الامام موسي الكاظم (علیه السلام) في محنة التاريخ

اشارة

‏سرشناسه : طالب، عايده
‏عنوان و نام پديدآور : الامام موسي الكاظم في محنه التاريخ/ عايدة عبدالمنعم طالب
‏مشخصات نشر : بيروت : دارالرسول الاكرم (ص): دارالمحجة البيضاآ ، ۱۴۲۱ق. = ۲۰۰۰م. = ۱۳۷۹.
‏مشخصات ظاهري : ص ۲۷۴
‏وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
‏يادداشت : كتابنامه: ص. ۲۶۸ - ۲۶۳
‏مندرجات : نمايه
‏موضوع : موسي بن جعفر (ع)، امام هفتم، ق‌۱۸۳ - ۱۲۸
‏رده بندي كنگره : BP۴۶/ط۲‌الف‌۸
‏شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۱-۲۲۵۷۶

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام علي معادن العصمة، و لآلي‌ء السمة، و درر العلم، و كنوز الفهم، محمد القدوة، و علي الصفوة، و فاطمة الحورا، و الحسنان الثمرة، و ذريتهم البررة. أما بعد... اذا أردنا استعراض سيرة الامام الكاظم (ع)، فان أول ما يتبادر الي الذهن، قمعه وزجه في زنزانات السلاطين، ليواروا شخصه عن شيعته و محبيه، و ليطفئوا نور امامته، عساهم بذلك يتمكنون من الشموخ بملكهم، و الانفراد بسلطانهم فيبقوا في الساحة دون منافس. و ظنوا أنهم بهذا التعسف الوحشي، سيتمكنون من السيطرة و الانقضاض علي قلوب شيعة أهل البيت و مواليهم، فيحجموا عن التقرب الي الامام، فيتقوقعوا في زوايا بيوتهم، فينضووا حينئذ قهرا و قسرا تحت لواء عروش الجبابرة. و لكنهم نسوا أو تناسوا أن السجن كان أمنيته الامام موسي الكاظم (ع) فقد كان (ع) يقول في دعائه «اللهم انك تعلم أني كنت اسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد [1] . و قد كان يعلم الامام (ع) أن دائرة السوء سوف تدور عليهم، اذ أنهم [ صفحه 10] بسجنهم له تافت النفوس شوقا اليه، و ارتأت الشعوب القيام بثورة دفاعا عنه، و حقدا علي الملك العضوض الذي تعلق به العباسيون بمخالبهم الكاسرة، و أنيابهم الحادة، تنهش الحي و الميت!... الي أن طرحت فريسة تنقض عليها و تقضمها البطون الجوعي، و الأكباد الحري. و ذلك بقيام الثورات ضد الملوك العباسيين، و أزلامهم كالبرامكة الذين كانوا الساعد الأيمن للعباسيين، و خاصة لهارون‌الرشيد، فقد رماهم الله و أزال ملكهم و عزهم، علي يد هارون نفسه، و قد كان الامام الكاظم عليه‌السلام أخبر بهلاك البرامكة قائلا: «مساكين ال برمك! لا يعلمون ما يجري عليهم» [2] . ثم ان من سبر حياة الامام الكاظم (ع) يري العجب من الخوف الرهيب الذي كان يداهم السلاطين و يقض مضاجعهم بين الحين و الآخر، من تواجد الامام (ع) في مملكتهم حر طليق، فلابد من الضغط عليه و علي شيعته، بقيد وثيق. ان الاضطراب النفسي الذي كان يعيشه الحكام جعلهم في دوامة و حيرة من أمرهم تجاهه (ع) حتي أضطرهم الي سجنه مع حبهم له، خوفا من أن يفلت الحكم من أيديهم، و قد كان هارون‌الرشيد يموه لرعيته أن الخوف علي المصلحة الاسلامية العليا هي التي تفرض عليه سجن الامام (ع). فقد دخل هارون مسلما علي قبر رسول‌الله «ص» قائلا: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله! اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه، اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم» [3] . فالعباسيون كانوا يكنون الحب و الاحترام و يعترفون بفضائل الأئمة فهم بين ظهراني معجزاتهم و ورعهم و... و لكن الملك عقيم. فقد حدث مع المهدي العباسي حادثة مخيفة عندما سجن الامام الكاظم (ع) اذ أنه رأي في منامه أميرالمؤمنين عليا (ع) يقول له: «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم «فأطلقه (ع) و لكن بعد أن [ صفحه 11] أخذ منه العهد قائلا: فتؤمني أن لا تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني» [4] و كما أعترف هارون‌الرشيد عندما سأله ولده المأمون عن سبب أذيته للامام الكاظم (ع) مع احترامه له - حتي لقد تعجب المأمون من ذلك و قال: لقد تعلمت التشيع من أبي - فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي بن جعفر امام حق والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله «ص» مني و من الخلق جميعا، و والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم [5] بل لما نظر هارون الي الامام من سطح يشرف علي السجن، فرأي شيئا ملقي علي الأرض ظن أنه ثوب، فعندما أخبره الربيع بأنه الكاظم (ع) و أن له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي الزوال تعجب هارون و قال: أما ان هذا من رهبان بني‌هاشم! فأغتنمها فرصة الربيع فقال: فما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟ قال: هيهات لابد من ذلك [6] !!! فهذه فلتات اللسان في مدح الامام (ع) كانت تظهر دوما علي لسان العدو و الصديق. و مع كل الذي حصل للامام (ع) نري أنه قد ملأ الآفاق في علمه فقد عبر عنه بالبحر الذي لا ينزف، اذ أنه تحدث (ع) في جميع ابواب الفقه و الطب و الفلسفة و النجوم و... ما يعجز عنه البيان و ما وصل لنا من أحاديثه و مواعظه ما يقرب من 4346 حديث [7] ثم اننا نلمس أن الامام (ع) لما رأي من قتل للعلويين في السجون و التضييق عليهم، قام يحث شيعته علي انجاب الاطفال، كي يملؤا الآفاق بكلمة التوحيد، و كان (ع) هو السباق في ذلك، اذ أنه من أكثر الأئمة نسلا. انهم ارادوا قتل العلويين حتي لا يبقي منهم قامة سوط - كما قال أبوجعفر المنصور الدوانيقي - و لكنهم ارادوا الله، فكان صيتهم عليهم‌السلام ينشر يوما بعد يوم في شرق الأرض و غربها و زماننا هذا أكبر شاهد علي ذلك. و ما زال وقود نور الامامة يشعل أعماقهم و يحفزهم للقيام بثورة علي [ صفحه 12] الباطل، لاضفاء نور الحقيقة في أرجاء المعمورة. ألقي السندي بن شاهك جثة الامام (ع) علي جسر بغداد ثلاثة أيام لتنفي تهمة تلوث يده بدمه!! و لكن الأخضرار الذي بان علي الامام (ع) من أثر السم، تحول الي اخضرار في ربوع قلوب شيعته، فرسخت عقيدتهم، و هيجت أحزانهم فنذروا الأخذ بالثأر، و اصلاء اعدائهم حر النار. و ان الدماء التي استنزفتها السلطة من الامام تحولت الي بقع حمراء تصبغ عروشهم الي الأزل بالعار و الشنار. و ان القيود التي كبل بها الامام [8] تحولت الي رابطة محبة و ولاء، و سلسلة ذرعها سبعون ذرعا علي الأعداء. و قد اعترف بذلك الرشيد عند موته فأنشأ يقول: «ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانيه [9] و لكنه خجل اتمام الآيات بقوله «خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه». و أملا في تبيان سيرة الامام الكاظم (ع) التي اكتنفها الغموض، اذ قل ما سطر عنه، و اخراجها بحلة جديدة، شمرت ذراع الجد بالبحث و التنقيب، بغية أن أري ما غيبة التاريخ فوجدت ضالتي، لكن لا أدعي الوصول الي كل المأمول، و أرجو أن تكمل المسيرة في بيان السيرة. و أخص بالشكر السيد عمار شرف‌الدين، و الشيخ محمود معتوق، اللذان نقحا الكتاب مما وقع فيه من زلات القلم، أيدها الله بلطفه. فعهدا لك يا كاظم الغيظ، بأننا لن نكظم غيظنا عن الأعداء بعد اليوم، لأن الصبح بان، لذي العيان، و قد آن الأوان، لصرخة و لهان، توصل الأمان الذي الايمان، بظهور صاحب الزمان. فالأمان الأمان يا صاحب‌الزمان. عائدة طالب العاملية شوال 1420 [ صفحه 17]

في الجانب الشخصي للامام الكاظم

المولولد المبارك

السلالة الطاهرة

الأب: الامام الصادق

... و قبل الاقتحام في مضمار البحث عن حياة من دانت له البشرية بالتكريم و التبجيل لابد من استعراض لمحة موجزة من سيرة الامام الصادق (ع) ذاك الوالد الذي لم تزل تعاليمه متدفقة حتي يومنا الحاضر، من كثرة القواعد و الاصول التي رسخها في أفكار أصحابه لتكون نموذجا وضاء وحيا تسير علي خطاه الأجيال ما بقي الدهر. و لا مبالغة في الحديث و لا مغالاة في قولنا أن الامام الصادق (ع) أزهر و أزخر المكتبة الشرقية و الغربية بتعاليمه التي بهرت العقول، و لم يزل التنقيب مستمرا في مخبآت رواياته، ليستكشف من خلالها طبا و دواء عجز عن كشفه علماء القرن العشرين، و كذا في مجالات أخري. علاوة علي ذلك! فانه لم يعهد مثيل لمدرسة حوت طلابا في مختلف العلوم، مع ذاك التدفق الرهيب، علي النهل من ينبوع علم الامام الصادق (ع) حتي لقد احصوا تلاميذه فكانوا أكثر من أربعة آلاف عالم، في شتي العلوم المختلفة، مع تأكيد الامام (ع) لكثير من أصحابه في أن يتخصصوا بعلوم معينة، ليكون طلابه أبرع و أروع في تخصصهم، و ذاك لأن قصور عقولهم عن أدراك الكمال الذي كان يتحلي به الامام (ع) جعلهم يخوضون في بحر علمه لنهل عذب نمير علمه أجمع، و لكنهم أحجموا و تقهقروا عندما شعروا بعجزهم فوقفوا عند حدهم. و شجعهم الامام علي ذلك اذ رأي أن الاوعية كثيرة، فطفق يغدق في [ صفحه 18] كل وعاء ما أمكن تحمله و الا لهدر سدي. و ابتلي الامام الصادق (ع) بجو مشحون بالمغالطات و الزندقات، و التفسير بالرأي و العمل بالقياس، فقام يفند المزاعم و يقوي صرح الدين بالمحاججات و المناظرات، و تفنيد الشبهات، مما لا يبقي لذي شك حجة. في هذا الاطار الذي كان يدور حوله الامام (ع) نري أنه لم يرض لشيعته، أن تنسب نفسها اليه اذا لم يكونوا علي درجة من الورع و صدق الحديث و أداء الأمانة و المحافظة علي الصلاة و... فكان (ع) لا يرضي بالعلم الجاف الذي لا يتحرك في نطاق الوعي و الالتزام الديني علي جميع المحاور. و بهذا انشأ جيلا متكاملا يتحلي بصفات العلم و الحلم، و القول و العمل، فكان ذاك الجيل انطلاقة في مسيرة الجهاد الي يومنا هذا و ها نحن نستذوق طعمها، اذ أنها أينعت في هذا الزمن. و لكن الحكومة الغاشمة لم تشأ لتلك المسيرة الظافرة أن تكمل طريقها، فسدت منافذها، و لكنها ما استطاعت ايقافها البتة، لأنها كانت قد تغلغلت في النفوس، فرست معالمها، بما أيدها الله جل جلاله، بين وفور الفرصة للامام (ع) بين انحلال الدولة الأموية، و سيطرة الدولة العباسية، بما ادي للدولتين دون الحؤول و الوقوف في طريق تحقيق أهداف الامام المنشودة. و لكن و بعد أن شيدت الدولة العباسية، و رست سفينتها علي شاطي‌ء الأمان، و درت بالمخاطر التي تجول حولها، درأتها بدس السم للامام الصادق (ع) علي يد المنصور الدوانيقي. و ظن بذلك أنه حقق حلمه، و سينام في سبات عميق علي وسادته مطمئن البال، و لكنه لم يعتبر بمن قتل الأئمة من قبله، كيف كان مصيرهم، فها علي (ع) الذي سب علي المنابر سبعين سنة، كيف كان ذكره و ها الحسن و الحسين و... فكيف رأي التعلق الرهيب بحبهم و ولائهم!!!.

الأم: حميدة المصفاة

ان للعامل الوراثي دور كبير في بناء شخصية الطفل، فلذا كان انتقاء الأم من أجل الأمور التي حث عليها الاسلام، قائلا عن لسان الامام [ صفحه 19] الصادق (ع) عن رسول الله «ص» اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين» [10] ، فلذا نري أهل البيت (ع) لا ينظرون الي كون المرأة التي يريدون الاقتران بها ذات نسب معروف، بل ان أكثر أمهات الأئمة (ع) كن جوار. لأن العبرة بدينها و خلقها. أما كيف وصلت حميدة أم الامام الكاظم (ع) الي الامام الصادق (ع) روي الكليني باسناده قال: دخل ابن‌عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي‌جعفر و كان أبوعبدالله قائما عنده فقدم اليه عنبا، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير و الصبي الصغير، و ثلاثة و أربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع، و كله حبتين حبتين فانه يستحب. فقال لأبي‌جعفر (ع): لأي شي‌ء لا تزوج أباعبدالله فقد أدرك التزويج؟ قال: و بين يديه صرة مختومة، فقال: أما انه سيجي‌ء نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية: قال: فأتي لذلك ما أتي، فدخلنا يوما علي أبي‌جعفر (ع) فقال: ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم، فأذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية. قال: فأتينا النخاس فقال: قد بعت ما كان عندي الا جاريتين مريضتين احداهما أمثل من الأخري، قلنا: فأخرجهما حتي ننظر اليهما فأخرجهما، فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال: بسبعين دينارا، قلنا: أحسن. قال: لا أنقص من سبعين دينارا، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و لا ندري ما فيها و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية قال: فكوا وزنوا. فقال النخاس: لا تفكوا فانها ان نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم، فقال الشيخ: ادنوا، فدنونا و فككنا الخاتم و وزنا الدنانير فاذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي‌جعفر عليه‌السلام و جعفر قائم عنده، فأخبرنا أباجعفر بما كان، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة، فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب؟ [ صفحه 20] قالت: بكر. قال: و كيف و لا يقع في أيدي النخاسين شي‌ء الا أفسدوه؟ فقالت: قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلا أبيض الراس و اللحية، فلا يزال يلطمه حتي يقوم عني، ففعل بي مرارا، و فعل الشيخ به مرارا. فقال: يا جعفر خذها اليك، فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليهماالسلام» [11] . فالامام الصادق (ع) كان يتمني الأشراف أن يصاهرهم لعلمه و فضله و مكانته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لكنه و أبيه عليهماالسلام أبيا ذلك، ليظهرا فضل و شرف الأم التي تحمل بين احشائها الامام، و بين طياتها حب الاسلام، بل ان الله تعالي أحاطهم بغيبه، بأن حميدة تلك الجارية - البربرية [12] - - أو الاندلسية - - أو الرومية - أو المغربية حسب اختلاف الروايات بالتعبير عنها - تستحق أن تكون أم امام، و أن الامام و ان أدرك التزويج، و لكنه ينتظر و لو مدة مديدة ليظهر الله أمره. ثم ان الامام الباقر (ع) لم يترك الأمر سرا بوصول حميدة، بل أنه أخبر أصحابه بذلك، ثم اعطاؤهم الصرة بالمبلغ المطلوب دون الاتقان مسبقا مع صاحبها، ثم المعجزة معها نفسها، و أنها كان معها من يحرسها كل هذا مع حضور الأصحاب يسمعون و يعون تلك المعاجز الغيبية التي أحاطت بحميدة. بل قوله (ع) لها: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة، من نظرته الأولي له، تشعر بالعلم الغيبي الذي كان يحيط به الامام (ع) عن شأنها، و كأن هذه الاشارات كلها تمهيدا لامامته (ع). و في الكافي عن أبي‌عبدالله (ع): قال: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها، حتي أديت الي كرامة من الله لي و الحجة من بعدي» [13] . و في هذه الرواية يشير الامام الصادق الي الوصي من بعده، بأنه ليس [ صفحه 21] هو اسماعيل الذي أدعوا امامته، مع أن الامام الصادق (ع) أكدا لهم موته بقوله (ع) الميت المكفن المحنط المدفون في هذا اللحد من هو؟ قالوا: اسماعيل ولدك. فقال (ع): اللهم أشهد. و ليس هو عبدالله الأبطح الذي ادعي الامامة، «و قد كان الصادق قال لولده الكاظم (ع): «يا بني ان أخاك سيجلس مجلسي و يدعي الامامة بعدي، فلا تنازعه بكلمة فانه أول أهلي لحوقا بي» و توفي بعد أبيه بسبعين يوما» [14] . و اسماعيل و عبدالله أخويه لأبيه لا من أمه، و الامام اكد بأن الحجة من بعده من ولد حميدة. و لقد كان (ع) يؤكد بأنها تلد مولودا ليس بينه و بين الله حجاب [15] . أما بالنسبة لورعها و وثاقتها، فقد روي في عيون أخبار الرضا (ع) «انها حميدة المصفاة، و كلما أراد الامام الصادق (ع) تقسيم حقوق أهل المدينة، أعطاها لأمه أم‌فروة و زوجته حميدة المصفاة» [16] و كانت تلقب بلؤلؤة.

