محمدالجواد عليه السلام الامام - المعجزة سيرة و دراسة و تحليل‌

اشارة

سرشناسه : سليمان، كامل
عنوان و نام پديدآور : محمدالجواد (ع) الامام - المعجزة سيرة و دراسة و تحليل/ بقلم كامل سليمان
مشخصات نشر : بيروت : الشركة العالمية للكتاب ش م ل ، م‌۱۹۸۸ = .۱۳۶۷.
مشخصات ظاهري : ص ۳۶۰
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : كتابنامه: ص. ۳۵۷؛ همچنين به‌صورت زيرنويس
مندرجات : نمايه
موضوع : محمد بن (ع)، امام نهم -- م‌۲۲۰ - ۱۹۵
رده بندي كنگره : BP۴۸/س‌۸م‌۳
شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۰-۳۹۲۵۱

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليك يا أباجعفر، محمد بن علي، البر التقي، الامام الوفي. السلام عليك يا كلمة الله و سره في بريته، السلام عليك أيها الآية العظمي، و الحجة الكبري، أشهد أنك ولي الله، و حجته في أرضه، و أنك خيرة الله، و مستودع علمه و علم أنبيائه، و أنك ركن الايمان، و ترجمان القرآن، و هادي الأمة، و وراث الأئمة، و أنك صادع بأمر الله، و ناصر لدينه، و حجة علي خلقه، و شفيع تنال به رحمته و جنته... و رحمة الله و بركاته. (مما هو منصوص في زيارته عليه‌السلام) [ صفحه 7]

الاهداء

الي من يفتح قبل بصره... و قلبه قبل فمه، ليقرأ... شيئا... عن امام - معجزة!. شاءه الله «كذلك»... ورمي به عنجهية عصر الازدهار في الفقه، و العلم، و الكلام، و الحكمة. و اختاره - سبحانه - للعصر الذهبي - خاصة - ليكبح غرور أهله، و يظهر اعجاز الأئمة الذين أودعهم - تعالي - سرة، و فوض اليهم أمره. بعد أن جعله عجيبا: رضيعا، و طفلا، و صبيا، و غلاما يافعا.. و مبجلا من مشايخ العصر: فتي رشيدا، و اماما سديدا - منذ الثامنة من عمره!. - و مهابا في مجالس الأولياء، و حلقات الأعداء، و قصور الأمراء و منتدبا للأمر الخطير، في عصر لا يقبل أهله بالميسور، اذ كانوا أرباب فهم، و علم، و فلسفة، و انحراف!. .. فالي من يفتح قلبه، و عقله، و يلقي سمعه - و هو رشيد - لقراءة سيرة امام - معجزة: أهدي هذه النهلات، المستقاة من بحر آل الله عز و علا!. بيروت: في ذي الحجة سنة 1406 ه. و آب سنة 1986 م. المؤلف [ صفحه 9]

مبررات هذا الكتاب‌

هذا الكتاب ضرورة اسلامية من ضرورات عصرنا الحاضر؛ لأن معرفة أهل البيت عليهم‌السلام واجبة، و طاعة أوصياء رسو الله صلي الله عليه و آله مفترضة، و التغاضي عن أحد الأمرين لا يشكل عذرا للمسلم بين يدي خالقه. «فهم الذين قال الله تعالي فيهم: (و أطيعوا الله، و أطيعوا الرسول، و أولي الأمر منكم..)» [1] دون سائر من برأ و ذرأ. و قد قال الامام الباقر عليه‌السلام: «لا يستكمل عبد الايمان حتي يعرف أنه يجري لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجة، و الطاعة، و الحلال، و الحرام، سواء. و لمحمد صلي الله عليه و آله، و أميرالمؤمنين عليه‌السلام، فضلهما» [2] فلا ينبغي رد ما ينسب اليهم من الآيات لمجرد الضيق باستيعابها، أو لعدم موافقتها للرأي الشخصي، حتي لا يقع الراد لها في حظيرة المنكرين لما جاء من عند الله فيكون من الهالكين الذين اذا حدثوا بالمعجزة - أو بشي‌ء لا يحتملونه - قالوا: و الله ما كان هذا، لا و الله ما كان هذا و لا يكون! [ صفحه 10] و نحن اذا استعرضنا المسلمين عامة - و الشيعة الامامية منهم خاصة - و سألناهم شيئا مفصلا عن أي واحد من أوصياء النبي صلي الله عليه و آله، لهالنا الأمر!. لأننا نجد «قلة» قليلة تعرف أسماءهم.. «و بعضا» من هذه القلة يلم بموجزات عن سيرهم.. و «أفرادا» نادرين يعرفون عن كل واحد منهم نصا مختصرا يبرهن علي كون أحدهم «اماما» لائقا بالسفارة عن عرش السماء، و يستطيعون رسم معالم شخصيته المميزة له عن علماء الأمة و فقهاء الزمان، ولكنهم يفأفئون و يتأتئون اذا سألتهم عن خصوصيات عهده، و سلطان عصره، و جلائل أقواله و أعماله... ثم لا يحرون جوابا اذا سئلوا عن دوره الريادي، و أثره التوجيهي، و عما يثبت «وجوده» الفعال، و يبين أفكاره و فلسفته التي تتقرر علي ضوئها شخصيته الربانية. فهذا هو الذي حملني علي دراسة جوانب من حياة هذا الامام الفذ الذي لا يعرف عنه الخاصة الا نزرا يسيرا، و تجهله جمهرة المسلمين جهلا تاما، فان لكل واحد من الأئمة الاثني عشر دورا محددا في مجالي الدين و الدنيا، أناطته به السماء فلا يتعداه، و لذا كانت أدوارهم - المتباينة شكلا، المتفقة هدفا - مفروضة عليهم حتي لكأنهم كانوا «موظفين» لأدائها كما قررها «عهد» رسول الله صلي الله عليه و آله المعهود الذي نزل عليه من ربه عز و علا و توارثوه عنه واحدا بعد واحد... و أنا أعرف - و معي عدد كبير من القراء يعرف - أن المسلم الشيعي الذي يحفظ أسماء أئمته الاثني عشر عليهم‌السلام، اذا أراد أن يعلم أسماءهم لولده - في طفولته - ربما قال له: تعالي يا حبيبي احفظ «شهادة الموت»!. ثم يتلو علي سمعه: الله ربي، و الاسلام ديني، و محمد نبيي، و القرآن كتابي... و علي امامي... و... و.... الي الامام الثاني عشر - عجل الله تعالي فرجه - فيردد الولد ذلك - صدي لصوت أبيه - رغم أنه يرعبه اسم «شهادة الموت»! ثم يحفظ أسماء لا يعرف عن أصحابها الا ما يعرفه من يعلمك أسماء الخلفاء الراشدين بقوله: هم أبوبكر بن عفان، و عمر بن أبي‌طالب، و عثمان بن الخطاب، و علي بن أبي‌قحافة!. فتظهر لك «براعته» في التاريخ، و «علمه» بالأنساب!. [ صفحه 11] أما من لا يعرف أسماء أئمته فلا تستغرب اذا وجدته لا يميز بينهم و بين عنترة العبسي، و أبي‌زيد الهلالي، و الزير بن أبي‌ليلي المهلهل، و ان كان يعتقد تفوق علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام علي سائر الأبطال في كل حال.. و حين أقول ذلك لا أنكر أن أسماء الأئمة عليهم‌السلام تدور علي ألسنة بعض الشيعة الاماميين، و لكن «حقيقة» أصحاب تلك الأسماء تكاد تكون مجهولة منهم الي حد كبير.. و من يدع أنه يستطيع أن يحدث أسرته - في سهرته - عن هذا الموضوع سهرة كاملة، حديث معرفة صحيحة، يكن قد أبطل قولي ورد دعواي... فأمام هذا الواقع من المفارقة بين شدة تمسك الشيعة بأئمتهم، و بين جهلهم بحقائق ذواتهم، رأيت نفسي مطالبا بكتابة بعض سيرهم الكريمة كتابة متواضعة في جنب عظمة كل منهم، محاولا ابراز الدور الذي قام به الواحد منهم في الحياة، و كشف ما يدل علي أنه كان «موجودا» بين معاصريه «كامام»، و بيان ما أدي من وظيفته الالهية، و ما أعطي للناس أثناء توليه «الأمر» لأوضح أنه كان «اماما» اسما و مسمي و كما اختاره الله تعالي لولاية أمر الدين و ارشاد المسلمين... و لن أدعي بلوغ الاحاطة بحقيقتهم و واقعهم، ولكنني سأبرز معالم الصورة بخطوط بعيدة عن الخرافيات، لأن أهل البيت عليهم‌السلام عظماء بحد ذاتهم، و لا حاجة بهم الي التعظيم حين التقويم. و امامنا الذي نحن بصدد الكتابة عنه، لم يتعد «خط السماء المرسوم» لسيرته في مجتمعه. ولكننا اذا لم نكشف عن بعض جوانب حياته المميزة، نبقي ندور في الفراغ و لا نصل الي معرفة ما كان عليه كمسؤول رباني حمل أعباء الامامة و الريادة مدة ثماني عشرة سنة رغم أنه لاقي الرفيق الأعلي و هو في الخامسة و العشرين من عمره، أي أنه اغتيل و هو في عمر الزهور، بعد أن تولي «الأمر» فيما بين السابعة و الثامنة من عمره!. الامام الجواد عليه‌السلام ذو «عمر قصير».. و ذو «وجود» عريض... سار عكسا مع قصر حياته. [ صفحه 12] فقد ولد فكان طفلا عجيبا، ثم دب و درج، و قام و قعد مرجعا مرموقا.. فعرف «اماما» بذاته و بصفاته، مع أنه قضي طفولته - وحده - مع أمه في الحجاز، و كان والده فيما بين العراق و ايران... فلم يخف أمره علي أحد - و ان كان الباطل يعدو علي الحق ليطمس آثاره - لأن الحق لا يضيع في زبد الباطل وفقاقيعه، و لا في سورات الشر و ثوراته. ولكننا بحاجة الي الجرأة علي قول الحق. و الي الصراحة في لفظ الكلمة المنصفة، و الي الايمان الذي لا تنماث فيه وسوسة الشيطان، لترتاح ضمائرنا لما نقوله.. بل لنقف موقف أسلافنا الشرفاء. فان علي بن جعفر - مثلا - عم امامنا هذا، كان من أجل مشايخ الهاشميين، و أكبر فقهاء المسلمين، و حكي عنه محمد بن الحسن بن عمار قائلا: «كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة، و كنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمعه من أخيه، يعني أباالحسن - الكاظم عليه‌السلام - اذ دخل عليه أبوجعفر، محمد بن علي الرضا المسجد، مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله - و هو طفل - فوثب علي بن جعفر بلا حذاء و لا رداء فقبل يده و عظمه. فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: اجلس يا عم، اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدي كيف أجلس و أنت قائم؟!. فلما رجع علي بن جعفر الي مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه و يقولون: أنت عم أبيه!. و أنت تفعل به هذا الفعل؟!. فقال: اسكتوا.. اذا كان الله عزوجل - و قبض علي لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة، و أهل هذا الفتي و وضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟!. نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد!.» [3] . [ صفحه 13] فقد قال شيخ الهاشميين كلمة الحق بمل‌ء فيه، و هو صاعد فوق الثمانين، و ابن أخيه الذي عظمه فقبل يده كان لا يزال في طفولته و نعومة أظفاره!. و قالها و هو من أكابر أهل عصره، و من سادة القرشيين. و في غلام لم يبلغ السبع من السنين!. فضرب مثلا رائعا في عدم النفاق حين امتحن في مجلس كان أكثر رواده مزلزلين زلزالا شديدا. و في عهد كانت فيه المدية بيد الجزار، و السيف الظالم يقط رقاب معارضي السلطان. ذلك لأنه ربي نفسه علي أن لا يصانع غير وجه الله تعالي، و لا يخشي لوما و لا لؤما، و لا يهاب سلطانا أرضيا!. بل بقي مع كتاب الله و سنة رسوله يتولي أولياء ربه و يعادي أعداءه. فكم و كم من مراتب الايمان يجب أن نترقي حتي نصل الي مرتبة ايمان هذا الشيخ الهاشمي المنصف؟ و كم من الانانيات يجب أن ندوس حتي نبلغ شأو حمله «لأمانة السماء» و صدق أدائه لها؟!. يلزمنا من أجل ذلك شي‌ء واحد، و هو التخلص من أدران النفوس لنصير مؤمنين..و لنتحرر من همزات الشياطين فنكون جريئين علي قول «كلمة الحق». كتاب الله عز و جل هو القرآن الصامت الذي سن و شرع، و الامام - ولي الله - هو القرآن الناطق الذي يوضح و يبين. و لكن الحاكم «المتأسلم» الظالم، كان يتعدي القرآن الصامت و لا يأخذ بما فيه، ثم لا يرأف بالقرآن الناطق، و لا يرعي له الا و لا ذمة.. بل يلاحقه فيما بين الخافقين ليكم فاه: فيفرض عليه الاقامة الجبرية مرة، [ صفحه 14] و يستقدمه فيسجنه - بلا جرم - مرة ثانية، ثم يحتال في قتله.. و يلحقه بالقرآن الصامت في المرة الأخيرة... لأنهما العدوان الأبديان لظلمه و جوره!. و ليس عجيبا أن يجور سلطان كل زمان علي امام عصره... لأنه يري فيه المنازع الوحيد في حكمه المغتصب!. كما أنه ليس غريبا أن يستعدي للامام فقهاء السوء، لأن فضيحة باطلهم علي لسانه، و لعنة سيرتهم بين شفتيه.. و لا هو عجيب - كذلك - أن يظلمه رجال القصر و فئرانه الذين يخضمون مال الله خضما فما يشبعون، و يأكلون التراث أكلا لما فما يقنعون.. و لا المؤرخون المأجورون الذين يستفون فتات الموائد ليزوروا الحقائق و يحوروا الوقائع!.. بل العجيب - عجبا لا ينقضي - هو أننا نصم آذاننا عن الحق اذا ظفرنا به، لأننا «لا نريد» أن نسمع «كلمة الغيب» التي حملها نقلة الغيب، و لا نروض أنفسنا علي التفكر و التدبر.. و نشمئز ممن ينبش حقائق ألقي عليها التاريخ جواشن تحبسها في أقبية الظلم، و جنادل تمنع مجراها الي القلوب التي «تريد» أن تعي!. و المريب حقا، هو أن نتبجح بالعلم الحديث الكافر بالمغيبات، الذي قالوا: انه «حقق» المعجزات بغزو الكواكب و المجرات.. مع أنه - لتحقيق غزوه هذا - انتزع اللقمة من أفواه ملايين الجوعي في المعمورة، و «عجز» عن حل أي من المشكلات العالمية، و خسي‌ء عن دفع أية معاناة انسانية، ثم لم ينتج علمه الا الطلوع الي الكواكب.. و العودة بخفي حنين؟. و لم تخرج مصانعه الحديثة الا الكومبيوتر و الالكترونيات التي تدفع الأسلحة التدميرية الآلية، لتقض مضاجع أمن الدنيا من أطرافها!. [ صفحه 15] فأدعياء «العلم الحديث» عمالقة سلاح.. و جابرة صواريخ موجهة.. و أرباب حرب نجوم!. و «فراعنة عصريون» لم يعتم أن يعلنوا عن غزو السماء ليطلعوا الي اله موسي، مع أنهم خربوا الأرض بالطول و العرض حتي وصلوا الي كواكب لا تزال بعيدة بعيدة عن السماء الدنيا.. و جهلوا أنهم طمعوا «بخربشة السماء» التي بينها و بين الكواكب التي وصلوا اليها مثل ما بينهم و بينها آلاف آلاف الآلاف من المرات!. و ليصلوا الي «خربشتها» لا بد لهم من مختبرات ذرية - صاروخية تعمل ملايين ملايين الملايين من السنين.. ثم يفجأهم أن وراء هذه السماء سماء ثانية.. و ثالثة.. الي سابعة، و أن بين كل سماء و سماء أكثر مما بين سمائنا و أرضنا بأضعاف مضاعفة!. و وراء ذلك كله العرش القدسي الذي تكون الكائنات كلها بالنسبة اليه كالحلقة الملقاة في الصحراء الواسعة الشاسعة!.. و ان «هامان» - بالأمس - لم يستطع أن يبني «لفرعون» صرحا يوصله الي اله «موسي»!. و لن يصل اليه - اليوم - فراعنة عصرنا الحاضر: (ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغيه!.) [4] . و صمم الآذان عن كلمة الحق، هو دائما ايقاد علي الطين لبناء صرح يطلع منه فراعنة بيع الأسلحة الي ما وراء الغيب.. و الله تعالي - وحده - (عالم الغيب، فلا يظهر علي غيبه أحدا، الا من ارتضي من رسول..) [5] . و قد أراحنا سبحانه من هذه الناحية و أطلعنا علي كثير من غيوبه بواسطة رسله [ صفحه 16] و أوليائه، و لم يستأثر بسوي شيئين هما: موعد قصف عمر كل واحد منا، و وقت قيام الساعة، و الوقوف للحساب بين يديه!. فلم لا نسمع قول من لا ينطقون عن الهوي، و هم يقدمون الينا ما نبحث عنه علي طبق من ذهب؟!. و لم تعشي أبصارنا عن النظر فيما عن ربهم حملوا، و تصطك أسماعنا عن الاصغاء لما عن الله نقلوا، و تتبلد أذهاننا عن استيعاب الآيات التي فعلوا؟!! ألا انه لا يميز عمي الأبصار بين غسق الليل و ألق النهار.. و فرق بين ظلمة الليل الدامس، و ضحوة النهار الشامس!. فكيف بعمي البصائر اذا حاولوا معرفة ما ثم.. وراء الغيب؟!! امامنا الذي نحن بصدد التعرف الي سيرته الكريمة، فرد من الأسرة التي اختارتها السماء لأمرها و نهيها. و واحد من أهل بيت النبوة الذين فاقوا الناس طيب عنصر و زكاء ميلاد، فما داني أصله أصل، و لا شارفه شرف، و لا باره علم و لا فضل؛ لأنه مغرق في السيادة و الريادة، منتم الي شجرة مباركة أصلها ثابت و فرعها في السماء.. جمع أشتات المعالي: فلا أب كأبيه، و لا جدود كجدوده، و لا أسرة و لا عشيرة كأسرته و عشيرته. و هو من المصطفين الألي اتضحت بهم سبل الهدي، و سلم الوري من العمي؛ و من الذين حازوا أشرف المآثر فالناس كلهم عيال عليهم... و حبهم فريضة لازمة من فرائض الدين و لوازمه.. قد قال أبوهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام: [ صفحه 17] «نحن - أهل البيت - لا يقاس بنا أحد. فينا نزل القرآن، و فينا معدن الرسالة» [6] . و يكفيهم شرفا أنهم أبناء رسول الله صلي الله عليه و آله، و ولد فاطمة الزهراء عليهاالسلام التي نقل عنها «المأمون» العباسي، فيما حدث به عن أبيه «هارون الرشيد» عن أبيه «المهدي» عن أبيه «المنصور» عن أبيه عن جده الذي قال: «قال ابن‌عباس: أتدري لم سميت فاطمة فاطمة؟. قال: لا. قال: لأنها فطمت هي و شيعتها من النار. و سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقوله» [7] . فالمتجاهل لأهل البيت عليهم‌السلام يتعمد أمرا خطيرا (يوم ندعوا كل أناس بامامهم!.) [8] . و ويل لمن لم يكن له امام يدعي به يوم حسابه، بعد أن يكون قد تولاه و اقتدي به في حياته!.. و الطريق الموصل الي السعادة في الدارين، هو الطريق الذي مهده نبينا العظيم صلي الله عليه و آله و سلم لأمته بوصيته المتكررة بكتاب الله و أهل بيته الذين عقلوا الدين - وحدهم عقل وعاية و رعاية لا عقل سماع و رواية؛ و الذين هم معدن الحكمة، و عنصر الرحمة... و صغر السن عندهم لا ينافي كمال العقل و بلوغ الرشد، خرقا للعادة خاصا بهم، لأنهم حجج الله و الأدلاء عليه. «... لم يزل الله تعالي يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه‌السلام، من عقب كل امام - يصطفيهم لذلك و يجتبيهم، و يرضي بهم لخلقه - فجرت بذلك فيهم [ صفحه 18] مقادير الله علي محتومها» [9] . و كانوا كذلك.. لأن الله تعالي «جعلهم كذلك». و «ان رحم آل محمد معلقة بالعرش يقول: اللهم صل من وصلني، و اقطع من قطعني» [10] . و فاطمة الزهراء عليهاالسلام نصحت بعض النساء قائلة لها: «أرضي أبوي دينك محمدا و عليا بسخط أبوي نسبك، و لا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك. فان أبوي نسبك ان سخطا، أرضاهما محمد و علي بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعتهما - أي بالشفاعة -. و ان أبوي دينك ان سخطا، لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما، لأن ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا تفي بسخطهما» [11] . فمن التعدي علي الحرمات، و التسور علي الكرامات، الخوض في موضوع فضل امام مفترض الطاعة، حال كونه «منصوبا» من ربه تبارك و تعالي، و «منصوصا» عليه من جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و «موصي» له من آبائه عليهم‌السلام. و من التجني علي قداسة الحق، و السطو علي القيم، اتعاب أنفسنا في اثبات كون المهندس أو الطبيب أو العالم أو المحامي يحسن القراءة و الكتابة، و أنه ليس أميا بالمرة!. اذا المفروض بهؤلاء جميعا أن يكونوا مثقفين و متقنين لأصول حرفهم، و أنهم ان جهلوا غيرها، لا يجهلون ما هو من ركائز قواعدها و أصولها. و في الامام جانب خفي ينبغي أن نوضحه للناس، و هو أنه - بحكم كونه خليفة النبي - مقيم الدولة الاسلامية - ليس من الضروري أن يملك و يحكم دنيويا، و لا [ صفحه 19] من طبيعة وظيفته أن يكون ملكا أو سلطانا، كما أنه ليس مأمورا بمحاربة الناس و اكراههم علي الايمان. و لذا كان سائر أئمتنا عليهم‌السلام زاهدين في أمور الدنيا، عازفين عن زخرف الحياة، لا يهمهم الا تقويم الاعوجاج، و هداية التائهين و الوقوف في وجه المنحرفين.. و هم - جميعهم - كجدهم الذي «كان صلي الله عليه و سلم يجلس علي الأرض، و يأكل علي الأرض، و يعتقل الشاة - ليحتلبها - و يجيب دعوة المملوك علي خبز الشعير» [12] فلا طمع لهم مطلقا، الا باصلاح أمور معاش الناس و معادهم. و الامام - المنصب لسائر الأنام - يمر في حياته العالم و الجاهل، و المؤمن و الكافر من مختلف أجناس البشر و ألوانهم، و هو «مكلف» بالوقوف ضد التعدي علي حرمات الله، منزه عن الخنوس أمام التيارات الضالة، و مبرأ عن الهروب من الأخطار التي تعرض للرسالة، لأنه «موظف» لاقامة الحق و ابطال الباطل بالحجة الدامغة و البرهان القاطع، «مسلح» بجميع مقومات الكمال، معلم، مفهم مفقه لا يحجب عنه «معلمه و موظفه» حل معضلة، و لا يتركه عيا عن جواب، بل «جبله» كما شاء و «جعله» كاملا مكملا لا يخطر في ذهنه الريب، يصدر - دائما - عن كتاب الله الذي يعلم تفسيره و تأويله، و عن سنة الرسول التي يدرك حقائقها و دقائقها، و لا يحيد عما جاء فيهما قيد شعرة، عصمة من الله تبارك و تعالي له عن الزلل و الخطل، و تأييدا منه بجنود من الملائكة المسددين يطلعونه - فوق علمه - علي حقائق أمور الدنيا و الدين. و لذا قال الامام الصادق عليه‌السلام: «ان من علم ما أوتينا، تفسير القرآن و أحكامه، و حكاية علم تغير الزمان و حدثانه. و اذا أراد الله بعبد خيرا أسمعه، و لو أسمع من لم يسمع لولي معرضا كأن لم يسمع - ثم أمسك هنيئة، ثم قال -: لو وجدنا وعاء أو مستراحا لعلمنا» [13] فهم علماء معلمون، و فقهاء مفقهون، لا يحجب الله تعالي عنهم شيئا يحتاجون اليه كما سنثبت ذلك في موضوع لاحق. و نحن ما كنا لنعرض الي هذه الاستطرادة هنا، لولا أن أكثر الناس يظنون في [ صفحه 20] أمر الامام ظن الجاهلية، و يعتقدون أن بمقدورهم محاكمته كما يحاكمون أي فرد من أفراد الرعية، ساهين عن أن النائب المنتخب لمجالس التشريع له حصانته القانونية و لا يجوز محاكمته قبل رفع الحصانة عنه لتجريده من صفته، و مستجيزين لأنفسهم وضع الامام علي و ضم التشريح كأنه مخلوق عادي بلا حماية و لا حصانة، أو كأنه لا ترعاه حكومة السماء «سفيرا» عنها يتحدي أهل العناد و يسكت ذوي الألسنة الحداد!. فالامام ليس واحدا من النكرات فيتطاول الي قدس ذاته ذوو الحذلقة و الزندقة ليزنوا علمه و يروزوا فضله بمقاييسهم العاثرة و موازين عقولهم المطففة التي لا تفرق بين وزن التبر و التبن، و لا بين قيمة جلاميد الصخر و فلذات الدر. قال ابن‌عباس: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أيها الناس، الله الله في عترتي و أهل بيتي، فان فاطمة بضعة مني، و ولديها عضداي، و أنا و بعلها كالضوء. اللهم ارحم من رحمهم، و لا تغفر لمن ظلمهم. ثم دمعت عيناه و قال: كأني أنظر في الحال!» [14] أي كأنه يري حالهم و ما يحل بهم من الظلم الذي لا قوه حتي أيامنا هذه!. و كذلك قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام فيهم: «ان أهل بيتي مطهرون، فلا تسبقوهم فتضلوا، و لا تتخلفوا عنهم فتزلوا، و لا تخالفوهم فتجهلوا، و لا تعلموهم فانهم أعلم منكم... هم أعلم الناس كبارا، و أحلم الناس صغارا، فاتبعوا الحق و أهله حيث كان» [15] . فبحث علم الامام و فضله، كالبحث في علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي كان أميا و طلع علي العالم بقرآن تحدي الفصاحات و العبقريات، و أطل علي الانسانية بشريعة انمسحت و انمسخت أمامها جميع التشريعات، من غير أن يكون له معلم، و من غير أن ينال شهادة دكتوراه... بل علمه الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم. [ صفحه 21] فالنظر في مصدر علمهم كالتنكيش بالأصابع في رمضاء النار التي يكوي حرها اليدين، و يعمي رمادها العينين، لأن النبي و أهل بيته صلوات الله عليهم، تم تخريجهم من «الكلية الالهية» العليا... و الامامة - كالنبوة - رتبة ربانية لا شأن فيها لأهل الأرض، و لا يسأل عن علم أحدهما كيف كان، و لا عن فضله كيف صار، و لا عن النبوة و الامامة كيف جرتا، لأن كلا من النبي و وصيه، يكون «خليفة» الله في الارض، و «سفيره» بين العباد، و هو الذي عنته الآية الكريمة: (و اذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة) [16] أي خليفة عنه سبحانه علي خلقه و لا يمكن أن يكون كل انسان خليفة له تعالي.. فالله سبحانه هو المختار الخلافته: و الاعتراض علي مشيئته كالاعتراض علي خلق واحد برأسين، و آخر بقلبين، و ثالث أحمق، و رابع فطين فطنة نادرة!. فهذا كله من «فعل» الله عز و جل؛ و هو لا يسأل عما يفعل، و لا تدرك حكمته و لا اعتراض علي مشيئته في بريته. و قد قال سعد بن عبدالله القمي: «سألت القائم عليه‌السلام - و هو طفل في حجر أبيه (ع) - فقلت: أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار امام لأنفسهم؟. قال: مصلح أو مفسد؟!. قلت: مصلح. قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟!!. قلت: بلي. قال: فهي العلة، أيدتها لك ببرهان.. يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم. قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله، و أنزل عليهم الكتب و أيدهم بالوحي و العصمة، اذ هم أعلام الأمم و أهدي الي ثبت الاختيار، و منهم موسي [ صفحه 22] و عيسي عليهماالسلام، هل يجوز مع وفور عقلهما و كمال علمهما اذا هما بالاختيار أن تقع خيرتها علي المنافق و هما يظنان أنه مؤمن؟!! قلت: لا. قال: فهذا موسي، كليم الله، مع وفور عقله و كمال علمه و نزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه، سبعين رجلا ممن لم يشك في ايمانهم و اخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال الله عز و جل: و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا..) [17] . فتأمل كيف أسقط - عجل الله تعالي فرجه - طريقة الاختيار الأرضي بعد أن قال الله سبحانه و تعالي: (و ربك يخلق ما يشاء و يختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله و تعالي عما يشركون) [18] أي: تنزيها له عن الحاجة الي مشاركة عباده في اختياره!. فلرد مشيئته، يترتب علي العباد أن يردوا الموت عن أنفسهم ان كانوا يقدرون!. أو فلينصبوا أنفسهم آلهة - شركاء له تعالي ان كانوا يستطيعون... أو فليخلعوا ربقة الاسلام من أعناقهم ليكونوا في صف الملحدين!. و لن، و لن تقاس الأمور السماوية بالأمور الأرضية، لأن مثل هذا القياس هو الذي طرد ابليس من رحمة الله تعالي، و جعله رجيما لعينا بعد أن عمل برأيه في مقابل قول الله عز و جل في محكم كتابه: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله أمرا أن [ صفحه 23] يكون لهم الخيرة من أمرهم!) [19] و قد قضيا - كلاهما - بشأن «الامامة» كما قضي سبحانه بشأن «النبوة»، (و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [20] . و قد كانت تحدث لأسلافنا الشرفاء مثل هذه الشبهات، و لكنهم كانوا موفقين بمعاصرة الأئمة، يعرضون عليهم شبهاتهم و يتلقون أجوبتها مفلسفة رأسا، في حين أننا - اليوم - ليس لنا الا الأخذ بما ورد علينا منهم، لنصل الي الحقائق التي لا شبهة فيها.. و قد قال عبدالعزيز بن مسلم: «كنا عند مولانا الرضا عليه‌السلام بمرو فاجتمعنا و أصحابنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقامنا، فأداروا أمر الخلافة و ذكروا كثرة الاختلاف فيها. فدخلت علي سيدي الرضا عليه‌السلام، فأعلمته خوض الناس في ذلك، فتبسم عليه‌السلام ثم قال: يا عبدالعزيز، جهل القوم و خدعوا عن آرائهم. ان الله تبارك اسمه لم يقبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي أكمل الدين، فأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شي‌ء، بين فيه الحلال و الحرام، و الحدود و الأحكام، و جميع ما يحتاج اليه الناس كملا، فقال عز و جل: (و ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء) [21] و أنزل عليه في حجة الوداع، و هي آخر عمره: (اليوم أكملت لكم دينكم، و أتممت عليكم نعمتي، و رضيت لكم الاسلام دينا) [22] و أمر الخلافة من تمام الدين.. لم يمض صلي الله عليه و آله و سلم حتي بين لأمته معالم دينهم، و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم علي قول الحق، و أقام لهم عليا عليه‌السلام علما و اماما، و ما ترك شيئا تحتاج اليه الأمة الا بينه لها. فمن زعم أن الله لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، فهو كافر!. هل تعرفون قدر الامامة، و محلها من الأمة فيجوز فيها الاختيار؟!. - الي أن يقول -: [ صفحه 24] ان الامامة خلافة الله و خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الامام يحلل حلال الله، و يحرم حرام الله، و يقيم حدود الله، و يذب عن دين الله، و يدعو الي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة.. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام و يمكنه اختياره؟. هيهات هيهات.. ضلت العقول و تاهت الحلوم!!.. ثم قال في أواخر كلامه -: .. ان العبد اذا اختاره الله عز و جل لأمور عباده، شرح الله صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما فلم يعي بجواب و لا يحيد فيه عن الصواب. و هو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد، قد أمن من الخطايا و الزلل و العئار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده و شاهده علي خلقه (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم) [23] . .. ولكن، كما أنه لا يمكن انزال البغلة في الابريق، و لا جمع الكون كله في البيضة، فان معاني هذه الأمور لا تلج القلوب المغلقة دون ازالة الرين عنها، و لا تصل الي بعض الأذهان دون كسر أقفال بعدها أقفال!. ولكنها اذا انفتحت لها القلوب و الأفهام تصير مقبولة و معقولة، كأن يجمع الله سبحانه و تعالي الكون و ما احتواه في عين الانسان. بل جعله سبحانه - بحجمه الهائل - يمر في بؤبؤ العين الذي هو بحجم السمسة من غير أن تتأثر الباصرة أو تنوء برؤيته، و دون أن تتشنج أعصاب النظر عند احتوائه من أطرافه الضاربة في اللانهاية... فلا بد - اذن - من تفتح القلوب و الأذهان ليسهل أمر استيعاب خلاقة الله تعالي علي الأرض بشرطها و شروطها. و امامنا - القصير العمر، العريض العهد - أحري الأئمة بالتفكر في «آياته» و التدبر في «بيناته» لاستيعاب عظيم قدره و جليل أمره. [ صفحه 25]

ما لابد من قوله: حديثهم صعب

أود أن لا يدخل معي قارئي الكريم في موضوع كتابي هذا الا بعد أن يمر بدراسة أمرين هامين يتعلقان به. أولهما: أن حديث أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عليهم صعب مستصعب - كما عبروا عنه مكررا -. فما معني ذلك؟ و ثانيهما: أنهم «محدثون - ملهمون، و موحي اليهم!.» و سنكشف عن كيفية ذلك. و سنترافق عبر بيان هذين «الأمرين»... و نتوافق ان شاء الله تعالي، الا اذا قصر بياني عن الاقناع. و نبدأ بأولهما. قد روي الامام الباقر عليه‌السلام - فيما عن جابر - أن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «ان حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به الا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان. فما ورد عليكم من حديث آل محمد، فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه. و ما اشمأزت منه قلوبكم و أنكرتموه فردوه الي الله، و الي الرسول، و الي العالم من آل محمد. [ صفحه 26] و انما الهالك أن يحدث أحدكم بشي‌ء منه لا يحتمله، فيقول: و الله ما كان هذا، و الله ما كان هذا، و الله ما كان هذا!. و الانكار هو الكفر» [24] . و هذا حق.. اذ نطق به من لا ينطق عن الهوي، و لا يقول الا الحق. فان من آفاتنا العامة الانكار الفوري لجميع ما لا تستوعبه عقولنا بسهولة، و الاستعداء لكل ما لا تتصيد حقيقته أذهاننا بيسر؛ ثم لا نقبل الخوض فيه بتاتا.. أو نرفضه بعناد!. و لو أنصفنا الحق و الحقيقة، لوجب أن نتأني، و نصرف عقولنا للتفكير، و نفتح قلوبنا للوعي، و نرهف أذهاننا للمحاكمة الرشيدة؛ لأن الكفرة ما بقوا علي كفرهم الا لعنادهم و انكارهم لآيات الله تبارك و تعالي، و رفضها دون أن يتفهموها بروح الجدية، أو من غير أن «ينووا» الاقتناع بها - مسبقا -، حتي و لو ثبت لهم أنها آيات بينات ليست بسحر و لا كهانة. و الانسان - بالطبع - عدو ما جهل.. و لكنه لا تنبغي له معاداة الحق اذا تراءي له حقا مئة بالمئة، و لا يجوز له أن يتنكر لما يسمعه مما يخالف عقائده الموروثة، اذا ظهر له فيها ما يصحح معتقده و يقومه. و لو لم نكن ذوي طموح يرمي الي المعرفة - بما هي معرفة - و يهدف الي الأحسن و الأكمل، لقنعنا بكثير مما كان عليه آباؤنا، و لرضينا بالحمارة و الفرس و الجمل و البغل، و لما فكرنا بالعربة، و السيارة، و الطائرة، و لقنعنا ببساطة العيش الفطري فما وصلنا الي حضارة و لا مدنية، و لكان يجدر بنا أن نسترخي و نعيش كما تعيش الأنعام التي لا هم لها الا امتلاء الكرش و الاجترار الوادع. قولهم عليهم‌السلام: [ صفحه 27] «حديثنا صعب مستصعب... أو أمرنا سر مستسر...». ورد بهذين اللفظين و غيرهما في عشرات الروايات. فهو عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم باللفظ السابق، و ببعض التفسير. و عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام و زاد فيه: «... خشن مخشوشن، فانبذوا الي الناس نبذا؛ فمن عرف فزيدوه، و من أنكر فأمسكوا» [25] . و قال فيه مرة: «.. أو مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للايمان» [26] . أما عن زين‌العابدين عليه‌السلام فورد بلفظ: «ان علم العالم - أي الامام - صعب مستصعب» [27] . و أما ولده الباقر عليه‌السلام فزاد فيه: «... ألا تري أنه اختار لأمرنا من الملائكة المقربين، و من النبيين المرسلين، و من المؤمنين الممتحنين؟» [28] . و زاد في مرة ثانية: «.. أما و الله ان أحب أصحابي الي و أورعهم و أفقههم، أكتمهم لحديثنا. و ان أسوأهم عندي حالا، و أمقتهم الي، الذي اذا سمع الحديث ينسب الينا و يروي عنا فلم يعقله و لم يقبله قلبه، اشمأز منه و جحده، و كفر بمن دان به؛ و هو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، و الينا سند؛ فيكون بذلك خارجا من ولايتنا» [29] . و جاء عن الامام الصادق عليه‌السلام مشابها لما سبق مع زيادة في التفسير، حيث قال: «حديثنا لا يحتمله نبي، و لا ملك، و لا مؤمن. ان الملك لا يحتمله حتي يخرجه الي ملك غيره، و النبي لا يحتمله حتي يخرجه الي نبي غيره، و المؤمن لا يحتمله حتي يخرجه الي مؤمن غيره؛ [ صفحه 28] فهذا معني قول جدي» [30] . و ورد عنه عليه‌السلام بلفظ: «.. لا يحتمله الا صدور منيرة، أو قلوب سليمة، و أخلاق حسنة. ان الله أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ علي بني‌آدم حيث يقول عز و جل: (و اذا أخذ ربك من بني‌آدم، من ظهورهم، ذريتهم، و أشهدهم علي أنفسهم: ألست بربكم... قالوا: [31] بلي.) فمن وفي لنا وفي الله له بالجنة، و من أبغضنا و لم يؤد الينا حقنا، ففي النار خالدا مخلدا» [32] . و زاد في مورد آخر: «... نعم، ان من الملائكة مقربين و غير مقربين، و من الملائكة مرسلين و غير مرسلين، و من المؤمنين ممتحنين و غير ممتحنين. و ان أمركم هذا عرض علي الملائكة فلم يقر به الا المقربون، و عرض علي الأنبياء فلم يقر به الا المرسلون، و عرض علي المؤمنين فلم يقر به الا الممتحنون» [33] . و فسره و أوضحه في مقام آخر حيث قال عليه‌السلام: «ان أبي نعم الأب رحمة الله عليه كان يقول: لو أجد ثلاثة رهط أستودعهم العلم و هم أهل لذلك، لحدثت بما لا يحتاج فيه الي نظر في حلال و لا حرام، و ما يكون الي يوم القيامة!. ان حديثنا صعب مستصب لا يؤمن به الا عبد امتحن الله قلبه للايمان» [34] . و فسره الامام الحسن العسكري عليه‌السلام بقوله: «ان معناه أن الملك لا يحتمله في جوفه حتي يخرجه الي ملك مثله، و لا يحتمله نبي حتي يخرجه الي نبي مثله، و لا يحتمله مؤمن حتي يخرجه الي مؤمن مثله. انما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتي يخرجه الي غيره» [35] . فصعوبة احتمال حديثهم عليهم‌السلام - اذن - تكمن في أن حامله قد لا يؤمن [ صفحه 29] بصدوره عنهم، أو بما هم عليه من العلم أحيانا. أو قد لا يطيق اسراره - اذا آمن به - و لا يحتمل كتمانه، لأنه ذو أهمية بالغة لها مساس كبير في مصائر الناس - معاشا و معادا - لاعتباره من صميم العقيدة الاسلامية، و من لب الحقيقة الايمانية التي نزلت من السماء، و التي تدور عليها رحي الاسلام، فينبذه الي غيره، في أكثر الأحيان. و اني في تعرضي لهذا الحديث لكذلك. أي أنني أدور في فلك من يخرج حديثهم الصعب المستصعب الي غيره، من دون أن أدعي عبور امتحان الايمان. ولكنني أحب أن أخرج من عهدة ما وعيته من حديثهم الكريم، و أنبذ بذلك الي اخوتي و أخواتي في الايمان المتواضع، ليتذوقوا حلاوة أخبارهم حين تلج القلوب و تستقر في الصدور... و ليقعوا علي جوهر معاني كلامهم، فيعرفوا حقيقة أمر هذه العترة الطاهرة الفاخرة التي قال فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله - حبل ممدود بين السماء و الأرض - و عترتي أهل بيتي. و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض» [36] و التي قال فيها أيضا: «أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلف عنها ضل و هوي» [37] . فما سمع المسلمون قول نبيهم و لا ركبوا سفينة النجاة؛ بل كان شأن أكثرهم شأن قوم نوح عليه‌السلام حين نظروا الي سفينة نبيهم و استهزأوا بها و به و قالوا: أصبح نبينا نجارا!. و قد خسئوا.. فلم يصبح نبيهم نجارا!. و لا كان نبينا صلي الله عليه و آله و سلم بحارا!. اذ تخلف عن ركوب سفينة النجاة التي امرنا بركوبها أكثر المسلمين، و لم يتمسك بحبل الله الذي ذكره لهم الا القليلون، و لم يحفظوا ما خلفه صلي الله عليه و آله و سلم ليظلوا مع الثقلين، بل [ صفحه 30] «ضلوا» عن كليهما معا، فلم يحفظوا عترته، و لم يرفعوا لحبل الله تعالي يدا و لا نظرا؟!! و الجو الواقعي الذي نعيشه هو: أن القرآن - كتاب الله - صار في أيامنا أغاني و ترانيم و ألحان أحزان... لا كما أراده الرحمان!. و أن عترة محمد صلي الله عليه و آله و سلم - أهل بيته - قد صاروا من بعده مبعدين و محاربين بعصبية رفعت رأسها فور لحوق النبي بالرفيق الأعلي!. فأصبحوا - بين المسملين - فروع شجرة النبوة المقطوعة الأصل، الموتورة الحق، المظلومة، المجفوة التي هجرت هجرا غير جميل، و دفعت عن مقامها الالهي دفعا غير رحيم!. و لكن تلك الفروع أبت - و الحمدلله - الا أن تنبت علي عروقها، و تستوي علي سوقها، حاملة مشعل رسالة الاسلام، و رافعة علم الذود عنها من غير أن يضرها «قطع» من قطعها و لا «ادبار» من أشاح بوجهه عنها. لأنها مرصودة لأمر الله، من قبل الله جل و عز، صادعة بأمر نبيه صلي الله عليه و آله و سلم. لا تبالي بالظلم و لا بالقطع.. لأن من ظلمها ظلم نفسه، و من قطعها قطع الحبل بينه و بين ربه، و قطع الصلة بينه و بين نبيه... لأنها باب رحمة، و عيبة علم و معرفة، و ينابيع حكمة و تشريع، بقيت صامدة في جنب الله فرعا بعد فرع.. و ستبقي كذلك الي أن تنطفي‌ء شمس هذا الكون. مؤكدة أن استمرار «وظيفتها» امتداد للدعوة الالهية التي صدع بها محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و مبرهنة علي أنها أحد ثقلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم زمانا بعد زمان الي منتهي الدوران، و أن التمسك بها ثقيل في الميزان، مرضي عند الرحمان!. لأنها هي شجرة النبوة المتصلة بارادة الله عز و علا التي قال عنها القرآن الكريم: [ صفحه 31] (أصلها ثابت و فرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين باذن ربها...) [38] . فأصلها ثابت يتجاوز تخوم الأرض بانتمائها لصاحب الرسالة صلي الله عليه و آله و سلم، و فرعها ضارب في العلو و السمو، لا يدرك شأوه، لصدورها عن أمر ربها، و هي تؤتي أكلا دائما، و الحمدلله. فالأنبياء و أوصياؤهم عليهم‌السلام، هم مستودع علم الله تعالي في الأرض، و معدن حكمته و مهبط وحيه و تنزيله، و أمناؤه و حججه علي عباده، و لا هم يشغلهم الا احقاق الحق و ابطال الباطل و حماية شريعة الله تعالي في الأرض لاصلاح شأن العباد معاشا و معادا... و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام: «ان العلماء ورثة الأنبياء؛ و ذلك أن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما، و انما ورثوا أحاديث من أحاديثهم. فمن أخذ بشي‌ء منها فقد أخذ حظا وافرا. فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فان فينا في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين» [39] . فأهل بيت النبي صلوات الله و سلامه عليه و عليهم، هم أئمة العدل المنتجبين لحماية هذا الدين، و قد اصطفاهم ربهم عز و جل لهذه الوظيفة، و منحهم علما لدنيا ليكونوا مل‌ء المركز الالهي. و قد لقي رجل الامام الحسين الشهيد عليه‌السلام و هو بطريقه الي كربلاء، فقال له الامام بعد أن دخل عليه و سلم و جلس: «من أي البلاد أنت؟. فقال: من أهل الكوفة. فقال عليه‌السلام: أما و الله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرائيل من دارنا، و نزوله علي جدي بالوحي!. يا أخا أهل الكوفة: مستقي العلم من عندنا. أفعلموا و جهلنا؟!. هذا ما لا يكون»! [40] . [ صفحه 32] فهم حملة الرسالة و أهلها و محلها الذين قال فيهم جدهم صلي الله عليه و آله و سلم: «ان أهل بيتي الهداة بعدي، أعطاهم الله فهمي، و علمي؛ و خلقوا من طينتي. فويل للمنكرين حقهم من بعدي، القاطعين فيهم صلتي!. لا أنا لهم الله شفاعتي» [41] . و قال صلي الله عليه و آله و سلم: «انا، أهل البيت، أهل بيت الرحمة، و شجرة النبوة، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، و معدن العلم» [42] . و قال حفيده لباقر عليه‌السلام: «نحن شجرة النبوة، و بيت الرحمة، و مفاتيح الحكمة، و معدن العلم، و موضع الرسالة، و مختلف الملائكة، و موضع سر الله. و نحن وديعة الله في عباده، و نحن حرم الله الأكبر، و نحن عهد الله. فمن وفي بذمتنا فقد و في بذمة الله، و من وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله، و من خفرنا فقد خفر ذمة الله و عهده» [43] . و هذا قليل من كثير مما هم عيه من المكانة العلوية. و قد أجاب الامام الصادق عليه‌السلام رجلا سأله: ما منزلتكم من ربكم؟. - قائلا: «حجته علي خلقه. و بابه الذي يؤتي منه، و أمناؤه علي سره، و تراجمة وحيه» [44] . و ان الملائكة لتتنزل عليهم لتسددهم و تؤيدهم كما تتنزل علي كل مخلوق ليكتب بعضها حسناته و سيئاته، و ليحرسه بعضها من بين يديه و من خلفه و يحفظه من أمر الله، مع فارق أنهم موظفو السماء و لهم علي السماء زيادة في العناية و التسديد... و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام لصاحبه الحسين بن أبي‌العلا: «يا حسين، بيوتنا مهبط الملائكة، و منزل الوحي. [ صفحه 33] و ضرب بيده الي مساور في البيت فقال: يا حسين، مساور و الله طالما اتكأت عليها الملائكة!. و ربما التقطنا من زغبها» [45] . و كذلك أبوه الباقر عليه‌السلام، فقد قال له حمران بن أعين: «جعلت فداك، يبلغنا أن الملائكة تنزل عليكم؟. فقال عليه‌السلام: ان الملائكة و الله لتنزل علينا تطأ فرشنا. أما تقرأ كتاب الله تعالي: (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا، و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)؟ [46] . و روي قريب منه عن الصادق عليه‌السلام و زاد قائلا: «... و ما من يوم يأتي علينا و لا ليل، الا و أخبار الأرض عندنا و ما يحدث فيها» [47] . ذاك أن علمهم موهوب لا مكسوب، تصلهم أخبار السماء و الأرض كما تصل أي سفير أو وزير مفوض لأية دولة من دول الأرض أخبار دولته.. و قد أقسم الامام الباقر عليه‌السلام علي ذلك قائلا: «و الله انا لخزان الله في سمائه و أرضه، لا علي ذهب و لا فضة، الا علي علمه!.» [48] . و في خبر آخر قال: «نحن خزان الله علي علم الله، نحن تراجمة وحي الله، نحن الحجة البالغة علي من دون السماء و فوق الأرض» [49] . و حدد ذلك ابنه الصادق عليه‌السلام و قيده بقوله: «ان لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه الا هو، من ذلك يكون البداء. و علم علمه ملائكته، و رسله، و أنبياءه، و نحن نعلمه» [50] . فعلمهم متوارث، مرصود علي أولياء الله في أرضه، نزل الي الأرض من لدنه [ صفحه 34] سبحانه لمصلحة العباد، و ما زال تركة كل ولي الخلفه الي أن يرث الله تعالي الأرض. و قد قال أبوجعفر الباقر عليه‌السلام: «ان العلم الذي لم يزل مع آدم لم يرفع، و العلم يثوارث، و كان علي عالم هذه الأمة. و انه لن يهلك منا عالم الا خلفه من أهله من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله» [51] . و قال ابنه عليه‌السلام من بعده: «الله أحكم و أكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه خبر السماء صباحا و مساء» [52] . و هم بذلك لا يدعون علم غيب، بل هو عهد محفوظ في كتاب مرقوم عبر عنه الامام الصادق عليه‌السلام بقوله المؤكد بيمين معظمة: «و الله اني لأعلم ما في السماوات و ما في الأرض، و ما في الجنة و ما في النار، و ما كان و ما يكون الي أن تقوم الساعة!. أعلمه من كتاب أنظر اليه هكذا - ثم بسط كفيه ثم قال -: ان الله يقول: (و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‌ء)» [53] . و اذا استرسلنا في بيان مورد علمهم، و مبلغه و سعته و مواده، يطول بنا المقال كثيرا و نحتاج الي بحث مستقل، و لذلك سنقتصر علي ما قدمناه للقاري‌ء الكريم، مع اضافة شي‌ء آخر يوضح له طريق دراسة سير الأئمة عليهم‌السلام، و يبين له أن لهم شأنا خاصا يختلف عن شؤون الناس العاديين، و يجعله أمام حقيقة هامة تتلخص في أنه أمام آيات ربانية، هو مخير بين الايمان بها و بين انكارها؛ و يسليه عرضها أمام ناظريه لما فيها من عجائب و غرائب و خوارق.. ثم لا يضرها أي انكار أو رفض!. فقد حدد الامام الباقر عليه‌السلام علمهم لصاحبه أبي‌بصير بالتحديد الدقيق التالي: «قرأ هذه الآية: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) [54] ثم فال: و الله ما قال: بين دفتي المصحف. [ صفحه 35] قال أبوبصير: من هم، جعلت فداك؟. - أي من هم الذين أوتوا العلم؟ -. قال عليه‌السلام: من عسي أن يكونوا غيرنا؟!». [55] . هذا و قد وصلهم الله تعالي بخط فوق - الكتروني خاص، هو اسمه الأعظم الذي اذا دعي به علي مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت، و اذا دعي به علي مضائق أبواب الأرض للفرج انفرجت، و اذا دعي به علي العسر لليسر تيسرت، و اذا دعي به علي الأموات للنشور انتشرت، و اذا دعي به علي كشف البأساء و الضراء انكشف.. فقد كانوا يملكون هذا الاسم الكريم الذي تجاب به دعوة المضطر للحال. و قد صرحوا بذلك في روايات كثيرة و مناسبات عديدة، و استعملوه فأروا الناس عجبا!. قال الامام الباقر عليه‌السلام لصاحبه جابر: «ان اسم الله الأعظم علي ثلاثة و سبعين حرفا. و انما كان عند آصف منها حرف واحد، فتكلم به فخسف به الأرض ما بينه و بين سرير بلقيس، ثم تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين. و عندنا نحن من الاسم اثنان و سبعون حرفا، و حرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده. و لا حول، و لا قوة الا بالله العلي العظيم» [56] . فآية علمهم كآية كون النبي صلي الله عليه و آله و سلم أميا. فقد سأل جعفر بن محمد الصوفي امامنا أباجعفر، محمد الجواد عليه‌السلام عن ذلك فقال له: «يا ابن رسول الله، لم سمي النبي الأمي؟. قال: ما يقول الناس؟. قلت له: جعلت فداك، يزعمون أنما سمي النبي الأمي لأنه لم يحسن أن يكتب. فقال: كذبوا، عليهم لعنة الله!. أني يكون ذلك و الله تعالي يقول في محكم [ صفحه 36] كتابه: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته، و يزكيهم، و يعلمهم الكتاب و الحكمة..) [57] فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟. و الله لقد كان رسول الله يقرأ و يكتب باثنين و سبعين - أو قال بثلاثة و سبعين - لسانا!. و انما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة، و مكة من أمهات القري، و ذلك قول الله تعالي في كتابه: (لتنذر أم القري و من حولها)» [58] . و الائمة عليهم‌السلام يعرفون الانسان بحقيقة الايمان، و بحقيقة الكفر، و لا تخفي عليهم مثل هذه الأمور لأنهم أهل كشف و معرفة مخلوقين معهم. و قد قال أبوجعفر الباقر عليه‌السلام: «ان الله أخذ ميثاق شيعتنا فينا من صلب آدم، فنعرف بذلك حب المحب و ان أظهر خلاف ذلك بلسانه، و نعرف بغض المبغض و ان أظهر حبنا أهل البيت» [59] . ثم قال لصاحبه جابر: «انا لو كنا نحدثكم برأينا و هوانا، لكنا من الهالكين. ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كما يكنز هؤلاء ذهبهم و فضتهم» [60] . و قال لفضيل بن يسار موضحا أكثر فأكثر: «انا علي بينة من ربنا بينها لنبيه، فبينها نبيه لنا. فلولا ذلك كنا كهؤلاء الناس» [61] . و زاد في توضيح مصدر علمهم الامام أبوالحسن عليه‌السلام، كما عن علي السائي الذي قال: «سألته عن مبلغ علمهم؟. فقال عليه‌السلام: مبلغ علمنا ثلاثة وجوه: ماض، و غابر، و حادث. [ صفحه 37] فأما الماضي فمفسر، و أما الغابر فمزبور - أي مذكور مدون - و اما الحادث فقذف في القلوب، و نقر في الأسماع؛ و هو أفضل علمنا، و لا نبي بعد نبينا» [62] . - أي لا تظنوا أنه يوحي الينا بأوامر و نواه جديدة -. و كذلك قال أبوجعفر، الباقر عليه‌السلام لأبي‌بصير: «يا أبامحمد، ان عالمنا لا يعلم الغيب. و لو وكل الله عالمنا الي نفسه، كان كبعضكم، ولكن يحدث اليه ساعة بعد ساعة». [63] أي يبلغه الحوادث الجديدة. و لذلك نبه الامام الصادق عليه‌السلام أصحابه بقوله: «اتقوا الكلام، فانا نؤتي به!.» [64] . و كان أبوه عليه‌السلام قد قال لأصحابه من قبل: «قوموا تفرقوا عني مثني و ثلاث، فاني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي!. فليسر عبد في نفسه ما شاء؛ ان الله يعرفنيه!» [65] . و هو القائل صراحة: «الامام منا ينظر من خلفه كما ينظر من قدامه» [66] . و ما في ذلك أية صعوبة اذا كان أمام الامام مرآة الهية خفية علينا، ينظر فيها فتعكس له صورة ما وراءه. و مثل هذه الاشكالات لم يستسغها القدامي بسهولة، و لا أخذوا بها أخذ المسلمات ببساطة، بل تقصوا حقائقها جدا، و بحثوا و محصوا و استفهموا ليزول ارتيابهم و ليحصل لهم التصديق و اليقين. و بذلك نبشوا خفايا من الأمور لو أنها بقيت طي الكتمان لضعنا وضاع رواد الحقيقة الي الأبد. قال أبوبصير للامام الصادق عليه‌السلام: «جعلني الله فداك، العالم منكم يمضي - أي يموت - في اليوم، أو في الليلة، و في الساعة يخلفه العالم من بعده في ذلك اليوم، أو في تلك الساعة يعلم مثل علمه؟!. [ صفحه 38] قال عليه‌السلام: يا أبامحمد، يورث كتبا، و يزاد في الليل و النهار، و لا يكله الله الي نفسه» [67] . و قال الامام الهادي عليه‌السلام: «ان الله جعل قلوب الأئمة موردا لارادته، فاذا شاء الله شيئا، شاؤوه، و هو قول الله: (و ما تشاؤون الا أن يشاء الله) [68] . و أكتفي بهذا المقدار الجزئي الذي يعطي ملامح الصورة و خطوطها البارزة التي يعرف القاري‌ء من خلالها شأن أهل البيت عليهم‌السلام - قبل أن يتخذ لنفسه رأيا شخصيا في مقابل رأي السماء - فينظر في أحوالهم نظره الي أولياء، أصفياء، منتجبين من لدن رب العالمين. و لن أنسي ذكر قول أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام - كما عن أحمد بن عمر الحلبي: «لا يستكمل عبد الايمان حتي يعرف أنه يجري لآخرنا ما يجري لأولنا، و هم في الطاعة، و الحجة، و الحلال، و الحرام، سواء. و لمحمد و أميرالمؤمنين فضلهما» [69] . فلا ينبغي أن يدرس نبينا الأعظ، و أئمتنا الكرام، صلوات الله عليه و عليهم، الا علي حقيقتهم، حتي يعرف حديثهم علي حقيقته.. و لا يتيسر ذلك الا لمن نال مرتبة الايمان بالله، و رسوله، و بولاية أهل بيت رسوله، و عرف أنهم من طينة خاصة مختارة من قبل العزة الالهية، قال عنها الامام الصادق عليه‌السلام: «ان الله خلقنا من طينة عليين، و خلق قلوبنا من طينة فوق عليين. و خلق شيعتنا من طينة أسفل من ذلك، و خلق قلوبهم من طينة عليين، فصارت قلوبهم تحن الينا لأنها منا. [ صفحه 39] و خلق عدونا من طينة سجين، و خلق قلوبهم من أسفل من سجين. و ان الله راد كل طينة الي معدنها، فرادهم الي عليين، و رادهم الي سجين» [70] . و زاد في رواية ثانية: «و كل قلب يحن الي بدنه» [71] . و هكذا تري أن الناطقين بالشهادتين بين مصدق بما صدر عن النبي و عنهم، و بين مكذب بذلك، لأن الناس مختلفون في القناعات بهم و بما هم عليه، و متفارقون في اتخاذ الآراء و المواقف منهم، بمقدار ما تختلف طينتهم في الجبلة الأولي، و بمقدار ما تتباين عقولهم في مراتب التفكير، أو ما يكون عليه هوي نفوسهم من مد أو جزر أو جذب أو دفع، مضافا الي أن الأمور العاطفية تتركز في القلب و الأعصاب و الدم فلا قوة للعقل علي تحويلها الا بالجهد، و أن الأمور العقائدية «تصير» أمورا عاطفية تحرن أمام براهين العقل و تمامي‌ء أمام قواعد المنطق، و تنظر الي ذلك نظرها الي السفسطة و زخرف القول، و تركز جهودها علي انكار فحوي كل جديد عليها، فتضيع عن مبناه و معناه. و هذا هو الذي أبقي الجاهلي علي جاهليته، و خول المعاند أن يقول حين يري معاجز محمد صلي الله عليه و آله و سلم: الآن علمت أنك ساحر!. مع أنه خالف ضميره، و صرح بغير قناعته التي أكدت له نبوة النبي.. فالتشيع لأهل البيت عليهم‌السلام - مثلا - لا يكون بحبهم، و لا بالاعتراف بأنهم أولاد رسول الله صلي الله عليه و عليهم فحسب، لأن ذلك لا يوصلهم الي حقهم الالهي المفروض منه تعالي.. بل هو بحسب ما حدده الامام الباقر عليه‌السلام لصاحبه جابر بقوله له: [ صفحه 40] «يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟!. فوالله ما شيعتنا الا من اتقي الله و أطاعه. و ما كانوا يعرفون - يا جابر - الا بالتواضع، و التخشع، و الأمانة، و كثرة ذكر الله، و الصوم، و الصلاة، و البر بالوالدين، و التعهد للجيران من الفقراء و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام، و صدق الحديث، و تلاوة القرآن، و كف الألسن عن الناس الا من خير، و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله، ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة. فقال عليه‌السلام: يا جابر، لا تذهبن بك المذاهب: حسب الرجل أن يقول: أحب عليا و أتولاه، ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟!. فلو قال: اني أحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - فرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خير من علي عليه‌السلام - ثم لا يتبع سيرته، و لا يعمل بسنته، ما نفعه حبه اياه شيئا. فاتقوا الله و اعملوا لما عند الله. ليس بين الله و بين أحد قرابة، أحب العباد الي الله عز و جل - و أكرمهم عليه - أتقاهم، و أعملهم بطاعته. يا جابر: فوالله ما يتقرب الي الله تبارك و تعالي الا بالطاعة. و ما معنا براءة من النار، و لا علي الله لأحد من حجة. من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، و من كان لله عاصيا فهو لنا عدو. و لا تنال شفاعتنا الا بالعمل و الورع» [72] . فلا تمار بآلائهم ليقال انك محب، و لا تلجي‌ء نفسك الي حبهم الجاء... و لا تحملها علي توليهم حملا... بل كن مسلما... عاملا باسلامك كما نزل من عند الله... تكن محبا... و مواليا، لهم و لمن والاهم، بكل تأكيد.. و تكن - من ثم - مسلما لله، مسلما بقول رسول الله، مؤمنا بكامل ما جاء به عن ربه. [ صفحه 41] و بهذا يتضح جليا أن «الحديث» أو «الأمر» الذي صرحوا به، هو أمانة ثقيل حملها، جليل أمرها، لا تلج الآذان دون استئذان، و لا تدخل الي القلوب دون برهان، و لا تستسيغها النفوس دون ايمان... و هي - بحقيقتها - ما حمله أهل بيت النبي صلي الله عليه و عليهم الي الناس من الخير المحض، و ما نقلوه من «أمر الله» الذي صدع به جدهم مستقي من عين صافية يتناول بيان رسالة الاسلام و سائر رسالات السماء، ليمتحن الله تعالي الناس بالحق فيقف كل امري‌ء منها موقف «ايمان» أو «لا ايمان»... و لا أمر بين الأمرين. فبالنسبة الينا - كمسلمين - يكون «أمرهم» - أو «حديثهم» - ذاك الذي عناه كتاب الله الكريم بقوله تعالي: (انا عرضنا الأمانة علي السماوات و الأرض، فأبين أن يحملنها و أشفقن منها، و حملها الانسان، انه كان ظلوما جهولا» [73] . فقد أبت الكائنات حمل تلك الأمانة... و حملها الانسان. فعرفها من الناس من عرفها، و ضل عنها من ضل، فكان «ظلوما» لنفسه «جهولا» بها و بماهيتها، اذا لم يؤمن بجميع ما جاء عن الله تعالي، و لم يقر بولاية أوليائه اقرار تصديق لا يرقي اليه الريب. فحديثهم يحمل هذه الأمانة في طي ألفاظه و منحنيات حروفه، و ما خلا حديث واحد من أحاديثهم عن أمر من أوامر الله عز و جل لأنهم كانوا مستأمنين أمناء في غاية الأمانة. و لكن، ما أقل الآخذين «بحديثهم» و «بأمرهم» مئة بالمئة!. و ما أقل الواصلين الي مرتبة تصديقهم، و منزلة حمل «أمانتهم» الي الغير، ليكونوا مؤدين لها «كالنبي المرسل» و «كالملك المقرب» و «كالمؤمن الممتحن الذي يري لزاما عليه «نقل» الحق الي من سواه من اخوانه المسلمين!. فحديث الله تبارك و تعالي، هو كتابه الكريم، و حديث محمد صلي الله عليه و آله و سلم، هو «دعوته» و رسالته بالكامل، [ صفحه 42] و حديث أهل البيت عليهم‌السلام - بالحقيقة - هو ما نقلوه عن كتاب الله و سنة نبيه و جوهر رسالته مما يجسد ولايتهم التي حباهم الله تعالي بها. فالدعوة الي الله، و الأمر بالحق، و النهي عن الباطل، من حديثهم - و من أمرهم - الذي يحمله المؤمن الي أخيه المؤمن؛ كما أن «ولايتهم» - كذلك - من صميم هذا الواجب، لأن المسلم مسؤول عنها، و لا عذر له في جهلها و لا في تجاهلها. و عن أبي‌بصير أن الامام الصادق عليه‌السلام قال له: «يا أبامحمد، ان عندنا و الله سرا من سر الله، و علما من علم الله ما يحتمله ملك مقرب، و لا نبي مرسل، و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان. و الله ما كلف الله ذلك أحدا غيرنا. و ان عندنا سرا من سر الله و علما من علم الله أمرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله عز و جل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعا، و لا أهلا، و لا حمالة يحتملونه، حتي خلق الله أقواما خلقوا من طينة خلق منها محمد و آل محمد و ذريته عليهم‌السلام، من نور خلق الله منه محمدا و ذريته، و صنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمدا و ذريته. فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه و احتملوا ذلك. فبلغهم ذلك عنا فقبلوه و احتملوه. و بلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم الي معرفتنا و حديثنا. فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك، لا و الله ما احتملوه. ثم قال: ان الله خلق أقواما لجهنم و النار، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم. اشمأزوا من ذلك، و نفرت قلوبهم، و ردوه علينا، و لم يحتملوه، و كذبوا به، و قالوا ساحر كذاب!. فطبع الله علي قلوبهم، و أنساهم ذلك، ثم أطلق لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به و قلوبهم منكرة، ليكون ذلك دفعا عن أوليائه و أهل طاعته. و لو لا ذلك ما عبدالله في أرضه. فأمرنا الله بالكف عنهم و الستر و الكتمان. فاكتموا عمن أمر الله بالكف عنه، و استروا عمن أمر الله بالستر و الكتمان عنه. قال: ثم رفع يده و بكي و قال: اللهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون، فاجعل محيانا محياهم، و مماتنا مماتهم، و لا [ صفحه 43] تسلط عليهم عدوا لك فتفجعنا بهم؛ فانك ان أفجعتنا بهم لم تعبد أبدا في أرضك، و صلي الله علي محمد و آله و سلم تسليما» [74] . فمن هم أولئك الذين يعبدون الله حقا دون غيرهم من الناس؟ و لماذا كانوا شرذمة قليلين؟. و لم دعا الامام ربه أن يصونهم؟!. هذه أسئلة تطرح نفسها، و تجري - هي و غيرها - علي ألسنة الكثيرين من الناس، و يضيق بها صدر من «لا يريد» أن يحمل الكلام أكثر من ظاهره. و لكن، اذا سمع الجواب عليها دون تعقيد، لرأيناها تعني أن «الايمان» بولاية الأئمة جزء من الايمان بأمر الله تعالي، لأن أمرهم من أمره، و التعبد له سبحانه بالربوبية، كالتسليم لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة، و كالاقرار لهم بالولاية من غير أن يذهب بأصحاب الصدور الحصرة أن ذلك الاقرار يجعل الأئمة شركاء في ألوهية الله، و أكفاء في نبوة النبي!. فمعني ذلك، أبسط من ذلك.. و هو أن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عباد مكرمون... قد أسلموا وجوههم لله تبارك و تعالي، و صدقوا برسوله و بما جاء به تصديقا لا يخامره ريب، فجعلهم الله تعالي عرفاء مقديمن علي غيرهم بما أفاض عليهم من نعمائه و ما أجزل عليهم من عطائه. فنصبهم سبحانه و تعالي لولاية أمور عباده، و جعلهم حججا عليهم، كما أنعم عز اسمه علي جدهم صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة و باقامة أمره، و جعله رسولا، و شاء ذلك و قضي به، كما شاء هذا و قضي به. فكان انكار أمرهم انكارا لفعله سبحانه، و اعتراضا علي مشيئته، و مشاركة له في ارادته، لأنه رفض للمنصوص عنه علي لسان رسوله!. و المؤمن بذلك، هو وحده المصدق بما جاء عن الله كاملا؛ و هو - بالتالي - [ صفحه 44] المتعبد له بالطاعة و الاذعان لكل ما نزل من عنده؛ لأنه لا يؤمن ببعض ما جاء و يكفر ببعض. و المؤمنون بأوامره سبحانه كاملة و الي غاية منتهاها، هم شر ذمة قليلون.. و كثيرا ما يكونون مرفوضين - من أهل الدنيا و أهل الباطل - و ملاحقون، و محاربون... فلا عجب أن يدعو الامام لهم بالصون من أيدي الظلمة في الأرض.. و لا أكثر من ذلك في طي ذلك الجواب. و لزام علي من كان - كذلك - مؤمنا ممتحنا - بالتصديق لحديثهم - أن ينبذه الي حمالة يحتملونه عنه ليخرجوه بدورهم الي غيرهم، لأنه اذا تنوقل علي هذا الشكل يبقي سائرا باستمرار، و ينجو الناس من الضياع و يأخذون طريق الحق و الهدي. و نحن انما نفعل ذلك.. رغم بعدنا عن منزلة الايمان الممتحن. و لا يعجلن قارئي الكريم بتقليب شفتيه قبل أن يتهضم كلامي علي وجهه المقصود، لأن العجلة غير محمودة العاقبة. فالأرض لا تخلو من حجة لله تعالي علي عباده - منذ آدم عليه‌السلام - اما أن يكون ظاهرا معروفا مقبولا، و اما أن يكون غائبا مستورا عن أعين أهل الباطل. و لم يكن نبي بدون وصي - باعتراف سائر الفرق الاسلامية، و في سائر الأديان -، كما أن أحدا من الناس لا يموت بلا وصية ينفذها «وصي» يجعله قائما علي أمره من بعده، مع فارق هام و هو أن أوصياء الموتي يوزعون تركاتهم بحسب القواعد الشرعية و ينتهي عملهم، و أن أوصياء الأنبياء يكونون خلفاء الله علي أرضه، و يبقون ولاة للأمر، هداة أمناء علي التراث السماوي، متعاقبين علي ذلك واحدا بعد واحد، و الي الأبد.. جاريا لأولهم من العلم و الفضل ما يجري لآخرهم، يقدمون أمر الله علي كل أمر، و حكم الله علي أي حكم، و لا يتعدون الصواب و لا يخالفون السنة و لا الكتاب. و لذلك قال الامام الصادق عليه‌السلام: [ صفحه 45] «ان الحجة لا تقوم لله علي خلقه الا بامام حي يعرف» [75] . و قال عليه‌السلام في حديث طويل: «.. لعلكم ترون أن هذا الأمر في الامامة الي الرجل منا يضعه حيث يشاء!. و الله انه لعهد من الله نزل علي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم الي رجال مسمين: رجل فرجل حتي تنتهي الي صاحبها» [76] . و مما لا مشاحة فيه و لا جدال، أنه حتي يتمكن الرسول من القيام بدوره الرسالي كاملا في مجتمعه، لا بد أن يكون معدا اعدادا تاما يكفل القيام بهدم أوضاع سقيمة و اقامة أوضاع سليمة، و منزها عن سائر انحرافات مجتمعه، متأصلا علي كل ما هو جدير بأن يجعله القدوة الصالحة و المثل الأكمل و النموذج الفرد، بحكم كونه خليفة الله تعالي في أرضه و حجته علي خلقه، و بحكم كونه «مصنوعا» من عنده تعالي كما ينبغي أن يكون خليفته عز و جل. و لا جدال و لا مشاحة - أيضا - في أن الوصي - أو الامام - الذي يكون عمله امتدادا لعمل الرسول، يجب أن يكون معدا اعداد الرسول لحمل رسالته، ليكون جديرا بصون ما أقام الرسول من بناء، و حياطة جميع ما سنته السماء، و أن يكون قدوة في العلم و الفضل، و مثلا أعلي للناس بحكم مركزه الذي انتدبه الله تعالي اليه.. و اذا كان الأمر كذلك، كان وصي النبي علي تراثه الرباني - اذا - ذا صلاحيات تفوق مستوي صلاحيات وصي الميت العادي علي تركته. و لذلك يشرف الرسول - بأمر ربه و مشيئته - علي تربية وصية تربية لائقة بحمل الرسالة، و كفيلة بأن تجعله حجة في العلم، و الفضل، و الخلق، و تعميق المفاهيم، و تثبيت الأحكام، و تصحيح الأخطاء، ليتحقق به استمرار الأداء و امتداد أمر السماء من غير حاجة للرجوع الي من هو أفضل منه. [ صفحه 46] فاعداد الوصي، هو - أيضا - سماوي كاعداد الرسول، و هو من مهمة الله تعالي بالذات، لا مهمة أحد سواه، و ان كان الرسول هو الذي يباشر «تطبيعه» بحسب الوحي ليتم التطابق بين سلوكية الرسول و وصيه. ذاك أن الامامة - الشبيهة بالنبوة - سفارة سماوية بالمعني الواسع و الضيق، تصدر «مراسيمها» عن السدة الالهية و من فوق عرش الله تبارك و تعالي. و هي - كالنبوة - مما تفرد سبحانه به لنفسه، و أملاه علي رسوله املاء - و حيا من عنده، و لا دخل لغيره في تعيين سفرائه و تسمية حججه علي أرضه. و قد قال الامام الرضا عليه‌السلام: «نحن حجج الله في أرضه، و خلفاؤه في عباده، و أمناؤه علي سره. و نحن كلمة التقوي، و العروة الوثقي، و نحن شهداء الله و أعلامه في بريته. بنا يمسك الله السماوات و الأرض أن تزولا، و بنا ينزل الغيث و ينشر الرحمة. لا تخلو الأرض من قائم منا، ظاهر أو خاف؛ و لو خلت يوما بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» [77] . و قال من قبله جده الصادق عليه‌السلام: «ان الأرض لا تخلو من أن يكون فيها حجة عالم؛ ان الأرض لا يصلحها الا ذلك، و لا يصلح الناس الا ذلك» [78] . و لم يتجرأ - و لا تجرأ، و لن يتجرأ - أحد أن يقولها غير هم منذ أربعة عشر قرنا و الي قيام الساعة، لأنهم - وحدهم - أهلها، في محلها. و من يقلها بغير حق يناد علي نفسه بالكذب، أو يرم بحجارة من السماء، أو يؤخذ بعذاب أليم!. فلا ينظر الي الامام الوصي، الا من خلال أن حجة الله في الأرض يكون من [ صفحه 47] غير طينة الآخرين، و ان كان بشرا من البشر - تماما كما أن النبي بشر من طينة عليين -. فالأنبياء، و أوصياؤهم، هم حماة الخلق من الضلال، و وقاة رسالة السماء من الانحراف أو الزوال؛ لأنهم سدنة الدين الذين لا يفوتهم شي‌ء من حقائقه و دقائقه. كما أنه «لا يغيب» عنهم شي‌ء مما يكون الخلق عليه في كل حال و في كل زمان و مكان. و لهذا قال الامام الصادق عليه‌السلام لعبد العزيز الصائغ: «أتري أن الله استرعي راعيا علي عباده، و استخلف خليفة عليهم، يحجب عنه شيئا من أمرهم؟!!». [79] . و الجواب: قطعا، لا. فان الحكومة لا تنتدب سفيرا لها الا اذا كان من المثقفين النابهين، و من أهل الفكر و الرأي المتقنين لعدة لغات، ليعطي صورة جميلة لوجه دولته. فلا جرم أن يكون سفير الله علي المستوي الأمثل لسفارة الاله ليعطي الصورة المباركة المثلي لحكومة السماء. و هذا هو معني قول الامام الصادق عليه‌السلام لصاحبه هشام بن الحكم: «يا هشام، من شك أن الله يحتج علي خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون اليه فقد افتري علي الله» [80] . و انه ليفتري عليه سبحانه افتراء عظيما، اذ يرميه بالعجز عن «تجهيز» سفيره بما يلزمه. فمن المستحيل أن يكون السفير جاهلا ما هي عليه دولته من سياسة و تخطيط و نظام، بل يكون راسخ العلم فيما يختص بأنظمتها و أهدافها، و بما يوافق تلك الأنظمة و الأهداف أو يخالفها. و علي هذا الأساس قال الامام الباقر عليه‌السلام في معني قوله تعالي: (و ما [ صفحه 48] يعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم) [81] . «... رسول الله أفضل الراسخين. قد علمه الله جميع ما أنزله الله اليه من التنزيل. و ما كان لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله. و أوصياؤه من بعده يعلمونه كله» [82] . فكيف يسلم المسلم بهذا للرسول.. ثم ينكره علي وصيه؟. أفلا يعلم بأنه حين يحط من شأن الوصي يكون قد حط من شأن الموصي؟!!.. بلي.. و ان أئمة أهل البيت ليعلمون التنزيل و التأويل كما يعرفه الرسول - معلمهم الأصيل - و هو (آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم..) [83] : و «هم الائمة خاصة». [84] كما قال ذلك الامام الرضا و غيره من آبائه و أبنائه عليهم‌السلام جميعا.. و كما حفظت هذا القول كتب الحديث و التاريخ. و (الله اعلم حيث يجعل رسالته..) [85] و هو غير محتاج لمن يصطفي لولاية أمره و خلافته علي خلقه.. و نحن بحاجة الي وقفة تأمل.. قبل اتخاذ القرار... لئلا نقع في الضياع!. و قبل انهاء الكلام في هذا الموضوع، نطلع القاري‌ء الكريم علي انداز الامام الباقر عليه‌السلام، الذي نقله عنه محمد بن مسلم، حيث قال: «كل من دان لله عز و جل بعبادة يجهد بها نفسه و لا امام له من الله، فسعيه غير مقبول، و هو ضال متحير؛ و الله شاني‌ء لأعماله. و مثله كمثل شاة ضلت عن راعيها و قطيعها، فهجمت ذاهبة و جائية يومها. فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنت اليها و اغترت بها، فباتت [ صفحه 49] معها في مربضها. فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها و قطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها و قطيعها فبصرت بغنم مع راعيها، فحنت اليها و اغترت بها، فصاح بها الراعي: الحقي براعيك و قطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك و قطيعك. فهجمت ذعرة، متحيرة، تائهة، لا راعي لها يرشدها الي مرعاها أو يردها. فبينا هي كذلك اذ اغتنم الذئب ضيعتها، فأكلها!. و كذلك و الله يا محمد، من أصبح من هذه الأمة لا امام له من الله عز و جل، ظاهر عادل، أصبح ضالا تائها. و ان مات علي هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد، أن أئمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا و أضلوا. فأعمالهم التي يعملونها (كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا علي شي‌ء ذلك هو الضلال البعيد) [86] . [ صفحه 51]

ما لا بد من قوله: هم محدثون... و ملهمون..

