باب الحوائج الامام موسي الكاظم(عليه السلام)

اشارة

عنوان : باب الحوائج الإمام موسي الكاظم (عليه السلام)
پديدآورندگان : حسين حاج حسن(پديدآور)
امام هفتم موسي بن جعفر(ع)(توصيف گر)
نوع : متن
جنس : مقاله
الكترونيكي
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان
توصيفگر : فضايل اخلاقي
سرگذشت نامه هاي فردي
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
ويرايش : -
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : ,ملزومات سيستم: ويندوز 98+ ؛ با پشتيباني متون عربي؛ + IE6شيوه دسترسي: شبكه جهاني وبعنوان از روي صفحه نمايش عنوانداده هاي الكترونيكي
شناسه : oai:tebyan.net/41056
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/12/15
تاريخ تغيير ركورد : -
تاريخ ثبت : 1389/7/5
قيمت شيء ديجيتال : رايگان

بين يدي الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم اقتضت حكمته جل جلاله اصطفاء و تشريف آل محمد عليهم‌السلام، و رفع منزلتهم، كما اقتضت حكمته جل جلاله اصطفاء آل ابراهيم و آل عمران (ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين. ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم) [آل عمران / 34]. لقد أنزل الله سبحانه و تعالي آيات كثيرة في فضل آل محمد عليهم‌السلام، يكفي منها قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور) [الشوري / 33]. لهذا كان الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم يشيد بأهل بيته عليهم‌السلام في كل ناد و محفل، فمرة يشبههم بسفينة نوح «مثل أهل‌بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا و من تخلف عنها غرق» [1] . و شبههم بباب حطة «مثل أهل‌بيتي مثل باب حطة في بني‌اسرائيل، من دخله غفر له» [2] . و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي أهل‌بيتي، ما [ صفحه 4] ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا» [3] . و قوله صلي الله عليه و اله و سلم: «النجوم أمان لأهل السماء، و أهل‌بيتي أمان لأمتي» [4] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «حبي و حب أهل‌بيتي نافع في سبعة مواطن، أهوالهن عظيمة: عند الوفاة، و عند القبر و عند النشور، و عند الكتاب، و عند الحساب، و عند الصراط، و عند الميزان» [5] . و أخرج الطبراني في الأوسط عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: «الزموا مودتنا أهل البيت، فانه من لقي الله و هو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، و الذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله الا بمعرفة حقنا» [6] . كما أنه صلي الله عليه و اله و سلم حذر من بغضهم، قال: من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديا قيل: يا رسول الله و ان شهد الشهادتين؟ قال: نعم، انما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه [7] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «لو أن رجلا صلي وصف قدميه بين الركن و المقام، و لقي الله ببغضكم أهل البيت دخل النار» [8] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: لو أن عبدا عبدالله بين الصفا و المروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام، حتي يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا، كبه الله علي منخريه في النار، ثم تلا: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [9] . [ صفحه 5] الي أحاديث كثيرة ذكرها علماء الحديث في كتبهم. و أنت أعزك الله يكفيك من هذا أن الله جل جلاله فرض علي المصلين ذكرهم في صلاتهم، فتقول في التشهد: اللهم صل علي محمد و آل محمد. و الي هذا يشير الامام الشافعي: يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له [10] . و من هذا المنطلق الولائي جاءت المباراة الكتابية عن آل بيت عليهم‌السلام؛ بدأت بأميرالمومنين عليه‌السلام، و وصلت الي الامام موسي بن جعفر عليهم‌السلام - الامام السابع من أئمة آل البيت عليهم‌السلام - و في كثير من هذه المباريات كان الدكتور حسين الحاج حسن مشاركا فيها، و في كتبه مسحة ولاء يحسها القاري‌ء، و هذا هو المتعين علي من له المقدرة علي الكتابة و التأليف. و نسأله تعالي أن يأخذ بأيدينا الي ما يحب و يرضي انه سميع مجيب. بيروت 9 / 9 / 1999 علي محمد علي دخيل [ صفحه 7]

الاهداء

بسم الله الرحمن الرحيم أيها الامام العظيم الذي بعثت روح الجهاد في الأجيال. أيها الامام الكريم يا من تستحق كل الكلمات المخضبة بالخير و الحق، و العابقة بأريج العطاء. يا امامي أباعبدالله الصادق نفسي لك فداء، روحي لك فداء تقبل مني هذا المجهود المتواضع الذي تشرفت فيه بالبحث عن سيرة ولدك الامام موسي الكاظم عليه‌السلام وصيك و خليفتك الذي قضي رهين السجون، و حليف الآلام تقيا ورعا زاهدا عابدا، فتفضل علي بالقبول عله يكون ذخرا لي يوم الوفادة علي الله. المؤلف د. حسين ابراهيم الحاج حسن شمسطار 21 كانون أول 1997 الموافق 21 شعبان 1418 [ صفحه 9]

مقدمه

بسم الله الرحمن الرحيم (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [11] . (الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين) [12] . و جاء في الحديث الشريف: «أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت اليكم القول معذرة اليكم، ألا اني مخلف فيكم كتاب ربي عزوجل و عترتي أهل‌بيتي، ثم أخذ بيد علي فقال: هذا علي مع القرآن، و القرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا علي الحوض فأسألهما عما خلفت فيهما». كما روي عنه قوله صلي الله عليه و اله و سلم: اللهم انك تعلم ان هؤلاء أهل‌بيتي و أكرم الناس علي، فاحب من يحبهم و أبغض من يبغضهم و وال من والاهم، و عاد من عاداهم، و أهن من أهانهم، و اجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب و أيدهم بروح القدس يا رب العالمين». وردت هذه الأحاديث في صحيح مسلم ج 7 ص 22، و سنن الترمذي ج 2 ص 307 و سنن الدارمي ج 2 ص 432 و مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 14 و 17 و 26 و 59 كما رواها جماعة من أكابر العلماء يقرب عددهم من المائتين. [ صفحه 10]

كلمة شكر و تقدير

انها المباراة العظيمة التي تقام كلد عام في مهرجان عظيم لامام عظيم من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، أضاء الدنيا بنمير علومه و عطر المجتمع بأريج أخلاقه، و بعث في ضمير الأمة الاسلامية الجهاد، الأمثل في حلمه و صبره علي ما صادف من خطوب جسام من حكام لئام. تعد هذه المباراة من أفضل الأعمال الفكرية و العلمية و الأدبية التي تقام علي صعيد العالم العربي من احياء التراث الاسلامي الخالد، كما تدل دلالة واضحة علي تعلق الأمة الاسلامية بعظمائها العظام، و رجالاتها الكرام. ان احياء ذكري عظمائنا أمر ضروري من أعمالنا و خاصة في هذه الأيام الصعبة التي تحاك فيها المؤامرات علينا من الغزو الفكري و الثقافي من قبل أعداء الأمة الاسلامية المستكبرين من أجل قطع الأواصر التي تشدنا الي تراثنا الاسلامي العريق، و عقيدتنا الاسلامية السمحاء. تعد هذه المباراة الهامة لقاء أخويا كريما تتآلف فيه قلوب أبناء هذه الأمة العربية الخالدة الذين يعشقون محبة أهل البيت علي اختلاف مذاهبهم و مناطقهم، فتتعانق الأقلام الملتزمة لتبديد سحب الطمس و التزييف التي مورست و ما زالت تمارس لاقصاء رسالة الاسلام عن واقع الحياة، لكن المتآمرين قد فشلوا في اطفاء نور الله الذي يبقي مشرقا منورا بهمة علمائنا الأبرار، فلهم مني أفضل الشكر و التقدير. [ صفحه 11] كما تعد هذه المباراة الكريمة مناسبة خيرة للحوار و المناقشة و تلاقح الأفكار و تبادل الآراء لاختيار خلاصة جهود المشاركين من أجل البحث الأمثل لتعريف الأمة بالمزيد من عظمائها، العلماء الأفذاذ الذين سطروا في التاريخ العربي الاسلامي أنصع الصفحات الدالة علي سعة أفقهم العلمي، و جهادهم الحضاري، في صيانة الرسالة الاسلامية السامية. ذلك هو: الامام موسي الكاظم ابن الامام جعفر الصادق عليهماالسلام الذي أكمل المسيرة العلوية بهمم أبية، مدافعا عن رسالة جده صلي الله عليه و اله و سلم و مناضلا عن المتضعفين من أبناء أمته بمواقفه التاريخية المشهودة، و تصديه لمناظرة الفرق الضالة عن الحق، مجاهدا صابرا لما لاقي من مؤامرات أموية و عباسية، و عالما متألقا بما خلف من تراث حضاري غزير في مختلف مجالات العلم و المعرفة. فتحية شكر و تقدير لكل من ساهم بهذه الدراسات القيمة و البحوث العلمية الفاضلة في سبيل الافادة و التنوير و احياء القضايا الكبري في المجتمع الانساني. و لا رأي أية قيمة لرسالة أو أطروحة ما لم تكن في خدمة قضية انسانية في مجتمع انساني. و لا يطيب قلم باحث أو كاتب ما لم يعالج قضية كبري يتبناها و يعيش أهدافها الشاهدة علي صحتها؛ لأن القضايا الجليلة هي الشعاع الذي يستضي‌ء به فكرنا، و الدافع لأشواقنا و المحيي لوجداننا و عقيدتنا. ان جهودكم المشكورة التي وجهت الدعوة العامة لتقديم مباراة جديدة عن الامام موسي الكاظم عليه‌السلام شبيهة هي بالدراسات الناجحة التي قدمت عن الأئمة المعصومين السابقين - و التي كان لي الشرف بالمشاركة فيها - أمانة صعبة حملوها علي عاتقهم و أدوها بأمانة جميعهم عليهم‌السلام. و من أجل هذه الأمانة العظيمة شهر الامام علي عليه‌السلام سيفه ذاالفقار في وجه المنحرفين عن الخط الاسلامي، و غمد الامام الحسن عليه‌السلام حسامه، حقنا للدماء، و صونا لوحدة المسلمين. و من أجل القضية نفسها سار الامام الحسين عليه‌السلام من مكة الي كربلاء لابسا [ صفحه 12] عباءة جده صلي الله عليه و اله و سلم التي ما طاب له الا أن يصبغها بدماء وريده الشريف من أجل مصلحة الأمة الاسلامية، سار و قلبه يطفح بعزيمة الايمان، و العزيمة تشع كضوء يتماوج بألف لون و لون، ثم رفع بصره الي فوق فاذا بسمة عريضة من الفم الملائكي و كأنها تقول له: سر في درب الشوق فأنت محاط بالعناية الالهية [13] . و من أجلها أيضا ناضل الامام الباقر عليه‌السلام و استشهد بعد أن ساهم ببناء المدرسة الكبري التي نهض بها ولده الامام الصادق عليه‌السلام الذي نعيش مع علمه و فكره و منهجه في هذه الأيام المباركة و نستلهم من جهوده النضالية، و سيرته المثالية، و أخلاقه المحمدية. و من أجل القضية نفسها كافح الامام الكاظم عليه‌السلام فقام بعد أبيه عليه‌السلام بادارة شؤون المدرسة التي خرجت ألمع كوكبة من كواكب العلماء الجهابذة. و صبر علي الأحداث الجسام، و المحن الشاقة التي لاقاها من طغاة عصره لعنهم الله. لقد كانت القضية واحدة، و المسؤولية واحدة، و الهدف واحدا، و لكن التعبير جاء مع كل امام من كواكب الاسلام المشرقة بلون ميزه عن الآخر و ذلك حسب الظروف السياسية و الاجتماعية المحدقة به. فشكرا جزيلا لجهودكم المباركة التي حركت في نفسي شوقا ساميا ألمظ به طعما لذيذا من لقاح العنفوان و الكرامة تحيا بهما كل النفوس التي تأبي الذل و الهوان، و ترغب في صون الكرامة الانسانية، و الرسالة الاسلامية علي مدي الزمان. آجركم الله و أمدكم بثوب العافية و طول العمر. حسين ابراهيم الحاج حسن [ صفحه 13]

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم مهما تحلي الباحث باطلاع واسع في علم النفس، و مهما أوتي من براعة في علم الاجتماع يسمح له تحليل الواقع النفسي، و اعطاء صورة حية عن تركيب الشخصية الانسانية و عناصر سلوكها و امكاناتها، فانه مهما بلغ من التفوق في هذا المجال فلا يستطيع أن أن يلم الماما شاملا بواقع أئمة أهل البيت عليهم‌السلام، و يكشف عن جوهر حياتهم، و أبعاد نزعاتهم، بما لهم من ظواهر ذاتية و ابداعات فردية. و الواقع أن ما أثر عنهم من صفات مميزة، و نزعات فذة في سلوكهم الشخصي و الاجتماعي يجعلهم في أعلي مراتب الانسانية. و هذه الظاهرة تجدها متمثلة في سلوكهم النبيل الذي بلغوا به أعلي درجات الانسانية هذه الظاهرة من نزعات الامام موسي عليه‌السلام و هي الصبر علي المحن و الخطوب المبرحة و المستمرة التي لاقاها من طغاة عصره، فقد أمعنوا في اضطهاده و التنكيل به، فاعتقله هارون الرشيد وزجه في ظلمات السجون زمنا طويلا، ثم حجبه عن جميع الناس و لم يسمح لأحد بمقابلته، و مع هذا كله، لم يأثر عنه أنه أبدي أي تذمر أو سأم أو شكوي، و انما حسب ذلك من ضروب النعم التي تستحق الشكر لله لتفرغه لعبادته، و انقطاعه لطاعته، فكان و هو في السجن يقضي نهاره صائما، و ليله قائما. و هو جذلان بهذه المناجاة، و بهذا الاتصال الروحي بالله العزيز الرحيم و هذا ما أجمع عليه المترجمون فقالوا انه كان من أعظم الناس عبادة، و أكثرهم طاعة لله، حتي أصبح له ثفنات كثفنات البعير من كثرة السجود، كما كانت لجده الامام السجاد من [ صفحه 14] قبل فلقب بذي الثفنات، و قد أدلي الفضل بن الربيع بحديث له عن عبادته عليه‌السلام حينما كان سجينا في داره. فماذا نستطيع تعليل هذا الصبر؟ لم يكن سوي الايمان العميق بالله تعالي، و التجرد من هذه الدنيا الفانية، و الاقبال علي الدار الآخرة. حتي أن هارون الظالم بهر بما رآه من تقوي الامام و كثرة عبادته، و تحمله هذه الخطوب الثقلية بصبر و هدوء. فقال متعجبا: «انه من رهبان بني‌هاشم»!! و لما كان مسجونا عليه‌السلام في بيت السندي بن شاهك و كل أوقاته عبادة و سجود، كانت عائلة السندي تطل عليه فتري هذه السيرة الزكية التي تحاكي سيرة الأنبياء، مما دفع شقيقة السندي الي اعتناق فكرة الامامة، و حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره انها سيرة نبوية عريقة تملك القلوب و المشاعر، مترعة بجميع معاني النبل و الزهد و السمو و الاقبال علي الله تعالي. و هناك صفة أخري من صفات شخصيته الكريمة، و هي الصمود في وجه الظلم و الطغيان، و انطلاقه في ميادين الجهاد المقدس؛ فقد حمل لواء المعارضة علي حكام عصره الطغاة الذين استباحوا جميع حرمات الله، و استبدوا بأرزاق الأمة و حقوقها الشرعية، و استهابوا بكرامة الاسلام، فبنوا حكمهم علي الظلم و الجور و الاستبداد و ارغام الناس علي ما يكرهون.. و من ثم كانت محنة أهل البيت عليهم‌السلام الشاقة جدا فانهم بحكم موقعهم و دورهم القيادي الشرعي للأمة مسؤولون عن رعايتها و صيانتها و انقاذها مما ألم بها من المحن الثقيلة، و الخطوب الجسام، فأعلنوا معارضتهم الايجابية تارة، و السلبية أخري السياسية ملوك عصرهم، فذاقوا من جراء ذلك جميع ألوان الظلم و القهر و الاضطهاد، حتي انتهت حياتهم الكريمة ما بين مسموم و مسجون و مقتول، كل ذلك من أجل مصلحة المسلمين و اصلاح أمة جدهم الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم، و الانطلاق بالحكام الي سياسة العدل الخالص، و تطبيق أحكام القرآن الكريم علي واقع الحياة. و قد تجلي ذلك الصمود الفذ عند الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام باصراره البالغ علي شجب سياسة هارون الرشيد، و عدم الاعتراف بشرعية خلافته، فأصر [ صفحه 15] علي هذا الموقف الشريف حتي لفظ أنفاسه الأخيرة في السجن، فلم يصانع، و لم يدار أحدا منهم، ولو سايرهم لأغدقوا عليه الأموال الطائلة ليسكتوا صوت الحق في صدره؛ لكنه آثر رضي الله و طاعته علي كل شي‌ء، و أبي الا أن يساير موكب الحق، و لا يشذ عما جاء به الاسلام من مقارعة الظلم، و مقاومة أئمة الجور و الطغيان مهما كلف الثمن. و قد حاول يحيي البرمكي (رئيس حكومة هارون) أن يتوسط في أمر اطلاق سراح الامام من السجن، شرط أن يعتذر لهارون و يطلب منه العفو حتي يخلي سبيله، فأصر الامام عليه‌السلام علي الامتناع و عدم الاستجابة له. هذا ما تميز به موقف الامام عليه‌السلام بالشدة و الصمود مع هارون و غيره من ملوك عصره، و هو موقف أبيه و جده من قبله الأئمة المعصومين الذين عبر عن موقفهم سيدالشهداء الامام الحسين عليه‌السلام فقال: «اني لم أخرج أشرا و لا بطرا، و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي». و هناك ظاهرة أخري من ظواهر شخصيته الكريمة، و هي السخاء فقد اتفق المؤرخون أنه كان أندي الناس كفا، يشعر مع المحتاجين، و يعطي المعوزين، و يصل المحرومين في غلس الليل البهيم، حتي لا يعرفه أحد، و يكون عطاؤه في سبيل الله، و كانت تضرب بصرره المثل. فكان الناس يقولون: «عجبا لمن جاءته صرار موسي و هو يشتكي الفقر» أنفق جميع ما يملكه علي الضعفاء و المنكوبين، و أنقذ الكثيرين منهم من مرارة الفقر و الحرمان. و الامام الكاظم عليه‌السلام دائرة معارف كاملة، فقد أجمع الرواة انه كان يملك طاقات هائلة من العلم، و مخزونا فكريا غنيا جدا بمختلف المعارف. يقصده العلماء و الرواة من كل حدب و صوب لينهلوا من نمير علمه، و كان لا يفتي بحادثة الا بادروا تسجيلها و تدوينها، فرووا عنه مختلف العلوم و الأبحاث، و بصورة خاصة فيما يتعلق بالتشريع الاسلامي. «فقد زودهم بطاقات ندية منه، و يعتبر في هذا المجال أول من فتق باب الحلال و الحرام من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام» [14] . [ صفحه 16] و ما يجدر ذكره ما قام به الامام الكاظم عليه‌السلام بعد أبيه الامام الصادق عليه‌السلام من ادارة شؤون جامعته العلمية التي تعتبر أول مؤسسة ثقافية في الاسلام، و أول معهد تخرجت منه كوكبة من كبار العلماء، في طليعتهم أئمة المذاهب الاسلامية. فالامام الشافعي يعتقد أن حبهم و سلوك منهجهم العدل.. و هم حبل الله المتين الذي ينير الطريق للمتمسك بهم الي رضوان الله عزوجل و هو يرجو أن يظفره حبهم فقال: آل النبي ذريعتي و هم اليه وسيلتي أرجو بهم أعطي غدا بيدي اليمين صحيفتي و الامام أحمد بن حنبل سأله عبدالله ابنه عن التفضيل بين الخلفاء الراشدين فقال: أبوبكر، و عمر، و عثمان، ثم سكت. فسأله عبدالله: يا أبت!! أين علي بن أبي‌طالب؟ قال: «هو من أهل البيت لا يقاس به هؤلاء» [15] . أما عن فلسفة الحكم عند الأمويين و عند العباسيين فكانت تهدف الي الأثرة و الاستغلال و اشباع الرغبات في الجاه و السلطان، و لم يؤثر عنهم أنهم قاموا بعمل ايجابي في صالح المجتمع الاسلامي، أو ساهموا في بناء الحركة الفكرية و الاجتماعية علي ضوء ما يهدف اليه الاسلام في بعث التطور الثقافي و الاداري و الاقتصادي لجميع شعوب الأرض. ففي هذا الجو السياسي و الاجتماعي الصعب تميز موقف الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام بالشدة و الصرامة في شجب الظلم، و قول كلمة الحق، فكان من الأئمة اللامعين في علمه و عمله علي نشر الثقافة الاسلامية، و ابراز الواقع علي حقيقته. يضاف الي قدراته الفذة التي لا تحصي: حلمه و علمه و كظمه الغيظ و قد أجمع المؤرخون أنه كان يقابل الاساءة بالاحسان، و الذنب بالعفو، شأنه شأن جده الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم و قد قابل جميع ما لاقاه من أذي و ظلم من الحاقدين عليه بالصبر و الصفح الجميع حتي لقب بالكاظم، و كان ذلك من أشهر ألقابه. و هكذا اذا استعرضنا مقومات الامام عليه‌السلام الفذة و كل ما أثر عنه في ميادين السلوك و الأخلاق، فانا نجده حافلا بكل معاني الانسانية، و مقومات بناء الأمة الاسلامية، التي عسي أن ألم ببعض جوانبها المشرقة و الخيرة و المعطاء. [ صفحه 17]

الوليد المبارك

اشاره

عاش الامام الصادق عليه‌السلام مع زوجته حميدة [16] حياة بيتية هادئة حافلة بالمودة و المسرات. و في فترات تلك المدة السعيدة عرض لها حمل و سافر الامام أبوعبدالله الي مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فحمل زوجته معه للاطمئنان علي صحتها في تلك الفترة. و بعد الانتهاء من مراسم الحج قفلوا راجعين الي المدينة المنورة، فلما انتهوا الي الأبواء [17] أحسنت حميدة بالطلق، فأرسلت خلف الامام عليه‌السلام تخبره بالأمر، و كان عند ذلك يتناول طعام الغذاء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ السعيد قام مبادرا اليها، فلم يلبث قليلا حتي وضعت حميدة سيدا من سادات المسلمين، و اماما من أئمة أهل البيت عليه‌السلام. انه يوم سعيد، يوم مشرق أشرقت به الدنيا بهذا المولود المبارك فكان بارا بالناس، عاطفا علي الفقراء منهم، لكنه كان أكثرهم عناءا و أكثرهم محنة في سبيل الله. بادر الامام الصادق عليه‌السلام فتناول وليده الذي يأمل به أملا باسما فأجري عليه [ صفحه 18] مراسم الولادة الشرعية، فأذن في أذنه اليمني، و أقام في اليسري، و ما زالت هذه الطريقة تحتذي عند جميع المسلمين المؤمنين. لقد كانت أول كلمة طيبة قرعت سمعه كلمة التوحيد التي تتضمن الايمان بكل ما له من معني. عاد الامام الصادق الي أصحابه و البسمة تعلو ثغره، فبادره أصحابه قائلين: سرك الله، و جعلنا فداك، يا سيدنا ما فعلت حميدة؟» فبشرهم بمولوده المبارك قائلا لهم: «لقد وهب الله لي غلاما، و هو خير من برأ الله». أجل انه من أئمة أهل البيت المعصومين، و خير من برأ الله علما و تقوي و صلاحا في الدين، و هذا ما أحاط به الامام الصادق أصحابه علما بأنه الامام الذي فرض الله طاعته في عباده قائلا لهم: «فدونكم، فوالله هو صاحبكم» [18] . و كانت ولادته في الأبواء سنة 128 ه و قيل سنة 129 ه [19] و ذلك في أيام حكم عبدالملك بن مروان. و قال الطبرسي رحمه الله: ولد أبوالحسن موسي عليه‌السلام بالابواء، منزل بين مكة و المدينة لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة [20] .

تكريم الوليد

بعد فترة وجيزة ارتحل أبوعبدالله عن الأبواء متجها الي يثرب وفور وصوله مد المائدة، و أطعم الناس ثلاثة أيام تكريما لوليده المبارك (الكاظم) [21] و بدأت وفود من شيعته تتوافد عليه لتهنئته بمولوده، و تشاركه في فرحته الكبري. [ صفحه 19]

طفولته زاكية مميزة

تدرج الامام موسي بن جعفر في طفولة زاكية مميزة، فتربي في حجر الاسلام، و رضع من ثدي الايمان، و تغذي من عطف أبيه الامام الصادق، حيث أغدق عليه أشعة من روحه الطاهرة و أرشده الي عادات الأئمة الشريفة و سلوكهم النير، فالتقت في سنه المبكر جميع عناصر التربية الاسلامية السليمة، حتي أحرز في صغره جميع أنواع التهذيب و الكمال و الأخلاق الحميدة، و من شب علي شي‌ء شاب عليه. هذه الفولة المميزة استقبلها الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو ناعم البال بحفاوة و تكريم خاص؛ فأبوه أغدق عليه عطفا مستفيضا، و حمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، حيث قدمه علي بقية ولده، فاندفع قائلا: «الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء، و سرورا من الأبناء، و عوضا عن الأصدقاء» [22] و نتيجة هذا الحب الأبوي المميز أخذت جماهير المسلمين تقابل الامام موسي بالعناية و التكريم، و جماهير الشيعة بصورة خاصة، لأنهم يعتقدون أن مقام الامامة كمقام النبوة، بعيدا عن المحاباة، سوي ما يتصل بتأييد الفضيلة و الاشادة بالايمان، و علي ضوء ذلك أعلن الامام الصادق حبه الكبير و مودته الوثيقة لولده الحبيب لأنه رأي فيه ملامح صادقة عنه، و مواهب مبكرة، و عبقرية خاصة، تؤهله لمنصب الامامة علي أمة جده صلي الله عليه و اله و سلم.

اوصافه

وصف رواة الأثر ملامح صورة الامام موسي بن جعفر فقالوا: كان أسمر اللون [23] ، و قالوا: كان ربع القامة، كث اللحية، حسن الوجه، نحيف الجسم [24] . أما عن صفاته الخلقية: فهو ابن الأوصياء، حاكي في هيبته و وقاره هيبة الأنبياء، فما رآه أحد الا هابه و أكبره لجلالة قدره، و سمو مكانته، و حسن سيرته، و كريم أخلاقه. [ صفحه 20] و مرة التقي به شاعر البلاط العباسي أبونواس فانبهر بأنواره فانطلق يصور هيبته و وقاره بأبيات قال فيها: اذا أبصرتك العين من غير ريبة و عارض فيك الشك أثبتك القلب [25] ولو أن ركبا أمموك لقادهم نسيمك حتي يستدل بك الركب جعلتك حسبي في أموري كلها و ما خاب من أضحي و أنت له حسب و لا يخفي ان هذه الأبيات كانت يقظة من يقظات الضمير، و نسمة علوية من نسيمات الروح، ذلك أن أبانواس الذي كان يعيش علي موائد بني‌العباس، و الذي قضي معظم أيام حياته في اللهو و المجون، قد انبري الي هذا المديح العاطر في الوقت الذي كان يمدح أهل البيت ينال عقوبة كبري قد تؤدي به الي الموت! لكن مثالية الامام و واقعيته التي لا ند لها في عصره، قد سيطرت علي روح الشاعر العباسي و أنسته النتائج.

كنيته و ألقابه

كان يكني بعدة أسماء أشهرها: أبوالحسن، قال الشيخ المفيد: كان يكني أباابراهيم، و أباالحسن، و أباعلي، و يعرف بالعبد الصالح [26] .. و قال ابن‌الصباغ المالكي: أما كنيته فأبوالحسن، و ألقابه كثيرة أشهرها: الكاظم، ثم الصابر، و الصالح، و الأمين [27] ، و ألقابه تدل علي مظاهر شخصيته، و دلائل عظمته، و هي عديدة منها: الزاهر، لأنه زهر بأخلاقه الشريفة، و كرمه الموروث عن جده الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم. قال ابن‌شهرآشوب عند ذكره لألقابه: «.. و الزاهر و سمي بذلك لأنه زهر بأخلاقه الشريفة و كرمه المضي‌ء التام» [28] . [ صفحه 21] و الكاظم: لقب بذلك لما كظمه عما فعل به الظالمون من التنكيل و الارهاق... و يقول ابن‌الأثير «انه عرف بهذا اللقب لصبره و دماثة خلقه، و مقابلته الشر بالاحسان» [29] . و الصابر: لأنه صبر علي الخطوب و الآلام التي تلقاها من حكام الجور و الطغاة، الذين قابلوه بجميع ألوان الاساءة و المكروه [30] . و السيد: لأنه من سادات المسلمين، و امام من أئمتهم. و الوفي: لأنه أوفي انسان في عصره، فقد كان وفيا بارا باخوانه و شيعته، و بارا حتي بأعدائه و الحاقدين عليه. ذو النفس الزكية: لقب بهذا اللقب اللطيف لصفاء ذاته، و نقاوة سريرته البعيدة كل البعد عن سفاسف المادة، و مآثم الحياة، نفس أبية زكية، طاهرة، كريمة، سمت و علت حتي قل نظيرها. باب الحوائج: هذا اللقب كان من أشهر ألقابه ذكرا، و أكثره شيوعا، انتشر بين العام و الخاص، حتي أنه ما أصاب أحدهم مكروه الا فرج الله عنه بذكره الامام الكاظم، و ما استجار بضريحه أحد الا قضيت حوائجه، و رجع مثلوج القلب، مستريح الضمير مما ألم به من طوارق الزمن التي لابد منها. و قد آمن بذلك جمهور المسلمين علي اختلاف مذاهبهم. يقول أبوعلي الخلال شيخ الحنابلة و عميدهم الروحي: «ما همني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر الا سهل الله تعالي لي ما أحب» [31] . و قال الامام الشافعي: «قبر موسي الكاظم الترياق المجرب» [32] . كان الامام موسي الكاظم في حياته ملجأ لعموم المسلمين، كما كان كذلك [ صفحه 22] بعد موته حصنا منيعا لمن استجار به من عموم المسلمين، لأن الله سبحانه و تعالي عز اسمه منحه حوائج المسلمين المستجيرين بضريحه الطاهر في بغداد. و قد روي الخطيب البغدادي قضية كان فيها شاهد عيان [33] ، عندما شاهد امرأة مذهولة، مذعورة، فقدت رشدها لكثرة ما نزل بها من الهموم، لأنها أخبرت أن ولدها قد ارتكب جريمة، و ألقت عليه السلطة القبض و أودعته في السجن ينتظر الحكم القاسي و الظالم. فأخذت تهرول نحو ضريح الامام مستجيرة به، فرآها بعض الأوغاد، الذي لا يخلو الزمان منهم، فقال لها: الي أين؟ - الي موسي بن جعفر، فانه قد حبس ابني. فقال لها بسخرية و استهزاء: «انه قد مات في الحبس». فاندفعت تقول بحرارة بعد أن لوع قلبها بقوله: «اللهم بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة» فاستجاب الله دعاءها، و أطلق سراح ابنها، و أودع ابن المستهزي‌ء، بها في ظلمات السجن بجرم ذلك الشخص. فالله سبحانه و تعالي القادر العليم و القاهر العظيم قد أراها القدرة لها و لغيرها، كما أظهر كرامة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و السلام، فما خاب من دعاهم، و ما فشل من استجار بهم. ثم يروي الخطيب البغدادي عن محنة ألمت به فاستجار بالامام الموسي و كشف عنه الهم و الغم. فيقول: «و أنا شخصيا قد ألمت بي محنة من محن الدنيا كادت أن تطوي حياتي، ففزعت الي ضريح موسي بن جعفر بنية صادقة، ففرج الله عني، و كشف ما ألم بي. و لا يشك في هذه الظاهرة التي اختص بها الامام الا من ارتاب في دينه و اسلامه. لقد آمن جميع المسلمين الأبرار بالأئمة الأطهار منذ فجر التاريخ و لم يزالوا [ صفحه 23] يعتقدون اعتقادا راسخا في أن أهل البيت عليهم‌السلام لهم المقام الكريم عند الله، و انه يستدفع بهم البلاء، و تستمطر بهم السماء. روي الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي، عن محمد بن عيسي بن عبيد، عن أبي‌الحسن عليه‌السلام قال: تقول ببغداد: «السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك عارفا بحقك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك» و ادع الله و سل حاجتك، قال: و تسلم بهذا علي أبي‌جعفر عليه‌السلام [34] . و لا ننسي قصيدة الفرزدق العصماء التي ندرسها لطلابنا في المدارس و الجامعات التي مدح بها الامام زين‌العابدين و قال فيها: من معشر حبهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجي و معتصم يستدفع السوء و البلوي بحبهم و يستزاد به الاحسان و النعم فالله عزوجل منح أهل البيت جميل ألطافه، و خصهم بالمزيد من كراماته، أحياءا و أمواتا. و نذكر هنا كوكبة من الشعراء و الأدباء قد أثقلت كواهلهم كوارث الدهر ففزعوا الي ضريح الامام متوسلين به الي الله تعالي في رفع محنهم، و كشف ما ألم بهم من المكروه، ففرج الله عنهم ولو أردنا أن نذكر ما أثر عنهم في ذلك لبلغ مجلدا ضخما. لكنا نذكر بعضا منهم الحاج محمدجواد البغدادي الذي سعي الي ضريح الامام في حاجة يطلب قضاءها فقال: يا سمي الكليم جئتك أسعي نحو مغناك قاصدا من بلادي ليس تقضي لنا الحوائج الا عند باب الرجاء جد الجواد [35] . [ صفحه 24] فجاء عباس البغدادي و خمسها بقوله: لم تزل للأنام تحسن صنعا و تجير الذي أتاك و ترعي و اذا ضاق الفضا بي ذرعا يا سمي الكليم جئتك أسعي و الهوي مركبي و حبك زادي أنت غيث للمجدبين و لولا فيض جدواكم الوجود اضمحلا قسما بالذي تعالي وجلا ليس تقضي لنا الحوائج الا عند باب الرجاء جد الجواد و ممن نظم في ذلك الشاعر المرحوم السيد عبدالباقي العمري فقال: لذ و استجر متوسلا ان ضاق أمرك أو تعسر بأبي الرضا جد الجواد محمد موسي بن جعفر [36] .

نقش خاتمه

يدل نقش خاتمه علي مدي تعلقه بالله عزوجل، و مدي انقطاعه اليه سبحانه و تعالي فكان: «الملك لله وحده». و يا ليت مجتمع عصره و مجتمع عصرنا اليوم يعقلون هذا الشعار، و يعملون به، لزال الطمع و الجشع و حب التملك لهذه الدنيا الفانية، و لضعف وهج الأنانية، و وهنت جاذبيتها في نفوسهم.

ابناؤه

شجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء، أنجب الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام ذرية طاهرة من نسل طيب، فكانوا من خيرة أبناء المسلمين في عصره يتصفون بالتقوي و الورع و الخير و الصلاح و الابتعاد عن مآثم الحياة و أباطيلها. لقد أنشأهم الامام نشأة دينية خالصة، و وجههم وجهة صحيحة سليمة، [ صفحه 25] و سكب في نفوسهم الايمان بالله، و التفاني في سبيل العقيدة، و العمل علي قول كلمة الحق، و القيام بها مهما كلف الثمن. قال ابن‌الصباغ: «ان لكل واحد من أولاد أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام فضلا مشهودا» [37] . اختلف النسابون في عدد أولاد الامام موسي الكاظم اختلافا كثيرا منهم من قال: ثلاثة و ثلاثون الذكور منهم 16 و الاناث 17. و منهم من قال: سبعة و ثلاثون الذكور 18 و الاناث 19. و منهم من قال: ثمانية و ثلاثون الذكور 20 و الاناث 18 [38] . و قال الطبرسي: كان له سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و أنثي: علي بن موسي الرضا عليه‌السلام، و ابراهيم و العباس و القاسم من أمهات متعددة. و أحمد، و محمد، و حمزة من أم واحدة. و اسماعيل، و جعفر، و هارون، و الحسن من أم واحدة. و عبدالله، و اسحاق، و عبيدالله، و زيد، و الحسن، و الفضل، و سليمان من أمهات متعددة. و فاطمة الكبري، و فاطمة الصغري، و رقية، و حكيمة، و أم‌أبيها، و رقية الصغري، و كلثم، و أم‌جعفر، و لبانة، و زينب، و خديجة و علية، و آمنة، و حسنة، و بريهة، و عائشة، و أم‌سلمة، و ميمونة، و أم‌كلثوم من أمهات متعددة. و كان أحمد بن موسي كريما ورعا و كان الامام يحبه فوهب له ضيعته المعروفة باليسيرية، و يقال أنه أعتق ألف مملوك. و كان محمد بن موسي عليه‌السلام شجاعا كريما، و تقلد الامرة علي اليمن في عهد المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام الذي بايعه أبوالسرايا في الكوفة و مضي اليها ففتحها و أقام بها مدة [ صفحه 26] الي أن كان من أمر أبي‌السرايا ما كان، و أخذ الأمان من المأمون. و لكل واحد من أبناء أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام فضل و منقبة و كان الرضا مشهورا بالتقدم و نباهة القدر، و عظم الشأن، و جلالة المقام بين الخاص و العام. [39] .

اخوانه

لقد ذكرت عن اخوانه عليه‌السلام في كتاب «الامام الصادق عطرة النبوة و منهج حياة» في باب أولاد الامام الصادق، و لكن سوف نورد باختصار عنهم حتي لا يخلو هذا الكتاب من ذكرهم العطر. 1 - اسماعيل بن جعفر عليه‌السلام: كان أكبر أولاده، و كان الامام الصادق يحبه حبا جما. قال الشيخ المفيد: انه مات في حياة أبيه بالعريض، و حمل علي رقاب الرجال الي أبيه بالمدينة حتي دفن بالبقيع؛ روي أن أباعبدالله حزن عليه حزنا شديدا، و أمر بوضع سريره علي الأرض عدة مرت قبل دفنه، و كان يكشف عن وجهه و ينظر اليه، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده، و ازالة الشبهة عنهم في حياته [40] . 2 - عبدالله بن جعفر عليه‌السلام: كان أكبر اخوانه بعد اسماعيل. 3 - علي بن جعفر عليه‌السلام: هو المحدث المشهور صاحب المسائل، عن أخيه موسي عليه‌السلام، عاش دهرا طويلا حتي أدرك الامام الجواد عليه‌السلام. قال الشيخ أبوجعفر الطوسي رضوان الله عليه: علي بن جعفر أخو موسي بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام، جليل القدر، ثقة، له كتاب المناسك و مسائل لأخيه موسي الكاظم بن جعفر عليهم‌السلام سأله عنها [41] . 4 - اسحاق بن جعفر عليه‌السلام: الملقب بالمؤتمن، زوج السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط عليه‌السلام صاحبة الروضة المشهورة بالظاهرة [ صفحه 27] المروفة بالست نفيسة؛ سافر مع زوجته الي مصر و أقام بالفسطاط. قال الشيخ المفيد: كان اسحق بن جعفر من أهل الفضل و الصلاح و الورع و الاجتهاد، قد روي عنه الناس الحديث و الآثار و كان ابن‌كاسب يقول اذا حدث عنه: حدثني الثقة الرضي اسحاق بن جعفر و كان اسحق يقول بامامة أخيه موسي بن جعفر عليه‌السلام [42] . 5 - عباس بن جعفر: قال الشيخ المفيد: كان العباس بن جعفر رحمه الله فاضلا نبيلا [43] . 6 - محمد بن جعفر عليه‌السلام: من الزهاد و العباد، كان يسكن مكة و يروي بها الأحاديث، و في أيام ظهور الفتنة بين الأمين و المأمون خرج في مكة و ادعي الخلافة، أرسل اليه المأمون جيشا بامارة الجلودي، فلما وصل جيش المأمون مكة خلع نفسه و بايع المأمون. ثم سافر الي خراسان و أقام بمرو، و لما وصل المأمون جرجان قتله بالسم و كان قبره معروفا بجرجان في القرن الرابع الهجري. بوابه: هو محمد بن الفضل، و في المناقب: المفضل بن عمر. شاعره: السيد الحميري.

ملوك عصره و مدة امامته

ملوك عصره: 1 - المنصور 754 م - 775 م. 2 - المهدي: 775 م - 785 م. 3 - الهادي: 785 م - 786 م. 4 - هارون الرشيد: 786 م - 809 م. مدة امامته: خمس و ثلاثون سنة. [ صفحه 28]

النص عليه بالامامة

أجمعت الروايات بالنص عليه بالامامة من الله تعالي، كخبر اللوح، و ان الامام لا يكون الا الأفضل في العلم و الزهد و العمل، و أنه معصوم كعصمة الأنبياء عليهم‌السلام. و النصوص المروية علي امامته عن أبيه أبي‌عبدالله الصادق عليه‌السلام قد رواها شيوخ أصحاب أبي‌عبدالله و خاصته، و ثقاته الفقهاء الصالحون رضوان الله عليهم. قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام يقول: سمعت أبي‌جعفر بن محمد عليه‌السلام يقول لجماعة من خاصته، و أصحابه: استوصوا بابني موسي خيرا، فانه أفضل ولدي، و من أخلفه من بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجة لله تعالي علي كافة خلقه من بعدي [44] . و روي منصور بن حازم، قال: «قلت لأبي‌عبدالله عليه‌السلام بأبي أنت و أمي، ان الأنفس يغدي عليها و يراح، فاذا كان ذلك فمن؟ فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: اذا كان ذلك فهو صاحبكم و ضرب علي منكب أبي‌الحسن الأيمن، و هو فيما أعلم يومئذ خماسي، و عبدالله بن جعفر جالس معنا» [45] . و قال سليمان بن خالد: دعا أبوعبدالله أباالحسن يوما، و نحن عنده، فقال لنا: عليكم بهذا، فهو و الله صاحبكم بعدي [46] . و من الغريب ما يدعيه غير الشيعة من ان النبي صلي الله عليه و اله و سلم مات و لم يوص الي أحد من بعده يقوم مقامه و يسد فراغه، فترك الأمة من بعده بلا امام يدير أمرها، و يجمع شملها، و يرشد ضالها، و يقيم لها الحدود، و يقوم الاعوجاج، و يوضح السنن. و قد أجمعت الأمة علي أنه صلي الله عليه و اله و سلم كان يستخلف علي المدينة اذا أراد سفرا، و لا يرسل جيشا حتي يعين له قائدا، و ربما عين لجيوشه أكثر من قائد [47] . [ صفحه 29] و لو أنصف الناس الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام لاكتفوا بنص الغدير وحده - دون غيره من النصوص الكثيرة - فقد شهد جل المسلمين بيعة يوم الغدير، و شاهدوا بأم أعينهم المراسم التي أجراها الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم في ذلك اليوم، و ما نزل من القرآن الكريم. و من العجيب أيضا أن تنسي الأمة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم ذلك اليوم و العهد قريب، و الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بعد لما يقبر، و الشهود حضور. و كيفما كان فالامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم و كذلك أولاده عليهم أزكي الصلاة و أفضل السلام. و قد التزم الأئمة عليهم‌السلام في نص بعضهم علي بعض، السابق علي اللاحق و الوالد علي ولده، اقامة للحجة، و اعذارا للأمة [48] .

هارون الرشيد يعترف بامامة الكاظم

قال المأمون: كنت أجرأ ولد أبي عليه، و كان المأمون متعجبا من اكبار أبيه لموسي بن جعفر و تقديره له. قال: قلت لأبي: يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته، و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس، و جلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده فقلت: يا أميرالمؤمنين، أوليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟ فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام حق، و الله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مني و من الخلق جميعا، و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم [49] . [ صفحه 30]

مناقبه و فضائله

اشاره

مناقب الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام بحر زاخر لا يمكن حصره أو الخوض فيه الي النهاية، لكننا سوف نذكر بعض هذه المناقب الكريمة علي سبيل الذكر لا الحصر؛ من هنا كان قول محمد بن صلحة: «أما مناقبه فكثيرة، و لو لم يكن منها الا العناية الربانية لكفاه ذلك منقبة» [50] .

العلم

فقد روي عنه العلماء أكثر فنون العلم من علم الدين و غيره مما ملأ بطون الكتب، و ألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة المروية عنهم بالأسانيد المتصلة. جاء في تحف العقول عن الحسن بن علي بن شعبة قال أبوحنيفة [51] : حججت في أيام أبي‌عبدالله الصادق عليه‌السلام فلما أتيت المدينة دخلت داره فجلست في الدهليز انتظر اذنه اذ خرج صبي فقلت: يا غلام ممن المعصية؟ فقال: ان السيئات لا تخلو من احدي ثلاث: أ - اما ان تكون من الله و ليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد علي ما لا يرتكب. ب - و اما ان تكون منه و من العبد و ليست كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف. ج - و اما أن تكون من العبد و هي منه، فان عفا فكرمه و جوده، و ان عاقب فبذنب العبد و جريرته. قال أبوحنيفة فانصرفت و لم ألق أباعبدالله، و استغنيت بما سمعت. قال الشيخ المفيد في الارشاد عن أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام: أكثر الناس في [ صفحه 31] الرواية عنه، و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب الله، و أحسنهم صوتا بتلاوة القرآن. و قال علي بن شعبة الحراني في تحف العقول: سأل رجل موسي بن جعفر عن الجواد فقال: ان كنت تسأل عن المخلوقين فان الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه و البخيل من بخل بما افترض الله، و ان كنت تعني الخالق، فهو الجواد ان أعطي، و هو الجواد ان منع، أعطاك لأنه ان أعطاك ما ليس لك و ان منعك منعك ما ليس لك.

الحلم

جاء في مقاتل الطالبيين قال أبوالفرج بسنده عن يحيي بن الحسن: كان موسي بن جعفر اذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير و كانت صراره ما بين الثلاثمائة الي المائتين الي المائة دينار. و كانت صرار موسي مثلا شائعا بين الناس. و جاء في الارشاد للشيخ المفيد: أخبرني الشريف أبومحمد الحسن بن محمد عن جده عن غير واحد من أصحابه و مشايخه أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه و يشتم عليا. فقال له بعض أصحابه: دعنا نقتله. فنهاهم عن ذلك أشد النهي و زجرهم أشد الزجر. و سأل عن العمري فذكر له انه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب اليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا تطأ زرعنا! فتوطأه بالحمار حتي وصل اليه فنزل فجلس عنده، و ضاحكه و قال له: كم غرمت في زرعك؟ قال له: مائة دينار. قال الامام: فكم ترجو أن تصيب؟ قال: أنا لا أعلم الغيب. قال: انما قلت لك كم ترجو ان يجيئك فيه؟ قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار فأعطاه الامام عليه‌السلام ثلاثمائة دينار. و قال: هذا زرعك علي حاله فقام العمري و قبل رأسه و انصرف. فراح الي المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر اليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته. فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصتك؟ قال كنت تقول خلاف هذا فخاصمهم و شاتمهم و جعل يدعو لابي‌الحسن موسي كلما دخل و خرج، فقال أبوالحسن موسي [ صفحه 32] لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار.

التواضع و مكارم الأخلاق

مر برجل من أهل السواد دميم المنظر، فسلم عليه، و نزل عنده و حادثه طويلا، ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة ان عرضت له فقيل له: يا ابن رسول الله أتنزل الي هذا ثم تسأله عن حوائجه و هو اليك أحوج؟ فقال عليه‌السلام: عبد من عبيدالله، و أخ في كتاب الله، و جار في بلاد الله، يجمعنا و اياه خير الآباء آدم، و أفضل الأديان الاسلام، و لعل الدهر يرد من حاجتنا اليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه، ثم قال: نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقي بغير صديق [52] . و روي عن الحسن بن علي بن حمزة عن أبيه قال: رأيت أباالحسن يعمل في أرض و قد استنقعت قدماه في العرق. فقلت جعلت فداك، أين الرجال؟! قال: يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه و من أبي. فقلت: و من هو؟ فقال؛ رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و أميرالمؤمنين عليه‌السلام و آبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم، و هو من عمل النبيين و المرسلين و الأصياء و الصالحين [53] .

عبادته

لقد شهدت له ألقابه علي حسن عبادته، و شدة خوفه من الله تعالي، فمن زين المجتهدين، الي العبد الصالح، و النفس الزكية، و الصابر، الي غير ذلك من الألقاب المشيرة الي صفاته الموقرة، و عبادته المتواصلة؛ و لم يحدثنا التاريخ عن مسجون غير الامام موسي بن جعفر كان يشكر الله تعالي علي ما أتاح له من نعمة [ صفحه 33] التفرغ للعبادة بين جدران السجن، و يحسب ذلك نعمة، وجب بها عليه الشكر. قال ابن‌الصباغ المالكي: ان شخصا من بعض العيون التي كانت عليه في السجن، رفع الي عيسي بن جعفر أنه سمعه يقول؛ في دعائه: «اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك و قد فعلت، فلك الحمد» [54] . و عن أبي‌حنيفة انه دخل علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام فقال: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه. فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: ادعوا لي موسي، فدعوه، فقال له في ذلك. فقال: نعم يا أبه، ان الذي كنت أصلي اليه كان أقرب الي منهم، يقول الله تعالي: (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) فضمه أبوعبدالله الي نفسه ثم قال: بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار [55] . و جاء في كشف الغمة: كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان اذا قرأ القرآن يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته [56] . و لكثرة سجوده كان له غلام يقص اللحم من جبينه، و عرنين أنفه، فقد نظم بعض الشعراء ذلك بقوله: طالت لطول سجود منه ثفنته فقرحت جبهة منه و عرنينا رأي فراغته في السجن منيته و نعمة شكر الباري بها حينا [57] .

كرمه و صدقاته

من أبرز خصائص أئمة أهل البيت عليهم‌السلام البر و الاحسان الي الناس كافة، و بصورة خاصة الطبقة الضعيفة، فكانوا يخصونهم بجزيل فضلهم، و نبل عطاياهم، حتي كان من منهجهم في الليالي المظلمة هو التطواف علي بيوت الفقراء و المساكين بالأغذية و المال و هم لا يعرفونهم. قال ابن‌الصباغ المالكي: كان موسي الكاظم عليه‌السلام أعبد أهل زمانه، [ صفحه 34] و أعلمهم و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا و كان يتفقد فقراء المدينة و يحمل اليهم الدراهم و الدنانير الي بيوتهم و النفقات، و لا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، و لم يعلموا بذلك الا بعد موته [58] . و قال محمد بن عبدالله البكري: قدمت المدينة أطلب دينا فأعياني، فقلت لو ذهبت الي أبي‌الحسن موسي فشكوت اليه، فأتيته في ضيعته، فذكرت له قضيتي، فدخل و لم يقم الا يسيرا حتي خرج الي، فقال لغلامه: اذهب، ثم مد يده الي فرفع الي صرة فيها ثلاثمائة دينار، فركبت دابتي و انصرفت [59] . كما رووا عن عيسي بن محمد بن مغيث القرطبي قال: زرعت بطيخا و قثاءا و قرعا في موضع بالجوانية، علي بئر يقال لها (أم عظام) فلما قرب الخير، و استوي الزرع بغتني الجراد فاتي علي الزرع كله، و كنت غرمت علي الزرع و في ثمن جملين مائة و عشرين دينارا، فبينما أنا جالس اذ طلع موسي بن جعفر بن محمد، فسلم ثم قال: أي شي‌ء حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم، بغتني الجراد فأكل زرعي. قال عليه‌السلام و كم غرمت فيه؟ فقلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن الجملين. فقال عليه‌السلام: يا عرفة زن لأبي المغيث مائة و خمسين دينارا، فربحك ثلاثون دينارا و الجملان. فقلت يا مبارك ادخل و ادع لي فيها بالبركة. فدخل و دعا، و حدثني عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: تمسكوا ببقايا المصائب؛ ثم علقت عليه الجملين و سقيت، فجعل الله فيها البركة و زكت، فبعث منها بعشرة آلاف [60] . و قال علي بن عيسي الأربلي [61] : «مناقب الكاظم و فضائله و معجزاته الظاهرة، و دلائله و صفاته الباهرة تشهد انه افترع قبة الشرف و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها، و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها، و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها. [ صفحه 35] طالت أصوله، فسمت الي أعلي رتب الجلال، و سمت فروعه فعلت الي حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه، و يكاد الشرف يقطر من أعطافه. فكان كما قال شاعر: أتاه المجد من هنا و هنا و كان له كمجتمع السيول السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نغبة من نغبه، و اللباب الفاخر من عد من عبيده و خدمه، كأن الشعري علقت في يمينه و لا كرامة للشعري العبور، و كأن الرياض أشبهت خلائقه و لا نعمي لعين الروض الممطور. و هو عليه‌السلام غرة في وجه الزمان و ما الغرر و الحجول، و هو أضوأ من الشمس و القمر، و هذا جهد من يقول: بل هو و الله أعلي مكانة من الأوصاف و أسمي، و أشرف عرفا من هذه النعوت و أنمي، فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره، أو ترتقي همة البليغ الي نعت فخاره، أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته، أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته؟ كاظم الغيظ، و صائم القيظ، عنصره كريم، و مجده حادث و قديم، و هو بكل ما يوصف به زعيم، الآباء عظام، و الأبناء كرام، و الدين متين، و الحق ظاهر مبين، و الكاظم في أمر الله قوي أمين، و جوهر فضله غال ثمين و واصفه لا يكذب و لا يمين، قد تلقي راية الامامة باليمين، فسما عليه‌السلام الي الخيرات منقطع القرين، و أنا أحلف علي ذلك فيه و في آبائه و أبنائه عليهم‌السلام باليمين. كم له من فضيلة جليلة، و منقبة بلعو شأنه كفيلة، و هي و ان بلغت الغاية بالنسبة اليه قليلة، و مهما عد من المزايا و المفاخر فهي فيهم صادقة، و في غيرهم مستحيلة. اليهم ينسب العظماء، و عنهم يأخذ العلماء، و منهم يتعلم الكرماء، و هم الهداة الي الله فبهداهم اقتده و هم الأدلاء علي الله فلا تحل عنهم و لا تنشده، و هم الأمناء علي أسرار الغيب، و هم المطهرون من الرجس و العيب، و هم النجوم الزواهر في الظلام، و هم الشموس المشرقة في الأيام، و هم الذين أوضحوا شعائر الاسلام و عرفوا الحلال من الحرام، من تلق منهم تقل لاقيت سيدا، و متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات منفردا، و من قصدت منهم حمدت قصدك مقصدا، [ صفحه 36] و رأيت من لا يمنعه جوده اليوم أن يجود غدا، و متي عدت اليه عاد كما بدا، المائدة و الانعام يشهدان بحالهم، و المائدة و الأنعام يخبران بنوالهم، فلهم كرم الأبوة و النبوة، و هم معادن الفتوة و المروة، و السماح في طبائعهم غريزة، و المكارم لهم شنشنة و نحيزة، و الأقوال في مدحهم و ان طالت وجيزة، بحور علم لا تنزف، و أقمار عز لا تخسف و شموس مجد لا تكسف. مدح أحدهم يصدق علي الجميع و هم متعادلون في الفخار فكلهم شريف رفيع. بذوا الأمثال بطريفهم و تالدهم و لا مثيل، و نالوا النجوم بمفاخرهم و محامدهم فانقطع دون شأوهم العديل و لا عديل. فمن الذي ينتهي في السير الي أمدهم و قد سد دونه السبيل، أمن لهم يوم كيومهم أو غد كغدهم، و لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم صلي الله عليه و آله صلاة نامية الأمداد، باقية علي الآباد مدخرة ليوم المعاد، انه كريم جواد [62] . كل ما صدر عن الأئمة المعصومين عليهم‌السلام من وصايا و رسائل و خطب و شعر كان في سبيل الدعوة الاسلامية و الحث علي طاعة الله تعالي و الدعوة الي التحلي بمكارم الأخلاق و التمسك بالفضائل. فكانوا عليهم‌السلام يعملون علي تثقيف الأمة الاسلامية و تعليمها و توعيتها، و يبذلون أقصي الجهود في تقويمها و هدايتها الي الطريق السليم. و موضوع الشعر كان ينشد عند عامة الناس في التشبيب و اللهو و المجون، أما أهل البيت فكانوا ينظمونه في الدعوة الي الخير و العقيدة الاسلامية، و الأخلاق، و التحلي بالفضائل النبيلة. و هذه هي الفوارق التي تميزهم عن غيرهم من الشعراء الآخرين. جاء في البحار أنه دخل عليه‌السلام و هو طفل علي أبيه الامام الصادق عليه‌السلام و بيده لوح فقال له أبوه يا بني أكتب ما سأمليه عليك: تنح عن القبيح و لا ترده. ثم قال: اجزه. فقال عليه‌السلام: و من أوليته حسنا فزده. [ صفحه 37] فتابع الامام الصادق القول: ستلقي من عدوك كل كيد. فقال الامام الطفل عليه‌السلام: اذا كان العدو فلا تكده. فقال: «ذرية بعضها من بعض» [63] . و قال عليه‌السلام أيضا في أفعال العباد: لم تخل أفعالنا التي نذم بها احدي ثلاث حين نبديها اما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين نأتيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما كان يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لآلهي في جنايتها ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها [64] . و قال عليه‌السلام في اللجوء الي الله: أنت ربي اذ ظمئت الي الماء و قوتي اذا أردت الطعاما [65] . و الامام الكاظم لم يكن شاعرا محترفا بل كان نظمه للشعر قليلا جدا. ذكر الشيخ المفيد أبياتا له تلاها الامام الرضا عليه‌السلام علي المأمون و نسبها عليه‌السلام الي أبيه: كن للمكاره بالعزاء مدافعا فلعل يوما لا تري ما تكره فلربما استتر الفتي فتنافست فيه العيون و انه لمموه و لربما ابتسم الوقور من الأذي و ضميره من حره يتأوه [66] . كان عليه‌السلام يعلم كل شي‌ء يدور حوله و لكن عيون المراقبين تترصده دائما فلم يكن له الا أن يموه ما يقول حذرا فيبتسم من الأذي المحدق به و ضميره من حره يتأوه في صدره. و ذكر ذو النون المصري أنه اجتاز أثناء سياحته علي قرية تسمي [ صفحه 38] بتدصر فرأي جدارا قد كتبت عليه هذه الأبيات: أنا ابن مني و المشعرين و زمزم و مكة و البيت العتيق المعظم و جدي النبي المصطفي و أبي الذي ولايته فرض علي كل مسلم و أمي البتول المستضاء بنورها اذا ما عددناها عديلة مريم و سبطا رسول الله عمي و والدي و أولاده الأطهار تسعة أنجم متي تتعلق منهم بحبل ولاية تفز يوم يجزي الفائزون و تنعم أئمة هذا الخلق بعد نبيهم فان كنت لم تعلم بذلك فاعلم أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمي به الخوف و الأيام بالمرء ترتمي فالمحت بالدار التي أنا كاتب عليها بشعري فاقران شئت و المم و سلم لأمر الله في كل حالة فليس أخو الاسلام من لم يسلم قال ذوالنون فعلمت انه علوي قد تخفي عن السلطة في خلافة هارون، و احتمل المجلسي ان تكون هذه الأبيات للامام الكاظم عليه‌السلام ذهب الي ذلك المكان و كتبها لاتمام الحجة علي أعدائه [67] . و ما نراه ان الامام عليه‌السلام لم يتخف و لم يتهرب من السلطة في يوم من الأيام بل كان في يثرب مقيما ينكر علي هارون و علي غيره من ملوك عصره بكل جرأة و اقدام، و هذا الذي أوصل به الي السجن.

ما قاله العلماء و العظماء في فضائله

أجمع المسلمون علي اختلاف مذاهبهم علي أفضلية أئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و أزكي السلام، و أعلميتهم، و رفعة منزلتهم، و سمو مقامهم و قرب مكانتهم من الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم كما تنافسوا في ذكر الكتابة عنهم و بيان سيرهم، و ذكر أحاديث الرسول صلي الله عليه و اله و سلم فيهم. و لا غرو في ذلك بعد أن قرنهم الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بالقرآن الكريم - كما في حديث الثقلين - و وصفهم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق [ صفحه 39] و هوي... الي كثير من الأحاديث التي له صلي الله عليه و اله و سلم في بيان فضلهم، و التنويه بسمو مقامهم. 1 - قال هارون الرشيد لابنه المأمون: «هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده» [68] . 2 - و قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: هو الامام الكبير القدر، الأوحد، الحجة، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما، المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين (كاظما) و هو المعروف عند أهل العراق ب(باب الحوائج) لأنه ما خاب المتوسل به في قضاء حاجة قط... له كرامات ظاهرة، و مناقب باهرة، انتزع قمة الشرف و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ علاها... [69] . 3 - و قال عبدالله بن أسعد اليانعي: الامام موسي كان صالحا عابدا، جوادا حليما، كبير القدر، و هو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الامامية، و كان يدعي بالعبد الصالح لعبادته و اجتهاده، و كان سخيا كريما، كان يبلغه عن الرجل ما يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار [70] . 4 - و قال خيرالدين الزركلي: موسي بن جعفر الصادق بن الباقر، أبوالحسن، سابع الأئمة الاثني عشر عند الامامية، كان من سادات بني‌هاشم، و من أعبد أهل زمانه و أحد كبار العلماء الأجواد...» [71] . 5 - و قال محمد بن علي بن شهراشوب: «و كان الامام أجل الناس شأنا، و أعلامهم في الدين مكانا، و أسخاهم بنانا، [ صفحه 40] و أفصحهم لسانا، و أشجعهم جنانا، قد خص بشرف الولاية، و حاز ارث النبوة، و تبوأ محل الخلافة، سليل النبوة، و عقيد الخلافة» [72] . 6 - و قال أحمد بن حجر الهيثمي: و موسي الكاظم، هو وارث أبيه علما و معرفة و كمالا و فضلا سمي الكاظم لكثرة تجاوزه و حلمه، و كان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، و كان أعبد أهل زمانه، و أعلمهم و أسخاهم [73] . 7 - و قال الدكتور محمد يوسف موسي: «و نستطيع أن نذكر أن أول من كتب في الفقه هو الامام موسي الكاظم الذي مات سجينا عام 183 ه و كان ما كتبه اجابة عن مسائل وجهت اليه تحت اسم (الحلال و الحرام) [74] . 8 - و قال علي بن عيسي الأربلي: «مناقب الكاظم عليه‌السلام و فضائله و معجزاته الظاهرة، و دلائله و صفاته الباهرة، و مخاتله تشهد أنه افترع قمة الشرف و علاها و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها، و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها: تركت و الحسن تأخذه تصطفي منه و تنتجب فانتقت منه أحاسنه و استزادت فضل ما تهب [75] . 9 - و قال الشيخ سليمان المعروف بخواجة كلان: «موسي الكاظم هو وارث أبيه جعفر بن محمد، علما و معرفة و كمالا و فضلا، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه و حلمه، و كان عند أهل العراق معروفا بباب [ صفحه 41] قضاء الحوائج، و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أسخاهم». [76] . 10 - و قال النسابة أحمد بن علي: «كان موسي الكاظم عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء، لقب بالكاظم لكظمه الغيظ، و حلمه، و كان يخرج في الليل و في كمه صرر من الدراهم فيعطي من لقيه و من أراد بره، و كان يضرب المثل بصرة موسي و كان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة» [77] . هذه بعض الآراء الموجزة التي دونها كبار العلماء و التي تحمل طابع الاكبار و التقدير للامام، و هذه الصفات التي اتصف بها هي السر في عظمته، و السر في اجماع العلماء علي اكباره، و اجماع المسلمين علي محبته. و سوف نوجزها بما يلي: 1 - أحلم الناس و أكظمهم للغيظ، يقابل الجاني عليه بالاحسان اليه. 2 - أعلم أهل زمانه، و أفقههم، يحل مشاكلهم و يساعدهم في قضاء حاجاتهم. 3 - أعبد أهل زمانه اجتهد في العبادة الي حد لا يجاريه أحد. 4 - كان من أجود الناس و أسخاهم و أنداهم كفا، يعطي بيمينه و لا تعرف به شماله، حتي أصبح يضرب به المثل فقالوا: (مثل صرر موسي). 5 - انه من أفصح الناس و أبلغهم، ورث الفصاحة من آبائه و أجداده. 6 - هو باب الحوائج عند الله، قد خصه تعالي بهذه الكرامة و منهحه بهذا اللطف، فضمن لمن توسل به أن يقضي حاجته و لا يرجع من عنده الا و هو مثلوج الفؤاد ناعم البال. 7 - أوصل الناس لأهله و رحمه. 8 - حافل بالتواضع و الورع و الزهد و دماثة الخلق. 9 - امام معصوم من أئمة المسلمين و من حجج الله علي خلقه. [ صفحه 42] هكذا كان الامام الكاظم الامام السابع من الأئمة الاثني عشر المعصومين يعالج بروحه الفواحة بالايمان و التقوي النفوس المريضة التي اترعت بالآفات الاجتماعية و الأنانية.

ادعيته

تميز أئمة أهل البيت عليه‌السلام بمحاسن كثيرة لم يشاركهم فيها غيرهم من الناس، و امتازوا بمكارم اختصوا بها و حدهم من بين الأمة. و الدعاء أحد هذه المميزات الكثيرة، فقد ورد لكل امام منهم عليهم‌السلام أدعية كثيرة جمعها علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم فبلغت مئات المصنفات. فهم أول من أرشدوا الناس علي الطريقة المثلي التي يجب أن يسلكها العبد في خطابه مع الله سبحانه و تعالي، و ما ينبغي أني كون عليه من التوسل و الانقطاع للمولي جل شأنه. و الامام الكاظم انقطع الي الله فكان في جميع أوقاته يلهج بذكر الله تعالي و يدعوه دعاء المنيبين.

فائدة الدعاء

أما عن فائدة الدعاء فقد تحدث عنها بقوله: «عليكم بالدعاء، فان الدعاء لله و الطلب الي الله يرد البلاء و قد قدر و قضي و لم يبق الا امضاؤه، فاذا دعي الله عزوجل سئل صرف البلاء» ثم قال في موضع آخر: «ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيلهمه الله عزوجل الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء وشيكا، و ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا، فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرع الي الله عزوجل» [78] . نعود لنذكر بعض أدعيته عليه‌السلام:

من دعاء له في القنوت

«يا مفزع الفازع، و مأمن الهالع، و مطمع الطامع، و ملجأ الضارع، يا غوث [ صفحه 43] اللهفان، و مأوي الحيوان، و مروي الظمآن، و مشبع الجوعان، و كاسي العريان، و حاضر كل مكان، بلا درك و لا عيان، و لا صفة و لا بطان، عجزت الأفهام، و ضلت الأوهام عن موافقة صفة دابة من الهوام، فضلا عن الأجرام العظام، مما أنشأت حجابا لعظمتك، و أني يتغلغل الي ماوراء ذلك بما لا يرام. تقدست يا قدوس عن الظنون و الحدوس، و أنت الملك القدوس باري‌ء الأجسام و النفوس، و منخر العظام و مميت الأنام، و معيدها بعد الفناء و التطميس، أسألك يا ذا القدرة و العلاء، و العز و الثناء، أن تصلي علي محمد و آله أولي النهي، و المحل الأوفي، و المقام الأعلي، و أن تعجل ما قد تأجل، و تقدم ما تأخر، و تأتي بما قد أوجبت اثباته، و تقرب ما قد تأخر في النفوس الحصرة أوانه، و تكشف البأس و سوء البأس، و عوارض الوسواس الخناس في صدور الناس، و تكفينا ما قد رهقنا، و تصرف عنا ما قدر ركبنا، و تبادر اصطلام الظالمين، و نصر المؤمنين و الادالة من المعاندين، آمين رب العالمين» [79] .

و من دعاء له (1)

«بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم اعطني الهدي و ثبتني عليه، و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا حزن و لا جزع انك أهل التقوي و أهل المغفرة» [80] .

و من دعاء له لوفاء الدين

«اللهم اردد علي جميع خلقك مظالمهم التي قبلي صغيرها و كبيرها في يسر منك و عافية، و ما لم تبلغه قوتي، و لم تسعه ذات يدي، و لم يقو عليه بدني و يقيني و نفسي، فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك، ثم لا تخلف علي منه شيئا تقضيه من حسناتي يا أرحم الراحمين، أشهد أن لا اله الا الله، وحده لا شريك له، و أشهد أن محمد عبده و رسوله» [81] . [ صفحه 44]

و من دعاء له (2)

«يا سابق كل فوت، يا سامعا لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية، و لا تشابه عليك اللغات المختلفة، و لا يشغلك شي‌ء عن شي‌ء، يا من لا يشغله دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شي‌ء من خلقه سمع سامع، و بصر نافذ، يا من لا تغلظه كثرة المسائل و لا يبره الحاح الملحين، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه، يا من سكن العلي، و احتجب عن خلقه بنوره، يا من أشرقت لنوره دجا الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي هو من جميع أركانك، صل علي محمد و أهل بيته» ثم يسأل حاجته [82] .

و من دعاء له (3)

«توكلت علي الحي الذي لا يموت، و تحصنت بذي العزة و الجبروت، و استعنت بذي الكبرياء و الملكوت. مولاي استسلمت اليك فلا تسلمني، و توكلت عليك فلا تخذلني، و لجأت الي ظلك البسيط فلا تطرحني، أنت المطلب، و اليك المهرب، تعلم ما أخفي و ما أعلن و تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، فامسك عني اللهم أيدي الظالمين من الجن و الانس أجمعين، و اشفني يا أرحم الراحمين» [83] .

و من دعاء له عند الحاجة

«يا ألله، أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن ترزقني العلم بما علمتني من معرفة حقك، و أن تبسط علي ما حظرت من رزقك» [84] .

و من أدعيته دعاء علي ظالم له

و هذا دعاء طويل نقدم نصه الكامل ليتضح منه ما قاساه الامام عليه‌السلام من طواغيت زمانه، و قد دعاه في قنوته علي بعض ظالميه من ملوك بني‌العباس المعاصرين له الذين جرعوه أنواع الغصص و الآلام فقال عليه‌السلام: [ صفحه 45] اللهم، اني و فلان ابن فلان، عبدان من عبيدك، نواصينا بيدك تعلم مستقرنا و مستودعنا و منقلبنا، و مثوانا، و سرنا، و علانيتنا، تطلع علي نياتنا، و تحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه و معرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نعلنه، و لا ينطوي عندك شي‌ء من أمورنا، و لا ينسر دونك حال من أحوالنا، و لا لنا منك معقل يحصننا، و لا حرز يحرزنا، و لا مهرب لنا نفوتك به، و لا تمنع الظالم منك حصونه، و لا يجاهدك عنه جنوده، و لا يغالبك مغالب بمنعه، أنت مدركه أينما سلك، و قادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم منا بك و توكل المقهور منا عليك، و رجوعه اليك، يستغيث بك اذا خذله المغيث، و يستصرخك اذا قعد عنه النصير، و يلوذ بك اذا نفته الأقنية، و يطرق بابك اذا أغلقت عنه الأبواب المرتجة و يصل اليك اذا احتجبت عنه الملوك الغفلة، تعلم ما حل به من قبل أن يشكوه اليك، و تعرف ما يصلحه قبل أن يدعوك له، فلك الحمد بصيرا عليما لطيفا. اللهم، و انه قد كان في سابق علمك، و محكم قضائك، و جاري قدرك، و نافذ أمرك، و ماضي مشيئتك في خلقك أجمعين، شقيهم و سعيدهم، و برهم و فاجرهم، ان جعلت «لفلان ابن فلان» علي قدرة فظلمني بها و بغي علي بمكانها، و استطال و تعزز بسلطانه الذي خولته اياه، و تجبر و افتخر بعلو حاله الذي نولته، و غرة املاؤك، و أطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تعمدني بشر ضعفت عن احتماله و لم أقدر علي الاستنصاف منه لضعفي، و لا علي الانتصار لقلتي فوكلت أمره اليك، و توكلت في شأنه عليك، و توعدته بعقوبتك، و حذرته ببطشك، و خوفته بنقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن أخري و لا انزجر عن ثانية بأولي، لكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه، جرأة عليك يا سيدي و مولاي، و تعرضا لسخطك الذي لا تحبسه عن الباغين، فها أنا يا سيدي مستضام تحت سلطانه مستذل بفنائه، مبغي علي، و جل خائف، مروع مقهور قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و تغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت عني الجهات الا جهتك، و التبست علي أموري في دفع مكروهه، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من خلقك، و أسلمني من تعلقت به من عبادك [ صفحه 46] فاستشرت نصحي فأشار علي بالرغبة اليك، و استرشدت دليلي فلم يدلني الا اليك، فرجعت اليك يا مولاي صاغرا راغما مستكينا عالما أنه لا فرج لي الا عندك، و لا خلاص لي الا بك انتجز وعدك في نصرتي و اجابة دعائي، لأن قولك الحق الذي لا يرد و لا يبدل، و قد قلت تباركت و تعاليت، (و من بغي عليه لينصرنه الله) و قلت جل ثناؤك، و تقدست أسماؤك: (ادعوني أستجب لكم) فأنا فاعل ما أمرتني به لا منا عليك، و كيف أمن به و أنت دللتني عليه، فاستجب لي كما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد، و اني لأعلم يا سيدي ان لك يوما تنتقم فيه من الظالم للمظلوم، و أتيقن أن لك وقتا تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب لأنه لا يسبقك معاند، و لا يخرج من قبضتك منابذ، و لا تخاف فوت فائت، و لكن جزعي و هلعي لا يبلغان الصبر علي أناتك، و انتظار حلمك، فقدرتك يا سيدي فوق كل قدرة، و سلطانك غالب كل سلطان، و معاد كل أحد اليك و ان أمهلته، و رجوع كل ظالم اليك و ان انظرته، و قد أضرني - يا سيدي - حلمك عن (فلان) و طول أناتك له، و امهالك اياه، و يكاد القنوط أن يستولي علي لولاء الثقة بك، و اليقين بوعدك، فان كان في قضائك النافذ، و قدرتك الماضية انه ينيب، أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي، و يكف عن مكروهي، و ينتقل عن عظيم ما ركب مني، فصل علي محمد و آله، و أوقع ذلك فيقلبه قبل ازالة نعمتك التي أنعمت بها عليه، و تكدير معروفك الذي صنعته اليه، و ان كان علمك به غير ذلك من مقامه علي ظلمي، فاني أسألكك يا ناصر المظلومين المبغي عليهم اجابة دعوتي، فصل علي محمد و آله و خذه من مأمنه أخذ عزيز مقتدر، و أفجأه في غفلته مفاجأة مليك منتصر، و اسلبه نعمته و سلطانه، و افضض عنه جموعه و أعوانه، و مزق ملكه كل ممزق، و فرق أنصاره كل مفرق، و اعزله من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر و الاحسان، و انزع عنه سربال عزك الذي لم يجزه بالاحسان، و اقصمه يا قاصم الجبابرة، و اهلكه يا مهلك القرون الخالية، و ابره يا مبير الأمم الظالمة، و اخذله يا خاذل الفرق الباغية، و ابتر عمره، و ابتز ملكه، و اعف أثره، و اقطع خبره، و اطف ناره، و اظلم دياره، و كور شمسه، و ازهق نفسه، و اهشم سوقه، وجب سنامه، و ارغم أنفه و عجل حتفه، و لا تدع له جنة الا هلكتها، و لا دعامة الا قصمتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا قائمة علو الا وضعتها و لا ركنا الا [ صفحه 47] وهنته، و لا سببا الا قطعته، و أرنا أنصاره و جنوده عبيدا بعد العزة، و اجعلهم متفرقين بعد اجتماع الكلمة و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الأمة، و اشف بزوال أمره القلوب الوجلة، و الأفئدة اللهيفة، و الأمة المتحيرة، و و البرية الضابعة، و اظهر بزواله الحدود المعطلة، و السنن الداثرة، و الأحكام المهملة و المعالم المتغيرة، و الآيات المحرفة، و المدارس المهجورة، و المحاريب المجفوة، و المشاهد المهدومة، و اشبع به الخماص السابغة، وارو به اللهوات اللاغبة، و الأكباد الضامية، و أرح به الأقدام المتعبة و اطرقه ببلية لا أخت لها، و بساعة لا مثوي فيها، و بنكبة لا انتعاش معها، و بعثرة لا اقالة منها، و أبح حريمه، و نغص نعيمه، و أره بطشتك الكبري، و نقمتك المثلي، و قدرتك التي هي فوق قدرته، و سلطانك الذي هو أعز من سلطانه، و أغلبه لي بقوتك القوية، و محالك الشديد، و امنعني منه بمنعك، و ابتله بفقر لا يجبره، و بسوء لا يستره، و كله الي نفسه فيما تريد، انك فعال لما تريد، و ابره من حولك و قوتك، و كله الي حوله و قوته، و أزل مكره بمكرك، و ادفع مشيئته بمشيئتك، و اسقم جسده، و ايتم ولده، و نقص أجله، و خيب أمله، و أزل دولته، و أطل عولته، و اجعل شغله في بدنه، و لا تفكه من حزنه و صير كيده في ضلال، و أمره الي زوال و نعمته الي انتقال وجده في سفال، و سلطانه في اضمحلال، و عاقبته الي شر مآل، و أمته بغيظه ان أمته، و ابقه بحسرته ان ابقيته، وقني شره و همزه و لمزه و سطوته و عداوته، و المحه لمحة تدمر بها عليه، فانك أشد بأسا و أشد تنكيلا..» [85] .