ولادته

لجميع الأئمة (ع) ولادة مميزة، يتنبأ من خلالها علي أنه الحجة بعد أبيه، و ان كان الأئمة (ع) يعرفون ذلك من قبل ولادة الامام. و لما أراد الله تعالي أن يخرج تلك الدرة الي عالم الوجود، و كان قريب عهد بموسم الحج، فلم يشأ الامام (ع) الاعراض عن تلك السنة المباركة، و هي الحج مرات عديدة بعد الفريضة، و لكن مع ذلك حميدة قريبة الولادة و يمكنه أن يوكل بها بعض نسائه أو أن يترك عدة جوار يتفقدن حالها دوما، و لكن الامام الصادق (ع) اصطحبها لأنه أراد أن يكون حاضرا، عند بزوغ فجر الامامة و فخر الشهامة. [ صفحه 22] أراد أن يجري له (ع) سنن المولود علي يديه، أراد أن يبين امامته بين أصحابه، و خاصة في طريق السفر، فان الخبر سرعان ما ينتشر، و قد أخبرهم (ع) أنه هو الوصي من بعده. روي عن أبي‌بصير قال: «حججنا مع أبي‌عبدالله (ع) في السنة التي ولد فيها ولده موسي (ع) فلما نزلنا الأبواء [17] وضع لنا الغداء، و كان اذا وضع الطعام لأصحابه أكثره و أطابه، قال: فبينا نحن نأكل اذ أتاه رسول حميدة، فقال: ان حميدة تقول: اني قد أنكرت نفسي و قد وجدت ما كنت أجد اذا حضرتني ولادتي، و قد أمرتني أن لا أسبقك بابني هذا، قال: فقام أبوعبدالله (ع) فانطلق مع الرسول، فلما رجع (ع) قال له اصحابه: سرك الله و جعلنا فداك ما صنعت حميدة؟ قال: قد سلمها الله، و قد وهب لي غلاما و هو خير من برأ الله في خلقه، و لقد أخبرتني حميدة! ظنت أني لا أعرفه، و لقد كنت أعلم به منها! فقلت: و ما أخبرتك به حميدة عنه؟ فقال: ذكرت أنه لما سقط من بطنها سقط واضعا يده علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الوصي من بعده، فقلت: و ما هذا من علامة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علامة الوصي من بعده؟ فقال: يا أبامحمد! انه لما كانت الليلة التي علقت فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم، و أمرني بمثل الذي أمرهم به. فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي ما يهب الله لي فجامعت، فعلقت بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، ان نطفة الامام مما أخبرتك، فانه اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر، و أنشي‌ء فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي اليه ملكا يقال له: حيوان. يكتب في عضده الأيمن «و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته» فاذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه الي السماء، فاذا وضع يده علي الأرض، فان مناديا يناديه من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلي باسمه و اسم أبيه، يا فلان بن فلان أثبت مليا لعظيم خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي، [ صفحه 23] و خليفتي في أرضي، و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري، ثم و عزتي لأصلين من عاداك أشد عذابي» [18] . فحميدة امتثلت لأمر الامام (ع) أن لا تحدث له أي حدث من المستحبات أو الارضاع قبل أن يحضر الامام، و اكدت قولها بابني هذا اشعارا الي أنه لم يعهد لها من قبل لاولاده الأكبر منه هذا الفعل، فلابد من سر اذن!. و لما عاد الامام مستبشرا و سئل ماذا صنعت حميدة؟ فكان أول جوابه قد سلمها الله، قبل اخبارهم بمولوده الحجة. فكم كانت اذن ذات منزلة عند الامام الصادق (ع) لأن سلامة المرأة عند ولادتها لطف من الله سبحانه و تعالي. و لتأكيد الامام (ع) بكراماته و علامة الوصي و التشديد في ذلك و الوعيد بالعذاب لاعدائه، و الوعد بالجنة لأوليائه، لأكبر دليل علي تنبؤ الامام (ع) علي أن هناك فرقا ستميل و تنحاد عن جادة الصواب، و لن تعترف بامامته، كالاسماعيلية و الفطحية و الكيسانية و غيرهم. و كانت ولادته (ع) علي أشهر الروايات في 7 صفر [19] سنة 128 ه، و قيل 129 [20] و في دلائل الامامة أنه ولد في ذي‌الحجة (و لكنه ضعيف) سنة 127 [21] . ثم ان الامام (ع) أكمل مسيره الي المدينة مسرعا، و لعل ذلك لاجراء السنة و هي العقيقة في اليوم السابع، فأحب (ع) أن تكون عامة للناس، فوصل (ع) الي المدينة و أطعم الناس ثلاثا. [ صفحه 24] فعن منهال القصاب قال: «خرجت من مكة و أريد المدينة فمررت بالأبواء و قد ولد لأبي‌عبدالله موسي (ع) فسبقته الي المدينة و دخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل، فمكثت بذلك ثلاثا، أطعم حتي ارتفق، ثم لا أطعم شيئا الي الغد» [22] . و هذه البركة في الطعام كانت من بركات الامام الكاظم (ع). و سنة الاطعام عند ولادة المولود مما أقرها أهل البيت عليهم‌السلام. فقد جعلوا العقيقة سنة مؤكدة فقد قال الامام الصادق (ع) «كل امري‌ء يوم القيامة مرتهن بعقيقته» [23] «و كل مولود مرتهن بعقيقته» [24] . أما من ناحية الوليمة فقد روي أنه قال «ص»: لا وليمة الا في خمس: «في عرس أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز، فالعرس التزويج، و الخرس النفاس بالولد، و العذار الختان، و الوكار الرجل يشتري الدار، و الركاز الرجل يقدم من مكة» [25] . بل ان اطعام الطعام يورث المحبة و الرابطة بين أفراد المجتمع، و يوجد الالفة، و يفكك العداء و المشاحنة، و لعل بعض الحضور لا يملك قوتا أيضا. فعن الصادق (ع) «من أطعم مؤمنا حتي يشبعه لم يدر أحد من خلق الله، ماله من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب و لا نبي مرسل الا الله رب العالمين... ثم تلا قول الله تعالي «أو أطعام في يوم ذي مسغبة» [26] .

القابه و كناه

و مما تميز به الامام الكاظم (ع) كثرة القابه و كناه، و ذلك للخوف الشديد الذي كان يداهم شيعته اذا رووا عنه، أو تحدثوا عنه، أو جبوا [ صفحه 25] الزكاة أو الخمس له، أو أرادوا نشر فقهه و معارفه و... فلذا كانت التقية علي أوجها في عهده (ع) فكانت القابه و كناه رمزا يتداوله شيعته فيما بينهم، اذا أحسوا أن أحد العملاء لبلاط السلاطين قد شعر بكلمة السر فيما بينهم، فكان يلقب (ع) 1 - العبد الصالح 2 - النفس الزكية 3 - زين‌المجتهدين 4 - الوفي 5 - الصابر 6 - الأمين 7 - الزاهر (و سمي بذلك لأنه زهر باخلاقه الشريفة و كرمه المضي‌ء) 8 - الكاظم (لما كظمه من الغيظ و غض بصره عما فعله الظالمون به، و كان من المتوسمين يعرف من يقف عليه فيكظم غيظه) 9 - الصالح [27] . أما كناه فهي: 1 - أبوالحسن الأول 2 - أبوالحسن الماضي 3 - أبوابراهيم 4 - أبوعلي 5 - أبوأسماعيل [28] . و روي عنه (ع) أنه قال: «منحني ابي كنيتين» فقال في الدلائل هما «أباالحسن و أباابراهيم» [29] .

نقش خاتمه

لقد أهتم الانبياء و الأئمة (ع) بالخواتم، و لم يعلم أول من تختم، و لكن عرف بأن نبي الله سليمان (ع) كان نقش خاتمه «سبحان من الجم الجن بكلماته» [30] و أن نمرود لما القي ابراهيم في النار، دفع جبرائيل اليه خاتما مكتوبا عليه «لا اله الا الله محمد رسول الله، ألجأت ظهري الي الله و أسندت أمري الي الله، و فوضت أمري الي الله» [31] . بل ان الخاتم كان من السنن أو العادات التي يتبعها الكفار أو الفاسقين و أقرها الاسلام أيضا فقد ورد عن أبي‌عبدالله (ع) «بلغوا بالخواتيم» [32] أي ابلغوها آخر الأصابع و لا تجعلوها في أطرافها فانه يروي أنه من عمل قوم لوط. [ صفحه 26] و لم يزل التختم بها باليمين معروفا الي أن ابتدع معاوية نقلها الي اليسار. ففي المناقب أن النبي «ص» تختم في يمينه و الخلفاء الأربعة بعده، فنقلها معاوية الي اليسار، و أخذ الناس عنه ذلك. و أشتهر أن عمرو بن العاص عند التحكيم، سله من يده اليمني و قال: خلعت الخلافة من علي كخعلي خاتمي هذا من يميني، و جعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري، فهذا هو السبب في ابتداع معاوية ذلك [33] . و لعل الاهتمام بالخواتيم أن الله بحكمته جعل التحرز من الفقر و المرض و السلطان و... باحجار خلقها بقدرته، لتكون عبرة و موعظة للانسان في كل لحظة من لحظاته ينظر اليها و يفكر بقدرته، كما أكد جل جلاله التفكر في ملكوت السموات و الأرض و هذه احداها متوفرة معه. أما نقش خاتم الامام الكاظم (ع) فعن أبي‌الحسن الرضا (ع): و نقش خاتم أبي «حسبي الله» و هو الذي كنت اتختم به [34] ، و فيه وردة و هلال في أعلاه [35] : و في رواية الفصول المهمة «الملك لله وحده» [36] . و لا تنافي بين الروايتين اذ أنه يمكن أن يكون له (ع) خاتمان أو أكثر، يتختم بها حسب المناسبة، من دخوله علي سلطان مثلا «حسبي الله». و من حب التذلل في نفسه اذا رأي كثرة الانضمام اليه، أو رأي وفرة ماله أو... فانه يذكر الله تعالي و أن ملك الانسان زائل لا محالة.

صفته

لقد اختلفت الأقوال في صفة الامام (ع) [37] 323 - انه أسمر اللون، 2 - و قال بعضهم [38] اسمر عميق، 3 - أزهر الا في الغيظ لحرارة مزاجه. 4 - أسود اللون. و في البحار المراد بالأزهر المشرق المتلألي‌ء لا [ صفحه 27] الأبيض و ذلك لأنه كان شديد السمرة. ربع تمام خضر حالك، كث اللحية [39] ، و في رواية شقيق البلخي انه حسن الوجه شديد السمرة نحيف [40] .

محبة أبيه له

روي أنه قيل لأبي‌عبدالله (ع) ما بلغ بك من حبك ابنك موسي (ع)؟ فقال: وددت أن ليس لي ولد غيره، حتي لا يشاركه في حبي له أحد [41] . [ صفحه 31]

من يتعلق به

ازواجه

من الملفت للنظر أن الامام الكاظم (ع) تزوج كثيرا من النساء، و كلهن جوار، و لم يتزوج حرة قط، اضافة الي عدم ذكر أسماء و عدد تلك الجواري تفصيلا، و لعل ذلك يرجع لأمور. منها. 1 - رفع مستوي الجواري، و عدم نبذهن في المجتمع للخدمة فقط، أو لقضاء الحاجات. 2 - الجارية اذا ولدت من حر، فانها تصبح أم‌ولد و تتشبث بالحرية، و تعتق من مال ولدها بعد موت سيدها، فأراد الامام (ع) التقليل من الجواري بهذه الطريقة. 3 - الجارية اذا كانت زوجة، فانها أشد ما تكون قريبة لسيدها، و بهذا ستتحلي بالأخلاق الفاضلة، و التعاليم السامية، و قد ترجع الي عشيرتها بعد موت سيدها و تنشر التعاليم الاسلامية في بلاد الروم أو الترك أو... 4 - لا يجوز نكاح الأمة علي الحرة الا باذنها [42] ، فقد لا يجد الامام (ع) تلك المرأة الصالحة التي تتحلي بالأخلاق الاسلامية العليا، التي منها أن تأذن لزوجها الامام (ع) أن يتزوج بما شاء من الاماء لغاية في نفسه، كالاكثار من الذرية، مع تخليها عن الغيرة و الحسد و... [ صفحه 32] و مما يؤكد اهتمام الامام (ع) باكثار ذرية بني أبي‌طالب، قوله (ع) لهارون‌الرشيد عندما أراد به كيدا ثم عفا عنه. بمعجزة سيأتي بيانها. و أكرمه بخلع و بدرتان دنانير، قال (ع): والله لو لا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي‌طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها» [43] . 5 - الأمة بما أنها أخذت أسيرة و اشتريت، فانها ستكون ألين و أطوع، و لن يقع التنازع غالبا بين الاماء أنفسهن، بخلاف الحرائر... اضافة الي قلع جذور العصيبة و القبلية من النفوس، و هي النظر الي الحسب و النسب عند ارادة التزويج، مع عدم الالتفات الي الجانب و العنصر الأهم في المرأة - و هو دينها و أخلاقها - لا جمالها و مالها و نسبها. نعم ذكرت بعض المصادر أنه تزوج بجارية من آل‌الزبير - حرة - و قال ما شي‌ء مثل الحرائر و اذا صحت الرواية، فانه لم ينجب من حرة قط [44] . 6 - ان سر زواجهم (ع) من اماء، هو أن الأمة غالبا من بلاد الروم أو الفرس أو الترك... و هذه تكون غير عربية، فمصاهرة الامام (ع) لهم، يعد فخرا لهم اذ قد يدخل قوم منهم في الاسلام من خلال ذلك، و بهذا (ع) يكون قد روج لتوسعة الرقعة الاسلامية، بحرب باردة، و هي الدعوة الي الله بعلمه لا بلسانه، و خاصة اذا رجعت الأمة الي بلادها و نقلت سيرة الامام (ع).