الأمر الثاني مما لا بد من قوله قبل الدخول في صلب موضوعنا، هو أن أولياء الله تعالي محدثون... و ملهمون... و قد يوحي اليهم!. و انهم كذلك ببراهين نعرضها من غير أن نحكي حكي نسوان أو تخاليط أحلام، و من غير أن نعتمد رصف الجمل و تفويف الألفاظ. فأئمتنا عليهم‌السلام كانوا «يعطون» حلول ما يعرض لهم من مسائل و مشاكل في شتي مناسبات حياتهم، حتي اشتهر ذلك عنهم و ذاع و ملأ الأسماع، فغصت بطون الكتب بتسجيل آياتهم و معجزاتهم التي حفل بها التاريخ و أثبتها علي صفحات مشرقة... و لكن حب الدنيا حرف أنظار الراغبين في الدنيا عنهم و عما سجل التاريخ لهم، اذ أقصوا عن الحكم و لوحقوا بشدة - و خصوصا في عهدي السفيانية و العباسية - بل دفعوا عن حقهم قبل ذينك العهدين بشهوة السلطة و طمعا بالحكم و بنعيمه و عضارته، فأوذوا، و قهروا، و استضعفوا، و حيل دون ظهور علمهم و فضلهم، و لكنه خرج من بين ذين و ذين ما ملأ الخافقين. فاذا فضلهم بغاية الظهور، و اذا صفاتهم قد أخذت بالريشة أخذا دقيقا وثيقا، كمراجع للأمة بلا جدال، و كحملة للقرآن و السنة لدي كل سؤال، بله ما كان و ما يكون، و سيبقي فضلهم ظاهرا الي أن تنطفي‌ء شمس هذا الكون!. و لكن.. هل كان أهل البيت عليهم‌السلام ضعفاء حتي اعتبروا مستضعفين؟. أم عاشوا «نكرات» ليصبحوا مغمورين.. فمنسيين؟. أم كانوا غير لائقين لولاية أمور الناس فكانوا عنها مبعدين؟!! أم كانوا يسكتون و لا يطلبون حقهم، فاعتبروا غير أصحاب حق؟!. [ صفحه 52] لا، لا يجوز هذا و لا غيره في حقهم، لأنهم فوق ما يظن بهم القالون، و ان كانوا دون ما يضعهم فيه الغالون. فقد كانوا معروفين بذواتهم، و بصفاتهم، لدي الخاص و العام من معاصريهم. و لكنهم كانوا «مأمورين» بالصبر علي اقتناص «حقهم» بعهد معهود لهم من جدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فصبروا، و سكتوا حفظا لبيضة الدين و عملا لوحدة للمسلمين، و ابقاء علي دورهم في تفسير الكتاب و بيان السنة كيلا يذهب بهما استنساب أذواق المتفيهقين، و رحمة بالثلة المؤمنة التي ائتدبت بأدب الاسلام.. ليهلك من هلك عن بينة، و يحيا من حي عن بينة.. فقد سكتوا عن حقهم ليسكت عنهم، و لينصرفوا الي القيام بواجبهم الرباني، و يقوموا بربط حلقات وظيفتهم التي انتدبوا لها، فبدوا «مستضعفين» كما سماهم جدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ما أشار اليه سبطه الامام الصادق عليه‌السلام في حديثه مع المفضل بن عمر حيث قال: «ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، نظر الي علي و الحسن و الحسين عليهم‌السلام فبكي و قال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل: فقلت له: ما معني ذلك يا ابن رسول الله؟. قال: معناه أنكم الأئمة من بعدي، ان الله عز و جل يقول: (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض، و نجعلهم أئمة، و نجعلهم الوارثين) [87] فهذه الآية جارية فينا الي يوم القيامة» [88] . فهم أصحاب حق سكتوا عنه لما ذكرنا... و لأنهم شهداء علي الناس. و هم موعودن بما أجراه الله تعالي عليهم منذ سكوت أميرالمؤمنين عليه‌السلام ليتفرغ لترسيخ العقيدة، الي صبر الحسن عليه‌السلام علي صلح فضح به عدوه، فالي قول الحسين عليه‌السلام: شاء الله أن يراني قتيلا: فالي آخر «الي».. مما يفسر تصرفاتهم عبر حيواتهم الكريمة. [ صفحه 53] و هم راضون بقضاء الله عز و جل عليهم، و مسلمون مسلمون له، مؤمنون به سبحانه و بكل ما جاء من عنده ايمانا عجيبا؛ و لذا قال الامام الرضا عليه‌السلام: «لا يكون المؤمن مؤمنا حتي يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه، و سنة من نبيه، و سنة من وليه. فأما السنة من ربه فكتمان السر، قال الله عز و جل: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا، الا من ارتضي من رسول..) [89] . و أما السنة من نبيه فمداراة الناس، فان الله عز و جل أمره بمداراة الناس فقال: (خذ العفو و أمر بالعرف، و أعرض عن الجاهلين) [90] . و أما السنة من وليه فالصبر علي البأساء و الضراء، يقول الله عز و جل: (و الصابرين في البأساء و الضراء، و حين البأس، أولئك الذين صدقوا، و أولئك هم المتقون) [91] . و الأئمة عليهم‌السلام كانوا أولي بذلك كله. فقد أخذوا بسنة ربهم «فكتموا السر» و بسنة نبيهم «فداروا الناس» و لم تخف سنتهم علي أحد اذ «صبروا علي البأساء و الضراء» صبرا غريبا رغم انتهاب حقهم، و انتهاك حرمهم، و اقتناص حريتهم.. و ما بدلوا تبديلا. و هم وحدهم - من بين المسلمين - كانوا يعرفون الي أين يصيرون، و يعيشون أسياد أنفسهم بين مسلمين ما سلم من بطشهم الا من باعهم دينه بدنياه!. و معرفتهم بذلك كانت مفروغا منها عند المؤالفين و المخالفين من معاصريهم، حيث نقل المؤالف و المخالف عجائب و غرائب صدرت عنهم فأدهشت العقول و فلجت الخصوم، فآمن بها و بهم من كان بهم كافرا و بربه ملحدا، و لحق بهم من كان عنهم منحرفا، و اهتدي بحججهم و براهينهم الدامغة من كان ضالا، و تحدث بذلك الأفراد و الجماعات فعجز التاريخ الجائر عن طمسه، اذ لم يكن أمرهم سرا من [ صفحه 54] الأسرار، بل كانوا يعلنونه و لا يخشون سلطانا بجنب سلطان الله تعالي.. فقد قال الحسن بن الجهم للامام الرضا عليه‌السلام، في مجلس المأمون - المتربع علي عرش السلطة - في حديث: «يا ابن رسول الله، بأي شي‌ء تصح الامامة لمدعيها؟ قال عليه‌السلام: بالنص و الدليل. قال: فدلالة الامامة فيم هي؟ قال: في العلم و استجابة الدعاء. قال: فما وجه اخباركم بما في قلوب الناس و بما يكون؟. قال عليه‌السلام: أما بلغك قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله؟. قال: بلي. قال: و ما من مؤمن الا و له فراسة، ينظر بنور الله علي قدر ايمانه و مبلغ استبصاره و علمه. و قد جمع الله في الأئمة منا من فرقة في جميع المؤمنين.. فنظر المأمون فقال له: يا أباالحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت. فقال الرضا عليه‌السلام: قد أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست بملك. لم تكن مع أحد ممن مضي، الا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هي مع الأئمة منا تسددهم و توفقهم؛ و هو عمود نور بيننا و بين الله عز و جل» [92] . فارتضي المأمون هذا الكلام - بالرغم من أنه لم يشاهد تلفزيونا و لا ما هو أعجب منه ليصدق بعمود النور - بل هو من هو حين يفكر و يقدر و يزن الكلام، اذ لم يكن عجوزا تؤمن بالخرافات، و لا عيا في المناقشات، و لا غرا ساذجا يطأطي‌ء رأسه لغير الحقائق، بل كان نقادا ماهرا يعد في رأس جهابذة عصره المزدهر بالعلم و الكلام.. لكن قائل هذا القول كان «سيد» مجالس ذلك العصر - في الخارج و داخل القصر - بلا منازع. و الداخل بينه و بين الله يزج به الشيطان في مأزق لا [ صفحه 55] هادي له فيه و لا دليل، لأنه - عليه‌السلام - ممن لا ينطقون عن الهوي، رضي بذلك عدوه أم أبي.. فهو مصطفي مختار من قبل العزيز الجبار!. فمعاصرو أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، لمسوا كونهم مؤيدين مسددين اماما بعد امام بتسديد و تأييد خفيين علي التفكير و التقدير لدي النظر و التحليل... و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام: «كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله، ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل، كان يوفقه و يسدده، و هو مع الأئمة من بعده» [93] . و قال عليه‌السلام في مجلس آخر: «ان الامام مؤيد بروح القدس، و بينه و بين الله عز و جل عمود من نور يري فيه أعمال العباد؛ و كلما احتاج لدلالة اطلع عليه. و يبسط فيعلم، و يقبض عنه فلا يعلم» [94] . و ها اني - و أنا أكتب هذا الخبر الشريف - أجلس مقابل التلفزيون لسماع الأخبار، فأري المذيع يقرأها بطلاقة عجيبة دون أن يمسك بيده ورقة «نشرة الأخبار»، لأنه يقرأها علي شريط كهربا - الكتروني يتحرك أمامه لولبيا فتظهر عليه الكتابة مشرقة بأحرف من نور تتلألأ واضحة جلية، تديرها آلة تباعا من ألفها ليائها، و يتراءي للناظرين أن المذيع يقرأها غيبا و كأنه حفظها عن ظهر قلب.. فما أشبه أمرهم عليهم‌السلام «بعمود نور» يتناول نشرة الأخبار دون غيرها!. و قد صرح أكثر أئمتنا عليهم‌السلام بذلك فما كذب به أحد الا ممن ناصبوهم العداء و نفسوا عليهم بمواهب الله تبارك و تعالي التي كانت لهم - بمقتضي وظيفتهم الالهية - دون غيرهم. أو ممن كانوا لحسة صحون السلاطين فأتخمت بطونهم بما قضموا من حلال الدنيا و حرامها، و تلبس الشيطان عقولهم و عشش في قلوبهم. [ صفحه 56] فضلوا عن الحق ضلالا بعيدا، و خسرت صفقتهم خسرانا مبيا. و قد قال الامام الرضا عليه‌السلام: «ان العبد اذا اختاره الله لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما، فلم يعي بجواب، و لا يحيد فيه عن الصواب. فهو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد؛ قد أمن الخطايا و الزلل و العثار. يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده، و شاهده علي خلقه، و (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم) [95] كما ذكرنا. و من أعطي شيئا من ذلك كان ذا مرتبة لا تنال.. فكيف بمن أعطيه كله؟!. قال علي بن يقطين: «قلت لأبي الحسن، موسي - الكاظم - عليه‌السلام: علم عالمكم سماع أم الهام؟. فقال: قد يكون سماعا. و يكون الهاما. و يكونان معا» [96] . و كذلك الحارث بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبدالله - الصادق - عليه‌السلام: ما علم عالمكم؟. أجملة يقذف في قلبه، أو ينكت في أذنه؟. فقال: وحي كوحي أم‌موسي» [97] . و ليس عجيبا أن يكون الأئمة عليهم‌السلام أكرم علي الله تعالي من أم‌موسي عليه و عليهاالسلام، أو من النحل التي أوحي اليها ربها كما نص القرآن الكريم، أو من صاحب موسي، و صاحب سليمان، و من ذي القرنين!. فهم محدثون و ملهمون الي جانب أنهم زقوا العلم زقا، و ليس لهم معلم و لا أستاذ سوي الله تبارك و تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم - كما ستري في فصل آت - و كفي بأستاذية الله تعالي و رسوله أستاذية جامعة مانعة!. [ صفحه 57] و قال أبوبصير لالامام الباقر عليه‌السلام: «بم يعلم عالمكم، جعلت فداك؟. فقال: يا أبامحمد، ان عالمنا لا يعلم الغيب. و لو وكل الله عالمنا الي نفسه كان كبعضكم. و لكن يحدث اليه ساعة بعد ساعة» [98] و قد ذكرنا مثله. و روي سماعة بن مهران أن الامام الصادق عليه‌السلام قال: «ان الدنيا لتمثل للامام في مثل فلقة الجوز، فلا يعزب عنه منها شي‌ء. و انه ليتناولها من أطرافها كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء» [99] . فسماع هذا الخبر و أمثاله يجفل نفوس ضعفاء الايمان اجفالا، و يجعلهم يفكرون مليا قبل أن يعتبروه عملة صالحة للصرف «بمخزوناتهم» التي تحسب الامام رجلا عاديا، عاريا عن «ميزة ربانية خاصة» تفرزه من صفوف «المخلوقين علي الفطرة» المحتاجين الي اكتساب المعرفة الواسعة للوصول الي أدني درجات الكمال. ولكننا اذا علمنا أن الدولة «القادرة» التي تقيم العلاقات الدبلوماسية مع دولة «قادرة» أخري، تنشي‌ء بينها و بين تلك الدولة خطا لا سلكيا أحمر لتتبادل معها المعلومات، ثم تستعمل تلكسا، و أسلاك برق، و بريدا دبلوماسيا، و تزود «سفيرها» فيها بأكثر من ذلك من مقومات دعمه ليكون علي المستوي اللائق، كأن تجعل الهاتف معه من دائرته، و في بيته، و في سيارته، ثم تكفل له وسائل الحصانة فيكون من الرعايا ذوي الامتياز علي الآخرين، يحق له ما لا يحق لغيره - أجل، اذا علمنا ذلك تنمحي سورة العناد القائمة في نفوسنا، و تزول الصورة القائمة من قلوبنا، لأن الدولة الالهية أجدر بذلك و أقدر عليه، و هي تجهز «سفيرها» بما لا تستطيع دولة أرضية منافسته.. فليس أسهل - اذا - من أن يكون للامام «عمود تلفزيوني من نور» و لا من أن يلازمه المسدون و المؤيدون، لينقذوه في ساعة العسرة، و ليؤمنوا له الحصانة السماوية التي لا يرفعها الا واضعها. [ صفحه 58] و لا تذهبن بقارئي الكريم الظنون؛ فان المحدث، و الموحي اليه، غير النبي.. و لا يكون رسولا أيضا، و لا تنزل عليه أوامر جديدة.. فقد روي حمران عن أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام قوله: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من أهل بيتي اثنا عشر محدثا. فقال عبدالله بن زيد: - و كان أخا علي لأمه -: سبحان الله، محدثا؟!! (كالمنكر لذلك). فأقبل عليه أبوجعفر عليه‌السلام فقال: أما و الله ان ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: هي التي هلك فيها أبوالخطاب، لم يدر تأويل المحدث و النبي» [100] . فلا ينبغي لنا أن نرتد ردة أبي‌الخطاب الذي كان من الموالين للأئمة، و انتقل الي صف المغالين، ثم انحدر الي غوغاء الضالين المضلين. فان أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم لم يبخلوا علينا ببيان ما كانوا عليه من قدرات ربانية و مواهب سماوية، لئلا ننكر فنكفر، أو نغالي فنضل. بل شرحوا ذلك فأوضحوه و جعلونا علي بينة من أمرهم و كونهم عبادا مخلصين (لا يسبقونه - سبحانه - بالقول، و هم بأمره يعملون) [101] . قد حكي أبوهاشم الجعفري عن الامام الرضا عليه‌السلام، فقال، «سمعته يقول: لنا أعين لا تشبه أعين الناس، و فيها نور ليس للشيطان فيها نصيب» [102] . و لكأنها أعين ذات اشعاع نفاذ يخترق الحجب و لا تكسره الكثافات!. و لا [ صفحه 59] تعجب أن يكون شأنها أعظم مما تتصور!. و لا تعجب أن يكون شأنها أعظم من شأن أشعة «لا يزر» التي لا تمنعها الحوائل و لا تصدها كثافة الأجسام عن استشفاف ما وراءها و اكتشافه.. ففي الخبر الصحيح الثابت عن أم‌سلمة رضوان الله تعالي عليها - و عن آخرين غيرها بالعشرات - أنه: «قد علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه‌السلام كلمة تفتح ألف كلمة، و الألف كلمة تفتح كل كلمة ألف كلمة» [103] . «و ان هذا العلم خاص بالأئمة» [104] غير متيسر لسواهم اذا اطلع علي رموزه مهما أتعب نفسه و أعمل فكره، و كد ذهنه. فقد روي أبان بن تغلب أن الامام الصادق عليه‌السلام قال: «كان في ذوابة سيف علي عليه‌السلام صحيفة، دعا اليه الحسن فرفعها و دفع اليه سكينا و قال له: افتحها. فلم يستطع أن يفتحها. ففتحها له ثم قال له: اقرأ. فقرا الحسن عليه‌السلام الألف، و الباء، و السين، و اللام، و الحرف بعد الحرف. ثم طواها فدفعها الي أخيه الحسين، فلم يقدر أن يفتحها. ففتحها له، ثم قال له: اقرأ. فقرأها كما قرأ الحسن. ثم طواها فدفعها الي محمد بن الحنفية، فلم يقدر علي أن يفتحها. ففتحها له علي عليه‌السلام، فقال له: اقرأ. فلم يستخرج منها شيئا. [ صفحه 60] فأخذها و طواها، ثم علقها في ذوابة السيف. فقلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: أي شي‌ء كان في تلك الصحيفة؟. فقال: هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف» [105] . و هذه هي التي قال عنها أبوبصير: «قال أبوعبدالله عليه‌السلام: فما خرج منها الي الناس حرفان الي الساعة». [106] لأن ذلك خاص بالأئمة عليهم‌السلام. و هذا يدل علي أن مصدر علومهم موجود في أيديهم، و أن الناس يجهلون حل رموزه، و يعجزون عنه عجز ابن‌الحنفية رضوان الله تعالي عليه عن ذلك، مع أنه ابن‌علي، و صنو الحسنين، عليهم‌السلام جميعا. و لتقريب مفهوم «المحدث» الي ذهن القاري‌ء الكريم، نذكر له ما رواه حمران بن أعين حين قال: «قلت لأبي‌جعفر - الباقر - عليه‌السلام: ألست حدثتني أن عليا عليه‌السلام كان محدثا؟. قال: بلي. قلت: من يحدثه؟. قال: ملك يحدثه. قلت: فأقول انه نبي أو رسول؟!. قال: لا. بل مثله مثل صاحب سليمان، و مثل صاحب موسي، و مثل ذي القرنين. أما بلغك أن عليا سئل عن ذي القرنين، فقالوا: كان نبيا؟. قال: لا، بل كان عبدا أحب الله فأحبه، و ناصح الله فناصحه. فهذا مثله.» [107] - يعني بذلك عليا عليه‌السلام -. [ صفحه 61] ثم نذكر ما رواه اسماعيل بن مهران، من أن الحسن بن عباس المعروفي كتب الي الامام الرضا عليه‌السلام: «جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرسول، و النبي، و الامام؟. فكتب: الفرق بين الرسول و الامام هو أن الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل، فيراه و يسمع كلامه. و النبي ينزل عليه جبرائيل، و ربما نبي‌ء في منامه، نحو رؤيا ابراهيم. و النبي ربما يسمع الكلام، و ربما يري الشخص و لم يسمع كلامه. و الامام هو الذي يسمع الكلام، و لا يري الشخص» [108] . و قال زرارة بن أعين: «سألت أباجعفر عليه‌السلام عن قول الله عز و جل: (و كان رسولا نبيا) ما الرسول، و ما النبي؟. قال: النبي الذي يري في منامه، و يسمع الصوت، و لا يعاين الملك. و الرسول الذي يسمع الصوت، و يري في المنام، و يعاين الملك. قلت: الامام، ما منزلته؟. قال: يسمع الصوت، و لا يري و لا يعاين الملك» [109] . و في حديث آخر بين الامام عليه‌السلام، أن المحدث لا يأتيه شي‌ء في المنام. ثم نذكر ما قاله الصادق عليه‌السلام - كما عن الحسين بن أبي‌العلا -: «انما الوقوف علينا في الحلال و الحرام، فأما النبوة فلا». [110] لأنهم لا تنزل عليهم شرائع جديدة تنسخ ما قبلها لتحل حراما أو تحرم حلالا.. و «صانع» النبوة و الامامة واحد، هو الله تبارك و تعالي، و العجب كل العجب ممن يستغرب فعله عز اسمه و ينكر اصطفاءه و اختياره!. [ صفحه 62] ففي نفس الموضوع قال بريد بن معاوية العجلي: «سألت أباجعفر - الباقر - عليه‌السلام، عن الرسول، و النبي، و المحدث، فقال: الرسول الذي تأتيه الملائكة و يعاينهم، و تبلغه عن الله تعالي. و النبي الذي يري في منامه - أي في حال غيبوبته - فما رأي فهو كما رأي. و المحدث الذي يسمع الكلام - كلام الملائكة - و ينقر في أذنه، و ينكت في قلبه» [111] . و كذلك قال الحارث النضري للامام الصادق عليه‌السلام: «الذي يسأل الامام عنه، و ليس عنده فيه شي‌ء، من أين يعلمه؟. قال: ينكت في القلب نكتا، أو ينقر في الأذن نقرا» [112] . و ما فتي‌ء أصحاب الأئمة، رضوان الله عليهم، يبحثون و يدققون بمسائلهم المتنوعة، ليقفوا علي حل هذا الاشكال أو غيره، حتي نقلوا لنا بصائر عن كل شي‌ء، و تأويلا لكل معجز.. و من ذلك ما قاله محمد بن مسلم رحمه الله، اذ قال: «ذكرت المحدث عند أبي‌عبدالله عليه‌السلام، فقال، انه يسمع الصوت، و لا يري. فقلت: أصلحك الله، كيف يعلم أنه كلام الملك؟. قال: انه يعطي السكينة و الوقار حتي يعلم أنه ملك» [113] . و بهذا لا يخامر ذهنه الشك فيه، رغم أن الشياطين مبعدون عن أن تصل وسوستهم الي مسامع الأئمة، و محجوبون عن مخاطبة بني البشر.. [ صفحه 63] و لا تنس أن هذا النوع من «الوحي - الالهامي» لم يبخل به عز اسمه علي أحقر المخلوقات و أصغر الحشرات اذ (أوحي ربك الي النحل) [114] كما نص القرآن الكريم!. و الأئمة عليهم‌السلام لم يتركوا هذا الأمر دون تبيين لأصحابهم - كما رأيت و تري -، و لا تركوه ابهاما لا حل له؛ بل أوضحوه و جلوا حقيقة أمره و ضربوا علي ذلك الأمثال التي لا تعد، و من ذلك قول عمار الساباطي: «سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن الامام هل يعلم الغيب؟. قال: لا، و لكن اذا أراد أن يعلم الشي‌ء أعلمه الله ذلك» [115] . أي أنه «لا» يعلم الغيب، و انما يعلم «الشي‌ء» الذي تعرض البلوي فيه، و يقتضي الأمر ازالة الحرج منه، ليظهر فلج حجة الامام و قوة برهانه.. و هذا معني تسديده و تأييده من ربه جلت قدرته. و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام مرة: «أعطينا علم الأولين و الآخرين. فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك، أعندكم علم الغيب»؟. فقال له: ويحك، اني أعلم ما في أصلاب الرجال و أرحام النساء!. ويحكم، و سعوا صدوركم، و لتبصر أعينكم، ولتع قلوبكم!. فنحن حجة الله تعالي في أرضه، و لن يسع ذلك الا صدر مؤمن قوي قوته كجبل تهامة، الا باذن الله» [116] . و علم ما في الأصلاب و ما في الأرحام لا يبقي غيبا و لا شيئا من الغيب حين يطلعهم الله تعالي عليه. و الموضوع مفروغ منه «كمقدور» لهم، و ان كان محجوبا عنا فهمه و فلسفته لاستيعابه، بسبب أن ايماننا من «وزن الريشة» لا من «وزن جبل تهامة»!. و قد تسني حصول هذا المقدور لمن هم دونهم - كالخضر عليه‌السلام، و كبرخيا صاحب سليمان، و كذي القرنين، و كأضعف الحشرات التي هي النحلة. و لكن ليس معني [ صفحه 64] ذلك أنه ليس بعجيب؛ فقد تعجب منه أسلافنا، و أنكره كثيرون و لم يقتنعوا به حتي رأوه رأي العين و لمسوه لمس اليد.. و لقد تعجبت من «أمر الله» سارة امراة النبي ابراهيم عليه و عليهاالسلام حين بشرت بأنها ستلد اسحاق و هي عقيم - و فوق الثمانين من عمرها - فقال لها الملائكة: (أتعجبين من أمر الله، رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت) [117] . كما تعجبت من ذلك مريم العذراء عليهاالسلام حين بشرها الملك بحمل عيسي عليه‌السلام - من غير أب - ف (قالت اني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا!. قال: انما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا..) [118] . و هكذا كان «أمر الله» تبارك و تعالي بشأن الأئمة شغل أصحابهم الشاغل؛ و حاروا فيه و بحثوه مليا ليتفهموه.. فمن ذلك - أيضا - أن حمران بن أعين قال: «قال أبوجعفر عليه‌السلام: ان عليا كان محدثا.. فخرجت الي أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة!. قالوا: ما هي؟. قلت: سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول: كان علي محدثا. فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من يحدثه؟. فقال: قال: يحدثه ملك. قلت: فتقول: نبي؟!! فحرك يده هكذا - أي نفيا - فقال: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسي، أو كذي القرنين.. أو ما بلغكم أنه - صلي الله عليه و آله و سلم - قال: و فيكم مثله؟.» [119] . [ صفحه 65] فلم يكن قدامانا - رحمهم الله - في بساطة العجائز، و لا أخذوا شيئا أخذ المسلمات، بل توقفوا كثيرا كثيرا حتي وقفوا علي الحق فأذعنوا له.. قد قال الله تبارك و تعالي: (قلنا يا ذا القرنين: اما أن تعذب، و اما أن تتخذ فيهم حسنا» [120] . فكيف «قال الله» ذلك لقائد جيش قوي فتح المشرق و المغرب، و لم يكن نبيا و لا رسولا؟!! و هل سمع هذا القائد «صوتا»؟!. أم سمع صوتا و لم ير شخصا؟. أم عاين ملكا و شافهه؟. أم ألهم ذلك الهاما؟!! لأنه سبحانه يتكلم بلا صوت، و يري و يسمع بلا آلة بصر أو سمع.. ان شيئا من ذلك قد كان: «فقال» الله تعالي لذي القرنين ما قاله، بالواسطة أو بالالهام و الالقاء في القلب. و ليس كثيرا عليه سبحانه أن تكون له عناية خاصة، مرصودة لأصفيائه يقيهم بها العثرات، و يجنبهم الزلات، و ينقذهم عند الضيق، لتتوفر فيهم الكفاءة التامة لحمل «أمره» و الوقوف به أمام أصحاب ذلاقة اللسان، و دهاقنة تزويق الكلام، و التصدي لأهل الكفر و النفاق. فمن أجل ذلك حباهم سبحانه بسعة الآفاق، و بعد النظر، و سلامة المنطق، و فصاحة اللسان و البيان التي عبر عنها امامنا الصادق عليه‌السلام بقوله لصاحبه محمد بن مسلم: «انا لنتكلم بالكلمة التي لها سبعون وجها، لي من كلها المخرج» [121] . و حين قال لصاحبه أبي‌بصير في مناسبة ثانية: «اني لأتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجها، ان شئت أخذت كذا، و ان شئت أخذت كذا» [122] . [ صفحه 66] و حين قال عليه‌السلام الله و تحياته، لصاحبه محمد بن النعمان: «أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا. ان كلامنا ينصرف علي سبعين وجها» [123] . فلا جرم أن تكون أحاديثهم كذلك، و أن لا يتصيد معانيها الا أفقه الناس و أعلمهم، لأنها من القرآن و من كلام سيد البيان - صلي الله عليه و آله و سلم - الذي هو أفصح من نطق بالضاد. و لكلامهم ظواهر و بواطن، و تفسير و تأويل، لأنه ترجمة لكتاب الله و سنة نبيه، مواده من موادهما فلم يعدهما في كلمة فاهوا بها و لا في حكم نطقوا به. و لا غرو أن يتوهم في تفسير كلام الله تعالي - أو كلام رسوله و أوصيائه صلوات الله عليهم - من كان مثلي عبدا ربيئا، حين يريد أن يستجلي ما كان خبيئا في كلامهم الذي يحتمل وجوها و وجوها.. عن أبي‌حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليهماالسلام، قال: «قلت له: ما كان عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقد أعطيه أميرالمؤمنين عليه‌السلام، ثم الحسن عليه‌السلام بعد أميرالمؤمنين، ثم الحسين عليه‌السلام بعده، ثم كل امام الي أن تقوم الساعة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة و في كل شهر؟!. فقال: اي والله، و في كل ساعة» [124] . و تأكيده، و يمينه يشيران في أقل الافتراضات الي الملك المحدث و «عمود النور» أو غيره من وسائل اطلاعهم علي ما يلزم في ساعة الحاجة لتظهر ميزة انتجابهم و اختيارهم ممن سواهم. و قال الفيض بن المختار: «سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول: ان سليمان بن داود عليهماالسلام قال: (علمنا منطق الطير، و أوتينا من كل شي‌ء) و قد و الله علمنا منطق الطير و أوتينا «كل» شي‌ء!» [125] . [ صفحه 67] و هذا تأكيد آخر مشفوع بيمين، يليهما اجمال ما أوتوا بلفظة «كل». فان سليمان عليه‌السلام قال: أوتينا «من كل شي‌ء». في حين أن الامام الصادق عليه‌السلام قال: أوتينا «كل شي‌ء» و لم يستعمل لفظة «من» التي تدل علي التبعيض، لأنهم - سلام الله عليهم - لم يؤتوا شيئا دون شي‌ء، بل أوتوا كل شي‌ء، فضلا من الله عليهم، و اختصاصا لهم بذلك منه عز و علا. فلم يريد أحدنا جعل الاعتراف بفضلهم منوطا بمشيئته و مزاجه، فاذا شاء أن يقر به أقر، و اذا شاء نكران فضلهم و ازاحته عنهم رفضه و زواه؟!. فالله جل و عز، هو الذي استخلصهم لنفسه و لمصلحة عباده، أفلا يحسن بالمنصف من أولئك العباد أن يترك لله تعالي حقه، و أن يقف عند الحد الذي يفصل بين «عبد» و «رب»؟!! يقول النحويون: ان «أي» هكذا خلقت، بعد أن كثرت فيها جولات أفكارهم وصولاتها. و نحن نقول: انهم هكذا خلقوا، و لم يستشر خالقهم أحدا من عباده حين خلقهم، و لا الاعتراض علي خلقهم «هكذا» يغير شيئا من الواقع الذي هم عليه. فلم نقنع بالمولود حين يولد صبيا أو بنتا و نسلم بأن اعتراضنا علي تكوينه لا يجدي، ثم نثور و نغضب اذا كانوا قد اختيروا فولدوا أئمة؟. و لم نصفق للعالم و الزعيم اذا كانا مصلحين يريدان خيرنا و سعادتنا، و نصعر الخدود و نثني العطف اذا كان الله تعالي قد من علينا بمصلحين لما فسد من أمور ديننا و دنيانا، و ببانين لسعادتينا: الزائلة و الأبدية؟!! منتهي البخل أن نضن بما جاد به غيرنا. و منتهي لؤم العنصر أن نبخل بما تفضل الله تعالي به علي خلصائه و نجبائه!. وثق أنه لو استطاع عشاق الباطل أن ينزعوا عنهم عطاء ربهم لا نتزعوه و اجتذوه!. [ صفحه 68] فقد ابتلي أئمتنا عليهم‌السلام بشي‌ء من هذا، و نوزعوا في حقهم.. و مروا بامتحانات عسيرة كثيرة من قبل السلاطين و عبدة الدنيا... و لم يكن ابتلاؤهم عجبا لأنهم حملة قضية و حفظة رسالة.. و لكن العجب أن يتسور الي محراب قدسهم من «يريد» أن ينزع عنهم سربال ربهم عز و جل بشهوة «اللاشي‌ء»!. و هل العداء لهم غير «رد» علي الله تعالي؟!! لا، بل هو ذاك. و ما كنت لأحب الخوض في هذا الموضوع - و كان قلمي يحرن، و فكري يتبلد فأزهد بالكتابة فيه حتي أكاد أقلع عنها - لولا أنني رغبت في أن يعلم قارئي الكريم - حق العلم - أنهم هكذا خلقوا لمصلحة العباد، و أنهم أكرم علي الله من النحل، و من أم‌موسي، و وزير سليمان، و صاحب موسي، و من ذي القرنين و غيرهم ممن عبر و غبر في عمر الدنيا.. فما ضر أن يكونوا ملهمين؟. و ما هم أن يكونوا محدثين، و موحي اليهم؟!. و ما الذي يدعو الي انكار هذا الحق عليهم، و بأي عنوان يخاصمون فيه اذا كان الله تعالي قد شاءه لهم؟!! قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «انا، أهل البيت، طهرنا الله من كل نجس. فنحن الصادقون اذا نطقوا، و العالمون اذا سئلوا، و الحافظون لما استودعوا» [126] . فكيف ننقم أن جعل الله تعالي رسوله و أهل بيته صلوات الله عليه و عليهم، مطهرين، صادقين، عالمين، حافظين؟!! العكس هو المرجو منا.. و قد مر بك قول الامام الصادق عليه‌السلام: «أفتري أن الله يمن بعبد في بلاده، و يحتج علي عباده، ثم يخفي عنه شيئا من أمره؟» [127] . [ صفحه 69] و من أبسط الفروض أن الجندي اذا زج به قائده في أتون المعركة علي غير استعداد و لا تدريب و بغير سلاح، نرمي قائده بالهوس و عدم الرشد، لأنه قذف بكتلة من اللحم الي القتال بلا دربة و لا عدة و لا تخطيط. فأحر بجندي الله - من أوليائه و حججه في أرضه - أن لا تنتدبه الحكمة الالهية للقيام بأمر العباد الا «مسلحا» بجميع لوازم القيادة و الريادة مما اختصة الله تعالي به من المنح، ليكون في المستوي اللائق بولايته و خلافته. و أحر بالامام الحجة «المرصود» لهذه الوظيفة أن يكون «مخلوقا» علي طراز خاص «مجبولا» عليه منذ برأ الله تعالي نسمته، و «مصنوعا» علي عين خالقه دون أخذ رأي العباد. و قد صرح النبي و الأئمة صلوات الله و سلامه عليه و عليهم بذلك، و عددوا نعم الله تعالي التي ميزهم بها عن غيرهم - لا فخرا بها و لا عجبا - بل بيانا لنا و دفعا عن الغلو فيهم كيلا نصل الي الشرك، و منعا عن القلي و الانكار لفضلهم كيلا نصير الي الضلال و الكفر.. فاستمع الي عبدالغفار الجازي الذي روي أن الامام الصادق عليه‌السلام قال: «ان الحسن بن علي عليه‌السلام كان عنده رجلان. فقال لأحدهما: انك حدثت البارحة فلانا بكذا و كذا. فقال الرجل: انه ليعلم ما كان!. - و عجب من ذلك -. فقال عليه‌السلام: انا لنعلم ما يجري في الليل و النهار. ثم قال: ان الله تبارك و تعالي، علم رسوله صلي الله عليه و آله و سلم الحلال و الحرام، و التنزيل و التأويل، فعلم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا علمه كله» [128] . ثم أصغ الي الامام الصادق عليه‌السلام حيث نقل رأيا للخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) في بني‌هاشم، أطلقه لرجل حدثه عن علم الحسن و الحسين عليهماالسلام و كرمهما و كرم عبدالله بن جعفر رضوان الله عليه، فقال الخليفة: «و من لك بمثل هؤلاء الفتية؟!. أولئك فطموا العلم فطما، و حازوا الخير كله» [129] . [ صفحه 70] بل تأمل بما حكاه ضريس الكناسي الذي قال: «كنا عند أبي‌عبدالله عليه‌السلام جماعة من أصحابنا، اذ دخل عليه رجل أعرفه. فذكر رجلا من أصحابنا و لمزه عند أبي‌عبدالله عليه‌السلام، فلم يجبه بشي‌ء. فظن الرجل أن أباعبدالله عليه‌السلام لم يسمع، فأعاد عليه أيضا، فلم يلتفت اليه. فظن الرجل أنه لم يسمع، فأعاد الثالثة. فمد أبوعبدالله يده الي لحية الرجل فقبضها فهزها ثلاثا حتي أن لحيته قد صارت في يده - أي: نتف شعرها - ثم قال - عليه‌السلام -: ان كنت لا أعرف الرجال الا بما أبلغ عنهم، فبئست الشيبة شيبتي!. ثم أرسل لحيته من يده، و نفخ ما بقي من الشعر في كفه» [130] . و انها لغضبة هاشمية من الامام عليه‌السلام!. لم تكن منه الا لتربية أصحابه علي معرفة ما هم عليه من التمكن و القدرة الفكرية النفاذة التي تعجز ألف كمبيوتر و كمبيوتر!. فلا يرعبننا كون الأئمة محدثين، ملهمين، ملقي في أسماعهم و قلوبهم، و ذوي توسم ينفذ الي أعماق نفوس الآخرين و يكشف عن سرائرهم المكنونة في ضمائرهم؛ و يتعدي مقدور سائر المخلوقين.. و لا يهولننا الحديث عن هذه المنن الالهية التي ميزهم خالقهم تعالي بها.. و اننا لم نعرض لهذا - كما قلنا سابقا - الا بقصد الكشف عن مواهبهم السماوية، و بغية اعداد قارئنا الكريم لما هو من هذا القبيل في سيرة امامنا - المعجزة الجواد عليه‌السلام الذي جاء بالعجب العجاب في عهد طفولته، و بهر عقول الناس في أيام صباه و فتوته، و كان سيد الكلام و مصدر الأحكام رغم أنه لم يصل الي عنفوان شبابه، فكان معجزة عصره الربانية التي أدهشت أهل «عصر الازدهار الذهبي» في الفقه و العلوم و الفلسفة و الكلام، و فتنت ألبابهم!. [ صفحه 71] و لا ينبغي أن نضيع - اذ نطيل - في تحديد المحدث، و الملهم، و المتوسم، فان المؤمن ينظر بنور الله و يكون ملهما، و متوسما، و ذا فطنة عجيبة. و قد سهل الامام الرضا عليه‌السلام فهم هذه المعاني فيما رواه عنه عبيد بن هلال الذي قال: «سمعت أباالحسن الرضا عليه‌السلام يقول: اني أحب أن يكون المؤمن محدثا. قلت: و أي شي‌ء يكون المحدث؟. قال: المفهم» [131] . فما أسهل الأمر يا أخلائي، طالما أن الامام يحب أن يكون «المؤمن» محدثا، و طالما أننا نري الانسان العادي يلهم وجه الصواب في كثير من المسائل العويصة، ويحكي بوحي الحاسة السادسة ما يدهش، و يأتي بآيات من التوسم نتلقاها باستغراب!. فما رأيكم بأمناء الله علي وحيه و عزائم أمره، الموكلين من لدنه تعالي بحفظ ما شرع للناس من أمر دنياهم و آخرتهم؟. و علي أي حال لا يمكن أن يكونوا علي مستوي وظيفتهم اذا لم يجعلهم الله تعالي يعلمون ما لا نعلم، و يفهمون من شؤوننا ما نعلن و ما نكتم؟!. قال الامام الباقر عليه‌السلام مرة لأصحابه: «ان رسول الله صلي الله عليه و آله أنال في الناس و أنال، و انا أهل البيت عندنا معاقل العلم، و أبواب الحكمة، و ضياء الأمر» [132] . أجل، قد أنالنا نبينا صلي الله عليه و آله و سلم الكثير - كمسلمين أخرجنا من ربقة الشرك و النفاق - و أعطانا الوفير من أبواب العلم و الحكمة، فحفظنا عنه شيئا و غاب عنا شي‌ء، و غيبنا - نحن بتزوير التاريخ - أشياء و أشياء.. [ صفحه 72] لكن الأئمة عليهم‌السلام لم يفتهم شي‌ء مما أعطي؛ فصدروا عن قوله، و صدعوا بأمر ربه و أمره، و بقيت قلوبهم أوعية للعلم، و خزائن لمذخورات النبوة و الرسالة، فتفجرت ينابيع الحكمة من صدورهم، و جرت كلمة الحق علي ألسنتهم، فعرفوا ما نزيد في الدين حين نزيد، و ما ننقص منه حين ننقص، و كانوا ظلا لكلمة الله تعالي في الأرض، و معدنا للرسالة، و لسان صدق في مهبط الوحي و التنزيل، واحدا بعد واحد الي ما شاء الله تعالي من عمر الدهر. فنسأل الله تعالي أن لا يجعلنا ممن يتقدمهم فيمرق، و لا ممن يتأخر عنهم فيمحق.. لنكون النمرقة الوسطي الثابتة علي توليهم المسلمة لأمرهم، فهم باب خلاص الأمة و سفينة نجاتها، و حبل الله الممدود من السماء الي الأرض... و من واقع البحر الهائج بغير سفينة غرق، و من قطع الحبل بينه و بين ربه و اتبع الباطل و عاند الحق زهق.. و قد روي عمر بن خالد أن الامام الباقر عليه‌السلام قال: «يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد، كونوا النمرقة الوسطي: يرجع اليكم الغالي، و يلحق بكم التالي. فقال له رجل من الأنصار - يقال له سعد -: جعلت فداك، ما الغالي؟. قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا و لسنا منهم. قال: و ما التالي: قال: المرتاد، يريد الخير، يبلغه الخير، يؤجر عليه» [133] . و قال امامنا الجواد عليه‌السلام - الذي نحن بصدد التشرف بمعرفته -: ان أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال لابن عباس في حديث: «.. و لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلي الله عليه و سلم: فقال ابن‌عباس: من هم؟. قال: أنا و أحد عشر من صلبي، أئمة محدثون» [134] . و كان أبوه الامام الرضا عليه‌السلام قد كتب لعبد الله بن جندب: [ صفحه 73] «أما بعد: فان محمدا كان أمين الله في أرضه؛ فلما قبض كنا أهل البيت ورثته. فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم المنايا و البلايا، و أنساب العرب، و مولد الاسلام. و انا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان و حقيقة النفاق. و ان شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم و أسماء آبائهم؛ أخذ الله علينا و عليهم الميثاق. يردون موردنا، و يدخلون مدخلنا» [135] . و لم نجد أحدا ادعي ذلك غيرهم من خليفة و لا أمير، و لا فقيه خطير، و لا عالم و لا ولي و لا مولي!. و لا رد ذلك عليهم الا ضال عن الحق، مفتر علي ربه الذي اختارهم عيبة لعلمه، و اصطفاهم سفراء في بلاده، أمناء علي عباده. و قبل أن نثب من هذا الموضوع الي ما يليه، نحب أن ننهي طرفه الأخير بأمثلة - من آلاف الأمثلة - تظهر بعض ما كان عليه أهل البيت عليهم‌السلام من علم و معرفة. قال ابن‌سنان: «دخلت علي أبي‌الحسن موسي - الكاظم - عليه‌السلام، من قبل أن يقدم العراق بسنة، و علي - الرضا - ابنه جالس بين يديه. فنظر الي و قال: يا محمد، ستكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع لذلك. قلت: و ما يكون جعلني الله فداك، فقد أقلقتني؟. قال: أصير الي هذا الطاغية - أي المهدي العباسي - أما انه لا يبدأني منه سوء، و لا من الذي يكون بعده. - أي موسي بن المهدي -. قلت: و ما يكون، جعلني الله فداك؟. قال: يضل الله الظالمين، و يفعل الله ما يشاء. قلت: و ما ذلك، جعلني الله فداك؟. قال: من ظلم ابني حقه و جحده امامته من بعدي، كان كمن ظلم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام امامته و جحده حقه بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 74] قلت: و الله لئن مد الله في العمر لأسلمن له حقه، و لأقرن بامامته. قال: صدقت يا محمد. يمد الله في عمرك، و تسلم له حقه، و تقر له بامامته، و امامة من يكون بعده. قلت: و من ذاك؟ قال: ابنه محمد. قلت: له الرضا و التسليم» [136] . فبالله أقسم عليكم أيها الأحبة من القراء، دلوني علي الذي أطلع الامام الكاظم عليه‌السلام، علي جملة أمور غيبية في هذا الحديث، منها: أولا: أنها تكون حركة في تلك السنة قد علم بها قبل وقوعها، و عرف أنه لا ينبغي لصاحبه أن يجزع منها، و لا يخاف علي امامه من الاغتيال!. و ثانيا: أنه عليه‌السلام يسير للمهدي العباسي، ولكنه لا يصيبه منه سوء مع أنه «مطلوب رأسه» و غير مرغوب فيه، و من كان مثله لا يسلم من سيف الحاكم الظالم!. و ثالثا: من الذي أمنه علي سلامته حتي يعيش طيلة خلافة المهدي و الي عهد خليفة ثان، و أن الخليفة الحالي يموت قبله، و أن الخليفة الثاني لا يؤذيه أيضا؟!. و رابعا: كيف علم أنه يموت قبل ابنه الرضا و أن الرضا عليه‌السلام سيكون الامام من بعده حتما جزما؟!. و من هو الذي أعطاه عهدا بذلك، و عهدا بأن صاحبه - محمد بن سنان - أيضا، يبقي حيا الي أن يبايع ابنه الرضا، ثم يبايع ابن ابنه الجواد عليهماالسلام؟!. و خامسا: كيف علم أن ابنه الرضا سيولد له صبي - ذكر تعيينا - و أنه سيسمي محمد؟!! و سادسا: كيف كفل استمرار صاحبه علي الولاء له، و لابنه، و لحفيده و كفل له البقاء الي ذلك الوقت؟. [ صفحه 75] و لو شئنا أن نمضي في التساؤل و التعجب و التفريع، لطال بنا المقام، اذ لا تزال أسئلة تتوالد حول هذه الحادثة التي تشبهها - الي حد - حادثة ابنه الامام الرضا عليه‌السلام، الذي قال لصاحبه جعفر بن محمد النوفلي يوم ذهب الي «مرو» في خراسان و علم بأنه لا يعود من سفره: «عليك بابني محمد من بعدي. و أما أنا فاني ذاهب في وجه لا أرجع» [137] . فمن أين للكاظم و ابنه عليهماالسلام هذا العلم بالغيب؟!. ان لديهما «شيئا خاصا» ليس موجودا مع غير الأئمة بلا أدني ريب. و هما لا يشاركان الله تعالي في علمه، و لكنهما ممن شملهم قوله عز من قائل: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا، الا من ارتضي من رسول) [138] فكان عندهما علم كثير منه، اذا ارتضاهما أعلاما في خلقه و موضعا لسره و أمره. و هما يحملان عهد النبي صلي الله عليه و آله و سلم المعهود اليهما و الي آبائهما و أبنائهما موحي به اليه من الله تبارك اسمه. كما أنهما مصدقان و مؤمنان بالأمر السماوي بكامله، و لا يعبدان الله علي حرف!. و مثلهما ابنهما الامام الجواد عليه‌السلام الذي قال لصاحبه ابن‌بزيع العطار و غيره: «ألفرج بعد «المأمون» بثلاثين شهرا» [139] . فقال ابن‌بزيع: «فنظرنا، فمات عليه‌السلام بعد «المأمون» بثلاثين شهرا» [140] . فمن دله علي هذا الرقم الذي لم يزد شهرا و لا نقص شهرا و لا يوما؟!. ان من، و كيف، و لماذا، كلمات تتعب اذا ثابرنا علي استعمالها في كل مناسبة نعرض فيها لآيات الأئمة عليهم‌السلام و معاجزهم؛ و تكل فلا تستطيع الأداء بجانب تفسير ذلك و تأويله. فاستمع للحادثة التالية التي حصلت لامامنا الجواد عليه‌السلام - و هو في صغره - [ صفحه 76] يرويها أمية بن علي و يقول: «كنت مع أبي‌الحسن - الرضا عليه‌السلام بمكة في السنة التي حج فيها ثم سار الي خراسان - و معه أبوجعفر، و أبوالحسن يودع البيت. فلما قضي طوافه عدل الي المقام فصلي عنده. فصار أبوجعفر علي عنق «موفق» - خادمه - يطوف به. ثم صار أبوجعفر الي الحجر - حجر اسماعيل - فجلس فيه فأطال. فقال موفق: قم جعلت فداك. فقال: ما أريد أن أبرح من مكاني هذا الا أن يشاء الله؛ و استبان في وجهه الغم. و أتي «موفق» أباالحسن عليه‌السلام فقال له: جعلت فداك، قد جلس أبوجعفر عليه‌السلام في الحجر و هو يأبي أن يقوم. فقام أبوالحسن عليه‌السلام، فأتي أباجعفر عليه‌السلام، فقال له: قم يا حبيبي. قال: كيف أقوم و قد ودعت «البيت» و داعا لا ترجع اليه؟!. فقال: قم يا حبيبي، فقام معه» [141] . و نعود فنضطر الي استعمال من، و لم، و لماذا، و كيف؟!. فمن أعلم هذا الولد - الحدث بأن أباه ودع «البيت» و داعا أخيرا؟. و كيف جزم بأن أباه لن يعود من سفره الي بغداد فخراسان؟!. و ما هذه البادرة من ولد لا يزال خادمه يحمله علي عنقه ليطوف؛ لأنه لا يستطيع طواف سبعة أشواط حول «البيت» وحده مشيا علي قدميه؟. و علي كل حال هذه واحدة ندع الكلام حولها.. و الثانية رواها أمية بن علي نفسه فقال: «كنت بالمدينة، و كنت أختلف الي أبي‌جعفر عليه‌السلام، و أبوالحسن [ صفحه 77] - والده - عليه‌السلام بخراسان. و كان أهل بيته و عمومة أبيه يأتون و يسلمون عليه - و هو لما يبلغ الثامنة من عمره -. فدعا يوما الجارية فقال: قولي لهم يتهيأون للمأتم. فلما تفرقوا قالوا: ألا سألناه: مأتم من؟. فلما كان الغد فعل مثل ذلك فقالوا: مأتم من؟. قال: مأتم خير من علي ظهرها - يعني والده -. فأتانا خبر أبي‌الحسن عليه‌السلام بعد ذلك بأيام، فاذا هو قد مات في ذلك اليوم» [142] . فما شأن هذا اليافع - المقيم في المدينة المنورة، و أبوه علي بعد الآف الأميال في خراسان - يعلن وفاته ساعة موته؟!. و بأي لسان تجرأ علي دعوتهم للتهيؤ الي المأتم بجزم و تأكيد، اذا لم يكن مسندا ظهره الي ركن ركين من العلم الذي ألهمه الله تعالي اياه؟. و ما بال أهل بيته و عمومته لا ينكرون قول «ولد» لم يكد يضع قدمه علي عتبة اليفاع، و لا «يظنون» - ظنا - أنه يرجم بالغيب؟!! و أنا أقولها لأريح بال قارئي: ان عمومته و زواره «يعلمون» أن علم أهل هذا البيت من علم الله، و لا يبحثون عن سبب وراء ذلك. أما الثالثة و الأعجب - من هذا النوع، فقد رواها محمد بن قتيبة عن مؤدب كان لأبي جعفر عليه‌السلام، قال: «كان بين يدي يوما يقرأ في اللوح، اذ رمي اللوح من يده و قام فزعا و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، مضي - و الله - أبي عليه‌السلام. - أي مات -. [ صفحه 78] فقلت: من أين علمت؟. قال: دخلني من اجلال الله و عظمته شي‌ء لم أعهده. فقلت: و قد مضي؟. - أي هل مات مؤكدا -؟. فقال: دع عنك ذا. ائذن لي أن أدخل الي البيت و أخرج اليك، و استعرضني أي القرآن شئت أف لك بحفظه.. - و في هذه أكبر دليل علي أن علم الامام ينتقل الي خلفه ساعة موته -. فدخل البيت، فقمت و دخلت في طلبه اشفاقا مني عليه، فسألت عنه فقيل: دخل البيت و رد الباب دونه و قال: لا تؤذنوا علي أحدا حتي أخرج اليكم. فخرج مغبرا و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، مضي - و الله - أبي!.. فقلت: جعلت فداك، و قد مضي؟!! قال، نعم، و وليت غسله و تكفينه، و ما كان ليلي ذلك منه غيري. - و سنري آية ذلك و كيفيته في الآتي -. ثم قال: دع عنك هذا، استعرضني أي القرآن شئت أف لك بحفظه. فقلت: الاعراف. فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم): (و اذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة، و ظنوا أنه واقع بهم)! [143] . فقلت: (المص)؟. فقال: هذا أول السورة... و هذا ناسخ، و هذا منسوخ، و هذا محكم، و هذا متشابه، و هذا خاص، و هذا عام، و هذا ما غلط به الكتاب، و هذا ما اشتبه علي الناس» [144] . و في هذا الحادثة جهات هامة لن نمر بها مرورا عابرا. ففيها - أولا - أنه هل كل من دخله شي‌ء من اجلال الله و عظمته، يجب أن [ صفحه 79] يكون أبوه قد مات في تلك اللحظة و يعرف ذلك حتي و لو كان يبعد عن أبيه الآف الأميال!. و متي كانت الذلة التي تتداخل الانسان دليلا علي موت الأب؟ و اذا كانت كذلك، فكيف ميز هذا الغلام اليافع تلك الذلة عن غيرها؟ ألا ان الأمر ليس حيث نحن من قصر التفكير. و أنا أري: أن «الذلة» التي دخلت علي نفس الامام عليه‌السلام لحظة موت أبيه، هي حالة انسان كان انسانا عاديا مثلي و مثل سائر العالمين، ولكنه - لحظتئذ - خلع الله تعالي عليه جلباب ولايته و سربله بسربال خلافته في الأرض و اصطفاه لاعلاء كلمته، و بوأه منزلة المنتجبين من عباده، فشعر بروح السماء يدخل رئتيه، و بنور الحق يشع في قلبه، و بدفقة علوية من الايمان عمرت صدره لم يعهدها من قبل - و لا تدخل علي قلوب الناس العاديين - فأحس بأنعم الله عز و جل تغمره و تنقله الي أجواء نورانية ربانية خشع لها قلبه، و ذلت - لربه - نفسه بعد «اصطفائه لأمره».. فتواضع لخالقه تواضع امام لديان. مضافا الي أن تفسير هذه الظاهرة ورد علي لسان أبيه عليه‌السلام في حديث صفوان بن يحيي الذي قال: «قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام: أخبرني عن الامام متي يعرف أنه امام حين يبلغه أن صاحبه قد مضي - أو حين يمضي؟. مثل أبي‌الحسن عليه‌السلام - أي الامام الكاظم - قبض ببغداد و أنت ها هنا!. قال: يعلم ذلك حين يمضي صاحبه. قلت: بأي شي‌ء يعلم. قال: يلهمه الله ذلك» [145] . و بهذا يتضح الاشكال، و ينكشف هذا السر.. و يزول العجب. [ صفحه 80] و في الحادثة - ثانيا - أنه قال لمؤدبه: «و أخرج اليك، و استعرضني أي القرآن شئت أف لك بحفظه». فقولته هذه تستدعي منا - أولا و بالذات - أن نؤمن بالله تعالي و بقدرته، و أن نصدق بما يجي‌ء من عنده، و نوقن بما يفيض عنه و يصدر عن مشيئته حين يقول للشي‌ء: كن، فيكون. و حينئذ نؤمن بأن ذلك الفتي كان «عاديا» يقبع مع أترابه بين يدي مؤدبه، فألبسه الله تعالي جلباب خلافته، فنبه مؤدبه - اذ ذاك - بأنه الآن أصبح حاضرا لاستعراض القرآن ليبين له اعجازه و ما هو محكم أو متشابه، و ما هو خاص و ما هو عام، و ما هو ناسخ و ما هو منسوخ.. الخ. أي أنه: سيدخل البيت ليخبر أهله بموت أبيه ثم يخرج الي مؤدبه اماما وليا من أولياء ربه قد أودع قلبه ينابيع الحكمة فلن يعيا بجواب و لا يحيد عن صواب، اذ «أهله» ربه - ساعتئذ بالذات - تأهيل خلافة له في أرضه كما لو قال سبحانه للشي‌ء: كن، فيكون... كيف لا، و هو سبحانه القائل: (انما قولنا لشي‌ء اذا أردناه، أن نقول له: كن، فيكون) [146] . كما أن فيها - ثالثا - أن الامام عليه‌السلام اذ دخل البيت و أغلق الباب و منع الاذن... قد ذهب فقام بواجب تغسيل أبيه و تكفينه و دفنه في خراسان كما ستري!.. ثم عاد، و طويت له الأرض كما هو المعروف عن أولياء الله تعالي و خلصائه. - وستمر بذلك تفصيلا -. فلا تحاول معرفة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام اذا لم تنفتح علي الحق الذي ينزل من السماء، و دون أن تتلقي ما يمكن أن يصدر عن الله تعالي بقلب موقن تمام الايقان.. و الا، فان الأفهام تعجز عن تفسير أمورهم و تاويلها، و القلوب تنغلق عن أن يلج اليها خبر من أخبار أسرة مملكة السماء بسهولة و دون ايمان راسخ... و قد قال امامنا الجواد عليه‌السلام - هو ذاته - لمولاه «عسكر» الذي كان يقوم علي خدمته و رأي منه معجزة أدهشته: [ صفحه 81] «... و الله لا وصل الي حقيقة معرفتنا، الا من من الله عليه و ارتضاه لنا وليا» [147] . فهنيئا لمن فاز بتوليهم.. و ابتعد عن عصبية ابليس و أنانبته حين تكبر عن السجود لآدم عليه‌السلام!. و سنري في موضوع تال خاص ببعض «آياته» ما يدهش و يثير التعجب من جهة، و يعطي صورة واضحة عن عظمة الأئمة المستمدة من عظمة الله تعالي و قدرته من جهة ثانية. [ صفحه 83]

سيكون لي ولد!.. و كان ولد معجزة!

«و الله لا تمضي الأيام و الليالي حتي يولد لي ذكر من صلبي!» [148] . قول للامام الرضا عليه‌السلام كرره في عدة مجالس له. و هو اخبار عن غيب، مسبوق بقسم عظيم. و لكنه قول فصل.. ما هو بالهزل، صدر عن امام!. و لو كان القول، و اليمين، من غير الامام، لكانا جرأة عظيمة علي الله!. و تحديا للطبيعة التي يقول بها الدهريون. و مثل هذا القول من غير الامام تخمين.. و من الامام يقين. بل هو منه حتم جزم.. لأنه ناشي‌ء عن مشيئة الله تعالي الذي آمن به ايمانا يختلف عن ايماننا الساذج. و ليس في الأمر تنجيم و لا سحر، و لا كهانة و لا ضرب بالرمل... بل هو «نقل» عن الغيب، صرح به ولي من أولياء الله المنتجبين، يدل علي تصديقه بما جاء من عند ربه عز و علا من غير أن تقف في وجهه الشكوك. و هذا يشبه نص الامام الكاظم عليه‌السلام علي ابنه الرضا، و علي ابن ابنه الجواد عليهماالسلام قبل ولادة حفيده بسنين طوال، حيث قال لصاحبه محمد بن سنان الذي سأله عن الرضا عليه‌السلام: [ صفحه 84] «يمد الله في عمرك و تسلم له حقه، و تقر له بامامته، و امامة من سيكون بعده» [149] كما مر معنا سابقا. فقد نص علي ابنه الرضا، و علي حفيده الجواد عليهماالسلام، قبل أن يولد الجواد و قبل أن تحمل به أمه. فكيف تكفل الكاظم عليه‌السلام بالمد في عمر صاحبه؟. و كيف ضمن وفاءه معه و الاقرار بامامة ابنه؟. و كيف أكد اعترافه بامامة حفيد له لم يولد بعد؟. و من أين له بهذه «العهود» و الوعود يوزعها يمنة و يسرة؟. آية ذلك ستنجلي لك تباعا كلما ما شيتني في الموضوع. و اليك الثالثة.. حيث قال عقبة بن جعفر: «قلت للرضا عليه‌السلام: قد بلغت ما بلغت و ليس لك ولد!. فقال: يا عقبة، ان صاحب «هذا الأمر» لا يموت حتي يري خلفه من بعده» [150] . و هذه قولة تدعو الي التأمل.. فمن أين قبض بيده علي هذا الصك باطالة عمره الي أن يرزق ولدا؟ و كيف قرر أن ولده المقبل ذكر؟. و ما هذا الضمان بأن ابنه سيكون اماما من بعده؟!! ألست تري معي أنها جرأة؟. بلي. ولكنها جرأة علي قول الحق، من فم صادق، مصدق بجميع ما جاء من عندالله. فهو ينظر في كفه و في العهد الذي بيده.. ثم يترجم لنا قول جده، صلي الله عليه و آله عن ربه.. فلا يزيد و لا ينقص و لا يخترع و لا تجترح. [ صفحه 85] هذا، و ان عصر الرضا عليه‌السلام، كان عصر نهضة فكرية و علمية جعلت أهلها لا يرتضون بالميسور من القول، و لا يؤمنون ايمان عجائز، و لا يلقي القول عليهم علي عواهنه. لأنهم كانوا يؤولون المعاجز و يفلسفونها و يخرجون من عهدة الالتزام بها بألف باب من الحذلقة، و الفذلكة، و الزندقة، و السفسطة، و الاستدلالات القياسية و الفلسفية. فهم أهل أفهام و أهل كلام، اذ في القرن الثاني للهجرة - الذي عاش فيه الامام - ازدهرت الحركة العلمية، و نشط البحث الفلسفي، و كثر التأليف في مختلف العلوم التي أتقنوا نقلها و ترجمتها عن لغات متعددة، و شاع التصنيف فيما ابتدعوه من معارف، و فيما أنتجته قرائحهم من فلسفات و كلام.. و يومها ازدحمت المدارس، و اكتظت حلقات الطلاب حول الجهابذة من الأساتذة - في حين كانت تلمع أنجم الأئمة (ع) أيام «المهدي و الهادي و الرشيد و الأمين و المأمون و المعتصم» من خلفاء العباسيين، و في فترة كانت من أغني فترات الفكر و الثقافة الاسلامية التي عاش فيها مؤسسو المذاهب الفقهية كالشافعي، و مالك بن أنس، و أحمد بن حنبل، و كأبي يوسف القاضي، و سفيان الثوري، و زفر، و الشيباني، و شريك القاضي، و ابن‌المبارك، و يحيي بن أكثم، و الفراهيدي، و الأصمعي، و ككثير من المعتزلة و المتصوفة، و الأطباء، و الفلكيين، و بعض الزنادقة و أهل الغلو و غيرهم، و غيرهم... و كان أمثال هؤلاء يستقصون أمر «الامامة» و الولاية بدقة بالغة و برهافة حس شديدة، و يلاحقون قصتها بعناية، فنشأ - من ثم - طرفان: أحدهما يهتم بالجرح و القدح، و الفضح.. و ثانيهما يسعي للاثبات، فالابهات، فالاسكات.. فأدي ذلك الي كثرة السؤال عن انقطاع «الولاية» حين لم يرزق الامام الرضا عليه‌السلام ولدا ذكرا رغم أنه في سن الكهولة.. و لكن الأئمة عليهم‌السلام كانوا يقولون كلمتهم - في هذه الأجواء - بثقة و جرأة تفتن ألباب ذلك الرعيل من العلماء و الفقهاء و الفلاسفة، غير هيابين، لأنهم ينقلون عن رب العالمين. فمن ذلك «أن ابن‌النجاشي قال لأبي نصر البيزنطي مرة: «من الامام بعد صاحبكم؟. فأحب أن تسأله حتي أعلم. [ صفحه 86] فدخل أبونصر علي أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام، فأخبره. فقال: الامام بعدي ابني. ثم قال عليه‌السلام: هل يتجرأ أحد أن يقول: ابني، و ليس له ولد؟!!» [151] . لا، يا سيدي، لا يتجرأ علي مثل هذا القول الا أنتم. و كأني بك تتحدي الأفهام.. و فقهاء الأنام.. و سائر الأعلام في عصرك الذي سموه العصر الذهبي... و تبتسم من «علمهم» ابتسامة صفراء، فيها هزء و سخرية.. منهم، و من علمهم!. فليصدق قولك من شاء.. و ليرفضه من أراد.. فقد لفت نظر الكل الي المعجزة السماوية.. و عداك - في الأنام - ذم!. لأن باقي المخلوقات - من حولك - ناس من الناس، و ان كانت بينهم طائفة من المصدقين، و طائفة - أكبر - من الذين (أهمتهم أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية!) [152] و يبغون غير حكمه سبحانه و غير مشيئته و تقديره. فقد قال الامام بجزم: سيكون لي ولد، ذكر، اسمه محمد!.. و تحدي أن يقولها أحد غيره، و حكي عن «غيب» يراه حقا رأي العين.. لأنه «ميثاق» يقبض عليه بيده. و من أجل أن يري أحدنا قوله هذا - و أقوال الأئمة جميعهم - حقا و صدقا لا تشوبه شائبة، يتوجب عليه أن يدخل في موضوع فهم أخبارهم - بعد الاطلاع علي مصدر اخبارهم - دخول المصور في هيكل آلات التصوير بشريط نقي من أية شائبة ارتسمت عليه، ليكون في مقدور آلته أن ترسم علي ذلك الشريط صورة نقية ظاهرة المعالم بارزة الظلال و الأنوار. [ صفحه 87] أما في حال استعمال شريط تراكم عليه غبار العوائق، أو ارتسمت عليه صور سابقة، أو كان «عاطلا» فاسدا، فان النور الذي يدخل الي الآلة لا يستطيع محو «الفساد» و وضع الصورة المرادة مكانه. و لذا، كان علينا أن نتلقي أخبارهم بقلب نقي لا أثر فيه لرواسب العصبية، و بنفس منفتحة علي استقبال أمر ذي بال ينبغي اعمال الفكر فيه، فنحن مبعدون عن فهمهم لأن قلوبنا غلف عامرة بالنكت السوداء فلا يلجها معناهم القدسي، و لا ينفذ اليها «أمرهم» الرباني، لأن صدأ العقول و زنجار النفوس يحولان دون نصاعة الحقائق، و يجعلان معالمها شوهاء غبشاء. قال محمد بن اسماعيل بن بزيع: «سئل الامام الرضا عليه‌السلام: أتكون الامامة في عم أو خال؟.. قال: لا. فقيل: في أخ؟. قال: لا. قيل: ففي من؟. قال: في ولدي. و هو يومئذ لا ولد له» [153] . و قالها و لم يخامر قلبه ريب.. و لا خاف أن يبدو لله تعالي شي‌ء من تغيير قضاء أو تبديل مشيئة، لأنه يعلم أن أمر «الامامة و الامام» من المحتوم، و يوقن أن ربه سبحانه قال: (ما يبدل القول لدي) [154] فيما قضي و حتم. و قالها لأنه يعلمها... و بغية تثبيت مواليه علي «الأمر» و حملهم علي عدم الشك به [ صفحه 88] مهما اعتور فهم القضية من عوائق. قالها سلام الله عليه، و قال للبيزنطي باطمئنان تام: «ان الله تعالي يقول في كتابه: (و ما كان الله ليضل قوما بعد أذ هداهم، حتي يبين لهم ما يتقون). [155] فطب نفسا، و طيب بأنفس أصحابك. فان الأمر يجي‌ء علي غير ما يحذورن ان شاء الله» [156] . أي أنه «لن» يمضي من هذه الدنيا قبل أن يكون له ولد يكون الامام من بعده. و أنه - كسائر آبائه و أبنائه عليهم‌السلام - منتجب من لدن ربه.. سامع، مطيع، يصدر عن أمره في قوله و فعله. و من جهلنا بهذا الانتجاب، كانت أحكامنا علي الأئمة جائرة، متأثرة بالفارق الايماني بيننا و بينهم، و متأتية من شكنا - بادي‌ء ذي بدء - بكل ما يروي عن المغيبات، فان القائم في أذهان «ضعفاء الناس» أن «ولاية» علي عليه‌السلام، التي نصبه لها النبي صلي الله عليه و آله، اختص بها علي سبطي الرسول من بعده لأنهما ولداه، و أن كل امام - بعدهما - ورثها لابنه تباعا وفق توريث دبروه بليل!!! مع أن الأمر ليس كما يستقر في تلك الأذهان التي تراكمت عليها الرواسب. قال الامام الصادق عليه‌السلام لعمرو بن الأشعث: «ان الموصي منا يوصي الي من يريد؟!. لا و الله. ولكنه عهد من رسول الله صلي الله عليه و آله: رجل فرجل حتي ينتهي الأمر الي صاحبه» [157] . ففي أيديهم موثق من الله تبارك و تعالي لا يعدونه قيد شعرة، و هم ينفذونه بأمانة، عملا بقوله عز من قائل: (و أوفوا بالعهد، ان العهد كان مسؤولا) [158] . [ صفحه 89] فانظر بعين بصيرتك، و تأمل بثاقب فكرك، الحوار التالي - أيضا - ليتضح لك ما هم عليه من الوفاء بعهد الله جلت قدرته: قال الحسين بن يسار: «استأذنت أنا و الحسين بن قياما - الذي هو واقفي لا يقول بامامة عصره - علي الامام الرضا عليه‌السلام في (صريا) فأذن لنا، فقال: افرغوا من حاجتكم. فقال له ابن قياما: تخلو الأرض من أن يكون فيها امام؟. فقال: لا. قال: فيكون فيها اثنان؟. قال: لا، الا و أحدهما صامت لا يتكلم (وورد: لا، الا واحد صامت، و واحد ناطق). قال: فقد علمت أنك لست بامام. قال: و من أين علمت؟. قال: انه ليس لك ولد، و انما هي في العقب. قال: فقال له: فوالله لا تمضي الأيام و الليالي، حتي يولد لي ذكر، من صلبي، يقوم مثل مقامي، يحق الحق، و يمحق الباطل» [159] . و رواه صفوان بن يحيي بالنص التالي: «حدثنا الحسين بن قياما، و كان من رؤساء الواقفة، فسألنا أن نستأذن له علي الرضا عليه‌السلام ففعلنا. فلما صار بين يديه قال له: أنت امام؟. [ صفحه 90] قال: نعم. قال: فاني أشهد أنك لست بامام. فمكث - الامام - في الأرض طويلا منكس الرأس، ثم رفع رأسه فقال له: ما علمك أني لست بامام؟!. قال: انا روينا عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام، أن الامام لا يكون عقيما، و أنت بلغت هذا السن و ليس لك ولد. فنكس - الامام - رأسه أطول من المرة الأولي، ثم رفع رأسه فقال: اني أشهد الله أنه لا يمضي الأيام و الليالي، حتي يرزقني الله تعالي ولدا مني» [160] . «قال عبدالرحمان ابن أبي‌نجران: فعددنا الشهور من الوقت الذي قال، فوهب الله له أباجعفر عليه‌السلام في أقل من سنة» [161] . و يلفت النظر في هذا الحوار أمور: أولها: أن الامام قال لزائريه: افرغوا من حاجتكم، لأنه «علم» سلفا أن ابن قياما جاء بهذا الصدد، فأراد أن يلقي شكه في نحره، فابن قياما - هذا - لم يقل بامامة الرضا عليه‌السلام و كان متوقفا عند امامة أبيه الكاظم عليه‌السلام الذي دعا عليه أثناء الطواف في الحج حين رآه يقف حائرا فعلم ما في نفسه فقال له: مالك حيرك الله؟! [162] فبقي متحيرا الي أن فتح الله تعالي عليه أبواب الفهم كما ستري لاحقا. و ثانيها: موقف الامام الجدي مع محاوره، فقد كان يجيبه بتأن و جزم، ليجتث الحيرة من صدره. و ثالثها: حلفه اليمين القاطعة علي أمر في طي الغيب! و اشهاد الله تعالي.. و رابعها: ذكر الأيام و الليالي - دون السنوات -!. فهل وضع هذا الابن المرصود بيده و هو يتناوله متي شاء؟!. [ صفحه 91] و خامسها: قول امام تخطي الأربعين من عمره: سيكون لي ولد.. «كاشفا» عن «علم خاص» به أقدره الله تعالي عليه. أفما يدور في خلد ابن الأربعين العقم.. و انقطاع النسل؟!!! لا، و كلا.. فهو و ابنه علي ميعاد.. و (ان الله لا يخلف الميعاد) [163] . و لم يخف أن تسقط زوجه.. و لا خشي أن يعطي بنتا.. بل تحدي «العادة و المألوف» و قال: سيكون لي ولد.. ذكر.. ثم لقبه بالجواد!. و أنه امام، ابن امام، أبوأئمة. و لا تخرص في ذلك و لا تخريف.. و لا علم غيب أيضا.. و لا أملي الامام علي القضاء و القدر، و لا كان بيده الاعطاء و الامساك. و قال ذلك و ما خاف غيلة مغتال.. و لا أن يبدل الله من حال الي حال.. لأنه مؤمن ايمانا فريدا... يراه عاديا و نراه جديدا مدهشا جريئا.. و الامام الرضا عليه‌السلام هو من هو في مركزه الديني و الاجتماعي و السياسي، و مع ذلك ما هاب اخترام قضاء، و لا بدو بداء، بالرغم من أنه يبدو و كأنه يقضي و يمضي من عند نفسه، و كأنه لا دخل لمواريث السماء التي بيده!. فليس في العالمين أحد يملك جرأة امامنا الرضا عليه‌السلام فيقسم علي أنه يعطي ولدا، ذكرا، يسميه، و يلقبه، و الأربعون من سني الكهولة تلف أثقال العمر عليه. و لكن أباالحسن عليه‌السلام، أطلقها صريحة فصيحة.. و أن ابنه يؤتي الحكمة و فصل الخطاب صبيا!. و هذا تحد قاهر لكل عقل قاصر! و ان كان - بحقيقته - اعلانا عن «امر» سبق في علم الله تعالي أنه سيكون، و كشفا عن واقعة ليس لوقعتها كاذبة. [ صفحه 92] فقوله - و استغفر الله من فلسفتي له - قول صادر عنه، عن أبيه، عن جده.. عن جده النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، عن جبرائيل، عن اللوح، عن القلم، عن الله عز و علا.. و من كان لبيبا يرشد فيسعد، و من انجر بشعرة ابليس أضله الهوي و أطغاه. فقد جاء في حديث «لوح فاطمة» عليهاالسلام الذي صدر عن العزة الالهية، ما نذكر الشاهد منه فقط: «.. و علي - أي الرضا عليه‌السلام - وليي و ناصري. لأقرن عينه بمحمد ابنه و خليفته من بعده. فهو وارث علمي، و معدن حكمتي، و موضع سري، و حجتي علي خلقي.. الخ..». [164] . و نتابع توضيح خطوط هذه الحادثة الخارقة. لتبدو جلية لسائر الأنظار. قال كليم بن عمران: «قلت للرضا عليه‌السلام: ادع الله أن يرزقك ولدا. فقال: انما أرزق ولدا واحدا، و هو يرثني و يرث آل داود.. فلما ولدا أبوجعفر عليه‌السلام، قال الرضا عليه‌السلام لأصحابه: قد ولد لي شبيه موسي بن عمران فالق البحار، و شبيه عيسي بن مريم قدست أم‌ولدته، قد خلقت طاهرة مطهرة. ثم قال: يقتل غصبا فيبكي له و عليه أهل السماء، و يغضب الله علي عدوه و ظالمه فلا يلبث الا يسيرا حتي يعجل الله به الي عذابه الأليم و عقابه الشديد. و كان طول ليلته يناغيه في مهده» [165] . نعم، كان يناغيه بجد الأنبياء، لا بلهو السفهاء من الآباء. [ صفحه 93] ولكن في الخبر عبارتين قد تزيدان بلة في الطين الذي ران علي قلوب المكابرين: احداهما: أن ابنه يقتل غصبا!. فمن قال له ذلك؟. و الثانية: أن قاتله الظالم له لا يلبث بعده الا قليلا!. فمن أنبأه؟!! و لو سئل الامام عليه‌السلام عن ذلك ل (قال: نبأني العلم الخبير) [166] . فليس عند أئمتنا نبوءات تتلوها نبوءات، و انما أنجر الله تعالي لهم وعده، و لا تخليط في الأمر و لا أضغاث أحلام.. و لا علم غيب.. بل علمهم الله سبحانه من علمه.. و وقع أمر الله بقتل «ابنه» غصبا، و بهلاك ظالمه «المعتصم» بعده بقليل.. قولا من عندالله ورثوه عن جدهم صلي الله عليه و آله و سلم.. و (انه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش، مكين، مطاع ثم أمين) [167] الا عند المستكبرين عن سماع كلمة الله تعالي. ثم.. كان الولد، (و كان أمر الله قدرا مقدورا) [168] . و قال يحيي الصنعاني: «دخلت علي أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام و هو بمكة، و هو يقشر موزا و يطعم أباجعفر عليه‌السلام. فقلت: جعلت فداك، هو المولود المبارك؟. قال: نعم، يا يحيي. هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه» [169] . و كان ابن‌عباد، و ابن‌أسباط، قد رأياه عليه‌السلام بعيد ميلاده، و قالا: «انا لعند الرضا عليه‌السلام بمني، اذ جي‌ء بأبي جعفر عليه‌السلام، فقلنا: هذا المولود المبارك؟. [ صفحه 94] قال: نعم، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام أعظم بركة منه» [170] . فها هو ذا حدث - لا كالأحداث - وصبي - لا كالصبيان -!. لا يلهو، و لا خلق للعب. أخذ أبوه ينوه به بعد ولادته، كما نوه قبلها.. لأنه امام موعود لا ينبغي الضلال عنه، اذ من مات و لم يعرف امام زمانه، مات ميتة جاهلية. قال عبدالله بن جعفر: «دخلت أنا و صفوان بن يحيي، و أبوجعفر عليه‌السلام قائم قد أتي له ثلاث سنين - و هو بين يدي أبيه - فقلنا له: جعلنا الله فداك، ان - و أعوذ بالله - حدث حدث فمن يكون بعدك؟. قال: ابني هذا - و أومأ اليه -. فقلنا: و هو في هذا السن؟!! قال: نعم، و هو في هذا السن، ان الله تبارك و تعالي احتج بعيسي و هو ابن سنتين» [171] . نعم، قد كلم عيسي عليه‌السلام الناس و هو في المهد.. و ستري من أبي‌جعفر صلوات الله عليه آيات بينات في سنواته الأولي كذلك. و قد قال معمر بن خلاد: «سمعت الرضا عليه‌السلام - و ذكر شيئا - فقال: ما حاجتكم الي ذلك؟. هذا أبوجعفر قد أجلسته مجلسي، و صيرته مكاني. انا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا القذة بالقذة» [172] . [ صفحه 95] ثم بدأ المولود مبارك يظهر علي الجمهور بنفسه مع صغر سنه، و قد قال محمد بن عيسي: «دخلت علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فناظرني في أشياء، ثم قال: ارتفع الشك؟. ما لأبي غيري» [173] . فقد و كل أبوه أمر الاجابة علي أسئلة أصحابه اليه، ليزول الشك من نفوسهم، و مارس طريقة انتدابه للرد، لصرف أصحابه اليه، و صار يقول - و هو حدث بين يديه -: هذا أبوجعفر أجلسته مجلسي و أقمته مقامي، حرصا علي عقيدة الثلة المؤمنة التي لم يجرفها زخرف الدنيا و بهرجها. و قد قال الحسن بن الجهم: «كنت مع أبي‌الحسن عليه‌السلام جالسا، فدعا بابنه و هو صغير، فأجلسه في حجري و قال لي: جرده، و انزع قميصه. فنزعته. فقال لي: انظر بين كتفيه. فنظرت فاذا في أحد كتفيه شبه الخاتم داخل اللحم. ثم قال لي: أتري هذا؟. مثله في هذا الموضع كان من أبي عليه‌السلام» [174] . و هذا الخاتم - كخاتم النبوة - من علامات الامامة، و هو يزيل ريب المرتابين لأنه مخلوق مع صاحبه. و حدث ابراهيم ابن أبي‌محمود، فقال: «كنت واقفا عند أبي‌الحسن، علي بن موسي، الرضا عليه‌السلام، بطوس. فقال بعض من كان عنده: ان حدث حدث، فالي من؟. قال: الي ابني محمد. و كأن السائل استصغر سن أبي‌جعفر عليه‌السلام، [ صفحه 96] فقال له أبوالحسن الرضا عليه‌السلام: ان الله بعث عيسي بن مريم عليه‌السلام نبيا [ثابتا] باقامة شريعة في دون السن الذي أقيم فيه أبوجعفر ثابتا علي شريعته» [175] . و جاء بلفظ: ان الله بعث عيسي رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبوجعفر عليه‌السلام» [176] . فدل بهذه الحجة القاطعة علي امكان أن يكون الطفل اماما، ما زال يمكن أن يكون نبيا، فرفع بذلك الاستهجان و أزال الوهم الذي يجي‌ء من ناحية صغر السن، لأن النبي يقوم بابتداء شريعة، بينما يسهر الامام علي تطبيق الشريعة الموجودة.. فاذا جاز أن يكون الصغير نبيا فلم لا يجوز أن يكون من هو في مثل سنه اماما و وصيا؟!! و مما حصل له عليه‌السلام في صغره، أن علي بن أسباط تشرف بزيارته و روي ما حدث له، قائلا: «رأيت أباجعفر قد خرج علي، فأحددت النظر اليه، و الي رأسه، و الي رجله، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فخر ساجدا. و لما جلس قال: يا علي، ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة. قال الله تعالي: (و آتيناه الحكم صبيا) [177] و قال الله: (فلما بلغ أشده، و بلغ أربعين سنة).. [178] . فقد يجوز أن يؤتي الحكمة و هو صبي، و يجوز أن يؤتي و هو ابن أربعين» [179] . [ صفحه 97] و نترك ابن أسباط يتأمل قامته الشريفة لنتأمل نحن في أشياء أخري: فكيف عرف هذا الصبي - ابن السنتين - ما دار في خلد صاحبه؟ فسجد!. و كيف تسني لهذا الصغير أن يفجأه بحجة من القرآن ليستدل علي صحة امامة الصغير؟. و من أعلمه بنبوة يحيي و عيسي عليهماالسلام في سن الصباوة؟. و من لقنه الحجة بطرفيها حيث يجوز تكليف الصبي، و تكليف ابن الأربعين بالنبوة و الامامة للقيام بأمر الله عز و جل؟. و ما هذه البلاغة، و الفصاحة، تدوران علي لسان صبي لا يزال في حضن أمه - بعيدا عن أبيه - مترعرعا بين جواريه السود، و نائيا عن حلقات الدرس و مجالس العلم؟!! ان كيف، و من، و ما، و لماذا، و لم، كلمات جوفاء فارغة بحق أهل هذا البيت الذين حملوا العمل الرائد من السماء و حملوا - بذلك - أمرا عظيما و «قولا ثقيلا» فكان القرآن يدور علي ألسنتهم بيسر، و تتفجر ينابيع الحكمة من قلوبهم ببساطة تذهل العقول و تستلب الألباب. فلا تستفهم عن حالهم اذا كنت رائد حق، و لا تضع وقتك و لا نفسك في همزات الشياطين، و تأمل بهذا الصبي الحدث الذي لم يجلس الي زائره ليلوك الكلام و ينمق اللفظ، و لا أعمل فكره ليتصيد المعاني بحذلقة لسان و اصطناع بيان ليخرج من عهدة الاستشكال في صغر سنة، بل «انكشف» له ما في نية صاحبه، فسجد شكرا لله علي وهبه و أزال الاشكال من ذهن الزائر بلا تعمل و لا تكلف؛ ذلك أن الأئمة عليهم‌السلام علمهم من علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - من علم الله تعالي - كبارا كانوا أم صغارا؛ كما أن طينتهم من طينته، و أن الذي «قرر» نبوته «قرر» ولايتهم حين رسم خطة النبوة و الامامة كليهما.. و قال سنان بن نافع: [ صفحه 98] «سألت علي بن موسي الرضا عليه‌السلام، فقلت: جعلت فداك، من صاحب الأمر بعدك؟. فقال لي: يا ابن‌نافع، يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته ممن هو قبلي، و هو حجة الله تعالي من بعدي.. فبينا أنا كذلك اذ دخل علينا محمد بن علي عليهماالسلام، فلما بصر بي قال لي: يا ابن‌نافع، ألا أحدثك بحديث؟. انا معاشر الأئمة اذا حملته أمه يسمع الصوت في بطن أمه أربعين يوما. فاذا أتي له في بطن أمه أربعة أشهر، رفع الله تعالي له أعلام الأرض فقرب له ما بعد عنه حتي لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة و لا ضارة. و ان قولك لأبي الحسن: من حجة الدهر و الزمان من بعده، فالذي حدثك أبوالحسن ما سألت عنه، هو الحجة عليك. فقلت: أنا أول العابدين. ثم دخل علينا أبوالحسن فقال لي: يا ابن‌نافع، سلم و أذعن له بالطاعة، فروحه روحي، و روحي روح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» [180] . و نقل يحيي بن حبيب الزيات عمن حضر في مجلس الامام الرضا عليه‌السلام حديثا قال له في آخره: «.. فلما نهض القوم قال لهم أبوالحسن الرضا عليه‌السلام: القوا أباجعفر فسلموا عليه و أحدثوا به عهدا. فلما نهض القوم التفت الي و قال: يرحم الله المفضل، انه كان ليقنع بدون ذلك» [181] . [ صفحه 99] يعني أن المفضل - صاحبه و صاحب آبائه عليهم‌السلام - كان يقنع بالنص علي خلف الامام نصا شفهيا بدون أن يبحث و يحقق و يدقق لشدة ايمانه و يقينه، و أنه لو كان حيا لنهض حالا ليحدث عهدا بالامام الجديد، ممتثلا امتثالا فوريا، لأنه يسمع و يطيع و ينفذ من غير أن يطلب دلالة علي قول امامه. و قال جعفر بن محمد النوفلي: «لقيت الرضا عليه‌السلام بقنطرة أريق، فسلمت عليه ثم جلست فقلت: جعلت فداك، ان أناسا يزعمون أن أباك حي!. فقال: كذبوا، لعنهم الله. قلت: فما تأمرني؟. قال: اقتد بابني محمد من بعدي» [182] . و كما يدخل الطبيب الي عيادته معلما مفهما متخصصا بما جعله حرفة له، يخرج الامام عليه‌السلام الي هذه الحياة الدنيا و قد «أنهي تخصصه بوظيفته الالهية» و كان معلما مفهما لا يعييه أمر من أمور الدنيا و الدين. فلا هو بحاجة الي تدريب، و لا يرضخ لدور تأديب... و لا يحتاج لمراس، و لا لتمرين علي العمل كسائر الناس. و ها نحن أولاء في عيادة الامام - الطفل - الطبيب، حيث قال معمر بن خلاد: «سمعت اسماعيل بن ابراهيم يقول للرضا عليه‌السلام: ان ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به اليك غدا تمسح علي رأسه و تدعو له، فانه مولاك. فقال عليه‌السلام: هو مولي أبي‌جعفر، فابعث به غدا اليه» [183] . و حمل الذي في لسانه ثقل اليه.. فشفي باذن الله تعالي و بمجرد دعوة الامام التي تمتم بها و هو رافع نظره الي السماء!. [ صفحه 100] و لكن يجب أن ينكشف لك السر كما انكشف لمعاصريه، فان أباه عليه‌السلام كان يوجه أنظار أصحابه اليه كي يلفت نظرهم الي سر الله الذي يحمله ابنه ليرسخ ايمانهم في قلوبهم و يحافظ علي جمعهم حول كلمة أهل الحق و كلمة الله التي ألقاها اليهم. أفرأيته كيف يدعوهم الي أن لا يحوروا و لا يدوروا حين يرون المعجزة تجري علي يدي ابنه و هو لما يزل طفلا؟. و رأيت - ثم - الي ابنه كيف يوضح علاقته بالسماء، و كيف يثبت تفرعه من الشجرة المباركة المطهرة من الرجس، و كيف تكون «الامامة» «للصغير» من هذا «البيت الكبير» بمشيئة الله!. هذا الطفل - الذي يرفع طرفه نحو السماء و يتحرك لسانه بالثناء، كما يفعل المتنسكون الخاشعون من الأولياء، و يجأر الي الله سبحانه بالدعاء فيستجيب له لمحا بالبصر - هو طفل يدهش حقا!. انه لما يزل يحمل من يد الي يد، و من حضن الي حضن بدافع عاطفة الكبير علي الصغير، ثم يصدر عنه مثل هذا العمل الجليل الخطير!. قالت مرضعته التي كانت من سعد بن بكير حين رأت آياته العجيبة و هو - بعد - رضيعا: أني أشبهك يا مولاي ذا لبة شثن البراثن، أو صماء حيات و لست تشبه ورد اللون، ذا لبد و لا ضئيلا من الرقش الضئيلات و لا خسأت سباع الأرض أسكتها اشجاء صوتك حتفا، أي اسكات و لا عزمت علي الحيات تأمرها بالكف، ما جاوزت تلك العزيمات [184] . فقد أنفت أن تشبهه بذي اللبوءة - أي الأسد القاسي الأظفار - أو بورد اللون - الأسد الشجاع - حين تكون اللبوءة بجانبه فيغار عليها و يحميها، أو بالحية الصماء ذات السم الناقع، أو بالأفعي الرقشاء، فانه أجل من ذلك و أرفع، لأنه بصوته [ صفحه 101] الناعم الرهيف يخسأ - يطرد و يبعد - سباع الأرض المفترسة أو يميتها هلعا و رعبا، و بصوته هذا يعزم علي الأفاعي فتقف عند عزيمته و تفعل ما يأمرها به. و هذا أقوي و أخطر ما تتصوره مرضعته في الطبيعة، قد رفعته الي ما فوقه بمعاجزه الربانية التي تراها منه!. و هو - بالحقيقة - من البلاغة بمكان... و كيف لا تقول فيه مرضعته هذا القول و هي تري منه عجبا؟. فقد روي أحمد بن محمد بن أبي‌نصر، و محمد بن سنان، جميعا، قالا: «كنا بمكة، و أبوالحسن الرضا عليه‌السلام بها. فقلنا له: جعلنا الله فداك، نحن خارجون و أنت مقيم. فان رأيت أن تكتب لنا الي أبي‌جعفر كتابا نلم به!. أي تجعل لنا بذلك سببا للتشرف بزيارته لأنه كان في السنة الأولي من عمره -. فكتب اليه. فقدمنا، فقلنا لموفق - الخادم -: أخرجه الينا. فأخرجه الينا و هو في صدر موفق - أي في حضنه -. فأقبل يقرأه و يطويه، و ينظر فيه و يتبسم، حتي أتي علي آخره كذلك يطويه و ينشره من أسفله» [185] . أفلا يدهشك هذا الذي يفعله طفل لم يقف علي قدميه بعد؟!. قال أحمد بن محمد بن أبي‌نصر، نفسه: «لما كان ابن‌ثمانية عشر شهرا دفعت اليه كتابا، ففضه و قرأه» [186] . و استمع الي أعجب، فقد قال محمد بن ميمون: «كنت عند الرضا عليه‌السلام بمكة قبل خروجه الي خراسان. فقلت له: اني أريد المدينة، فاكتب معي كتابا الي أبي‌جعفر عليه‌السلام. [ صفحه 102] فتبسم، و كتب. فصرت الي المدينة، و قد كان ذهب بصري. فأخرج الخادم أباجعفر عليه‌السلام الينا، يحمله من المهد، فناولته الكتاب. فقال لموفق الخادم: فضه و انشره. ففضه و نشره بين يديه. فنظر فيه، ثم قال لي: يا محمد، ما حال بصرك؟. قلت: يا ابن رسول الله، اعتلت عيناي فذهب بصري كما تري. قال: ادن مني. و دنوت منه، فمد يده فمسح بها علي عيني، فعاد الي بصري كأصح ما كان. فقبلت يده و رجله، و انصرفت من عنده و أنا بصير» [187] . هذا فعل ربك - يا أخي القاري‌ء - (و ما رميت اذ رميت، و لكن الله رمي)! [188] . و هكذا كان الله تعالي يلهم الناس ليقصدوا الامام الرضا عليه‌السلام، فيوجههم نحو ابنه - امام المستقبل - كيلا يضيعوا عن أمر الله. و كذلك قال محمد بن سنان: «شكوت الي الرضا عليه‌السلام و جع العين. فأخذ قرطاسا فكتب الي أبي‌جعفر عليه‌السلام و هو أقل من يدي - أي صغير جدا - و دفع الكتاب الي الخادم و أمرني أن أذهب معه و قال: اكتم. فأتيناه و خادم قد حمله!. ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي‌جعفر عليه‌السلام. [ صفحه 103] فجعل أبوجعفر ينظر في الكتاب و يرفع رأسه الي السماء و يقول: ناج. ففعل ذلك مرارا، فذهب كل وجع في عيني، و أبصرت بصرا لا يبصره أحد!. قال: فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام: جعلك الله شيخا علي هذه الأمة كما جعل عيسي بن مريم شيخا علي بني اسرائيل» [189] . و الحديث طويل، جري و هو طفل رضيع يقيم في المدينة المنورة، و أبوه في مكة يؤدي فريضة الحج لينصرف بعدها الي خراسان. لكن.. لم لم يعالج الامام الرضا عليه‌السلام هؤلاء المرضي بقدرة الله تعالي، و حولهم الي ابنه في المدينة و هو في سن الرضاعة لا يكاد يقوي علي المشي؟!. سؤال لا يتجاوز دون جواب. و جوابه القريب المنال، هو أول جواب يخطر في البال. ذاك أن أباه منصرف الي خراسان «عالما» أنه لن يعيش طويلا، و أن ابنه «مدعو» لاشغال مركز «الامامة» في سن مبكرة، فلا بد من «نشر» آياته و معجزاته و الدلائل علي امامته في المدينة المنورة أولا و بالذات، لأنها مثوي جده الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، الي جانب أنها مقر الهاشميين من أعمامه و بني أعمامه، كما أنها ملتقي القاصي و الداني من كور الاسلام، مضافا الي وجود أهل الافك فيها، فلا ينبغي اظهار «أمر الله» تعالي الا منها، للفت أنظار جميع قواعده اليه من مختلف الأقطار و الأمصار. ففترة العمر قصيرة... و أمر ابراز مواهب الله تعالي للامام - الابن يقتضي «الاذاعة» و النشر.. قبل انتهاء فترة العمر. فامامنا هذا - الصغير سنا، الكبير قدرا و نهي - كان والده - الذي هو ملاذ العلماء و الفقهاء و الحكماء - يحترمه و يفديه بنفسه و يعطيه حقه من التجلة لأنهها أهلها و محلها... منذ صغره. [ صفحه 104] فهو طفل تخرس أمام معناه، و نهاه، و فطنته و حضور ذهنه، عباقرة الأفهام و الكلام، و تنبهر من آياته و معجزاته، وصولاته في الفقه و جولاته في الفتاوي و التفسير و التأويل، حفظة الفتاوي و الأحكام!. لا يقول هجرا.. و لا يعبث لهوا كأترابه و أولاد جيله، و لا تلفت نظره مسليات الصغار و ألهيات الأطفال، لأنه مخلوق لمهمة كبري، في عهد خطير.. و هو - بعد - صغير!. فتأمل تصرفاته عليه‌السلام، مع علي بن حسان الواسطي الذي قال: «حملت معي من الآلة للصبيان بعضا من فضة و قلت: أتحف مولاي أباجعفر عليه‌السلام بها. فلما تفرق الناس عن جواب لجميعهم قام فمضي الي (صريا). و اتبعته فلقيت موفقا - الخادم - فقلت: استأذن لي علي أبي‌جعفر عليه‌السلام. فدخلت، فسلمت. فرد علي السلام و في وجهه الكراهة، و لم يأمرني بالجلوس. فدنوت منه، و فرغت ما كان في كمي بين يديه. فنظر الي نظر مغضب، ثم رمي - الآلة - يمينا و شمالا، ثم قال: ما لهذا خلقني الله!. ما أنا و اللعب؟!! فاستعفيته، فعفاعني، فخرجت» [190] . اي و الله، ما لهذا خلقه الله.. و لا لذلك خلق آباؤه و أجداده جميعا. و علي بن حسان، و أمثاله من الأبدال و الأفذاذ، انما كانوا يصنعون مثل هذا الصنيع بحثا عن حقيقة «امامة ولد» لم يكد يدب و يدرج. فهم يبحثون، و يستقصون الدقة في موازين «التولي و التبرؤ» لأنهم مراجع الشيعة الاثني عشرية، و حملة أوامر الامام للناس عن طريق كونهم مفاتيح أبواب قواعده. لا، لم يخلق امامنا للهو و لا للعب، لأنه «مرصود» للأمر العظيم في القيادة و الريادة. [ صفحه 105] و هو كبير في صغره.. و امام في كل حال.. و السن ليست عند الله ذات بال.. و طفولته لا تلهو و لا تعبث.. لأن الأئمة يولدون كذلك، و تتدخل يدالله تبارك و تعالي في جبلتهم.. و تمضي مشيئته في تكوين شخصياتهم. و الامام الرضا عليه‌السلام - وحده - كان يعرف ابنه كبيرا في صغره، و عظيما في حداثته. و كان يتكلم معه كامام مفترض الطاعة، لأنه يعرفه كذلك قبل أن يكون حملا، و قبل أن يولد. كما أنه كان يعرف اسمه و كنيته و عمره و ما يجري عليه في حياته، لأن ذلك مكتوب عنده محفوظ في صدره. و قد حدث أبوالحسين بن محمد بن أبي عياد، الذي كان يكتب للرضا عليه‌السلام - بعد أن ضمة اليه الفضل بن سهل بعد ولاية العهد - فقال: «ما كان عليه‌السلام يذكر محمدا ابنه الا بكنيته، يقول: كتب الي أبوجعفر عليه‌السلام، و كنت أكتب الي أبي‌جعفر عليه‌السلام، و هو صبي في المدينة، فيخاطبه بالتعظيم، و ترد كتب أبي‌جعفر عليه‌السلام في نهاية البلاغة و الحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي و خليفتي في أهلي من بعدي» [191] . هذا، و لم يغب عن بال الامام الرضا عليه‌السلام أنه مفارق الدنيا عن قريب - و في حال صغر ابنه - و أنه في مرحلة تأهيله لمركز ولاية أمر الناس والدين، فدأب علي اظهار أمره لئلا يضيع الضعفاء من أوليائه، ثم لم يسه عن تدريبه علي ما ينبغي فعله، لأنه كان بعيدا عنه غاية البعد. [ صفحه 106] فقد حدث البيزنطي أنه قرأ كتابا للامام الفتي من أبيه سلام الله عليهما يقول فيه: «يا أباجعفر: بلغني أن الموالي اذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، و انما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيرا. فأسألك بحقي عليك، لا يكن مدخلك و مخرجك الا من الباب الكبير. و اذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة، ثم لا يسألك أحد الا أعطيته. و من سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطيه أقل من خمسين دينارا و الكثير اليك، و من سألك من عماتك فلا تعطيها أقل من خمسة و عشرين دينارا و الكثير اليك. اني أريد يرفعك الله، فأنفق و لا تخش من ذي العرش اقتارا» [192] . فالأب يفتح عيني ابنه علي حقيقة هامة تتلخص في ضرورة احتكاكه بالناس، الي جانب توسيع آفاق تفكيره ليدرك أنه بطريق تسلم المسؤوليات الكبري و القيام بالأعباء الجسام عما قريب، و أنه ستنعقد عليه خناصر الأولياء و سيقوم بمهمات أجداده و آبائه النجباء ذوي الحلوم و العلوم و السخاء، و لا ينبغي له أن يبقي طفلا في حضانة النساء و تصرف الدهماء، بل عليه أن يظهر علي مسرح الحياة منذ نعومة أظفاره لتبدو للناس مواهب الله تعالي لخلصائه من أوليائه المميزين عن الناس بفضله و عطائه.. نعم، ان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، هم من «صناعته» سبحانه و تعالي التي تعلو صناعة صناع اليدين. قد سموا علي الناس في الايمان، و تفردوا بحمل أمر الرحمان، و مجانبة الطغيان، و بقطع دابر معاذير البهتان ببيان ساطع و حجة قاطعة. يخلقون و أمر الله مل‌ء سمعهم و بصرهم. و يزقون العلم زقا، فتنهل به ألسنتهم التي تخرس الألسنة اللاهثة وراء نفث [ صفحه 107] الشيطان، و لا يبالون بالمخالف اذا وافق، و لا يحفلون بالخاذل اذا وازر، و لا يكترثون بمن ازور و قطب و تقبض و تعبس، و ان كانوا يفرحون بمن هدي الله قلبه للايمان.. و هم كأبيهم أميرالمؤمنين عليه و عليهم‌السلام، الذي لو كفر الخلق كلهم لقام الدين به بمفرده، و لو عاداه الناس جميعا في الله لبرز وحده في وجههم أجمعين. و قليلون هم الذين كانوا يعرفون ما تحمله لفظة «امام» مفترض الطاعة و يدركون معناها الذي يدل عليه مبناها فيفهمون «محتواها» سواء أكان القائم بأعباء الامامة صغيرا أم كبيرا. و لذلك كانوا يتلكأون عن أخذ النص من غير فم امام العصر مرة، و يمتحنون و يستقصون مرة ثانية، و يلقون الأسئلة مرة و مرة و مرة.. حتي تستقيم عندهم الموازين، و ينزل «أمر الله» من نفوسهم منزل القبول. أما انكار أهل العناد لأمر الله، فانه لا يمنع اشراق الشمس، و لا يطفي‌ء نورها، و لا يحرم الامام فضيلة من الفضائل التي حباه الله تعالي بها. فهل يضير الشمس أن لا يراها رمد العيون؟!. و هذا أحد نماذج كتب أبيه اليه عليهماالسلام: بسم الله الرحمن الرحيم أبقاك الله طويلا، و أعاذك من عدوك يا ولدي، فداك أبوك. قد فوضت لك مالي و أنا حي سوي، رجاء أن ينميك الله بالصلة لقرابتك و لموالي موسي و جعفر رضي الله عنهما. قال الله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) [193] . [ صفحه 108] و قال: (لينفق ذو سعة من سعته، و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) [194] . و قد أوسع الله عليك كثيرا يا بني، فداك أبوك. لا تستر دوني الأمور فتخطي‌ء حظك، و السلام» [195] . فأبوه لا يدار معه حديث - أي حديث - الا في اطار كون ابنه «اماما» من عند «مكونه» عز و جل، تسقط تحت قدميه احتمالاتنا التافهة و مقاييسنا المرجحنة و مفاهيمنا الموجهة بنفوس أمارة بالسوء، اذ حين يقول الله تعالي: (و انه لذو علم لما علمناه) [196] تقطع جهيزة قول كل خطيب مدره، و لا تستقيم الموازين الأرضية، و يذعن من كان ذا رشد للآية البينة و الحجة القاطعة، اذعان علي بن جعفر، الذي حدث عنه ابن أخيه الحسين بن موسي بن جعفر - عم امامنا الجواد عليه‌السلام - الذي سمع فوعي، اذ قال: «كنت عند أبي‌جعفر عليه‌السلام بالمدينة، و عنده عمي علي بن جعفر - الذي مر ذكره سابقا - فدنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام علي بن جعفر فقال له: يا سيدي، يبدأ بي، لتكون حدة الحديد في قبلك. فقلت أنا: يهنيك هذا يا عم أبيه!. فقطع العرق. ثم أراد أبوجعفر عليه‌السلام النهوض، فقام عم أبيه، الشيخ الكبير الجليل، فسوي له نعليه حتي يلبسهما» [197] . أفمن كان خادما - بل عبدا رقا - مملوكا للانسان، يقوم فيسوي نعلي سيده الطفل كلما قام من مجلسه؟!. و اذا افترضنا أنه يقوم فيسويهما، و لا يتثاقل برغم سنه و هرمه، فلا عجب في [ صفحه 109] ذلك لأنه مستأجر - أو مشتري - لمثل هذه الأعمال. أما الشيخ الجليل - ابن الثمانين و سليل بيت النبوة و الفقيه الكبير - فانه لا يسوي نعلي ابن ابن أخيه الا بباعث ديني محض أيقن بصدوره عن رب العالمين فأذعن لولي الله - الصغير - المفترض الطاعة، بتمام الطاعة!. فما أبعدنا عن التسليم لأمر الله تعالي بمثل هذه العفوية و هذا اليقين!. بل ما أبعدنا عن مثل مرتبة هذا السيد النبيل!. لأن بيننا و بين تلك المنزلة مسافات لا تتخطاها قوة دفع الصاروخ الذي يحمل مراكبنا الفضائية التي تغزو الكواكب و النجوم!. و اذا لم ينبع الايمان من ذواتنا، فبيننا و بين ذلك.. «المستحيل»!. و لكن... حين نذعن لما يجي‌ء عن الله تبارك و تعالي، تثب منازلنا الي ما فوق السماء بأقل من طرفة العين، و تسبق مراتبنا سرعة نظرنا. فالايمان - بالحقيقة - جزء لا يتجزأ. و لا ينبغي أن يعبد الله علي حرف. (.. فمن أسلم - لأمر الله - فأولئك تحروا رشدا، و أما القاسطون - المائلون عن الحق - فكانوا لجهنم حطبا) [198] . [ صفحه 111]