استجابة دعاء الامام الكاظم

عاش أهل البيت عليهم‌السلام مظلومين مضطهدين طيلة الحكم الأموي الغاشم و لما انتقل الحكم الي العباسيين باسم العلويين حسب الناس أن الحكم العباسي سوف يخفف عنهم الوطأة، و يرفع عنهم الحيف. و لما جاءت رايات أبي‌مسلم الخراساني بانتصار العلويين، و للأخذ بثأرهم و ظلامتهم، أصبح الأمر معكوسا، فاذا بالعباسيين يظلمون و ينكلون بأئمة أهل البيت، و يتتبعونهم قتلا و سجنا و تشريدا حتي كانت مدة ملكهم أشد قسوة من بني [ صفحه 48] أمية. فقال أحد الشعراء: تالله ما فعلت علوج أمية معشار ما فعلت بنوالعباس و قال آخر: يا ليت ظلم بني‌أمية دام لنا و ليت عدل بني‌العباس في النار و لم يلجأ أئمة أهل البيت الي الدعاء علي ظالميهم الا عندما يبلغ الظلم منتهاه، و الجور غايته، و يطفح الكيل... و جاء في كتاب عيسي بن جعفر للرشيد: «لقد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي، و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طوال هذه المدة، فما وجدته يفتر عن العبادة، و وضعت من يسمع منه ما يقوله في دعائه، فما دعا عليك و لا علي، و لا ذكرنا بسوء و ما يدعو لنفسه الا بالمغفرة و الرحمة..» [86] . اذا عرفنا هذا منه صلوات الله و سلامه عليه، نقدر شدة الظروف التي مرت عليه فاضطرته للدعاء علي ظالميه. و سوف نذكر بعض ما ورد من استجابة دعائه عليه‌السلام: 1 - قال عبدالله بن صالح: حدثنا صاحب الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي، مع بعض جواربي، فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الهواء، فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح و اذا مسرور الكبير قد دخل علي، فقال: أجب الرشيد، و لم يسلم علي، فيئست من نفسي، و قلت: هذا مسرور، و يدخل بلا اذن و لم يسلم، ما هو الا القتل؛ فقالت الجارية لما رأت تحيري: ثق بالله عزوجل و انهض، فنهضت و لبست ثيابي، و خرجت معه حتي أتيت الدار، فسلمت علي أميرالمؤمنين و هو في مرقده، علي السلام فسقطت. فقال: تداخلك رعب! قلت: نعم يا أميرالمؤمنين. فتركني ساعة حتي سكنت ثم قال: صر الي حسبنا فاخرج موسي بن جعفر بن [ صفحه 49] محمد، و ادفع اليه ثلاثين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و احمله علي ثلاثة مراكب، و خيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا الي أي بلاد أحب. فقلت له: يا أميرالمؤمنين: تأمر باطلاق موسي بن جعفر؟! قال: نعم. فكررت ثلاث مرات. قال: نعم. ويلك! أتريد أن انكث العهد؟! فقلت: يا أميرالمؤمنين: و ما العهد؟! قال: بينا أنا في مرقدي هذا اذ ساورني أسد، ما رأيت من الأسود أعظم منه، فقعد علي صدري و قبض علي حلقي، و قال لي: حبست موسي بن جعفر ظالما له. فقلت: و أنا أطلقه، و أهب له، و أخلع عليه، فأخذ علي عهد الله عزوجل و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي أن تخرج فقال: فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو في حبسه، فرأيته قائما يصلي، فجلست حتي سلم، ثم أبلغته سلام أميرالمؤمنين و أعلمته بالذي أمرني به في أمره، و اني قد احضرت ما وصله به. فقال: ان كنت أمرت بشي‌ء غير هذا فافعله. فقلت: لا و حق جدك رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ما أمرت الا بهذا. فقال: لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال اذا كانت فيه حقوق الأمة. فقلت: ناشدتك الله أن لا ترده فيغتاظ. فقال: اعمل به ما أحببت. و أخذت بيده عليه‌السلام و أخرجته من السجن، ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني ما السبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل فقد وجب حتي عليك لبشارتي اياك، و لما أجراه الله تعالي من هذا الأمر؟ فقال عليه‌السلام: رأيت النبي صلي الله عليه و اله و سلم ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم. فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم. [ صفحه 50] فكرر علي ثلاثا، ثم قال: «لعله فتنة لكم و متاع الي حين». أصبح غدا صائما، و اتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة: الحمد و اثنتي عشرة: قل هو الله أحد. فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد، ثم قال: «يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت و يا محي العظام و هي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك، و علي أهل بيته الطاهرين و ان تعجل لي الفرج مما أنا فيه». ففعلت فكان الذي رأيت [87] . 2 - و نقل صاحب كتاب نثر الدرر: ان موسي بن جعفر الكاظم ذكر له، أن الهادي قد هم بك، قال لأهل بيته و من يليه: ما تشيرون به علي من الرأي؟ فقالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك عنه، فانه لا يؤمن عليك من شره. فتبسم ثم قال: زعمت سخينة ان ستغلب ربها و ليغلبن مغالب الغلاب ثم رفع يده الي السماء فقال: «الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، و أرهف لي شبا حده، و داف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن ملمات الحوائج، صرفت ذلك عني بحولك و قوتك لا بحولي و قوتي، و ألقيته في الحفيرة التي احتفرها لي خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا عما يرجوه في أخرآه فلك الحمد علي قدر ما عممتني فيه نعمك، و ما توليتني من جودك و كرمك. اللهم فخذه بقوتك، و افلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا به عما ينويه. اللهم و اعدني عليه عدوة حاضرة تكون من غيظي شفاءا، و من حنقي عليه وفاءا، و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت به من الاجابة لعبيدك المضطرين انك ذو الفضل العظيم، و المن الجسيم». ثم ان أهل‌بيته انصرفوا عنه، فلما كان بعد مدة يسيرة اجتمعوا لقراءة الكتاب الوارد علي موسي الكاظم بموت الهادي، و في ذلك يقول بعضهم: [ صفحه 51] و سارية لم تسر في الأرض تبغي محلا و لم يقطع بها الأرض قاطع 3 - و روي الكليني عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن‌أبي‌عمير قال: حدثني أبوجعفر الشامي قال: حدثني رجل بالشام يقال له: هلقام قال: أتيت أباابراهيم عليه‌السلام فقلت له: جعلت فداك علمني دعاء جامعا للدنيا و الآخرة و أوجز، فقال: قل في دبر الفجر الي أن تطلع الشمس: «سبحان الله العظيم و بحمده أستغفر الله و أسأله من فضله». قال هلقام: لقد كنت من أسوء أهل‌بيتي حالا فما علمت حتي أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أن بيني و بينه قرابة و اني اليوم من أيسر أهل‌بيتي و ما ذلك الا بما علمني مولاي العبد الصالح عليه‌السلام» [88] . 4 - و من دعائه عليه‌السلام عندما كان محبوسا يقلب خديه علي التراب: «يا مذل كل جبار و معز كل ذليل و حقك بلغ مجهودي، فصل علي محمد و آل محمد و فرج عني» [89] . 5 - و قال داود بن زربي: سمعت أباالحسن الأول عليه‌السلام يقول: اللهم اني أسألك العافية، و أسألك جميل العافية، و أسألك شكر العافية، و أسألك شكر شكر العافية. و كان النبي صلي الله عليه و اله و سلم يدعو و يقول: أسألك تمام العافية ثم قال: تمام العافية الفوز بالجنة، و النجاة من النار» [90] . و لا ريب أن الدعاء من قلب العبد الصالح المؤمن، التقي، الورع يستجاب من الله العزيز القدير. و جاء ذلك في القرآن الكريم: (و قال ربكم ادعوني استجب لكم) [91] . [ صفحه 52]

ادعية الأسبوع

اشاره

روي الشيخ الطوسي، قدس الله سره، باسناده عن أبي‌الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام:

دعاء يوم الجمعة

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين أكتبا: بسم الله، أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أن الاسلام كما وصف، و الدين كما شرع، و ان الكتاب كما أنزل، و القول كما حدث، و ان الله هو الحق المبين، و صلوات الله و بركاته و شرايف تحياته و سلامه علي محمد و آله؛ أصبحت في أمان الله الذي لا يستباح، و في ذمة الله التي لا تخفر و في جوار الله الذي لا يضام، و كنفه الذي لا يرام، و جار الله آمن محفوظ، ما شاء الله، كل نعمة فمن الله الله، ما شاء الله، لا يأتي الخير الا الله ما شاء الله، نعم القادر الله ما شاء الله، توكلت علي الله، أشهد أن لا آله الا الله، وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير و هو علي كل شي‌ء قدير، اللهم اغفر لي كل ذنب يحبس رزقي، و يحجب مسألتي، أو يقصر بي عن بلوغ مسألتي، أو يصد بوجهلك الكريم عني. اللهم اغفر لي، و ارزقني، و ارحمني، و اجبرني، و عافني، و اعف عني، و ارفعني، و اهدني، و انصرني، و الق قلبي الصبر و النصر يا مالك الملك، فانه لا يملك ذلك غيرك. اللهم و ما كتبت علي من خير فوفقني و اهدني له، و من علي به، و أعني و ثبتني عليه، و اجعله أحب الي من غيره، و أثر عندي مما سواه، و زدني من [ صفحه 53] فضلك. اللهم اني أسألك رضوانك و الجنة، و أعوذ بك من سخطك و النار، و أسألك النصيب الأوفر في جنات النعيم. اللهم طهر لساني من الكذب، و قلبي من النفاق، و عملي من الرياء و بصري من الخيانة، فانك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي اللهم ان كنت عندك محروما مقترا علي رزقي فامح حرماني و تقتير رزقي، و اكتبني عندك مرزوقا موفقا للخيرات، فانك قلت تباركت و تعاليت (يمحو الله ما يشاء و يثبت ما يشاء و عنده أم الكتاب) صلي الله علي محمد و آله انك حميد مجيد.

دعاء يوم السبت

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين؛ اكتبا بسم الله، أشهد أن لا آله الا الله، و أشهد أن محمد عبده و رسوله، و أشهد أن الاسلام كما وصف، و ان الدين كما شرع، و ان الكتاب كما أنزل، و القول كما حدث، و ان الله هو الحق المبين، و صلوات الله و سلامه علي محمد و آله أصبحت. اللهم في امانك اسلمت اليك نفسي، و وجهت اليك وجهي، و فوضت اليك أمري، و ألجأت اليك ظهري، رهبة منك، و رغبة اليك، لا ملجأ و لا منجي منك الا اليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، و رسولك الذي أرسلت. اللهم اني فقير اليك فارزقني بغير حساب، انك ترزق من تشاء بغير حساب. اللهم اني أسألك الطيبات من الرزق، و ترك المنكرات و حب المساكين، و ان تتوب علي. اللهم اني أسألك بكرامتك التي أنت أهلها أن تتجاوز عن سوء ما عندي بحسن ما عندك يا الله، و ان تعطيني من جزيل عطائك أفضل ما أعطيته أحدا من عبادك. اللهم اني أعوذ بك من مال يكون علي فتنة، و من ولد يكون لي عدوا. اللهم قد تري مكاني، و تسمع ندائي و كلامي، و تعلم حاجتي، أسألك بجميع أسمائك أن تقضي لي كل حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة. اللهم اني أدعوك دعاء عبد ضعفت قوته، و اشتدت فاقته، و عظم جرمه و قل [ صفحه 54] عدده، و ضعف عمله، دعاء من لا يجد لفاقته سادا غيرك، و لا لضعفه عونا سواك، أسألك جوامع الخير و خواتمه و سوابقه و فوائده و جميع ذلك بدوام فضلك و احسانك، و يمنك و رحمتك، فارحمني و اعتقني من النار. يا من كبس الأرض علي الماء، يا من سمك السماء في الهواء، و يا واحدا قبل كل أحد، و يا واحدا بعد كل شي‌ء، و يا من لا يعلم و لا يدري كيف هو الا هو، و يا من لا يقدر قدرته الا هو، و يا من كل يوم هو في شأن، يا من لا يشغله شأن عن شأن، و يا غوث المستغيثين، و يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطرين، و يا رحمان الدنيا و الآخرة و رحيمهما. رب ارحمني رحمة لا تضلني لا تشقني بعدها أبدا، أنت حميد مجيد و صلي الله علي محمد و آله و سلم.

دعاء يوم الأحد

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين، اكتبا: باسم الله، أشهد أن لا آله الا الله وحده لا شريك له، و اشهد أن محمدا عبده و رسوله، و ان الاسلام كما وصف، و الدين كما شرع، و ان الكتاب كما أنزل، و القول كما حدث و ان الله هو الحق المبين حيا الله محمدا بالسلام، و صلي عليه كما هو أهله و علي آله، أصبحت و أصبح الملك و الكبرياء و العظمة و الخلق و الأمر و الليل و النهار و ما يكون فيهما لله وحده لا شريك له. اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا، و أوسطه نجاحا و آخره فلاحا و اسألك خير الدنيا و الآخرة. اللهم لا تدع لي ذنبا الا غفرته، و لا هما الا فرجته، و لا دينا الا قضيته، و لا غائبا الا حفظته، و أديته، و لا مريضا الا شفيته، و عافيته، و لا حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة لك فيها رضي ولي فيها صلاح الا قضيتها. اللهم تم نورك فهديت، و عظم حلمك فعفوت، و بسطت يدك فأعطيت، فلك الحمد؛ وجهك خير الوجوه، و عطيتك أنفع العطية، فلك الحمد تطاع ربنا فتشكر، و تعصي ربنا فتغفر، تجيب المضطر و تكشف الضر، و تشفي السقم، و تنجي من الكرب العظيم؛ لا تجزي بآلائك، و لا يحصي نعمائك أحد، رحمتك وسعت كل [ صفحه 55] شي‌ء فارحمني، و من الخيرات فارزقني. تقبل صلاتي، و اسمع دعائي، و لا تعرض عني يا مولاي حين أدعوك، و لا تحرمني آلهي حين أسألك من أجل خطاياي؛ آلهي لا تحرمني لقاءك، و اجعل محبتي و ارادتي محبتك و ارادتك، و اكفني هول المطلع. اللهم اني أسألك ايمانا لا يرتد، و نعيما لا ينفذ، و مرافقة محمد صلي الله عليه و اله و سلم في أعلي جنة الخلد. اللهم و أسألك العفاف و التقي، و العمل بما تحب و ترضي، و الرضا بالقضاء و النظر الي وجهك. اللهم لقني حجتي عند الممات، و لا ترني عملي حسرات. اللهم اكفني طلب ما لم تقدر لي من الرزق، و ما قسمت لي فاتني به يا الله في يسر منك و عافية. اللهم اني أسألك توبة نصوحا تقبلها مني، تبقي علي بركتها و تغفر بها ما مضي من ذنوبي و تعصمني بها فيما مضي من عمري يا أهل التقوي و أهل المغفرة، و صلي الله علي محمد و آل محمد انك حميد مجيد.

دعاء يوم الاثنين

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين، اكتبا: بسم الله، أشهد أن لا آله الا الله، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أن الاسلام كما وصف، و أن الدين كما شرع، و ان القول كما حدث، و ان الكتاب كما أنزل، و أن الله هو الحق المبين، حيا الله محمدا بالسلام، و صلي عليه و علي آله. اللهم ما أصبحت فيه من عافية في ديني و دنياي فأنت الذي أعطيتني و رزقتني و وفقتني له و سترتني، و لا حمد لي يا آلهي في ما كان مني من خير، و لا عذر لي منه. اللهم انه لا حول و لا قوة لي علي جميع ذلك الا بك، يا من بلغ أهل الخير و أعانهم عليه بلغني الخير و أعني عليه. اللهم أحسن عاقبتي في الأمور كلها، و أجرني من مواقف الخزي في الدنيا [ صفحه 56] و الآخرة، انك علي كل شي‌ء قدير. اللهم اني أسألك موجبات رحمتك و عزائم مغفرتك، و أسألك الغنيمة من كل بر و السلامة من كل اثم، و أسألك الفوز بالجنة، و النجاة من النار. اللهم رضني بقضائك حتي لا أحب تعجيل ما أخرت، و لا تأخير ما عجلت علي. اللهم اعطني ما أحببت و اجعله خيرا لي. اللهم ما انسيتني فلا تنسني ذكرك و ما أحببت فلا أحب معصيتك. اللهم امكر لي و لا تمكر علي، و اعني و لا تعن علي، و انصرني و لا تنصر علي، و اهدني و يسر لي الهدي، و اعني علي من ظلمني حتي أبلغ فيه ثأري. اللهم اجعلني لك شاكرا ذاكرا لك، محبا لك، راهبا، و اختم لي منك بخير. اللهم اني أسألك بعلمك الغيب و قدرتك علي الخلق ان تحيني ما كانت الحياة خيرا لي، و ان تتوفاني اذا كانت الوفاة خيرا لي، و أسألك خشيتك في السر و العلانية، و العدل في الرضي و الغضب، و القصد في الغني و الفقر، و أن تحبب الي لقاءك في غير ضراء مضرة، و لا فتنة مضلة، و اختم لي بما ختمت به لعبادك الصاحين انك حميد مجيد.

دعاء يوم الثلاثاء

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين، اكتبا: باسم الله، أشهد أن لا آله الا الله، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أن الاسلام كما وصف، و الدين كما شرع، و أن الكتاب كما أنزل، و القول كما حدث، و أن الله هو الحق المبين حيا الله محمدا بالسلام، و صلي عليه و آله؛ و أصبحت أسألك يا الله و العافية في ديني و دنياي و آخرتي و أهلي و مالي و ولدي. اللهم استر عوراتي و أجب دعواتي، و احفظني من بين يدي و من خلفي و عن يميني و عن شمالي. اللهم ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني، و ان تضعني فمن ذا الذي يرفعني. [ صفحه 57] اللهم لا تجعلني للبلاء عرضا، و لا للفتنة نصبا، و لا تتبعني ببلاء علي اثر بلاء، فقد تري ضعفي و قلة حيلتي و تضرعي، أعوذ بك من جميع غضبك فأعذني، و استجير بك فأعني، و أتوكل عليك فاكفني، و استهديك فاهدني، و استعصمك فاعصمني، و استغفرك فاغفر لي، و استرحمك فارحمني، و استرزقك فارزقني؛ سبحانك من ذا يعلم ما أنت و لا يخافك، و من يعرف قدرتك و لا يهابك، سبحانك ربنا. اللهم اني أسألك ايمانا دائما، و قلبا خاشعا، و علما نافعا و يقينا صادقا، و اسألك دينا قيما، و أسألك رزقا واسعا. اللهم لا تقطع رجاءنا، و لا تخيب دعاءنا، و لا تجهد بلاءنا، و أسألك العافية و الشكر علي العافية، و أسألك الغني عن الناس أجمعين يا أرحم الراحمين، و يا منتهي همة الراغبين و المفرج عن المغمومين، و يا من اذا أراد شيئا فحسبه أن يقول له كن فيكون. اللهم ان كل شي‌ء لك، و كل شي‌ء بيدك، و كل شي‌ء اليك يصير، و أنت علي كل شي‌ء قدير؛ لا مانع لما أعطيت، و لا معطي لما منعت، و لا ميسر لما عسرت، و لا معقب لما حكمت، و لا ينفع ذا الجد منك الجد، و لا قوة الا بك، ما شئت كان، و ما لم تشأ لم يكن. اللهم فما قصر عنه عملي رأيي، و لم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك، و خير أنت معطيه أحدا من خلقك، فاني أسألك و أرغب اليك فيه يا أرحم الراحمين. اللهم صل علي محمد و آله انك حميد مجيد.

دعاء يوم الأربعاء

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين، اكتبا بسم الله أشهد أن لا آله الا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و أشهد أن الاسلام كما وصف و الدين كما شرع و ان الكتاب كما أنزل و القول كما حدث و أن الله هو الحق المبين حيا الله محمدا بالسلام و صلي عليه و علي آله. [ صفحه 58] اللهم اجعلني من أفضل عبادك نصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم، من نور تهدي به، أو رزق تبسطه، أو ضر تكشفه، أو بلاء تصرفه، أو شر تدفعه، أو رحمة تنشرها، أو معصية تصرفها. اللهم اغفر لي ما قد سلف من ذنوبي، و اعصمني فيما بقي من عمري، و ارزقني عمل ترضي به عني. اللهم اني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في شي‌ء من كتبك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أعلمته أحدا من خلقك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، و شفاء صدري، و نور بصري، و ذهاب همي و حزني فانه لا حول و لا قوة الا بك. اللهم رب الأرواح الفانية، و رب الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح البالغة الي عروجها، و بطاعة القبور المشتقة عن أهلها، و بدعوتك الصادقة فيهم، و أخذك الحق بينهم و بين الخلائق مثلا ينطقون من مخافتك، يرجون رحمتك، و يخافون عذابك، أسألك النور في بصري، و اليقين في قلبي، و الاخلاص في عملي، و ذكرك علي لساني أبدا ما أبقيتني. اللهم ما فتحت لي من باب طاعة فلا تغلقه عني أبدا، و ما أغلقت عني من باب معصية فلا تفتحه علي أبدا. اللهم ارزقني حلاوة الايمان، و طعم المغفرة، و لذة الاسلام، و برد العيش بعد الموت، انه لا يملك ذلك غيرك. اللهم اني أعوذ بك أن أضل أو أذل أو أظلم أو آمر أو أجهل أو يجهل علي، أو أجور أو يجار علي، اخرجني من الدنيا مغفورا لي ذنبي، و مقبولا عملي، و اعطني كتابي بيميني، و احشرني في زمرة النبي محمد و آله.

دعاء يوم الخميس

مرحبا بخلق الله الجديد و بكما من كاتبين و شاهدين، اكتبا: بسم الله أشهد أن لا آله الا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، و أشهد أن الاسلام كما وصف، و أن [ صفحه 59] الدين كما شرع، و ان القول كما حدث، و الكتاب كما أنزل، و أن الله هو الحق المبين، حبا الله محمدا بالسلام، و صلي عليه و علي آله. أصبحت أعوذ بوجه الله الكريم، و اسمه العظيم، و كلماته التامة، من شر السامة، و الهامة، و العين اللامة، و من شر ما خلق و ذرأ و برأ، و من شر كل دابة ربي أخذ بناصيتها، ان ربي علي صراط مستقيم. اللهم اني أعوذ بك من جميع خلقك، و أتوكل عليك في جميع أموري، فاحفظني من بين يدي و من خلفي و من فوقي و من تحتي و لا تكلني في حوائجي الي عبد من عبادك فيخذلني، أنت مولاي و سيدي فلا تخيبني من رحمتك. اللهم اني أعوذ بك من زوال نعمتك، و تحويل عافيتك، استعنت بحول الله و قوته من حول خلقه و قوتهم، و أعوذ برب الفلق من شر ما خلق، حسبي الله و نعم الوكيل. اللهم أعزني بطاعتك، و أذل أعدائي بمعصيتك، و اقصمهم يا قاصم كل جبار عنيد، يا من لا يخيب من دعاه و يا من اذا توكل العبد عليه كفاه، اكفني كل مهم من أمر الدنيا و الآخرة. اللهم اني أسألك عمل الخائفين، و خوف العاملين و خشوع العابدين، و عبادة المتقين، و اخبات المؤمنين، و انابة المخبين، و توكل الموقنين، و يسر المتوكلين، و الحقنا بالأحياء المرزوقين، و ادخلنا الجنة، و اعتقنا من النار، و اصلح لنا شأننا كله. اللهم اني أسألك ايمانا صادقا يا من يملك حوائج السائلين، و يعلم ضمير الصامتين، انك بكل خير عليم غير معلم ان تقضي لي حوائجي، و ان تغفر لي و لوالدي و لجميع المؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، الأحياء منهم و الأموات، و صلي الله علي سيدنا محمد و آله انك حميد مجيد [92] .

قيمة الدعاء

و الدعاء باب كبير يستحق الدراسة بعناية خاصة من جميع جوانبه: الأدبية و الاجتماعية و النفسية و الدينية و الأخلاقية.. [ صفحه 60] و الدعاء راحة للنفس فيه اعتزاز و كبرياء و اخلاص، لأن الداعي يدعو رب العالمين، و فاطر السماوات و الأرض و رب العرش العظيم و هل أعظم و أرفع و أفضل و أنبل من الله عزوجل، الرحمان الرحيم، الذي يقول للشي‌ء كن فيكون.؟! ألم يخلق الانسان بأحسن تقويم، و خلق له جميع ما في الدنيا من الطيبات الا يحق له أن يسبحه في كل أوان، و يدعوه عند اشتداد البلايا و الأحزان؟ فالدعاء يصبح ذوب أنفاس أفعمت بحب الخالق، و فيض أرواح تقطعت في سبيل العشق الآلهي، و هو ابتهالات تأخذ بمجامع القلوب و نبضات الجوارح، و اطلالة شوق الي عالم القدسية و الطهارة. و الدعاء هو الذي ينمي في روح الانسان الصلة الروحية بالله حيث يشعر الداعي بان الله عزوجل قريب منه و قريب من آلامه، و حلال لمشاكله، و ملبي حاجاته، فيدعو ربه ليفتح عليه أبواب رحمته، و ليخفف عنه ما ثقل عليه من ذلك، و يقضي له ما صعب حله، و بعدها يأتيه الفرج، و يدخل الي قلبه الفرح. يقول الامام الكاظم: «... يا رحيما بكل مسترحم، و يا رؤوفا بكل مسكين، و يا أقرب من دعي و أسرعه اجابة، و يا مفرجا عن كل ملهوف، و يا خير من طلب منه الخير و أسرعه عطاء و نجاحا، و أحسنه عطفا و تفضلا» و الدعاء هو الفناء في الله جل و علا حيث تعقبه حياة أبدية، و الرحيل اليه بشوق يبعث حرارة الشعور و صدق العاطفة، و نبل الأحاسيس، و شفافية الروح الي من اليه ترجع الأمور. و الدعاء أيضا هو نموذج لنقاء السريرة، و اخلاص القلوب، و صفاء الرؤي، يقول الامام الكاظم: «السر عندك علانية، و الغيب عندك شهادة، تعلم و هو القلوب، و رجم الغيوب، و رجع الألسن، و خائنة الأعين، و ما تخفي الصدور و أنت رجاؤنا عند كل شدة، و غياثنا عند كل محل، و سيدنا في كل كريهة، و ناصرنا عند كل ظلم، و قوتنا عند كل ضعف، و بلاغنا في كل عجز؛ كم من كريهة و شدة ضعفت فيها القوة، [ صفحه 61] و قلت فيها الحيلة، أسلمنا فيها الرفيق و خذلنا فيها الشفيق، انزلتها بك يا رب و لم نرج غيرك، ففرجتها و خففت ثقلها، و كشفت غمرتها، و كفيتنا اياها عمن سواك، و لا يخفي علي الأدباء أن أدعية الامام الكاظم عليه‌السلام كأدعية جده الامام زين‌العابدين عليه‌السلام [93] جاءت محببة الي النفوس بما انطوت عليه من فنون البلاغة و الفصاحة، و جمال الاسلوب، و سعة العرض، و حسن التعبير، و هي خير منهل يغرف منه طلاب الأدب و البلاغة و الفصاحة و البيان و صناعة الكتابة. و هذه الأدعية عند الأئمة المعصومين يمكن أن تعطي أطروحة دراسات عليا بعنوان: الفن الأدبي في الدعاء، أو أدب الدعاء عند أهل البيت عليهم‌السلام أو قيمة الدعاء و أثره في الأدب العربي.

الامامة

اشارة

الذي دفعني الي الحديث عن الامامة هو سؤال بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب قوله: لماذا الشيعة يعظمون دور الامامة أكثر مما تستحق؟ و ما هو دور الامام بعد وفاة النبي صلي الله عليه و اله و سلم؟ قبل الجواب علي هذا السؤال أري من الغريب جدا ما يدعيه غير الشيعة من أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم رحل من هذه الدنيا و لم يوص الي أحد من بعده ليقوم مقامه، و يتحمل مسؤولية تنفيذ الدعوة الاسلامية، فترك الأمة بلا امام يدير شؤونها، و يجمع شملها، و يوضح السنن، و يقوم الأعوجاج، و يقيم الحدود، و يرشد الضالين عن الخط الاسلامي الصحيح؟!! و ما هو ثابت عند المؤرخين و كتاب السنن أنه صلي الله عليه و اله و سلم كان يستخلف علي المدينة اذا أراد سفرا، و لا يرسل جيشا في مهمة حتي يعين له قائدا، و ربما عين لبعض جيوشه أكثر من قائد [94] . [ صفحه 62] و من المؤسف انه عندما يريدون تنزيه شخص أو جماعة يخلقون أفضل المبررات في نظرهم، و يعتذرون عنهم بأحسن الأعذار. من ذلك ابتدع معاوية فرقة القصاصين الذين يشيدون بمآثره، و يعيبون علي علي و أنصاره. ثم اخترع فرقة المرجئة الذين يرجئون معايب و نقائص الخليفة الي يوم الحساب، و يعفي من محاسبة الجماعة له ان ظلم أو أخطأ. كما نسب الي الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و الي الله سبحانه و تعالي ما لم ينزل به سلطان. كل ذلك من أجل تصحيح عمل قام به السلف، أو من أجل مصالح دنيوية ضيقة، و قد نسوا أو تناسوا قول الله تعالي: (... أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [95] . ولو أنصف الناس الامام علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام لاكتفوا بنص الغدير وحده دون غيره من النصوص الكثيرة، فقد شهد بيعة يوم الغدير جل المسلمين، و شاهدوا المراسيم التي اجراها الرسول صلي الله عليه و اله و سلم في ذلك اليوم التاريخي و من العجيب كيف نسيت الأمة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم ذلك اليوم، هذا و العهد قريب، و الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بعد لم يدفن و الشهود الكثر حضور. و لا أريد أن أخوض في هذا الحديث المؤلم الذي دب الاختلاف بين المسلمين و فرقهم فرقا و شيعا. و لا يخفي علي كل ذي بصر ان الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم، و كذلك أولاده عليهم الصلاة و السلام [96] . و قد التزم الأئمة عليهم‌السلام في نص بعضهم علي بعض، السابق منهم علي اللاحق، و الوالد علي ولده، اقامة للحجة، و اعذارا للأمة. و هنا أحد النصوص الكثيرة في حق الامام موسي الكاظم عليه‌السلام من قبل أبيه الصادق عليه‌السلام: قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام يقول: سمعت أبي‌جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول لجماعة من خاصته و أصحابه: [ صفحه 63] استوصوا يا بني موسي خيرا، فانه أفضل ولدي، و من أخلفه من بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجة لله تعالي علي كافة خلقه من بعدي» [97] . و الامام موسي عليه‌السلام بلغ أعلي مستويات الانسانية و قيمها في مواهبه و عبقرياته، فكان عنوانا فذا من أفذاذ العقل الانساني، و مثلا رائعا من أمثلة الخير و الكمال في الأرض؛ و ذلك لما أثر عنه من الفضائل و المآثر كدماثة الأخلاق، و الاحسان الي الناس، و الصمود أمام الأحداث، و سعة العلم، و نبل الحلم، الي غير ذلك من النزعات الكريمة التي يقدسها كل انسان يقدر المثل العليا، و يؤمن بالانسانية الكريمة؛ و قد منحه الله تعالي الامامة، و خصه بالنيابة العامة من جده الرسول الأعظم، فهو أحد أوصيائه المعصومين، و أحد خلفائه علي أمته. و الامامة حسب مفهوم الشيعة، كالنبوة لا يمنحها الله الا للذوات الخيرة التي طهرت من الأرجاس و الآثام. و هي من أسمي المناصب الآلهية لا يتوج بها الا أفضل الخلق و أكرمهم عند الله. و هنا لابد من توضيح معني الامامة.

معني الامامة

الامام لفظا

يقال للطريق الواسع الواضح، و لدليل المسافرين، و لحادي الابل، و القدر الذي يتعلمه التلميذ كل يوم في المدرسة يقال: حفظ الصبي امامه. و القرآن للمسلمين جاء في التنزيل: (و كل شي‌ء أحصيناه في امام مبين) [98] [99] .

و الامامة اصطلاحا

«رئاسة عامة في أمور الدين و الدنيا لشخص انساني» و الامام حسب هذا التحديد هو الزعيم العام و الرئيس المتبع الذي له السلطة الشاملة علي جميع شؤون الناس الدينية و الدنيوية فالنبي صلي الله عليه و اله و سلم أولي بالمؤمنين من [ صفحه 64] أنفسهم فكذلك الامام حسب ما نص عليه النبي صلي الله عليه و اله و سلم في خطابه بغديرخم حينما نصب الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام خليفة و اماما علي المسلمين من بعده.

حاجة الأمة الي الامامة

الامامة أصل من أصول التشريع الاسلامي، اتفق المسلمون علي ضرورتها، لأن الشريعة الاسلامية مجموعة من الأحكام و القواعد فيها الحدود و العقوبات، و فيها الحكم بما أنزل الله، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و فيها الجهاد في سبيل الله، و الدفاع عن حياض الدين، و الارث و الزواج و كل ما يتعلق بتنظيم الحياة الدنيوية و الدينية تنظيما سليما مباركا يعود بالفائدة علي الفرد و المجتمع جاء في السياسة الشرعية لابن‌تيمية: «ان ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين الا بها، و لأن الله أوجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و نصرة المظلوم و كذلك سائر ما أوجبه الله من الجهاد و العدل، و اقامة الحدود، و لا تتم الا بالقوة و الامارة..» [100] . فلابد لوجود المسلمين السياسي و الديني و الاجتماعي من امام يسوس أمرهم و يعالج قضاياهم علي ضوء كتاب الله، و سنة نبيه المصطفي صلي الله عليه و اله و سلم، و يسير فيهم سيرة حسنة قوامها العدل الخالص، و اظهار الحق و ارجاعه الي مستحقه. و بذلك تصبح الامامة ضرورة من ضروريات الحياة الاسلامية لا يمكن الاستغناء عنها، فبها تتحقق العدالة الكبري التي ينشدها الله في الأرض عن طريق الأئمة العلماء. و من هنا كان القول المأثور: العلماء ورثة الأنبياء. و من الأمور الضرورية الداعية الي قيام الأمامة: ايصال الناس الي معرفة الله و طاعته، و ارشاد المجتمع الي الخير و الحق و الصلاح و تغذيته بروح الايمان و التقوي و ابعاده عن الشرور و المفاسد. [ صفحه 65]

الاتفاق علي وجوبها

اتفق عامة المسلمين علي وجوب الامامة بمعناها القيادي للأمة سوي الخوارج فانهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الامامة، و انما عليهم أن يتعاطوا الحق فيما بينهم [101] . و قد أجمع المسلمون علي زيف ذلك و بطلانه أما الأخبار التي تضافرت علي ضرورتها هي كثيرة اخترنا منها: 1 - قول الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية و قال صلي الله عليه و اله و سلم: من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، و من قاتل تحت راية عصبية يغضب لغضبها أو يدعو الي عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية» [102] . و قال ابن‌خلدون: «ان نصب الامام واجب قد عرف وجوبه في الشرع باجماع الصحابة و التابعين و لم تترك الناس فوضي في عصر... و استقر ذلك اجماعا دالا علي وجوب نصب الامام...» [103] . يبدو واضحا مما تقدم أن المسلمين قد أجمعوا منذ فجر التاريخ علي ضرورة الامام، و انها من الواجبات الشرعية التي لا تستقيم الحياة في البلاد الاسلامية بدونها.

تعيين الامام

أجمع الشيعة ان الانتخاب في الامامة باطل، و الاختيار فيها متسحيل، فحالها كحال النبوة، ليس بيد الأمة، و لا بيد أهل الحل و العقد فكما أن النبوة لا تكون بايجاد الانسان و رغبته كذلك الامامة، لأن العصمة التي هي شرط من شروط الامامة عند الشيعة، لا يعلمها الا الله سبحانه و تعالي، المطلع علي دخائل القلوب [ صفحه 66] و خفايا النفوس، فهو عزوجل وحده يمنحها لمن يشاء من عباده و يختاره لمنصب الامامة و الخلافة. فالنبوة و الامامة، كونهما منصبا اليها فان تعيينهما من مختصاته تعالي و لا يجوز فيهما الترشيح و الانتخاب. و قد أعلن ذلك في القرآن الكريم. قال تعالي: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) [104] . و قال تعالي أيضا: (و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالي عما يشركون) [105] . و النصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت تدل بوضوح علي وجوب تعيين الامامة من الله عزوجل. من تلك النصوص ما استدل به حجة الله علي أرضه، و خليفته علي عباده الذي يصلح ما فسد من نظام الدين و يقوم الاعوجاج، مهدي هذه الأمة عجل الله فرجه الشريف و ذلك عندما سأله سعد بن عبدالله عن العلة التي تمنع من اختيار الناس اماما لأنفسهم فاجابه عليه‌السلام قائلا: - يختارون مصلحا أو مفسدا؟ - بل مصلحا. - فهل يجوز أن تقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من اصلاح أو فساد؟ - بلي - فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله و أنزل الكتب عليهم، و أيدهم بالوحي و العصمة، اذ هم أعلام الأمم، و أهدي الي الاختيار، منهم مثل موسي و عيسي هل يجوز مع وفور عقلهما، و كمال علمهما اذا هما بالاختيار ان تقع خيرتهما علي المنافق و هما يظنان أنه مؤمن. - لا. - هذا موسي كليم الله مع وفور عقله و كمال علمه، و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه، و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم [ صفحه 67] و اخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين. قال تعالي في ذلك: (و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل و اياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء و تهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الغافرين) [106] الي قوله تعالي: (... فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم) [107] فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا علي الأفسد دون الأصلح، و هو يظن أنه الأصلح علمنا ان الاختيار ليس الا لمن يعلم ما تحفي الصدور، و تكن الضمائر» [108] . من هنا نعلم ان الطاقات البشرية قاصرة عن ادراك الأصلح الذي تسعد به الأمة و انما أمر ذلك بيد الله تعالي العالم بخفايا الأمور قال تعالي: (ان تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله و يعلم ما في السماوات و ما في الأرض و الله علي كل شي‌ء قدر) [109] .

واجبات الامام

حمل الاسلام مسؤولية كبيرة علي عاتق الامام، فأوجب عليه السهر علي مصالح المسلمين و رعاية شؤونهم الدينية و الدنيوية، و أناط به العمل علي تطوير حياتهم و ارشادهم الي الخير و الصلاح. و قد ذكر المعنيون بهذه البحوث أهم الواجبات التي يجب علي الامام القيام بها من أجل صيانة الاسلام كما أراده الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم: [ صفحه 68] 1 - حراسة الاسلام و حفظ الدين و صيانته من المستهترين بالقيم الانسانية و الأخلاق الحميدة. 2 - حماية بيضة الاسلام لينصرف الناس في معايشهم و ينتشروا في أسفارهم، آمنين علي أنفسهم و أموالهم. 3 - الدفاع عن الثغور بالعدد و العدد حتي لا يطمع العدو بهم فينتهك محارمهم، و يسفك دماء المسلمين، من هنا وجب الجهاد. 4 - الجهاد ضد الكفار المحاربين للاسلام حتي يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين قياما بحق الله بظهور دينه علي الدين كله. قال تعالي: (و يأبي الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [110] . 5 - تنفيذ الأحكام الشرعية بالحق، و قطع الخصومات حتي لا يتعدي ظالم و لا يضعف مظلوم، و اقامة الحدود لتتوقي المحارم، و تصان الأنفس و الأموال. 6 - اختيار الأمناء و الأكفاء، و تقليد الولايات للثقات النصحاء لتضبط الأعمال و تحفظ الأموال. 7 - جباية أموال الفي‌ء، و الخراج علي ما أوجبه الشرع نصا أو اجتهادا من غير حيف و لا عسف. 8 - العطاء المحق لكل واحد من بيت‌المال من غير سرف و لا تقتير و دفعه الي المسلمين في وقت معلوم لا تقديم فيه و لا تأخير. 9 - الاشراف علي الأمور العامة بنفسه غير معتمد علي ولاته و عماله، فقد يغش الناصح و يخون الأمين فينجرف وراء أهوائه و أطماعه. قال تعالي: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله) [111] . [ صفحه 69] و جاء في الصحيحين من رواية ابن‌عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «كلكم راع، و كلكم مسؤول عن رعيته، فالمرأة في بيت زوجها راعية و مسؤولة عن رعيتها، و الخادم في مال سيده راع و هو مسؤول عن رعيته، و الرجل في مال أبيه راع و مسؤول عن رعيته، فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته» [112] . و أخرج الترمذي من حديث عمرو بن مرة الجهني قال لمعاوية: سمعت النبي صلي الله عليه و اله و سلم يقول: «ما من امام يغلق بابه دون ذوي الحاجات و المسكنة الا أغلق الله أبواب السماء دون خلته» [113] . و من يمعن النظر فيما أثر عن الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام يري أن واجبات الامام أشمل من ذلك فانها تصل الي اقامة مجتمع يعيش أفراده في ظلال العدل و الحق و الحرية، و نشر الأخلاق و الفضائل التي دعا اليها الدين الاسلامي، و نبذ الرذائل و البغي و الفساد التي نهي عنها. فواجبات الامام مهمة و شاملة نتمني أن يأخذ بها رؤساء العالم اليوم أو ببعض منها. هذا من حيث الواجبات أما عن صفات الامام، فما هي الصفات التي نص عليها الفقه الاسلامي و التي يجب أن يتحلي بها الامام؟

صفات الامام

لابد أن تتوفر في الامام جميع الصفات الرفيعة، و النزعات الخيرة و المثل الكريمة، من علم و تقوي، و رجاحة في الرأي و أصالة في التفكير و دراية تامة بما تحتاج اليه الأمة في جميع مجالاتها و قد ذكر المعنيون بالفقه الاسلامي الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في الامام عند الشيعة. أهمها: [114] . 1 - العلم المؤدي الي الاجتهاد في النوازل و الأحكام. 2 - العدالة بشروطها الجامعة و هي الامتناع من ارتكاب الذنوب، و عدم الاصرار علي صغائرها. [ صفحه 70] 3 - سلامة الحواس من السمع و البصر و اللسان... ليصح معها مباشرة ما يدرك بها. 4 - سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة، و سرعة النهوض. 5 - الرأي المفضي الي سياسة الرعية، و تدبير المصالح. 6 - الشجاعة و النجدة المؤدية الي حماية بيضة الاسلام و جهاد العدو، لأن الجهاد في سبيل احقاق الحق باب من أبواب الجنة كما قال أميرالمؤمنين في خطبة الجهاد. 7 - النسب و هو أن يكون الامام من قريش لأنها أفصح العرب و أعلمهم و يعتقد الشيعة ان الامام يجب أن تتوفر فيه صفات أخري فيكون أفضل الناس في ملكاته الفكرية و ابداعاته الشخصية الا و هي العصمة.

العصمة

العصمة عند الشيعة هي قاعدة أساسية في الامامة، و هي من المبادي‌ء الأولية في كيانهم العقائدي و قد عرفها المتكلمون فقالوا: انها لطف من الله يفيضها علي أكمل عباده، و أفضلهم عنده، و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا أو سهوا... هذه العقيدة أثارت عليهم التهم و الطعون، فاتهمهم قوم بالغلو و الافراط في الحب، حب أهل البيت عليهم‌السلام. لكنا اذا رجعنا الي الأدلة الموضوعية نجدها مؤيدة لما تذهب اليه الشيعة، و يكفي في ذلك القرآن الكريم و آية التطهير: قال تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [115] . تدل هذه الآية الكريمة دلالة واضحة علي عصمة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من الذنوب و طهارتهم من الزيغ و الرجس [116] ، و ذلك بما جاء فيها في علم صناعة الكلام من حصر و تأكيد. [ صفحه 71] - فحصر اذهاب الرجس بكلمة انما التي هي من أقوي أدوات الحصر. - و دخول اللام في الكلام الخبري. - و تكرار لفظ الطهارة، و كل ذلك يدل علي الحصر و الاختصاص. - كما ان ارادة الله باذهاب الرجس عنهم يستحيل فيها أن يتخلف المراد عن الارادة. قال تعالي: (انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) [117] . و بهذا يتم الاستدلال الأكيد علي عصمة أئمة أهل البيت من كل ذنب و معصية. و من منا لا يذكر حديث الثقلين الذي يدل بوضوح تام علي العصمة فقد قرن الرسول صلي الله عليه و اله و سلم بين الكتاب و العترة، فكما أن الكتاب العزيز معصوم من الخطأ و الزلل فكذلك العترة، و الا لما صحت المقارنة و المساواة بينهما. و بعد توفر الأدلة الموضوعية فلا مساغ للانكار علي الشيعة بذلك. و ما نراه ان نصوص القرآن هي التي قادتهم الي ذلك و صحاح السنة و دلائل العقل. حتي ان طبيعة الاسلام ذاتها اضطرتهم الي هذه العقيدة. و نحن لسنا في صدد الدفاع عن الشيعة، لأننا نبغي الحقيقة اينما كانت فالعصمة التي يشترطونها في امام المسلمين، لا تخرج به عن مصاف البشر، و لا تلحقه بعداد الآلهة كما يتقول المتقولون! ثم هل العصمة في ذاتها جزء آلهي حتي اذا اشترطناها نكون قد قلنا في الخليفة بالحلول؟! و لا يخفي علي أحد من العلماء ان العصمة رصيد نفساني كبير يتكون من تعادل جميع القوي النفسانية، و بلوغ كل واحدة منها أقصي درجة يمكن أن يبلغها الانسان، ثم سيطرة القوي العقلية علي جميع هذه القوي و الغرائز سيطرة كاملة حتي لا تشذ في أمر و لا تستغل في عمل [118] . ثم يزيد فيقول: [ صفحه 72] هذه الحصانة الذاتية التي يرتفع بها الانسان الأعلي عن الاتضاع في طبيعته، و يمتنع بها عن الانزلاق في ارادته و عن الانحرافات التي تترسب في منطقة اللاشعوري، تتحول عقدا نفسية تتحكم في دوافع المرء و في سلوكه، و في اتجاهاته و ملكاته و تسوقه من حيث لا يريد الي النشوز عن الحق و الشرود عن العدل. هذه الحصانة الذاتية التي توقظ مشاعر الانسان الكامل فلا يغفل، و يعتلي بملكاته و اشراقه فلا ينزلق، و لا يكبو، و التي تحفظ له صحته النفسية من كل وجه، هذه هي العصمة التي يشترطها مذهب أهل البيت في الرئيس الأعلي لحكومة الاسلام، و في ظني أنه شرط بمنتهي الجلاء كما انه يمنتهي الحكمة..» [119] . ان المنطق العلمي بجميع أبعاده يقضي بصحة ما تذهب اليه الشيعة من اعتبار العصمة في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أما القول المعاكس فلا يستند الي منطق عقلي و دليل علمي. و صفة أخري هامة جدا يقول بها الشيعة و هي:

العلم

يعتقد الشيعة بأن الامام لابد أن يكون أعلم الناس في عصره و أفضلهم في مقدراته العلمية. و قد أوضح هذه الجهة توضيحا دقيقا سماحة المغفور له الشيخ محمدرضا المظفر فقال: «أما علمه، فهو يتلقي المعارف و الأحكام الآلهية، و جميع المعلومات من طريق النبي صلي الله عليه و اله و سلم أو الامام عليه‌السلام قبله، و اذا استجد شي‌ء لابد له أن يعلمه من طريق الالهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالي فيه، فان توجه الي شي‌ء و شاء أن يعلمه من طريق علي وجهه الحقيقي لا يخطي‌ء فيه، كل ذلك مستندا الي البراهين العقلية، و لا يستند الي تلقينات المعلمين، و ان كان علمه قابلا للزيادة و الاشتداد، و لذا قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «و قل رب زدني علما». و أضاف يقول بعد الاستدلال علي ذلك: و يبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ [ صفحه 73] الأئمة عليهم‌السلام كالنبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم فانهم لم يتربوا علي أحد، و لم يتعلموا علي يد معلم، من مبدأ طفولتهم الي سن الرشد حتي القراءة و الكتابة، و لم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ علي يد أستاذ في شي‌ء من الأشياء مع ما لهم من منزلة علمية لا تجاري. و ما سئلوا عن شي‌ء الا أجابوا عليه في وقته، و لم تمر علي ألسنتهم كلمة «لا أدري» و لا تأجيل الجواب الي المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الاسلام و رواته و علمائه الا ذكرت في ترجمته و تربيته و تلمذته علي غيره و أخذ الرواية أو العلم علي المعروفين و توقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر و مصر» [120] . أما الامام كاشف الغطاء فقد عرض الي صفات الامام عليه‌السلام و قال فيما يختص في مواهبه العلمية: «و ان يكون أفضل أهل زمانه في كل فضيلة، و أعلمهم بكل علم، لأن الغرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس، و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليه آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتابة و الحكمة». و الناقص لا يكون مكملا، و الفاقد لا يكون معطيا، فالامام في الكمالات دون النبي و فوق البشر» [121] . و كما تري هذا هو الرأي الصريح للشيعة في علم الامام، و ليس فيه أي غلو أو هوي كما يتهمهم الخصوم. و هنا يحضرني قول من وصف كلام الامام علي عليه‌السلام أميرالمؤمنين في نهج‌البلاغة فقال: «كلامه دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق». و أفضل كلام يقال في هذا المجال كلمة الامام الرضا عليه‌السلام فهي من أعمق [ صفحه 74] الأدلة علي الامامة، و أكثرها استيعابا و شمولا و بيانا لمنصبها فقال عليه‌السلام: هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيمون اماما باختيارهم. ان الامامة خص الله بها ابراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوة، و الخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عزوجل: (اني جاعلك للناس اماما) فقال الخليل سرورا بها: (و من ذريتي)؟ قال عزوجل: (لا ينال عهدي الظالمين). فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيامة، و صارت في الصفوة. ثم أكرمه الله تعالي و جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة. فقال عزوجل: (و وهبنا له اسحق و يعقوب نافلة و كلا جعلنا صالحين، و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا اليهم فعل الخيرات و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين) [122] . و لم تزل الامامة في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا بعد قرن حتي ورثها النبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم قال عزوجل: (ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين) [123] . فكانت الخلافة للنبي الأكرم محمد صلي الله عليه و اله و سلم التي قلدها عليا بأمر الله عزوجل فصارت له في ذريته الأصفياء اللذين آتاهم الله العلم و الايمان بقوله عزوجل: (و قال الذين أوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث) [124] . فالامامة أصبحت في ولد علي خاصة الي يوم القيامة اذ لا نبي بعد النبي محمد صلي الله عليه و اله و سلم، فمن يختار هؤلاء الجهال؟ [ صفحه 75] ان الامامة هي منزلة الأنبياء، وارث الأوصياء، و خلافة الله عزوجل و خلافة الرسول و مقام أميرالمؤمنين، و ميراث الحسن و الحسين عليهم‌السلام حتي وصلت الي الامام زين‌العابدين، و منه الي الامام الباقر، و منه الي الامام الصادق، و منه الي الامام كاظم عليهم جميعا أفضل الصلاة و أزكي السلام، و هكذا تتابعت في هذه الذرية الطاهرة الي الامام المهدي الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف. و تعرض عليه‌السلام بعد هذا الي علم الأنبياء و الأئمة فقال: «ان الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله، و يؤتيهم من مخزون علمه. و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، ثم انظروا الي قوله تعالي: (أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [125] . و قال عزوجل: (و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) [126] و قال عزوجل في الأئمة من أهل‌بيت نبيه صلي الله عليه و اله و سلم و عترته و ذريته (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا) [127] . فالعبد الصالح الذي اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما، فهو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد، قد أمن الخطايا و الزلل، و العثار؛ يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده، و شاهده علي خلقه. (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم) [128] . فهل يقدرون علي مثل هذا فيختارونه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا و بيت الله الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، و في كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم، [ صفحه 76] فقال عزوجل: (و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين) [129] . و قال عزوجل: (فتعسا لهم و أضل أعمالهم) [130] . و قال عزوجل: (كبر مقتا عند الله و عند الذين آمنوا كذلك يطبع الله علي كل قلب متكبر جبار) [131] . انتهي بذلك حديث الامام الرضا عليه‌السلام [132] و هو حافل باكمل و أروع صور الاستدلال و الحجة الدامغة علي ضرورة الامامة، و استحالة الاختيار و الانتخاب من قبل سائر الناس، و وجوب رجوع التعيين في ذلك الي الله تعالي وحده فهو الذي يختار لهذا المنصب الرفيع من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات العلم الغزير و المعرفة الواسعة الشاملة لشؤون الحياة الفردية و الجماعية. و ممن يتحلي بطهارة النفس، و صفاء الذات، و عدم الانقياد و الخضوع لدواعي الهوي، و نوازع الشرور و الغرور. و بهذه الصفات الكاملة الشاملة يصلح الامام لهداية الناس و اصلاحهم، و ارشادهم الي طرق الخير و الكمال، و غرس روح الثقة و الفضيلة في نفوسهم ليكونوا كما أرادهم الله عزوجل و كما أرادهم نبي الله صلي الله عليه و اله و سلم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون و أكثرهم الفاسقون) [133] .

النص علي الامامة

ينحصر تعيين الامام عند الشيعة في النص، و عليه فيجب علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم أن يعين من يخلفه من بعده، و كذلك يجب علي الامام أن ينص علي الخلف من بعده الذي يجب أن يرجع اليه الناس. و قد أجمعت كل كتب الحديث التي تعرضت لهذه المواضيع بتدوين النصوص في ذلك فقد أوصي الرسول الأكرم (يوم الدار) [ صفحه 77] في أميرالمؤمنين فقال صلي الله عليه و اله و سلم: «هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا» [134] و اخرج الطبراني الاستناد الي سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ان وصيي و موضع سري، و خير من أترك بعدي و ينجز عدتي، و يقضي ديني علي بن أبي‌طالب» [135] . و جاء في حلية الأولياء عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين، و سيد المسلمين، و قائد الغر المحجلين، و خاتم الوصيين، قال أنس: فجاء علي، فقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مستبشرا فاعتنقه و قال له: أنت تؤدي عني، و تسمعهم صوتي، و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي [136] . و وردت نصوص نبوية متواترة رواها الفريقان في امامة السبطين و الريحانتين عليهم‌السلام فقد قال صلي الله عليه و اله و سلم فيهما: «أنتما الامامان و لأمكما الشفاعة» [137] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم و هو يشير الي الحسين: «هذا امام ابن امام أخو امام أبو أئمة تسعة « [138] و جاء في المراجعات بالاستناد الي سلمان قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم فاذا الحسين بن علي علي فخذه و هو يلثم فاه، و يقول: «أمت سيد ابن سيد، أنت امام ابن امام أخو امام أبو الأئمة، و أنت حجة الله و ابن حجته، و أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم» [139] . و استفاضت كتب الحديث بنصوص نبوية أخري تحصر الامامة في اثني عشر اماما كلهم من قريش فقد روي جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول: «لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة، و يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» [140] . [ صفحه 78] و جاء في المراجعات أيضا أخرج الصدوق بسنده الي الامام الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «الأئمة اثنا عشر أولهم علي و آخرهم القائم المهدي هم خلفائي و أوصيائي» [141] . و روي الحافظ أبونعيم بسنده عن ابن‌عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «من سره يحي حياتي و يموت مماتي و يسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي، و ليوال وليه، و ليقتد بالأئمة من بعدي فانهم عترتي خلقوا من طينتي، و رزقوا فهما و علما، و ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي» [142] . و يضاف الي هذه النصوص النبوية، النصوص التي رواها الثقات و العلماء الأتقياء عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في نص كل امام منهم علي الامام الذي يخلفه من بعده، فقد أوصي أميرالمؤمنين عليه‌السلام حينما حضرته الوفاة الي ولده الامام الحسن عليه‌السلام و قال له: «يا بني أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و دفع الي كتبه و سلاحه، و أمرني أن آمرك اذا حضرك الموت أن تدفعها الي أخيك الحسين» ثم أقبل علي الحسين فقال: «و أمرك رسول الله أن تدفعها الي ابنك هذا - و أشار الي علي زين‌العابدين - ثم أخذ بيد علي بن الحسين و قال: «و أمرك رسول الله أن تدفعها الي ابنك محمد فاقرأه من رسول الله السلام» [143] . هذه النصوص تدل بوضوح و تأكيد علي لزوم النص في الامامة، و بطلان غيره و قد أخذت بها الشيعة و اعتمدتها في بناء عقيدتها في الامامة.

عصر الامام الكاظم

اتسم عصر الامام الكاظم بموجات رهيبة من الاتجاهات العقائدية التي لا تمت الي الاسلام بصلة، كما تميز بالنزعات الشعوبية و العنصرية و النحل الدينية، [ صفحه 79] الاسلام بري‌ء منها كل البراءة. و قد تصارعت تلك الحركات الفكرية تصارعا بعيد المدي أحدث هزاتا اجتماعية خطيرة. و السبب في ذلك كما يري علماء الاجتماع يعود الي الفتح الاسلامي الذي نقل ثقافات الأمم مع سائر علومها و عاداتها و تقاليدها الي العالم الاسلامي، بالاضافة الي أن الاسلام قد دعا المسلمين في الوقت نفسه الي الاستزادة من العلوم و المعارف في شتي الحقول. و هذا ما أحدث انقلابا فكريا في المجتمع الاسلامي فتلقحت الأفكار و تبلورت بألوان من الثقافة لم يعهد لها المجتمع نظيرا في العصور السالفة. و قد حدث ما لابد منه حيث تسربت تلك الطاقات العلمية الي الجانب العقائدي من واقع الحياة، فحدثت المذاهب الاسلامية، و الفرق الدينية، مما جعل الأمة تتشعب الي طوائف وقع فيما بينها الكثير من المناظرات و المخاصمات و الجدل، فكانت النوادي التي حفلت بالمعارك الكلامية و اصراع العنيف و بصورة خاصة: خلق القرآن، و صفات الخالق الايجابية و السلبية و القضاء و القدر... و كان من أبرز المتصارعين في هذه الساحة علماء الكلام، و الفلاسفة، علماء الحديث. من هنا نري العديد من الكتب التي تناولت هذه المواضيع و هي حافلة بصور كثيرة من تلك الخصومات و المشاجرات و المناظرات. و كان من أخطر الدعوات المحمومة التي اندلعت في ذلك العصر هي (الالحاد) قام بها دخلاء حملوا في قرارة نفوسهم الحقد علي الاسلام و الكره للمسلمين، و قد ثقل عليهم امتداد الحكم الاسلامي و انتشار سلطانه في الأرض، و تثبيت شريعته الانسانية السمحاء. فرأوا أن لا حول لهم و لا طول الي محاربته بالقوة، فأخذوا عن طريق الخداع و الحيل يبثون سمومهم في نفوس الناشئة الاسلامية، و ما زالوا حتي اليوم يلقون الشبه و الأوهام في النفوس حتي اننا وجدنا من استجاب لهم من المسلمين المخدوعين و المغرورين، و كان لهم بالمرصاد الامام موسي الكاظم عليه‌السلام و كبار رجال الفكر و القادة من أصحابه و طلابه فتصدوا لتلك الأفكار الوافدة بالأدلة العلمية القاطعة و بينوا فسادها و بعدها عن المنطق و العقل. فكانت تحمل [ صفحه 80] احتجاجاتهم طابع الجهاد في سبيل الحق و الحرص علي مصالح الأمة الاسلامية. بسبب ذلك قام علماء الشيعة الجهابذة فحاضروا و ناقشوا و حاوروا الملحدين و الخارجين علي الدين حتي دان لهم عدد غفير و عادوا الي حظيرة الاسلام مقتنعين راضين. لكن هذا الأمر لم يرق للحكام العباسيين فتصدوا لقاعدة الحركة العلمية من الشيعة و اضطهدوهم و نكلوا بهم و منعوهم في أغلب الأحيان من الكلام في مجالات العقيدة خوفا علي مناصبهم عندما يظهر الحق الصريح، حتي اضطر الامام الكاظم عليه‌السلام في أيام المهدي أن بعث الي هشام أن يكف عن الكلام نظرا لخطورة الموقف، فكف هشام عن ذلك حتي مات المهدي.

سياسة الحكم العباسي

قام الحكم العباسي في أكثر أدواره علي الظلم و الجور نهج فيه العباسيون منهجا فرديا خاصا بعيدا عن العدل السياسي و العدل الاجتماعي، تسلموا جميع السلطات الادارية و القضائية، و لم يكن عندهم ثمة مجلس اداري أو استشاري تعالج فيه أمور الرعية و مصالحها و وسائل تطورها و تقدمها. فالخليفة يحكم بحسب رأيه و هواه و كأنه ظل الله علي الأرض - كما يقولون - فالطابع الاستبدادي للحكم العباسي واضح لا لبس فيه. استبداد و نهب أموال، و مصادرة الحريات، و ظلم، و ارغام الناس علي ما يكرهون. و الواقع ان الحكم العباسي لا يختلف في مادته و صورته عن الحكم الأموي فالنظام الاداري العباسي هو نفسه في جوهره نظام الأمويين. الدوائر الرسمية في العصر العباسي أجحفت كثيرا بحقوق العامة في الوقت نفسه كانت تصانع ذوي النفوذ و الوجوه المعروفة فتمارس الظلم و الجور علي الأهالي المساكين الذين يدفعون الضرائب و يلبون الدعوة للجهاد، بينما كان الحكام ينفقون أموال الشعوب الاسلامية علي شهواتهم و حواشيهم، و لا نغالي اذا قلنا أن التاريخ يعيد نفسه في أكثر العصور. جاء في تاريخ الاسلام ان العتابي سئل: لماذا لا تتقرب بأدبك الي السلطان؟ [ صفحه 81] فقال: «اني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شي‌ء، و يرمي من السور في غير شي‌ء، و لا أدري أي الرجلين أكون!!»، و لما قتل المأمون وزيره الفضل بن سهل، عرض الوزارة علي أحمد بن أبي‌خالد فأبي أن يقبلها و قال: «لم أر أحدا تعرض للوزارة و سلمت حاله» و السبب واضح في ذلك أن الحكم العباسي لم يكن جاريا علي قانون معروف أو دستور مكتوب، بل كان يجري حسب نزعات الحاكم و ميول الخليفة، فهو الذي كان يوزع الموت أو الحياة علي من كره أو علي من أحب. فالأحكام بالاعدام كانت تصدر من البلاط بمجرد و شاية من غير أن يطمئن أو يوثق بقول المخبر، مرة تصدر بالمفرد و مرة تصدر بالجملة. و نعطي مثلا نموذجا علي ذلك: فقد وشي برجل يقال له: (الفضيل بن عمران) الي أبي‌جعفر المنصور، و كان كاتبا لابنه جعفر و وليا لأمره، فقد وشي به أنه يعبث بجعفر، فبعث المنصور برجلين أو جلادين، و أمرهما بقتل الفضيل حيث وجداه، و كتب الي جعفر يعلمه ما أمرهما به و قال للرجلين: لا تدفعا الكتاب الي جعفر حتي تفرغا من قتله. فلما انتهيا اليه ضربا عنقه، و كان الفضيل عفيفا صالحا، فقيل للمنصور: انه أبرأ الناس مما رمي به، و قد عجلت عليه، فندم علي ذلك، و وجه رسولا، و جعل له عشرة آلاف درهم ان أدركه قبل أن يقتل، فقدم الرسول فوجده جثة هامدة، فاستنكر جعفر ذلك و قال لمولاه: «ما يقول أميرالمؤمنين في قتل رجل، مسلم، عفيف، دين، بلا جرم و لا جناية؟!» فأجابه مولاه سويد: «هو أميرالمؤمنين يفعل ما يشاء، و هو أعلم بما يصنع». هكذا كان يعتقد أصحاب العقول البسيطة الساذجة، و هكذا أرواح الناس يتصرفون بها حسب ما يشاؤون، و ما العجب فالملك في نظرهم يفعل ما يحلو له، فهو ظل الله علي الأرض، لا يسأل عن ذنب و لا عن جرم. فمن يحاسبه؟ ليس هناك من سلطة قضائية معروفة، و ليس عنده من ضمير يردعه عن المحرمات. و مع ذلك يعد نفسه خليفة المسلمين. أين هم و أين الاسلام؟! هوة ساحقة تفصل [ صفحه 82] بينهما هم أشبه بالقياصرة و الأكاسرة!! و الحقيقة ان البلاد الاسلامية، أيام الحكم العباسي كانت ترزح تحت كابوس ثقيل من الظلم و الجور و التعسف، حيث كان حكام بني‌العباس ينفذون خططهم بالعنف و القتل علي الظن. و لأول مرة في تاريخ الاسلام نجد النطع الي جانب كرسي الخلافة، كما نجد الجلاد أداة للوصول الي العرش علي حد قول المؤرخ المعروف فليب حتي. علي هذه الحال كان الحكم العباسي في أكثر أدواره و عهوده، كان خاضعا للأهواء الشخصية و العواطف القبلية، فالغلمان و النساء و الندماء و العابثون كان لهم الضلع الكبير في ادارة شؤون الحكم و توزيع الهبات و الجوائز علي المغنين و المغنيات. فالحكم عندهم لم يخضع لمنطق الحق و العدل اللذين أمر بهما الاسلام. هذا الوضع غير السليم جعل العصر يحفل بقيام فرق الاسلامية عديدة و مذاهب و طوائف اختلفت فيما بينها في أصول الدين و فروعه.

الفرق الاسلامية

أهم ما حصل من أحداث في العصر العباسي الأول قيام المذاهب الاسلامية و حدوث نزاع بين المسلمين فانقسموا الي عدة طوائف، و فرق اختلفت فيما بينها في أكثر أمور الدين. و الطريف ان الحكم العباسي هو الذي شجع علي احداث المذاهب الاسلامية، فغذاها و نماها، و حمل الناس بالقوة و القهر علي اعتناقها. و ما نرجح في ذلك: ابعاد المسلمين عن أئمة أهل البيت الذين يمثلون واقع الدين الاسلامي الصحيح و اتجاهاته الثورية في القضاء علي الظلم و الغبن، و انقاذ الناس المقهورين من الجور السياسي و الاستبداد الظالم، و اذا ما رجعنا قليلا الي الوراء نجد: العلويين قد اندفعوا في العصر الأموي الي ساحات الجهاد المقدس لحفظ الدين و صيانة المجتمع من ظلم الأمويين و بطشهم، لقد حاولوا بتكليف شرعي [ صفحه 83] اعادة المبادي‌ء الكريمة التي ينشدها الاسلام، و يؤمن بضرورة توفيرها علي جميع المواطنين، و هي تتلخص علي الايمان الكامل بحق الفرد، و نشر الاستقرار في الربوع الاسلامية، و بسط العدالة و الحرية و المساواة و الأخوة بين المسلمين، و توفير كل أسباب المعيشة الهانئة و الرزق الكريم و الأمن علي كافة الأراضي الاسلامية. هذه المبادي‌ء اعتبرها العلويون القاعدة الأساسية لتقدم المجتمع و تطويره لينطلق في ميدان الحياة الحضارية الحرة الكريمة. و في العصر العباسي أكمل العلويون جهادهم من أجل هذه المبادي‌ء العليا فهبوا الي ميادين النضال لأن السكوت علي الظالم مساعدة له علي ظلمه. لذلك واجهوا صعوبات كثيرة و مشاكل معقدة، فسجنوا في السجون، و دس لهم السم، و أريقت دماؤهم، و ارتفعت أجسادهم علي أعواد المشانق، و لم يتخلوا عن مبادئهم المقدسة و نصالهم الشرعي في مقاومة الظلم من سلطة أي كان، داخلي أم خارجي. فالتف حولهم العدد الغفير من جماهير المؤمنين لأن العلويين حماة هذه الأمة و قادتها الشرعيين و ولاة أمرها، و انه لا يمكن بأي حال أن تتوفر للمجتمع في ذلك العصر أسباب معيشته و رخائه الا في ظل حكمهم العادل، فالتف حولهم الثوار و المتظاهرون و هتفوا بأعلي أصواتهم «الدعوة الي الرضا من آل محمد». و كان لابد من قيام ثورة عارمة اندلعت في جميع أنحاء البلاد علي الحكم الأموي فأطاحت به و دكت أركانه، و قامت الدولة العباسية بمؤازرة العلويين الذين كان لهم اليد الطولي في مناصرتها و تثبيت أركانها، و لما استتب لهم الأمر و تملكوا زمام الحكم، عملوا جاهدين علي التنكيل بالعلويين و ابادتهم بأبشع الطرق و الأساليب. و كان المخطط الرهيب الذي اتبعه الحكام العباسيون من السفاح الي المنصور الي هارون الي المأمون الي هادي.... كلهم عملوا علي القضاء علي الشيعة و من ناصرهم من القوي المعارضة، و القوي المؤمنة التي تعرف الحق و أهله. [ صفحه 84] هذا المخطط العباسي اعتمد علي عدة أمور خلاصتها: اشغال المسلمين بالقضايا العقائدية و تفرقتهم و ابعادهم عن الشؤون السياسية، من هنا وجدنا النوادي في بغداد و يثرب و البصرة و سائر أنحاء العالم الاسلامي تعج بالمناظرات الكلامية، و الجدل الفلسفي و احتجاج كل فريق علي الفريق الآخر لتثبيت نظريته و دحض نظرية الآخرين، و كل هذه الفرق كانت تدور و تجول حول الاطار العقائدي في الاسلام. و قد وجهت الحياة العلمية في العصور العباسية الي احداث المذاهب الاسلامية بعيدا عن الحياة السياسية التي يعيشها عامة المسلمين. و نقطة هامة أخري اعتمدها المخطط العباسي هي: عزل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن الحياة السياسية، و الرقابة المشددة عليهم، و منع الاتصال بهم، و ابعاد الناس عن الأخذ منهم فيما يعود الي الأمور العقائدية و معالم الدين الاسلامي. لذلك وجدنا المنصور الدوانيقي يعهد الي الامام مالك، أحد روساء المذاهب الأربعة وضع كتاب في الفقه يحمل الناس علي العمل به قهرا، فامتنع مالك أول الأمر، و هو تلميذ الامام جعفر الصادق، ثم رضخ لأوامر المنصور بعد الترهيب و الترغيب فوضع كتابه المعروف بالموطأ. منذ ذلك الوقت بدأت الحكومات العباسية تساند أئمة المذاهب الأربعة، و تنشر فقههم، حتي انها حملت الناس علي العمل بهذه المذاهب بعد أن اغدقت عليهم الأموال الطائلة، و كرمتهم تكريما عظيما لابعاد الناس عن المذهب الجعفري، مذهب الامام الصادق و مذهب أئمة أهل البيت المتخذ برمته عن جدهم أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب، المتخذ عن النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم الذي هو أول من وضع بذرة التشيع، هذه البذرة الطيبة المباركة، و نماها و تعاهدها بالسقي و العناية [144] . [ صفحه 85] و أول من شجع علي انتشار مذهب مالك الرشيد حيث أمر عامله علي المدينة بان لا يقطع أمرا دون أن يأخذ رأي مالك، كما كان يجلس علي الأرض لاستماع حديثه تكريما لمالك و تعظيما لمذهبه. ثم أصدر أوامره بأن لا يهتف أيام الحج الا مالك، فأخذ الناس يزدحمون عليه و توافدت اليه الوفود من سائر الأقاليم لاستماع حديثه و أخذ الأحكام الشرعية منه. و كان لا يدنو اليه أحد لما أحيط به من التقدير الرسمي. فقد اجتمع به غلمان من السود غلاظ شداد يأتمرون بأمره، و ينكلون بمن شاء أن ينكل به. لقد علا شأن مالك بما أعطي من السلطة من مكانة مرموقة و عناية بالغة اولتها له الحكومة العباسية كما أولت غيره من أئمة المذاهب الثلاثة الأخري. و الغرض من ذلك واضح كل الوضوح و هو اضعاف كيان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و القضاء علي الشيعة الذين كانوا من أقوي الجبهات المعادية للحكم العباسي الظالم. لكنهم فشلوا و بقي الشيعة يجاهدون و ما زالوا في اعلاء كلمة الحق و صيانة الدين الاسلامي من الانحراف و التزوير. قال تعالي: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره ولو كره الكافرون)، (و هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون) [145] . و لا يخفي علي أحد من المؤرخين و علماء الحديث و الصحابة المؤمنين أن الطائفة الشيعية حملت لواء الاصلاح و ثارت في وجه الطغاة و الظالمين المستبدين، و حفل تاريخها بالمآثر الطيبة و المفاخر الحميدة و خدمة الاسلام مهما كلف الثمن. لقد جاهدوا ضد الظالمين لأن السكوت عن الظلم خيانة شرعية، و السكوت عن الظالم يعني مساعدته علي ظلمه فلابد اذن من المقاومة الشرعية. و أول المقاومين للظلم بعد النبي صلي الله عليه و اله و سلم الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و قد كلفه ذلك جهادا مريرا و حروبا دامية ضد المنحرفين عن الدين القويم أمثال [ صفحه 86] معاوية بن أبي‌سفيان و أعوانه. ثم استلم راية الجهاد في سبيل الله ابنه الامام الحسين عليه‌السلام ضد يزيد الفاجر العاهر و أعوانه الذين اشتروا الضلالة بالهدي، و اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، و اشتروا الكفر بالايمان. أراد الامام الحسين عليه‌السلام الخروج من أجل الاصلاح في أمة جده التي ظللها معاوية و تابع بعده ابنه يزيد في الانحراف و الظلم و الضلال، فكان لابد للامام المعصوم الا أن يقوم بالمسؤولية الالهية فقال عليه‌السلام: «عهد عهده الي أبي عن جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم» و هكذا تابع الأئمة عليه‌السلام الجهاد في سبيل الله في جميع العصور. [ صفحه 87]

التنكيل بالعلويين

مع المنصور

اصاب العلويون ألوانا من شتي المحن في العهدين الأموي و العباسي و محنتهم في عهد المنصور كانت من أقسي المحن و أفجعها، فقد أذاقهم جميع أنواع العنف و الجور و العذاب، فحاول عدة مرات ابادة شبابهم و شيوخهم، و كان ما حل بهم من التنكيل مع الحكام العباسيين و خاصة المنصور، أضعاف ما واجهوه أيام الحكم الأموي حتي قيل في ذلك: يا ليت جور بني‌أمية دام لنا و ليت عدل بني‌العباس في النار لقد واجهوا أعنف الخطوب و أقسي الرزايا من أجل تحرير المجتمع الاسلامي و انقاذه من الجور و الظلم و الاستبداد. لم يضعفوا أمام هذا الطاغية و أمام غيره من الحكام الظالمين، بل اندفعوا بكل فخر و اعتزاز الي ساحات الجهاد، و ناضلوا في سبيل اعلاء كلمة الله حتي استهشدوا أحرارا كراما مشجعين الأحرار و المناضلين في عصرهم و في كل عصر علي متابعة طريق النضال، فاتحين لهم أبواب الكفاح، راسمين لهم طريق الخلاص من حكم الذل و العبودية. و سوف نذكر حادثة أليمة من حوادث جسام كثيرة فعلها المنصور مع العلويين. لقد زجهم في سجن مظلم لا يعرف فيه الليل من النهار، حتي باتوا لا [ صفحه 88] يعرفون وقت الصلاة، فجزأوا القرآن الكريم خسمة أجزاء فكانوا يصلون الصلاة علي فراغ كل واحد منهم لجزئه [146] أمر الطاغية باحضار محمد بن ابراهيم و كان آية في بهاء وجهه و جماله و لما حضر عند المنصور التفت اليه بسخرية قائلا: أنت المسمي بالديباج الأصفر؟ فقال: نعم. أما والله لاقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك. ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت، و أدخل فيها، فبنيت عليه و هو حي [147] و بقي العلويون في سجن المنصور و هم يعانون أهوالا من الخطوب و المصائب، حتي مرضوا و مات أكثرهم، ثم أمر الطاغية بهدم السجن علي من بقي منهم، فهدم عليهم، و مات أكثرهم و فيهم عبدالله بن الحسن [148] . حفلت هذه المأساة الغريبة و العجيبة بأنواع الرزايا و الخطوب، فقد انتهكت فيها حرمة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم في ذريته و أبنائه، و لم يراقب المنصور الله فيهم و لم يرع أي حرمة لهم. لقد وهبت تلك النفوس الزكية أرواحها لله لتنقذ من شر تلك الطغمة الحاكمة عباد الله، حكام ظالمون همهم الدنيا و السلطان و الجاه و المال، و في سبيل ذلك كفروا بجميع القيم الانسانية، و تنكروا لجميع المبادي‌ء الاسلامية. هذه المأساة الكبري أثارت موجات من السخط علي بني‌العباس فتجمهر الأحرار حول أهل البيت متمسكين بعدلهم و مبادئهم بغية انقاذهم من هذا الوضع المتردي الأليم. و قد اندفع الشعراء بعد أحقاب من السنين المريرة بهجاء الحكام العباسيين علي جرائمهم النكراء و خاصة الجريمة الأخيرة التي ذهب ضحيتها عبدالله بن الحسن. من هؤلاء الشعراء نذكر أبافراس الحمداني الشاعر العربي الأصيل، استنكر الجريمة النكراء و اندفع قائلا في قصيدة طويلة بلغت ما يقارب الستين بيتا نذكر منها: [ صفحه 89] الدين مخترم، و الحق مهتضم؛ و في‌ء آل رسول الله مقتسم يا للرجال! أما لله منتصف من الطغاة؟ أما للدين منتقم؟! بنوعلي رعايا في ديارهم و الأمر تملكه النسوان و الخدم! للمتقين، من الدنيا، عواقبها و ان تعجل منها الظالم الأثم لا يطغين بني‌العباس ملكهم! بنوعلي مواليهم و ان زعموا أتفخرون عليهم؟ لا أبا لكم حتي كأن رسول الله جدكم و ما توازن: يوما بينكم شرف و لا تساوت بكم، في موطن، قدم و لا لكم مثلهم، في المجد، متصل و لا لجدكم مسعاة جدهم و لا لعرقكم من عرقهم شبه و لا نفيلتكم من أمهم أمم قام النبي بها، يوم الغدير، لهم والله يشهد، و الأملاك و الأمم حتي اذا أصبحت في غير موضعها لكنهم ستروا وجه الذي علموا ثم ادعاها بنوالعباس ارثهم و ما لهم قدم، فيها، و لا قدم بئس الجزاء جزيتم في بني‌حسن أبوهم العلم الهادي و أمهم لا ربيعة ردعتكم عن دمائهم و لا يمين، و لا قربي، و لا ذمم هلا صفحتم عن الأسري بلا سبب للصافحين ببدر عن أسيركم؟ هلا كففتم عن الديباج السنكم و عن بنات رسول الله شتمكم؟ ما نزهت لرسول الله مهجته عن السياط! فهلا نزه الحرم؟ ما نال منهم بنوحرب، و ان عظمت تلك الجرائر، الا دون نيلكم كم غدرة لكم في الدين واضحة! و كم دم لرسول الله عندكم! أأنتم آله فيما ترون، و في أظفاركم، من بنيه الطاهرين دم؟ هيهات لا قربت قربي و لا رحم يوما، اذا أقصت الأخلاق و الشيم! كانت مودة سلمان له رحم و لم يكن بين نوح و ابنه رحم! [149] . ليس الرشيد كموسي في القياس و لا مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم الركن و البيت و الاستار منزلهم و زمزم، و الصفا، و الحجر و الحرم [ صفحه 90] صلي الآله عليهم، أينما ذكروا لأنهم للوري كهف، و معتصم يبدو واضحا من هذا الشعر الاسي العميق علي ما أصاب العلويين من النكبات و الرزايا في عهد المنصور و سائر ملوك بني‌العباس الذين تنكروا للاحسان الذي أسداه اليهم الرسول الأعظم و علي جدهم العباس فقد قابلوا الاحسان بالاساءة، و العفو بالعقاب المرير لذرية النبي الشريفة، و عترته الطاهرة.

مصادرة أموال العلويين

لما اعتقل المنصور العلويين، و أودعهم في السجون المظلمة، عهد الي عامله بمصادرة جميع أموالهم و بيع رقيقهم [150] . كما صادر أموال الامام الصلادق عليه‌السلام، و لما هلك المنصور يروي أن المهدي أرجعها الي ابنه الامام موسي الكاظم عليه‌السلام.

وضعهم في الاسطوانات

(بحارالأنوار ج 47 ص 307 - 306.) بدأ المنصور يفتش علي من بقي من العلويين فمن ظفر به جعله في الاسطوانات المجوفة المبنية من الجص و الآجر، حتي ظفر بغلام من ولد الحسن و كان حسن الوجه فسلمه الي البناء و أمره أن يجعله في جوف اسطوانة و يبني عليه، فدخلت البناء رقة علي هذا الولد الوسيم فترك له في الاسطوانة منفذا يدخل منها الهواء، و قال للغلام: لا بأس عليك فاصبر فاني سأخرجك من جوف هذه الاسطوانة عندما يرخي الليل سدوله. و لما جن الليل جاء البناء فأخرج العلوي المظلوم، و قال له: اتق الله في دمي و دم العملة الذين معي، و غيب شخصك، فاني انما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة لأني خفت أن يكون جدك رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يوم القيامة خصمي بين يدي الله، و أكد عليه بأن يواري نفسه فطلب منه الغلام أن يخبر أمه لتطيب نفسها، و يقل جزعها، فهرب الغلام و لا يدري بأي أرض أقام، و جاء البناء الي دار أم الغلام ليعلمها [ صفحه 91] بخلاص ابنها من قبضة ذلك الطاغية فسمع دويا كدوي النحل قبل أن يدخل من البكاء فعرف أنها أمه فأسرها بخبر ولدها، و انصرف عنها [151] .