اولاده

ان أكثر الأئمة نسلا هو الامام موسي الكاظم (ع) و قد اختلف في عدد أولاده (ع) فالمكثر قال: ولد له ستون ولدا، سبع و ثلاثون بنتا، و ثلاث و عشرون ذكرا [45] و لكن هذا القول ضعيف، و لم أجد موافقا لهذا الرأي أحد. أما المقل فقال: ولد له ثلاثون فقط [46] . [ صفحه 33] أما المشهور في التاريخ في عدد أولاده فهو سبع و ثلاثون ولدا ذكرا و أنثي [47] أو ثمان و ثلاثون [48] . و قيل بل له (ع) أربعون ولد ذكرا و أنثي. [49] من الملفت للنظر أن الامام موسي بن جعفر الكاظم (ع) أوصي أن لا تتزوج بناته من بعده فلم تتزوج واحدة منهن الا أم‌سلمة فانها تزوجت بمصر تزوجها القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد (ع) فجري في هذا بينه و بين أهله شي‌ء شديد، حتي حلف أنه ما كشف لها كنفا، و أنه ما أراد الا أن يحج بها [50] . و تتبعت سيرة بناته (ع) فلم أجد لواحده ذكر لها في التاريخ من ناحية الزوج أو العقب، نعم الا ما ورد أم زينب بنت الكاظم (ع) سافرت مع زوج أختها القاسم بن محمد بن جعفر الصادق (ع) [51] . فمع صحة هذا النقل - و يظهر صحته و الا لذكر التاريخ شيئا عن أزواجهن أو ذريتهن - يحتمل أن الامام (ع) اما لم يجد لهن كفؤا، و اما لأن أولاده الكاظم (ع) تشردوا فقد تتعرض بناته للتشريد اذا كن مع أزواجهن ففضل لهن البقاء دون زواج. نعم ورد في وصية الامام الكاظم (ع)، التي وردت في عيون أخبار الرضا أن الكاظم (ع) قال: و أن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها الا باذنه و أمره. فغاية الامام (ع) من كثرة التزويج كانت هي اكثار الذرية الصالحة الهاشمية العلوية، لما وقع من القتل في صفوف الشيعة العلويين في عهد أبي‌جعفر المنصور، حتي كاد الشيعي أن يختفي و لا يبين نفسه. - و هذا لا [ صفحه 34] يتحقق الا باكثاره من الاماء غالبا، و بتزويجه عزاب بني أبي‌طالب - اضافة الي التشتت الذي حصل في أولاد موسي الكاظم (ع) هربا من ملوك بني‌العباس مما جعلهم ينتشرون في شرق الأرض و غربها، و كان هذا من رمي الله تعالي لا من رميهم، اذ أن الموسوية تكاثرت في ايران و أفغانستان و العراق و لبنان و...

موالوه

1 - أحمد بن أبي‌خلف [52] .

بوابه

محمد بن المفضل [53] - المفضل بن عمر الجعفي - [54] .

شاعره

السيد الحميري [55] . [ صفحه 37]

سيرته

طفولته

قد تتملكك الدهشة للوهلة الأولي، اذا صدرت معاجز من أطفال، و لكن بعد الرجوع الي القرآن الكريم، سرعان ما تزول هذه الدهشة، اذا قرأنا أن المسيح عيسي بن مريم (ع) تكلم في المهد. و أن يحيي آتاه الله الحكم صبيا، و أن اسماعيل (ع) كان ثاقب البصيرة بطفولته و... كثير ذلك في الأنبياء. و أما الأئمة فبعد الاقرار بعصمتهم [56] لا نري فرقا بينهم و بين الأنبياء من ناحية الكرامات و المعاجز، اذ أن وحدة الهدف و المناط واحدة، و الروح الكمالية التي يمتلكونها واحدة، و القدرة علي الوصول الي الغيبيات واحدة فلما الاستغراب اذن؟ 1 - فقد روي الشيخ المفيد عن يعقوب السراج قال: دخلت علي أبي‌عبدالله (ع) و هو واقف علي رأس أبي‌الحسن موسي (ع) و هو في المهد، فجعل يساره طويلا، فجلست حتي فرغ، فقمت اليه، فقال أدن الي مولاك، فسلم عليه، فدنوت فسلمت عليه فرد علي بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فانه اسم يبغضه الله، و كانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء فقال أبوعبدالله (ع): انته الي أمره ترشد، فغيرت اسمها» [57] . [ صفحه 38] ففعل الامام و هي مساراته أمام أصحابه، مع أنه في المهد، و طفل مثله لا يعقل ذاك الكلام الطويل، و قوله (ع) أدن الي مولاك فسلم عليه، ثم تأكيده (ع) انته الي أمره ترشد، كل هذه الأمور ارشاد من الامام الصادق (ع) بأن الأئمة (ع) فاهمون عاقلون في مهدهم، لأن الله تعالي ذخرهم بالعلم ذخرا، و ذقوه ذقا في مهدهم بل قبل ولادتهم (ع). 2 - و في ثاقب المناقب قال: اشتهر عند الخاص و العام من حديث أبي‌حنيفة حين دخل دار الصادق (ع) فرأي موسي عليه‌السلام في دهليز داره و هو صبي، فقال في نفسه: ان هؤلاء يزعمون أنهم يعطون العلم صبية و أنا أسبر ذلك، فقال له: يا غلام اذا دخل الغريب بلدة، أين يحدث؟ فنظر اليه نظر مغضب و قال: يا شيخ أسأت الأدب، فأين السلام؟ قال: فخجلت و رجعت حتي خرجت من الدار و قد نبل في عيني، ثم رجعت اليه و سلمت عليه و قلت: يا ابن رسول الله، الغريب اذا دخل بلدة أين يحدث؟ فقال صلوات الله عليه: يتوقي شطوط الأنهار (البلد) و مشارع الماء، وفي‌ء النزال، و مسقط الثمار، و أفنية الدور، و جاد الطرق، و مجاري المياه و رواكدها، ثم يحدث أين شاء. قال: قلت: يابن رسول الله ممن المعصية؟ فنظر الي و قال: اما أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معا، فان كانت من الله فهو أكرم أن يؤاخذه بما لم يجنه، و ان كانت منهما فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه، فلم يبق الا أن يكون من العبد، فان عفا فبفضله، و ان عاقب فبعدله. قال أبوحنيفة: فاغرورقت عيناي و قرأت: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [58] . فأبوحنيفة مع تلمذته علي يدي الامام الصادق (ع) و افتخاره بذلك، الا أن الشك بقي يساوره، هل علمهم كسبي و تحصيلي أو أنه الهامي؟ و لما نظر اليه في المرة الأولي لم يعبأ به، بل ناداه يا غلام و بدون سلام، و لكنه في الرجعة الثانية تأدب معه قائلا: يابن رسول الله... [ صفحه 39] ثم ان أباحنيفة كان من المجبرة، و قد حاججه الامام الصادق (ع) في ذلك و كانت فكرته هذه مشهورة بين الأوساط بترويجها من قبله، فمع عظم تلك المسألة، سألها للامام الكاظم (ع) عندما رآه أهلا لذلك. فأعطاه (ع) دليلا عقليا بسيطا، جعله يقر له بالعلم و الحكمة، و لكن مع ذلك لم يرد في التاريخ أنه رجع عن فكرته هذه. 3 - روي أنه كان عالم من علماء النصاري يسمي بريهه، و كان عظيما عندهم، و لكنه كان يشك في صحة دينه في قرارة نفسه، و قد عرفت زوجته ذلك فقالت له: ويحك أتريد أن تكون علي حق أو باطل؟ فقال بل علي الحق، فقالت: أينما وجدت الحق فمل اليه. فبدأ يسأل العلماء الي أن وصل الي هشام بن الحكم فحاججه فخصمه هشام، ثم قال بريهه لهشام ألك من تصدر عن رأيه؟ فقال له نعم. فأخذه الي المدينة للقاء الصادق (ع) فلقيا موسي ابنه (ع) و كان صغيرا، فحكي له هشام الحكاية، فلما فرغ قال أبوالحسن لبريهه: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به، قال: فابتدأ موسي (ع) يقرأ الانجيل قال بريهه: و المسيح لقد كان يقرأ هكذا، و ما قرأ هذه القراءة الا المسيح، قال بريهه: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن و حسن ايمانه، و آمنت المرأة و حسن ايمانها، قال: فدخل هشام و بريهه و المرأة علي أبي‌عبدالله (ع) فحكي هشام الحكاية و الكلام الذي جري بين موسي (ع) و بريهه فقال أبوعبدالله (ع) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم لزم بريهه الامام الصادق (ع) و بعده الكاظم حتي مات في زمانه فغسله (ع) و كفنه و لحده بيده، و قال: هذا حواري من حواري المسيح (ع) يعرف حق الله عليه، فتمني أكثر أصحابه أن يكونوا مثله [59] . فان الامام (ع) أحاله علي كتابه في بادي‌ء الأمر، بعد أن استعلمه بأنه عالم به، و هذا أقوي حجة و أشد بيانا. [ صفحه 40] ثم ان اهتمام الامام (ع) به عندما غسله و كفنه ليعطي صبغة خاصة، بأن أهل ملة اذا أسلموا و حسن ايمانهم، لهم عناية مميزة من قبل أهل البيت (ع) لأن ايمانهم جاء عن تمحيص و جهاد حتي أمكنتهم الفرصة من الفوز بهذه الدرجة العالية. 4 - ثم ان الأئمة (ع) منذ نعومة أظفارهم كانوا يميلون عن اللهو و اللعب، و ينشغلون بما هو أهم من ذلك فقد سأل صفوان الجمال الامام الصادق (ع) عن صاحب هذا الأمر، فقال: صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب، فأقبل موسي بن جعفر و هو صغير و معه عناق [60] مكيه فضمه اليه و قال: بأبي و أمي من لا يلهو و لا يلعب [61] . و هذا الفعل من الامام الكاظم (ع) لم يكن لعبا بالعناق، لكنه يعلم بأنه و ان من شي‌ء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم، ففعل هذا كان موعظة للناس، بأنه ينبغي حتي لهذه الدابة أن تسجد لربها فكيف بكم أيها البشر؟!. 5 - و أراد الامام الصادق (ع) أن يسبر و يمتحن ولده الكاظم (ع) عندما رجع (ع) من المكتب - ادخاله الي المكتب لعله ليتبين تفوقه علي زملائه، أو ليدخل في معترك الحياة كي لا يكون منحازا، بل ليكتسب خبرة اجتماعية - فقد قال الامام الكاظم (ع) دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي قال: فأجلسني أبي بين يديه و قال: يا بني اكتب: تنح عن القبيح و لا ترده. ثم قال: أجزه [62] فقلت: و من أوليته حسنا فزده. ثم قال (ع): ستلقي من عدوك كل كيد. فقلت: اذا كاد العدو فلا تكده. فقال (ع). ذرية بعضها من بعض [63] . 6 - و روي عن الامام الرضا (ع) أن موسي بن جعفر عليه‌السلام. تكلم يوما بين يدي أبيه (ع)، فأحسن، فقال له: يا بني الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء، و سرورا من الأبناء، و عوضا عن الأصدقاء فهذه [ صفحه 41] الرواية تشير الي طفولة الامام حينئذ، و الا لم يكن موضع للاستحسان اذا كان رجلا، ثم نوه الامام (ع) بكونه خليفته الذي يستحق هذا المقام، و أنه الابن المحبوب الذي سر به والده، بل لو تخلي عنه الأصدقاء و الناس أجمع لا يعبأ بذلك بعدما رزقه الله هذا المولود الذي يحمل هم الرسالة. 7 - و كان أئمة أهل البيت موضعا للسؤال و الاكبار من اللد و الند. فلقد روي عيسي الشلقان قال: كنت قاعدا فمر أبوالحسن موسي عليه‌السلام و معه بهيمة قال: فقلت: يا غلام ما تري ما يصنع أبوك؟ يأمرنا بالشي‌ء ثم ينهانا عنه: أمرنا أن نتولي أباالخطاب ثم أمرنا أن نلعنه و نتبرأ منه؟ فقال أبوالحسن (ع) ان الله خلق خلقا للايمان لا زوال له، و خلق خلقا للكفر لا زوال له، و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين اذا شاء سلبهم، و كان أبوالخطاب ممن أعير الايمان. قال: فدخلت علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام فأخبرته ما قلته لأبي‌الحسن (ع) و ما قال لي. فقال أبوعبدالله (ع) انه نبعة نبوه [64] فما احتار في الجواب، بل سرعان ما بصرهم ضلالة أبي‌الخطاب، و وجوب التبرؤ منه، و من عقيدته الي تدعو الي تأليه الأئمة و المغالاة فيهم. بل ان مزاعم أبوالخطاب كادت أن تنتشر لو لا الحملة التي قام بها الامامان الصادق و الكاظم ضده، و يتبين ذلك من رواية معاوية بن وهب قال: دخلت علي أبي‌عبدالله (ع) فرأيت أباالحسن موسي (ع) و له يومئذ ثلاث سنين و معه عناق من هذه المكية، و هو أخذ بخطامها و هو يقول لها: اسجدي فلا تفعل ذلك ثلاث مرات. فقال غلام له صغير: يا سيدي قل لها: تموت فقال موسي (ع): ويحك أنا أحيي و أميت؟! الله يحيي و يميت [65] . فالشيعة الامامية تعتقد أنه بامكان الأئمة (ع) الاحياء و الاماتة، كما كان نبي الله عيسي و ابراهيم (ع) و لكنهم (ع) لما رأوا أن الغلو بدأ ينتشر حاولوا التقليل من علومهم في أعين الناس، لأن القلوب أوعية، فلا يمكن [ صفحه 42] أن يملؤا القلوب ما لا يمكنها استيعابه. في الخرايج: ان قوما من اليهود قالوا للصادق (ع): أي معجز يدل علي نبوة محمد صلي الله عليه و آله و سلم قال: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه، فقال اليهود: كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت؟ فقال لهم موسي بن جعفر - و هو صبي - و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسي أنها علي ما تصفون؟ قالوا: علمنا بذلك بنقل الصادقين. قال لهم موسي بن جعفر (ع): فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالي من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين. فقالوا: نشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله، و انكم الأئمة الهادية، و الحجج من عند الله علي خلقه. فوثب أبوعبدالله (ع) فقبل بين عيني موسي بن جعفر (ع) ثم قال: أنت القائم من بعدي. فلهذا قالت الواقفة: ان موسي بن جعفر (ع) حي و أنه القائم. و لا شك أن كل امام هو القائم بعد أبيه [66] .

