الغمة ج 3 ص 138.

[129] المصدر السابق و كذا الأحاديث التالية.

[130] كشف الغمة ج 3 ص 153 و البحار ج 50 ص 64 عنه.

[131] تفسير العياشي ج 1 ص 320 - 319 و البحار ج 50 ص 7 - 6.

[132] راجع البحار ج 50 ص 13 و 17 و المصادر الآتية في الهامش ما بعد الآتي.

[133] راجع: الارشاد ص 368. و البحار ج 50 ص 3 عنه.

[134] راجع: المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 380 عن ابن بابويه، و ص 384

و اثبات الوصية ص 220 - 219 و عيون المعجزات ص 129 و تاريخ الشيعة ص 55 و 57 و نور الأبصار ص 163 و جلاء العيون ج 3 ص 112 عن المناقب و عيون المعجزات، و العياشي و سر السلسلة العلوية ص 38 و تفسير العياشي ج 1 ص 320 - 319 و تذكرة الخواص ص 359 و نسبه الي الامامية و البحار ج 50 ص 17 و 2 و 9 و 8 و 7 عن بعض من تقدم، و عن الروضة، و مروج الذهب ج 3 ص 464 و أعيان الشيعة ج 2 ص 35 و روضة الواعظين ص 243 و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 262.

[135] الوافي بالوفيات ج 5 ص 139 و فوات الوفيات ج 4 ص 48.

[136] اقبال الأعمال ص 97 و البحار ج 50 ص 15.

[137] المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 384 و البحار ج 5 ص 8.

[138] الخلفة: انطلاق البطن، والقي ء و القيام جميعا.

[139] البحار ج 50 ص 6 و 7 و تفسير العياشي ج 1 ص 320 و تفسير البرهان ج 1 ص 471 و الوسائل ج 18 ص 490 ذكر شطرا من الحديث.

[140] البحار ج 50 ص 8 و 11 و 12 و 13.

[141] تاريخ الشيعة ص 57 - 56. لكن ما ذكره من أنه قد سجن الامام عليه السلام و موقف الشيعة حين استشهاده عليه السلام لم أعثر الآن له علي مصدر و هو أعلم بما قال، و لعله استقي ذلك من مصادر أخري لم يستعفني التقدير بالمراجعة اليها.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.