هلاك المنصور

عهد المنصور بأمره الي ولده المهدي، و نصبه ملكا من بعده و أوصاه بهذه الوصية: «اني تركت بعض المسيئين من الناس علي ثلاثة أصناف، فقيرا لا يرجو الا غناك، و خائفا لا يرجو الا أمنك، و مسجونا لا يرجو الفرج الا منك، فاذا وليت فأذقهم طعم الرفاهية، لا تمدد لهم كل المد.. و قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، و بنيت لك مدينة لم يكن في الاسلام مثلها..» [152] . هلك الطاغية الجبار الذي أذاق جميع الناس صنوف الظلم و الجور و الفقر سنة) 158 ه) و انطوت بذلك صفحة سوداء من حياة الأمة الاسلامية مملؤة بالاثم و الموبقات و كان عمر الامام موسي الكاظم عليه‌السلام آنذاك ثلاثين سنة، مضي خلالها زهرة شبابه في عهد هذا الطاغية مكلوم القلب، حزين النفس، كاظم الغيظ حزنا علي المسلمين عامة، و علي ما لاقاه العلويون خاصة من التنكيل البشع، و العذاب الأليم. و سوف نري صفحة أخري مع ولده المهدي.

في عهد المهدي

كان المهدي ألين جانبا من أبيه فقد عرف بالسخاء، و بسط الكف، و عدم القسوة علي الناس عموما، لذلك استقبله العالم الاسلامي بمزيد من الفرح و البهجة لما لاقاه من العنف و الجور في حكم أبيه المنصور. و حينما استقل بالحكم أصدر مرسوما مليكا بالعفو عن جميع المساجين و المعتقلين السياسين، سوي من كان في عنقه دم أو كان ذا فساد في الأرض؛ كما رد جميع الأموال المنقولة و الثابتة التي صادرها أبوه من أهلها ظلما و عدوانا، و من هؤلاء كان الامام موسي عليه‌السلام رد عليه كل ما صادره أبوه المنصور من الامام الصادق عليه‌السلام. [ صفحه 92] يقول المؤرخون عن سبب ذلك أنه يعود الي الوضع العام في البلاد حيث أصبح الملك علي جانب عظيم من الطمأنينة و الاستقرار. و سبب آخر هو ما ظفر به من الثراء العريض مما جمعه أبوه المنصور الذي يعده الجاحظ: من أصحاب الجمع و المنع و من أبخل البخلاء. لكن مما يؤسف له أن هذا المال الذي جمعه أبوه بالتقتير و الظلم قد أنفقه المهدي علي اللهو و المجون و الهبات الكبيرة للماجنين و المغنين و العملاء، دون أن يهتم بالطبقة الضعيفة الفقيرة فكان كل همه اشباع شهواته الشخصية، و البذخ و الترف و المجون. أما ما ورثه من أبيه و بقي علي الخط نفسه: عداؤه للعلويين و شيعتهم، فقد كان يكرههم كرها شديدا، ورث ذلك من أبيه المنصور الذي كان يعتقد أن لا بقاء له في الحكم الا بالقضاء علي العلويين و شيعتهم و فيما يلي نعرض بعض نزعاته الحاقدة و أعماله الجائرة و ما لاقاه الامام موسي عليه‌السلام في عهده من ظلم و جور و سجن. شاع اللهو في عهد المهدي، و ساد المجون، و انتشر التحلل بين الناس، فقد ذاع شعر بشار بن برد و تغزله بالنساء حتي ضج منه الأشراف و الغياري علي الدين. دخل علي المهدي يزيد بن منصور و طلب منه أن يوقف بشارا عند حده، فضيق عليه في بادي‌ء الأمر ثم أطلق سراحه، و انجرف هو بتيار مشكوف من المجون و الدعارة، و يعد بنظر الجاحظ المؤسس الأول للهو في دولة بني‌العباس. يقول الجاحظ: «انه احتجب بادي‌ء ذي بدء عن المغنين ثم قال: انما اللذة في مشاهدة السرور في الدنو ممن سرني، فاما من وراء وراء فما خيرها و لذتها؟» و بلغه حسن صوت ابراهيم الموصلي وجودة غنائه فقربه اليه، و أعلي من شأنه [153] و كان مولعا بشرب الخمر حتي نهاه عن ذلك وزيره يعقوب بن داود قائلا له: «أبعد الصلاة في المسجد تفعل هذه؟!». [ صفحه 93] فلم يلتفت لنصحه و قد سمع نصيحة بعض الشعراء الماجنين الذين حبذ له الاستمرار في شربها و عدم الاعتناء بقول وزيره قائلا: فدع عنك يعقوب بن داود جانبا و اقبل علي صهباء طيبة النشر [154] .

الرشوة و الظلم

انشغل المهدي يلهوه و ملذاته عن الرعية، فأخذ عماله الذئاب ينهبون الأموال و يستلبون الثروات، و انتشرت الرشوة انتشارا هائلا عند جميع القائمين علي شؤون الدولة. كما عمد الي ظلم الناس و الاحجاف بحقوقهم، فأمر بجباية أسواق بغداد، و جعل الأجرة عليها [155] . كما شدد في الخراج الي حد لا يطاق، و اذا ما اشتكي أحد من رعيته المظلومين مستغيثا يكون مصيره السجن أو القبر [156] .

اهتمامه بالوضاعين

قرب المهدي منه طائفة من علماء السوء الذين باعوا ضمائرهم بثمن رخيص، و فتكوا بالاسلام، و شوهوا معالمه، فأخذوا ينمقون الأباطيل و يلفقون الأكاذيب في مدح المهدي و الثناء عليه، أمثال: أبي‌جعفر السندي، و غياث بن ابراهيم الذي عرف هوي المهدي في الحمام فحدثه عن أبي‌هريرة أنه قال: «لا سبق الا في حافرا و نصل، و زاد فيه أو جناح..» فأمر له المهدي علي حديثه الكاذب بعشرة آلاف درهم، و لما ولي عنه جلساؤه قال: «أشهد أنه كذب علي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ما قال رسول الله ذلك، و لكنه أراد أن يتقرب الي..» [157] . و مع علمه بكذبه فقد أوصله و أعطاه و بذلك شجع حركة وضع الحديث و هي من أعظم الكوارث التي مني بها الاسلام [158] . [ صفحه 94]

عداؤه للعلويين

كان المهدي يكن في أعماق نفسه البغض للعلويين و شيعتهم، و قد ورث هذه البغضاء و الكراهية عن أبيه المنصور، و يعود السبب في ذلك الي الحق في تولي الحكم؛ فالثورة علي الحكم الأموي قامت علي أكتاف العلويين حماة العدل و الحق في الاسلام؛ و كانت تحمل طابع التشيع و واقعه الذي اتخذه الثوار شعارا لهم، فناضلوا من أجله و انضم العباسيون الي الدعوة علي هذا الأساس. روي الطبري قال: دخل المهدي علي أبي‌عون عائدا له، و طلب منه المهدي أن يعرض عليه حوائجه ليقوم بقضائها لأنه كان من أعز أصحابه و آثرهم عنده. فقال له أبوعون: - حاجتي أن ترضي عن ولدي عبدالله، فقد طالت موجدتك عليه. فقال الهندي: - يا أباعبدالله انه علي غير الطريق، و علي خلاف رأينا و رأيك، انه يسي‌ء القول في الشيخين. فقال أبوعون: - هو والله يا أميرالمؤمنين علي الأمر الذي خرجنا عليه، و دعونا اليه، فان كان قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم حتي نطيعكم» [159] فالثورة علي الحكم الأموي كما يتضح انما كانت شيعية بجميع أبعادها، فالمهدي متأكد من ذلك و عموم العباسيين يجزمون أن الثورة قامت من أجل التشيع. و شاهد آخر يدل ان الحق في تسلم الحكم للعلويين و ان العباسيين اختلسوا الحكم من أجل أطماعهم و هو: ان القاسم بن مجاشع بعث بوصيته الي المهدي ليشهد فيها يقول بالرسالة الوصية: «شهد الله أن لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا آله الا هو العزيز الحكيم، ان الدين عند الله الاسلام يشهد بذلك، و يشهد ان محمدا عبده و رسوله، و ان علي بن أبي‌طالب وصي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و وارث الامامة من بعده». [ صفحه 95] فلما قرأ المهدي الفقرات الأخيرة من الوصية رماها من يده و لم ينظر في باقيها» [160] . لقد آمن بذلك خواص العباسيين لكن طمع العباسيين في تولي السلطة و انحرافهم من أجل أطماعهم أحدث في نفوس حكامهم الطامعين هذا البغض للعلويين.

المهدي و الامام موسي

في بداية حكمه لم يتعرض المهدي الي الامام بمكروه، و قد اكتفي بوضعه تحت الرقابة المشددة. و لما شاع ذكره في الأوساط الاسلامية عامة، و الشيعية خاصة، غضب المهدي، و عمد الي التضييق عليه، ثم الي اعتقاله، لكنه سرعان ما أطلق سراحه لأنه رأي برهانا الهيا منعه عن ذلك. و ذاك البرهان:

اطلاق سراح الامام

سئم الامام عليه‌السلام من السجن، و ضاق صدره من طول المدة، فلجأ الي الله تعالي في أن يخلصه من هذه المحنة. قام في غلس الليل فجدد طهوره و صلي لربه أربع ركعات و أخذ يناجي الله و يدعوه، فاستجاب الله جل جلاله دعاء الامام عليه‌السلام، فأخرج من السجن.

عودة اعتقال المهدي للامام

لما انتشر ذكر الامام و ذاع صيته في جميع الآفاق الاسلامية، خاف المهدي علي كرسيه و لم يتمالك حقده و غيظه، و اعتقد ان ملكه لا يستقر الا باعتقال الامام، و بلغ الامام الخبر، تجهز للسفر من وقته، فسار عليه‌السلام حتي انتهي الي زبالة فاستقبله أبوخالد بحزن، نظر اليه الامام نظرة رأفة و رحمة و قال له: - ما لي أراك منقبضا؟!! [ صفحه 96] - كيف لا أنقبض و أنت سائر الي هذا الطاغية و لا آمن عليك. هدأ الامام من روعه و أخبره أنه لا ضير عليه في سفره هذا. ثم انصرف الامام متوجها الي بغداد. فلما وصل اليها أمر المهدي باعتقاله و ايداعه السجن، و نام المهدي تلك الليلة فرأي في منامه الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام فخاطبه: (يا محمد، فهل عيستم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم) [161] . فنهض المهدي من نومه مذعورا و استدعي حاجبه الربيع فورا فلما مثل بين يديه سمع المهدي يردد هذه الآية المباركة، و أمره باحضار الامام موسي، فلما أقبل اليه عانقه و أجلسه الي جانبه ثم قال له بعطف غير مألوف منه: «يا أباالحسن، اني رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب يقرأ علي الآية المذكورة، أفتؤمنني أن لا تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟ - والله ما فعلت ذلك و لا هو من شأني. - صدقت، يا ربيع، اعطه ثلاثة آلاف دينار ورده الي أهله الي المدينة، فقام الربيع فشايعه و أحكم أمره و سرحه في الليل. و سارت قافلة الامام عليه‌السلام تطوي البيداء حتي انتهت (زبالة) و كان اليوم الذي عينه لأبي‌خالد الذي يترقب قدومه بفارغ الصبر. فلما قدم عليه‌السلام عليه بادر يلثم يديه و الفرح باد عليه فأدرك الامام سروره و قال له: «ان لهم الي عودة لا أتخلص منها» [162] . و أشار الي ما يصنعه له هارون من اعتقاله له في سجونه.

الامام الكاظم في عهد الهادي

تولي الهادي الخلافة في أيام شبابها الغض، و في ابان قوتها الكاملة، و ثروتها الموفورة، و قد بويع له و هو في غضارة العمر و ريعان الشباب، فدفعه ذلك الي التمادي في الغرور و الطيش، و من مظاهر ذلك انه كان اذا مشي مشت الشرطة [ صفحه 97] بين يديه بالسيوف المشهورة، و الأعمدة و القسي الموتورة [163] ليظهر بذلك أبهة السلطة، اتصف بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه و في أعماله. و من هواياته الخاصة اللهو و الغناء، أحب صوت ابراهيم الموصلي و غناه فأطربه، فوهب اليه ثلاثين ألف دينار، و هو القائل: لو عاش لنا الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب [164] . و قد بالغ هذا الطاغية المغرور في عدائه للعلويين و التنكيل بهم، فقطع ما أجراه لهم المهدي من الأرزاق و الأعطيات، و كتب الي جميع الآفاق في طلبهم، و حملهم الي بغداد [165] . و من الكوارث الفظيعة التي حلت بعترة النبي صلي الله عليه و اله و سلم و ذريته كارثة (فخ) التي تحدث عنها الامام الجواد بقوله: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ». لقد اقترف العباسيون في هذه الجريمة أضعاف ما اقترفه الأمويون في مأساة كربلاء، فرفعوا رؤوس العلويين علي الرماح و معها الأسري يطاف بها في الأقطار، و تركوا الجثث الطاهرة ملقاة علي الأرض مبالغة منهم في التشفي و الانتقام من أهل البيت عليهم‌السلام. أرسلت رؤوس الأبرار الطاهرين الي الطاغية الهادي و معها الأسري مقيدون بالسلاسل، و في أيديهم و أرجلهم الحديد. أمر الطاغية بقتل الأسري فقتلوا و صلبوا علي باب الحبس [166] .

تهديد الهادي للامام موسي

بعد أن أتم الهادي نكبته بالعلويين أخذ يتوعد الأحياء منهم بالقتل و الدمار و علي رأسهم عميدهم و سيدهم الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام فقال: «والله ما خرج [ صفحه 98] حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله ان أبقيت عليه». و أضاف يقول في تهديده: «و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر الصادق عليه‌السلام من الفضل المبرز عن أهله في دينه، و عمله و فضله، و ما بلغني من السفاح فيه من تعريضه و تفضيله، لنبشت قبره و أحرقته بالنار احراقا».

استهزاء الامام به

بعد التهديد خف أهل‌بيت الامام و أصحابه اليه و أشاروا مجمعين عليه أن يختفي من شر هذا الطاغية لينقذ نفسه من ويلاته، فلم يهتم للأمر لأنه قد استشف من وراء الغيب هلاك هذا الباغي قريبا و تمثل بقول كعب بن مالك: زعمت سخينة ان ستغلب ربها و ليغلبن مغالب الغلاب [167] . و كان ما أراد الامام باذن الله سبحانه الذي قصم ظهره قبل أن ينال الامام بسوء.

دعاء الامام علي الهادي

توجه الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام نحو القبلة، و أخذ يتضرع الي الله لينجيه من شر هذا الطاغية الحقود. و دعا بهذا الدعاء الجليل. «الهي: كم من عدو انتضي علي سيف عداوته، و شحذ لي ظبة مديته، و أرهب لي شبا حده، و داف لي قواتل سمومه، و سدد نحوي صوائب سهامه، و لم تنم عني عين حراسته، و أضمر أن يسومني المكروه، و يجرعني زعاف مرارته، فنظرت الي [ صفحه 99] ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته، و وحدتي في كثير من ناواني، و ارصادهم لي فيما لم أعمل فيه فكري في الارصاد لهم بمثله.. [168] . و بعد فراغ الامام عليه‌السلام من دعائه الشريف التفت الي أصحابه يهدي‌ء روعهم، و يفيض عليهم قبسا من علمه المستمد من علم جده الرسول صلي الله عليه و اله و سلم قائلا: «و حرمة هذا القبر و أشار الي قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم قد مات الهادي من يومه هذا، والله انه لحق مثل ما انكم تنطقون..».

هلاك الطاغية الهادي

استجاب الله سبحانه و تعالي دعاء وليه العبد الصالح فأهلك عدوه الطاغية الجبار، و أراح العباد و البلاد من شره، و روت أكثر المصادر عن سبب وفاته فقالوا: ان أمه الخيزران غضبت عليه لأنه قطع نفوذها لقصة مشهورة، و انها خافت علي ولدها هارون من شره، فأوعزت الي جواريها بخنقه، فعمدت الجواري الي قتله و هو نائم [169] . و بذلك انطوت صفحة هذا الطاغية، و لم تطل خلافته فقد كانت سنة و بضعة أشهر؛ لكنها كانت ثقيلة علي المسلمين الذين لاقوا خلالها أصعب المحن، و هل آلم من مشهد رؤوس أبناء النبي صلي الله عليه و اله و سلم يطاف بها في الأقطار، و أسراهم يقتلون و يصلبون، لم ترع فيهم لا حرمة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و لا حرمة الاسلام، دين المحبة و العدل و التسامح!! كل هذه الأحداث الجسام من المهدي الي المنصور الي الهادي الي الرشيد رآها كلها الامام موسي بن جعفر بعينه، و شاهدها بنفسه، و ذاق ويلاتها، و رافق مآسيها؛ لقد رأي الحق مضاعا، و العدل مجافي و الظلم مسيطرا، و الاحرار في القبور و في غياهب السجون. عاش في غضون صباه و في ريعان عمره محنة المجتمع الاسلامي و شقاءه [ صفحه 100] فرأي الأدوار الرهيبة التي مرت به فلم ينتقل من جور الأمويين و ظلمهم حتي وقع تحت وطأة الحكم العباسي، فأخذ يعاني التعسف و الجور و الاستبداد، و أخذت السلطة العباسية تمعن في نهب ثروات المسلمين و افقارهم و صرفها علي المجون و الدعارة كما كان الحال أيام الحكم الأموي. و من الطبيعي ان يكون لكل ذلك أثر كبير في حياة الامام الكاظم عليه‌السلام المشحونة بالأسي و الحزن. و قد ألام لأنني استرسلت في الحديث عن عصر الامام عليه‌السلام و السبب في ذلك يعود لما لهذه الأحداث الكبيرة و المؤلمة من أثر في حياة الامام عليه‌السلام لكنه لم يلن له جانب، و لا تهاون مرة واحدة، و لم يضعف أمال هول كل هذه الجرائم، بل دافع بكل ما أعطاه الله من قوة، و كظم غيظه، و جاهد صابرا مثابرا مطالبا بحق المسلمين المحرومين، و مناصرا للحق من أجل صيانة الدين و المحافظة علي حقوق الأمة الاسلامية.

الامام موسي الكاظم و هارون

اشاره

لابد لنا من الحديث عن الأسباب التي دعت هارون الرشيد لسجن الامام موسي عليه‌السلام و أظن ان القراء يهمهم الاطلاع علي هذه الأسباب، و التعرف علي دور محنته الكبري أيام اظطهاده في سجن الطاغية هارون.

حقد هارون الموروث

كان الحقد من الصفات الرئيسية التي تميز بها هارون، فهو لم يرق له أن يسمع الناس أن يتحدثوا عن أي شخصية تتمتع بمكانة عليا في مجتمعه، محاولا تزهيد الناس و احتكار الذكر الحسن لنفسه، و هذا يدل علي منتهي الأنانية الحاقدة، و منتهي الضعف في الشخصية القلقة. حسد الرشيد البرامكة و حقد عليهم لما ذاع صيتهم، و تحدث الناس عن مكارمهم حتي أنزل بهم أشد العقاب و أزال وجودهم. و حقد علي الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام لما يتحلي به من شخصية فذة لامعة بعد أن ذاع صيته العطر بين الناس، و تناقلوا فضائله، و تحدثوا عن علمه الغزير، و مواهبه العالية. و ذهب جمهور غفير من المسلمين الي الاعتقاد بامامته [ صفحه 101] و أنه أحق بالخلافة من أي شخص آخر في عصره. و كان يذهب الي فكرة الامامة كبار المسؤولين في دولة هارون مثل: علي بن يقطين، و ابن‌الأشعث، و هند بن الحجاج و أبويوسف محمد بن الحسن و غيرهم من قادة الفكر الاسلامي. و الرشيد نفسه يؤمن بأن الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام هو أولي منه بهذا المنصب الهام في الأمة الاسلامية كما أدلي بذلك لابنه المأمون. لم يرق لهارون أن يري في المجتمع من هو أفضل منه، و ان الجماهير و سائر الأوساط الشعبية و الخاصة تؤمن أيضا هو أولي بالخلافة منه، و ان الامام يفوقه علما و فضلا و حكمة و ثقة، و ان المسلمين قد أجمعوا علي تعظيمه، فتناقلوا فضائله و علومه، و تدفقوا علي بابه من أجل الاستفتاء في الأمور الدينية. لذلك كله حقد علي الامام و ارتكب تلك الجريمة المروعة حيث أودعه في ظلمات السجون، و غيبه عن جماهيره و شيعته، و حرم الأمة الاسلامية من الاستفادة من غزير علومه، و نبل نصائحه، و جميل توجيهاته.

حرص هارون علي الملك

كان هارون يضحي في سبيل ملكه جميع القيم و المقدسات، و قد عبر عن مدي حرصه علي سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال و هي: «لو نازعني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لأخذت الذي فيه عيناه». أجل! فكيف يخلي عن سراح الامام، و كيف تطيب نفسه و قد رأي الناس أجمعوا علي حب الامام و تقديره و احترامه؟ كان هارون يخرج متنكرا الي العامة ليقف علي اتجاهاتهم و رغباتهم فلا يسمع الا الذكر العاطر و الثناء الجميل علي الامام، و حب الناس له، و رغبتهم في أن يتولي شؤونهم، مما دفع به علي ارتكاب جريمته و قتله.

الوشاية بالامام

من الذين بلي بهم الاسلام جماعة من الأوغاد و المتزلفين، باعوا ضمائرهم فعمدوا الي السعي بالامام عليه‌السلام و الوشاية به عند الطاغية هارون ليتزلفوا اليه [ صفحه 102] بذلك. و قد بقي منهم نماذج في جميع مراحل التاريخ. - من هؤلاء من أبلغ هارون بأن الامام تجبي له الأموال الطائلة من شتي الأقطار الاسلامية، و اشتري ضيعة تسمي (اليسرية) بثلاثين ألف دينار، فأثار ذلك كوامن الحقد عند هارون. و سياسته كانت تجاه العلويين تقضي بفقرهم، و وضع الحصار الاقتصادي عليهم. و هذه الوشاية كانت من جملة الأسباب التي دعت الي سجن الامام عليه‌السلام [170] . - و فريق آخر من هؤلاء الأشرار سعوا بالامام الي هارون فقالوا له: ان الامام يطالب بالخلافة، و يكتب الي سائر الأقطار الاسلامية يدعوهم الي نفسه، و يحفزهم ضد الدولة العباسية و كان في طليعة هؤلاء الوشاة يحيي البرمكي. هؤلاء أثاروا كوامن الحقد علي الامام. - و من الأسباب التي زادت في حقد هارون علي الامام و سببت في اعتقاله احتجاجه عليه‌السلام عليه بأنه أولي بالنبي العظيم صلي الله عليه و اله و سلم من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه و وريثه، و انه أحق بالخلافة من غيره و قد جري احتجاجه عليه‌السلام معه في مرقد النبي صلي الله عليه و اله و سلم. أقبل هارون بوجهه علي الضريح المقدس و سلم علي النبي قائلا: «السلام عليك يا ابن العم» و قد اعتز بك علي من سواه، و افتخر علي غيره برحمه الماسة من النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و انما نال الخلافة لقربه من الرسول صلي الله عليه و اله و سلم. و كان الامام عند ذلك حاضرا فسلم علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم قائلا: «السلام عليك يا أبت». ففقد الرشيد صوابه، و استولت عليه موجات من الاستياء، فاندفع هارون قائلا بنبرات تقطر غضبا: «لما قلت انك أقرب الي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم منا؟؟». فأجابه عليه‌السلام بجواب سديد لم يتكمن الرشيد من الرد عليه. سأله الامام: [ صفحه 103] «لو بعث الرسول صلي الله عليه و اله و سلم حيا و خطب منك كريمتك هل كنت تجيبه الي ذلك؟. فقال هارون: سبحان الله!! و كنت أفتخر بذلك علي العرب و العجم. فقال الامام عليه‌السلام مبينا له الوجه في قربه من النبي صلي الله عليه و اله و سلم قائلا: «لكنه لا يخطب مني و لا أزوجه لأنه ولدنا و لم يلدكم فلذلك نحن أقرب اليه منكم» ثم زاد قائلا عليه‌السلام: «هل يجوز للرسول صلي الله عليه و اله و سلم أن يدخل علي حرمك و هن مكشفات؟؟». فقال هارون: لا. فقال الامام عليه‌السلام لكن له ان يدخل علي حرمي و يجوز له ذلك و لذلك نحن أقرب اليه منكم» [171] . و عندها ظهر عجز هارون فقال له: «لله درك ان العلم شجرة نبتت في صدوركم فكان لكم ثمرها، و لغيركم الأوراق». و اندفع هارون بعدما أعياه الدليل الي المنطق و أمر باعتقال الامام عليه‌السلام و زجه في السجن [172] .

صلابة موقف الامام

كان موقف الامام عليه‌السلام من الطاغية هارون موقفا واضحا كل الوضوح، تمثلت فيه صلابة العدل، و قوة الحق، و الدفاع عن المظلومين، و الوقوف الي جانبهم في كل شؤونهم و شجونهم، فقد أعلن لشيعته أن التعاون مع السلطة الحاكمة حرام و لا يجوز بأي وجه من الوجوه. و شاعت في الأوساط الاسلامية فتوي الامام بحرمة الولاية من قبل هارون، و حرمة التعاون مع الحكام الظالمين فأوغر ذلك قلب هارون و حقد علي الامام حقدا بعيد الحدود. و الامام عليه‌السلام كما يعلم الجميع لا يعرف المصانعة و التسامح مع الحق، و لا [ صفحه 104] يداري فيما يعود الاساءة الي مصالح الأمة الاسلامية. فموقفه واضحا صريحا. لا لبس فيه. يروي انه دخل علي هارون في بعض قصوره الأنيقة الفخمة التي لم ير مثلها في بغداد، فسأله هارون بعد أن أسكرته نشوة الحكم قائلا: ما هذه الدار؟ فأجابه الامام عليه‌السلام غير مهتم بسلطانه و جبروته: هذه الدار دار الفاسقين. قال تعالي: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، و ان يروا كل آية لا يؤمنوا بها، و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين) [173] . لما سمع هارون هذا الكلام الثقيل علي روحه أصابته رعدة عارمة و استولت عليه موجة من الاستياء. فقال للامام: - دار من هي؟ - هي لشيعتنا فترة، و لغيرهم فتنة. - ما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ - أخذت منه عامرة و لا يأخذها الا معمورة. - أين شيعتك؟ - فتلا عليه الامام عليه‌السلام قوله تعالي: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة) [174] . فطفح اناء الغضب عند هارون و صاح غاضبا: - أنحن كفار؟!! فقال الامام: لا، و لكن كما قال تعالي: (ألم تر الي الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) [175] . [ صفحه 105] فغضب هارون و أغلظ في كلامه علي الامام [176] . هكذا كان موقف الامام عليه‌السلام مع هارون كموقف أبيه و جده عليهم‌السلام لا لين فيه و لا هوادة أمام الحق. فالغاصب لمنصب الخلافة هو مختلس للسلطة و الحكم، و يجب أن يحاسب و يطالب بحقوق الأمة الاسلامية و كما قال سيدالشهداء: «ما خرجت أشرا و لا بطرا و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي».

الامام الكاظم دائرة معارف: رسالته في العقل

اشارة

قبل الحديث عن رسالة الامام موسي عليه‌السلام في العقل التي تعد ثروة فكرية عظيمة، لابد لنا من الحديث عن منهج أهل البيت عليهم‌السلام في العقل. لأهل البيت عليهم‌السلام منهج علمي خاص لا يحيدون عنه، به يفسرون الأمور الدينية، و به يقيسون المبادي‌ء و الآراء و المعتقدات و الفلسفات و هو العقل السليم. بالعقل السليم يستدل علي غيره و لا يستدل بغيره عليه. و لأهل البيت كلام كثير بهذا الموضوع ذكره الكليني في أول أصول الكافي منه: «ان الله جعل العقل دليلا علي معرفته... و من كان عاقلا كان له دين.. أعلم الناس بأمر الله أحسنهم عقلا.. العقل دليل المؤمن» و جاء في نهج‌البلاغة لأميرالمؤمنين: «أغني الغني العقل». معني هذا ان العقل هو المبدأ الأول لكل حجة و دليل، و اليه تنتهي طرق العلم و المعرفة بكل شي‌ء و كل حكم. و العقل هو القوة المبدعة التي منحها الله عزوجل الي الانسان و ميزه به علي الحيوان الأبكم، و شرفه علي بقية الموجودات، و استطاع به أن يستخدم الكائنات، و يكشف أسرارها، و بالعقل جعله خليفة في الأرض، ينظم الحياة عليها و يعمرها. و قد انتهي الانسان بفضل عقله الي غزو الفضاء و الكواكب، و انطلق انطلاقة [ صفحه 106] رائعة الي اكتشافات مذهلة، و سيصل في مستقبله القريب أو البعيد الي ما هو أعمق و أشمل من ذلك. ان كل حكم سواء أكان مصدره الوحي أم الحس و التجربة دليله العقل حيث لا وزن للسمع و البصر بلا عقل، و لا سبيل الي العلم بمصدر الوحي الا العقل و دلالته. و بصورة أوضح نحن نأخذ بحكم الوحي و الشرع بأمر من العقل، أما حكم العقل فنأخذه و نعمل به، و ان لم ينص عليه الوحي و الشرع، و الخلاصة أن أبعد الناس عن الدين من يظن أن الدين بعيد عن العقل. و ان ما يقصد اليه هو العقل السليم.

معني العقل السليم

اشاره

العاقل في اصطلاح القرآن الكريم و عند الناس هو الذي يضع الشي‌ء في مكانه و يملك ارادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها و لا يستجيب لهواها ان يك مخالفا للعقل و حكمه. قال تعالي: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض و من فيهن..» [177] و قال عزوجل: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله..) [178] . و قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم... فلا تتبعوا الهوي أن تعدلوا و ان تلووا أو تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا) [179] . و قال سبحانه و تعالي: (و أما من خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوي. فان الجنة هي المأوي) [180] . يتضح من هذه الآيات الكريمات ان العاقل هو الذي ينقاد الي حكم العقل، و يؤثره علي هواه. و عليه يكون المراد بالعقل السليم: الادراك النابع من العقل [ صفحه 107] بالذات، العقل المستنير بالمعرفة و الحق و الايمان، و ليس من الجهل و التعصب و الأهواء الشخصية!! و ما نراه ان الرجل الواقعي الواعي لا يجزم بالفكرة الخاطفة العابرة، و لا ينطلق مع رغبته و ارادته قبل أن يتدبر و يتأمل، بل يتريث و يملك نفسه و يبحث، حتي يهتدي الي الرأي الناضج الأصيل. علي العكس من الرجل العاطفي الذي يبت في الأمور برغبته و هواه قبل أن يفكر مليا، و بتعبير أدق: يصدق قبل أن يتصور. و سئل الامام الصادق عليه‌السلام عن العقل فقال: «ما عبد به الرحمن، و اكتسب به الجنان. قيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل، و ليست بالعقل». و يعني بقوله عليه‌السلام ان العقل لا يقود الي الحرام كما يفعل الشيطان. والله سبحانه و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه حيث قال: (و الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها و أنابوا الي الله لهم البشري فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [181] . هذه الآية تعد من أوضح الآيات التي جاءت في العقول السليمة. و الامام عليه‌السلام استدل بهذه الآية الكريمة علي تقديم أهل العقول السليمة علي غيرهم لأن الله قد بشرهم بالهداية و النجاح، و قد تضمنت الآية التي استشهد بها عليه‌السلام جملة من الفوائد منها:

وجوب الاستدلال و حدوث الهداية

1 - اذا وقف الانسان علي جملة من الأمور فيها الصحيح و الفاسد، و كان في الصحيح هدايته و في السقيم غوايته فانه يتحتم عليه أن يميز بينهما ليعرف الصحيح منها فيتبعه، و السقيم فيبتعد عنه، و من الطبيعي أن ذلك لا يحصل الا باقامة الدليل و الحجة، و بهذا يستدل علي وجوب النظر و الاستدلال في مثل ذلك. 2 - كما دلت الآية علي الهداية، فمن المعلوم ان كل عارض لابد له من [ صفحه 108] موجد كما لابد له من قابل، اما الموجد للهداية فهو الله تعالي و لذلك نسبها اليه بقوله: (أولئك الذين هداهم الله)، و أما القابلون لها كلهم أهل العقول المستقيمة و الي ذلك أشار بقوله سبحانه: (أولئك هم أولوا الألباب). و من المعلوم ان الانسان يقبل الهداية من جهة عقله لا من جهة جسمه و أعضائه، فلو لم يكن كامل العقل لامتنع عليه حصول المعرفة و الفهم كما هو ظاهر. قال الامام موسي الكاظم عليه‌السلام مخاطبا هشام بن الحكم: يا هشام: ان الله تبارك و تعالي أكمل للناس الحجج بالعقول، و نصر النبيين بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالأدلة فقال سبحانه: (و آلهكم آله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم، ان في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون) [182] . يتوضح من حديث الامام هذا ان الله أكمل نفوس أنبيائه بالعقول الفاضلة ليكونوا حججا علي عباده، و هداة لهم الي الطريق السليم لينجوا من مهالك الدنيا و مزالقها، ولو لم يمنحهم العقل لما صلحوا لقيادة الأمم و هدايتها، لأن الناقص لا يكون مكملا لغيره، و فاقد الشي‌ء لا يعطيه.

كيف نصر الله أنبياءه

اشاره

الله عزوجل نصر أنبياءه بآيات الصدق، و دلهم علي ربوبيته ببيان الحق، و علمهم علي معرفته و توحيده بأدلة حاسمة تشهد علي وجوده، و تدل علي وحدانيته. و كما قال علماء المنطق و الفلاسفة، ان المعلول يدل علي العلة، و الأثر يدل علي المؤثر. و قد استدل الامام الكاظم عليه‌السلام علي فضل الله بالآيات الكريمة، [ صفحه 109] و ذلك في حديثه الذهبي هذا الذي يعتبر من أهم الثروات الفكرية التي أثرت عنه. و قد شرحه شرحا فلسفيا الشيخ المتأله الآخوند ملاصدرا اقتبسنا بعضه. قال عليه‌السلام من خلال هذه الآية الكريمة:

خلق السماوات و الأرض

[البقرة الآية 164] من أعظم آيات الله خلقه للسماوات التي زينها بالكواكب السابحة في الفضاء، و سيرها في مداراتها، متباعدا بعضها عن بعض حسب قواعد الجاذبية، و هي مسخرة في حركاتها و انجذابها، و جذبها بأمر الله تعالي، فبعضها أكبر من الأرض بعدة ملايين، و هي تسير في أفلاكها لا يصطدم بعضها ببعض. آية ظاهرة تنادي بوجود الله جلت قدرته. جاء في تفسير المنار للشيخ محمد عبده: ج 2 ص 60. «تتألف هذه الأجرام السماوية من طوائف، لكل طائفة منها نظام كامل محكم، و لا يبطل نظام بعضها نظام الآخر، لأن للمجموع نظاما عاما واحدا يدل علي أنه صادر عن اله واحد لا شريك له في خلقه و تقديره و حكمته و تدبيره، و أقرب تلك الطوائف الينا ما يسمونه النظام الشمسي نسبة الي شمسنا هذه التي تفيض أنوارها علي أرضنا فتكون سببا للحياة النباتية و الحيوانية. و الكواكب التابعة لهذه الشمس مختلفة في المقادير و الأبعاد. و قد استقر كل منها في مداره، و حفظت النسبة بينه و بين الآخر بنسبة الهية. و لولا هذا النظام لانفلتت هذه الكواكب السابحة في أفلاكها فصدم بعضها بعضا، و هلكت العوالم بذلك. فهذا النظام آية علي الرحمة الالهية كما أنه آية علي الوحدانية، يقول العلامة جون وليام كوتس: «ان ما اكتشفه العلم الحديث من النجوم هو بمقدار من الكثرة بحيث لو كنا نعد النجوم كلها بسرعة 1500 نجما في الدقيقة لاستغرق عدنا 700 سنة، أما نسبة الأرض اليها فهي أقل كثيرا من نقطة علي حرف في مكتبة تضم نصف مليون من [ صفحه 110] الكتب من الحجم المتوسط [183] . و تابع قائلا: «ان هذا العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من الاتقان و التعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة. انه ملي‌ء بالروائع و الأمور المعقدة التي تحتاج الي مدبر، و التي لا يمكن نسبتها الي قدر أعمي، و لا شك ان العلوم قد ساعدتنا علي زيادة و فهم و تقدير ظواهر هذا الكون و هي بذلك تزيد من معرفتنا بالله و من ايماننا بوجوده» [184] . مما لا شك فيه ان كل ذلك لم يكن وليد الصدفة اذ كيف يمكن أن تفسر هذه العمليات المعقدة، و كيف نستطيع أن نفسر هذا الانتظام في ظواهر الكون، و العلاقات السببية، و التكامل و التوافق و التوازن التي تنتظم بسائر الظواهر، و تمتد آثارها من عصر الي عصر؟ و كيف يعمل هذا الكون من دون أن يكون له خالق مدبر، هو الذي خلقه و أبدعه و دبر سائر أموره؟؟.

الأرض

و من عجائب خلق الله في خلقه هذا الكواكب الذي نعيش عليه، فقد جعله تعالي يدور حول محوره في كل 24 ساعة مرة واحدة، و سرعة حركته ألف ميل في الساعة ولو كان يدور حول محوره بسرعة ماية ميل في الساعة لكان طوال الليل عشر أمثال ما هو عليه الآن، و كذا طول النهار، و كانت الشمس محرقة في الصيف لجميع النبات، و في الليالي الباردة كان يتجمد ما عليها من نبات و حيوان، كما أنها لو اقتربت الشمس من الأرض أكثر مما عليه الآن لازدادت الأشعة التي تصل اليها بدرجة تؤدي الي امتناع الحياة عليها، ولو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر لعجزت عن احتفاظها بالغلاف الجوي و المائي اللذين يحيطان بها، و لصارت درجة الحرارة فيها بالغة حتي الموت ولو كان قطرها ضعف قطرها الحالي لأصبحت جاذبيتها للأجسام ضعف ما هي عليه و انخفض تبعا لذلك ارتفاع غلافها الهوائي و زاد الضغط الجوي و هو يوجب تأثيرا بالغا علي الحياة فان مساحة المناطق الباردة تتسع [ صفحه 111] اتساعا كبيرا، و تنقص مساحة الأرض الصالحة للسكن نقصا ذريعا، و بذلك تعيش الجماعات الانسانية منفصلة أو في أماكن متنائية فتزداد العزلة بينها، و يتعذر السفر و الاتصال بل قد يصير ضربا من ضروب الخيال. ولو كانت الأرض في حجم الشمس لتضاعفت جاذبيتها للأجسام التي عليها الي ماية و خمسين ضعفا و نقص بذلك ارتفاع الغلاف الجوي و وصل وزن الحيوان الي زيادة ماية و خمسين ضعفا عن وزنه الحقيقي كما تتعذر الحياة الفكرية عامة [185] . و ميزة أخري خص الله بها الأرض فجعل لها غلافا غازيا كثيفا يقدر سمكه بثمانماية كيلومتر. و هو يتكون من جميع العناصر الضرورية للحياة، و هو السبب في حيلولة الشهب القاتلة الي الأرض كما انه السبب في ايصال حرارة الشمس بصورة معتدلة الي الأرض بحيث يمكن أن تعيش علي سطحها الحيوانات و النباتات كما أن له الأثر في نقل المياه و البخار من المحيطات الي القارات، و لولاه لتحولت القارات الي أرض قاحلة، و ليس لبعض الكواكب هذا الغلاف مما سبب عدم ظهور الحياة عليها. فالمريخ له غلاف غازي و لكنه رقيق جدا و غير صالح للحياة لخلوه من الأوكسجين. و الزهرة لها غلاف غازي و لكنه مكون من ثاني أوكسيد الكربون (co2) مما يجعله غير صالح لظهور الحياة. و كذلك القمر له غلاف رقيق خال من العناصر الضرورية للحياة مثل الأوكسجين [186] ناهيك بما في مائها و أنهارها و جبالها و معادنها من الآيات و العجائب. قال سماحة الامام المغفور له كاشف الغطاء: «حقا ان من أعظم تلك الآيات التي نمر عليها في كل وقت و علي كل حال هذه الأرض التي نعيش عليها، و نعيش منها و نعيش بها، منها بدؤنا و اليها معادنا [ صفحه 112] قال تعالي: (.. و ادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) [187] . و قال رحمه الله: الأرض هي أم المواليد الثلاثة: الجماد، و النبات، و الحيوان، و تحوطها العناية بالروافد الثلاثة: الماء و الهواء و الشمس، فهي الحياة و هي الممات، و فيها الداء، و منها الدواء و قد تحصي نجوم السماء، أما نجوم الأرض فلا تحصي. و لا تزال الشريعة الاسلامية قرآنها و حديثها يعظم شأن الأرض و ينوه عنها صراحة و تلميحا. قال تعالي: (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا) [188] . و قال عزوجل: (و الأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها و مرعاها) [189] . و قال سبحانه و تعالي: (انا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا. و عنبا و قضبا. و زيتونا و نخلا. و حدائق غلبا و فاكهة و أبا. متاعا لكم و لأنعامكم) [190] . و مع تقدم الاكتشافات و الاختراعات، و استخدام العقول الثاقبة جميع وسائل العلم، لم تصل هذه العقول الي تحليل جميع عناصر الأرض و استخراج جميع كنوزها، فسبحانه ما أجل قدرته، و أعظم صنعه..!!

اختلاف الليل و النهار

و من آياته عزوجل اختلاف الليل و النهار؛ ذكر علماء التفسير للاختلاف وجهين: (أحدهما) مأخوذ من خلفه يخلفه و اذا ذهب الأول و جاء الثاني، فيكون المراد باختلاف الليل و النهار تعاقبهما في الذهاب و المجي‌ء. (و الثاني) الاختلاف في الطول و القصر، و النور و الظلمة، و الزيادة و النقيصة؛ و كما انهما يختلفان في الزمان فكذلك يختلفان في المكان، فاذا افترضنا الصبح قد حل في موضع ما، فهي [ صفحه 113] في موضع آخر ظهر، و في مكان آخر عصر، و في مكان آخر مغرب... و هلم جرا. و ذلك لكروية الأرض. و هذا الاختلاف من آثار النظام الشمسي الذي يدل علي وحدة الله و وجوده. كما ان هناك مصالح لا تحصي ترتبت علي هذا الاختلاف: و علي سبيل المثال: أحوال العباد بسبب طلب الكسب و المعيشة في النهار، و طلب الراحة في الليل. الي غير ذلك من المصالح الحيوية التي ذكرها العلماء في سر هذا الاختلاف التي تكشف عن وجود الله سبحانه و تعالي، و عن جميل صنعه، و عظيم قدسه.

جريان الفلك

و يرشح من هذه الآية الكريمة جريان الفلك في الماء، فلولا لطافة الماء و خفتها لما أمكن جريان البواخر و السفن فيه، كما أنه لولا الرياح المعينة علي تحريكها الي الجهات المختلفة التي يبغيها الناس لما أمكن النفع بها، و قد جعل الله تلك الرياح متوسطة الهدوء ولو كانت عاصفة لتحطمت البواخر، بالاضافة الي أن مواد السفن من الخشب و الحديد و غيرها هي من خلق الله تعالي و من ابداعاته، و ان كانت الهيئة التركيبية من الناس. [191] .

نزول الماء من السماء

و من آياته تعالي انزال الماء من السماء فانه من عجائب صنعه جلت قدرته، فقد خلقه مركبا من الأكسجين و الهيدروجين بنسبة واحد (O) و اثنان (H). و كل عنصر من أجزائه يختلف عن العنصر الآخر و يخالفه و جعله تعالي سببا لحياة الانسان و سببا لرزقه و معيشته فقال سبحانه: (و في السماء رزقكم و ما توعدون) [192] . فنزول المطر حياة للأرض، لأن فيها قوة الحياة الانسانية و الحيوانية و النباتية، فيحصل بذلك النبات و الأزهار و الرياحين، و تلبس الأرض فستانها القشيب الجميل المضمخ بعطر الزهور، و لا ريب ان الجمال يبعث علي البهجة [ صفحه 114] و المسرة لكل من نظر اليها، و هذا هو المراد من حياتها. و في ذلك شواهد علي قدرة الصانع الماهر و ابداعه. ولو أمعن الانسان في النبات و الزرع و ما فيهما من العجائب لآمن بقدرة الله و جمال صنعه و حسن تدبيره. فالزرع بحكمة الهية يخرج بالحد الذي يحتاج اليه الانسان في أوقات معلومة، فما يخرج في موسم الربيع لا يخرج في الخريف و ما يخرج في موسم الصيف لا يدرك في الشتاء زد علي ذلك الأشجار المتنوعة الثمار، فانها متغايرة بألوانها و طعمها و رائحتها و فائدتها الصحية مع أنها تسقي بماء واحد، و تخرج من أرض واحدة، فلو نظر الانسان الي كل ذلك بعين بصيرة لآمن بربه و ما زاغ قلبه و ما خرج عن جادة الايمان. المهم أن يعمل بعقله السليم و يفكر مليا. قال الامام الصادق عليه‌السلام: «تفكير ساعة خير من عبادة سنة».

بث الدواب في الأرض

و من آياته العظيمة سبحانه و تعالي بث الحيوانات في الأرض المختلفة، في أنواعها و أصنافها و أشكالها و طبايعها المختلفة، و معيشتها المتباينة. و لا يخفي ان الانسان كما عرفوا عنه حيوان ناطق لكنه شرفه الله بالعقل المستنير، و اللسان الناطق الفصيح، فهو خليفة الله في أرضه، و هو النموذج المحتذي لجميع ما في العالمين: عالم الملك، و عالم الملكوت، و بصورة خاصة حسب وعيه و ادراكه و احاطته بما يخزن في ذاكرته من الحقائق و المعلومات الكلية و الجزئية، بل هو أكبر ما في العالم؛ يقول الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: أتحسب أنك جرم صغير و فيك انطوي العالم الأكبر و لنتأمل في تكوين الانسان فنري فيه أعظم آيات لله، الأجهزة الدقيقة التي لا تعد و لا تحصي كتكوين العين التي تحتوي علي 130 مليون من مستقبلات الضوء و هي أطراف أعصاب الأبصار، و يقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذي يقيها ليلا نهارا، و تعتبر حركته حركة غير ارادية يمنع عنها الأتربة و الذرات، كما يكسر من حدة الشمس. ثم جعل لها سبحانه السائل المحيط بها المعروف بالدموع التي يقول عنها الأطباء: انها من أقوي المطهرات و المعقمات، الي غير ذلك مما هو أبلغ دليل علي وجود الله مبدع الكون. قال تعالي: (لقد خلقنا الانسان في أحسن [ صفحه 115] تقويم) [193] و في الانسان حاسة السمع و هي أعجب أجهزة الانسان، تحتوي علي مجموعة أقنية بين لولبية و نصف مسدتيرة، ففي القسم اللولبي وحده أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع في الرأس. فما طول هذه الأقواس؟ و ما حجمها؟ و كيف ركبت؟ انها دقة تحير الألباب، فسبحان الله المبدع المصور!! و في الانسان حاسة الشم: و هي من أعظم آيات الله فمركز هذه الحاسة منطقة محدودة من الغشاء المخاطي المبطن لتجويف الأنف، تسمي منطقة الشم، و هي خالية من الأهداب و بها عدة خلايا شمية طويلة رقيقة تنقل الأثر الي المخ، و ذلك في جزء من الأنف، و هو المدخل الرئيسي للجهاز التنفسي الذي يتوقف عليه حياة الانسان. و في جسم الانسان: الجهاز العظمي، و هو يتكون من 206 عظمة مختلفة الأشكال، يتصل بعضها ببعض بالمفاصل التي تحركها العضلات، و هذه العظام يقول عنها العلماء: انها مصنع الحياة في الجسم اذ أنها تكون الكريات الدموية الحمراء و البيضاء. و من عجيب أمر هذه الكريات أنها في كل دقيقة من حياة الانسان يموت منها ما لا يقل عن 180000000 ماية و ثمانين مليون بسبب دفاعها عن الجسم ضد المكروبات الوافدة. و بالاضافة الي ما تصنعه العظام من كريات الدم فانها مخزن تحفظ للجسم ما يزيد عن حاجته من الغذاء، سواء كان ذلك في داخل العظام نفسها كالمواد الدهنية و الزلالية، أو علي العظام نفسها كالمواد الجيرية. أما عن أشكال العظام الملائمة لكل موضع خلقت له فهذا أمر عجيب، فعظام الجمجمة تحمي المخ لأنها أشد صلابة من غيرها... الي غير ذلك مما في الانسان من الأجهزة الأخري التي يطول الحديث عنها و لها علماؤها المختصون بها: [ صفحه 116] كالجهاز العصبي، و الجهاز اللمفاوي، و الجهاز التناسلي، و الجهاز العضلي. و هي تدل بوضوح علي قدرة صانعها و دقة ابداعه. [194] .

تسخير السحاب

كل ما في الكون سخره سبحانه و تعالي لخدمة الانسان، و مصالحه و سعادته، و من آياته تسخير السحاب، فقد سخره في أوقات مخصوصة لاحياء العباد و البلاد، و استمرار وجوده يؤدي الي فساد جميع المركبات التي تتوقف علي الجفاف، لأنه يستر أشعة الشمس؛ و انقطاعه يؤدي الي القحط فيهلك الانسان و الحيوان فكان تقديره بالأوقات الخاصة، و الفصول المعينة، بحكمة الهية لأجل الصالح العام، لعامة المخلوقات. و هذه بلا ريب من رحمته الواسعة التي وسعت كل شي‌ء. و السحاب كما هو معلوم يتكون من تكاثف البخار في الهواء، و يختلف ارتفاعه علي حسب نوع السحب، فمنها ما يكون علي سطح الأرض كالضباب، و منها ما يكون ارتفاعه بعيدا الي أكثر من 12 كيلومترا، و عندما تكون سرعة الرياح الصاعدة أكثر من ثلاثين كيلومترا في الساعة لا يمكن نزول قطرات المطر المتكون، و ذلك لمقاومة الرياح لها. و كلما تناثرت النقط تشحن بالكهرباء الموجبة، و تنفصل عنها الكهرباء السالبة التي تحملها الرياح.. و بعد مدة تصير مشحونة شحنا وافرا بالكهرباء، و عندما تقترب الشحنتان بعضها من بعض بواسطة الرياح.. يتم التفريغ الكهربائي، وذلك بمرور شرارة بينهما، و يستغرق و ميض البرق لحظة قصيرة و يكون شكله خطا منكسرا، و يسمع بعده الرعد و هو عبارة عن الموجات الصوتية التي يحدثها الهواء، و تخيم السحابة، و يتنزل منها المطر الذي يغيث الأرض فتأخذ منها حاجتها المطلوبة. [ صفحه 117] فتأمل كيف ولدت الرياح الكهرباء بنوعيه الموجب و السالب في السحب، و سببت نزول المطر منها [195] . كل ذلك بتقدير دقيق من الله العزيز العليم الرحيم... هذا بعض ما ورد في الآية الكريمة من الشواهد و الأدلة الواضحة علي وجود الله تقدس اسمه و تعالي ذكره. فهو المصدر الوحيد لوجود هذه العوالم. و قد استدل الامام عليه‌السلام بهذه الآيات لدعم حقيقة الايمان.

من وصية له لهشام بن الحكم في وصفه للعقل

ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه العزيز فقال سبحانه: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [196] . استدل عليه‌السلام بهذه الآية لترغيب الناس علي اتباع القول الحسن، و هذه الفئة من الناس يبشرهم الله انهم علي هداية منه و هم أصحاب العقول الراجحة،يميزون بنور عقولهم بين الكلام الخبيث فيتجنبونه و الكلام الحسن فيتبعونه. ثم تابع عليه‌السلام القول لهشام «يا هشام: قد وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال عزوجل: (و ما الحياة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) [197] . و هنا أيضا يرغب الله تعالي عباده العقلاء في دار الخلود و النعيم، و يذم دار الدنيا لأنها محصورة علي الأكثر في اللهو و اللعب، فالعقلاء يزهدون فيها، و يجتنبون شرها و حرامها، و يعملون للدار الباقية التي أعدت للمتقين، و العباد الصالحين. [ صفحه 118] يا هشام: ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزوجل: (ثم دمرنا الآخرين. و انكم لتمرون عليهم مصبحين. و بالليل أفلا تعقلون) [198] استدل عليه‌السلام بهذه الآية و ما شابهها علي تدميره تعالي للذين لا يعقلون من الأمم السالفة التي كفرت بالله و قد نزلت في قوم لوط حينما جحدوا الله و كفروا بآياته، فأنزل تعالي بهم عقابه، و جعل موطنهم قبيح المنظر منتنا يمر بها المارون ليلا نهارا ساخرين من أهلها حيث جعلهم عبرة للذين يعقلون، و قد حذرهم من مخالفة المرسلين الصالحين، فان عاقبة المخالفة و العصيان الدمار و الهلاك. ثم بين ان العقل مع العلم فقال سبحانه: (و تلك الأمثال نضربها للناس، و ما يعقلها الا العالمون) [199] . استدل عليه‌السلام بالآية الكريمة علي ملازمة العقل للعلم فان العقل بجميع مراتبه لا يفترق عن العلم فكلاهما صنوان متلازمان قال المفسرون عن سبب نزول هذه الآية: ان الكافرين انتقدوا ضرب الأمثال بالحشرات و الهوام كالذباب و البعوض و العنكبوت... و في نظرهم أن الأمثال يجب ان تضرب بغير ذلك من الأمور الهامة و في نظرنا ان منطقهم هذا هزيل للغاية لأن التشبيه انما يكون بليغا فيما اذا كان مؤثرا في النفس. ثم ذم الذين لا يعقلون في فصل آخر لان معرفة حقيقة الاشياء لا يميزها الا العالمون الذين حصل لهم العلم و المعرفة (و ما يعقلها الا العالمون). يا هشام: (و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليها آباءنا [ صفحه 119] أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون) [200] . و قال سبحانه: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) [201] . ثم تابع في سرد الآيات الشبيهة بهذه و كلها تذم الذين لا يعقلون [202] استدل الامام عليه‌السلام بهذه الآيات الكريمة علي ذم من لا يعقل، ففي الآية الأولي من هذه الفصل يقول الطبرسي: لقد اتبع القوم أسلافهم و مشايخهم في الأمور الدينية من غير بصيرة و لا دليل، و الذي حفزهم الي اتباعهم الجهل و التعصب و الغباوة و هذه الآية حسب رأي المفسرين نزلت في اليهود حينما دعاهم الرسول الأكرم الي الاسلام فرفضوا ذلك، و قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فانهم كانوا خيرا منا [203] . ولو كانت لهم عقول سليمة، و أفكار ناضجة لفقهوا أن التقليد في العقائد لا يقره العقل السليم، لأن العقيدة لا تؤخذ الا من الدليل العلمي الصحيح، و هي أساس ثابت لحياة الانسان و سلوكه. اذ ما من عاقل الا و هو عرضة للخطأ في فكره، و لا ثقة في الدين الا بما أنزل الله، و لا معصوم الا من عصم الله، فكيف يرغب العاقل عما أنزل الله في اتباع الآباء مع دعواه الايمان بالتنزيل؟؟! و الآية الثانية متممة للآية الأولي: فانه تعالي لما وصف حالة الكفار في اصرارهم علي التقليد الأعمي عند دعوتهم الي الاسلام، ضرب لهم مثلا للسامعين عن حالهم بأنهم كالأنعام و البهائم التي لا تعي دعاء الداعي لها سوي سماع الصوت منه دون أن تفهم المعني، فكذلك حال هؤلاء لا يتأملون دعوة الحق و لا يعونها، فهم بمنزلة الجاهلين لا يعقلون، [ صفحه 120] و هذا أعظم قدح و ذم للذين لا يعقلون. لأن الانسان اذا اتهم بعقله فقد دنياه و آخرته. و في الآية الثالثة: وصف سبحانه منتهي القسوة و جمود الطبع و خمول الذهن لبعض الكفار فهم يستمعون ما يتلي عليهم من الآيات و الأدلة علي صحة دعوة النبي صلي الله عليه و اله و سلم و لكنهم صم بكم لا يسمعون و لا يفقهون، و بذلك لا جدوي و لا فائدة في دعوتهم الي اعتناق هذا الدين؛ لقد بلغوا الحد الأقصي في أمراضهم العقلية و النفسية، و لا يجدي معهم أي نصح أو ارشاد أو علاج. و سنكتفي بهذا القدر من الآيات التي استدل بها عليه‌السلام علي ذم من لا يعقل من الناس. و الآن الي فصل آخر من كلامه، قال عليه‌السلام: «يا هشام: لقد ذم الله الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون) [204] . و قال سبحانه أيضا: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) [205] . استدل عليه‌السلام بهاتين الآيتين علي ذم أكثر الناس لأنهم قد حجبوا عن نفوسهم الحق، و توغلوا في الباطل، و غرقوا في الشهوات، الا من رحمه الله منهم. ففي الآية الأولي: خاطب تعالي نبيه صلي الله عليه و اله و سلم و أراد به غيره، فانه لو أطاع الجمهور من الناس و سار وفق أهواءهم و ميولهم لأضلوه عن دين الله و صرفوه عن الحق. و في الآية الثانية: دلت علي أن أكثر الناس يقولون ما لا يعلمون، و انهم لا يؤمنون بالله في قلوبهم، بل انما يجري علي ألسنتهم دون أن ينفذ الي أعماق قلوبهم. [206] . [ صفحه 121] ثم مدح القلة فقال: «يا هشام: قال تعالي: (و قليل من عبادي الشكور) [207] . و قال: (و من آمن و ما آمن معه الا قليل) [208] . و قال: (و لكن أكثرهم لا يعلمون) [209] . و قال: (و لكن الذين كفروا يفترون علي الله الكذب و أكثرهم لا يعقلون) [210] . استدل عليه‌السلام من خلال هذه الآيات الكريمة علي مدحه قلة المؤمنين، و ندرة وجودهم، كما صرحت الأحاديث النبوية و الأخبار الواردة عن أهل البيت بذلك، فقد قال الامام الصادق عليه‌السلام: «المؤمنة أعز من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الأحمر فمن رأي منكم الكبريت الأحمر؟». و السبب في ندرة هذه الفئة من المؤمنين الصالحين يعود الي أن الايمان الحقيقي بالله يعد من أعظم مراتب الكمال التي يصل اليها الانسان. لكن الوصول الي هذا الايمان يصطدم بموانع كثيرة دون الوصول اليه مثل: التربية البيتية السيئة حيث يعتاد الفرد علي الغش و الخداع و الكذب منذ الطفولة الأولي. ان التفاحة الفاسدة تفسد التفاح السليم، و الرفيق المنحط أخلاقيا و سلوكيا يفسد غيره من الرفاق الصالحين، لأن الانزلاق نحو الرذائل أسهل من الصعود نحو [ صفحه 122] الفضائل، و المثل العليا و هناك حواجز كثيرة تؤدي الي حجب الانسان عن خالقه، و تماديه في الاثم و الموبقات. (و قليل من عبادي الشكور) تعني صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه فيما خلق لأجله. و هذه أعظم مرتبة لا تصدر الا ممن عرف الله و اعتقد بأن جميع الخيرات و النعم صادرة منه سبحانه و تعالي. فيعمل بكل طاقته علي تحصيل الخير و ردع نفسه عن الحرام و حينئذ يكون من الشاكرين، و الشكر لله بهذا المعني من المقامات العالية التي لا يتصف بها الا القليل من عباد الله. و ننتقل الي فصل آخر من كلامه عليه‌السلام مخاطبا هشام. «يا هشام: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و أفضل الصفات فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا أولوا الألباب) [211] . و قال: (و ما يعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الا أولوا الألباب) [212] . و قال تعالي: (أفمن يعلم انما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب) [213] . و قال تعالي: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب) [214] . - استدل عليه‌السلام بهذه الآيات الكريمة علي مدح العقلاء المتفوقين علي غيرهم، فقد مدحهم تبارك و تعالي بأحسن الصفات، و أضفي عليهم النعوت السامية. ففي الآية الأولي: منح بعض عباده (الحكمة) و هي من أعظم المواهب، [ صفحه 123] و من أجل الصفات، فقد قيل في تعريفها، انها العلم الذي تعظم منفعته و تجل فائدته. ثم وصف تعالي من منح بها بأنه أوتي خيرا كثيرا و لا يعلم معني الحكمة و لا يفهم القرآن الكريم الا أولوا الألباب. و في الآية الثانية: وصف تعالي عباده الكاملين في عقولهم بثلاثة أوصاف: 1 - الرسوخ في العلم. 2 - الايمان بالله. 3 - العرفان بان الكل من عند الله [215] . ثم بين سبحانه: ان المتصفين بهذه النعوت العظيمة هم العقلاء الكاملون الذين هم ذووا الألباب. و في الآية الثالثة دلالة علي التفاوت بين من يسهر ليلة في طاعة الله و بين غيره الذي يقضي أوقاته بالملاهي و الملذات، و هو معرض عن ذكر الله، فيكف يكونان متساويين. هذا غير معقول! و قال عليه‌السلام: «يا هشام: ان الله تعالي يقول في كتابه العزيز: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) [216] يعني العقل. و قال تعالي: (و لقد آتينا لقمان الحكمة) [217] يعني «الفهم و العقل» وضح عليه‌السلام ان المراد بالقلب ليس العضو الخاص الموجود عند الانسان و عند الحيوان، بل المراد منه هو العقل الذي يدرك المعاني الكلية و الجزئية ليتوصل الي معرفة حقائق الأشياء و هو بذلك يمثل الكيان المعنوي للانسان. و في الآية الثانية يشير عليه‌السلام الي نعمة الله تعالي علي لقمان، فقد من عليه بالحكمة، و هي من أفضل النعم و أجلها. ثم أخذ عليه‌السلام يتلو علي هشام بعض حكم لقمان و نصائحه لولده فقال: «يا هشام: ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني: ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها [ صفحه 124] تقوي الله، و حشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم، و سكانها الصبر». لقد ركز لقمان الحكيم في وصيته لولده بالتواضع للحق، فلا يري الانسان لنفسه وجودا الا بالحق و لا قوة له و لا لغيره الا بالله. و التواضع من أفضل الصفات. و قد ورد عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم انه قال: «من تكبر وضعه الله، و من تواضع لله رفعه الله». و ورد عنه صلي الله عليه و اله و سلم في تعديد أقوام ذمهم: «و رجل ينازع الله رداءه، فان رداءه الكبرياء و ازاره العظمة» [218] . فالمراد بذلك ان الكبرياء و العظمة من صفات الله جل جلاله، لا يجوز لأحد من عباده أن يتصف بهما. فالانسان كلما تواضع كلما تجرد عن الأنانية، و محا عن نفسه التكبر، زاده الله شرفا و فضلا. ثم شبه لقمان الحكيم الدنيا بالبحر و وجه الشبه في ذلك: تغير الدنيا و تغير أشكالها و صورها في كل لحظة، فالكائنات التي فيها كالأمواج في البحر معرضة للزوال و الفناء. و يحتمل وجه آخر للشبه أن الدنيا كالبحر الذي يعبر عليه الناس، فالدنيا يعبر عليها الناس الي دار الآخرة و تكون النفوس فيها كالمسافرين، و الأبدان كالسفن و البواخر تنقلهم من دار الدنيا الي دار الخلود. و قد غرق كثير من الناس في هذه الدنيا، و سبب غرقهم يعود لتهالكهم علي الشهوات. و لما كانت الدنيا بحرا توجب الغرق و الهلاك، فلا نجاة منها الا بسبيل واحد: ألا و هو الصلاح و التقوي؛ و يكون شراعها التوكل علي الله و الاعتماد عليه في جميع الأمور. كما أنه لابد من عقل يكون قيما لتلك السفينة و ربانا لها، و العقل [ صفحه 125] نور دليله العلم و المعرفة فان نسبته اليه كنسبة الرؤية من البصر؛ و مع هذه الخصال كلها لابد من الصبر فان ارتقاء الانسان و قربه من ربه لا يحصل الا بمجاهدات قوية للنفس. و لننتقل الي مشهد آخر من كلامه عليه‌السلام: «يا هشام: ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة». ينظر من كلامه عليه‌السلام التأكيد علي شرف الأنبياء العظيم و فضلهم الكبير بكمال عقولهم. و لا ريب ان وفور العقل من أفضل ما يمنح به الانسان، اذ به يتوصل الي سعادة الدنيا، و الفوز في دار الآخرة. و العقل حسنة كبري من حسنات الله تبارك و تعالي، و نعمة جلي لا تحصي فضائلها. قال أميرالمؤمنين في بعض حكمه: «أغني الغني العقل». ثم تابع عليه‌السلام قائلا لهشام: «يا هشام: لو كان في يدك جوزة و قال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك و أنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة، و قال الناس: انها جوزة ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة». كل ذلك يعود الي قوة العقل و حسن التمييز، فالعاقل هو الذي يعتمد علي نفسه مادام متأكدا مما هو عليه، و لا يعير بالا للآخرين من الناس الجاهلين الذين يقولون ما يحلو لهم دون روية أو تعقل ما ينفع العقل اذا خدع الانسان نفسه؟! و قال عليه‌السلام «يا هشام: ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة، و حجة باطنة، فاما الظاهرة فأرسل و الأنبياء و الأئمة عليهم‌السلام. و أما الباطنة فالعقول» ثم تابع عليه‌السلام: «يا هشام: ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره». [ صفحه 126] ذكر عليه‌السلام في الفقرات الأخيرة من كلامه الي بعض أحوال العقلاء من أنهم لا تمنعهم كثرة نعم الله عليهم من شكره تعالي، كما لا تزيل صبرهم النوائب و الكوارث. ثم قال عليه‌السلام: «يا هشام من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعلن هواه علي هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله، و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه». ذكر عليه‌السلام في كلامه هذا أن في الانسان قوتين متباينتين، و هما: العقل و الهوي، و لكل واحدة منهما صفات ثلاث تضاد الصفات الأخري فصفات العقل: التفكر، و الحكمة، و الاعتبار. و صفات الهوي: طول الأمل، و فضول الكلام، و الأنغماس في الشهوات. فطول الأمل في الدنيا يمنع من التفكر في أمور الآخرة، و يبدد نور الفكر بالظلمة، و يججبه عن الانطلاق في ميادين الخير. و فضول الكلام يمحي طرائف الحكمة من النفس. أما الانغماس في الشهوات فانه يعمي القلب، و يذهب بنور الايمان، و يطفي‌ء نور الاستبصار و الاعتبار من النفس، فمن سلط هذه الخصال العاطلة علي نفسه، فقد أعان علي هدم عقله، و من هدم عقله فقد أفسد دينه و دنياه. و قال عليه‌السلام: «نصب الحق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة، و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل يعتقد [219] ، و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العلم بالعقل». و هو يعني عليه‌السلام ان المعارف جميعها لا تحصل الا بالعلم، و العلم لا يحصل الا بالتعلم، و التعلم لا يحصل الا بالعقل. فمن عقل علم، و من علم عاش سعيدا مأنوسا في الدنيا، و غانما كريما في الآخرة. [ صفحه 127] و قال عليه‌السلام: «يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود». فهو يعني عليه‌السلام ان قليل العمل من العالم مقبول و السبب في ذلك يعود: بأن العلم يطهر النفوس، و يصفي القلوب، و يوصل الي معرفة الله عزوجل و فضيلة كل عمل انما هي بقدر تأثيرها في صفاء القلب، و ازالة الحجب عن النفس، و الظلمة عن الروح. و هي تختلف بحسب الأفراد، فرب انسان يكفيه قليل العمل في صفاء نفسه نظرا للطافة طبعه، و رقة حجابه، و رب انسان لا يؤثر العمل الطيب الذي يصدر منه في صفاء ذاته، نظرا لكثافة طبعه، و كثرة الحجب علي نفسه. و قال عليه‌السلام: «يا هشام: ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة. فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، و من طلب الدينا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته». ذلك ان الأعمار بيد الله سبحانه، و ساعة كل انسان مجهولة، و قد تكون قريبة، فمن لم يحضر نفسه لها فقد يخسر و لا مجال عنده للتعويض. و قال عليه‌السلام: «يا هشام: ان الله حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) [220] «. لقد قالوا هذا القول حين علموا ان القلوب تزيغ و تعود الي عماها، و انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه، و ناطق عليه». لقد أشار الامام عليه‌السلام بكلامه هذا الي أن المؤمن اذا لم يكن قلبه مستضيئا بهدي الله، فانه لا يكون آمنا من الزيغ، كما لا يكون آمنا من الارتداد بعد الدخول [ صفحه 128] في حظيرة الاسلام، و القرآن الكريم أشار الي هذه الظاهرة. قال تعالي: (... رضوا بان يكونوا مع الخوالف و طبع الله علي قلوبهم فهم لا يعلمون) [221] . و لذلك يدأب الصالحون بالسؤال من الله في أن لا يزيغ قلوبهم حتي لا يضلوا عن دينه، لأن النفوس البشرية بحسب طبيعتها و نشأتها اذا لم يساعدها التوفيق لا تنجو من وساوس الشيطان و غوايته، و هنا يذكر عليه‌السلام هشاما بقول لأميرالمؤمنين عليه‌السلام: «يا هشام كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول: ما عبد الله بشي‌ء أفضل من العقل، و ما تم عقل امري‌ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و انه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر». و هنا نراه يستدل بكلام جده عليه‌السلام الذي تعرض فيه لصفات العقلاء ثم تابع قائلا عليه‌السلام: «يا هشام: من صدق لسانه زكي عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره باخوانه و أهله مد في عمره». «يا هشام: لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم». فما أحرانا نحن اليوم لنأخذ بكل أقواله عليه‌السلام و بخاصة بهذه الحكمة بالذات حيث نري الحكمة مظلومة و أهلها مظلومين؟! «يا هشام: «لا دين لمن لا مروءة [222] له، و لا مروءة لمن لا عقل له، و ان أعظم [ صفحه 129] الناس قدرا الذين لا يري الدنيا لنفسه خطرا، أما أن أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها». و المعني: يجب أن تصرف الطاقات البشرية في طاعة الله تعالي ليحصل الانسان علي الثمن و هو الجنة. و قال عليه‌السلام: «أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها» و نقل صاحب الوافي عن استاذه ايضاحا لمقالة الامام ما نصه: «ان الأبدان في التناقص يوما فيوما و ذلك لتوجه النفس منها الي عالم آخر فان كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا و انقطاع حياته البدنية الي الله سبحانه و الي نعيم الجنان، لكونه علي منهج الهداية و الاستقامة، فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالي، و لهذا خلقه الله عزوجل. و ان كانت شقية كانت غاية سعيه و انقطاع أجله و عمره الي مقارنة الشيطان و عذاب النيران، لكونه علي طريق الضلالة، فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية، و اللذات الحيوانية التي ستصير نيرانا محرقة، و هي اليوم كامنة مستورة عن حواس أهل الدنيا، و ستبرز يوم القيامة (و برزت الجحيم لمن يري) معاملة مع الشيطان (و خسر هنالك المبطلون). و ننتقل الآن الي فصل آخر يتحدث فيه عن حزم العاقل و احتياطه في أقواله. قال عليه‌السلام: «يا هشام ان أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان يقول: ان من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاثة خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شي‌ء فهو أحمق». و قال الحسن بن علي عليه‌السلام: «اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، فقيل له: يابن رسول الله و من أهلها؟ - الذين خصهم الله في كتابه و ذكرهم، فقال: (أفمن يعلم أنما أنزل اليك من [ صفحه 130] ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب) [223] قال: أولوا العقول. و قال علي زين‌العابدين عليه‌السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروءة، و ارشاد المستشير قضاء النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا. ثم زاد عليه‌السلام: «يا هشام: ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه». أراد بهذه الفقرات الي حزم العاقل في تحفظه علي أقواله و شرفه و منزلته و توقفه من الاقدام علي ما لا يثق بحصوله. و قال عليه‌السلام: «يا هشام الحياء من الايمان، و الايمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار». ثم أنتقل عليه‌السلام الي فصل آخر يزكر فيه علي اقتران القول بالعمل. قال عليه‌السلام: «طوبي للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و جباهكم. و اجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوي. و لا تجعلوا قلوبكم مأوي للشهوات، و ان أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و ان أصبركم علي البلاد لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة، و لا بالثعالب الخادعة و لا الذئاب الغادرة و لا بالأسد العاتية كما تفعل بالفراس. كذلك تفعلون بالناس، فريقا تخطفون، و فريقا تغدرون بهم. و بحق أقوال لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم و قد فسدت قلوبكم و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم و قلوبكم دنسة. لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة. كذلك أنتم [ صفحه 131] تخرجون الحكمة من أفواهكم و يبقي الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا انما مثلكم مثل السراج يضي‌ء للناس و يحرق نفسه. يا بني‌اسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا علي الركب، فان الله يحي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل المطر» [224] . و هذه بعض الوصايا التي زادها الحسن بن علي الحراني فقال: «يا هشام أصلح يومك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو، و أعد له الجواب، فانك موقوف و مسؤول. و خذ موعظتك من الدهر و أهله، و انظر في تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنيا كما ولي منها، فاعتبر بها، و قال علي بن الحسين عليه‌السلام: «ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها بحرها و برها، و سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفي‌ء الظلال، ثم قال عليه‌السلام: «حر يدع هذه اللماظة (الدنيا) لأهلها فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس». «يا هشام: ان كل الناس يبصرون النجوم و لكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها، و كذلك «انتم تدرسون» الحكمة، لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها». و هنا كأنه عليه‌السلام يذكر أهل العقول النيرة ان يقولوا و يدرسوا و يفهموا ثم عليهم أن يقرنوا العلم بالعمل. أما الذين يرون ببصرهم و يقفلون بصيرتهم فهم ضالون في حياتهم و ضالون في آخرتهم، يخرصون و لا يعرفون، و يغدرون و لا يعرفون... قال أحد الحكماء مركزا علي المعرفة المقرونة بالعمل: [ صفحه 132] عندما تقترن المعرفة بالعمل يرزقان صبيا يسميانه الصدق. و عندما تقترن المعرفة بالعمل ينجبان بنتا يسميانها الوفاء. و يلعب الجميع لعبة أظنها الحرية. و قال عليه‌السلام: «يا هشام: مكتوب في الانجيل: «طوبي للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة. طوبي للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة. طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة». السلام عليك يا سيدي عيسي، السلام عليك يا رسول الله لو جئت في هذه الأيام لرأيت العجب العجابا!! فالكثير الكثير من أمتك قد نسوا أو تناسوا هذه التعاليم العظيمة التي تبني عليها المجتمعات العظيمة، و القليل القليل من أمتك من تمسكوا برسالتك و اهتدوا بهديك و ساهموا في بناء مجتمع سليم، لكنهم كمن ينفخ في رماد!!. ثم قال عليه‌السلام منوها بقيمة الكلام و أنواع المتكلمين. «يا هشام: المتكلمون ثلاثة: فرابح، و سالم، و شاجب [225] . فاما الرابح فالذاكر لله، و أما السالم فالساكت، و أما الشاجب فالذي يخوض في الباطل، ان الله حرم الجنة علي كل فاحش بذي‌ء الكلام قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه، و كان أبوذر رضوان الله عليه يقول: «يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك و ورقك». و كما حرمت الجنة علي الشاجب و فتحت أبوابها للرابح الكثير الحياء لذلك قال عليه‌السلام: «الحياء من الايمان، و الايمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار». ثم قال عليه‌السلام واصفا الدنيا علي لسان السيد المسيح: «يا هشام: تمثلت الدنيا للمسيح عليه‌السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا، قال: فكلا طلقك؟ فقالت: بل كلا قتلت. [ صفحه 133] قال المسيح فويح لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين!! لا ريب ان أصحاب البصائر و العقول النيرة يدرسون الماضي و يتأملون في مجري أحداثه، و يقدرون نتائجه فيقيسون الحاضر علي ضوء الماضي فيتعظون و يعتبرون. ثم أردف في نصائحه لهشام في أنواع البشر، و أيهم أنفع و أصلح. قال عليه‌السلام: «يا هشام: لا خير في العيش الا لرجلين: لمستمع واع، و عالم ناطق». العالم عليه أن يبوح بما يختزن في صدره من علوم و معارف ليفيد به سائر الناس، فيكون بذلك كالنهر المتدفق يسقي عن جانبيه الحقولا. و المستمع عليه أن يعقل ما يلقي اليه، فيخزن في ذاكرته كل ما سمعه من العالم، ليكون له زاد خير يفيده عند الحاجة، لأن غذاء العقل أهم بكثير من غذاء الجسد. و فن الاستماع لا يقل أهمية عن فن القول. ثم وصف عليه‌السلام نوع العلماء الذين يؤخذ منهم و يستمع اليهم. فقال عليه‌السلام: «يا هشام: أوحي الله تعالي الي داود عليه‌السلام قل لعبادي: لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري، و عن طريق محبتي و مناجاتي. أولئك قطاع الطريق من عبادي، ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم». ثم حذر عليه‌السلام من التكبر فقال: «يا هشام: اياك و الكبر علي أوليائي، و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك، و كن في الدنيا كساكن دار ليست له انما ينتظر الرحيل». ثم مدح عليه‌السلام المتواضع و ذم المتكبر فقال: «يا هشام: ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا [226] فكذلك الحكمة [ صفحه 134] تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله تعالي جعل التواضع آلة العقل، و جعل التكبر آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجبه، و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه، و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، و من تواضع لله رفعه». ثم استرسل عليه‌السلام في حديثه فقال: «و احذر رد المتكبرين، فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفيق»، فقال هشام: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ فقال عليه‌السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد، و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم و لكن رفعهم بقدر عظمته و مجده. و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه و جوده؛ و لم يفرح المحزونين بقدر حزنهم و لكن بقدر رأفته و رحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذي فيه؟ و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه، فكيف بمن يترضاه، و يختار عداوة الخلق فيه. «يا هشام: من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له؛ عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر. ثم زاد تحذيرا جديدا عاما للدنيا و أهلها. فقال عليه‌السلام: «يا هشام احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة أصناف: - رجل متردي معانق هواه، و متعلم مقري كلما ازداد علما ازداد كبرا، يستعلي بقراءته و علمه علي من هو دونه. - و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم و يوقر. - و ذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق، يحب القيام به و لكنه عاجز أو مغلوب فلا يقدر علي القيام بما يعرفه، فهو محزون مغموم بذلك و و هو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا» [227] . [ صفحه 135] الحقيقة اننا استرسلنا في هذه الوصية القيمة و الخالدة لأنها بحر زاخر، كلما غصنا فيه كلما ازددنا متعة و فائدة. فهي من امام معصوم ورث علم الأوصياء عن الأنبياء، علما شاملا كاملا للدين و الدنيا و للناس كافة. لقد حوت هذه الوصية الذهبية جميع أصول الفضائل: في الآداب و الأخلاق و قواعد السلوك و المناهج العامة لما يصلح للحياة الفردية و الاجتماعية السليمة من كل غرض أو هوي، ذلك أن الشريعة الاسلامية هي أحكام الهية و ما علي الحاكم الا تطبيق هذه الأحكام معتمدا علي عقله المستنير و ضميره الحي المستقيم.