تنوع علومه

اشاره

لقد اشتهر كالشمس في واضحة النهار بين الخاصة و العامة، سعة أفق علم الأئمة (ع) أجمع، فضلا عن الامام الكاظم (ع) بذاته، أما بالنسبة الي الخاصة فلا مجال للنقاش أو الشك بعد الاقرار بكونهم أئمة معصومين، لأن الله تعالي لا يفرض طاعة عبد ثم يكنه خبر السماء، و ان علمهم (ع) وراثي و الهامي و تنبؤي، و قد أثبت في صدورهم، بل انهم يزدادون علما في ليالي الجمع و الا لنفذ ما عندهم، بل ان الخاصة. تعتقد بعلمهم بجميع كتب الأنبياء و الرسل، علي اختلاف ألسنتهم، بل اذا شاؤوا أن يعلموا علموا لئلا تدحض حجتهم (ع) [67] . [ صفحه 43] أما العامة بجميع مذاهبها فانها أقرت بسعة علوم أهل بيت العصمة (ع) بما يميزها عن غيرها، و لكن في اطار أضيق لأن العصمة عندهم غير لازمة، و لكن كانت فلتات اللسان تظهر بين حين و آخر حتي علي لسان الخصم، فقد قال هارون‌الرشيد لولده المأمون «ان أردت العلم الصحيح فعند هذا» [68] و أشار الي الامام الكاظم (ع). و ليس ذلك بمستغرب بعدما أعطي رشيد الهجري علم المنايا و البلايا [69] و كذا ميثم التمار كان يحتمل العلم الذي لا يحتمله الا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، بل ان حبر الأمة ابن‌عباس كان يتعلم علي يديه [70] ، و غيرهم الكثير مما لا مجال لذكره. و لقد أشاد الامام الصادق (ع) بعلم ولده الكاظم فقال «يا عيسي: ان ابني هذا - لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم» [71] «و انه عالم علم العلماء» [72] و أن «قوله حكم، و صمته علم» [73] و قد حوي (ع) علوم جمة فمنها:

علمه باللغات

ان كل ما ذكر للأئمة (ع) من علوم و كرامات و... له جذور في القرآن الكريم علي أيدي الأنبياء، و بعدما ورد في سند صحيح بأنهم (ع) وارثو علم الأنبياء، فلابد من الرضوخ لنسبة هذه العلوم اليهم (ع). لقد شكر سليمان ربه (ع) بقوله «يا أيها الناس علمنا منطق الطير...» و عندما حذرت النملة النمل من سليمان و جنوده، فهم قولها و ابتسم ضاحكا... فأي غضاضة بقيت في النفس اذن!!. و قد روي علي بن أبي‌حمزة قال كنت عند أبي‌الحسن (ع) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش، و قد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، [ صفحه 44] و كان من الحبش جميل، فكلمه بكلام ساعة حتي أتي علي جميع ما يريد، و أعطاه درهما فقال: أعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما، ثم خرجوا فقلت: جعلت فداك لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، و يعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، و ذلك أني لما نظرت اليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم، فأوصيته بجميع ما أحتاج اليه، فقبل وصيتي، و مع هذا غلام صدق. ثم قال: لعلك عجبت من كلامي اياه بالحبشية؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الامام أعجب و أكثر، و ما هذا من الامام في علمه الا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفتري الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟ قال: فان الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، و عجائبه أكثر من ذلك، و الطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، و لا تنفد عجائبه» [74] و يستشف من هذه الرواية اضافة الي علمهم (ع) باللغات، قوله لابن أبي‌حمزة البطائني - الذي صار فيما بعد من رؤساء المذهب الواقفي، و أنكر امامة ولده الامام الرضا (ع)، و جحد عليه الأموال و استأثر بها لنفسه، بل أنه ادعي أن الامام الكاظم لم يمت حتي لا يعطي الأموال للرضا (ع). فالامام (ع) بادر بقوله لعلي بن أبي‌حمزة - علمت أنه غلام عاقل، فلذا أوصيته فانه أهل للأمانة، و قبل وصيتي و لن يجحدها لأنه صادق. فكأن جرس الايقاظ كان يرن في أذني ابن‌أبي‌حمزة - وكيل الامام - لعله يثبت علي وثاقته بعد موت الامام، و لكنه صم عن السماع. و قد تكلم بالخزرية و التركية مع غلمان هارون‌الرشيد عندما هموا بقتله [75] . ثم ان لمعرفة الأئمة (ع) بلغات الأمم، آثار لها طابعها الخاص، اذ أن الخزري اذا تكلم معه الامام بالخزرية مثلا، فانه سيشعر بأن الامام [ صفحه 45] قريب منه و كأنه أخوه النسبي، و خاصة اذا كان ببلاد غربة كما في الموالي و عن أبي‌بصير قال: دخلت علي أبي‌الحسن الماضي فقلت له جعلت فداك بما يعرف الامام؟ فقال: بخصال أما أولهن فشي‌ء تقدم من أبيه فيه، و عرفه الناس، و نصبه لهم علما، حتي يكون حجة عليهم، لان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصب عليا (ع) علما و عرفه الناس، و كذلك الأئمة يعرفونهم الناس، و ينصبونهم لهم حتي يعرفوه و يسأل فيجيب، و يسكت عنه فيبتدي و يخبر الناس بما في غد، و يكلم الناس بكل لسان فقال لي: يا أبامحمد الساعة قبل أن تقوم أعطيك علامة تطمئن اليها. فوالله ما لبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلم الخراساني بالعربية فأجابه هو بالفارسية، فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن أكلمك بكلامي الا أني ظننت أنك لا تحسن فقال: سبحان الله اذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟ ثم قال: «يا أبامحمد ان الامام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس و لا طير و لا بهيمة، و لا شي‌ء فيه روح، بهذا يعرف الامام، فان لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بامام» [76] . فالأئمة (ع) في عقيدة الشيعة الاثني عشرية اذا لم يكونوا أعلي درجة من الرسل فليسوا بأقل من مساواتهم، و قد كان عيسي (ع) ينبي‌ء أصحابه بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم، و سليمان يكلم الطير، و يوسف ينبي‌ء بالمستقبل، و الخضر يعلم الغيب - مع أنه يقال بأن الخضر هو ولي و ليس بنبي - بل نحن نقول أن أئمتنا يرثون الأنبياء، كما في زيارة وارث للحسين (ع) السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله السلام عليك يا وارث نوح نبي الله... الخ. فكذلك كل الأئمة يرثون الأنبياء و ليس الحسين (ع) بالخصوص، و انما هذه الزيارة وردت للحسين (ع). فعلي هذا فأي غضاضة في أن يتكلم الامام (ع) بجميع اللغات، و في [ صفحه 46] هذا تقوية لقلوب شيعته و مواليه، و بهذه الكرامات و غيرها بقيت الشيعة قوية رغم كل المضايقات التي حيكت حولها. و كان يقول (ع): «علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شي‌ء...» [77] . و لم يعط داود و آل‌داوود شيئا الا و قد أعطي محمد و آل‌محمد أكثر منه [78] .

علمه بالنجوم

روي أن هارون‌الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر (ع) فأحضره، فلما حضر عنده قال: ان الناس ينسبونكم يا بني‌فاطمة الي علم النجوم، و ان معرفتكم بها معرفة جيدة، و فقهاء العامة يقولون: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: اذا ذكرني أصحابي فاسكنوا، و اذا ذكروا القدر فاسكتوا، و اذا ذكروا النجوم فاسكتوا، و أميرالمؤمنين (ع) كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته الذين يقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها. فقال له الكاظم صلوات الله عليه: هذا حديث ضعيف، و اسناده مطعون فيه والله تبارك و تعالي قد مدح النجوم، و لو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزوجل و الأنبياء كانوا عالمين بها، و قد قال الله تعالي في حق ابراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه «و كذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين». و قال في موضع آخر «فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم» فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، و ما قال اني سقيم، و ادريس (ع) كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تعالي قد أقسم بمواقع النجوم (و انه لقسم لو تعلمون عظيم). و قال في موضع آخر (و النازعات غرقا... الي قوله فالمدبرات أمرا) يعني بذلك اثني‌عشر برجا و سبعة سيارات، و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر الله عزوجل. و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، و هو علم الأنبياء [ صفحه 47] و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله عزوجل: (و علامات و بالنجم هم يهتدون) و نحن نعرف هذا العلم و لا نذكره. فقال له هارون: بالله عليك يا موسي، هذا العلم لا تظهره عند الجهال و عوام الناس، حتي لا يشنعوا عليك، و أنفس [79] عن العوام به، و غط هذا العلم، و ارجع الي حرم جدك. ثم قال له هارون: و قد بقي مسألة أخري بالله عليك أخبرني بها. قال له (ع) سل. فقال: بحق القبر و المنبر، و بحق قرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك؟ لأنك تعرف هذا من علم النجوم. فقال له موسي (ع) آمني حتي أخبرك فقال: لك الأمان فقال: أنا أموت قبلك، و ما كذبت و لا أكذب و وفاتي قريب [80] . و لما أعطاه (ع) ذلك من الكتاب الكريم و أقر بذلك أقسم عليه أن لا يعلمه لأحد بقوله و غط هذا العلم. فما دام الامام (ع) قد قال له انه أشرف العلوم بعد القرآن، و انه علم الأوحدي من الناس الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء، فاذن لا تحتمله القلوب الضعيفة و المتزلزلة، فلن يتمكن الامام (ع) من افشائه بين العوام. و هنا بين (ع) أحقيته بالخلافة بشكل غير مباشر لأنه وارث علم الأنبياء و الوصي، و لا يذكره الا لوصي مثله. فلم التأكيد من هارون ثانية لعدم اظهاره؟! فاذا كان لعدم التشنيع علي الامام فان المقر بالامامة لن يتواني عن التسليم بهذه الأمور، و أما الجاحد فما دام قد جحد ما هو أهم من ذلك، فلن يسلم بالمعجزات و الكرامات و... و في آخر الرواية تذكر الخوف الشديد الذي كان يداهم فرائص هارون، و يقض مضجعه، بقوله بحق القبر و المنبر و... أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك؟ [ صفحه 48] فكأنه يريد أن يستنبي‌ء أن الامام (ع) هل سيفتك به، أو يحيك له مؤامرة؟ و عندما سأله ذلك طلب الامام الأمان كأنه خشي باخباره سؤاله ثانية كيف ستموت قتلا أم موتا بمرض و نحوه، و من القاتل و... الي غير ذلك من الأسئلة التي أحيط بعلمها الامام، فلو أخبره بالتفاصيل لخشي فتكه به حالا.

علم التاريخ

حج المهدي بن أبي‌جعفر المنصور، فلما صار في فتق العبادي [81] ، ضج الناس من العطش، فأمر أن تحفر بئر، فلما بلغوا قريبا من القرار هبت عليهم ريح من البئر، فوقعت الدلاء، و منعت من العمل، فخرجت الفعلة خوفا علي أنفسهم فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاء كثيرا ليحفرا، فنزلا فأبطئا. ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما، فسألهما عن الخبر فقالا: انا رأينا آثارا و أثاثا، و رأينا رجالا و نساء فكلما أومأنا الي شي‌ء منهم صار هباء فصار المهدي يسأل عن ذلك و لا يعلمون، فقال موسي بن جعفر (ع): هؤلاء أصحاب الأحقاف، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم و أموالهم [82] فعند عجز العلماء أو الخلفاء عن الادلاء برأي يلجأون حينها الي الأئمة (ع) فورا، كما اشتهر عن عمر قوله «ما كنت لمعضلة ليس لها أباحسن» و في هذه الرواية اما أن المهدي تجاهل الامام الكاظم (ع) ليبعده عن الساحة قدر المستطاع، و اما لجأ اليه بعد العجز عن حقيقة الأمر. و في بعض الروايات أن المهدي كتب الي موسي بن جعفر (ع) بالمدينة يقدم عليه ليسأله، فأخبره ثم بكي بكاء شديدا، و قال: يا أميرالمؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد، غضب الله عليهم فساخت بهم منازلهم، هؤلاء أصحاب الأحقاف. فقال المهدي: «يا أباالحسن و ما الأحقاف؟ [ صفحه 49] قال: الرمل» [83] فقد يكون بكاء الامام (ع) موعظة بليغة للمهدي لعله يرتدع عن غيه، و تعذيبه للأبرياء بصنوف العذاب، من السباع و الزنابير و السنانير اذا امتنعوا عن أداء الخراج [84] .