ام الولد.. مملوكة فذة!

روي يزيد بن سليط أن الامام الكاظم عليه‌السلام قال له: «يا يزيد، اني أؤخذ في هذه السنة، و الأمر الي ابني علي. و اذا مررت بهذا الموضع و لقيته - و ستلقاه - فبشره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك. و سيعلمك أنك رأيتني، فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها الغلام، جارية من أهل بيت مارية جارية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أم ابراهيم. فان قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل» [199] . و لن نمر عابرين بهذا القول، و معتبرين أنه مجرد رسالة شفهية من أب لابنه، تصله عبر صاحب له. فان فيه دلائل علي امامة ثلاثة من أهل البيت عليهم‌السلام: امامة الكاظم عليه‌السلام، بدليل أنه يعرف ما سيكون: فلم يوص الا رجلا يعرف أنه يعيش بعده، و يمر بنفس الموضع الذي عينه، و يري ابنه فيه. و أنه يعلم كون ابنه اماما، و أبا لامام، بعلامة أن ابنه سيعلم الرسول برؤيته لأبيه قبل أن يبلغه رسالته. [ صفحه 112] كما أنه يعلم كون ابنه يرزق مولودا، من مملوكة من أهل بيت مارية زوج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و يعلم كذلك أن رسوله سيدرك أم‌حفيده و يبلغها السلام اذا تشرف برؤيتها.. و في القول - أيضا - دليل علي امامة الرضا عليه‌السلام الذي نص عليه أبوه بعهد جده صلي الله عليه و آله و سلم اليه، و بدليل معرفته لرسول أبيه و أعلامه بما قاله له أبوه - سابقا - قبل أن يتفوه بكلام. و فيه دليل علي امامة الجواد عليه‌السلام الذي دل جده علي أبيه، و عليه - كامامين - كما دل علي أمه أيضا مع العناية بها و التسليم عليها، نصا بذلك صريحا فصيحا، بعد أن تناول هوية الأم بدقة عجيبة تستدعي وقفة تفكير و تأمل كبير.. أو ليس ذلك من علم الله المكنون في طي الغيب؟. أو لا تري أنه الهام أو شي‌ء مقدر مكتوب؟! احتمل ما شئت.. فالحق لا يخفي، لأنه كالصبح اذا أسفر.. فأم الامام الجواد عليه‌السلام - التي عينها جده من غير أن يراها - هي «أم‌ولد» كانت من أفضل نساء زمانها. قد أشار اليها النبي صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: «بأبي ابن‌خيرة الاماء، النوبية الطيبة!» [200] . و هي تدعي «ريحانة» [201] - نوبية، مريسية، من أهل بيت «مارية» أم «ابراهيم» ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كما قال الامام الكاظم عليه‌السلام [202] و قوله منزل من المنزل كقول جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 113] و لكن.. أن أمه «أم‌ولد»!. تعبير يجفل بعض النفوس المريضة، و لكأن «أم‌الولد» ليست بنت سلطان، و لا سليلة ملك زمان.. و لا ربيبة مجد و قصور و أبراج عاجية!. و من هنا جاء الوهم.. و كان الغلط الذي يهز أعصاب الجهلة بموضوع الاماء و أمهات الأولاد. فكم و كم ذا تجد في الأسقاط ما لا تجده في الأسفاط. لأن بين ربيبات القصور ساقطات، و فاجرات.. كثيرات. و بين أمهات الأولاد أميرات، خطيرات شريفات، ذوات حصانة.. يكن من كرائم بنات الأسر.. و لسن ذوات صون مزور، و لا ربات خدر مهتك من اللائي تغرهن أهواؤهن، و تغشهن أجواؤهن، و تجعلهن حضارتهن و نضارتهن تافهات.. رخيصات!. أم الامام - عليه و عليهاالسلام - من الشريفات ذوات الحصانة.. و من كرائم بنات العائلات. و هي نوبية.. من السمراوات اللواتي تزري سمرتهن المحببة ببياض فتيات الحسن المصطنع المجلوب، و يطغي نجل أعينهن، و لعس شفاههن، و شمم أنوفهن، و سمو أنفتهن، علي كل منمق مزور مزوق مكذوب!. و صدق من قال: حسن الحضارة مجلوب بتطرية و في البداوة حسن غير مجلوب هذا من ناحية الجمال الصادق، اذا كان الجمال يدور في فلك اختيار الزوجات أولا و بالذات. أما الحصانة و الشرف و الصون و العفاف، فما أبعد عنها المتحضرات اللواتي [ صفحه 114] همهن أن يكن «سيدات مجتمع» أو بنات «سهرات و حفلات» بعد أن كن آنسات شواطي‌ء سباحات، و طالبات جامعات متحررات، و فتيات مدلعات، و راكبات جياد فارسات.. مركوبات!!! فهل تكون الزهرة الصناعية ذات طراوة؟. و هل ينبعث منها أريج، و لو سكب عليها من الطيب صهريج؟!! أم تدب فيها الحياة اذا وضعت مع الماء في الزهريات؟!. لا اخال المفاضلة تصح بين هؤلاء و أولئك من النسوة، للبون الشاسع بينهما في حسن السيرة و صفاء السريرة، و عراقة الأصل، و طهارة النسل. و من المماحكة التافهة اثارة نقاش حول مثل هذا الموضوع الذي يعرف بالبديهة و تفرضه الفطرة، و يدركه العقل ببساطة.. فاننا لا نجد التعقيد في الطبع - و التصنع في السلوك، و الحذلقة و الطيش - الا عند الأجيال المتحضرة التي رضعت المجفف من حليب البقر، فجاءت الأجيال كدجاج المزارع سمنا و خواء، فلا لذة تستطعمها فيه، و لا غذاء تقيم به أودك!. و كالأنعام السوام التي تنفر من كل قيد، و تأبي كل نظام. أضف الي ذلك عناد هذه الأجيال و قساوة قلوبها، و غلظتها و عنفوانها، و لقلقة ألسنتها.. فاذا حاولت أن تعرف فحواها و تستوعب محتواها، تجدها زبدا يذهب جفاء، و لا يمكث منه عند الاختبار في الاناء، ما يساوي التعب و العناء!. فأم الامام الجواد عليه و عليهاالسلام أم‌ولد، نوبية، قبطية الأصل. و أم النبي اسماعيل بن ابراهيم الخليل عليهماالسلام، أم‌ولد، مصرية. و أم‌ابراهيم ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أم‌ولد قبطية، مصرية. و كذلك أمهات سبعة من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، أمهات أولاد، فذات، [ صفحه 115] كما أن والدات الكثيرين من الملوك، و السلاطين، و العظماء، و الشرفاء، و العصاميين، أمهات أولاد!. و أمهات أئمتنا عليهم‌السلام - بالخصوص - أميرات شريفات، منيفات في الأصل و طيب الفرع: فأم الامام علي بن الحسين عليه‌السلام، هي شاه زنان - أي سيدة النساء - الأسيرة المملوكة التي هي بنت كسيري يزدجرد ملك الفرس. و قد تطاولت لها الأعناق فلم تختر سوي الحسين عليه‌السلام. و أم‌الامام موسي بن جعفر، الكاظم عليه‌السلام، مملوكة بربرية شريفة الأصل، سامقة الفرع، كانت في منتهي الكمال و الفضل، تسمي حميدة. و أم الامام علي بن موسي، الرضا عليه‌السلام، مملوكة مريسية اسمها الخيزران.. نسلتها كرائم الأسر النوبية الشريفة. و مثلهن أم امامنا محمد بن علي، الجواد عليه‌السلام، الذي نحن بصدد ترجمته و ترجمتها. و كذلك أم الامام علي بن محمد، الهادي عليه‌السلام، فهي مغربية اسمها سمانة.. و هي من شريفات زمانها و ممن اختارهن الله تعالي لحمل تلك النطف المباركة الميمونة. و أم الامام الحسن بن علي، العسكري عليه‌السلام، أم‌ولد شريفة تدعي سوسن. و قد اختارها له سيد سادات زمانه درة مكنونة من عقائل زمانها. و أخيرا.. فان أم الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه، هي مملوكة من نسل شمعون الصفا وصي عيسي عليهماالسلام.. و كفاها هذا الشرف في النسب العريق. و لقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو لا ينطق عن الهوي: «عليكم بأمهات الأولاد، فان في أرحامهن البركة» [203] . [ صفحه 116] ثم قال عليه‌السلام في خطبة له: «.. ان الله أحل لكم الفروج علي ثلاثة معان: فرج موروث و هو البتات، و فرج غير موروث و هو المتعة، و ملك أيمانكم - أي الاماء -» [204] . و قال الامامان: الصادق و ولده الكاظم عليهماالسلام: «ثلاثة من عرفهن لم يدعهن: جز الشعر، و تشمير الثوب، و نكاح الاماء» [205] . و هذه من أشرف مبادي‌ء الاسلام الذي لم يفرق بين انسان و انسان الا بالتقوي. و روي أبوربيع الشامي أن الامام الصادق عليه‌السلام قال له بالنسبة الي الاماء: «لا تشتر من السودان أحدا، فان كان لا بد، فمن النوبة فانهم من الذين قال الله عز و جل: (و من الذين قالوا انا نصاري أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به) [206] أما انهم سيذكرون ذلك الحظ، و سيخرج مع القائم منا، عصابة منهم».. [207] . فما أعظم بركة هذه النوبية الفذة التي حبذ النبي صلي الله عليه و آله و سلم التزوج بأمثالها!. مع أنه قال صلي الله عليه و آله و سلم: «اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين» [208] . و أن الصادق عليه‌السلام قال: «الشجاعة في أهل خراسان، و الباه في أهل البربر، و السخاء و الحسد في العرب، فتخيروا لنطفكم» [209] . أما الامام الكاظم عليه‌السلام فانه فلسف ذلك و علله بما لا مزيد عليه من [ صفحه 117] البيان فقال - كما في رواية عبدالله بن مصعب الزبيري الذي كان يتذاكر أمر النساء مع أصحابه -: «.. أما الحرائر فلا تذاكرهن. - أي أن أمرهن مفروغ منه للياقتهن بالزواج اذا كن صالحات - و لكن خير الجواري ما كان لك فيها هوي و كان لها عقل، و أدب، فلست تحتاج الي أن تأمر و تنهي. و دون ذلك ما كان لك فيها هوي و ليس لها أدب فأنت تحتاج الي الأمر و النهي. و دونها ما كان لك فيها هوي و ليس لها عقل و لا أدب فتصبر عليها لمكان هواك فيها. و جارية ليس لك فيها هوي و ليس لها عقل و أدب فتجعل فيما بينك و بينها البحر الأخضر!.» [210] . علي أن الاسلام ساوي بين العربي و الأعجمي و الأبيض و الأسود، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حديث: «... ان الله قد وضع بالاسلام من كان في الجاهلية شريفا، و شرف بالاسلام من كان في الجاهلية وضيعا، و أعز بالاسلام من كان في الجاهلية ذليلا، و أذهب بالاسلام ما كان من نخوة الجاهلية و تفاخرها بعشائرها و باسق أنسابها.. الخ...» [211] . و قال صلي الله عليه و آله و سلم أيضا: «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» [212] . فمن الفهم العالي لروح الاسلام الصحيح أن الامام زين‌العابدين عليه‌السلام أنكح مولاه حليلة أبيه الحسين عليه‌السلام، و تزوج هو بمولاته.. ولكن الأعداء الجاهليين - الجاهلين ثاروا لذلك، و قالوا زوج أمه لمولاه، و تزوج بمولاته!. - مع [ صفحه 118] أن تلك الأم هي بالحقيقة بعض «مملوكات» أبيه و من أمهات أولاده، و قد مر بك - منذ قليل أن أم زين‌العابدين عليه‌السلام هي شاه زنان بنت كسري الفرس، و أن المملوكة التي تزوجها، هي مولاته الشيبانية التي كانت من كرائم النساء. - أقول ثار الجهلة بالدين فكتب اليه عبد الملك بن مروان يلومه علي ذلك و يقول فيما يقول في ساعة تجريح و حمق: «قد وضعت شرفك و حسبك» [213] . فألقمه الامام عليه‌السلام حجرا اذ كتب اليه في الجواب: «ان الله رفع بالاسلام كل خسيسة، و أتم به الناقصة، و أذهب به اللؤم. فلا لؤم علي مسلم، و انما اللؤم لؤم الجاهلية. و أما تزويج أمي - و الأم هنا زوج الأب - فاني أردت بذلك برها. و لنا برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أسوة: زوج زينب بنت عمه، زيدا مولاه، و تزوج مولاته صفية بنت حيي بن أخطب» [214] . فلما انتهي الكتاب الي عبدالملك - خليفة المتأسلمين - قال: «لقد صنع علي بن الحسين أمرين ما كان يصنعهما الا علي بن الحسين!.. فانه بذلك زاد شرفا. و ان علي بن الحسين يضع نفسه، و ان الله يرفعه!.» [215] . لقد وعي قول رسول الله صلي الله عليه و آله - أول ما وعي - أبناؤه الأئمة عليهم‌السلام، فاختاروا لنطفهم كرائم النساء الفذات. و انتقوهن من الفرس، و مصر، و المغرب، و ايطاليا، و من أطراف المعمورة، لأنهن كن يجمعن صفات جمال الخلق، و كمال السيرة، و عراقة الأصل، و يقرن سمو المعني بسمو الذات. فقد تجد في سوق النخاسة، ما لا تجده في سدة الرئاسة، من فاضلات كاملات. [ صفحه 119] و كم ذا تجد في البيوتات نبتات سوء، لا ذا التذ الرجال بمنظرهن ارتاحوا الي مخبرهن، و لا اذا ركنوا لمظهرهن الخلاب اطمأنوا لمخبرهن الكذاب، المحاط بالارتياب. قال الله تبارك و تعالي: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء..) و أكمل الآية الشريفة بقوله عز و جل: (أو ما ملكلت أيمانكم).. [216] . فلا أطيب و لا أزكي مما أحله الله تعالي، و أباحه، و أمر به!. و من أبناء أمهات الأولاد المملوكات - كما قلنا - عظماء كثيرون، و فقهاء، و خلفاء، و وزراء، و فلاسفة، و عباقرة، و نوابغ مرموقون ما بين كبراء المسلمين و مشاهيرهم، منذ صدر الاسلام و الي ما بعد انهيار الدولة العباسية؛ و من شاء فليراجع.. اذ لا يؤسر الا بنات الملوك، و الأمراء، و الكبراء.. و لا يسوق الغازي المنتصر سبيا من نساء الرعاة و أبناء الأزقة، و يترك الشريفات اللواتي بأسرهن يذل الشرفاء من آبائهن و أزواجهن و اخوتهن!. و قد أفصح التاريخ عن هذه الجهة، و ان كان في أكثر جهاته تاريخا مكذوبا موضوعا. و نحن اذا استنطقناه يحكي قصص الحكام و الظلام الذين أسروا السادة و العظماء و باعوا نساءهم و ذراريهم عبيدا و اماء في سوق النخاسة، و أقاموا عروش حكمهم الغاشم علي جماجم الشرفاء و العظماء و لو كان أولئك الحكام من السوقة و الأقزام. فلا يذهبن «اللفظ» بالفكر السليم كيلا نلهو بالقشر عن الجوهر و اللب، فان أكثر أمهات الأولاد شريفات و من أسر كريمة. ودع عنك ذكر الكاملات الأربع من النساء: فاطمة الزهراء، و مريم ابنة عمران، و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، و خديجة بن خويلد زوج رسول الله [ صفحه 120] صلي الله عليه و آله و سلم، و عليهن سلام الله و تحياته و رضوانه... و أعطني من قصور العظماء، و دور الشرفاء، و ذوات الصون و الخدور، أمثال أمهات هؤلاء الأئمة و غيرهم من عظماء التاريخ... حال كونهن اماء.. و أمهات أولاد. و لن تستطيع أن تذكر في هذا المجال الا بنت نبي، أو بنت وصي، أو بنت بيت تعي كرامة بيتها و أسرتها!. و ما عدا ذلك فان في القصور و سامقات الدور نساء فاجرات.. لا يتورعن عن قتل أزواجهن بالسم مرة، و بالغيلة مرة، و بواسطة العشيق مرة أخري. ففتش عن الأم، و لا تلم.. كما يقول المثل. لأن الأم هي السعادة الفائقة.. أو الشقاوة الماحقة!. و هي المدرسة المؤدبة المهذبة.. أو العدوة المدمرة المخربة!. و هي - فعلا - نعيم الأسرة.. أو جحيمها، و هي في البيت عماره.. أو دماره. و لقد اختار أئمتنا فأحسنوا الاختيار.. و أستغفر الله تعالي و الحق و الصدق اذ اختار لهم الله تبارك و تعالي ذلك، في عهده الذي عهده لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم. فسلام علي تلك الأم الشريفة التي أنجبت امامنا الأسمر الذي كسفت هالة نور وجهه ضوء الشمس الأنور.. و تحيات زاكيات علي أمثالها من أمهات الأولاد اللواتي قمن عن: أنبياء، و أوصياء، و أولياء، و صلحاء، و عباقرة!. [ صفحه 121]

و كان وعدا مفعولا

.. و تحققت المعجزة!. (و كان أمر الله قدرا مقدورا) [217] . فقد علقت الأم الطيبة.. و زفت السيدة الجليلة (حكيمة) الخبر السار لأخيها الامام الرضا عليه‌السلام، فكتبت اليه: «خادمتك علقت. فكتب - اليها -: علقت يوم كذا، من شهر كذا. فاذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام» [218] . و بانتهاء حمل امرأة بزغ [219] نور الطلعة الساطعة من هالة ضياء، و أشرق وجه مولود باركته السماء. [ صفحه 122] فانتشت لمولده الحضرة النبوية في مدينة طيبة، مهبط وحي الله عز و جل، و ذاع الخبر في السماء قبل الأرض، و شاع فملأ الأسماع، و زغردت الحور، و ترنحت أغصان شجرة طوبي فنثرت صكاك المغفرة لأوليائه مع عبق الأريج يتضوع في سدرة المنتهي و لا نهايات السماوات!. و ذلك حين بزع الفجر لينير المعمور مع صياح ديك العرش و ديكة الأرض فاصطفقت الأجنحة بالبشارة. و رقصت الجنان، و ازدهي - بلآلئها و جواهرها - ما فيها من ولدان و حسان.. و ذلك حين سقط المولود، فخر ساجدا لله تبارك اسمه. و قضي الأمر المحتوم الذي كشفه الامام حين اتهم بانقطاع النسل، و (جاء الحق، و زهق الباطل) [220] . ففرح المؤمنون بنصر الله... و رغمت أنوف المرجفين... (و كلمة الله هي العليا) [221] أبدا.. (و قضي بينهم بالحق، و قيل الحمد لله رب العالمين) [222] . اذ ذاك رفلت «يثرب» بثوب غبطة و سربال عز، تحسدها عليه عواصم المعمور، و خيام المقصورات من الحور!. اذ أقام المولود فيها، مع أمه دون أبيه، و كان - منذ طفولته - مرجعا يتهافت عليه كبار العلماء و الفقهاء، و لا يجدون بلغتهم الا عنده.. و هو ما بين سنته الأولي و سنته السابعة من عمره الشريف!. و ها هي ذي أفواج الملائكة مراويد فيما بين السماء و الأرض، خوافق كالرياح في الجو، تهبط و تصعد للتبريك و التبرك.. [ صفحه 123] و هي ذي مواكب الحور علي مراكب النور تزدهي ما بين الجنان و مهبط وحي الرحمان، لتضمخ المكان بزعفران «عدن» و روح جنة الخلد و ريحانها و طيبها.. منطلقة حناجرها بأغاريد السرور و الحبور في يوم التقاء فرح «البيت الحرام» بفرح «البيت المعمور» و هزج السماء بهزج الأرض.. و عندها.. تهاوت أوثان «الريب» القائمة في صدور أهل العيب، و انمحي الشك من قلوب عبدة الله علي حرف، و من نفوس حملة البهت و القذف.. أمام تراجيع التسبيح و التكبير في الأجواء.. حين ولد الامام.. كما قال الامام. فباء أهل البغي بالفشل.. و هدأ طوفان الاعتراض علي الله.. و علي أهل الله!!! و تنفس صبح، ندي، شذي، حين «استوت سفينة الحق» علي عرش قلوب المؤالين.. و اندك - من ثم - جبل المكابرين.. (فاذا جاء أمر الله قضي بالحق... و خسر هنا لك المبطلون) [223] . بعد أن تلألأ صبح لا أضوأ و لا أهنأ و لا أعظم بركة منه، (ورد الله الذين كفروا بغيظهم، لم ينالوا خيرا) [224] . بعد أن امتحن قلوب المؤمنين، و كشف نوايا المكذبين (ليميز الله الخبيث من الطيب).. [225] . فهدات زوبعة «فنجان الفتنة» بعد أن ذرت الغبار من العيون، و ركد اعصار التهويس و التهويش المصطنع حول الوقوف علي امام بعد امام.. و (كذلك يضرب الله الحق و الباطل. فأما الزبد فيذهب جفاء، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [226] . فلا جرم أن تطير قلوب المؤمنين من محاجرها فرحا، [ صفحه 124] و أن تستطار ألباب المكذبين بأمر الله، و تضيق صدروهم حرجا و هلعا.. فقد «كان» ما شاء الله.. لا ما شاءت الناس، و رزق ابن الحادية و الأربعين ولدا.. ذكرا.. أسماه محمدا.. و كان ما كان، كما قال، و في الوقت الذي حدده، و بعد عمره الوالج في باب الكهولة، مع أنه متزوج - من قبل - بأميرات و سريات، و مملوكات.. و الأمر غير عادي ان كنا منصفين، بل هو خارقة من الخوارق من ألفه ليائه. و لكن.. من المعلوم أن الخوارق لا تخضع لمقاييس «المعقول» و المألوف، لأنها تضرب - أول ما تضرب - «العقل» في مفاهيمه القاصرة عن الاحاطة بكل شي‌ء، و تمسح - أول ما تمسح - «المألوف» و تمحوه في الفكر، بما فيها من ابداع ما يكون علي غير مثال.. فلا مجال ثمت للعقل، في أمور الغيب.. و لا مورد للمألوف، في أفعال الله عز و سما، و لا معني لكيف، و ماذا، و لماذا!. قد جزم الامام - الوالد - بوقوع أمر الله، فوقع كما عين، و كما جزم. لأن أهل البيت عليهم‌السلام، هم أهل ثمه و رمه.. و لا يقولون من عند أنفسهم.. و لا يتخرصون، بل عن أمر الله ينبئون.. و لا بد أن يقطع قولهم حبل نفاق المنافقين. أجل، أطلت الغرة السنية لتظهر سرا من أسرار الله المكتومة، [ صفحه 125] و لا ينفع الشاكين اختباؤهم في ظل أصابعهم.. فان الأصابع لا تستر الا المعاطس المرغمة!. ذاك أن «انسان عين» البصير يتسع للكون بحجمه الهائل و أبعاده الشاسعة فتحتجزه هذه الآلة الصغيرة الحقيرة: حاسة البصر.. فتغشه قدرة عينه علي احتواء الكون فيقول: لا أصدق الا بما أري.. و لكن أني له ذلك و هو قاصر عن أن يدرك جميع أسرار الكون، و عاجز عن أن يكشف سائر ما ورائياته!. رغم أن الكون دخل في «انسان عينه» الضيق الذي هو بحجم خرت الابرة!. انه - ان رام ذلك - ليتخذن مركزا في صفوف الخفافيش التي تعشي في النور... أو مع صفوف الخنافس التي تتقوقع في الدمن و الجيف... و ينخرط مع عميان البصر، و عمي البصيرة الذين ينكرون «ما لا يرون».. و ينكرون «ما يرون».. مع أن الحق يصفع من لم يقنع. فعلي اللسان الذرب أن ينحبس خلف قفلي الشفتين و الأسنان، ان لم يلجمه قفل العقل فبقي يتلعثم في النطق بكلمة الحق.. و ذلك أحري به و أجدر. فان حكاية هذا المولود لم تكن حكاية جدة لحفدتها و أسباطها حين تهويم النعاس في مقلهم.. بل هي (القصص الحق) الذي لا تخليط فيه و لا ضغث.. لأنها وحي من الوحي، محفوظ في الصدور عند الأمنة من أهله.. (فلا تك في مرية منه، انه الحق من ربك) [227] . و ولادة امامنا ابن‌الرضا عليه و علي أبيه السلام، حكاية فعل رب قادر.. و هي من بنود عهد الله المكنون في سفط مواريث النبوة، قد نشره الامام - الأب بين يديه يوما ما.. و أذاع ما أوصي به جده صلي الله عليه و آله و سلم، عن ربه.. فأعلن سرا [ صفحه 126] مصونا.. لم يخش أن لا يكون.. بل قال بمل‌ء فيه و بتمام الثقة: سيكون لي ولد!. فكان الولد، و حصحص الحق.. ولاح الصبح لذي عينين.. و لم يعم عنه الا من كسف نظره غبار جاهليته. ثم كان الولد صبيا.. سريعا ما تكلم في المهد: مسبحا، حامدا، مهللا، مكبرا.. و حكي، فأصاب، و نطق بالصواب، و سئل.. فأجاب.. و فتن الألباب، و فضح النيات.. و أظهر الآيات الباهرات.. فكان معجزة في المعجزات الربانية التي «يصنعها» الله تبارك و تعالي علي عينه!. قالت عمته السيدة حكيمة - بنت الامام الكاظم عليه و عليهاالسلام - كما ذكرنا منذ قليل -: «كتبت لما علقت أم أبي‌جعفر عليه‌السلام به: خادمتك قد علقت. فكتب الي: علقت يوم كذا، من شهر كذا. فاذا ولدت فالزميها سبعة أيام. و لما حضرت ولادتها دعاني الرضا عليه‌السلام، فقال: احضري ولادتها. و أدخلني و أياها و القابلة بيتا، و وضع لنا مصباحا، و أغلق علينا الباب. فلما أخذها الطلق طفي‌ء المصباح، و بين يديها طست، فاغتممت لطفوء المصباح. فما كان أسرع من أن بدر أبوجعفر عليه‌السلام و عليه شي‌ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضأءت فأبصرناه، و خر ساجدا و قال: أشهد أن لا اله الا الله!. فأخذته، و وضعته في حجري، و نزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا عليه‌السلام، و فتح الباب - و قد فرغنا من أمره - فأخذه و وضعه في [ صفحه 127] المهد، و قال لي: يا حكيمة الزمي مهده. ... فلما كان اليوم الثالث، عطس فقال: الحمدلله و صلي الله علي محمد و علي الأئمة الراشدين. و رفع بصره الي السماء ثم لمح يمينا و شمالا و قال: أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله. فقمت ذعرة فزعة، و أتيت الرضا عليه‌السلام فقلت له: سمعت من هذا الصبي عجبا!. فقال: و ما هو الذي رأيت؟. فقلت: هذا الصبي فعل الساعة كذا و كذا. قالت: فتبسم الرضا عليه‌السلام و قال: يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر» [228] . .. و هذه عجيبة فعلا، من ابن ثلاثة أيام. و لكن، ما هي العجائب التي وعد بها الامام - أبوه - عليه‌السلام؟!. و هل يستطيع أحد - الا الامام - أن يقول عن ابنه - المولود جديدا سترون منه العجائب؟!. و هل يكفل الأب بقاء ابنه علي قيد الحياة حتي يبلغ الرشد و يأتي بالعجائب؟!. لا، و لكن الامام ينبي‌ء عن «مقدور» مكتوب، محفوظ في القلوب. فهؤلاء قوم نخطي‌ء الحق حين نحاسبهم كما نحاسب أنفسنا، و نضل عن معرفتهم ضلالا بعيدا، حين نظنهم مخلوقين عاديين كأمثالنا. و هذا هو سبيل الشيطان الذي (أضل منكم جبلا كثيرا، أفلم تكونوا تعقلون)؟!. [229] . [ صفحه 128] فعجائب الأئمة عليهم‌السلام فتنت الألباب، و جلت عن أكثر القلوب الشك و الارتياب. و عجائب أبي‌جعفر عليه‌السلام تغطي سائر مضامين هذا الكتاب، و لا يخلو موضوع فيه منها.. لقد خلق الله تعالي الذكي و الأحمق، و البصير و الأصم.. و كان سبحانه قادرا علي ذلك كما نري و نلمس. ثم كان قادرا علي أن «يجعل» من البشر، النبي المسلح بالمعجزة السماوية التي تنازل الكفر فتبهته كما نلاحظ عبر تاريخ وجود بني‌آدم علي الأرض: فجعل من الرسل من ينجو بسفينته مع المؤمنين به من طوفان غمر الأرض بالطول و العرض. و من تكون النار عليه بردا و سلاما، و من تلقف عصاه افك الآفكين، و تدق عنق المستكبرين، ثم جعل منهم من يبري‌ء الأكمه و الأبرص، و يحيي الموتي باذن الله، و ختمهم بمن يسبح الحصي بين يديه، و ينبع الماء من بين أصابعه، و يكلمه الطير و الحيوان، و يحطم الأصنام و الأوثان!. و رأت البشرية ذلك كله.. و سلمت به و بحدوثه. الا الامام - أيها الاخوة الكرام - فاننا حين نسمع أنه مسلح بقوة ربانية نعتبر ذلك شيئا امرا! و حين نقول انه مهيأ لحمل أثقال ارث رسالة السماء و حمايتها و ترسيخها و اقامة أحكامها و حدودها بين الناس، يقام النكير و يدعي بالويل و الثبور!. فلماذا هذا؟. و ما الداعي لانكار أن يكون الله تعالي «قادرا» علي خلق امام ذي قوي و مدارك تفوق قوانا و مداركنا؟!! [ صفحه 129] التعجب هنا، كالتعجب من أن يكون سبحانه «قادرا» علي خلقي و خلقك و.. و خلق النبي خلقا مميزا يجعله أهلا للنبوة. و انكار خلق أي واحد منهما هكذا، افتئات علي الله تعالي، و افتراء علي مشيئته، و انتقاص من قدرته.. و وقوف بوجه كل ما ينزل من السماء. و النبوة، و الامامة، لو لم تكونا من السماء، لما نجا نوح عليه‌السلام و من آمن معه من طوفان غضب الله، و لما سلم من الحرق بالنار أبوالأنبياء ابراهيم عليه‌السلام، الذي لما قال له جبرائيل عليه‌السلام و هو يقذف في النار: هل لك حاجة؟.. أجاب: أما اليك فلا.. اذ سلم الأمر لله!. و لما كانت عصا موسي عليه‌السلام تلقف الحبال و العصي - و هي أكوام - ثم لا يري لها أثر.. فأين ذهبت العصا بالحبال و العصي؟!! و لما استطاع عيسي عليه‌السلام أن يشفي الأمراض المستعصية، و يحيي الموتي... باذن ربه!. و لما كانت معاجز محمد صلي الله عليه و آله و سلم التي لا يحصيها قلم!. و لما تصدر - أخيرا - امامنا الجواد عليه‌السلام مجلس الافتاء في الدين لأكابر فقهاء عصره منذ نعومة أظفاره بين مشيخة الفقهاء و العلماء و الفلاسفة و الكبراء. (.. صنع الله الذي أتقن كل شي‌ء!.) [230] . فالنبي و الامام من البشر.. و لكن طينتهما فوق طينة البشر، و هما مخلوقان يتمتعان بعطاء رباني: فيه سر الطوفان الذي لا يغرق المؤمنين في طوفان غضب، و سر النار التي لا تحرق النبي ابراهيم عليه‌السلام، مهما كدسوا فيها من خشب و حطب. و سر عصا تفعل العجب و تبتلع مكر عبد متربب علي الناس، [ صفحه 130] و سر كلمة الله التي بها يشفي و يحيي، و أخيرا - لا آخرا - فيها سر محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و سر أهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام الذي لا تنقضي عجائبه حتي ينتهي عمر الدنيا!. .. و كانت ولادة الامام - المعجزة، سنة اختلاف الأمين و المأمون، و قبل خلع الأمين و مبايعته أخيه بسنة واحدة. أي في عهد فوضي و نزاع قال فيه أحد شعراء بغداد: أضاع الخلافة غش الوزير، و فسق الأمير، و جهل المشير ففضل وزير، و بكر مشير، يريدان ما فيه حتف الأمير و ما ذاك الا طريق غرور، و شر المسالك طرق الغرور [231] . و كان المولد المبارك بعيدا بعيدا عن روائح دور بغداد و قصورها. و سمي المولود محمدا، و كني بأبي جعفر، و أبي‌جعفر الثاني، و أبي‌عبدالله... و كنيته الخاصة: أبو علي. و لقب بالجواد، و التقي، و الرضي، و المرضي، و العالم، و القانع، و المختار، و المنتجب، و المرتضي، و المتوكل، و الزكي [232] . و ورث الشرف - الي منتهاه - من جده المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، الي جده علي وجدته الزهراء عليهماالسلام.. فالي أبيه عبر أجداده الأقربين صلوات الله عليهم جميعا. و وشجت عروقه علي روح النبوة، و استقت من منبع الوصية، و ارتضع من ثدي الرسالة فنبت فرعا غضا ميادا علي الشجرة التي باركها القرآن، و طهرها الرحمان.. فضاقت بمناقبه العظمي حلبات كل مجال بالرغم مما قضت به الأقدار من قلة [ صفحه 131] بقائه علي الأرض. و قد قال ابن‌حجر في صواعقه المحرقة - في معرض كلامه عن أبيه عليه‌السلام -: «أجل أولاده محمد الجواد، لكنه لم تطل حياته» [233] . و قال ابن الصباغ في الفصول المهمة: «ان صفته أبيض، معتدل، نقش خاتمه: نعم القادر الله» [234] . و جاء في تذكرة الخواص أنه عليه‌السلام: «كان علي منهاج أبيه في العلم، و التقي، و الزهد، و الجود» [235] . فسلام عليه: جوادا، عالما، زاهدا، تقيا، (و سلام عليه يوم ولد، و يوم يموت، و يوم يبعث حيا» [236] . [ صفحه 133]

يا محمد أصمت!.. و سقط الافك‌

و جاء أهل الافك بطامة.. ظنوا أن ليس لها لآمة. و أتوا بفرية.. بهتها الحق.. و أثار عثيرا أعمي عيون المفترين، و بقي شجا يجرح لهواتهم.. و يشرقهم بغصص مدة حياتهم، ثم رافقهم اثم فريتهم و افكهم الي قبورهم.. و الي ما بعد نشورهم!. قد أتي بمثلها قبل انقطاع الوحي.. فرمي القرآن أهلها بعارها و شنارها.. و أخزاهم خزيا خالدا. ثم جي‌ء بهذه يوم مولد امامنا عليه‌السلام.. فباء الآفكون بخزي كخزي الافك الذي غبر.. و لبسوا اثم من افتري و استكبر.. بعد أن عانت ضمائرهم عذابا بئيسا.. لو كان لهم ضمائر تنبض فيها الحياة!. ذلك أن الامام الجواد عليه‌السلام ولد و علي سحنائه الناعمة مسحة من السمرة الأصيلة المحببة، جعل منها «معاويات الزمان» قميصا ثانيا «لسيدنا عثمان».. فقالوا كقول آبائهم الأولين حين رموا بالافك زوج سيد المرسلين صلي الله عليه و آله و سلم. نعم، مذ خلق الامام عليه‌السلام و علي مخايل وجهه تلك السمرة الجذابة المهيبة التي جعلته آية فتانة في الحسن و الجمال، نفذ الشيطان الي قلوب بعض أهل الأهواء فادعوا أمرا عظيما دبروه في ليلة طخياء!. فقالوا فيه كما قيل من قبل في ابراهيم عليه‌السلام: انه ليس من رسول الله!!؟ بل هو من جريح خادم «مارية» القبطية الشريفة!. [ صفحه 134] و لكن الافك في هذه المرة جاء من موتورين، و مرتابين، ليسوا من الأباعد، و انما هم من الأعمام و بني الأعمام و بقية الحسدة من الأقارب.. قالوا قولا وقيحا، و هجروا هجرا قبيحا حين قالوا: «ما كان فينا امام - قط - حائل اللون!». و أعلنوا ذلك لأبيه.. بغيا عليه و علي زوجه و ابنه!. فما زاد الرضا عليه‌السلام علي أن قال: «هو ابني». فاستمع لما رواه الشيخ الجليل علي بن جعفر - عن هذه الفرية - و هو عم الامام الرضا عليه‌السلام - اذ قال لعمه الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين: «و الله لقد نصر الله أباالحسن الرضا عليه‌السلام. فقال له الحسن: اي والله، جعلت فداك، لقد بغي عليه اخوته. فقال علي بن جعفر: اي و الله، و نحن عمومته بغينا عليه. فقال له الحسن: جعلت فداك، كيف صنعتم، فاني لم أحضركم؟. قال: قال له اخوته، و نحن أيضا: ما كان فينا امام قط حائل اللون!. فقال لهم الرضا عليه‌السلام: هو ابني. قالوا: فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد قضي بالقافة - أي بالذين يعرفون الآثار و السيماء و يحكمون بالنسب - فبيننا و بينك القافة. قال: ابعثوا أنتم اليهم. أما أنا فلا. و لا تعلموهم لما دعوتموهم، و لتكونوا في بيوتكم. فلما جاء القافة أقعدونا في البستان، و اصطفت عمومته، و اخوته و أخواته. و أخذوا الرضا عليه‌السلام و ألبسوه جبة صوف و قلنسوة منها، و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه. ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه‌السلام - و هو طفل - فقالوا للقافة: ألحقوا هذا الغلام بأبيه. فنظر اليه القافة و زرقوه بأعينهم فانبهروا!. [ صفحه 135] ثم قالوا: يا ويحكم، أمثل هذا الكوكب الدري و النور الزاهر يعرض علي مثلنا؟!! هذا و الله الحسب الزكي و النسب المهذب الطاهر، ولدته النجوم الزواهر و الأرحام الطواهر. و الله ما هو الا من ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين. و هو يومئذ ابن خمسة و عشرين شهرا، فقط. رمقة القافة مليا و قالوا ليس له ها هنا أب. و لكن هذا عم أبيه، و هذا عمه، و هذه عمته. و ان يكن له ها هنا أب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدمه واحدة. فلما رجع أبوالحسن عليه‌السلام، قالوا: هذا أبوه. فنطق الطفل بلسان فصح أرهف من السيف و قال: الحمد لله الذي خلقنا من نوره، و اصطفانا من بريته، و جعلنا أمناء علي خلقه و وحيه. أيها الناس: أنا محمد بن علي الرضا، بن موسي الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن علي سيد العابدين، بن الحسين الشهيد، بن أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب، بن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفي، عليهم‌السلام أجمعين. أفي مثلي يشك؟. و علي الله تبارك و تعالي، و علي جدي و أبوي يفتري؟!. و أعرض علي القافة؟!! أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، و اني و الله لأعلم ما في سرائرهم و خواطرهم. و اني و الله لأعلم الناس أجمعين بما هم اليه صائرون!. أقول حقا، و أظهر صدقا، علما قد نبأه الله تبارك و تعالي قبل الخلق أجمعين، [ صفحه 136] و قبل بناء السماوات و الأرضين. و أيم الله لولا تظاهر الباطل علينا، و دولة أهل الضلال و غواية ذرية الكفر، و توثب أهل الشرك و الشك و الشقاق علينا، لقلت قولا يعجب منه الأولون و الآخرون. ثم وضع يده علي فيه ثم قال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك. (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، و لا تستعجل لهم، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار، بلاغ، فهل يهلك الا القوم الفاسقون؟) [237] . قال علي بن جعفر: فقمت فمضضت ريق أبي‌جعفر عليه‌السلام ثم قلت: أشهد أنك امامي عند الله!. فبكي الرضا عليه‌السلام ثم قال: يا عم ألم تسمع أبي و هو يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: بأبي ابن‌خيرة الاماء، ابن‌النوبية الطيبة الفم المنتجبة الرحم!. أفيكون هذا يا عم الا مني؟. فقلت: صدقت، جعلت فداك. ثم أتي أبوجعفر عليه‌السلام الي رجل بجانبه فقبض علي يده، فما زال يمشي يتخطي رقاب الناس و هم يفرجون له.. فرأيت مشيخة أجلائهم ينظرون اليه و يقولون: (الله أعلم حيث يجعل رسالته). [238] و هم من بني‌هاشم، من أولاد عبدالمطلب. فعندها قال الامام الرضا عليه‌السلام - و قد ذكر ما قذفت به مارية القبطية [ صفحه 137] زوج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -: الحمد لله الذي جعل في ابني محمد أسوة برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ابنه ابراهيم عليه‌السلام. فان مارية القبطية لما أهديت الي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أهديت مع جوار قسمهن علي أصحابه و ضن بمارية من دونهن، و كان معها خادم يقال له جريح يؤدبها بآداب الملوك. و قد أسلمت علي يد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أسلم جريح معها، و حسن ايمانها و اسلامها فملكت قلب رسول الله، فحسدها بعض نسائه و رميت بالافك و أن حملها كان من جريح، فتبين أن جريح أمسح أجب و ليس له ما للرجال.. فافتضح الافك المفتري..» [239] . فياليت أهل الافك كانوا يحملون عقل «عسكر» - مولي الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام الذي كان يقوم علي خدمته و يري سمرته و سائر صفاته أكثر من أي شخص آخر، فانه قال في حديث له: «دخلت عليه فقلت في نفسي: يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي و أضوأ جسده؟!! فو الله ما استتممت الكلام في نفسي، حتي رأيت لونه قد أظلم حتي صار كالليل المظلم، ثم ابيض حتي صار كأبيض ما يكون من الثلج، ثم احمر حتي صار كالعلق المحمر... فسقطت علي وجهي مما رأيت، فصاح بي: يا عسكر، تشكون فننبئكم، و تضعفون فنقويكم. و الله ما وصل الي حقيقة معرفتنا الا من من الله عليه بنا و ارتضاه لنا وليا [240] . [ صفحه 138] و سقط الافك... (فوقع الحق، و بطل ما كانوا يعملون) [241] . (و ظهر أمر الله و هم كارهون) [242] . و لكن... يلاحظ في هذا الحادث أمران: أولهما: هذا الحسد للأئمة عليهم‌السلام الذي يوقع الحاسدين فيما لا يجوز من البهتان.. بل في ما قد يؤدي الي الكفر و العصيان. فهم المحسودون الذين عناهم الله تعالي بقوله: (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله، فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة، و آتيناهم ملكا عظيما) [243] . اذ قال الامامان الصادقان عليهماالسلام في تفسير هذه الآية الكريمة: «نحن المحسودون». و دائما يسقط الحسد.. و بعيون الحاسدين الرمل، و لأبصارهم العمي الذي أصاب بصائرهم!. و ثانيهما: هو ما يبرز من خلال هذا التحرك الذي نتج عنه ظهور معجزة الهية ظهورا لا يحتاج الي تفسير، فقد قال الامام - الطفل: يا محمد اصمت.. أي افعل ما أمرت بفعله فترة اختيار الله تعالي لك.. مهما كانت ظروفك.. و مهما استحكم ظلم ظالميك.. فلا جرم أن تصمت كما صمت آباؤك من قبلك.. .. و لكن.. كيف صمت آباؤه عليهم‌السلام؟. و عن أي شي‌ء سكتوا؟. و هل صمتوا عن النطق بكلمة الحق؟. أم سكتوا أمام جولة الباطل؟. [ صفحه 139] و الجواب أن الصمت كان مفروضا عليهم من بارئهم عز و جل.. فهم ماضون في القيام بأمره كما قرر و قدر، و كما تتحدد أعباء وظيفة الموظف في الدولة وفق مرسوم عمله فيها.. فلا تعدي علي حدود ما أنزل الله عليهم، و اليهم، مئة بالمئة. و لذا كان جواب الامام الباقر عليه‌السلام لحمران بن أعين حين سأله قائلا: «يا ابن رسول الله، أرأيت ما كان من قيام أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و خروجهم و قيامهم بدين الله، و ما أصيبوا به من قبل الطواغيت و الظفر بهم حتي قتلوا و غلبوا؟. قال عليه‌السلام: يا حمران، ان الله تبارك و تعالي قد كان قدر ذلك عليهم، و قضاه و أمضاه و حتمه علي سبيل الاختيار، ثم أجراه عليهم. فبتقدم علم اليهم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قام علي، و الحسن، و الحسين، عليهم‌السلام؛ و بعلم صمت من صمت منا. و لو أنهم يا حمران - حيث نزل بهم ما نزل من ذلك - سألوا الله أن يدفع عنهم و ألحوا عليه في ازالة ملك الطواغيت و ذهاب ملكهم لزال أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد. و ما كان الذي أصابهم لذنب اقترفوه، و لا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، و لكن لمنازل و كرامة من الله أراد أن يبلغهم اياها. فلا تذهبن بك المذاهب فيهم» [244] . فتأمل.. أما ولده الامام الصادق عليه‌السلام فقال لجليس له ذكر هذا المعني - في حديث -: «.. و لكن، كيف؟. انا اذا نريد غير ما أراد الله!.» [245] . [ صفحه 140] فقد صمتوا - اذا - مأمورين.. و ان كانوا مقهورين!. و سكتوا حال كونهم مظلومين.. مضحين «بالأنا» عندهم، في سبيل اعلاء كلمة التوحيد.. و اذ كان لا بد من اجمال التفسير، نقول: سكت أميرالمؤمنين عليه‌السلام عن «حقه» المهضوم و ظلمه المعلوم - لما زحزح عن مقامه الذي أقامه الله تعالي فيه - ابقاء علي كلمة: لا اله الا الله، التي مضغها بأسنان الحليب و عاشها مع الحبيب، فخشي أن يقضي عليها عهد الجاهلية القريب. فكان سكوته - مع قلة الناصر - أدعي الي سلامتها، و عافيتها، و تعميمها، و ترسيخها.. و أحجي من تجريد سيف و تحريك عصبيات مكبوتة لو ثارت ثائرتها لاختلط الحابل بالنابل، و لا ختبط فيها المسلمون و الكافرون.. و لضاع ما أثله نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم و أرسي أسسه و أقام بناءه.. فالوصي - اذا - موصي بالصمت، من ربه، و من مربيه. و كذلك صمت ولده السبط الزكي المجتبي، أبومحمد، الحسن عليه‌السلام - بعد أن قام - لأن الذهب الوهاج الذي طرحه معاوية أعمي قلوب الناس عن الحق الصريح؛ فقدر الامام أن مضيه في الحرب يضرب المسلمين بعضهم ببعض فيفسح المجال لبروز «الوثنية الأموية» التي أقسم بها أبوسفيان أن لا جنة و لا نار!. و رأي أنه اذا حارب قضي علي الثلة المسلمة المؤمنة - و علي رأسها هو و أخوه عليهماالسلام - بسيف دعي يعلن الاسلام و يبطن الكفر!. و من حوله عبدة المال و البطون و الفروج و زخرف الدنيا.. فرأي أن لا مناص من المهادنة ليصدق فيه قول جده صلي الله عليه و آله و سلم: «ابني هذا سيد، و سيصلح الله به بين فئتين متنازعتين من المسلمين».. و فضح «بصلحه» ملكا عضوضا لم يلج الاسلام الي ما وراء شفتي القائم عليه، بدليل أن ميثاق الصلح شهر [ صفحه 141] كفر خصمه الناكث.. فكان الصلح المسمار الأول في نعش الدولة الأموية التي غيرت مسار الاسلام تغييرا خطيرا.. و سكت أخوه أبوعبدالله، الحسين الشهيد عليه‌السلام من بعده.. سكوت «شهادة مقررة» من السماء، هي لفظت كلمتها الخرساء يوم كربلاء.. و ما زالت تطن في أذن كل حر، و تحكي كيف يكون كلام و سكوت الامام اذا أراد حماية الاسلام.. فشهادة الحسين عليه‌السلام - التي كانت سكوتا أبديا - خطبة بليغة تجسد التضحية السخية في سبيل الله، و تطوق عنق كل مسلم ينطق بالشهادتين الي يوم الدين، و لو لم تكن لكان القضاء التام علي كلمة التوحيد، في عهد «يزيد» العربيد. و ان تعجب من تسمية شهادته الثائرة صمتا، فعجب زعمك أن الحسين عليه‌السلام ثار ليكون «خليفة» علي المسلمين بسبعين من أنصاره و اجهوا ثلاثين ألفا من أعدائه في أقل تقدير!. فثورته المباركة، و شهادته الزكية، كانتا - بالحقيقة - أبلغ جواب علي اعتراض المعترضين علي سكوت كل امام من القائلين بأنه لو كان اماما لقام، الي جانب أنها أعطت «حياة جديدة» لكلمة الحق، و كشفت فسق «الحاكمين» باسم الاسلام، و بينت أن كل واحد منهم لا يتورع عن قتل النبي و ابن النبي و لا يعف عن قتل أي امام نبس بكلام ضد «نظام» دولته الجائرة!.. و قد فعلوا ذلك معه و مع أخيه و أبيه.. و فعلوه - سرا - مع سائر بنيه. فقد حارت الكلمة في تفسير موقف الحسين عليه‌السلام، يوم سكت و أعطي الكلام لسيفه الذي ما زال يتكلم الي اليوم، و ما فتي‌ء يستوحي منه فلا يعبر عن قيمته و حقيقته الي قيام الساعة!. ثم تلا سكوته الرهيب سكوت ابنه زين‌العابدين عليه‌السلام، بعد أن أصمت حشاه الصدمة العنيفة بأبيه و اخوته و بأهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم في وقعة كربلاء المشجية، فعلم المسلمين كيف يستسلمون لمشيئة الله تعالي، و كيف يتلبسون العبودية [ صفحه 142] الحقة للخالق، و كيف يكون الايمان الراسخ الشامخ، و الخدمة في محراب الدين و اليقين!. و بسكوته في «طيبة» علم الناس اللجأ الي الله حين يتهافت الناس علي السلطان - الشيطان!. فسكت.. و تكلمت «صحيفته السجادية» التي ترفع المخلوق من صعيد التراب، الي ما فوق طهر الملائكة في هيكل رب الأرياب. و سكت.. ليعلم المسلمين قول: لا حول و لا قوة الا بالله، حين تموت الضمائر و يصير هم الناس البطون و الفروج!. و سكت من بعده الباقران - الصادقان في فترة انكفاء السيف عن رقاب الهاشميين، فشرحا القرآن، و بينا السنة.. و قاما بوظيفتهما الربانية وقوفا بوجه الضياع عن الأحكام في عصر أموية كسروية قيصرية تسير بالناس بعيدا عن الدين و الديان.. فرسخا حلال محمد و حرامه، و أوضحا حدود الدين و أحكامه، و هجرا كل ما يعارض وظيفتهما الالهية.. أما الامام الكاظم عليه‌السلام - الساكت الا عن كلمة الحق ينشرها، و الا عن الباطن يدحضه - فقد سجن.. و قيد.. و لكنه «حمل» دعوة جده و أداها لأصحابه - كاملة - من وراء قضبان الحبس و من خلف غياهبه.. و بقي هكذا، حبيسا مقيدا مدة أربع عشرة سنة، فأبقي علي شيئين هامين حققهما بصمت.. و هما: الصفوة الكريمة من أصحابه، و الدعوة الكريمة يحملونها - في صدورهم - الي الأجيال. فهل رأيت - يا قارئي العزيز - سجنا منبرا لبث الدعوة من جهة، و هيكلا للعبادة من جهة ثانية، كهذا السجن؟!! و سكت الامام الرضا عليه‌السلام بعد كاظمهم.. و صمت. و لكنه اقتيد الي عاصمة «سلطان الزمان». و وضع في الاقامة الجبرية.. فلم يخف فضله علي أحد بل شاع و ذاع و ملأ [ صفحه 143] الأسماع، و فتن الألباب و جاء بالعجب العجاب.. كما أنه لم يخف زهده «بالأمر و الحكم».. و لكنه حمل علي قبول «ولاية العهد» لتطويقه و لاستيعاب قواعده الشعبية التي أرعبت «الحكم» و لفتح باب الكلام أمامه و انتحال العذر للايقاع به.. فلم يكن منه ما أراده له «السلطان». و مع ذلك ما سكت عنه.. لأنه كاد أن يقيم كلمة الحق حين خرج لأداء صلاة العيد. فأقصي، و نفي.. و لو حق الي «مرو» في خراسان. و الملاحق كان «خليفة المسلمين» الذي حمل الي الامام جنودا من العنب المسموم!. هكذا - يا أخي القاري‌ء - صمت آباء امامنا الجواد عليه و عليهم‌السلام، من قبله. و استغفر الحق و الحقيقة لأنني لم أحط بمعاني صمتهم و لا بسر سكوتهم، بل ألممت بذلك الماما.. و لو كنت بصدده - وحده - لاقتضي مني كتبا مستقلة قائمة بذاتها. أما عن أي شي‌ء سكتوا؟. و لماذا صمتوا؟. فسؤالان لا يتخطيان دون جواب.. و أنا أختصر و أعتصر موضوعهما لأريح البال: أولا: انهم لم يسكتوا - قط - عن قول «كلمة الحق» و لا عن انكار المنكر و «الباطل». و لكنهم سكتوا عن «حقهم» سكوت أبيهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام. و حرصوا علي ابقاء الدين سليما معافي، حرصه علي ذلك، و لم يحفلوا بسلامتهم اذا سلمت بهذه «المقايظة» كلمة: لا اله الا الله. [ صفحه 144] فقتلوا شهداء مظلومين، مدفوعين عن مراتبهم التي رتبهم الله تعالي فيها!. و ثانيا: جواب صمتهم كامن فيه، مأخوذ منه: فلولا صمتهم لكان كل «خليفة للمسلمين» من ظلمتهم كيزيد بن معاوية بالذات، و لماتوا قتلا.. و نكالا.. و مات معهم الاسلام حتف أنفه، و خنقا في المهد!. فان معاوية «المحنك» من ظلمتهم - القريب من عهد الرسالة، المعاصر لصاحب الدعوة صلي الله عليه و آله و سلم - قال و هو يعالج سكرات الموت: كيف يهدأ لي بال، و هذا ابن أبي‌كبشة يصاح به خمس مرات في اليوم: أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله؟!! «معرضا» برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و منتقصا اياه بوقاحة وثني!. لأن معاوية رمز «وثنية جديدة» في الاسلام!. فأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ما خلقوا ليهتموا بذواتهم، و لا اختيروا لاشغال مناصب حكم دنيوي.. و لا ملك و أبهة هرقلية، بل هم أمناء علي رسالة السماء، و ذلك ظاهر بوضوح في حياة كل واحد منهم اذا استثنينا حكومة السنوات الأربع في الكوفة، يوم حمل المسلمون لها أميرالمؤمنين مدفوعا اليها دفعا.. فرضي بحمله اليها ليضرب أعظم مثل الحكومة العدل علي الأرض. و ستري الكثير من معاني الصمت الذي نتحدث عنه في حياة امامنا الجواد عليه‌السلام.. ذلك الامام الفتي الذي ظهر فضله في مجالس الانتقام الليئمة و في امتحانات عصره الزنيمة. هذا، و ان وظائفهم الربانية، لا تفتقر لتأشيرات أرضية، و لا لتزكيات تخضع في الميزان الرضي الراضين، و رفض الرافضين. قد أدوا قسط الحق ما شاء لهم ربهم، [ صفحه 145] و كان صمت امامنا الفتي عليه‌السلام - كصمت آبائه -: اجهارا بباطل أعدائه، و بروز عملاق بين أقزام الحكام و فقهاء الاسلام، و فرزا جليا لطرفي الحق و الباطل في ميزان العدل. [ صفحه 147]

انه أوتي الحكم صبيا.. و علمه من علم الله!