الامام الكاظم علامة عصره و علامة كل عصر: فضل العلم و العلماء

1 - روي عن ابراهيم بن عبدالحميد، عن أبي‌الحسن موسي الكاظم عليه‌السلام قال: «دخل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم المسجد فاذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: «ما هذا؟ فقيل: علامة. فقال: و ما العلامة في رأيكم؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها، و أيام الجاهلية، و الأشعار العربية. فقال صلي الله عليه و اله و سلم: ذاك علم لا يضر من جلهه، و لا ينفع من علمه؛ ثم قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: انما العلم ثلاثة: 2 - آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، و ما خلاهن فهو فضل. [228] . - روي المجلسي عن الراوندي باسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم قال: لا خير في العيش الا لمستمع واع، أو عالم ناطق» [229] . - و بهذا الاسناد قال: 3 - «قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: أربع يلزم من كل ذي حجي و عقل من أمتي، قيل: يا رسول الله ما هي؟ قال: 1 - استماع العلم. 2 - و حفظه. 3 - و نشره عند أهله. 4 - و العمل به. [ صفحه 136] - و الآن ماذا عن أنواع العلم عند الناس. قال الاربلي: قان ابن‌حمدون في تذكرته: قال موسي بن جعفر عليه‌السلام: «وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك و مفادها وجوب معرفة الله تعالي التي هي اللطف. و ثانيها: أن تعرف ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة. و ثالثها: أن تعرف ما أراد منك: فيما أوجبه عليك و ندبك الي فعله لتفعله علي الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب. و رابعها: ان تعرف ما يخرجك من دينك، و هي أن تعرف الشي‌ء الذي يخرجك عن طاعة الله فتتجنبه» [230] . - و عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: سائلوا العلماء، و خالطوا الحكماء، و جالسوا الفقراء». فسؤال العلماء توضيح و تصحيح، و مخالطة الحكماء غذاء للعقل و توسع في المعرفة، و مجالسة الفقراء مؤانسة لهم و مشاركة في الانسانية. 1 - ففي الحديث الأول يوضح عليه‌السلام العلم الذي لا يضر من جهله، و لا ينفع من علمه: فعلم الأنساب، و علم وقائع العرب، و الأشعار العربية، كل هذه ليس فيها ما يبعث علي غذاء الفكر، أو يزيد في حياة المسلمين الحضارية، أو يخلق تقدما و تطورا يساعدهم علي النهوض في ركاب الحضارة الانسانية. فهذه المعارف قلل النبي صلي الله عليه و اله و سلم من أهميتها و دعا الي الاهتمام بسائر العلوم الأخري لأنها لا تضر من جهلها و لا تنفع من علمها. 2 - ثم بين عليه‌السلام العلم الأصيل الذي عليهم تعلمه فانهم يجدونه في: آية محكمة، أو فريضة عادلة أو سنة قائمة. و هذا يعني التفقه في الدين و معرفة الأحكام الشرعية، فقال لهم: [ صفحه 137] «تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة، و الرتب الجليلة، في الدين و الدنيا. و فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب، و من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا..». 3 - ثم وضح عليه‌السلام طرق التعلم و كيفية الافادة منه فحصرها في أربع: أولا: استماع العلم: فعلي المتعلم أن يصغي جيدا لما يسمعه من العالم لأن فن الاستماع هام كفن التعليم، و من لم يسمع جيدا لا يستوعب جيدا. ثانيا: الحفظ: و هو أمر ضروري لأن الذاكرة خزانة المعارف و العلوم فمن لا يحفظ لا يستطيع الافادة مما تعلمه. ثالثا: نشلر العلم. و من واجب العالم أن ينشر علمه و لا يبقيه محصورا في صدره ذلك حتي يفيد به الآخرين. لأن العالم الذي يخزن علمه و يبخل به علي سواه كالغني البخيل يخزن ماله فلا يفيد نفسه و لا يفيد غيره. لكن علي العالم أيضا أن يعرف أين ينشر علومه. عليه أن يضع الشي‌ء في مواضعه، فلا ينشره الا عند أهله. ذلك ان الماء يسقي به الزارع الأرض الخصبة و ليس الأرض الرملية. رابعا: اقتران العلم بالعمل. اقتران العلم بالعمل هو الغاية المرجوة. قال الدكتور زكي نجيب محمود في كتاب تجديد الفكر العربي: «من علامات هذا العصر المميزة انه عصر العلم المقترن بالعمل و الموصول أحدهما بالآخر. فاذا وجدت علما مزعوما لا يجي‌ء بمثابة الخطة الدقيقة لعمل يؤدي فقل انه ليس من العلم في شي‌ء الا باسم زائف». لكن هذا الجديد المزعوم أعلنه أهل البيت عليهم‌السلام منذ أكثر من 1300 سنة.

العلم عند أهل البيت

العلم بمعناه الشامل هو ان نعرف الشي‌ء كما هو في حقيقته و واقعه و لا وزن لأي علم عند أهل البيت عليهم‌السلام الا أن يجلب نفعا، أو يدفع شرا تماما كما قالوا عن العقل. لأن العلم عقل، و العالم هو العاقل. قال العالم و الفيلسوف جابر بن حيان تلميذ الامام الصدق عليه‌السلام: العقل و العلم و النور كلمات مترادفة. [ صفحه 138] فالعالم يعقل الأمور و يميز بين صحيحها و سقيمها و لا يستطيع أن يكسب علوما بدون العقل، و بالعقل يتمكن العالم من كشف الأمور الغامضة و اخراجها من الظلام فيوضحها بنور عقله. أما الجهل بالشي‌ء مع العلم به هو أننا لا نتصوره اطلاقا. و الجهل بالعلم هو تصور الشي‌ء علي غير ما هو عليه من حيث لا نحس و نشعر بالخطأ فنكون عندها بعيدين عن الواقع. جاء في نهج‌البلاغة: «لا خير في علم لا ينفع» و جاء في سفينة البحار: عن الامام الكاظم عليه‌السلام: «أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به» و الغاية من هذا ان الهدف من العلم اتقان العمل النافع. قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «من أراد العمل منكم فليعلمه و ليتقنه». العلم أولا و الاتقان ثانيا؛ و هنا يمكن سر الفنون و الفوارق بين المتعلمين. و اننا نجد الكثير من الناس من حصلوا العلم و نالوا شهادات، لكم لم ينجحوا في حياتهم العملية. و هذا يعود الي عدم اتقانهم العلوم التي حصلوها. مثل الأطباء و المحامين و القضاة و الاساتذة و المعلمين في المدارس و الجامعات. فتحصل العلم شي‌ء و الفن في التعليم هو شي‌ء آخر، المهم طريقة العطاء و الاسلوب و العمل بلا علم ضرره أكثر من نفعه. قال بعض الحكماء: العمل بلا علم كشجرة بلا ثمر. و قال الامام الصادق عليه‌السلام: «العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير الطريق، لا تزيده سرعة السير الا بعدا» فاذا كان العلم مرادفا للنور فكيف لهذا الجاهل أن يستدل علي طريقه و هو فاقد النور؟ و هنا نتذكر وصية الامام الكاظم عليه‌السلام لهشام عندما قال له: يا هشام: «ان ضوء الجسد في عينه، فان كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله، و ان ضوء الروح العقل، فان كان العبد عاقلا كان عالما بربه، و ان كان عالما بربه أبصر دينه، و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين، و كما لا يقوم الجسد الا [ صفحه 139] بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة، و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل.

صفات العالم الصحيح

جاء في أصول الكافي للشيخ العلامة الكليني تحت عنوان: المستأكل بعلمه: قال الامام الصادق عليه‌السلام: «أوحي الله الي داود لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا، فيصدك عن طريق محبتي، فان أولئك قطاع طريق عبادي المريدين». و معني ذلك اياك أن تركن الي من يتخذ من عقله و علمه خادما مطيعا لبلوغ أهوائه الشخصية و مطامعه الخاصة؛ لأنه يقطع عليك الطريق الي رحمتي و مرضاتي، و علي كل من أراد الحق و العدل من عبادي... و لا جزاء عند أهل البيت عليهم‌السلام لقاطع الطريق الا القتل أو الصلب أو قطع اليد أو الرجل أو النفي، كما جاء في كتاب الله سبحانه و تعالي و في كتاب وسائل الشيعة و غيره من المراجع الموثوقة من كتب الحديث و الفقه لشيعة أهل البيت عليهم‌السلام. و قال أحد الحكماء: أسوأ الأزمان زمن نجد فيه العلماء علي أبواب الحكام. و في كتاب أشعة من بلاغة الامام الصادق عليه‌السلام: «ان في جهنم رحي تطحن العلماء الفجرة». يعلق علي هذا المقال الشيخ العلامة محمدجواد مغنية فيقول: «قال هذا قبل ظهور الآلة التي جعلت قوي الشر أعظم فتكا و افتراسا لأرواح الأبرياء و أجسادهم، و أكثر نهبا و اغتصابا لحقوق الناس و أرزاقهم!. ثم يتابع رحمه الله: و لا أدري أي شي‌ء كان يقول الامام الصادق عليه‌السلام لو وجد في هذا العصر؟!. و قد قرأ مقالا في مجلة الهلال المصرية عدد تشرين الأول سنة 1972 م بعنوان النبي و العلم جاء فيه: «ان أعظم تكريم للعلم أن يكون أول أمر أنزله الله سبحانه علي نبيه صلي الله عليه و اله و سلم (اقرأ باسم ربك الأكرم). و نحن في حياتنا نري كثيرا من القراءة، منها ما تكون باسم الله، و تكون في خدمة الانسان. [ صفحه 140] و منها ما تكون باسم التسلط و الهوي و الاستعلاء الكاذب، و الاستكبار. مثل قراءة اسرائيل في فلسطين و لبنان و سوريا و الأرض العربية السليبة، و كقراءة امريكا في أرض فيتنام. كل ذلك علم و قراءة، و لكنها ليست باسم الله العلي العظيم بل باسم الشيطان الرجيم!!

حدود العلم

العلم بحر واسع لا حدود له، يتجدد و يتطور يوما بعد يوم. جاء في أصول الكافي عن الامام الصادق عليه‌السلام: «العلم يحدث يوما بعد يوم و ساعة بعد ساعة». و معني هذا أن لا حد له، و بذلك نطق العلم الحديث. نشرت مجلة المعرفة السورية في العدد الثلاثين جاء فيه: «ان التقدم العظيم الذي أحرزه علماء الطبيعة في أوائل القرن التاسع عشر ملأهم غرورا و خيلاء، و ظنوا أنهم قد فرغوا من بناء صرح العلم... حتي جاء القرن العشرين، فتبين أنهم كانوا في أول الطريق، و أن المسير بعيد و بلا نهاية». و ذلك ما من شي‌ء الا و يمكن ان يكون محلا للبحث ظاهرا كان أم باطنا، ماضيا أم حاضرا، حتي الشي‌ء الواحد يكون كل آن في شأن. و قال سبحانه: (... و فوق كل ذي علم عليم) [231] . و قال عزوجل: (و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم الا قليلا) [232] . و قال تعالي: (و قل رب زدني علما) [233] . و جاء في مستدرك نهج‌البلاغة أن الامام علي أميرالمؤمنين قال: «العلم أكثر من أن يحصي، فخذوا من كل شي‌ء أحسنه». [ صفحه 141] و الحقيقة أننا اذا أردنا احصاء العلوم و المعارف التي عرفها الانسان لا يمكننا حصرها تماما فهي عديدة و متنوعة في شتي الحياة الانسانية. لكننا نستطيع أن نأخذ من كل علم أحسنه و أفضله، و هذا يعود الي ثقافة الانسان و تعمقه في معارفه و حسن تحصيلها.

العلم و العمل

قيمة كل علم من العلوم تظهر نتائجها بالعمل، فالعلم ضروري و هام لكن الأهم التطبيق العملي ففيه تتبلور مهارة كل فرد من الأفراد المتعلمين. و هذا يعود بلا ريب الي المواهب الذاتية المخبؤة في الداخل فكم نجد من الأشخاص الموهوبين لكن الظروف لم تساعدهم علي اظهار مواهبهم عمليا. و ما نبغي اليه هو أن فائدة العلم مقرونة بالعمل. قال الدكتور زكي نجيب محمود في كتاب تجديد الفكر الغربي: «من علامات هذا العصر المميزة أنه عصر العلم المقترن بالعمل و الموصول أحدهما بالآخر. فاذا وجد علما مزعوما لا يجي‌ء بمثابة الخطة الدقيقة لعمل يؤدي فقل انه ليس من العلم في شي‌ء الا باسم زائف». و هذا الجديد المزعوم جاء عند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. قال الامام علي عليه‌السلام: «من علم عمل». و هو يشير الي أن العمل يفتح آفاقا جديدة لمعارف جديدة، و هذه المعارف الكريمة تخدم بدورها النشاط العملي. و هكذا تتم الدورة الحياتية. و معني هذا ان العلم لا حد له كما سلف القول. و قال الامام الصادق عليه‌السلام: «من لم يصدق قوله عمله فليس بعالم... العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، و العلم يهتف بالعمل، فان أجابه و الا ارتحل». و قال الفيلسوف الملاصدرا [234] في شرح أصول الكافي: «العلم و العمل [ صفحه 142] كالروح و الجسد يتصاحبان و يتكاملان معا، و ان كان مرتبة من العلم تستدعي عملا بحسبه، و كل عمل يهيي‌ء لنوع آخر من العلم». و كما تري هكذا جمع أهل البيت عليهم‌السلام بين العلم النظري، و العلم العملي. بين الفكر و اليد، في مركب واحد. و هل أفضل من اطاعة اليد للفكر؟ فكلما ازدادت الاطاعة بينهما كلما كان الاتقان و الابداع في الأعمال فالتوافق بين الفكر و اليد يعني تقدما حضاريا راقيا في جميع أنواع الفنون: العلمية و الأدبية و الفنية و الاجتماعية... كالطب و البناء و اعمار الأرض و جميع العلوم و المهن و المعارف.. فالعلم هو اكتساب المعرفة الصحيحة من مصادرها السليمة، و الفن يكمن في اخراج هذه العلوم و كيفية تطبيقها عمليا. و لنا في تجارب العلماء أفضل مثل علي ذلك. و هذه التجارب هي التي ينادي بها العلماء في العصر الراهن. فالفيلسوف و عالم الاجتماع الانكليزي «فرنسيس بيكون» هو - حسب ما يزعمون - هو أول من دعا صراحة الي اتخاذ العلم سبيلا للارتقاء بحياة الانسان العملية! [235] . و كم من حقائق اكتشفها الأوائل من معين العلوم الأصل «كتاب الله» الكريم، ثم اشتهر بها الأواخر. حتي الذرة التي اكتشفها قبل اينشتين و ماركوني العالم العربي الجلدكي صاحب كتاب: الشذور [236] . كما ورد في كتاب من هدي القرآن الكريم للاستاذ أمين الخولي نقلا عن الكامل لابن الأثير: ان عالما مسلما لم يعلن عن اسمه «اكتشف محرقا جديدا أقوي ما عرف، و قدمه لجيش صلاح‌الدين الأيوبي - و قد بلغت القلوب الحناجر - خوفا [ صفحه 143] من حشود الصليبين، فأحرق ما تفنن به الأعداء من اقامة أبراج لم يكن لجيش المسلمين عليه من قوة. و ما من شك كان لهذا الاختراع الوقع الحسن في نفوس المسلمين عامة. قدر صلاح‌الدين هذا العمل و بذل لصاحبه الأموال و الاقطاع، فرفضها و قال له: انما عملت هذا العمل لله و من أجل مساعدة عباد الله من المسلمين، و هذا واجبي الشرعي، و لا أريد الجزاء الا من الله تعالي ثم اختفي هذا الانسان النبيل العظيم دون أن يحمل التاريخ عنه شيئا حتي اسمه. فكل ما يعرف عنه في المصادر التاريخية: انسان من دمشق لا غير. و هذا هو العمل الشريف النبيل العمل في سبيل الله. حمل أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مشعل النهضة العلمية في العالم الاسلامي، فاسسوا في حواضره معالم الحياة الفكرية، و دعوا المسلمين دعوات جادة تحمل طابع الارشاد و التوجيه الي الخير ليبنوا حياتهم الخاصة و الاجتماعية علي أساس من الوعي العلمي، و قد ملئت موسوعات الحديث و الفقه بما أثر عنهم من أحاديث الترغيب في طلب العلم، عملا يقول القرآن الكريم و الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلي الله عليه و اله و سلم، ان أول ما نزل الوحي علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم نزل بآيات تدعو الي التعلم و تطالبه بالقراءة. قال تعالي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [237] . و نجد القرآن الكريم بالاضافة الي دعوته الي التعليم و حضه علي طلب العلم يبين درجات العلماء و يخاطب ذوي الألباب بقوله عزوجل: (قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) [238] . و قوله عزوجل: (يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) [239] . و الرسول الكريم و هو الأمين علي دعوة ربه قال صلي الله عليه و اله و سلم: «طلب العلم فريضة علي كل مسلم» [240] . [ صفحه 144] و قد بين عليه‌السلام منزلة العلماء، و حث الأمة علي احترامهم و معرفة حقوقهم فقال صلي الله عليه و اله و سلم: «ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، و يرحم صغيرنا، و يعرف لعالمنا حقه» [241] . هذه لمحة سريعة عن موقف رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لطلاب العلم و حاملي لواء التحرير من الجهل و الضلال، و قد سار علي مسيرته الأئمة المعصومون من أميرالمؤمنين الي ولده الحسن الي أخيه الحسين الي ابنه زين‌العابدين الي ابنه الباقر الي ابنه الصادق الي ابنه الامام موسي الكاظم عليهم جميعهم أفضل الصلاة و أزكي السلام. عني الامام موسي عليه‌السلام بهذه الدعوة الحضارية الخلاقة فأمر جميع المسلمين بالجد علي تحصيل العلم و التفقه في الدين، و حذرهم من طلب بعض العلوم التي لا يستفيدون بها في تطوير حياتهم الفردية و الاجتماعية. من هذه العلوم المفيدة لهم: الفقه الديني.

الفقه الديني عند الامام

عمل الامام عليه‌السلام بوصية جده و أبيه و حث المسلمين علي التفقه في الدين، و معرفة الأحكام الشرعية فقال لهم: «تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا، و فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب، و من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا..». سأله بعض أصحابه عما يحتاج اليه من الأحكام الشرعية قائلا: «هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون اليه؟ فقال عليه‌السلام: «ان الناس لا يسعهم أن يتركوا ما يحتاجون اليه في أمور دينهم». و هذا بلا ريب أمر طبيعي و واقعي فالعلماء واجبهم الشرعي ارشاد الناس [ صفحه 145] و نصحهم ليتفهموا أمور دينهم لأن السملم الذي يموت و لم يتخذ مرجعا دينيا يهتدي برسالته يموت موتة جاهلية. لذلك كان علي المسلمين مجالسة العلماء.

مجالسة العلماء

من هنا وجدنا الامام عليه‌السلام يأمر أصحابه بمجالسة العلماء الأفاضل للاستفادة من علومهم و آدابهم و الاقتداء بسلوكهم فقال عليه‌السلام: «محادثة العالم علي الموابل خير من محادثة الجاهل علي الزرابي» [242] . و بعد أن أشاد بفضل العلماء الذين هم أعلام الدين و ورثة الأنبياء في حمل كتاب الله، عاد فحذر أصحابه منهم اذا استهوتهم الدنيا، و اتبعوا السلطان، فاذا فعلوا ذلك فالحذر منهم واجب علي الدين. هذا عن واجبات العالم و الآن ماذا عن واجبات المتعلم.

واجبات المسلم المتعلم

1 - العمل: أعلن الاسلام دعوته الصريحة علي العمل الحر و الكسب الشريف. قال تعالي: (فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض، و ابتغوا من فضل الله، و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) [243] و هذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الاسلامي، التوازن السليم بين مقتضيات الحياة في الأرض، من عمل وكد و كسب و نشاط. و بين عزلة الروح فترة عن هذا الجو و انقطاع القلب و تجرده للذكر. و هي ضرورة لحياة القلب الذي لا يصلح بدونها للاتصال و التلقي و النهوض. بتكاليف الأمانة الكبري. و ذكر الله سبحانه و تعالي لابد منه أثناء ابتغاء المعاش، و الشعور بالله فيه هو الذي يحول نشاط المعاش الي عبادة. و لكنه - مع هذا - لابد من فترة للذكر الخالص، و الانقطاع الكامل، و التجرد المحض كما توحي الآيتان المباركتان. ان الاسلام دعا الناس كافة الي العمل، و حثهم عليه ليكونوا ايجابيين في [ صفحه 146] حياتهم يتمتعون بالجد و النشاط ليفيدوا و يستفيدوا، و كره لهم الحياة السلبية و الوقوف عند عمل لا يؤدي الا الي عرقلة الاقتصاد و شيوع الفقر و الحاجة في البلاد. و كتب الحديث استفاضت بما أثر عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم الأكرم و عن أوصيائه المعصومين، الحث علي العمل و اضفاء الصفات الكريمة عليه فقالوا: العمل شرف، و العمل جهاد و العمل تضحية و العمل عبادة. و أهل البيت عليهم‌السلام كانوا يزاولون العمل بأنفسهم ليقتدي بهم سائر المسلمين. فالامام جعفر الصادق عليه‌السلام كان يعمل في بعض بساتينه حدث أبوعمر الشيباني قال: رأيت أباعبدالله عليه‌السلام و بيده مسحاة و عليه ازار غليظ و العرق يتصبب منه، فقلت له: «جعلت فداك اعطني أكفك» فقال عليه‌السلام: «اني أحب أن يتأذي الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة» [244] . و قد سار الامام الكاظم مسيرة أبيه عليه‌السلام فكان يعمل بنفسه لا عاشة عائلته، روي الحسن بن علي بن أبي‌حمزة قال: رأيت أباالحسن موسي بن جعفر يعمل في أرض له، و قد استنقعت قدماه في العرق فقلت له: «جعلت فداك، أين الرجال؟ فقال عليه‌السلام: «عمل باليد من هو خير مني و من أبي في أرضه، فبهر الحسن و انطلق يقول: من هو؟ فقال عليه‌السلام: رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و أميرالمؤمنين و آبائي كلهم قد عملوا بأيديهم و هو من عمل النبيين والمرسلين و الصالحين» [245] . و بذلك أعطي الامام عليه‌السلام درسا مفيدا عن الاسلام فهو دين العمل و الجد و لا علاقة بين العمل و المنزلة الاجتماعية للفرد مهما علت منزلته فهو مأمور بالعمل [ صفحه 147] من أجل نفسه و من أجل عائلته. و تقديرا لحقوق العامل قال أميرالمؤمنين: «ادفعوا أجر العامل قبل أن يجف عرقه». نعود الي ما كنا بصدده (الفقه الديني) هذه قبسات و ضاءة من احاديث الامام عليه‌السلام من العقيدة.

معني الله

روي الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: سئل عن معني الله فقال: استولي علي ما دق و جل [246] . و في رسالة وجهها اليه الفتح بن عبدالله يسأله عن توحيد الله عزوجل فأجابه عليه‌السلام بعد البسملة: «الحمد لله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال علي وجوده بخلقه، المستشهد بآياته علي قدرته» [247] . أراد عليه‌السلام أن الله استشهد علي قدرته الباهرة بآياته العظيمة، كخلق السماوات و الأرض و الشمس و القمر، و يعبر عنها بالآيات الأفقية و بخلق الأرواح و العقول و النفوس و ادراكاتها و تسمي بالآيات النفسية و هي تدل علي عظيم قدرته تعالي.

صفات الله

و تابع عليه‌السلام: «الممتنعة من الصفات ذاته، و من الأبصار رؤيته» أشار عليه‌السلام الي أن صفات الله عين ذاته تعالي، و ليست عارضة عليه كعروضها علي الممكن، و قد أقيمت الأدلة الوافرة في علم الكلام علي ذلك. و ان الأبصار تمتنع عن رؤيته تعالي و فيه ايماء لطيف علي عدم امتناع ادراك البصائر و القلوب من رؤيته، و لكنها تراه بنور المعرفة و حقيقة الايمان كما قال عليه‌السلام: «و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان». [ صفحه 148] - «و من الأوهام الاحاطة به، لا أمد لكونه، و لا غاية لبقائه» [248] . أراد عليه‌السلام ان الله يحيط بما سواه فكيف يحيط به شي‌ء من الأوهام التي لا تتعلق الا بالمعاني الجزئية المحدودة. و انه تعالي فوق الآجال و الأزمنة فلا أمد له، فان الزمان مخلوق له، و ان بقاءه تعالي قائم بذاته و ليس بصفة عارضة.

النهي عن التشبيه

و عن الحسن بن عبدالرحمن الحماني قال: قلت لأبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام: ان فلانا زعم ان الله جسم ليس كمثله شي‌ء، عالم، سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق، و الكلام و القدرة و العلم يجري مجري واحد، ليس شي‌ء منها مخلوقا. فقال عليه‌السلام: قاتله الله أما علم ان الجسم محدود و الكلام غير المتكلم معاذ الله و أبرء الي الله من هذا القول، لا جسم و لا صورة و لا تحديد و كل شي‌ء سواه مخلوق، انما تكون الأشياء بارادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان. ان الله لا يشبه شي‌ء [249] .

النهي عن الحركة

روي محمد بن أبي‌عبدالله عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر، عن أبي‌ابراهيم موسي بن جعفر عليه‌السلام أنه قال: «لا أقول: انه قائم فأزيله عن مكانه، و لا أحده بمكان يكون فيه، و لا أحده أن يتحرك في شي‌ء من الأركان و الجوارح، و لا أحده بلفظ شق فم، و لكن كما قال الله تبارك و تعالي: (كن فيكون) بمشيئته من غير تردد في نفس، حمدا فردا، لم يحتج الي شريك يذكر له ملكه و لا يفتح له أبواب علمه» [250] . [ صفحه 149]

الارادة و التقدير و المشيئة

روي علي بن محمد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي‌عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن ابراهيم الهاشمي قال: سمعت أباالحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام يقول: لا يكون الشي‌ء الا ما شاء الله و أراد و قدر و قضي، قلت: ما معني شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: ما معني قدر؟ قال: تقدير الشي‌ء من طوله و عرضه، قلت: ما معني قضي؟ قال: اذا قضي أمضاه، فذلك الذي لا مرد له [251] . - روي أبوجعفر الطوسي عن صفوان بن يحيي قال: قلت لأبي‌الحسن عليه‌السلام أخبرني عن الارادة من الله عزوجل و من الخلق؟ فقال: الارادة من الله تعالي احداثه الفعل لا غير ذلك، لأنه جل اسمه لا يهم و لا تفكر [252] .

علم الله تبارك و تعالي

سئل الامام عليه‌السلام عن علم الله تعالي بسؤال جاء فيه: هل ان الله كان يعلم الأشياء، قبل أن خلق الأشياء و كونها، أو أنه لم يعلم ذلك حتي خلقها و أراد خلقها و تكوينها، فعلم ما خلق عندما خلق و ما كون عندما كون؟ فأجاب عليه‌السلام موقعا بخطه: «لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء» [253] . و كتب اليه محمد بن حمزة رسالة يسأله فيها عن علم الله و هذا نصها: «ان مواليك اختلفوا في العلم، فقال بعضهم: لم يزل الله عالما قبل فعل الأشياء، و قال بعضهم: لم يزل الله عالما لان معني يعلم يفعل فان أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئا، فان رأيت جعلني الله فداك أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه». [ صفحه 150] فكتب عليه‌السلام اليه: «لم يزل الله عالما تبارك و تعالي ذكره» [254] . و كما نري كان جوابه عليه‌السلام عن هذه المسألة مجملا نظرا لقصر فهم السائل عن ادراك الجواب. لأن هذه المسألة من أشكل المسائل الفلسفية و قد وقع الاختلاف فيها بين أعاظم الفلاسفة القدامي. فالمشائيون تبعا لمعلمهم أرسطو طاليس ذهبوا الي أن علمه تعالي بالأشياء متقدم عليها. و الاشراقيون تبعا لمعلمهم أفلاطون ذهبوا الي أن علم الله عزوجل بالأشياء مقارن لايجاد الشي‌ء. و قد استدل الفريقان بأدلة كثيرة فيها لون من الغموض و الابهام، لسنا الآن في صددها. و روي الصدوق عن الكاهلي قال: كتبت الي أبي‌الحسن عليه‌السلام في دعاء: «الحمد لله منتهي علمه» فكتب الي: لا تقولن منتهي علمه، و لكن قل منتهي رضاه [255] . و عنه باسناده عن الحسن بن يزيد بن عبدالأعلي، عن العبد الصالح موسي بن جعفر عليه‌السلام قال: علم الله لا يوصف منه بأين، و لا يوصف العلم من الله بكيف، و لا يفرد العلم من الله، و لا يبان الله منه، و ليس بين الله و بين علمه حد [256] .

جوامع التوحيد

قال الصدوق: حدثنا أبي عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن محمد بن أبي‌عمير، قال: دخلت علي سيدي موسي بن جعفر عليهماالسلام فقلت له: يا ابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أباأحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالي ذكره في كتابه فتهلك. و اعلم ان الله تعالي واحد أحد، صمد، لم يلد فيورث، و يم يولد فيشارك، و لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لا شريكا، و انه لحي الذي لا يموت، و القادر الذي لا يعجز، و القاهر الذي لا يغلب، و الحليم الذي لا يعجل، و الدائم الذي لا يبيد، [ صفحه 151] و الباقي الذي لا يفني، و الثابت الذي لا يزول، و الغني الذي لا يفقر، و العزيز الذي لا يذل. و العالم الذي لا يجهل، و العدل الذي لا يجور، و الجواد الذي لا يبخل، و انه لا تقدره العقول، و لا تقع عليه الأوهام، و لا تحيط به الأقطار، و لا يحويه مكان، و لا تدركه الأبصار و هو اللطيف الخبير، و ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير. ما يكون من نجوي ثلاثة الا و هو رابعهم و لا خمسة الا و هو سادسهم و لا أدني من ذلك و لا أكثر الا و هو معهم أينما كانوا. و هو الأول الذي لا شي‌ء بعده، و هو القديم و ما سواه مخلوق محدث تعالي عن صفات المخلوقين علوا كبيرا [257] .

العدل

قال الصدوق: حدثنا محمد بن أحمد الشيباني.. عن الامام علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسي عليهماالسلام قال: خرج أبوحنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه‌السلام، فاستقبله موسي بن جعفر عليهماالسلام فقال له: يا غلام ممن المعصية؟ قال: لا تخلو من ثلاث: اما أن تكون من الله عزوجل، و ليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه، و اما أن تكون من الله عزوجل و من العبد، و ليس كذلك فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، و اما ان تكون من العبد و هي منه، فان عاقبه الله فبذنبه و ان عفا عنه فبكرمه وجوده [258] .

هل الله تعالي شي‌ء؟

قال الصدوق: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور، قال: حدثنا محمد ابن جعفر بن بطة، قال: عن محمد بن عيسي بن عبيد، قال: قال لي أبوالحسن عليه‌السلام: ما تقول اذا قليل لك: أخبرني عن الله عزوجل شي‌ء أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عزوجل نفسه شيئا يقول: (قل أي شي‌ء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم) فأقول: انه شي‌ء لا كالأشياء، اذ في نفي [ صفحه 152] الشيئية عند ابطاله و نفيه، قال لي: صدقت و أصبت، ثم قال لي الرضا عليه‌السلام للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، و تشبيه، و اثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، و مذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك و تعالي لا يشبهه شي‌ء، و السبيل في الطريقة الثالثة اثبات بلا تشبيه [259] .

ليس كمثله شي‌ء

قال الصدوق: أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا: حدثنا محمد بن يحيي العطار؛ و أحمد بن ادريس عن بعض أصحابنا، عن طاهر بن حاتم بن ماهويه قال، كتبت الي الطيب يعني أباالحسن موسي عليه‌السلام: ما الذي لا تجزي‌ء معرفة الخالق بدونه فكتب: ليس كمثله شي‌ء و لم يزل سميعا و عليما و بصيرا، و هو الفعال لما يريد [260] .

نفي الزمان و المكان

قال الصدوق: حدثنا علي بن الحسين بن الصلت، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت عن عمه أبي‌طالب عبدالله بن الصلت، عن يونس بن عبدالرحمن، قال: قلت لأبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام لأي علة عرج الله بنبيه صلي الله عليه و اله و سلم الي السماء، و منها الي سدرة المنتهي، و منها الي حجب النور، و خاطبه و ناجاه هناك و الله لا يوصف بمكان. فقال عليه‌السلام: ان الله تبارك و تعالي لا يوصف بمكان، و لا يجري عليه زمان، و لكنه عزوجل أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته، و يكرمهم بمشاهدته و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، و ليس ذلك علي ما يقول المشبهون، سبحان الله و تعالي عما يشركون [261] ان الله تبارك و تعالي كان و لم يزل بلا زمان و لا مكان و هو الآن كما كان، لا يخلو منه مكان و لا يشغل به مكان، و لا يحل في مكان و ليس بينه و بين خلقه حجاب. [ صفحه 153]

الارادة التكوينية و الارادة التشريعية

قال الامام الكاظم عليه‌السلام: ان لله ارادتين و مشيئتين: ارادة حتم، و ارادة عزم. ينهي و هو يشاء، و يأمر و هو لا يشاء، أو رأيت أنه نهي آدم و زوجته أن يأكلا من الشجرة، و شاء ذلك، و لو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالي. و أمر ابراهيم أن يذبح ابنه اسماعيل و لم يشأ أن يذبحه و لو شاء لما غلبت مشيئة ابراهيم مشيئة الله تعالي [262] . و بيان مراده عليه‌السلام ان الارادة تنقسم الي الارادة التكوينية الحقيقية، و الي الارادة التشريعية الاعتبارية، فارادة الانسان التي تتعلق بفعل نفسه ارادة تكوينية تؤثر في أعضائه الي ايجاد الفعل و يستحيل معها تخلف الأعضاء عن المطاوعة الا لمانع. و أما الارادة التي تتعلق بفعل الغير كما اذا أمر بشي‌ء أو نهي عنه فان هذه الارادة ليست تكوينية بل هي تشريعية لأنها لا تؤثر ايجاد الفعل أو تركه من الغير بل تتوقف علي الارادة التكوينية له. و أما ارادة الله التكوينية فهي التي تتعلق بالشي‌ء، و لابد من ايجاده و يستحيل فيها التخلف، و اما ارادته التشريعية فهي التي تتعلق بالفعل من حيث انه حسن و صالح، و اما نهي الله لآدم عن الأكل من الشجرة و قد شاء ذلك و أمره تعالي لابراهيم بالذبح لابنه اسماعيل و قد شاء ذلك فان النهي و الأمر فيهما تشريعيان، كما ان المراد بالمشيئة هي المشيئة التكوينية، و قد صرحت الرواية بأن ابراهيم قد أمر بذبح ولده اسحق دون اسماعيل، و هو مخالف لما تضافرت به الأخبار الواردة عن أئمة الهدي عليهم‌السلام بأن الذي جعل قربانا للبيت الحرام هو اسماعيل دون اسحق. و هنا يتوضح دور الامام موسي عليه‌السلام في الدفاع عن العقيدة الاسلامية و ابطال حجج الملحدين و أفكارهم المزيفة و تفنيده لشبههم. و لا يخفي ما ظهر في عصر الامام من موجات الحادية فجرها المعادون [ صفحه 154] للاسلام عندما وجدوا ان لا وسيلة لهم لمقاومته الا باشاعة ترهاتهم الباطلة ليضعفوا الجانب العقائدي بين المسلمين. و لكن لم تلبث هذه الأفكار، و قبرت تلك الأضاليل و البدع بواسطة المساعي الحميدة و الهمم العالية التي بذلها أهل البيت عليهم‌السلام من أجل صيانة الاسلام و حمايته من شبهة الملحدين و مكاليد المضللين. ان تلك الموجات الالحادية التي انتشرت في ذلك العصر تدل علي أن المجتمع كان يعيش عيشة متحللة يسودها الشك في العقيدة الاسلامية و الخلاف المذهبي. و مما لا شك فيه ان لاحتجاجات الأئمة عليهم‌السلام الأثر الفعال في ارجاع المسلمين الي طريق الحق و الصواب و مقاومتهم للغزو العقائدي الذي مني به العصر العباسي. فقد كان في أغلب أدواره عصر لهو و مجون قد أقبل الناس فيه الي الاستمتاع بجميع أنواع المحرمات فاندفعوا علي الطرب و الغناء و شرب الخمر و الميسر و منادمة الجواري و الغلمان و غيرها من المحرمات. و قد شجعهم علي ذلك الحكام الذين غرقوا في المحرمات و الآثام، و سار الناس علي مسراهم حيث لا حسيب و لا رقيب. و اذا أردنا مثلا دالا علي تسيب الأخلاق في ذلك العصر فلنا شعراء العصر العباسي فقد كانوا يمثلون المجتمع في جميع اتجاهاته و ميوله تمثيلا صحيحا. فقد كان شعرهم يصف القيان و الخمر، و اللذة و الشهوات و أكثر ما أثر عنهم في هذا المجال و صمة عار في تاريخ الأدب العربي فأبونواس كرس كل مجهوده الفكري علي وصف: الكؤوس و الأكواب و السقاة و الدنان، و الخمارين و الندمان. و لم يفته أن يذكر أصناف الخمور، و طريقة صنعها و طعمها و لونها و رائحتها مما جعله يلتفت الي كل ما يتصل بها و يحس بها بما لم يحس بها غيره. فقال: لي نشوتان و للندمان واحدة شي‌ء خصصت به من بينهم وحدي و قد وصل به حبه للخمر الي درجة العبادة و التقديس. و قد تحولت بغداد الرشيد و المنصور و الهادي.. الي دور للهو و العبث و المجون. فانساب الناس وراء الشهوات و نبذوا القيم الاسلامية السامية و أدي ذلك [ صفحه 155] الي انحطاط في الأخلاق و انغماس في الاثم و المنكر. و مما لا شك فيه ان سياسة الحكم العباسي هي المسؤول عن هذه الموجة من التحلل و اللهو و اشاعة المنكر و الفساد. لذلك كله عمد أهل البيت عليهم‌السلام الي الوقوف في وجه هذا التيار الفاسد و بدأوا بارشاداتهم و نصحهم و توضيحهم أمور الدين الحنيف ورد الشبهات و الانحرافات. و من هذه الأدوار الاصلاحية الهامة دور الامام الكاظم الذي أكمل مسيرة آبائه و أجداده الكرام فأجاب علي كل الأسئلة و الشبهات و كان لنا من مناظراته و احتجاجاته.

الامام الكاظم عالم في الاقتصاد

لقد أوصي الامام الكاظم أصحابه بالاقتصاد في حياتهم المعيشية و نهاهم عن التبذير و الاسراف، لأن بهما زوال النعمة. و قال الامام الكاظم عليه‌السلام: «من اقتصد و قنع بقيت عليه النعمة، و من بذر و أسرف زالت عند النعمة». و قال عليه‌السلام: «ما عال امرؤ اقتصد». و كما هو معلوم لدي الجميع ان جوهر الدين الاسلامي المحافظة علي مصالح الناس كافة و هو دين العدالة و الاعتدال، لذلك كان من معالم الاقتصاد الاسلامي منع التبذير لأنه اضاعة للأموال و فساد للأخلاق، و اثارة للحقد و الميوعة و التحلل. قال الامام علي عليه‌السلام: «ما جمع مال الا من شح أو حرام» فالمال في الاسلام هو مال الله و الانسان علي هذه الأرض في حياته المؤقتة طالت أم قصرت هو ناقل هذا المال يتصرف فيه لفترة معينة ثم ينتقل منه الي غيره كما نقل اليه هو السلف. و هكذا هي الحياة مستمرة من السلف الي الخلف. فعلينا أن لا نبخل علي أنفسنا فنكون قد جمعنا لغيرنا و أن لا نسرف و نبذر ما تعبنا في تحصيله أو ما ورثناه من أهلنا فخير الأمور أوسطها. و هذا يعود بلا ريب الي حسن التدبير و دقة التقدير. فلا نقبض بأيدينا و لا نبسطها كل البسط. [ صفحه 156] حتي الكرم، و هي صفة محببة عند الناس و عند الله اذا ما زاد عن حده يصبح تهوسا و تهورا و تضيع الفائدة المرجوة منه. لكن هذا المال الحلال يحصله الانسان بالعمل الجاد لذلك حذر الامام عليه‌السلام من الكسل.

التحذير من الكسل

نهي الاسلام عن الكسل لأنه يجمد الطاقات الانسانية و يفسد الحياة الاجتماعية، و يشل الحركة الاقتصادية. و قد ورد في الأدعية المأثورة عن أئمة الهدي بالتعوذ من الكسل، فجاء عنهم: «اللهم اني أعوذ بك من الكسل و الضجر فانهما مفتاح كل سوء.. انه من كسل لم يؤد حقا، و من ضجر لم يصبر علي حق» [263] . و الامام موسي الكاظم عليه‌السلام قد أوصي بعض ولده بالحذر من الكسل و العمل الجاد فقال عليه‌السلام: «اياك و الكسل و الضجر فانهما يمنعاك من حظك في الدنيا و الآخرة» لقد كان الامام عليه‌السلام يكره الكسل و البطالة، و يمقت صاحبها لأنها تؤدي الي الفقر و الفشل في الحياة، كما يؤدي أيضا الي ذهاب المروءة عند الرجل، و الكسول العاطل عن العمل يكون بحكم الأموات حيث لا تفكير و لا تدبير و لا احساس بالمسؤولية. قال أبوالطيب المتنبي لمثل هؤلاء الكسالي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت ايلام و عن بشير الدهان قال: سمعت أباالحسن موسي عليه‌السلام يقول: ان الله جل و عز يبغض العبد النوام الفارغ: [264] . و لا يكفي ان نعمل انما علينا أن نخلص فيما نعمل. [ صفحه 157]

الاخلاص في العمل

الاخلاص في العمل هو تجريد النية من الشوائب و المفاسد. قال تعالي: (و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [265] . و عن الامام الصادق عليه‌السلام: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) قال ليس يعني الكمية و انما يعني النوعية، الاصابة خشية الله و النية الصادقة. و عن الامام الكاظم عليه‌السلام ان الاخلاص في العمل مراتب متفاوتة: 1 - مرتبة الشاكرين، و هم الذين يعبدون الله تعالي شكرا علي نعمائه التي لا تحصي. 2 - عبادة المقربين، و هم الذين يعبدون الله تقربا اليه و القرب و البعد معنويان. 3 - عبادة المستحيين، و هم قوم يبعثهم علي الأعمال و الطاعات و الحياء من الله تعالي لأنهم علموا انه مطلع علي ضمائرهم و عالم بما في خواطرهم. 4 - عبادة المتلذذين، و هم الذين يتلذذون بعبادة ربهم بأعظم مما يلتذ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا. 5 - عبادة المحبين، و هم الذين وصلوا بطاعتهم و عبادتهم الي أعلي درجات الكمال من حب الله. 6 - عبادة العارفين، و هم الذين بعثهم علي العبادة كمال معبودهم و انه أهل للعبادة. 7 - عبادة الله لنيل ثوابه أو الخلاص من عقابه.

الامام الكاظم عالم في الاجتماع

الاصلاح بين الناس

لا يكفي في الاسلام أن يكون المسلم مستقيما في حياته الفردية متجنبا الاضرار بالناس، بل المطلوب منه و الخير له أن ينتقل سعيه الذاتي الي الاصلاح [ صفحه 158] بين الناس الذين يعيش معهم. ذلك ان الاصلاح بين الناس من أهداف المسلمين المؤمنين، لأن المؤمن مرآة أخيه، يحب له ما يحب لنفسه و يكره له ما يكره لها. فعلي المؤمنين شرعا أن يسعوا للاصلاح كيما يتفاقم الشر و يتطور النزاع، فمن عداوة بين شخصين الي عداوة بين قبيلتين، و ربما يتحول الي سفك دماء، و كثيرا ما يحصل أن تقسم الأمة الي جماعات لا هم لهم سوي الثأر و النكاية و الاضرار. و الاصلاح بين الناس لا يصدر الا من قلوب نبيلة و نفوس تحب الناس كافة و تسعي من أجلهم و تعمل لخيرهم. من هنا يأتي الخير و النفع للمجتمع، و من هنا تتوثق الروابط الاجتماعية بين الناس وحدة متعاونة علي البر و التقوي. لذلك أمر الله المؤمنين بالسعي للاصلاح بين اخوانهم. قال تعالي: (انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم) [266] . كما دعاهم عزوجل للقيام بالاصلاح بين المؤمنين في حال النزاع. قال تعالي: (و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفي‌ء الي أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل...) [267] . و الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم قال: «الخلق كلهم عيال الله، و أقربهم اليه أنفعهم لعياله» فبقدر ما نفيد عيال الله، بقدر ما نحسن اليهم و نصلح بينهم و نقترب من مرضاته تعالي أكثر. و الامام الكاظم عليه‌السلام حث أصحابه علي الاصلاح بين الناس كما شجعهم علي الاحسان لمن أساء اليهم؛ و بين لهم عاقبة المحسنين و المصلحين و ما لهم من الأجر عند الله. فقال عليه‌السلام: «ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له أجر علي الله فليقم، فلا يقوم الا من عفا و أصلح». [ صفحه 159]

حسن الجوار

من أخلاق الاسلام العظيمة حفظ الجوار فهو من الفضائل التي دعا اليها الله في كتابه العزيز، و هو نعمة من نعمه لأن الجار اذا كان صادقا في قوله و أمينا في معاملته، و حافظا حقوق جاره يكون الجار الآخر في أمن و أمان و اطمئنان منه، اذ انه يحفظه حاضرا و غائبا. و الجار الأمين صديق لجاره و أنيس له، يساعده في حاجاته، و يعوده في مرضه و يخفف عنه أثناء شدته يقول المثل السائر: اسأل عن الجار قبل الدار، و عن الرفيق قبل الطريق. و قال بعضهم: اذا بعت داري فلا أبيع جاري. و روي عن لقمان أنه قال لابنه: و اعرف لجارك حقه و الحق يعرفه الكريم فمن أين لنا في هذه الأيام الجار الكريم الذي يعرف واجبه تجاه جاره؟!! الحياة الانسانية حياة اجتماع و سعادة، و الوحدة بين البشر أمر طبيعي دعت اليها الحاجة الحياتية. من هنا قال علماء الاجتماع: الانسان مدني بالطبع. لأن الانسان بطبيعته و طبعه اجتماعي ألوف و لا خير في امري‌ء لا يألف و لا يؤلف. قال عزوجل في التآزر و التكاتف: (و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا..) [268] و قال الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، و جار له حقان، و جار له ثلاثة حقوق. فالجار الذي له ثلاثة حقوق، الجار المسلم ذو الرحم، فله حق الجوار، و حق الاسلام، و حق الرحم. و أما الذي له حقان: فالجار المسلم له حق الجوار و حق الاسلام، و أما الذي له حق واحد فالجار المشرك [269] . و عن الامام زين‌العابدين عليه‌السلام: «و أما حق جارك، فحفظه غائبا، و اكرامه شاهدا، و نصرته اذا كان مظلوما، و لا تتبع له عورة، فان علمت عليه سوء سترته عليه، و ان علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك و بينه، و لا تسلمه عند [ صفحه 160] شديدة، و تقيل عثرته، و تغفر ذنبه، و تعاشره معاشرة كريمة، و لا قوة الا بالله». و الامام الكاظم عليه‌السلام أوصي أصحابه بالاحسان الي الجار و الصبر علي تحمل الأذي و المكروه منه قال عليه‌السلام: «ليس حسن الجوار كف الأذي، و لكن حسن الجوار الصبر علي الأذي» اللهم اعطنا القدرة علي تحمل أذي جيراننا، و لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا انك أنت السميع العليم.

اغاثة المستجير

في التعاليم الاسلامية الهامة التي دعت اليها الرسالة النبوية و أوجبت علي المسلمين العمل علي تطبيقها اغاثة المستجير، أو الملهوف، و هي دعامة متينة من دعائم البناء الاجتماعي في الاسلام. و قد أرسل الله تبارك و تعالي النبيين ليرشدوا الناس الي النور، الي الصراط المستقيم، ولو أهمل تطبيق الشريعة الاسلامية لاستشري الانحلال الأخلاقي في المجتمع البشري، و بذلك يكون اغاثة الملهوف من أوجب الواجبات التي تترتب علي الفرد في المجتمع الاسلامي المصون، و بصورة خاصة في أيامنا هذه حيث أصبحنا في عصر استولت علي قلوب البشر المداهنة و المداراة، و نسوا أو تناسوا الخالق الذي أمرهم بالمحبة و الأخوة، فاسترسلوا في اتباع أهوائهم و انانيتهم بلا حدود، فعمت الفتن، و شاعت الجهالة و ضاعت الفضائل الأخلاقية حتي أصبحت تصرخ و تستغيث: انقذوني! أنقذوني! من براثن الأنانية. لذلك: أوجد الله وجود جماعة من أولي الحل و العقد يمثلون الأمة و يراقبون سياستها و سير أعمالها. هذه الجماعة قصدها الله سبحانه بقوله: (و لتكن منكم أمة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و اولئك هم المفلحون) [270] . و هذه المسؤولية لا تقع علي عاتق هؤلاء الجماعة فقط، بل من واجب كل مؤمن و مؤمنة التصدي للظلم، و الدعوة الي الخير، و مساعدة اخوانه المحتاجين، فهم ان لم يكونوا اخوة لنا في الدين فهم أسوة في الخلق. [ صفحه 161] و الامام الكاظم عليه‌السلام: حث أصحابه علي اغاثة المستجير، و قضاء حاجة المحتاجين فقال: «من قصد رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره و يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عزوجل» [271] . و قد أمرهم بقضاء حاجة الناس فقال عليه‌السلام: «من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك و تعالي ساقها اليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا، و هو موصول بولاية الله، و ان رده علي حاجته و هو يقدر علي قضائها سلط الله عليه شجاعا ينهشه في قبره الي يوم القيامة». و قال عليه‌السلام في فضل من يقضي حاجة أخيه المؤمن: «ان لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة، و من أدخل علي مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة» [272] .

التراحم و التعاطف

حث الاسلام علي التزاور بين المسلمين، لأن ذلك يوطد أواصر المحبة فيما بينهم و يطلعهم علي حاجات بعضهم البعض. و المحبة التي يبغيها الاسلام للمؤمنين هي المحبة الخالصة لوجه الله، تلك التي تدفع صاحبها علي الدوام الي محبة الجميل في أي انسان تمثل، و اي تفضيل الجليل من أي مكان صدر هذه المحبة الناتجة عن التزاور و التعاطف تدوم و تستمر لأنها لوجه الله، و ما كان لله دام و اتصل، و ما كان لغير الله انقطع و انفصل. و المرء لا ينال هذا اللون من المحبة علي وجهها السليم الا بمثل هذا العون الرباني. من هنا كان القول: ان من علامات رضي الله علي الانسان المؤمن محبة الناس له؛ و من علامات غضب الله علي الانسان كره الناس له و تفرقهم من حوله. قال تعالي لنبيه موسي عليه‌السلام: (و ألقيت عليك محبة مني، و لتصنع علي عيني) [273] . [ صفحه 162] و قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «الخلق كلهم عباد الله و أقربهم اليه أنفعهم لعياله» و من هذا الينبوع الغزير (المحبة) تفيض ألوان من التراحم و التعاطف و تتسلسل نسيمات وجدانية يجد المؤمنون جوارها برد السلامة و العافية. و الامام الكاظم عليه‌السلام: أمر أصحابه بالتوادد و التآلف و زيارة بعضهم بعضا لأنها توجب شيوع المودة بينهم، مضافا لما لها من الأجر العظيم عند الله. قال عليه‌السلام: «من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره يطلب به ثواب الله، و كل الله به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتي يعود اليه ينادونه: ألا طبت و طابت لك الجنة، تبوأت من الجنة منزلا..». و في حديث لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «ان من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء و لا شهداء يتغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة، بمكانهم من الله تعالي قالوا: يا رسول الله تحيرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله علي غير أرحام بينهم و لا أموال يتعاطونها، فوالله ان وجوههم لنور، و أنهم لعلي نور، لا يخافون اذا خاف الناس، و لا يحزنون اذا حزن الناس. (ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون) [274] . و روي الكليني باسناده عن محمد بن سليمان، عن محمد بن محفوظ قال: سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: «ليس شي‌ء أنكي لابليس و جنوده من زيارة الاخوان في الله بعضهم لبعض، قال: و ان المؤمنين يلتقيان فيذكران الله ثم يذكران فضلنا أهل البيت فلا يبقي علي وجه ابليس مضغة لحم الا تخدد حتي أن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم فتحس ملائكة السماء و خزان الجنان فيلعنونه حتي لا يبقي ملك مقرب الا لعنه، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا» [275] .

السخاء و حسن الخلق

لقد حث القرآن الكريم علي حسن الخلق و رغب فيه و دعا اليه بأسلوب هو غاية في الروعة و الاداء، فيه التشوق الي العطاء الذي ما بعده من عطاء. ألا و هو [ صفحه 163] قرض الله قرضا حسنا و هل هناك أكرم و أعظم من هذا الذي نقرضه؟ انه العلي القدير، الرحمان الرحيم رب العالمين فاطر السماوات و الأرض صاحب العرش العظيم. قال تعالي: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة و الله يقبض و يبسط و اليه ترجعون) [276] . فأي تلطف من رب العالمين تبارك و تعالي في هذا التعبير الذي يجعل الاحسان بمثابة الاقراض و انما يقترض المحتاج و الله غني عن العالمين حيث له ملك السماوات و الأرض و من فيهن. و لقد جاء التعبير بمثل هذه الصورة نيابة عن الفقراء و المحتاجين و دفاعا عنهم. و ما قيمة امري‌ء يبخل باقراض بعض المال لواهبه الذي سيرده بلا ريب أضعافا مضاعفة!! و الامام الكاظم عليه‌السلام لهذا كله حث أصحابه علي التحلي بالسخاء و حسن الخلق قال عليه‌السلام: «السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلي الله عنه، حتي يدخله الجنة، و ما بعث الله نبيا الا سخيا، و ما زال أبي يوصيني بالسخاء و حسن الخلق...». و قد عمل عليه‌السلام بوصية أبيه عليه‌السلام ثم بوصية جده صلي الله عليه و اله و سلم الرسول الأكرم الذي قال: «ألا أخبركم بأحبكم الي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون و يؤلفون...» [277] .

مكارم الأخلاق

سأل رجل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن حسن الخلق، فتلا قوله تعالي: (خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين) [278] ثم قال صلي الله عليه و اله و سلم: «و هو ان تصل من قطعك، و تعطي من حرمك، و تعفو عمن ظلمك». و قال صلي الله عليه و اله و سلم: ان الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميث الشمس الجليد» [279] . [ صفحه 164] و جاء في الكافي عن الامام الباقر عليه‌السلام قال: «أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا». و عن الامام الصادق عليه‌السلام قال: «ما يتقدم المؤمن علي الله عزوجل بعمل بعد الفرائض أحب الي الله تعالي من أن يسع الناس خلقه». و الامام الكاظم عليه‌السلام عني بهذه الظاهرة فكان دوما يوصي أصحابه بالتحلي بالصفات الكريمة ليكونوا بسلوكهم و هديهم قدوة صالحة لهم و للمجتمع، حتي يستطيعوا علي نشر مفاهيم الخير و الصلاح بين الناس. و في معني الخلق و كيفيته و تهذيبه: قال العلماء: ليس الخلق عبارة عن الفعل، فرب شخص خلقه السخاء، و لا يبذل اما لفقد المال أو لمانع آخر. و ربما يكون خلقه البخل و هو يبذل لباعث أو رياء. و لا عبارة عن القدرة لأن نسبة القدرة الي الضدين واحدة. و لا عن المعرفة فان المعرفة تتعلق بالجميل و القبيح جميعا علي وجه واحد بل هو عبارة عن هيئة النفس و صورتها الباطنة. و كما ان حسن الصورة الظاهرة مطلقا لا يتم بحسن العينين دون الأنف و الفم و الخلد بل لابد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر، فكذلك لابد في الباطن من أربعة لابد من الحسن في جميعها حتي يتم حسن الخلق فاذا استوت الأركان الأربعة و اعتدلت و تناسبت حصل حسن الخلق و هي: قوة العلم، و قوة الغضب، و قوة الشهوة، و قوة العدل بين هذه القوي الثلاث: 1 - قوة العلم: فحسنها و صلاحها من أن تصبر بحيث يسهل لها درك الفرق بين الصدق و الكذب في الأقوال، و بين الحق و الباطل في الاعتقادات، و بين الجميل و القبيح في الأفعال، فاذا تحصلت هذه القوي حصل منها ثمرة الحكمة التي هي رأس الأخلاق الحسنة «و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» [280] . 2 - قوة الغضب: و أما قوة الغضب و الشهوة فحسنهما في أن يقتصر انقباضهما و انبساطهما علي حد ما تقتضيه الحكمة و الدين. [ صفحه 165] 3 - قوة العدل: و اما قوة العدل فهي ضبط قوة الغضب و الشهوة تحت اشارة العقل و الشرع، فالعقل منزلته منزلة الناصح و المشير، و قوته القدرة و منزلتها منزلة المنفذ الممضي لاشارته، و الغضب و الشهوة تنفذ فيهما الاشارة. و مثال الغضب مثال كلب الصيد، فانه يحتاج الي أن يؤدب حتي يكون استرساله و توقفه بحسب الاشارة لا بحسب هيجان النفس. و مثال الشهوة مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد، فانها تارة تكون مروضا مؤدبا، و تارة تكون جموحا، فمن استولت فيه هذه الصفات و اعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا، و من اعتدل فيه بعضها دون بعض فهو حسن الخلق بالاضافة الي ذلك المعني خاصة، كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون البعض. و حسن قوة الغضب و اعتدالها يعبر عنه بالشجاعة، و حسن قوة الشهوة و اعتدالها يعبر عنه بالعفة، فان مالت قوة الغضب عن الاعتدال سمي ذلك تهورا، و ان مالت الي الضعف و النقصان سمي ذلك جبنا، و ان مالت قوة الشهوة الي طرف الزيادة سمي شرها، و ان مالت الي النقصان سمي خمودا. و المحمود هو الوسط، و هو العدل و الفضيلة، و الطرفان رذيلتان مذمومتان و العدل اذا فات فليس له طرفان بزيادة و نقصان، بل له ضد واحد و هو الجور. و أما الحكمة فيسمي افراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبا، و يسمي تفريطها بلها، و الوسط هو الذي يختص باسم الحكمة و الخلاصة أمهات الأخلاق الحسنة و الجميلة و أصولها أربعة: الحكمة و الشجاعة و العفة و العدل. لم يبلغ كمال الاعتدال من البشر في هذه الأصول الأربعة الا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و لهذا أثني الله عليه قائلا: (و انك لعلي خلق عظيم) [281] . و الناس بعده يتفاوتون في القرب و البعد فينبغي أن يقتدي به. و قد أشار سبحانه و تعالي الي هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين: (انما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم [ صفحه 166] و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) [282] . فالايمان بالله و رسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين، و هو ثمرة العقل، و منتهي الحكمة. و المجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع الي ضبط قوة الشهوة؛ و المجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع الي استعمال قوة الغضب علي شرط العقل و حد الاعتدال. و قد وصف الله عزوجل به قوما فقال: (أشداء علي الكفار رحماء بينهم) [283] . و هذه اشارة الي أن للشدة موضعا و للرحمة موضعا، و ليس الكمال بالشدة في كل حال، و لا في الرحمة بكل حال. و ما نراه اليوم يتمثل عمليا علي أرض لبنان في الجنوب الحبيب و البقاع الغربي الحبيب علي يد أبطال المقاومة المسلمة الذين استعملوا الشدة في موضعها فجاهدوا بأنفسهم بكل شجاعة محكمين غضبهم علي شرط العقل، و مقاومين عناقيد الغضب بدمائهم الزكية الطاهرة فايمانهم في غير ارتياب لقوة يقينهم و هم بالنتيجة الصادقون الصابرون.

فماذا اذن عن الصبر

الصبر و فضله

من الصفات الحميدة التي يتحلي بها المؤمنون، الصبر، فهو المحك لقوة ايمان الانسان و صلابة ارادته تجاه النوائب و المصائب التي تحل به. قال تعالي: (و لنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [284] . و قال تعالي أيضا: (و جلعنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) [285] . و قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بما معناه: «من أقل ما أوتيتم اليقين و عزيمة الصبر، [ صفحه 167] و من أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل و صيام النهار». و سئل صلي الله عليه و اله و سلم عن الايمان؟ فقال: الصبر و السماحة. و قال الامام الباقر عليه‌السلام: «الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر. فمن صبر علي المكاره في الدنيا دخل الجنة، و جهنم محفوفة بالملذات و الشهوات فمن أعطي نفسه لذتها و شهوتها دخل النار». و قال الامام الصادق عليه‌السلام: «من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد». و قال أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: «بني الايمان علي أربع دعائم: اليقين، و الصبر، و الجهاد، و العدل». و الامام الكاظم عليه‌السلام: سار علي نهج أبيه و جده فاوصي أصحابه بالتمسك بالصبر ان نزلت بهم كارثة أو حل بهم خطب، فان الجزع يذهب بالأجر الذي أعده الله للصابرين فقال عليه‌السلام بما مضمونه: «المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها الا بالصبر و الاسترجاع عند الصدقة». و قال عليه‌السلام عقب البلاء الذي أصابه من الحكام العباسيين: «ان الصبر علي البلاء أفضل من العافية عند الرخاء». و لكن أين الرخاء؟ في سجون هارون الرشيد و الهادي.!! و قال عليه‌السلام: «المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان». أما الذين صبروا علي البلاء مثل الامام الكاظم و أبيه و أجداده فقال الله سبحانه و تعالي عنهم: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) [286] .

في حقيقة الصبر

من المعلوم ان الحرب قائمة علي قدم و ساق بين باعث الدين و باعث الهوي و مكان المعركة بينهما قلب المؤمن. و لكن مدد باعث الدين من الملائكة الناصرين [ صفحه 168] لحزب الله، و مدد باعث الهوي من الشياطين الناصرين لأعداء الله، فالصبر عند ذلك عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوي و الشهوة. و الصبر ضربان: بدني و نفسي. - بدني كتحمل المشاق في السفر أو الأعماق الشاقة من العبادات، أو المرض الشديد أو الجراحات و التعذيب. - و نفسي: و هو الصبر علي مشتهيات الطبع، و مقتضيات الهوي، فان كان علي احتمال مكروه اثر مصيبة اقتصر علي اسم الصبر. و ان كان عن شهوة البطن و الفرج سمي عفة، و ان كان في الحرب سمي شجاعة، و ان كان في نائبة من نوائب الزمان الصعبة سمي سعة الصدر. و ان كان في اخفاء كلام سمي كتمانا و ان كان في فضول العيش سمي زهدا، و ان كان في كظم الغيظ و الغضب سمي حلما. و الامام الكاظم هو من أفضل الحالمين لكثرة صبره و كظم غيظه، و لهذا سمي بالكاظم. و العبد في جميع الأحوال لا يستغني عن الصبر في حياته الخاصة و العامة، لأن ما يلقاه في الدنيا اما أن يوافق هواه، و اما يكرهه، و حاله غير خارج عن هذين الضربين و هو لا محالة محتاج الي الصبر في كل منهما. و هناك صبر لا يقع تحت الاختيار كالمصائب مثل الموت لبعض الأحباب و هلاك الأموال و زوال الصحة بالمرض و سائر أنواع البلاء. و هذا النوع من الصبر مستند الي اليقين. قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بما مضمونه: «أسألك من اليقين ما يهون به علي مصائب الدنيا». و قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: الصبر ثلاثة: صبر علي المصيبة، و صبر علي الطاعة، و صبر عن المعصية؛ فمن صبر علي المصيبة حتي يردها بحسن عزائها، كتب له ثلثمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين السماء الي الأرض، و من صبر علي الطاعة، كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الأرض الي العرش، و من صبر علي المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الأرض الي منتهي العرش. [287] . [ صفحه 169] و الانسان قد يخرج عن مقام الصابرين بالجزع الزائد و المبالغة في الشكوي، و هذه بلا ريب داخلة تحت الاختبار، فينبغي أن يتجنب جميعها و يظهر الرضا بالقضاء. و يروي أنه لما مات ابراهيم ولد النبي صلي الله عليه و اله و سلم فاضت عيناه بالدموع فقيل له: أما نهيتنا عن هذا؟ قال صلي الله عليه و اله و سلم بما مضمونه: «ان هذا رحمة و انما يرحم الله من عباده الرحماء»، و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب». و سئل الامام الباقر عليه‌السلام عن الصبر الجميل؟ فقال: ذاك صبر ليس فيه شكوي و اما الشكاية الي الله تعالي فلا بأس بها كما قال يعقوب: (انما أشكو بثي و حزني الي الله). و لكن لكل داء دواء فهل للصبر من دواء أو علاج؟؟ نعتقد ان الذي أنزل الداء أنزل الدواء: و وعد بالشفاء، فالصبر و ان كان شاقا يمكن تحصيله بتقوية باعث الدين و تضعيف باعث الهوي بالمجاهدة و الرياضة الروحية. فمن يكثر فكره فيما ورد في فضل الصبر يعلم ان ثوابه علي المصيبة أكثر مما فات و انه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة اذ فاته ما لا يبقي معه الا مدة الحياة الدنيا و حصل له ما يبقي بعد موته أبد الدهر. و هذا ما يحصل كل يوم مع أهالي المجاهدين الأبطال في المقاومة حيث نجد العديد من الآباء و الأمهات الذين فقدوا أبناءهم في هذه الدنيا فصبروا صبرا جميلا مقوين باعث الدين و مضعفين باعث الهوي بالمجاهدة و الرياضة، عاملين بقول الرسول الأكرم الذي قال صلي الله عليه و اله و سلم: «أسألك من اليقين ما يهون به علي مصائب الدنيا».

محاسبة النفس: الامام الكاظم عالم نفسي

قال الله تعالي: (كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا) [288] . و قال تعالي: (و وضع الكتاب فتري المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا [ صفحه 170] ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة الا أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا) [289] . فعلم أصحاب البصائر أن العليم بالسرائر و المطلع علي الضمائر سيحاسبهم علي كل صغير أو كبير أو جليل أو حقير، و علي مثاقيل الذر من الخطرات و اللحظات و الغفلات، و لا ينجيهم من هذه الأخطار العظيمة و الأهوال الجسيمة الا محاسبة أنفسهم في الدنيا قبل أن يحاسبوا يوم القيامة. قال الامام الصادق عليه‌السلام: اذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا الا أعطاه فلييأس من الناس كلهم، و لا يكون له رجاء الا من عند الله، فاذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئا الا أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فان للقيامة خمسين موقفا كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا عليه‌السلام: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) [290] . و معني المحاسبة هو أن يحاسب الانسان نفسه أولا بالفرائض التي هي بمنزلة رأس ماله، فان أداها علي وجهها شكر الله علي هذه النعمة، و ان فوتها من أصلها طالبها بالقضاء. و كما أن التاجر يفتش في حساب الدنيا عن القيراط و الحبة ليحفظ مداخل الزيادة و النقصان، فينبغي عليه أن يتقي غائلة النفس و مكرها لأنها خداعة، فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طوال نهاره و ليتكفل بنفسه من الحساب ما يستولي غيره في صعيد القيامة. و هكذا عن نظره و سمعه و لسانه، بل عن خواطره و أفكاره و جميع جوارحه حتي عن سكونه و سكوته و أكله و شربه. فاذا عرف مجموع واجبات نفسه و صح عنده قدر ما أدي من الحق، كان ذلك القدر محسوبا له، فيثبته عليها و يكتبه علي صحيفة قلبه. قال الامام الباقر عليه‌السلام: لا يغرنك الناس من نفسك، فان الأمر يصل اليك دونهم، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا فان معك من يحفظ عليك عملك فأحسن فاني [ صفحه 171] لم أر شيئا أحسن دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم. و قال الامام الصادق عليه‌السلام: ان رجلا أتي النبي صلي الله عليه و اله و سلم فقال له: يا رسول الله أوصني. فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: فهل أنت مستوص اذا أنا أوصيتك؟ حتي قال له ذلك ثلاثا و في كلها يقول له الرجل: نعم يا رسول الله. فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «فاني أوصيك اذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان يك رشدا فامضه، و ان يك غيا فانته عنه. و الامام الكاظم عليه‌السلام حث أصحابه علي محاسبة أنفسهم و النظر في أعمالهم فان كانت حسنة استزادوا منها، و ان كانت سيئة طلبوا من الله المغفرة و الرضوان. قال عليه‌السلام: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سيئة استغفر الله منها و تاب اليه» [291] .

مراقبة النفس

ينبغي علي العبد أن يراقب نفسه في جميع أعماله، و يلاحظها بالعين الخالصة لأنها ان تركت بلا مراقبة فسدت و أفسدت. ثم عليه أن يراقب الله في كل حركة و سكون، و ذلك بان يعلم بان الله مطلع عليه و علي ضميره، خبير بسرائره، رقيب علي أعماله، قائم علي كل نفس بما كسبت، و ان سر القلب عنده مكشوف كما ان ظاهر البشرة للخلق مكشوف، بل أشد من ذلك قال الله تعالي: (ان الله كان عليكم رقيبا) [292] . و قال تعالي أيضا: (ألم يعلم بأن الله يري) [293] . و قال النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «الاحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك». [ صفحه 172] و يروي أن زليخا لما خلت بيوسف قامت فغطت وجه صنمها، فقال يوسف: ما لك تستحين من مراقبة جماد و لا استحي من مراقبة الملك الجبار؟!». و لا ريب أن المراقبة تحصل من معرفة الله، و العلم بأنه تعالي مطلع علي الضمائر، عالم بما في السرائر، بمرأي منه و بمسمع، هؤلاء هم من الورعين أصحاب اليقين غلب اطلاع الله علي ظواهرهم و بواطنهم، و لم يدهشهم ملاحظة الجمال و الجلال، بل بقيت قلوبهم علي حد الاعتدال، متسعة للتلفت الي الأحوال و الأعمال و المراقبة فيها، و غلب عليهم الحياء من الله فلا يقدمون و لا يحجمون الا بعد التثبت، و يمتنعون عن كل ما يفتضحون به في يوم القيامة. فانهم يرون الله عليهم، فلا يحتاجون الي انتظار القيامة. قال الفقهاء: ان العبد لا يخلو اما أن يكون في طاعة أو معصية أو مباح. فمراقبته في الطاعة بالاخلاص و الاكمال و مراعاة الأدب و حراستها من الآفات. و مراقبته في المعصية بالتوبة و الندم و الاقلاع و الحياء و الاشتغال بالتفكير. و مراقبته في المباح بمراعاة الأدب، بان يعقد مستقبل القبلة و ينام علي اليد اليمني مستقبلا الي غير ذلك. فكل ذلك داخل في المراقبة. و بشهود المنعم في النعمة و بالشكر عليها، و بالصبر علي البلاء فان لكل واحد منها حدودا لابد من مراعاتها بدوام المراقبة. قال تعالي: (و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) [294] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «رحم الله امرء عرف حده فوقف عنده».

كيف تقاس الأعمال؟

الاسلام قد نظر الي الدوافع الذاتية التي تدفع الانسان الي عمل الخير نظرة موضوعية أصيلة، و بني الأعمال علي أساس «النية» و قال: «الأعمال بالنيات». لكل عمل يقوم به الانسان جانبان، لكل منهما حساب مستقل علي حدة فمن [ صفحه 173] الممكن أن يكون عمله خيرا من جهة و لا قيمة له من جهة أخري. فهنا يجب أن ينظر الي ما حمل فاعله عليه من الدوافع النفسية و الروحية و حكمنا في مثل هذه الأعمال يستند الي القيم الخاصة الاجتماعية و الخارجية للعمل، و لا موضوعية لنية الفاعل من هذا المنظار. المهم النتيجة الايجابية فلا يفرق لدينا ان يكون هدف المحسن من احسانه الرياء و المنافع المادية، أو يكون له في عمله دافع قيم، و ان تكون هناك نية صافية نزيهة في هدف عمله. فالعمل الصالح في النظام الاجتماعي هو ما يكون نافعا للمجتمع، و لا علاقة له بما فيه للفرد من تكامل معنوي، و أنه بادر الي ذلك العمل بتأثر من أي دافع أو عامل؟. في شريعة الله لا ينظر الي كمية العمل، بل الي كيفية العمل و أثره النفسي و الذاتي في شخص الفاعل، فهذا الذي يتقبله الله تعالي. في هذا المجال الحساب يتبع ما بين الفعل و الفاعل من الرابطة، و بأي نية أو هدف أقدم علي ذلك العمل، فلو كان قد بادر الي ذلك العمل الصالح بدافع الرياء فان نفسه لم تتقرب بذلك الي الله تعالي بل ابتعد و خاب ظنه، و لا يكفي لتلقي العمل الصالح لديه أن يكون مفيدا للمجتمع فحسب بل العمل الاجتماعي المفيد انما يكون نافعا بالنظر الي التكامل المعنوي فيما اذا كانت الروح خارجة عن حصار الرياء و الأهواء الشخصية الي الصفاء في النية و الخلوص الي الله تعالي. قال الله تعالي في كتابه العزيز: (و ما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [295] . و عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم: «انما الأعمال بالنيات». فثبوت الايمان بالله هي النية المعنوية، و عندئذ يتصف العمل بالقيمة الخالصة و سيكون صاحب هذا العمل مورد لطف الله و عنايته و حمايته. فالانسان الذي لم تسطع أشعة الله علي روحه هو خال من الايمان و الاخلاص، انما يدفعه الي القيام بالأعمال الميول النفسانية و الشهرة الدنيوية الفانية، انه بدأ عمله خلوا من روح الحقيقة و أنهاه ليظهر فضائله الانسانية علي الملأ بغية احترامه و تقديره. [ صفحه 174] هذا الهدف غير القيم يكون السبب الأساسي في رد عمله، و يصبح عمله لا قيمة له عند الله تعالي، و لا تعود منه عائدة سوي ذلك الهدف المحدود الذي كان يهدف اليه ليفيده في حياته الحاضرة. و هذا ما نلاحظه اليوم عند أكثر المرشحين للنيابة في الانتخابات حيث يبدأ نشاطهم في اعمار المساجد و لم يدخلوها الا وقت التدشين، و ينفقون الأموال الطائلة علي الموائد الشهية، و المظاهر الفارغة، و التبرعات الخاصة لذوي الحاجات. كل ذلك لاظهار كرمهم الزائف و افتخارهم أمام الناس لكسب رضاهم. هؤلاء عطاؤهم مردود عند الله، لأنهم لم يكونوا مخلصين في نواياهم، و لم يعملوا لكسب رضا الله، بل همهم رضا الناس من أجل مصالحهم الخاصة. لكنهم لو عقلوا أكثر لأخلصوا في نواياهم و كسبوا رضا العباد، - و رضي رب العباد. قال تعالي: (و الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس و لا يؤمنون بالله...) [296] . أما الذين يتمتعون بالثقة بأنفسهم و يعتمدون علي أعمالهم فلا يشعرون بحاجة الي الرياء لأنهم لا يعانون من أي مرض نفسي. و قد وصفهم أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام فقال: «لسان المرائي جميل، و في قلبه داء دخيل» [297] . و فيه عنه عليه‌السلام قال: «الافتخار من صغير الاقدار». يقول عالم نفسي كبير: «من الوسائل التي نتوسل بها لجلب انتباه الآخرين عند الفشل و خيبة الأمل و عدم التوفيق، هو الاطراء في الثناء علي أنفسنا، نتصور الأعمال التي نحب لو كنا نعملها لو كنا نحصل عليها، و كأنها كانت و حصلت فننسبها الي أنفسنا، أو نقنع من أنفسنا أن نتحدث دائما عن الأفعال التي عملناها و أن نعظمها مهما كانت صغيرة و حقيرة بدلا من الأعمال التي لم نعملها و الموفقيات التي لم نحصل عليها». هذه الفئة من الناس ينخدع أفرادها بجزافاتهم و يرضون عن أنفسهم مخدوعين بحيث تفوتهم أية فرصة للسعي و التوفيق. [ صفحه 175] ولو كان الثناء علي النفس يريح صاحبه من خيبة عدم التوفيق في الأعمال و عدم اجتذاب الناس الي نفسه، فيخدع بذلك المستمعين بصورة مؤقته، فان ذلك لن يعالج المرض الأصيل. اما الذي يعمل أعمالا صالحة و يحصل من جزاء ذلك علي موقع محترم في قلوب الآخرين فلا حاجة له الي الثناء علي نفسه، فهو بدل ذلك يسعي و يعمل، و يحصل كل يوم علي أصدقاء مخلصين و تقدير خاص في مجتمعه. و يقول عالم نفسي آخر: ان الثناء علي النفس يولد الانزعاج لدي الآخرين، فهو من جانب قد يشتمل علي شي‌ء من الكذب و التزوير، و من جانب آخر هو ينشأ من الجهل و الحماقة. ان من يتحدث عن صفة خاصة في نفسه و بصورة مستمرة قد يكون فاقدا لها. (و فاقد الشي‌ء لا يعطيه). و اعلموا أن الذين يتحدثون عن نجاحاتهم و مظاهر نشاطاتهم، و حسن تدبيرهم يفقدون بلا ريب مثل هذه المزايا. و لا ينبغي أن ننسي أن الكذب حبله قصير، و لا يدوم كثيرا حتي ترتفع الحجب و الستائر عن وجه الحقيقة، و حينئذ يفقد المرء كل مكانته و وجاهته بين أفراد مجتمعه مهما حاول التستر. و في ذلك قال أحد الشعراء: و مهما يكن عند امري‌ء من خليقة و ان خالها تخفي عن الناس تعلم هؤلاء أظهروا الحقيقة بوجه مخادع يخالف الحق و ذلك بغية تحقيق أهداف خاصة و مصالح شخصية. و النفاق هو أعلي درجات الكذب و أحقرها حيث يظهر المنافق غير ما يبطن فيلهج بلسان ذلق مخادع و قلبه يضمر العكس تماما و هو ما سمي بذي الوجهين. من هنا سمي الرجل الذي يظهر الايمان و يبطن الكفر منافقا [298] فهو كذب عملي فعلي. و من هذا النوع الذين يظهرون صداقتهم و يبطنون عداوتهم. و كل من يظهر بمظهر ينافي حقيقة هو منافق حقير مذموم، قلبه مريض. قال تعالي: [ صفحه 176] (اذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم و من يتوكل علي الله فان الله عزيز حكيم) [299] .