علم الحساب

حج الرشيد و ابتدأ بالطواف، و منعت العامة من ذلك لينفرد وحده، فبينما هو في ذلك اذ ابتدر أعرابي البيت، و جعل يطوف معه. فقال الحاجب: تنح يا هذا عن وجه الخليفة، فانتهرهم الأعرابي و قال: ان الله ساوي بين الناس في هذا الموضع فقال «سواء العاكف فيه و الباد». فأمر الحاجب بالكف عنه، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه، فنهض الي الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي اليه و التثمه، ثم صار الرشيد الي المقام ليصلي فيه فصلي الأعرابي أمامه. فلما فرغ هارون من صلاته استدعي الأعرابي فقال الحجاب: أجب أميرالمؤمنين فقال: ما لي اليه حاجة فأقوم اليه، بل ان كانت الحاجة له فهو بالقيام الي أولي. قال: صدق فمشي اليه و سلم عليه فرد عليه‌السلام. فقال هارون اجلس يا أعرابي؟ فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس، انما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت أن تجلس فاجلس، و ان أحببت أن تنصرف فانصرف. فجلس هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟ قال: نعم وفي مستمع، قال: فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال: بل سؤال متعلم قال: اجلس مكان السائل من المسؤول و سل و أنت مسؤول. فقال هارون: أخبرني ما فرضك؟ قال ان الفرض رحمك الله واحد و خمسة، و سبعة عشر، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاثة [ صفحه 50] و خمسون، علي سبعة عشر، و من اثني‌عشر واحد، و من أربعين واحد، و من مائتين خمس، و من الدهر كله واحد، و واحد بواحد. قال: فضحك الرشيد و قال: ويحك أسألك عن فرضك، و أنت تعد علي الحساب، قال: أما علمت أن الدين كله حساب، و لو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا، ثم قرأ (و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين). قال: فبين لي ما قلت؟ و الا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة. فقال الحاجب: تهبه لله و لهذا المقام قال: فضحك الأعرابي من قوله، فقال الرشيد: مما ضحكت يا أعرابي؟ قال: تعجبا منكما، اذ لا أدري من الأجهل منكما، الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر. فقال الرشيد: فسر ما قلت؟ قال: أما قولي الفرض واحد: فدين الاسلام كله واحد، و عليه خمس صلوات، و هي سبع عشر ركعة، و أربع و ثلاثون سجدة، و أربع و تسعون تكبيرة، و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة، و أما قولي من اثني‌عشر واحد: فصيام شهر رمضان من اثني‌عشر شهرا، و أما قولي من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا، و أما قولي: من مائتين خمسة، فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم. و أما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام، و أما قولي واحد من واحد، فمن أهرق دما من غير حق وجب اهراق دمه قال الله تعالي: (النفس بالنفس). فقال الرشيد: لله درك و أعطاه بدرة فقال: فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون؟ بالكلام أو بالمسألة؟ قال: بالكلام. قال: فاني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف، و ان لم تجبني أضفت الي البدرة بدرة أخري لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي، فأمر بايراد أخري و قال سل عما بدا لك. فقال: أخبرني عن الخنفساء تزق أم ترضع ولدها؟ فحرد هارون و قال: ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟! فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول من ولي أقوما وهب له من العقل [ صفحه 51] كعقولهم، و أنت امام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شي‌ء من أمر دينك، و من الفرايض، الا أجبت عنها فهل عندك له الجواب؟ قال هارون: رحمك الله لا فبين لي ما قلته، و خذ البدرتين، فقال: ان الله تعالي لما خلق الأرض، خلق دبابات الأرض التي من غير فرث و لا دم خلقها من التراب، و جعل رزقها و عيشها منه، فاذا فارق الجنين أمه لم تزقه و لم ترضعه و كان عيشها من التراب. فقال هارون: «والله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة، و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج، فتبعه بعض الناس، و سأله عن اسمه فاذا هو موسي بن جعفر (ع) فأخبر هارون بذلك فقال: والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة» [85] . لقد ذكرت هذه الرواية بطولها، لأنه قد يستشكل بها بأنه، كيف كان عظم حلم هارون عن الأعرابي، مع مجابهة الأعرابي له فعلا و قولا؟ و كيف لم يعرف هارون ابن عمه موسي بن جعفر؟ و هل يشترط في ولي أمر المسلمين أن يعرف علم البشر قاطبة حتي التي لا تتعلق بأحكام الدين؟ لكن بعد النظر الي تاريخ سنة الحج ينحل الاشكال، اذ أن هارون قد تولي الخلافة سنة 170 ه و حج في نفس تلك السنة و لم يحج بعدها الي سنة 174 ه [86] . ففي السنة الأولي لخلافته أراد شد أواصر المحبة باستعمال الليونة و الحلم بين الرعية، خاصة بأن جعفر بن الهادي - ابن أخ هارون - كان منافسا لهارون علي الخلافة، بل انه بويع بالخلافة قبل هارون، ثم خلعها عن نفسه بالتهديد بالقتل [87] . اضافة الي أن هارون نفذ صبره و حلمه فورا، اذ أنه هدد الأعرابي بالقتل بين الصفا و المروة، فهل هذا يتعقب هذا الجزاء؟!! و قد قلنا بأن ذلك كان في السنة الأولي للخلافة، لأنه من المستحيل [ صفحه 52] أن يبقي هارون أكثر من أربع سنوات و لم يتعرف علي الامام الكاظم (ع) الذي كان المنافس الوحيد له في نظره، مع ذياع صيته. ثم ان هارون قد طرد الطالبيين من بغداد الي المدينة المنورة - خلا العباس بن الحسن بن عبدالله بن علي بن أبي‌طالب [88] في سنة 171 أي بعد سنة واحدة من حكمه، فكيف بدأت العداوة بين العباسيين و الطالبيين و لم يتعرف علي الامام الكاظم (ع) الا بعد مدة طويلة؟ أما عدم معرفته له في السنة الأولي فهذا ممكن لأن الامام الكاظم (ع) كان يسكن في المدينة، و هارون في بغداد، مع احتمال أن يكن الأعرابي ملثما، اذا كان قد رآه و لكنه لم يعرفه من خلال صوته، لعدم العلاقة الشديدة بينهما في أوائل خلافة هارون. ثم ان كان لا يشترط في ولي أمر المسلمين، الحيازة علي جميع علوم عصره، و لكن الامام (ع) شرط عليه السؤال بداية و قد رضخ و قبل هارون ذلك، فلزمه، و ان لم يكن حكما شرعيا يتعلق بأمور الدين. اضافة الي قول الامام (ع) يجب أن لا تسأل عن شي‌ء من أمر دينك و من الفرايض الا أجبت فقد يتعلق بذلك حكم شرعي فما الجواب اذن!!

علمه بالفقه و التفسير

لقد ملئت الكتب بآلاف الأحاديث عن الامام الكاظم (ع) حول الفقه و التفسير و غيره (ع) [89] هذا مع الضغط النفسي و الأمني الذي كان يعانيه (ع) من السلطة الحاكمة آنذاك. و مع ذلك يقول الذهبي في ميزانه - موسي بن جعفر الكاظم - حديثه قليل جدا (ع). و ذكر العقيلي في كتابه و قال: حديثه غير محفوظ. فقبل الحمل علي أحاديث الامام (ع) هل حصل استقراء و لو ناقص في أحاديثه (ع)؟! [ صفحه 53] و اننا نحيل القاري‌ء في هذا المجال علي المطولات [90] .

علمه بالطب

أراد أبي‌طيفور المتطبب الذي اشتهر بطبه و براعته حتي أنه كان طبيب الخلفاء، أن يظهر براعته أمام الامام الكاظم (ع). و لكنه تقوقع عندما أتاه الامام بالحجة. فعن أبي‌طيفور قال: نهيت أباالحسن الماضي عليه‌السلام عن شرب الماء، فقال: «و ما بأس بالماء؟ و هو يدير الطعام في المعدة، و يسكن الغضب، و يزيد في اللب، و يطفي‌ء المرار» [91] و في رواية ثانية أنه قال له (ع) و أي بأس بالماء؟ و هو يذيب الطعام في المعدة، و يذهب بالصفراء [92] ، و يسكن الغضب، و يزيد في اللب، و يطفي‌ء الحرارة. و قال (ع): «ليس الحمية أن تدع الشي‌ء أصلا لا تأكله، و لكن الحمية أن تأكل من الشي‌ء و تخفف» [93] .

الامام مع الراهب

دخل الامام الكاظم عليه‌السلام بعض قري الشام متنكرا هاربا، فوقع في غار و فيه راهب يعظ في كل سنة يوما، فلما رآه الراهب دخله منه هيبه فقال: يا هذا أنت غريب؟ قال: نعم قال: منا أو علينا؟ قال: لست منكم. قال: أنت من الأمة المرحومة؟ قال: نعم قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قال: لست من جهالهم فقال: كيف طوبي أصلها في دار عيسي و عندكم في دار محمد و أغصانها في كل دار؟ فقال عليه‌السلام: الشمس قد وصل ضوؤها الي كل مكان و كل [ صفحه 54] موضع، و هي في السماء، قال: و في الجنة لا ينفذ طعامها و ان أكلوا منه و لا ينقص منه شي‌ء؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شي‌ء، قال: و في الجنة ظل ممدود؟ فقال: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله ظل ممدود، قوله (ألم تر الي ربك كيف مد الظل). قال: ما يؤكل و يشرب في الجنة لا يكون بولا و لا غائطا؟ قال: الجنين في بطن أمه، قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟ فقال: اذا احتاج الانسان الي شي‌ء عرفت أعضاؤه ذلك، و يفعلون بمراده من غير أمر، قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟ قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا اله الا الله، قال: صدقت، و أسلم الجماعة معه [94] . الرواية تسطع نورا من العلم الالهامي الذي لا يقف علي حد، و يستبعد أن يكون هذا قد خرج من غير الأئمة (ع). الا أن الامام (ع) لم يعهد منه الهرب، بل كان يأبي عندما يشار عليه بذلك، كما سيأتي معنا، و لكن بما أن الامامية تعتقد بأن الأئمة (ع) يعلمون الغيب باذن الله. و لهم كرامات، فقد يكون الامام (ع) قصده لهدايته و موعظته، لما علم صفاوة و نقاوة قلبه، و لكنه لم يستطع اظهار ذلك أمام جماعته، و هذا نقتبسه من قوله من الأمة المرحومة؟! أما شجرة طوبي، فلم تذكر أي رواية - مع كثرتها [95] - (ع) الا أن أصلها في دار النبي صلي الله عليه و آله و سلم أو دار علي (ع) لا غير، و لم يذكر أن في دار عيسي (ع) الا في هذه الرواية بعد التتبع، و لعل دور الأنبياء واحدة، أو أن الامام (ع) سكت عن مقالته تلك رجاء هدايته، ليعطه معنوية و شرفا بعيسي (ع). اضافة الي أسلوب الامام التواضعي في رده علي الراهب. [ صفحه 55]

عبادته

كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول قرة عيني الصلاة، و قد سار علي دربه الأئمة (ع) فكانوا يستأنسون بلقاء ربهم أشد من استيناس الطفل بمحالب أمه، و لا يعتبرونها هما و وزرا ثقيلا علي ظهورهم كما الكثير في أيامنا. الامام الكاظم كان يدعو ربه ليفرغه لعبادته، فقد روي أن شخصا من بعض العيون التي كانت عليه في السجن رفع الي عيسي بن جعفر أنه سمعه يقول في دعائه «اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت فلك الحمد» [96] و ليس هذا من نوع الاتكالية، أو عدم الاحساس بالمسؤولية نحو مجتمعه و دينه، ليكون عالة علي غيره. بل ان الانشغالات الذهنية أو التافهة أحيانا، أو الأمور غير المتوقعة من الابتلاء بشخص أو من شخص أو... تأخذ أوقات الانسان سدي، فلا يستطيع بعدها أن يتفرغ لعبادة ربه، لهدر وقته و طاقته بعدم التوفيق للعبادة. فالامام (ع) كان يدعو للتوفيق علي العبادة التي تتمشي مع الاحساس بالمسؤولية لشعبه و أمته، لا أنه يدعو للتنسك و التصوف و الرهبنة، علي حساب الآخرين. و قد كان الامام (ع) «اذا اهتم ترك النافلة» [97] لأن التوجه و الخشوع هو الأساس في الصلاة، و مع انصراف القلب، تكون الصلاة كشجرة بلا ثمرة. كان الامام الكاظم (ع) أعبد أهل زمانه، و أفقههم و أسخاهم كفا، و أكرمهم نفسا، و روي أنه كان يصلي نوافل الليل، و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود و التحميد حتي يقرب زوال الشمس، و كان يدعو كثيرا فيقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت، و العفو عند الحساب، و يكرر ذلك، و كان من دعائه عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع. [ صفحه 56] و كان هارون ربما صعد سطحا يشرف علي الحبس الذي فيه الامام (ع) فكان يراه ساجدا، فقال يوما للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال: يا أميرالمؤمنين ما ذاك بثوب و انما هو موسي بن جعفر (ع) له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال. فقال هارون: أما ان هذا من رهبان بني‌هاشم، فقال الربيع: فمالك قد ضيقت عليه في الحبس؟ قال: هيهات لابد من ذلك [98] . ان هارون يعترف في قرارة نفسه بورع و تقوي و شرف الامام (ع) فلذا خافه علي نفسه و ملكه، فوراه عن بصر محبيه و لكنه لم يغب عن بصيرتهم. و لكن في كلمة الرشيد ان هذا من رهبان بني‌هاشم، تقليلا من شأن الامام، بأنه زاهد في الدنيا و معتزل عنها و منزو علي نفسه، و كأنه لا علم له بالسياسة، فليس أهلا لتحمل المسؤولية. فلذا سنحت الفرصة للربيع فبادره بقوله، فما دام كذلك فلما ضيقت عليه في الحبس؟ فليتنسك ما شاء له. فلم يحر هارون جوابا فقال: هيهات لابد من ذلك. و عن أحمد بن عبدالله عن أبيه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي: أشرف علي هذا البيت و انظر ما تري؟ فقلت: ثوبا مطروحا. فقال: انظر حسنا فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي تعرفه؟ هو موسي بن جعفر، أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي هذه الحالة، انه يصلي الفجر فيعقب الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس، و قد وكل من يترصد أوقات الصلاة، فاذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء، و هو دأبه، فاذا صلي العتمة أفطر، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر [99] . [ صفحه 57] قد يتذرع بعض الكسبة أو الطلبة أو... بأن الأئمة (ع) كانوا يصلون الليل و النهار بل بعضهم يصلي ألف ركعة في اليوم و الليلة، و هم فارغون من العمل، و نحن لدينا أعمالا أهم من ذلك، و أن الله أراد بنا اليسر لا العسر، بل هم أئمة قد وصلوا الي درجة جعلت روحهم أقوي من مادتهم فلا يشعرون بالتعب أو الجوع أو... و لكن لنسأل أنفسنا، بأنه لو سنحت لنا فرصة من عطلة أو غيرها هل نغتنمها في العبادة؟ لو كنا في سجن هل نقضي معظم وقتنا في اجلاء دنس الخطايا عن هذه الروح التي دنست في مزابل الذنوب، أم نستأنس بالأصحاب و الطعام و الشراب... ان الأئمة كانوا يعملون بأيديهم في الأرض و غيرها، و كانوا أوصل الناس لأرحامهم، و كانوا يمشون في قضاء حوائج اخوانهم و غير ذلك، اضافة الي عبادتهم تلك. فالبدن معتاد علي ما عودته، و التطبع طبيعة أخري، و الارادة و ترويض النفس فوق كل هذه الأمور. ثم ان الأئمة (ع) قد بينوا لنا مقدارا بسيطا من العبادة يسهل علي كل مؤمن اقتطاف ثمره، فقالوا: ان للمؤمن ثلاث ساعات، فساعة يناجي فيها ربه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، و ساعة يخلي بين نفسه و بين لذتها فيما يحل و يجمل [100] و قد أعطوا الانسان بقية يومه للكسب و النوم و... بل ان الامام (ع) قسم لنا زماننا و نظم لنا برنامجا يوميا، ما ان يطبق بحذافيره استطاع الانسان من خلاله الاحتواء علي خيرات الدنيا و الآخرة، فقال (ع): «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الأخوان و الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، و بهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات» [101] ، و قد اقتفي آثار الامام الكاظم الكثير ممن عاشره. أنفذ هارون‌الرشيد الي الامام الكاظم جارية خصيفة لها جمال [ صفحه 58] و وضاءة لتخدمه في السجن فقال (ع) للرسول: قل له: بل أنتم بهديتكم تفرحون لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها. قال: فاستطار هارون غضبا و قال: ارجع اليه و قل له: ليس برضاك حبسناك و لا برضاك خدمناك، و اترك الجارية عنده و انصرف. قال: فمضي و رجع، ثم قام هارون عن مجلسه، و أنفذ الخادم اليه ليتفحص عن حالها، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: سبحانك سبحانك فقال هارون: سحرها والله موسي بن جعفر بسحره، علي بها. فأتي بها و هي ترتعد شاخصة نحو السماء ببصرها، فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع، اني كنت عنده واقفة و هو قائم يصلي ليله و نهاره، فلما انصرف من صلاته بوجهه و هو يسبح الله و يقدسه، قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: و ما حاجتي اليك؟ قلت: اني أدخلت عليك لحوائجك، قال: فما بال هؤلاء؟... ثم أنه أراها جنة عظيمة فخرت ساجدة الي أن أقامها الخادم الي هارون... [102] . و من العبادة الابتعاد عن الشبهات، و تطهير النفس مما قد يدنسها، فعن عبدالحميد بن سعيد قال: بعث أبوالحسن (ع) غلاما يشتري له بيضا، فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها، فلما أتي به أكله، فقال له مولي له: ان فيه من القمار قال: فدعا بطشت فتقيأ فقاءه [103] .