نص الامام الرضا علي امامة ابنه الجواد عليهماالسلام، و سمع النص من فمه الشريف كل من: علي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر عليهماالسلام، و صفوان بن يحيي، و معمر بن خلاد، و الحسين بن بشار، و ابن أبي‌نصر البيزنطي، و ابن قياما الواسطي، و الحسن بن الجهم، و أبويحيي الصنعاني، و الخيراني، و يحيي بن حبيب الزيات، و جماعة كثيرون يطول بذكر هم الموضوع [246] . و النص علي امامة غلام - أو قبل أن يولد صاحبها - أمر لا يدخل القلوب بيسر، و لا يلج الآذان دون رخصة!. فان من طبائع البشر أن يتنكروا للمسألة التي تعرض لهم و لا تستطيع أفهامهم احتواءها بسهولة. بل قد يرفضونها - قبل التفكر و التدبر - غير مبالين بما يترتب علي رفضهم لها، و ناسين أن قصورهم عن فهمها لا يبطل حقيقتها و لا يجعلها غير باقية و غير ثابتة. فاذا قيل ان النبي يوحي اليه - من الله تعالي - بواسطة ملك أمين، فكروا و قدروا، و عبسوا و بسروا.. ثم قالوا للنبي: أرنا الله، و أرنا الملك، و أرنا كيف يتم نزول الوحي، لنصدق. - جاهلين أن الله عز و علا، لو كان يمكن أن يري لنزل عن [ صفحه 148] مرتبة الألوهية اللا محدودة العظمة، و لكان «شيئا» محدودا يحتاج الي حيز يشغله، و يفتقر الي شهادة «مختار» يراه و يعترف بوجوده؛ و غير ملتفتين الي أن الملك لو روي - كما يشاؤون - لبطل العلم السماوي، و لأصبح «لعبة أرضية» أشبه ما تكون بالأنظمة الوضعية للممالك و السلطنات و الامارات - و لا نقول الأمبراطوريات لأنها تحجب عن المحكومين كثيرا من أمورها - و اذن، لذهبت هالة القدسية عما ينزل من السماء، و لفقد قيمته كل ما يصدر عن الأرض اليها، لأن عمل العبد لا يكون ذا قيمة و اعتبار، الا في حال الايمان بالألوهية و الوحدانية و القدرة، و بجميع صفات الله تعالي؛ اختيارا، و اذا كان العكس فان الايمان قد يصبح نتيجة اجبار لا اقرار و اختيار.. فيبطل - عندها - الثواب و العقاب. أجل، اذا قلنا ان النبي يوحي اليه ازور عنا كثيرون و قلبوا الشفاه سخرية و هزءا.. و اذا قلنا ان الامام يلهم، قامت قيامة المتعجبين و المنكرين. فكيف اذا قلنا ان ذاك و هذا، ربما علما بما كان، و بما سيكون؟!! و أنهما اذا أرادا علما؟!. لا ينبغي لنا - عقلا - أن ننكر كل ما نجهل حقيقته. و لا يجوز - منطقيا - أن نرفض كل ما لا يروق لنا. فقد جبل الله تعالي الخلق مختلفين في الجسم، و في اللون، و متمايزين في درجات الفهم و مراتب الادراك اختلافا كثيرا.. فكيف كان هذا؟. كان هذا هكذا.. و كما نري بالمحسوس الملموس، و قد أعطي سبحانه هذا طولا، و ذاك قصرا، و الآخر توسطا؛ و سلحهم بمدارك متفاوتة، و حملهم مسؤوليات مختلفة، كما تحمل الدولة هذا مسؤولية القضاء، و ذاك أعمال الادارة، و كما تسلح هذا بالمسدس، و ذاك بالمدفع، و الآخر براجمة الصواريخ.. و تزوي الجبان في المطبخ. [ صفحه 149] أفكان عجبا أن يعطي الله تعالي عبدا من عباده، ما لا يعطيه لغيره من مواهبه الربانية؟. أم كان عجبا - للناس - أن «يؤهل» واحدا للنبوة - التي هي أعلي مراتب الاصطفاء - ثم لا يؤهل غيره لها؟. أم أن من الغريب - العجيب أن يعلم عبده المختار لأمره ما لا يعلمه لسواه؟!! طبعا، لا.. فانه المعلم الأول (الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) [247] . و هو سبحانه الذي (خلق الانسان، علمه البيان) [248] ، (و علم آدم الأسماء كلها) [249] فأطلعه علي حقائق المسميات التي جهلها الملائكة لما سئلوا عنها و (قالوا: سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا، انك أنت العليم الحكيم) [250] . و هو الذي فعل ذلك مع أبينا آدم عليه‌السلام بعد أن خلقه و أقدره علي الحركة و النطق، ثم وهبه العقل المفكر، و جهزه بمئات الأجهزة التي تجعله حريا بأن يكون «خليفة» الله في الأرض و سيدا للمخلوقات.. كما أنه تعالي هو الذي يعلم الناس جميعا - بمواهبه و بواسطة رسله - ليرشدهم الي ما فيه صلاحهم في الدارين؛ و لذا قال سبحانه لنا: (.. و يعلمكم الله، و الله بكل شي عليم...) [251] . و علي هذا الأساس قال يعقوب لابنه يوسف عليهماالسلام، حين تفسير رؤياه: (و كذلك يجتبيك ربك، و يعلمك من تأويل الأحاديث، و يتم نعمته عليك)... [252] . فأتمها سبحانه عليه و أشار الي ذلك بقوله عز شأنه: (و انه لذو علم لما علمناه) [253] فاعترف يوسف عليه‌السلام بفضل الله عليه لرفيقيه في حبس فرعون مصر و (قال: لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما، [ صفحه 150] ذلكما مما علمني ربي). [254] و المعني أنه سبحانه يطلعه علي ما غاب عنه دون أن يراه!. و لذا شكر يوسف ربه علي هذه النعمة بعد أن خرج من السجن و صار وزيرا للدولة، فقال: (رب قد آتيتني من الملك، و علمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السماوات و الأرض أنت وليي في الدنيا و الآخرة..) [255] . و كذلك قال تعالي عن نبيه داود عليه‌السلام: (و علمناه - أي ألهمناه أن يعمل - صنعة لبؤس لكم - أيها الناس - لتحصنكم من بأسكم) [256] - و هي الدرع الحديدية التي يلبسها المحارب فتدفع عنه -. ثم قال سبحانه في معرض كلامه عن داود و قتله لجالوت الجبار: (و آتاه الله الملك و الحكمة، و علمه مما يشاء) [257] . و قال عز و جل متحدثا عن نعمه عليه و علي ابنه سليمان عليهماالسلام: (ففهمناها سليمان، و كلا آتينا حكما و علما).. [258] . فهو تعالي المعلم.. و الملهم، و المفهم. فلم ننفس عليه سبحانه أن يكون كذلك؟. و هل يعجز عنه و هو القادر الذي حمل الأرض في الفضاء، و أمدها بالضياء، و رفع فوقها السماء بلا عمد، و بث في هذا الكون ما لا يحصي من الكواكب الهائلة السائرة وفق نظام أبدي.. طائعة لأمره، مذعنة لارادته، ماضية بحسب مشيئته؟!! هذا الذي نظم الكون بموجوداته كلها لا يعجزه التعليم!.. و قد حكي عز اسمه لنا قصة نبيه موسي عليه‌السلام حين أمره باتباع الخضر عليه‌السلام ليستفيد من حكمته، فقصده هو و رفيق له: (فوجدا عبدا من عبادنا [ صفحه 151] آيتناه رحمة من عندنا، و علمناه من لدنا علما) [259] . و قال جبرائيل عليه‌السلام - كما علمه ربه - لمريم عليهاالسلام حين استغربت أن تلد عيسي عليه‌السلام، و لم يمسسها بشر: (قال: كذلك الله يخلق ما يشاء، اذا قضي أمرا فانما يقول له: كن، فيكون. و يعلمه الكتاب، و الحكمة، و التوراة، و الانجيل، و رسولا الي بني اسرائيل) [260] و ذلك بأن يخلقه معلما مفهما (يكلم الناس في المهد) [261] حيث (قال اني عبدالله، آتاني الكتاب و جعلني نبيا).. [262] . فقد امتن سبحانه علي عيسي بن مريم عليهماالسلام بذلك، ثم قال في معرض تعداد نعمه عليه: (يا عيسي بن مريم اذكر نعمتي عليك و علي والدتك، اذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد، و كهلا، و اذ علمتك الكتاب، و الحكمة، و التوراة، و الانجيل).. [263] . .. و هكذا يعلم الله تبارك و تعالي أنبياءه و رسله و عباده الصالحين. و قد ختم ذلك بأن علم نبينا محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، و علم أهل بيته عليهم‌السلام، و قال عز شأنه: (الرحمن علم الانسان - محمدا (ص) - علمه البيان) [264] و قال تعالي عنه أيضا: (و أنزل الله عليك الكتاب - أي القرآن - و الحكمة، و علمك ما لم تكن تعلم، و كان فضل الله عليك عظيما) [265] . فيا أيها المسلمون: (و ما بكم من نعمة فمن الله) [266] بدءا بنعمة الوجود، و انتهاء بآخر نفس نتمتع به من لذائذ الحياة، الي ما بين هذين الحدين من أفضاله التي لا تعد و لا تحصي.. [ صفحه 152] و لماذا نعترف ببعض نعمة، و ننكر بعضها؟. و لم نقر بأفضاله علي رسله و أنبيائه و سائر أوليائه، ثم ننفس بها اذا كانت تخص أهل بيت نبينا صلي الله عليه و آله و سلم؟!. و ما لنا كلما ذكر واحد منهم بفضيلة، و رمت الأنوف و أشاحت الوجوه استنكارا!! انهم أهل بيت نبينا، لا نبي غيرنا.. و قد قال ربنا سبحانه فيهم: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس، أهل البيت، و يطهركم تطهيرا) [267] . و لم نجفوهم و قد أمر الله تعالي رسوله أن يقول لنا: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي)؟!! [268] . أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، ليسوا أبناء علة!. و يكفيهم شرف الانتماء الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلا يستجدون - مع هذا الشرف - اعتراف أحد منا بفضلهم و لا يستعطونه، و لا يستدرون عطف أحد لأنهم أولي بأن ترتفع اليهم الأكف بالطلب، و يقف الأشخاص بين أيديهم بالاستعطاف.. و بخل الناس عليهم بفضائلهم لا يصرف تلك الفضائل عنهم بحال من الأحوال.. و قد قال جدهم صلي الله عليه و آله و سلم لابن‌عباس: «انا - أهل البيت - طهرنا الله من كل نجس. فنحن الصادقون اذا نطقوا، و العالمون اذا سئلوا، و الحافظون لما استودعوا. جمع الله لنا عشر خصال لم يجتمعن لأحد قبلنا، و لا يكون - يكن - لأحد غيرنا: العلم، و الحلم، و الحكم، و اللب، و النبوة، و الشجاعة، و الصدق، و الصبر، و الطهارة، و العفاف. فنحن كلمة التقوي، و سبيل الهدي، و المثل الأعلي، و الحجة العظمي، و العروة الوثقي. [ صفحه 153] فماذا بعد الحق؟. فأني تصرفون؟!» [269] . و لا يشك مسلم في أن الله تعالي قد جمع لهم هذه الصفات.. (فمن اهتدي - الي الاعتراف بحقهم - فلنفسه - أحسن باهتدائه - و من ضل - عن ذلك - فانما يضل - يضيع و يجني - عليها) [270] و ليس بعد الحق الا الضلال!. و نحن لا نزيد «النبوة» فضلا من عندنا حين نعترف بها و لا نضفي عليها صفة قدسية كانت خالية منها، و لا ننقص من شأن «الامامة» شيئا حين ننكرها، و لا يسقطها انكارنا لها، و لا يحط من قدرها لأن لسان حال الامام كلسان حال النبي الذي قال - كما ذكرنا سابقا -: «لا أبالي بمن خالفني اذا وافقني، و لا أحفل بمن خذلني اذا وازرني، و لا أكترث بمن ازور عني اذا ساعدني» [271] . فلا مجال للرأي، و لا ميدان للخيال، و لا حلبة للاجتهاد و لا القياس، لأن رتبتي النبوة و الامامة الهيتان - متوازيتان، و علم الامام من علم النبي.. من علم الله عز و جل. و لذا قال الامام الصادق عليه‌السلام لسيف التمار: «لو كنت بين موسي و الخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسي و الخضر عليهماالسلام أعطيا علم ما كان، و لم يعطيا علم ما يكون و ما هو كائن حتي تقوم الساعة، و قد ورثناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وراثة» [272] . فقد أورثهم الله تعالي علم نبيه، كما يورث أهل الثراء لذويهم.. و قد قال حمران بن أعين - كما أشرنا سابقا -: [ صفحه 154] «قلت لأبي‌جعفر - الباقر - عليه‌السلام: ما موضع العلماء؟. - يعني الأئمة عليهم‌السلام -. قال: مثل ذي القرنين، و صاحب سليمان، و صاحب موسي عليهماالسلام» [273] . و صاحباهما هما: آصف بن برخيا، و يوشع بن نون. - و هما وصياهما و وارثا علمهما -. و ذكر بريد بن معاوية ما سأل عنه الامامين الصادقين عليهماالسلام - و كان الجواب واحدا - فقال: «قلت له: ما منزلتكم؟. و من تشبهون ممن مضي؟. قال: صاحب موسي، و ذوالقرنين، كانا علمين، و لم يكونا نبيين» [274] . و هم - عليهم‌السلام - علماء المسلمين - كما كان غيرهم من ورثة الأنبياء علماء أممهم - و ليسوا أنبياء، بل أمناء علي تراث النبوة.. و ان الحسين بن العلاء قال: «سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول: ان عندي الجفر الأبيض. قال: قلنا له: و أي شي‌ء فيه؟. قال: فقال: زبور داود، و توراة موسي، و انجيل عيسي، و صحف ابراهيم، و الحلال و الحرام، و مصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا. و فيه ما يحتاج الناس الينا، و لا نحتاج الي أحد، حتي أن فيه الجلدة، و نصف الجلدة، و ثلث الجلدة، و ربع الجلدة، و أرش الخدش - أي أحقر الكفارات لمن يغمز الجسم و يخدشه بظفره -!. فقال له عبدالله بن يعفور: أصلحك الله، فيعرف هذا بنو الحسن؟. - أي يعرفون أن عندكم ذلك -. قال: اي والله كما يعرف الليل أنه ليل، و النهار أنه نهار. و لكن يحملهم الحسد و طلب الدنيا. و لو طلبوا الخير لكان خيرا لهم» [275] . [ صفحه 155] و الجفر - هذا - كتاب باملاء رسول الله صلي الله عليه و آله سلم، و خط أميرالمؤمنين عليه‌السلام، قال عنه الامام الباقر عليه‌السلام في حديث -: فيه «ما يحتاج اليه ولد آدم منذ كانت الدنيا حتي تفني» [276] . و هذا علم وافر.. و بحر زاخر لا تلتقي أطرافه.. فعلم الامام اذا ليس بعلم غيب - و ان كان من الغيب - لأنه مما عناه سبحانه بقوله: «.. فلا يظهر علي غيبه أحدا، الا من ارتضي من رسول) [277] و مما قصده عز و جل بقوله أيضا: (.. و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب، و لكن يجتبي من رسله من يشاء).. [278] . فقد اظهر الله علي غيبه رسوله الذي ارتضاه و اجتباه، و ورث ذلك عنه أهل بيته واحدا عن واحد. و أنا في كتابي هذا أشبه بمن يعرض عمليات حسابية لا تتغير محاصليها و لو اختلفت الحلول، اذ لا دخل للعقل و الصنعة في تحوير جواب في الرياضيات مهما جالا وصالا وافتنا. فلست مفوف لفظ، و لا منمق كلام و راصف جمل. و لا أنا و صاف يستعمل حسن الديباجة و جمال التعبير ليأخذ بمشاعر قارئه و يستهويه بلطيف عبارته، و أنيق جملته؛ و لا أنا رسام مزوق يبرع في رسم الخطوط و الظلال و ابراز المعالم. كما أنني لست معلقا صحفيا، و لا صاحب بيان فتان يأخذ بمجامع القلوب حين يتلاعب بسحر الألفاظ، و يغوص علي أبكار المعاني. ولكنني ناقل حقائق ان وقف معها القاري‌ء موقف جد و تدبر و اقتناع فنعما ذلك، و ان هو أشاح عنها ببصره و أغلق دونها أبواب بصيرية و منافذ قلبه فلا يضير قيمتها اعراضه عنها و لا قلب شفتيه، و لا يعزلها عن مكان الاعتبار اعتراف من [ صفحه 156] مأمأ، و لا انكار من تأتأ، شأنها شأن كل موجود خفي علي الطالبين لأي سبب كان، فان خفاءه لا ينفي وجوده. و في النبوة و الامامة لا ينظر - أيضا - الي السن.. كما أنه لا ينظر في المعاجز - و الآيات السماوية - الي المألوف و المعروف. فهاتان - و هذه كلها - من خوارق العادة و المألوف.. و الخوارق من صنع الله.. و صنع الله لا يسأل كيف كان، و لا كيف حدث.. لأن صنعه حكمة، عين الحكمة.. و قد قال - محمد بن اسماعيل بن بزيع: سألته - يعني أباجعفر عليه‌السلام - عن شي‌ء من أمر الامام، فقلت: يكون الامام ابن أقل من سبع سنين؟. فقال: نعم، و أقل من خمس سنين» [279] . و قد مررنا و نمر بشي‌ء من هذا أثناء مواضيع مختلفة من بحثنا. و قال عبدالأعلي: «قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: «المتوثب علي هذا الأمر، المدعي له، ما الحجة عليه؟. قال: يسأل عن الحلال و الحرام. - قال: ثم أقبل علي فقال -: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد الا كان صاحب هذا الأمر: - أن يكون أولي الناس بمن كان قبله - أي بالامام الذي سبقه -، - و يكون عنده السلاح، - و يكون صاحب الوصية الظاهرة التي اذا قدمت المدينة سألت عنها العامة و الصبيان: الي من أوصي فلان؟. فيقولون: الي فلان بن فلان» [280] . و روي أحمد بن عمر قريبا منه عن الامام الرضا عليه‌السلام، فقال: «سألته عن الدلالة علي صاحب هذا الأمر، فقال: اذا قدم الركب المدينة فقالوا: الي من أوصي فلان؟. قيل: فلان بن فلان. و دوروا مع السلاح أينما دار. فأما المسائل فليس فيها حجة» [281] . و السلاح الذي يرد في الأحاديث الشريفة، هو سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و مواريث النبوة و السماء. و هو لا يعني القوة و لا نهوض الامام بالسيف كما تشترط [ صفحه 157] بعض الطوائف الاسلامية. و قد توسع الامام الرضا عليه‌السلام في ذكر الأدلة المميزة للامام، بقوله: «ان الامام مؤيد بروح القدس، و بينه و بين الله عمود من نور يري فيه أعمال العباد. و كل ما احتاج اليه لدلالة، اطلع عليها. و يبسطه فيعلم، و يقبض عنه فلا يعلم. و الامام يولد و يلد، و يصح و يمرض، و يأكل و يشرب، و يبول و يتغوط، و ينكح و ينام، و لا ينسي و لا يسهو، و يفرح و يحزن، و يضحك و يبكي، و يحيا و يموت و يقبر و يزار، و يحشر و يوقف، و يعرض و يسأل، و يثاب و يكرم و يشفع. و دلالته في خصلتين: في العلم، و في استجابة الدعوة. و كل ما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها، فذلك بعهد اليه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، توارثه عن آبائه، عنه، عليهم‌السلام. و يكون ذلك بما عهد اليه جبرائيل عليه‌السلام من علام الغيوب عز و جل. و جميع الأئمة الأحد عشر - بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم - قتلوا: منهم بالسيف، و هو أميرالمؤمنين و الحسين عليهماالسلام، و الباقون قتلوا بالسم، قتل كل واحد منهم طاغية زمانه، و جري ذلك عليهم علي الحقيقة و الصحة» [282] . [ صفحه 158] فهل نريد من مزيد علي ذلك الوصف للامام، و الوصف مأخوذ من فمه الشريف؟!. ان الامام - بحسب قوله عليه‌السلام - انسان من الناس. ولكنه يمتاز عنهم بما ذكره من مواهب الله، و بما وصله عن طريق العهد المعهود، و هو مجتبي لذلك منذ سقوطه من بطن أمه معلنا بلا اله الا الله، فان كان مكلفا بالقيام في صغره قام، و ان كان مكلفا في كبره انتظر أمر الله و لم يتكلم قبل الأوان، و يصمت مدة بقاء أبيه. و اذا قال، أو أجاب علي سؤال قبل ذلك، فانما يفعل ذلك كفقيه في الدين من ذرية سيد المرسلين المطهرة، زق العلم زقا كما هو المعروف عنهم جميعا. «أما لما قبض الامام الرضا عليه‌السلام، فكان عمر ابنه الجواد عليه‌السلام نحو سبع سنين و شهور، فاختلفت كلمة الناس في بغداد و في مختلف الأمصار. فاجتمع أكابر المتشيعين و الموالين - كالريان بن الصلت، و صفوان بن يحيي، و محمد بن حكيم، و عبد الرحمان بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمان، و كثيرين من الوجوه و الثقات اجتمعوا في دار عبدالرحمان بن الحجاج في بركة زلول - و بكوا كثيرا و توجعوا لوقع المصاب.. فقال يونس بن عبدالرحمان: دعوا البكاء!. من لهذا الأمر؟. و الي من نقصد بالمسائل الي أن يكبر أبوجعفر؟!! فقام اليه الريان بن الصلت، و وضع يده في حلقه، و لم يزل يلطمه و يقول: أنت تظهر الايمان لنا و تبطن الشك و الشرك.. ان كان أمره من الله جل و علا، فلو أنه كان ابن يوم لكان فوق منزلة الشيخ العالم، و ان لم يكن من عندالله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس؛ هذا مما ينبغي أن يفكر فيه.. و لذا أقبلت العصابة المجتمعة كلها تعذله و تلومه و توبخه» [283] . [ صفحه 159] فبين طرفي هذا النزاع بين الأصحاب، كان يدور البحث عن «الامام» بعد موت أبيه. أعني بين موقف واحد شاك متحير كيونس بن عبدالرحمان، و بين آخر مؤمن موقن كالريان بن الصلت. و كان البحث يتردد بين واحد يكون اماما و لو كان ابن يوم، و واحد لو عمر ألف سنة لبقي واحدا عاديا من الناس اذا لم «يكن» بأمر الله تعالي. فهل يعقل أن يكون الامام صغيرا الي هذا الحد؟. و لم تجر عادة السماء أن تقيم «مجلس وصاية» علي الامام حتي يبلغ سن الرشد كما في الممالك الأرضية!. نعم يعقل.. و لا ينتزع هذه الأفكار الخبيئة من الرؤوس الخبيثة الا سيرة السماء في اصطفاء الصغار كيحيي و عيسي عليهماالسلام، ليكون ذلك أبلغ في الاعجاز و أدعي الي ربح المعركة مع أبالسة الأرض الذين يرفضون الحق و كل ما ينزل من فوق.. و لذا كان امامنا عليه‌السلام، مرصودا لهذا العهد.. و معهودا بهذا القصد.. و لا بد من مثل هذا الاختلاف - و الغربلة بين الأصحاب، ليتضح وجه الصواب. فامامته في هذه السن كانت - بالحقيقة و الواقع - أخطر مشكلة وقع فيها الشيعة يومئذ.. و كان الخيار و الاعتراف بها من أصعب الصعب.. و لا يؤدي الي ذلك الا الايمان الراسخ و التسليم لأمر الله مئة بالمئة، و العودة بالفكر الي النص عليه من أبيه.. فالكثيرون قد سمعوا نقل ذلك النص من ألسنة من سمعوه من فيه. و علي هذا الأساس - و بعد النزاع - بدأت الحقيقة تنجلي، و راحت الأفكار [ صفحه 160] تتبلور، و تم اجتياز مخاض هذه العاصفة رغم التحديات الشيطانية داخلية كانت أم خارجية. فانمحي كل شك - أولا - عند من يؤمن بالنص، و زال الاشكال - تباعا - عند من يطلبون الحق و يسعون وراء تحصيل العلم و اليقين.. و ظهر أمر الله الذي لا بد أن يظهر.. اذ قال بامامته - عبر عمره القصير - فرقة بذت الفرق الاسلامية، عددا رغم ذلك النزاع العقائدي الشديد المستفحل. فحين يلحق الامام بالرفيق الأعلي، يفتح ابنه - الامام من بعده - الموثق الذي تسلمه منه، و يباشر مهمته سواء مات أبوه عنه و هو صغير، أم مات عنه و هو كهل كبير - لا فرق في ذلك - لأنه «معد» من لدن حكومة السماء، و مجهز بكل متطلبات وظيفته كسفير لله تعالي في أرضه، و كحجة له علي عباده، و كأمين له علي وحيه و عزائم أمره. فقد قتل المأمون الامام الرضا عليه‌السلام، يوم كان ابنه الجواد عليه‌السلام فتي يافعا، فاعترف بامامته من علم بالأمر منه أو من أبيه، و تحير بعض الموالين الذين استصغروا سنه، و وقف آخرون من المعذورين الذين لم يسمعوا «النص من أبيه، و لا سمعوه من فيه، و لا سمعوه ينهل بلاغة و فصاحة حين قال - و هو ابن نيف و عشرين شهرا -: «أنا محمد بن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب!. أنا أعلم بسرائركم و ظواهركم و ما أنتم صائرون اليه!. علم منحنا به من قبل خلق الأولين و الآخرين.. - الي آخر قوله هذا، الذي ذكرناه في موضوع الافك المفتري - [284] . هذا، و قد كان الناس - و أصحاب أبيه أيضا - يصارحونه باستصغار سنه [ صفحه 161] و كونه اماما بعد أبيه. و من ذلك قول علي بن سيف الذي رواه عن بعض أصحابنا من شيعته، حيث قال: «قلت له: انهم يقولون في حداثة سنك!. - أي يتعجبون من امامة الصغير -. فقال عليه‌السلام: ان الله أوحي الي داود أن يستخلف سليمان عليهماالسلام و هو صبي يرعي الغنم، فأنكر ذلك عباد بني اسرائيل و علماؤهم. فأوحي الله الي داود أن خذ عصا المتكلمين و عصا سليمان، و اجعلها في بيت و اختم عليها بخواتيم القوم. فاذا كان من الغد فمن كان عصاه قد أورقت و أثمرت فهو الخليفة. فأخبرهم داود عليه‌السلام، فقالوا: رضينا و سلمنا» [285] . و كان ذلك.. و تمت المعجزة، و كان الله غالبا علي أمره.. و لن نقول لمن يعجب من «امامة الصغير» الا ما قاله هو نفسه عليه‌السلام لعلي بن حسان حين قال له: «يا سيدي، ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك!. فقال عليه‌السلام: و ما ينكرون من ذلك؟. فوالله لقد قال لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (قل هذه سبيلي: أدعو الي الله علي بصيرة، أنا و من اتبعني). [286] فوالله ما تبعه الا علي عليه‌السلام و له تسع سنين.. و أنا ابن تسع سنين» [287] . أي أنه لن يقول للمنكرين الا: من شاء فليصدق بمشيئة الله، و ليسلك سبيله، و من شاء فليكذب.. و سبيل الشيطان مشرعة!. و أنه - و لو لم يعلمه أبوه، و لا رآه الا يوم حمل اليه الي خراسان و هو في الرابعة من عمره، ثم توفي عنه و هو في السابعة و أشهر - علمه وراثي، الهامي، و رؤيا صادقة، و نكت في القلب.. و قراءة علي كومبيوتر و الكترون من السماء.. من لدن من اصطفاه لكلمته!. و سأدخل و اياك يا قارئي العزيز، الي مجلس قضاء في الدين، من مجالس ابن [ صفحه 162] التسع من السنين، مع أحد الأجلاء، - علي بن ابراهيم - ليكون لنا شرف القبول في مجلسه الكريم، فنستمع الي ما جري فيه. فقد روي هذا الرجل الثقة أن أباه قال: «لما مات أبوالحسن، الرضا عليه‌السلام، حججنا، فدخلنا علي أبي‌جعفر عليه‌السلام - و كان في التاسعة من عمره، يقيم في دار الامام الصادق عليه‌السلام في موسم الحج، لأنها كانت دارا فارغة فارهة - و قد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا الي أبي‌جعفر عليه‌السلام - قيل انهم كانوا ثمانين رجلا من العلماء و الفقهاء و الوجهاء، جلسوا علي بساط كبير متحلقين في ردهة الدار ينتظرون التشرف بمشاهدة الطلعة الميمونة - و دخل فيمن دخل عمه عبدالله بن الامام موسي الكاظم عليه‌السلام، و كان شيخا كبيرا نبيلا، عليه ثياب خشنة، و بين عينيه سجادة - علامة كثرة سجوده - فجلس في صدر المجلس و قام واحد علي رأسه فقال: هذا ابن رسول الله، فمن أراد السؤال فليسأل. فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب. فاغتم الشيعة و اضطرب الفقهاء و هموا بالانصراف، و قالوا في أنفسهم: لو كان أبوجعفر يكمل لجواب المسائل لما كان من عمه عبدالله ما كان!. ففتح عليهم باب من صدر المجلس و دخل موفق الخادم و قال: هذا أبوجعفر عليه‌السلام. فقاموا بأجمعهم، و استقبلوه و سلموا عليه. فقام عبدالله و استقبله و قبل بين عينيه؛ و قامت الشيعة، وقعد أبوجعفر عليه‌السلام علي كرسي؛ و كان يلبس قميصين من قصب، و عمامة بذؤابتين، و في رجليه نعلان.. و جلس عمه بين يديه.. فنظر الناس بعضهم الي بعض تحيرا لصغر سنه. فانتدب رجل من القوم قال لعمه عبدالله بن موسي: أصلحك الله، ما تقول في رجل أتي بهيمة؟. - أي نكحها -. فقال: تقطع يمينه، و يضرب الحد، و ينفي من الأرض سنة. و قام رجل آخر فقال: ما تقول، آجرك الله، في رجل طلق امرأته بعدد نجوم السماء؟. [ صفحه 163] فقال عبدالله: بانت منه بصدر الجوزاء، و النسر الطائر، و النسر الواقع. فتحيرنا في جرأته علي الخطأ. فغضب أبوجعفر - الجواد - عليه‌السلام، ثم نظر اليه فقال: يا عم اتق الله!. انه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عز و جل فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم و في الأمة من هو أعلم منك!. فقال له عمه: يا سيدي، أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟. فقال أبوجعفر: انما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يده للنبش، و يضرب حد الزني - فان حرمة الميتة كحرمة الحية - و ينفي اذا كان عزبا، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل و الرجم. فقال: صدقت يا سيدي، و أنا استغفر الله» [288] . و طار حكم عمه مع النسر الطائر.. الي صدر الجوزاء!. و طواه الفناء. و تعجب الناس من ذلك، و استأذنوه فسألوه عن أسئلة كثيرة أجاب عليها في مجلسه ذاك. حتي أن علي بن ابراهيم قال: «استأذن علي أبي‌جعفر عليه‌السلام من أهل النواحي، فأذن لهم. فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين مسألة، فأجاب و له عشر سنين» [289] . فمن علم ابن السنين التسع؟. و كيف عرف خطأ عمه؟. و من أطلعه علي فتوي أبيه؟. و كيف وثب فكره اليها موضوعا و حكما؟. و بأية جرأة يتربع ابن الأعوام التسعة علي سدة الافتاء و يصحح أخطاء مشايخ الفقهاء الذين تولوا القضاء بين الناس قبل مولده بعشرات السنين؟. [ صفحه 164] و من لقنه الأحكام في الحلال و الحرام، و الأموال، و الأعراض، و المواريث و غيرها و هو في نعومة الأظفار؟. و كيف استوعب القرآن - تنزيلا و تأويلا - و عقل السنة و تصدر الحكم في الملة و هو - بعد - كزر الورد اذ يتفتح؟!! استفهامات و استشكالات ترد.. و تدع الناس مشدوهين.. قاصرين عن ادراك سر محمد و أهل بيته صلوات الله عليه و عليهم. و لكن.. لن نغادر المجلس قبل أن نستمع الي فتوي الامام الفتي بشأن من أتي البهيمة، فقد قال عليه‌السلام حين طلب منه البيان: «يضرب دون الحد، و يغرم ثمنها، و يحرم ظهرها و نتاجها. و تخرج الي البرية حتي تأتي عليها منيتها، سبع أكلها، ذئب أكلها» [290] . فما أجمل هذا المنطق البليغ الذي يتجلي في صدر حكمه و ختامه!. (ذرية بعضها من بعض)! [291] لا يضاهيها أحد من العالمين. و بعد: فأصغ معي الي جوابه عليه‌السلام بشأن المطلقة التي أبانها حكم عمه و طيرها عن زوجها في الهواء. فقد قال عليه‌السلام للسائل: تقرأ القرآن؟. قال: نعم. قال: اقرأ قوله تعالي: (و أقيموا الشهادة لله).. [292] . يا هذا، لا طلاق الا بخمس: شهادة عدلين، في طهر، من غير جماع، بارادة، و عزم. يا هذا، هل تري في القرآن عدد نجوم السماء؟!. قال: لا» [293] . فبأبي و أمي الفتي الهمام الذي ينهل من نبع القرآن، فتتفجر ينابيع الحق [ صفحه 165] و الحكمة من قلبه.. ويحكم فلا معقب لحكمه، لأنه حكم الله تعالي من فوق سبع سماوات!. و ستري من آياته و بيناته في مجالس المأمون و المعتصم و فقهائهما ما يدهش العلماء، و الفقهاء و الأمراء. الامام - الجواد - عليه‌السلام معجزة في المعاجز.. و مهما مر بك - و يمر - من اعجازه و دلائل امامته يسير يسير بالنسبة لسفارة الله تعالي في عباده و خلافته في أرضه، اذا كنا ندرك معني هذه الخلافة، و تلك السفارة. فمن يكن في مثل عمره من الطفولة، مهابا لدي مشيخة بني‌هاشم و أكابر علماء المسلمين - من أصحاب آبائه و أعدائهم - و موئلا لعظماء الفقهاء، و مرجعا يفي‌ء الي ظله الوارف شطر كبير من الأمة الاسلامية، و مفدي من الجميع بأنفسهم كلما خاطبوه، و محلا لخشية السلطتين: الدينية، و الدنيوية، يقض مضجع كل منهما - أقول: ان من كان كذلك، ليلفت النظر و يستدعي التأمل في حال واحدة قد تظهر نابية حين نجهل - أو نتجاهل - مركز «امامة» الناس التي افترضها الله سبحانه كما افترض مختلف طاعاته.. أما عندما نعترف بقدرة الله في ملكوته، و بحكمته و حسن تدبيره، فاننا نذعن لكل ما نزل من عنده. و ان انكار مواهبه سبحانه لحججه في أرضه، كانكار مواهبه لرسله.. و هو كانكار أنه تعالي قادر أن يفعل ما يشاء كما يشاء.. هذا، و قد خلقنا سبحانه أحرارا، أفلا تكون له تعالي حرية الاختيار و الاصطفاء ممن خلق؟!. أم أنه خلقنا أحرارا لتقودنا الحرية الي الاشتراط عليه تعالي أن يفعل ما يوافق أهواءنا؟!. [ صفحه 166] قد جاء في الخبر القدسي المأثور: «يا عبدي، أطعني تكن مثلي، تقول للشي‌ء: كن، فيكون». و عندنا، أن «كن» هي لله تعالي وحده، دون سائر من كان. فكيف يتسني للعبد المطيع - مهما بلغت اطاعته و ايمانه - أن يشرك الله تعالي فيها؟. هذا اشكال وارد حقا.. و لكنه لا يشمل آيات الأنبياء، و معاجز الأولياء، و خوارق عمال الله حين يكشر الكفر عن وجهه و ينازل الخالق سبحانه، و يتحدي أولياءه.. فيظهر علي أيديهم فعل «كن» التي هي لله عز اسمه خاصة حيث يجريها - باسمه الأعظم - وفق ارادتهم فيبتدعون العجائب، و يأتون بالآيات البينات - اذا تحداهم الكفر و النفاق - فيحيون الموتي، و يشفون المرضي، و يكلمهم الحصي، و تشق عصاهم البحر، و يسخرون الرياح و العوامل الطبيعية و ينزلون العذاب علي من كفر و نافق، باذن الله. ذلك أنه سبحانه منحهم استجابة الدعاء، و تحقيق الرجاء، في أزمات لا بد فيها من تدخل السماء التي تأذن لهم باستعمال «كن» التي تصفع العناد و تصلح العباد!. علي أنه لا يكون شي‌ء من هذا الا لالقاء الحجة البالغة علي الأمة الضالة، لتدمغها و تصرعها، كجعل النار بردا و سلاما علي ابراهيم، و كقلب مدائن لوط المؤتفكة، و كتمخض الصخرة عن ناقة صالح عليه‌السلام.. فهذه خوارق ترتب عليها ايمان أمة صالحة، أو احلال عذاب علي أمة طالحة كافرة. فالله سبحانه و تعالي، يكون سمع عبده من هؤلاء المصطفين و بصره، و يكون لسانه الذي اذا لفظ «كن».. كان ما يشاء، بمشيئة ربه.. و هو لا يتخلي عن حجته و الدليل عليه، و لا يتركه دون حصانة «كن» التي هي من شأنه وحده، و التي لا تفعل فعلها علي يد عبده الا بارداته.. و الا، فان آل الله يصيرون عاديين، عاجزين عن اثبات دعوتهم التي تحتاج - دائما - الي برهان - معجز يكون من آيات «كن».. ان لموظف الدولة حصانته الخاصة، و للعامل في المؤسسة كرامته التي هي من [ صفحه 167] كرامتها، بل للحاجب علي باب الوزير احترام ينبع من احترام الوزارة و يمنع الآخرين عن التعدي عليه.. ثم لا يكون سفير الله ذا حصانة؟!. و لا يكون محل عنايته و رعايته.. لئلا يبطل أمره؟!! و هل من المعقول أن لا يجعله سبحانه بمرصد منه في كل مقام و مقعد؟!! بلي، و لا جرم أن يكون عين الله الساهرة في خلقه، و لسانه الناطق بأمره، و يده الباطشة حين غضبه، و ارادته المطلقة التي تستطيع أن تقول للشي‌ء: «كن» - فيكون بأمره عز و علا. و من غير المعقول أن يخذل الله تعالي عبده اذا هجم عليه الكفر و المكر ليردا كلمة الله و يطفئا نوره، كما أن الدولة لا تسكت عن مجرم اعتدي علي موظف عندها أثناء القيام بوظيفته لخدمتها.. فمن عجائب انتداب السماء فتي سفيرا لها، أنه: كان يحيي بن أكثم قاضي القصر، و في منصب شيخ فقهاء العصر، يوم كان امامنا عليه‌السلام في التاسعة من عمره. و كانت له معه مناظرات فقهية ظهر فيها أمر الله و هم كارهون، و نصر عبده و خسر عندها المبطلون، و أخزي الله أعداء أهل البيت النبوي في مجلس الخليفة و العلماء و الوزراء و الأمراء و الأعيان.. فعرف الخليفة الحق كما عرفه قاضيه و الأعوان قبل غيرهم - كما ستري ذلك في موضوع تال - فشرقوا بريقهم و اجترضوا غصصا بقيت في لهواتهم.. و ظلوا ضائعين في حب الدنيا، و ضلوا ضلالا مبينا.. و في الحديث الشريف أن «من أطاع الله أربعين يوما، تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه». فكيف بمن فطره الله سبحانه علي الطاعة، فخلق مطيعا، و نشأ و نما مطيعا، ثم دب و درج و كبر طاهرا مطهرا بنص القرآن الذي هو من كلام الرحمان؟!. قال تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس - أهل البيت - و يطهركم [ صفحه 168] تطهيرا) [294] فبرز في الآية الكريمة معني المشيئة السابقة بلفظة «يريد» و تأكدت ارادته سبحانه بلفظة «ان».. فكان أهل البيت عليهم‌السلام مطهرين من عند ربهم، بارادته المؤكدة في كتابه الكريم.. و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الكريمة: (.. يكاد زيتها يضي‌ء و لو لم تمسسه نار..): [295] . «يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد قبل أن ينطق به. و قال: (نور علي نور..) [296] معناه: الامام علي اثر الامام» [297] . فلا عجب أن يكون الامام الجواد عليه‌السلام قد أوتي العلم صبيا.. و أنه امام مفترض الطاعة، «مكلف» - منذ صغره - بأن ينفي عن هذا الدين تحريف الضالين، و قول المبطلين، كيلا تضعف نبتة الاسلام الوارفة، و لئلا يجف نسغها، و ليهز أغصانها فيتناثر الورق الضعيف، و ليروي جذورها بما يثبت أركان الاسلام و أصوله، ليستمر اخضرار دوحة الدين كما شاء رب العالمين. و ها كآبائه عليهم‌السلام، المرصودين لاصلاح ما فسد، و تقويم ما اعوج؛ يراقبون الحق و لا يمارون في الدين، و لا يمائلون الحاكمين، و لا يسايرون السلاطين الظالمين، و لا يخشون الا الله.. فينكرون الباطل - باللسان و باليد - فلا يثبت أمام حججهم قول متفيهق، و لا فأفأة متفلسف متعيلم، لأنهم ينطقون بحكم الله من فوق سبع سماوات.. فانظر الي أحد مجالس حكمه عليه‌السلام: قد «قطع الطريق بجلولاء علي السابلة - أي المارين - من الحجاج و غيرهم، و انقطع حبل الأمن في المنطقة. فبلغ الخبر «المعتصم» أيام خلافته، فكتب الي [ صفحه 169] العامل الذي كان له بها: تأمن الطريق بأمر أميرالمؤمنين. و ان أنت ظفرت بالقطاع - اللصوص - فابعث بهم الينا، و الا تضرب ألف سوط، ثم تصلب بحيث قطع الطريق. و طلبهم العامل بجد فظفر بهم. فكتب الي المعتصم الذي جمع الفقهاء و سأل ابن أبي‌داود، ثم سأل الآخرين عن الحكم فيهم - و الامام أبوجعفر، محمد بن علي الرضا عليه‌السلام حاضر -: فقالوا: قد سبق حكم الله فيهم في قوله: (انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله، و يسعون في الأرض فسادا، أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض) [298] - و لأميرالمؤمنين أن يحكم بأي ذلك شاء. فالتفت المعتصم الي الامام عليه‌السلام، فقال: ما تقول فيما أجابوا؟. فقال عليه‌السلام: قد تكلم هؤلاء الفقهاء و القاضي، بما سمع أميرالمؤمنين. قال المعتصم: و أخبرني بما عندك. فقال عليه‌السلام: انهم قد أضلوا فيما أفتوا به. و الذي يجب: أن ينظر أميرالمؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق، فان كانوا أخافوا السبيل فقط، و لم يقتلوا أحدا، و لم يأخذوا مالا، بايداعهم الحبس، فان ذلك معني نفيهم من الأرض باخافتهم السبيل. و ان كانوا أخافوا السبيل، و قتلوا النفس، و أخذوا المآل، أمر بقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف، و صلبهم بعد ذلك. فكتب المعتصم الي عامله بأن يمثل ذلك فيهم» [299] . و نحن نتساءل: لم كان الخليفة - كل خليفة - لا يحكم بحكم قضاة قصره و فقهائه، قبل أن يسمع رأي امام زمانه؟! [ صفحه 170] و لم كان لا يعمل الا بحكم الامام دون أحكام قضاة قصره و فقهائه، و دون أن يعبأ برأي أحد من الناس؟!. و مع ذلك، فما من خليفة الا احتبس امام زمانه في مكان اقامة جبرية، و ربما حمله الي عاصمة ملكه متي شاء!. ثم قتله متي أراد!. فهل كان يحترمه و يجله، أم كان يخافه فيقصيه مرة و يقربه مرة أخري.. أم كان يحسب حسابا لبقية الناس؟!!. لا هذا، و لا ذاك، يصح أن يكون جوابا. و انما الجواب: أنه كان لا يحكم بغير حكم الامام لأنه - وحده - يعرف الحكم الحق، باعتراف وليه و عدوه.. و أن الخليفة الحاكم كان يخشاه أكثر ما يخشي من الناس، فيطلقه مرة خوفا من الله، و يحتبسه - أو يقتله - مرة أخري خوفا علي ملكه. فلا تمار بحاكم مراء حسنا.. و لا تنفس علي الامام بما هو فيه!. لأنك تخطي‌ء في الحالين.. [ صفحه 171]

هو حجة الله.. منذ الصغر

قد ثبت نص أبيه عليه بقول الأعلام الثقات الكثيرين الذين منهم: عمه علي بن جعفر الصادق، و صفوان بن يحيي، و معمر بن خلاد، و ابن أبي‌نصر البيزنطي، و الحسين بن يسار، و الحسن بن الجهم، و أبويحيي الصنعاني، و يحيي بن حبيب الزيات، و غيرهم.. [300] . و كان امامنا هذا عليه‌السلام، أقصر حجج الله في أرضه عمرا.. اذ عاش خمسا و عشرين سنة فقط!. و قام بأعباء الامامة حوالي سبع عشرة سنة. فحياته - سلام الله عليه - تقاس عرضا وسعة.. لا طولا و امتداد عمر.. حتي أنه لو قيس عمره بمدة امامته، لجاءت النسبة عكسا لا طردا. فما الحكمة في أن يكون - مع قصر حياته - طويل عهد الامامة؟!! لا يستولين عليك التفكير.. و لا يأخذن بك العجب.. و لا تذهبن بك المذاهب في البحث عن الجواب، فهو قريب المنال. فالامام الجواد عليه‌السلام جاء معدا لأن يكون في «عصر ذهبي» كان بكرا في العصور الاسلامية، [ صفحه 172] فرصده الله تبارك و تعالي لأن يكون بكرا في الأئمة، لتظهر «الامامة» في خصبها الرباني المبكر الذي لا يخضع لسنة العلم، و التجارب، و المكتسبات.. فقدمه اله سبحانه لذلك العصر المتقدم المدارك.. اماما معطاء، «متقدمة» مخايل امامته علي السن المعقول.. متفوقا علي أرباب العلم و الفهم في عصره، قبل أن يطر شارباه. ليكون «صبيا» عجيبا.. يقف «الشيوخ» بين يديه مؤدبين، باخعين لغزير علمه، و «غلاما» زكيا.. يطأطي‌ء العلماء، و الفقهاء، و أرباب المعرفة، رؤوسهم خضوعا لقوله.. سواء في ذلك المؤمن به منهم، و الجاحد به، بل المسلم و الملحد، و الأمير الخطير، و السوقة و الوزير.. اذ تعنو وجوه الكل.. لمعجزة السماء تنثال علي لسان غلام آتاه الله تعالي الحكمة من غير أن يرتاد معهد تدريس، أو جامعة تفقيه، أو مجلس بحث و نقاش و علم. فيري أهل عصره امامة «ذهبية» الشكل و الاخراج.. كعصرهم «الذهبي».. قد فجأتهم لتتربع علي عرش برجها العاجي.. فصعبت فلسفتها علي أرباب العرش الأرضي و أصحاب العنعنة و الشنشنة.. و ورمت منها أنوف الحاكمين، لأنها «امامة» تحد لأنوف المستكبرين من المتسلطين!. فكانت امامته كعصره سواء بسواء ازدهارا سماويا، زيف ازدهارا أرضيا متزندقا.. و كلمة حق تري كيف تكفخ كلمة السماء العليا، كلام المتفيهقين و المتزندقين!. لقد عاش الامام الصادق عليه‌السلام حوالي ست و ستين سنة - و جعله الله تعالي أمد أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عمرا - لغاية ربانية اقتضتها حكمته سبحانه، فأكمل تأثيل العقيدة و بين الأحكام، و عد هو و أبوه عليهماالسلام مؤسسي المذهب، و صاحبي أول مدرسة اسلامية بمعني المدرسة الجامعية العليا. [ صفحه 173] و كذلك عاش أبوه - الباقر عليه‌السلام - سبعا و خمسين سنة، فمهد لتلك المدرسة في فترة «السكوت السياسي الجزئي» تمهيدا عمليا حيث وضع الأساس، و رفع القواعد، و أرسي البناء و أقام مجلسا علميا حافلا استقطب رواد العلم.. ثم تربع علي دسته - من بعده - ابنه الذي ملأ علمه - و علم أبيه - ما بين الخافقين، حتي أنك لا تجد بين فقهاء عصريهما الا من يقول: سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول، أو: قال أبوعبدالله عليه‌السلام!. و مع ذلك فان ولاية الامام الباقر عليه‌السلام، كانت تسع عشرة سنة، رغم كونه مقيضا لمثل عمله التأسيسي الجبار.. و لم تبلغ مدة ولايته الا أقل من ثلث عمره الشريف. ثم كانت ولاية ابنه الامام الصادق عليه‌السلام أربعا و ثلاثين سنة، لأنه كان معدا لأمر عظيم، و عمل جليل طويل.. و لم تتجاوز مدة ولايته نصف عمره الكريم. فلم كانت ولاية الامام الجواد - الشاب - عليه‌السلام، سبع عشرة سنة.. و بلغت ثلثي عمره بالضبط، مع تكليفه المبكر الذي حمله للمسؤولية الكبري طري العود، في مزدهر العهود؟!! و ما هي حكمة السماء في ذلك؟!! امامنا الجواد عليه‌السلام كان - منذ كان في علم الله عز و جل - تحديا صارخا في وجه الملحدين، و وصمة في جبين المتأسلمين. و صفعة شديدة لجهل فقهاء الدين، و انذارا صريحا فصيحا للمتسلطين الحاكمين باسم الدين!. و كان - الي جانب ذلك - أعجوبة - معجزة، لسائر العارفين.. و آية للعالمين. بدليل أنه وعد به أبوه قبل أن يكون، فكان، [ صفحه 174] و كان كما وعد!. و بدليل أن لما جعله الله سبحانه اماما منذ طفولته، برهن علي أنه امام.. ذو آيات بينات!. و بدليل أنه تكلم في المهد، و قرأ رسائل أبيه و هو في عامه الأول - في القماط!. - و من كان في مثل ذلك العمر لا يحسن الجلوس و لا المشي، بله الكلام، و القراءة، و الكتابة. و عمل بما كان يأمره به أبوه [301] من أعمال الكبار، فبهر الأنظار طفلا بمعني الطفل!. و كان سيد مشيخة بني‌هاشم بلا منازع.. و الامام - المعجزة، و الآية البينة المدهشة!. و مع ذلك نبقي نقول: نعم، و لكن لماذا جعله الله سبحانه موضع هذه التساؤلات.. ثم حمل أعباء الامامة مبكرا؟!.. و لم كانت له هذه المدة الطويلة من الولاية، مع هذا العمر المحدود؟!! و ماذا عمل أثناءها؟. و ماذا أعطي؟. و ما الغاية الجوهرية من ولاية بدأت من عهد الطفولية.. و انتهت في بدو الشباب؟!! انه - أولا بالذات - قد سربله الله عز و جل بسربالها منذ الصغر، لأنه سبق في علمه تعالي أن «سلطان الزمان» سيغتال أباه في عصر سماه أهله «عسر الازدهار» العلمي و الفلسفي و الكلامي، فبعثه سبحانه يومها لتأتي «وظيفته» وفاقا مع مستوي [ صفحه 175] أهل ذلك العصر، بل متفوقة عليهم بتحد و اعجاز!. فاشتدت بذلك قلوب آل الله من المؤمنين من جهة، و وقف اعجازه الباهر في وجه التيار الظالم الهادر.. من جهة ثانية، و كان نيقد «ذهبهم العصري» و فضاح عملتهم الزائفة.. من جهة ثالثة، و اشتق أمامه طريق العطاء.. فبين المشابه، و أوضح المبهم، و قرر الحلال و الحرام.. و أظهر بطلان أمر حكام الاسلام، في تلك الأيام.. من جهة أخيرة!. الي جانب أنه بهت فقهاء، السوء، و المفتين بغير ما أنزل الله، منذ كان حليب الرضاعة منعقدا علي شفتيه الكريمتين.. و في فترة كثر فيها الكلام و التعليل، و ضاع الأنام في التحليل، و خاضت عقول الفحول فيما كان يبعدها عن الايمان، بسفسطائية مضللة. و ثبت لتيارات الضلال، و الانحراف، و الالحاد - كما تري في سيرته طي هذه الفصول - يتحداها تحدي الرسل و حملة الدعوات. فألجم المهملجين و أشرقهم بريقهم، و كم أفواه الذين ركبوا رؤوسهم عنادا، و ألقم خصوم الدين حجرا، في سائر مجالسه و أمكنة وجوده، و كان مباهلا فذا.. يضرب بسيف الحق.. و ينطق بالصواب، ويحكم بالسنة و الكتاب، فظهر امام حق.. مع الحق.. و الحق معه.. تماما كجده أميرالمؤمنين و كآبائه الطاهرين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.. و كان «حجة» علي الناس، يطالبون بها يوم الدين.. كما كان «كلمة عدل» في مجالس الظالمين.. من مبدأ عمره الي منتهي أمره. و كلمة العدل عند الحاكم الجائر جهاد. [ صفحه 176] بل انها أصعب الجهاد، و أعظم الجهاد.. و اعلان الرأي - المخالف للحكم الغاشم - في قصر خليفة الزمان، و من علي عرش الأمة.. هو خير برهان علي ذلك. و مما لا شك فيه أن أول واجبات النبي، و الوصي، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الدعوة الي الله تعالي، و جهاد أعدائه.. بدءا برؤوس الضلال، كما فعل ابراهيم مع النمرود، و موسي مع فرعون، و عيسي مع باطس.. و كما فعل محمد صلي الله عليه و عليهم جميعا، مع جبابرة قريش، و عتاة الجاهلية، و ملوك العالم. فعلي هذا الأساس: لننظر فيما فرضه الله عز و جل علي امامنا الجواد عليه‌السلام من الجهاد، لنعرف أنه هل ولي خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي تركته الضخمة الفخمة، و قام بالعب‌ء، أم لا؟. و لننظر كيف تصرف غلاما، فيافعا، ففتي فشابا، و ماذا فعل؟. و ما هي حصيلة عهد ولاية طويل، مع عمر قصير، و في وقت كان فيه قتل الهاشمي - علي الهوية!. - أمرا مستساغا لدي الحكام.. لا يثور له أهل الاسلام.. بل كان قتل الواحد منهم أقرب اليه من لمح البصر.. و بفتوي بعض فقهاء سلاطين الاسلام الحاكمين باسم خلفاء جد بني‌هاشم: - رسول الله صلي الله عليه و آله -؟!. ان وظيفة الامام - كل امام - تتلخص - مبدئيا - في كشف «باطل» أهل عصره بكلمة «الحق» التي يحملها، و بيان «ظلمهم» و تعدياتهم علي حدود ما أنزل الله، بالحكم الحق الذي يلفظه، لئلا يكون لهم حجة في باطلهم و ظلمهم و جهلهم. و الدعوة الي الله ليس سهلا أمرها.. و لا هي كلمة تقال، و للسامع أن يقنع أو أن يرفض.. ثم لا بأس علي قائلها بعد أن أمر بالمعروف و نهي عن المنكر، و بلغ للناس ما يحمله لهم من نصح. لا، بل هي ثقيل حملها.. لأنها يجب أن تواكبها حجة قاطعة، و براهين ساطعة.. [ صفحه 177] و علي حاملها أن يثبت أمام طواغيت زمانه.. و أن يبدههم بالحق، و لا «يفر فرار العبيد، و لا يعطي يده اعطاء الذليل» لأن النبي حين «شرع» و الوصي حين «يرسخ و يبين» يكثر من حولهما المنافقون.. بل يرد علي الله الرادون.. و لا يجوز لهما اخلاء الساح قبل القاء الحجة الدامغة التي تهدي قلوب المؤمنين، و يفر من دربها الكافر بيوم الدين.. ثم - بعدها - (لا يضركم من ضل، اذا اهتديتم) [302] . و هذا كله من الجهاد بكلمة الحق.. أما الجهاد - بالسيف - فلا يكون الا وفق موازين شرعية سماوية.. اذ ليس كل قتال للعدو جهادا. بل من الجهاد ما يكون دون قتال. و قد قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام في خطبة له يصف بها النبي صلي الله عليه و آله و سلم، حين ذكر الامام: «... انه ليس علي الامام الا ما حمل من أمر ربه، الا البلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النصيحة، و الاحياء للسنة، و اقامة الحدود علي مستحقيها و اصدار السهمان علي أهلها..» [303] . و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام لعبد الملك بن عمرو: «يا عبدالملك، مالي لا أراك تخرج الي هذه المواضع التي يخرج اليها أهل بلادك. قال: و أين؟ قال عليه‌السلام: جدة، و عبادان، و المصيصة، و قزوين. - أي الي الأمكنة التي فيها مرابطون مسلمون.. فقال: انتظارا لأمركم و الاقتداء بكم. فقال عليه‌السلام: اي و الله (لو كان خيرا ما سبقونا اليه) [304] . قال: انهم يقولون: ليس بيننا و بين جعفر خلاف الا أنه لا يري الجهاد. [ صفحه 178] فقال عليه‌السلام: أنا لا أراه؟. بلي و الله لأراه. ولكني أكره أن أدع علمي الي جهلهم» [305] . فهو عليه‌السلام يعرف مواطن الجهاد.. و لا يري وجوبه الا في مواطنه. و قد قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه‌السلام في وصية له: «يا علي، ان ازالة الجبال الرواسي، أهون من ازالة ملك لم تنقض أيامه» [306] . فالتصدي للملك الظالم لا يجدي فتيلا، اذا لم يقدر الله تعالي انقضاءه.. و لا شأن للعباد بتغيير ما سبق القضاء فيه.. و ما عليهم الا انتظار مشيئته سبحانه بتغيير الحال من غير أن يعينوا ظالما في ظلمه. و عن أبي‌الحسن العبيدي أن الامام الصادق عليه‌السلام قال: «ما كان عبد ليحبس نفسه علي الله، الا أدخله الله الجنة» [307] . و حبس النفس عليه تعالي يكون بالمرابطة في الثغور، أو بنصر أولياء الله المنتظرين لأمر الله. و أمر الله هو الأحري بأن يطاع.. و قدره هو الأجدر بأن يمضي. و بذلك يسقط جهاد أهل البغي مع قلة الأعوان، لأن من يشهر سيفه وحيدا بوجههم، يكن كمن ألقي بنفسه الي التهلكة. قال الهيثم بن عبدالله الرماني: «سألت علي بن موسي الرضا عليه‌السلام، فقلت له: يا ابن رسول الله، أخبرني عن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، لم لم يجاهد أعداءه خمسا و عشرين سنة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم جاهد في أيام ولايته؟. فقال: لأنه اقتدي برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، في ترك جهاد المشركين بمكة - بعد النبوة - ثلاث عشرة سنة، و بالمدينة تسعة عشر شهرا، و ذلك لقلة أعوانه عليهم. و كذلك علي عليه‌السلام ترك مجاهة أعدائه لقلة أعوانه عليهم. [ صفحه 179] فلما لا تبطل نبوة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة، و تسعة عشر شهرا، فكذلك لم تبطل امامة علي عليه‌السلام مع تركه للجهاد خمسا و عشرين سنة اذا كانت العلة المانعة لهما واحدة» [308] . أما الامام الصادق عليه‌السلام فقد أجاب أصحابه علي مثل هذا السؤال بقوله: «للذي سبق في علم الله أن يكون. و ما كان له أن يقاتلهم و ليس معه الا ثلاثة رهط من المؤمنين» [309] . فتأمل سمو مرتبة الايمان، حين تري أن عليا عليه‌السلام لم يكن معه الا ثلاثة أشخاص يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بلغوا مرتبة الايمان!. و حينئذ تعلم أن ايماننا فطير. و روي مثل هذا الجواب بعينه عن امامنا أبي‌جعفر عليه‌السلام، في تفسير العياشي. و قال الامام الكاظم عليه‌السلام لصاحب له - في حديث -: «.. فعلي لم يجد فئة، و لو وجد فئة لقاتل» [310] . أضف الي كل ذلك أن أهل الحق لا يبدأون بقتال قبل الاعذار و الانذار، و قبل أن يقاتلهم أهل البغي. فما قولك بمن يرفع سيفا في وجه موحد يقر بالشهادتين؟!. و مما أوصي به أميرالمؤمنين عليه‌السلام أصحابه، قوله: «لا تقاتلوا القوم حتي يبدأوكم، فانكم بحمد الله علي حجة. و ترككم اياهم حتي يبدأوكم حجة أخري لكم» [311] . فهذه هي الخطة التي وضعها النبي صلي الله عليه و آله و سلم - و من تأخر عنه من أهل بيته عليهم‌السلام - لكيفية جهاد الأعداء، و لحلول وقت وجوب الجهاد و عدم المناص منه. و هؤلاء هم صفوة الخلق الذين اختارهم الله من بريته ليقيموا أمره، و ليدور عملهم - دائما - في فلك ارادته و مرضاته. [ صفحه 180] فهل كان علي امامنا الجواد عليه‌السلام، أن يجاهد حاكما يراه ظالما، و الناس يرون ذلك الظالم «محسنا» للامام: يحترمه، و يجله، و يتفداه، و يجلس بين يديه بخضوع و احتشام، بل يقربه و يدنيه.. حتي يزوجه ببنته - الأميرة - كما جري لامامنا هذا، و لأبيه، عليهماالسلام؟!! قد قرب الامام الرضا عليه‌السلام - علي أعين الناس - فرفع الي «تقليد» ولاية العهد، بعد المصاهرة - الغادرة!. و صار ابنه - الجواد عليه‌السلام - المقرب، الأثير، المحاط بحفاوة «الأمير».. حتي أنه زوج قبل البلوغ!. و نثرت في عرسه بدر الجواهر الثمينة، و كان عرسه فرحة «القصر» الكبري!. و ستري تفصيل ذلك. و رأي الناس أن أي انسان لا يسي‌ء الي من أحسن اليه.. و لو كان احسانه «ظاهرا». فكيف بالامام الذي يري ما الناس عليه من رأي بتوقير الخليفة له، و بتقريبه و الاحسان اليه؟. هذا و ان الوقت لم يكن ليسمح باعلان كلمة، فضلا عن اعلان ثورة.. فالسيوف مشرعة، و الأمر مستوثق للحكم، و طلاب الدنيا حاضرون لتفشيل كل حق و تخسير كل مطالب به، لأنهم يتمرغون في لذائذها، و يتقلبون في نعيمها، و هم يبذلون أقصي ما عندهم للاستمساك بها و لو أدي ذلك الي قتل نبي مرسل!. فمن تحرك يومئذ أصيبت دعوته في الصميم.. و الأمثلة الشاهدة كثيرة من حول الامام عليه‌السلام و حواليه.. و هو و شيعته كانوا يواجهون شرا مستحكما و ظلما متحكما، و سيوفا مسلطة.. و قلوبا لم يلج شغافها الايمان!. و هل يصدق الامام أحد، اذا أطلعه علي ما في «دخيلة» ذلك «المحسن» اليه؟!. و هل ينصره أكثر من ثلاثة رهط.. و يكون القتل مصيرهم المحتم؟!. و الاحسان الذي كان «يظهر» للناس كان احسانا كبيرا.. بل كان مبالغة في [ صفحه 181] الاحسان.. في حين أنه لا يعلم خلفياته سوي الامام عليه‌السلام.. أو من دله الامام علي تلك الخلفيات. هذا، و ان عهد الجواد عليه‌السلام، الذي امتد خمسا و عشرين سنة، قد حفل بأحداث سياسية هامة كانت كسلك الخرز الذي انقطع خيطه فانفرطت حباته يتبع بعضها بعضا. فقد أبصر النور في جو مكفهر بسحب من الخلاف بين الأمين و أخيه المأمون انجلت عن البيعة للمأمون بعد هنات و هنات. و تلا ذلك سلسلة من الأحداث و الفتن: كخروج أبي السرايا، و ابن طباطبا، و قوم من العلويين. و وقع قتل الفضل بن سهل و ما تلاه من أزمات. و توفي الامام الرضا عليه‌السلام في غموض فتح باب التهم، و أحدث غليانا. و خرج ابراهيم بن المهدي، و غزا المأمون الروم، و توفي، و تولي المعتصم، و حبس أحمد بن حنبل و جلد بأمر المعتصم ذاته، و هرب محمد بن القاسم العلوي.. و ضعف - الي ذلك - الوازع الديني فطغت الخلافات الجاهلية القديمة و عملت علي تفريق الأمة الي سنة و شيعة و أشاعرة، و خوارج، و أمويين، و زيديين، و عباسيين، و متوقفة، و معتزلة و مرجئة.. فتمادي الخلاف و تعمق بين تلك الفرق، و انحسر المد الاسلامي بعد أن كان قد امتد و سيطر علي العالم الشاسع المعروف آنذاك.. ثم غاب عن ذهن المسلمين - عامة - أمر الله تعالي الذي لو اتبعوه و رجعوا في الأمور (الي الرسول، و الي أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [312] و لأرشدهم أولو الأمر الي كتاب الله الذي التهوا عنه بالقشور و لهوا عن اللب، فاختلفوا في «قدم» القرآن و «خلقه» و مضوا في نزاعات جانبية حادت بهم عن روح الدين القويم، فجر الشيطان أكثرهم بشعرة معاوية التي ربطهم بها، و لو أنهم [ صفحه 182] قطعوها - يومئذ - لا نقطع النزاع و اجتمعت الكلمة علي الخير. و لم نذكر هذه الأمور الا لنبين أن امامنا عليه‌السلام فتح عينيه علي أمة جده تتذابح فيما بينها، و تتنازع السلطان، و المناصب، و الشهرة الفارغة.. بغضب كغضب الخيل علي اللجم!. «فانتصب» - سلام الله عليه - طري العود.. حافظ العهود في بيان الأحكام و ترجمة الوحي من السنة و القرآن.. تماما كما «انتصب» جده أميرالمؤمنين عليه‌السلام حين نفض يديه من دفن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و جلس للفتيا في الدين ليقيم شرعة سيد المرسلين، و لم يرفع سيفا لاسترجاع حقه المستباح، لأن السيف - يومئذ - كان يمكن أن يذهب بالدين برمته، فيفجع النبي في أمته.. ثم لا يكون أميرالمؤمنين - ساعتئذ - ولي الله، و لا وصي رسول الله الذي رباه و جعله كفاء نفسه - الا أن هذا نبي، و هذا وصي - ليحفظ بيضة الاسلام و ليرسخ العقيدة في نفوس قريبة العهد بالوثنية و الجاهلية.. و لذا، وضع عليه‌السلام الدين الجديد علي الناس في كفة الميزان، و الدنيا و ما فيها من بهارج و مغريات في الكفة الأخري، فشالت كفة الدنيا، و رجحت كفة الدين الذي هو عليه «أمين».. فتربع في المسجد الجامع، و في مجالس «الخلفاء» يفتي المسلمين في حلال دينهم و حرامه، و يبين لهم حدود الله و أحكامه.. و ان هو لم يفعل ذلك فما حفظ «الأمانة» و لا رعي «الوصاية» و لا أعطي لربه سبحانه حقه حين منحه «الولاية» علي العباد. روي جابر، عن أبي‌جعفر - الباقر - عليه‌السلام، أنه قال: «أنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكوا بها جباههم، و لا تخافوا في الله لومة لائم. فان اتعظوا و الي الحق رجعوا فلا سبيل عليهم (انما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم).. هنالك فجاهدهم» [313] . فهذا هو خط الأئمة الالهي الذي لا يتعدونه. [ صفحه 183] و قد أنكر امامنا بقلبه كثيرا، و أنكر بلسانه أكثر، وصك بها جباههم أكثر و أكثر.. و لم يخف في الله لومة لائم.. و ما عليه ان هم لم يتعظوا!. و أنت - أيها القاري‌ء - تتكامل في ذهنك صورة مواقفه في كل المناسبات، و ستتم - عندك - واضحة عندما تلم بسائر خطوطها و معالمها المبثوثة في مختلف فصول هذا الكتاب، لتري أن هذا الامام الشاب قد أدي ما عليه كاملا غير منقوص. فانه - عليه‌السلام - لم يقم في محفل الا و كان سيد المحفل الذي تتجه اليه الأنظار و الأفكار.. يرون القرآن و السنة يدوران علي لسانه دوران السوار في معصم الفتاة، و يسمعون حكم الله ينثال من فمه انثيال بسم الله الرحمن الرحيم من ألسنة المصلين!. وقد كان يحتج.. و يخالف.. و يقضي، و يفلسف حكمه و قضاءه ببيان يبهر أهل الفأفأة و التأتأة ببيان هاشمي، و برهان قطعي و حجة دامغة، و هو - بعد - أمرد لم يبلغ الحلم، و المشايخ من حوله تسد لحاهم الآفاق و تزحم المجلس!.. فامامنا - سلام الله عليه - لم يرض مخلوقا بسخط الخالق، و لم يفعل الا ما هو الأولي، و لا يليق «بوارث» علم الأولين و الآخرين، و «حامل» الدعوة الي الله، الا أن يمثل دور «وريث» الدعوة السماوية، و «وصي» محمد صلي الله عليه و آله و سلم علي رسالته العظمي التي ينبغي أن تدوم الي أن ينطفي‌ء قرص الشمس!. و ينقدح في الذهن حالا أن الوريث الأمين - المستأمن من الله في أرضه - يفترض أن لا يهادن و لا يرضي بالحل الوسط، بل يفعل كما فعل أميرالمؤمنين عليه‌السلام بقتال الناكثين، و القاسطين، و المارقين، و كما فعل السبطان، عليهماالسلام [ صفحه 184] حين رفعا صوت الحق بوجه الباطل، أي أنه كان علي الامام الجواد عليه‌السلام أن يقف في وجه الظلم، لأن ذلك من واجبه العيني. أجل، هذا حق. و لكن الوقوف في وجه الظلم يكون باليد أو باللسان. أما اليد يومئذ فلم يكن من شأنها أن تعمل عملا في عهد تلك الفوضي التي مررت بصورة بشعة من صورها.. و من رفع سيفا بيده - حينها - قتل به. و أما اللسان فقد جلي يومئذ و فتن الألباب، و ولج الي القلوب و هز النفوس، حتي أن هذا الاشكال - الذي كان سؤالا - ينقلب الي جواب منه و فيه، أمام فتي أعزل، معزول عن قواعده الشعبية، مغلول بمظاهر احترام مصطنعة لم تترك له الا نافذة يخاطب منها المخالفين، و الخاذلين و المزورين.. ثم «لا يبالي بعدها بمن خلافه اذا وافقه، و لا يحفل بمن خذله اذا وازره، و لا يكترث بمن ازور عنه اذا ساعده» عملا بقول جده الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم.. فقد أعلن كلمة الحق بين الناس و حملهم مسؤليات المخالفة و الخذلان و الازورار.. و رغم ما كان عليه من حال «التطويق السلطاني» تقاصر أي أحد - حتي السلطان - أن يحتوي «كلمته» أو أن يحد من حوله و طوله اذا سنحت فرصة «القول - الحق»!. قد سدوا السبل بوجهه، و أوصدوا الأبواب، و حبسوه لدن العود في «قفص الزواج» و بكروا في خطب وده، و جعلوه عريسا لأميرة القصر الأثيرة المتكبرة علي الأمراء و الوزراء، و أوطأوا نعاله بسطهم، و جعلوا منه الشغل الشاغل لمقربي القصر و أباعده - نساء و رجالا - و رفع فوق الحكام و الفقهاء و الأمراء.. و كان جوهرة عقد مجلس امارة المؤمنين و درة تاج الملك.. و هو عالم بسرائرهم، و مطلع علي ما في ضمائرهم.. عارف بأن ذلك كله شباك قضبان لقفص ذهبي يعزلونه فيه عن قواعده و فاعلياته و يبعدونه فيه عن ميدانه، و يحاولون اذابة شخصيته و صهرها مع زمرة المتسلطين.. علي حقه!. [ صفحه 185] و كان ذلك كذلك.. و لذلك. و لكنه.. لم يغب عنه شي‌ء من أمرهم. و حين ندرك نحن بعض هذه الجوانب، فما يكون شأن الامام عليه‌السلام؛ و هو يعيشها، و لا تخفي عليه خافية مما أدركناه، و مما غاب عنا علمه؟. و كيف نريده أن يتحرك ليظهر بوار ما هم فيه، و عليه؟. قد عمد - أول ما عمد - الي القيام بوظيفة «الوصي». فاحتوي الحاكم الذي حاول احتواءه. و ذلك حين «جهل» العالم الذي تربع علي كرسي الفتوي في الدين، و استوي مكانه فقيه العصر الذي خلق و الفقه و العلم جزءان منه، و حين نطق عن علم علمه اياه الله... و حين كشف عمائم مكورة أعشاشا للشياطين، و مزورة لنيل المال و الجاه. و حين كسف هالة الرياء المشعة من قفاطين رجال الحاشية و المشيرين، و أخيرا.. حين سفه ما هم فيه، و عليه.. و كرس حكم الله، و قدس القرآن و كرس السنة.. .. فظهر - للنابهين - أنه يهدم ملكا بغير معول، و يدك عرشا غاشما، بغير حسام، و ينتصر في معركة جهاد بدون سلاح؛ اذ استطاع أن ينفض الغبار عن وجه الحق ليبدو لألاء بدون جلبة.. و استوت الغلبة لله تعالي علي لسان خليفة من خلفائه سبحانه علي الأرض، لا ينطق عن الهوي.. و لا يخشي غائلة المكر و الخداع و القوي!. و هكذا.. فان باب القفص الذهبي كان مفتوحا للامام عليه‌السلام، يذيع منه كلمة الحق.. دون وجل. واعيا أن جده أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان قد قبع في زاوية مسجد رسول [ صفحه 186] الله صلي الله عليه و آله و سلم أياما، ثلاثة «ينشر كلمة الحق باللسان.. «و أياما ثلاثة» يمليها بالسيف.. فكان بذلك حافظ الشريعة و حارس الرسالة.. و أن نجله السبط المجتبي حاور أعداءه «يوما» بالحكمة و الموعظة الحسنة، ففضح باطلهم و كشف عن وثنية لبسوا لها ثوب الاسلام.. فظهر حقه للأنام، و حفظ الدين و حملة الاسلام. و أن أخاه السبط الشهيد - أرواحنا فداه - قد وقف «يوما، أو بعض يوم» في كربلاء، فأزهق الباطل و أخزاه خزيا أبديا.. و أطلق كلمة الحق لتدوي في أسماع الأجيال الي يوم الدين.. و كان سيد شهداء العالمين في العالمين.. و كذلك وقف أبناء الحسين عليه و عليهم‌السلام - واحدا بعد واحد - يبينون للناس ما أسي‌ء فهمه من أوامر الله تعالي ليعيدوا الحق الي نصابه. ... فقال الامام الجواد عليه‌السلام - من بعدهم - كلمة الحق التي كانت «زنة» سيف جده - ذي الفقار -. و «كفاء» صلح عمه الحسن عليه‌السلام، و «ثقل» تضحية جده أبي‌عبدالله، الحسين سلام الله عليه، عقيدة، و جهرا بكلمة الله، و دعوة للعدل في مجلس الظلم.. و كان المنتصر في معركة تاريخ اشتري وبيع، و زور و حرف.. فأفتي بما سنة الاسلام لمن «لبسوا الاسلام لبس الفرو مقلوبا»!. و ان ضربة علي عليه‌السلام يوم الخندق - التي توازي عمل الثقلين -. هي كوثيقة صلح الحسن التي وازت الابقاء علي الدين و المتدينين، يوم لم يكن الحاكم من الاسلام لا في طين و لا عجين، و كثورة الحسين التي أبقت علي كلمة «لا اله الا الله» الي يوم الدين، و كدمعة زين‌العابدين علي أبيه التي سالت ابتهالات تعمر القلوب بها و تربطها بالمعبود العظيم، و ككلمتي الباقرين الصادقين اللتين كرستا حلال الله و حرامه الي يوم يبعثون، [ صفحه 187] و كحبس الكاظم الذي كان منبرا للدرس الرباني السديد الرشيد. و «كولاية العهد» للرضا التي كان قبوله القسري بها أعظم اسفين في عروش الحكام الظالمين، و «الامانة» التي حملها الأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد، هي واحدة. أدوها بأمانة.. في عهود متفرقة، و بأدوار مختلفة، و كان كل منهم فذا في تمثيل دوره حين تأديته.. و لولا براعة تأديتهم لفقدت الرسالة الكريمة معناها، و مبناها. فقد رعوها حق رعايتها.. منذ الابتداء.. و حتي الانتهاء، و ظلوا «أمناء» عليها.. و «أوصياء» كالأنبياء.. أجل، قد ثبت كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في ميدان الدفاع عن رسالة الاسلام أمام طاغية زمانه، و قد أثبت وجوده، و ضرب اما باليد أو باللسان، و نادي بكلمة الحق عاليا رغم صولان الباطل و جولانه. و لكن الذي لا ينقضي التعجب منه، هو أن التساؤلات تنصب حول سلامة موقف كل منهم، بظلم له فوق ظلمه، حتي يضطر مواليهم الي الدفاع، ثم يسكت عن الحاكم الظالم و لا يذكر أحد ما أصاب امام زمانه من ظلمه و جوره، و لا يتذكر شي‌ء مما لحق بذلك الامام الذي كان يؤخذ علي غرة، و يراح و يجاء به الي الخليفة في بغداد، أو من بلاد الي بلاد كالسلعة الرخيصة، و لا يراعي فيه ال و لا يرعي له ذمام أو قربي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو القائل لأمته بنص القرآن الكريم: (لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي)!! [314] . فهل كان هذا التنكيل من مودة قربي الرسول؟! [ صفحه 188] لا و الله.. بل لو أوصاهم الرسول بأن ينكلوا بقرباه لخجلوا أن يفعلوا أكثر مما فعلوا!. لقد حكموا الأمة الاسلامية باسمه صلي الله عليه و آله و سلم، و باسم دينه، ثم تمادوا في غيهم الوقح و عاملوا ذريته بأقسي أنواع الظلم. و لو أنت ذكرت طاغية منهم بسوء لعضوا عليك الأنامل من الغيظ، و لصروا بأنيابهم حنقا، و رموك بالالحاد بالتاريخ الذي يذكر ذلك الخليفة بتمام التبجيل و هو رأس النفاق و الشقاق في زمانه!. أما التاريخ «المقدس» بنظرهم، فما أدراك ما ذلك التاريخ؟. و ما أدراك بزوره و وضعه و تلفيقه!. و ان أنت نقدت ذلك التاريخ، و شككت في بعض فجوات دسه و تلفيقه رموك بألسنة حداد و ارتفع بوجهك صوت الضمائر الصدئة التي ترعي «قدسية» التاريخ، و تغفل عن قدسية الله عز و علا، فهو يسب علي مرأي و مسمع من الناس دون أن يكون في ذلك بأس، بشرط أن لا تنبس ببنت شفة علي التزوير و من زور أو علي ذلك الخلق المتعوس من سفلة المسلمين حين حكم و تأمر!. فالزمان هو الزمان.. لم يتغير. و قل الحق، يرتفع صوت الباطل.. و يرعد بوجهك صوت الخلق!. فكأن الشيطان نصب «محامين للدفاع» عن زمرة يقفون دائما و أبدا أمام الكلمة المنصفة!. فكيف بك - يا أخي القاري‌ء - و أنت تواجه عالما ظالما، كلما وصلت كلمتك المنصفة - عن هنات ذلك التاريخ المقلوب المغلوب - الي آذان «محامي الدفاع» لا يدعون كلمتك تصل الي الأسماع و القلوب؟!. ثم اذا هزت تلك الكلمة ضميرا حيا، فمن للضمائر الخدرة المخدرة يحركها و يوقظها من الغاشية التي تحيق بها؟!. فأنت - و كل حر - اذن، مضطر لأن تجعل نفسك مدافعا عن المظلوم، لأن الادعاء الغاشم ينصب عليه، و الاتهامات القاسية تنسب اليه، و يبقي ظالمه حرا [ صفحه 189] طليقا دون حسيب أو رقيب، و دون أن يقال كلمة «ببابه العالي»!. فان «ثعالب القصر» التي كانت تبذل المال، و تشتري الرجال، و تغير الأمور من حال الي حال، قد عقبها زمرة تنسج علي نفس المنوال، و تقف في وجه كل ما يقال.. فتضيع الحقائق - هكذا - بين أشداق مؤرخين مأجورين من ذوي الأقلام التي فعل بها حب الدنيا فعل السحر الحلال!. (فلعلك باخع نفسك علي آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) [315] . و (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) [316] برأيك.. و لو كان حقا، سديدا، رشيدا؟. لا، لا تزعج حالك بالبرهنة لمن لا يريد الاقتناع برأيك، و لا تذهب نفسك حسرات علي أحد. لأننا نريد من الآخرين ايمان اختيار، لا ايمان اضطرار، و قد قال سبحانه في محكم كتابه: (انا جعلنا ما علي الأرض زينة لها، لنبلوكم أيكم أحسن عملا) [317] و الأرض و زيتها: امتحان للعباد. فما همك لو تركت كلا و هواه ليسقط من يسقط في الامتحان، و يفوز من يفوز، بعد أن بشرت و أنذرت؟!. لقد كان الجواد عليه‌السلام علي خط السماء، و سيرة من مضي من هذه الشجرة المباركة الطيبة. و ما كان في حسبانه أن ينتظر موافقة أحد منا خطة سير عمله. و لا كان في اطار التقويم أن تعلل أعمال أولياء الله و صفوته.. لأن أولياء الله يكونون دائما علي الحق و معه و له، و لو خالفه سائر العالمين. و لم يأل الامام عليه‌السلام جهدا أيام حياته - في تثبيت المؤمنين، و الاعتراض [ صفحه 190] علي المارقين، و صد الفسقة و المخاريق، و هتك أهل البهتان.. يصحح، و يقوم.. و لم يقف بوجهه ما اعتور طريق مسيرته من فتن و حروب، و من منافسات مذهبية، و سورات جدلية كانت تمنع من حمل الناس علي العدل و قول كلمة الفصل التي تردهم الي جادة الصواب. فماذا يراد منه فوق هذا، حتي يعترف الناس بأنه كان «موجودا» - ثابتا وجوده - في ذلك المجتمع الذي سيطر فيه الفساد علي الحكم الاسلامي؟. هل يطلب منه أكثر مما طلب الله تعالي من جده الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم حين قال له تبارك و تعالي: (و اتبع ما يوحي اليك من ربك): [318] (انا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا) [319] . فاتبع ما أوحي اليه، و بشر و أنذر، و كان شاهدا علي الناس بعد التبشير و الانذار، و لم يرفع سيفا علي ناطق بالشهادتين، بل عمل بقوله عز و جل: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل اذا اهتديتم).. [320] . فلم تذهب نفس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حسرات علي الضالين، و لا ضره من ضل، و لا كانت سيرة حفيده الجواد عليه‌السلام الا كسيرته: في الشهادة علي الظلمة، و في التبشير و اذاعة أحكام الله، و في الانذار بعد الاعذار، و لم يتوان عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر قط.. حتي في مجلس «الخليفة» و لفيفه. [ صفحه 191] أما هل أكره قومه علي أن يكونوا مؤمنين؟. فالجواب: لا. لأن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «لا أبالي بمن خالفني اذا وافقني، و لا أحفل بمن خذلني اذا وازرني، و لا أكثرت بمن ازور عني اذا ساعدني» [321] . فما هم سيرة امامنا عليه‌السلام عمش العيون.. اذا لم يروا، و لا أقلق خاطره صم الآذان.. اذا لم يسمعوا، و لا ضاره أبواق ظالميه اذا ولوا مدبرين.. و رضوا بضلالهم المبين.. [ صفحه 193]