القياس بالنفس

كل انسان يقيس الآخرين علي شاكلته، فان كان سلوكه فاسدا فيقيس الآخرين علي أساس مقاصده الفاسدة و نياته الملوثة و غير النزيهة. قال أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عالم العلماء، و سيد البلغاء، و سيد الأدباء: «الرجل السوء لا يظن بأحد خيرا؛ لأنه لا يراه الا بطبع نفسه» [300] . و هذا ما نلاحظه في مجتمعنا اليوم و ما يمكن أن يحصل في كل يوم لأن الحقائق العلمية موضوعية و مستمرة في كل العصور. يقول علماء النفس: «حينما تمتلي‌ء الدنيا بعواطفنا و ميولنا و أفكارنا، فمن المقطوع به أننا ننظر الي كل شي‌ء منها بنظرتنا الشخصية، و كأن أحاسيسنا تظل علي رؤوس الكائنات. و نلاحظ ذلك في الطبيعة: فالعواصف تصيب باليأس و القنوط، و النسيم الغض الطري يكسبنا الرضا و السكون. و هكذا نحن البشر نري الطبيعة الجغرافية و البشرية من خلال نوافذ عواطفنا و أحاسيسنا. فحسب أحاسيسنا من الممكن أن نري الهر حيوانا محبوبا لطيفا أو حيوانا مؤذيا معاديا. كما يمكن أن نري الاسد حيوانان محبوبا مأنوسا أو نراه حيوانا مفترسا ضارا مرهوبا. ذلك أن العواطف و الأحاسيس تغير الدنيا التي نعيش فيها بصورة كلية. و من هنا كان التفاؤل و التشاؤم من الموضوع نفسه عند بعض الناس. و اذا ما سألنا بعض القضاة و الحقوقيين يقولون: قلما يتفق أن يشهد الشهود لحادثة بسيطة ساذجة شاهدوها من قريب، بشهادة واحدة تماما، فقد تختلف العبارات و الصورة من شخص لآخر. [ صفحه 177] كما نلاحظ ذلك في الأمور التي لا تثير العاطفة نشاهد جيدا كيف تختلف أفكارنا و نظراتنا، فكيف بالأحري بالحوادث العاطفية. و لا ريب أن ذلك يعود الي العقل الذي منه الاتزان و الصحة و الرأي السليم. قال الامام الكاظم عليه‌السلام في وصيته لهشام: «يا هشام ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره. يا هشام من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله: و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله، و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه. هذا النمط من الناس ينقصهم ضعف في النفس و عدم الثقة بأنفسهم. و السبب في ذلك يعود الي عدم الاتكال علي الله، رب العالمين الذي تستمد منه وحده فهو صاحب القدرة الآلهية الأزلية. ان المؤمن مع تمتعه بثقته بنفسه، و مع افادته من كل الامكانيات التي تحت تصرفه بصورة دقيقة و تامة، لا يحضر روحه بين العلل و العوامل المادية، و لا تتوقف انسانيته علي المادة، بل يري طريق التعالي و التسامي الي القمة مفتوحا عليه، كما يري عمله أبعد من حدود المادة، فهو يربط بين نشاطاته و فعالياته و أهداف الحياة العالية ان من يطمئن قلبه بالايمان يكون اعتماده و ثقته بالله تعالي الذي بيده سبحانه تدبير كل الأمور وحده لا شريك له. قال تعالي: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها و ما يمسك، فلا مرسل له من بعده و هو العزيز الحكيم) [301] . ان اللجوء الي غير الله لا ينتج عنه سوي الذلة و الحقارة، و أني لمخلوق عاجز لا ملجأ له الا الله بل هو فقير في كل شي‌ء اليه و لا يملك من أمره شيئا، فكيف له أن يمتلك أمر غيره؟ و هل بعد هذا أفضل و ألطف من أن يعيش الانسان في كنف لطف الله و حمايته؟ فهو مالك كل شي‌ء و بيده تدبير جميع الأمور. [ صفحه 178] ان الخضوع أمام الله في السراء و الضراء، و الاعتقاد الحازم و الراسخ بسيادة القدرة المطلقة الآلهية فوق جميع القدرات و العوامل المادية يترك في نفس المؤمن آثارا عجيبة من الطمأنينة بحيث لا يفتقد قيمته أمام أي حادث، و لا يضطرب و لا يقلق لأي شي‌ء كبيرا كان أم صغيرا. ان الاتكال علي الله عزوجل لن يؤدي الي الضعف و الوهن، بل هو ثقة و اعتماد يوثق قوة الارادة، و يقطع جذور أي وسوسة أو تردد من القلوب. و هل يزكو عمل الانسان و هو شاغل قلبه عن أمر ربه؟ قال الامام الكاظم عليه‌السلام مخاطبا هشام: «يا هشام كيف يزكو عند الله عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك، و أطعت هواك علي غلبة عقلك، و قال لقمان عليه‌السلام: «ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، و حشوها الايمان، و شراعها التوكل...». ان الكفاح الدائم و المستمر للمؤمنين الآلهيين ضد عوامل التخريب و الانحراف في المجتمع، و الأفكار المنحطة فيه، كانوا يستعينون بالمدد اللامرئي لتنفيذ برامجهم الاصلاحية و ارشاد العباد الي نهج الرشاد، و حيث كانت لأرواحهم ارتباط غير منقطع بقدرة الله الأزلية، فانهم كانوا يتابعون أهدافهم حي المرحلة النهائية بكل صراحة و موضوعية. لكن الثقة بالنفس بدون الاتكال علي الله لا يمكن أن تنفذ روح الانسان في الأحوال الحرجة و المنهكة لقوي القلق و الاضطراب، لأن الشدائد و العوامل المعاكسة في الحياة تهزم روح الخالي من الاعتماد علي الله، و الذي لا تتجاوز بصيرته عن حدود الماديات؛ و هو بهذه الحالة لا يتمكن من أن يخطو أية خطوة في مدارج الكمال حتي لو كانت سهلة واضحة و ربما يعيقه ألم بسيط عن تحقيق هدف كبير، ان كيفية روحية المسلمين الأوائل في صدر الاسلام و بصورة خاصة الأئمة المعصومين عليه‌السلام تثبت لنا صحة ما نري اليه، اذ كانوا أفضل و أكمل نموذج للاعتماد علي الله و التوكل عليه. فالذين تربوا في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الاسلامية الأولي النشطة المعطاء، [ صفحه 179] لم تسيطر عليهم حالة عدم الثقة أبدا، و ذلك بسبب ارادتهم القوية و ايمانهم الأصيل، و هذه الارادة الثابتة المطمئنة هي التي فتحت لهم طريق النجاح و التقدم و الانتصار علي الباطل لقد سلكوا طريق الحق و قالوا كلمة الحق و نشروا رسالة الحق و لم تأخذهم في الله لومة لاثم حتي أحدثوا ذلك المجتمع الاسلامي الوحيد الذي لم نر نظيرا له في التاريخ. قال الامام الكاظم عليه‌السلام بعد أن أمر أصحابه بقول الحق و اظهاره، و التجنب عن الباطل: «اتق الله، و قل الحق و ان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك، أي فلان اتق الله و دع الباطل و ان كان فيه نجاتك فان فيه هلاكك». علي كل أحد أن يقيم موقعه في الحياة، و يعرف ان ما اختاره من طريق هل هو الي خير و سعادة أم الي شقاء و تعاسة؟ و بالتعرف علي الحاجات النفسية يستطيع أن يكافح ضد العوامل التي توجب اضطراب التوازن الروحي، و ان لا يدع تلك العوامل تجتمع و تتكاتف علي ضرر الانسان، فيقول الخير من أي موقع كان. قال الامام الكاظم عليه‌السلام للفضل بن يونس: «أبلغ خيرا و قل خيرا، و لا تكن امعة» [302] .

المسؤولية الفردية

ان المسؤولية الفردية في الاسلام تشكل أساس التعاليم الانسانية و التوصل الي السعادة المعنوية في النظام الاسلامي يتوقف علي عمل الشخص نفسه، و التكاليف التي وضعها علي عاتق الانسان في جميع الشؤون الدينية و الدنيوية يجب أن تؤدي بالعمل المباشر، و علي هذا الأساس يترتب مبدأ الثواب و العقاب. و القرآن الكريم ينبه الي: (أن ليس للانسان الا ما سعي) و (كل نفس بما كسبت رهينة) [303] . و قال تعالي أيضا: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثي و هو مؤمن، فلنحيينه [ صفحه 180] حياة طيبة، و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [304] . و في هذه الدنيا يستوفي الانسان نتائج أعماله. جاء عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم قال: «من عمل سوءا يجز به في الدنيا» [305] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «من يزرع خيرا يحصد رغبة، و من يزرع شرا يحصد ندامة» [306] . و كتب الفيلسوف الأمريكي (امرسون) يقول: «ان العالم بمثابة جدول ضرب أو معادلة رياضية كيفما يعادلونها تعتدل و تتوازن و يكون جوابها واحدا دائما، اننا أي طريقة نختارها لحل مسألة رياضية فان اعداد النتائج ستكون واحدة لا محالة و الطبيعة بسكوتها تفشي كل سر بطريقة متقنة، و تجازي كل جريمة، و تثبت علي كل فضيلة. و كل عمل يستكمل نفسه من طريقين: الأول: التفاعل في الطبيعة الواقعية لنفس الفعل و العمل. و الثاني: الطريقة العلنية الظاهرة. و الكيفية العلنية هي التي تسمي الجزاء و العقاب. العقاب الذاتي يري بالعين المجردة في الشي‌ء نفسه، و العقاب الكيفي يري ببصيرة الفهم. هذه العقوبة الخاصة من الممكن أن تبدو بعد أعوام عديدة من وقوع الحادثة، و لكنها تستتبعها و تلازمها حتما. ان الجريمة و الجزاء أغصان شجرة واحدة، و الجزاء ثمرة تنضح و تظهر فجأة من باطن زهرة اللذة التي سترتها و غطتها» [307] . لذلك وجدنا الامام الكاظم عليه‌السلام يوصي عموم أصحابه بتنظيم أوقاتهم، و العمل علي تهذيب نفوسهم و تحمل مسؤولياتهم فقال عليه‌السلام: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، ساعة لمعاشرة الاخوان و الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم، و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم [ صفحه 181] في غير محرم، و بهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات، و لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فانه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدثها بطول العمر حرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروءة، و ما لا سرف فيه، و استعينوا بذلك علي أمور الدين، فانه روي: «ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه» [308] . و قال عليه‌السلام في استغلال الوقت لصالح الفرد و حثه علي تحمل المسؤولية في هذه الحياة الدينا: «من استوي يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه أشرهما فهو ملعون، و من لم يعرف الزيادة علي نفسه فهو في النقصان، و من كان الي النقصان أكثر فالموت خير له من الحياة» [309] .

عيوب النفس

ان لمختلف أنماط السلوك أثرا في الأشخاص لا يوصف ايجابيا أو سلبيا. و من عيوب النفس الغرور: ان الغرور و حب التغلب و الارتفاع غالبا ما يمنع الانسان من أن يدرك حدود نقائصه، و من أن يقف علي حدود قدراته و طاقاته. قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام «رضا العبد عن نفسه برهان سخافة عقله» [310] . و ان الأمر الذي يمنع من نمو استقلالية شخصيته، و يسبب في توقف نموه النفسي و جموده، هو عدم اطلاعه علي ما في وجوده من نقائص مما يجعل الانسان لا يهتم أبدا بسد تلك النقائص و ترميمها. قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام: «الراخي عن نفسه مستور عنه عيبه، ولو عرف فضل غيره كفاه ما به من النقص و الخسران» [311] . عن علي بن سويد، قال: سألت أباالحسن عليه‌السلام عن العجب الذي يفسد [ صفحه 182] العمل، فقال: العجب درجات: منها ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب أنه يحسن صنعا. و منها ان يؤمن العبد بربه فيمن علي الله عزوجل و لله المنة عليه [312] . و في ذلك قال الامام علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام «العجب يفسد العقل» [313] . و نجد كثيرا من أولئك الذين يتلفون طاقاتهم الروحية من دون أن يفيدوا منها في تحسين وضعهم الشخصي و الاجتماعي، و من دون أن يكون لهم أدني اطلاع عن القوي المخبوءة و الطاقات العجيبة في نفوسهم، اللهم الا أن تتفق أرضية مساعدة لهم علي ابراز استعداداتهم المثمرة، و كم من قدرات مفيدة تذهب هدرا علي أثر عدم اطلاع أصحابها عن كيفية و مستوي اقتدارها و حسن استثمارها. جاء في غررالحكم من أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام قال: «من طلب عيبا وجده». و قال الامام الكاظم عليه‌السلام: «يا هشام ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به، و أكثر الصواب في خلاف الهوي، و من طال أمله ساء عمله». و قال الامام الكاظم عليه‌السلام أيضا: «من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض، و من تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله و من ادعي ما ليس له فهو أغني لغير رشده». أما الذين يصابون بالعقد و الآلام النفسية، أو يعانون كابوس اليأس و القنوط، هم في الواقع أناس غير مطلعين علي استعداداتهم و امكاناتهم و طاقاتهم الكامنة فيهم، كي يسدوا عوزهم بالافادة مما فيهم من قوي و طاقات، و يستبدلوا ما فيهم من نقص بالكمال، و لذا فمن الضروري لهؤلاء السعي الحثيث لاكتشاف أنفسهم. و قد أكد العلماء علي معرفة النفس ضمن الأمور التي ترتبط منها بالانسان كذلك في العهد الحاضر يعد تعلم أصول معرفة النفس من أهم المواضيع في علم النفس الطبي، هذا و العصر الحاضر عصر الدراسات العميقة بشأن الطبيعة الانسانية و عصر علم النفس بالمعني الفني و الاختصاصي العام. [ صفحه 183]

معرفة النفس

ان مشكلة معرفة النفس و الجهل بحاجاتها الروحية حقيقة لا يمكن انكارها، في حين أن الجهال منا يظنون أنهم يعرفونها أفضل من الجميع، و أنهم مطلعون علي علل دوافعها و افكارها و سلوكها. و بالتالي هم مطلعون علي باطنهم تماما و مشكلة معرفة النفس هي العلة لكثير من الأخطاء و سوء الفهم و اصدار الأحكام الظالمة، مما يستدل رؤية الانسان لاساس هذه المشاكل في الجهل و ذلك بالامكانات و كميتها و كيفيتها، التي أودعتها يد الخلقة في جود انسان. و لا ننسي الدور الذي تؤديه الوراثة و التربية و المحيط الاجتماعي و البيئة في نظام الحياة النفسية، اضافة الي سيطرة الأهواء و النقائص علي الانسان و لنا في الحكام العباسيين دليل واضح علي ذلك و في العصور القديمة كان الفلاسفة يؤكدون علي معرفة النفس ضمن الأمور التي ترتبط بالانسان، كما نلاحظ في وقتنا الحاضر أن تعلم أصول معرفة النفس يعد من أهم المواضيع في علم الطب النفسي. في هذا العصر ظهرت سلسلة من البحوث القيمة بشأن علم النفس بالمعني الاختصاصي العام. و لهذا فان الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم ينبه الناس الي أن يجتنبوا اتباع الهوي فيقول: «اياكم و الهوي، فان الهوي يعمي و يصم» [314] . و عن الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام قال: «لا يغرنك الناس من نفسك فان الأمر يصل اليك دونهم، و لا تقطع نهارك بكذا و كذا فان معك من يحفظ عليك عملك، و أحسن فاني لم أر شيئا أحسن دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم» [315] . و روي الكليني أيضا عن أبي‌الحسن موسي الكاظم عليه‌السلام قال: «لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب فان قليل الذنوب يجتمع حتي يصير كثيرا، و خافوا الله في السر حتي تعطوا من أنفسكم النصف و سارعوا الي طاعة الله [ صفحه 184] و أصدقوا الحديث و أدوا الأمانة فانما ذلك لكم و لا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فانما ذلك عليكم» [316] . و قال عليه‌السلام أيضا: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنا استزاد الله، و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه» [317] .

الحب الخالص و الود الخالد

و هل أروع و أعظم من هذا الرباط الوثيق الذي يجعل المسلمين كالبنيان المرصوص! قال تعالي في كتابه العزيز: (انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم، و اتقوا الله لعلكم ترحمون) [318] و قد عرض سبحانه لدفع البشر الي هذه المحبة الصافية النزيهة بواعث و أشواقا، و لذلك أوجد في ضمير الانسان حبا للذات متوازنا و متناغما، و يبلغ في تعاليمه الي قاعدة ينطلق في ظلها من قيود الغرور و عبادة الذات بحيث لا يظهر فيه اتجاه مفرط في حبه لذاته. و هذا علي عكس ما وجدنا عند هارون و المنصور و الهادي... ان الكبرياء يختص بذات الله وحده لا شريك له، الله الذي لا يتطرق اليه الفقر و الحاجة، بل تحتاج اليه جميع الموجودات من جميع الجهات: قال تعالي: (يا أيها الناس انتم الفقراء الي الله و الله هو الغني الحميد) [319] . و الاصابة بالغرور و حب الظهور و التعالي علي الناس هو انحراف أكيد عن البرامج الآلهية. و القرآن الكريم يلفت نظر المغرور الي عجزه و احتقاره و بذلك يهبط بروح القوة عنده من قمة الخيالات الواهبة الي حضيض الهاوية فيقول تعالي: (و لا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض و لن تبلغ الجبال طولا) [320] ان من لا ينصرف عن النظر الي المبدأ الأعلي للوجود لا تسيطر عليه في [ صفحه 185] مواقع الرفاهية و العنعمة حالة الغرور بل يبقي علي ما هو عليه، اذ أن الاسلام يدعو الي التواضع و الاعتدال، و لا يجب الكبر و الاستعلاء دعا الله جل و علا رسوله الكريم ليتواضع و يلين جانبه مع الناس قال تعالي: (فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل علي الله ان الله يحب المتوكلين) [321] . و قال صلي الله عليه و اله و سلم: «ان العفو لا يزيد العبد الا عزا، فاعفو يعزكم الله و ان المتواضع لا يزيد العبد الا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، و ان الصدقة لا تزيد المال الا انماء، فتصدقوا يزدكم الله». و قال الامام الكاظم عليه‌السلام: «اياك و الكبر فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه» و سبب وجود الغرور و القيم الكاذبة المسيطرة علي الروح و المدركات هو عدم وجود القيم الآلهية في القلوب المؤمنة. ذلك أن المؤمن يتجنب كل خضوع مذل تنزل به شخصيته في مجتمعه، لأنه أمام ذات الكبرياء المقدسة التي تعطيه الدفع الكبير و القوة الهائلة في سائر حالاته. و الله تعالي يوصي أهل الايمان بهذه المزية الايمانية الخاصة في جميع المواقع و كل المراحل. قال تعالي: (و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين) [322] . و الامام الكاظم عليه‌السلام قال: «ان قلوب المؤمنين مطوية». روي الكليني عن علي بن جعفر عن أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام قال: «ان الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة علي الايمان فاذا أراد استنارة ما فيها نضحها بالحكمة، و زرعها بالعلم، و زارعها و القيم عليها رب العالمين» [323] . و هكذا قال قلب الامام الكاظم عليه‌السلام مزروعا بالحكمة و العلم و القيم من رب العالمين. [ صفحه 186]

في سبيل الشريعة الاسلامية، مناظرات الامام الكاظم

اشاره

للامام الكاظم عليه‌السلام مناظرات و احتجاجات هامة و بليغة مع خصومه المناوئين له، كما جرت له مناظرات أخري مع علماء النصاري و اليهود. و قد برع فيها جميعها و أفلج الجميع بها أقامه من الأدلة الدامغة علي صحة ما يقول، و بطلان ما ذهبوا اليه. و قد اعترفوا كلهم بالعجز و الفشل معجبين بغزارة علم الامام و تفوقه عليهم.

مع هارون الرشيد

دخل اليه و قد عمد علي القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة نسبها الي شيعته فقرأه عليه‌السلام ثم قال له: يا أميرالمؤمنين نحن أهل‌بيت منينا بالتقول علينا، و ربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده الا في وقت محاسبته: (يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم) [324] . ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم: الرحم اذا مست اضطربت ثم سكنت، فان رأي أميرالمؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره و مد يمينه الي موسي عليه‌السلام فأخذ بيمينه ثم ضمه الي صدره، فاعتنقه و أقعده عن يمينه و قال: أشهد أنك صادق و جدك صادق و رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صادق و لقد دخلت و أنا أشد الناس حنقا [325] و غيظا لما رقي الي فيك فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سري عني و تحول غضبي عليك رضي. و سكت ساعة ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس و علي بما صار علي أولي بميراث رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من العباس، و العباس عم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و صنو أبيه؟ [ صفحه 187] فقال له الامام عليه‌السلام: أعفني. قال: و الله لا أعفيتك، فأجبني. قال: فان لم تعفني فآمني. قال: آمنتك، قال موسي بن جعفر عليه‌السلام: ان النبي صلي الله عليه و اله و سلم لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر، ان أباك العباس آمن و لم يهاجر، و ان عليا آمن و هاجر، و قال الله: (و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا) [326] فتغير لون هارون. ثم تابع الرشيد فقال: ما لكم لا تنسبون الي علي و هو أبوكم و تنسبون الي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و هو جدكم؟ فقال الكاظم عليه‌السلام: ان الله نسب المسيح عيسي بن مريم عليه‌السلام الي خليله ابراهيم عليه‌السلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالي: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون، و كذلك نجزي المحسنين) [327] (و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين) [328] فنسبه لأمه وحدها الي خليله ابراهيم عليه‌السلام. كما نسب داود و سليمان و أيوب و موسي و هارون عليه‌السلام بآبائهم و أمهاتهم، فضيلة لعيسي عليه‌السلام و منزلة رفيعة بأمه وحدها. و ذلك قوله في قصة مريم عليهاالسلام: (ان الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك علي نساء العالمين) [329] . بالمسيح من غير بشر. و كذلك اصطفي ربنا فاطمة عليهاالسلام و طهرها و فضلها علي نساء العالمين بالحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون - و قد اضطرب و ساءه ما سمع -: من أين قلتم الانسان يدخل الفساد من قبل النساء و من قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله، فقال الامام الكاظم عليه‌السلام: هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، و لا تيم و لا عدي و لا بنوأمية و لا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. قال الرشيد: فان بلغني عنك كشف هذا رجعت عما [ صفحه 188] آمنتك. فقال موسي عليه‌السلام: لك ذلك. قال عليه‌السلام: فان الزندقة قد كثرت في الاسلام و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون الينا في الأخبار، هم المنسوبون اليكم. فقال هارون: فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال عليه‌السلام: الزنديق هو الراد علي الله و علي رسوله و هم الذين يحادون الله و رسوله. قال تعالي: (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم) [330] . و هم الملحدون، عدلوا عن التوحيد الي الالحاد. فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد و تزندق؟ فقال عليه‌السلام: أول من ألحد و تزندق في السماء ابليس اللعين، فاستكبر و افتخر علي صفي الله و نجيه آدم عليه‌السلام فقال اللعين: (أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين) [331] فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الالحاد ذريته الي أن تقوم الساعة فقال هارون: و لابليس ذرية؟ فقال عليه‌السلام: نعم ألم تسمع الي قول الله عزوجل: (الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو بئس للظالمين بدلا. ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا) [332] فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟! ثم قال له الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال عليه‌السلام: نعم. و أوتي بدواة و قرطاس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة: - أمر لا اختلاف فيه و هو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها، الأخبار المجمع عليها و هي الغاية المعروض عليها كل شبهة و المستنبط منها كل حادثة و هو اجماع الأمة. [ صفحه 189] - و أمر يحتمل الشك و الانكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع علي تأويلها، و سنة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله و لا يسع خاصة الأمة و عامتها الشك فيه و الانكار له. و هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه و أرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بينها الله في قوله لنبيه صلي الله عليه و اله و سلم: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) [333] . يبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجوز، يحتج علي خلقه بما يعملون، و يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون. فأجازه الرشيد و أحسن لقاءه. و انصرف الامام عليه‌السلام و قد دل خصمه - المسمي بأميرالمؤمنين و خليفة المسلمين - علي أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت عليهم‌السلام و صحة أقوالهم و دعم ما ذهب اليه بأوثق الأدلة و البراهين و لا غرو فهذا الغصن الطيب هو من تلك الشجرة الطيبة التي غرسها الرسول صلي الله عليه و اله و سلم و تعهد سقايتها و رعايتها.

مع الفضل بن الربيع

زار هارون الرشيد قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم فاجتمع به الامام عليه‌السلام و بعد انتهاء المقابلة، خرج عليه‌السلام فاجتاز علي الأمين ابن الرشيد، فالتفت الأمين الي الفضل بن الربيع قائلا له: عاتب هذا، فقال الفضل الي الامام فقال له: كيف لقيت أميرالمؤمنين علي هذه الدابة التي ان طلبت عليها لم تسبق و ان طلبت عليها تلحق؟ - قال الامام عليه‌السلام: لست أحتاج أن أطلب، و لا أن أطلب، و لكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل، و ترتفع عن ذلة البعير، و خير الأمور أوسطها» [334] فتركه [ صفحه 190] الامام عليه‌السلام و انصرف و بدا علي الفضل الارتباك و العجز.

مع أبي‌يوسف

أمر هارون الرشيد أبايوسف [335] أن يسأل الامام عليه‌السلام بحضرته لعله أين يبدي عليه العجز فيتخذ من ذلك وسيلة للحط من كرامته، و لما اجتمع عليه‌السلام بهم وجه اليه أبويوسف السؤال التالي: - ما تقول في التظليل للمحرم؟ قتل الامام: لا يصلح. - فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟ قال الامام: نعم. - فما الفرق بين الموضعين؟ - ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال أبويوسف: لا. - أتقضي الصوم؟ نعم. و لم؟ هكذا جاء هذا. - فسكت أبويوسف و لم يطق جوابا و بدا عليه الخجل و العجز فقال هارون: - ما أراك صنعت شيئا؟ - رماني بحجر دامغ [336] . و تركهما الامام عليه‌السلام و انصرف بعد أن خيم عليهما الحزن و الشقاء. و لا عجب فالامام عليه‌السلام هو ابن الامام جعفر الصادق الذي أسس الجامعة الاسلامية و وضع مناهجها العلمية الأصيلة، و هو سر أبيه عليه‌السلام.

مع أبي‌حنيفة

دخل أبوحنيفة علي الامام الصادق عليه‌السلام فقال له: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه، فلم ينههم عن ذلك؟! [ صفحه 191] فأمر أبوعبدالله عليه‌السلام باحضار ولده فلما مثل بين يديه قال له: «يا بني، ان أباحنيفة يذكر انك كنت تصلي و الناس يمرون بين يديك؟» فقال عليه‌السلام: «نعم، يا أبت و ان الذي كنت أصلي له أقرب الي منهم، يقول الله عزوجل (و نحن أقرب اليه من حبل الوريد) [337] «. عندها فرح الامام الصادق عليه‌السلام و سر سرورا بالغا لما أدلي به ولده من المنطق الرائع، فقام اليه و ضمه الي صدره و قال مبتهجا: «بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار!!» [338] .

مع علماء اليهود

قصد وفد من علماء اليهود الامام الصادق عليه‌السلام ليحاججوه في الاسلام فلما مثلوا بين يديه انبروا اليه يطلبون منه الحجة و الدليل علي نبوة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قائلين: - أي معجز يدل علي نبوة محمد صلي الله عليه و اله و سلم؟ أجابهم عليه‌السلام: كتابه المهيمن، الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه. - كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟ فانطلق الامام الكاظم عليه‌السلام و كان آنذاك صبيا قائلا لهم: - و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات الله لموسي علي ما تصفون؟ - علمنا ذلك بنقل الصادقين. - فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالي من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين. فبهروا و آمنوا بقول الامام الكاظم الصبي عليه‌السلام، الذي هو المعجز بحق، و هتفوا معلنين اسلامهم قائلين: نشهد أن لا آله الا الله و أن محمدا رسول الله، [ صفحه 192] و انكم الأئمة الهادون و الحجج من عند الله علي خلقه. و لما أدلي الامام عليه‌السلام بهذه الحجة و أسلم القوم علي يده، وثب اليه والده أبوعبدالله فقبل ما بين عينيه. و قال له: أنت القائم من بعدي ثم أمره بكسوة لهم و أوصلهم فانصرفوا و هم شاكرون [339] .

مع علماء النصاري

اشاره

جاء قطب من أقطاب النصاري و من علمائها النابهين يدعي (بريهة) كان يطلب الحق و يبغي الهداية. اتصل بجميع الفرق الاسلامية و أخذ يحاججهم فلم يقتنع و لم يصل الي الهدف الذي يريده، حتي وصفت له الشيعة و وصف له هشام بن الحكم، فقصده و معه نخبة كبيرة من علماء النصاري، فلما استقر به المجلس سأل بريهة هشام بن الحكم عن أهم المسائل الكلامية و العقائدية فأجابه عنها هشام ثم ارتحلوا جميعا الي التشرف بمقابلة الامام الصادق عليه‌السلام و قبل الالتقاء به اجتمعوا بالامام الكاظم فقص عليه هشام مناظراته و حديثه مع العالم النصراني (بريهة). فالتفت عليه‌السلام الي بريهة قائلا له: - يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم. - كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به!! فأخذ عليه‌السلام يقرأ عليه الانجيل و يرتل عليه فصوله فلما سمع ذلك بريهة آمن بأن دين الاسلام حق و أن الامام من شجرة النبوة فانبري اليه قائلا: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك!! ثم انه أسلم و أسلمت معه زوجته و قصدوا جميعا والده الامام الصادق عليه‌السلام فحكي له هشام الحديث و اسلام بريهة علي يد ولده الكاظم فسر عليه‌السلام بذلك و التفت قائلا له: (ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم) [340] . و انبري بريهة الي الامام الصادق عليه‌السلام قائلا: - جعلت فداك، أني لكم التوراة و الانجيل و كتب الأنبياء؟!! [ صفحه 193] - قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرأوها، و نقولها كما قالوها: ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي‌ء فيقول: لا أدري. و بعدها لزم بريهة الامام الصادق عليه‌السلام و صار من أخلص أصحابه، و لما انتقل الامام الي دار الخلود اتصل بالامام الكاظم عليه‌السلام حتي توفي في عهده [341] و لا عجب فالامام المعصوم هو الحجة. قال أبوالحسن عليه‌السلام: «ان الأرض لا تخلو من حجة و أنا و الله ذلك الحجة» [342] .

مع راهب نصراني

كان في الشام راهب معروف تقدسه النصاري و تعظمه، و تسمع منه، و كان يخرج لهم في كل عام يوما يعظهم. التقي به الامام في ذلك اليوم الذي يعظ به و قد طافت به الرهبان و علية القوم، فلما استقر المجلس بالامام التفت اليه الراهب قائلا: - يا هذا، أنت غريب؟ قال عليه‌السلام: نعم. - منا أو علينا؟ قال عليه‌السلام: لست منكم. - أنت من الأمة المرحومة؟ قال عليه‌السلام: نعم. - أمن علمائها أمن جهالها؟ قال عليه‌السلام: لست من جهالها. فاضطرب الراهب، و تقدم الي الامام يسأله عن أعقد المسائل عنده قائلا: كيف طوبي أصلها في دار عيسي عندنا، و عندكم في دار محمد صلي الله عليه و اله و سلم و أغصانها في كل دار؟ قال عليه‌السلام: انها كالشمس يصل ضوؤها الي كل مكان و موضع و هي في السماء. - قال الراهب: ان الجنة كيف لا ينفذ طعامها و ان أكلوا منه، و كيف لا ينقص شي‌ء منه؟ [ صفحه 194] - قال الامام عليه‌السلام انه كالسراج في الدنيا و لا ينقص منه شي‌ء. - قال الراهب: ان في الجنة ظلا ممدودا، ما هو؟ - قال الامام عليه‌السلام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس، هو الظل الممدود، ثم تلا قوله تعالي: (ألم تر الي ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) [343] . - قال الراهب: ان أهل الجنة يأكلون و يشربون كيف لا يكون لهم غائط و لا بول؟ - قال الامام عليه‌السلام: انهم كالجنين في بطن أمه. - قال الراهب: ان لأهل الجنة خدما يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟ - قال الامام عليه‌السلام: ان الانسان اذا احتاج الي شي‌ء عرفت أعضاؤه ذلك فتعرفه الخدم فيحققون مراده من غير أمر. - قال الراهب: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟ - قال الامام عليه‌السلام: مفاتيح الجنة قول العبد: لا اله الا الله. - قال الراهب: صدقت. ثم أسلم هو و قومه [344] .

مع نفيع (و هو رجل من الأنصار)

قدم مع الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) و كان عارفا، فحضر يوما باب الرشيد و تبعه عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز، و حضر موسي بن جعفر عليه‌السلام علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالاكرام، و أعظمه من كان هناك، و عجل له الاذن. فقال نفيع لعبدالعزيز: من هذا الشيخ؟ فقال له: أو ما تعرفه؟ هذا شيخ آل أبي‌طالب، هذا موسي بن جعفر عليه‌السلام. فقال نفيع: ما رأيت أعجب من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل لو يقدر علي [ صفحه 195] زوالهم عن السرير لفعل، أما ان خرج لاسوأنه. فقال له عبدالعزيز: لا تفعل، فان هؤلاء أهل‌بيت قلما تعرض لهم أحد بخطاب الا وسموه في الجواب وسمة يبقي عارها أبد الدهر. و خرج الامام الكاظم عليه‌السلام فقال اليه نفيع و أخذ بلجام حماره ثم قال له: من أنت؟! قال عليه‌السلام: يا هذا ان كنت تريد النسب فأنا ابن‌محمد حبيب الله بن اسماعيل ذبيح الله، ابن‌ابراهيم خليل الله. و ان كنت تريد البلد، فهو الذي فرض الله عزوجل عليك و علي المسلمين ان كنت منهم، الحج اليه، و ان كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتي قالوا: يا محمد اخرج لنا أكفاءنا من قريش. خل عن الحمار. فخلي عنه و يده ترجف و انصرف بخزي. فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك [345] ؟

مع المهدي في الحج

حج المهدي، و لما صار في (فتق العبادي) ضج الناس من العطش، فأمر أن يحفر بئرا، و لما بلغوا قريبا من القرار، هبت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء و منعت العمل، فخرجت الفعلة خوفا علي أنفسهم. فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاءا كثيرا ليحفروا، فنزلا فأبطئا، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر. فقالا: انا رأينا آثارا و أثاثا، و رأينا رجالا و نساءا، فكلما أومأنا الي شي‌ء منهم صار هباء، فصار المهدي يسأل عن ذلك و لا يعلمون. فقال الامام الكاظم عليه‌السلام: هؤلاء أصحاب الأحقاف، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم. [346] .

المهدي العباسي

قال علي بن يقطين: سأل المهدي أباالحسن عليه‌السلام عن الخمر، هل هي [ صفحه 196] محرمة في كتاب الله عزوجل، فان الناس انما يعرفون النهي عنها و لا يعرفون التحريم؟ فقال له أبوالحسن: بل هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أميرالمؤمنين. قال المهدي: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزوجل يا أباالحسن؟ فقال عليه‌السلام: قول الله عزوجل: (انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق و ان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و ان تقولوا علي الله ما لا تعلمون) [347] . فأما قوله (ما ظهر منها) يعني الزنا المعلن، و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية. و أما قوله عزوجل: (و ما بطن) يعني ما نكح الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلي الله عليه و اله و سلم اذا كان للرجل زوجة و مات عنها تزوجها ابنه الأكبر من بعده اذا لم تكن أمه، فحرم الله عزوجل ذلك. و أما «الاثم» فانها الخمرة بعينها، و قد قال الله تعالي في موضع آخر: (يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير) [348] . فأما الاثم في كتاب الله فهو الخمر و الميسر، فاثمهما كبير كما قال عزوجل. فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه و الله فتوي هاشمية. قال: فقلت له: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين، الحمدلله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي [349] .

مع أبي‌أحمد الخراساني

سأله أبوأحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟ [ صفحه 197] فقال عليه‌السلام ما لك و لهذا، ما عهدي بك تكلم الناس؟ قال: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك. فقال عليه‌السلام: قل له الكفر أقدم، أول من كفر ابليس (و اذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس أبي و استكبر و كان من الكافرين) [350] و لا يخفي ان الكفر شي‌ء واحد، و الشرك يثبت واحدا و يشرك معه غيره [351] .

مع عبدالغفار

جاءه رجل يقال له عبدالغفار فسأله عن قوله تعالي: (ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني) [352] . قال أري هنا خروجا من حجب و تدليا الي الأرض، و أري محمدا رأي ربه بقلبه و نسب الي بصره فكيف هذا؟ فقال أبوالحسن موسي بن جعفر: دنا فتدلي فانه لم يزل عن موضع و لم يتدل ببدن. فقال عبدالغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: دنا فتدلي، فلم يتدل عن مجلسه الا و قد زال عنه و لولا ذلك لم يصف بذلك نفسه. فقال الامام عليه‌السلام: ان هذه لغة في قريش اذا أراد رجل منهم أن يقول قد سمعت، يقول: قد تدليت و انما التدلي هو الفهم. - و سئل عليه‌السلام عن رجل قال: و الله لأتصدقن بمال كثير فما يتصدق؟ فقال عليه‌السلام: ان كان الذي حلف من أرباب شياه، فليتصدق بأربع و ثمانين شاة، و ان كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع و ثمانين بعيرا، و ان كان من أرباب الدراهم، فليتصدق بأربع و ثمانين درهما و الدليل عليه قوله تعالي: (و لقد [ صفحه 198] نصركم الله في مواطن كثيرة) [353] فعدد مواطن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة و ثمانين موطنا [354] . - سئل عليه‌السلام عن رجل نبش قبر ميت، و قطع رأس الميت، و أخذ الكفن. فقال عليه‌السلام: يقطع يد السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز. و يلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح [355] .

مع المهدي العباسي أيضا

أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام مع الجامع النبوي، فسأل فقهاء العصر عن جواز اجبارهم علي ذلك، فأشار عليه علي بن يقطين أن يرفع استفتاء في المسألة الي الامام الكاظم عليه‌السلام فاستصوب رأيه فرد الامام علي سؤاله و كتب له: بعد البسملة: ان كانت الكعبة هي النازلة بالناس، فالناس أولي ببنائها و ان كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولي بفنائها. و لما انتهي الجواب الي المهدي أمر بهدم الدور و أضافها الي ساحة المسجدين ففزع أصحابها الي الامام عليه‌السلام و التمسوا منه أن يكتب لهم رسالة الي المهدي ليعوضهم عن ثمن دورهم، فأجابهم و كتب الي المهدي رسالة في ذلك فلما وصلت اليه أوصلهم و أرضاهم [356] . و لم يكن ذلك من الاستملاك الذي يعبر عنه في الوقت الحاضر بالاستملاك للمصلحة العامة كما فهمه بعض المعاصرين بل ان هذا حكم شرعي يتبع أدلته الخاصة التي نصت علي أن للجامع فناء و ان من نزل به لا حرمة لما يقيمه فيه من بناء. و عن داود بن قبيصة: قال سمعت الرضا عليه‌السلام يقول: سئل أبي عليه‌السلام: [ صفحه 199] هل منع الله ما أمر به، و هل نهي عما أراد، و هل أعان علي ما لم يرد؟ فقال عليه‌السلام: أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به؟ فلا يجوز ذلك، و لو جاز لكان قد منع ابليس عن السجود لآدم، و لو منع ابليس لعذره و لم يلعنه. و أما ما سألت هل نهي عما أراد؟ فلا يحوز ذلك، و لو جاز لكان حيث نهي آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، و لو أراد منه أكلها لما نادي صبيان الكتاتيب: (و عصي آدم ربه فغوي) [357] و الله تعالي لا يجوز عليه أن يأمر بشي‌ء و يريد غيره. و أما ما سألت عنه من قولك: هل أعان علي ما لم يرد؟ و لا يجوز ذلك، و جل الله تعالي عن أن يعين علي قتل الأنبياء و تكذيبهم و قتل الامام الحسين بن علي عليهماالسلام و الفضلاء من ولده، و كيف يعين علي ما لم يرد؟ و قد أعد جهنم لمخالفيه، و لعنهم علي تكذيبهم لطاعته، و ارتكابهم لمخالفته، و لو جاز أن يعين علي ما لم يرد لكان أعان فرعون علي كفره و ادعائه أنه رب العالمين، أفتري أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية؟ يستتاب هذا القول، فان تاب من كذبه علي الله و الا ضربت عنقه [358] .

درر من حكمه الخالدة

اشاره

كان هدف أهل البيت من تعاليمهم النافعة، و حكمهم العالية، و أحاديثهم التوجيهية دعوة الأمة نحو الخير و الصلاح، معتمدين السبل القويمة لنشر الاسلام، و اعلاء كلمة الله عزوجل. و لم تقتصر تعاليمهم علي القاء الخطب و الوصايا، بل كانوا يفيضون علي من حولهم من توجيهاتهم القيمة جوامع الكلم ذات معان كبيرة في شتي نواحي الأخلاق و الآداب و المواعظ الاجتماعية الثمينة. و لو قمنا بعملية احصاء لكل امام منهم عليه‌السلام لحصلنا علي كتاب ضخم، و أثر نفيس في دنيا الأخلاق و المواعظ. و قد فضلنا نموذجا مختصرا عن بعض ما أثر عن الامام موسي الكاظم عليه‌السلام من الدرر الحكيمة الخالدة مدرجة حسب الأبجدية علنا نفي بالهدف المطلوب. [ صفحه 200]

حرف (أ)

قال عليه‌السلام عند قبر حضره: ان هذا شيئا آخره لحقيق ان يزهد في أوله، و ان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره. - اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الاخوان الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، و بهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات. - اياك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله. - اشتدت مؤونة الدنيا و الدين، فأما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الي شي‌ء منها الا وجدت فاجرا قد سبقك اليه، و أما مؤونة الآخرة فانك لا تجد أعوانا يعينوك عليه. - أولي العلم بك ما لا يصلح لك العلم الا به، و أوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، و الزم العلم لك ما دلك علي صلاح قلبك، و أظهر لك فساده، و أحد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله، و لا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه. - أداء الأمانة و الصدق يجلبان الرزق، و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق. و سأله رجل يدعي عبيدالله بن اسحاق المدائني: ان الرجل يراني فيحلف بالله انه يحبني، أفأحلف بالله انه لصادق؟ فقال عليه‌السلام: امتحن قلبك فان تحبه فاحلف و الا فلا. - أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج. - ان صلاحكم من صلاح سلطانكم، و ان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، و أكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم. - اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يعرف ذلك منه. [ صفحه 201] - أخذ أبي بيدي،، قال يا بني: ان أبي‌محمد بن علي أخذ بيدي، و قال: ان أبي‌علي بن الحسين أخذ بيدي، و قال: يا بني: افعل الخيل الي كل من طلبه منك فان كان من أهله فقد أصبت موضعه، و ان لم يكن له بأهل كنت أهله، و ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول عن يسارك و اعتذر اليك فاقبل منه. - سأله رجل عن الجواد: فقال عليه‌السلام: ان لكلامك وجهين. فان كنت تسأل عن المخلوقين، فان الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه. و البخيل من بخل بما افترض الله عليه، و ان كنت تعني الخالق فهو الجواد ان أعطي، و هو الجواد ان منع لأنه ان أعطاك أعطاك ما ليس لك و ان منعك منعك ما ليس لك. - ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا هم الآمنون يوم القيامة. - ان أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا، و أدوا الأمانة، و عملوا بالحق. - ان الأنبياء و أولاد الأنبياء و أتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال: السقم في الأبدان، و خوف السلطان، و الفقر. - ان الله عزوجل يقول: اني لم أغن الغني لكرامة له علي، و لم أفقر الفقير لهوان به علي، و هو مما ابتليت الأغنياء بالفقراء، و لولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة. - اذا لم تستح فاعمل ما شئت. - أحسن من الصدق قائله، و خير من الخير فاعله. - قال علي بن جعفر: سألت أخي موسي بن جعفر فقلت له: أصلحك الله، أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم. فقلت: أيكون خائنا؟ قال: لا و لا يكون كاذبا ثم قال: ان أبي حدثني عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: كل خلة يطوي المؤمن عليها ليس الكذب و الخيانة. [ صفحه 202] - قال عليه‌السلام: جاء رجل الي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال له: يا رسول الله ما حق ابني علي؟ فقال صلي الله عليه و اله و سلم: أن تحسن اسمه و أدبه.

حرف (ت)

و قال عليه‌السلام: التحدث بنعم الله شكر، و ترك ذلك كفر، فارتبطوا نعم ربكم بالشكر، و حصنوا أموالكم بالزكاة، و ادفعوا البلاء بالدعاء، فان الدعاء منجية، ترد البلاء و قد أبرم ابراما. و قال عليه‌السلام: التودد الي الناس نصف العقل. و قال عليه‌السلام: تعجب الجاهل من العاقل أكثر من تعجب العاقل من الجاهل.

حرف (ر)

و قال عليه‌السلام: رأس السخاء أداء الأمانة.

حرف (س)

و قال عليه‌السلام: السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلي الله عنه حتي يدخله الجنة، و ما بعث الله نبيا الا سخيا، و ما زال أبي يوصيني بالسخاء و حسن الخلق حتي مضي.

حرف (ص)

و قال عليه‌السلام: الصنيعة لا تكون صنيعة الا عند ذي دين أو حسب، و الله ينزل المعونة علي قدر المؤونة، و ينزل الصبر علي قدر المصيبة.

حرف (ض)

قال علي بن سويد: سألت أباالحسن موسي عليه‌السلام عن الضعفاء - أي ضعفاء العقيدة - فكتب عليه‌السلام لي: الضعيف من لم ترفع له حجة، و لم يعرف الاختلاف، فاذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف. [ صفحه 203]

حرف (ع)

و قال عليه‌السلام: العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا، و منها أن يؤمن العبد بربه فيمتن علي الله عزوجل، و لله المنة عليه فيه. و قال عليه‌السلام: العجلة هي الخرق. و قال عليه‌السلام: عونك للضعيف من أفضل الصدقة. و قال عليه‌السلام: عليكم بالدعاء، فان الدعاء لله و الطلب الي الله يرد البلاء و قد قدر و قضي و لم يبق الا امضاؤه، فاذا دعي الله عزوجل و سئل صرف البلاء.

حرف (ف)

و قال عليه‌السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج اليه، أشد علي ابليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، و هذا همه مع ذات نفسه ذوات عباد الله و امائه لينقذهم من يد ابليس و مردته، و لذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد و ألف عابد. و قال عليه‌السلام: فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب.

حرف (ق)

و قال عليه‌السلام: قلة الشكر تزهد في اصطناع المعروف. و قال عليه‌السلام: قلة الوفاء عيب بالمروءة. و قال عليه‌السلام: قلة العيال أحد اليسارين.

حرف (ك)

و قال عليه‌السلام لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان. و قال عليه‌السلام: كثرة الهم تورث الهرم. و قال عليه‌السلام: كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون. [ صفحه 204] و قال عليه‌السلام رد علي سؤال موسي بن بكر عن الكفر: «الكفر أقدم من الشرك و هو الجحود قال عزوجل: (الا ابليس أبي و استكبر و كان من الكافرين).

حرف (ل)

قال عليه‌السلام: لا تكن امعة فتقول: أنا مع الناس، ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: انما هما نجدان: نجد خير و نجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير. و قال عليه‌السلام: لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك و ابق منها، فان ذهابها ذهاب الحياء. و قال عليه‌السلام: لو ظهرت الآجال، افتضحت الآمال. و قال عليه‌السلام: لا تصلح المسألة الا في ثلاث: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدفعة. و قال عليه‌السلام: لا خير في العيش الا لمستمع واع، أو عالم ناطق. و قال عليه‌السلام: لا تبذل لاخوانك من نفسك ما ضرره عليك أعظم من منفعته لهم. و قال عليه‌السلام: لا تضيع حق أخيك اتكالا علي ما بينك و بينه، فانه ليس بأخ من ضيعت حقه، و لا يكونن أخوك أقوي علي قطيعتك منك علي صلته. و قال عليه‌السلام لبعض ولده: لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله و طاعته، فان الله عزوجل لا يعبد حق عبادته.

حرف (م)

و قال عليه‌السلام: المصيبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان. و قال عليه‌السلام: ما تساب اثنان الا انحط الأعلي الي مرتبة الأسفل. [ صفحه 205] و قال عليه‌السلام: ليس حسن الجوار كف الأذي، و لكن حسن الجوار الصبر علي الأذي. و قال عليه‌السلام: المؤمن أعز من الجبل، الجبل يستغل بالمعاول، و المؤمن لا يستغل دينه بشي‌ء. و قال عليه‌السلام: المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه. و قال عليه‌السلام: ما أهانت الدنيا قوم قط الا هنأهم الله اياها، و بارك لهم فيها، و ما أعزها قوم قط الا بغضهم الله اياها. و قال عليه‌السلام: من أتي الي أخيه مكروها فبنفسه بدأها. و قال عليه‌السلام: من ولده الفقر أبطره الغني. و قال عليه‌السلام: المؤمن أخو المؤمن لأمه و أبيه وان لم يلده أبوه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من لم ينصح لأخيه، ملعون من استأسر لأخيه، معلون من احتجب عن أخيه، معلون من اغتاب أخاه. و قال عليه‌السلام: المعروف تلو المعروف غل لا يفكه الا مكافأة أو شكر. و قال عليه‌السلام: من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن منه عدوه - يعني الشيطان. و قال عليه‌السلام: المغبون من غبن من عمره ساعة. و قال عليه‌السلام: من ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه فيها لم ينل جسيما. و قال عليه‌السلام: من تكلم في الله هلك، و من طلب الرياسة هلك، و من دخله العجب هلك. و قال عليه‌السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: من أصبح و هو لا يهتم بظلم أحد غفر الله ما اجترم [359] . و قال عليه‌السلام: من أفتي الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء و الأرض.

حرف (ن)

قال عليه‌السلام: نعم المال النخل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل. [ صفحه 206]

حرف (و)

و قال عليه‌السلام: وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك، و الثانية: أن تعرف ما صنع بك، و الثالثة أن تعرف ما أراد منك، و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك.

حرف (ي)

قال عليه‌السلام: يعرف شدة الجور من حكم به عليه. و قال عليه‌السلام: ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له علي الله أجر فليقم. فلا يقوم الا من عفا و أصلح فأجره علي الله. و قال عليه‌السلام: ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه، و لا يتهمه في قضائه.

كوكبة من رواته و أصحابه

اشاره

قامت مدرسة الامام الصادق عليه‌السلام بمجهود كبير و عظيم بمواصلة أعمالها من أجل تثقيف الجيل و تطوير المجتمع الانساني و تقدم المسلمين في ميادين النهضة الفكرية و العلمية و الحضارية. و قد ربت خلال فترة زمنية محدودة جيلا صالحا أدي رسالته الاصلاحية الشاملة و قام بسماع جليلة الي الأجيال الصاعدة. و ببركة هذه المدرسة و مجهود المسؤول عنها عليه‌السلام نضجت العقلية الاسلامية بواسطة معارف الاسلام و تعاليمه الخيرة من المحيط النظري الي التطبيق العملي في مشارق الأرض و مغاربها. و لما فجع العالم الاسلامي برحيل العالم الكبير و الامام العظيم الصادق عليه‌السلام نهض الامام موسي الكاظم عليه‌السلام بعد أبيه يتسلم شؤون تلك المدرسة التي أغنت العالم الاسلامي، و أعزت العلم و رفعت مناره. و أصبح بعد وفاة أبيه عميدا للشيعة في كل أمورهم، و مرشدا للنهضة الفكرية في عصره؛ و قد أقبل عليه العلماء و طلاب العلم من كل حدب و صوب ينهلون من نمير علمه، و احتفي به رجال الفكر لا يفترقون عنه، حتي بلغ الأمر بهم من شدة احتفائهم به [ صفحه 207] و تقديرهم له، انه اذا نطق بكلمة أو أفتي بموضوع بادروا الي تدوين ذلك للحال [360] . و قد روي عنه هؤلاء العلماء جميع أنواع المعارف علي اختلافها و تباعد أطرافها، من حكمة، و تفسير للذكر الحكيم، و فقه اسلامي بجميع أبوابه، و توضيح أمور عالقة، و ردود علي أسئلة مختلفة من قريب أو بعيد، كما رووا عنه في الآداب الاجتماعية و المواعظ و النصائح القيمة، و أيضا فقد حثهم علي العلم المفيد لهم و لمجتمعهم. تلك الكوكبة من العلماء و الرواة التي يزيد عددها علي أربعة آلاف لم يكن أفرادها علي مستوي واحد من حيث الثقة و العدالة، و هذا قد يحدث في كل عصر، فكان بينهم عدد من المنافقين و المكتسبين باعوا ضمائرهم بثمن رخيص؛ فلم يتحرجوا من الوضع و الكذب في الحديث علي لسان النبي صلي الله عليه و اله و سلم و عترته الميامين ليأخذوا عوض ذلك بعض الدريهمات من السلطة الحاكمة التي أفسدت عقيدة المسلمين و خدرت عقولهم و مزقتهم شيعا و أحزابا (كل حزب بما لديهم فرحون). كما كان بينهم جمهرة أخري من الضعفاء و المجهولين غير موثوق بهم تماما. و لا ريب ان الفئة الغالبة كانوا من العدول و الثقات الذين عرفوا بالصدق و الأمانة و اليهم يرجع الفضل في ضبط الأحكام الاسلامية و نشر فقه أهل البيت عليهم‌السلام. و نظرا لوجود هذه الطوائف المختلفة من رواة الأثر فقد انقسم الحديث الي أصناف فكان: الحديث الصحيح، و الحسن، و الموثق، و الضعيف. «فبعد استشهاد أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام نشأت الأحزاب و الفرق التي اتخذت شكلا دينيا كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الاسلام» [361] . «و قد حاول كل حزب دعم ما يدعي بالقرآن و السنة، و من البديهي ألا يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن الكريم، فعمدوا الي تحريف السنة [ صفحه 208] الشريفة بالتحريف و الزيادة، حتي وضعوا علي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ما لم يقل» [362] . لكنهم فشلوا و لم يحققوا مبتغاهم: «لأن للحديث النبوي ضوءا كضوء النهار يعرف به [363] و للحديث المكذوب ظلمة كظلمة الليل تنكره العقول المستقيمة ان معرفة سيرة الرسول الكريم صلي الله عليه و اله و سلم و هديه فيما يأمر به و ينهي عنه و فيما يحبه و يكرهه، ثم التعرف علي جميع أحواله فيما يجوز و فيما لا يجوز، و كل ما نطق به من أقوال و قام به من أعمال. كل هذا يمنحنا النور الكاشف لأنظارنا و الاطمئنان المريح لأنفسنا. و علي أي حال فان الكثيرين من أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام قد قاموا بدور مهم في التأليف و التصنيف و نشر الحضارة الاسلامية حتي ملأوا المكتبة العربية و الاسلامية في عصرهم بنتاجهم القيم، الأمر الذي دل بحق علي أن لهم اليد الطولي في رفع منار العلم، و تهذيب الأفكار، و تقويم الأخلاق. أما عدد أصحابه فقد ذكر أحمد بن خالد البرقي أنهم كانوا مائة و ستين شخصا [364] و هو اشتباه ظاهر ان كان مراده الحصر، و لعله أراد بهذا العدد الأعلام النابهين منهم دون أن يليهم في مراتب العلم و الفقه و الحديث. و الحقيقة ان أغلب المنتمين لمدرسة الامام الصادق عليه‌السلام قد بقوا بعد وفاته ينهلون من علم الامام الكاظم عليه‌السلام و يتلقون العلوم و الفقه منه. و سوف نعرض طائفة من أصحابه و رواة حديثه مرتبته علي حروف الهجاء:

حرف (أ)

ابراهيم بن أبي‌البلاد

هو يحيي بن سليم و كني بأبي‌البلاد، كان ابراهيم ثقة جليلا رفيع المنزلة عظيم الشأن، روي عن أبي‌عبدالله و الكاظم و الرضا، و أرسل له الامام الرضا عليه‌السلام رسالة أعرب فيها عن ثنائه و اكباره له [365] . [ صفحه 209]

احمد بن الحسن

هو ابن‌اسماعيل النمار، مولي بني‌أسد، كان من أصحاب الامام الكاظم و روي عن الامام الرضا عليه‌السلام و قال النجاشي: هو علي كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه له كتاب نوادر [366] .

احمد بن عمرو

هو ابن أبي‌شعبة الحلبي روي عن الامام الكاظم و الرضا و روي أبوه عن أبي‌عبدالله و هو من بيت عرف بالتقوي و الصدق و الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام [367] .

اسماعيل بن عبدالخالق

مولي لبني‌أسد، وجه من وجوه الشيعة، و فقيه من فقهائها، و قد عرف أهله بالعدالة و الولاء لأهل البيت عليه‌السلام؛ روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن و له كتاب [368] .

اسحاق بن حرير

ثقة من أهل العلم روي عن الامام أبي‌عبدالله عليه‌السلام و له كتاب، و عده الشيخ من أصحاب أبي‌الحسن موسي [369] .

ابوأيوب الحر

الملقب بالجعفي ثقة جليل روي عن أبي‌عبدالله، و أبي‌الحسن روي عنه يحيي بن عمران الحلبي و أبوعبدالله البرقي و قال الشيخ انه ثقة و له كتاب [370] .

ابراهيم بن محمد الأشعري

القمي، روي عن الامام الكاظم، و أبي‌الحسن الرضا، و ثقه جماعة من الأعلام [371] . [ صفحه 210]

حرف (ب)

بكر بن الأشعث

هو أبواسماعيل الكوفي، روي عن الامام، و وثقه جماعة من الأعلام. [372] .

بكر بن محمد

هو ابن‌نعيم الأزدي الغامدي، ثقة جليل من بيت رفيع بالكوفة؛ عده الشيخ من أصحاب الامام الكاظم، عمر عمرا طويلا، و له كتاب، و روي عنه عبدالله بن مسكان و أحمد بن حنبل [373] .

حرف (ث)

ثعلبة بن ميمون

الأسدي الكوفي، قال النجاشي: كان وجها من أصحابنا قارئا فقيها نحويا لغويا راوية، و كان حسن العمل كثير العبادة و الزهد روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن له كتاب تختلف الرواية عنه، قد رواه جماعة من الناس [374] و حكي أنه لما حج هارون مر بالكوفة فلما صار الي الموضع الذي يعرف بمسجد (سماك) كان ثعلبة ينزل في غرفة علي الطريق فسمعه هارون يدعو بلسان فصيح فوقف يسمع دعاءه و أقبل علي الفضل بن الربيع فقال له: تسمع ما أسمع؟ فقال له: نعم، فقال هارون: ان أخيارنا بالكوفة [375] . و كان يلقب بأبي‌اسحاق الفقيه و يعد في الطليعة من علماء هذه الطائفة بالاضافة الي ورعه و تقواه، و قد روي عنه محمد ابن عبدالله المزخرف و علي بن اسباط و الحسن بن علي الخزاز و طريف بن ناصح [376] . [ صفحه 211]

حرف (ج)

جعفر بن خلف

الكوفي عده الشيخ من أصحاب أبي‌الحسن موسي، و قال انه سمع الامام يقول: سعد امرا لم يمت حتي يري منه خلفا، و قد أراني الله ابني هذا خلفا - و أشار لولده الرضا [377] .

جميل بن دراج

ابن‌عبدالله النخعي الكوفي من أصحاب الامام الصادق عليه‌السلام و الكاظم عليه‌السلام، و كان ثقة جليلا من كبار العلماء، و هو أحد الستة الذين أجمعوا علي تصحيح ما يصح عنهم، و كان كثير الحديث؛ روي عنه خلق كثير: كالحسن بن محبوب، و صالح بن عقبة، و أبومالك الحضرمي و غيرهم، له مؤلفات منها كتاب اشترك في تأليفه هو و مرازم بن حكيم، و له أصل انفرد بتأليفه، و توفي في أيام الرضا [378] .

جميل بن صالح

الأسدي الكوفي، ثقة جليل من أصحاب الامام الصادق، و الكاظم عليهماالسلام، له أصل، روي عنه جماعة منهم عمار بن موسي الساباطي و غيره [379] .

جهم بن أبي‌جهيم

ثقة جليل الشأن، رفيع المنزلة، روي عن الامام الكاظم عليه‌السلام له أصل. [380] .

حرف (ح)

حبيب بن المعلل

الخثعمي المدايني، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن قال النجاشي: ثقة [ صفحه 212] صحيح الحديث، و قال الكشي مثل ذلك و أضاف أن له كتابا [381] .

حذيفة بن منصور

الخزاعي، قال النجاشي: انه ثقة روي عن أبي‌جعفر و أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا، و ثقة الشيخ المفيد [382] .

الحسن ابن الجهم

هو ابن‌بكير بن أعين أبومحمد الشيباني، عده الشيخ من أصحاب الامام موسي عليه‌السلام و وثقه، و هو ثقه روي عن أبي‌الحسن و ولده الرضا، و له كتاب [383] .

الحسن بن علي

ابن‌فضال بن عمرو بن أنيس التيمي الكوفي، روي عن الامام موسي عليه‌السلام و الامام علي بن موسي عليه‌السلام و ابراهيم بن محمد الأشعري و محمد بن عبدالله بن زرارة و علي بن عقبة و غيرهم؛ و روي عنه الفضل بن شاذان، و بالغ في الثناء عليه بالزهد و العبادة، و كان من المؤلفين. له كتاب: الزيارات، و كتاب البشارات، و كتاب النوادر، و كتاب الرد علي الغالية، و كتاب الناسخ و المنسوخ، و كتاب التفسير و كتاب الابتداء و المبتدأ، توفي سنة 224 ه [384] .

الحسن بن محبوب

السراد، كوفي ثقة، عده الشيخ من أصحاب الامام موسي، روي عن الامام الرضا عليه‌السلام و روي عن ستين رجلا من أصحاب أبي‌عبدالله، و كان جليل القدر يعد من أعلام عصره، ألف كتبا كثيرة منها: كتاب الحدود، و كتاب الديات، و كتاب الفرائض، و كتاب النوادر، يقع في ألف ورقة، و كتاب التفسير [385] .

الحسين بن محمد

ابن‌الفضل الهاشمي ثقة جليل من شيوخ بني‌هاشم، روي عن أبي‌عبدالله [ صفحه 213] و أبي‌الحسن، و ألف كتابا أسماه: (مجالس الرضا مع أهل الأديان) و قال الشيخ المفيد: كان الحسين بن محمد من خاصة الكاظم و ثقاته و من أهل الورع و العلم و الفضل من شيعته [386] .

الحسين بن زيد

ابن‌علي بن الحسين، يلقب بذي الدمعة، كان الامام الصادق قد رباه، و زوجته بنت الأرقط، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن و قال رواة الأثر انه نشأ في حجر الامام الصادق منذ قتل أبوه، و أخذ منه علما كثيرا، و كان لا يجالس أحدا و لا يدخل اليه الا من يثق به، و انما لقب بذي الدمعة لكثرة بكائه. قالت له زوجته: ما أكثر بكاؤك؟! فأجاب: و هل ترك لي السهمان و النار سرورا يمنعني من البكاء، توفي سنة 140 ه و عمره ست و سبعون سنة [387] .

حرف (خ)

خالد بن نجيح

كوفي، يكني أباعبدالله، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن قال الكشي: كان خالد خادما عند أبي‌الحسن موسي و هو الذي روي عنه في شأن ولده الرضا عليه‌السلام انه قال فيه: «عهدي الي ابني علي أكبر ولدي و خيرهم و أفضلهم» [388] .

خالد بن سعيد

القماط، عده الشيخ في رجاله في باب الكني من أصحاب الامام الكاظم، و وثقه النجاشي و قال: انه روي عن أبي‌عبدالله الصادق عليه‌السلام و له كتاب [389] .

خلف بن حماد

الكوفي امامي حسن الحال، من أصحاب الامام الكاظم و روي عنه [390] . [ صفحه 214]

حرف (د)

داود بن أبي‌يزيد

الكوفي العطار ثقة، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن و له كتاب. [391] .

داود بن سليمان

عده الشيخ المفيد من خاصة أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و ثقاته و من أهل الورع و العلم و الفقه، و ممن روي النص عن الامام موسي علي امامة ولده الرضا، فقد قال فيه: اني سألت أباك - من الذي يكون بعده؟ فأخبرني أنك أنت: فلما توفي أبوعبدالله ذهب الناس يمينا و شمالا و قلت لك أنا و أصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ فقال عليه‌السلام: ابني فلان - يعني الرضا - و ترجمه الشيخ في الفهرست و قال ان له أصلا [392] .

داود بن فرقد

الأسدي، كوفي ثقة روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن موسي و له كتاب [393] .

حرف (ذ)

ذريح بن محمد

ابن‌يزيد أبوالوليد المحاربي عربي من بني‌محارب من بني‌خصفة، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن، ذكره ابن‌عقدة و ابن‌نوح و له كتاب، و وثقه الشيخ و العلامة و غيرهما [394] .

حرف (ر)

ربعي بن عبدالله

ابن‌الجارود بن أبي‌سبرة الهذلي، أبونعيم، بصري، ثقة، روي عن أبي [ صفحه 215] عبدالله و أبي‌الحسن عليه‌السلام و صحب الفضيل بن يسار و أكثر الأخذ عنه و كان خصيصا به و قال الشيخ: له «أصل» [395] .

رفاعة بن موسي

الأسدي النحاس، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن عليه‌السلام، كان ثقة في حديثه، مسكونا في روايته، لم يتعرض له بشي‌ء من الغمز، حسن الطريقة، له كتاب مبوب في الفرائض، ذكره العلامة في القسم الأول من «الخلاصة» و ورد توثيقه في الوجيزة، و مشتركات الكاظمي، و الحاوي و غيرها [396] .

حرف (ز)

زكريا بن ادريس

القمي روي عن أبي‌عبدالله، و أبي‌الحسن، و الرضا عليه‌السلام و كان وجيها عند الامام الرضا و له كتاب [397] .

حرف (س)

سعد بن أبي‌خلف

كوفي ثقة روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن، له كتاب يرويه جماعة منهم: ابن أبي‌عمير [398] عده ابن‌داود في القسم الأول من رجاله، و ورد توثيقه في «الوجيزة» و «البالغة» و «الحاوي».

سعيد بن جناح

كوفي الأصل نشأ في بغداد و مات فيها، روي عن أبي‌الحسن و الرضا، له كتاب في «صفة الجنة و النار» و كتاب «قبض روح المؤمن و الكافر» عده ابن‌داود في القسم الأول، و وثقه في الوجيزة و البالغة [399] . [ صفحه 216]

سليم الفراء

كوفي روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن عليه‌السلام ثقة له كتاب يرويه جماعة منهم محمد بن أبي‌عمير [400] .

سيف بن عميرة

النخعي عربي ثقة روي عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام و أبي‌الحسن عليه‌السلام له كتاب ترويه جماعات من أصحابنا، و هو ثقة و عده ابن‌النديم من فقهاء الشيعة [401] .

حرف (ش)

شعيب بن يعقوب

ابن أخت أبي‌بصير يحيي بن القاسم، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن ثقة، له كتاب يرويه حماد بن عيسي و غيره. و ورد توثيقه في الوجيزة و البلغة و الحاوي. [402] .

حرف (ص)

صالح بن خالد

المحاملي، أبوشعيب الكناسي، روي عن الامام الكاظم عليه‌السلام، له كتاب يرويه جماعة منهم عباس بن معروف؛ و ثقه الشيخ في رجاله في باب الكني كما ورد توثيقه في الوجيزة و البلغة [403] .

صباح بن موسي

الساباطي ثقة روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن عليه‌السلام [404] .

صفوان بن يحيي

أبومحمد البجلي، كوفي ثقة، قال الشيخ الطوسي: انه أوثق أهل زمانه عند [ صفحه 217] أصحاب الحديث و غيرهم، و كان يصلي في كل يوم مائة و خمسين ركعة، و يصوم في السنة ثلاثة أشهر، و يخرج زكاة ماله في كل سنة ثلاثة مرات، و السبب في ذلك أنه تعاقد هو و عبدالله بن جندب و علي بن النعمان في بيت الله الحرام انه ان مات واحد منهم أن يقوم من بقي منهم بالصلاة و الزكاة و الحج عنهم فمات صاحباه و بقي صفوان فوفي لهما بذلك، فكان جميع ما يفعله من البر و الخير يجعله ثلاثة أقسام، قسم له و قسمان لصاحبيه، و كان من الزهاد المتعبدين و المحتاطين، فقد كفله شخص و هو مسافر أن يجعل معه دينارين الي أهله في الكوفة، فقال له: ان جمالي مكرية فلابد أن أستأذن الأجزاء. و يكفي للتدليل علي وثاقته انه كانت له منزلة عند الامام الرضا عليه‌السلام و كان وكيلا له. ألف ثلاثين كتابا منها: كتاب الصلاة، و كتاب الصوم، و كتاب الحج، و كتاب الزكاة، و كتاب الطلاق، و كتاب الفرائض، و كتاب الشراء و البيع، و كتاب العتق و التدبير، و كتاب البشارات، و كتاب مسائل عن أبي‌الحسن موسي و غير ذلك. توفي سنة 210 ه بالمدينة، و بعث اليه أبوجعفر بحنوطه و كفنه، و أقر اسماعيل بن موسي بالصلاة عليه [405] .

حرف (ض)

الضحاك الحضرمي

أبومالك، كوفي عربي، أدرك أباعبدالله عليه‌السلام و قال قوم: انه روي عنه و قال آخرون: انه روي عنه و عن أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و كان متكلما ثقة في الحديث، له كتاب في الحديث رواه علي بن الحسن الطاطري [406] .

حرف (ع)

عبدالحميد بن سعيد

عده الشيخ من صحاب الامام موسي عليه‌السلام و روي عنه صفوان بن يحيي [407] . [ صفحه 218]

عبدالله بن الحارث

المخزومي، أمه من ولد جعفر بن أبي‌طالب، و قد وثقه الشيخ المفيد في «الارشاد» و عده من خاصة الامام الكاظم عليه‌السلام و ثقاته و من أهل الورع و العلم و الفقه [408] .

عبدالله بن جندب

البجلي، عربي، كوفي، من أصحاب الامام الكاظم و الرضا عليه‌السلام قال الشيخ الطوسي: كان وكيلا للامام موسي و ولده الرضا، و كان عابدا رفيع المنزلة و روي الكشي في حقه انه قال للامام أبي‌الحسن: ألست عني راضيا؟ قال عليه‌السلام: أي و الله، و رسول الله و الله عنك راض، و عن علي بن ابراهيم عن أبيه، قال: رأيت عبدالله بن جندب بالموقف - أي موقف عرفة - فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يده الي السماء، و دموعه تسيل علي خديه حتي تبلغ الأرض فلما انصرف الناس قلت له: يا أبامحمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك!! قال لي: و الله ما دعوت فيه الا لاخواني، و ذلك لأن أباالحسن موسي عليه‌السلام أخبرني أنه من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب نودي من العرش و لك بكل واحدة مائة ألف و كرهت أن أدعو مائة ألف لواحدة لا أدري تستجاب أم لا؟ و قد وثق الرجل في الوجيزة و الحاوي و مشتركات الطريحي و قد أجمع المترجمون له أنه لم يغمز بوجه، و انه ثقة بلا خلاف [409] .

عبدالله بن المغيرة

هو أبومحمد البجلي كوفي، ثقة لا يعدل به أحد لجلالته و دينه و ورعه، روي عن أبي‌الحسن موسي، قيل انه صنف ثلاثين كتابا، منها كتاب «الوضوء» و كتاب الصلاة. و قد روي هذه الكتب كثير من أصحابنا. قال: أتيت المدينة و وقفت علي باب الرضا عليه‌السلام و قلت للغلام، قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداء الامام و هو يقول: ادخل يا عبدالله بن المغيرة، فدخلت فلما [ صفحه 219] نظر الي قال: قد أجاب الله دعوتك و هداك لدينه، فقلت: أشهد أنك حجة الله و أمينه علي خلقه [410] .

علي بن جعفر

أخو الامام موسي عليه‌السلام ثقة جليل من عيون الهاشميين و من خيارهم، و في طليعة الرواة الثقات، روي عن أبيه و بعد وفاته اختص بأخيه و موسي، و روي عنه الشي‌ء الكثير، و قد أفرد المجلسي في بحاره فصلا لرواياته عنه، و قد ألف رسالة في الأحاديث التي رواها عن أخيه موسي، و كان قوي الايمان، صلب العقيدة، دخل عليه بعض الواقفية فقال له: ما فعل أخوك أبوالحسن؟ - قد مات؟ - و ما يدريك؟ - قسمت أمواله، و نطق الناطق من بعده. - و من الناطق؟ - ابنه علي. ألف كتابا في الحلال و الحرام، و روي عنه جماعة منهم ابنه أحمد و محمد و حفيده عبدالله بن الحسن، توفي سنة 210 ه [411] .

علي بن حمزة

ابن‌الحسن بن عبيدالله بن العباس بن أميرالمؤمنين عليه‌السلام و هو والد سيدنا حمزة المدفون بقرب الحلة الذي يزار و يتبرك بقبره، و هو ثقة روي و أكثر الرواية، له نسخة يرويها عن الامام موسي عليه‌السلام [412] .

علي بن عبيدالله

ابن‌الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام قال فيه النجاشي: انه أزهد آل أبي‌طالب و أعبدهم في زمانه؛ اختص بالامام موسي عليه‌السلام و الامام الرضا عليه‌السلام، و قال: ان له كتابا في الحج يرويه كله عن الامام موسي عليه‌السلام [413] . [ صفحه 220]

عمر بن محمد

ابن‌يزيد أبوالأسود كوفي، ثقة جليل الشأن، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن و أثني عليه الامام أبوعبدالله عليه‌السلام فقال له: أنت و الله منا أهل البيت. جعلت فداك، من آل محمد؟ من أنفسهم أما تقرأ كتاب الله عزوجل: «ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا معه و الله ولي المؤمنين» له كتاب: مناسك الحج و فرائضه [414] .

علي بن يقطين

ولد بالكوفة سنة 124 ه في أواخر دولة الأمويين، و نشأ و ترعرع علي أرضها؛ كان أبوه يقطين يحمل الأموال و الألطاف الي الامام الصادق عليه‌السلام، طلبه مروان الحمار فهرب منه و هربت زوجته بولديها علي و عبيدالله الي المدينة، و لما زالت الدولة الأموية و قامت الدولة العباسية عادت بولديها الي وطنها و في ذلك الوقت انتشر صيت يقطين، فقد اتصل بالسفاح و بالمنصور و المهدي ثم وشي عليه بأنه يذهب الي (الامامة) و لكن الله تعالي صرف عنه كيد الغادرين و لما توفي قام ولده علي مقامه فاتصل اتصالا وثيقا بالعباسيين و تولي بعض المناصب المهمة في الدولة، و كان في الوقت نفسه عونا و غوثا للشيعة، يدفع عنهم الخطوب، و كان من عيون المؤمنين الصالحين، فكان يستنيب جماعة في كل سنة ليحجوا عنه، فقد حدث سليمان بن الحسين كاتبه فقال: أحصيت لعلي بن يقطين من يحج عنه، في عام واحد مائة و خمسين كاتبه فقال: أحصيت لعلي بن يقطين من يحج عنه، في عام واحد مائة و خمسين رجلا، أقل من أعطاه منهم سبعمائة درهم، و أكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم. و قد انفق أموالا ضخمة في وجوه البر و الاحسان منها أنه أوصل الامام موسي عليه‌السلام بصلات كبيرة تتراوح ما بين المائة ألف درهم الي ثلاث ماية ألف درهم، و قد زوج ثلاثة من أولاد الامام منهم أبوالحسن الرضا عليه‌السلام، كما دفع ثلاثة آلاف دينار للوليمة، و كان يعول بعض عوائل الشيعة. فقد قام بنفقة الكاهلي و عياله حتي توفي، الي غير ذلك من وجوه البر و الاحسان كل ذلك يدل علي ايمانه و حسن عقيدته. [ صفحه 221] تقلد علي منصب أزمة في أيام المهدي، و من بعده عينه هارون وزيرا له، و قد تقدم بطلب الي الامام موسي عليه‌السلام يطلب منه الاذن في ترك منصبه و الاستقاله منه فنهاه عن ذلك و قال له: «يا علي ان لله تعالي أولياء مع أولياء الظلمة يدفع بهم عن أوليائه و أنت منهم يا علي». و قد سمح له الامام في بقائه في وظيفته ليقوم بالافراج عن الشيعة الذين اضطهدتهم السلطات العباسية حتي حرمتهم من جميع الحقوق المشروعة. كان الامام عليه‌السلام يكن لعلي أخلص الود و الولاء، فقد زاره يوما فقال عليه‌السلام لأصحابه: من سره أن يري رجلا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فلينظر الي علي بن يقطين. فانبري اليه بعض الحاضرين قائلا: أهو من أهل الجنة؟ فقال الامام عليه‌السلام: أما أنا فاشهد أنه من أهل الجنة. كان الامام عليه‌السلام حريصا علي ابن‌يقطين، و كان يخاف عليه من سطوة هارون و بطشه، لأن أمر تشيعه لم يكن خافيا علي العملاء الذين يتقربون الي السلطة بكل وسيلة، و قد علم عليه‌السلام أنهم لا يتركونه حتي يقضون عليه، فتصدي الي تسديده و رفع الخطر عنه. فقد رد له «الدراعة المذهبة «التي أهداها له هارون حتي لا يكشف أمره. مؤلفاته: كان علي بن يقطين من عيون أهل العلم و من الفضلاء المعروفين في عصره و هذه بعض مؤلفاته: 1 - «الملاحم» أخذها من الامام الصادق عليه‌السلام. 2 - «مناظرة الشاك». 3 - «المسائل» أخذها من الامام موسي عليه‌السلام. و قد ورد في الفهرست للشيخ الطوسي أن الذين أخبر بهذه الكتب محمد بن محمد بن النعمان، و الحسين بن عبيدالله و محمد بن الحسن [415] . [ صفحه 222] وفاته: انتقل علي بن يقطين الي دار الحق بمدينة السلام سنة 182 ه. و له من العمر سبع و خمسون سنة، و كان الامام موسي عليه‌السلام آنذاك في ظلمات السجون [416] .

العيص بن القاسم

ابن‌ثابت بن عبيد بن مهران، البجلي، كوفي عربي، يكني أباالقاسم ثقة عين، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و له كتاب [417] .

حرف (غ)

غياث بن ابراهيم

التميمي الاسدي بصري، سكن الكوفة، ثقة، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن عليهماالسلام، له كتاب مبوب في الحلال و الحرام يرويه جماعة. [418] .

حرف (ف)

فضالة بن أيوب

عربي سكن الأهواز، ثقة في حديثه، روي عن الامام موسي عليه‌السلام و عده الكشي ممن أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عنهم من أصحاب أبي‌عبدالله عليه‌السلام وتصديقهم و الاقرار لهم بالفقه و العلم، و له كتاب «الصلاة» [419] .

الفيض بن المختار

الجعفي، الكوفي، روي عن أبي‌جعفر، و أبي‌عبدالله، و أبي‌الحسن عليهم‌السلام، ثقة عين، له كتاب يرويه ابنه جعفر، و هو أول شخص سمع النص من أبي‌عبدالله علي امامة ولده موسي عليه‌السلام و قد تقدم ذكره في الحديث عن (النص علي الامامة) [420] . [ صفحه 223]

حرف (ق)

قيس بن موسي

الساباطي، أخو عمار الساباطي، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن و هو ثقة مقبول الحديث [421] .