كرمه

ذكر القرآن الكريم كيفية الانفاق بقوله «و لا تجعل يدك مغلولة الي عنقك، و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» [104] هذا الانفاق المستحب الذي ينبغي أن يتحلي به المؤمن، فلا افراط و لا تفريط. أما بشأن الأئمة (ع) فقد كانوا يؤثرون علي أنفسهم غيرهم، دون الاجحاف بعيالهم و مواليهم، كي لا يتعدي علي حقوق الآخرين. اضافة الي أن موارد الأئمة (ع) كانت كثيرة من حقوقهم الخاصة من [ صفحه 59] الخمس و من عملهم بأيديهم في الأرض، و من التجارة بأموالهم أحيانا، و من الحقوق العامة التي كانت تجبي اليهم من الزكاة و الكفارات - غالبا تجبي سرا للضغوط القاسية التي كانوا يعانون منها -. فهذه الأموال لم يكونوا (ع) يبنون بها قصورا، و يتنعمون بأنواع النعم من الأطعمة الشهية و غيرها أو تترك ارثا لأولادهم بل كانت تنفق علي الفقراء، ليساووا أنفسهم بأقل الفقراء، لأنهم ملجأ المستغيث. 1 - فعن محمد بن عبدالله البكري قال: «قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني فقلت: لو ذهبت الي أبي‌الحسن (ع) فشكوت اليه، فأتيته بنقمي في ضيعته، فخرج الي و معه غلام و معه منسف فيه قديد مجزع، ليس معه غيره، فأكل فأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل و لم يقم الا يسيرا حتي خرج الي فقال لغلامه: اذهب ثم مد يده الي فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولي فقمت فركبت دابتي و انصرفت» [105] . فوجود الامام (ع) في أرضه دليل علي عمله بها أو تفقدها، كي لا يكون اتكاليا، مع النفقة السرية التي تطفي‌ء غضب الرحمن، فلم يشأ أن يراه حتي غلامه، كي لا يخسر بعض ثوابه. 2 - كان (ع) يتفقد فقراء أهل المدينة، فيحمل اليهم في الليل العين و الورق [106] و غير ذلك فيوصله اليهم و هم لا يعلمون من أي جهة هو، و كان (ع) يصل بالمائة دينار الي الثلاثمائة دينار، فكانت صرار موسي مثلا، و كان يقال عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة [107] . 3 - و قال الحافظ أبوبكر البغدادي «و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار، وكا يصر الصرر ثلاثمائة دينار، و أربعمائة دينار، و مائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة، و كان مثل صرر موسي بن جعفر اذا جاءت الانسان الصرة فقد استغني» [108] . و مع كل ذلك فقد كان (ع) يستدين اذا احتاج، لأنه قد يري أن حاجة [ صفحه 60] أخيه أعظم من حاجته فيهب له (ع) ثم يستدين لنفسه، فالدين و ان كان مكروها شرعا الا لضرورة، فقد كان (ع) يتحمل ذلك صونا لأعراض الآخرين و رحمة و شفقة بهم. 4 - فعن موسي بن بكر قال: ما أحصي ما سمعت أباالحسن موسي صلوات الله عليه ينشد: فان يك يا أميم علي دين فعمران بن موسي يستدين [109] . ثم مع يسار حال موسي (ع) لم يكن يخزن الحبوب و الطعام و... خوف القلة بل كان يساوي نفسه بعامة المسلمين. 5 - فعن معتب قال: «كان أبوالحسن (ع) يأمرنا اذا أدركت الثمرة أن نخرجها فنبيعها، و نشتري مع المسلمين يوما فيوما» [110] .

حلمه و عفوه

1 - عن معتب قال: كان أبوالحسن موسي (ع) في حائط له يصرم، فنظرت الي غلام له قد أخذ كارة من تمذ فرمي بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته و ذهبت به اليه فقلت له: جعلت فداك اني وجدت هذا و هذه الكارة، فقال للغلام: فلان! قال: لبيك قال: أتجوع؟ قال: لا يا سيدي. قال: فعتري؟ قال: لا يا سيدي. قال: فلأي شي‌ء أخذت هذه؟ قال: اشتهيت ذلك. قال: اذهب فهي لك و قال: خلوا عنه [111] . 2 - روي أن عبدا لموسي (ع) قدم اليه صحيفة فيها طعام حار، فعجل فصبها علي رأسه و وجهه، فغضب، فقال له: و الكاظمين الغيظ، قال: قد كظمت. قال: و العافين عن الناس قال: قد عفوت. قال: والله يحب المحسنين. قال: أنت حر لوجه الله و قد نحلتك الضيعة الفلانية [112] . 3 - روي أن رجلا من آل‌عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي‌طالب اذا رأي موسي بن جعفر (ع) و يؤذيه اذا لقيه فقال له بعض مواليه [ صفحه 61] و شيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثم مضي راكبا حتي قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح لا تدس زرعنا، فلم يصغ اليه، و أقبل حتي نزل عنده فجلس معه و جعل يضاحكه. و قال له: كم غرمت علي زرعك هذا؟ قال: مائة درهم. قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري. قال: انما سألتك كم ترجو. قال: مائة أخري. قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبها له، فقام فقبل رأسه، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري، فسلم عليه و جعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فوثب أصحابه عليه و قالوا: ما هذا؟ فشاتمهم، و كان بعد ذلك كلما دخل موسي خرج يسلم عليه و يقوم له. فقال موسي لمن قال ذلك القول: أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت؟ [113] فوطؤ الأرض دون اذن صاحبها، أو مع العلم بالكراهة، من الأمور المحرمة لأنه تعد و غصب، و لكن قاعدة التزاحم هي الحاكمة في هذه الحالة، اذ أن الأهم و هو هداية هذا الشخص عن ضلاله و اصلاح ذات شأنه، كان أرجح في نظر الامام (ع) من المهم و هو التصرف في مال الغير دون اذنه، فينقلب الأمر الي الاستحباب بل الوجوب أحيانا للأهمية القصوي. ثم ان الامام (ع) كان خلقه القرآن و قد قال تعالي: (ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم)، و هكذا كان. «فالغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن‌آدم» [114] «و الغضب أوله جنون و آخره نوم» [115] فلذا بالصبر و الحلم الذي تحلي به الامام (ع) استطاع أن يصل الي مطلوبه و مبتغاه بأسهل طريق. و قد كان الامام (ع) يوصي أولاده بذلك، فقد أحضر ولده يوما، و كأنهم ظنوا أن الامام (ع) يريد منهم وصية عظيمة ترجع لهم بالمنافع الدنيوية، فقال لهم: يا بني اني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها: ان أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمني مكروها، ثم تحول الي الأذن اليسري فاعتذر و قال: «لم أقل شيئا فاقبلوا عذره» [116] . [ صفحه 62] فهذه هي الوصية العظيمة التي جمعهم لأجلها، و اختصر فائدتها بقوله «لم يضع معها» فالحلم و الصفح يرفع الانسان و يعزه و يجله، و لا يذله و يضعه أبدا.

عمله

لقد حارب الاسلام الكسل و التقاعس و الاتكالية، بل اذا جلس العبد يدعو الله ليرزقه مع جلوسه في بيته اتكالا علي الله فقط، فهذا مما لا يستجاب دعاؤه، فقد ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أربعة لا يستجاب لهم دعاء: رجل جالس في بيته يقول: يا رب ارزقني فيقول له: ألم آمرك بالطلب؟! [117] . و قال صلي الله عليه و آله و سلم ما أكل عبد طعاما أحب الي الله تعالي من كد يده، و من بات كالا من عمله بات مغفورا له [118] . بل يروي أن أميرالمؤمنين (ع) قد أعتق ألف مملوك من كد يده [119] فكان (ع) يعمل لمعاشه و انفاقه. و هكذا سار الامام الكاظم (ع) بسيرة آبائه (ع). 1 - روي علي بن أبي‌حمزة قال: رأيت أباالحسن عليه‌السلام يعمل في أرض له، و قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟! فقال: يا علي عمل باليد من هو خير مني و من أبي في أرضه، فقلت له: من هو؟ فقال: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين و آبائي (ع) كلهم قد عملوا بأيديهم و هو عمل النبيين و المرسلين و الصالحين [120] . 2 - و قد كان (ع) يصرم الزرع بيده يساعد بذلك غلمانه [121] ، مع كثرة الموالي و الحشم عنده، و ورد أنه كان عنده خمسمائة من الموالي و الحشم، يتكفل بأرزاقهم. [ صفحه 67]

الموقع القيادي و الدور السياسي للامام

الامام مع حكام عصره

الامام الكاظم مع المنصور

قضي الامام الكاظم (ع) عشر سنوات من امامته في خلافة أبي‌جعفر المنصور، و لم يحدث التاريخ أن آذي الامام (ع) بسجن و نحوه، و لكن مع ذلك لم يفسح له المجال باطلاق حريته، لنشر الثقافة و الوعي في صفوف الرعية، بل كان يقيده بالأمور التي يراها مناسبة، حتي و لو لم تتناسب مع الشعائر الاسلامية. و لعل غض النظر عن أذية الامام (ع) في هذه المدة المديدة، للشعور بالندم جراء قتله للامام الصادق (ع) فهو و ان أظهر البراءة من قتله و لكن الأصابع أشارت اليه بالبنان، و لطخ تاريخه بدم الامام و اسود سجله و لو عند أصحاب الامام (ع) الذين لم ينطو عليهم ملابسات الحادثة، بل علموا يقينا أن المنصور الذي يزعم محبته للأئمة قد سمه غدرا. نعم ان اقامة المنصور كانت في مدينته ببغداد، و الامام الكاظم (ع) كان يقيم في المدينة المنورة، فمن القريب جدا أن المنصور كان قد أجبر الامام الكاظم (ع) علي الاستقرار ببغداد تحت الرقابة و لو لمدة، و يتضح ذلك من خلال الرواية التالية. حكي أن المنصور تقدم الي موسي بن جعفر بالجلوس للتهنية في يوم النيروز و قبض ما يحمل اليه. فقال عليه‌السلام: اني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم أجد لهذا العيد خبرا، انه سنة للفرس و محاها الاسلام و معاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام، فقال المنصور: انما نفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم الا جلست، فجلس و دخلت عليه [ صفحه 68] الملوك و الأمراء و الأجناد يهنونه و يحملون اليه الهدايا و التحف و علي رأسه خادم المنصور، يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن. فقال له: يابن بنت رسول الله انني رجل صعلوك لا مال لي، أتحفك في ثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي عليهماالسلام: عجبت لمصقول علاك فرندة [122] . يوم الهياج و قد علاك غبار و لا سهم نفذتك دون جرائر يدعون جدك و الدموع غزار ألا تفضفضت السهام و عاقها عن جسمك الاجلال و الاكبار قال: قبلت هديتك اجلس بارك الله فيك، و رفع رأسه الي الخادم و قال: امض الي أميرالمؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به؟ فمضي الخادم و عاد و هو يقول: كلها هبة مني له، يفعل به ما أراد، فقال موسي (ع) للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك [123] . فما الذي حدا بالامام (ع) السفر الي بغداد و الجلوس في قصر الامارة اذن؟! مع الاستياء الذي كان يواجهه و يعانيه الامام (ع) من سياسة المنصور، مما جعله (ع) يبشر أصحابه بدنو أجل المنصور، و جعلوا يتناقلون ذلك و يتربصون الحين الذي يأتي بتلك البشارة، بل كبر الامام و استبشر بموته. فعن علي بن أبي‌حمزة البطائني قال: سمعت أباالحسن موسي عليه‌السلام يقول: لا والله لا يري أبوجعفر الدوانيقي بيت الله أبدا، فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا فلم يلبث أن خرج، فلما بلغ الكوفة، قال لي أصحابنا في ذلك، فقلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا. فلما صار الي البستان اجتمعوا أيضا الي فقالوا: بقي بعد هذا شي‌ء؟ قلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا، فلما نزل بئر ميمون أتيت أباالحسن عليه‌السلام فوجدته في المحراب قد سجد، فأطال السجود ثم رفع رأسه [ صفحه 69] الي فقال: أخرج فانظر ما يقول الناس، فخرجت فسمعت واعية أبي‌جعفر فرجعت فأخبرته فقال: الله أكبر! ما كان ليري بيت الله أبدا [124] . ثم ان اطالة سجدة الامام (ع) ثم رفعه رأسه و قوله لصاحبه أخرج فانظر ما يقول الناس. لتعطي اشارة واضحة بأن الامام (ع) اما دعا عليه، أو دعا (ع) بتعجيل ما نبأ به، كي لا تتزلزل عقيدة شيعته باخباره لهم.

الامام الكاظم مع محمد المهدي

لقد تربي المهدي بن أبي‌جعفر الدوانيقي علي حب الانتقام، اذ أن أباه قد ورثه خزانة رؤوس من العلويين، و في كل رأس قد علق اسمه عليه، و فيها رؤوس شيوخ و شبان و أطفال [125] . فكان يسير المهدي علي تلك السيرة، فلقد حبس وزيره يعقوب بن داود و بني علي المطبق الذي هو فيه قبة، و بقي فيه حتي عمي، و طال شعر بدنه، حتي صار كالأنعام لأنه اتهمه بممالأة الطالبيين [126] . فلذا لم يكن المهدي ليتواني عن الوقيعة بالامام الكاظم (ع)، و ذلك للخوف الذي كان يداهمه من الخروج عليه، فلذا أقدمه بغداد و حبسه، ثم رده الي المدينة لرؤيا هالته. لقد كانت الجزيرة العربية تحت سيطرة المهدي، فلم لم يحبسه في المدينة تحت نظر الوالي مثلا أو تحت أنظار مريدي المهدي؟! أراد المهدي أن يراقب خطوات و حركات الامام (ع) و أصحابه و محبيه، فاذا كان في سجن بغداد، فهذا أكثر اطمئنانا لقلبه لتفقده في كل حين. و قد اشتهرت هذه الرواية بين العامة و الخاصة، فعن الفضل بن الربيع عن أبيه: أن المهدي لما حبس موسي بن جعفر، ففي بعض الليالي رأي المهدي في منامه علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام و هو يقول له: يا محمد [ صفحه 70] «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم» قال الربيع: فارسل الي ليلا فراعني و خفت من ذلك، و جئت اليه و اذا هو يقرأ هذه الآية، و كان أحسن الناس صوتا، فقال: علي الآن بموسي بن جعفر، فجئته به فعانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام في النوم فقرأ علي كذا، فتؤمني أن لا تخرج علي و لا علي أحد من ولدي؟ فقال:والله لا فعلت ذلك و لا هو من شأني. قال: صدقت. يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار، و رده الي أهله اي المدينة فقال الربيع: فأحكمت أمره في ثاني ليله و قضيت جميع حوائجه و ما أصبح الا و قد قطع أرضا خوفا عليه من العوائق [127] . و في المناقب أنه لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال ان اخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس و حالك عندي موقوف فقال: أفديك بالمال و النفس. فقال: هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح و المال و الأهل و الدين. فقال: لله درك! فعاهده علي ذلك و أمره بقتل الكاظم (ع) في السحر بغتة، فنام فرأي في منامه عليا عليه‌السلام يشير اليه و يقرأ «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم» فانتبه مذعورا و نهي حميدا عما أمره و أكرم الكاظم و وصله [128] . و تشير هذه الروايات المتضافرة، علي الخوف الشديد الذي كان يداهم كيان المهدي، اذ أنه سرعان ما بويع بالخلافة، شد حدة الخناق علي الامام الكاظم، و حاول التخلص منه بالقتل أو السجن. و لما أخذ العهد و الميثاق من الامام بعدم الخروج عليه أو علي أحد من ولده، اطمأن لفوره، و هدأت ثورته، فأكرمه ورده الي المدينة، و لكن [ صفحه 71] حتي مع خمود ثوران بركان غضبه، فان الربيع و هو أشد الناس علاقة بالمهدي خشي أن يغير المهدي رأيه أو ينصت الي مشورة أحد، فاحكم أمر الامام سريعا ورده، و بهذا يتبين أن المهدي كان سريع الانفعال و التأثر، سواء من الجانب السلبي أو الايجابي، و يمكن أن ينقلب لأقل وهلة. و مما يلفت النظر أن هارون لما سجن الامام (ع) رأي رؤيا مرعبة جدا و هدد بالقتل من قبل علي (ع) أو غيره حسب اختلاف الروايات. و لكن المهدي لم يهدد بالقتل، بل بالموعظة من الامام علي (ع) و قد تقبلها بعد أخذ الأمان من الامام الكاظم (ع).