قرآن و استهجان.. و امتحان لترجمان القرآن‌

كان تزويج بنت المأمون من الامام الرضا عليه‌السلام تجربة ناجحة للفتك بالامام. فليكررها ذلك «المأمون» مع ابنه الجواد عليه‌السلام، ليصل به الي ما وصل اليه مع أبيه.. من قتله و بكائه!. فقد عرف أنه يمكن أن يكون هذا الصبي مل‌ء مركز الولاية منذ طراوة عوده؟. و أنه كانت له شخصية «الامام» و هيبة «خليفة رسول الله» صلي الله عليه و آله و سلم، و علمه و معرفته بالقرآن و السنة.. ثم خاف أن يحس المسلمون «بوجوده» و بكونه حجة لله علي الأرض.. اذ عرف مميزاته عن الآخرين من فقهاء زمانه؟!! هذه أمور أخذت تراود ذهن الخليفة «القناص» الذي كان نيقدا فذا لا تجد أمهر منه اذا وقف علي و ضم التشريح.. و لكن المأمون - بزعمي - كان «غير مأمون» حتي علي عقيدته التي كان يدين الله تعالي بها!. فقد كان مسلما يعبد ربه علي حرف، و خليفة أعمي بصيرته الملك.. [ صفحه 194] و ها هو قد قطع يقينه أن الجواد امام و ان كان صغيرا - لأنه يراه - فيما بينه و بين نفسه - مصداقا لما قاله سيد الشعراء - المتنبي: و تسعدني في غمرة بعد غمرة سبوح، لها منها، عليها شواهد حيث ان الوقائع تزدحم علي فكره فيضيق بها، و تتوالي علي خاطره فيعجز عن احتوائها، و تنثال علي قلبه فيحار.. و يقع وسط اعصار!. فقد مررت - يا قارئي - بآيات بينات أتي بها الامام عليه‌السلام عبر مراحل طفولته، و صباوته، و فتوته - و ستمر بأكثر تحت عنوان مستقل - و هي ان دلت فانما تدل علي طفل ذي عجائب. و صبي - غلام ذي غرائب، و فتي ذي معاجز لا يتيسر تعليلها الا عن طريق الايمان بالله قادرا، مقدرا حكيما.. و كلها لم تخف علي المأمون ذي الذكاء الوقاد.. سمع أنه - رضيعا - يكلم الناس في المهد، فيبهر السامعين. و أنه - قبل السنتين من عمره -.. يقرأ رسائل أبيه عليهماالسلام، و يعمل بمقتضاها في مجاله الاجتماعي. و أنه حين يدرج نحو الفتوة، لا تأخذه الصبوة و طيش الغلمان، بل يتصدر مجلسه الذي يدلف اليه مشايخ بني‌هاشم و غيرهم من الأعيان و الفقهاء.. فيقول فيهم، و قوله فصل، و يحكم فحكمه الحق، و يزار كما يزار أكابر الأكابر، و يزن المتكلمون بين يديه كلامهم وزن من يفقد الثقة بنفسه في حضرة امام.. و أنه اذا خرج من بيته الي رحاب الحياة الاجتماعية، خرج بحرا زاخرا يتدفق العلم من حافتيه، و تدور بلاغة القرآن علي لسانه و شفتيه، فيري عدل القرآن.. و تستوي له أحكام السنة، فيخال أنه المشرع من لدن الرحمان!. و لا تعجب.. فانه أعجب. و أنا - حين أبذل قصاري جهدي و جل ما عندي من نعت و بيان - أبقي دون ما يمكن أن يقال فيه. اذ لا يمكن أن يقال فيه، حقيقة ما هو فيه.. [ صفحه 195] و لا يدرك الفهم، و لا القلم، شأو ما هو عليه، لأن أفعال الله تعالي، لا يقدر شارحها علي شرحها بأكثر من الميسور. فمذ دخل الامام الفتي عليه‌السلام بغداد في عهد أبيه - و هو في السادسة من عمره [322] - لم تخف مواهبه علي أحد، فضلا عن أنها لم تخف علي «الخليفة المأمون» الذي كان من أفهم أهل زمانه و أذكاهم.. فرصد ابنته «أم‌الفضل» له من ذلك الحين!. ثم ألتقاه «الخليفة» بعد ذلك بسنتين - عقيب و وفاة أبيه - واقفا مع صبيان من أبناء جيله، حين كان بطريقه الي الصيد في بعض رحلات لهوه و زهوه.. و مذ عرفه أخذ علي نفسه أن يحتويه من أول عهد تفتحه ليسد عليه آفاق الظهور و منافذ الانطلاق في ممارسة «وظيفته» التي اختاره الله تعالي لها، و منحه جميع مقوماتها و مستلزماتها.. ذاك أن ديدن المأمون لم يتغير من مناصبة العداء للهاشميين «لقطع» نسل بيتهم الذي لا بد أن يرهص عن «مهدي» يقطع دابر الظلم، و يبيد الكفر، و يقيم حدود الله بعد أن تندرس علي أيدي «خلفاء» رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الحائدين عن شرع الله الذي نزل في قرآنه و سنة نبيه، بدءا من الأمويين و العباسيين، و انتهاء بمن خلفهم و يخلفهم. نعم.. منذ وقف الامام الفتي - عملاقا خطيرا خطرا - في طريق المأمون و رجال حاشيته - بعد أن فر الصبية و هربوا من طريقه - قرر الخليفة الوقوف في طريق «امامته» التي عرفها من فم أبيه الرضا عليه‌السلام قبل ذلك ببضع سنين.. [ صفحه 196] ذلك أنه قد «اجتاز المأمون بابن الرضا عليه‌السلام - بعد موت أبيه، و هو دون الثامنة من عمره - و كان في الطريق، فقال المأمون: مالك لا هربت في جملة الصبيان؟. قال: مالي ذنب فأفر منه، و لا الطريق ضيق فأوسعه عليك. سر حيث شئت. فقال: من تكون أنت؟. قال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. فقال: ما تعرف من العلوم؟! قال: سلني عن أخبار السماوات. فودعه و مضي - و في نفسه شي‌ء.. و في صدره غليان - و كان علي يده باز أشهب يطلب به الصيد. فلما بعد عنه نهض عن يده الباز، فنظر يمينه و شماله فلم ير صيدا، و الباز يثب عن يده. فأرسله فطار يطلب الأفق حتي غاب عن ناظره ساعة، ثم عاد اليه و قد صاد حية. فوضع الحية في بيت الطعم و قال - أي المأمون -: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي. ثم عاد و ابن‌الرضا عليه‌السلام في جملة الصبيان، فقال: ما عندك من أخبار السماوات؟. فقال عليه‌السلام: نعم، يا أميرالمؤمنين. حدثني أبي، عن آبائه، عن النبي، عن جبرائيل، عن رب العالمين أنه قال: بين السماء و الهواء بحر عجاج يتلاطم به الأمواج، فيه حيات خضر البطون رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن به العلماء - أي الأئمة -. فقال: صدقت، و صدق أبوك، و صدق جدك، و صدق ربك. فأركبه، ثم [ صفحه 197] زوجه أم‌الفضل» [323] . و روي ابن‌حجر الهيثمي هذه القصة في كتابه: الصواعق المحرقة - الذي كتبه للرد علي معتقدات الشيعة الامامية بالخصوص - علي الشكل التالي: «و مما اتفق أنه بعد موت أبيه بسنة واقف و الصبيان يلعبون في أزقة بغداد، اذ مر المأمون ففروا و وقف محمد و عمره تسع سنين. فألقي الله محبته في قلبه فقال له: يا غلام، ما منعك من الانصراف؟. فقال له مسرعا: يا أميرالمؤمنين لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، و ليس لي جرم فأخشاك، و الظن بك حسن أنك تضر من لا ذنب له. فأعجبه كلامه و حسن صورته فقال له: ما اسمك و اسم أبيك؟. فقال: محمد بن علي الرضا. فترحم علي أبيه و ساق جواده. و كان معه بزاة للصيد، فلما بعد عن العمار أرسل بازا علي دراجة، فغاب عنه ثم عاد من الجو في منقاره سمكة صغيرة و بها بقاء الحياة فتعجب من ذلك غاية العجب. و رأي الصبيان علي حالهم و محمد عندهم، ففروا الا محمدا. فدنا منه و قال له: ما في يدي؟. فقال: يا أميرالمؤمنين، ان الله تعالي خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بازات الملوك و الخلفاء، فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفي. فقال له: أنت ابن‌الرضا حقا. و أخذه معه و أحسن اليه و بالغ في اكرامه فلم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله و علمه، و كال عظمته، و ظهور برهانه مع صغر سنة» [324] . فقول المأمون: أنت ابن‌الرضا حقا، يدل علي أنه تأكد من أنه وارث أبيه في الامامة، و أحد أهل بيت النبوة المرصودين - من لدن الله تبارك و تعالي - «لولاية» أمور الناس بعد رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 198] و قد كان يعلم أنه ابن‌الرضا حقا و حقيقة من حيث البنوة.. و يشك - الي حد - في كونه ابنه المختار لمواريث السماء. فاتضح له ذلك بالبرهان.. فليأخذه اليه بكلتا يديه لئلا يفلت من «قبضته الحديدية» و الفرصة مؤاتية «لأسره» و النظر في أمره!. و ليكرر معه الدور الذي مثله مع أبيه: من حب له فاض به قلبه فجأة.. الي تقريب، فاكرام، فانعام، فالي ترويج، فتزويج «فولاية تهريج».. يتبعها قتل في نهاية المطاف.. يدل علي ذلك قوله: «قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم علي يدي»!. أي أنه سيلحقه بأبيه الذي لقي علي يديه الشذا و الأذي.. و نحن لا نخترع و لا نبتدع، و لا نحرف.. بل نورد ما قاله، و ندينه من فمه. و الا فما تفسير هذا الحب الذي تفجر من قلب «خليفة كبير» لصبي صغير وقف ناظرا للعب أترابه؟!. ثم ما معني شغفه به و هو ابن ضرة بنته «الأميرة العاقر» بنت أميرالمؤمنين؟!!». فوالذي برأ النسمة ما أحب قلب رجل ابن ضرة بنته العاقر، و الضرة أم‌ولد - مملوكة.. فكيف و بنته سلطان البلاد و حاكم العباد!. اللهم الا اذا كان حبه له توليا له و اعترافا بامامته المفروضة من السماء، المنصوصة من خاتم الأنبياء، و هذا ما يبعد عنه المأمون بعد الأرض عن السماء. ربما كانت نباهة الصبي قد اجتذبت قلب المأمون.. و لكن رغبته في تطويقه - قبل أن تبعده عنه الأقدار - قد شدته اليه.. فأحب فيه هذا النبوغ المتفتح؛ و من الحب ما قتل.. المحبوب!.. و ما يجول في صدور بعيدي النظر - كالمأمون - أمر يؤبه له. كما أن قول المأمون «للامام الفتي»: «صدقت و صدق أبوك و صدق جدك» هو تكذيب سافل، مبطن بتصديق سافر، و لا يحمل غير معني التكذيب له و لأبيه [ صفحه 199] و لجده «ضمنا» اذ أنه يخطط للبعيد البعيد.. أي ليوم يقتل فيه «الامام الفتي» و يعتبر بريئا من دمه «علنا» براءة الذئب من دم يوسف عليه‌السلام. و المأمون هو ابن أبيه.. و هو من الزمرة المتربعة علي كرسي الحكم و الظلم، ترصد كل ما يناوي‌ء دعوتها، و يهدد كيانها، و يهدم مستقبلها.. و هو أمهر الراصدين.. و أكثر حنكة من أبيه و اخوته لأنه ذو أحابيل و ذو عقابيل. و قد يسأل سائل عما حمل الامام عليه‌السلام، علي الاذعان للأمر الواقع، و الانقياد الي أمر يعرف عقباه؟. أو كيف مشي الي مصير هو عالم حق العلم بأنه ملاقيه؟ و هل يقتنع عاقل بأن «اماما» عارفا، يمضي مع عدوه الي آخر الشوط الذي يعلم نهايته؟. هذه التساؤلات - و ما شابهها - في غاية الوجاهة. و هي تستحق العناية و الاجابة عليها لولا أنه «امام» و حجة علي الخلق، مضي علي ما مضي عليه جده أميرالمؤمنين عليه‌السلام حين برز الي مضجع قتله في مسجد الكوفة، و جده الحسين علي السلام يوم خرج الي مصرعه في كربلاء، و غيرهما من آبائه الذين اجترعوا السم، و كلهم - كلهم - عالمون بذلك، مذعنون لمشيئة الله عز و جل. فالأئمة محل بلاء الله و اختباره، كرسله.. ابتلي بهم الظالمون، و امتحن أصحاب الظنون، و ظل عن معرفة سرهم و فلسفة تصرفاتهم الجاهلون. و قد قال امامنا نفسه عليه‌السلام: «الصبر علي المصيبة، مصيبة عند الشامت بها» [325] . فأجاب بقوله هذا علي خلفية السلبيات في هذه التساؤلات التي تزدحم في أذهان جهلة أمره، و محا بقوله علامات الاستفهام و شارات التعجب التي ترتسم في مخيلات [ صفحه 200] الشاكين و المرتابين، حين يرونه صابرا علي العيش مع أعدائه، ذهابا من السلطان المتربع علي قمة هرم العداوة، و وصولا الي زوجته التي يفترشها الأرض - في سفح الهرم - و هو يعلم أن «ذاك» أو «هذه» أو «هما معا» سيقتلانه. انه ولي لله يغيظ نفوسهم، و يجثم علي صدورهم. و ترتعد منه فرائصهم، و تتقلقل أركان سلطانهم حين لا يداريهم في الجهر بالحق!. ثم يبوؤون بالخزي، و العار، و الشنار.. و النار، و غضب الجبار، حين تتلطخ أيديهم بدمائه الزكية.. و يكون بينهم اماما.. و يموت بأيديهم اماما.. و يبقي اماما، و حجة لله و وليا له «حيا و ميتا».. فهم - معه - حائفون!. و هم - بعد قتله - معتدون - ظالمون.. يحيون و جلين.. و يموتون خاسرين للدنيا التي لم يخلدوا فيها، و للدين الذي ضيعوه، و للآخرة التي هم في موقفها سامدون حيث (لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل)! [326] فيتلقاهم (ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، و يفعلون ما يؤمرون) [327] . فالسياسة التي كانت متبعة مع الهاشميين من قبل الحكم الاسلامي لم تتبدل منذ لحوق النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالرفيق الأعلي. و هي سياسة افقار و تضييق يؤدي أولا الي الاقامة الجبرية أو الحبس، ثم ينتهي بالعنف الذي يصل الي القتل، حتي لكأن ذرية النبي صلي الله عليه و آله و سلم كانت غريبة عن الاسلام، عدوة للمسلمين، محاربة لرب العالمين، أو لكأنها دخيلة علي الاسلام من الترك أو الديلم!. لا بل ان الترك و الديلم قد تحكموا ببعض الخلفاء، و لعبوا بعروشهم، و عزلوا و ولوا من أرادوا، و صرفوا المآل، و قتلوا الرجال، و قادوا الجيش و حكموا الناس و زووا الخليفة في قرنة قصره حتي قيل فيه: خليفة في قفص بين «وصف» و «بغا» يقول ما قالا له كما تقول الببغا!. [ صفحه 201] في حين أن الاسلام لم يفرق بين عربي و عجمي، تركيا كان أو ديلميا، هنديا أو صينيا، شرقيا أو غربيا.. فياليت البيت الهاشمي كان تركيا أو ديلميا!. اذن للقي من المسلمين خيرا مما لقي، و لعاش أهل البيت عليهم‌السلام مسلمين مع المسلمين، و لكانوا في منجي من ظلم الحاكمين المسلمين!. أفكان هذا جزاء محمد صلي الله عليه و آله و سلم في عترته - أهل بيته؟!! قد طلب النبي صلي الله عليه و آله و سلم من المسلمين أن يوادوا قرابته.. فحادوهم!. و أوصي أن يحفظوه بحفظهم.. فقتلوهم!. و رغب في حبهم.. فقلوهم و أبغضوهم!. و ركز - طيلة عهد رسالته و دعوته - علي توليهم.. فأنكروهم، «و أبعدوهم»! فكيف تتلقي مسلميك في يوم الدين، أيها الرسول الأمين؟؟ صدقوني أن الجواب لا يخفي علي أحد.. و بهذا المنطق - و من هذا المنطلق - خطب الخليفة الامام لنفسه قبل بنته، سواء أشغفه حبا أم‌مجه كرها.. فقربه و أدناه، و حدب عليه وراعاه، و صار اذا كلمة تفداه!. ثم تعشقه كما تعشق أباه، و رفعه علي سائر فقهاء عصره، و علي أقرب المقربين في قصره، بعد أن رأي فيه «الولد» الموعود الذي كان ذكره يدور علي لسان أبيه الرضا عليه‌السلام، فاكتنفه - علنا - ليبعده عن أي تطلع شعبي أو أي نشاط اجتماعي، سرا و جهرا. ثم (فكر - مغيرة ذلك العصر - و قدر، فقتل كيف قدر - لهذا الامام الفتي -. ثم قتل كيف قدر - قتله كما قتل والده، ثم نظر - متأملا بمستقبل الفتي - [ صفحه 202] ثم عبس و بسر) [328] حين قدر أنه فتي حري باستقطاب الناس!. فتصيد فكره - اللاهث وراء اجتثاث أصول هذه الأسرة الشريفة - أمرا خطيرا.. اذ قرر تجنيد المرأة مرة أخري بزفاف ابنته الصغري للامام الفتي، كما جند أختها الكبري لأسر أبيه و اغتياله داخل بيته، قبل أن يخرج الي المجتمع و يستقطب المسلمين... و ان سربال «ولاية العهد» - الذي خلعه علي «الأب» حين أراد، و نزعه حين شاء - لا يزال محتفظا به.. فليلبسه «للابن» بعد احكام خطة الزواج أولا.. فقد تعلق بالامام «الأب» من قبل.. و أدناه، و قربة.. «فولاه»! ثم أبعده.. و نحاه.. و لحق به، و قدم له العنب المسموم، فأراده، في منفاه!. و بكاه بدموع التماسيح.. و تفداه!!! [329] . [ صفحه 203] نعم، جاء دور المرأة - حبالة الشيطان و أبرع جنوده!. و بواسطتها يربح «خليفة العصر» المعركة من أحد طرفيها: فاما أن يصير الامام صهرا مواليا للعرش فلا يرفع ناظره الي ما فوق حاجبيه، و يرضي بأن يقبع في يثرب مغمورا بهدايا العرش و عطاياه.. و هذا مستحيل. و اما أن تقوم «السفيرة الصغيرة» بالوظيفة التي أعدت لها «أختها الكبيرة!». فتدوف السم للامام في الشراب أو الطعام، و ينتهي الفصل الثاني من رواية «المأمون» مع الأب و الابن، علي يدي الأخت و أختها: الابليستين الرجيمتين!. و مذ أذاع الخليفة السر - و الامام دون التاسعة من عمره - فار التنور.. و التهبت الصدور، و ورمت الأنوف، و أخذ دم العروق بالغليان.. و أوشك أن يثور البركان!. فما في كل مرة تسلم الجرة.. و لا العباسيون يأمنون لدخول هاشمي قوي الي قصر الخلافة من جديد بعد أن تخلصوا من «ولاية العهد» للرضا عليه‌السلام.. فلا بد - اذن - من معارضة «الخليفة» في الزواج الجديد!. .. و لن أدع صبر القاري‌ء ينفد بانتظار معرفة ما جري. بل سأنقله الي ذلك الجو ليري الصورة التي وصفها ابن‌شبيب الريان، و علي بن ابراهيم الهاشمي، بقولهما: «غلظ الأمر - أمر الزواج - علي العباسيين و استنكروه، و خافوا أن ينتهي الأمر مع المأمون الي ما انتهي مع الرضا عليه‌السلام من «الولاية». فخاضوا في ذلك.. و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، و لا يعرف [ صفحه 204] فريضة من سنة، و لا يميز بين الحق و الباطل؟!. فلو صبرت عليه حتي يتأدب و يقرأ القرآن، و يعرف فرضا من سنة. فقال المأمون: و الله انه لأفقه منكم، و أعلم بالله و رسوله، و سننه و فرائضه و حلاله و حرامه منكم، و أقرأ لكتاب الله، و أعلم بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و ظاهره و باطنه، و خاصه و عامه، و تأويله و تنزيله منكم!. فاسألوه، فان كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم في أمره، و ان كان الأمر كما قلت، علمتم أن الرجل خير منكم. فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن‌الرضا، فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز و جل، و ينزع منا عزا قد ألبسنا الله!. و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم و التصغير بهم.. و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا - عليه‌السلام ما علمت، فكفانا الله المهم من ذلك. فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا!. و اصرف رأيك عن ابن‌الرضا، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره. فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي‌طالب فأنتم السبب فيه. و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي منكم. و أما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك!. و الله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا عليه‌السلام. و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي، فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا. و أما «أبوجعفر» فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل، في العلم و الفضل، مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك!. و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه. فقالوا: ان هذا الفتي، و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة و لا فقه. فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال المأمون للائميه: ويحكم!. أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من [ صفحه 205] هذا الخلق؟. أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما طفلان؟. أو لم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!! ويحكم!. اني أعرف بهذا الفتي منكم. و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه.. لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب، عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال. فان شئتم فامتحنوه بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله [330] . قالوا: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه. فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي‌ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك في معناه» [331] . - و سكتوا عند هذا الحد.. و صمتوا، و صمت المأمون بعد هذا المواجهة الشرسة، وخيم جو الجدية الذي يعلم الله تعالي - وحده - ما يتمخض عنه ذلك الامتحان من نتائج. و لكن الله غالب علي أمره، و الحق أبلج.. يعلن عن نفسه.. و قد تهيأ الأمر لظهور مواهب الله تبارك و تعالي لأهل هذا البيت الكريم المبرئين من كل دنس!. «و قد قال المأمون لجماعته بعد اطراقة قصيرة: شأنكم و ذلك متي أردتم» [332] . [ صفحه 206] فانفرط عقد المجلس المنافق.. و اجتمع رأي «أبالسته» علي مسألة يحيي بن أكثم - الذي كان يومئذ قاضي القصر - علي أن يسأل الامام أباجعفر عليه‌السلام مسألة لا يعرف الجواب فيها. و كان ذلك.. و وعدوه بأموال كثيرة.. و بهدايا نفيسة علي مبادرته. ثم رجعوا الي المأمون و طلبوا منه أن يعين لهم يوما للمناظرة - الامتحان فأجابهم الي ذلك. و قد قدر الله تبارك و تعالي اظهار حجته في أرضه: عملاق حق.. بين أقزام باطل. و تعين الموعد زمانا و مكانا.. و في قصر الخلافة - في الوقت المقرر - جي‌ء بالطبخة و الطهاة.. و علي رأسهم شيخ الطباخين - رئيس قضاة البلاط اللواط.. [333] . [ صفحه 207] و لكن «الشيخ» لم ينعم بالرئاسة طويلا، لأن هيبة الامام عليه‌السلام محت «مشيخته»، و كسفت بياض عمامته، و مسحت هالة قداسة الدين عن وجهه.. و مسخت جثة قاض نبت لحمه علي أطايب القصر.. فذاب ورم الشحم، و تقوقع الهيكل الخاوي في قرنة!. و برد و هج الغرور.. من صدور شهود الزور!. اذ أشرقت طلعة أبي‌جعفر عليه‌السلام علي المجلس و من فيه من الكبراء.. و هو ابن تسع سنين و أشهر معدودة.. فاهتز المجلس و من فيه.. و اصطفقت أركانه و اضطرب ايوانه.. الي أن استقر الامام في صدر المكان، علي فراش وثير بين مسورتين.. فبدا مهيبا، شامخا، ذا رزانة و وقار، و هيبة ليست لغير الأنبياء!. فجمد دم الحاضرين.. و أخذهم مثل الافكل.. بين يدي ذلك «السيد العزيز.. و قروا قرار العبيد»!. و جلس المأمون - متأدبا - في دست متصل بدست الامام عليه‌السلام. وقعد «قاضيهم» مطأطي‌ء الرأس.. كاسر النظر - بين الشهود العدول - و لم يرتفع نظره الي سدة الممتحن المسؤول.. الي أن أشير له، فقال بصوت متهدج: [ صفحه 208] «يأذن لي أميرالمؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟. فقال المأمون: استأذنه في ذلك. - فازدادت الهيبة و الرهبة.. و تعقد الموقف، و تغضنت الجباه الناقمة. فتوجه يحيي بن أكثم الي الامام عليه‌السلام و قال: أتأذن لي، جعلت فداك، في مسألة؟. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: سل ان شئت. قال يحيي: ما تقول، جعلت فداك، في محرم قتل صيدا؟. فقال الامام عليه‌السلام، علي البديهة: قتله في حل أو حرم؟. عالما كان المحرم، أو جاهلا؟. قتله عمدا، أو خطأ؟ حرا كان المحرم، أو عبدا؟. صغيرا كان، أو كبيرا؟. مبتدئا بالقتل، أو معيدا؟. من ذوات الطير كان الصيد، أم من غيرها؟. من صغار الصيد، أم من كبارها؟. مصرا علي ما فعل، أو نادما؟. في الليل كان قتله، أم في النهار؟. محرما كان بالعمرة اذ قتله، أو بالحج كان محرما» [334] . ففرع عن السؤال أحد عشر اشكالا تقتضي حوالي عشرين فتوي ربما كان جناب «القاضي» لا يعرف الا بعضها القليل. [ صفحه 209] و لذلك أخذ سربال الجلالة ينكشط عن حضرة القاضي، و أخذت «صرر المال» الموعود بها، تذوب تباعا أمام ناظريه، و أرتج عليه برتاج صفيق.. و بان في وجهه العجز و الانقطاع.. و لجلج «قاضي الأرض» حتي بان لأهل المجلس عجزه و جهله بين يدي «قاضي السماء»!. و خنس جهل قضاة السلاطين الحاكمين.. أمام علم قاضي أحكم الحاكمين!. و بؤسي لشهود الزور، و نعمي للذرية التي زكاها الله بالتطهير!. .. فقال المأمون - بعد استغلاق القول علي قاضيه، و بعد انبهار أعوانه و ذويه -: «الحمد لله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي. ثم نظر الي أهل بيته «الكرام» و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!! ثم أقبل علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فقال: أتخطب يا أباجعفر؟. اخطب لنفسك جعلت فداك، و أنا مزوجك أم‌الفضل - ابنتي - و ان رغم قوم لذلك!. فقال عليه‌السلام: نعم، يا أمير المؤمنين» [335] . و في صبيحة اليوم التالي روي الخليفة في مجلسه، و رجال حاشيته من حوله - و كان يتصدر المجلس الفتي العريس.. نعم العريس في ذلك العمر المبكر - فافتتح الخليفة الكلام بقولة بليغة فوجي‌ء بها الحاضرون، و اضطربت لها الأسرة العباسية، اذ قال: [ صفحه 210] «الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته، و لا اله الا الله اقرارا بربوبيته، و صلي الله علي محمد عبده و خيرته. أما بعد: فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة. ألا و اني قد زوجت «زينب» ابنتي من محمد بن علي بن موسي، الرضا. و أمهرناها عنه أربعمئة درهم» فخيم وجوم هائل علي الحضور.. و صعقوا للمفاجأة!. .. و قطع الوجوم نهوض العريس الفتي ليقول: «الحمد لله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته. و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء من عترته. أما بعد: فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم، ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، و الله واسع عليم) [336] . ثم ان محمد بن علي بن موسي، يخطب أم‌الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد. و هو خمسمئة درهم جيادا. فهل زوجتني يا أميرالمؤمنين بها، علي هذا الصداق المذكور؟. فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا أباجعفر أم‌الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟ قال أبوجعفر عليه‌السلام: [ صفحه 211] قد قبلت ذلك و رضيت به» [337] . و هجمت مظاهر الأفراح.. حين انفجر بركان آخر.. من نوع آخر، ذي طغيان، اذ برزت معالم العرس الملوكي.. و انطلقت حناجر خدم القصر تقلد الملاحين، اذا جروا في باحة القصر سفينة مصنوعة من الفضة، مشدودة بحبال من الابريسم.. تسير علي عجلة.. و هي مملوءة بالطيب و العطور.فأمر المأمون الخاصة بالتطيب.. ثم أمر من بعدهم العامة بذلك. و تلا ذلك تقاطر الي ما حول الموائد الشهية، و الولائم الفاخرة التي صفت في ردهات القصر، فأكل الجميع بعد أن تطيبوا و تعطروا. ثم خرجت بعد الفراغ من الأكل، هدايا و جوائز لتوزع من الغد بحسب مراتب الناس و أقدارهم. .. و اذ حان الموعد، اجتمع الناس و سائر القواد و الحجاب، و الخاصة و العامة، للتهنئة و التبريك.. فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة.. فيها بنادق مسلك و زعفران.. معجون في أجوافها رقاع مكتوبة: بأموال جزيلة، و عطايا سنية، و اقطاعات عقارية.. أمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة يخرج الرقعة التي فيها، و يفوز بما كتب له في الصك!. [ صفحه 212] ثم وضعت البدر.. فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، فانصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا، ثم فاضت أريحية المأمون فتقدم بالصدقة علي كافة المساكين، و كان عرس.. قل نظيره في العالمين» [338] . أجل، كان عرس تجلي فيه البذخ و السرف، و فاض فيه السرور، و الحبور، و كان قران امتحان.. لسفير الرحمان.. و ترجمان القرآن!. و ثم زواج نادر المثال في مراسم الفخامة و الضخامة و الأبهة و البذخ و البذل غير المحدود!. و ما دري أحد - غير الامام عليه‌السلام - أنه تم اغتيال الامام، و وضع في قفص - هو بالحقيقة - للاتهام، و ان كان ذهبي الاخراج!. ذاك أن القران - بحد ذاته - كان قران لعبة سياسية مفضوحة، ينتظر المأمون أن يجي‌ء فيها حساب الحقل علي حساب البيدر!. و أنه امتحان فقهي، ذهبت فيه تخمينات عباسيي الخليفة أدراج الرياح، اذ كان امتحانا خلقيا.. سقطت في خلقية الحكم، و فقاهة قضاة القصر. بل هو امتحان انساني.. رسب فيه «سيد القصر».. و ارتفع فيه الامام الي مصاف الصفوة من الأولياء، و الأنبياء، و الرسل!. لأنه دخل الي قصر الظلم.. ليفضح الظالمين.. أما ذنب الامام - و مبرر اغتياله - فهو كونه اماما «يقينا» من أئمة أهل البيت [ صفحه 213] الهاشمي الألي تولي الحاكمون ابعادهم عن الناس، و عزلهم عن مراتبهم.. بالقتل!. و الذي يلفت النظر في مظاهر هذا العرس، أن «خليفة المسلمين» يبذر «مال المسلمين» و يهب أرض خراج المسلمين الي القواد و الأعوان و الممكنين له سلطانه، في حين «أن أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، كان يكنس «بيت المال» كل يوم جمعة - بعد أن يكون قد قسم جميع ما فيه علي مستحقيه، و حرم نفسه -، ثم ينضحه بالماء بعد الكنس، ثم يصلي فيه ركعتين، ثم يقول: تشهدان لي يوم القيامة» [339] . فلم يكن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ليستأثر بشي‌ء من «مال المسلمين» لنفسه بل لم يكن يدع يوم الجمعة التالي يأتي و في «بيت المال» شي‌ء، و في الناس ذو حق.. و ما قسم المال علي الحاشية و لا علي الأقرباء أيها «المأمون» علي أموال الأمة، و لا علي الأعوان!. و ما من أحد في المخلوقين يملك ناصية الايمان الا الامام عليه‌السلام، لأنه النبراس السماوي الذي يستضيي‌ء به رواد الاسلام و الايمان في أرض الله. و مضي نهار العرس قصيرا.. لأنه ضاق بما جري فيه من معالم الفرح!. و لكنه لم تغب شمسه الا و قد أصبح الخيط بأيدي النساء.. و النساء اذا أمسكن خيوط الحبك، و وقفن علي خط الأحداث، أحكمن لعبة التحريك!. فسريعا ما نهضت عمة العروس رافعة رأسها.. بارزة الي الميدان، لتمارس حبكة النسوان.. فأرسلت بياسر - خادم القصر المقرب - ليستأذن علي الامام العريس و يقول - بحسب رواية أبي‌هاشم بن القاسم الجعفري -: [ صفحه 214] «يا سيدنا، ان سيدتنا أم‌جعفر - أخت المأمون - تستأذنك في المصير الي «ستتا» أم‌الفضل. فقال الامام - عليه‌السلام - للخادم -: قل لها: أقبلي علينا بالرحب و السعة. و وافت أم‌جعفر، فاستأذنت عليه قبل استئذانها علي أم‌الفضل، و دخلت فسلمت عليه و استأذنته في الدخول علي زوجته.. ثم ما لبثت أن عادت اليه و قالت له: يا سيدي، اني أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد، فتقر عيني و أفرح، و أعرف أميرالمؤمنين اجتماعكما، فيفرح. فقال - عليه‌السلام -: ادخلي، فاني علي الأثر. فدخلت. و دخل الامام عليه‌السلام، و الستور تشال بين يديه.. ولكنه، ما لبث أن خرج راجعا و هو يقول: (فلما رأينه أكبرنه!.) [340] ثم جلس. و خرجت العمة - مذعورة للمفاجأة - تتعثر بذيول الخيبة لفرط الدهشة، ثم قالت: يا سيدي، أنعمت علي بنعمة لم تتمها بالجلوس؟!. فقال عليه‌السلام: (أتي أمر الله فلا تستعجلوه..) [341] انه حدث ما لا يحسن معه الجلوس، فارجعي الي أم‌الفضل فاستخبريها عنه، فانه من سر النساء. - ذلك أن العروس أخذتها الدهشة من هيبة الامام عليه‌السلام، وصعقها جماله و شعاع هالة النور المحيط بطلعته المشرقة، فجاءها ما يجي‌ء النسوان في غمرة هذه المفاجأة المذهلة، و أصابها ما أصاب «صويحبات يوسف» عليه‌السلام من قبل.. فتقطعت نياط قلبها و حدث ما لا حكم لها عليه!. و دخلت عليها العمة، و عادت خائبة.. لأن العروس اعترفت لها بما قاله عنها الامام عليه‌السلام، و قالت: يا عمة، و ما أعلمه بذاك مني؟!! [ صفحه 215] فقالت لها: و ما هو يا بنية؟. ظننت أنه رأي في وجهك كرها، فرجع!. قالت: لا و الله يا عمة ما رأي كرها.. و لكن، كيف لا أدعو علي أبي و قد زوجني من ساحر؟!. فقالت لها عمتها: لا تقولي هذا القول، فليس رأي أبيك فيه، و لا في أبيه قبله، رأيك، فما الذي حدث؟!. قالت أم‌الفضل - العروس -: و الله، يا عمة، انه لما طلع علي جماله، حدث لي ما يحدث للنساء. فضربت يدي الي أثوابي و ضممتها!. فبهتت العمة من قولها، و خرجت توا فدخلت علي الامام عليه‌السلام، و قالت: يا سيدي، تعلم الغيب!. قال: لا. قالت: فنزل اليك الوحي؟. قال: لا. قالت: فمن اين لك علم ما لا يعلمه الا الله، و هي؟!! قال: و أنا أيضا أعلمه. من علم الله علمنا، و عن الله نخبر. قالت: يا سيدي، و ما كان اكبار النسوة اللواتي خرج عليهن يوسف؟. قال: هو ما حصل لأم الفضل من الحيض» [342] . «ثم لما كان ضحي النهار التالي لليلة الفرح، كان أول المهنئين للامام عليه‌السلام، أبوهاشم الجعفري الذي دخل عليه و قال: يا مولاي، قد عظمت علينا بركة هذا اليوم. فقال عليه‌السلام: يا أباهاشم، عظمت بركات الله علينا فيه. قال: نعم، يا مولاي. فما أقول في اليوم؟. فقال: تقول فيه خيرا، فانه يصيبك. [ صفحه 216] قال: يا مولاي، أفعل هذا و لا أخالفه. قال عليه‌السلام: اذا ترشد و لا تري الا خيرا» [343] . و قال الحسين المكاري: «دخلت علي أبي‌جعفر ببغداد و هي علي ما كان من أمره - أي من النعيم و الاقامة في قصر الخلاقة - فقلت في نفسي: هذا الرجل لا يرجع الي موطنه أبدا، و ما أعرف مطعمه!. - أي ما أكثره و أطيبه و أحسنه -. فأطرق - الامام - رأسه ثم رفعه و قد أصفر لونه فقال: يا حسين، خبز شعير، و ملح جريش في حرم رسول الله أحب الي مما تراني فيه» [344] . ذاك أن الدنيا - بما فيها - لا تساوي عند الأئمة جناح بعوضة. و بعد أفراح القران - عقيب التجلي في الامتحان - علي الشكلين اللذين رأينا، و في ذينك المكان و الزمان، جمع المأمون علماء دولته، و فقهاء امارته، و وزراءه، و قواده، و الأعيان و بعض الخاصة، و أمر أن يجلسوا بحسب مراتبهم، ثم قال لأبي جعفر عليه‌السلام: ان رأيت، جعلت فداك، أن تذكر الفقه في ما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد، لنعلمه و نستفيده. - أي ما سأله عنه يحيي بن أكثم يوم الامتحان -. فنظروا - جمعيهم - الي ذلك الفتي الكريم، المتربع علي عرش من العروش التي أعدها الله تبارك و تعالي لاظهار عظمته و قدرته في نصرة أنبيائه و أوليائه، حين يعترض أهل البهتان مسيرتهم في اظهار أمره، و حين ينالون من قدسية ارادته عز و علا بالتعدي علي حرماته و كرامة أصفيائه. فهالهم ما رأوا فيه من روح المحمدية و العلوية، و من روح النبوة و الوصية، [ صفحه 217] مجسدتين تحت هالة تشع من سمرة المخلوق المجتبي - العظيم، الذي أرادوا مبارزته تحديا لصنع الله تعالي في هذا البيت المطهر، فبهرهم الجو المحيط به من الهيبة و الرهبة.. قبل أن يتكلم!. و دخل في حسبانهم أن تخيب آمالهم مرة ثانية بما يظهر من علمه و فضله، و أن يصيبهم الفشل و الخذلان - اذ الحق أحق أن يتبع - و اذ هم - في قرارة نفوسهم - يعرفون قدر أهل هذا البيت و حقهم، و لكنهم (يريدون أني يطفئوا نور الله بأفواههم، و يأبي الله الا أن يتم نوره!.) [345] فاستولت عليهم الرهبة و احتبسوا أنفاسهم حين قال أبوجعفر عليه‌السلام: نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل، و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها، فعليه شاة، و اذا قتل فرخا في الحل، فعليه حمل قد فطم من اللبن، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا. و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ. فاذا كان من الوحش، و كان حمار وحش، فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة. و ان كان ظبيا فعليه شاة. و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا، هديا بالغ الكعبة. و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، و كان احرامه بالحج، نحره بمني، و ان كان احرامه بالعمرة، نحره بمكة، و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطاء، [ صفحه 218] و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده. و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة. و النادم يسقط عنه ندمه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه عقاب الآخرة» [346] . ف (انظر كيف نبين لهم الآيات، ثم انظر أني يؤفكون؟!» [347] . و بذلك بسط الامام عليه‌السلام - علي مسامعهم - تسع عشرة فتوي تفرعت عن سؤال قاضي القضاة، فتفتحت أسارير وجوه قليلة، و قطبت و تقبضت وجوه كثيرة. و اسودت وجوه الفقهاء!. و وقعت الكرة في المضرب لصالح المأمون مرة ثانية بعد أن فاز بالضربة الأولي، فقال ليحيي بن أكثم: اطرح علي أبي‌جعفر، محمد بن علي الرضا، مسألة ثانية لعلك تقطعه فيها. فنهض العبد المطيع يتعثر بأطراف ثوبه، و ركع بين يدي الامام الفتي عليه‌السلام و قال ممتثلا أمر سيده: يا أباجعفر، ما تقول في رجل نكح امرأة علي زني، أيحل له أن يتزوجها؟.. فقال عليه‌السلام: يدعها حتي يستبرئها من نطفته و نطفة غيره، اذ لا يؤمن [ صفحه 219] منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه، ثم يتزوجها اذا أراد. فانما مثلها كمثل نخلة أكل رجل منها حراما، ثم اشتراها فأكل منها حلالا» [348] . فوجم الشيخ.. و هيمن علي الكل جو التعظيم للبديهة الرشيدة، و للنموذج الرباني الكبير الظاهر في هذا الفتي - المعجز!. ثم قطع الصمت صوت المأمون الذي قال: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك!. فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك. فاحمر وجه القاضي، و اخضر، و اصفر.. و اربد، ثم اسود و تمغر و كاد أن يسمع أزيز صدره رعبا من الورطة التي زجه الخليفة فيها. و أدرك الامام عليه‌السلام حرج موقف القاضي، فقال يخيره بلطف: أسألك؟. فلم يجد يحيي بدا من القول: ذاك اليك جعلت فداك. ثم وجد منفذا للهروب و الخلاص فقال متمما: فان عرفت جواب ما تسألني عنه، و الا استفدته منك. شأنه في موقفه شأن سحرة فرعون لما اتضحت لهم آية ربهم، فآمنوا بها (و ألقي السحرة ساجدين، قالوا: آمنا برب العالمين، رب موسي و هرون) [349] . و اذ ألقي المفتي السلطاني الخطير عصاه، و أظهر ايمانه علنا، قال الامام عليه‌السلام: «أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، [ صفحه 220] فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له. ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له؟ و حرمت عليه؟!!» [350] . و لكأنه سمع همس القاضي الذي يجول في صدره و يعتمل به فكره قائلا بتعجب فيما بينه و بين نفسه: امرأة واحدة، تحل لرجل واحد، أربع مرات في اليوم، و تحرم عليه أربع مرات في ذلك اليوم؟!! هذا علمه عند ربي، و لا يحيط به فقهي.. و لا فقه أحد!. و هل هذا من البدع في الشرع؟. أم أنه لم ينزل به حكم؟. هذا مما لا يعرفه الا من كان علمه من علمه تعالي!. .. أما الحضور.. فعلاهم صمت أهل القبور.. و انزووا في زوايا المجلس كالخشب المسندة، و كالصخور!. و تقوقع كل الجلساء علي أنفسهم، كالخنافس، رغم أن الامام عليه‌السلام فتح علي الجميع بابين للتفكير بالمخرج حين قال: ما «حال» تلك المرأة؟. و بماذا حلت له، و حرمت عليه؟. لأن للنساء حالات كثيرة... و للتحليل و التحريم - في شرعنا - فروع أكثر.. [ صفحه 221] و كان ينبغي لهم أن يحاولوا، لو لم يكونوا بين يدي الامام عليه‌السلام!. فبوجوده المرعب لهم، سدت عليهم منافذ التفكير.. و كان «الشيخ يحيي» أول من لملم شتاته بين الحاضرين و اعترف بالعي فقال للامام عليه‌السلام بصراحة: لا و الله لا أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه. فان رأيت أن تفيدنا. و شمت المأمون بأقاربه - خاصة - و بجميع من لفتهم الخيبة و باؤوا بالفشل!. و جاء دور كرم خلق الامام الفتي، و دور ما برأه الله تعالي عليه من الطيبة و الجدارة بحمل أمره حيث جعله عيبة علمه، فقال عليه‌السلام: هذه أمة لرجل من الناس: نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها، فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها، فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها، فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار، فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها، فحلت له [351] . فقد كلف الامام عليه‌السلام قاضي السلطان أن يستخرج مخ البعوضة!. و أن نكلف خاطر ذلك القاضي أن يعلم كيف تحل امرأة واحدة لرجل واحد، أربع مرات في اليوم، و كيف تحرم هي ذاتها، عليه هو ذاته، أربع مرات في ذلك اليوم، هو تكليف فوق مقدوره، وعب‌ء لا يقوم به الا من كان كالامام يزق العلم زقا، و يرفد بالالهام.. [ صفحه 222] و قد كان المأمون يتمني و يعمل جاهدا في أن يقطع الامام عليه‌السلام و لو بسؤال، و يعييه و لو بجواب، و يهتبل كل فرصة ليحرجه فيخرجه عن حد المعقول، فيفتك به علنا.. ولكنه كان يبوء بالخسران.. و تشيل بالامام «الصغير» كفة الميزان!. فالمأمون لم يقعد عن رغبته في ابطال علم الأئمة ليربح المعركة في خصومتهم و يجتث شجرتهم. و كان منذ أيام أبيه الرضا عليه‌السلام يجلب جهابذة المتكلمين من أهل الفرق ليجلب عليهم و يقطع حجتهم و يعجزهم و لو بسؤال واحد!. آية ذلك أن الدعوة الامامية لم تكن لتؤثر في نطاق حكم العباسيين تأثيرا ظاهريا فحسب، بل كانت تري حكمهم باطلا. و تهدف الي هدم كل ظلم و طغيان مهما كان نوعه، و لاماتة الباطل و احياء الحق و اعادة أمور الدين الي نصابها.. فكان المأمون يري في امامة هذا «الصغير» خطرا داهما يتحداه بعد امامة أبيه «الكبير» لأن الأمر سيبدو للعام و الخاص بشكل «امامة - معجزة» قذفتهم بها السماء!. فلا بد لها من التصدي.. و التحدي. فليجمع العلماء المخالفين، و الفقهاء غير الموالين من هاهنا و هاهنا ليعجز هذا «الصغير».. الخطير!. و يورطه بأية وسيلة كانت.. .. و علي هذا الأساس نفخ قاضيه يحيي بن أكثم بالعصبية الحاقدة - التي كانت مستفحلة في ذلك العصر - حتي جعل كرشه كالبالون، و عقد مجلسا حافلا بالناس تنحنح فيه القاضي «الوارم» و ترنح و تواقح فاستأذن - من الخليفة و الامام - و قال: «ما تقول يا ابن رسول الله في الخبر الذي روي: أنه نزل جبرائيل عليه‌السلام علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا محمد: ان الله يقرئك السلام و يقول لك: سل أبابكر هل هو عني راض، فاني عنه راض؟. فقال أبوجعفر: لست بمنكر فضل أبي‌بكر، ولكن يجب علي صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع: «قد كثرت علي الكذابة، و ستكثر. فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده [ صفحه 223] من النار. فاذا أتاكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي، فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به، و ما خالف كتاب الله و سنتي فلا تأخذوا به». و ليس بوافق هذا الخبر كتاب الله. قال الله تعالي: (و لقد خلقنا الانسان، و تعلم ما توسوس به نفسه، و نحن أقرب اليه من حبل الوريد). [352] فالله عز و جل خفي عليه رضا أبي‌بكر من سخطه حتي سأل من مكنون سره؟!. هذا مستحيل في العقول. قال يحيي: و قد روي أن مثل أبي‌بكر و عمر في الأرض كمثل جبرائيل و ميكائيل في السماء؟. فقال: و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأن جبرائيل و ميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط، و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة.. و هما قد أشركا بالله عز و جل و ان أسلما بعد الشرك. و كان أكثر أيامهما في الشرك بالله، فمحال أن يشبههما بهما. قال يحيي: و قد روي أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه؟. فقال عليه‌السلام: و هذا الخبر محال أيضا، لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، و لا يكون فيهم كهل. و هذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الحسن و الحسين بأنهما سيدا شباب أهل الجنة. فقال يحيي بن أكثم: و روي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة. فقال عليه‌السلام: و هذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، و آدم، و محمدا، و جميع الأنبياء و المرسلين، لا تضيي‌ء بأنوارهم حتي تضي‌ء بنور عمر؟. فقال يحيي: و قد روي أن السكينة تنطق علي لسان عمر. فقال عليه‌السلام: لست بمنكر فضائل عمر، و لكن أبابكر أفضل من عمر، فقال علي رأس المنبر: ان لي شيطانا يعتريني، فاذا ملت فسددوني. [ صفحه 224] فقال يحيي: قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو لم أبعث لبعث عمر. فقال عليه‌السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث. يقول الله في كتابه (و اذ أخذنا من النبيين ميثاقهم، و منك، و من نوح) [353] فقد أخذ الله ميثاق النبيين، فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه؟. و كان الأنبياء لم يشركوا طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك بالله، و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: نبئت و آدم بين الروح و الجسد؟!! قال يحيي بن أكثم: و قد روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما احتبس الوحي عني قط، الا ظننته قد نزل علي آل الخطاب. فقال عليه‌السلام: و هذا محال أيضا، لأنه لا يجوز أن يشك النبي صلي الله عليه و آله و سلم في نبوته. قال الله تعالي: (ألله يصطفي من الملائكة رسلا، و من الناس) [354] فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله، الي من أشرك به؟!. قال يحيي بن أكثم: روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: لو نزل العذاب لما نجا منه الا عمر. فقال عليه‌السلام: و هذا محال أيضا، ان الله تعالي يقول: (و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون). [355] فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما داموا يستغفرون الله تعالي» [356] . و رأي ذلك المأمون، و سمع... و نظر الي البعيد البعيد فرأي امامة هذا «الامام الصغير» أخطر من امامة الكبير.. لأنها في غاية التسديد و التأييد.. و لا يقوم لها شي‌ء!. [ صفحه 225] و اذا هو لم يلجأ الي اغتياله و اغتيال أتباعه - عاجلا - استفحل أمره و كثر القائلون بامامته.. و كان ما لا تحمد عقباه - آجلا -.. و رأي غير المأمون ذلك أيضا، و تنبهوا الي عمق تأثيره عليه‌السلام في العقول، و الي قدرته الفائقة علي كسب الوقت لاظهار الحق الذي هو عليه، و الباطل الذي هم عليه.. فخافوا جميعهم - أن تفسد أحدوثتهم لدي الناس.. و لذا أقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب علي هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟!!. قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم بما رأي. فقال المأمون: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل. و ان صغر السن لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افتتح دعوته بدعاء علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام، و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره؟. و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما؟. أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!. قالوا: صدقت يا أميرالمؤمينن [357] . [ صفحه 226] ثم نهض القوم.. و اضطرمت نار الحقد، وبدأ أجيجها في الصدور.. و سمع حسيسها منذئذ جليا.. بعد أن أشعل المأمون الفتيل. و لم يكن صدر هذا المأمون بأقل صدور قومه احتواء للحقد - بالرغم من كلمة الحق التي قالها - و لا أقل منها حسيسا و حسدا و تأججا.. فهو ماهر في التمثيل، ساهر علي «عباسيته» دون بديل، يصطنع الحيل التي لا يصل الي فهمها قومه و لا غير قومه، لأنه هو من هو في الفهم و العلم و حبك المؤامرات. و ليس من يعلم كمن لا يعلم من أمر حبس الامام في سجن ذلك القران، و من تجنيد المرأة لبلوغ غايات معينة. و لا يظنن ظان أني أظلم «المأمون» أو أفتري عليه حين أشكف عن بصمات يده في المكيدة للأئمة عليهم‌السلام، بعد اكرامه الظاهر لاثنين منهم زوجهما ابنتيه الواحدة بعد الأخري، و بعد تولية أولهما و احتضان ثانيهما و اظهار فضله و كراماته. فقد قال الحسن بن الجهم: «دخلت علي الرضا عليه‌السلام، و قلت له: يا ابن رسول الله، الحمدلله الذي وهب لك من جميل رأي أميرالمؤمنين - المأمون - ما حمله علي ما أري من اكرامه لك و قبوله لقولك. فقال عليه‌السلام: لا يغرنك ما ألفيته عليه من اكرامي و الاستماع مني، فانه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي. اني أعرف ذلك بعهد معهود الي من آبائي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فاكتم هذا ما زلت حيا» [358] ففعل.. و هذه واحدة. و الثانية أن أحمد بن علي الأنصاري قال: «سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا عليه‌السلام، مع اكرامه و محبته له و ما جعل له من ولاية العهد بعده؟!! فقال: انما كان المأمون يكرمه و يحبه لمعرفته بفضله. [ صفحه 227] و جعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس أنه راغب في الدنيا، فيسقط محله من نفوسهم. فلما لم يظهر منه في ذلك للناس الا ما ازداد به فضلا عندهم، و محلا في نفوسهم، جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، و بسببهم يشتهر نقصه عند العامة - و هذا امتحان من المأمون للرضا عليه‌السلام قبل امتحان ابنه - فكان لا يكلمه خصم من اليهود و النصاري و الصابئين و البراهمة و الملحدين و الدهرية، و لا خصم من فرق المسلمين المخالفين، الا قطعه و ألزمه الحجة. و كان الناس يقولون: و الله انه أولي بالخلافة من المأمون. و كان أصحاب الأخبار - جواسيس القصر - يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك و يشتد حسده له. و كان الرضا عليه‌السلام لا يحابي المأمون من حق. و كان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيغيظه ذلك و يحقد عليه و لا يظهره له. فلما أعيته الحيلة في أمره، اغتاله فقتله بالسم» [359] . فهذان بدلان و شاهدا عدل، سمعا و رأيا، و عايشا فصول الروايتين عن قرب لا عن كثب، لأنهما كانا من جملة العشراء الذين يدخلون المسرح دون استئذان، و قد عرفا حقائق الأمور و دقائقها. فقد كان الامام الرضا عليه‌السلام يعرف أن المأمون قاتله بالسم، و أنه الممهد لقتل ابنه من بعده، و لذلك نبهه - بصراحة - حين أفاق من اغماءة الاحتضار - في آخر لحظات حياته - ورآه يتباكي بجانبه قائلا له: «أحسن يا أميرالمؤمنين معاشرة أبي‌جعفر، فان عمرك و عمره هكذا - و جمع بين سبابتيه -». [360] معلنا له أن عمريهما متقاربان، و محذرا اياهم من البطش به لأن موته و موته متلازمان الي حد ما.. [ صفحه 228] و هكذا كان، اذ ماتا ما بين ثلاثين شهرا، كما ذكر سابقا. و لذا فقد استقر عند المأمون العد العكسي قبل الايقاع بالامام الفتي بعد أن زوجه، فسمح له - اذ ذاك - بمغادرة العاصمة - بغداد - ليقيم في المدينة المنورة سنين طوالا لم يذكره فيها المأمون الا بخير لأنه بمحافظته عليه انما يحافظ علي نفسه لتقارب موتهما. و لو حاولنا تبرئة السلطان «المأمون» علي شرعة الرحمان من دم الامام، لفضحته «أمانة» البحث و اعتبرت من يبرئه «غير مأمون» علي نقل حقيقة ما توصل اليه الي القراء، و لارتفعت اصبع العدالة تشير الي يديه الملطختين بدم أبيه من قبل، بالرغم من أن موته سبق موت صهره الثاني بثلاثين شهرا!. فما أبرع الامام الرضا عليه‌السلام في اعلان تحذيره له حين قال له و هو يجمع سبابتيه: فان عمرك و عمره هكذا!. ولكنه ضارعت براعته في التحذير و الانذار، براعة المأمون في الحيطة لعرشه حين ربط خيط المكيدة بخنصر «أم‌الفضل» التي فاتها الفضل و النبل، و خانتها كرامة الأسرة العريقة التي تحدرت منها!. نعم، انه لمأمون - بالغ الأمانة - في الكيد لهذا البيت الذي يتظاهر باحترامه و اكرامه، و لا يجوز لنا أن ننكر عليه أمانته تلك، فان خطته قد أحكمت بالدقة المعهودة منه: تقريب.. فتزويج.. فتزويج.. فتنفيذ - عاجل، أو آجل - لاصابة الهدف!. و لم يكن ذلك منه عجبا، فهو سليل بيت كان سيده هارون الرشيد - أبوه - الذي قال لولده - المأمون بالذات - حين لامه علي عدم رد الحق الي الهاشميين ما زال يعرفه لهم: الملك عقيم يا بني.. و الله لو نازعتني الملك، لأخذت الذي فيه عيناك!. فالمأمون عزيز علي أبيه مقرب اليه.. و مع ذلك فان نفسه تطيب بقتله اذا نازعه الملك!. [ صفحه 229] و المأمون العزيز علي أبيه، كان ابن أبيه حقا و حقيقة، و لو رأيناه ينضح بما ليس فيه أثناء مراقبة مجالسه مع الامام الجواد عليه‌السلام.. فرأي أبيه هو رأيه، و لم يختلفا بشي‌ء.. و بالأمس نصب رأس أخيه الأمين علي خشبة في الدار و أمر بلعنه!. ولكن الامام عليه‌السلام لم ينازع المأمون ملكا ليأخذ الذي فيه عيناه، و لا اقتطع طرفا من أطراف سلطانه، و لا عدا علي شي‌ء من أمره، و لا فاه بكلمة فيها ريح التطلع الي ما كان فيه السلطان من غضارة النعيم الزائل.. و لا أبوه، الرضا عليه‌السلام، فعل شيئا من ذلك. و لكن الملك عقيم.. و مجال السعاة البغاة في القصور مفتوح الباب علي مصراعيه.. و الوشاة، و النمامون، و المتزلفون حاضرون ما زال طعم الأفاويه الطيبة تحت أضراسهم، و ما زالت كروشهم مملوءة بعفن الحياة.. يجرئهم علي ذلك سمع «رب القصر» المفتوح علي النميمة و الوشي في كل آن.. لأنه قاتل، ابن قاتل.. من أسرة قتلة قال فيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ويل لذريتي من ولد العباس!». و بالنسبة لاغتيال امامنا الجواد عليه‌السلام، ولدي التحليل ثم، تشير الدلائل - التي تأبي الشك - الي الجاني الذي هو هو حامل العنب المسوم الي أبيه في «مرو» بالأمس، و قد قتل الأب - بالأمس - بأسلوبه الذي كشفناه باختصار، و ألحق به ابنه - اليوم - منذ قربه و زوجه.. و ان كانت نهاية الفاجعة قد تمت علي يد «المعتصم» الذي لم يعصمه الشيطان عن هذه الموبقة النكراء و الفعلة الشنعاء!. و صدقني أنه لو طال العهد بالمأمون لتربص بالذرية الهاشمية و ألحق آخرها بأولها!. و لكن أخاه المعتصم، لم يكن معتصما تجاه هذه الأسرة الشريفة، كما كان أخوه المأمون غير مأمون عليها، و كما كان الرشيد - أبوهما - غير رشيد تجاهها!. فالمعتصم قد أخذ الشعلة من يد أخيه، و تابع المسيرة، وسار علي سيرة أبيه و سمع [ صفحه 230] لنداء ضميره الخدر، و لرأي وزيره الأشر، و دس مشيره البطر، وفاق بالفتك فتك أخيه، و أقر بفعلته الشنعاء عين أبيه.. و أخيه!. أما الامام - العريس، فقد عاد بعدها الي يثرب بعد أن ربطته أحابيل سلطان قصر بغداد برباط.. و لم يعرس بالأميرة الا في السنة 215 هجرية، أي بعد عقد الزواج بحوالي سبع سنوات أخذها بعدها اليه.. بغير رأي أبيها الذي ألح عليه كثيرا بالبقاء الي جانبه في بغداد.. لئلا يفلت من «القبضة الحديدية» التي «صنعها» له.. و لذلك لم يمهله أكثر من سنتين عاد بعدهما فاستقدمه الي بغداد «مشتاقا».. بل تواقا للنقمة قبل أن يفوت الأوان ولكنه لم يقم عنده الا لموسم الحج حيث عاد لأداء الفريضة المقدسة. «و لما توجه أبوجعفر عليه‌السلام من بغداد، منصرفا من عند المأمون و معه أم الفضل، قاصدا بها المدينة، صار الي شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه فانتهي الي دار المسيب عند مغيب الشمس، فنزل و دخل المسجد، و كان في صحنه نبقة - شجرة سدر أو نخل - لم تحمل بعد. فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة، و قام فصلي بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولي «الحمد» و «اذا جاء نصر الله و الفتح، وقرأ في الثانية «الحمد» و «قل هو الله أحد» وقنت قبل ركوعه فيها، و صلي الثالثة و تشهد و سلم، ثم جلس هنيهة يذكر الله تعالي، وقام من غير أن يعقب فصلي النوافل أربع ركعات، و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر. فلما انتهي الي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك و أكلوا منها، فوجدوه نبقا حلوا لا عجم فيه - دون برزة - و ودعوه و مضي عليه‌السلام من وقته الي المدينة، فلم يزل بها الي أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين و مئتين الي بغداد، فأقام بها حتي تؤفي [361] . [ صفحه 231]

لابليس جنود.. من حملة السم!