حرف (م)

محمد بن جعفر

ابن‌سعد الاسلمي، كتب وصية الامام موسي عليه‌السلام الأولي، و شهد في وصيته الثانية [422] .

محمد بن حكيم

الخثعمي، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن، يكني أباجعفر، له كتابه يرويه جعفر بن محمد بن حكيم، و أثني عليه في «الوجيزة» [423] .

محمد بن زرقان

ابن‌الحباب صاحب الامام موسي و له نسخة يرويها عنه، و مصاحبته للامام عليه‌السلام دليل وثاقته و نباهة شأنه [424] .

محمد بن أبي‌عمير

الأزدي، بغدادي الأصل و المقام، من أشهر علماء هذه الطائفة و من عيون رواتها، و قد أجمع الأصحاب علي تصحيح ما يصح عنه و علي عد مراسيله مسانيد؛ عاصر الامام الكاظم، و الرضا، و الجواد عليهم‌السلام، و سوف نلخص بعض أحواله. علمه: كان من عيون العلماء، و من كبار الفقهاء، و قد أجمعت الأكثرية علي [ صفحه 224] الاقرار له بالفقه و العلم، و قد لازم ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام و أشبع من نمير علومهم و قد زود الفقه الاسلامي بالشي‌ء الكثير من أحاديثه التي سمعها من الأئمة الميامين، و مراسيله بمنزلة الصحاح عند الفقهاء، و في هذا دليل علي سمو مكانته العلمية. مؤلفاته: ألف من الكتب أربعا و تسعين كتابا منها: كتاب المغازي، و كتاب الكفر و الايمان، و كتاب البداء، و كتاب الاحتجاج في الامامة، و كتاب الحج، و كتاب فضائل الحج، و كتاب المتعة، و كتاب الاستطاعة، و كتاب الملاحم، و كتاب يوم و ليلة، و كتاب مناسك الحج، و كتاب الصيام، و كتاب اختلاف الحديث، و كتاب المعارف، و كتاب الطلاق، و كتاب الرضاع. و لكن من المؤسف أن هذه المؤلفات قد تلفت، و السبب في ذلك كما رووا انه تركها في غرقة فسال عليها المطر فأتلفها، و قيل ان أخته دفنت كتبه أثناء حبسه فضاعت، و ضاع بذلك علم هذا العالم الكبير. عبادته: كان محمد من عيون المتقين الصالحين، فقد تربي في بيت الامامة، و سار علي خط أهل البيت عليهم‌السلام من رفض الدنيا المادية، و عدم الاهتمام بملذاتها و شهواتها، و يكفي للتدليل علي مدي عبادته ما رواه الفضل بن شاذان قال: دخلت العراق فرأيت شخصا يعاتب صاحبه و يقول له: أنت رجل ذو عيال، و تحتاج أن تكسب لهم، و ما آمن عليك أن تذهب عيناك لطول سجودك، و أكثر عليه التوبيخ و التقريع، فالتفت اليه و قال له: «لو ذهبت عين أحد من السجود، لذهبت عين ابن أبي‌عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا عند زوال الشمس. و قد عظمه و بجله جمع من المشايخ، و لا ريب أن تعظيم أولئك الاتقياء الصالحين له و اكبارهم لمنزلته مما يدل علي سمو مكانته و علو شأنه. مع هارون و السجون: كان محمد بن أبي‌عمير من الشخصيات البارزة في العالم الشيعي نظرا لاتصاله الوثيق بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام و في الوقت نفسه كان [ صفحه 225] عنده السجل العام الذي يتضمن أسماء الشيعة، و لقد ضاق علي هارون ذلك، فأمر أن يلقي في ظلمات السجون، فبقي فيها سبعة عشر عاما. ثم جي‌ء به اي الطاغية هارون و هو مكبل بالقيود، فطلب اليه ان يعرفه بأسماء الشيعة الذين يحتفظ باسمائهم، فامتنع و أبي، فأمر الظالم أن يضرب هذا المؤمن التقي مائة سوط، فضرب، و بلغ به الألم الشديد مبلغا غظيما. يقول: كدت أن أسمي الا أني سمعت نداء يونس بن عبدالرحمن يقول لي: يا محمد بن أبي‌عمير، اذكر موقفك بين يدي الله، فتقويت بقوله و صبرت علي الألم و لم أخبر، و الحمد لله رب العالمين [425] . من هذه الحادثة و أمثالها نقف علي مدي الظلم و الجور و الضغط الهائل الذي واجهته الشيعة في تلك الأدوار المظلمة من الحكام العباسيين الذين كان جل همهم السلطة و المال و الدنيا و الملذات. وفاته: انتقل الي دار الخلود سنة 217 ه [426] فهنيئا له علي صلابة عوده و قوة عقيدته، و تمسكه بحبل أهل البيت الذي ما تمسك به أحد الا نجا من الضلال، و كسب رضي الله جل و علا.

محمد بن الصباح

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام و قال فيه النجاشي: انه كوفي ثقة، له كتاب أخبرنا عنه أحمد بن عبدالواحد و ذكره ابن‌داود في القسم الأول من رجاله [427] .

محمد بن يونس

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام موسي، و قال انه ثقة، و ذكره العلامة في الخلاصة و ورد توثيقه في كل من الوجيزة و البلغة [428] . [ صفحه 226]

مسعدة بن صدقة

العبدي يكني أبامحمد و قيل أبوبشر، روي عن أبي‌عبدالله، و أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و له كتب، منها كتاب «خطب أميرالمؤمنين» [429] .

المفضل بن عمر

الجعفي الكوفي، من كبار العلماء، و من عيون المتقين و الصالحين، و من أفذاذ عصره، له منزلة مرموقة و مكانة عليا عند أهل البيت عليهم‌السلام. ولادته: ولد بالكوفة في نهاية القرن الأول، في أيام الامام الباقر عليه‌السلام. نشأته: و نشأ بالكوفة في وقت كان الجو السياسي مضطربا، و كانت الأحزاب السياسية و الجمعيات الدينية منتشرة في جميع أنحاء العالم الاسلامي، و خصوصا بالكوفة، فقد كانت مصدر الانطلاق لجميع الأحزاب، و نشأ المفضل في وسط هذا الخضم الهائل، و قد تغذي بحب أهل البيت عليهم‌السلام، فاتصل بهم اتصالا وثيقا. وثاقته: كان من عيون الثقات الصالحين، و من ذوي البصيرة في دينهم و الدليل القاطع علي ورعه وكالته عن الامام الصادق و الكاظم عليهماالسلام في قبض أموالهما، و قبض الحقوق الشرعية الراجعة لهما و صرفها بحسب نظره من اصلاح ذات البين و اعطائها للفقراء و البائسين، و بلا شك ان هذا التفويض ينم علي سمو منزلته و ثقته عندهم عليهم‌السلام قال في حقه الامام الصادق عليه‌السلام: «نعم العبد و الله الذي لا آله الا هو المفضل بن عمر الجعفي». و قال في حقه أيضا الامام الرضا في تأبينه: «ان المفضل كان أنسي و مستراحي» و أخبار كثيرة تدل علي ايمانه الصادق و ورعه و اجتهاده في طاعة الله تعالي. علمه: كان من كبار العلماء و من قادة الفكر في عصره، اقتبس العلوم من الامام الصادق عليه‌السلام اختص به سنين طويلة، و كان من عيون أصحابه الذين أخذوا العلم عنه، و يكفي للتدليل علي غزارة علمه كتابه القيم «توحيد المفضل» الذي أملاه عليه الامام الصادق عليه‌السلام. يعد الكتاب من مفاخر التراث الاسلامي الذي [ صفحه 227] يعتز به، و قد حقق الكتاب صدرالدين العاملي و أثني علي المفضل بقوله: «و من نظر في حديث المفضل المشهور عن الامام الصادق عليه‌السلام علم أن ذلك الخطاب البليغ، و المعاني العجيبة، و الألفاظ الغريبة، لا يخاطب الامام بها الا رجلا عظيما كثير العلم، ذكي الحس، أهلا بتحمل الأسرار الرفيعة، و الدقائق البديعة» [430] . أقر الامام الصادق عليه‌السلام بمواهبه العلمية، فقد حدث الفيض بن المختار: فما أكاد أشك لاختلافهم في حديثهم حتي أرجع الي المفضل فيقضي من ذلك ما تستريح اليه نفسي و يطمئن اليه قلبي، فقال له الامام: أجل هو كذلك وعده الشيخ المفيد من ثقات الفقهاء الصالحين [431] . مؤلفاته: ألف المفضل عدة كتب مختلفة المواضيع تدل علي طول باعه في هذه العلوم و هذه بعضها: 1 - كتاب «يوم و ليلة». 2 - كتاب «فكر». 3 - كتاب «بدي‌ء الخلق و الحث علي الاعتبار». 4 - كتاب «علل الشرائع». 5 - كتاب «وصية المفضل». وصيته للشيعة: أوصي المفضل جماعة من اخوانه الشيعة بهذه الوصية القيمة الحافلة بأخلاق أهل البيت عليهم‌السلام و آدابهم و سيرتهم و الحقيقة انها يمكن أن تكون درسا حافلا بالقيم و النصائح و منهاجا قويما في الاجتماع و الدين و الأخلاق لكل مسلم و مسلمة [432] .

منصور بن حازم

أبوأيوب البجلي الكوفي ثقة عين صدوق من أجلاء الشيعة، و من عيون [ صفحه 228] الفقهاء، روي عن أبي‌عبداله و أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام ألف عدة كتب منها: كتاب «أصول الشرائع» و كتاب «الحج» و قد أجمع المترجمون علي توثيقه و سعة علمه في الفقه [433] .

موسي بن ابراهيم

المروزي، اختص بالامام موسي عليه‌السلام لما كان في سجن الطاغية السندي ابن شاهك لأنه كان معلما لولده، و قد فسح له المجال للاتصال بالامام، و قد ألف كتابا مما سمعه من الامام [434] ، و قد أسماه «مسند الامام موسي بن جعفر» توجد نسخة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق ضمن المجموع رقم» 70 - 34 «و قد استنسخها و صور بعض فصولها العلامة الجليل السيد محمد الحسين الحسيني الجلالي، و هي حسب تحقيقه يرجع عهدها الي القرن السادس الهجري و عليها عدة تواريخ أقدمها سنة 531. و قد عني السيد الجلالي عناية بالغة بتحقيق المسند فترجم لمؤلفه ترجمة وافية فذكر شيوخه و من روي عنه، كما ذكر سند الكتاب حسب ما نص عليه الشيخ الطوسي و النجاشي، و يحتوي علي» 59 «حديثا شريفا.

حرف (ن)

نصر بن قابوس

اللخمي القابوسي، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن موسي و الامام الرضا عليه‌السلام، و كانت له منزلة عندهم و له كتاب، و عده الشيخ من خاصة الامام الكاظم عليه‌السلام و من ثقاته، و من أهل الورع و العلم من شيعته. و قال الشيخ الطوسي: انه كان وكيلا عند الامام الصادق عليه‌السلام عشرين سنة و هو أحد رواة النص علي امامة الامام الرضا عليه‌السلام، و هذا يظهر عدالته و وثاقته [435] . [ صفحه 229]

نشيط بن صالح

ثقة، روي عن أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و له كتاب و روي العلامة انه كان خادما عند الامام موسي و هو أحد رواة النص علي امامة الرضا [436] .

حرف (هـ)

هشام بن سالم

الجواليقي الجعفي، و هو من عظماء هذه الطائفة و من عيونها، روي عن أبي‌الحسن، و قد عينه الامام الصادق عليه‌السلام للمناظرة في التوحيد مع رجل من أهل الشام، و في هذا دلالة علي وفور علمه و تقدمه في الفضل، و قد اعترف له بالفضل و الوثاقة كثير من مترجميه [437] .

هند بن الحجاج

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام و ذكر المترجمون له حديثا مع الامام الكاظم عليه‌السلام يدل علي وثاقة الرجل و اختصاصه بالامام [438] .

الهيثم بن عبدالله

الرماني الكوفي، روي عن الامام الكاظم عليه‌السلام، و الامام الرضا عليه‌السلام و له كتاب. [439] .

هشام بن الحكم

من كبار علماء الأمة الاسلامية و في طليعة المدافعين عن مبدأ أهل البيت عليهم‌السلام، ناضل كثيرا و جاهد جهادا مباركا في نصرة الحق و الدفاع عن الشريعة الاسلامية في عصر انعدمت فيه الحريات العامة، و كان الذاكر لفضائل أهل البيت عليهم‌السلام عرضة للتنكيل و الانتقام من قبل الحكام العباسيين الذين بذلوا كل امكاناتهم من أجل اضعاف كيان آل الرسول عليهم‌السلام. لكن هشاما الجري‌ء الشجاع [ صفحه 230] لم يهتم بكل ذلك، بل ناظر خصوصه و تفوق عليهم، و قد تحدثت الأندية العلمية عن قوة استدلالة، و براعة برهانه، الأمر الذي ينم عن مدي حبه لأهل البيت عليهم‌السلام، و هذه باختصار بعض شؤونه و أحواله. ولادته: ولد بالكوفة، و ليس لدينا نص يعين السنة التي ولد فيها. نشأته: المرجح عند المترجمين انه نشأ في مدينة واسط [440] و كان يتعاطي التجارة و انتقل أخيرا الي بغداد فنزل في جانب الكرخ في قصر وضاح [441] ، كان من أصحاب الجهم بن صفوان [442] لكنه لما التقي بالامام الصادق عليه‌السلام و حاوره الامام فلم يعد يقدر علي مفارقته أبدا، و منذ ذلك الحين أخذ يتلقي العلم و المعارف منه حتي أصبح في طليعة العلماء و من أفذاذهم [443] . تخرجه: انقطع هشام الي الامام الصادق عليه‌السلام حتي أصبح من أبرز رجال مدرسته، و لما انتقل الامام الصادق الي دار الخلود اختص بولده الامام الكاظم عليه‌السلام و أخذ يتلقي منه العلم و الفضل و بذلك يكون قد أخذ العلم من منبعه الصحيح و نال شرف التلمذة عند أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. رواته: روي عنه جماعة من كبار الرواة الأحاديث التي سمعها من أهل البيت عليهم‌السلام و هم كثر توجد رواياتهم عنه في كتب الفقه و الحديث من هؤلاء نذكر: محمد بن أبي‌عمير، صفوان بن يحيي البجلي الكوفي، النضر بن سويد الصيرفي الكوفي، نشيط بن صالح، يونس بن عبدالرحمن، حماد بن عثمان، علي بن معبد البغدادي و يونس بن يعقوب [444] . اختصاصه: اختص هشام في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، و مناظراته التي أجراها مع كبار المفكرين تنم عن تفوقه في هذا الفن، قال ابن‌النديم في ترجمته: كان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، و ممن فتق الكلام [ صفحه 231] في الامامة، و هذب المذهب و النظر، و كان حاذقا بصناعة الكلام [445] . و قد ناظر هشام الفلاسفة في مختلف الميادين العلمية حتي تفوق عليهم و كانت نوادي بغداد تعج بمناظراته القيمة التي دلت علي تفوقه في هذا الفن. و من مناظراته هذه مناظرته مع عمرو بن عبيد. طلب الامام الصادق عليه‌السلام من هشام ان يقص عليه مناظرته مع عمرو الزعيم الروحي للمعتزلة، فامتثل هشام لأمر الامام و أخذ يحدثه بقصته قائلا له: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة، و عظم ذلك علي، لأنه كان ينكر الامامة، و يقول: مات رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بلا وصي، فخرجت اليه و دخلت البصرة فأتيت مسجدها، و اذا أنا بحلقة كبيرة، و اذا أنا بعمرو بن عبيد و عليه شملة سوداء مؤتزر بها، و شملة أخري مرتد بها و الناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم ثم قلت له: أيها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي أن أسألك عن مسألة؟ قال: نعم. فقلت له: ألك عين؟ فما تري بها؟ - أري بها الألوان و الأشخاص. ثم تابع يسأله...ألك أنف؟ ألك فم؟ ألك أذن؟ ألك يدان؟ ألك رجلان؟ ألك قلب؟. قال: أميز به كلما ورد علي هذه الجوارح، فسأله هشام: أفليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟ قال: لا. قال هشام: و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة؟ فقال عمرو: يا بني، ان الجوارح اذا شكت في شي‌ء شمته أو ذاقته، فتؤديه الي القلب، فيتيقن اليقين، و يبطل الشك. فانما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال عمرو: نعم. فقال هشام: فلابد من القلب، و الا لم تستيقن الجوارح؟ قال عمرو: نعم. [ صفحه 232] و بعد ما أخذ هشام من عمرو هذه المقدمات كر عليه في ابطال ما ذهب اليه من أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مات بلا وصي فقال له هشام: «يا أبامروان ان الله لم يترك جوارحك حتي جعل لها اماما يصحح لها الصحيح، و ينقي ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم و حيرتهم، و يقيم لك اماما لجوارحك ترد حيرتك و شكك!! فسكت عمرو و لم يطق جوابا لأن هشام قد سد عليه كل نافذة يخرج منها. و كان له جولات عديدة أخري و مناظرات مع كبار المفكرين منهم: - يحيي بن خالد البركي: الذي طلب اليه أن يخبره هل يكون الحق في وجهتين مختلفتين؟ فأجابه بلباقة و حنكة [446] . - و له مناظرة مع النظام الذي يسأل: هل ان أهل الجنة غير مخلدين فيها، و انه لابد أن يدركهم الموت؟ فأجابه هشام و انصرف النظام مخذولا لا يجد برهانا علي ما يذهب اليه [447] . - و مع ضرار الضبي: الذي كان جاحدا للامامة. أجابه هشام قائلا: «الامام لابد له من علم يقيمه الرسول له، فلا يسهي، و لا يغلط، و لا يحيف، معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج اليه و لا يحتاج الي أحد» [448] . فسكت ضرار أمام هذا المنطق المدعم بالدليل العقلي. هذه بعض مناظرات لهذا العالم الكبير الذي فتق بها مباحث الفلسفة الكلامية، و بقيت من بعده مددا مفيدا لكل من أراد الخوض في مثل هذه البحوث. و قد بقي جماعة يناظرون علي مبادئه حتي في عصور متأخرة. نذكر منهم: أباعيسي محمد بن هارون الوراق، و أحمد بن الحسين الراوندي و غيرهما... و قد [ صفحه 233] وضع هذا الأخير كتابه: «فضيحة المعتزلة» هاجم فيه الآراء الاعتزالية و رجالها مهاجمة شديدة، معتمدا في كثير منها علي آراء هشام. كما يظهر تأثيره من كتابه الذي وضعه في حدوث العلم، و نجد أثر ذلك في دفاع المعتزلة أنفسهم الذين عنوا بردها و نقضها و منهم بشر من المعتمر من أفضل علماء المعتزلة، فقد وضع كتابا في الرد علي هشام بن الحكم [449] . وفاته: مؤامرة من يحيي بن خالد البرمكي حيث جمع المتكلمين و اختفي هارون وراء الستر و لا يعلم بذلك هشام. ثم جرت بينه و بين الفلاسفة مناظرة: حول الامامة، و أخيرا و بعد حوار طويل بينه و بينهم صرح هشام بأن الامام اذا أمره بحمل السيف أذعن بقوله و لبي طلبه. و لما سمع الرشيد بذلك تغيرت حاله و استولي عليه الغضب، فأمر بالقاء القبض علي هشام و علي أصحابه، و علم بما ضمر له من الشر، فهام علي وجهه فزعا مرعوبا حتي انتهي الي الكوفة، فاعتل فيها و مات في دار ابن‌شراف [450] . مؤلفاته: كان هشام خصب الانتاج ألف في مختلف الفنون و العلوم و برز الجميع بها، لكن ان اغلب تراثه العلمي لم يعثر عليه سوي اليسير، و هذه بعض عناوينها: 1 - كتاب الامامة. 2 - كتاب الدلالات علي حدوث الأشياء. 3 - كتاب الرد علي الزنادقة. 4 - كتاب علي أصحاب الاثنين. 5 - كتاب التوحيد. 6 - كتاب الرد علي هشام الجواليقي. 7 - كتاب الرد علي أصحاب الطبائع. 8 - كتاب الشيخ و الغلام. 9 - كتاب التدبير. [ صفحه 234] 10 - كتاب الميزان. 11 - كتاب الميدان. 12 - كتاب الرد علي من قال بامامة المفضول. 13 - كتاب اختلاف الناس في الامامة. 14 - كتاب الوصية و الرد علي من أنكرها. 15 - كتاب الجبر و القدر. 16 - كتاب الحكمين. 17 - كتاب الرد علي المعتزلة في طلحة و الزبير. 18 - كتاب القدر. 19 - كتاب الألفاظ. 20 - كتاب المعرفة. 21 - كتاب الاستطاعة. 22 - كتاب الثمانية أبواب. 23 - كتاب الرد علي بعض الأصحاب. 24 - كتاب الأخبار كيف تفتح. 25 - كتاب الرد علي أرسطاليس في التوحيد. 26 - كتاب الرد علي المعتزلة [451] . 27 - كتاب المجالس في الامامة. 28 - كتاب علل التحريم. 29 - كتاب الرد علي القدرية. و قد اطلع عليه الامام موسي عليه‌السلام فقال: «ما ترك شيئا». 30 - كتاب الفرائض [452] . و هذه المجموعة الضخمة من المؤلفات في شتي المواضيع تدل علي ثروة هشام بن الحكم العلمية و علي سعة اطلاعه و عمق ثقافته. و يكفي مناظراته القيمة التي خاضها مع علماء الأديان و المذاهب و كبار الفلاسفة. [ صفحه 235]

حرف (ي)

يحيي بن عبدالرحمن

الأزرق، كوفي، ثقة، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن له كتاب يرويه عدة من أصحابنا و وثقه جماعة من الأعلام [453] .

يحيي بن عمران

ابن‌علي بن أبي‌شعبة الحلبي، روي عن أبي‌عبدالله و أبي‌الحسن عليه‌السلام ثقة، صحيح الحديث، له كتاب يرويه جماعة و وثقه أكثر المترجمين له [454] .

يزيد بن سليط

عده الشيخ في رجاله و الكشي و غيرهما من أصحاب الامام الكاظم و ذكر بعضهم أنه من خاصة الامام و من ثقاته، و من أهل الورع و العلم و الفقه و أحد الراوين النص علي امامة الامام الرضا عليه‌السلام و له حديث طويل مع الامام الكاظم عليه‌السلام [455] .

يونس بن عبدالرحمن

مولي علي بن يقطين من كبار علماء الأمة الاسلامية، كان وحيد عصره في تقواه و ورعه، تربي في مدرسة الامام الكاظم، و أخذ منه العلوم و المعارف، و من بعده اختص بولده الامام الرضا عليه‌السلام. ولادته: كانت ولادته في أيام هشام بن عبدالملك [456] . نشأته: نشأ يونس علي التقوي و الصلاح و تغذي من علوم أهل البيت عليهم‌السلام و كان في جميع أدوار حياته مثالا للتكامل الانساني، قضي حياته في تحصيل العلوم من منبعها، من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. و قد وردت في حقه و الثناء عليه أخبار كثيرة من الأئمة عليهم‌السلام. [ صفحه 236] روي عبدالعزيز المهتدي قال: سألت الامام الرضا عليه‌السلام فقلت له: اني لا ألقاك فمن آخذ معالم ديني؟ فقال عليه‌السلام: خذ عن يونس بن عبدالرحمن [457] و قال عنه أيضا: يونس في زمانه كسلمان في زمانه. و عن الامام الجواد عليه‌السلام: أنه تصفح كتاب يونس «يوم و ليلة» فردد قائلا: رحم الله يونس [458] . علمه: كان علامة زمانه، كما قال ابن‌النديم [459] ، اعترف له جميع المترجمين بغزارة علمه، و سعة اطلاعه و يقال انه انتهي علم الأئمة عليهم‌السلام الي أربعة نفر و هم: سلمان الفارسي، و جابر، و السيد، و يونس بن عبدالرحمن. مؤلفاته: ألف يونس كتبا كثيرة دلت علي تضلعه في كثير من العلوم، و هذه بعض مؤلفاته: 1 - كتاب يوم و ليلة عرض الكتاب علي أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام فقال: أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة [460] . 2 - كتاب علل الأحداث. 3 - كتاب الصلاة. 4 - كتاب الصيام. 5 - كتاب الزكاة. 6 - كتاب الوصايا و الفرائض. 7 - كتاب جامع الآثار. 8 - كتاب البداء [461] . [ صفحه 237] 9 - كتاب سهو. 10 - كتاب الأدب و الدلالة علي الخير. 11 - كتاب الفرائض. 12 - كتاب الجامع الكبير في الفقه. 13 - كتاب التجارات. 14 - كتاب تفسير القرآن. 15 - كتاب الحدود. 16 - كتاب الأدب. 17 - كتاب المثالب. 18 - كتاب علل النكاح و تحليل المتعة. 19 - كتاب نوادر البيع. 20 - كتاب الرد علي الغلاة. 21 - كتاب ثواب الحج. 22 - كتاب النكاح. 23 - كتاب الطلاق. 24 - كتاب المكاسب. 25 - كتاب الوضوء. 26 - كتاب البيوع و المزروعات. 27 - كتاب اللؤلؤ في الزهد. 28 - كتاب الامامة. 29 - كتاب فضل القرآن [462] . 30 - كتاب اختلاف الحديث. 31 - كتاب مسائله عن أبي‌الحسن موسي [463] . نظرة سريعة علي عناوين هذه الكتب تدل دلالة واضحة علي سعة معارفه، و احاطته بمختلف العلوم و الفنون. [ صفحه 238] حساده: كل عبقري صاحب شأن لابد له من حساد حاقدين ينغصون عليه عيشه، و يونس بن عبدالرحمن كان من أولئك الأفذاذ الموهوبين الذين خصهم الله بمزيد من العلم و الفضل. و قد شكا أمره الي الامام الكاظم عليه‌السلام فيما يتهمونه به فهدأ الامام روعه و قال له: «ما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة، فيقول الناس: هي حصاة، و ما ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة» [464] . وفاته: اختاره الله الي لقائه بعد أن أبلي بلاءا حسنا في الدفاع عن الاسلام و التبشير بمبدأ أهل البيت عليهم‌السلام و قد توفي في يثرب سنة 208 ه [465] . و لما وصل نعيه الي الامام الرضا عليه‌السلام قال: انظروا الي ما ختم الله ليونس قبضه بالمدينة مجاورا لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم [466] . رحم الله يونس بن عبدالرحمن و جزاه عن الاسلام خير الجزاء، و حشره (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا) [467] .

يونس بن يعقوب

ابن‌قيس، أبوعلي البجلي الدهني الكوفي، اختص بأبي‌عبدالله عليه‌السلام و أبي‌الحسن عليه‌السلام و كان يتوكل لأبي‌الحسن [468] و عده الشيخ المفيد من فقهاء أصحاب الصادقين عليهم‌السلام و من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن فيهم و لا طريق الي ذم واحد منهم، و هم أصحاب الأصول المدونة، و المصنفات المشهورة [469] و مما يدل علي وثاقته انه و كله أبو [ صفحه 239] عبدالله و أبوالحسن عليه‌السلام ليشتري لهما بعض الأشياء فلما اشتري ذلك و أوصله اليهما قال له أحدهما: ما أنت عندنا بمتهم، انما أنت رجل منا أهل البيت فجعلك الله مع رسوله و أهل بيته» و الله فاعل ذلك ان شاء الله. توفي في يثرب و تولي تجهيزه الامام الرضا عليه‌السلام.

بعض أصحاب الامام الذين عرفوا بكنيتهم

ابو زكريا

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام و هو ثقة، و قد روي عن علي بن رباط [470] .

ابو شعيب

المحاملي، كوفي، ثقة من رجال أبي‌الحسن عليه‌السلام و له كتاب. [471] .

ابو يحيي

المكفوف، عده الشيخ في باب الكني من أصحاب الامام الكاظم عليه‌السلام و قال في «الفهرست» له كتاب، و كذا قال النجاشي و استفاد الحائري من مصاحبته للامام أنه محل اعتماد [472] . هؤلاء أصحاب الامام و حملة حديثه، و قد اخترنا منهم عظماء العلماء، و كبار المؤلفين الذين زودوا العالم الاسلامي في عصرهم بنتاجهم الجليل مما يدل بوضوح ان النهضة الفكرية كانت تستند الي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فهم الذين فجروا طاقاتها في دنيا العرب. و هذه الكوكبة من الرواة الأجلاء قد كشفت لنا جانبا مهما من حياة الامام عليه‌السلام و دلت علي أهمية الدور الذي قام به في رفع منار العلم و نشر الوعي الثقافي في ربوع العالم الاسلامي. [ صفحه 240] ان الانتماء الي مدرسة الامام الكاظم عليه‌السلام كان من موجبات الاعتزاز و الفخر لأنها بلورت الحياة الفكرية في العالم الاسلامي و عملت علي تقدم المسلمين في جميع الميادين.

دروس مثالية من امام مثالي

أهل البيت و ما أدراك ما أهل البيت!! هم الصفوة المختارة التي اختارها الله جل و علا أعلاما منيرة علي دروب الحياة لعباده، و اجتباهم هداة لخلقه و حكاما عليهم، و ورثة لنبيه صلي الله عليه و اله و سلم و سدنة الرسالة الاسلامية الدائمة. فقهوا الأحكام فعنهم أخذت، و عرفوا الحلال من الحرام فكانوا الأدلاء الي الله، و المبشرين لدينه، و الموضحين لمنهجه، عنهم أخذ علم الكتاب المجيد و ما جاءت به السور. و الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم أمر الأمة باتباعهم و طاعتهم و الامتثال لأمرهم، لكن حب الجاه و السلطان حدا بالمسلمين الي التزاحم علي الخلافة بعد وفاة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم، و النبي صلي الله عليه و اله و سلم لم يدفن بعد، فزعموا هذا الأمر خوف الفتنة التي سقطوا فيها و عانوا من ويلاتها. علم المسلمون أن الخلافة لأهل البيت عليهم‌السلام لكنها تقلبت في أيدي غيرهم حتي وصلت الي معاوية بن أبي‌سفيان الذي شق عصا الاسلام، و أحدث الفتن بين المسلمين، و لم يكتف القدر بهذا حتي أورثها الي ابنه يزيد الفجور و الخمور و الرذيلة. و استمرت فيهم ما يقارب السبعين عاما. قام بعد الأمويين العباسيون، فاستبدل الناس ظلما بظلم، و جورا بجور، هذا و الأئمة الأعلام الأطهار ليس لهم أمر و لا نهي و لم يكتف الحكام الأمويون و العباسيون بتقمصهم الخلافة بالقوة، مستأثرين بها علي أهل البيت عليهم‌السلام حتي أخذوا يتبعونهم قتلا و سجنا و تشريدا؛ لكن الأئمة تحملوا مسؤولياتهم و تكاليفهم و لم يعبأوا بهذه الشدة و الظلم، بل استمروا علي تبليغ رسالتهم في صد التيارات الفكرية الفاسدة، و نشر التعاليم الاسلامية الصحيحة، و اعلاء كلمة الله تبارك و تعالي. فملأوا الدنيا و شغلوا الناس بعلومهم الغزيرة و معارفهم الرشيدة من أجل رفع راية الاسلام خفاقة في العالم بأسره. [ صفحه 241] و لا غرو ان كانوا كذلك، فهم أحق من غيرهم في تسليم الخلافة، لا بل هم المكلفون بعد الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم بنشر الاسلام و المحافظة علي السنن الالهية، و الشرائع الاسلامية. و الامام موسي الكاظم عليه‌السلام هو سابع الأئمة المعصومين الذي عاني الأمرين، و قاوم الظلم، و حافظ علي رسالة جده صلي الله عليه و اله و سلم و لم يدار و لم يداهن بل تحمل المسؤولية الشرعية بكل جرأة و صبر، و قام بالتكاليف الملقاة علي عاتقه من الاصلاح في أمة جده صلي الله عليه و اله و سلم علي حد قول جده سيدالشهداء الامام الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام «لم أخرج أشرا و لا بطرا، و انما خرجت طلبا للاصلاح في أمة جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم».

الامام الكاظم في حصار التكاليف

من الحاجات الفطرية للانسان حياته الاجتماعية الشريفة مع سائر أبناء أمته، و هذه من الميول الطبيعية فيه التي تقوده الي تحقيق ذاته. و كل فرد في المجتمع يلتزم بمسؤولية خاصة و تكاليف خاصة عليه أن يقوم بأدائها علي أكمل وجه. فاذا آمن كل واحد من أفراده بمسؤولياته التي قلبها في دائرة أعماله، و لم تتجاوز نشاطاته حدود ما رسم لنفسه منها يدار المجتمع عند ذلك بصورة صحيحة و سليمة. و الانسان العاقل الناطق قد أحاطت به قيود و قواعد و أصول قد شملت كل شؤون حياته، و هذه الحدود و القيود هي التي تميزه عن الحيوان الأعجم علي صعيد الحياة. في حركة و سكون يجد كل منا تكليفا عليه، و التكاليف تبدأ من أبسط مراحل الحياة و تمتد حتي آخر حياته، و هذا هو النظام الذي تدار عليه حياة الانسان. و لا يمكننا في أي حال أن نفصل بني الانسان و بين تكاليفه، مهما كانت قدراته، فهناك تكليف عليه. اللهم الا الموت، الذي يأخذ بتلابيب الانسان و يطوي صحيفة أعماله. [ صفحه 242] و الانسان يلتزم بفطرته بمسؤوليات و قرارات، مع قطع النظر عن أحكام الأديان و أوامرها، و التكليف هذا ينشأ من علاقته بأوصافه و خصائصه و عواطفه المغروسة في نظام كيانه و وجوده، و ان كانت دوافعه الي أداء تكاليفه مختلفة أو صعبة. و بامكاننا القول: ان القواعد العقلية العامة هي محور التكاليف، أما اطاعة الأحكام الدينية فانها ترجع الي اتباع القواعد و القرارات العقلية أيضا، لأن أحكام الأديان و أوامرها في مراحل الحياة و المسائل الاجتماعية هي تفصيلات لاجمال المدركات العقلية و معرفتها من الأمور الضرورية. و ليست المشكلة في معرفة التكاليف، بل المشكلة الكبري هي العمل بالتكاليف الشاقة. و هنا يتميز كل انسان من الاقتراب الي مرحلة الكمال في ايمانه الراسخ و الثابت و القوي، و مراقبة نفسه مراقبة دقيقة أمام الله عزوجل و توطينها و تعويدها علي التضحية و العطاء و المجتمع البشري و ان كان مرتعا صالحا لنمو الفضائل الانسانية و ظهورها و تكاملها، لكنه صالح أيضا لظهور كثير من الرذائل و الآفات. و التكامل الاجتماعي يصاب بالركود و التوقف فيما اذا تجاوز كل فرد من الأفراد عن حدود وظائفه و تكاليفه، أو تناسي أو تنكر لمسؤولياته الكبري الملقاة علي عاتقه. فالنبتة المزروعة حديثا بحاجة الي عناية خاصة و مجهود خاص حتي تتطور فتصل في مراحل نموها الي كمالها اللائق بها. و المجتمع قد يثمر و يتكامل ليس بموقعه الجغرافي و أوضاعه المادية، بل بأوضاعه التربوية الخاصة و امكاناته المعنوية التي يقوم علي أساسها المجتمع الفاضل الراقي. و في هذا المجتمع الذي تسود فيه روح المعرفة بالتكاليف، ستكون الطهارة و الصدق في ضمائر القلوب، و في ادراكات العقول، و في جميع شؤون الحياة الظاهرة للعيان. ان مجتمعا كهذا وضعه لا تنمو فيه الخيانة، و لا يظهر فيه العدوان علي حقوق الآخرين، بل لا يسمح لها المجال للنمو و الظهور، فيقف كل فرد فيه عند حدوده و أمام مفاسد أعماله فيحاسب نفسه و يمنعها من التجاوز عملا بقول الرسول الأعظم: «رحم الله امرءا عرف حده فوقف عنده» و لا نضل الطريق الا اذا تقاعسنا [ صفحه 243] عن القيام بتكاليفنا و خفقنا تجاه و اجبنا و مسؤولياتنا. فهناك كثير من الناس، مع ما لهم من امكانات من مختلف الجهات يحاولون الاقتصاد في الافادة من وجودهم و من طاقاتهم، و لهذا نراهم يتهربون من المسؤوليات و الأعمال التي تسلبهم بعض راحتهم و ملذاتهم كما يزعمون، فهم يعيشون لأنفسهم و لا يخصصون قسما من أوقاتهم يعود نفعها للآخرين. هؤلاء هم أصحاب الفكر الضيق و النشاط المحدود، تدور أمورهم علي محاور شخصية محدودة، فيعتادون علي هذه الخصائص الروحية، و لهذا فلا يتمكنون من القيام بالأعمال الكبيرة، و القضايا الاجتماعية العظيمة فنراهم قد اختفوا في مجتمعهم و لم يبرزوا طاقاتهم الشخصية. لكن هناك فئة أخري من الناس لا تتسامح أبدا بالنسبة الي مسؤولياتهم بأي حال من الأحوال، و لا يصابون بأي اضطراب أو قلق نفسي علي أثر التطورات و التغييرات؛ بل نراهم مستعدين دائما للمبادرة بتكاليفهم الواجبة، و مسؤولياتهم النافعة، فيستقبلونها بكل رحابة صدر و يقومون بكل جهودهم فيها. انهم يتصورون ان خير افادة من وجودهم القيام بمهام مثمرة و مفيدة لأمتهم مهما كانت شاقة، و علي هذا فكلما كان الانسان أكثر رشدا، و أكمل عقلا، و أبعد رؤية، كان اشتياقه الي القيام بمسؤولياته أكثر، و الي أداء تكاليفه أشد و أكبر.

تحقيق الأهداف السامية

قالوا: لولا الأمل لبطل العمل. ان الذي يملأ حياة الانسان أملا هو السعي لتحقيق الآمال العالية و المثمرة، و علي كل انسان أن يصمم علي أن يبلغ مقاما ساميا يليق بانسانيته، فيعمل بكل ما أعطي من قوي و امكانات ليقوم بتكاليفه و مهامه و خدمة أبناء مجتمعه. و ما نراه و نسمعه في مجتمعنا من بعض أفواه الناس يقولون: نريد أن نقوم بعمل خير في حياتنا، لكن مسؤولياتنا و أعمالنا قد منعتنا من التوفيق في هذا الطريق، فقد غرقنا الي حد بعيد في مهام الحياة و مشاغلها و لم تسمح لنا الفرض المناسبة لنتمكن فيها من تحقيق ما نصبو اليه في حياتنا. [ صفحه 244] و لا ريب ان هذه من الأخطاء الشائعة و الخطيرة في مجتمعنا، ذلك ان كلا منا لديه الفرص الكثيرة التي تحيط به و التي يستطيع بكل سهولة من القيام بمهامه لو صمم و أراد؛ فيحصل علي رضي ضميره و رضي مجتمعه و رضي ربه جل و علا. من هنا كان قول الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم: «الخلق كلهم عيال الله و أقربهم اليه أنفعهم لعياله» الي جانب ذلك عليه ان لا يغفل عن تكاليفه العادية، و أن يقوم بأعمال جليلة فيها كل الخير له و لمجتمعه. فالتكليف الواجب علينا جميعا أن نفيد من الفرص الكثيرة التي تسمح لنا لنقوم بهذا التكليف؛ و سوف تتاح لنا فرص كثيرة في هذا السبيل. و نحصل علي نجاح باهر و توفيق هام، لأن جميع القوي الكامنة فينا تكفي للقيام بتكاليفها. و الذي يحتاج اليه العالم اليوم و يفتقده هو أن يكون له جماعة يفكرون في تلبية نداء الآخرين و قضاء حاجاتهم، و عند القيام بمهام جليلة من أجل الآخرين ستنزل رحمة الله الواسعة علي المعين و المستعين كليهما. أما ما نراه من ضغوط المجتمع الحاضر الذي سموه (المجتمع الحديث) كما هو عليه اليوم ستفقدنا شخصيتنا شيئا فشيئا، و بالتالي سوف نفتقد آمالنا في الابداع و الظهور. و لهذا فان وصول هذا المجتمع الي الحضارة الحقة سوف يتأخر مادام الوضع كما هو عليه. و ما هو السبب في ذلك؟ الحقيقة أن الخطأ الكبير لكل واحد منا هو أننا نعيش بأعين لسيت بصيرة، فلا نلتفت الي الفرص الجيدة التي تواجهنا، نعم علينا أن نفتح أعيننا جيدا و نتفحص ما حولنا بدقة و مهارة لنقدم الي كل الناس الخير العميم. فأسمي ما لدينا و أفضل أمنياتنا أن نرهن وجودنا، و نمد أيدينا لعون الآخرين الي حد التضحية و الفداء. و مثلنا الأعلي في هذا المضمار الشريف الأئمة عليهم‌السلام، كل واحد منهم قام بتكاليفه كاملة، و ضحي بأغلي ما يملك في الوجود، فبذل النفس في سبيل الآخرين. و الجود بالنفس أسمي غاية الجود! ان أصغر شي‌ء ينفقه رجل فقير الحال هو أفضل بكثير من الذي ينفقه كبار الأغنياء، و كثيرا ما نسمع من البعض من يقول: لو كنت ثريا لكنت أقدم للناس الكثير الكثير من الأعمال و الخدمات و لكن؟! [ صفحه 245] نقول لهؤلاء الذين يتمنون و لا يفعلون: اننا بامكاننا أن نكون جميعا أثرياء من حيث الحب و العطف و الحنان لهم، فلو اكتشفنا الحاجة الحقيقة للمحتاجين، و حاولنا تلبيتها، نكون بذلنا في ذلك أفضل و أعز شي‌ء لدينا ألا و هو الحب لهم، و العطف عليهم، مما لا يقابله كل أموال الدنيا بأجمعها! و لا يفوتنا أن نعلم أن بامكاننا اذا حملنا أنفسنا علي البحث و التنقيب بما يمكننا القيام به لاستطعنا تقديم الكثير الكثير من أعمال الخير و العذق و المساعدة للآخرين. و هذا العمل الروحي بحاجة الي جرأة و تضحية و رحابة صدر و قوة ارادة، و تصميم أكيد علي اسداء الفائدة المرجوة و المحبة الخالصة لجميع الناس، و هذا بنظري أكبر اختيار و امتحان لكل انسان في هذه الدنيا علي الأرض. و لكن علينا أن نعلم أيضا أننا في هذا التكليف الشاق، و تحمل المسؤولية بامكاننا أن نجد السعادة الحقيقية. و هذا واقعا ما قدمه الأئمة، و قدموا في سبيل الله، و عطفوا علي عباد الله، فكسبوا بذلك رضي الناس و رضي الله سبحانه و تعالي.

بإرادة الانسان تعمر الأوطان

خلق الانسان حرا في أن يطيع أوامر ضميره الحي أو يعصيها، فكل واحد منا يملك نفسه و ارادته فبامكانه أن يختار الفضائل مثل: الصدق، و الشجاعة، و الايثار، و الاحسان، و القول الحسن، و الاخلاص، و الوفاء، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و التواضع، و مقاومة الهوي، و المحبة، و الصفاء، و كظم الغيظ. أو أن يختار طريق الشهوات و الرغبات و الرذائل مثل: الكبرياء، و النميمة، و الانقياد لهوي النفس، و الغضب، و الظلم، و الحسد... فكل هذه الصفات من فضائل و رذائل هي تحت ارادته و اختياره، و بامكانه أن يحلي نفسه بها بالسعي الدائم المشكور، و المحاولات المتواصلة، أو أن يختار عكس ذلك فينغمس في محيط متخلف من الشهوات الرذيلة و الميول الهوجاء، كما فعل الحكام الأمويون و العباسيون الذين غرقوا في مستنقع شهواتهم، و فجروا في ظلمهم و جورهم من أجل حب التملك و شهوة السلطان. [ صفحه 256] ان قوة الارادة موهبة الهية خيرة لا ينبغي أن نتركها دون الافادة منها، أو أن نصرفها في الأعمال البربرية و المنحطة، بدلا من أن نوظفها في تكاليفنا الشرعية. ان افتقاد الارادة هو ضعف في اتخاذ التصميم و القرار، و هو سد مانع للقيام بتكاليفنا. لكن الافادة من الارادة لهداية الضمير و الوجدان من أجل الكفاح ضد الشهوات، و أهواء النفس، و الانتصار علي عبادة النفس صعب في بداية الأمر و هو بحاجة أكيدة الي روح التضحية، و لابد من مواصلة السعي الدائم لتتقوي روحية الانسان تدريجيا، و تنمو أخلاقياته الفاضلة، و عندئذ يصبح العمل بالتكليف له أمرا عاديا جدا يتحمله المكلف بيسر و سهولة. فلو كان الشعور بالمسؤولية قويا في كيان الانسان لم تعد الموانع التي تعترضه سببا في ضعفه و انهزامه أمامها، أما اذا فشلت مساعيه و لم تثمر في مواجهة العوامل السلبية فلا أقل بأضعف الايمان من أن يحصل علي رضا ضميره و راحة نفسه، و سيكون مرفوع الرأس أمام نفسه و أمام مجتمعه و ذلك انه قدر علي تحمل خيبة الأمل و الهزيمة من أجل أداء وظيفته، و القيام بدوره الانساني و رسالته في الحياة. و هنا أتذكر وصية هامة نصح بها أب ابنه فقال له: يا بني: كن أنت فقيرا لا مال في يديك، و دع الآخرين يثرون أمام عينيك بالخداع و التزوير و الخيانة. عش أنت بلا جاه و لا مقام، و دع الآخرين يتسلمون المناصب العالية بالخضوع السمج و الالحاح الملح. عان أنت الآلام و الخيبة، و دع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع و التملق. أعرض أنت عن طلب الجاه و السعي وراء الزعامة، و دع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع و التملق. أعرض أنت عن معاشرة كبار الرجال ممن يتفاني الآخرون للاقتراب منهم. من الأفضل لك أن تتقمص لباس الفضيلة و التقوي. فاذا ابيض شعر رأسك و لم تلوث قطرة من سواد الفساد حسن صيتك و علي شرفك فأد حق شكر الله، و استسلم بقلب مبتهج مسرور. يتبين لنا من خلال هذه الوصية القيمة باختصار و كأن الأب يوصي ابنه بالبعد [ صفحه 247] عن حكام بني‌مروان و بني‌العباس و الاقتراب من أهل البيت عليهم‌السلام و بعدئذ يستسلم للموت بقلب مبتهج مسرور. و ما نراه أن الثواب و العقاب أمر ضروري في أداء التكاليف. فكما يفيد التنبيه و التوبيخ و اللوم في التقليل من المفاسد، كذلك لا مجال للجدال في أثر التقدير و الترغيب في زيادة الرغبة في العمل و النشاط في أداء التكاليف و تحمل المسؤولية. و قال أحد المفكرين الاجتماعيين: ويل لأمة يشوق فيها الخونة و يهان فيها الخدمة ذوو الشعور بالمسؤولية و يبعدون عن المناصب الحساسة في المجتمع. أمة يبلغ فيها مقاصده من يجعل همه الخداع و المراوغة، و يصل الي مراده من لا يتمتع بأية قيمة من قيم الانسانية. أمة يكون علي من يريد أن يؤدي رسالة الانسانية فيها أن يبقي محروما مكظوما من كل شي‌ء. ان مثل هذا المجتمع لا يبقي فيه مجال لنمو الأخلاق و ظهور الفضيلة. و العصر العباسي شاهد علي ذلك فالامام الكاظم عليه‌السلام العالم الفقيه، و التقي الورع، الذي أراد أن يؤدي رسالة الاسلام الانسانية الحقة سائرا علي خطي جده سيدالشهداء الامام الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام الذي قال: «ما خرجت أشرا و لا بطرا و انما خرجت طلبا للاصلاح في أمة جدي» و هكذا فعل الامام الكاظم فعندما أراد أداء التكاليف و القيام بالرسالة الانسانية أبعد عن منصب الخلافة و سجن و قيد بالحديد، و دس اليه السم حتي خسر بموته الاسلام عالما مجاهدا كبيرا، و مصلحا اجتماعيا عظيما. و بديهي ان في مثل هذه البيئة التي تشبه البيئة العباسية ستتفشي الأمراض الي أعماق النفوس، كالغش و الفساد و التزوير و الرياء؛ فالأخلاق السيئة تتصدر المجتمع بدلا من النزاهة و الأخلاق الفاضلة، فقليل جدا من الاشخاص الطاهرين الاتقياء يستطيعون العيش في مثل هذه البيئات الملوثة، و أقل منهم الذين يستطيعون الاستمرار بطهارتهم و تقواهم، و يعيشون حياتهم الروحية بروح عالية و كريمة بين أناس طغاة أذلاء أنانيين سفهاء في هذه البيئة الملوثة بالضغائن و الأحقاد استمر الامام الكاظم عليه‌السلام مجاهدا لم يداهن و لم يساير و لم يلين، بل قاوم الطغاة و ألف الجماهير، و قام بتكاليفه مع ما لاقي من الاضطهاد و الآلام و العذاب. [ صفحه 248] و هنا يتجلي معني الصبر الجميل علي النوائب و الدواهي و هنا تبرز البطولات الخالدة علي صفحات التاريخ. فأين مزار هارون الرشيد و المنصور و الهادي؟؟ لقد اندثرت معالمهم، و مات ذكرهم معهم و بقي ذكر الامام الكاظم كأبيه و أجداده حيا نضرا فواحا، كلما ذكر محمد و آل محمد عليهم‌السلام. ان الشفاه التي ترتل اسمه عليه‌السلام كما ترتل آيات التنزيل، و القلوب التي تلهج بحبه، و العقول تتحرك بالاعجاب به، ليست وقفا علي المسلمين، و لا علي الفئة الأولي من تاريخ الاسلام. فهذا أمر ينطبق علي الذي يتفوق بحال من الأحوال، أما أهل البيت فهم لكل حال و لكل الأجيال، و الامام الكاظم و الأئمة جميعا باقين في الوجود منذ أن أبدع الله الخير و المجد و الكمال. لقد ذهب الأمويون و العباسيون، و انطفأت قناديل حياتهم لأنهم كانوا محكومين بغرائز الأمرة و الاستبداد و حب المال و الضياع، أما الأئمة المعصومون فقد تمسكوا بشريعة الاسلام و أحكامه، و مبادي‌ء الرسول الأعظم و أخلاقه، فكان لهم مواقف ثابتة حافظوا عليها، و حقوق معلنة ماتوا دونها. قالوا كلمة الحق فلهج بها التاريخ، و وقفوا المواقف الحقة فنسخت عن صحفهم البطولات، و بقيت مشاعل صدقهم و شهادتهم كواكب مشرقة قبالة الشمس، لأنها تستوحي من نهج رسول الله، و تتوهج من نور الله. الحقيقة ان الكل هباء، فوات، تراب، فناء، ما لم يتطلع الي سمو الحقيقة العليا، الي الله جل جلاله. فهو وحده الذي يبقي، اما الذي لا يحب البقاء في رحاب رضوان الله فهو ميت جسدا و ذكرا، و له جهنم و بئس المصير. فالموقف الموقف، و الصدق الصدق، و العدل العدل، و الحق الحق، و الصبر و كظم الغيظ، و هذه كلها من شمائل أئمتنا التي بها فضلوا علي الناس، و من أجلها استشهد الشرفاء الأتقياء. و الامام الكاظم ذلك العظيم، هزي‌ء بالموت فاذا به ذو عرش علي قلوب الملايين، يحتل قلوبهم، و يتملك مشاعرهم و محبتهم و حسبه انه قال للموت هازئا به: قد تجيي‌ء أيها الموت في كل لحظة، و ترمي بالأحياء في غيابات المجهول، و لكني لا أخافك و لا أهابك، أريد أن تموت أنت و أن أحيا أنا الي الأبد أبقي قطرة في محيط التاريخ، و اتجاوز السنين و العصور و أبقي مع الخالدين. [ صفحه 249] سجلت اسمي في قلب كل مؤمن، و عقلت ذكري علي صدور أصحاب المواقف الحقة، و بقيت حيا في خواطر الأبطال الذين أحبوا الحياة الحرة الكريمة. و بعد أربعة عشر قرنا و نيف نجد أنصار أهل البيت يسطع من نفوسهم ضوء يهدي، و عطر يفوح، و صوت يهب سامعه الي نجدة الحق، الحق المسلوب في فلسطين و في جنوب لبنان و البقاع الغربي من الدولة المعتدية الغاشمة دولة الصهاينة. لكن المقاومة كانت لهم بالمرصاد حيث تلقنهم الدرس تلو الدرس كل يوم فهنيئا لكل الشهداء الشرفاء الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة من أجل تحرير الأرض. لقد ساروا علي الخط الحسيني و قاموا بتكاليفهم الشرعية بارادة صامدة قوية، و قلب عامر بالايمان، و نفس مطمئنة. كل ذلك في سبيل الانسانية و الحضارة الهادفة الي الطمأنينة العامة و السعادة لجميع الناس، و كلتاهما جناحان نحو الصراط المستقيم. ان الانسان العادي في أي مجتمع يحتاج الي تربية فردية صالحة في مجتمع اسلامي صالح يستند اليه، و هو بحاجة بلا ريب الي نماذج بشرية صالحة تعرفه بأمثولة السلوك الصالح في حياته و تكون له قدرة تنير له الطريق الي المثل العليا. و هنا لابد لنا من التحدث عن دور الايمان في الشعور بالمسؤولية.

دور الايمان في التعهد بالتكاليف

ان التعهد بالتكاليف و الشعور بالمسؤولية التي تحيط بالشؤون الاجتماعي من كل جهة، من أهم الأسس لسعادة الفرد و المجتمع علي حد سواء، و التربية الاسلامية العريقة تنبي علي أساس الشعور بالمسؤولية، فعلي كل مسلم أن يستند الي ايمانه أولا ثم الي العمل الصالح ثانيا ليضمن سعادته في حياته، و لا يجعل شيئا آخر سواهما مستندا لسعادته الواقعية. و الامام زين‌العابدين عليه‌السلام يصف تكاليف الانسان في مختلف الشؤون فيقول «اعلم يرحمك الله: ان لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارية قلبتها، أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض». [ صفحه 250] و الاسلام يري أن كل أحد مسؤول عن أعماله، و لا يتحمل أي فرد مسؤولية الآخرين، قال تعالي: (من اهتدي فانما يهتدي لنفسه، و من ضل فانما يضل عليها، و لا تزر وازرة وزر أخري) [473] . ان في أعماق الانسان قوة تدعوه الي أداء تكاليفه و مسؤولياته، و حينما يتقبل الانسان دعوة ضميره و يبادر الي أداء تكاليفه فان تلك القوة الباطنية ستؤيده، و بعد فراغه من تكليفه تملأ نفسه سرورا و ارتياحا هذه القوة هي الضمير أو الوجدان الناشي‌ء من أعماق فطرة الانسان و هو الذي يحملنا علي ترك الرذائل، و التمسك بالأعمال الصالحات و لكن هل الضمير وحده يضمن تنفيذ الخير علي يد الانسان فيبعثنا علي اتباع التعاليم الدينية و يكون مستندا لاداء مختلف التكاليف؟؟ الحقيقة ان الضمير الأخلاقي بما له من أهمية في ضمان سعادة الانسان فهو لا يتمكن في جميع الأوضاع و الظروف أن يمنع سقوط الانسان و انحرافه و علينا بعد هذا ان نلتفت الي دائرة عمل الضمير، حيث أن أحكامه تختلف باختلاف الظروف الزمانية، و العادات القومية، اختلافا بينا؛ فنشاط الضمير انما هو في الدعوة الي أمور قد أقر بحسنها و فضلها من قبل ذلك العرف و العادة و السنن الاجتماعية. فالمرفوض في أمة من الأمم قد يكن مفضلا و محببا عند أمة أخري علي أساس سننها و أعرافها. و يدلنا التاريخ أن الشيطان قد زين في بعض أدوار الحياة البشرية أعمالا هي من أقبح ما يكون في الواقع، و لكن تحت ستار الأعمال الصالحة، و تلقاها الناس حينئذ بصفتها أعمالا مقبولة لديهم. قال تعالي: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) [474] . أضف الي ذلك كله ان الضمير من دون أن يستند الي مستند خاص لا يقدر علي المقاومة في مواجهة كثير من أهواء النفس و حب المال و السلطان و طغيان الشهوات، و هو في ساحة كفاحه مع الغرائز يفتقد شيئا من قوة مقاومته، و ربما [ صفحه 251] سقط أمام أول مجاهدة لميول النفس الأمارة بالسوء، فبامكانها ان تقلب الحقائق و تخدع الضمير و تخمد من نور المصباح المضي‌ء الذي ينور باطن الانسان. و هنا يأتي دور الايمان، الايمان الذي يهدي الضمير و يرشد الوجدان، و يكون مستندا صحيحا له، و حاكما أمينا علي العادات و التقاليد و الأعراف، و لا يتكلف بتنفيذ أوامر العرف و السنن الاجتماعية. ان الذين تيقظت في ذواتهم فطرة التوحيد و آمنوا بالله ايمانا صادقا قد استجابوا لنداء ضمائرهم استجابة تامة، و يرون اتباعها اطاعة للهداية التكوينية الالهية، فلا يثقل علي كواهلهم حمل التكاليف، بل يمنحهم قوة فاعلة و نشاطا مباركا فيبادرون الي أداء تكاليفهم بكل محبة و نشاط.

اسباب اعتقال الامام

اشاره

ما هي الأسباب التي دفعت بهارون الرشيد الي اعتقال الامام عليه‌السلام؟

احتجاج الامام

من الأسباب التي حفزت هارون الرشيد لاعتقال الامام موسي الكاظم عليه‌السلام وزجه في غياهب السجون، احتجاجه عليه بأنه أولي بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه و وريثه، و أنه أحق بالخلافة من غيره، و قد جري احتجاجه معه عند قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم و ذلك عندما زاره هارون و قد احتف به الأشراف و الوجود و قادة الجيش و كبار الموظفين في الدولة، فقد أقبل بوجهه علي الضريح المقدس و سلم علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم قائلا: «السلام عليك ابن العم». و بذلك بدا الاعتزاز و الافتخار لهارون علي غيره برحمه الماسة من النبي صلي الله عليه و اله و سلم و انه نال الخلافة لهذا السبب، قربه من الرسول صلي الله عليه و اله و سلم. أما الامام الكاظم عليه‌السلام فتقدم أمام الجمهور و سلم علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم قائلا: «السلام عليك يا أبت». [ صفحه 252] عندها استولت علي الرشيد موجات من الاستياء و كاد يفقد صوابه لأن الامام عليه‌السلام قد سبقه الي ذلك المجد، فاندفع قائلا بصوت مشحون بالغضب: «ثم قلت انك أقرب الي الرسول صلي الله عليه و اله و سلم منا؟!». فأجابه الامام عليه‌السلام بهدوء كعادته و بجواب مفحم لم يتمكن الرشيد من الرد عليه. «لو بعث رسول الله حيا و خطب منك كريمتك هل كنت تجيبه الي ذلك؟ فقال هارون: سبحان الله!! و كنت أفتخر بذلك علي العرب و العجم. فانبري الامام و بين له الوجه الصحيح في قربه من النبي صلي الله عليه و اله و سلم دونه قائلا: «لكنه لا يخطب مني ولا أزوجه، لأنه والدنا لا والدكم، فلذلك نحن أقرب اليه منكم» و تابع عليه‌السلام مدعما رأيه ببرهان آخر فقال لهارون: «هل كان يجوز له أن يدخل علي حرمك و هن مكشفات؟؟». فقال هارون: لا. فقال الامام عليه‌السلام: لكن له أن يدخل علي حرمي، و يجوز له ذلك، و هذا يعني أننا أقرب اليه منكم. و بذلك يكون الامام قد سد أمامه كل منافذ الدفاع بحججه الدامغة بعد أن ألبسه ثوب الفشل، و بين بطلان ما ذهب اليه، فهو أحق منه بالخلافة لأنه سبطه و وارثه. عندها اندفع هارون حانقا و أمر باعتقال الامام عليه‌السلام و زجه في السجن [475] ثم سأله الرشيد قبل دخوله السجن: لم فضلتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة بنوعبدالمطلب، و نحن و أنتم واحد، انا بنوالعباس، و أنتم ولد أبي‌طالب و هما عما رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و قرابتهما منه سواء؟ [ صفحه 253] فقال عليه‌السلام: نحن أقرب اليه منكم، قال هارون: و كيف ذلك؟ فقال عليه‌السلام: لأن عبدالله و أباطالب لأب و أم، و أبوكم العباس ليس هو من أم عبدالله، و لا أم أبي‌طالب. قال هارون: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و اله و سلم و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و قد توفي أبوطالب قبله. والعباس عمه حي؟ فقال عليه‌السلام: ان رأي أميرالمؤمنين ان يعفيني عن هذه المسألة و يسألني عن كل باب سواه يريد. قال: لا، أو تجيب. فقال عليه‌السلام: فآمني. قال: آمنتك قبل الكلام. فقال عليه‌السلام: ان في قول علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: انه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثي لأحد سهم الا الأبوين، و الزوج و الزوجة، و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، و لم ينطق به الكتاب العزيز و السنة، الا ان تيما و عديا و بني‌أمية قالوا: العم والد، رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دارج يقول في هذه المسألة بقول علي، و قد حكم به، و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين: الكوفة و البصرة، و قضي به. فأمر هارون الظالم باحضار من يقول خلاف قوله، منهم: سفيان الثوري و ابراهيم المازني، و الفضيل بن عياض، فشهدوا جميعهم انه قول علي عليه‌السلام في هذه المسألة. فقال لهم: لم لا تفتون و قد قضي نوح بن دارج؟ فقالوا: جسر وجبنا، و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن علي أقضانا، و هم اسم جامع، لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و اله و سلم أصحابه من القرابة، و الفرائض، و العلم، داخل في القضاء. قال هارون: زدني يا موسي. فقال عليه‌السلام: المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك. [ صفحه 254] فقال هارون: لا بأس. فقال عليه‌السلام: النبي صلي الله عليه و اله و سلم لم يورث من لم يهاجر و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر. و عمي العباس لم يهاجر [476] .

تعيينه لفدك

[فدك: قرية في الحجاز علي مراحل من المدينة جاء الاسلام و هي بأيدي اليهود و بعد فتح خيبر ألقي الله جل جلاله في قلوب أهلها الرعب فصالحوا النبي صلي الله عليه و اله و سلم علي النصف من غلاتها و نزل جبرائيل عليه‌السلام بالآية الكريمة (و آت ذي القربي حقه) ثم طلب من النبي صلي الله عليه و اله و سلم أن يعطي فدكا لفاطمة عليهاالسلام عوضا عن أموال أمها خديجة التي تم انفاقها في سبيل الدعوة الاسلامية. بقيت فدك بيد الزهراء عدة سنوات في حياة الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم و هي تنفق ما يحصل منها علي الفقراء دون أن تدخر شيئا لنفسها أو لأهل بيتها. و بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم أخذها أبوبكر معتقدا أن أخذها يضعف جانب الامام علي عليه‌السلام فطالبت الزهراء عليهاالسلام باسترجاعها حتي انها خطبت في مسجد أبيها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم خطبتها المشهورة التي كادت تزلزل بالحاكمين. و لقد عقد العلامة الكبير ابن أبي‌الحديد المعتزلي في شرح نهج‌البلاغة فصلا مطولا عن فدك. و مما جاء فيه قال: اني سألت علي ابن الفارقي - من علماء بغداد الكبار - هل كانت فاطمة صادقة في دعواها؟ قال: نعم. فقلت له: فلماذا لم يرجع فدكا اليها؟ فقال: لو أرجعها لجاءت في اليوم الثاني و طلبت منه الخلافة.] و سبب آخر أغاظ نفس هارون علي الامام عليه‌السلام و دعاه الي اعتقاله، حتي و التخلص منه، تعيينه لفدك بأنها تشمل أكثر المناطق الاسلامية و ذلك حينما سأله هارون عنها ليرجعها اليه فلم يرض عليه‌السلام الا أن يأخذها بحدودها، فقال الرشيد: - ما هذه الحدود؟ فقال عليه‌السلام: ان حددتها لم تردها لنا. فأصر الرشيد عليه أن يبينها له قائلا: بحق جدك الا فعلت. عند ذلك لم يجد الامام بدا من اجابته، فقال له: «أما الحد الأول: فعدن فلما سمع الرشيد ذلك تغير وجهه. و أما الحد الثاني: سمرقند. فأربد وجه الحاكم الظالم و استولت عليه موجة [ صفحه 255] من الغضب، لكن الامام عليه‌السلام بقي مستمرا دون أن يأبه له. و الحد الثالث: افريقيا، فاسود وجه الرشيد و قال بصوت يقطر غيظا «هيه» ثم عين الامام عليه‌السلام الحد الرابع و الأخير قائلا: و الحد الرابع: سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية. فثار الرشيد و لم يملك أعصابه دون أن قال: - لم يبق لنا شي‌ء!! - فقال الامام عليه‌السلام: قد علمت أنك لا تردها. و تركه الامام عليه‌السلام و الكمد يحز في نفسه، فأضمر له الشر منتظرا الوقت المناسب للتنكيل به [477] . لقد بين الامام عليه‌السلام للرشيد أن العالم الاسلامي بجميع أقاليمه من عدن الي سيف البحر ترجع سلطته له، و ان الرشيد و من سبقه من الخلفاء قبله قد استأثروا و غصبوا الخلافة من أهل البيت عليهم‌السلام.

حرص الرشيد علي الملك

كان هارون الرشيد يحرص حرصا شديدا علي ملكه، يضحي في سبيل السلطة جميع المثل و القيم و المقدسات. و قد عبر عن مدي تفانيه في حب السلطة بكلمته الحقيرة التي تناقلتها الأجيال و هي: «لو نازعني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علي السلطة لأخذت الذي فيه عيناه». أجل لو نازعه الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم لأخذ الذي فيه عيناه، فكيف لو نازعه الامام عليه‌السلام؟! فهل يمكن أن يخلي عن سراحه؟ هذا و الذي يحز في نفسه اجماع الناس علي حب الامام عليه‌السلام و تقديرهم له. لذلك كان يخرج متنكرا بغير زيه ليسمع أحاديث العامة، و يقف علي رغبتهم و اتجاههم، فلا يسمع الا الذكر العاطر، و الحب الجامع و الثناء علي الامام عليه‌السلام. كل الناس يحبونه، كل الناس يرغبون في أن يتولي شؤونهم، فلذلك أقدم [ صفحه 256] علي ارتكاب فعلته الشنعاء و الموبقة حتي انتهي به الأمر قتل الامام عليه‌السلام.

بغضه للعلويين

ورث هارون الرشيد بغضه للعلويين عن آبائه الذين نكلوا بهم، و صبوا عليهم ألوانا من العذاب و الاضطهاد و القتل و التشريد. فمنهم من ساقوهم الي السجون، و منهم الي القبور. طاردوهم في كل ناحية حتي هربوا هائمين علي وجوههم يلاحقهم الخوف و الفزع و الرعب. أما هارون فقد أترعت نفسه ببغض العلويين فزاد علي أسلافه جورا و ظلما و ارهابا حتي أشاع الحزن و الثكل و الحداد في كل بيت من بيوتهم. استعمل جميع امكانياته للبطش بهم، ففرض عليهم الاقامة الجبرية في بغداد، و جعلهم تحت المراقبة الدقيقة، و لم يسمح للاتصال بهم، و حرمهم من جميع حقوقهم الاجتماعية. حتي أنه دفع البعض منهم أحياء. و طبيعي أنه لا يترك عميد العلويين الامام الكاظم عليه‌السلام في دعة و اطمئنان، و لم يرق له محبة الجماهير للامام، فنكل به و دفعه لؤمه و عداؤه الموروث الي سجنه و حرمان الأمة الاسلامية من الاستفادة بعلومه، و من سمو نصائحه و صواب توجيهاته. لقد استقبل امامته التي استمرت خمسة و ثلاثين عاما في هذا الجور المشحون بالحقد و الكراهية لأهل البيت بصورة عامة، فلزم جانب الحذر و اعتصم بالكتمان الا عن خاصته. حتي ان رواته قلما كانوا يروون عنه باسمه الصريح. لكن كل ذلك لم ينجيه من سجن الطاغية هارون.

الوشاية بالامام

اشاره

ضمائر رخيصة انعدمت من نفوسهم الانسانية، فعمد فريق منهم فباعوا دينهم بثمن رخيص، فوشوا بالامام عليه‌السلام عند الطاغية هارون ليتزلفوا اليه بذلك و ينالوا في ديناهم الفانية بعض جوائزه. و قد بلي بهم الاسلام و المسلمون فاستعان الظالمون بهؤلاء الأوغاد في جميع مراحل التاريخ علي تنفيذ خططهم الارهابية الرامية الي اشاعة الظلم و الجور [ صفحه 257] و الفساد في الأرض. و قد نري بعضا منهم في هذه الأيام. كانت وشاية هؤلاء المجرمين بالامام عليه‌السلام ذات طوابع متعددة.

طلبه للخلافة

سعي فريق من باعة الضمير بالوشاية علي الامام عليه‌السلام عند هارون فأوغروا صدره، و أثاروا كوامن الحقد عليه، فقالوا: انه يطالب بالخلافة، و يكتب الي سائر الأقطار و الأمصار الاسلامية يدعوهم الي نفسه، و يحفزهم الي الثورة ضد الحكومة. و كان في طليعة هؤلاء يحيي البرمكي. قال اليحيي بن أبي‌مريم: ألا تدلني علي رجل من آل أبي‌طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ فقال له: نعم، ذاك علي بن اسماعيل بن جعفر، فأرسل خلفه يحيي و كان آنذاك في الحج، فلما اجتمع به قال له يحيي: أخبرني عن عمك موسي، و عن شيعته و عن المال الذي يحمل اليه. فقال: عندي الخبر و حدثه بما يريد، فطلب منه أن يرحل معه الي بغداد ليجمع بينه و بين هارون، فأجابه الي ذلك. فلما سمع الامام الكاظم عليه‌السلام بسفره مع يحيي بعث خلفه فقال له: بلغني انك تريد السفر؟ - قال: نعم. فقال له الامام: الي أين؟ فقال: الي بغداد. فقال له الامام: ما تصنع؟ فقال: علي دين و أنا مملق. - أنا أقضي دينك، و أكفيك أمورك. فلم يلتفت الي الامام لأن الشيطان قد وسوس له فأجاب داعي الهوي، و ترك الامام و قام من عنده، فقال عليه‌السلام له: لا تؤتم أولادي، ثم أمر عليه‌السلام له بثلاثماية دينار و أربعة آلاف درهم، و قال عليه‌السلام: و الله ليسعي في دمي و يؤتم أولادي فقال له أصحابه: «جعلنا الله فداك فأنت تعلم هذا من حاله، و تعطيه؟!! فقال عليه‌السلام: حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أنه قال: [ صفحه 258] ان الرحم اذا قطعت فوصلت قطعها الله. و خرج علي يطوي البيداء حتي انتهي الي بغداد، فدخل علي الرشيد فقال له بعد السلام عليه: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت عمي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة. و قيل انه قال له: ان الأموال تحمل اليه من كل النواحي، و ان له بيوت أموال، و انه اشتري ضيعة بثلاثين ألف دينار، و سماها «اليسيرية» فلما سمع هارون هذا الكلام أحرقه الغيظ و فقد صوابه، و أمر لعلي بمائتي ألف درهم علي أن يستحصلها من بعض نواحي المشرق فمضت الرسل لجباية المال اليه؛ فدخل العميل الذي باع آخرته بدنياه بيت الخلاء فزحر فيه و سقط أمعاؤه. فأخرج منه و هو يعاني آلام الموت فقيل له: ان الأموال قد وصلتك فقال: ما أصنع بها و الموت قد وصلني معها؛ و قيل انه رجع الي داره فهلك فيها في تلك الليلة التي اجتمع بها [478] مع الطاغية هارون. فقد ذهب المال منه و بقي عليه الخزي و العذاب الأليم.

جباية الأموال

و سبب آخر أثار كوامن الغيظ و الحقد في نفس هارون، و هو جباية الأموال، عمد بعض الأشرار باخباره ان الامام قد اشتري ضيعة تسمي (اليسيرية) جمعها عليه‌السلام من الأموال التي تجبي اليه عن طريق الخمس من كل صعيد فكمن للامام الشر ليوقع به. و كانت سياسته المكشوفة تجاه العلويين تقضي بفقرهم و وضع الحصار الاقتصادي عليهم، فان فقرهم أجدي له و أنفع من غناهم - كما أوصي ولده المأمون - لأن المال كان و لم يزل عنصرا هاما في سياسة الأشخاص و سياسة الدول، فهو سلاح ذو حدين يستعمل للمصالح الخيرية كما يستعمل للشر عن طريق الجماعة الباغية. [ صفحه 259] و قد ذهب ابن‌الصباغ الي أن هذه الوشاية من جملة الأسباب التي دعت الي سجن الامام عليه‌السلام [479] .

سمو شخصية الامام

كان الامام عليه‌السلام كما هو معروف من قبل علماء عصره، من ألمع الشخصيات الاسلامية، فهو امام معصوم ابن امام معصوم، و أحد أوصياء الرسول صلي الله عليه و اله و سلم علي أمته. و قد أجمع المسلمون علي اختلاف مذاهبهم علي اكبار الامام و تقديره. فكلهم نهلوا من علومه و أخلاقه، و كلهم تمثلوا بتقواه و ورعه و كلهم أحبوه لسخائه و كرمه. حتي ان أعداءه كانوا يحترمونه و يبجلونه، و هارون الرشيد نفسه يبجله و يعتقد ضميريا بأن الامام عليه‌السلام أولي بالخلافة الاسلامية منه، كما حدث بذلك لابنه المأمون. فقد قال لندمائه: أتدرون من علمني التشيع؟ فانبروا جميعا قائلين: لا و الله ما نعلم.. فقال: علمني ذلك الرشيد. فقالوا: كيف ذلك؟ و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟! قال: كان يقتلهم علي الملك لأن الملك عقيم، ثم أخذ يحدثهم عن ذلك قائلا: لقد حججت معه سنة فلما انتهي الي المدينة قال: لا يدخل علي رجل من أهلها أو من المكيين سواء كانوا من أبناء المهاجرين و الأنصار أو من بني‌هاشم حتي يعرفني بنسبه و أسرته، فأقبلت اليه الوفود تتري و هي تعرف الحاجب بأنسابها، فيأذن لها، و كان يمنحها العطاء حسب مكانتها و منزلتها، و في ذات يوم أقبل الفضل بن الربيع حاجبه يقول له: رجل علي الباب، زعم أنه موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. فلما سمع هارون بهذا الاسم الشريف أمر جلساءه بالوقار و الهدوء، ثم قال لرئيس تشريفاته: ائذن له، و لا ينزل الا علي بساطي. و أقبل الامام عليه‌السلام و قد وصفه المأمون فقال: انه شيخ أنهكته العبادة، [ صفحه 260] و السجود يكلم وجهه. أما هارون فقام و لم يقبل الا أن ينزل الامام عن دابته علي بساطه، و نظر اليه بكل اجلال و اعظام فقبل وجهه و عينيه، و أخذ بيده حتي صيره في صدر مجلسه و الحجاب و كبار القوم محدقون به. ثم أقبل يسأله عن أحواله و يحدثه. ثم قال له: - يا أباالحسن ما عليك من العيال؟ قال الامام: يزيدون علي الخمسمائة. - أولاد كلهم؟ قال الامام عليه‌السلام: لا، أكثرهم موالي و حشمي فأما الأولاد فلي نيف و ثلاثون. ثم بين له عدد الذكور و الاناث. - لم لا تزوج النسوة من بني عمومتهن؟ قال الامام: اليد تقصر عن ذلك. - فما حال الضيعة؟ قال الامام: تعطي في وقت و تمنع في آخر. - فهل عليك دين؟ قال الامام عليه‌السلام: نعم. - كم؟ قال الامام عليه‌السلام: نحو من عشرة آلاف دينار. - يا ابن العم، أنا أعطيك من المال، ما تزوج به أولادك، و تعمر به الضياع. - قال الامام عليه‌السلام: وصلتك رحم يابن العم، و شكر الله لك هذه النية الجميلة، و الرحم ماسة واشجة، و النسب واحد، و العباس عم النبي صلي الله عليه و اله و سلم و صنو أبيه، و عم علي بن أبي‌طالب و صنو أبيه، و ما أبعدك الله من أن تفعل ذلك و قد بسط يدك، و أكرم عنصرك، و أعلي محتدك. - أفعل ذلك يا أباالحسن، و كرامة. فقال له الامام عليه‌السلام: ان الله عزوجل قد فرض علي ولاة العهد أن ينعشوا فقراء الأمة، و يقضوا علي الغارمين، و يؤدوا عن المثقل و يكسوا العاري، و أنت أولي من يفعل ذلك. - أفعل ذلك يا أباالحسن. فانصرف الامام عليه‌السلام و قام هارون فودعه و قبل وجهه و عينيه، ثم التفت الي أولاده فقال لهم: قوموا بين يدي عمكم و سيدكم، و خذوا بركابه و سووا عليه [ صفحه 261] ثيابه، و شيعوه الي منزله، فانطلقوا مع الامام بخدمته و أسر الامام عليه‌السلام الي المأمون فبشره بالخلافة و أوصاه بالاحسان الي ولده، و لما انتهوا من خدمة الامام عليه‌السلام و ايصاله الي داره. قال المأمون كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خلا المجلس قلت له: «يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل الذي عظمته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر مجلس، و جلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له»؟ قال هارون: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده. قال المأمون: يا أميرالمؤمنين أوليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟ قال هارون: أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام الحق، و الله يا بني: انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مني و من الخلق جميعا، و والله لو نازعتني أنت هذا الأمر لأخذت الذي فيه عينيك فان الملك عقيم. فيا سبحان الله عرف الحق و نطق به، ثم انحرف عنه حبا بالتملك و السلطان. اهتم هارون بدنياه و نسي أو تناسي اليوم الآخر، يوم لا ينفع لا مال و لا ولد و لا سلطان!! بقي هارون في يثرب عدة أيام، و لما أزمع علي الرحيل منها أمر للامام بصلة ضئيلة جدا قدرها مائتا دينار، و أوصي الفضل بن الربيع أن يعتذر له عند الامام. فانبري اليه ولده المأمون مستغربا من قلة صلته مع كثرة تعظيمه و تقديره الزائد له قائلا: «يا أميرالمؤمنين تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار، و سائر قريش و بني‌هاشم، و من لا يعرف نسبه خمسة آلاف دينار، و تعطي الامام موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار و هي أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟ فغضب هارون و صاح علي ابنه قائلا: «اسكت، لا أم لك، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له ما كنت آمنه أن يضرب وجهي بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه، و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم» [480] . [ صفحه 262] يتوضح من خلال هذه الرواية و غيرها اعتقاد هارون بامامة موسي عليه‌السلام و أنه خليفة الله في أرضه، و حجته علي عباده، و ان الخلافة الاسلامية من حقوقه الخاصة، و هو أولي بها منه، لكن الذي حدث عكس ذلك لأن حب الدنيا و زهوة السلطان هو الذي سلبها منه و من آبائه من قبله. فالملك عقيم، كما كشف هارون عن نفسه في حديثه مع ابنه المأمون، السبب الأساسي في حرمانه الامام الكاظم عليه‌السلام من عطائه حسب منزلته. عقدة الخوف تطارده دائما، و هي انتفاضة الامام و خروجه عليه ان تحسنت أحواله الاقتصادية. و هذا هو الحرب الذي تستعمله الدول المستعمرة مع خصومها اليوم من أجل انهاكها و اضعافها. لكن الليل سوف يزول مهما تأخر طلوع الصباح. كان الرشيد يعلم بمكانة الامام الاجتماعية، و كفاءته العلمية، و محبة الناس له، و تقديرهم لمواهبه، و هو نفسه يعتقد ان الامام وارث علوم الأنبياء، و خليفة الله الحق علي عباده، فكان يسأله دائما عما يجري من الأحداث، و الامام عليه‌السلام لم يبخل عليه بأي جواب. و قد سأله عن الأمين و المأمون، فأخبره بما يقع بينهما، فحز ذلك في نفسه، و تألم كثيرا. روي الأصمعي قال: دخلت علي الرشيد، و كنت قد غبت عنه بالبصرة حولا، فسلمت عليه بالخلافة، فأومأ لي بالجلوس قريبا منه فجلست، ثم نهضت، فأومأ لي ثانية أن أجلس فجلست حتي خف الناس، ثم قال لي: «يا أصمعي ألا تحب أن تري محمدا و عبدالله ابني؟». قلت: «بلي يا أميرالمؤمنين، اني لأحب ذلك، و ما أردت القصد الا اليهما لأسلم عليهما». أمر الرشيد باحضارهما، فأقبلا حتي وقفا علي أبيهما، و سلما عليه بالخلافة، فأومأ لهما بالجلوس، فجلس محمد عن يمينه، و عبدالله عن يساره ثم أمرني بمطارحتهما الأدب، فكنت لا ألقي عليهما شيئا في فنون الأدب الا أجابا فيه، و أصابا، فقال الرشيد: كيف تري أدبهما؟ [ صفحه 263] - يا أميرالمؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما، وجودة فهمهما، أطال الله بقاءهما و رزق الله الأمة من رأفتهما و عطفهما. فأخذهما الرشيد و ضمهما الي صدره، و سبقته عبرته فبكي حتي انحدرت دموعه علي لحيته، ثم أذن لهما في القيام فنهضا، و قال: «يا أصمعي كيف فهما اذا ظهر تعاديهما، و بدا تباغضهما، و وقع بأسهما بينهما، حتي تسفك الدماء، و يود كثير من الأحياء أنهما كانا موتي» فبهر الأصمعي من ذلك و قال له: «يا أميرالمؤمنين هذا شي‌ء قضي به المنجمون عند مولدهما، أو شي‌ء أثرته العلماء في أمرهما!!». فقال الرشيد بلهجة الواثق بما يقول: «لا، بل شي‌ء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما..». قال المأمون: كان الرشيد قد سمع جميع ما يجري بيننا من موسي بن جعفر [481] . ان علم الرشيد بسمو منزلة الامام، و بما تذهب اليه جموع المسلمين من القول بامامته هو الذي أثار غضبه، و زاد في أحقاده عليه، مما دعاه الي زجه في السجن أعواما طويلة. كان الحقد علي العلويين عامة و الامام موسي عليه‌السلام خاصة من مقومات ذات الرشيد، و من أبرز صفاته النفسية، و كان يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في مجتمعه، و لم يرق له بأي حال أن يسمع الناس يتحدثون عن أي شخص يتمتع بمكانة عليا، محاولا احتكار الذكر الحسن لنفسه و لذاته؛ لكن الليل لا يستطيع منع الفجر من الطلوع، فالفجر يطلع و الشمس تسطع بنورها الكاشف، و الجمهور يميز بين الظلام و النور.