الامام ينبي‌ء بخلاصه من المهدي

لقد كان الخوف يسيطر علي أصحاب الامام (ع) عندما استدعاه المهدي في القدمة الأولي و خشي عليه من القتل، فعن أبي‌خالد الزبالي قال: لما أقدم بأبي‌الحسن موسي (ع) القدمة الأولي نزل زبالة، فكنت أحدثه، فرآني مغموما فقال لي: يا أباخالد مالي أراك مغموما، فقلت: و كيف لا أغتم و أنت تحمل الي هذه الطاغية و لا أدري ما يحدث فيك، فقال: ليس علي بأس، اذا كان شهر كذا و كذا و يوم كذا، فوافني في أول الميل، فما كان لي هم الا احصاء الشهور و الأيام حتي كان ذلك اليوم، فوافيت الميل، فما زلت عنده حتي كادت الشمس أن تغيب، و وسوس الشيطان في صدري، و تخوفت أن أشك فيما قال: فبينما أنا كذلك اذ نظرت الي سواد قد أقبل من ناحية العراق، فاستقبلتهم فاذا أبوالحسن عليه‌السلام أمام القطار علي بغله. فقال: ايه يا أباخالد، قلت: لبيك يا ابن رسول الله، فقال: لا تشكن ود الشيطان أنك شككت، فقلت: الحمد لله الذي خلصك منهم، فقال: ان لي اليهم عودة لا أتخلص منهم» [129] . [ صفحه 72] فهذه الرواية تبين بأن المهدي قد أقدم الامام (ع) أكثر من مرة الي بغداد، و كان الأصحاب يعرفون كنه دغيلة سريرة المهدي تجاه الكاظم (ع) فطمأن الامام أباخالد برجوعه سالما، و هذه كانت من كرامات الامام (ع) ليقوي بصيرة أبي‌خالد، فلذا كاد أن يشك فنبهه الامام الي ذلك، ثم أخبره بأن قتله لابد أن يكون علي أيديهم «ان لي اليهم عودة لا أتخلص منهم». و لم يحدد الامام (ع) شخص المهدي، بل أشار الي حكام الجور، قاطبة، و هكذا جرت كرامته علي أيديهم.

الامام يطالب بفدك

كلما سنحت الفرصة، و رؤي بصيص نور يمكن من خلاله المطالبة بفدك و بالحق المهدور، لم يكن أهل البيت (ع) يتوانوا عن اغتنام تلك الفرصة لاسترداد الحقوق الي أهلها. فعن علي بن أسباط قال: لما ورد أبوالحسن موسي عليه‌السلام علي المهدي، وجده يرد المظالم فقال له: ما بال مظلمتنا يا أميرالمؤمنين لا ترد؟!! فقال له: و ما هي يا أباالحسن؟ فقال: ان الله عزوجل لما فتح علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فدك و ما والاها و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فأنزل الله تعالي علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فدك و ما والاها و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فأنزل الله تعالي علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم «و آت ذا القربي حقه» فلم يدر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من هم. فراجع في ذلك جبرائيل (ع) فسأل الله عزوجل عن ذلك فأوحي الله اليه، أن ادفع فدك الي فاطمة (ع). فدعاها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال لها: يا فاطمة ان الله تعالي أمرني أن أدفع اليك فدك فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله و منك، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما ولي أبوبكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها. فقال لها: آتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك بذلك، فجاءت بأميرالمؤمنين و الحسن و الحسين (ع) و أم أيمن فشهدوا لها بذلك فكتب لها بترك التعرض، فخرجت بالكتاب معها، فلقيها عمر فقال لها: ما هذا الذي معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي‌قحافة. فقال لها: أرينيه، فأبت فانتزعه من يدها، فنظر فيه، و تفل فيه [ صفحه 73] و محاه و خرقه و قال: هذا لأن أباك لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب؟ و تركها و مضي. فقال له المهدي: حدها لي. فحدها. فقال: هذا كثير فأنظر فيه [130] . فالامام الكاظم لم يقل له كلمة واحدة باختصار «فدك». بل شرح له القصة بتفصيلها كيف وصلت فدك الي فاطمة و كيف غصبت، ليبين مظلومية فاطمة و أهل البيت (ع) من خلالها. ثم ان فدك كانت مثار جدل عظيم بين جميع الخلفاء فمن غاصب الي راد و هكذا... فلما استولي العباسيون علي الحكم ردها السفاح علي عبدالله بن الحسن بن الحسن، ثم ردها المهدي بن أبي‌جعفر علي الفاطميين [131] ، لما تكلم معه الامام الكاظم في شأنها، لكن ولده موسي انتزعها في خلافته، و تظاهر الرشيد برغبة في ردها للامام (ع) و لكن لما حدها استكثرها فلم يعطها للامام (ع). و قد تبلورت القاعدة التي يأمرون بالعمل بها «ما لا يدرك كله لا يترك كله». فقد انتفع الفاطميون مدة من أرزاقها ثم حرموا منها.

توسعة المسجد الحرام

لقد كان للمهدي بعض الاصلاحيات و المشاريع الدينية التي يرجع نفعها الي المسلمين قاطبة، لكن «الأعمال بالنيات و لكل امري‌ء ما نوي» فقد تكون خالصة لوجه الله تعالي، أو رياء ليعلو بذلك شأنه في أعين رعيته. فقد روي عن الحسن بن علي بن النعمان، قال: لما بني المهدي في المسجد الحرام، بقيت دار في تربيع المسجد، فطلبها من أربابها فامتنعوا، فسأل عن ذلك الفقهاء، فكل قال له: انه لا ينبغي أن يدخل شيئا في المسجد الحرام غصبا، فقال له علي بن يقطين: يا أميرالمؤمنين لو كتبت [ صفحه 74] الي موسي بن جعفر (ع) لأخبرك بوجه الأمر في ذلك. فكتب الي والي المدينة أن يسأل موسي بن جعفر عن دار أردنا أن ندخلها في المسجد الحرام فامتنع علينا صاحبها، فكيف المخرج من ذلك؟ فقال الوالي ذلك لأبي‌الحسن (ع). فقال أبوالحسن (ع): و لابد من الجواب في هذا؟ فقال له: الأمر لابد منه. فقال له: اكتب. بسم الله الرحمن الرحيم ان كانت الكعبة هي النازلة بالناس، فالناس أولي بفنائها، و ان كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة، فالكعبة أولي بفنائها. فلما أتي الكتاب الي المهدي أخذ الكتاب فقبله، ثم أمر بهدم الدار، فأتي أهل الدار أباالحسن عليه‌السلام، فسألوه أن يكتب لهم الي المهدي كتابا في ثمن دارهم فكتب اليه أن أرضخ لهم شيئا فأرضاهم [132] . فالاحترام و الاقرار بتفوق أهل البيت (ع) في علومهم و عباداتهم و... في قرارة نفوس الخلفاء لا ريب فيه، و انما حملهم علي نبذهم الخوف منهم علي ملكهم، و في تقبيل المهدي الكتاب، رضا و شكرا و للكاظم (ع) نيابة عن تقبيله و شكره.

المهدي لا يعرف تحريم الخمر

من العجب العجاب تقلد كرسي امارة المؤمنين، في ظل حكومة و مجتمع اسلامي، بل في جو مفعم بالعلماء و العلم من جراء ما تركه الامام الصادق (ع) من جامعة عظيمة انتشر صيتها في الآفاق، و وصلت الي أقاصي بلاد العرب و العجم و الروم و... و عرفت جذور الدعوة الاسلامية و أسسها، و مع ذلك يخفي أشهر المسائل و أحمزها في الأسلام، و هي حرمة الخمر في القرآن الكريم، و الذي بين حرمتها مع انطلاقة الدعوة الاسلامية، اذ أن جعفر الطيار بين ذلك للنجاشي. فعن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أباالحسن (ع) عن الخمر [ صفحه 75] هل هي محرمة في كتاب الله، فان الناس يعرفون النهي و لا يعرفون التحريم؟ فقال له أبوالحسن: بل هي محرمة، قال: في أي موضع هي محرمة بكتاب الله يا أباالحسن؟ قال: قول الله تبارك و تعالي: (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق) [133] . فأما قوله (ما ظهر منها) فيعني الزنا المعلن، و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر في الجاهلية، و أما قوله (و ما بطن) يعني ما نكح من الآباء فان الناس كانوا قبل أن يبعث النبي صلي الله عليه و آله و سلم اذا كان للرجل زوجة و مات عنها تزوجها ابنه من بعده اذا لم تكن أمه، فحرم الله ذلك. و أما الاثم فانها الخمر بعينها، و قد قال الله في موضع آخر (و يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير و منافع للناس) فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمر، و الميسر فهي النرد (و الشطرنج) و اثمهما كبير كما قال الله، و أما قوله: «البغي» فهو الزنا سرا قال: فقال المهدي هذه فتوي هاشمية [134] . و في رواية أخري أن المهدي قال: يا علي بن يقطين هذه والله فتوي هاشمية، قال: فقلت له: صدقت والله يا أميرالمؤمنين الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي [135] . فكأن المهدي لم يعتقد حقا بقوله، بل بقي متململا بين الحق و الباطل، فلم يقل هذه آية الهية، أو فتوي قرآنية أو... بل كأنه أراد الافتخار بنسبه عندما بين الامام و أجلي الغبار عن غشاء عقيدة المهدي، فقال: هذه فتوي هاشمية، فعلي بن يقطين الذي كان كمؤمن بني‌اسرائيل، يكتم تشيعه، قال مادحا للمهدي الحمد لله... فعده من ضمن أهل بيت النبوة، لأنه من سلالة بني‌هاشم. [ صفحه 76] فلاحظ المهدي أن نفثات ابن‌يقطين ما هي الا للتجمل و الثناء في غير موقعه، فأفصح عن سريرته قائلا: صدقت يا رافضي.

الامام الكاظم مع موسي بن المهدي (الهادي)

عاصر الامام الكاظم (ع) المنصور عشر سنوات من سني خلافته، و عاصر المهدي احدي عشر سنة، فلم يلق من الضيق، كما لاقاه في خلافة الهادي التي لم تدم أكثر من سنة و ثلاثة أشهر [136] . اذ أنه سرعان ما بويع بالخلافة انقض علي فدك فغصبها من الفاطميين، و أخافهم و ألح في طلبهم، و قطع أرزاقهم و أعطياتهم، و كتب الي الآفاق بطلبهم [137] . و لعظم ما لاقاه أهل المدينة من واليها، بأمر من موسي بن المهدي، ثار أهلها، و كانت وقعة فخ، التي قال عنها الامام الجواد (ع) «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ [138] . و لما حمل رأس الحسين بن علي بن الحسن (صاحب فخ) استبشر الهادي. ثم أخذ في ذكر الطالبيين، و جعل ينال منهم الي أن ذكر موسي بن جعفر صلوات الله عليه، فنال منه و قال؛ والله ما خرج حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه. فقال له أبويوسف القاضي و كان جريئا عليه: يا أميرالمؤمنين أقول أم أسكت؟ فقال: قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، و لو لا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه و علمه و فضله، و ما بلغني عن السفاح فيه من تقريظه و تفضيله، لنبشت قبره و أحرقته بالنار احراقا. فقال أبويوسف: نساؤه طوالق، و عتق جميع ما يملك من الرقيق، و تصدق بجميع ما يملك من المال، و حبس دوابه، و عليه المشي الي بيت [ صفحه 77] الله الحرام، ان كان مذهب موسي بن جعفر الخروج، لا يذهب اليه، و لا مذهب أحد من ولده، و لا ينبغي أن يكون هذا منهم، ثم ذكر الزيدية و ما ينتحلون. فقال: و ما كان بقي من الزيدية الا هذه العصابة، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين و قد ظفر أميرالمؤمنين بهم، و لم يزل يرفق به حتي سكن غضبه [139] ! فهذه الفظاظة و السيرة لم تعهد لأحد من الموالي و الخلفاء بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قط. علاوة علي ذلك فانه لم يكن يتقيد بشرع بل كان يتناول المسكر، و يحب اللهو الطرب، و ينفق الأموال الجزيلة علي ذلك، و قد وصفه كثير من المؤرخين بالجبار و قساوة القلب [140] . فلذا لم يتمكن الامام الكاظم (ع) من مداراته أو مجاراته أو... فلجأ (ع) الي الدعاء عليه.