لقد كان استشهاد أئمة أهل البيت عليهم‌السلام - بالقتل أو بالسم -، تضحية في سبيل نشر العقيدة الاسلامية الحقة التي نزلت من عند الله تبارك و تعالي. و كانت تضحياتهم - لو فكرنا و قدرنا - نعمة جزيلة علي المسلمين الذين كلما ذكروها ذكروا ظلم المتصدين لرسل الله تعالي، فمقتوا الظلم و النفاق و الكفر، و تأصلت العقيدة في نفوسهم، و تعمق الايمان في قلوبهم.. و لو لا ذلك لضاع عباد الله المؤمنون الصالحون مع من ضاع حول قصاع القصور و موائد السلاطين. فما من ناطق بالشهادتين - حقا و صدقا، و بشرطهما و شروطهما قولا و عملا - الا و كان الفضل في ذلك لهم عليهم‌السلام.. فلا جرم أن يعلم المؤمنون أن جميل أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم، يطوق أعناقهم في كل حق يقولونه، و في كل عمل مقبول يعملونه. فلولا كلمة الحق التي جهروا بها في مجالس الباطل و عند الحكام الظالمين، لكنا - جميعا - من عبدة السلطان و من جنود الشيطان الذين يجرهم بلحاهم، ثم نبرر سقطاتنا بلوك الكلام، و بما برر به الناس بدع معاوية، و موبقات ابنه يزيد، بأنها عمل مجتهد أخطأ و له حسنة!. و ندعي - معها - أننا مسلمون، و الاسلام براء منا. و كما أننا لولا نبينا العظيم صلي الله عليه و آله و سلم، لم نكن مسلمين، فكذلك لولا الأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام، لم نكن مؤمنين و لا عارفين بأصول ديننا و فروعه، لأن استمرار الدعوة السماوية - الي اليوم - تم كالآتي: [ صفحه 232] صدع النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالدعوة، و حمل أثقال الرسالة - سلما و حربا - مدة ثلاث و عشرين سنة، و جاهد أميرالمؤمنين عليه‌السلام دفاعا عنها - في أول عمره، و في آخره - و صبر علي هضم حقه - فيما بين ذلك - طيلة سبع و عشرين سنة؛ ثم أمضاها و أقام حدودها في حكومة لم تكمل أربع سنوات. و أحاطها من بعدهما صبر الحسن عليه‌السلام علي الأذي من الأغراب و الأصحاب - ليسلم الدين - مدة تسع سنوات، و فداها الحسين عليه‌السلام فضحي بسبيلها مجاهدا أئمة الكفر، و فاز بالشهادة الفذة بعد معاناة دامت اثنتي عشرة سنة. و ربي الأمة علي روحانيتها و جوهرها زين‌العابدين عليه‌السلام، ثم فقهها بها الباقران الصادقان عليهماالسلام بصير و اجتهاد في مدرسة عاشت مع الأول أربعا و ثلاثين سنة، و مع الثاني تسع عشرة سنة، و مع الثالث أربعا و ثلاثين سنة، ثم رعاها منبر الكاظم عليه‌السلام الذي ارتقاه - مرة حرا، و مرة في الحبس - طوال خمس و ثلاثين سنة، و قواها و رسخها حجاج الرضا و ابنه الجواد و حفيده الهادي عليهم‌السلام، و جدالهم لاحقاق الحق و ابطال الباطل عبر عشرين سنة مع الجد، و ثماني عشرة سنة مع الابن، و أربع و ثلاثين سنة مع الحفيد، و عمق مفاهيمها العسكري عليه‌السلام رغم جور السلطان الغاشم، مدة ست سنوات، ثم استلم زمامها ابنه الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه، و تواري عن أعين الظلمة ليقيم في قلوب مواليه، و هو يراقب شيعته و يطلع علي أعمال الناس كافة منذ حوالي اثني عشر قرنا، فتم بذلك كله - متضافرا - استمرار الدعوة الالهية علي أيدي هذه الصفوة من الخلق الذين انتدبهم الله تعالي لأمره، و جعلهم خلفاء في أرضه، و تم - أيضا - استمرار أهل الحق - الي اليوم - علي طريق الايمان و صراط [ صفحه 233] الله المستقيم.. فجزي الله نبينا و أئمتنا - عنا - خير جزاء المحسنين، و بمقدار ما ضحوا من أجلنا، و كفاء ما تحملوا من الأذي و الظلم. و من أنكر ذلك عليهم، خرج من حظيرة الايمان. و من رد حقهم الممنوح لهم من الله خلع ربقة الاسلام، و لو عاش عمر نوح بين المسجد و القرآن.. قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لعمه العباس يوما: «ويل لذريتي من ذريتك!. فقال: يا رسول الله، فأختصي؟. قال عليه‌السلام: انه أمر قد قضي» [362] . ذاك أنه لا يقع الخصي - فعلا - من جهة، و لا يمنع الخصي يومها وقوع الأمر المحتوم؛ لأن «عبدالله بن العباس» كان قد ولد و صار له أولاد، من جهة ثانية. و الأمثلة المصداقية لهذا الخبر الشريف تزدحم في ذاكرة كل انسان يلم بتاريخ هاتين الأسرتين - بني‌هاشم، و بني‌العباس - لدرجة أن المفكر ليحار أي الأمثلة يذكر، لأنها كلها كانت علي نسق من قال في بني‌هاشم، و بني‌أمية: فابن حرب للمصطفي، و ابن هند لعلي، و للحسين يزيد و كما كاد كل سلطان أموي لامام زمانه، فكذلك كاد كل سلطان عباسي لامام زمانه سواء بسواء.. فالأمويون تولوا اطفاء نور الله بقتل خمسة أئمة من أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، و العباسيون قتلوا ستة منهم!. ثم لو ظفروا بخاتمهم - المهدي عجل الله تعالي فرجه - لألحقوه بآبائه!. ولكن الله غالب علي أمره اذ رصده لاحياء ما اندرس من معالم الدين، و لاعزاز شريعة سيد المرسلين في آخر الزمان، ولكي يثأر ممن تسوروا محراب جده، و دنسوا قدسية أمر ربه، و ليمحو الظلم و يقيم العدل و ينشر كلمة الله تعالي. [ صفحه 234] و مع ذلك يقول «المسلمون» الذين يظلمون النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ان هؤلاء، و هؤلاء، خلفاء رسول الله!!! جاهلين قدر نبيهم العظيم، و مستهزئين بقوله الكريم يوم شدد علي مودة أهل قرباه.. و لذا استجهل أولئك الخلفاء الجائرون جميع الذين تسموا مسلمين، فدعوا أنفسهم «أمراء مؤمنين» فأقروهم علي ادعائهم!. و قنعوا بلحس الصحون و لو تلوثت اللحي و الذقون!. و نسوا أنه سيقال لهم يوم القيامة (وقفوهم انهم مسؤلون) [363] . ولكنهم باؤوا بخزي «خلافة» مكذوبة - حملوا وزرها منذ جعلوها قيصيرية - كسروية، و تلقفوها تلقف اللاعبين بالكرة.. و الأحجي أن نعود لما نحن فيه. فحين فعل سم المأمون بالامام الرضا عليه‌السلام، و وقعت الصيحة في طوس «جاء المأمون حافيا حاسرا يضرب علي رأسه و يقبض علي لحيته، و يأسف و يبكي و تسيل دموعه علي خديه، فوقف علي الرضا عليه‌السلام و قد أفاق، فقال: يا سيدي و الله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي: فقدي لك و فراقي اياك، أو تهمة الناس لي أني اغتلتك و قتلتك؟!. فرفع الرضا عليه‌السلام طرفه اليه ثم قال: أحسن يا أميرالمؤمنين معاشرة أبي‌جعفر، فان عمرك و عمره هكذا - و جمع بين سبابتيه! [364] . فاجترض الأمون - الخائن غيظه، و أكلت الحسرة و الندامة قلبه، و أحرقت كبده لما عرف أن الرضا عليه‌السلام يعلم علم يقين بفعلته الشنعاء الذي اهتز لها عرش الرحمان، حين سم ولي الله في أرضه!. و بعد اغتيال الامام الرضا عليه‌السلام بالسم سنة ثلاث و مئتين هجرية، عاد المأمون الي بغداد، فدخلها في صفر سنة أربع و مئتين، و لباسه و لباس أصحابه [ صفحه 235] جميعا الحضرة، و كذا أعلامهم. و مذ غادر «مرو» - بعد تنفيذ مهمته الشنيعة - بلغه في «سرخس» أن قوما وثبوا علي الفضل بن سهل في الحمام فقتلوه، فبعث الحسن بن سهل الي بغداد قبله ليقمع الثورة التي أشعلها عليه ابراهيم بن المهدي؛ ففعل و هزمه و أصحابه، و اختفي ابن المهدي، و نزل المأمون، حين وصوله، في قصر الرصافة.. و سوي أمور سلطانه. .. ثم تقلبت الأيام - سراعا - علي هذا الرجل الحولي القلبي، فالتقي بالامام عليه‌السلام - مع الصبيان - كما ذكرنا سابقا.. و كان ما كان.. فزوجه عازما علي ايراده مورد أبيه!. لكن شغب بني‌العباس جعله «يتريث» لأنهم - حال وصوله - وجهوا اليه بعمته زينب بنت سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس، التي كانت عندهم «عالية القدر، وافرة المجد و السؤدد، يشبهونها بالمنصور في الأبهة و العز» فطلبوا منها أن تدخل علي المأمون و تسأله الرجوع الي لبس السواد و ترك الخضرة التي أعلن لبسها بعد تولية الامام الرضا عليه‌السلام، و أن يعود شعارهم الي ما كان عليه من جهة، و أن يترك عزمه علي العهد للامام الجواد عليه‌السلام بعد أبيه اذا كان بصدد توليته بعد أن رآها خير طريقة لازالة الأئمة عن مراتبهم، راميا الي الوقوف بوجه ولادة «مهديهم» الذي يهدم عروش الظلم، وقوف النمرود في وجه ولادة ابراهيم عليه‌السلام، و وقوف فرعون في وجه ولادة موسي عليه‌السلام. و قد سمعت زينب لذويها الذين أبدوا خوفهم من أن يولي المأمون الجواد عليه‌السلام، و من أن يموت أو يثب عليه من يقتله، فينتقل الملك الي الهاشميين. و كانوا - اذ ذاك - لا يأملون قتل الامام الفتي قبل موت المأمون مئة بالمئة!. - فدخلت «زينب العباسية» عليه فقام اليها و رحب بها و أكرمها، فاغتنمت فرصة اجلاله لها و سارعت الي اقتناص عاطفته فقالت له فور استقرارها معه: «يا أميرالمؤمنين، انك علي بر أهلك من ولد أبي‌طالب و الأمر في يدك، أقدر منك علي برهم و الأمر في يد غيرك أو في أيديهم. فدع لباس الخضرة وعد الي لباس أهلك، و لا تطمعن أحدا فيما كان منك. فعجب المأمون بكلامها و قال لها: و الله يا عمة ما كلمني أحد بكلام أوقع من [ صفحه 236] كلامك في قلبي، و لا أقصد لما أردت، و أنا أحاكمهم الي عقلك. فقالت: و ما ذاك؟. فقال: ألست تعلمين أن أبابكر (رض) ولي الخلافة بعد رسول الله فلم يول أحدا من بني‌هاشم شيئا؟. قالت بلي. قال - و هو صاحب لسان و بيان -: ثم ولي عمر (رض) فكان كذلك. ثم ولي عثمان (رض) فأقبل علي أهله من بني‌عبد شمس فولاهم الأمصار، و لم يول أحدا من بني‌هاشم. ثم ولي علي (ع) فأقبل علي بني‌هاشم، فولي عبدالله بن عباس البصرة، و عبيدالله بن عباس اليمن، و ولي معبدا مكة، و ولي قثم بن العباس البحرين؛ و ما ترك أحدا ممن ينتمي الي العباس الا ولاه، فكانت هذه له في أعناقنا، فكافأته في ولده بما فعلت. فقالت - العجوز الشمطاء، الداهية الدهماء -: لله درك يا بني، ولكن المصلحة لبني عمك من ولد أبي‌طالب ما قلت لك. فقال - بعد تأمل -: لا يكون الا ما تحبون.. .. ثم فكر المأمون مليا و قدر بأن القواعد تنخرم عليه ان هو ولي الامام الجواد عليه‌السلام كما ولي أباه من قبل.. و ربما خرج الأمر من بني‌العباس و بني علي بسبب الاختلاف، خصوصا و أن في الأرض بقايا من بني‌أمية قد تجد الفرصة متاحة لتفريق الكلمة و اثارة الفتنة.. فجلس لبني العباس و جمعهم، و دعا بحلة سوداء فلبسها و ترك الخضرة، و لبس الناس كذلك، فلم تلبس الخضرة ببغداد سوي ثمانية أيام» [365] . [ صفحه 237] و الذي لا يجوز أن يفهم - عقلا و واقعا - من اطلاق كلمة الولاية بالعهد للامام الجواد عليه‌السلام من فم المأمون بعد تزويجه لابنته، أن المأمون قد عرف الحق و رغب في أن يرده الي أهله. لأن من عرف الحق، و أهل ذلك الحق، يرده اليهم حالا، و لا يتقمصه الا في حال الكفر بما جاء من عند الله عز اسمه.. فأمر الولاية سماوي، جعله الله سبحانه من تمام الايمان برسالته السماوية الي العباد منذ يوم البعثة الكريمة الي يوم الميعاد، و انكارها انكار لأصل من أصول الاسلام أصيل يسأل عنه المسلم بين يدي ربه. فلا جرم أن نبقي علي قولنا من أن المأمون لم يعترف لأصحاب الحق بحقهم بدليل جوابه لعمته من أنه يريد أن يبرهم ليرد جميلا لعلي بن أبي‌طالب عليه‌السلام لأنه حين ولي الخلافة أمر جميع ولد العباس!. و ان هو الا رجل ظفر به الشيطان فجره الي ابتكار مثل ذلك العهد بالولاية لمن «كان اماما مفترض الطاعة» من أهل البيت الهاشمي، ليقيده به، و ليجعله في متناول يده يفتك به حين يشاء دون أن يكون متهما بدمه، و خصوصا حين كان يغطي خطته الماكرة بالمصاهرة و التقريب و التفدي!. هذا و ان مصارحته لزينب بنت سليمان لم يعد أن قال فيها حقا، ثم برر عمله بمكافأة علي عليه‌السلام الذي ولي أربعة من أكابر بني‌العباس الي جانب تأمير كثيرين منهم أثناء خلافته القصيرة - العسيرة، أعني أن المأمون قد خلع - بولاية العهد للرضا - ذلك «الجميل» من عنقه بطريقة جاهلية و عصبية قبلية لا أكثر و لا أقل!. و أنه لم يعترف بحق لأهل الحق، و لا يريد أن يرد اليهم حقا.. و لذلك فانه - خوف اهتزاز عرشه، و ضياع الأمر من يديه - سارع الي تبديل لباس الخضرة [ صفحه 238] بالسواد بحضور المشاغبين عليه قبل أن تتم ثمانية أيام. و كان قد قال - من قبل - لعمته: و الله ما كلمني أحد بكلام أوقع من كلامك في قلبي، حين هزت له رسن «الامارة» و أنذرته باحتمال زوال الملك من أيديهم، و أقنعته بأنه - حال كونه أميرا - يبقي أقدر علي بر الهاشميين.. و كأن الهاشميين بحاجة الي بر أحد مع بر الله تعالي بهم و مع جعلهم مصطفين علي عباده، و مختارين لكلمته، و نبرأسا لبريته؟؟؟ فعهود الولاية التي كان يعقدها المأمون مصائد - مكائد هي من مكائد ابليس التي وسوس بها في صدر من وجده «مأمونا» علي تنفيذها للوقوف بطريق امام بعد امام ليسد باب ظهوره، و ليعطل قنوات عمله، و يشل نشاط دعوته بطريقة مبتكرة فريدة من نوعها، تتجلي في التقريب - فالتزويج - فالتزويج - فالاغتيال!. أما امامنا عليه‌السلام، فقد كان عالما بما يدور في أجواء أفراد الطغمة العباسية فردا فردا، و عارفا بما هم عليه وفيه. يتسرب اليه ذلك من أصدق المصادر - و قبل أن تكون - اذ لا تخفي عليه حكومة السماء خافية. فقد جاء عن اسماعيل بن مهران قوله: «رأيت أباجعفر عليه‌السلام في سنة سبع عشر و مئتين ودع البيت ليلا، يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في كل شوط. فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل و كشف عن بطنه، ثم أتي الحجر الأسود فقبله و مسحه، و خرج الي المقام فصلي خلفه، ثم مضي و لم يعد الي البيت، و كان وقوفه في الملتزم بمقدار ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط، و بعضهم ثمانية» [366] . و روي بلفظه عن ابن‌مهزيار و روي أيضا: أما «لما خرج أبو: جعفر عليه‌السلام من المدينة الي بغداد الدفعة الأولي من [ صفحه 239] خرجتيه - و هي هذه - قلت عند خروجه: جعلت فداك، اني أخاف عليك في هذا الوجه، فالي من الأمر بعدك؟. فكر الي بوجهه ضاحكا، و قال لي: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة. فلما استدعي به المعتصم صرت اليه فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فالي من الأمر من بعدك؟. فبكي حتي اخضلت لحيته - تبللت - ثم التفت الي فقال: عند هذه - أي الخرجة، أو السنة - يخاف علي. الأمر من بعدي الي ابني علي» [367] . أفلا تقرأ بين سطور هاتين الحادثتين أن الامام عليه‌السلام كان يعرف ما في نفوس العباسيين - واحدا واحدا - من وراء الأبعاد التي تفصله عنهم، و يعلم ما يدور في ضمائرهم، و يحدد تصرفاتهم معه ساعة بعد ساعة؟!! بلي، و نعم.. فمن أمثلة بر العباسيين بالامام الجواد عليه‌السلام - يا عمة الخليفة - «أن المعتصم استعمل علي المدينة المنورة و مكة المكرمة عمر بن الفرج الرخجي الذي كان يقسو علي آل أبي‌طالب و يضيق عليهم، و يمنعهم سلوك سبل العيش، و يحول بينهم و بين مساءلة الناس لهم، و يحذر الناس برهم وصلتهم، حتي أنه كان لا يبلغه عن أحد برهم بشي‌ء و ان قل الا أنهكه عقوبة و أثقله غرما و أشبعه عذابا!. فبلغ بهم ضيق الحال أن صارت العلويات يصلين في القميص الواحد واحدة بعد واحدة لأنهن لا يملكن غيره، ثم يرفعنه اذا تخرق، و يجلسن في منازلهن عواري حواسر»! [368] . و قبح الله مثل ذلك البر يا عمة الخليفة!! [ صفحه 240] وليكن معلوما لديك أيتها العجوز الضالة المضلة أن الامام عليه‌السلام كان علي موعد مع مكركم و غدركم، و هو يعرف موعد اغتياله علي أيدي آل بيتك القتلة السفاحين، اذ أعلمه الله تعالي ذلك قبل وقوعه، و أطلعه من لدنه علي خوافي نفوسكم الأمارة بالسوء.. فقولي لآلك القتلة المجرمين: (قد مكر الذين من قبلهم، فأتي الله بنيانهم من القواعد، فخر عليهم السقف من فوقهم)! [369] و بشريهم - بشرت بالسوء - أن الله تعالي قد أتي بنيانهم من القواعد، و قد باؤوا بأوزارهم و جرائمهم و (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين)! [370] . أما ما كان في آخر أيام الامام عليه‌السلام، و ما كان من أمر وصيته، فقد حدث الخيراني عن أبيه - و هما من الأعاجم - فقال: «انه كان يلزم باب أبي‌جعفر عليه‌السلام للخدمة التي و كل بها، و كان أحمد بن محمد بن عيسي - أبوجعفر الأشعري - يجي‌ء في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي‌جعفر عليه‌السلام. و كان الرسول الذي يختلف بين أبي‌جعفر عليه‌السلام و بين أبي، اذا حضر قام أحمد و خلابه أبي. لفخرجت ذات ليلة، و قام أحمد عن المجلس و خلا أبي بالرسول، و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: ان مولاك يقرأ عليك السلام و يقول لك: اني ماض و الأمر صائر الي ابني علي - أي الهادي عليه‌السلام - و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي. ثم مضي الرسول و رجع أحمد الي موضعه و قال لأبي: ما الذي قال لك؟. قال: خيرا. [ صفحه 241] قال: قد سمعت ما قال، فلم تكتمه؟. و أعاد ما سمع، فقال له أبي: قد حرم الله عليك ما فعلت، لأن الله تعالي يقول: (و لا تجسسوا) [371] فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج اليها يوما ما، و اياك أن تظهرها الي وقتها. فلما أصبح كتب والدي نسخة الرسالة في عشر رقاع، و ختمها و دفعها الي عشرة من وجوه العصابة - أي الأصحاب - و قال: ان حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحواها و اعملوا بما فيها. فلما مضي أبوجعفر عليه‌السلام، ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتي قطع علي يديه نحو من أربعمئة انسان - أي اقتنعوا بوصية أبي‌جعفر لولده الهادي عليهماالسلام - و اجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون في هذا الأمر. فكتب محمد بن الفرج الي أبي‌يعلمه باجتماعهم عنده، و أنه، لولا مخافة الشهرة لصار معهم اليه، و يسأله أن يأتيه. فركب أبي وصار اليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟. فقال أبي لمن عندهم الرقاع: أحضروا الرقاع.. فأحضروها. فقال لهم: هذا ما أمرت به. فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر. فقال لهم: قد آتاكم الله عز و جل به، هذا أبوجعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة.. و سأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون قد سمع من هذا شيئا. فدعاه أبي الي المباهلة. فقال لما حقق عليه: قد سمعت ذلك. و هذه مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب، لا لرجل من العجم.. فلم يبرح القوم حتي قالوا بالحق جميعا» [372] . [ صفحه 242] و قال محمد بن الحسن الواسطي: انه سمع أحمد بن أبي‌خالد - مولي أبي‌جعفر - يحكي أنه أشهده علي هذه الوصية المنسوخة - أي المكتوبة كما يلي -: شهد أحمد بن أبي‌خالد - مولي أبي‌جعفر - أن أباجعفر: محمد بن علي، بن موسي، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، أشهده أنه أوصي الي علي ابنه بنفسه و اخوانه، و جعل أمر موسي - أخيه الأصغر - اذا بلغ اليه - أي الي موسي نفسه -. و جعل عبدالله بن المساور قائما علي تركته من الضياع و الأموال و النفقات و الرقيق و غير ذلك الي أن يبلغ علي بن محمد، صير عبدالله بن المساور ذلك اليوم اليه، يقوم بأمر نفسه و اخوانه، و يصير أمر موسي اليه، يقوم لنفسه بعدهما علي شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها، و ذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين و مئتين. و كتب أحمد بن أبي‌خالد شهادته بخطه، و شهد الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، و هو الجواني، علي مثل شهادة أحمد بن أبي‌خالد في صدر هذا الكتاب، و كتب شهادته بيده، و شهد نصر الخادم و كتب شهادته بيده» [373] . و قد قال ابراهيم بن محمد: «كان أبوجعفر، محمد بن علي عليه‌السلام، كتب الي كتابا و أمرني أن لا أفكه حتي يموت يحيي بن أبي‌عمران - و يحيي هذا وكيل معتمد من وكلائه و أصحابه المقربين -. قال: فمكث الكتاب عندي سنتين. فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيي بن أبي‌عمران، فككت الكتاب فاذا فيه: قم بما كان يقوم به. و كان ابراهيم - هذا - يقول: كنت لا أخاف الموت ما كان يحيي بن أبي‌عمران حيا» [374] . [ صفحه 243] فمن أنبأ الامام عليه‌السلام بأن هذا يموت قبل ذاك؟. و لم كتب الكتاب لذلك الرجل قبل موت صاحبه بسنتين؟!. و كيف أمن صاحبه الموت و اطمأن للحياة طالما بقي وكيل امامه حيا؟!! فلا بد من القول بأن الامام عليه‌السلام قد أوتي علم المنايا و علم البلايا في جملة ما أوتيه من نعم الله تعالي و مواهبه. و أنه انما كتب الكتاب لصاحبه قبل موت صاحبه بسنتين ليكشف لأصحابه جميعا عن أمره - الذي هو أمر ربه - بغية تعميق عقيدتهم و ترسيخ ايمانهم بالامامة في ذلك العصر الشديد التعصب، الكثير المذاهب الباطلة. و أن صاحبه الثاني أمن من الموت - فعلا - مدة بقاء صاحبه الأول حيا، بدافع عقيدته الراسخة في صدره، و بباعث ايمانه العميق بولاية أهل هذا البيت الكريم عليهم‌السلام، الذين جعلهم الله سبحانه سفراءه و أمناءه.. و ان قول صاحبه ابراهيم: كنت لا أخاف الموت ما زال يحيي حيا، يدل علي مرتبة عالية من التصديق و اليقين، و هذا ما نفتقر اليه لنكون في مصاف المؤمنين الأبدال.. .. و أما كيف كانت نهاية حياة الامام الجواد عليه‌السلام، و كيف مات؟. فلا تنتظر له ميتة علي غير شكل ميتة آبائه و أبنائه. فقتل الأفذاذ من الهاشميين أضحي عادة قررها «وثنيون»، لأن الهاشميين ربانيون.. و كرامة.. الأفذاذ - من الهاشميين - هي الشهادة التي اختصهم بمرتبتها السامية سلطان السماء جل و عز... ليرفع من درجاتهم..و لأنهم علي الحق فلا مكان لهم عند سلطان الأرض الذي هو علي الباطل.. و هكذا.. قتل السلطان الأرضي الجائر، هذا الامام - الشاب العظيم، قتلة الباطل للحق، بفتوي ابليس القضاء و أبالسة الأرض.. و كانت للفتوي صفة «الاستعجال».. فاغتيل شابا طري العود خشية استتمام عمله الوظيفي، و ظهور [ صفحه 244] قواعده الجماعية، بعد بروز الكامن من علمه اللدني!. كيف لا، و هم يرونه - منذ صغره - يكشف جهل الفقهاء، و يبقر كروش المتخومين حول موائد قصور الحكام، و يفضح المتأمر علي الناس بالباطل و باسم الاسلام!. لهذا كله كانت لاغتياله صفة الاستعجال، فان السلطان الجائر لا يطيق التروي في قتل الغيلة اذا عرف أن واحدا يفضح جوره و باطله، و يهز ركن عرشه القائم، الطاغي الظالم.. و نحن لن نوزع التهم من عندنا.. و لن نقول الا ما قاله غيرنا و طوته بطون كتب التاريخ و الأخبار.. و سنكون بعيدين عن الوضع و الاختلاق، مشيرين باصبعنا الي المجرمين الذين نادوا علي أنفسهم بالجريمة التي اهتزت لها السماء قبل الأرض. فالامام الجواد عليه‌السلام قتل مسموما.. و ليس بذلك شك. أما كيف سم؟. و من دس له السم؟. فهناك قولان تاريخيان. أحدهما يضع في قفص الاتهام قاضي الشرع الشريف - أحمد بن دؤاد [375] و بعض الوزراء و الكتاب.. و جعفر بن المأمون.. و علي رأسهم المعتصم نفسه. و ثانيهما يلبس الجريمة للزوج الليئمة.. و أخيها لأمها و أبيها - جعفر -.. و بعض «رسل الشر».. و برئاسة المعتصم أيضا. فالمعتصم - في الحالتين، و بحسب القولين - مشترك لم يعصمه عن ذلك ايمان.. و قد كان علي رأس المباشرين و المنفذين، و أولهم، لا ثاني أحدهم. فمن القول الأول ما جاء في تفسير العياشي من أن زرقان - و هو لقب لأبي [ صفحه 245] جعفر الزيات المحدث - صاحب أحمد بن أبي‌دؤاد و صديقه - و ابن أبي‌دؤاد هو قاض و وزير و مشير للمأمون و المعتصم - قال: «رجع ابن أبي‌دؤاد ذات يوم من عند «المعتصم» و هو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة. قال: قلت له: و لم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبي‌جعفر - محمد بن علي بن موسي - اليوم بين يدي أميرالمؤمنين. قال: قلت له: و كيف كان ذلك؟. قال: ان سارقا أقر علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه. فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه. و قد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟. قال: فقلت: من الكرسوع - أي طرف الزند -. قال: و ما الحجة في ذلك؟. قال: قلت لأن اليد هي الأصابع و الكف و الكرسوع، لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) [376] و اتفق معي علي ذلك قوم. و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق. قال: و ما الدليل علي ذلك؟. قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [377] في الغسل، دل علي أن حد اليد هو المرفق. قال: فالتفت الي محمد بن علي عليه‌السلام فقال: ما تقول في هذا يا أباجعفر؟. فقال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين. [ صفحه 246] قال: دعني ما تكلموا به!. أي شي‌ء عندك؟. قال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال: أما اذا أقسمت علي بالله، اني أقول: انهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكف. قال: و ما الحجة في ذلك؟. قال: قول رسول الله: السجود علي سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين. فاذا قطعت يده من الكرسوع، أو المرفق، لم يبق له يد يسجد عليها. و قال الله تبارك و تعالي: (و أن المساجد لله) [378] يعني هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحدا) [379] و ما كان لله لا يقطع. قال: فأعجب «المعتصم» ذلك، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال ابن ابي‌دؤاد: قامت قيامتي و تمنيت أني لم أك حيا. قال زرقان: قال ابن أبي‌دؤاد: صرت الي «المعتصم» بعد ثلاثة فقلت: ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار. - و كأن النصيحة لله غير واجبة عند فضيلة القاضي!. - قال: و ما هو؟. قلت: اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك و قد حضر مجلسه أهل بيته و قواده و وزراؤه و كتابه، و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته و يدعون أنه أولي منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟!. قال: فتغير لونه و تنبه لما نبهته له و قال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا. [ صفحه 247] قال: فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه - أي يدعو الامام الجواد عليه‌السلام - الي منزله. فدعاه فأبي أن يجيبه و قال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم. فقال: اني انما أدعوك الي الطعام، و أحب أن تطأ ثيابي و تدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك. فصار اليه، فلما طعم منها أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خير لك. فلم يزل يوم ذاك وليلته في خلفة [380] حتي قبض عليه‌السلام» [381] . و كان الامام عليه‌السلام قد ترك في الدار وحده، و حاول المعتصم منع الشيعة من تشييعه، فاحتشدوا حول الدار بسيوفهم، و استخرجوا الجنازة بالقوة اذ كانوا متعاقدين علي الموت و متعاهدين علي الوقوف بجرأة ظاهرة. و مما لا شك فيه أن المعتصم أقل دهاء من أخيه المأمون، و لذلك كان يبدو عليه الغيظ من ظهور الحق و من بروز الامام بشكل مميز بخلاف أخيه. بل كانت ترتسم علي وجهه امارات الحقد و الحسد للامام، و لذلك سريعا ما وافق علي اشارة قاضيه ابن ابي‌دؤاد الذي اقترح عليه قتل الامام. ذاك أنه أيقن أنه اذا أتيح لمواهب الامام عليه‌السلام أن تظهر للسواد لاستقطب الأمة من حوله، و لبار ما هم فيه من الحكم الظالم الغاشم، فتعجل المعتصم فعلته المجرمة التي كانت تكملة لفصول الرواية التي «أجاد» أخوه المأمون فصولها الأولي، و ساعد في «التعجيل» رأي [ صفحه 248] القاضي المشير ابن أبي‌دؤاد و اشارته حين «أنذر» العرش باعصار قد يعصف فيه عما قريب.. ناسيا موقفه بين يدي ربه العزيز الجبار!. و لذلك فانه «لما بويع المعتصم سنة 218 هجرية جعل يتفقد أحوال الامام عليه‌السلام، فكتب الي عبد الملك الزيات أن ينفذ اليه التقي عليه‌السلام و أم‌الفضل، فأنفذ الزيات علي بن يقطين [382] اليه. فتجهز و خرج الي بغداد، فأكرمه - المعتصم - و عظمه - تغطية لآخر فصول الرواية العباسية - و أنفذ أشناس - أحد رجاله - بالتحف اليه و الي أم‌الفضل - بغية تحريك عرق العباسية عندها -.. ثم أنفذ اليه شراب الأترج - أي عصيره - تحت ختمه علي يدي أشناس، فقال: ان أميرالمؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي‌دؤاد، و سعيد ابن‌الخطيب - قاضييه الشرعيين!. - و جماعة من المعروفين، و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج. و صنع في الحال. قال عليه‌السلام: أشربها بالليل. قال: انها تنفع باردا و قد ذاب الثلج. و أصر علي ذلك. فشربها عالما بفعلهم» [383] . فالخليفة الذي يتفقد أحوال واحد يأمر و اليه ببره و الاحسان اليه، و لا يأمره باحضاره تحت الحفظ و الرقابة. و هو اذا أمر بحمله اليه، لا يستدعي زوجته معه، لولا أن له بها حاجة في الفصل الأخير من رواية الاغتيال. و قد أنفذ الزيات - بأمر من الخليفة - أحد ابني يقطين - الشيعي - تمويها علي الشيعة و علي العامة، و من أجل أن يقال: ذهب و بخدمته وزير من شيعته و شيعة أبيه. [ صفحه 249] و بعث بالتحف و الهدايا ليتحدث الناس باكرامه للامام، و ليحرك عصبية الأميرة - الخطيرة فتشعر بدف‌ء الايواء تحت جناح «العباسية» المتسلطة. و أرسل بالشراب مختوما.. لماذا؟. لسبب واحد واضح - علي الأقل.. و هو ابعاد التهمة عن «قصر السموم المعلوم» بشهادة قاضيي زور ورد اسماهما أعلاه، مع جماعة آخرين من الوزراء و الأعيان المنافقين. و ذاق الخليفة الشراب أمام شهود الحال، و داف السم - أمامهم أيضا لأنه كان بمشورتهم و رأيهم - ثم ختمه بحضورهم. و يلفت النظر أنه قال لأشناس: «و يأمرك أن تشرب منها بماء الثلج».. فلم الأمر؟. و لم ماء الثلج؟. كان الأمر، كيلا يحصل بطء في شربه و يذهب فعل السم فيه.. و بماء الثلج لتغطية طعم السم بالبرودة التي تؤثر في اخفاء الطعم و الرائحة.. و كلمة. «صنع في الحال» لئلا يطفو شي‌ء من بقايا زيت السموم علي وجه الاناء.. و الاصرار من الخادم علي الامام بأن يشرب حالا يفضح كل أسرار الجريمة.. و لذلك: شربها عالما بفعلهم!. و يلفت النظر أيضا ارسال ابريق الشراب من بيت الي بيت، في حين أنه شراب مبتذل ليس من غالي أشربة «القصر العالي»، و اصرار ذلك الخادم المكرر بعدة عبارات سمعها من سيده!. فعلي هذه التساؤلات و غيرها مما يرد في الموضوع (أفتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون) [384] أيها القراء الكرام.. أما فتواي المتواضعة، فهي أن الخليفة كان يعلم أجوبة هذه الاشكالات، و قاضي قضاته، و قضاته.. و جماعة العارفين الذين شهدوا الختم علي الشراب، يعلمون.. [ صفحه 250] و لكن.. سهوا عن قوله سبحانه: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم و نجواهم، و أن الله علام الغيوب؟!). [385] . و قوله تعالي: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم؟!.. بلي، و رسلنا لديهم يكتبون)! [386] . نعم.. لقد حسبوا أن الله تعالي لا يسمع سرهم و نجواهم، و جهلوا أنه علام لغيوب القائل في محكم كتابه: (و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه)! [387] . و ظنوا - كذلك - أن الامام عليه‌السلام، لا يعلم خدعهم المغطاة بالتجلة و الاكرام، و ألا عيبهم الكامنة وراء التحف و الهدايا - بعد التقريب و الترويج و التزويج - تعمية علي شيعته و تضليلا لهم عما يضمرونه له من السوء!. و انهم لفي غاية السذاجة حين كانوا خلفاء اسلام، و وزراء سلطان، و جماعة من الأعيان، غفلوا - جميعا - عن قوله سبحانه: (و لقد خلقنا الانسان، و نعلم ما توسوس به نفسه، و نحن أقرب اليه من حبل الوريد!.) [388] فلم يفت أمرهم عالم السر، و لا خفي مكرهم عليه جل و علا، اذ كانوا - حين المؤامرة علي الامام الفتي عليه‌السلام - (يستخفون من الناس، و لا يستخفون من الله!. و هو معهم ان يبيتون ما لا يرضي..) [389] فهل أتتك سذاجة و جهل في الدين أبسط و أقل من هذه السذاجة و هذا الجهل بعظمة الله، و هم أمراء مؤمنين، و قضاة مسلمين؟!. لقد فضح الله - علي يد تاريخهم المزور المحرف - أكثر ما مكروه، فاستمع لما يأتي: فقد سبق ارسال ابريق الشراب المختوم - المسموم، الممهور بشهادات الخليفة [ صفحه 251] و سائر أعوانه المنافقين، ما حدث به أحمد بن حماد المروزي الذي كان من أصحاب الامام، و ابنه، و حفيده عليهم‌السلام - قائلا: «دخلت علي ابن أبي‌دؤاد يوما و هو في مجلسه مع أصحابه، و سمعته يقول لهم بعد جلوسه: يا هؤلاء، ما تقولون في شي‌ء قاله الخليفة البارحة؟. فقالوا: و ما ذاك؟. قال: قال الخليفة: ما تري الفلانية - أي الشيعة - تصنع ان أخرجنا اليهم أباجعفر سكران ينشي - يسكر و يفقد وعيه - مضمخا بالخلوق؟. قالوا: اذن تبطل حجتهم، و تبطل مقالتهم. فقال المروزي - أي الشيعي المتستر -: ان الفلانية يخالطونني كثيرا و يفضون الي بسر مقالتهم - أي عقيدتهم -. و ليس يلزمهم هذا الذي يجري من محاولة الحط من قدر امامهم. قال ابن أبي‌دؤاد: و من أين قلت هذا، و كيف استنتجته؟. قال المروزي: انهم يقولون: لا بد في كل زمان لله في أرضه من حجة يقطع العذر بينه و بين خلقه. فان كان في زمان الحجة من هو مثله في الشرف و النسب، كان أدل الدلائل علي الحجة قصد السلطان له من بين أهله و نوعه، ليضع من قدره، و ينزل من مرتبته، لأنه لا يخشي سواه. فوجم المتآمرون.. الا أن ابن أبي‌دؤاد نقل قول المروزي الي الخليفة فقال: «ليس في هؤلاء اليوم حيلة، فلا تؤذوا أباجعفر» [390] . «فلا تؤذوا أباجعفر» جملة فيها سم الأفعي المكشرة عن أنيابها.. التي لم تصر [ صفحه 252] طويلا عن اللدغ!. و قد قالها المعتصم ليعلن أن السلطان لا يقصد أذية الامام. فقد ورد الامام بغداد لليلتين من المحرم سنة 220 هجرية، و أقام بها حتي اغتيل في ذي القعدة من السنة ذاتها.. أي بعد وصوله بستة أشهر!. [391] فاذن، قد قال ذلك ليبعد الشبهة عن نفسه.. و تعجل اغتيال الامام حتي لا تحول بينهما الظروف. و علي كل حال لم يخن الخليفة العقل، و لا خذله التفكير حين رأي أن ليس في الشيعة حيلة «اليوم» بالذات.. فالامام في ريعان شبابه، و المعتصم في أول عهد امارته، و الوقت متسع.. فليتربص «يوما» آخر ملائما.. يحكم في خطة الغدر، لأن المبادرة الفورية قد تأتي مفضوحة؛ فلا جرم أن يفكر بما هو أحكم.. و لأن التريث أسلم لاكمال مراسم الحفاوة بعد أن أشخص الامام من المدينة الي بغداد محمولا.. بالقوة!. - و أيضا - لأن السماء و الأرض ترقبان «اليوم» ما يجري بشان الامام - و ان كان الخليفة لا يهتم بمراقبة السماء اهتمامه بمراقبة الأرض التي قد تقض مضجعه و تهز عرشه لأنها لا تمهل - في حين أن السماء تمهل.. و ان كانت لا تهمل!. -. فانتظار «اليوم المناسب» أحجي علي كل حال.. مضافا الي أن المعتصم حين قال: «لا تؤذوا أباجعفر» قد تنبه الي أن المأمون رمي الي خطة غدر حين قرب الامام و جعله صهرا علي ابنته الأميرة الأثيرة، ثم أطلق له حرية الاقامة في المدينة المنورة زمنا ما، ابعادا لشبهة الغدر، و علما بأنه في متناول يده دائما و أبدا.. أجل، تنبه الي أن ما فعله المأمون هو عين الحكمة، فلم الاستعجال؟!! و لكن.. هل يضمن لنفسه البقاء؟. و هل له في عرشه صك أمان؟. و هذا فضل الامام عليه‌السلام كشذا الطيب، لا يختفي الا في الحقاق.. فلا بد - اذن - من حبسه أو قتله.. [ صفحه 253] و فضل الامام يرفع من قدره، ويحط من قدر غيره. و السكوت عن «ظهوره» ليس في مصلحة «رب القصر» و لا في مصلحة عبدته، و مرتزقته!. و لكأني بالمعتصم قد ندم علي ما رأي من التريث و الصبر، اذ عاد الحقد فتحرك - عاجلا - و قضي باتمام الجريمة الكبري!!!. فقد روي عن ابن‌أروبة - و قيل أرومة - أنه قال: «ان المعتصم - الخليفة العباسي - دعا جماعة من وزرائه فقال: اشهدوا لي علي محمد بن علي بن موسي زورا، و اكتبوا أنه أراد أن يخرج - أي أراد أن يخلع الطاعة و يعلن الثورة -. ثم دعاه فقال: انك أردت أن تخرج علي. فقال الامام عليه‌السلام: و الله ما فعلت شيئا من ذلك. فقال المعتصم: ان فلانا، و فلانا، و فلانا، شهدوا عليك. فاحضروا، فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك. - قال: و كان جالسا في بهو، فرفع أبوجعفر عليه‌السلام يده و قال: اللهم ان كانوا كذبوا علي فخذهم. قال: فنظرنا الي ذلك البهو كيف يرجف و يذهب و يجي‌ء، و كلما قام واحد وقع!. فقال المعتصم: يا ابن رسول الله، اني تائب مما قلت، فادع ربك أن يسكنه. فقال عليه‌السلام: اللهم سكنه.. انك تعلم أنهم أعداؤك و أعدائي. فسكن!.» [392] . فتأمل!. [ صفحه 254] و بالعودة الي البهو الذي هدأ اضطرابه لا بد أن نعجب من خليفة للمسلمين وضع نفسه في مقعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و نسأله و نسأل قضاة الشرع عنده قائلين: أما سمعوا اليمين القاطعة التي أقسمها الامام عليه‌السلام «بأنه لم يفعل شيئا من ذلك»؟!! قد كان علي قضاته أن يطلعوه علي أهمية اليمين في الدين، و أنها تزيل الشبهات و تنفي التهم، و أنها تحق حقا و تبطل باطلا، و تحل مشكلا شرعيا و تقطع دابر فتنة في كبائر المسائل و صغائرها.. فهل هم علي غير هذا الدين (يحلفون علي الكذب، و هم يعلمون؟!) [393] . و يا أيها الخليفة «التائب» مما اتهمت الامام به حين نزل بك أمر الله، ثم قلت للامام: ادع ربك، أما تعلمت من بني اسرائيل غير هذه العبارة؟!. قد كانوا يقولون لموسي: ادع ربك، ثم يتعقبون «أمر البقرة» كالمصدقين لنبيهم، و هم غير مصدقين. فما بالك تستغيث بالرب الذي تعصيه، ثم تعطيه صفة الربوبية للامام فقط، اذ تضيفه الي «كاف الخطاب؟!». أليس ربه ربك و رب شهودك المتآمرين معك؟. أم أنتم علي غير هذا الدين؟!. من كان ربه رب الامام، يثق بالرب كثقة الامام به.. أفما كنتم تتفكرون.. و لا تتدبرون.. و لا تقفون من الشيطان موقفا واحدا رافضا؟!! و كأني بالقاري‌ء لا يزال واقفا عند اهتزاز البهو بالطواغيت - الجواليت الذي لم يعرف لاهتزازه تعليلا ميسورا.. و لذلك نقول له: ان هذه من علي الامام عليه‌السلام احدي المعالي، و هي من آيات آبائه و أجداده التي رفدتهم بها السماء ليواجهوا [ صفحه 255] بها دعاة النفاق المتسورين علي محاريب قدسهم من المتسودين علي عباد الله ظلما و عدوانا. فبالأمس دخل الامام الرضا عليه‌السلام علي المأمون و عنده «زينب الكذابة» التي كانت تزعم أنها ابنة علي بن أبي‌طالب، و أن عليا دعا لها بالبقاء الي يوم القيامة.. فقال المأمون للامام عليه‌السلام: سلم علي أختك. فقال: و الله ما هي أختي، و لا ولدها علي بن أبي‌طالب. فقالت زينب: و الله ما هو أخي، و لا ولده علي بن أبي‌طالب. فقال المأمون للرضا عليه‌السلام: ما مصداق قولك؟. قال: انا - أهل البيت - لحومنا محرمة علي السباع؛ فاطرحها الي السباع، فان تك صادقة فان السباع تغب لحمها. - أي تقربه مرة، و تتركه أخري، و تأنف ان تذوقه -. قالت زينب: ابدأ بالشيخ. فقال المأمون: لقد أنصفت؟. قال الرضا عليه‌السلام: أجل.. ففتحت بركة السباع، و أضويت - أهيجت -. فنزل الرضا اليها. فلما أن رأته بصبصت - أي طأطأت رؤوسها، و حركت أذنابها - و أومأت له بالسجود، فصلي ما بينها و ركعتين، و خرج منها!. فأمر المأمون «زينب» لتنزل، و امتنعت.. فطرحت الي السباع فأكلتها» [394] . و لو ذهبنا في ضرب المثل علي آيات أهل هذا البيت عليهم‌السلام، لطال بنا المقام و استطال و خرج بنا عن الموضوع الذي نحن بصدد بيانه.. و (ان الله اصطفي آدم، و نوحا، و آل ابراهيم، و آل عمران علي العالمين، ذرية بعضها من بعض) [395] . [ صفحه 256] و لا شأن للمخلوق، باصطفاء الخالق لهذه الذرية الدرية الطاهرة الفاخرة!! أما القول الثاني - بشأن اغتياله عليه‌السلام - فهو ما روي من أن «أم‌الفضل كتبت الي أبيها من المدينة تشكو الامام عليه‌السلام و تقول: أنه يتسري علي و يغيرني. - أي يتخذ السراري و الاماء فتغار منهن عليه -. فكتب المأمون اليها: يا بنية، انا لم نزوجك أباجعفر - عليه‌السلام - لنحرم عليه حلالا، و لا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها» [396] . .. وعرف المعتصم أن الزوجة الغيور - بنت أخيه - لم تكن علي مذهب زوجها - الامام عليه‌السلام.. و أنها - بحمدالله - كانت عقيما، قد ألهب العقم مشاعرها و أحرق كبدها. فبدأت معالم صورة الغدر بالامام تتكون و تتضح أمام ناظريه من علي عرش ملكه الغاشم.. .. ثم هذا جعفر - أخوها لأمها و أبيها - حاضر للغرق في وحل التمثيلية، فليكن الممثلون - المنفذون من نفس الطين و ذات العجين.. الأمر الذي يسهل التنفيذ بتمام اليسر و السرية.. قال العلامة المجلسي - رحمه الله - في «بحاره الزاخرة»: «ثم ان المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي‌جعفر عليه‌السلام، و أشار علي ابنة المأمون - زوجته - بأن تسمه، لأنه وقف علي انحرافها عن أبي‌جعفر عليه‌السلام، و شدة غيرتها عليه لتفضيله «أم أبي‌الحسن» ابنه عليها، و لأنه لم يرزق منها ولدا - [ صفحه 257] فأجابته الي ذلك و جعلت سما في عنب رازقي، و وضعته بين يديه. فلما أكل منه ندمت و جعلت تبكي. فقال عليه‌السلام: ما بكاؤك؟!. و الله ليضربنك بعقر لا ينجبر، و بلاء لا ينستر. فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا، فأنفقت مالها و جميع ما ملكته علي تلك العلة، حتي احتاجت الي الاسترفاد - أي المساعدة المالية -. و روي أن الناسور كان في فرجها» [397] . فواعجبا من أميرة خطيرة، تقيم في عصمة الامام عليه‌السلام ستة عشر عاما لم تغرس في قلبها شيئا من الرحمة أو المودة التي يجعلها الله تبارك و تعالي بين الزوجين كما بين في كتابه العزيز. و أستغفر الله و الحق، فانه قلب أميرة شريرة، عملت «بنصب أهلها» و نسيت ما هي عليه من الدين الاسلامي!. قد تم زواجها منه في السنة 205 هجرية، و تم سمه منها في السنة 220 هجرية، و كأن سنوات الزواج - الست عشرة - كانت عجافا بالنسبة لعاطفة «الأميرة العقيم» المتحجرة القلب العمياء البصر و البصيرة!. و روي صاحب «اثبات الوصية» هذه القصة كما يلي: «لما انصرف أبوجعفر - عليه‌السلام - الي العراق، لم يزل المعتصم و جعفر بن [ صفحه 258] المأمون يدبران و يعملان الحيلة في قتله - عليه‌السلام -. فقال جعفر لأخته أم‌الفضل - و كانت لأمه و أبيه - في ذلك، لأنه وقف علي انحرافها عنه و غيرتها عليه لتفضيل أم أبي‌الحسن - ابنه الهادي عليه‌السلام - عليها، مع شدة محبتها له، و لأنها لم تزرق منه ولدا. فأجابت أخاها جعفرا. و جعلا له سما في شي‌ء من عنب رازقي - و كان يعجبه العنب الرازقي - فلما أكل منه ندمت و جعلت تبكي. فقال لها: ما بكاؤك؟!. و الله ليضربنك بفقر لا ينجبر، و بلاء لا يتستر؛ فكان كما قال. - فبليت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها، صار ناسورا ينتقض عليها في وقت، فأنفقت مالها و جميع ملكها علي العلة، حتي احتاجت الي رفد الناس. و يروي أن الناسور كان آكلة في فرجها حتي تنكشف للطبيب ينظر اليها و يشير عليها بالدواء. و تردي جعفر بن المأمون في بئر فأخرج ميتا، و كان سكرانا» [398] . فيا للوفاء المجسم في تصرفات أميرة.. و أمير.. مسلمين!. «هي» عاشت في حجر زوجها الذي غدرت به ستة عشر عاما.. ثم أقدمت علي هذه الخيانة العظمي التي هي من شأن ربات المسارح اللواتي يلعبن أدوار الفاجرات و العاهرات!. لا من شأن الأميرات الكريمات. و «هو» الأمير، جعفر بن المأمون - عمل بدافع عصبية جاهلية تخطت الدين و القبيلة، و الانسانية.. و بوحي أمراء القصور الفاجرة الداعرة!. لا الأمراء النبلاء. و لا لوم علي كليهما.. لأن «من شابه أباه فما ظلم!.». أما من دس السم - حقا و حقيقة - و دخل في هذه العملية الخيانية - الاجرامية [ صفحه 259] الفظيعة، فهو مفضوح بطرفيه: الساعي، و الفاعل. و لن ندع القاري‌ء يضيع عنه و يحار بين شراب الأترج، و العنب الرازقي، و لن نربكه فيختلط عليه الأمر بين أن يأخذ المعتصم بالجريمة، أو أن يأخذ بها أم الفضل.. و أم الأصل!. فالمؤسس لأساس الظلم، هو المأمون.. خليفة أبيه الذي سبقه في استعمال جند السموم.. و الساعي - بذهب محروق - هو المعتصم.. و أعانه قوم آخرون.. جاؤوا بذلك ظلما و زورا: ذهابا من ابن أبي‌دؤاد الذي لبس عارها و شنارها، و اختار نارها بتزلفه للسلطان و اغضابه للرحمان، و بتصعيده للفكرة و عمله علي تأجيج الحقد، و انتهاء بجعفر بن المأمون.. الشقيق الصفيق، و مرورا بالجاهلة التي انتقمت لغيرتها.. و لأسرتها.. و باءت بخزي الدهر بعد أن أجرمت و ابتليت بداء ذوات العهر.. فاجترضت باقي أيام حياتها غصصا مرة.. أليمة!. اذ انزوت تشتغل بمداواة «الداء الذي لا دواء له» في أغمض مناطق احساسها، فنفر منها أقرب المقربين فانطرحت جيفة منتنة، و كانت نكالا لكل متجري‌ء علي الله تعالي في صفوته من الخلق و خزان علمه و مواضع سره، و سادة عباده وقادتهم!. فأم الفضل هذه.. هذه احدي «فضائلها»!. و من «رذائلها» - عفو القول و الهجر - أنه قيل أيضا: «.. سمته في فرجه بمنديل. فلما أحس بذلك قال لها: أبلاك الله بداء لا دواء له!. فوقعت الآكلة في فرجها. و كانت ترجع الي الأطباء و يشيرون بالدواء عليها [ صفحه 260] فلا ينفع ذلك، حتي ماتت من علتها» [399] . و احدي «الفضيلتين» تكفي «أم.. الفضل.. لتكون غير ذات فضل، و غير ذات نبل!.». و أجار الله مهجة التاريخ الاسلامي المكتوب - مكذوبا، محرفا مزيفا، مغيرا مبدلا، مليئا بالنسخ و الوضع و التعمل و التزوير - طمعا بالمناصب السلطانية، و بمل‌ء الجيوب و الكروش - فأضاع - بذلك - كثيرا من الحقائق، و جعل من «أشباه المسلمين» حكاما، و سلاطين، و خلفاء نبي كريم لبئسما فعلوا - بعده - بأهل بيته و ذوي قرباه!. قال محمد بن الفرج: «كتب الي أبوجعفر عليه‌السلام: احملوا الي الخمس فاني لست آخذه منكم سوي عامي هذا. فقبض في تلك السنة» [400] . فما هذا الانذار الذي تلقاه بموته (و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا، و ما تدري نفس بأي أرض تموت»؟. [401] ثم أفشاه - علنا - بين أصحابه، بكامل القطع و الجزم!. و من أخبره بنهاية عمره شابا في ريعان غضارته و نضارته؟. انه ليس من الرجم بالغيب.. بل هو من الغيب.. المحتوم.. مهما ظن الخصوم. و هو من صلب علم أهل البيت عليهم‌السلام، و من صميم مواهب الله تعالي لهم.. و هنيئا للمسلم باختيار الله المقلل من الاعتراضات عليه في خلقه و تدبيره.. [ صفحه 261] فللامام الجواد عليه‌السلام قولة قالها في العشية التي توفي فيها تدهش العقول، و تذهلها.. فقد حكي أبومسافر أنه عليه‌السلام قال ليلتئذ: «اني ميت الليلة!. ثم قال: نحن معشر اذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقله اليه» [402] . فأي حي من الأحياء - بل أي طبيب - يستطيع أن يحدد وقت وفاته، ليلا أو نهارا، أو زمانا أو مكانا، و يقول ذلك بمل‌ء فيه و بتمام الثقة؟. لا أحد قطعا.. و أمر هؤلاء النخبة من أمر الله سبحانه، و سرهم من سره، و من آمن بذلك فقد أكمل ايمانه و أقر بمواهبه تعالي لعباده المخلصين، و خلص نفسه من وساوس النفس و همزات الشياطين، و من شوائب الكفر بما تقدره السماء و تقرره. و انه عليه‌السلام، لما خرج حاجا في تلك السنة و معه ابنة المأمون، خرج معه ابنه علي الهادي عليه‌السلام - و هو في الثامنة من عمره -. فخلفه في المدينة و سلم اليه المواريث و السلاح، و نص عليه بمشهد ثقاتة و أصحابه، و انصرف الي العراق و معه زوجته ابنة المأمون، فوجد أن المأمون قد خرج الي بلاد الروم، فمات في رجب سنة ثماني عشرة و مئتين، و بويع المعتصم في شعبان من تلك السنة [403] ثم سم الامام عليه‌السلام بعد ثلاثين شهرا؛ و قد علم أن حجه كان الأخير فسلم مواريث النبوة لولده الصغير، بجرأة الأنبياء علي معرفة مصيره، و بيقين الأولياء في ادراك ما يعجز عنه غيره.. و مضي الي بغداد عالما أنه لا يعود منها. وحكي صفوان بن يحيي، عن أبي‌نصر الهمداني - الذي كان من موالي الجواد، و ابنه الهادي، و حفيده العسكري عليهم‌السلام - أن السيدة الشريفة - حكيمة بنت الامام الجواد عليه‌السلام، دخلت - بعد وفاة أبيها - علي زوجته أم‌عيسي - و هذا لقب جديد للأميرة الخطيرة - لتعزيها - و كان الناس يعزونها و يذكرون مناقبه - و قالت له: [ صفحه 262] فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن و الجزع عليه، تكاد تقتل نفسها بالبكاء و العويل، فخفت أن تتصدع مرارتها. فبينا نحن في حديثه، و كرمه، و وصف خلقه، و ما أعطاه الله تعالي من الشرف و الاخلاص، و منحه من العز و الكرامة، اذ قالت أم‌عيسي: ألا أخبرك عنه بشي‌ء عجيب و أمر جليل فوق الوصف و المقدار؟. قلت: و ما ذاك؟. قالت: كنت أغار عليه كثيرا، و أراقبه أبدا. و ربما يسمعني الكلام - أي يوبخها - فأشكو ذلك الي أبي فيقول: يا بنية احتمليه، فانه بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و هو كلما دخل عليه هرع اليه فضمه الي صدره و رحب به و خلا معه فلا يأذن لأحد بالدخول عليهما الا من كان من خاصته و المقربين من أهله» [404] . و في كشف الغمة روي هذا الحديث عن حكيمة بنت الرضا عليه‌السلام، و أنها قالت: «لما توفي أخي محمد بن الرضا، صرت يوما الي امرأته أم‌الفضل، لسبب احتجت اليها فيه. فبينا نحن نتذاكر فضل محمد، و كرمه، و ما أعطاه الله من العلم و الحكمة، اذ قالت امرأته أم‌الفضل: أخبرك عن أبي‌جعفر بعجيبة لم يسمع مثلها؟!. قلت: و ما ذاك؟ قالت: انه ربما كان أغارني، مرة بجارية، و مرة بتزويج. فكنت أشكوه الي المأمون فيقول: يا بنية احتملي، فانه ابن رسول الله. [ صفحه 263] فبينما أنا ذات ليلة جالسة، اذا أتت امرأة من أحسن الناس و كأنها قضيب بان أو غصن خيزران. فسلمت علي، فسألتها: من أنت؟. فقالت: أنا زوجة أبي‌جعفر ابن الرضا، و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر. قالت أم‌الفضل: فأجلستها لحرمته. و دخل علي من الغيرة ما لم أملك نفسي، و وسوس الي الشيطان بقتلها!. ثم احتملت و رحبت بها و أعطيتها. فلما خرجت نهضت من ساعتي فدخلت الي المأمون - و كان ثملا من الشراب، و قد مضي من الليل ساعات و هو لا يعقل - فأخبرته بحالي، و قلت: انه يشتمك، و يشتمني، و يشتم العباس و ولده.. و قلت ما لم يكن. فغاظه ذلك و قال: علي بالسيف، و الله لأقتلنه. فقام، و تبعته و معه خادم. و جاء، فدخل علي أبي‌جعفر و هو نائم، فضربه بالسيف حتي قطعه اربا اربا، و ذبحه، و عاد فنام!. فلما أصبح كنت بجانبه، فرآني فقال: ما تصنعين هاهنا؟. فعرفته ما كان بدا منه، و قلت: قد قتلت البارحة ابن الرضا!. فبرقت عيناه و أغشي عليه. فلما أفاق قال: ويلك ما تقولين؟!! قلت: نعم يا أبه، دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسيف حتي قتلته. فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا ثم قال: علي بياسر الخادم. فلما حضر الخادم قال: ويلك، ما هذا الذي تقول هذه؟. فقال: صدقت، يا أميرالمؤمنين. فقال: هلكنا، و افتضحنا الي آخر الأبد.. اذهب فانظر القصة. فذهب الخادم فوجد أباجعفر قائما يصلي و لا أثر فيه.. فأخبر أنه سالم، ففرح و قال: ما بقي بعد هذا شي‌ء آخر!. ان هذا لعبرة الأولين و الآخرين!. ثم أعطي الخادم ألف دينار، و حمل اليه عشرة آلاف دينار. و اجتمعا، و اعتذر اليه [ صفحه 264] بالسكر!. و أشار عليه - أي الامام عليه‌السلام - بترك الشراب فقبل» [405] . و قال الامام عليه‌السلام لمن حضر من الهاشميين و غيرهم ممن عرفوا بالقصة: أو ما علم أن لي ناصرا و حاجزا يحجز بيني و بينه؟!! [406] . و لن نصدق أم‌عيسي، و لا نكذبها، بل نلقي التبعة علي كاهلها الذي كان يحمل الأثقال الجسام.. و لا ينوة بفضح سكر أبيها و قتله للامام. ولكننا نقول: يا ليت كان الله جنب مرارتها من التصدع!. وليته صان قلبها - الحساس - من التمزق و الجزع!. و حبذا لو أبقي علي دموعها - دموع التماسيح - التي ذرفتها علي «عزيز» أثير لديها كالامام أبي‌جعفر عليه‌السلام!. و لا حرم الله الأمة من أمثال هذه العواطف الحاقدة - الكاذبة التي كثيرا ما يشاهدها رواد السينماءات و الملاهي تنهمر من عيون الكاذبات - المتصنعات، و تسيل من آماق الممثلات الماكرات!. و ما كان أغني أم اللقب الجديد - أم‌عيسي - عن انفجار الدموع، و انشطار المرارة، و تمزق القلب.. و عيسي عليه‌السلام رسول الرحمة و المحبة و السلام؟!. الممثلات يبعن في الملاهي دموعهن، و مرائرهن، و قلوبهن.. بأثمان غالية. فماذا قبضت ثمن ذلك يا ذات اللقبين؟!! أولئك يتاجرن علي خشبة المسرح.. و يربحن شهرة، و مالا. و أنت.. خسرت صفقتك.. و بؤت بالخزي.. و العار.. و النار.. و غضب الجبار، و دفعت غضارة النعيم في حياتك الدنيا.. ثمنا لخسارتك الأخروية.. و مقابل عرش غيرك.. يا بنت الأمراء.. السفاحين!. و شتان ما بين من يمثل دورا لينال الشهرة و الأجر، [ صفحه 265] و بين من مثلت دور خيانة كبري.. و رجعت بالخسر، أبد الدهر.. و يوم الحشر!. و في كل حال لحق الامام عليه‌السلام بالرفيق الأعلي - مسموما - و انضم الي قافلة الشهداء الأبرار من أجداده و آبائه عليهم الصلاة و السلام. و أنهي ظلم «الحكام المسلمين» بموته حياة امام، لسان حال السؤال الذي يوجه اليهم يوم القيامة بشأنه يقول: (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، و قد جاءكم بالبينات من ربكم)؟! [407] . و انطوت بقتله صفحة مشرقة من صفحات المجاهدين في سبيل ايصال كلمة الله تعالي الي عباده، ممن كانوا سفرته سبحانه في أرضه، و أمناءه علي وحيه و عزائم أمره، من أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و مهبط الوحي و التنزيل، و كان ذلك يوم السبت لست خلون من ذي الحجة [408] سنة عشرين و مئتين لانقضاء الهجرة النبوية الشريفة. و بعد وفاته دخلت زوجته - بنت المأمون - الي قصر المعتصم فجعلت مع الحرم، و ذاقت بعده الحياة مرة، و الموت زؤاما، و عذاب الندامة و الألم النفسي الأليم علقما.. ولات ساعة مندم!. و كان عمره خسما و عشرين سنة، و ثلاثة أشهر، و اثني عشر يوما [409] ، و خلف بعده ذكرين، هما: علي - الامام الهادي عليه‌السلام - الذي ولد سنة 212 هجرية و كان ابن تسع سنين تقريبا، ثم أخوه موسي، و ابنتين هما: فاطمة، و أمامة [410] . [ صفحه 266] .. ثم دفن الامام عليه‌السلام خلف جده الامام الكاظم عليه‌السلام [411] في مقابر قريش - في أطراف بغداد، و تقوم الآن من حول مقامهما مدينة الكاظمية المترامية الأطراف؛ و مقامهما مزار يكتظ بالزوار و المتشرفين به ليل نهار بحيث تشتبك أيديهم في قضبان القفص الذهبي الموضوع علي قبريهما و تتلاقي من حوله دموع الطائفين به، و تتصاعد دعواتهم و ابتهالاتهم الي الله عزوجل في طلب الحوائج، و رجاء المغفرة و تشفعا بهذين الامامين العظيمين اللذين اعتالهما ظلم الحاكمين باسم الاسلام الذي جاء به جدهما الاكرم محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و قد قامت «حضرتهما» الشريفة تحت قبة كبري و مآذن سامقة الي السماء - مذهبة كلها - يرجع البصر عنها خاسئا و هو حسير - و قامت في وسط عاصمة الظلم و الجور لتكون قدي في أعين ظالمي أهل بيت النبي الي يوم يبعثون، و محجة يفي‌ء اليها الوالهون، و يأوي الي هيكل قدسها المؤمنون الموالون الي أن يقوم الناس لرب العالمين. أما الظالمون.. فقد طواهم التراب.. و أخني عليهم الدهر.. و ديارهم خراب.. و قبورهم قد ذهب بعفنها التراب.. و الله وحده يعلم سوء مصيرهم بعد وقوفهم بين يدي ربهم الذي يحاسب علي مثقال الذرة!! أما مدة ولايته فكانت سبع عشرة سنة [412] . و قيل أنه مضي له في عهد والده سبع سنين و أربعة أشهر و يومين، وعاش بعده ثماني عشرة سنة الا عشرين يوما، أو تسع عشرة سنة الا خمسة و عشرين يوما، و قد توفي عنه أبوه سنة 203 هجرية.. [ صفحه 267] و كانت امامته بقية ملك المأمون، و أول ملك المعتصم - بعد أن مضي منه ثلاثون شهرا، و قد قال ابن بزيع العطار - كما ذكرنا سابقا -: «قال أبوجعفر: الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا. فنظرنا فمات عليه‌السلام بعد ثلاثين شهرا» [413] . و قال محمد بن الفرج: «كتب لي أبوجعفر عليه‌السلام: اذا غضب الله تبارك و تعالي علي خلقه، نحانا عن جوارهم» [414] . «و ذكر ابن همداني الفقيه، في تتمة تاريخ أبي شجاع الذي كان من وزراء العباسيين، في ذيل كتاب تجارب الأمم: أنه لما خرقوا القبور بمقابر قريش في بغداد و أحرقوها و هدموها، حاولوا حفر ضريح أبي‌جعفر، محمد بن علي عليهماالسلام، و اخراج رمته و تحويلها الي مقابر أحمد، فحال تراب الهدم و رماد الحريق بينهم و بين معرفة قبره» [415] . و قد أبي الله تعالي الا صون أوليائه - أحياء و أمواتا - عن أن تمس أجسادهم الطاهرة الأيدي الأئمة التي يحركها السلطان و الشيطان.. ثم اندثرت قبور من أحرقوا قبور أوليائه سبحانه و من هدموها، و بادوا و باد ذكرهم و باؤا بخسران الدنيا و خزي الآخرة. و خلد ذكر أهل الحق اذ سبق القضاء و جف القلم بعد أن قال الله تعالي في محكم كتابه: [ صفحه 268] (انا لننصر رسلنا، و الذين آمنوا) [416] . فلا يدوم الا الحق.. و الظلم مرتعه وخيم.. أما الظالمون (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم!) [417] . [ صفحه 269]