صلابة موقف الامام

كان صلحاء الأمة يقاومون الظلم في كل عهوده و في كل ألوانه، لأن ذلك [ صفحه 264] واجب شرعي أوصي عليه الله عزوجل في كتابه، و أوصي عليه الرسول صلي الله عليه و اله و سلم في أحاديثه الشريفة، و قاومه الأئمة عليهم‌السلام كل واحد منهم حسب الظرف المناسب له. قال تعالي: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و ان الله علي نصرهم لقدير) [482] . و الامام موسي الكاظم ابن أبيه و أجداده عليهم‌السلام كان موقفه مع هارون الرشيد الطاغية الظالم موقفا سلبيا، تمثلت فيه صلابة الحق و صرامة العدل. فقد حرم علي شيعته التعاون مع السلطة الحاكمة بأي وجه من الوجوه. من ذلك ما قاله لصاحبه صفوان و كان صاحب جمال يكريها لهارون أيام حج بيت الله الحرام، أفهمه ان التعامل مع الظالمين حرام، فاضطر صفوان لبيع جماله، فعرف هارون، مما دفعه الي الحقد علي صفوان و هم بقتله. و كذلك منع الامام عليه‌السلام زياد بن أبي‌سلمة من وظيفته في بلاط هارون عملا بقول الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم، عن أبيه الصادق عن أبيه، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: من أرضي سلطانا بسخط الله خرج من دين الله» [483] . لقد شاعت في الأوساط الاسلامية فتوي الامام الكاظم بحرمة الولاية من قبل هارون الطاغية و أضرابه من الحكام الظالمين، فأوغر ذلك قلب هارون و ساءه الي أبعد الحدود، فترقب له ساعة الوقوع به. و نوجز القول: ان موقف الامام مع هارون كان موقفا صريحا واضحا، لم يصانع و لم يتسامح معه علي الاطلاق. فقد دخل عليه في بعض قصوره الأنيقة و الفريدة في جمالها في بغداد، فانبري اليه هارون و قد أسكرته نشوة الحكم قائلا: ما هذه الدار؟ فأجابه الامام عليه‌السلام غير مكترث بسلطانه و جبروته قائلا: «هذه دار الفاسقين» قال الله تعالي في كتابه العزيز: [ صفحه 265] (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروا كل آية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين) [484] . لما سمع هارون هذا الكلام سرت الرعدة في جسمه، و امتلأ قلبه غيظا فقال للامام: دار من هي؟ - هي لشيعتنا فترة، و لغيرهم فتنة. ذلك ان المؤمن كل ما يملك هو وكيل عليه يملكه فترة و يتركه لغيره هو زاهد في الدنيا، و الشيعة هم كذلك و علي رأسهم أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام الذي لقب (بأبي تراب) و خاطب الدنيا قائلا «فقد طلقتك ثلاثا فلا رجعة لك عندي». - ثم سأله هارون: ما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ - أجابه الامام: أخذت منه عامرة، و لا يأخذها الا معمورة. - أين شيعتك؟ - فتلا الامام قول الله عزوجل: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة) [485] . فثار هارون ثورة عارمة و قال بصوت يقطر غضبا: - أنحن كفار؟ - لا، و لكن كما قال الله تعالي: (ألم تر الي الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) [486] . فغضب هارون و أغلظ علي الامام عليه‌السلام في كلامه [487] . [ صفحه 266] من الواضح و المعروف مسبقا ان موقف الامام عليه‌السلام مع هارون موقف واضح و صريح لا يقبل الرد و لا يقبل المهادنة، لأن هارون مغتصب لمنصب الخلافة التي هي من حق علي بن أبي‌طالب و الأئمة المعصومين من بعده. فالعباسيون اختلسوا السلطة، و خانوا الأمانة و العهد لقد استلموا السلطة باسم العلويين، و تبنوا شعارهم، و لما جلسوا علي كرسي الحكم خانوا العهد، و اشتروا به و بأيمانهم ثمنا قليلا. قال تعالي: (ان الذين يشترون بعهد الله و ايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم) [488] . هذه هي أهم الأسباب التي دعت هارون الرشيد الي اعتقال الامام عليه‌السلام. و أيضا: قال الفضل بن الربيع: حج هارون الرشيد و ابتدأ بالطواف، و منعت ال‌عامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك اذ ابتدر اعرابي و جعل يطوف معه. فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة: فانتهره الأعرابي و قال: ان الله يساوي بين الناس في هذا الموضع فقال: (سواء العاكف فيه و الباد) [489] . فأمر الحاجب بالكف عنه. و لما فرغ الأعرابي من صلاته استدعاه الحاجب و قال له: أجب أميرالمؤمنين فقال الأعرابي: ما لي اليه حاجة فأقوم اليه، بل ان كانت الحاجة له فهو بالقيام الي أولي. قال: صدق. فمشي اليه هارون و سلم عليه، فرد عليه‌السلام، فقال هارون: اجلس يا اعرابي. فقال الأعرابي: ما الموضع لي فتستأذني فيه بالجلوس، و انما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت فاجلس، و ان احببت ان تنصرف فانصرف. [ صفحه 267] فجلس هارون و قال: ويحك يا اعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟! قال: نعم، و في مستمع. قال هارون: فاني سائلك، فان عجزت آذيتك. قال الأعرابي: سؤالك هذا سؤال متعلم، أو سؤال متعنت؟ قال هارون: بل سؤال متعلم. قال الأعرابي: اجلس مكان السائل من المسؤول و سل، و أنت مسؤول. فقال هارون: ما فرضك؟ قال الأعرابي: ان الفرض رحمك الله واحد، و خمس، و سبع عشرة، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاث و خمسون علي سبع عشرة، و من اثني عشر واحد، و من أربعين واحد، و من مائتين خمس، و من الدهر كله واحد، و واحد بواحد. فضحك الرشيد و قال: ويحك أسألك عن فرضك و أنت تعد علي الحساب؟!. قال الأعرابي: أما عملت أن الدين كله حساب، ولو لم يكن الدين كله حساب لما اتخذ الله الخلائق حسابا، ثم قرأ: (و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين) [490] . قال: هارون: فبين لي ما قلت و الا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة؟ فقال الحاجب: تهبه لله و لهذا المقام. فضحك الأعرابي من قوله. فقال هارون: مما تضحك يا اعرابي؟ قال: تعجبا منكما، اذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟. فقال هارون: فسر لنا ما قلت. قال الأعرابي: أما قولي الفرض واحد فدين الاسلام كله واحد، و عليه خمس صلوات، و هي سبعة عشر ركعة، و أربع و ثلاثون سجدة، و أربع و تسعون [ صفحه 268] تكبيرة، و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة، و أما قولي من اثني عشر واحد: فشهر رمضان من اثني عشر شهر، و اما قولي من الأربعين واحد: فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا، و أما قولي من مائتي خمسة: فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم. و أما قولي فمن الدهر كله واحد: فحجة الاسلام، و أما قولي واحد بواحد: فمن أهرق دما من غير حق، وجب اهراق دمه، قال الله تعالي: (و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الانف بالأنف و الاذن بالاذن، و السن بالسن و الجروح قصاص..) [491] . فقال الرشيد: لله درك، و أعطاه بدرة. فقال الأعرابي: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون، بالكلام أم بالمسألة؟ قال هارون: بالكلام. قال الأعرابي: فاني أسألك عن مسألة، فان أتيت بها كانت البدرة لك، تصدق بها في هذا الموضع الشريف، و ان لم تجبني عنها أضفت الي البدرة بدرة أخري لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي. فأمر هارون بايراد أخري و قال: سل عما بدا لك. فقال الأعرابي: أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها؟ فغضب هارون و قال: ويحك من يسأل عن هذه المسألة؟! فقال الأعرابي: سمعت ممن سمع من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول: من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم، و أنت امام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شي‌ء من أمر دينك و من الفرائض، الا أجبت عنها، فهل عندك جواب؟. قال هارون: رحمك الله لا، فبين لي ما قلته و خذ البدرتين. فقال الأعرابي: ان الله تعالي لما خلق الأرض خلق ديابات الأرض التي من [ صفحه 269] غير فرث و لا دم، خلقها من التراب، و جعل رزقها و عيشها منه، فاذا فارق الجنين امه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب. فقال هارون: و الله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة، و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج، فتبعه الناس و سألوا عن اسمه، فاذا هو موسي بن جعفر عليه‌السلام، فاخبر هارون بذلك فقال: و الله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة. و لكن هل سمح لهذه الشجرة أن تنمو و تعطي و تثمر ثمرا طيبا يتغذي منه جميع الناس؟! لم يكتف الحكام العباسيون بتقمصهم الخلافة، مستأثرين بها علي أهل البيت عليه‌السلام، حتي أخذوا يتبعونهم سجنا و قتلا و تشريدا. أهل العلم و الحكمة و الأخلاق باتوا قابعين في بيوتهم ليس لهم أمر و لا نهي؟ رحمك الله يا أبافراس حيث تقول: بنوعلي رعايا في ديارهم و الأمر تملكه النسوان و الخدم! لم يعبأ الأئمة عليهم‌السلام بهذه الشدة و الظلامة التي قوبلوا بها، بل استمروا علي تبليغ رسالتهم في اعلاء كلمة الله، و نشر المفاهيم الاسلامية، و محاربة التيارات الفكرية الفاسدة و الملحدة، فقد نوروا الدينا بعلومهم و معارفهم من أجل رفع راية الاسلام في العالم. و لا عجب ان كانوا كذلك، فهم أحق من غيرهم، لا بل هم المكلفون بعد الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم بالمحافظة علي السنن و الشرائع المحمدية و نشر الاسلام، اسلام المحبة و العدالة و الحرية و الأخلاق.

من ظلم هارون الي ظلام السجن

ما العلاقة بين الظلم و الظلام؟. قال علماء اللغة: - ظلم: يعني جار و جاوز الحد، و وضع الشي‌ء في غير مكانه. جاء في المثل: «من شابه أباه فما ظلم» و قالوا أيضا: «من استرعي الذئب فقد ظلم». [ صفحه 270] و هذا المثل يضرب لمن يولي غير الأمين. و يقال: ظلم فلان فلانا: غصبه حقه أو نقصه اياه. و في الحديث: لزموا الطريق فلم يظلموه. و يقال: هو ظالم. و ظلام. و هو و هي ظلوم. - و ظلم الليل: اسود فهو ظلم. و أظلم الليل اسود. و يقال: أظلم الشعر. و القوم دخلوا في الظلام. و البيت جعله مظلما. و ظالمه: مظالمة، و ظلاما: ظلمه. و تظالم القوم: ظلم بعضهم بعضا. الظلامة: ما يطلبه المظلوم. و الظلماء: الظلمة و يقال: ليلة ظلماء. و الظلمة: ذهاب النور. و المظلم: الشديد الظلمة. يقال: يوم مظلوم و أمر مظلام: لا يدري من أين يؤتي و الجمع مظالم. فالعلاقة المشتركة بين الظلام و الظلم. ظلم هارون و ظلام السجن حتي ذهاب النور، فيفقد النظر التمييز بين الاشياء، بين السقيم و السليم. و الظلم: يعني ذهاب الحق الذي يوضح الأمور، و يجلي الحقائق حتي تظهر علي حقيقتها، و لا لبس فيها. كما يعني وضع الشي‌ء في غير مكانه و المظلام هو هارون الرشيد و أشباهه من الملوك العباسيين، و من سبقهم من الأمويين. و المظلوم: هو الذي انتقص من حقه أو الذي لم يعط حقه و هو الامام موسي الكاظم عليه‌السلام و من سبقه من آبائه و أجداده الذين ضحوا بكل ما عندهم من قوي و قاوموا الظلم و الظالمين من أجل اعلاء كلمة الله عزوجل و المحافظة علي الشريعة الاسلامية، و الدفاع عن المظلوم و المستضعفين في الأرض ليبقوا أعزة كراما محترمين. قال تعالي واصفا المؤمنين: (و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون). [492] . فلنتصور هذه المكانة الرفيعة التي منحها الله عزوجل للمؤمنين فقد أعطاهم شرفا عظيما و مكانة سامية لا يرقي اليها غيرهم في المجتمع، أعطاهم العزة بعد جلالته و بعد الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم. فأهل البيت عليهم‌السلام حافظوا علي هذه العزة [ صفحه 271] و دافعوا عنها فكانوا من المؤمنين الصادقين، و العباسيون حاولوا سلب هذه العزة منهم فكانوا ظالمين منافقين. و الامام الكاظم عليه‌السلام الذي كظم غيظه سنينا طويلة من ظلم الحكام العباسيين، حافظ علي هذه العزة التي منحها رب العالمين للمؤمنين الصادقين... فانتقل عليه‌السلام من ظلم هارون الي ظلام السجون، و لعل هذه المحنة التي عاناها بعزم و صبر من أقسي المحن و أفجعها؛ ألمت به فتحملها و كظم غيظه في صدره صابرا مجاهدا في سبيل الله. لقد قضي زهرة شبابه في ظلمات السجون محجوبا عن أهله و شيعته، محروما من نشر علومه علي الناس جميعا. فكان شبيه عيسي بن مريم في تقواه و ورعه و صلاحه. جهد هارون في ظلمه، و أمعن في التنكيل به خوفا من تسلمه الخلافة، علما أن الامام عليه‌السلام لم يكن يبغي الحكم و السلطان، و لم يكن يبغي الجاه و المال، و انما كان يبغي نشر العدل و الحق بين الناس، و مقاومة ظلم أولئك الحكام و جورهم و استبدادهم بأمور المسلمين. ان تاريخ الانسانية قديما و حديثا حافل بالثورات الصاخبة التي قام بها المصلحون الاجتماعيون علي حكام الظلم و الطغيان من أجل اسعاد أبناء مجتمعهم، و انماء أوطانهم، حتي عانوا في سبيل ذلك جميع ضروب الأذي، و أنواع التنكيل و التشريد و الاضطهاد؛ و كان في طليعة هؤلاء المجاهدين و المكافحين عن كرامة المسلمين أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. فقد قدموا أروع التضحيات، و تحملوا أقسي ألوان الجهاد في سبيل الله من أجل انقاذ المسلمين من الجور العباسي، و الاستبداد السياسي الذي تمثل علي مسرح الحكام الأمويين و العباسيين. هؤلاء الحكام باعوا دينهم بدنياهم بثمن زهيد، فتلاعبوا بمقدرات المجتمع، و سلبوا أموال المسلمين و صرفوها علي الفجور و المجون، و بذلوها للعملاء الخونة الذين ساندوهم و أعانوهم علي الظلم و الجور. [ صفحه 272] و أئمة أهل البيت عليهم‌السلام باعتبارهم مسؤولين عن رعاية الدين، و حماية المسلمين، كان من واجبهم الشرعي مقاومة ذلك الحكم الجائر و مكافحة الظالمين المستبدين، فنفروا في وجه الظلم، و انقذوا المجتمع الاسلامي من الجور و الاستبداد اللذين حلا في العباد و البلاد. فقاموا بما يجب عليهم من اداء رسالتهم الانسانية بكل أمانة و اخلاص. و كان زعيم المعارضين المناضلين لسياسة هارون هو الامام موسي الكاظم عليه‌السلام. الذي قضي زمنا طويلا في السجون حتي لفظ أنفاسه الأخيرة فيها و هو شهيد غريب عاني أمر الآلام، و أدهي الخطوب.

القبض علي الامام

انتشر اسم الامام عليه‌السلام في الأقطار، و ذاع صيته في الأمصار، و تحدث الناس عن علمه و مآثره و فضله، فثقل ذلك علي هارون، و طفح قلبه غيظا منه فذهب الطاغية الي قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فسلم علي النبي مثل الزوار المؤمنين، و خاطبه قائلا: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله، اني اعتذر اليك من أمر عزمت عليه، اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر عليه‌السلام فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حربا يسفك فيها دماءهم» [493] . انه يريد أن يخلق مبررا أمام المجتمع لعمله الفظيع و يخفف ما سيواجه به من الاستياء، لا سيما من العلماء الذين سيستنكرون عمله الاجرامي. و بعد الاعتذار في اليوم الثاني أصدر الطاغية أوامره بالقاء القبض علي الامام، فجاءت الشرطة و ألقت القبض عليه و هو في طاعة الله يصلي لربه عند رأس جده النبي صلي الله عليه و اله و سلم. فقطع المجرمون الآثمون عليه صلاته و لم يمهلوه من اتمامها. لكنهم نسوا ان الله يمهل و لا يهمل. ثم حمل الامام من ذلك المكان الشريف و قيد بالحديد و قد توجه الي جده الرسول الأكرم: [ صفحه 273] «اليك أشكو يا رسول الله» [494] فأين احترام قداسة القبر الشريف، قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و أين احترام ابنائه، الأئمة المعصومين التي هي أولي بالرعاية و المحبة و المودة من كل شي‌ء؟ ثم أين احترام الصلاة التي هي أقدس عبادة في الاسلام؟ لم يحترم هارون قداسة القبر الشريف فهتك حرمته و حرمة أبنائه، و قطع صلاة الامام عليه‌السلام و أمر بتقييده، و حمل اليه في ذل القيود، و لما مثل الطاهر الكريم أمام الفاجر اللئيم أغلظ له في القول، و كان اعتقاله سنة 179 ه في شهر شوال لعشر بقين منه [495] .

في البصرة

ساروا بالامام عليه‌السلام معتقلا الي البصرة و وكل هارون حسان السروي بحراسته و المحافظة عليه [496] و قبل أن يصل الي البصرة تشرف بالمثول بين يديه عبدالله بن مرحوم الأزدي فدفع له الامام كتبا و أمره بايصالها الي ولي‌عهده الامام الرضا عليه‌السلام و عرفه بأنه الامام من بعده [497] سارت القافلة بالامام المقيد حتي وصلت الي البصرة قبل التروية بيوم [498] فاخذ حسان وكيل هارون الامام و دفعه الي عيسي بن أبي‌جعفر فسجنه في بيت من بيوت السجن، و أقفل عليه الباب، فكان لا يفتح باب السجن الا في حالتين: خروج الامام عليه‌السلام الي الطهور، أو ادخال الطعام له [499] .

احواله في السجن

تفرغ الامام عليه‌السلام للعبادة، انقطع الامام عليه‌السلام في السجن الي العبادة المطلقة، يصوم في النهار و يقوم في الليل، يقضي كل أوقاته في الصلاة و السجود و الدعاء. [ صفحه 274] لقد أدهش العقول و حير الألباب بعبادته المتواصلة، و انقطاعه الي الله عزوجل. و قد اعتبر وجوده في السجن نعمة من أعظم النعم التي منحها الله له، و ذلك لتفرغه للعبادة، فكان يشكر ربه تعالي علي ذلك و يدعو بهذا الدعاء الروحاني قائلا: «اللهم، انك تعلم اني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت فلك الحمد» [500] . يبدو لنا من هذا الدعاء رضي الامام عليه‌السلام بقضاء الله تعالي و صبره الجميل و كظمه الغيظ بانتظار الفرج ان شاء الله، كما يدل هذا الدعاء من جهة أخري علي مدي حب الامام الخالص و شوقه الزائد لعبادة الله و طاعته.

اتصال العلماء به

شاع اعتقال الامام عليه‌السلام في البصرة و جميع أنحاء البلاد، فأقبل عليه رواة الحديث بطريق خفي لينهلوا من علمه الغزير، و قد رووا عنه بعض الأحكام و العلوم و من هؤلاء ياسين الزياتي [501] . كما اتصل به كبار العلماء من البصرة و من نواح أخري فرووا عنه الشي‌ء الكثير مما يتعلق بالتشريع الاسلامي. و لا يخفي ما قلناه سابقا ان الامام عليه‌السلام دائرة معارف يغترف منها كل من أراد المعرفة.

الايعاز باغتياله

لما انتشر خبر اعتقال الامام عليه‌السلام في سجن البصرة، و تناقل الناس حديثه مقرونا بالحسرة و اللوعة و الحزن، خاف هارون من حدوث الفتن، و قيام الاضطرابات في المدينة فأوعزا الي عيسي باغتيال الامام عليه‌السلام ليستريح منه و يطمئن باله. و لكن هل يقدم عيسي علي ارتكاب مثل هذه الجريمة النكراء؟! [ صفحه 275]

طلب عيسي بالاعفاء

لما وصلت أوامر هارون لعيسي لتنفيذ الاغتيال، ثقل عليه الأمر و فكر مليا بالمصير، جمع أصحابه و خواصه و عرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب مثل هذه الجريمة التي تغضب الله و رسوله، فاستصوب رأيهم و كتب الي هارون رسالة يطلب فيها اعفاءه عن ذلك. جاء في الرسالة: «يا أميرالمؤمنين، كتبت الي في هذا الرجل، و قد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عينا عليه، لينظروا حيلته، و أمره و طويته ممن له المعرفة و الدراية، و يجري من الانسان مجري الدم، فلم يكن منه سوء قط، و لم يذكر أميرالمؤمنين الا بخير، و لم يكن عنده تطلع الي ولاية، و لا خروج و لا شي‌ء من أمر الدنيا، و لا دعا قط علي أميرالمؤمنين، و لا علي أحد من الناس، و لا يدعو الا بالمغفرة و الرحمة له و لجميع المسلمين مع ملازمته للصيام و الصلاة و العبادة، فان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من أمره، أو ينفذ من يتسلمه مني و الا سرحت سبيله، فاني منه في غاية الحرج» [502] . تدل هذه الرسالة بوضوح علي اكبار عيسي و تقديره للامام عليه‌السلام، فقد راقبه و وضع العيون عليه فلم يره الا مشغولا بذكر الله و طاعته، و لم يتعرض بذكر أحد بسوء حتي الظالمين له، لذا خاف عيسي و راقب الله. بقي في سجن عيسي سنة كاملة.

حمل الامام الي بغداد

عندما شعر هارون بعدم تنفيذ طلبه في اغتيال الامام من قبل عيسي عامله علي البصرة، خاف منه أن يطلق سراح الامام عليه‌السلام، فأمر بحمل الامام الي بغداد مقيدا بالحديد، تحف به الحرس و الشرطة. ساروا به مسرعين حتي انتهوا الي بغداد، وفورا أعلموا الرشيد بصنيعهم فأمر بحبسه عند أحد وزرائه يدعي الفضل بن الربيع. [ صفحه 276] أخذه الفضل و سجنه في بيته، هكذا كانت ارادة هارون، فلم يعتقله في السجون العامة لمكانة الامام العالية في المجتمع، و سمو شخصيته لأن الشخصيات الهامة في عهد الطاغية هارون كانت تعتقل في بيوت وزرائه و ليس في السجون العامة، فقد سجن عبدالملك بن صالح عندما غضب عليه عند الفضل بن الربيع [503] ، و كذلك سجن ابراهيم بن المهدي عند أحمد بن أبي‌خالد [504] .

انشغال الامام بالعبادة

تفرغ الامام عليه‌السلام في السجن لطاعة ربه، فقضي معظم أوقاته في الصلاة و التضرع و الابتهال الي الله، فراج الكروب و الهموم. فقد بهر الفضل بعبادته، فكان يتحدث عنها أمام زائريه بتعجب و اكبار للامام. حدث عبدالله القزويني قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح داره، فقال لي: أدن مني، فدنوت حتي حاذيته فقال لي: اشرف علي الدار، فاشرف عبدالله علي الدار فقال له الفضل - ما تري في البيت؟ - أري ثوبا مطروحا هناك. - انظر حسنا. فتأمل عبدالله مليا، فقال له: رجل ساجد. - هل تعرفه؟ - لا. فقال له: هذا مولاك. - من مولاي؟!! - تتجاهل علي؟!! - ما اتجاهل، و لكن لا أعرف لي مولي. - قال الفضل: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر. و أخذ الفضل يحدث عبدالله عن عبادة الامام و تقواه و طاعته لله فقال: «اني اتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها يصلي الفجر، فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، ثم يبتدي‌ء بالصلاة من غير أن يجدد الوضوء، [ صفحه 277] فاعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العشاء، فاذا صلي العشاء أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر فلست أدري متي يقول الغلام ان الفجر قد طلع؟ اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي...». لما رأي عبدالله الكبار الفضل للامام عليه‌السلام حذره من أن يستجيب لرغبة الرشيد باغتياله، فقال له: «اتق الله، و لا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يعفل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة». و كان الفضل مؤمنا بذلك فقال له: «قد أرسلوا الي غير مرة يأمروني بقتله، فلم أجبهم الي ذلك، و اعلمتهم أني لا أفعل، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني» [505] . و لا غرو فالامام موسي بن جعفر عليه‌السلام كان مثلا صالحا يحتذي في التقوي و الورع و الايمان بالله، فحب الله مطبوع في قلبه و مشاعره..

اشراف هارون علي الامام في سجنه

لما امتنع حراسه و وزراؤه من القدوم علي اغتياله، لم يثق بالعيون التي وضعها عليه في السجن، فأخذ يراقبه بنفسه، و يتطلع علي شؤونه خوفا من أن يتصل به أحد من الناس، فأطل من أعلي القصر علي السجن فرأي ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: - ماذاك الثوب المطروح الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! - يا أميرالمؤمنين، ماذاك ثوب، و انما هو موسي بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال. [ صفحه 278] فبهر هارون بصلابة الامام عليه‌السلام و قوة ارادته و قال للفضل: - أما هذا فانه من رهبان بني‌هاشم!! فالتفت اليه الفضل بعد ما سمع منه اعترافه بزهد الامام قائلا له: - يا أميرالمؤمنين: ما لك قد ضيقت عليه في السجن؟!! فأجابه هارون بكل لؤم و غرور قائلا: «هيهات: لابد من ذلك» [506] . هارون الطاغية كان يعلم عزوف الامام عن الدنيا، و يعلم اقبال الامام علي الله، و يعلم منزلة الامام السامية و تقدير الناس له، لكن حبه للسلطان و الدنيا أعمي بصره و بصيرته، و ملأ قلبه غيظا و حسدا له. و هذا ما دفعه الي ذلك. الحسد القاتل الذي يميت القلب و يضعف الروح و يخدر الايمان، و يعمي البصيرة عن رؤية الحق. بسم الله الرحمن الرحيم: (قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق، و من شر غاسق اذا وقب، و من شر النفاثات في العقد، و من شر حاسد اذا حسد). لم يقرأ هارون هذاه السورة و لم يعلم مضامينها؟!

مصائب و متاعب

ضاق صدر الامام من ظلمة السجن و طول المدة فيه بعد أن حجب عن عياله و أطفاله و شيعته، ينتقل من سجن الي سجن مثقلا بالحديد، و الشرطة تراقبه خوفا من اتصال أحد من شيعته به، فأحس بآلام مرهقة أحاطت به، و خطوب مريرة ثقلت عليه، و هارون ما زال علي موقفه يراقبه بحذر، و يخطط لاغتياله. فما العمل؟ لقد لجأ عليه‌السلام الي الله تبارك و تعالي في أن يخلصه من هذا الطاغية و هذه المحنة المريرة.

دعاء من القلب

سئم الامام من السجن و طالت مدة الحبس عليه، و هو رهين السجون فقام في غلس الليل و جدد طهوره و صلي لربه أربع ركعات، و أخذ يناجي الله بهذا الدعاء [ صفحه 279] الروحي الصاعد من قلب طاهر أثقلته الهموم فقال: «يا سيدي: نجني من حبس هارون و خلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل و طين، و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم، و يا مخلص روح من بين الأحشاء و الأمعاء، خلصني من يد هارون الرشيد». يرشح من هذا الدعاء المرارة التي عاناها الامام عليه‌السلام في السجن و الحزن العميق الذي رزح علي صدره خلاف هذه الفترة الطويلة لكن ارادة الله فوق كل ارادة فمنه الفرج و هو علي كل شي‌ء قدير.

اطلاق سراح الامام

قال تعالي: (و قال ربكم ادعوني أستجب لكم) [507] . الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام مؤمن طاهر و عبد صالح دعا الله عزوجل لينقذه من هذه المحنة الظالمة التي أثقلت صدره فاستجاب سبحانه لدعائه و أفرج عنه الغم الذي أصابه في سجن الطاغية هارون. فأطلق سراحه غلس الليل. و يعود السبب في ذلك الي رؤيا رآها في منامه. حدث عبدالله بن مالك الخزاعي [508] قال: أتاني رسول الرشيد في ما جاءني به قط، فانتزعني من موضعي، و منعني من تغيير ثيابي، فراعني ذلك، فلما صرت الي الدار سبقني الخادم، فعرف الرشيد خبرني، فأذن لي بالدخول، فوجدته جالسا علي فراشه فسلمت فسكت ساعة، فطار عقلي، و تضاعف جزعي، ثم قال لي: - يا عبدالله، أتدري لما طلبتك في هذا الوقت؟ - لا، والله يا أميرالمؤمنين. قال: اني رأيت الساعة في منامي كأن حبشيا قد أتاني، و معه حربة فقال: ان لم تخل عن موسي بن جعفر الساعة، و الا نحرتك بهذه الحربة، اذهب فخل عنه [509] . [ صفحه 280] و لم يطمئن عبدالله بأمر الرشيد باطلاق سراح الامام، فقال له: أطلق سراح موسي بن جعفر؟ قال له ذلك ثلاث مرات، فقال الرشيد: «نعم، امض الساعة حتي تطلق موسي بن جعفر، و اعطه ثلاثين ألف درهم، و قل له: ان أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب، و ان أحببت المضي الي المدينة فالأمر في ذلك اليك». مضي عبدالله مسرعا الي السجن يقول: لما دخلت وثب الامام عليه‌السلام قائما، و ظن أني قد أمرت فيه بمكروه، فقالت له: «قد أمرني أميرالمؤمنين باطلاقك و أن أدفع اليك ثلاثين ألف درهم، و هو يقول لك: ان أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب، و ان أحببت الانصراف فالأمر في ذلك مطلق لك، و أعطيته الثلاثين ألف درهم [510] . و قلت له: لقد رأيت من أمرك عجبا. و أخذ الامام عليه‌السلام يحدثه عن السبب في اطلاق سراحه قائلا: «بينما أنا نائم اذا أتاني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال لي: يا موسي، حبست مظلوما قل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت له بأبي أنت و أمي ما أقول فقال صلي الله عليه و اله و سلم: قل: «يا سامع كل صوت، و يا سابق الفوت، و يا كاسي العظام لحما، و منتشرها بعد الموت أسألك بأسمائك الحسني، و باسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوي علي أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصي عددا، فرج عني» فكان ما تري [511] . و فرج الله عن الامام فخلي هارون بعد رؤياه سبيله، و قد مكث في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعينها لنا التاريخ. بعد اطلاق سراحه لم يذهب الامام عليه‌السلام الي يثرب بل بقي في بغداد لم ينزح عنها و كان يدخل علي الرشيد في كل أسبوع، مرة في يوم الخميس [512] . [ صفحه 281] كان الرشيد يحتفي به كثيرا اذا رآه، و قد دخل عليه يوما، و قد استولي عليه الغضب من أجل رجل ارتكب جرما فأمر أن يضرب ثلاثة حدود فنهاه الامام عليه‌السلام عن ذلك و قال انما تغضب لله، فلا تغضب له أكثر مما غضب لنفسه» [513] .

الإذن بالرجوع الي يثرب

طلب الامام عليه‌السلام من هارون ان يسمح له بالرحيل الي يثرب، مدينة آبائه و جده صلي الله عليه و اله و سلم لرؤية عياله و أطفاله، قيل انه سمح له، و قيل انه لم يجبه قائلا له: أنظر في ذلك حتي حبسه في السجن عند السندي [514] . و أكبر الظن ان هارون فرض عليه الاقامة الجبرية في بغداد و لم يسمح له بالسفر الي وطنه. فمكث عليه‌السلام في بغداد مدة من الزمن لم يحددها لنا قسم كبير من المؤرخين. خلال هذه المدة لم يتعرض له هارون بسوء. قال السيد ميرعلي الهندي قال: «و قد حدث مرتين ان سمح هارون لهذا الامام الوديع بالرجوع الي الحجاز و لكن شكوكه كانت في كلتا المرتين تتغلب علي طيبة قلبه فيبقيه في الحبس» [515] . استمر الامام في تلك الفترة من بذل الجهود لارشاد الناس و هدايتهم الي طريق الحق و من الذين اهتدوا متأثرين بنصائحه بشر الحاني فقد تاب علي يد الامام عليه‌السلام حتي صار من عيون عباد الله الصالحين المتقين لكن التاريخ لم يذكر المدة التي خلي فيها عن سبيل الامام عليه‌السلام، فيحتمل أنها فترة قصيرة، و كل ما ذكره المؤرخون أنه عليه‌السلام انتقل من سجن الي سجن، من سجن الفضل بن الربيع الي سجن الفضل بن يحيي.. فيا سبحان الله، الي هذا الحد محبة الدنيا و عشق السلطان تعمي القلوب عن الحقيقة، و تصم الآذان عن سماع الحق؟!! فهارون لم يؤمن بكل ما رآه من الآيات و المعجزات التي ظهرت للامام عليه‌السلام فاطلق سراحه و ندم علي ذلك فأصر علي التنكيل به و كانت الجريمة. [ صفحه 282]

اعتقال الامام عند الفضل بن يحيي

مرة ثانية ألقي هارون القبض علي الامام فأمر باعتقاله عند الفضل بن يحيي، فماذا حدث له في سجنه؟ معاملة حسنة في سجن الفضل: لما رأي الفضل بن يحيي اقبال الامام عليه‌السلام علي الله سبحانه و تعالي، و انشغاله بذكره، أكبر الامام ورفه عليه و أحسن معاملته، فكان يرسل له كل يوم مائدة فاخرة من الطعام، و قد رأي عليه‌السلام من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في السجون الأخري.

الايعاز باغتياله من جديد

أوعز هارون الفضل باغتيال الامام عليه‌السلام، فخاف الفضل من الله و امتنع عن تنفيذ هذه الجريمة النكراء، و لم يلب رغبة هارون. ذلك انه كان ممن يذهب الي الامامة و يدين بها، و هذا هو السبب في اتهام البرامكة بالتشيع. قال الفضل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أقود نفسي الي النار و أحفر قبري بيدي؟! فلا يمكن أن أنفذ رغبات هارون الطاغية في قتل ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مهما كانت النتيجة.

التنكيل بالفضل

كان لهارون بعض العملاء المأجورين يراقبون و يوصلون بأخبارهم اليه، كما في عصرنا اليوم، انطلقوا اليه و أخبروه بحسن معاملة الفضل للامام عليه‌السلام و لما سمع ذلك الطاغية استشاط غضبا و أنفذ بالحال خادمه مسرور الي بغداد ليكشف له حقيقة الأمر، فان كان الأمر علي ما بلغه مضي الي العباس بن محمد و أوصله رسالة يأمره فيها بجلد الفضل بن يحيي، و كذلك أمره بالوصول الي السندي بن شاهك مدير شرطته و منفذ أوامره لينفذ ما أمر به دون أي تأخير. قدم العميل مسرور الي بغداد فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريده ثم دخل خلسة الي الامام موسي عليه‌السلام فوجده مرفها مرتاحا كما بلغ هارون [ صفحه 283] فمضي من فوره الي العباس و أمره بتنفيذ أمر الخليفة، و كذلك سار الي السندي فأمره باطاعة العباس، أرسل العباس فورا الشرطة الي الفضل فأخرجوه من داره و هو يهرول و الناس من حوله، فدخل علي العباس فأمر بتجريده، ثم ضربه مائة سوط. خرج الفضل بعد هذا الجزاء الظالم و قد انهارت قواه و دكت أعصابه متحرقا علي الامام ماذا سيحصل له. كتب مسرور الوغد الحقير الي هارون بما فعله، فأمره بنقل الامام من عند الفضل و اعتقاله في دار السندي بن شاهك. ثم جلس هارون في مجلس حافل ضم جمهورا غفيرا من الناس، فرفع صوته قائلا: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني، و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه فالعنوه. ارتفعت أصوات العملاء من جميع جنبات الحفل باللعن و السباب و الشتم علي الفضل حتي اهتزت الأرض من أصوات اللعن. و بلغ يحيي بن خالد ذلك فأسرع الي الرشيد و دخل عليه من غير الباب الذي يدخل منه الناس، و أسره قائلا: يا أميرالمؤمنين، ان الفضل حدث، و أنا أكفيك ما تريد. فسر هارون بما أخبره صنيعه الوغد و ذهب عن نفسه ما يحمله من الحقد علي الفضل، فأراد يحيي أن يستعيد كيان ولده و يرد له كرامته. فقال للرشيد: «يا أميرالمؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك اياه فشرفه بازالة ذلك» فأقبل هارون بوجهه علي الناس، و رفع عقيرته قائلا: «ان الفضل قد عصاني في شي‌ء فلعنته، و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه». ارتفعت الأصوات المأجورة ثانية من جميع جنبات الحفل و أعلنت التأييد الشامل لتلك السياسة المتقلبة و المتناقضة و هي ذات لهجة واحدة أعلنها أولئك الناس الذي يهتمون بمصالحهم الخاصة و لا يؤمنون بالقيم و لا بالمثل العليا مرددين: [ صفحه 284] «يا أميرالمؤمنين، نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت، و قد توليناه» [516] . و كما تري هكذا كانت حالة الجماهير الاسلامية في ذلك العصر قد انحرفت عن المبادي‌ء الأصيلة، و فقدت وعيها و حسها و ساعدت الطاغية علي ظلمه فأطاعته و نفذت رغباته الظالمة و الجائرة بحق امام معصوم ابن امام معصوم، شريف بري‌ء لم يقترف ذنبا و لا ارتكب خطأ، و لو كان عندهم أي شعور ديني لما سجن الامام عليه‌السلام و لما نكل به من سجن الي سجن مقيدا بالأغلال و الحديد. و يعود السبب في ذلك كله الي عبث السياسة الملتوية في الأوساط الاجتماعية و نشرها الفساد و الفجور و البؤس و الشقاء و التسيب في ربوع ذلك المجتمع حتي كان من نتائجه مواقف مذمومة لا يحمد عقباها بأي حال. كما كشفت لنا هذه البادرة مدي الحقد و الكراهية التي يكنها هارون اللعين في نفسه للامام عليه‌السلام الشريف. فقد نكل بالفضل بن يحيي و هو كان من أعز الناس عنده و أقربهم اليه، و أعلن شتمه و سبه لأنه أحسن معاملة الامام عليه‌السلام و لم يضيق عليه في السجن. علما أن المدة التي قضاها الامام عليه‌السلام في سجن الفضل قصيرة للغاية كما ذكر الرواة أياما معدودة. و نختصر فنقول: كانت أرواح الناس في العصر العباسي و دماؤهم يتصرف فيها الحكام حسب ما أرادوا، فالملك يفعل ما يريد فهو ظل الله علي الأرض لا يسأل عن ذنب و لا جرم، همه كرسي الحكم و كفي.

خاتمة المطاف

أحزان جديدة، و خطب مريع حل بسبط النبي صلي الله عليه و اله و سلم و ريحانته العطرة و وديعته في أمته، فقد سدت نوافذ الحياة عليه و حفت به المصائب و المصاعب من كل جانب، فجمع هارون الطاغية كل ما عنده من لؤم و غضب و بغض و صبها عليه دفعة واحدة؛ من تكبيل بالقيود، وزج في السجون، و مراقبة بالعيون خوفا من العطف عليه، فنكل بكل من أكرمه ورعي جانبه، حين جلد الفضل بن يحيي مائة [ صفحه 285] جلدة، و أعلن سبه و شهر به لأنه لم يضيق عليه. لقد أصبح هارون قلقا جدا من وجود الامام عليه‌السلام فذيوع فضله بين الملأ و انتشار اسمه و حديث الناس عن محنته و اضطهاده، كل ذلك أقلق مضجعه و أربك فكره، فأوعز الي كبار رجال دولته باغتياله لكنهم لم يجيبوه علي ذلك، لما رأوا للامام عليه‌السلام من كرامة و تقي و انقطاع الي عبادة الله عزوجل، فخافوا من غضب الله و رسوله عليهم و زوال نعمتهم ان تعرضوا له بمكروه. استمر هارون في التفتيش عن مثل هؤلاء الأوغاد الذين يبيعون آخرتهم بدنياهم فلم يجد سوي السندي بن شاهك [517] الأثيم اللعين الذي لا يرجو لله وقارا، و لا يؤمن بالآخرة، فنقله الي سجنه، و أمره بالتضييق عليه. فاستجاب الأثيم لذلك، حيث عامل الامام بكل قسوة، و الامام صابر محتسب، قد كظم غيظه، و أوكل أمره الي الله. انها المحنة الكبري قد مني بها الامام عليه‌السلام حينما نقل الي سجن السندي بن شاهك، الذي بالغ في أذاه و التضييق عليه، و التنكيل به في مأكله و مشربه و تكبيله بالقيود، كل ذلك ليرضي هارون و يتقرب منه من أجل دنياه. و سوف نعرض لهذا الدور الرهيب، آخر أدوار حياة الامام الكاظم المظلوم، و نذكر بعض شؤونه الأخري كأوقافه و وصاياه و غيرها من الأمور. [ صفحه 286]

مكان السجن

سجن عليه‌السلام في السجن المعروف بدار المسيب الواقع قرب باب الكوفة [518] و فيه كانت وفاته عليه‌السلام [519] .

التضييق علي الامام

أمر هارون الطاغية جلاده السندي الباغي ان يضيق علي الامام، و أن يقيده بثلاثين رطلا من الحديد، و يقفل الباب في وجهه، و لا يدعه يخرج الا للوضوء. و امتثل السندي لأوامر معلمه، فعمل علي التضييق علي الامام، و وكل علي مراقبته مولاه بشارا، و كان من أشد الناس بغضا لآل أبي‌طالب و لكنه لم يلبث أن تغير حاله، و تاب الي طريق الحق، لما رآه من كرامات الامام عليه‌السلام و معاجزه، و قام ببعض الخدمات له [520] . لم يرع السندي حرمة الامام عليه‌السلام و تعرض لاساءته، فقد حدث أبوالأزهر ابن ناصح البرجي قال: اجتمعت مع ابن‌السكيت [521] في مسجد يقع بالقرب من دار السندي، فدارت [ صفحه 287] بيننا مذاكرة في علم العربية، و كان في الجامع رجل لا نعرفه فالتفت الينا قائلا: «يا هؤلاء، أنتم الي اقامة دينكم أحوج منكم الي اقامة ألسنتكم». و أخذ الرجل يدلي علينا بالأدلة الوافرة علي ضرورة الامامة، ثم قال: - ليس بينكم، و بين امام العصر غير هذا الجدار - و أشار الي جدار السندي. - لعلك تعني هذا المحبوس؟ - نعم. يقول أبوالأزهر فعرفنا الرجل من الشيعة، و انه يذهب الي الامامة فقلنا له: قد سترنا عليك، و طلبنا منه أن يذهب عنا لئلا نبتلي بسببه فانبري الرجل لنا و قال: «و الله لا يفعلون ذلك أبدا، و الله ما قلت لكم الا بأمره، و انه ليرانا و يسمع كلامنا، و لو شاء ان يكون ثالثنا لكان». يقول أبوالأزهر: و في أثناء الحديث دخل علينا رجل من باب المسجد تكاد العقول أن تذهب لهيبته و وقاره، فعلمنا انه الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام فبادرنا قائلا: أنا ذلك الرجل الذي حدثكم عني صاحبي، و في الوقت أقبل السندي و معه جماعة من شرطته فقال للامام بغير حياء و لا خجل: «يا ويحك كم تخرج بسحرك و حيلتك من وراء الأبواب و الأغلاق فلو كنت هربت كان أحب الي من وقوفك ههنا أتريد يا موسي أن يقتلني الخليفة؟». فقال له الامام عليه‌السلام و التأثر باد عليه: «كيف أهرب، و كرامتي - أي نيلي الشهادة - علي أيديكم». [ صفحه 288] ثم أخذ بيد الامام عليه‌السلام و أودعه السجن. هكذا كانت حالة الامام عليه‌السلام يساء اليه و يضيق عليه و هو صابر محتسب قد كظم غيظه، و بث همومه و أشجانه الي الله تعالي.

تفرغ الامام للعبادة من جديد

اعتاد الامام عليه‌السلام علي عذاب السجون من قبل الحكام الظالمين الطغاة، فأقبل علي العبادة، يصوم في النهار، و يقوم في الليل، و يقضي أكثر أوقاته بالسجود و العبادة، لا يفتر لسانه عن ذكر الله. حتي أن أخت السندي لما رأت اقبال الامام عليه‌السلام علي الطاعة الخالصة و العبادة المستمرة أثر ذلك في نفسها، و أصبحت من الصالحات، و عند ذلك دبت الرأفة في قلبها و أخذت تعطف علي الامام عليه‌السلام و تقوم بخدمته دون علم أخيها و كانت اذا نظرت اليه أرسلت الدموع مدرارا من عينيها و تقول: «خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل» [522] .

اتصال العلماء بالامام

الامام الكاظم عليه‌السلام ذلك الينبوع الغزير و المنهل الذي لا ينضب ماؤه كان مقصد العلماء و الرواة و المحدثين، اتصلوا به من طريق خفي فنهلوا من نمير علومه، من هؤلاء نذكر موسي بن ابراهيم المروزي، و قد سمح له السندي بذلك لأنه كان معلما لولده، و قد ألف المروزي كتابا مما سمعه من الامام عليه‌السلام. و اتصل به هند بن الحجاج و غيره من قادة الفكر الاسلامي، كما دخل عليه في غلس الليل أبويوسف و محمد بن الحسن [523] و قد أراد اختباره في بعض المسائل المهمة [ صفحه 289] ليطلعا علي مدي علمه و لما استقر بهما المجلس جاء الي الامام عليه‌السلام أحد الموظفين في السجن فقال له: ان نوبتي قد فرغت و أريد الانصراف، فان كانت لك حاجة فامرني أن آتيك بها غدا، فقال عليه‌السلام: ليس لي حاجة انصرف. فلما انصرف، التفت عليه‌السلام الي أبي‌يوسف و صاحبيه فقال لهما: «اني لأعجب من هذا الرجل يسألني أن أكلفه حاجة يأتيني بها غدا اذا جاء و هو ميت في هذه الليلة» فأمسكا عن سؤاله، و قاما، و قد استولي عليهما الذهول و جعل كل واحد منهما يقول لصاحبه: أردنا أن نسأله عن الفرض، و السنة، فأخذ يتكلم معنا في علم الغيب!! و الله لنرسلن خلف الرجل من يبيت علي باب داره لينظر ماذا يكون من أمره؟ و أرسلا في الوقت شخصا فجلس علي باب دار الرجل يراقبه فلما استقر في مكانه سمع الصراخ و العويل قد علا من الدار، فسأل عن الحادث فأخبر بأن الرجل قد توفي، فقام مبادرا و أخبرهما بالأمر، متعجبا من علم الامام عليه‌السلام. و قد روي هذه القصة العديد من رواة الأثر [524] و ان دلت هذه الرواية علي شي‌ء فانها تدل علي علم الامام بالمغيبات، و انكشاف الحجاب له و هذا ما تعتقده الشيعة في الامام فهو يري بعين الله تعالي. ان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قد أخبروا بالملاحم و الأمور الغيبية التي تحققت [ صفحه 290] كلها، فهم بلا ريب و لا شك ورثة علم النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم قد ألهمهم عزوجل جميع أنواع العلوم، و أطلعهم علي خفايا الأمور.

ارسال الفتاوي الي الامام

كانت بعض الأقاليم الاسلامية التي تدين بالامامة ترسل عنها مبعوثا خاصا الي الامام عليه‌السلام حينما كان في سجن السندي، فتزوده بالرسائل و الفتاوي فيجيبهم عليه‌السلام عنها، و ممن جاءه علي بن سويد، اتصل بالامام عليه‌السلام و سلم اليه الكتب و الفتاوي، فأجابه عليه‌السلام عنها.

تعيين وكلاء الامام

عين الامام عليه‌السلام جماعة من طلابه و أصحابه الذين يثق بهم و جعلهم وكلاء له في بعض المناطق الاسلامية، ثم أومأ لشيعته بالرجوع اليهم لأخذ الأحكام الدينية منهم، كما أذن لهم في أخذ الحقوق الشرعية، لصرفها في مواضعها الشرعية علي الفقراء و البائسين من الشيعة و انفاقها في وجه البر و الخير. فقد نصب المفضل بن عمر [525] وكيلا له في قبض الحقوق و أذن له في صرفها علي مستحقيها.

تعيين ولي‌عهده

نصب الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام من بعده ولده الامام الرضا عليه‌السلام فجعله علما لشيعته، و مرجعا لأمة جده صلي الله عليه و اله و سلم، فقد حدث الحسين بن المختار قال: لما كان الامام الكاظم عليه‌السلام في السجن خرجت لنا ألواح من عنده و قد كتب فيها «عهدي الي أكبر ولدي» [526] . [ صفحه 291] علما أنه عين ولده الرضا عليه‌السلام من بعده و ذلك قبل أن يعتقله الطاغية هارون، و قلده منصب الامامة، و دل عليه الخواص من شيعته، فقد روي محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام قال: دعانا أبوابراهيم و نحن سبعة عشر من ولد علي و فاطمة، فأشهدنا لعلي ابنه بالوصية و الوكالة في حياته و بعد موته. لقد بين عليه‌السلام الحجة من بعده، و لم يهمل أمر الامامة لأن هذا واجب شرعي لكل امام، و لا يجوز أن تترك الأمة بدون امام. و بذلك يكون قد هدي شيعته الي طريق الحق و الصواب. و قد جاء في حديث معروف عن الرسول الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم بما معناه: «من مات و لم يعرف امام زمانه مات موتة جاهلية».

وصية الامام الكاظم

أوصي الامام الكاظم عليه‌السلام ولده الامام الرضا عليه‌السلام و عهد اليه بالأمر من بعده و قد أوصاه بوصية تتضمن ولايته علي صدقاته، و نيابته عنه في شؤونه الخاصة و العامة. و قد أشهد عليها جماعة من المؤمنين الأعلام، و قبل أن يدلي بها و يسجلها أمر باحضار الشهود و هم: ابراهيم بن محمد الجعفري، و اسحاق بن محمد الجعفري، و اسحاق بن جعفر بن محمد، و جعفر بن صالح، و محمد الجعفري، و يحيي بن الحسين بن زيد، و سعد بن عمران الأنصاري و محمد بن الحارث الأنصاري، و يزيد بن سليط الأنصاري، و محمد بن جعفر بن سعد الأسلمي - و هو كاتب الوصية - و لما حضر هؤلاء شرع بذكر وصيته، و هذا نصها: «ان موسي يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله، و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث من في القبور، و ان البعث من بعد الموت حق، و ان الوعد حق، و ان الحساب حق، و القضاء حق، و ان الوقوف بين يدي الله حق، و ان ما جاء به محمد صلي الله عليه و اله و سلم حق، و ان ما أنزل به الروح الأمين حق، علي ذلك أحيي و عليه أموت، و عليه أبعث ان شاء الله، و أشهدهم ان هذه وصيتي بخطي، و قد نسخت وصية جدي أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و وصية محمد بن علي قبل ذلك نسختها حرفا بحرف، و وصية جعفر [ صفحه 292] بن محمد، علي مثل ذلك، و اني قد أوصيت بها الي علي و بني بعده معه ان شاء و آنس منهم رشدا، و أحب أن يقرهم فذاك له، و لا أمر لهم معه، و أوصيت اليه بصدقاتي و أموالي و موالي و صبياني الذين خلفت و ولدي الي ابراهيم و العباس و قاسم و اسماعيل و أحمد و أم‌أحمد، و الي علي أمر نسائي دونهم، و ثلث صدقة أبي و ثلثي يضعه حيث يري، و يجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فان أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها علي من سميت له و علي غير من سميت فذاك له، و هو أنا في وصيتي في مالي، و في أهلي و ولدي و ان يري أن يقر اخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم، و ان كره فله أن يخرجهم غير مثرب [527] عليه، و لا مردود، فان آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له، و ان أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها الا باذنه و أمره فانه أعرف بمناكح قومه، و أي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شي‌ء أو حال بينه و بين شي‌ء مما ذكرت فهو من الله و من رسوله بري‌ء، و الله و رسوله منه براء، و عليه لعنة الله و غضبه و لعنة اللاعنين و الملائكة المقربين و النبيين و المرسلين و جماعة المؤمنين، و ليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شي‌ء، و ليس لي عنده تبعة، و لا تباعة، و لا لأحد من ولدي و له قبلي مال، فهو مصدق فيما ذكر، فان أقل فهو أعلم، و ان أكثر فهو الصادق كذلك، و انما أردت بادخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم، و التشريف لهم، و أمهات أولادي من أقامت منهن في منزلها و حجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي، ان رأي ذلك. و من خرجت منهن الي زوج فليس لها أن ترجع الي محواي [528] الا أن يري علي غير ذلك، و بناتي بمثل ذلك، و لا يزوج بناتي أحد من اخوتهن، من أمهاتهن، و لا سلطان و لا عم الا برأيه و مشورته، فان فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله و رسوله، و جاهدوا في ملكه، و هو أعرف بمناكح قومه، فان أراد أن يزوج زوج و ان أراد أن يترك ترك، و قد أوصيتهن بما ذكرت في كتابي هذا، و جعلت الله عزوجل عليهن شهيدا، و هو و أم‌أحمد شاهدان و ليس لأحد أن يكشف وصيتي، و لا ينشرها، و هو منها علي غير ما ذكرت [ صفحه 293] و سميت، فمن أساء فعليه، و من أحسن فلنفسه، و ما ربك بظلام للعبيد، و صلي الله علي محمد و علي آله، و ليس لأحد من سلطان و لا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله و غضبه و لعنة اللاعنين، و الملائكة المقربين، و جماعة المرسلين و المؤمنين، و علي من فض كتابي هذا» [529] . و وقع عليه‌السلام الوصية و ختمها، و كذلك وقع عليها الشهود السالفة أسماؤهم. و واضح ان وصيه و الحجة من بعده ولده الامام الرضا عليه‌السلام فقد فوض اليه جميع شؤونه، و ألزم أبناءه باتباعه و الانصياع لأوامره. كما أمر عليه‌السلام أن يكون زواج كريماته بيد الامام الرضا عليه‌السلام و تحت مشورته و رأيه فانه أعرف بمناكح قومه من غيره فانهن ودائع رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و كريماته فينبغي أن لا يتزوجن الا بمؤمن تقي يعرف مكانتهن و يقدر منزلتهن و لا يعرف الكفؤ لهن الا ولده الرضا. و أكبر الظن أنه انما أمر باخفاء وصيته و عدم ذيوعها خوفا علي ولده من السلطة العباسية التي لم تقصر أبدا في محاربة أهل البيت عليهم‌السلام لذلك أراد اخفاءها خوفا من نقمتهم عليه و تنكيلهم به.

اوقافه و صدقاته

تصدق الامام عليه‌السلام ببعض أراضيه علي أولاده و سجل ذلك في وثيقة، و ألزم أبناءه بتنفيذ مضامينها، و العمل علي وقفها، و هذا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به موسي بن جعفر بأرضه مكان كذا و كذا - و قد عين ذلك - كلها: نخلها و أرضها و ماؤها و أرجاؤها و حقوقها و شربها من الماء و كل حق هو لها في مرفع [530] أو مطهر [531] أو عيص [532] أو مرفق أو ساحة أو مسيل أو عامر أو غامر [533] تصدق بجميع حقه من ذلك علي ولده من صلبه الرجال [ صفحه 294] و النساء يقسم و اليها ما أخرج الله عزوجل من غلتها بعد الذي يكفيها من عمارتها و مرافقها و بعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين أهل القرية، بين ولد موسي بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين، فان تزوجت امرأة من ولد موسي بن جعفر فلا حق لها في هذه الصدقة حتي ترجع اليها بغير زوج، فان رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسي، و من توفي من ولد موسي و له ولد فولده علي سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين علي مثل ما شرط موسي بين ولده من صلبه. و من توفي من ولده موسي و لم يترك ولدا رد حقه علي أهل الصدقة و ليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق الا أن يكون آباؤهم من ولدي، و ليس لأحد في صدقتي حق مع ولدي و ولد ولدي و أعقابهم ما بقي منهم أحد، فان انقرضوا و لم يبق منهم أحد فصدقتي علي ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد، ما شرطت بين ولدي و عقبي، فان انقرض ولد أبي من أمي و أولادهم فصدقتي علي ولد أبي و أعقابهم ما بقي منهم أحد فان لم يبق منهم أحد فصدقتي علي الأولي فالأولي حتي يرث الله الذي يرثها و هو خير الوارثين. تصدق الامام موسي بن جعفر بصدقته هذه و هو صحيح، صدقة حبيسا بتا لا مثنوية فيها [534] ، و لا ردا أبدا ابتغاء وجه الله تعالي و الدار الآخرة و لا يحل لمؤمن يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو ينحلها أو يغير شيئا مما وضعتها عليه حتي يرث الله الأرض و من عليها و جعل صدقته هذه الي علي و ابراهيم فان انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي في مكانه، فان انقرض أحدهما دخل اسماعيل مع الباقي منهما، فان انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فان انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه فان لم يبق من ولدي الا واحد فهو الذي يقوم به..» [535] . هذا الوقف الذري هو بعض ميراثه و خيراته، و قد خص به أبناءه و ذريته لأجل أن تقوم تلك الغلة بشؤونهم و تغنيهم عما في أيدي الناس. [ صفحه 295]

ترفع الامام من المطالبة بإطلاق سراحه

مكث الامام عليه‌السلام زمنا طويلا في سجن هارون، فطلب منه جماعته من شيعته الخاصة أن يتصل مع بعض الشخصيات المقربة عند هارون ليتوسطوا في اطلاق سراحه، فترفع و امتنع عن ذلك و قال لهم: «حدثني أبي عن آبائه ان الله جل و علا أوصي الي داود أنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني و عرفت ذلك منه الا قطعت عنه أسباب السماء، و أسخت الأرض من تحته» [536] . تدل هذه البادرة من الامام المعصوم عليه‌السلام علي مدي ايمانه بالله سبحانه و تعالي، و انقطاعه اليه، و رضائه بقضائه، و ترفعه من سؤال أي أحد من المخلوقين. لقد تذكر عليه‌السلام قول جده الرسول الأكرم عندما قال: «اللهم اكفنا ذل السؤال» و قوله صلي الله عليه و اله و سلم: «اليد العليا خير من اليد السفلي» و ما حدث مع الامام عليه‌السلام عكس ما طلب منه لقد أرسل كتابا الي هارون و هو في السجن يعبر فيه عن سخطه.

كتابه لهارون

أرسل الامام عليه‌السلام و هو في السجن رسالة لهارون الطاغية أعرب فيها عن سخطه البالغ عليه، قال فيها: «انه لن ينقضي عني يوم من البلاء حتي ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتي نفني جميعا الي يوم ليس له انقضاء و هناك يخسر المبطلون» [537] . في هذه الحياة تحمل الامام عليه‌السلام الآلام المبرحة و الجزع الدائم من السجن لكنه سوف ينتظر اليوم العظيم الذي سيحاكم فيه خصمه الطاغية عند الله، يوم يخسر فيه المبطلون و الظالمون. [ صفحه 296]

اغراء و فتنة

أرسل هارون الي الامام في سجنه جارية بارعة في الجمال، بيد أحد خواصه لتتولي خدمته، عل الامام يفتتن بحسنها في اعتقاد هارون. فلما وصلت اليه قال عليه‌السلام لمبعوث هارون: «قل لهارون: بل أنتم بهديتكم تفرحون [538] ، لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها» فرجع الخادم و معه الجارية و أبلغ هارون قول الامام فغضب غضبا شديدا و قال للخادم: ارجع اليه و قل له: ليس برضاك حبسناك، و لا برضاك أخدمناك، و اترك الجارية عنده و انصرف». رجع رسول هارون و ترك الجارية الحسناء عند الامام، و أبلغه بمقالته ثم أنفذ هارون خادما الي السجن ليراقب و يتفحص حال الجارية. فلما انتهي اليها رآها ساجدة لا ترفع رأسها و هي تقول: «قدوس، قدوس» فمضي الخادم مسرعا و أخبر هارون بحالها فقال: سحرها و الله موسي بن جعفر علي بها!!». فجي‌ء بها اليه، و هي ترتعد خوفا فشخصت ببصرها نحو السماء و هي تذكر الله و تمجده، فقال لها هارون: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع، اني كنت عنده واقفة، و هو قائم يصلي ليله و نهاره، فلما انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أعطيكها؟ فقال عليه‌السلام: و ما حاجتي اليك؟ قلت: اني أدخلت عليك لحوائجك. قال الامام عليه‌السلام: فما بال هؤلاء - و أشار بيده الي جهة - فالتفت، فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، و لا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، و عليها وصائف و وصايف لم أر مثل وجوههم حسنا، و لا مثل لباسهم لباسا، عليها الحرير الأخضر، و الأكاليل و الدر و الياقوت و في أيديهم الأباريق [ صفحه 297] و المناديل، و من كل الطعام فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت، فقال لها هارون و الحقد يتطاير من عينيه لأن مؤامرته باءت بالفشل فقال: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك. فقالت: لا و الله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت هارون الي خادمه، و أمره باعتقال الجارية، ليخفي الحادث تماما، لئلا يسمعه النسا. فأخذها الخادم، و اعتقلها عنده، فأقبلت علي العبادة و الصلاة، فاذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، و قالت اني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة، ابعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه فنحن له دونك، و بقيت عاكفة علي العبادة حتي لحقت بالرفيق الأعلي [539] . تبارك الله بهذا الامام العظيم الذي يغير أسماء الأشياء من قبيح الي جميع و من سيي‌ء الي حسن و من شرير الي صالح و من كافر الي مؤمن، كل ذلك بعمق ايمانه و لطف محبته و سمو أخلاقه و غزارة علمه فكانت له تلك الكرامات بين الناس جميعا. فحارسه انقلب الي صديق و الجارية الخليعة انقلبت الي مؤمنة صالحة. لكن هارون الطاغية، هارون اللئيم، هارون العنيد ألم يشاهد أنواع هذه الكرامات للامام عليه‌السلام؟ فلماذا لم يؤمن بها؟ و لماذا زاغ قلبه؟ و لما استولت علي نفسه دكنة قاتمة أنسته ذكر الله و اليوم الآخر؟ كل ذلك حب الجاه و السلطان، حب المال و الدنيا الفانية!!

محاولة اغتيال فاشلة

تحدث الناس في مناقب الامام عليه‌السلام و انتشرت فضائله بين الجموع و أصبح أحدوثة العصر بعلمه و حلمه، و صبره و بلواه، ضاق صدر هارون من ذلك و عقد العزم علي اغتيال الامام المظلوم ثانية فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ اناء و وضع فيه عشرين رطبة، و أخذ سلكا فعركه في السم و أدخله في سم الخياط. و أخذ رطبة من ذلك الرطب فوضع فيها ذلك السلك و أخرجه منها حتي تكللت بالسم،و وضعها [ صفحه 298] مع ذلك الرطب و قال لخادمه: احمله الي موسي بن جعفر، و قل له: ان أميرالمؤمنين أكل من ذلك الرطب، و هو يقسم عليك بحقه لما أكلته عن آخره، فاني اخترتها لك بيدي، و لا تتركه يبقي منها شيئا و لا يطعم منها أحدا. فحمل الخادم الرطب و جاء به الي الامام، و أبلغه برسالة هارون. فأمره عليه‌السلام أن يأتيه بخلال، فجاء به اليه، و قام بازائه فأخذ الامام يأكل من الرطب، و كانت لهارون كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها و خرجت تجر سلاسلها الذهبية حتي حاذت الامام عليه‌السلام فبادر بالخلال الي الرطبة المسمومة و رمي بها الي الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض و ماتت للحال، و أكمل الامام في أكل باقي الرطب. و الخادم ينظر اليه مشدوها، حمل الاناء الي هارون فلما رآه بادره قائلا: - قد أكل الرطب عن آخره؟ - نعم يا أميرالمؤمنين. - كيف رأيته؟ - ما انكرت منه شيئا، ثم قص عليه حديث الكلبة و طريقة موتها فقام هارون بنفسه ليشرف عليها، لأنها عزيزة علي قلبه كثيرا، فرآها اهترأت أمعاؤها و تقطعت من السم فوقف مذهولا و قد سرت الرعدة بأوصاله و الشرر ينزف من عينيه و قال: «ما ربحنا من موسي الا أن أطعمناه جيد الرطب و ضيعنا سمنا و قتلنا كلبتنا ما في موسي حيلة» [540] . لقد فشل في مشروعه الخسيس و لم تنجح محاولته في اغتيال الامام عليه‌السلام و الله سبحانه و تعالي قد أنقذه منه و صرف عنه السوء. و لا ندري من أين تعلم طريقة الاغتيال بالسم؟ فيجوز أنه اطلع علي تاريخ معاوية بن أبي‌سفيان و استعماله السم في اغتيال الأئمة عليهم‌السلام و هو القائل: «ان لله جنودا من عسل» [541] .

وساطة فاشلة عن نفس علوية أبية

لقد احتار هارون في أمره فكل وسيلة سلكها للقضاء علي الامام عليه‌السلام تبوء بالفشل، فاستدعي وزيره يحيي بن خالد بعد أن انتشرت معاجز الامام و مناقبه [ صفحه 299] و تحدث الناس عن مناقبه و كراماته، فقال له: «يا أباعلي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا يريحنا من غمه». فأشار عليه يحيي بالصواب و أرشده اي الخير فقال له: «الذي أراه لك يا أميرالمؤمنين أن تمن عليه و تصل رحمه فقد و الله أفسد علينا قلوب شيعته». فاستجاب هارون لنصيحة وزيره و قال له: انطلق اليه و انزع عند الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عملك: انه قد سبق مني فيك يمين اني لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة، و هذا يحيي بن خالد ثقفي و وزيري و صاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني». أراد هارون أن يأخذ من الامام اعترافا بالذنب و الاساءة ليصدر مرسوما ملكيا بالعفو عنه، فيكون قد اتخذ بذلك وسيلة الي التشهير بالامام من جهة، و من جهة ثانية يكون له مبررا في الوقت نفسه علي سجنه له. لم يخف علي الامام عليه‌السلام ذلك، فلما مثل يحيي أخبره بمقالة هارون انبري اليه الامام عليه‌السلام و قال له: «سأخبرك بما سيجري عليك و علي أسرتك من زوال النعمة علي يد هارون، و شدة النقمة، فأحذرك من بطشه و من الغدر بك فجأة، ثم رد علي مقالة هارون فقال ليحيي: «يا أباعلي، أبلغه عني، يقول لك موسي بن جعفر يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما تري - أي بموته - و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه؟». خرج يحيي و هو لا يبصر طريقه من الحزن و الجزع فأخذ يبكي لما رأي الامام عليه‌السلام ابن بنت رسول الله بتلك الحالة، فأخبر هارون بمقالته، فقال الطاغية مستهزئا ساخرا: [ صفحه 300] «ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا!». و لم يمض اسبوع حتي التحق الامام عليه‌السلام بالرفيع الأعلي كما أخبر [542] .

الامام موسي الكاظم ينعي نفسه

علم الامام المعصوم موسي بن جعفر ان لقاءه بربه أصبح قريبا، فنعي نفسه لبعض شيعته الخاصة، و عزاهم بمصيبته بدل أن يعزوه، فأوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقي من آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم و ذلك في جوابه عن المسائل التي بعثها اليه علي بن سويد [543] حينما كان في السجن، فيها بعض المسائل يسأله عنها، فأجابه عليه‌السلام بهذا الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله العلي العظيم الذي بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين، و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون، و بعظمته و نوره ابتغي من في السماوات و الأرض اليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، و الأديان المتضادة، فمصيب و مخطي‌ء و ضال و مهتدي، و سميع و أصم، و بصير و أعمي فالحمد لله الذي عرف و وصف دينه بمحمد صلي الله عليه و اله و سلم. أما بعد؛ فانك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، و حفظ مودة ما استرعاك من دينه، و ما ألهمك من رشدك، و بصرك من أمر دينك بتفضيلك اياهم، و بردك الأمور اليهم؛ كتبت الي تسألني عن أمور كنت منها في تقية، و من كتمانها في سعة، فلما انقضي سلطان الجبابرة و جاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة الي أهلها العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة علي ضعاف شيعتنا من قبل حبها لهم، فاتق الله عز ذكره، و خص بذلك الأمر أهله، و احذر ان تكون سبب بلية علي الأوصياء أو حارشا عليهم [544] بافشاء ما استودعتك، و اظهار ما استكتمتك و ان تفعل ان شاء الله. [ صفحه 301] ان أول ما أنهي اليك اني أنعي اليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع و لا نادم و لا شاك فيما هو كائن مما قد قضي الله عزوجل و ختم، فاستمسك بعروة الدين، آل محمد و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي، و المسالمة لهم، و الرضا بما قالوا: و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك، و لا تحبن دينهم، فانهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله، و خانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟ ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه، و دلوا علي ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم «فأذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون» [545] و سألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه علي الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و في سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حملاه اياه كرها فوق رقبته الي منازلهما فلما أحرزاه توليا انفاقه أيبلغان بذلك كفرا؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا علي الله عزوجل كلامه، و هزئا برسوله صلي الله عليه و اله و سلم و هما الكافران عليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، و الله ما دخل قلب أحد منهما شي‌ء من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما، و ما زادا الا شكا، كانا خداعين مرتابين منافقين حتي توفتهما ملائكة العذاب الي محل الخزي في دار المقام. و سألت عمن حضر ذلك الرجل و هو يغصب ماله و يوضع علي رقبته منهم عارف و منكر فأولئك أهل الردة الأولي من هذه الأمة فعليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. و سألت عن مبلغ علمنا، و هو علي ثلاثة وجوه: ماض و غابر و حادث، فأما الماضي فمفسر و أما الغابر فمزبور، و أما الحادث فقذف في القلوب، و نقر في الأسماع، و هو أفضل علمنا، و لا نبي بعد نبينا محمد صلي الله عليه و اله و سلم. و سألت عن أمهات أولادهم و عن نكاحهم و عن طلاقهم، فأما أمهات أولادهم فهن عواهر الي يوم القيامة نكاح بغير ولي، و طلاق في غير عدة. و أما من دخل في دعوتنا فقد هدم ايمانه ضلاله و يقينه شكه، و سألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فأنتم أحق به [ صفحه 302] لأنا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم و أين كان. و سألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع اليه حجة، و لم يعرف الاختلاف، فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف. و سألت عن الشهادة لهم، فأقم الشهادة لله عزوجل و لو علي نفسك و الوالدين و الأقربين فيما بينك و بينهم، فان خفت علي أخيك ضيما فلا وادع الي شرائط الله عز ذكره من رجوت اجابته و لا تحصن بحصن رياء. و وال آل محمد و لا تقل لما بلغك عنا و نسب الينا هذا باطلا و ان كنت تعرف منا خلافه، فانك لا تدري لما قلناه، و علي أي وجه وضعناه آمن بما أخبرك، و لا تفش بما استكتمناك من خبرك، ان من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه و آخرته، و لا تحقد عليه و ان أساء، و أجب دعوته اذا دعاك و لا تخل بينه و بين عدوه من الناس و ان كان أقرب اليه منك، و عده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمن الغش و لا الأذي، و لا الخيانة و لا الكبر و الخنا [546] و لا الفحش و لا الأمر به، فاذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك و لشيعتك المؤمنين، و اذا انكسفت الشمس فارفع بصرك الي السماء و انظر ما فعل الله بالمجرمين، فقد فسرت لك جملا مجملا، و صلي الله علي محمد و آله الأخيار..» [547] .

كرامة أخري من كرامات امام معصوم: مع المسيب بن زهرة

كان المسيب بن زهرة موكلا بحراسة الامام عليه‌السلام حيث نقل من حبس السندي الي داره علي ما يستفاد من بعض المصادر، و كان الرجل من دعاة الدولة العباسية الأشداء، فقد ولي شرطة بغداد أيام المنصور و المهدي و الرشيد، كما ولي خراسان أيام المهدي [548] و كان علي جانب من الغلاظة و الشدة، فكان أبوجعفر المنصور اذا أراد بأحد خيرا أمر بتسليمه الي الربيع، و اذا أراد برجل شرا أمر [ صفحه 303] بتسليمه الي المسيب [549] و لما سجن الامام عنده أو وكل بحسبه اثر عليه الامام و سيطر علي مشاعره، فاهتدي الي طريق الحق و الصواب، و أصبح من الشيعة المخلصين و من حملة أسرار الأئمة عليهم‌السلام [550] و قد استدعاه الامام قبل وفاته بثلاثة أيام فلما مثل عنده قال له: يا مسيب. - لبيك يا مولاي. - اني ظاعن في هذه الليلة الي المدينة، مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لأعهد الي ابني علي ما عهده الي آبائي، و أجعله وصيي و خليفتي، و آمره بأمري. - يا مولاي، كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و أقفالها و الحرس معي علي الأبواب؟؟!. - يا مسيب ضعف يقينك في الله عزوجل و فينا؟ - لا، يا سيدي ادع الله أن يثبتني. - اللهم، ثبته، ثم قال: ادعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعا به آصف حين جاء بسرير بلقيس فوضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه» حتي يجمع بيني و بين علي ابني بالمدينة. قال المسيب: فسمعته يدعو، ففقدته عن مصلاه فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه و أعاد الحديد الي رجليه، فوقعت علي وجهي ساجدا شاكرا لله علي ما أنعم به علي من معرفته و التفت الامام عليه‌السلام له فقال: «يا مسيب، ارفع رأسك، و اعلم اني راحل الي الله عزوجل في ثالث هذا اليوم». قال المسيب: فبكيت، فلما رآني الامام عليه‌السلام و أنا باك حزين قال لي: «لا تبك يا مسيب فان عليا ابني هو امامك، و مولاك بعدي فاستمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته» قال المسيب: الحمد لله علي ذلك [551] . [ صفحه 304]

اغتيال الامام

قول في سمه: اتفق المؤرخون ان الامام لم يمت حتف أنفه، و انما توفي مسموما، و ان هارون الرشيد هو الذي أوعز في دس السم و اغتياله، لكنهم اختلفوا فيمن تولي ذلك. فمنهم من قال: يحيي بن خالد و منهم من قال: الفضل بن يحيي لكن الأول أقرب الي الحقيقة، لأن الفضل عرف بميله للعلويين و قد رفه علي الامام حينما كان في سجنه فاستحق بذلك التنكيل و التشهير من قبل هارون. ان يحيي بن خالد دس السم الي الامام في رطب و عنب فقتله [552] و مما يؤيد ذلك ما رواه عبدالله بن طاووس قال: سألت الامام الرضا عليه‌السلام قلت له: هل ان يحيي بن خالد سم أباك موسي بن جعفر؟ فقال الامام: نعم سمه في ثلاثين رطبة مسمومة [553] . و ذكر أبوالفرج الاصفهاني ان الرشيد لما غضب علي الفضل بن يحيي لترفيهه علي الامام حينما كان في سجنه، و أمره بجلده خرج يحيي من عند الرشيد و قد ماج الناس و اضطرب أمرهم، فجاء الي بغداد و دعا السندي بن شاهك و أمره بقتل الامام عليه‌السلام، فاستدعي السندي الفراشين و كانوا من النصاري فأمرهم بلف الامام في بساط فلف و هو حي فجلس عليه الفراشون حتي توفي [554] . و ذكر ابن‌المهنا ان الرشيد لما سافر الي الشام أمر يحيي بن خالد السندي بقتله فقتله [555] و هذه الروايات علي اختلافها تفيد ان يحيي هو الذي أمر بقتل الامام عليه‌السلام و لكنها مخالفة لما عليه الجمهور في أن الرشيد عهد الي السندي بقتله. [ صفحه 305]

كيفية سمه

المشهور عند أكثر الرواة ان الرشيد عمد الي رطب فوضع فيه سما فاتكا و أمر السندي أن يقدمه الي الامام و يحتم عليه أن يتناول منه [556] و قيل ان الرشيد أوعز الي السندي في ذلك. فأخذ رطبا و وضع فيه السم و قدمه للامام فأكل منه عشر رطبات، فقال له السندي: «زد علي ذلك» فرمقه الامام بطرفه و قال له: «حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه» [557] . و لما تناول الامام عليه‌السلام تلك الرطبات المسمومة تسمم بدنه، و أخذ يعاني آلاما مبرحة و أوجاعا قاسية، و أحاط به الأسي و الحزن، قد حفت به الشرطة القساة، و لازمه الوغد الخبيث السندي بن شاهك فكان يسمعه في كل فترة أخشن الكلام و أغلظه، و منع عنه جميع الاسعافات ليعجل له النهاية المحتومة، لقد عاني الامام العظيم في تلك الفترة الرهيبة ما لم يعانه أي انسان، فتكبيل بالقيود و أذي مرهق، و آلام السم قطعت أوصاله و أذابت قلبه، و الحزن الشديد الذي أثر فيه تأثيرا عميقا لانتهاك حرمته، و غربته عن أهله و عدم مشاهدة أعزائه و أحبائه، و قد أشرف علي مفارقة هذه الدنيا.