بعض آياته و دلالاته و معاجزه الخارقة

مررنا بكثير كثير من آياته و دلالاته فيما سبق. و لا يجفلن القاري‌ء هذا العنوان الذي يغضب ضعاف النفوس فيقولون: هل للامام آيات؟.. و دلالات؟!. و هل هو رسول.. مبعوث ببراهين؟.. و معاجز؟!! أجل، له آيات.. و لا يتعجلن الأمور حتي يتبينها.. فالعجلة من الشيطان. و الامام ليس نبيا، ولكنه وصي مستأمن علي الرسالة، شأنه معها كشأن النبي الذي أداها كاملة قبل موته، و وظيفته حياطتها من الزيادة و النقصان و التحريف و التأويل، و كل ما يمس جوهرها أصولا و فروعا. و ان أستاذ كل نبي هو الله عز و جل، و أستاذ كل امام هو النبي الذي عهد اليه. فأستاذ هذا، أستاذ ذاك.. و كلاهما لا ينطقان عن الهوي. لأن الأنبياء و أوصياءهم يزقون العلم زقا، مع فارق أن النبي يوحي اليه بأوامر و نواه يبلغها للناس، و أن الامام يخلفه في رعاية الشريعة، ويلهم القول الهاما. [ صفحه 270] و هنا لابد من التوسع في موضوع عرضنا له تحت عنوان: أوتي الحكم صبيا» لزيادة الايضاح: قال الله تعالي - و هو المعلم الأول -: (خلق الانسان، علمه البيان) [418] . و الانسان هو خليفته علي أرضه فلا عجب أن يجعل مستواه فوق مستويات بقية مخلوقاته. و هذا يعني - بالبديهة - أنه تعالي هو العالم و المعلم أولا و أخيرا، و لذا قال عن رسله - ابراهيم و أبنائه و حفدته الذين اختصهم بالنبوة - صلواته و سلامه عليهم: (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، و أوحينا اليهم فعل الخيرات..) [419] لأنه هو تعالي جاعلهم كذلك، و منصبهم أئمة و أدلاء لخلقه؛ قد عهد اليهم بشؤون عباده، و حماهم و تعهد خطاهم، و أيدهم بنصره.. ثم قال متحدثا عن شيخ الأنبياء، نوح عليه‌السلام: (قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين، أبلغكم رسالات ربي، و أنصح لكم، و أعلم من الله ما لا تعلمون) [420] . فبين نوح عليه‌السلام أن علمه من الله تبارك و تعالي. و قال سبحانه علي لسان أبي‌الأنبياء، ابراهيم عليه‌السلام: (يا أبت اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك).. [421] . أي أن لديه من العلم ما لم يتسن لأبيه بالرغم من أن أباه كان يعيش مع الناس، و أن ابراهيم عليه‌السلام ولد و نشأ ودب و درج في الغار بعيدا عن أعين المتربصين به ليقتلوه حين ولادته. [ صفحه 271] و بشأن ابراهيم عليه‌السلام - الذي كانت آيته أم الآيات السماوية - قال عز من قائل: (قلنا يا نار كوني بردا و سلاما علي ابراهيم) [422] . فلم تفعل نار النمرود [423] فيه فعل النار التي نعهدها، و ذهب حرها و ذهب معه حقد النمرود و جميع أتباعه من الكافرين. ثم قال تبارك و تعالي عن ابن أخته لوط عليه‌السلام: (و لوطا آتيناه حكما و علما). [424] فكان سبحانه معلمه و ملهمه العلم و الحكمة. و قال يعقوب عليه‌السلام لبنيه بعد تضييعهم ليوسف: (قال انما أشكو بثي و حزني الي الله، و أعلم من الله ما لا تعلمون) [425] . ثم قال سلام الله عليه بعد أن رأوا أن يوسف عليه‌السلام لا يزال علي قيد الحياة: (فلما أن جاء البشير ألقاه - أي قميص يوسف - علي وجهه فارتد بصيرا، قال ألم أقل لكم اني أعلم من الله ما لا تعلمون؟) [426] . و كان يعقوب عليه‌السلام، قد قال ليوسف بمل‌ء الثقة و هو يفسر له رؤياه التي رآها في منامه، و يعدد له نعم الله التي أعدها له: (و كذلك يجتبيك ربك و يعلمك من تأويل الأحاديث، و يتم نعمته عليك و علي آل يعقوب كما أتمها علي [ صفحه 272] أبويك من قبل ابراهيم و اسحاق).. [427] . و كذلك قال يوسف عليه‌السلام لرفيقيه في السجن بعد أن فسر لهما ما رأياه في المنام (ذلكما مما علمني ربي).. [428] . ثم قال تعالي عن موسي عليه‌السلام: (و لما بلغ أشده و استوي آتيناه حكما و علما..) [429] . و عنه و عن أخيه هارون عليهماالسلام قال عز من قائل: (و لقد مننا علي موسي و هارون.. و آتيناهما الكتاب المستبين، و هدينا هما الصراط المستقيم) [430] . و عن موسي عليه‌السلام و رفيقه في سفره لمقابلة الخضر عليه‌السلام قال عز و جل: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا، و علمناه من لدنا علما. قال له موسي هل أتبعك علي أن تعلمن مما علمت رشدا) [431] . .. فعلم الأنبياء و الأولياء - كلهم - علم لدني، رباني، موهوب غير مكسوب كما رأيت.. بل لقد أوحي سبحانه الي أم‌موسي و هي ليست بنبية و لا وصية فقال: (و أوحينا الي أم‌موسي..) [432] ثم امتن بذلك علي نبيه موسي عليه‌السلام و قال: (اذ أوحينا الي أمك ما يوحي: أن اقذفيه في التابوت..) [433] . أفلا يجوز أن يوحي الي الامام الذي يحمل مسؤولية السماء الكبري، ثم يوحي لأم موسي عليه‌السلام، و للنحلة؟!. [ صفحه 273] بلي و الله.. و لقد قال عزوجل متحدثا عن داود عليه‌السلام: (و سخرنا مع داود الجبال يسبحن و الطير.. و علمناه، صنعة لبؤس لكم لتحصنكم من بأسكم..) [434] . ثم قال تعالي عنه و عن ابنه سليمان عليهماالسلام: (و لقد آتينا داود و سليمان علما، و قالا: الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين) [435] فهو معطيهما العلم، و مفضلهما علي المؤمنين من عباده. ثم قال عزوجل عنهما عليهماالسلام: (وكلا آتيناه حكما و علما) [436] و قال عن سليمان عليه‌السلام: (.. ففهمناها سليمان..) [437] أي علمه الحكم في القضية التي عرضت علي أبيه و عليه، عليهماالسلام. و قال عن سليمان عليه‌السلام أيضا: (و لسليمان الريح - أي: سخرناها - له - تجري بأمره..) [438] . ليسير عليها بساط الريح الذي كان يحمله من بلد الي بلد مع حاشيته و جيشه حيث تأتمر الريح بأمره!. و هذه من الآيات العجيبة لأن مخلوقا من الناس يتصرف في العوامل الطبيعية و يغير مجراها!. و لذا فان سليمان عليه‌السلام قال متحدثا عن نعمة ربه: (.. يا أيها الناس علمنا منطق الطير، و أوتينا من كل شي‌ء، ان هذا لهو الفضل المبين!) [439] . [ صفحه 274] ثم قال عليه‌السلام متحدثا عن بلقيس ملكة سبأ: (و أوتينا العلم من قبلها و كنا مسلمين) [440] . ثم قال سبحانه - عن طالوت الذي هو ملك، لا نبي و لا وصي - علي لسان نبي من أنبياء بني اسرائيل: (قال: ان الله اصطفاه عليكم، و زاده بسطة في العلم و الجسم..). [441] . و عن عيسي عليه‌السلام قال عز و جل: (اذ قال الله يا عيسي ابن مريم اذكر نعمتي عليك و علي والدتك: اذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد، و كهلا، و اذ علمتك الكتاب و الحكمة و التوراة و الانجيل، و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني، فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني، و تبري‌ء الأكمه و الأبرص باذني، و اذا تخرج الموتي باذني...) [442] . بل لقد أوحي الي حواريي عيسي عليه‌السلام - و هذا وحي للأولياء لا للأنبياء -: (و اذ أوحيت الي الحواريين: أن آمنوا بي و برسولي..) [443] . بل: (و أوحي ربك الي النحل..) [444] . و النحل حشرات!. و كذلك تكلم سبحانه عن دخله بشأن أيوب، و اسماعيل، و ادريس، و ذي الكفل، و يونس، و زكريا، و يحيي، عليهم‌السلام جميعا، ثم قال عن مريم ابنة عمران عليهاالسلام: (و التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا، و جعلناها و ابنها آية [ صفحه 275] للعالمين). [445] فهو سبحانه و تعالي الذي جعلها آية - جعلا - و وفق ارادته.. و هذا يعني أنه عز و جل، يكون عباده كيف يشاء، و يمنح العلم و الحكمة لمن يشاء. بل ان الملائكة، الذين بأيديهم أمور السماوات و الأرضين و جميع مخلوقات الله، قد خاطبوا الله تعالي: و (قالوا: سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا، انك أنت العليم الحكيم) [446] كما ذكرنا منذ قليل. أما محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال له سبحانه: (.. و أنزل الله عليك الكتاب و الحكمة، و علمك ما لم تكن تعلم، و كان فضل الله عليك عظيما). [447] و ذلك بأن جعله خاتم الأنبياء و أفضلهم، و جعل أوصياءه خاتمي الأوصياء و أفضلهم أيضا.. هذا هو «العلم» الموهوب، الذي يكون من قبل الله جل و علا القائل في محكم كتابه: (نرفع درجات من نشاء، و فوق كل ذي علم عليم). [448] . و القائل - عز من قائل -: (.. يرفع الله الذين آمنوا منكم، و الذين أوتوا العلم درجات).. [449] . و لم يكن علم شهادات تخصص، و لا علم اجازات، و ماجستير، و دكتوراه، ولكنه العلم الرباني الذي اختص به الصفوة من عباده. فسبحان من خلق الناس و هداهم الي ما فيه صلاحهم، و هم (لا يحيطون بشي‌ء من علمه الا بما شاء!) [450] . [ صفحه 276] و نحن نقول للمتعجبين المستنكفين عن الاعتراف بمرتبة الامامة و الولاية ما كان يقول محمد صلي الله عليه و آله و سلم لمنكري رسالته: (و يقول الذين كفروا: لست مرسلا، قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم، و من عنده علم الكتاب) [451] . فليصدق من شاء أن يكون من المؤمنين، و ليكذب من أراد أن يكون في صف المكابرين العاملين برأيهم الشخصي، كما كذب قارون الذي قال عن ثروته الطائلة و غناه العظيم: (انما أوتيته علي علم عندي) [452] فخسف الله تعالي به و بداره و بماله الأرض.. أو أن يكون في عداد المستكبرين الذين قال سبحانه عنهم: (فاذا مس الانسان ضر دعانا، ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما أوتيته علي علم، بل هي فتنة. و لكن أكثرهم لا يعلمون) [453] . فلا يجوز أن تأخذ الفتنة بزمان رأينا و تسد علينا منافذ التفكير.. فمما صرح به الأئمة عليهم‌السلام أن الامام: «ينظر بنور الله، و يسمع بفهمه، و ينطق بحكمته. يصيب فلا يخطي‌ء، و يعلم فلا يجهل، قد ملي‌ء حلما و علما» [454] . ذاك أن الامامة عهد من الله سبحانه يسير الامام بموجبه فلا يتعداه.. و ان اسماعيل بن عمار سأل أباالحسن الأول - أي الامام الكاظم عليه‌السلام - فقال: «فرض الله علي الامام أن يوصي - قبل أن يخرج من الدينا - و يعهد؟. قال: نعم. فقال: فريضة من الله؟. [ صفحه 277] قال: نعم» [455] . و روي عمرو بن الأشعث عن الامام الصادق عليه‌السلام، قائلا: «سمعته يقول - و نحن في البيت معه نحو من عشرين انسانا -: لعلكم ترون أن هذا الأمر الي رجل منا يضعه حيث يشاء؟. لا و الله، انه لعهد من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، مسمي رجل فرجل حتي ينتهي الأمر الي صاحبه» [456] . و عن يحيي بن مالك عن أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام، قال: «سألته عن قول الله عز و جل: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها)؟ [457] . فقال: الامام يؤدي الي الامام» [458] . فالأئمة عليهم‌السلام مكلفون برعاية شؤون الرسالة؛ و هم مسددون مؤيدون من قبل الله تبارك و تعالي. و هم مفهمون ملهمون، يلقي اليهم و يوحي، كما ألقي و أوحي الي غيرهم من عباد الله المصطفين لحمل كلمة الله. فالامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان من محمد صلي الله عليه و آله و سلم كما كان هارون من موسي، الا أنه لا نبي بعده. أن أنه كانت تتوافر عنده جميع شروط النبوة و حمل الرسالة، ولكنه ليس نبيا. و الامام الحسن عليه‌السلام كان يعلم ما لا يعلمه الناس، و فعل ما عهد اليه جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يعد ذلك العهد قيد شعرة. و الامام الحسين عليه‌السلام قام بما شاء الله تعالي له من الشهادة الفذة في سبيله، بعهد من جده معهود، و هو مختوم عليه، مقرر من عند ربه.. و الامام زين‌العابدين عليه‌السلام لم يتخط حدود ما رسم له، فكان مؤدبا ربانيا بارعا، و مربيا نادرا لسائر العالمين. [ صفحه 278] و الامام الباقر عليه‌السلام حقق المدرسة السماوية التي كلفه بها خالقه و رفع بنيانها، و شرع في تأثيل العقيدة و نشر أحكام الله تعالي علي الأرض، ففسر القرآن و بين السنة و أوضح الكثير من الحلال و الحرام.. و الامام الصادق عليه‌السلام أتم دور أبيه و أجداده بما انصرف اليه من ارساء دعائم الدين، فكان شيخ فقهاء عصره - بل شيخ فقهاء العصور الي يوم النشور - و كان الامامان: مالك، و أبوحنيفة من تلامذته في الفقه [459] - كما كان جابر بن حيان من تلامذته في علم الكيمياء و الاكسير و ما الي ذلك كالجفر الذي فيه علم ما كان و ما سيكون الي يوم القيامة.. فمن علمه ذلك حتي أتقن الكيمياء و غيرها؟. و الامام الكاظم عليه‌السلام كان أستاذ الفقهاء رغم حبسه و عزله عن قواعده مدة أربع عشرة سنة [460] كان فيها تحت أعظم رقابة عرفها التاريخ، ولكنها لم تحل بينه و بين نشر علمه و القيام بوظيفته.. أما الامام الرضا عليه‌السلام فكان مطمح أنظار جهابذة العلم و الفقه من سائر الطوائف الاسلامية و غيرها، و كان سيد المتكلمين في عصر كان فيه العلم و الفلسفة في ابان ازدهارهما. و جاء من بعدهم الامام الجواد الفتي عليه‌السلام، الذي نريك بعض آياته و بيناته في هذا الموضوع، بعد أن مررت بكثير منها في المواضيع السابقة. قال محمد بن علي الهاشمي - الذي كان مناصبا للشيعة، منكرا حق الأئمة -: «دخلت علي أبي‌جعفر عليه‌السلام صبيحة عرسه ببنت المأمون، و كنت قد تناولت من أول الليل دواء، فأول من دخل في صبيحته أنا؛ و قد أصابني العطش و كرهت أن أدعو بالماء. فنظر أبوجعفر عليه‌السلام في وجهي و قال: أراك عطشانا. [ صفحه 279] قلت: أجل. قال: يا غلام اسقنا ماء. فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم، و اغتممت لذلك. فأقبل الغلام و معه الماء. فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء. فتناول الماء و شرب. ثم ناولني و تبسم، فشربت. و أطلت عنده، و عطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة الأولي، فشرب ثم ناولني و تبسم. و قال محمد بن حمزة: قالي لي محمد بن علي الهاشمي هذا: و الله اني لأظن أن أباجعفر عليه‌السلام يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة» [461] . أجل، لقد عرف الامام عليه‌السلام ما في نفس زائره من غير أن يتكلم زائره!. و لذلك شهد الزائر - و هو عدو للامام - بهذه الشهادة دون مواربة. و قد جرت هذه الحادثة مع رجل لا يتولاه و لا يقول بامامته، و قد أقسم الرجل يمينا علي أن الامام صلوات الله عليه يعلم ما في النفوس، لأنه عرف عطش جليسه مرتين من دون أن يتكلم جليسه!. ثم كيف علم الامام سلام الله عليه أن هذا الذي لا يواليه يحتمل أن القوم سيسقونه سما مع الماء، فشرب من الماء قبل أن يقدم اليه ليعرفه أنه غير مسموم؟!! و ما معني تبسمه في وجه من لا يعترف بامامته؟. ألا يعني ذلك أنه يريد أن «يعتقد» غريمه بأنه يعلم ما في النفوس؟!. [ صفحه 280] أولا يدل ذلك - أيضا - علي أن القوم يدسون السم في طعام و شراب أعدائهم؟!. بلي، و بشهادة هذا الذي هو من رجال القصر يتحقق «ماء القصر المسموم». كما أنه تحقق بشرب الامام عليه‌السلام قبل زائره للتهنئة، أن ذلك الماء - بالخصوص - كان غير مسموم، فشرب منه الامام بعد أن «علم» سلامته ليزيل من فكر الرجل أن «العروس الأميرة» ستدوف له السم في الماء منذ صبيحة ليلة العرس!. و اذا تحرك عجب قارئي الكريم من بعض ما منح الله تعالي هذا الامام العظيم من عطاياه التي لا تفسر بالمعقول، فانني سأرود معه ردهات قصر الامارة في بغداد لندخل الي بعض أبهائه الفخمة و نشهد الشريط التمثيلي التالي و نستمع الي ما رواه محمد بن الريان اذ قال: «احتال المأمون علي أبي‌جعفر عليه‌السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شي‌ء. فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته - و كان الامام عليه‌السلام دون الحلم - دفع الي مئة و صيفة من أجمل ما يكن، الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر، يستقبلن به أباجعفر عليه‌السلام اذا قعد في موضع الاختان، فلم يلتفت اليهن. و كان رجل يقال له «مخارق» صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية. فدعاه المأمون فقال: يا أميرالمؤمنين، ان كان في شي‌ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره. فقعد بين يدي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فشهق «مخارق» شهقة اجتمع اليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني. فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر عليه‌السلام لا يلتفت اليه، و لا يمينا و لا شمالا، ثم رفع رأسه و قال: اتق الله يا ذا العثنون. قال: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيده الي أن مات. [ صفحه 281] قال: فسأل المأمون عن حاله. قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا» [462] . و لو كان ذو العثنون - المجبول علي النفاق، و ذو اللحية المضمخة بفجور الفساق - لو كان يتقي الله تبارك و تعالي لما تجرأ علي أن يتبرع للمأمون بأن يكفيه أمر الامام.. فانه - مذ جهل حق الامام عليه‌السلام - عرفه الله تعالي حقه و قدره.. ثم أبقي غضبه «بصمة» علي يده الشلاء الآثمة.. و فزعة في قلبه الخواء. فقد كانت يده تحركها أنامل الشيطان، و كان قلبه مرتعا للأبالسة من بني الانسان. و من آياته الخارقة ما حكاه محمد بن أبي‌العلا عما جري بينه و بين يحيي بن أكثم - قاضي قضاة السلطان الذي تقدم أنه كان شيخ الامتحان - اذ قال محمد: «سمعت يحيي بن أكثم، قاضي سامراء، بعد ما جاهدت به و ناظرته، و جاورته. و قد قلت له يوما: علمني من علوم آل محمد. فقال يحيي: أخبرك بشرط أن تكتمه علي حال حياتي. قلت: نعم. قال يحيي: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فرأيت محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يطوف، فناظرته في مسائل عندي فأجابني - و أخرجها الي -. فقلت له: في نفسي «خفية» أريد أن أبديها و اني و الله لأستحيي من ذلك. فقال عليه‌السلام: أنا أخبرك بها قبل أن تسألني.. تريد أن تسأل: من الامام في هذا الزمان. [ صفحه 282] قلت: و الله هو هذا. قال عليه‌السلام: أنا هو. فسألته علامة.. و كان في يده عصا فنطقت فقالت: ان مولاي امام هذا الزمان، و هو الحجة» [463] . فهل هذا سحر؟. لا. ولكنها حادثة خارقة لا تصدر عن ولي الله في كل وقت.. و قد كانت ضرورية لجناب قاضي القصر الذي قبل انتدابه لامتحان ولي الله من قبل أعدائه، فباء - يومها - بالفشل و الخجل!. و حق لابن أكثم أن يطلب كتمان هذه القصة، لأنها تقطع رزقه.. و لسانه.. و تقصف عمره!. لأنه - في قصر المعتصم، بعد المأمون - رأس مال القصر الفقهي.. و علي فتاواه يقوم عرش الظلم.. فويل لمن أعان ظالما.. لأنه يستحق الشفقة لو كانت الشفقة تجوز عليه!. و امامة الامام لا تخفي علي «سائر» أهل الزمان، بل يعرفها الخاص و العام. الا أن منهم من يذعن و يعترف.. و منهم من ينظر، و يبسر.. و يقول: انه ساحر!. «و قد روي دعبل الخزاعي أنه دخل علي أبي‌الحسن الرضا عليه‌السلام، و أمر له بشي‌ء، فأخذه و لم يحمدالله، فقال له الامام: لم لم تحمد الله؟. قال: ثم دخلت بعده علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فأمر لي بشي‌ء فقلت الحمدلله. فقال لي عليه‌السلام: تأدبت؟.» [464] . فمن أخبر الامام عليه‌السلام بما حدث لدعبل مع أبيه؟. و كيف عرف أنه [ صفحه 283] يومئذ لم يحمد الله تعالي علي العطية، ثم التفت فحمده الآن؟. و هل يمكن أن يعرف ذلك اذا لم يكن محدثا؟. لا، طبعا.. و أنه لكذلك، اعترف بذلك المتعجبون أم أنكروه. و قا محمد بن سهل بن اليسع: «كنت مجاورا بمكة، فصرت الي المدينة، فدخلت علي أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام، فأردت أن أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتفق لي أن أسأله حتي ودعته و أردت الخروج. فقلت: أكتب اليه و أسأله. فكتبت اليه الكتاب و صرت الي المسجد علي أن أصلي ركعتين و أستخير الله مئة مرة، فان وقع في قلبي أن أبعت اليه بالكتاب بعثت، و الا خرقته.. ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أبعث، فخرقت الكتاب. و خرجت من المدينة، فبينما أنا سائر اذ رأيت رسولا و معه ثياب في منديل، و هو يتخلل القطار - أي القافلة - و يسأل عن محمد بن سهل القمي، حتي انتهي الي فقال لي: مولاك بعث اليك بهذا. و اذا ملاءتان، قال أحمد بن محمد: فقضي الله أني غسلته حين مات و كفنته فيهما» [465] . فكيف عرف الامام عليه‌السلام «ما أراد ابن اليسع»؟. و لماذا أرسل له بالثياب، و لم يهمل مطلبه؟. و الجواب أنه عرف ما أراده من الكسوة - دون غيرها - بالهام من الله تعالي الذي جعله وليا لأمره. و لولا الالهام، أو النكت بالقلب من الملك، لما تأتي له ذلك. و مثله لا يتأتي لساحر و لا لكاهن. أما ارسال الكسوة له فهو ذو مغزي هام كان كالسيف ذي الحدين، اذ يصيب بذلك هدفين: [ صفحه 284] أولهما: أنه يدل بذلك علي نفسه و أنه الامام الذي يحار الناس في صغر سنه و قدرته علي تحمل أعباء الولاية بين مئات الفقهاء الذين أنافوا علي الستين و السبعين من العمر، و بين طوائف مذهبية قوية الانتشار يحتضن بعضها السلطان. و ثانيهما: أنه يثبت به فؤاد صاحبه، فيطمئن الي أن أمر الله قد يحمله الصغير - كعيسي بن مريم عليه‌السلام و غيره - كما يحمله الكبير، بلا فرق، لأن من قدر علي أيجاد الكائنات و المخلوقات من كتم العدم، قادر علي نفث العلم في الصدور، و علي اطلاق لسان الصغير بالحكمة و قول الحق. مضافا الي أن صاحبه هذا، يحمل هذا الخبر الي أكثر من واحد، و ينقله سرا و علانية في أكثر من مناسبة، فيفشو بذلك أمر الامام بدلالات خارقة للعادة أمده بهاربه بالالهام. و كذلك قال الحسن بن علي الوشاء: «كنت بالمدينة - بالصريا في المشربة - مع أبي‌جعفر عليه‌السلام، فقام و قال: لا تبرح. قلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أباالحسن الرضا عليه‌السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل، فاذا عاد الي أبوجعفر عليه‌السلام فأسأله. فبعث الي بقميص ابتداء، من قبل أن أسأله، و من قبل أن يعود الي و أنا في المشربة و قال الرسول. يقول لك: هذا من الثياب التي كان يصلي فيها الرضا عليه‌السلام» [466] . فقد حصل منه عليه‌السلام ذلك كذلك. أي قبل أن يسأله «الوشاء» و دون أن يتلفظ بما كان يتمني أن يطلبه من أبيه، و قبل أن يعلم أحد غير الله تعالي بنيته. و قد تعمد الجواد عليه‌السلام أن يكون الثوب مما صلي فيه أبوه صلوات الله عليه، لأن «الوشاء» كان يضمر ذلك في نفسه. فكيف علم بنيته و ما دار في نفسه، و هو غائب عنه؟ [ صفحه 285] تأمل قليلا لتعرف أنه لولا هذه الدلائل المقنعة التي كان يعطيها الامام عليه‌السلام و غيرها من الوسائل، لضاع شيعته في خضم ذلك البحر المتلاطم من الأهواء التي غص بها ذلك الزمان، فضلا عن الجو الخانق الذي كانوا يعيشون فيه هم و أئمتهم عليهم‌السلام. و من دلائل ما من الله تعالي به عليه من العطايا التي اختص بها عباده المكرمين، ما حدث به عنه القاسم بن عبدالرحمان - الزيدي الذي كان منحرفا عنه و لا يقول بامامته و لا بامامة أربعة من آبائه - فقد قال: «خرجت الي بغداد، فبينا أنابها اذ رأيت الناس يتعادون - أي يتراكضون - و يتشرفون - أي ينظرون من عل - و ينظرون. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: ابن‌الرضا. فقلت: و الله لأنظرن اليه. فطلع علي بغل أو بغلة. فقلت: لعن الله أصحاب الامامة حيث يقولون: ان الله افترض طاعة هذا!. فعدل الي و قال: يا قاسم بن عبدالرحمان: (أبشرا واحدا منا نتبعه؟!. انا اذا لفي ضلال و سعر!) [467] . فقلت في نفسي: ساحر و الله!. فعدل الي، فقال: (أألقي الذكر عليه من بيننا؟. بل هو كذاب أشر) [468] . قال: فانصرفت، و قلت بالامامة، و شهدت أنه حجة الله علي خلقه، و اعتقدته بعد أن قلت له: علمت مني ما لم يعلمه الا الله» [469] . و كأني بالامام عليه‌السلام قد ألقي نظرة علي المستشرفين لرؤيته بعد أن استقر [ صفحه 286] علي بغلته و قال: عل عل أيها القطيع الذي يساق و لا يعرف المستقر و لا الي أين المساق!. فانه ليعتصر قلبه الغم لهذه الجموع التي استولي عليها الشيطان و أنساها ذكر الرحمان، فضاعت عن راعيها و كانت عرضة للهلاك في سبيل حطام الدينا!. يرمقها بطرفة الشريف، و يتنفس الصعداء، و يقول: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون.. ثم يلقي «كلمته» البالغة اذا حان حينها كما فعل مع القاسم بن عبدالرحمان الذي كان شديد العداوة له و لشيعته، ثم انقلب - بفضل حجة الامام البالغة - الي ولي حميم عدل الي الصراط المستقيم و قال بامامته بعد أن رأي برهان ربه.. و كان عمر بن فرج الرخجي من أعداء امامنا عليه‌السلام، و من الساخرين منه و ممن يقول بامامته - و قد انتفج صدره من تولي المناصب، و انتفح كرشه من لذائذ الدنيا و أطايبها - و قد زار بغداد مرة، و خرج للتنزه مع الوزراء و الكتاب و رجال البلاط، فرأي الامام عليه‌السلام علي شاطي‌ء دجلة، فأراد أن ينال منه و يهون من شأنه لدي الطغمة من رجال قصر الخلافة، و حكي ما جري له معه قائلا: «قلت لأبي جعفر: ان شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء دجلة و وزنه!. فقال لي بدون اكتراث: يقدر الله تعالي أن يفوض علم ذلك الي بعوضة أم لا؟. قلت: نعم، يقدر. فقال: أنا أكرم علي الله تعالي من بعوضة، و من أكثر خلقه» [470] . فجاء الجواب بسيطا دون تعقيد.. و بهت الذي كفر بامامته، و أراد أن يسخر منه و من شيعته، [ صفحه 287] و ذهب اشكاله الهاذر، مع ماء دجلة الهادر!. وطن في أذني هذا المستهزي‌ء قوله تعالي: (انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا.. و يوم يقوم الأشهاد!.).. [471] . و نصر الله تعالي عبده.. و ازدرد السائل كيده.. و علم أن الممتحن الهازي‌ء سقط.. حين تورط. فالجواد - سليل الأجودين - كان بالمرصاد لجميع شبهات المشككين، يجلوها لهم، و يقدم البرهان تلو البرهان ليبطل مكر الماكرين، و يثبت عقيدة الموالين، و يقيم الحجة الله علي خلقه فلا يقولون: لم لم تنصب لنا اماما يميز لنا الحق من الباطل فتهنا عن سواء السبيل؟. و الأعجب مما مر و من بعض ما يمر، هو أن عمر بن فرج الرخجي نفسه، الذي تصدي للامام علي شاطي‌ء دجلة بسؤال يريد أن يفحمه به أمام رجال القصر، قد قدم الي المدينة - بعد ذلك - فطلب الخليفة رجلا عالما أديبا، مخالفا لأهل البيت، و أمره - هو بالذات - أن يلازم الامام الفتي عليه‌السلام في صغره و بعد موت أبيه، و أن يمنع الشيعة منه و يعلمه العلوم و الأدب. فأخذ «عمر الامام عليه‌السلام فحبسه في القصر، و كان اذا خرج أقفله. و اذا أراد أن يعلمه شيئا و جده عالما به!. فسئل عنه فقال: ما في المدينة أحد أعلم مني الا هذا الصبي!. هذا مات أبوه بخراسان، و هو صغير بالمدينة، و نشأ بين هذي الجواري السود، فمن أبن علم هذا؟! [472] . و هذا حق. فمن أين له بهذا العلم الغزير، حتي نال شهادة أمير المدينة و قاضيها المنصب - من الخليفة - لتعليمه، قبل أن يبلغ الحلم؟!. و هل يتيسر ذلك لغير معلم من قبل الله عز و جل، مفهم من لدنه، ملهم [ صفحه 288] بالعلم دون كتاب و لا كتاب؟!! المكابرة - وحدها - هي التي أودت بدنيا «أبي‌جهل» و آخرته.. و العناد - لا غيره - هو الذي ألبس «أبالهب» عار الزمان، و خلد تقريعه في القرآن، وباء في الآخرة بالخسران.. فلا ينبغي أن يجعلنا جهلنا بأسرار أهل البيت عليهم‌السلام في صف أبي‌لهب و أبي‌جهل.. مهما كانت درجة الجهل مستفحلة عندنا.. ثم ما عتم أن اقتص الله تعالي لوليه الكريم عليه‌السلام من هذا العدو الزنيم في دار الدنيا قبل الآخرة، فمما حكاه ابن‌سنان قوله: «دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام - أي الامام الهادي، بن الجواد -. فقال: يا محمد، حدث بآل فرج حدث؟. فقلت: مات عمر. فقال: الحمد لله علي ذلك - أحصيت له أربعا و عشرين مرة -!. ثم قال: أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي، أبي؟. قلت: لا. قال: خاطبه في شي‌ء، قال: أظنك سكرانا!. فقال أبي- أي الجواد عليه‌السلام -: اللهم ان كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب و ذل الأسر. فوالله ما أن ذهبت الأيام حتي حرب ماله و ما كان له - سلب - ثم أخذ أسيرا؛ فهوذا مات: لا رحمه الله، و قد أدال الله عز و جل منه، و ما يزال يديل أولياءه من أعدائه» [473] . ألا (.. ان الله بالغ أمره!. قد جعل الله لكل شي‌ء قدرا) [474] . [ صفحه 289] و عن داود بن القاسم الجعفري - أبي‌هاشم -، قال: «دخلت علي أبي‌جعفر عليه‌السلام و معي ثلاث رقاع غير معنونة، و اشتبهت علي فاغتممت. فتناول احداها و قال: هذه رقعة ريان بن شبيب. ثم تناول الثانية فقال: هذه رقعة فلان.. فبهت أنظر اليه. فتبسم و أخذ الثالثة فقال: هذه رقعة فلان. فقلت: نعم، جعلت فداك. فأعطاني ثلائمئة دينار، و أمرني أن أحملها الي بعض بني عمه. ثم قال: أما انه سيقول لك: دلني علي حريف يشتري له بها متاعا، فدله عليه. قال: فأتيته بالدنانير، فقال لي: يا أباهاشم: دلني علي حريف يشتري لي بها متاعا. فقلت: نعم. و كلمني جمال سألني أن أخاطبه في ادخاله مع بعض أصحابه في أموره. فدخلت عليه لأكلمه، فوجدته يأكل و مع جماعة، فلم أتمكن من كلامه. فقال: يا أباهاشم: كل. و وضع بين يدي ما أكل منه ثم قال ابتداءا من غير مسألة: يا غلام، انظر الجمال الذي أتانا به أبوهاشم، فضمه اليك» [475] . و قال أبوهاشم، نفسه: «دخلت معه يوما بستانا فقلت له: جعلت فداك، اني مولع بأكل الطين. فادع الله لي.. فسكت، ثم قال لي بعد أيام ابتداءا منه: يا أباهاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين. [ صفحه 290] قال أبوهاشم: فما من شي‌ء أبغض الي منه اليوم» [476] . فمن - يا قارئي العزيز -: أنبأه بأسماء أصحاب الرقاع لولا الهام العليم الخبير؟!. أم أنه كان يعرف خطوط الناس جميعا حتي عرف خطوطهم؟. أم كان موعودا برسائلهم و كانوا من نوابه و أبوابه في البلدان؟. لا هذا و لا ذاك. بل أنبأه الذي أنبأ آدم بالأسماء.. و هو من صفوة بني‌آدم الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. و لو فكرت بقصة الجمال، و قصة أكل الطين، لتجلت لك منزلة هذا الامام الكريم من رب العالمين!. و لأبي الصلت الهروي قصة من غرائب ما جري لمعاصري امامنا عليه‌السلام، و ان كانت ليست بأغربها عن الحدوث، فقد رواها بنفسه قائلا: «أمر المأمون بحبسي بعد دفن الرضا عليه‌السلام، فحبست سنة، فضاق علي الحبس. و سهرت ليلة و دعوت الله تعالي دعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد صلوات الله عليه و عليهم، و سألت الله تعالي بحقهم أن يفرج عني. فلم أستتم الدعاء حتي دخل علي أبوجعفر، محمد بن علي عليهماالسلام في السجن فقال لي: يا أباالصلت ضاق صدرك؟ فقلت: اي و الله. قال عليه‌السلام: قم. فأخرجني ثم ضرب يده الي القيود ففكها، و أخذ بيدي فأخرجني من الدار و الحرس و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني. و خرجت من باب الدار ثم قال لي: [ صفحه 291] امض في وديعة الله تعالي، فانك لن تصل اليه، و لا يصل اليك أبدا. فقال أبوالصلت: لم ألتق بالمأمون الي هذا الوقت» [477] . و ألقي كيد الظالمين في نحورهم.. و ماتوا بغيظهم بعد تحرير حبيسهم المظلوم.. علي يد الامام الغلام الذي لا يزال في التاسعة من عمره، في حين أنه كان في الحجاز، و كان الحبيس في خراسان!. و قال ابراهيم بن سعيد: «رأيت محمد بن علي الرضا عليه‌السلام و له وفرة سوداء، مسح عليها فاحمرت، ثم مسح عليها باطن كفه فصارت سوداء كما كانت. فقلت: رأيت أباك عليه‌السلام لا أشك يضرب يده الي التراب فيجعله دنانير و دراهم» [478] . و هذه ليست من السحر في شي‌ء، ولكنها علم علمه الله تعالي اياه، ليكون حجة علي خلقه مميزا عن غيره بمواهب سماوية تجعله موضع ثقة الناس دون غيره من المدعين لولاية أمور الخلق.. و للأئمة عليهم‌السلام خوراق كثيرة قوي الله تعالي بها أمرهم، و شد أزرهم، و أفلج حجتهم ليمسكوا بقلوب عباده المؤمنين، و ليوصلوا دعوته الي الناس أجمعين.. و من ذلك أنها تطوي لهم الأرض - كما ذكرنا في مكان آخر - و لا يكون لهم ظل عليها كما للناس - و هذا دليل محسوس ملموس لوحظ و رؤي -. و من آيات امامنا في هذا المورد قول محمد بن العلا الذي قال: «رأيت محمد بن علي عليه‌السلام، يحج الي مكة بلا راحلة و لا زاد من ليلته و يرجع. [ صفحه 292] و كان لي أخ بمكة لي معه خاتم، فقلت له: تأخذ لي منه علامة. فرجع من ليلته و معه الخاتم» [479] . فأية قوة في الأرض كانت يومئذ تحمل المسافر من يثرب الي مكة، ليزور البيت الحرام، و يطوف، و يسعي، و يصلي، و يقضي بعض الحاجات، ثم يعود من ليلته بعد أن قطع حوالي ألف و مئتي كيلومتر ذهابا و أيابا؟. و كيف فعل الامام عليه‌السلام ذلك، ثم بحث عن الرجل فحمل منه العلامة؟!. و لم طلب الخاتم بالذات - أي الذي كان يضمره صاحبه في نفسه - و لم يطلب شيئا غيره؟. كل ذلك علمه عند الله تعالي، و عند أهله؛ و هو من الاعجاز المزدوج الذي يثقل علي أسماع الناس و ان كان علي الله تعالي هينا.. و اليك أعجب من ذلك. فقد قال محمد بن عميرة: «رأيت محمد بن علي عليه‌السلام يضع يده علي منبر فتورق كل شجرة من فرعها!. و اني رأيته يكلم شاة فتجيبه» [480] . و مثل ذلك ما رواه عمارة بن زيد الذي قال: «رأيت محمد بن علي عليه‌السلام فقلت له: ما علامة الامامة؟. قال: اذا فعل هكذا، فوضع يده علي صخرة فبان أصابعه فيها!. و رأيته يمد الحديد بلا نار!. و يطبع علي الحجارة بخاتمه» [481] . و هذه - كلها - غرائب و عجائب.. الا اذا صدرت عن سفير الله في أرضه الذي حمله أمانته و زوده بقدرته التي يطأطي‌ء العقل السليم لما يصدر عنها!. [ صفحه 293] و بعد: فنضع بين يدي القاري‌ء الكريم ما رواه الحافظ أبونعيم - أحد الأئمة عند علماء اخواننا من أهل السنة - في كتابه الجليل - حلية الأولياء - حيث قال: «حكي أبويزيد البسطامي، قال: خرجت من بسطام قاصدا لزيارة بيت الله الحرام، فمررت بالشام الي أن وصلت الي دمشق. فلما كنت بالغوطة مررت بقرية من قراها فرأيت في القرية تل تراب و عليه صبي رباعي السن يلعب بالتراب. فقلت في نفسي: هذا صبي، ان سلمت عليه لما يعرف السلام، و ان تركت السلام أخللت بالواجب، فأجمعت رأيي علي أن أسلم عليه، فسلمت عليه، فرفع رأسه و قال: و الذي رفع السماء و بسط الأرض، لولا ما أمر الله به من رد السلام لما رددت عليك. استصغرت سني؟!! عليك السلام و رحمة الله و بركاته و تحياته و رضوانه. ثم قال: صدق الله: (و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها..) [482] و سكت. فقلت: (أوردوها). [483] . فقال: ذاك فعل المقصر مثلك. فعلمت أنه من الأقطاب المؤيدين. فقال: يا أبايزيد، ما أقدمك الي الشام من مدينة بسطام؟!! فقلت: يا سيدي قصدت بيت الله الحرام. - الي أن قال -: فنهض و قال: أعلي وضوء أنت؟. قلت: لا. فقال: اتبعني. فتبعته قدر عشر خطي فرأيت نهرا أعظم من الفرات. فجلس و جلست، [ صفحه 294] و توضأ أحسن وضوء، و توضأت، و اذا قافلة مارة. فتقدمت الي واحد منهم و سألته عن النهر فقال: هذا جيحون.. فسكت. ثم قال لي الغلام: قم، فقمت معه و مشيت معه عشرين خطوة و اذا نحن علي نهر أعظم من الفرات و جيحون، فقال لي: اجلس. فجلست، و مضي. فمر علي أناس في مركب لهم فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه، فقالوا: نيل مصر و بينك و بينها فرسخ أو دون فرسخ، و مضوا. فما كان غير ساعة الا و صاحبي قد حضر و قال لي: قم، قد عزم علينا. فقمت معه قدر عشرين خطوة، فوصلنا عند غيبوبة الشمس الي نخل كثير، و جلسنا. ثم قام و قال لي: امش، فمشيت خلفه يسيرا و اذا نحن بالكعبة. - الي أن قال -: فسألت الرجل الذي فتح الكعبة فقال لي: هذا سيدي محمد الجواد صلي الله عليه. فقلت: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [484] . و قد يقول قائل: هذه من «شطحات» صوفية البسطامي!. فنقول له: انها حادثة طبيعية لا تعدو حادثة دفن أبيه عليه‌السلام يوم توفي في خراسان و كان هو في المدينة «و الأئمة عليهم‌السلام تطوي لهم الأرض بلا أدني ريب في ذلك، و يعلمون ما عند أصحابهم» [485] . و مثلها ما حكاه علي بن خالد الذي قال: «كنت بالعسكر - سامراء - التي بناها المعتصم و انتقل هو و عكسره اليها، فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من الشام مكبولا - مقيدا - و قالوا انه تنبأ - ادعي النبوة -. قال: فأتيت الباب و دفعت شيئا للبوابين حتي وصلت اليه، فاذا رجل له فهم و عقل. [ صفحه 295] فقلت: يا هذا ما قضيتك؟. قال: اني كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال انه نصب فيه رأس الحسين عليه‌السلام. فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل علي المحراب أذكر الله تعالي، اذ رأيت شخصا بين يدي، فنظرت اليه فقال لي: قم، فقمت معه. فمشي بي قليلا، فاذا أنا في مسجد الكوفة. فقال لي: تعرف هذا المسجد؟. قلت: نعم، هذا مسجد الكوفة. قال -: فصلي وصليت معه، ثم انصرف و انصرفت معه. و مشي قليلا فاذا نحن بمسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ و صلي و صليت معه، ثم خرج و خرجت معه. فمشي قليلا و اذا نحن بمكة. فطاف بالبيت و طفت معه، ثم خرج فمشي قليلا فاذا نحن بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام. وغاب الشخص عني فبقيت متعجبا حولا - سنة - مما رأيت. فلما كان في العام المقبل، رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به. فدعاني فأجبته. ففعل كما فعل في العام الماضي. فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: أسألك بالحق الذي أقدرك علي ما رأيت منك الا أخبرتني من أنت؟. فقال: أنا محمد بن علي بن موسي بن جعفر. فحدثت من كان يصير الي بخبره، فرقي ذلك الي محمد بن عبدالملك الزيات - أي بلغه - فبعث الي من أخذني و كبلني في الحديد، و حملني الي العراق و جلست كما تري، و ادعي علي المحال. فقلت له: فأرفع عنك قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات، و أشرح أمرك؟ قال: افعل. فكتبت عنه قصة الي محمد بن عبدالملك الزيات و شرحت أمره فيها و دفعتها الي محمد - أي ابن‌الزيات - الوزير و المشير في القصر -. [ صفحه 296] فوقع في ظهرها: قل للذي أخرجك من الشام في ليلة الي الكوفة، و منها الي المدينة، و منها الي مكة، و منها الي الشام، أن يخرجك من حبسك هذا!. فغمني ذلك من أمره، و رققت له، و انصرفت محزونا عليه. فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء، فوجدت الجند، و أصحاب الحرس، و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرجون - أي أنهم في فتنة و اختلاط -. فسألت عن حالهم؟. فقيل: ان المحمول من الشام، المتنبي‌ء، افتقد البارحة من الحبس. فلا ندري أخسفت به الأرض، أو اختطفته الطير؟!!». و كان راوي هذه القصة - علي بن خالد - زيديا، فقال بالامامة لما رأي ذلك، و حسن اعتقاده» [486] . فمن أخبر الامام عليه‌السلام بحبس الرجل؟!. و كيف بلغه ما أجاب به ابن‌الزيات الذي تحدي فعل الله؟!. و من خلص السجين في تلك الليلة و ألقي كيد الوزير في نحره دون امهال.. و تركهم يهرجون حائرين؟!. هذا هو فعل الله عز و جل.. فماذا فعل المبطلون؟!. و من الآيات التي أخبر الامام عليه‌السلام بها عن الغيب - من دون أن يعلم الغيب قطعا، و لكنه علمه مما بين يديه من مواريث النبوة و آثار السماء كما كان آباؤه عليهم‌السلام من قبله - أن عمران بن محمد الأشعري قال: «دخلت علي أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام، و قضيت حوائجي و قلت: [ صفحه 297] ان أم‌الحسن تقرئك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها. فقال: قد استغنت عن ذلك. و خرجت لا أدري معني ذلك، فأتاني الخبر أنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما، أو اربعة عشر يوما» [487] . فمن أبرق بموتها للامام عليه‌السلام؟. و من هتف في أذنه بخبر وفاتها لولا أنه عنده علم المنايا و البلايا، و علم ما كان و ما هو كائن الي يوم القيامة، منصوصا مثبتا، موجودا بين يديه؟!! ألا ان ذلك من صنع الله تبارك و تعالي، الذي أحسن كل شي‌ء صنعا.. و لن أدعك تمر بموضوع آيات هذا الامام العظيم صلوات الله و سلامه عليه دون أن تقرأ الآية المعجزة التي أتاها يوم دفن والده عليه‌السلام، و التي أشرت اليها سابقا و لم أذكرها. فحين توفي الامام الرضا عليه‌السلام بمرو من خراسان بأرض ايران، كان ابنه الامام الجواد عليه‌السلام في يثرب مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في الحجاز، و كان في حوالي السنة الثامنة من عمره و بعض الأشهر. «و في رواية عن أبي‌الصلت الهروي - حدث بها أكثر من ثمانية من الثقات - قال في حديث وفاة الرضا عليه‌السلام: ان المأمون قدم اليه عنبا مسموما و أمره أن يأكل منه. فأكل منه الرضا عليه‌السلام ثلاث حبات ثم رمي به وقام. فقال له المأمون: الي أين؟. قال: الي حيث وجهتني. و خرج مغطي الرأس. فلم أكلمه حتي دخل الدار، فأمر أن يغلق الباب، فغلق. ثم نام علي فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا. [ صفحه 298] فبينما أنا كذلك اذ دخل عليه شاب حسن الوجه، قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا عليه‌السلام، فبادرت اليه و قلت له: من أين دخلت و الباب مغلق؟!! فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق. فقلت له: و من أنت؟!! قال: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي. ثم مضي نحو أبيه عليه‌السلام، فدخل و أمرني بالدخول معه. فلما نظر اليه الرضا عليه‌السلام وثب اليه فعانقه و ضمه الي صدره و قبل ما بين عينيه، ثم سحبه سحبا الي فراشه و أكب عليه محمد بن علي يقبله و يساره بشي‌ء لم أفهمه. و رايت علي شفتي الرضا عليه‌السلام زبدا أشد بياضا من الثلج، و رأيت أباجعفر عليه‌السلام يلحسه بلسانه. ثم أدخل يده بين ثوبه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبوجعفر، و مضي الرضا عليه‌السلام - أي لحق بربه عز بربه عزوجل -. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: يا أباالصلت ائتني بالمغتسل و الماء من الخزانة. فقلت: ما في الخزانة مغتسل و لا ماء. فقال: انته الي ما آمرك به. فدخلت الخزينة فاذا فيها مغتسل و ماء، فأخرجته و شمرت ثيابي لأغسله معه، فقال لي: تنح يا أباالصلت، فان من يعينني غيرك. فغسله ثم قال لي: ادخل الخزانة فأخرج الي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه. فدخلت فاذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط. فكفنه و صلي عليه ثم قال: ائتني بالتابوت؟. فقلت: أمضي الي النجار حتي يصلح التابوت؟. [ صفحه 299] فقال: قم، فان في الخزانة تابوتا. فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط. فأتيته به، فأخذ الرضا عليه‌السلام، بعدما صلي عليه، فوضعه في التابوت وصف قدميه و صلي ركعتين لم يفرغ منهما حتي علا التابوت فانشق السقف فخرج منه التابوت و مصي. فقلت: يا ابن رسول الله، سيدي، الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا عليه‌السلام فما نصنع؟!! فقال لي: اسكت، فانه يعود يا أبا الصلت. ما من نبي يموت بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب الا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما. فما أتم الحديث حتي انشق السقف و نزل التابوت. فقام فاستخرج الرضا عليه‌السلام من التابوت و وضعه علي فراشه كأنه لم يغسل و لم يكفن، ثم قال: يا أباالصلت افتح للمأمون. ففتحت الباب فاذا المأمون و الغلمان بالباب. .. و بعد دفنه أمر المأمون بحبسي، فحبست سنة. فضاق علي الحبس، و سهرت ليلة و دعوت الله تعالي بدعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و سألت الله بحقهم أن يفرج عني. فما استتم الدعاء حتي دخل علي أبوجعفر عليه‌السلام فقال: يا أباصلت، ضاق صدرك؟!! فقلت: اي و الله. قال: قم فاخرج. ثم ضرب يده الي القيود التي كانت علي ففكها و أخذ بيدي فأخرجني من باب الدار و الحرسة و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني. ثم قال لي: امض في ودائع الله فانك لن تصل اليه، و لن يصل اليك أبدا. [ صفحه 300] قال أبوالصلت: فلم ألتق مع المأمون الي هذا الوقت» [488] . و كنا قد ألمحنا الي ذلك سابقا، و نترك التحليل، للقاري‌ء الكريم الذي صار علي بينة من أمر الامام - سفير الله تعالي في أرضه - و علي علم من القدرات الخفية التي يتمتع بها سفير الله.. و بمناسبة ذكر دفن الامام الرضا عليه‌السلام، نذكر لك ما رواه معمر بن خلاد الذي كان في المدينة المنورة يومذاك، و قال: «قال أبوجعفر: يا معمر اركب. قلت: الي اين؟. قال: اركب كما يقال لك. قال: فركبت، فانتهيت الي واد - أو وهدة -. فقال لي: قف ها هنا. - أي ابق منتظرا -. قال: فوقفت... فأتاني، فقلت له: جعلت فداك، أين كنت؟. قال: دفنت أبي‌الساعة، و كان بخراسان» [489] . و كان المنطلق من المدينة المنورة!. و الذي هو مدعاة للتساؤل بخصوص هذه الرواية، هو أنه لم أركب الامام (ع) معه معمرا؟. ألم يكن باستطاعته أن يذهب وحده، و أن لا يأخذ هذا الرجل الجليل فيوقفه في مفازة قفراء علي شفير واد موحش ليذهب الي خراسان و يعود، و يبقي صاحبه ضيفا عليه في البيت؟!!. بلي، ولكنه عليه‌السلام أخذه ليروي هذه الحادثة، لأنه الشاهد العدل الموثوق [ صفحه 301] بين «الأصحاب»، و لأنه لا يقول الا الحق و لا ينقل الا ما سمع، و لا يشهد الا بما رأي. و بالمناسبة نذكر ما حدث به أيوب بن نوح قائلا: «سمعت أباجعفر محمد بن علي بن موسي يقول: من زار قبر أبي ب (طوس) غفر الله له ما تقدم من ذنوبه و ما تأخر، و اذا كان يوم القيامة ينصب له منبر بحذاء منبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي يفرغ الله من حساب عباده» [490] . و نذكر لك جملة وقائع شفي فيها مرضي دون أن نعلق عليها رغبة في الاختصار. قال محمد بن عمير بن واقد الرازي: «دخلت علي أبي‌جعفر بن الرضا و معي أخي و به بهر شديد - ضيق نفس و تتابع و انقطاع - فشكا اليه ذلك البهر. فقال: عافاك الله ما تشكو. فخرجنا من عنده و قد عوفي فما عاد اليه ذلك البهر الي أن مات» [491] . و قال محمد بن عمير نفسه: «كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع و يشتد ذلك بي أياما. فسألته أن يدعو لي بزواله عني. فقال: و أنت عافاك الله. فما عاد الي هذه الغاية» [492] . و قال الشيخ أبوبكر بن اسماعيل - و قيل: علي بن أبي‌بكر بن اسماعيل -: «قلت لأبي جعفر بن الرضا عليه‌السلام: ان لي جارية تشتكي من ريح بها. [ صفحه 302] قال: أئتني بها. فأتيته. فقال لها: ما تشتكين يا جارية؟. قالت: ريحا في ركبتي. فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب، فخرجت و ما اشتكت وجعا بعد ذلك» [493] . و ما حدث شفاؤها و شفاء من ذكرناه قبلها - و من نذكره بعدها - الا باذن الله تعالي الذي «جعل» عيسي بن مريم عليهماالسلام يشفي من المرض، و يحيي من الموت باذنه عز و علا. و قال أبوسلمة: «دخلت علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، و كان بي صمم شديد. فخبر بذلك لما أن دخلت عليه. فدعاني اليه فمسح يده علي أذني و رأسي ثم قال: اسمع وعه. فوالله اني لأسمع الشي‌ء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته» [494] . و قال محمد بن فضيل: «خرج باحدي رجلي العرق المدني. و قد قال - الامام عليه‌السلام - لي قبل أن خرج العرق في رجلي، و قد عاهدته فكان آخر ما قال: انه ستصيب وجعا فاصبر. فأيما رجل من شيعتنا اشتكي فصبر فاحتسب كتب الله له أجر ألف شهيد. فلما صرت في بطن مر، ضرب علي رجلي، و خرج بي العرق، فما زلت شاكيا أشهرا. و حججت في السنة الثانية فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك، عوذ رجلي. و أخبرته أن هذه التي توجعني. [ صفحه 303] فقال: لا بأس علي هذه. أرني رجلك الأخري الصحيحة. فبسطتها بين يديه، و عوذها. فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة. فرجعت الي نفسي فعلمت أنه عوذها من قبل الوجع فعافاني الله من بعد» [495] . و قال عبدالله بن رزين: «كنت مجاورا بالمدينة - مدينة الرسول - و كان أبوجعفر عليه‌السلام يجي‌ء في كل يوم مع الزوال الي المسجد، فينزل علي الصخرة و يسير الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و يرجع الي بيت فاطمة و يخلع نعله فيقوم فيصلي. فوسوس الي الشيطان فقال: اذا نزل فاذهب حتي تأخذ من التراب الذي يطأ عليه. فجلست في ذلك النهار أنتظره لأفعل هذا. فلما أن كان في وقت الزوال، أقبل عليه‌السلام علي حمار له. فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه، و جاوزه حتي نزل علي الصخرة التي كانت علي باب المسجد، ثم دخل فسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم رجع الي مكانه الذي كان يصلي فيه، ففعل ذلك أياما. فقلت: اذا خلع نعليه جئت فأخذت الحصي الذي يطأ عليه بقدميه. فلما كان من الغد، جاء عند النزول فنزل علي الصخرة، ثم دخل علي رسول الله و جاء الي الموضع الذي كان يصلي فيه، و لم يخلعهما. ففعل ذلك أياما. فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ها هنا: و لكن أذهب الي الحمام، فاذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه. فسألت عن الحمام الذي يدخله، فقيل انه بالبقيع لرجل من ولد طلحة. فتعرفت اليوم الذي يدخل فيه الحمام وصرت الي بابه و جلست الي الطلحي أحدثه و أنا انتظر مجيئه عليه‌السلام. [ صفحه 304] فقال الطلحي: ان أردت دخول الحمام فقم و ادخل فانه لا يتهيأ لك ذلك بعد ساعة. قلت: و لم؟. قال: لأن ابن‌الرضا عليه‌السلام يريد دخول الحمام. قلت: و من ابن‌الرضا؟. قال: رجل من آل محمد له صلاح و ورع. قلت له: و لا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره؟. قال: نخلي له الحمام اذا جاء. فبينا أنا كذلك اذ أقبل عليه‌السلام و معه غلمان له، و بين يديه غلام معه حصير، حتي أدخله المسلخ - محل نزع الثياب - فبسطه. و وافي، فسلم، و دخل الحجرة علي حماره، و دخل المسلخ، و نزلي علي الحصير. فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح و الورع. فقال: يا هذا، لا و الله ما فعل هذا قط الا في هذا اليوم. فقلت في نفسي: هذا من عملي، أنا جنيته. ثم قلت: أنتظره حتي يخرج فلعلي أنال ما أردت اذا خرج. فلما خرج و تلبس، دعا بالحمار فأدخل المسلخ و ركب من فوق الحصير و خرج عليه‌السلام. فقلت في نفسي: قد و الله آذيته و لا أعود، و لا أروم ما رمت منه أبدا. و صح عزمي علي ذلك. فما كان وقت الزوال من ذلك اليوم، أقبل علي حماره حتي نزل في الموضع الذي كان ينزل فيه الصحن. فدخل و سلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و جاء الي الموضع الذي كان يصلي فيه في بيت فاطمة عليهاالسلام، و خلع نعليه و قام يصلي» [496] . [ صفحه 305] فمن ذا الذي كان يخبر الامام عليه‌السلام بما كانت تنطوي عليه نية هذا الرجل مرة بعد مرة اذا زار المسجد أو اذا ذهب الي الحمام، فصار يتحاشي النزول علي التراب و الحصي لئلا يأخذ الرجل ذلك من تحت قدميه فيقدسه؟!. ثم من ذا الذي أخبره بندم الرجل و اقلاعه عن الفكرة، حتي عاد الي عادته الأولي و صار يطأ التراب و الحصي؟!. ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.. و أتابع وضع وقائع عدة - بين يدي قارئي الكريم - فيها شي‌ء من الغيب الذي لا يعرفه الا عباد الله المكرمون. فقد قال يحيي بن أبي‌عمران: «دخل من أهل الري جماعة من أصحابنا علي أبي‌جعفر عليه‌السلام و فيهم رجل من الزيدية، فسألنا عن مسائل. فقال أبوجعفر لغلامه: خذ بيد هذا الزيدي، فأخرجه. فقال الزيدي: أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و أنك حجة الله» [497] . و يلاحظ أنه عليه‌السلام الله و تحيته لم يقل لغلامه: أخرج هذا الزيدي، الا ليستدل الزيدي علي امامته بمعرفته لما أخفاه عنه و عن أصحابه من جهة، و الا لأنه علم أن الزيدي يبحث عن الحق ليتبعه. و لذا قدم له هذا البرهان القاطع و الحجة الدامغة علي امامته المنصوصة من لدن الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، فقال بها و اطمأن قلبه اليها. و قال أحمد بن حديد: [ صفحه 306] «خرجت مع جماعة حجاجا، فقطع علينا الطريق. فلما دخلت المدينة لقيت أباجعفر عليه‌السلام في بعض الطريق، فأتيته الي المنزل فأخبرته بالذي أصابنا. فأمر لي بكسوة، و أعطاني دنانير و قال: تفرقها علي أصحابك علي قدر ما ذهب. فقسمتها بينهم فاذا هي علي قدر ما ذهب منهم، لا أقل و لا أكثر» [498] . فلولا أن الامام عليه‌السلام ملهم محدث، لما عرف مقدار ما سلب من كل واحد، و لما أعطي المجموع الصحيح دون زيادة أو نقصان. و قال عمران بن محمد: «دفع الي أخي درعا أحملها الي أبي‌جعفر عليه‌السلام مع أشياء. فقدمت بها و نسيت الدرع. فلما أدرت أن أودعه قال لي: احمل الدرع» [499] . فكيف تنبه الي أن عمران قد نسي الدرع التي كان ينبغي أن يحملها معه؟.. و قال المطرفي: «مضي أبوالحسن الرضا عليه‌السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري و غيره. فأرسل الي أبوجعفر عليه‌السلام: اذا كان في الغد فأتني. فأتيته فقالي لي: مضي أبوالحسن و لك عليه أربعة آلاف درهم؟. فقلت: نعم. [ صفحه 307] فرفع المصلي فاذا تحته دنانير. فدفعها الي، فكانت قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم» [500] . فكيف تفسر علمه بالدين الذي علي أبيه و لا يعرفه أحد حي غير الدائن؟. و كيف علم مقداره بالضبط، و لم يزد أو ينقص و بقيمة الدنانير التي كان قد أعدها للدائن؟. و عن محمد بن فضيل الصيرفي أنه قال: «كتبت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام كتابا في آخره: هل عندك سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟. و نسيت أن أبعث بالكتاب. فكتب الي بحوائج، و في آخر كتابه: عندي سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل، يدور معنا حيث درنا. و هو مع كل امام» [501] . و هذا هو الجواب الذي كان يتوخاه الصيرفي ليطمئن الي امامته.. و لكن من بلغ الامام عليه‌السلام رغبته و ما توخي السؤال عنه؟. هل ذاك الا الملك المسدد المؤيد المحدث؟!. و حدث بن أرومة قائلا: «حملت امرأة معي شيئا من حلي، و شيئا من دراهم، و شيئا من ثياب. فتوهمت أن ذلك كله لها و لم أحتط عليها - أي لم يسألها التفصيل - أن ذلك لغيرها، فحملت الي المدينة مع بضاعات لأصحابنا. فوجهت ذلك كله اليه و كتبت في الكتاب أني قد بعثت اليك من قبل فلانة [ صفحه 308] بكذا، و من قبل فلان و فلان بكذا. فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من فلان و فلان، و من قبل المرأتين تقبل الله منك، و رضي عنك، و جعلك معنا في الدنيا و الآخرة. فلما سمعت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنه غير كتابه، و أنه قد عمل علي دونه، لأني كنت في نفسي علي يقين أن الذي دفعت الي المرأة كان كله لها، و هي امرأة واحدة. فما رأيت امرأتين اتهمت موصل كتابي. فلما انصرفت الي البلاد، جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟. فقلت: نعم. قالت: و بضاعة فلانة؟. قلت: هل كان فيها لغيرك شي‌ء؟. قالت: نعم، كان لي فيها كذا، و لأختي فلانة كذا. قلت: بلي، أوصلت.. و زال ما كان عندي» [502] . فسبحان من علم الانسان ما لم يعلم.. و علم هذا الامام الهمام عليه‌السلام ما لم نعلم!. و حج اسحاق بن اسماعيل بن نوبخت سنة 202 هجرية. و استأذن علي الامام عليه‌السلام في جملة من الناس - و الامام عليه‌السلام في السابعة من عمره - وحدث عما جري معه فقال: «أعددت في رقعة عشر مسائل. و كان لي حمل - أي كانت امرأته حبلي - فقلت في نفسي: ان أجابني علي مسائلي، سألته أن يدعو الله أن يجعله ذكرا. فلما ألح الناس عليه بالمسائل، و كان عليه‌السلام يفتي بالواجب، فقمت لأخفف و الرقعة معي، لأسأله في غد عن مسائلي. فلما نظر الي عليه‌السلام قال: يا اسحاق، قد استجاب الله دعائي، فسمه أحمد. [ صفحه 309] فقلت: الحمدلله، هذا هو الحجة البالغة» [503] . و انصرف الي بلده، مطمئنا الي امامة سيده الذي قدم له الحجة البالغة علي امامته، حين علم ما في نيته، و دعا الله أن يرزقه ولدا ذكرا، و عرف أنه تعالي استجاب دعاءه.. فاقترح علي أبيه أن يسمية أحمد!. و ولد له ذكر سماه احمد، كما أمر. و تلك من علاه احدي معاليه صلوات الله و سلامه عليه. و قال صالح بن عطية الأصحب: «حججت فشكوت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام الوحدة. فقال: أما انك لا تخرج من الحرم حتي تشتري جارية ترزق منها ولدا. فقلت: جعلت فداك، أفتري أن تشير علي؟. فقال: نعم، اعترض - أي عاين الجواري - فاذا رضيت فأعلمني. فقلت: جعلت فداك، فقد رضيت. قال: اذهب فكن بالقرب حتي أوافيك. فصرت الي دكان النخاس، فمر بنا، فنظر ثم مضي. فصرت اليه فقال: قد رأيتها. ان أعجبك فاشترها علي أنها قصيرة العمر. قلت: جعلت فداك، فما أصنع بها؟. قال: قد قلت لك. فلما كان من الغد مررت الي صاحبها فقال: الجارية محمومة و ليس فيها غرضي. فعدت اليه من الغد فسألته عنها، فقال: دفنتها اليوم؟. فأتيته - أي عاد للامام عليه‌السلام - فأخبرته، فقال: اعترض. فاعترضت، فأعلمته، فأمرني أن أنتظره. فصرت الي دكان النخاس، فركب - عليه‌السلام - فمر بنا. [ صفحه 310] فصرت اليه، فقال: اشترها، فقد رأيتها. فاشتريتها، فحولتها و صبرت عليها حتي طهرت و وقعت عليها. فحملت و ولدت لي محمدا ابني» [504] . و لا جرم أن نقف مع هذه القصة عند تعجبات عدة، أهمها: تأكيد الامام عليه‌السلام أن ابن عطية لا يغادر الحرم الا و معه جارية، يرزق منها ولدا!. و جزمه عليه‌السلام بقصر عمر الجارية التي اختارها صاحبه.. و موتها بعد يومين!!! و اختياره لمولاه الجارية التي يرزق منها ولدا.. ذكرا!. فما هذا التأكيد الجازم؟. و هل هو الذي يهب الذكور؟!. و يعرف العمر الطويل من العمر القصير لو لا أن ذلك مما علمه اياه ربه العليم القدير؟!. و اذا أردت الأعجب فانظر الي ما حكاه ابراهيم بن سعيد مما كان عليه‌السلام يفعله مع الشاكين في أمره المتوقفين عن الاعتراف بامامته. فقد قال هذا الرجل: «كنت جالسا عند محمد بن علي، الجواد عليه‌السلام، اذ مر بنا فرس أنثي. فقال: هذه تلد الليلة فلوا - أي مهرا - أبيض الناصية، في وجهه غرة. فاستأذنته ثم انصرفت مع صاحبها، فلم أزل أحدثه الي الليل، حتي أتت فلوا كما وصف. فأتيته، فقال: يا ابن‌سعيد، شككت فيما قلت لك أمس؟!! ان التي في منزلك حبلي بابن أعور. فولدت و الله محمدا، و كان أعور!.» [505] . فتأمل... و علل.. دون عور في نظرك الي مثل هذه الأمور الخارقة.. و كن من [ صفحه 311] المنصفين.. و من المبصرين لا أصحاب العور في النظر. قال صالح بن داود اليعقوبي: «لما توجه - الامام - في استقبال المأمون الي ناحية الشام، أمر أبوجعفر عليه‌السلام أن يعقد ذنب دابته، و ذلك في يوم صائف شديد الحر، لا يوجد الماء. فقال بعض من كان معه: لا عهد له بركوب الدواب، فان موقع عقد ذنب البرذون غير هذا. فما مررنا الا يسيرا حتي ضللنا الطريق بمكان كذا، و وقعنا في وحل كثير، ففسد ثيابنا و ما معنا، و لم يصبه شي‌ء من ذلك» [506] . أجل، فان من خاض في أمر أهل هذا البيت بعمي و بلا تبصر، فتح عينيه فوجد نفسه يخوض في الوحل!. لأن بايديهم سرا من سر الله عز و جل لا يدركه غيرهم. فاللهم نجنا من أن نضل أن نضل أو نحول عن الحق أن نزول. و قال أمية بن علي القيسي: «دخلت أنا و حماد بن عيسي علي أبي‌جعفر بالمدينة لنودعه. فقال لنا: لا تخرجا، أقيما الي غد. فلما خرجنا من عنده قال حماد: أنا أخرج، فقد خرج ثقلي. - أي اغراضي و متاعي -. قلت: أما أنا فأقيم. فخرج حماد، فجري الوادي تلك الليلة، فغرق فيه، و قبره بسيالة» [507] . [ صفحه 312] و لو خرج أمية أيضا عن أمر الامام، لخرجت روحه غرقا، و لجره رفيقه بعرقوبة الي الموت غرقا في و حل الشكوك و الريب!. و عن الحسن بن علي أن رجلا جاء الي التقي الجواد عليه‌السلام - و هو ابن خمس سنوات - و قال: «أدركني يا ابن رسول الله، فان أبي قد مات فجأة، و كان له ألفا دينار و لست أصل اليها، ولي عيال كثير!. فقال: اذا صليت العتمة، فصل علي محمد و آله مئة مرة ليخبرك بها. فلما فرغ الرجل من ذلك رأي أباه يشير اليه بالمال. فلما أخذه قال: يا بني اذهب به الي الامام و أخبره بقصتي، فانه أمرني بذلك. فلما انتبه الرجل أخذ المال و أتي أباجعفر عليه‌السلام و قال: الحمد لله الذي أكرمك و اصطفاك» [508] . و هنيئا لمن أكرمه الله تعالي بتصديق أمره، و الايمان بولاية تراجمة وحيه و ولاة عزائمه.. و حكي القاسم بن المحسن قائلا: «كنت فيما بين مكة و المدينة، فمر بن أعرابي ضعيف الحال. فسألني شيئا، فرحمته و أخرجت له رغيفا فناولته اياه. فلما مضي عني هبت ريح شديدة - زوبعة - فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت و أين مرت. فلما دخلت علي أبي‌جعفر بن الرضا عليهماالسلام قال لي: يا قاسم، ذهبت عمامتك في الطريق؟. قلت: نعم. [ صفحه 313] قال: يا غلام، أخرج اليه عمامته. قلت: يا ابن رسول الله كيف صارت اليك؟. قال: تصدقت علي الأعرابي، فشكر الله لك، ورد عمامتك. و ان الله لا يضيع أجر المحسنين» [509] . فآيات الامام الفتي عليه‌السلام مع أصحابه لم تكن لتنقضي - بغية تثبيت المنحرفين عنه - ليلقي حجة الله عليهم - (ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة!.) [510] . فاستمع لما حكاه علي بن جرير حيث قال: «كنت عند أبي‌جعفر عليه‌السلام جالسا، و قد ذهبت شاة لمولاه. فأخذوا بعض الجيران، يجرونهم اليه و يقولون: أنتم سرقتم الشاة. فقال لهم أبوجعفر: ويلكم، خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم. الشاة في دار فلان، فأخرجوها من داره. فخرجوا فوجدوها في داره، فأخذوا الرجل فضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف بالله لم يسرق هذه الشاة، الي أن صاروا به الي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فقال: ويحكم، ظلمتم الرجل فان الشاة دخلت داره و هو لا يعلم. ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه» [511] . فبأبي و أمي الحجة الفتي الذي علمه من علم ربه تبارك اسمه، الذي لم يخف عنه خافية تظهر فضله و قدره ليري من كان عنده نظر، و يسمع من ليس به صمم.. قد قال اسماعيل بن عياش الهاشمي: «جئت الي أبي‌جعفر - عليه‌السلام - يوم عيد، فشكوت اليه ضيق المعاش. [ صفحه 314] فرفع المصلي، و أخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها. فخرجت الي السوق فكان فيها ستة عشر مثقالا من ذهب» [512] . فما هي ماهية هذه اليد الشريفة التي تبحث في التراب تحت المصلي فتخرج سبائك الذهب؟. و ما هو قدرها عند بارئها حتي يحول - سبحانه - التراب الذي تمسه تلك اليد الطاهرة المطهرة الي ذهب مسبوك؟. ان ولي الله، اذا شاء أمرا راجحا لاظهار برهانه.. شاءه الله عز و علا.. و حكي أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي قائلا: «قال أبو زينبة - و في حلق الحكم بن يسار المروزي شبه الخط كأنه أثر الذبح - فسألته عن ذلك فقال -: «كنا سبعة نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمن أبي‌جعفر الثاني - عليه‌السلام - فغاب عنا الحكم عند العصر و لم يرجع تلك الليلة. فلما كان جوف الليل جاءنا توقيع من أبي‌جعفر عليه‌السلام: ان صاحبكم الخراساني - أي المروزي - مذبوح مطروح في لبد في مزبلة كذا و كذا، فاذهبوا فداووه بكذا و كذا. فذهبنا فحملناه، و داويناه بما أمرنا به فبري‌ء من ذلك» [513] . أما سبب ذبح هذا الشيعي المستضعف، فانه كان - بحسب ما في المصادر - قد تمتع بامرأة في دار قومها ببغداد، علي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - و بشكل سري لاستهجان المتعة في ذلك العصر - فأخذه القوم، و ذبحوه و لفوه في لبد، و طرحوه في المزبلة ليلا، و لم يشعر بهم أحد. [ صفحه 315] فاسأل معي أيها القاري‌ء المنصف أبازينبة هذا عن أمور غامضة في هذه الجريمة: أولها: من أنبأ الامام عليه‌السلام أن مولاه «الحكم» قد انفرد عن أصحابه و تمتع بامرأة في ذلك الوقت؟. و ثانيها: من أخبره بذبحه؟. و ثالثها: كيف علم أنهم لفوه بلبد؟. و رابعها: من دله علي المكان الذي طرحوه فيه؟. و خامسها: كيف عرف منزل أصحابه فوجه خادمه اليهم بالكتاب عن حال الرجل المذبوح؟. و سادسها: أي طبيب علمه طريقة مداواة الذبيح؟. و سابعها: كيف علم أن صاحبهم لم ينزف دمه بعد، و عليهم أن يدركوه حالا؟!. هذه غوامض تخفي علينا يا قارئي الحبيب. أما الامام عليه‌السلام، فان الدنيا - كلها - تمثل بين يديه بحجم الجوزة - بقدرة الله تعالي و كما قال الامام الصادق عليه‌السلام سابقا - ينظر اليها كما ينظر أحدنا الي الكرة في كفه، فلا يغيب عنه من أمر العباد شي‌ء.. و الا لكان عبدا قاصرا مثلنا، لا حول له و لا طول.. و لا حجة عنده تميزه عن الآخرين.. قال عبدالعظيم بن عبدالله الحسني: «دخلت علي سيدي محمد بن علي بن موسي عليهم‌السلام و أنا أريد أن أسألم عن القائم من هو، المهدي أو غيره؟. فابتدأني فقال: يا أباالقاسم، ان القائم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، و يطاع في ظهوره، و هو الثالث من ولدي. و الذي بعث محمدا بالنبوة، و خصنا بالامامة، لو لم يبق من الدنيا الا يوم [ صفحه 316] واحد، لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. و ان الله تبارك و تعالي ليصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسي عليه‌السلام، اذ ذهب ليقتبس نارا، فرجع و هو رسول نبي. ثم قال عليه‌السلام: أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج».. [514] . [ صفحه 317]

من فلسفته و افكاره

امامنا الجواد عليه‌السلام مؤدب عظم يقف القلم عن وصف فلسفته و كلامه، و يعجز الفكر عن نعت حكمه و آرائه. و هو كآبائه الميامين يغترف من معين رب العالمين، حتي أن العلم يكاد يخرج من فم الامام منهم اثر الامام كما جاء في توحيد الصدوق [515] بشكل يفتن الألباب و يأخذ بمجامع القلوب!. فقد صدرت عنه أقوال بليغة في وحدانية الله تبارك و تعالي. و آثار دينية، و خلقية، و حكمية تدل علي عقل الحكيم المحنك يحمله الامام الشاب الذي خنقوا شبابه الذي رأوه قذي في عيون باطلهم الذي يحيونه.. و له نظريات في علم الاجتماع، و أدب السلوك تدهش ذوي العقول.. فغصت بعظمته لهواتهم. كما أن له فتاوي فريدة مررنا بذكر أكثرها، و أحكاما في الحق حرجت بها صدورهم، و ضاقت بها أنفاسهم، و رمتهم بقلق نغص عليهم الحياة فضاقوا به و بأنفهسم و خافوا أن تنكشف للناس أحدوثتهم و ينفضح زورهم!. قد عاصر عهد ظلم غاشم كثرت فيه النزاعات المذهبية و العقائدية التي كان من آثارها حبس الامام أحمد بن حنبل و جلده بأمر «المعتصم بالشيطان» و أحمد هو من هو في تفقهه و تمذهبه. و ساد بين المسلمين اختلاف بلغ الذروة في تفريقهم و جعلهم [ صفحه 318] شيعا و طوائف، اذ تراشقوا بالتهم، و رمي بعضهم بعضا بالتفسيق و التكفير، و استحل فريق دم فريق، و تنازع المعتزلة و المحدثون نزاعا بدأ بخلق القرآن و قدمه و انتهي بكثير من أصول الدين و فروعه، فلم تعثر قدم امامنا عليه‌السلام في ذلك الوقت، و لا زل لسانه، ولاعي بيانه عن لفظ كلمة الحق لأنه معصوم اللسان و من تراجمة الوحي و القرآن الذي عصمهم الله و جعلهم أدلاء علي أمره و هداة لبريته، لا تتعدي وظيفتهم قول كلمة الحق التي كانوا يلقونها الي الناس صريحة و لو من وراء قضبان السجن أو من بين أربعة جدران!. فمن أقواله عليه‌السلام: قد قال علي بن مهزيار: «كتب أبوجعفر عليه‌السلام الي رجل بخطه و قرأته في دعاء كتب به أن يقول في طلب الحاجة: «يا ذا الذي كان قبل كل شي‌ء، ثم خلق كل شي‌ء، ثم يبقي و يفني كل شي‌ء و يا ذا الذي ليس في السماوات العلي، و لا في الأراضين السفلي، و لا فوقهن و لا بينهن و لا تحتهن، اله يعبد غيره» [516] ثم يدعو بما يشاء. و تكلم عليه‌السلام في التوحيد: فعن أبي‌هاشم الجعفري، قال: «سألت أباجعفر محمد بن علي - الثاني - عليهماالسلام: ما معني الواحد؟. قال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية. و في جواب آخر قال عليه‌السلام: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عز و جل: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض، ليقولن الله..» [517] بعد ذلك له شريك و صاحبة؟!. - و هذا استفهام انكاري -. و في هامش «التوحيد»: لا يخفي أن السؤال ليس عن «المفهوم» لأن السائل [ صفحه 319] عارف به، و لا عن الحقيقة الشرعية اذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف - بل عن معني الواحد في حق الله تعالي أنه بأي معني يطلق عليه تعالي، فأجاب عليه‌السلام أنه يطلق عليه بالمعني الذي اجتمع عليه الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه، و ذلك المعني أنه تعالي لا شبيه له و لا شريك له في الألوهية و صنع الأشياء كما أشار اليه بالاستشهاد بقوله تعالي: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله..) [518] . و بالنسبة لقول «المجسمة» قال عليه‌السلام: «من قال بالجسم، فلا تعطوه من الزكاة، و لا تصلوا وراءه. سبحان من لا يحد، و لا يوصف!. ليس كمثله شي‌ء، و هو السميع البصير». و قال عبدالرحمان بن أبي‌نجران: «سألت أباجعفر الثاني عليه‌السلام عن «التوحيد» فقلت: أتوهم شيئا؟. - و الهمزة: للاستفهام، و الفعل: مجهول من باب التفعيل، و يرجع الضمير الي لفظة الجلالة: الله، و شيئا: منصوب علي التمييز.. أو أن الكلام اخبار، و الفعل بصيغة المتكلم: - أتوهم شيئا -. و شيئا: مفعول لأتوهم. أي أنه هل يجوز أن أتوهم شيئا عندما أذكر الله؟. و الأول أصح بالنظر لجواب الامام عليه‌السلام الذي قال: نعم، غير معقول، و لا محدود. فما وقع وهمك عليه من شي‌ء فهو خلافه. لا يشبهه شي‌ء، و لا تدركه الأوهام. كيف تدركه الأوهام و هو خلاف ما يعقل، و خلاف ما يتصور في الأوهام. يتوهم شي‌ء غير معقول و لا محدود [519] . «و سئل عليه‌السلام: يجوز أن يقال (عن) الله: انه شي‌ء؟. [ صفحه 320] فقال: نعم، يخرجه من الحدين: حد التعطيل، و حد التشبيه» [520] . و قال أبوهاشم الجعفري أيضا: «قلت لأبي جعفر بن الرضا عليه‌السلام: (لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار؟.). فقال: يا أباهاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون. أنت قد تدرك بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها، و لم تدركها (و لا تدركها) ببصرك. فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف أبصار العيون»؟ [521] . و عنه أيضا، قال: «كنت عند أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام، فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك و تعالي له أسماء و صفات في كتابه؟. فأسماؤه و صفاته هي هو؟. فقال أبوجعفر عليه‌السلام: ان لهذا الكلام وجهين: ان كنت تقول: هي هو، أي: أنه ذو عدد و كثرة، فتعالي الله عن ذلك. و ان كنت تقول: هذه الصفات و الأسماء لم تزل، فان «لم تزل» يحتمل معنيين: فان قلت: لم تزل عنده في علمه، و هو مستحقها فنعم. و ان كنت تقول: لم يزل تصويرها، و هجاؤها، و تقطيع حروفها، فمعاذ الله أن يكون معه شي‌ء غيره. بل كان الله و لا خلق. ثم خلقها - أي أسماءه و صفاته - وسيلة بينة بينه و بين خلقه يتضرعون بها اليه و يعبدونه. و هي ذكره - أي ما يذكر به سبحانه -. و كان الله و لا ذكر. و المذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل. و الأسماء و الصفات مخلوقات المعاني، و المعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف و الائتلاف، و انما يختلف و يأتلف المتجزي‌ء. فلا يقال: الله مؤتلف، و لا: الله كثير، و لا قليل. ولكنه [ صفحه 321] القديم في ذاته، لأن ما سوي الواحد متجزي‌ء، و الله واحد لا متجزي‌ء، و لا متوهم بالقلة و الكثرة. و كل متجزي‌ء أو متوهم بالقلة و الكثرة فهو مخلوق دال علي خالق له. فقولك: ان الله قدير، خبرت أنه لا يعجزه شي‌ء. فنفيت بالكلمة العجز، و جعلت العجز سواه. و كذلك قولك: عالم، انما نفيت بالكلمة الجهل، و جعلت الجهل سواه. فاذا أفني الله الأشياء، أفني الصور و الهجاء، و لا ينقطع و لا يزال من لم يزل عالما» [522] . و زاد في الكافي: فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟!. فقال: لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأسماع. لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس. و كذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفي عليه ما يدرك بالأبصار، من لون أو شخص أو غير ذلك. و لم نصفه ببصر لحظة العين. و كذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي‌ء اللطيف مثل البعوضة و أخفي من ذلك و موضع النشو منها و العقل و الشهوة للسفاد، و الحدب علي نسلها، و اقام بعضها علي بعض، و نقلها الطعام و الشراب الي أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار، فعلمنا أن خالقها لطيف بلا كيف، و انما الكيفية للمخلوق المكيف. و كذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق، و لو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه، و لا حتمل الزيادة، و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان، و ما كان ناقصا كان غير قديم، و ما كان غير قديم كان عاجزا. فربنا تبارك و تعالي لا شبه له و لا ضد و لا ند و لا كيف و لا نهاية، و لا تبصار بصر؛ و محرم علي القلوب أن تمثله، و علي الأوهام أن تحده، و علي الضمائر أن تكونه. جل و عز عن أداة خلقه و سمات بريته، و تعالي عن ذلك علوا كبيرا» [523] . [ صفحه 322] و قال داود بن القاسم الجعفري: «سألته عن الصمد؟. فقال: الذي لا سرة له. قلت: فانهم يقولون: الذي لا جوف له. فقال عليه‌السلام: كل ذي جوف له سرة» [524] . و ورد بلفظ: «جعلت فداك، ما الصمد؟. قال: السيد المصمود اليه في القليل و الكثير» [525] . و من أقواله عليه‌السلام، الحكمية المفردة: «لو سكت الجاهل ما اختلف الناس» [526] . اذ لا يتكلم - حينئذ - الا العارفون من أصحاب العقول التي - ان هي خالفت في الرأي - لا تجادل بغير المعقول و لا تشهر سلاحا. و قال عليه‌السلام: «مقتل الرجل بين لحييه، و الرأي مع الأناة، و بئس الظهير الرأي الفطير». و كل كلمة من هذه الكلمات تتحمل معني يستغرق بيانه الصفحات الطوال. كما أنه قال عليه‌السلام: «ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصاف في المعاشرة، و المواساة في الشدة، و الانطواء و الرجوع الي قلب سليم». [ صفحه 323] و الخصلة الواحدة منهن تكفي لأن تجعل صاحبها محببا لدي عشرائه لما يرونه فيه من خلق و انصاف و حسن معاملة للآخرين. و قال سلام الله عليه: «فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، أو صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء. و الخلق أشكال، فكل يعمل علي شاكلته. و الناس اخوان، فمن كانت أخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوته، و ذلك قوله تعالي: (ألأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو، الا المتقين)» [527] . و قال عليه‌السلام: «من استحسن قبيحا كان شريكا فيه». «الشريف كل الشريف من شرفه علمه، و السؤدد حق السؤدد من اتقي الله ربه، و الكريم كل الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه». فتصور انسانا في أول تفتح عينيه علي نور الحياة، يملي علي الناس بمثل هذه الدرر و الغرر، التي تدل علي العقل الحصيف، و العلم العزيز، و الايمان الراسخ الذي لا يحمله الا رسل السماء، ذاك أنه مسدد مؤيد قد جعل أموره بيد الله تعالي، فتولي الله سبحانه جميع شؤونه. و قد روي أحمد بن حمدون أنه عليه‌السلام قال: «كيف يضيع من الله كافله؟. [ صفحه 324] و كيف ينجو من الله طالبه؟. و من انقطع الي غير الله و كله الله اليه، و من عمل علي غير علم أفسد أكثر مما يصلح». و قال عليه‌السلام: «أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه، لأن لهم أجره و فخره و ذكره. فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن شكر ما صنع الي نفسه من غيره». و كذلك قال سلام الله و صلواته عليه: «العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و السكينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و حفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذل المجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع». و كفي بالصمت و التأمل الواعي، غناء عن التعليق علي هذه الحكم، التي هي زينة في جوامع الكلم، و بدائع القول.. و قال صلوات الله عليه: «.. عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه. - و في موضع آخر قال: «في حسن الثناء عليه». [ صفحه 325] فمن علمك هذا يا سيدي منذ نعومة أظفارك؟. و من أين لك عقل الشيوخ، و فكر الفلاسفة، و تجارب العلماء، و اختبارات السنين و أنت - بعد - في مطلع الحياة و في عمر الزهور، ثم تفيض علي الناس من هذه الآيات التي لا يفيضها الا من كان في عمر النسور، و عارك الحياة وعاني تجارب الدهور؟!. قد جل معناك عن أن تدركه أفهام البسطاء، و سمت قيمتك عن أن توضع في المعايير و موازيين التقويم، و تعاليت عن الوصول الي تفسير ما أنت عليه في الواقع و نفس الأمر، لأنك منا في الانسانية.. و فوق معقولنا في مبناك و معناك. و من حاول تفتيح عينيه للنظر اليك، أعشاه نور الحق المجسد فيك.. فعاد اما خاسئا حسيرا، و اما مفتونا مبهورا!. و قال عليه‌السلام: «أربع خصال تعين المرء علي العمل: الصحة، و الغني، و العلم، و التوفيق». و: «لن يستكمل العبد حقيقة الايمان، حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه». و «العامل بالظلم، و المعين له، و الراضي به شركاء». و من حكمه الخالدة قوله عليه‌السلام: «ان لله عبادا خصهم بالنعم، و يقرهم فيها ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها منهم و حولها الي غيرهم». «ما عظمت نعمة الله علي عبد الا عظمت مؤونة الناس عليه. فمن لم يحتمل تلك المؤونة فقد عرض النعمة علي الزوال». [ صفحه 326] «من أمل انسانا فقد هابه، و من جهل شيئا فقد عابه، و الفرصة خلسة.. و من كثر همه سقم جسمه، و المؤمن لا يشفي غيظه..». «من استغني بالله افتقر اليه الناس، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا». «عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة. و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروءة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة». «العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم». «التوبة علي أربعة دعائم: ندم بالقلب، و استغفار باللسان، و عمل بالجوارح، و عزم علي ألا يعود». «كفر النعمة داعية المقت. و من جازاك بالشكر، فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك». «القصد الي الله تعالي بالقلوب، أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال». «العلم علمان: مطبوع، و مسموع. و لا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع. و من عرف الحكمة لم يصبر علي الازدياد منها». و لفظة «يكن» هنا من «كان» التامة، أي: اذا لم يكن علم مطبوع موجودا. [ صفحه 327] ألجمال في اللسان، و الكمال في العقل». «الفضائل علي أربعة أجناس: أحدها: الحكمة، و قوامها في الفكرة. و الثاني: العفة، و قوامها في الشهوة. و الثالث: القوة، و قوامها في الغضب. و الرابع: العدل: و قوامه في اعتدال قوي النفس». «أقصد العلماء للمحجة، الممسك عند الشبهة. و الجدل يورث الرياء. و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل. و الطامع في وثاق الذل، و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا». «من أمل فاجرا، كان أدني عقوبته الحرمان». «موت الانسان بالذنوب، أكثر من موته بالأجل. و حياته بالبر، أكثر من حياته بالعمر». «لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم، و ارحموا ضعفاءكم، و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم». و طول الأمد هو أن يستسلم المرء للحياة مؤملا بطول البقاء، فيسوف العمل، و تفتر همته عن القيام بالواجب، فيضعف يقينه و يقسو قلبه. «من استفاد أخا في الله، فقد استفاد بيتا في الجنة». [ صفحه 328] «من أطاع هواه، أعطي عدوه مناه». «راكب الشهوات لا يقال عثرته». «بالثقة بالله تعالي، ثمن لكل غال، و سلم لكل عال». «عز المؤمن غناه عن الناس». «لا تكن ولي الله في العلانية، عدوا له في السر». «اصبر علي ما تكره فيما يلزمك الحق، و اصبر عما تحب فيما يدعوك الي الهوي» «من استغني كرم علي أهله. فقيل له: و علي غير أهله؟. قال: لا، الا أن يكون يجدي عليهم نفعا». ذلك أن المستغني عن الغرباء، لا يهتم الغرباء بشأنه، و لا يعنيهم من أمره شي‌ء، الا في الحالة التي ذكرها الامام عليه‌السلام، و هي أن يكونوا مستفيدين من غناه. «قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا لما يهواه». «اياك و مصاحبة الشرير، فانه كالسيف المسلول: يحسن منظره، و تقبح آثاره». [ صفحه 329] «كفي بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة». «ثلاث من عمل الأبرار: اقامة الفرائض، و اجتناب المحارم، و احتراس من الغفلة في الدين. و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله تعالي: كثرة الاستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصدقة. و أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي الله، و من منع لله، و أحب لله، و أبغض في الله. و ثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة، و التوكل عند العزم علي الله عز و جل». «من وثق بالله أراه السرور، و من توكل عليه كفاه الأمور. و الثقة بالله حصن لا يتحصن به الا مؤمن أمين، و التوكل علي الله نجاة من كل سوء، و حرز من كل عدو. و الدين عز، و العلم كنز، و الصمت نور، و غاية الزهد الورع، و لا هدم للدين مثل البدع، و لا أفسد للرجال مثل الطمع. و بالراعي تصلح الرعية، و بالدعاء تصرف البلية. و من ركب مركب الصبر، اهتدي الي مضمار النصر. و من عاب عيب، و من شتم أجيب. و من غرس أشجار التقي، اجتني أثمار المني». و قال عليه‌السلام: «حسب المرء من كمال المروءة، تركه ما يحمل به. و من حيائه أن لا يلقي [ صفحه 330] أحدا بما يكره، و من عقله حسن رفقه، و من أدبه أن لا يترك ما لا بد منه. و من عرفانه علمه بزمانه، و من ورعه غض بصره و عفة بطنه. و من حسن خلقه كفه أذاه. و من سخائه بره بمن يجب حقه عليه، و اخراجه حق الله من ماله. و من اسلامه تركه ما لا يعنيه، و تجنبه الجدال، و المراء في دينه. و من كرمه ايثاره علي نفسه. و من صبره قلة شكواه. و من عقله انصافه من نفسه. و من حلمه تركه الغضب عند مخالفته. و من انصافه قبوله الحق اذا بان له. و من نصحه نهيه ما لا يرضاه لنفسه. و من حفظه جوارك تركه توبيخك عند اساءتك من علمه بعيوبك. و من رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره. و من حسن صحبته لك اسقاطه عنك مؤونة أذاك. و من صداقته كثرة موافقته و قلة مخالفته. و من صلاحه شدة خوفه من ذنوبه. و من شكره معرفة احسان من أحسن اليه. و من تواضعه معرفته بقدره. و من حكمته علمه بنفسه. و من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره، و عنايته باصلاح عيوبه!.». و قال عليه‌السلام الله و تحياته و بركاته: «لا يفسدك الظن علي صديق و قد أصلحك اليقين له. و من وعظ أخاه سرا فقد زأنه، و من وعظه علانية فقد شانه. استصلاح الأخيار باكرامهم، و الأشرار بتأديبهم. و المودة قرابة مستفادة. و كفي بالأجل حرزا. و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان علي الرجل الي ثماني عشرة سنة، فاذا بلغها غلب أكثرهما فيه. و ما أنعم الله عز و جل علي عبد نعمة فعلم أنها من الله، الا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها. و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه ان شاء عذبه و ان شاء غفر له، الا غفر الله له قبل أن يستغفره!. [ صفحه 331] «و قال له رجل: أوصني. قال عليه‌السلام: و تقبل؟. قال: نعم. قال: توسد الصبر، و اعتنق الفقر، و ارفض الشهوات، و خالف الهوي، و اعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون». و قال عليه‌السلام: «أوحي الله الي بعض الأنبياء: أما زهدك في الدنيا فيتعجلك الراحة، و أما انقطاعك الي فيعززك بي. و لكن، هل عاديت لي عدوا، و واليت لي وليا؟!». و كتب الي بعض أوليائه: «أما هذه الدنيا فانا فيها معترفون، و لكن من كان هواه هوي صاحبه و دان بدينه، فهو معه حيث كان. و الآخرة هي دار القرار. تأخير التوبة اغترار، و طول التسويف حيرة، و الاعتدال علي الله هلكة، و الاصرار علي الذنب أمن لمكر الله (فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) [528] . «و روي أن جمالا حمله من المدينة الي الكوفة، فكلمه في وصلته - و قد كان أبوجعفر عليه‌السلام قد وصله بأربعمئة دينار - فقال عليه‌السلام: سبحان الله، أما علمت أنه لا ينقطع المزيد من الله حتي ينقطع الشكر من العباد؟!.» [ صفحه 332] «و حمل له حمل بز - أي ثياب من قطن أو كتان - له قيمة كثيرة. فسل - سرق أو وقع - في الطريق. فكتب اليه الذي حمله يعرفه الخبر. فوقع بخطه: ان أنفسنا و أموالنا من مواهب الله الهنيئة و عواريه المستودعة. يمتع بما متع منها في سرور و غبطة، و يأخذ ما أخذ منها في أجر و حسبة. فمن غلب جزعه علي صبره حبط أجره، و نعوذ بالله من ذلك». و قال عليه‌السلام: «من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه، و من غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده. من أصغي الي ناطق فقد عبده. فان كان الناطق عن الله فقد عبدالله، و ان كان الناطق ينطق عن لسان ابليس.. - فقد عبد ابليس -. و قال عليه‌السلام: «كانت مبايعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم النساء أن يغمس يده في اناء فيه ماء، ثم يخرجها و تغمس النساء بأيديهن في ذلك الاناء بالاقرار و الايمان بالله، و التصديق برسوله علي ما أخذ عليهن». و قال عليه سلام الله الدائم، و تحياته التي لا تنقطع: «اظهار الشي‌ء قبل أن يستحكم مفسدة له. ألمؤمن يحتاج الي توفيق من الله، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه»!. فاللهم أجعلنا ممن رغب في النصيحة يقدمها لاخوانه، و اجعلنا من المنتصحين.. و الحمد لله رب العالمين. [ صفحه 333]

شي‌ء من أحواله الكريمة

روي الحسين بن أحمد التميمي: «أن أباجعفر الثاني - عليه‌السلام - استدعي فاصدا في أيام المأمون فقال له: افصدني في العرق الزاهر. فقال له: ما أعرف هذا العرق يا سيدي، و لا سمعته. فأراه اياه. فلما فصده خرج منه ماء أصفر فجري حتي امتلأ الطست. ثم قال له: أمسكه. فأمر بتفريغ الطست ثم قال: خل عنه. فخرج دون ذلك. فقال شده الآن. فلما شد يده أمر له بمئة دينار. فأخذها و جاء الي بخناس - طبيب ذلك العصر المشهور - فحكي له ذلك فقال: والله ما سمعت بذلك العرق مذ نظرت في الطب!. و لكن هناك فلان الأسقف قد مضت عليه السنون، فامض اليه فان كان عنده علمه و الا لم نقدر علي من يعلمه. فمضيا و دخلا عليه، و قصا القصص. فأطرق مليا، ثم قال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية نبي» [529] . [ صفحه 334] فمن أين له المعرفة بالطب؟.. و أين اطلع علي العرق الزاهر، و من دله علي موقعه من الجسد؟!. و لا عجب فان من راجع طب الأئمة عليهم‌السلام، يقع في حيرة من أمرهم الذي لا يفسر بالميسور من القول!. فما علي العاقل الا أن يؤمن بأن علمهم من علم الله عزت قدرته. و لقد كانوا يعالجون أنفسهم، و يصفون العقاقير لأصحابهم، و لم يعرف عنهم أنهم استشاروا طبيبا في داء و لا في جرح.. فاستمع الي الصباح بن محارب الذي قال: «كنت عند أبي‌جعفر بن الرضا عليه‌السلام فذكر أن شبيب بن جابر ضربته الريح الخبيثة فمالت بوجهه و عينه. فقال: يؤخذ له القرنفل خمسة مثاقيل، فيصير في قنينة يابسة - أي جافة - و يضم رأسها ضما شديدا، ثم تطين و توضع في الشمس قدر يوم في الصيف، و في الشتاء قدر يومين. ثم يخرجه فيسحقه سحقا ناعما، ثم يدوفه - يخلطه - في الماء حتي يصير بمنزلة الخلوق. ثم يستلقي علي قفاه و يطلي ذلك القرنفل المسحوق علي الشق المائل، و لا يزال مستلقيا حتي يجف القرنفل، فانه اذا جف رفعه الله عنه و عاد الي أحسن عاداته باذن الله تعالي. قال: فابتدره أصحابنا فبشروه بذلك، فعالجه بما أمره به، فعاد الي أحسن ما كان بعون الله» [530] . و قال عبدالله بن عثمان: «شكوت الي أبي‌جعفر، محمد بن علي بن موسي عليهم‌السلام برد المعدة في معدتي، و خفقانا في فؤادي. [ صفحه 335] فقال: أين أنت عن دواء أبي- و هو الدواء الجامع -؟!. قلت يا ابن رسول الله، و ما هو؟. قال: معروف عند الشيعة. قلت: سيدي و مولاي، فأنا كأحدهم، فأعطني صفته حتي أعالجه و أعطي الناس. قال: خذ زعفرانا، و عاقر قرحا، و سنبلا، و قاقلة، و بنجا، و خربقا أبيض، و فلفلا أبيض، - أجزاء سواء - و أبرفيون جزأين. يدق ذلك كله دقا ناعما، و ينخل بحريرة، و يعجن بضعفي وزنه عسلا منزوع الرغوة. فيسقي صاحب خفقان الفؤاد و من به برد المعدة، حبة بماء كمون يطبخ، فانه يعافي باذن الله تعالي» [531] . و قال محمد بن النضر، مؤدب أولاد الامام عليه‌السلام: «شكوت اليه ما أجد من الحصاة. فقال: ويحك، أين أنت عن الجامع، دواء أبي؟!. فقلت: يا سيدي و مولاي: أعطني صفته. فقال: هو عندنا. يا جارية أخرجي البستوقة الخضراء. فأخرجت البستوقة، و أخرج منها مقدار حبة فقال: اشرب هذه الحبة بماء السداب، أو بماء الفجل المطبوخ، فانك تعافي منه. فقال: فشربته بماء السداب، فوالله ما أحسست بوجعه الي يومنا هذا» [532] . وحكي خيران - الخادم القراطيسي - مايلي: «حججت أيام أبي‌جعفر، محمد بن علي بن موسي، و سألت عن بعض الخدم [ صفحه 336] - و كانت له منزلة من أبي‌جعفر عليه‌السلام - فسألته أن يوصلني اليه. فلما سرنا الي المدينة قال لي: تهيأ، فاني أريد أن أمضي الي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فمضيت معه. فلما وافينا الباب قال: ساكن في حانوت. - أي انتظر بمجالسة بعض أصحاب الحوانيت المجاورة -. فلما أبطأ علي رسوله، خرجت الي الباب فسألت عنه، فأخبروني أنه قد خرج و مضي. فبقيت متحيرا. فاذا أنا كذلك اذ خرج خادم من الدار فقال: أنت خيران؟. قلت: نعم. قال لي: ادخل. فدخلت، فاذا أبوجعفر عليه‌السلام قائم علي دكان - مصطبة - لم يكن فرش له ما يعقد عليه، فجاء غلام بمصلي فألقاه، فجلس. فلما نظرت اليه تهيبته و دهشت!. فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة، فأشار الي موضع الدرجة. فصعدت و سلمت، فرد السلام و مد الي يده، فأخذتها و قبلتها و وضعتها علي وجهي. و أقعدني بيده، فأمسكت يده مما دخلني من الدهش، فتركها في يدي. فلما سكنت خليتها، فساءلني. و كان الريان بن شبيب قال لي: ان وصلت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام قلت له: مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام، و يسألك الدعاء له و لولده.. فذكرت له ذلك، فدعا له، و لم يدع لولده. فأعدت عليه، فدعا له و لم يدع لولده. فأعدت عليه ثالثا، فدعا له و لم يدع لولده!. فودعته ثم قمت. فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه و لم أفهم. و خرج الخادم في أثري، فقلت له: ما قال سيدك لما قمت؟. فقال لي: قال: من هذا الذي يري أن يهدي نفسه؟. هذا ولد في بلاد الشرك، [ صفحه 337] فلما أخرج منها صار الي من هو شر منهم. فلما أراد الله أن يهديه هداه» [533] . و نحن اذا قرأنا اسم «خيران الخادم» هان هذا الاسم بنظرنا و رخصت قيمته.. ولكننا اذا عرفنا منزلته عند الأئمة عليهم‌السلام و عند الله تعالي، أدركنا علو منزلته و سمو رتبته. فان «خيران» هذا قال: «وجهت الي سيدي ثمانية دراهم. و قلت: جعلت فداك، انه ربما أتاني الرجل لك قبله الحق - أو قلت: يعرف موضع الحق لك - فيسألني عما يعمل به؟. فيكون مذهبي أخذ ما يتبرع به في سر. قال عليه‌السلام: اعمل في ذلك برأيك، فان رأيك رأيي، و من أطاعك أطاعني» [534] . و يكفي مثل هذا الشرف لخيران تحمله هذه الشهادة الكريمة من الامام عليه‌السلام.. و قد بلغ من حيطة هذا «الخادم لدين الله» أن قال عنه علي بن مهزيار: «كتب الي خيران: قد وجهت اليك ثمانية دراهم كانت أهديت الي من طرطوس. دراهم منهم - أي من النصاري أو اليهود أو من غيرهم - و كرهت أن أردها علي صاحبها أو أحدث فيها حدثا دون أمرك. فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا، لأعرفه ان شاء الله تعالي و أنتهي الي أمرك؟. فكتب له الامام عليه‌السلام، وقرأته: اقبل منهم اذا أهدي اليك دراهم أو غيرها، فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يرد هدية علي يهودي و لا نصراني» [535] . فخيران هذا، من خيرة الأصحاب رضوان الله تعالي عليه و عليهم أجمعين. [ صفحه 338] قال موسي بن القاسم: «قلت لأبي‌جعفر عليه‌السلام: قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك، فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم. فقال لي: بل طف ما أمكنك، فان ذلك جائز. ثم قلت له بعد ثلاث سنين: اني كنت استأذنتك في الطواف عنك و عن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله. ثم وقع في قلبي شي‌ء فعملت به. قال: و ما هو؟. قلت: طفت يوما عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - فقال: صلي الله علي رسول الله ثلاث مرات -. ثم اليوم الثاني عن أميرالمؤمنين. ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن، و الرابع عن الحسين، و الخامس عن علي بن الحسين، و السادس عن أبي‌جعفر، محمد بن علي، و اليوم السابع عن جعفر بن محمد، و اليوم الثامن عن أبيك موسي، و اليوم التاسع عن أبيك علي، و اليوم العاشر عنك يا سيدي.. هؤلاء الذين أدين الله بولايتهم. فقال: اذن و الله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره. قلت: ربما طفت عن أمك فاطمة، و ربما لم أطف. فقال: استكثر من هذا، فانه أفضل ما أنت عامله ان شاء الله» [536] . و قال علي بن مهزيار: «كتبت الي أبي‌جعفر، و شكوت له كثرة الزلازل في الأهواز، و قلت: تري لي التحول عنها؟. فكتب عليه‌السلام: لا تتحولوا عنها. صوموا الأربعاء، و الخميس، و الجمعة، و اغتسلوا و طهروا ثيابكم و ابرزوا يوم الجمعة و ادعوا الله فانه يدفع عنكم. ففعلنا، فسكنت الزلازل» [537] . [ صفحه 339] و عن ابراهيم بن محمد الهمداني، قال: «كتبت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام أصف لي صنع «السميع» بي. - و السميع سيده الناصبي الذي كان يظلمه لاعتدال مذهبه -. فكتب - عليه‌السلام - بخطه: عجل الله نصرتك ممن ظلمك، و كفاك مؤنته. و أبشر بنصر الله عاجلا ان شاء الله، و بالأجر عاجلا، و أكثر من حمدالله» [538] . و قال ابراهيم بن محمد الهمداني، نفسه - في حديث -: «.. و كتب الي: قد وصل الحساب. تقبل الله منك.. و رضي عنهم، و جعلهم معنا في الدنيا و الآخرة. و قد بعثت اليك من الدنانير بكذا، و من الكسوة بكذا، فبارك لك فيه و في جميع نعم الله اليك. و قد كتبت الي «النضر» امرأته أن ينتهي عنك و عن التعرض لك و لخلافك، و أعلمته موضعك عندي. و كتبت الي «أيوب» امرأته بذلك أيضا. و كتبت الي موالي بهمدان كتابا أمرتهم بطاعتك و المصير الي أمرك، و أن لا وكيل سواك» [539] . و روي محمد بن ابراهيم - و قيل علي بن ابراهيم - أن أباه قال: «كنت عند أبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام اذ دخل اليه محمد بن صالح بن سهل الهمداني، و كان يتولي له - و يقبض لاسمه و يفتي بقضائه - فقال له: جعلت فداك، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فانني أنفقتها. فقال له أبوجعفر عليه‌السلام: أنت في حل. فلما خرج محمد بن صالح من عنده قال: [ صفحه 340] أحدهم يثب علي أموال آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و فقرائهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم، فيأخذها ثم يقول، اجعلني في حل. أتراه ظن بي أني أقول له: لا أفعل!. و الله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» [540] . و قال علي بن عيسي: «أتي الجواد عليه‌السلام رجل فقال: أعطني علي قدر مروتك. فقال عليه‌السلام: لا يسعني. قال: علي قدري. قال: أما ذا فنعم.. يا غلام أعطه مئتي دينار» [541] . «و كتب عبدالعظيم الحسني اليه عليه‌السلام يسأله عن الغائط و نتنه؟. فقال عليه‌السلام: ان الله خلق آدم فكان جسده طينا. و بقي أربعين سنة ملقي تمر به الملائكة تقول: لأمر ما، خلقت!. و كان ابليس يدخل في فيه، و يخرج من دبره. فلذلك صار ما في جوف ابن آدم منتنا خبيثا غير طيب. و يقال: اذا بال الانسان أو تغوط يردد النظر اليهما، لأن آدم عليه‌السلام لما هبط من الجنة لم يكن له عهد بهما. فلما تناول الشجرة المنهية أخذه ذلك. فجعل ينظر الي شي‌ء يخرج منه، فبقي ذلك في أولاده، لأنه تغذي في الجنة، و بال و تغوط في الدنيا» [542] . و قال رجل من بني‌حنيفة من أهل بست سجستان: [ صفحه 341] «رافقت أباجعفر في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم، فقلت له و أنا معه علي المائدة، و هناك جماعة من أولياء السلطان: ان والينا - جعلت فداك - رجل يتولاكم أهل البيت و يحبكم، و علي في ديوانه خراج. فان رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب لي اليه بالاحسان؟. فقال: لا أعرفه. فقلت: جعلت فداك، انه علي ما قلت من محبيكم أهل البيت، و كتابك ينفعني عنده. فأخذ القرطاس و كتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا، و انما لك من عملك ما أحسنت فيه. فأحسن الي اخوانك، و اعلم أن الله عز و جل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل. قال: فلما وصلت سجستان، سبق الخبر الي الحسين بن عبدالله النيسابوري - و هو الوالي - فاستقبلني علي فرسخين من المدينة، فدفعت اليه الكتاب فقبله و وضعه علي عينيه، ثم قال لي: ما حاجتك؟ فقلت: خراج علي في ديوانك. قال: فأمر بطرحه عني و قال: لا تؤد خراجا ما دام لي عمل.. ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا. فما أديت في عمله خراجا و لا قطع عني صلته حتي مات» [543] . و عن محمد بن الحسن بن أبي‌خالد شينوله، قال: «قلت لأبي‌جعفر الثاني عليه‌السلام: [ صفحه 342] ان مشايخنا رووا عن أبي‌جعفر - الباقر - و أبي‌عبدالله - الصادق - عليهماالسلام، و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم يرووا عنهم. فلما ماتوا صارت الكتب الينا. فقال: حدثوا بها فانها حق» [544] . قال عبدوس بن ابراهيم: «رأيت أباجعفر الثاني عليه‌السلام، قد خرج من الحمام و هو من قرنه الي قدمه مثل الورد من أثر الحناء» [545] . و انما يذكر أصحابنا هذه الدقائق عن سيرة الامام عليه‌السلام لأنهم يحبون أن يلتزموا بما كان يلتزم به من الواجب في السنة، أو مما هو من المستحب أو الأولي. فعن قاسم الصيقل، أنه قال: «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل - في الحج - من أبي‌جعفر عليه‌السلام!. كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين اذا أحرم» [546] . و قال علي بن مهزيار: «رأيت أباجعفر الثاني عليه‌السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء، و صلي خلف المقام، ثم دخل زمزم فاستقي منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر، و شرب منه و صب علي بعض جسده، ثم اطلع في زمزم مرتين. و أخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد سنة فعل مثل ذلك» [547] . و قال ابن‌مهزيار نفسه: [ صفحه 343] «رأيت أباجعفر عليه‌السلام يمشي بعد يوم النحر حتي يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكبا. و كنت أراه ماشيا بعد ما يحاذي المسجد بمني - مسجد الخيف المبارك -. و نزل - فوق المسجد بمني قليلا - عن دابته حتي توجه يرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين عليهماالسلام. فقلت له: جعلت فداك، لم نزلت ها هنا؟. فقال: ان هذا مضرب علي بن الحسين، و مضرب بني‌هاشم. و أنا أحب أن أمشي في منازل بني هاشم» [548] . و قال ابن‌مهزيار أيضا: «رأيت أباجعفر الثاني عليه‌السلام، في سنة خمس عشرة و مئتين، ودع البيت بعد ارتفاع الشمس، و طاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط. فلما كان في الشوط السابع استلمه، و استلم الحجر، و مسح بيده، ثم مسح وجهه بيده. ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين. ثم خرج الي دبر الكعبة، الي الملتزم، و التزم البيت، و كشف الثوب عن بطنه. ثم وقف عليه طويلا يدعو. ثم خرج من باب الحناطين» [549] . و قال موسي بن القاسم البجلي: «رأيت أباجعفر الثاني عليه‌السلام، يصلي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل و هو يصلي» [550] . [ صفحه 344] قال الحسن بن شمون: «قرأت هذه الرسالة علي علي بن مهزيار، عن أبي‌جعفر الثاني - عليه‌السلام بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي، أحسن الله جزاك، و أسكنك جنته، و منعك من الخزي في الدنيا و الآخرة، و حشرك الله معنا. يا علي، قد بلوتك و خبرتك في النصيحة، و الطاعة، و الخدمة، و التوقير، و القيام بما جيب عليك. فلو قلت: اني لم أر مثلك، لرجوت أن أكون صادقا، فجزاك الله جنات الفردوس نزلا، فما خفي علي مقامك و لا خدمتك، في الحر و البرد، في الليل و النهار. فأسأل الله اذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها، انه سميع الدعا» [551] . و هكذا كانوا يعرفون حقائق و دقائق ما يقوم به أولياؤهم المقربون، و كذلك كانوا يقدرون اخلاص المخلصين و يشكرون عمل الموالين من أصفيائهم الذين حملوا دعوتهم في أحلك الأزمنة. و نحن اذا مررنا بأسماء أبوابهم، و وكلائهم - و معتمديهم، نظنها أسماء رجال عاديين، في حين أنهم من الأبدال الأبطال الذين عمر الله تعالي بهم أرضه و أنزل خيره. «و قد كان بابه الأول عثمان بن سعيد السمان، و من ثقاته: أيوب بن نوح بن دراج الكوفي، و جعفر بن محمد بن يونس الأحول، و الحسين بن مسلم بن الحسن، و المختار بن زياد العبدي البصري، و محمد بن الحسين بن أبي‌الخطاب الكوفي. [ صفحه 345] و من أصحابه: شاذان بن الخليل النيسابوري، و نوح بن شعيب البغدادي، و محمد بن أحمد المحمودي، و أبويحيي الجرجاني، و أبوالقاسم ادريس القمي، و علي بن محمد، و هارون بن الحسن بن محبوب، و اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، و أبوحامد أحمد بن ابراهيم المراغي، و أبوعلي بن بلال، و عبدالله بن محمد الحضيني، و محمد بن الحسن بن شمون البصري» [552] . و قد روي أنه لم يعترف بامامته - بادي‌ء ذي بدء - سوي عدد قليل - قيل انهم ثلاثة! - [553] ثم استطاع - في هذا المدي القصير من عمره - أن ينشر النور في القلوب، و أن يؤجج النفوس بوهج الايمان، فوضع أكبر عدد من معاصريه علي خط الايمان، يقولون بولايته و يأتمرون بأمره. [ صفحه 347]

بعض ما روي و ما روي عنه و بعض رواة حديثه‌

قد مررنا بكثير من الأحاديث الكريمة التي نقلت عن هذا الامام الكريم عليه‌السلام طي هذا الكتاب - تحت عنوان: من فلسفته و أفكاره، و في مختلف مواضيع الكتاب -. و نضع فيما يلي طائفة أخري منها تعطي القاري‌ء صورة الواضحة عن معالم حياته الشريفة التي حفلت بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من جهة، و أعطت الناس أمثولة القيادة و الريادة التي يحملها ولي الله في الأرض من جهة أخري، و دون أن نستقصي كل ما صدر عنه سلام الله عليه، راجين أن يخرج القاري‌ء من هذا الكتاب و هو علي بينة من أمر واحد من أئمتنا الأفذاذ عليهم‌السلام، كان أقصرهم عمرا، و من أطولهم مدة لحمل أعباء أمر السماء اذا ما قيس اضطلاعه بالأمر الي تمتعه بالعمر.. فيعلم أن آخرهم كأولهم، و كبيرهم كصغيرهم في السداد و الرشاد، و أنهم ذررية بعضها من بعض تخرج أفرادها من معهد واحد هو معهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و نسلهم - جميعهم - الرسول، و الوصي، و البتول، صلوات الله و تحياته و بركاته عليه و عليهم. قال ابن أبي‌نصر: «كتبت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام: الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟. [ صفحه 348] فكتب الي: بعد المؤونة» [554] . و عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسي، عنه عليه‌السلام، عن أبيه، عن جده صلوات الله عليهما: «قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان الله خلق الاسلام فجعل له عرصة - أي فسحة واسعة بين الأبنية - و جعل له نورا، و جعل له حصنا، و جعل له ناصرا. فأما عرصته فالقرآن. و أما نوره فالحكمة. و أما حصنه فالمعروف. و أما أنصاره فأنا و أهل بيتي و شيعتنا. فأحبوا أهل بيتي و شيعتهم و أنصارهم، فانه لما أسري بي الي السماء الدنيا فنسبني جبرائيل عليه‌السلام لأهل السماء، استودع الله حبي و حب أهل بيتي و شيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة الي يوم القيامة، ثم هبط بي الي الأرض فنسبني الي أهل الأرض، فاستودع الله عز و جل حبي و حب أهل بيتي و شيعتهم في قلوب مؤمني أمتي يحفظون وديعتي [في أهل بيتي] الي يوم القيامة. ألا فلو أن الرجل من أمتي عبدالله عز و جل عمره أيام الدنيا، ثم لقي الله عز و جل مبغضا لأهل بيتي و شيعتي، ما فرج الله صدره الا عن النفاق» [555] . و في تفسير نور الثقلين [556] - نقلا عن عيون الأخبار، بالاسناد الي عبدالعظيم بن [ صفحه 349] عبدالله الحسني عن الامام محمد بن علي الرضا، عن أبيه الرضا، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، قال: دخلت أنا و فاطمة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوجدته يبكي بكاء شديدا. فقلت: فداك أبي و أمي يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا علي، ليلة أسري بي الي السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد فأنكرت شأنهن فبكيت لما رأيت من شدة عذابهن. و رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها، و رأيت امرأة معلقة بلسانها و الحميم يصير في حلقها، و رأيت امرأة معلقة بثدييها، و رأيت امرأة تأكل جسدها و النار توقد من تحتها، و رأيت امرأة شد رجلاها الي يديها و قد سلط عليها الحيات و العقارب، و رأيت امرأة صماء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ رأسها من منخرها، و بدنها متقطع من الجذام و البرص، و رأيت امرأة معلقة برجليها في تنور من نار، و رأيت امرأة يقطع لحم جسدها من مقدمها و مؤخرها بمقاريض من نار، و رأيت امرأة يحرق وجهها و يداها و هي تأكل أمعاءها، و رأيت امرأة رأسها رأس الخنزير و بدنها بدن الحمار و عليها ألف لون من العذاب، و رأيت امرأة علي صورة الكلب و النار تدخل في دبرها و تخرج من فيها، و الملائكة يضربون رأسها و بدنها بمقامع من نار. قالت فاطمة عليهاالسلام: حبيبي و قرة عيني، أخبرني ما كان عملهن و سيرتهن حتي وضع الله عليهن هذا العذاب؟. فقال: يا بنتي، أما المعلقة بشعرها فانها كانت لا تغطي شعرها من الرجال. و أما المعلقة بلسانها فانها كانت تؤذي زوجها، و أما المعلقة بثدييها فانها كانت تمنع زوجها من فراشها. و أما المعلقة برجليها فانها كانت تخرج من بيتها بغير اذن زوجها. و أما التي كانت تأكل لحم جسدها فانها كانت تزين بدنها للناس. و أما التي شد يداها الي رجليها و سلط عليها الحيات و العقارب فانها كانت قذرة [ صفحه 350] الوضوء قذرة الثياب، و كانت لا تغتسل من الجنابة و الحيض و لا تتنظف، و كانت تستهين بالصلاة. و أما الصماء العمياء الخرساء فانها كانت تلد من الزني فتعلقه في عنق زوجها. و أما التي يقرض لحمها بالمقاريض فانها كانت تعرض نفسها علي الرجال. و أما التي كانت يحرق وجهها و بدنها و هي تأكل أمعاءها فانها كانت قوادة. و أما التي كانت رأسها رأس الخنزير، و بدنها بدن الحمار فانها كانت نمامة كذابة. و أما التي كانت علي صورة الكلب و النار تدخل في دبرها و تخرج من فمها فانها كانت قينة - مغنية - بوجه حاسدة. ثم قال: ويل لامرأة أغضبت زوجها، و طوبي لامرأة رضي عنها زوجها»! [557] . قال عبدالعظيم بن عبدالله الحسني: «حدثني أبوجعفر الثاني صلوات الله عليه، قال: سمعت أبي عليه‌السلام يقول: سمعت أبي‌موسي بن جعفر عليه‌السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي‌عبدالله - الصادق - عليه‌السلام، فلما سلم و جلس تلا هذه الآية: (الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش..) [558] ثم أمسك. فقال له أبوعبدالله عليه‌السلام: ما أسكتك؟. قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز و جل. فقال: نعم، يا عمرو. أكبر الكبائر الاشراك بالله، يقول الله: (و من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة..) [559] . [ صفحه 351] و بعده الأياس من روح الله، لأن الله عز و جل يقول: (انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) [560] . و قتل النفس التي حرم الله الا بالحق، لأن الله عز و جل يقول: (فجزاؤه جهنم خالدا فيها..) [561] . و قذف المحصنة، لأن الله عز و جل يقول: (لعنوا في الدنيا و الآخرة، و لهم عذاب عظيم) [562] . و أكل مال اليتيم، لأن الله عز و جل يقول: (انما يأكلون في بطونهم نارا، و سيصلون سعيرا) [563] . و الفرار من الزحف، لأن الله عز و جل يقول: (و من يؤلهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال، أو متحيزا الي فئة، فقد باء بغضب من الله، و مأواه جهنم و بئس المصير) [564] . و أكل الربا، لأن الله عز و جل يقول: (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس).. [565] . و السحر، لأن الله عز و جل يقول: (و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق) [566] . و الزني، لأن الله عز و جل يقول: (و من يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا) [567] . و اليمين الغموس الفاجرة، لأن الله عز و جل يقول: (الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) [568] . [ صفحه 352] و الغلول، لأن الله عز و جل يقول: (و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة..) [569] . و منع الزكاة المفروضة، لأن الله عز و جل يقول: (.. فتكوي بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم) [570] . و شهادة الزور، و كتمان الشهادة، لأن الله عز و جل يقول: (.. و من يكتمها فانه آثم قلبه..) [571] . و شرب الخمر، لأن الله عز و جل نهي عنها كما نهي عن عبادة الأوثان. و ترك الصلاة متعمدا، أو شيئا مما فرض الله، لأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد بري‌ء من ذمة الله و ذمة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. و نقض العهد، و قطيعة الرحم، لأن الله عز و جل يقول: (أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) [572] . قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه و هو يقول: هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم» [573] . و قال علي بن مهزيار: «كتب رجل الي ابي‌جعفر عليه‌السلام لمما يخطر علي باله - أي بعض صغائر الذنوب -. فأجابه في بعض كلامه: ان الله عز و جل ان شاء ثبتك، فلا تجعل لابليس عليك طريقا. قد شكا قوم الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم لمما يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو [ صفحه 353] يقطعوا أحب اليهم من أن يتكلموا به، فقال رسول صلي الله عليه و آله و سلم: أتجدون ذلك؟. قالوا: نعم. فقال: و الذي نفسي بيده ان ذلك لصريح الايمان، فاذا وجدتموه فقولوا: آمنا بالله و رسوله، و لا حول و لا قوة الا بالله» [574] . و عن علي بن مهزيار نفسه أنه قال: «كتب محمد بن حمزة الغنوي الي يسألني أن أكتب الي أبي‌جعفر عليه‌السلام في دعاء أعلمه يرجو به الفرج - لأنه كان في السجن -. فكتب اليه: أما ما سأل محمد بن حمزة الغنوي من تعليمه دعاء يرجو به الفرج، فقل له: يلزم: يا من يكفي من كل شي‌ء، و لا يكفي منه شي‌ء، اكفني مما أنا فيه. فاني أرجو أن يكفي ما هو فيه من الغم ان شاء الله. فأعلمته ذلك، فما أتي عليه الا قليل حتي خرج من الحبس» [575] . قال محمد بن علي بن بلال: «مررنا الي قبر محمد بن اسماعيل بن بزيع لنزوره. فلما أتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة و القبر أمامه ثم قال: أخبرني صاحب هذا القبر - يعني محمد بن اسماعيل بن بزيع - أنه سمع أباجعفر الثاني عليه‌السلام يقول: من زار قبر أخيه، و وضع يده علي قبره وقرأ: انا أنزلناه في ليلة القدر، سبع مرات، أمن من الفزع الأكبر» [576] . [ صفحه 354] أما أصحابه فكثيرون، و منهم من صاحب أباه أو جده، و منهم من عاصر ابنه و حفيده - عليهم‌السلام جميعا - و لن نذكر الا بعض الأجلاء من الثقات المعتمدين تخفيفا علي القاري‌ء الكريم، و اختصارا للموضوع، و بيانا لمن كان يدور في فلك ولايته الكريمة صلوات الله و سلامه عليه، مرتبين أسماءهم بحسب الحروف الهجائية. و منهم - رضوان الله عليهم -: ابراهيم بن محمد الهمداني، و قد لحق من قبله أباه الامام الرضا عليه‌السلام، و عاصر من بعده ابنه الامام الهادي عليه‌السلام. ابراهيم بن مهزيار - ابواسحاق - الأهوازي، الذي أدرك الامام الحجة المهدي عجل الله تعالي فرجه و كان من أبوابه و معتمديه بعد أن عاصر الأئمة الأربعة الأخيرين عليهم‌السلام. أبوالحصين بن الحصين الحضيني، الذي صاحب الامام الهادي عليه‌السلام. أحمد بن محمد بن أبي‌نصر البيزنطي، و قد عاصر أباه الامام الرضا، و جده الامام الكاظم، عليهماالسلام. أحمد بن محمد بن عيسي الأشعري، و قد صاحب الامام الرضا عليه‌السلام. أحمد بن محمد بن خالد بن عبدالرحمان بن محمد بن علي البرقي، و صاحب ابنه الامام الهادي عليه‌السلام. أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري القمي، و هو شيخ القميين، و قد عاصر امامنا و أباه، و ابنه، و حفيده، صلوات الله عليهم و سلامه. أحمد بن حماد المروزي الذي عاصر الامامين: الهادي و العسكري عليهماالسلام. أحمد بن محمد بن عبيد القمي الأشعري. اسحاق بن ابراهيم الحضيني، و قد لقي أباه الامام الرضا عليه‌السلام من قبله. جعفر بن محمد بن يونس الأحول، و قد صاحب ابنه الامام الهادي عليه‌السلام. الحسن و الحسين ابنا سعيد، الأهوازيان، و هما من أصحاب أبيه الامام الرضا عليه‌السلام. [ صفحه 355] صفوان بن يحيي البجلي، و كان أوثق و أعبد أهل زمانه، و قد صاحب الامامين الكاظم و الرضا عليهماالسلام من قبله. صالح بن محمد الهمداني، و قد صاحب ابنه الامام الهادي عليه‌السلام. علي بن مهزيار الأهوازي، و قد صاحب أبا الامام عليه‌السلام من قبله، و ابنه عليه‌السلام من بعده. علي بن أسباط، و هو من أصحاب أبيه الامام الرضا عليه‌السلام. علي بن الحكم. محمد بن خالد البرقي الذي صاحب أباه و ابنه عليهماالسلام من قبله، و من بعده. محمد بن سنان - أبوجعفر الزاهري - الذي كان من أصحاب الامام الرضا عليه‌السلام. محمد بن الحسن بن محبوب. محمد بن الحسين بن أبي‌الخطاب الكوفي - و هو أبوجعفر الزيات المعروف - عاصر العسكريين عليهماالسلام. محمد بن اسماعيل بن بزيع، و هو من أصحاب أبيه عليه‌السلام. مصدق بن صدقة الذي كان من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام. معاوية بن حكيم. موسي بن القاسم بن معاوية بن وهب البجلي، الذي هو من أصحاب أبيه عليه‌السلام [577] . و الحمد لله أولا و آخرا، و الصلاة و السلام علي رسوله الكريم و أهل بيته المنتجبين.

پاورقي

[1] الاختصاص ص 277 و بحارالأنوار ج 7 ص 62 رواه الحسين بن أبي‌العلا، عن الامام الصادق عليه‌السلام، و الآية الكريمة في النساء - 59.
[2] بحارالأنوار ج 50 ص 353 و في الاختصاص ص 22 و روي بلفظه عن أحمد بن محمد بن أبي‌نصر، عن الامام الرضا عليه‌السلام.
[3] بحارالأنوار ج 50 ص 36 و الكافي م 1 ص 322 و حلية الأبرار ج 2 ص 431.
[4] المؤمن 56.
[5] الجن - 27.
[6] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 65.
[7] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 72 - 71 و هو مروي في مصادر اسلامية كثيرة بهذا الاسناد و بغيره، و مصحح عند أئمة المذاهب من السنة و الشيعة.
[8] الاسراء - 71.
[9] تجد الحديث مفصلا في المحجة البيضاء ج 4 ص 180 عن اسحاق بن غالب، عن الامام الصادق عليه‌السلام. [
[10] بحارالأنوار ج 23 ص 265 رواه محمد بن الفضيل عن أبي‌الحسن عليه‌السلام، و هو في مصادر اسلامية كثيرة.
[11] بحارالأنوار ج 23 ص 262 - 261.
[12] المصدر السابق ج 16 ص 222 و مجالس الشيخ ص 250.
[13] بحارالأنوار ج 23 ص 194 عن بصائر الدرجات ص 35 رواية عن عمر بن صعب.
[14] بحارالأنوار ج 23 ص 144 - 143 نقلا عن الروضة ص 147 - 146 في حديث طويل.
[15] المصدر السابق، نفس الجزء ص 130 نقلا عن تفسير القمي ص 5 و 6.
[16] البقرة - 30.
[17] بحارالأنوار ج 23 ص 69 - 68 و الاحتجاج ج 2 ص 465 - 464 و الآية الكريمة في الأعراف 155.
[18] القصص - 68.
[19] الأحزاب - 36.
[20] الأحزاب - 36.
[21] الأنعام - 38.
[22] المائدة - 3.
[23] غيبة النعماني ص 146 - 145 في حديث طويل، و كذلك هو في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 175 - 169 و الآية الكريمة في الجمعة - 4.
[24] البرهان م 4 ص 547 و بصائر الدرجات ص 21 مكررا الي ص 28 بعدة صيغ، و عن عدة رواة عن عدة من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، و هو في الكافي م 2 ص 401.
[25] البرهان م 4 ص 547 و معاني الأخبار ص 188 و الكافي م 2 ص 402 - 401 و روي عن الامام العسكري عليه‌السلام مع تفصيل، و هو في بصائر الدرجات ص 21 و الاختصاص ص 268.
[26] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 2 ص 401.
[27] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 2 ص 401.
[28] بصائر الدرجات ص 25 و ص 537.
[29] بصائر الدرجات ص 25 و ص 537.
[30] البرهان م 4 ص 547 و معاني الأخبار ص 188 و الكافي م 2 ص 402 - 401 و ورد عن الامام العسكري عليه‌السلام مع تفصيل، و هو في بصائر الدرجات ص 21 و الاختصاص ص 268.
[31] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 1 ص 401 و الآية في الأعراف - 172.
[32] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 1 ص 401 و الآية في الأعراف - 172.
[33] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 1 ص 401 و الآية في الأعراف - 172.
[34] بصائر الدرجات ص 25 و ص 27 و الكافي م 1 ص 401 و الآية في الأعراف - 172.
[35] بصائر الدرجات ص 25 و ص 537.
[36] الحديثان رواهما السنة و الشيعة في مصادر لا تحصي، و انظر الأول في بحارالأنوار ج 23 ص 106 منقولا عن الامام أحمد بن حنبل في مسنده و مرويا عن أبي‌سعيد الخدري، و مكررا في عشرات الصفحات. و الحديث الثاني في ص 119 و ما بعدها في عدة صفحات.
[37] الحديثان رواهما السنة و الشيعة في مصادر لا تحصي، و انظر الأول في بحارالأنوار ج 23 ص 106 منقولا عن الامام أحمد بن حنبل في مسنده و مرويا عن أبي‌سعيد الخدري، و مكررا في عشرات الصفحات. و الحديث الثاني في ص 119 و ما بعدها في عدة صفحات.
[38] ابراهيم - 24.
[39] بصائر الدرجات ص 11 و ص 12 و عدة من مصادر بحثنا.
[40] بصائر الدرجات ص 11 و ص 12 و عدة من مصادر بحثنا.
[41] المصدر السابق ص 49 و ص 56 و ص 57.
[42] المصدر السابق ص 49 و ص 56 و ص 57.
[43] المصدر السابق ص 49 و ص 56 و ص 57.
[44] بصائر الدرجات ص 62.
[45] المصدر السابق ص 90 و ص 91 و ص 94 و الآية في فصلت - 30.
[46] المصدر السابق ص 90 و ص 91 و ص 94 و الآية في فصلت - 30.
[47] المصدر السابق ص 90 و ص 91 و ص 94 و الآية في فصلت - 30.
[48] المصدر السابق ص 104 و ص 109 و ص 115 و ص 122 و ص 126 تجدها تباعا.
[49] المصدر السابق ص 104 و ص 109 و ص 115 و ص 122 و ص 126 تجدها تباعا.
[50] المصدر السابق ص 104 و ص 109 و ص 115 و ص 122 و ص 126 تجدها تباعا.
[51] انظر المصدر السابق.
[52] انظر المصدر السابق.
[53] المصدر السابق ص 127 و الآية في النحل - 89.
[54] العنكبوت - 49.
[55] المصدر السابق ص 205 و ص 208 مكررا الي ص 211.
[56] المصدر السابق ص 205 و ص 208 مكررا الي ص 211.
[57] المصدر السابق ص 226 مكررا في أكثر من صفحة، و الاختصاص ص 263 و الآية الأولي في الجمعة - 2 و الآية الثانية في الأنعام - 92.
[58] المصدر السابق ص 226 مكررا في أكثر من صفحة، و الاختصاص ص 263 و الآية الأولي في الجمعة - 2 و الآية الثانية في الأنعام - 92.
[59] المصدر السابق ص 289 و ص 299 و ص 301 تجدها تباعا.
[60] المصدر السابق ص 289 و ص 299 و ص 301 تجدها تباعا.
[61] المصدر السابق ص 289 و ص 299 و ص 301 تجدها تباعا.
[62] المصدر السابق ص 319 و ص 325.
[63] المصدر السابق ص 319 و ص 325.
[64] المصدر السابق ص 396.
[65] المصدر السابق ص 420 و ص 421.
[66] المصدر السابق ص 420 و ص 421.
[67] المصدر السابق ص 465.
[68] المصدر السابق ص 517 و الآية في الانسان - 17 و التكوير - 29 و تجده في بحارالأنوار و في غيره من المصادر المعتبرة التي عرضت لموضوع علمهم عليهم‌السلام.
[69] الاختصاص ص 268 - هو و ما سبقه -.
[70] بصائر الدرجات ص 14 و ص 25 - 24 عن محمد بن سوقة، و هو كذلك في كتب الأخبار التي عرضت لهذا المعني.
[71] بصائر الدرجات ص 14 و ص 25 - 24 عن محمد بن سوقة، و هو كذلك في كتب الأخبار التي عرضت لهذا المعني.
[72] بحارالأنوار ج 67 ص 98 - 97 و الكافي م 2 ص 74.
[73] الأحزاب - 72.
[74] البرهان م 4 ص 548 - 547 و الكافي م 2 ص 402.
[75] بحارالأنوار ج 23 ص 2 عن الاختصاص ص 268 نقلا عن الكافي م 1 ص 177 عن الامام الرضا عليه‌السلام.
[76] المصدر السابق نفس الجزء ص 75 عن الغيبة للنعماني ص 23 عن عمرو بن الأشعث، و كان مع نحو من عشرين رجلا في المجلس.
[77] بحارالأنوار ج 23 ص 35 عن اكمال الدين ص 177.
[78] بحارالأنوار ج 23 ص 36 - 35 عن اكمال الدين ص 177 عن الحسن بن زياد، عنه عليه‌السلام.
[79] بصائر الدرجات ص 122 و ص 123.
[80] بصائر الدرجات ص 122 و ص 123.
[81] آل عمران - 7 و الحديث في بصائر الدرجات ص 202 عن بريد العجلي.
[82] آل عمران - 7 و الحديث في بصائر الدرجات ص 202 عن بريد العجلي.
[83] العنكبوت - 49 و الحديث في بصائر الدرجات ص 202 و عدة مصادر أخري.
[84] العنكبوت - 49 و الحديث في بصائر الدرجات ص 202 و عدة مصادر أخري.
[85] الأنعام - 124.
[86] الكافي م 1 ص 184 - 183 و الآية في ابراهيم - 18.
[87] معاني الأخبار ص 79 و الآية في القصص - 5.
[88] معاني الأخبار ص 79 و الآية في القصص - 5.
[89] معاني الأخبار ص 184 رواية عن مبارك مولاه. و الآية الأولي في الجن - 22 - 21 و الثانية في الأعراف - 199 و الثالثة في البقرة - 177.
[90] معاني الأخبار ص 184 رواية عن مبارك مولاه. و الآية الأولي في الجن - 22 - 21 و الثانية في الأعراف - 199 و الثالثة في البقرة - 177.
[91] معاني الأخبار ص 184 رواية عن مبارك مولاه. و الآية الأولي في الجن - 22 - 21 و الثانية في الأعراف - 199 و الثالثة في البقرة - 177.
[92] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 200 و بحارالأنوار ج 24 ص 131.
[93] بحارالأنوار ج 25 ص 61 رواية عن أبي‌الصباح.
[94] المصدر السابق، نفس الجزء ص 117 نقلا عن الخصال ج 2 ص 106.
[95] المحجة البيضاء ج 4 ص 179 و الآية في الجمعة - 4.
[96] الاختصاص ص 286 و بصائر الدرجات ص 317 و بحارالأنوار ج 7 ص 289.
[97] الاختصاص ص 286 و بصائر الدرجات ص 317 و بحارالأنوار ج 7 ص 289.
[98] بحارالأنوار ج 26 ص 66 و بصائر الدرجات ص 325 عن ضريس، و أمالي الشيخ ص 154 عن أبي‌هاشم الجعفري.
[99] الاختصاص ص 317 و بصائر الدرجات ص 408. [
[100] بحارالأنوار ج 26، ص 68 - 67 و بصائر الدرجات ص 92.
[101] الأنبياء - 27.
[102] بحارالأنوار ج 26 ص 66 و أمالي ابن‌الشيخ ص 154.
[103] الاختصاص ص 284 و ص 285 مكررا بعدة أسانيد، و هو في بحار الأنوار ج 7 ص 282 و في الكافي م 1 ص 296 مكررا بنصوص مختلفة و كذلك في بصائر الدرجات ص 302 و في مصادر لا تحصي بهذا اللفظ و بغيره. و مثله في فرائد السمطين ج 1 ص 103.
[104] الاختصاص ص 284 و ص 285 مكررا بعدة أسانيد، و هو في بحارالأنوار ج 7 ص 282 و في الكافي م 1 ص 296 مكررا بنصوص مختلفة و كذلك في بصائر الدرجات ص 302 و في مصادر لا تحصي بهذا اللفظ و بغيره. و مثله في فرائد السمطين ج 1 ص 103.
[105] الاختصاص ص 284 و بحارالأنوار ج 7 ص 288 و بصائر الدرجات ص 307.
[106] بحارالأنوار ج 26 ص 73 و بصائر الدرجات ص 108.
[107] بحارالأنوار ج 26 ص 73 و بصائر الدرجات ص 108.
[108] المصدر السابق نفس الجزء ص 75 و بصائر الدرجات نفس الصفحة.
[109] الكافي م 1 ص 176 و هو مكرر كثيرا في الصفحة و ما يليها عن الامامين الصادق و الرضا عليهماالسلام.
[110] المصدر السابق نفس الجزء ص 83 و الكافي ج 1 ص 268.
[111] بحارالأنوار ج 7 ص 328 مكررا في الصفحات التالية بعدة نصوص و بأسانيد مختلفة، و هو في الكافي م 1 ص 177 و في بصائر الدرجات من ص 316 الي ص 318 مكررا بعدة روايات.
[112] المصدر السابق ج 26 ص 18 و ص 19 مكررا بألفاظ متقاربة، في روايات متعددة. و انظر الارشاد ص 257 و الاحتجاج ص 203 و أمالي ابن‌الشيخ ص 260.
[113] بحارالأنوار ج 26 ص 68 و بصائر الدرجات ص 93 و من ص 319 الي ص 321 مكررا في عدة روايات.
[114] النحل - 68.
[115] الاختصاص ص 286 و بحارالأنوار ج 7 ص 288 نقلا عن بصائر الدرجات.
[116] بحارالأنوار ج 26 ص 28 نقلا عن مناقب آل أبي‌طالب ج 3 ص 374.
[117] هود - 73.
[118] مريم - 18 و 19.
[119] الاختصاص ص 287 و بحارالأنوار ج 7 ص 292 نقلا عن بصائر الدرجات، و ج 26 ص 69 عن بصائر الدرجات أيضا.
[120] الكهف - 86.
[121] الاختصاص ص 288 و بحارالأنوار ج 1 ص 132 نقلا عن بصائر الدرجات و غيره.
[122] المصدر السابق ذاته.
[123] المصدر السابق نفسه.
[124] الاختصاص ص 314 و بحارالأنوار ج 7 ص 312 نقلا عن البصائر ج 8 باب 11.
[125] بحارالأنوار ج 7 ص 293 و البصائر ج 7 باب 14 و الاختصاص ص 293. و الآية في النمل - 16.
[126] بحارالأنوار ج 16 ص 376 في حديث طويل رواه ابن‌عباس رضوان الله عليه.
[127] المصدر السابق ج 26 ص 110 نقلا عن بصائر الدرجات ص 35 رواه سعد بن الأصبغ الأزرق.
[128] بحارالأنوار ج 43 ص 330.
[129] المصدر السابق، نفس الجزء ص 333.
[130] الاختصاص ص 307 و بحارالأنوار ج 1 ص 136 و ج 7 ص 307 و بصائر الدرجات ص 361 و 362 مكررا بروايات.
[131] نفس المصدر السابق.
[132] الاختصاص ص 307 و بحارالأنوار ج 1 ص 336 و بصائر الدرجات ص 363 و ص 364 مكررا بعدة روايات.
[133] بحارالأنوار ج 67 ص 101.
[134] الخصال ص 480 - 479 رواه الحسن بن العباس بن الحريش الرازي.
[135] بصائر الدرجات ص 120.
[136] بحارالأنوار ج 50 ص 19 و غيبه الطوسي ص 27 - 26 و رجال الكشي ص 429 و هو في اثبات الهداة كما أشرنا اليه في غير هذا المكان.
[137] بحارالأنوار ج 50 ص 18 و عيون الأخبار الرضا ج 2 ص 216.
[138] الجن - 26 - 25.
[139] بحارالأنوار ج 50 ص 64 و اثبات الهداة ج 6 ص 190 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305.
[140] بحارالأنوار ج 50 ص 64 و اثبات الهداة ج 6 ص 190 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305.
[141] بحارالأنوار ج 50 ص 64 - 63 و كشف الغمة ج 3 ص 153 - 152 و ص 159 و ص 215 و اثبات الهداة ج 6 ص 190 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 - 304.
[142] بحارالأنوار ج 5 ص 63 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و اثبات الهداة ج 6 ص 182 و ص 183 و كشف الغمة ج 3 ص 160 و اعلام الوري ص 335 - 334 و المحجة البيضاء ج 4 ص 308.
[143] الأعراف - 171.
[144] الامامة و التبصرة من الخيرة ص 86 - 85 و أكثر المصادر السابقة.
[145] بحارالأنوار ج 27 ص 291.
[146] النحل - 40.
[147] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 388.
[148] حلية الأبرار ج 2 ص 432 و كفاية الأثر ص 324 و بحارالأنوار ج 23 ص 42 و ج 50 ص 35 و اكمال الدين ص 133 و اثبات الهداة ج 6 ص 156.
[149] اثبات الهداة ص 156.
[150] انظر المصادر السابقة بذاتها.
[151] بحارالأنوار ج 50 ص 20 و 32 و الغيبة للطوسي ص 2 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 336 و الكافي م 1 ص 320 و ص 321 و الارشاد ص 298 و اثبات الهداة ج 6 ص 162 و حلية الأبرار ج 2 ص 429 و ص 434 قريب منه، و كشف الغمة ج 3 ص 142 و اعلام الوري ص 331.
[152] آل عمران - 154.
[153] حلية الأبرار ج 2 ص 432 و بحارالأنوار ج 50 ص 35 و كفاية الأثر ص 324 و في اثبات الهداة ج 6 ص 155 روي عن سعيد بن بزيع، و عن محمد بن عيسي، و الامامة و التبصرة ص 59.
[154] ق - 29.
[155] التوبة - 115.
[156] بحارالأنوار ج 23 ص 68 - 67 و قرب الاسناد ص 167 - 166.
[157] بصائر الدرجات ص 472 - 471.
[158] الاسراء - 34.
[159] بحارالأنوار ج 50 ص 32 و ص 34 و رجال الكشي رقم 427 و الارشاد ص 298 و تجده في الكافي م 1 ص 320 و ص 321 بعدة نصوص، و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 429 و ص 433 - 432 مروي عن صفوان بن يحيي - عن محمد بن نجران، عن محمد بن عيسي، و انظر اثبات الهداة ج 6 ص 158 و كشف الغمة ج 3 ص 142 و اعلام الوري ص 331.
[160] المصادر السابقة نفسها.
[161] المصادر السابقة نفسها.
[162] المصادر السابقة نفسها.
[163] آل عمران - 9 و الرعد - 31.
[164] عيون أخبار الرضا ج 36 و بحارالأنوار ج 51 ص 77 و ج 52 ص 277 و الغيبة للطوسي ص 95 و هو في مصادر اسلامية كثيرة.
[165] بحارالأنوار ج 50 ص 15 و هو في ص 18 عن ابن قياما بلفظ آخر، و انظر الصحاح ص 2513 و بصائر الدرجات ص 138 و حلية الأبرار ج 2 ص 389.
[166] التحريم - 3.
[167] التكوير - 21 - 19.
[168] الأحزاب - 38.
[169] بحارالأنوار ج 50 ص 35 و حلية الأبرار ج 2 ص 430 و الكافي م 1 ص 321 و ص 322 و في ص 360 حديث يشبهه، و انظر اثبات الهداة ج 6 ص 159 و اعلام الوري ص 332 و كشف الغمة ج 3 ص 143 - 142 و الارشاد ص 299.
[170] بحارالأنوار ج 50 ص 20 و ص 21 و ص 35 و كفاية الأثر ص 324 و الكافي م 1 ص 320 و ص 321 و الارشاد ص 297 و ص 298 و حلية الأبرار ج 2 ص 429 و ص 430 و اثبات الهداة ج 6 ص 153 و ص 158 و هو في الصفحتين 163 و 166 عن محمد بن أبي‌نصر مع زيادة أن الامامة تجري مجري النبوة.
[171] بحارالأنوار ج 50 ص 21 و الكافي م 1 ص 320 و ص 321 عن صفوان بن يحيي بلفظ: فلا أرانا الله يومك، فان كان كون.. و هو في كشف الغمة ج 3 ص 141 و في ص 143 روي عن الخيزراني بلفظ قريب، و هو في الارشاد ص 297 و 298 و في ص 299 عن الخيزراني قريب منه، و هو في اعلام الوري ص 331.
[172] بحارالأنوار ج 50 ص 21 و الكافي م 1 ص 320 و ص 321 عن صفوان بن يحيي بلفظ: فلا أرانا الله يومك، فان كان كون.. و هو في كشف الغمة ج 3 ص 141 و في 143 روي عن الخيزراني بلفظ قريب، و هو في الارشاد ص 297 و 298 و في ص 299 عن الخيزراني قريب منه، و هو في اعلام الوري ص 331.
[173] حلية الأبرار ج 2 ص 429.
[174] بحارالأنوار ج 50 ص 33 و الارشاد ص 298 و في ص 299 قريب منه عن الخيزراني، و كذلك في اعلام الوري ص 331 و ص 332 و الكافي م 1 ص 321 و حلية الأبرار ج 2 ص 430 و ص 431 و ص 432، و اثبات الهداة ج 6 ص 159 - 158 و كشف الغمة ج 3 ص 142.
[175] بحارالأنوار ج 50 ص 33 و ص 35 - 34 و كفاية الأثر ص 324 و روي مثله عن الخيزراني عن أبيه في حلية الأبرار ج 2 ص 397 و ص 431 و ص 432 و الكافي م 1 ص 322 و الارشاد ص 299، و اثبات الهداة ج 6 ص 160، و كشف الغمة ج 3 ص 143 و اعلام الوري ص 331.
[176] بحارالأنوار ج 50 ص 33 و ص 35 - 34 و كفاية الأثر ص 324 و روي مثله عن الخيزراني عن أبيه في حلية الأبرار ج 2 ص 397 و ص 431 و ص 432 و الكافي م 1 ص 322 و الارشاد ص 299، و اثبات الهداة ج 6 ص 160، و كشف الغمة ج 3 ص 143 و اعلام الوري ص 331.
[177] الآية الأولي في مريم - 11 و الثانية في الأحقاف - 15 و انظر بحارالأنوار ج 50 ص 20 و ص 37 و بصائر الدرجات ص 238 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و الارشاد ص 306 و ص 340 و الكافي م 1 ص 494 و اثبات الهداة ج 6 ص 168 - 167 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 و اعلام الوري ص 334.
[178] الآية الأولي في مريم - 11 و الثانية في الأحقاف - 15 و انظر بحارالأنوار ج 50 ص 20 و ص 37 و بصائر الدرجات ص 238 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و الارشاد ص 306 و ص 340 و الكافي م 1 ص 494 و اثبات الهداة ج 6 ص 168 - 167 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 و اعلام الوري ص 334.
[179] الآية الأولي في مريم - 11 و الثانية في الأحقاف - 15 و انظر بحارالأنوار ج 50 ص 20 و ص 37 و بصائر الدرجات ص 238 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و الارشاد ص 306 و ص 340 و الكافي م 1 ص 494 و اثبات الهداة ج 6 ص 168 - 167 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 و اعلام الوري ص 334.
[180] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 388 - 387 و بحارالأنوار ج 50 ص 56 و اثبات الهداة ج 6 ص 165.
[181] بحارالأنوار ج 50 ص 34 و الارشاد ص 299 و الكافي م 1 و ص 320 و ص 322 و حلية الأبرار ج 2 ص 429 و اثبات الهداة ج 6 ص 160 و كشف الغمة ج 3 ص 143 و اعلام الوري ص 332.
[182] اثبات الهداة ج 6 ص 161.
[183] حلية الأبرار ج 2 ص 430 و بحارالأنوار ج 50 ص 36 و الكافي م 1 ص 321.
[184] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 383.
[185] بحارالأنوار ج 50 ص 67.
[186] اثبات الهداة ج 6 ص 201 - 200.
[187] حلية الأبرار ج 2 ص 396 و اثبات الهداة ج 6 ص 184 و في ص 200 قصة صبي مكفوف أعاد اليه بصره، و انظر الأنوار البهية ص 214 و المحجة البيضاء ج 4 ص 306 و كشف الغمة ج 3 ص 155.
[188] الأنفال - 17.
[189] بحارالأنوار ج 50 ص 66 و رجال الكشي ص 487.
[190] بحارالأنوار ج 50 ص 57.
[191] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 242 و بحارالأنوار ج 50 ص 18 و حلية الأبرار ج 2 ص 231 و أثبات الهداة ج 6 ص 161.
[192] بحارالأنوار ج 50 ص 102 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 8 و الأنوار البهية ص 221 - 220.
[193] البقرة - 245.
[194] الطلاق - 7.
[195] بحارالأنوار ج 50 ص 103 و تفسير العياشي ج 1 ص 132 - 131.
[196] يوسف - 68.
[197] بحارالأنوار ج 50 ص 104 و رجال الكشي ص 365.
[198] الجن - 14 و 15.
[199] حلية الأبرار ج 2 ص 390 - 389 في حديث طويل، نقلا عن الكافي م 1 ص 315.
[200] بحارالأنوار ج 50 من ص 1 الي ص 13 مكررا، و الكافي م 1 ص 492 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 379 و كشف الغمة ج 3 ص 135 الي ص 187 و ص 217 مكررا عدة مرات، و الارشاد ص 297 و تذكرة الخواص ص 318 و ص 321 و حلية الأبرار ج 2 ص 423 و الأنوار البهية ص 207.
[201] و قيل: سبيكة، أو درة، أو سكينة، أو حريان، أو خيزران، و انظر جميع المصادر السابقة.
[202] بحارالأنوار ج 50 من ص 1 الي ص 13 مكررا، و الكافي م 1 ص 492 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 379 و كشف الغمة ج 3 ص 135 الي ص 187 و ص 217 مكررا عدة مرات، و الارشاد ص 297 و تذكرة الخواص ص 318 و ص 321 و حلية الأبرار ج 2 ص 423 و الأنوار البهية ص 207.
[203] الوسائل م 14 ص 497 و هو مكرر بلفظ قريب، و انظر الفروع ج 2 ص 50 و عدة مصادر معتبرة.
[204] المصدر السابق نفس الجزء ص 58 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 183 و من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 151 و قد ورد قريب منه عن الأئمة عليهم‌السلام في روايات كثيرة.
[205] الوسائل م 14 ص 192 - 191.
[206] المصدر السابق م 14 ص 56 و الآية في المائدة - 14.
[207] المصدر السابق م 14 ص 56 و الآية في المائدة - 14.
[208] المصدر السابق م 14 ص 19 و ص 29 و هو في الفروع ج 2 ص 5 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 277 و من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 126 و ص 153 و هو في ج 1 ص 146.
[209] المصدر السابق م 14 ص 19 و ص 29 و هو في الفروع ج 2 ص 5 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 277 و من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 126 و ص 153 و هو في ج 1 ص 146.
[210] المصدر السابق م 14 ص 13 و الفروع ج 2 ص 3.
[211] المصدر السابق م 14 ص 44 و الفروع ج 2 ص 8 و الحديث طويل.
[212] المصدر السابق م 14 ص 44 و الفروع ج 2 ص 8 و الحديث طويل.
[213] الوسائل م 14 ص 48 و ص 49 و ص 50 و الفروع ج 2 ص 15 و قرب الاسناد م 3 ص 22 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 226.
[214] الوسائل م 14 ص 48 و ص 49 و ص 50 و الفروع ج 2 ص 15 و قرب الاسناد م 3 ص 22 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 226.
[215] الوسائل م 14 ص 48 و ص 49 و ص 50 و الفروع ج 2 ص 15 و قرب الاسناد م 3 ص 22 و تهذيب الأحكام ج 2 ص 226.
[216] النساء - 3.
[217] الأحزاب - 38.
[218] الأنوار البهية ص 209 و أكثر المصادر التي عرضت لولادته.
[219] في كشف الغمة ج 3 ص 133 و ص 141 - 140 ولد ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة 195 هجرية و في ص 159 منه ولد لسبع عشرة ليلة من رمضان، و قيل في 15 منه، و في رواية ابن‌عياش: ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب، و انظر ص 115 و ص 117 و ص 186 و ص 187 و في الارشاد ص 297 ولد في رمضان بالمدينة، و قد اختلفت المصادر في تعيين اليوم و الشهر ولكنها اتفقت علي سنة 195 هجرية. و انظر بحارالأنوار ج 50 من ص 1 الي ص 14 و الكافي م 1 ص 492 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 379 و تذكرة الخواص ص 321 و حلية الأبرار ج 2 ص 423.
[220] الاسراء - 81.
[221] التوبة - 40.
[222] الزمر - 75.
[223] المؤمن - 78.
[224] الأحزاب - 25.
[225] الأنفال - 37.
[226] الرعد - 17.
[227] هود - 17.
[228] حلية الأبرار ج 2 من ص 388 الي ص 391 و فيه تفصيل، و انظر بحارالأنوار ج 50 ص 10 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 394 و اثبات الهداة ج 6 ص 197 و الأنوار البهية ص 209 - 208.
[229] يس - 62.
[230] النمل - 88.
[231] الكامل لابن الأثير ج 6 ص 154 - 153.
[232] أنظر بحارالأنوار ج 50 من ص 11 الي ص 16 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 379 و معاني الأخبار ص 65 و كشف الغمة ج 3 ص 133 و ص 151 و ص 152 و ص 186 و تذكرة الخواص ص 321 و الارشاد ص 307.
[233] الصواعق المحرقة ص 206 - 205.
[234] أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 15 و ص 104.
[235] تذكرة الخواص ص 321.
[236] مريم - 15.
[237] الأحقاف - 35.
[238] الأنعام - 124.
[239] أنظر بحارالأنوار ج 50 من ص 8 الي 21 و ص 108 باختصار و رجال الكشي رقم 27 و اعلام الوري ص 330 و الارشاد ص 297 و الكافي م 1 ص 323 و الأنوار البهية ص 207 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 387 و تجد في حلية الأبرار ج 2 من ص 391 الي 395 جملة تفصيلات في الموضوع. و هو في مصادر كثيرة ذكرت هذا الافك المفتري.
[240] بحارالأنوار ج 50 ص 55 مع زيادة، و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 201 و في أكثر المصادر السابقة لهذا الرقم.
[241] الأعراف - 118.
[242] التوبة - 48.
[243] النساء - 54.
[244] بحارالأنوار ج 26 ص 150 - 149 عن ضريس الكناسي، و هو في الخرائج و الجرائح ص 255.
[245] بحارالأنوار ج 26 ص 152 عن صالح بن عقبة الأسدي، عن أبيه.
[246] راجع الارشاد ص 297 و غيره من مصادر الكتاب.
[247] العلق - 4 و 5.
[248] الرحمن - 3 و 4.
[249] البقرة - 32 - 31.
[250] البقرة - 31 و 32.
[251] البقرة - 282.
[252] يوسف - 5.
[253] يوسف - 68.
[254] يوسف - 37.
[255] يوسف - 101.
[256] الأنبياء - 80.
[257] البقرة - 251.
[258] الأنبياء - 79.
[259] الكهف - 66.
[260] آل عمران - 47 و 48.
[261] آل عمران - 46.
[262] مريم - 20.
[263] المائدة - 110.
[264] الرحمن - 1 و 2 و 3.
[265] النساء - 113.
[266] النحل - 53.
[267] الأحزاب - 33.
[268] الشوري - 23.
[269] بحارالأنوار ج 16 ص 376.
[270] الزمر - 41.
[271] بحارالأنوار ج 17 ص 324.
[272] الكافي م 1 ص 261.
[273] المصدر السابق نفس الجزء ص 268 و ص 269.
[274] بحارالأنوار ج 26 ص 38 - 37.
[275] بحارالأنوار ج 26 ص 38 - 37.
[276] المصدر السابق نفس الجزء ص 50 و ص 54 مكررا بألفاظ متقاربة.
[277] الجن - 26 و 27.
[278] آل عمران - 179.
[279] الكافي م 1 ص 383 و ص 384.
[280] الكافي م 1 ص 383 و ص 384.
[281] المصدر السابق م 1 ص 284 و ص 285.
[282] عيون أخبار الرضا ص 170 - 169 و ص 363 و انظر ما روي عن الامام الصادق عليه‌السلام بهذا المعني في مناقب آل أبي‌طالب و في بحارالأنوار ج 27 ص 209 و ص 213 و ص 215 و ص 216. و قد جاء في اعتقادات الصدوق: «اعتقادنا أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سم في غزوة خيبر علي يد يهودية قدمت له كتف شاة مسمومة أكل منها و ما زالت تلك الأكلة تعاوده حتي قطعت أبهره - وريد عنقه - فمات منها. و أن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قتله عبدالرحمان بن ملجم لعنه الله، و الحسن عليه‌السلام سمته زوجته جعدة بنت الأشعث لاكندي بايعاز من معاوية، و الحسين عليه‌السلام قتله بنوأمية في كربلاء، و علي بن الحسين عليه‌السلام سمة الوليد بن عبدالملك، و محمد الباقر عليه‌السلام سمه ابراهيم بن الوليد، و جعفر الصادق عليه‌السلام سمه أبوجعفر المنصور، و موسي الكاظم عليه‌السلام سمه هارون الرشيد، و علي الرضا عليه‌السلام سمه المأمون، و محمد الجواد عليه‌السلام سمه المعتصم، و علي الهادي عليه‌السلام سمه المتوكل، و الحسن العسكري عليه‌السلام سمه المعتضد». أنظر بحارالأنوار ج 27 ص 215 - 214 نقلا عن اعتقادات الصدوق ص 110 - 109.
[283] أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 100 - 99 و الأنوار البهية ص 218 - 217.
[284] حلية الأبرار ج 2 ص 396 و بحارالأنوار ج 50 ص 108 و رجال الكشي تحت رقم 27 نقلا عن مشارق الأنوار، و انظر المصادر في مكان ايراد الخبر بتمامه.
[285] حلية الأبرار ج 2 ص 398.
[286] سورة يوسف - 108.
[287] حلية الأبرار ج 2 ص 398.
[288] بحارالأنوار ج 50 ص 89 - 88 و في ص 91 تفصيل واف، و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 383 - 382 الي ص 384 و الأنوار البهية ص 217 - 216 و حلية الأبرار ج 2 ص 399 و ص 401 و الاختصاص ص 102.
[289] المحجة البيضاء ج 4 ص 306 و قد ذكر هذا الخبر في كشف الغمة و أنه سئل عن ثلاثين ألف مسألة، و وقع في هذا الوهم كل من نقل عنه، و الخطأ غالبا من كثرة النسخ و النقل.
[290] أنظر المصادر السابقة لهذا الرقم.
[291] آل عمران - 34.
[292] الآية الكريمة في الطلاق - 2 و انظر المصادر السابقة.
[293] الآية الكريمة في الطلاق - 2 و انظر المصادر السابقة.
[294] الأحزاب - 23.
[295] النور - 35.
[296] بحارالأنوار ج 16 ص 356 و معاني الأخبار: التوحيد: 148: 9 و توحيد الصدوق ص 158.
[297] بحارالأنوار ج 16 ص 356 و معاني الأخبار: التوحيد: 148: 9 و توحيد الصدوق ص 158.
[298] المائدة - 33.
[299] حلية الأبرار ج 2 ص 418 - 417.
[300] أنظر مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 380 و أكثر مصادر كتابنا.
[301] أنظر اثبات الهداة ج 6 ص 184 و غيره من المصادر، و قد أثبتنا حوادث عليه‌السلام في كتابنا هذا، تثبت ذلك.
[302] المائدة - 105. و انظر المصادر اللاحقة.
[303] المائدة - 105. و انظر المصادر اللاحقة.
[304] الأحقاف - 11.
[305] الوسائل م 11 ص 32.
[306] المصدر السابق: نفس المجلد ص 38.
[307] المصدر السابق، نفس المجلد ص 38.
[308] المصدر السابق، نفس المجلد ص 66.
[309] المصدر السابق، نفس المجلد ص 67 و ص 69.
[310] المصدر السابق، نفس المجلد ص 67 و ص 69.
[311] المصدر السابق، نفس المجلد ص 67 و ص 69.
[312] النساء - 83.
[313] الوسائل م 11 ص 404 - 403 و الآية الكريمة في الشوري - 42.
[314] الشوري - 23.
[315] الكهف - 6.
[316] الشعراء - 2.
[317] الكهف - 7.
[318] الأحزاب - 2 و 45.
[319] الأحزاب - 2 و 45.
[320] المائدة - 105.
[321] بحارالأنوار ج 17 ص 324.
[322] كان للامام أبي‌جعفر عليه‌السلام رحلتان الي بغداد: الأولي: سنة 201 هجرية - في عهد المأمون - و كان ابن ست سنوات. و الثانية: سنة 220 هجرية - في زمان المعتصم - و كان ابن خمس و عشرين سنة. و قد قتل مسموما في تلك السنة.. و ما هو مثبت في هامش الصفحة 337 من تحف العقول خطأ.
[323] بحارالأنوار ج 50 ص 57 - 56 و كشف الغمة ج 3 ص 134 و المناقب ج 4 ص 389 - 388 و حلية الأبرار ج 2 ص 410 الي 412 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و اثبات الهداة ج 6 ص 202 - 201.
[324] الصواعق المحرقة ص 206.
[325] كشف الغمة ج 3 ص 139.
[326] الأنعام - 158.
[327] التحريم - 6.
[328] المدثر - 22 - 18.
[329] فالمأمون من المجرمين السفاكين القساة. و انظر مروج الذهب ج 3 ص 413 تجد شهادة «الأمين» بأخيه.. فانه حين حوصر قبيل قتله قال لأحمد بن سلام الذي كان معه في الغرفة: يا أحمد ما أشك أنهم سيحملونني الي أخي، أفتري أخي قاتلي؟. قال له: كلا ان الرحم ستعطفه عليك. فقال: هيهات!. الملك عقيم لا رحم له.. و هو أعرف بأخيه. و في ص 414: لما وضع رأس «الأمين» بين يدي أخيه «المأمون» بعد أن حمل اليه الي خراسان، استرجع و بكي.. ثم أمر بنصب الرأس علي خشبة في صحن الدار!. و أعطي الجند رزقهم و أمر الكل بلعنه، فكان الواحد منهم يقبض عطاءه و يلعنه، الي أن قبض واحد من العجم عطاءه فقيل له: العنه، فقال: لعن الله هذا، و لعن والديه و ما ولدا، و أدخلهم في كذا و كذا من أمهاتهم!. فسمع «المأمون» ذلك و تغافل و تبسم.. ثم خجل و أمر بانزال رأس أخيه عن الخشبة. و في ص 419 ذكر أن «المأمون» كان يقول: يغتفر كل شي‌ء الا القدح في الملك!. و لما خلص اليه الأمر قال: هذا ملك لولا أنه بعده هلك.. و هذا سرور لولا أنه غرور.
[330] أنظر مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفضيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.
[331] أنظر مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفضيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.
[332] أنظر مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 300 - 299 و كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 و الاختصاص ص 101 - 98 بتفصيل، و الارشاد ص 299 باختصار، و اعلام الوري ص 338 - 335 و الصواعق المحرقة ص 206 و تحف العقول ص 334 - 332 بتفصيل أيضا، و كذلك في الاختصاص ص 99 - 98 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 443.
[333] قال المسعودي في مروج الذهب ج 3 ص 434 و ص 435 (و انظر الاختصاص في هامش ص 99 - 98): و كان يحيي بن أكثم قد ولي قضاء البصرة قبل تأكد الحال بينه و بين «المأمون» فرفع الي المأمون أنه أفسد أولادهم بكثرة لواطه!. - فعذره - و قال: لو طعنوا عليه في أحكامه قبل منهم. و قد ظهر منه الفواحش و ارتكاب الكبائر و استفاض ذلك عنه، و هو القائل: أربعة تفتن ألحاظهم فعين من يعشقهم ساهرة فواحد دنياه في وجهه منافق ليست له آخرة و آخر دنياه مفتوحة من خلفه آخرة وافرة و ثالث قد حاز كلتيهما قد جمع الدنيا مع الآخرة و رابع قد ضاع ما بينهم ليست له دنيا و لا آخرة فعزله «المأمون» عن البصرة.. و ولاه في «قصر بغداد».. و ولاه المعتصم من بعده فكان «قاضي البلاط» في سامراء. و بلغت شهرته باللواط أن قال فيه ابن أبي‌نعيم: يا ليت يحيي لم يلده أكثمه و لم تطأ أرض العراق قدمه ألوط قاض في العراق نعلمه أي دواة لم يلقها قلمه و أي شعب لم يلجه أرقمه و عندما دخل علي المأمون قال له: من الذي يقول: قاض يري الحد في الزناء، و لا يري علي من يلوط من باس فقال له: هو ابن أبي‌نعيم يا أميرالمؤمنين الذي قال: أميرنا يرتشي و حاكمنا يلوط، و الرأس شرماراس قاض يري الحد في الزناء، و لا يري علي من يلوط من باس ما أحسب الجور ينقضي و علي الأمة وال من آل عباس!. فخجل المأمون، و سكت.. و قد قال فيه آخر: و كنا نرجي أن نري العدل ظاهرا فأعقبنا بعد الرجاء قنوط متي تصلح الدنيا و يصلح أهلها و قاضي قضاة المسلمين يلوط!.
[334] أنظر الاختصاص ص 101 - 98 و تحف العقول ص 333 - 332 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و حلية الأبرار ج 2 ص 402 الي ص 407 و المحجة البيضاء ج 4 ص 298 و كشف الغمة ج 3 ص 145 و الارشاد ص 300 الي ص 303 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 336 - 335 و بحارالأنوار ج 50 ص 77 - 76 و الاختصاص ص 99 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445 - 444.
[335] أنظر مع المصادر السابقة: تذكرة الخواص ص 321 و الكامل لابن الأثير ج 6 ص 154 - 153 و في بحارالأنوار ج 50 ص 74 ذكر أن سبط ابن‌الجوزي - في تذكرته ص 202 - قال: زوجه ابنته قبل وفاة أبيه الرضا عليه‌السلام، و هذا وهم لأنه كان يومئذ لا يزال في السابغة من عمره. و حينها سماها علي اسمه في حياة أبيه عليهماالسلام. أما عقد القرآن فتم سنة 205 هجرية و كان في التاسع و أشهر، و لكنه لم يأخذها اليه الا في سنة 215 هجرية، و الله أعلم.
[336] النور - 32.
[337] بحارالأنوار ج 50 ص 73 و ص 77 - 76 و اعلام الوري ص 336 الي 338 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 382 نقلا عن تاريخ بغداد للخطيب، و رواية عن يحيي بن أكثم قاضي قضاة المأمون. و انظر الارشاد ص 304 - 299 في حديث طويل، و تذكرة الخواص ص 321 و الأنوار البهية من ص 212 الي ص 215 و حلية الأبرار ج 2 من ص 402 الي ص 407 بتفصيل، و المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 299 و كشف الغمة ج 3 ص 143 و ص 146 - 145 و ص 160 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 337 - 336 و الاختصاص من ص 98 الي ص 101 و تحف العقول ص 333 - 332 و بعض المصادر السابقة لهذا الرقم.
[338] أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 79 و هو كذلك في الارشاد ص 304 - 299 و الاختصاص ص 101 و تحف العقول ص 334 - 333 و المحجة البيضاء ج 4 ص 301 و كشف الغمة ج 3 ص 145 الي 148 و اعلام الوري ص 338 و الاختصاص ص 100 - 99 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445.
[339] أنظر الوسائل م 11 ص 13 و سائر الكتب التي عرضت لسيرة خلافته (ع) في الكوفة.
[340] يوسف - 31 و النحل - 1، و انظر المصادر التالية لهذا الرقم.
[341] يوسف - 31 و النحل - 1، و انظر المصادر التالية لهذا الرقم.
[342] بحارالأنوار ج 50 ص 84 - 83 و اثبات الهداة ج 6 ص 199 - 198 و حلية الأبرار ج 2 ص 416 - 415 و هو في مصادر أخري متعددة عرضت لتفصيل ذلك الزواج.
[343] بحارالأنوار ج 50 ص 79 و تحف العقول ص 479.
[344] بحارالأنوار ج 50 ص 48 و مختار الخرائج و الجرائح ص 208.
[345] التوبة - 32.
[346] الاختصاص ص 100 و تحت العقول ص 333 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و حلية الأبرار ج 2 من ص 402 الي ص 407 و المحجة البيضاء ج 4 ص 298 و كشف الغمة ج 3 ص 147 - 145 و الارشاد ص 302 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 445.
[347] المائدة - 75.
[348] تحف العقول ص 335 و غيره من مصادر بحثنا.
[349] الأعراف - 122 - 120 و الشعراء - 49 - 47.
[350] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 و تحف العقول ص 335 و المحجة البيضاء ج 4 ص 300 و كشف الغمة ج 3 ص 147 و الارشاد ص 303 - 302 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 337 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 446 - 445.
[351] أنظرر جميع مصادر الرقم الذي قبل السابق.
[352] ق - 16.
[353] الأحزاب - 7.
[354] الحج - 75.
[355] الأنفال - 33.
[356] بحارالأنوار ج 50 ص 80 الي ص 83 و هو في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 449 - 446 و أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 437.
[357] أنظر في كل ما سبق بحارالأنوار ج 50 من ص 76 الي ص 78 و الاحتجاج للطبرسي ج 2 من ص 227 الي ص 229 و الارشاد للمفيد من ص 299 الي ص 304 و كشف الغمة ج 3 ص 144 و أنظر ص 147 تجده ببعض الاختصار، و هو في اعلام الوري ص 338 - 337.
[358] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 202.
[359] المصدر السابق، نفس الجزء ص 241.
[360] المصدر السابق، نفس الجزء ص 244 - 243.
[361] كشف الغمة ج 3 ص 148 و الأنوار البهية ص 221 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 396 و المحجة البيضاء ج 4 ص 301 و الارشاد ص 304 و اعلام الوري ص 338 و اثبات الهداة ج 6 ص 177 و ص 183 و ص 206 و ص 207 و حلية الأبرار ج 2 ص 422 - 421.
[362] بحارالأنوار ج 18 ص 119 نقلا عن الخرايج.
[363] الصافات - 24.
[364] عيون أخبار الرضا ح 2 ص 244 - 243.
[365] أنظر هامش بحارالأنوار ج 49 ص 311 و 312 و تذكرة الخواص ص 319 - 318 و الكامل لابن الأثير ج 6 ص 154 - 153 و انظر في المحجة البيضاء ج 4 ص 296 - 295 و ص 299 شغب العباسيين علي المأمون عند عزمه علي تزويج ابنته للامام عليه‌السلام، و راجع كذلك كشف الغمة ج 3 ص 144 - 143 لتري احتجاجهم الشديد و جواب المأمون. و انظر الارشاد ص 299 و ص 300 و ص 303 ففيه تفصيل شامل، و كذلك تري مثله في اعلام الوري ص 335 الي ص 338 و الاختصاص ص 101 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 381 - 380 و الصواعق المحرقة ص 206.
[366] حلية الأبرار ج 2 ص 434 الي ص 436.
[367] الكافي م 1 ص 323 و اثبات الهداة ج 6 ص 166 و الأنوار البهية ص 223 - 222 و حلية الأبرار ج 2 ص 436 - 435.
[368] حلية الأبرار ج 2 ص 436 - 435.
[369] النحل - 26.
[370] المائدة - 53.
[371] الحجرات - 12.
[372] الكافي م 1 ص 324.
[373] الكافي م 1 ص 325.
[374] اثبات الهداة ج 6 ص 182 - 181.
[375] أحمد بن أبي‌دؤاد كان قاضيا ببغداد في عهود المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل. و قد حصل خلاف بينه و بين محمد بن عبدالملك الزيات في أيام المتوكل، فغضب عليه هذا و صادر من ابنه محمد مئة و عشرين ألف دينار، و جواهر بأربعين ألف دينار أيضا، و بعث به و بابنه من سامراء الي بغداد، و كانت وفاته سنة 240.
[376] النساء - 43.
[377] المائدة - 6.
[378] الجن - 18.
[379] الجن - 18.
[380] الخلفة: الهيضة، و هي انطلاق البطن، و القي‌ء، المتكرران.
[381] بحارالأنوار ج 50 ص 76 - 75 نقلا عن تفسير العياشي ج 1 ص 320 - 319، و هو في الأنوار البهية ص 223 الي 225 بتفصيل، و كذلك في حلية الأبرار ج 2 ص 419 - 418 و انظر الصواعق المحرقة ص 206 حيث ذكر أنه مات مسموما.
[382] علي بن يقطين توفي سنة 182 أي قبل ذلك ب 36 سنة. و لعله أحد ولديه: الحسن أو الحسين بن علي بن يقطين.
[383] بحارالأنوار ج 50 ص 8 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 384 و أنظر مروج الذهب ج 3 ص 464 و أكثر مصادر بحثنا.
[384] يوسف - 43.
[385] التوبة - 78.
[386] الزخرف - 80.
[387] الأنفال - 24.
[388] ق - 16.
[389] النساء - 108.
[390] رجال الكشي ص 469 و المحجة البيضاء ج 4 ص 302 و الارشاد ص 307 و الصواعق المحرقة ص 206 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 380 و في كشف الغمة ج 3 ص 135 توفي في ذي الحجة في عهد الواثق بالله، و هو خطأ. و انظر الكامل لابن الأثير ج 6 ص 154 - 153 و الكافي م 1 ص 492 و بحارالأنوار ج 50 من ص 1 الي ص 13 و قال لليلتين بقيتامن المحرم، و انظر ص 95 - 94.
[391] أنظر المصادر السابقة.
[392] بحارالأنوار ج 50 ص 46 - 45 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 237 و هو في الأنوار البهية ص 212 و اثبات الهداة ج 6 ص 188 - 187.
[393] المجادلة - 14.
[394] فرائد السمطين ج 2 ص 209 - 208 و بحارالأنوار ج 50 ص 149 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 518 و هو في مروج الذهب و الصواعق المحرقة و غيرهما من المصادر.
[395] آل عمران - 34 - 33.
[396] بحارالأنوار ج 50 ص 80 - 79 و الارشاد ص 304 و في اثبات الهداة ج 6 ص 195 - 194 مع تفصيل، و كذلك هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 382 و ص 395 - 394 و في حلية الأبرار ج 2 ص 412 الي ص 414 و انظر المحجة البيضاء ج 4 ص 301 و كشف الغمة ج 3 ص 148 و ص 156 - 155 و الصواعق المحرقة ص 206.
[397] اثبات الهداة ج 6 ص 197 و ص 206 رواية عن المحمودي عن أبيه في حديث طويل، و بحارالأنوار ج 50 ص 17 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 398 و أنها سمته في فرجه، و انظر الأنوار البهية ص 225.
[398] نفس المصادر السابقة.
[399] اثبات الهداة ج 6 ص 197 و الأنوار البهية ص 224 و بعض المصادر السابقة.
[400] بحارالأنوار ج 50 ص 63 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و اثبات الهداة ج 6 ص 182 و ص 183 و كشف الغمة ج 3 ص 160 و اعلام الوري ص 335 - 334 و المحجة البيضاء ج 4 ص 308.
[401] لقمان - 34.
[402] بحارالأنوار ج 5 ص 2 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح.
[403] بحارالأنوار ج 50 ص 16 و عدة مصادر تاريخية أخري.
[404] بحارالأنوار ج 50 ص 96 - 95 و في ص 99 نقل الحديث عن اسماعيل بن مهران مرة، و عن خيران الأسباطي مرة ثانية، و هو في مهج الدعوات ص 44 و في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 395 - 394 و في كشف الغمة ج 3 ص 156 - 155 بتفصيل أكثر.
[405] المصادر السابقة لهذا الرقم، و انظر حلية الأبرار ج 2 ص 412 الي ص 414 و اثبات الهداة ج 6 ص 184 و ما بعدها.
[406] المصادر السابقة لهذا الرقم، و انظر حلية الأبرار ج 2 ص 412 الي ص 414 و اثبات الهداة ج 6 ص 184 و ما بعدها.
[407] المؤمن - 28.
[408] و قيل في الخامس من ذي الحجة، كما قيل في يوم الثلاثاء لخمس خلون منه، و قيل في حادي عشر ذي القعدة أو في آخره. - راجع مصادر الرقم التالي.
[409] و قيل: خمس و عشرون سنة، و شهران، و ثمانية عشر يوما، و قيل: ثلاثة أشهر، و اثنان و عشرون يوما، و الله تعالي أعلم.
[410] راجع بشأن كل ما سبق: مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 339 و بحارالأنوار ج 50 من ص 1 الي ص 15 و الكافي م 1 ص 492 و 497 و كشف الغمة ج 3 ص 215 و ص 217 و ص 141 - 140 و ص 152 - 151 و ص 155 و ص 160 و تذكرة الخواص ص 321 و حلية الأبرار ج 2 ص 423 و الكامل ابن الأثير ج 6 ص 154 - 153 و الأنوار البهية ص 22 و الارشاد ص 297 و ص 307 و مروج الذهب ج 3 ص 464 و الصواعق المحرقة ص 206 و اعلام الوري ص 338.
[411] أنظر جميع المصادر في الرقم السابق.
[412] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 379 و ذكر أن وفاته كانت في عهد الواثق خطأ، و مثله في حلية الأبرار ج 2 ص 423، و أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 7 الي 13 و ص 104 و كشف الغمة ج 3 ص 215 و ص 217 و الكافي م 1 ص 417 و ص 497 و تذكرة الخواص ص 321 و أكثر المصادر التي ذكرناها بالنسبة لوفاته.
[413] كشف الغمة ج 3 ص 153.
[414] الكافي م 1 ص 343.
[415] بحارالأنوار ج 50 ص 10 الي ص 15 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 397.
[416] المؤمن - 51.
[417] القصص - 58.
[418] الرحمان - 4.
[419] الأنبياء - 9.
[420] الأعراف - 61 و 62.
[421] مريم - 43.
[422] الأنبياء - 69.
[423] النمرود: هو نمرود بن كوش بن حام بن نوح، جاء ذكره في سفر التكوين و كتب العرب. و قد ضرب به المثل بالجبروت و التكبر.
[424] الأنبياء - 74.
[425] يوسف - 86.
[426] يوسف - 96.
[427] يوسف - 66.
[428] يوسف - 37.
[429] القصص - 14.
[430] الصافات - 114 الي 118.
[431] الكهف - 65 و 66.
[432] القصص - 7.
[433] طه - 39 - 38.
[434] الأنبياء - 79 و 80.
[435] النمل - 15.
[436] الأنبياء - 79 و 80.
[437] الأنبياء - 79 و 81.
[438] الأنبياء - 79 و 81.
[439] النمل - 16.
[440] النمل - 42.
[441] البقرة - 247.
[442] المائدة - 110 و 111.
[443] المائدة - 110 و 111.
[444] النحل - 68.
[445] الأنبياء - 91.
[446] البقرة - 32.
[447] النساء - 113.
[448] يوسف - 76.
[449] المجادلة - 11.
[450] البقرة - 255.
[451] الرعد - 43.
[452] القصص - 78.
[453] الزمر - 49.
[454] الامامة و التبصرة بالخيرة ص 80 - 79.
[455] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.
[456] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.
[457] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.
[458] المصدر السابق ص 39 - 38 و الآية في النساء - 58.
[459] حلية الأولياء 3 / 198 و الصواعق المحرقة ص 199 و الأمويون و العباسيون لجرحي زيدان ص 153.
[460] حلية الأولياء 3 / 198 و الصواعق المحرقة ص 199 و الأمويون و العباسيون لجرحي زيدان ص 153.
[461] بحارالأنوار ج 50 ص 54 و الارشاد ص 306 - 305 و اثبات الهداة ج 6 ص 175 - 174 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 391 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 و كشف الغمة ج 3 ص 150.
[462] بحارالأنوار ج 50 ص 62 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 396 و ما بعدها زيادة موجودة في الكافي م ص 494 و في اثبات الهداة ج 6 ص 177 - 172 بتفصيل و توسع، و هو كذلك في حلية الأبرار ج 2 ص 409.
[463] اثبات الهداة ج 6 ص 167 و الأنوار البهية ص 216 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 394 - 393.
[464] المصدر السابق ج 6 ص 176 - 175 و ص 201 و كشف الغمة ج 3 ص 153.
[465] اثبات الهداة ج 6 ص 187 و بحارالأنوار ج 50 ص 44 عن مختار الخرائج و الجرائح ص 273.
[466] بحارالأنوار ج 50 ص 52 و اثبات الهداة ج 6 ص 203.
[467] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.
[468] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.
[469] اثبات الهداة ج 6 ص 191 و ص 196 و كشف الغمة ج 3 ص 153 و المحجة البيضاء ج 4 ص 305 و الآيتان الكريمتان في القمر - 24 و 25.
[470] الأنوار البهية ص 219.
[471] المؤمن - 51.
[472] اثبات الهداة ج 6 ص 208 - 207.
[473] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 397 و الكافي م 1 ص 497 - 496.
[474] الطلاق - 3.
[475] بحارالأنوار ج 50 ص 41 و مختار الخرائج ص 237 و الكافي م 1 ص 495. و الارشاد ص 307 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 390 و اثبات الهداة ج 6 ص 174 و حلية الأبرار ج 2 ص 408 و الحجة البيضاء ج 4 ص 304 و كشف الغمة ج 3 ص 151 و الارشاد ص 306 و اعلام الوري ص 334.
[476] كشف الغمة ج 3 ص 151 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 390 و حلية الأبرار ج 2 ص 408 و المحجة البيضاء ج 4 ص 304 و الارشاد ص 206 و اعلام الوري ص 334 و اثبات الهداة ج 6 ص 174.
[477] حدائق الأنس ص 282.
[478] اثبات الهداة ج 6 ص 198 - 197.
[479] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.
[480] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.
[481] اثبات الهداة ج 6 ص 200 - 199.
[482] النساء 86.
[483] النساء 86.
[484] اثبات الهداة ج 6 ص 206 - 205 و كشف الغمة ج 3 ص 153.
[485] الاختصاص ص 316 و ما قبلها و ما بعدها و كثير من بقية المصادر.
[486] كشف الغمة ج 3 ص 150 - 149 و الاختصاص ص 322 - 321 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 393 و المحجة البيضاء ج 4 ص 303 - 302 و الارشاد ص 305 - 304 و اعلام الوري ص 333 - 332 و اثبات الهداة ج 6 ص 169 - 168.
[487] كشف الغمة ج 3 ص 153 و اثبات الهداة ج 6 ص 169 - 168 و حلية الأبرار ج 2 ص 421 و الكافي م 1 ص 493 - 492.
[488] اثبات الهداة ج 6 ص 178 الي ص 180 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 264 و مايليها، و اعلام الوري ص 327 و هو وارد في عدة مصادر أخري أشرنا الي بعضها سابقا.
[489] المصدر السابق ج 6 ص 191 و كشف الغمة ج 3 ص 153.
[490] فرائد السمطين ج 2 ص 195.
[491] فرائد السمطين ج 2 ص 195.
[492] كشف الغمة ج 3 ص 157 - 156 و اثبات الهداة ج 6 ص 192.
[493] المصدر السابق نفسه.
[494] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 390.
[495] بحارالأنوار ج 50 ص 54 - 53.
[496] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 396 - 395 و اثبات الهداة ج 6 ص 172 - 170 و حلية الأبرار ج 2 ص 422 - 421 و الكافي م 1 ص 494 - 493.
[497] بحارالأنوار ج 50 ص 45 - 44.
[498] المصدر السابق نفسه.
[499] المصدر السابق نفسه.
[500] كشف الغمة ج 3 ص 150.
[501] بحارالأنوار ج 50 ص 53.
[502] المصدر السابق، نفس الجزء ص 53 - 52.
[503] حلية الأبرار ج 2 ص 400.
[504] بحارالأنوار ج 50 ص 58 و هو في ص 43 باختصار.
[505] بحارالأنوار ج 50 ص 58 و هو في ص 43 باختصار.
[506] المصدر السابق، نفس الجزء ص 45 و مختار الخرائج ص 237.
[507] المصدر السابق، نفس الجزء ص 43 و كشف الغمة ج 3 ص 218.
[508] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 391.
[509] كشف الغمة ج 3 ص 157 و المحجة البيضاء ج 4 ص 307 و اثبات الهداة ج 6 ص 193.
[510] الأنفال - 43.
[511] كشف الغمة ج 3 ص 157 و المحجة البيضاء ج 4 ص 307 و اثبات الهداة ج 6 ص 193.
[512] كشف الغمة ج 3 ص 158.
[513] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 397 و اثبات الهداة ج 6 ص 194 و بعض مصادر بحثنا الأخري.
[514] حدائق الأنس ص 282. و اعلام الوري ص 408 و بحارالأنوار ج 51 ص 156 و مصادر كثيرة أخري.
[515] انظر الخبر في توحيد الصدوق ص 23 و ص 158 و قد سبق أن ذكرناه و أشرنا الي مصادره.
[516] المصدر السابق نفسه.
[517] توحيد الصدوق ص 82 و ص 83 و الكافي م 1 ص 118 و الاية في العنكبوت - 61 و لقمان - 25 و الزمر - 38 و الأعراف - 9 و تجده مفصلا في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 441.
[518] لقمان - 25 و الزمر - 38 و الزخرف - 9.
[519] المصدر السابق ص 106.
[520] المصدر السابق نفسه.
[521] المصدر السابق ص 113 و الآية في الأنعام - 103.
[522] توحيد الصدوق ص 193 و الكافي م 1 ص 117 - 116.
[523] توحيد الصدوق ص 193 و الكافي م 1 ص 117 - 116.
[524] تحف العقول ص 336 - 335.
[525] تحف العقول ص 336 - 335.
[526] أقواله الشريفة كلها من كشف الغمة ج 3 من ص 136 الي ص 158 و الاختصاص ص 260 - 259 و تحف العقول ص 337 - 335 و الأنوار البهية ص 222 - 221 و حلية الأبرار ج 2 ص 424 فما فوق، الا ما أشرنا اليه.
[527] الزخرف - 67.
[528] الأعراف - 99.
[529] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 389 و هو مذكور بتفصيل أوسع في الجزء 3 من كشف الغمة.
[530] بحارالأنوار ج 50 ص 187 - 186 نقلا عن روضة الكافي ص 191.
[531] المصدر السابق، نفس الجزء ص 247.
[532] نفس المصدر و نفس الجزء ص 249.
[533] بحارالأنوار ج 50 ص 107 - 106 و هو في رجال الكشي تحت رقم 505.
[534] المصدر السابق، نفس الجزء ص 108 و هو في رجال الكشي تحت الرقم 508.
[535] بحارالأنوار ج 50 ص 107 و رجال الكشي تحت الرقم 505.
[536] المصدر السابق، نفس الجزء ص 102 - 101 و الكافي م 1 ص 304.
[537] بحارالأنوار ج 50 ص 101.
[538] المصدر السابق، نفس الجزء ص 108 و في رجال الكشي تحت الرقم 506.
[539] المصدر السابق، نفس الجزء ص 109 - 108 و رجال الكشي تحت الرقم 509.
[540] بحارالأنوار ج 50 ص 105 و الكافي م 1 ص 548 و كتاب الغيبة ص 227 و حلية الأبرار ج 2 ص 407.
[541] حلية الأبرار ج 2 ص 408 و كشف الغمة ج 3 ص 158.
[542] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 384.
[543] حلية الأبرار ج 2 ص 437 - 436 و الايقاظ من الهجعة بالبرهان علي الرجعة ص 25 و الأنوار البهية ص 219.
[544] الكافي م 1 ص 153 و في المصدر: شينولة، و هو تصحيف: شنبولة، و محمد بن الحسن هذا حسن معتمد معروف.
[545] حلية الأبرار ج 2 ص 436 - 434.
[546] الكافي م 1 ص 153 و في المصدر: شينولة، و هو تصحيف: شنبولة، و محمد بن الحسن هذا حسن معتمد معروف.
[547] الكافي م 1 ص 153 و في المصدر: شينولة، و هو تصحيف: شنبولة، و محمد بن الحسن هذا حسن معتمد معروف.
[548] المصدر السابق ذاته.
[549] المصدر السابق ذاته.
[550] المصدر السابق ذاته.
[551] بحارالأنوار ج 50 ص 105 و كتاب الغيبة ص 226.
[552] أنظر بحارالأنوار ج 50 ص 106 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 380.
[553] راجع تراجم الرحال فقد قيل هم: أبوخالد الكابلي: و يحيي ابن أم‌طويل، و جبير بن مطعم، أو حكيم بن جبير -.
[554] الكافي م 1 ص 545.
[555] نفس المصدر السابق ص 246.
[556] نور الثقلين ج 3 ص 120.
[557] نور الثقلين ج 3 ص 120 و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 10 - 9.
[558] الشوري - 37 و النجم - 32.
[559] المائدة - 72.
[560] يوسف - 88.
[561] النساء - 93.
[562] النور - 23.
[563] النساء - 10.
[564] الأنفال - 16.
[565] البقرة - 275.
[566] البقرة - 102.
[567] الفرقان - 69 - 68.
[568] آل عمران - 77.
[569] آل عمران - 161.
[570] التوبة - 35.
[571] البقرة - 283.
[572] الرعد - 25.
[573] الكافي م 1 ص 338.
[574] المصدر السابق م 1 ص 380.
[575] الكافي م 1 ص 425.
[576] رجال النجاشي ص 233 نقلا عن رجال الكشي.
[577] رجال الطوسي ص 397 الي ص 409.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.