رعب و خوف و اضطراب

أقدم السندي الخبيث الذي باع ضميره للشيطان علي ارتكاب الجريمة الخطيرة، فدب الرعب في قلبه و اضطراب اضطرابا شديدا و خوفا بالغا من المسؤولية أمام الشيعة العلويين. فيا لهول المصيبة امام معصوم ابن امام معصوم، ريحانة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم تنتهك حرمته و يقيد بالحديد و الأغلال و يهان في السجن و يوكل بحراسته أشرار لئام ثم يدسون له السم في السجن، فانها لجريمة نكراء و أي جريمة!! فماذا يعمل السندي بعد فعلته هذه؟! استدعي الوجوه و الشخصيات المعروفة في مجتمعه الي قاعة السجن و كانوا [ صفحه 306] ثمانين شخصا، كما حدث بذلك بعض شيوخ العامة يقول: احضرنا السندي، فلما حضرنا، انبري الينا فقال: «انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فان الناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه، و يكثرون من ذلك، و هذا منزله و فراشه موسع عليه غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين - يعني هارون - سوءا و انما ينتظره ان يقدم فيناظره، و ها هو ذا موسع عليه في جميع أموره» يقول ذلك الشيخ: و لم يكن لنا هم سوي مشاهدة الامام و مقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قط في فضله و نسكه و تقواه فانبري الينا و قال لنا: «أما ما ذكر من التوسعة، و ما أشبه ذلك، فهو علي ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني أصفر غدا و بعد غد أموت». و لما سمع السندي ذلك انهارت أعصابه، و مشت الرعدة بأوصاله و اضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة [558] . لقد أفسد عليه الامام عليه‌السلام بشهادته هذه ما كان يرومه من الحصول علي البراءة من المسؤولية في قتله.

الي جنة المأوي

في اليوم الثالث سري السم في جميع أجزاء جسم الامام الطاهر عليه‌السلام فأخذ يعاني أشد الآلام و أقسي الأوجاع، و قد علم عليه‌السلام أن لقاءه بربه أصبح قريبا فاستدعي السندي و طلب اليه أن يحضر مولي له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله، و سأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبي عليه‌السلام و قال: [ صفحه 307] «انا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طاهر أموالنا و عندي كفني» [559] . أحضر له السندي مولاه الذي طلبه، و لما ثقل حال الامام عليه‌السلام و أشرف علي النهاية المحتومة و أخذ يعاني زفرات الموت، استدعي المسيب بن زهرة و قال له: «اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل فاذا دعوت بشربة ماء و شربتها و رأيتني قد انتفخت، و اصفر لوني و احمر و اخضر و تلون ألوانا فأخبر الطاغية هارون بوفاتي» قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده حتي دعا عليه‌السلام بشربة فشربها ثم استدعاني فقال لي: «يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم انه تولي غسلي و دفني، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا، فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، و لا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرجات، و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا». قال المسيب: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا الي جانبه و كان عهدي بسيدي الرضا عليه‌السلام و هو غلام، فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسي، و قال: أليس قد نهيتك، ثم ان ذلك الشخص قد غاب عني، فجئت الي الامام عليه‌السلام فاذا به جثة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر الي الرشيد بوفاته [560] . لقد لحق الامام عليه‌السلام بالرفيق الأعلي الي جنة المأوي الي جوار أبيه جعفر الصادق عليه‌السلام و أجداده المعصومين و جده الرسول الأمين صلي الله عليه و اله و سلم فاضت نفسه الزكية الي بارئها فأظلمت الدنيا لفقده و أشرقت الآخرة بقدومه. و قد خسر المسلمون ألمع شخصية كانت تدافع عنهم و تطالب بحقوقهم، كما خسر الاسلام علما عيما يذب عن كيان الاسلام، و يدافع عن كلمة التوحيد، و يناظر و يحاجج كل من أراد الاعتداء أو التحريف في شريعة الله الخالدة. [ صفحه 308] عاش معظم حياته لغيره، فكان أبر الناس بالناس، يعطف علي الضعفاء، و يساعد الفقراء بصرره المعروفة باسمه، و أثلج قلوب المحتاجين بهباته الدائمة و عطاياه السخية ليخفف عنهم مرارة العيش و شقاء الحياة. كان حليما، كريما، بارا، متسامحا، محبا، عالما، تقيا، ورعا، مجاهدا، فقالوا عند موته: مات أحلم الناس، و أكظمهم للغيظ، و قد طويت بموته صفحة بيضاء من أروع الصفحات في العقيدة الاسلامية. أيها العلم المجاهد المكافح، أيها الامام العظيم لقد تلحفت بثوب الشهادة و مضيت الي الله شهيدا سعيدا فهنيئا لك في مثواك الشريف الذي ما زال و سيبقي مزارا لكل المسلمين المؤمنين. فأين قبر هارون الطاغية؟ الذي صب عليك جام غضبه و أذاقك ألوان الأذي و الارهاق لقد اندثر كما اندثر غيره من قبور الطغاة الظالمين. وقفت في وجه هارون و كنت من أقوي خصومه تنعي عليه ظلمه و تندد باسرافه و تبذيره أموال المسلمين علي قصوره و خدامه و راقصاته و حيواناته... أيها الشهيد السعيد سجبت استبداد الظالمين و جورهم و فزت برضاء الله و لم تصانع و لم تخادع بل رفعت راية الحق التي رفعها قبلك أبوك و جدك، و هتفت بصوت العدل تريد الخير و السعادة لجميع المسلمين الأحرار. لقد فزت فوزا كبيرا و بقي اسمك عطرا علي ألسن المسلمين المجاهدين قاطبة، و لقد خسر خصمك، و بطل سعيه، و أخمد ذكره و بات لعنة تلفظه الأفواه و لا يذكر الا قرين الخيبة و الخسران. أنت كوكب من كواكب الاسلام المشرقة و علم من أعلام الانسانية نقف عندك لنأخذ عبرة و نستلهم من مواقفك كل جوانب الخير و الحق. لقد كنت علي شفة الموت و جفن الحياة و بينهما مشرف الشهادة و هذه فوق الحياة و الموت لأنها عري الذات و امتشاق الارادة للانهمار علي بحر الله و الانذياع فيه بدون شراع. فسلام عليك يابن رسول الله، يوم ولدت، و يوم استشهدت، و يوم تبعث حيا. [ صفحه 309]

زمن وفاته

المشهور عند المؤرخين ان وفاة الامام الكاظم عليه‌السلام كانت سنة 173 ه لخمس بقين من شهر رجب [561] . و كانت وفاته في يوم الجمعة و عمره الشريف أربع و خمسون سنة أو خمس و خمسون [562] و كان مقامه منها مع أبيه عشرين سنة و بعد أبيه خمس و ثلاثون سنة [563] .

محل وفاته

المعروف ان وفاته كانت في حبس السندي بن شاهك، و قيل انه توفي في دار المسيب بن زهرة بباب الكوفة الذي تقع فيه السدرة [564] و قيل ان وفاته في مسجد هارون، و هو المعروف بمسجد المسيب و يقع في الجانب الغربي من باب الكوفة لأنه نقل من دار تعرف بدار عمرو [565] .

التحقيق بالحادث

تحقيق و أي تحقيق: خداع و تضليل لتبرير ساحة الطاغية هارون! قامت شرطة الحاكم الظالم في التحقيق بهذا الأمر الخطير و غايتها تبرئة هارون من المسؤولية أمام جماهير الشيعة و محبي الامام و من المكلف بالتحقيق؟ فاعل الجريمة نفسه! ما عاذ الله فالنتيجة مكتوبة قبل المباشرة بالتحقيق. كلف هارون السندي بالتحقيق و كما يقولون (حاميها حراميها). أرسل السندي الي عمرو بن واقد و طلب اليه أن يجمع أشخاصا يعرفون الامام عليه‌السلام، و لما حضروا و عددهم يقارب الخمسين رجلا سألهم: هل تعرفون [ صفحه 310] موسي بن جعفر؟ قالوا: نعم. فقام عمرو و كشف الثوب عن وجه موسي، فالتفت السندي الي الجماعة الشهود و قال لهم: انظروا اليه، فدنا واحد منهم بعد واحد فنظروا اليه، ثم قال لهم: «تشهدون كلكم أن به أثرا تنكرونه؟». فقالوا: لا، ثم سجل شهاداتهم و انصرفوا» [566] . و رواية أخري تقول: ان السندي استدعي الفقهاء و وجوه أهل بغداد و فيهم الهيثم بن عدي و غيره فنظروا الي الامام و هو ميت و شهدوا علي ذلك ان لا أثر به!. هذه الاجراءات التي اتخذها السندي بن شاهك انما جاءت لتبرير ساحة الحكومة من المسؤولية و ابعاد الانظار عنها في ارتكاب الجريمة لكن الامام عليه‌السلام قد أفسد عليهم صنعهم و تضليلهم و كشف للناس أن هارون هو الذي اغتاله بالسم. و أما ما اتخذه هارون المجرم لرفع الشبهات التي حامت حوله فانه جمع شيوخ الطالبيين و العباسيين و سائر أهل مملكته و الحكام فقال لهم: «هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه و ما كان بيني و بينه ما استغفر الله منه - يعني في قتله - فانظروا اليه» فدخل علي الامام سبعون رجلا من شيعته، فنظروا اليه و ليس به أثر جراحة و لا خنق [567] و قال أحد الشعراء: و مهما يكن عند امري‌ء من خليقة و ان خالها تخفي علي الناس تعلم كل هذه الاجراءات لم تجد هارون نفعا لأن الحق لابد أن يظهر، و لا يخفيه الدجل و الخداع و التضليل فقد عرف الخاص و العام أنه هو الذي اغتال الامام و هو المسؤول عن دمه و كل مساعيه باءت بالفشل.

علي الجسر

امام المسلمين و سيد المتقين العابدين و سبط النبي الأمين صلي الله عليه و اله و سلم ألقي علي جسر الرصافة في بغداد، قد أحاطت الشرطة بجثمانه المقدس، و كشفت عن وجهه بقصد انتهاك حرمته، و التشهير به. حاول هارون بفعلته الحقيرة هذه اذلال الشيعة [ صفحه 311] عامة و العلويين خاصة و لم يرع الرحم الماسة التي بينه و بين الامام عليه‌السلام. لقد أثر ذلك في نفوسهم تأثيرا كبيرا و ظلوا يذكرونه طوال مراحل حياتهم. اندفع شعراؤهم الي نظم هذا الحدث المفجع و قال بحسرة و لوعة المرحوم الشيخ محمد الملا: من مبلغ الاسلام أن زعيمه قد مات في سجن الرشيد سميما فالغي بات بموته طرب الحشا و غدا لمأتمه الرشاد مقيما ملقي علي جسر الرصافة نعشه فيه الملائك أحدقوا تعظيما لقد ملأ الرشيد قلوب الشيعة بالحقد و الحزن و تركهم يرددون هذه الفعلة المشينة بكرامة امامهم طوال مراحل حياتهم. و لم يكتف هارون الطاغية عند هذا الحد، بل أوعز الي حارسه السندي اللعين ليأمر جلاوزته أن ينادوا علي جثمان الامام الشريف بنداء مؤلم تذهب النفوس لهوله أسي و حسرات، فبدل ان يأمرهم بالحضور لجنازة الامام المعصوم ابن الامام المعصوم أمرهم أن ينادوا بنداء قذر موحش فهتفوا في الشوارع و الطرقات: «هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانظروا اليه ميتا» [568] .

التوهين بمركز الامام

بقي الامام ثلاثة أيام لم يوار جثمانه المقدس [569] ، فتارة موضوع في قاعة السجن و الشرطة تجري التحقيق في حادث وفاته، و أخري ملقي علي جسر الرصافة تتفرج عليه المارة و هو مكشوف الوجه. كل ذلك للاستهانة بمركزه و التوهين بكرامته.

تجهيز الامام

اشاره

اهتم سليمان بن أبي‌جعفر المنصور [570] بتجهيز الامام و تشييعه، كان قصره مطلا علي نهر دجلة، فسمع الصياح و الضوضاء و رأي بغداد قد ماجت و اضطربت [ صفحه 312] فهاله ذلك، فالتفت الي ولده و غلمانه قائلا: «ما الخبر؟» فقالوا له: هذا السندي ابن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر، و أخبروه بذلك النداء القاسي. فثارت عواطفه و استولت عليه موجة من الغيظ فصاح بولده قائلا: «انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فان مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من سواد - و هو لباس الشرطة و الجيش - انطلق أبناء سليمان [571] و غلمانه الي الشرطة فأخذوا جثمان الامام عليه‌السلام منهم و لم تبد الشرطة أية معارضة، حمل الغلمان النعش و جاءوا به الي سليمان فأمر فورا أن ينادي في شوارع بغداد بنداء معاكس لنداء السندي أخذ الغلمان ينادون بأعلي أصواتهم بهذا النداء: «ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليحضر» [572] فلما سمع الناس هذا النداء خرجوا علي اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان امام المسلمين و سيد المتقين الورعين، و خرج الشيعة بصورة خاصة يذرفون الدموع و يلطمون الصدور و الأسي و الحزن قد أدمي قلوبهم، فجاء سليمان ففرج عنهم الكروب و واساهم في مصيبتهم المفجعة. و تم تشييع الامام عليه‌السلام بموكب حافل لم تشاهد بغداد نظيرا له. أما اذا ما سألنا عن الاسباب التي دفعت سليمان للقيام بموراة الامام عليه‌السلام و تشييعه فيمكن اختصارها بما يلي:

الرحم الماسة

تلك الرحم التي تربط بينه و بين الامام عليه‌السلام هي التي هزت مشاعره و أثارت عواطفه، فلم يستطع صبرا أن يسمع أولئك العبيد و هم ينادون بذلك النداء المنكر علي جثمان زعيم الهاشميين و عميد العلويين. اضافة الي أنه لم يكن بينه و بين الامام ما يوجب الشحناء و البغضاء، فلذا أثرت فيه أواصر الرحم و انطلق الي انقاذ [ صفحه 313] جثمان ابن عمه من أيدي الجلاوزة و صنع بعض ما يستحق من الحفاوة و التكريم.

محو العار عن أسرته

رأي سليمان الذي حنكته التجارب أن الأعمال التي قام بها الرشيد تجاه الامام عليه‌السلام هي أعمال مشينة لطخت جبين الأسرة العباسية، اذ كان يكفي هارون دسه السم الي الامام و اغتياله عن القيام بتلك الأعمال البربرية الحاقدة و التي تدل علي نفس لا عهد لها بالشرف و النبل و الكرامة، كما تدل في الوقت نفسه علي فقدان المعروف و الانسانية عند العباسيين. فقام سليمان بما يفرضه عليه الواجب الانساني فقط للحفاظ علي سمعته و سمعة أسرته و محو العار عنهم.

الخوف من انتفاضة شيعية

خاف سليمان من قيام الشيعة بانتفاضة للثأر و الانتقام، فيتمرد الجيش و تحدث اضطرابات عنيفة و فتن داخلية، لأن ذلك الاعتداء الصارخ علي كرامة الامام عليه‌السلام الطيب ابن الطيب، انما هو طعنة نجلاء في صميم العقيدة الشيعية، فكان من الطبيعي أن تثير أعمال هارون البربرية عواطفهم و تحفزهم علي الثورة و الانتقام من خصومهم. و لا يخفي أن عدد الشيعة في ذلك الوقت عدد لا يستهان به، فقد اعتنق عقيدتهم خلق كثير من رجال الدولة، و كبار الموظفين و الكتاب في الدولة، و قادة الجيش، و لذا تدارك سليمان الموقف و قام بما أملاه عليه الواجب الانساني و أنقذ حكومة هارون من الاضطراب و الفتن المتوقعة في كل آن. كما اسدي بفعلته هذه يدا بيضاء علي عموم الشيعة تذكر له الخير و الثناء.

تجهيز الامام علي يد سليمان

قام سليمان بتجهيز الامام عليه‌السلام فغسله، و كفنه، و لفه بحبرة كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلفته ألفين و خمسمائة دينار [573] . حدث المسيب بن زهرة قال: و الله لقد رأيت القوم بعيني و هم يظنون أنهم [ صفحه 314] يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم أنهم لا يصنعون شيئا، و رأيت ذلك الشخص الذي حضر وفاته - و هو الامام الرضا - و هو الذي تولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم، و هم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره التفت الي فقال: «يا مسيب مهما شككت في شي‌ء فلا تشكن في، فاني امامك و مولاك و حجة الله عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه و هم له منكرون» [574] .

مواكب التشييع

يوم تشييع الامام موسي عليه‌السلام يوم أغر لم تر مثله بغداد في أيامها يوم مشهود حيث هرعت الجماهير من جميع الطبقات الي تشييع ريحانة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقد خرج لتشييع جثمانه الطاهر جمهور المسلمين، علي اختلاف طبقاتهم يتقربون الي الله جل جلاله جثمان سبط النبي صلي الله عليه و اله و سلم، سارت المواكب تجوب الشوارع و الطرقات و تصرخ ملتاعة حزينة. أيضا فقد خرج كبار الموظفين و المسؤولين من رجال الحكم يتقدمهم سليمان و هو حافي القدمين، و امام النعش مجامير العطور. و قد حمل الجثمان علي الأكف محاطا بالهيبة و الجلال، جي‌ء به فوضع في سوق سمي بعد ذلك بسوق الرياحين، كما بني علي الموضع الذي وضع فيه الجثمان المقدس بناء لئلا تطأه الناس باقدامهم تكريما له [575] . و انبري أحد الشعراء فانشد هذه الأبيات: و أزل أفاويه الحنوط و نحها عنه و حنطه بطيب ثنائه و مر الملائكة الكرام بحمله كرما ألست تراهم بازائه لاتوه أعناق الرجال بحمله يكفي الذي حملوه من نعمائه [576] . [ صفحه 315] و سارت المواكب متجهة الي محلة باب التبن [577] و قد ساد عليهم الوجوم و الحزن. و خيم عليهم الاسي من هول المصاب.

الي المقر الأخير

قال تعالي: (كل نفس ذائقة الموت و انما توفون أجوركم يوم القيامة) [578] . أحاطت الجماهير الحزينة بالجثمان المقدس و هي تتسابق علي حمله للتبرك به. حفر له قبر في مقابر قريش، و انزله سليمان بن أبي‌جعفر في مقره الأخير هو مذهول مرعوب خائر القوي، و بعد فراغه من مراسيم الدفن، أقبلت اليه الناس تعزيه و تواسيه بالمصاب الأليم. فهنيئا لك أيها القبر باستقبال هذا الضيف الطاهر هذا العالم المعلم، و هذا العبد الصالح الذي آثر طاعة الله علي كل شي‌ء في هذه الدنيا انصرف المشيعون و هم يعددون فضائل الامام الشريفة و مناقبه السامية و يذكرون ما عاناه الكاظم غيظه من المحن و الخطوب و قيود السجن قالوا كلهم: ان فقد الامام كان من أعظم النكبات التي مني بها العالم الاسلامي عامة و الشيعة خاصة في ذلك العصر. و لا غرو في ذلك لقد فقد المسلمون علما من أعلام العقيدة الاسلامية و اماما معصوما من الأئمة المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و غصنا من دوحة النبوة. هكذا عمت قلوب الطامعين بالملك فتحجرت قلوبهم و تصلبت أحاسيسهم فجاروا و ظلموا و بطشوا و ضيعوا موازين الحق و العدل. و الغريب العجيب أنهم نصبوا أنفسهم علي الناس بحد السيف و سموا أنفسهم خلفاء الله علي الأرض. لقد ضاعوا في دنيا الجاه و السلطان و غرقوا في لجج الأنانية و حب التسلط و قد تحمل الامام الكاظم كل هذا الجور و الظلم و بقي صامدا أمام الظالمين لا يلين و لا يضعف أمام جورهم و ظلمهم. [ صفحه 316] عاش عليه‌السلام في حياته عيشة المتقين الصالحين، و المجاهدين المدافعين عن حقوق الأمة الاسلامية، لقد رفع كلمة الحق و حطم الباطل فلم يجار هارون، و لم يصانعه، بل كان من أقوي الجهات المعادية له، و قد تحمل في سبيل ذلك جميع ضروب الأذي و كل ألوان الآلام حتي لفظ نفسه الشريف في ظلمات السجون و فاز بالشهادة، و جعل الله ذكره خالدا مدي الدهور، و قدوة صالحة تسير عليها الأجيال المجاهدة في سبيل الله، و مرقده في بغداد كان و لم يزل ملجأ للمنكوبين و ملاذا للملهوفين، يسعون اليه من كل حدب و صوب و يدعون له لحل مشاكلهم و تسهيل أمورهم، و ما قصد مرقده أحد من طلاب الحاجات الا لبي حاجته و ما خاب من دعاه. و قد من الله عليه عليه‌السلام فجعله من أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطيهرا.

ما قاله الشعراء في مدح الامام الكاظم

و هذا باب واسع، لو أردنا أن نستقصي ما قيل في مدح الامام عليه‌السلام و رثائه لجاء أضعاف ما ذكرناه، و عملا بمنهجنا في الاختصار نذكر: قال الشيخ موسي محيي‌الدين [579] في الامام موسي كاظم الغيظ عليه‌السلام: يا كاظم الغيظ يا جد الجواد و من عمت جميع بني الدنيا مكارمه و من غدا شرح خير المرسلين به سامي الذري و به شيدت دعائمه الحق لولاك ما بانت حقائقه و الشرع لولاك ما قامت قوائمه [580] . و فيك ينكشف الكرب العظيم اذا جاشت علينا بلا جرم قشاعمه [581] . امام حق أبان الحق و انتشرت أفعاله الغرمذ نيطت تمائمه [ صفحه 317] فعالم الدين خير الناس عالمه و كاظم الغيظ خير الناس كاظمه [582] . مولي غدا من رسول الله عنصره أكرم به عنصرا طابت جراثمه [583] . به و آبائه زان الوجود و في أبنائه الغرقد شيدت معالمه من أم مغناك يا أزكي الوري نسبا للازم كيف لا تقضي لوازمه [584] . فيا خليلي و الخل الخليل اذا حبا الخليل باسني ما يلائمه [585] . لا تحسبا كل شوق يدعي عبثا فالشوق ان هاج لا تخفي معالمه و لا تلوما اذا ما رحت ذا كلف و الدمع من مقلتي فاضت سواجمه [586] . أنا المشوق المعني بازدياد حمي موسي بن جعفر صب القلب هائمه [587] . فعللا قلبي العاني الضعيف به فان في ذكره تقوي عزائمه [588] . و قال السيد صالح القزويني قصيدة يمكن أن نضع لها عنوانا: (ليس الرشيد رشيدا و لا المأمون مأمونا) قال: اعطف علي الكرخ من بغداد و ابك بها كنزا لعلم رسول الله مخزونا موسي بن جعفر سر الله و العلم المبين في الدين مفروضا و مسنونا باب الحوائج عند الله و السبب الموصول بالله غوث المستغيثينا الكاظم الغيظ عمن كان مقترفا ذنبا و من عم بالحسني المسيئينا يا ابن النبيين كم أظهرت معجزة في السجن أزعجت فيه الرجس هارونا و كم بك الله عافي مبتلي و لكم شافعي مريضا و أغني فيك مسكينا لم يلهك السجن عن هدي و عن نسك اذ لا تزال بذكر الله مفتونا و كم أسروا بزاد أطعموك به سما فأخبرتهم عما يسرونا [ صفحه 318] و للطبيب بسطت الكف تخبره لما تمكن منها السم تمكينا بكت علي نعشك الأعداء قاطبة ما حال نعش له الأعداء باكونا راموا البراءة عند الناس من دمه و الله يشهد ما كانوا بريئينا كم جرعتك بنوالعباس من غصص تذيب أحشاءنا ذكرا و تشجينا قاسيت ما لم تقاس الأنبياء و قد لاقيت أضعاف ما كانوا يلاقونا أبكيت جديك و الزهراء أمك و الأطهار آباؤك الغر الميامينا طالت لطول سجود منه ثفنته فقرحت جبهة منه و عرنينا رأي فراغته في السجن منيته و نعمة شكر الباري بها حينا يا ويل هارون لم تربح تجارته بصفقة كان فيها الدهر مغبونا ليس الرشيد رشيدا في سياسته كلا و لا ابنه المأمون مأمونا تالله من كان من قربي و لا رحم بين المصلين ليلا و المغنينا لهفي لموسي بهم طالت بليته و قد أقام بهم خمسا و خمسينا يزيدهم معجزات كل آونة و نائلا و له ظلما يزيدونا لم يحفظوا من رسول الله منزله و لا لحسناه بالحسني يكافونا باعوا لعمري بدنيا الغير دينهم جهلا فما ربحوا دنيا و لا دينا في كل يوم يقاسي منهم حزنا حتي قضي في سبيل الله محزونا [589] . و قال الشيخ محمد الملا [590] : من مبلغ الاسلام ان زعيمه قد مات في سجن الرشيد سميما فالغي بات بموته طرب الحشا و غدا لمأتمه الرشاد مقيما ملقي علي جسر الرصافة نعشه فيه الملائك أحدقوا تعظيما فعليه روح الله أزهق روحه و حشا كليم الله بات كليما لا تألفي لمسرة فهر فقد أضحي سرورك هالكا معدوما منح القلوب مصابه سقما كما منع النواظر في الدجي النهوينا [591] . [ صفحه 319] و قال الشيخ عبدالحسين الحياوي [592] . جانب الكرخ شأن أرضك شيد قبر موسي بن جعفر بن محمد بثري طاول الثريا مقاما دون أعتابه الملائك سجد ضم منه الضريح لاهوت قدس ليديه تلقي المقادير مقود من عليه تاج الزعامة في الدين امتنانا به من الله يعقد و قد تجلي للخلق في هيكل الناس لكنه بقدس مجرد هو معني وراء كل المعاني صوب الفكر في علاه و صعد سابع الصفوة التي اختارها الله علي الخلق أوصياء لأحمد هو غيث ان أقلعت سحب الغيث، و غوث ان عز كهف و مقصد كان للمؤمنين حصنا منيعا و علي الكافرينا سيفا مجرد أخرجوه من المدينة قسرا كاظما مطلق الدموع مقيد حر قلبي عليه يقضي سنينا و هو في السجن لا يزار و يقصد مثل موسي يرمي علي الجسر ميتا لم يشيعه للقبور موحد حملوه و للحديد برجليه دوي له الأهاضب تنهد [593] . و قال الشيخ مجيد خميس [594] من قصيدة له تعرض فيها لوفاة الامام موسي الكاظم عليه‌السلام ان لم يشيع نعشه فلم تكن منقصة عليه في عليائه فخلف الأملاك قد تزاحمت و الروح أدمي الأفق من بكائه مناديا عن شجن و انه قطع قلب الدين في ندائه يا قمر الاسلام قد أمسي الهدي دجنة منذ غبت عن سمائه [ صفحه 320] و قد غدا الايمان ينعي نفسه فطبق الأكوان في نعمائه هذا امام الحق عاش في العدي مضطهدا و مات في غمائه لقد ثوي بلحده و ما ثوي الا الهدي و الدين في ثوائه [595] . و قال الاربيلي: القائم الصائم أكرم به من قائم مجتهد صائم من معشر سنوا الندي و القري و أشرقوا في الزمن القائم و احرزوا خصل العلي فاغتدوا أشرف خلق الله في العالم يروي المعالي عالم منهم مصدق في النقل عن عالم قد استووا في شرف المرتقي كما تساوت حلقة الخاتم من ذا يجاريهم اذا ما اعتزوا الي علي و الي فاطم و من يناويهم اذا عددوا خير بني الدنيا أباالقاسم [596] . و قال الشيخ مطر بن محمود الخفاجي الغروي [597] : اذا ما دهاك الدهر يوما بمعضل و انزلت في واد من الهول مخطر و حاطت بك الأهوال من كل جانب عليك بباب الله موسي بن جعفر [598] . و قال عبدالباقي العمري: لذ و استجر متوسلا ان ضاق أمرك أو تعسر بأبي الرضا جد الجواد محمد موسي بن جعفر [599] . [ صفحه 321]

الخاتمة

ابتلي التاريخ الاسلامي بكثير من المؤرخين و الرواة الذين عاشوا علي موائد الملوك و أموالهم: فافتعلوا لهم المآثر و الفضائل و أضافوا اليهم النعوت البراقة و الأوصاف الخلابة الأمر الذي أدي الي تشويه التاريخ الاسلامي. فعلي كل باحث منصف أن ينظر الي هذا التاريخ نظرة عميقة صادقة فيعريه من ألوان الدعاية ليكون فهمه علي أساس واقعي رصين. ان علي الباحثين في تاريخ الشخصيات الاسلامية ان لا يضيفوا الي مراكزه العليا الا الأكفاء المتربين علي مثاليته و هديه؛ أما الأدعياء الذين لفوا لواء الاسلام و هدموا و خربوا و ظلموا فيجب تجريدهم من اطار الشخصية الاسلامية المثالية و ابعادهم عن تاريخه الناصع. ان المقياس الحقيقي و الميزان السليم هي الشريعة الاسلامية فما كان من أعمال الحكام مرتبطا بها فهم محسوبون علي الاسلام و هو مسؤول عنهم كالأئمة المعصومين عليهم‌السلام، أما الاعمال النابية المنحرفة عن الاسلام و التي لا تمثل هديه و واقعه فانه غير مسؤول عنها و لا تمثل وجهة نظره، و كثيرون من أعداء الاسلام قد آخذوه بأعمال بعض الحكام كالوليد و المنصور و الرشيد و المتوكل و الهادي و نظرائهم من الذين أثبتوا في أعمالهم السياسية و الادارية أنهم أعداء الاسلام فكيف يحاسب الاسلام علي ما اقترفوه من عظيم الذنوب و الآثام. من هنا كان علي دعاة الاصلاح ان يؤدوا رسالة الاسلام علي حقيقتها النازلة [ صفحه 322] من رب العالمين، و يعرفوا الجماهير برجال الاسلام المخلصين الذين قاموا بأهم التضحيات في سبيل نشر العدالة و القيم الانسانية، و رفع مستوي الحياة اللائقة. و اني أري انه من الضرورة الملحة افهام الناس بذلك و تغذية ناشئتهم بالآداب الاسلامية ليتربي علي ذلك جيل واع سباق لفعل الخيرات و القيام بخدمة بلاده و مجتمعه باخلاص و وفاء. و مما لا شك فيه باجماع المسلمين ان أكبر رجال الاسلام علما و أكثرهم تضحية و أشدهم جهادا في سبيل الله هم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فهم القدوة الصالحة للأمة الاسلامية و هم منابرها المشرقة علي دروب الخير و الهداية، و قد ضمن النبي الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم لأمته أن لا تضل عن طريق الحق و الصواب لو أخذت بتعاليمهم و تمسكت بهم. قال صلي الله عليه و اله و سلم: «اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا». و الجميع منهم عليهم‌السلام علي تجردهم من مآثم هذه الحياة، كان لهم اتجاه واحد هو خدمة الاسلام و العمل في سبيل المصالح العامة. و لذلك نراهم قد جاهدوا و كافحوا ضد الظالمين و المنحرفين و المضللين. و مما لا ريب فيه ان بلوغ هذه الأمة ذروة الحق و نهضتها الحضارية المباركة من أجل الزحف المقدس يتوقف علي اقتدائها بسيرة أهل البيت عليهم‌السلام و الأخذ بتعاليمهم، لأن تعاليمهم هي تعاليم جدهم المصطفي صلي الله عليه و اله و سلم و تعاليم جدهم صلي الله عليه و اله و سلم من رب العالمين جل و علا. و الامام موسي أحد هذه الكواكب المشرقة و امام من أئمة العترة الطاهرة، و قد كظم غيظه و أدي رسالة ربه بكل أمانة و اخلاص و تحمل في سبيل ذلك أقسي ألوان المحن و الخطوب في السجون و القيود بعيدا عن الأهل و الأصحاب. فقاوم و ازدري بسلطان هارون و صارحه بجوره و اغتصابه لمركز الخلافة الاسلامية و لم يدار و لم يصانع. و لقد تشرفت بالبحث عن سيرة هذا الامام العظيم الامام السابع من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فذكرت سيرته منذ الولادة حتي انتقاله عليه‌السلام الي مقره الأخير، ثم تحدثت عن عصره و محنه مع الحكام العباسيين. ثم علمه الزاخر ورده علي [ صفحه 323] الضالين و المشعوذين و مناظراته معهم جميعا حتي افخامهم و اقناعهم. كما أجريت عرضا موجزا لدرر من حكمه الخالدة حسب حروف الأبجدية و سردت دروسا مثالية عن هذا الامام المثالي، و تحقيقه الأهداف السامية بفضل ايمانه العميق و تعهده بالتكاليف الشرعية المطلوبة منه تجاه أمته و تجاه رب العالمين. ثم أجريت كشفنا عن أبرز الرواة و الأصحاب الذين رووا عنه. و أخيرا الامام الكاظم عليه‌السلام ينعي نفسه الي المقر الأخير. و اني أسعي بكل جهودي لأقدم الي المكتبة الاسلامية هذا العمل المتواضع و هو صفحة من حياة الامام موسي الكاظم عليه‌السلام، و مثل موجز لشخصيته العظيمة. و لا أزعم أنني قد ألممت بجميع شؤونه و علومه و آثارهه، فذاك أمر لا تسعه المجلدات الكبيرة. و ان الباحث المتتبع لعلوم هذا الامام العظيم يجد صورا جديدة مشرقة كثيرة من حياته، كما يجد في تراثه الكثير من الحكم و الآراء القيمة في جميع ميادين السلوك و الأخلاق و الآداب و الاجتماع و الفقه و العلوم الأخري... و قد أعطيت صورة موجزة عن بعض معارفه و مثله و تراثه، كما ذكرت كوكبة من أصحابه و رواة حديثه و أبنائه؛ و بحثت موضوعي بعيدا عن التحيز و التعصب و كان رائدي الاخلاص للحق راجيا أن يكون ذلك خدمة للاسلام و خدمة لعلم كبير من أعلامه العظماء النابهين. هذا بعض ما في هذا البحث أرفع به أسمي آيات الشكر و التقدير للمساهمين بهذه المباراة الكريمة، كما أشكر اللجنة الكريمة و أرجو منها نقدا موضوعيا تصحيحيا راجيا لهم دوام العافية و جزاهم الله عني خير جزاء انه نعم المولي و نعم النصير، و الحمد لله رب العالمين. د. حسين ابراهيم الحاج حسن 25 / 4 / 1999 الموافق 8 محرم 1420 هـ

پاورقي

[1] احياء الميت بفضائل أهل البيت / الحديث الرابع و العشرون، ذكره عن طرق كثيرة.
[2] احياء الميت بفضائل أهل البيت / الحديث السابع و العشرون.
[3] قال الشيخ المظفر في كتابه الثقلان: ان طرق هذا الحديث بلغت مائتين و خمسين طريقا؛ من هنا يعلم أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كان يكرس علي مسامع المسلمين في كل مناسبة، طالبا من الأمة التمسك بهما.
[4] احياء الميت بفضائل أهل البيت / الحديث الحادي و العشرون، و أيضا في مستدرك الصحيحين: 3 / 457. و كنز العمال: 6 / 216. و مجمع الزوائد: 9 / 174.
[5] روضة الواعظين: 2 / 271.
[6] احياء الميت بفضائل أهل البيت / الحديث الثامن عشر.
[7] عقاب الأعمال: 204.
[8] أمالي الشيخ الطوسي: 73.
[9] مجمع البيان: 29، 10 - 9. [
[10] ديوان الامام الشافعي: 72.
[11] سورة الأحزاب، الآية 33.
[12] سورة آل عمران، الآية 134.
[13] الرسالية في الثورة الحسينية، للمؤلف.
[14] الفقه الاسلامي في مدخل نظام المعاملات ص 160.
[15] ينابيع المودة ج 2 / 78.
[16] حميدة: و قيل ان اسمها نباته النفحات العنبرية ص 15 مخطوط بمكتبة الامام كاشف الغطاء العامة، طبع مؤخرا.
[17] الأبواء: قرية من اعمال الفرع بالمدينة، و به قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم. و قال ثابت اللغوي سميت الأبواء لتبوء السيول بها. راجع معجم البلدان ج 1 ص 92.
[18] بحارالانوار، ج 11، ص 230 دلائل الامامة.
[19] الطبقات الكبري ج 1، ص 33، و تهذيب التهذيب ج 10 ص 34، و كشف الغمة ج 3 ص 2، و المناقب ج 4، ص 323.
[20] أعلام الوري ص 286.
[21] أعيان الشيعة ج 4، ص 9.
[22] الفصول المهمة ص 112.
[23] الفصول المهمة ص 112.
[24] أعيان الشيعه ج 4، ص 9.
[25] المناقب ج 4، ص 318.
[26] الارشاد ص 270.
[27] الفصول المهمة ص 214.
[28] المناقب ج 2، ص 212.
[29] نفس المصدر ص 212، و مختصر تاريخ العرب ص 209.
[30] الفصول المهمة ص 214.
[31] تاريخ بغداد ج 1 ص 120.
[32] تحفة العالم: 2 / 22.
[33] المصدر نفسه.
[34] الكافي ج 4، ص 578.
[35] باقر شريف القرشي حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 52 عن ديوان السيد مهدي آل بحرالعلوم مخطوط بمكتبة العلامة السيد صادق آل بحرالعلوم.
[36] المصدر نفسه.
[37] الفصول المهمة ص 256.
[38] راجع الفصول المهمة ص 256 و كشف الغمة ص 243، و تذكرة الخواص ص 84.
[39] أعلام الوري ص 301.
[40] الارشاد ص 267.
[41] الفهرست ص 113.
[42] الارشاد ص 469.
[43] المصدر نفسه.
[44] الارشاد ص 310.
[45] نفسه ص 270.
[46] أعيان الشيعة ج 3، ص 13.
[47] أئمتنا لعلي محمد علي دخيل الذي يروي ان في حرب مؤتة أقر الرسول صلي الله عليه و اله و سلم جعفر بن أبي‌طالب، و زيد بن حارثة، و عبدالله بن رواحة و جعل القيادة لجعفر فان أصيب فلزيد، فان أصيب فلعبدالله.
[48] نفس المصدر 1 / 10.
[49] قادتنا كيف نعرفهم ج 6، ص 305 عن عيون أخبار الرضا ج 1 ص 91.
[50] مطالب السؤول ص 225.
[51] راجع في رحاب أئمة أهل البيت ج 2، ص 84.
[52] تحف العقول ص 305.
[53] بحارالأنوار، ج 11، ص 266.
[54] الفصول المهمة ص 222.
[55] المناقب ج 2، ص 372.
[56] كشف الغمة ص 247.
[57] حياة الامام موسي بن جعفر.
[58] الفصول المهمة ص 219.
[59] أعيان الشيعة ج 3 ص 42 و تاريخ بغداد ج 13، ص 28.
[60] كشف الغمة ص 243 و تاريخ بغداد ج 13، ص 29.
[61] كشف الغمة ج 2، ص 253.
[62] كشف الغمة ج 2، ص 246.
[63] البحار ج 11 ص 264 و البحار ج 11 ص 147.
[64] البحار ج 11 ص 285.
[65] تذكرة الخواص ص 196.
[66] الأمالي: ص 150.
[67] الأمالي: ص 150.
[68] أعيان الشيعة ج 3 ص 71.
[69] أئمتنا ج 1 ص 67 - 66.
[70] مرآة الجنان ج 1 ص 394.
[71] الأعلام ج 3 ص 108.
[72] المناقب ج 2 ص 383.
[73] الصواعق المحرقة ص 121.
[74] حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 175.
[75] كشف الغمة ص 255.
[76] ينابيع المودة ص 362.
[77] حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 175.
[78] أصول الكافي ج 2 ص 553.
[79] مهج الدعوات ص 54.
[80] نفسه ص 33.
[81] أصول الكافي ص 562.
[82] بحارالأنوار، ج 11 ص 239.
[83] أئمتنا ج 2 ص 56.
[84] أصول الكافي ج 2 ص 553.
[85] مهج الدعوات ص 67.
[86] أعيان الشيعة ج 3، ص 61.
[87] أئمتنا ج 2 ص 61 - 59.
[88] الكافي ج 2 ص 550.
[89] بحارالأنوار، 94 / 313.
[90] المصدر نفسه 95 / 362.
[91] سورة غافر، الآية 60.
[92] راجع مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص 357 - 350.
[93] الصحيفة السجادية للامام زين‌العابدين عليه‌السلام و قد عالج هذا الموضوع عدد من الباحثين العلماء منهم السيد عباس الموسوي في كتابه (في رحاب الصحيفة السجادية).
[94] ففي حرب مؤتة أمر الرسول صلي الله عليه و اله و سلم جعفر بن أبي‌طالب، و زيد بن حارثة و عبدالله بن رواحة، و جعل القيادة للأول، فان أصيب فللثاني فان أصيب فللثالث.
[95] سورة يونس، الآية 35.
[96] راجع أئمتنا ج 1 تجد نصوص الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم علي الأئمة عليهم‌السلام.
[97] الارشاد ص 310.
[98] المعجم ج 1، ص 27.
[99] سورة يس، الآية 12.
[100] السياسة الشرعية ص 173 - 172.
[101] الملل و الأهواء ج 4، ص 87.
[102] روي الحديث مسلم و كذلك رواه النسائي.
[103] المقدمة ص 151.
[104] سورة ص الآية 26.
[105] سورة القصص، الآية 68.
[106] سورة الأعراف، الآية 155.
[107] سورة النساء، الآية 153.
[108] بحارالأنوار، ج 13، ص 127.
[109] سورة آل عمران، الآية 29.
[110] سورة التوبة، الآية 32.
[111] سورة ص، الآية 26.
[112] صحيح البخاري ج 9 ص 62 و مسلم ج 2 ص 213.
[113] صحيح الترمذي ج 6، ص 73 و الخلة: الحاجة و الفقر.
[114] راجع هذه الأوصاف في الأحكام السلطانية ص 4، و المقدمة لابن‌خلدون ص 135.
[115] سورة الأحزاب، الآية 33.
[116] الرجس: المعاصي.
[117] سورة يس، الآية 82.
[118] حياة الامام موسي بن جعفر ج 1، ص 112.
[119] المصدر نفسه ص 113.
[120] عقائد الامامية للشيخ محمدرضا المظفر ص 54 - 51.
[121] سورة الأنبياء، الآية 73 - 72.
[122] نفس المصدر السابق.
[123] سورة آل عمران، الآية: 68.
[124] سورة الروم، الآية: 56.
[125] سورة يونس، الآية: 35.
[126] سورة البقرة، الآية: 269.
[127] سورة النساء، الآية: 55 - 54.
[128] سورة الحديد، الآية: 21.
[129] سورة القصص، الآية: 50.
[130] سورة محمد، الآية: 8.
[131] سورة المؤمن، الآية: 35.
[132] راجع عيون أخبار الرضا ج 1، ص 222 - 216 و أصول الكافي.
[133] سورة آل عمران، الآية: 110.
[134] كنز العمال ج 6، ص 392.
[135] نفسه ج 6، ص 154.
[136] حلية الأولياء ج 1، ص 63.
[137] الاتحاف بحب الأشراف، ص 129.
[138] منهاج السنة ج 4، ص 210.
[139] المراجعات 228.
[140] المراجعات ص 227.
[141] المصدر نفسه.
[142] حلية الأولياء، ج 1، ص 86.
[143] كشف الغمة ص 151 و أصول الكافي للكليني.
[144] قال الامام كاشف الغطاء (قدس الله مثواه): ان أول من وضع بذرة التشيع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية - فوضعت بذرة التشيع مع بذرة الاسلام جنبا الي جنب و سواء بسواء، و لم يزل غارسها يتعهدها بالسقي و العناية، حتي نمت و ازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته (أصل الشيعة و أصولها ص 88 - 87 (.
[145] سورة الصف، الآيتين: 9. - 8.
[146] مروج الذهب ج 3، ص 225.
[147] الطبري ج 9، ص 398.
[148] مروج الذهب ج 3، ص 225.
[149] الديوان ص 128 و الغدير ج 3، ص 238.
[150] البداية و النهاية ج 10، ص 81.
[151] عيون أخبار الرضا ج 1، ص 111.
[152] تاريخ اليعقوبي ج 3، ص 349.
[153] الأغاني ج 5، ص 5.
[154] الفخري ص 167.
[155] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 134.
[156] الجهشياري ص 103.
[157] تاريخ بغداد ج 2 ص 193.
[158] راجع نقد الحديث في علم الرواية و علم الدراية ج 2.
[159] الطبري أحداث سنة 169.
[160] الطبري ج 6 ص 397.
[161] سورة محمد، الآية: 22.
[162] البحار ج 11 ص 252 و نور الأبصار ص 136.
[163] حضارة الاسلام في دار السلام ص 84.
[164] الأغاني ج 5 ص 241 و ص 6.
[165] اليعقوبي ج 3 ص 136.
[166] الطبري ج 10 ص 29.
[167] كعب بن مالك بن أبي‌كعب الخزرجي شاعر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و أحد السبعين الذين بايعوه بالعقبة، و شهد المشاهد كلها سوي واقعة بدر و هو القائل: و ببئر بدر اذ يرد وجوههم جبريل تحت لوائنا و محمد و قد توفي في خلافة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام بعد أن كف بصره. معجم الشعراء ص 342.
[168] يعرف هذا الدعاء بدعاء الجوشن الصغير ذكر في مهج الدعوات ص 220 و في مفاتيح الجنان و ذكره ابن‌شهراشوب في المناقب.
[169] الطبري ج 10 ص 33 و الجهشياري ص 175 و اليعقوبي ج 3 ص 138.
[170] الفصول المهمة ص 252.
[171] أخبار الدول ص 113 و وفيات الأعيان ج 1 ص 394 و الاتحاف بحب الأشراف ص 55.
[172] تذكرة الخواص 359 طبعا هذا منطق الظالمين الطامعين.
[173] سورة الأعراف، الآية: 146.
[174] سورة البينة، الآية: 1.
[175] سورة ابراهيم، الآية: 28.
[176] البحار ج 11، ص 279.
[177] سورة المؤمنون، الآية: 71.
[178] سورة ص، الآية 51.
[179] سورة النساء، الآية: 135.
[180] سورة النازعات، الآيتان: 41 - 40.
[181] سورة الزمر، الآية: 18.
[182] سورة البقرة، الآيتان: 164 - 163.
[183] الله يتجلي في عصر العلم. ص 48.
[184] نفسه ص 48.
[185] الله يتجلي في عصر العلم ص 11 - 10.
[186] التكامل في الاسلام ج 6 ص 128.
[187] سورة الأعراف، الآية: 29.
[188] سورة المرسلات، الآيتان: 26 - 25.
[189] سورة النازعات، الآيتان: 31 - 30.
[190] سورة عبس، الآيات: 32 - 31 - 30 - 29 - 28 - 27 - 26 - 25.
[191] راجع تفسير الرازي ج 2 ص 68.
[192] سورة الذاريات، الآية: 20.
[193] سورة التين، الآية: 4.
[194] من المفيد في هذه البحوث مراجعة موسعة في المصادر التالية: 1 - أمالي الامام الصادق عليه‌السلام 2 - الله يتجلي في عصر العلم. 3 - العلم يدعو للايمان 4 - الله و العلم الحديث.
[195] الله و العلم الحديث ص 175 - 174.
[196] سورة الزمر، الآية: 18.
[197] سورة الأنعام، الآية: 32.
[198] سورة الصافات، الآية: 138 - 137 - 136.
[199] سورة العنكبوت، الآية: 43.
[200] سورة البقرة، الآية: 170.
[201] سورة البقرة، الآية: 171.
[202] راجع يونس الآية 42 و الفرقان الآية 44 و الحشر الآية 13 و البقرة الآية 44.
[203] التبيان في تفسير القرآن ج 1، ص 188.
[204] سورة الأنعام، الآية: 116.
[205] سورة لقمان، الآية: 25.
[206] راجع روح المعاني ج 6 ص 423.
[207] سورة سبأ، الآية: 13.
[208] سورة هود، الآية: 40.
[209] سورة الأنعام، الآية: 37.
[210] سورة المائدة، الآية: 103.
[211] سورة البقرة، الآية: 269.
[212] سورة آل عمران، الآية 7.
[213] سورة الرعد، الآية: 19.
[214] سورة الزمر، الآية: 9.
[215] يعني المحكم و المتشابه من الآيات.
[216] سورة ق، الآية: 37.
[217] سورة لقمان، الآية: 11.
[218] المجازات النبوية للشريف الرضي ص 440، و بذلك تكون العظمة و الكبرياء هما الكرامة التي يلقيها الله سبحانه علي رسله القائمين بالقسط فيعظمون بها في العيون و يجلون في القلوب.
[219] يعتقد أي يشتد و يستحكم.
[220] سورة آل عمران، الآية: 8.
[221] سورة التوبة، الآية: 93.
[222] كلمة مروءة غير موجودة الا في اللغة العربية و تعني: آداب نفسانية تحمل مراعاتها الانسان علي الوقوف عند محاسن الأخلاق و جميل العادات أو هي: كمال الرجولية. المعجم الوسيط ج 2.
[223] سورة الرعد، الآية: 19.
[224] راجع أصول الكافي ج 1، ص 20 - 13 انتهت هذه الرسالة علي رواية الشيخ الكليني و قد ذكر زيادة عليها الحسن بن علي الحراني في كتابه تحف العقول و سوف نقتطف منها بعض دررها التي أهملها الكليني.
[225] الشاجب: كثير الكلام و الهذيان.
[226] الصفا: الحجر الصلد.
[227] تحف العقول ص 400 - 390.
[228] الكافي ج 1 ص 32.
[229] بحارالأنوار، ج 1 ص 168.
[230] كشف الغمة ج 2 ص 255.
[231] سورة يوسف، الآية: 76.
[232] سورة الاسراء، الآية: 85.
[233] سورة طه، الآية: 114.
[234] هو محمد بن ابراهيم الشيرازي الحكيم المعروف كان أعلم أهل زمانه في الحكمة، متقنا لجميع فنونها - كما قال صاحب السلافة. له الأسفار الأربعة، و شرح أصول الكافي للشيخ العلامة الكليني و تفسير بعض السور القرآنية و «كسر الأصنام الجاهلية» و «شواهد الربوبية» و غيرها من المؤلفات القيمة. توفي في البصيرة في حال توجهه الي الحج و ذلك سنة 1050 ه جاء ذلك في الكني و الألقاب ج 2، ص 372. و يعد هذا العالم الجليل الذي قرن علمه بالعمل من شيعة أهل البيت المعروفين.
[235] راجع كتاب علم الاجتماع الأدبي للمؤلف د. حسين الحاج حسن.
[236] راجع مجلة المعرفة السوية العدد 150، ص 27.
[237] سورة العلق، الآية: 1.
[238] سورة الزمر، الآية: 9.
[239] سورة المجادلة، الآية: 11.
[240] سنن ابن‌ماجه ج 1، ص 50 رواه أنس عن الرسول صلي الله عليه و اله و سلم.
[241] مجمع الزوائد ج 1، ص 121 رواه الامام أحمد باسناد صحيح.
[242] الزرابي: الفرش الفاخر.
[243] سورة الجمعة، الآية: 10.
[244] العمل و حقوق العامل في الاسلام ص 135.
[245] من لا يحضره الفقيه ج 3، ص 53.
[246] الكافي ج 1، ص 115.
[247] حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 223.
[248] نفسه ج 1 ص 224.
[249] الكافي ج 1 ص 106.
[250] نفسه ج 1 ص 125.
[251] نفسه ج 1 ص 150.
[252] أمالي الطوسي ج 1 ص 214.
[253] الكافي ج 1 ص 107.
[254] نفسه ج 1 ص 107.
[255] التوحيد ص 134.
[256] التوحيد ص 138.
[257] التوحيد ص 76.
[258] نفسه ص 96 و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 138.
[259] التوحيد ص 107.
[260] نفسه ص 284.
[261] نفسه ص 175.
[262] أصول الكافي ص 151.
[263] العمل و حقوق العامل في الاسلام ص 140.
[264] الكافي ج 5 ص 85.
[265] سورة البينة، الآية: 5.
[266] سورة الحجرات، الآية: 10.
[267] سورة النساء، الآية: 114.
[268] سورة آل عمران، الآية: 103.
[269] احياء علوم الدين للغزلي.
[270] سورة آل عمران، الآية: 104.
[271] الوسائل باب الأمر بالمعروف.
[272] المصدر نفسه.
[273] سورة طه، الآية: 29.
[274] سورة يونس، الآية: 62.
[275] الكافي، ج 2، ص 188.
[276] سورة البقرة، الآية: 245.
[277] المجازات النبوية للشريف الرضي ج 1، ص 187. و الكنف: الجانب. الموطئون: الذين يدوس الناس جانبهم فلا يؤذون و لا يزعجون.
[278] الأعراف، الآية: 199.
[279] لمجازات النبوية للشريف الرضي.
[280] الأخلاق للعلامة السيد عبدالله شبر ص 10.
[281] سورة القلم، الآية: 4.
[282] سورة الحجرات، الآية 15.
[283] سورة الفتح، الآية 29.
[284] سورة النحل، الآية: 96.
[285] سورة السجدة، الآية: 24.
[286] سورة القصص، الآية: 54.
[287] أصول الكافي، ص 353.
[288] سورة الاسراء، الآية: 14.
[289] سورة كهف، الآية: 49.
[290] سورة المعارج، الآية 4.
[291] راجع الأخلاق لشبر ص 286 - 285 و حياة الامام موسي بن جعفر للقرشي ج 1، ص 248.
[292] سورة النساء، الآية: 1.
[293] سورة العلق، الآية: 14.
[294] سورة الطلاق، الآية 1.
[295] سورة البينة، الآية: 5.
[296] سورة النساء، الآية: 38.
[297] رسالة الأخلاق عن غرر الحكم ص 106.
[298] و قد اشتقته العرب من النافقاء و هو احدي حجرة اليربوع يخفيه و يظهر غيرها ليلجأ اليها عند الحاجة.
[299] سورة الأنفال، الآية 49.
[300] عن غرر الحكم ص 104.
[301] سورة فاطر، الآية: 2.
[302] الامعة: قيل أصله اني معك ليس له رأي مستقل.
[303] سورة المدثر، الآية: 37.
[304] سورة النحل، الآية: 97.
[305] عن نهج‌الفصاحة 592.
[306] نفسه ص 622.
[307] رسالة الأخلاق ص 347.
[308] تحف العقول ص 409.
[309] الاتحاف بحب الأشراف ص 55.
[310] غرر الحكم، ص 424.
[311] غرر الحكم ص 95.
[312] الكافي ج 2، ص 313.
[313] غررالحكم ص 26.
[314] عن نهج‌الفصاحة ص 201.
[315] الكافي ص 454 - 453.
[316] الكافي ص 454 - 453.
[317] الكافي ص 454 - 453.
[318] سورة الحجرات، الآية 10.
[319] سورة فاطر، الآية 15.
[320] سورة الاسراء، الآية 37.
[321] سورة آل عمران، الآية 159.
[322] سورة آل عمران، الآية: 139.
[323] الكافي ج 2، ص 421.
[324] سورة الشعراء، الآية: 89 - 88.
[325] حنقا: الحنق شدة الاغتياظ و الغضب.
[326] سورة الأنفال، الآية 73.
[327] سورة الأنعام، الآية 84 و 85.
[328] سورة الأنعام، الآية 84 و 85.
[329] سورة آل عمران، الآية 42.
[330] سورة المجادلة، الآية 22.
[331] سورة الأعراف، الآية 12 و سورة ص، الآية 77.
[332] سورة الكهف، الآيتين 51 - 50.
[333] سورة الأنعام، الآية 149.
[334] زهر آلاداب ج 1 ص 132.
[335] أبويوسف هو يعقوب بن ابراهيم الأنصاري، ولد سنة 113 ه، و توفي في بغداد سنة 182 ه و كان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي و أخذ الفقه عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي‌ليلي ثم عن أبي‌حنيفة و ولي القضاء لهارون الرشيد حتي لقب بقاضي القضاة. و كان يقضي ببغداد سنة 166 في أيام خروج الهادي. تحف العقول ص 300 و طبقات الفقهاء ص 113 و الارشاد ص 318.
[336] المناقب ج 3 ص 429.
[337] سورة ق، الآية: 16.
[338] البحار ج 12 ص 283.
[339] البحار ج 4 ص 8148.
[340] سورة آل عمران، الآية: 24.
[341] البحار ج 4 ص 147.
[342] الكافي ج 1 ص 179.
[343] سورة الفرقان، الآية: 46.
[344] المناقب ج 3 ص 427.
[345] بحارالأنوار ج 17 ص 206.
[346] المناقب ج 2 ص 373.
[347] سورة الأعراف، الآية: 33.
[348] سورة البقرة، الآية: 219.
[349] بحارالأنوار ج 11 ص 277.
[350] سورة البقرة، الآية: 34.
[351] بحارالأنوار ج 11 ص 253.
[352] سورة النجم، الآيتان 9 - 8.
[353] سورة التوبة، الآية: 25.
[354] بحارالأنوار ج 11 ص 353.
[355] بحارالأنوار ج 11 ص 253.
[356] البحار ج 4 ص 248.
[357] طه الآية 121.
[358] الاحتجاج ج 2 ص 158.
[359] اجترم: اكتسب.
[360] الأنوار البهية ص 91.
[361] السنة و مكانتها في التشريع الاسلامي ص 89.
[362] نقد الحديث في علم الرواية و علم الدراية للمؤلف ج 1 ص 397.
[363] المصدر نفسه عن قواعد التحديث ص 165.
[364] رجال البرقي بخط الاستاذ الشيخ علي الخاقاني رحمه الله في مكتبته.
[365] جامع الرواة ج 1 ص 16 و لسان الميزان ج 1 ص 47.
[366] نفسه ج 1 ص 44 و النجاشي ص 55.
[367] تنقيح المقال و جامع الرواة.
[368] منهج المقال ص 57.
[369] تنقيح المقال ج 1 ص 112.
[370] الفهرست لابن‌النديم و لسان الميزان ج 1 ص 478.
[371] كشف المحجة، و الوجيزة.
[372] الوجيزة.
[373] لسان الميزان ج 2 ص 84 و التنقيح ج 1 ص 179.
[374] النجاشي.
[375] التعليقات ص 16.
[376] لسان الميزان ج 2 ص 83.
[377] تنقيح المقال ج 1 ص 215.
[378] الفهرست، جامع الرواة، منهج المقال.
[379] منهج المقال ص 92.
[380] النجاشي - الكشي.
[381] منهج المقال ص 92.
[382] التنقيح ج 1 ص 258.
[383] نفسه ج 1 ص 229.
[384] لسان الميزان ج 2 ص 225.
[385] الفهرست للشيخ الطوسي، الفهرست لابن‌النديم، و تنقيح المقال.
[386] الارشاد.
[387] تنقيح المقال ج 1 ص 328 و السهمان اللذان قتل بهما أبوه زيد و أخوه يحيي. و النار: هي التي أحرق بها أبوه زيد.
[388] التنقيح ج 1، ص 388.
[389] نفسه ج 1، ص 391.
[390] نفسه ج 1، ص 401.
[391] النجاشي ص 121.
[392] تنقيح المقال ج 1، ص 410 و جامع الرواة.
[393] منهج المقال ص 135.
[394] النجاشي ص 124 و الفهرست.
[395] الفهرست، قال النجاشي له كتاب.
[396] تنقيح المقال ج 1، ص 433.
[397] جامع الرواة ج 1، ص 332.
[398] النجاشي، ص 135.
[399] تنقيح المقال ج 2، ص 26 و جامع الرواة ج 1، ص 359.
[400] النجاشي، ص 146.
[401] النجاشي، ص 143 و الفهرست.
[402] النجاشي ص 147 و الكشي ص 277.
[403] النجاشي، ص 151.
[404] تنقيح المقال ج 2، ص 92.
[405] النجاشي، الكشي، منهج المقال، الفهرست.
[406] النجاشي، ص 45 و الخلاصة.
[407] تنقيح المقال ج 2، ص 136.
[408] تنقيح المقال ج 2، ص 176.
[409] جامع الرواة ج 1، ص 479 و الروضة ج 1، ص 162 و تنقيح المقال ج 2، ص 175.
[410] النجاشي ص 159 و تنقيح المقال ج 2، ص 218.
[411] الكشي ص 269 و النجاشي ص 190 و تهذيب التهذيب ج 7، ص 293.
[412] تنقيح المقال ج 2، ص 288.
[413] النجاشي ص 194.
[414] الكشي ص 212 و النجاشي ص 217 راجع سورة آل عمران، الآية 68.
[415] الفهرست لابن‌النديم ص 328، و الفهرست للشيخ الطوسي.
[416] الكشي ص 270.
[417] النجاشي، ص 232.
[418] النجاشي، ص 240.
[419] تنقيح المقال ج 2، ص 6.
[420] النجاشي ص 242.
[421] رجال ابن‌داود.
[422] الكافي للشيخ الكليني.
[423] النجاشي، ص 276.
[424] نفسه، ص 286.
[425] الكشي ص 364 و النجاشي ص 251 - 250.
[426] النجاشي ص 251.
[427] تنقيح المقال ج 3، ص 132.
[428] تنقيح المقال ج 3، ص 203.
[429] النجاشي، ص 325.
[430] شرح توحيد المفضل ص 17.
[431] الارشاد للشيخ المفيد.
[432] تنقيح المقال ج 3، ص 237، و شرح توحيد المفضل ص 17، و الارشاد، و النجاشي ص 226.
[433] النجاشي ص 323، و البلغة، و الخلاصة، و رجال ابن‌داود.
[434] النجاشي ص 319.
[435] النجاشي ص 333، و الارشاد، و الغيبة، و الكشي.
[436] النجاشي ص 335، و الخلاصة، و الكشي.
[437] الكشي، و الوجيزة، و البلغة.
[438] تنقيح المقال ج 3 ص 304.
[439] النجاشي ص 341.
[440] تنقيح المقال و تأسيس الشيعة ص 360.
[441] تأسيس الشيعة ص 360.
[442] تاريخ الاسلام للذهبي ج 5 ص 56، و فرق الشيعة ص 6 و 9 و تاريخ ابن‌كثير.
[443] هشام بن الحكم ص 55.
[444] تنقيح المقال.
[445] الفهرست ص 263.
[446] الفصول المختارة ج 1 ص 24 و عيون الأخبار ج 2 ص 15.
[447] الكشي ص 184 - 165.
[448] بحارالأنوار ج 11 ص 292 - 291.
[449] هشام بن الحكم ص 221.
[450] الفهرست ص 264.
[451] الفهرست ص 264.
[452] النجاشي ص 338.
[453] النجاشي ص 346 و الخلاصة، و الحاوي، و البلغة.
[454] النجاشي ص 346 و الحاوي، و الفهرست، و الوجيزة.
[455] منهج المقال ص 374 و تنقيح المقال ج 3 ص 326.
[456] النجاشي ص 348.
[457] الكشي ص 301.
[458] نفسه.
[459] الفهرست ص 323.
[460] الخلاصة.
[461] ذكر هذه الكتب ابن‌النديم في الفهرست ص 323 و ذكرها النجاشي.
[462] النجاشي ص 349.
[463] الفهرست للشيخ الطوسي.
[464] الكشي ص 304.
[465] تنقيح المقال ج 3 ص 339.
[466] الكشي ص 302.
[467] سورة النساء الآية 69.
[468] النجاشي ص 348.
[469] الارشاد.
[470] تنقيح المقال ج 3 ص 17.
[471] النجاشي ص 354.
[472] تنقيح المقال ج 3 ص 39.
[473] سورة الاسراء، الآية 15.
[474] سورة الكهف، الآية 104 - 103.
[475] راجع: أخبار الدول ص 113، وفيات الأعيان ج 1 ص 394، الاتحاف بحب الأشراف ص 55، تذكرة الخواص ص 259.
[476] الاحتجاج ج 2 ص 163.
[477] المناقب ج 2 ص 381.
[478] عيون أخبار الرضا، الغيبة للشيخ الطوسي، البحار، المناقب، و قيل ان الساعي به هو محمد بن اسماعيل.
[479] الفصول المهمة، ص 252.
[480] البحار ج 11 ص 272 - 270.
[481] حياة الحيوان للدميري ج 1 ص 77.
[482] سورة الحج، الآية: 39.
[483] الكافي ج 2 ص 373.
[484] سورة الأعراف، الآية: 146.
[485] سورة البينة، الآية: 1.
[486] سورة ابراهيم، الآية: 28.
[487] البحار ج 11، ص 279.
[488] آل عمران، الآية: 77، لا خلاق لهم: ليس لهم نصيب من الخير.
[489] سورة الحج، الآية 25.
[490] سورة الانبياء، الآية 47.
[491] سورة المائدة، الآية 45.
[492] سورة المنافقون، الآية: 8.
[493] البحار ج 17، ص 296.
[494] المناقب ج 2، ص 385.
[495] البحار، ج 17، ص 296.
[496] البحار ج 11، ص 289.
[497] راجع تنقيح المقال.
[498] البحار ج 11، ص 298.
[499] المصدر نفسه.
[500] المناقب ج 2، ص 379.
[501] النجاشي ص 352.
[502] البحار و الفصول المهمة.
[503] تاريخ الطبري.
[504] تاريخ بغداد: 3 / 185.
[505] عيون أخبار الرضا و بحارالأنوار.
[506] البحار ج 11، ص 298.
[507] سورة غافر، الآية: 60.
[508] كان مسؤولا عن دار الرشيد و شرطته.
[509] مروج الذهب ج 3 ص 265.
[510] جاء في المناقب ج 2 ص 370 ان الامام عليه‌السلام رفض الهدايا التي قدمت له.
[511] وفيات الأعيان ج 4 ص 394 و شذرات الذهب ج 1 ص 304.
[512] البحار ج 11 ص 270.
[513] الوسائل باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
[514] البحار ج 11 ص 269.
[515] مختصر تاريخ العرب ص 209.
[516] مقاتل الطالبيين ص 304 - 303.
[517] هو مولي المنصور الدوانيقي ولي دمشق من قبل موسي بن عيسي في خلافة هارون الرشيد، ذكر ذلك الصفدي في كتابه: «أمراء دمشق ص 39 «و نظمه في أرجوزته التي ذكر فيها أمراء دمشق بقوله: و كان قد ولي بها بن شاهك خلافة و لم يكن بمالك و ذكر الجاحظ حديثا عنه في «حياة الحيوان حينما ولي الشام يتعلق في تسويته بين القحطانية و العدنانية، و ذكر الجهشياري في: «الوزراء و الكتاب ص 188 «ان السندي في أيام هارون كان يلي الجسرين في بغداد، و قد وكل بحراسة دور البرامكة لما أراد هارون النكبة بهم و جاء في «المصايد و المطارد ص 7 «كان له ولدان: الحسين و ابراهيم. و له حفيد الشاعر المعروف و الكاتب المشهور كشاجم كان من ألمع شخصيات عصره في أدبه و علمه و من المتفانين في حب آل محمد عليهم‌السلام، و جاء في «الكني و الألقاب» ج 3 ص 93 ان كشاجم كان من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهدين و له في مدح آل محمد قصائد مشهورة. و ذكر ابن‌شهراشوب في «المناقب» ان الله سبحانه و تعالي انتقم من السندي في اليوم الذي توفي فيه الامام عليه‌السلام فقد نفر فرسه به و ألقاه في نهر دجلة فمات فيه.
[518] باب الكوفة: هو أحد الأبواب الأربعة الرئيسية لمدينة بغداد حينما بناها المنصور، و قد بني علي كل باب قبة مذهبة، و حولها مجالس و مرتفعات يجلس فيها فيشرف علي كل ما يعمل به، و باب الكوفة هو الطريق الذي يسلك فيه الي الحج، و كان بابا عظيما لا يغلقه الا جماعة من الناس، و لما غرقت بغداد في فيضان 330 ه هدمت طاقات باب الكوفة، و جاء ذلك في خارطة بغداد ان باب الكوفة تقع في قرية الوشاش الحديثة في محلة الكرخ. و قال بعض العراقيين ان المحل الذي سجن فيه الامام معروف عند بعض الأوساط و هو أحد قصور آل الباججي.
[519] البحار ج 11 ص 300.
[520] نفسه ج 11 ص 305.
[521] هو أبويوسف يعقوب بن اسحق الدورقي الأهوازي الامامي النحوي اللغوي، كان ثقة جليلا من عظماء الشيعة، و يعد من خواص الاماميين التقيين و كان حامل لواء علم العربية، و الأدب، و الشعر، له تصانيف كثيرة منها: تهذيب الألفاظ، اصلاح المنطق، قال ابن‌خلكان: قال بعض العلماء ما عبر علي جسر بغداد كتاب من اللغة مثل (اصلاح المنطق) و لا شك انه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة و لا نعرف في حجمه مثله في بابه، و قد عني به جماعة، و اختصره الوزير المغربي، و هذبه الخطيب التبريزي، و قال ثعلب: أجمع أصحابنا أنه لم يكن يعد ابن الأعرابي أعلم باللغة من ابن‌السكيت، قتله المتوكل في 5 رجب سنة 244 ه. و سبب قتله انه قال له يوما: أيهما أحب اليك ابناي هذان، أي المعتز و المؤيد، أم الحسن و الحسين، فقال ابن‌السكيت: و الله ان قنبر خادم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام خير منك و من ابنيك، فقال المتوكل للأتراك: سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك فمات، و من الغريب انه قبل قتله بقليل قال: يصاب الفتي من عثرة بلسانه و ليس يصاب من عثرة الرجل فعثرته في القول تذهب رأسه و عثرته في الرجل تبرأ عن مهل جاء ذلك في الكني و الألقاب: ج 1 ص 304 - 303.
[522] النجاشي ص 319.
[523] محمد بن الحسن الشيباني، مولاهم الكوفي الفقيه، ولد بواسط، و نشأ بالكوفة، أخذ الفقه من أبي‌يوسف ثم من أبي‌حنيفة، و سمع مالك بن أنس، و أخذ عنه الشافعي و أبوعبيد و كان فقيها. النجوم الزاهرة ج 2 ص 130، و أنباه الرواة ج 2 ص 268 توفي سنة 183 ه هو و الكسائي في يوم واحد، دفنهما هارون. رثاهما اليزيدي: سيفنيك ما أفني القرون التي مضت فكن مستعدا فالفناء عتيد أصبت علي قاضي القضاة محمد فاذريت دمعي و الفؤاد عميد و قلت اذا ما الخطب أشكل من لنا بايضاحه يوما و أنت فقيد و أوجعني موت الكسائي بعده و كادت بي أرض الفضاء تميد.
[524] نور الأبصار ص 127 - 126 الاتحاف بحب الأشراف: ص 58 - 57. البحار ج 11 ص 251، و جاء فيه زيادة علي ذلك انهما رجعا الي الامام عليه‌السلام فقالا له: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام فمن أين أدكت أمر هذا الرجل الموكل بك انه يموت في هذه الليلة؟ فقال عليه‌السلام: من الباب الذي علمه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام فلما رد عليهما بذلك بقيا حائرين لا يطيقان الجواب، و كذلك ذكره الاربلي في كشف الغمة ص 253.
[525] الجعفي الكوفي، من كبار العلماء، و من عيون المتقين الصالحين، و من أفذاذ عصره، له المنزلة المرموقة العليا عند أهل البيت عليهم‌السلام اقتبس العلوم من الامام الصادق عليه‌السلام و كان من عيون أصحابه الذين أخذوا العلم عنه و يكفي علي غزارة علمه كتابه القيم المسمي «توحيد المفضل» الذي أملاه عليه الامام الصادق عليه‌السلام. يعد الكتاب من مفاخر التراث الاسلامي الذي يعتز به. شرح توحيد المفضل ص 17.
[526] البحار، و أصول الكافي، عيون الأخبار.
[527] مثرب: مأخوذ من التثريب و هو التوبيخ و التعبير.
[528] المحوي: اسم المكان الذي يحوي الشي‌ء أي الذي يضمه.
[529] أصول الكافي ج 1 ص 317 - 316 و البحار.
[530] المكان المرتفع.
[531] المطهر: المصعد.
[532] العيص: الشجر الكثير.
[533] الغامر: الخراب.
[534] لا مثنوية فيها: أي لا استثناء.
[535] البحار ج 11 ص 216 - 215.
[536] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 125.
[537] البداية و النهاية ج 10 ص 183 - راجع سورة الجاثية، الآية: 27.
[538] راجع سورة النمل، الآية: 35.
[539] المناقب ج 2 ص 264 - 263.
[540] البحار ج 11 ص 299.
[541] كان يخلط السم في شراب العسل و يقدمه لمن يريد اغتياله.
[542] البحار ج 2 ص 302 - 301.
[543] السائي نسبة الي ساية من قري المدينة. روي عن أبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام و قيل انه روي عن أبي‌جعفر، و روي رسالة لأبي‌الحسن موسي عليه‌السلام راجع النجاشي ص 211.
[544] التحريش: هو اغراء بعض القوم ببعض.
[545] سورة النحل، الآية: 112.
[546] الخنا: الفحش في الكلام.
[547] روضة الكافي ص 126 - 124 كما ذكرت هذه الرسالة في مرآة العقول.
[548] تاريخ بغداد ج 13 ص 137.
[549] الجهشياري ص 97.
[550] تنقيح المقال ج 3 ص 217.
[551] البحار و عيون الأخبار.
[552] فرق الشيعة ص 89.
[553] الكشي: ص 371.
[554] مقاتل الطالبيين ص 504.
[555] عمدة الطالب ص 185.
[556] عيون الأخبار.
[557] البحار ج 11 ص 300.
[558] روضة الواعظين ص 186 - 185 و عيون الأخبار، و الأمالي، و جاء في البحار ان الامام عليه‌السلام التفت الي الشهود، فقال لهم: اشهدوا علي أني مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام، اشهدوا اني صحيح الظاهر لكني مسموم و سأحمر في هذا اليوم حمرة شديدة، و ابيض بعد غد، و أمضي الي رحمة الله و رضوانه» فمضي عليه‌السلام كما قال: في آخر اليوم الثالث، و جاء في قرب الاسناد للحميري أنه عليه‌السلام قال للشهود: اني سقيت السم في سبع تمرات.
[559] مقاتل الطالبيين ص 504 و البحار ج 11 ص 303.
[560] عيون أخبار الرضا.
[561] وفيات الأعيان ج 2 ص 173 - تاريخ بغداد ج 13 ص 32 - تاريخ الطبري ج 10 ص 70 - ابن‌الأثير ج 6 ص 54 - تاريخ أبي‌الفداء ج 2 ص 17. تهذيب التهذيب ج 10 ص 340 - ميزان الاعتدال ج 3 ص 209 - عمدة الطالب ص 85.
[562] المناقب ج 2 ص 383.
[563] الفصول المهمة ص 255.
[564] البحار ج 11 ص 300.
[565] المناقب ج 2 ص 384.
[566] البحار ج 11، ص 300.
[567] البحار ج 11، ص 303.
[568] الفصول المهمة ص 54!!.
[569] عمدة الطالب ص 185.
[570] سليمان بن أبي‌جعفر المنصور، أمه فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبدالله التيمي: تاريخ ابن‌كثير ج 10 ص 28 كان أميرا علي دمشق من قبل الرشيد، و وليها من قبل الأمين مرتين و ولي امرة البصرة مرتين.
[571] سليمان هو عم هارون الرشيد من الشخصيات اللامعة في الأسرة العباسية و أمره مطاع عند الجميع.
[572] البحار، عيون أخبار الرضا.
[573] المناقب ج 2، ص 387.
[574] عيون أخبار الرضا - سورة يوسف الآية 58.
[575] الأنوار البهية ص 99 و جاء فيه انه حكي عن صاحب تاريخ مازندران انه قال في كتابه: انه مر بذلك المكان عدة مرات و قبل الموضع الشريف.
[576] الاتحاف بحب الاشراف ص 57.
[577] باب التبن: اسم محلة كبيرة كانت ببغداد تقع بازاء قطيعة أم‌جعفر و فيها قبر أحمد بن حنبل و هي قريبة من مقابر قريش جاء ذلك في معجم البلدان ج 2، ص 14.
[578] سورة آل عمران، الآية: 185.
[579] هو من أعلام الأدب توفي في النجف الأشرف 1285 ه.
[580] ما ذكره الشاعر عن الامام الكاظم عليه‌السلام هو عام في جميع الأئمة عليهم‌السلام فقد روي الخاص و العام حديث رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: «علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه أينما دار» فهم صلوات الله عيهم ورثوا هذه المكرمة فيما ورثوه عن أبيهم عليهم‌السلام من مواريث الامامة.
[581] قشاعمه: القشعم: المسن الضخم و يقال للحرب و المنية و الداهية: أم قشعم.
[582] العالم: من ألقاب الامام موسي الكاظم عليه‌السلام.
[583] جراثمه: أصله.
[584] المغني: المنزل الذي غني به أهله.
[585] حباه: أعطاه.
[586] سجم الدمع: سال.
[587] صب القلب: رق و اشتاق. و الهيام: شدة العشق.
[588] تحت راية الحق: 613 عن أعيان الشيعة ج 10 ص 189.
[589] تحت راية الحق عن المجالس السنية ص 614.
[590] من خطباء المنبر الحسيني في الحلة و من شعرائها المكثرين في أهل البيت عليهم‌السلام.
[591] تحت راية الحق من أدب الطف ص 614.
[592] من شعراء النجف الأشرف و من علمائها و مؤلفيها توفي سنة 1345 ه.
[593] تحت راية الحق عن أدب الطف ص 615. و كما نلاحظ ان جميع القصائد التي قيلت في رثائه جاءت قصائد مدح للامام الكاظم عليه‌السلام لأنه أحدث فراغا كبيرا في الأمة الاسلامية.
[594] من علماء الحلة و شعرائها و كانت وفاته سنة 1345 ه.
[595] تحت راية الحق ص 615 عن أدب الطف ص 10 / 187.
[596] تحت راية الحق ص 610 عن كشف الغمة 3 / 84.
[597] ترجم له صاحب نشوة السلافة و ذكر بعض شعره، و الأمين في أعيان الشيعة.
[598] تحت راية الحق ص 610 عن أعيان الشيعة ج 10 ص 129.
[599] تحت راية الحق ص 613 عن الترياق الفاروقي: 130.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.