دعاء الامام علي موسي بن المهدي (الهادي)

عن علي بن يقطين قال: وقع الخبر الي موسي بن جعفر (ع) و عنده جماعة من أهل بيته، بما عزم عليه موسي بن المهدي في أمره، فقال لأهل بيته بما تشيرون؟ قالوا: نري أن تتباعد عن هذا الرجل، و أن تغيب شخصك منه، فانه لا يؤمن شره، فتبسم أبوالحسن عليه‌السلام ثم قال: زعمت سخينة [141] أن ستغلب ربها فليغلبن مغالب الغلاب ثم رفع يده الي السماء فقال: الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته، و أرهف - لي شبا حده، و داف لي قواتل سمومه، و لم تنم عني عين حراسته، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن ملمات الحوائج، صرفت ذلك عني بحولك [ صفحه 78] و قوتك، لا بحولي و لا بقوتي، فألقيته في الحفير الذي احتفر لي خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي ذلك قدر استحقاقك سيدي، اللهم فخذه بعزتك، و أفلل حده عني بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا عمن يناويه، اللهم واعدني عليه عدوي حاضرة، تكون من غيظي شفاء، و من حقي عليه وفاء، و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكاتي (شكايتي) بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في اجابة المضطرين، انك ذوالفضل العظيم، و المن الكريم. قال: ثم تفرق القوم فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسي بن المهدي [142] . و في بعض الروايات أنه (ع) رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في منامه فشكي اليه موسي بن المهدي، فبشره صلي الله عليه و آله و سلم بموته. فالدعاء آخر وسيلة يلجأ اليها أهل البيت (ع) بعد نفاذ جميع الأساليب التي يمكن من خلالها السيطرة علي العدو و علي الموقف، أو ليونته بالطرق التي يرونها مناسبة. و من هنا نستكشف أنه ما مر علي الامام (ع) أزمة حرجة كهذه. فعندما حبس الرشيد الامام (ع) ورد كتاب عيسي بن جعفر للرشيد قائلا: اني وضعت من يسمع منه ما يقوله في دعائه، فما دعا عليك و لا علي، و لا ذكرنا بسوء [143] . اضافة الي أن الأمر قد تفاقم و اشتد فاستشار أهل بيته ليدلوا بآرائهم، بل في بعض الروايات أنه جمع أصحابه و أهل بيته و استشارهم في أمره، فأشاروا عليه بالابتعاد عنه. أما أهل البيت (ع) فلم يكن من شيمهم الهروب في البراري، ليفرغوا الساحة للأعداء تتلاعب بأهوائها كما تشاء، بل هذا هو قصد الخلفاء من [ صفحه 79] سجنهم و مراقبتهم، ليقيدوا حركاتهم بل ليشلوها ان استطاعوا. و لما رأي (ع) أن هذا الرأي يتنافي مع الرسالة الاسلامية و هدف الدعوة الي الله، استهزأ بالذين يقاومون و يحاربون خط الله و منهجه، فانهم بذلك يضاهئون الله في سلطانه، فقال مبتسما: زعمت سخينة... و بشر أصحابه بأن أول بريد يأتي من العراق بموت الهادي، فما كان الا أيام قلائل، و الأصحاب تنتظر ذلك بفارغ الصبر، الا و تحققت كرامة الامام (ع) علي يدي شرار خلقه. و قيل ان موسي الهادي كان قد حبس الامام (ع) ثم أطلقه، لأنه رأي عليا (ع) يقول له: «فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم» [144] . و المشهور في التاريخ أن الذي حبسه أولا ثم أطلقه لرؤيا علي (ع) و تلاوة هذه الآية هو المهدي لا الهادي. و الظاهر أنه لم يجلبه الي بغداد، بل كانت منيته قبل تحقيق أمنيته. و يمكن أن يكون الهادي أيضا رأي عليا (ع) في المنام كما رآه أخوه من قبل. ليكون برهانا قبل فوات الأوان. [ صفحه 83]

الامام مع هارون‌الرشيد

نبذة من سيرة هارون

لم تطل خلافة هارون حتي اقتص آثار آبائه، حذو القذة بالقذة و النعل بالنعل، هذا اذا لم يتطور لأساليب أرقي، و قد شبهه المؤرخون بالمنصور الا في بذل المال، حيث يقولون ان المنصور كان بخيلا [145] ، و أما هارون فقد كان يبذخ الأموال علي المغنين و علي ملذاته الدنيوية. فقد مدحه أبوالعتاهية، و غناه ابراهيم الموصلي، فأعطي كل واحد منهما مائة ألف درهم، و مائة ثوب [146] . و في احدي الليالي غناه، فقال: ما رأيت صوتا يجمع السخاء و الطرب و جودة الصفة مثل هذا الصوت. فقال له ابراهيم: لو وهب لك انسان مائتي ألف درهم أكنت أسر بها أو بهذا الصوت؟ قال الرشيد: والله لأنا أسر بهذا الصوت مني بألفي ألف. قال له ابراهيم: لم لا تهب لي مائتي ألف؟ فأمر لي بمائتي ألف درهم [147] . و لقد كان يعلم الرشيد أن هذا صوت شيطان فلم يتورع منه، فقد قال اسحق بن ابراهيم الموصلي بينما هو عند الرشيد يغنيه، اذ طرب هارون [ صفحه 84] و نام، فأحس اسحق بشاب قد دخل عليه و أعطاه صوتا رخيما، فأوقظ هارون و قد كاد الصبح أن يطلع، و أخبره بالقصة فقال له: لقد صادفت شيطانا، أعد علي الصوت، فطرب طربا شديدا. بل كان يجمع المغنين و يقيم الحفلات ليطرب بصوت أحدهم [148] . و غناه دحمان الأشقر، فوهب له قريتان غلتهما أربعون ألف دينار [149] . و غنت له جارية فاشتراها بثلاثين ألف درهم، و لم يبقها عنده سوي بضعة أيام ثم وهبها لأحد خاصته [150] . أما هباته للشعراء فأكثر من أن تحصي و يكفي أنه كان يهب في كل بيت ألف دينار أحيانا لمن مدحه [151] . و كان يحب المديح، و لا سيما من شاعر فصيح، و يشتريه بالثمن الغالي، فدخل عليه مروان بن أبي‌حفصة فأنشده مديحا فيه الذي أوله: و سدت بها دون الثغور فأحكمت به من أمور المسلمين المرائر... فأعطاه خمسة آلاف دينار فقبضها بين يديه و كساه خلعته، و أمر له بعشرة من رقيق الروم، و حمله علي برذون من خاص مراكبه [152] . و قد أهدي له العباس بن محمد غاليه، فمدحها. فقال له خادم الرشيد: والله أنت شيخ أحمق، تجي‌ء الي خليفة الله فتمدح عنده غالية! أما تعلم أن كل شي‌ء تمطر و كل شي‌ء تخرج الأرض له، و كل شي‌ء هو في الدنيا فملك يده، و تحت خاتمه و في قبضته! و أعجب من هذا أنه قيل لملك الموت: انظر كل شي‌ء يقول لك هذا فأنفذه [153] أي أن رقاب كل الناس بيده، فمتي شاء و أمر بضرب الأعناق المجرمة و البريئة فعل. و كان عنده شخص يمازحه و يضحكه، جعله في قصره، و كان يصله أحيانا اذا مازحه بمائة ألف درهم [154] . [ صفحه 85] و كان الدرهم يومئذ يشتري به ستون رطلا من التمر، و الزيت ستة عشر رطلا بدرهم و الكبش بدرهم [155] . أما تنكيله بالعلويين فهذا مما لا يحصي، فقد كان مجرد اتهام شخص بولائه لآل‌أبي‌طالب، كافيا لأن تصادر أمواله و تتلف نفسه. و جاء في رسالة الخوارزمي عن هارون قوله «الذي حصد شجرة النبوة و اقتلع غرس الامامة» [156] و في السنة الثانية من خلافته أخرج الطالبيين من بغداد الي المدينة (الكامل ج 4 / 26) و أرسل الجلودي لحرب محمد بن جعفر بن محمد، و أمره أن يغير علي دور آل‌أبي‌طالب في المدينة، و يسلب ما علي نسائهم من ثياب و حلي، و لا يدع علي واحدة منهن الا ثوبا واحدا [157] . و قد قال عدد كبير من المؤرخين «كان يكره الشيعة و يقتلهم» بل أقسم يوما علي استئصالهم و كل من يتشيع لهم فقال: «... حتام أصبر علي آل بني أبي‌طالب، والله لاقتلنهم و لاقتلن شيعتهم...» [158] و عندما حضرته الوفاة أسف قائلا: «و اسوأتاه من رسول الله» [159] . و يكفي في أمره لحميد بن قحطبة بقتل ستين علويا ظلما و رميهم في البئر. و يحتمل أن الآمر أحد عدلانه المنصور أو المهدي، لأن حميد بن قحطبة روي أنه مات سنة 159 و خلافة الرشيد كانت سنة 170. و حاول منع خدمة قبر الحسين (ع) فبعث الرشيد ابن أبي‌داود و الذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير، فأتي بهم، فنظر الحسن بن راشد الي ابن أبي‌داود، و قال: ما لك؟ قال: بعث الي الرشيد فأحضرني و لست آمنه علي نفسي، قال له: فاذا دخلت عليه فسألك، فقل له: الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع، فلما دخل عليه قال هذا القول، قال: ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن! أحضروه، فلما حضر، قال: ما حملك علي أن صيرت هذا الرجل في الحير؟ قال: رحم الله من صيره في [ صفحه 86] الحير، أمرتني أم موسي أن أصيره فيه، و أن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهما، قال: ردوه الي الحير، و أجروا عليه ما أجرته أم موسي».

حقد هارون علي الامام

و كان يسعي هارون للظهور بوجه نقي يبين من خلاله لعامة شعبه، بأنه لا يبغي أي نائلة للامام و لكن الحقد الدفين الذي كان يحمله بين طياته لم يخف بين الحين و الآخر. فقد حاول ابطال أمر الامام بالاستهزاء به تارة، و الاستخفاف به أخري، الي تعذيبه و سجنه و سمه و... فقد روي علي بن يقطين قال: استدعي الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي‌الحسن موسي بن جعفر و يقطعه و يخجله في المجلس، فانتدب له رجل معزم [160] ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا علي الخبز، فكان كلما رام خادم أبي‌الحسن تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، و استفز هارون الفرح و الضحك لذلك، فلم يلبث أبوالحسن أن رفع رأسه الي أسد مصور علي بعض الستور. فقال له: يا أسد خذ عدو الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم، فخر هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيا عليهم و طارت عقولهم، خوفا من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي‌الحسن: أسئلك بحقي عليك لما سئلت الصورة أن ترد الرجل فقال: ان كانت عصا موسي ردت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في افاقة نفسه» [161] و هذه الرواية من حيث السند حسنة ان لم تكن علي أعلي درجة من الوثاقة، و قد رواها أكابر و أعاظم علمائنا. و ليس هذا ببعيد علي أهل بيت النبوة فانهم لا يظهرون معاجزهم [ صفحه 87] و كراماتهم الا حين يرون ضرورة تستدعيهم الي ذلك كما اذا رأوا في ذلك وهنا علي الدين كما حصل. و روي بعض أصحابنا أن هارون قد استعان علي قتل الامام (ع) برجال من الخزر و الترك، فلما رأوه تداخلهم من الهيبة و وقعوا علي قدميه يقبلونها و يسألونه العفو، فجعل الامام يمر يده علي رؤوسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون [162] . بل انه كان يحاول سم الامام (ع) قبل وضعه في السجن فعن عمر بن واقد قال: ان هارون‌الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسي بن جعفر (ع)، و ما كان يبلغه من قول الشيعة بامامته، فكر في قتله بالسم. فوضع عشرين رطبة، و سمم أحدها بسلك مسموم، و أعطي ذلك لخادمه، و أمره أن يقسم عليه بأن يأكله عن آخره. فبينما (ع) يأكل اذا بكلبه قد حازت بجانبه (ع) فأخذ خلال و غرزه في الرطبة و رمي بها الي الكلبة، فأكلتها، فما لبثت أن ضربت بنفسها الأرض و ماتت، فلما علم ذلك هارون، أحضر الخادم و دعا بسيف و نطع، و قال له: لتصدقني عن خبر الرطب أو لأقتلنك. فأخبره بما جري، فقال الرشيد: ما ربحنا من موسي (عليه‌السلام) الا أنا أطمعناه جيد الرطب، و ضيعنا سمنا، و قتل كلبنا، ما في موسي بن جعفر من حيلة؟ [163] . و لما سجنه عند الفضل بن يحيي، و ورد الخبر بأنه في سعة و دعة و رفاهية، أمر بالفضل فجرد من ثيابه، و جلد مائة سوط، و تبرأ منه، و أوعز الي أصحابه التبرء منه، الي أن اعتذر عنه أبوه يحيي بن خالد و وعد هارون بأنه سينفذ ما يأمره بنفسه من قتل الامام (ع). «فأمر بعد ذلك مواليه توليه، فقالوا: نحن أولياء من واليت و أعداء [ صفحه 88] من عاديت و قد توليناه» [164] .

هارون يهدد والله يبدد

روي الشيخ الصدوق بالاسناد الي الفضل قال: كنت أصحب الرشيد، فأقبل علي يوما غضبانا، و بيده سيف يقلبه، فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لئن لم تأتني بابن عمي الآن، لأخذن الذي فيه عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي، فقلت: و أي الحجازي؟ قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. قال الفضل: فخفت من الله عزوجل أن أجي‌ء به اليه، ثم فكرت في النقمة فقلت له: افعل. فقال: أتيني بسوطين و هسارين [165] و جلادين، قال: فأتيته بذلك و مضيت الي منزل أبي‌ابراهيم موسي بن جعفر (ع) فأتيت الي خربة فيها كوخ من جرايد النخل، فاذا أنا بغلام أسود، فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله فقال لي: لج فليس له حاجب و لا بواب، فولجت اليه، فاذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده، فقلت له: السلام عليك يابن رسول الله أجب الرشيد. فقال (ع): ما للرشيد و مالي؟ أما تشغله نقمته عني؟ ثم وثب مسرعا و هو يقول: لو لا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أن طاعة السلطان للتقية واجبة اذا ما جئت. فقلت له: استعد للعقوبة يا أباأبراهيم رحمك الله، فقال (ع) أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة؟! و لن يقدر اليوم علي سوء بي انشاء الله تعالي. قال فضل بن الربيع: فرأيته و قد أدار يده (ع) يلوح بها علي رأسه (ع) ثلاث مرات، فدخلت علي الرشيد، فاذا هو كأنه امرأة ثكلي قائم حيران، فلما رآني قال لي: يا فضل، فقلت: لبيك، فقال: جئتني بابن [ صفحه 89] عمي؟ قلت: نعم قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان، فاني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده، ائذن له بالدخول، فأذنت له، فلما رآه وثب اليه قائما و عانقه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي ثم أجلسه علي فخذيه، فقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال: سعة مملكتك و حبك للدنيا، فقال: ايتوني بحقة الغالية فأتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير. فقال موسي بن جعفر (ع) والله لو لا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي‌طالب، لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها، ثم تولي (ع) و هو يقول: الحمد لله رب العالمين، فقال الفضل: يا أميرالمؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه و أكرمته فقال لي: يا فضل انك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: ان أذي ابن رسول الله خسفنا به و ان أحسن اليه انصرفنا عنه و تركناه. فتبعته عليه‌السلام فقلت له: ما الذي قلت حتي كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي‌طالب كان اذا دعا به ما برز الي عسكر الا هزمه، و لا الي فارس الا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء، قلت: و ما هو؟ قال: قلت: «اللهم بك أساور و بك أحاول و بك أحاور، و بك أصول و بك أنتصر و بك أموت و بك أحيا، أسلمت نفسي اليك و فوضت أمري اليك، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، اللهم انك خلقتني و رزقتني، و سترتني عن العباد بلطف ما خولتني و أغنيتني، و اذا هويت رددتني، و اذا عثرت قومتني، و اذا مرضت شفيتني، و اذا دعوة أجبتني، يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [166] . فقد استخف به أولا بقول هذا الحجازي، ثم ان الظاهر من الروايات أن هارون كان قد استدعاه الي بغداد للاقامة فيها، و الا ما السبب في مجي‌ء الامام الي بغداد و الاقامة فيها لو لا ذلك. اضافة الي قول الغلام ليس له حاجب و لا بواب، لأكبر دليل علي [ صفحه 90] فرق و خوف أصحابه (ع) علي الالتفاف حوله و زيارته، و النهل من علمه و... فكأنه قد وضع تحت اقامة جبرية بمراقبة السلطة و تحري حركاته و مواليه، فلذا قال (ع) أما تشغله نقمته عني؟ فان الأذية التي كان يتلقاها دوما من هارون، توضح بأن أكبر هموم هارون التي شغلت أوقاته و قضت مضجعه وجود الامام الكاظم الذي يخشي منه علي ملكه. و نلاحظ أن أميرالمؤمنين (ع) هو الوحيد الذي يري في المنام غالبا، سواء في رؤيا المهدي أو الهادي - حسب بعض الروايات - أو الرشيد، و كأن النزاع كان علي الخلافة و الامامة من الأصل، و علي (ع) هو المسؤول الأول عن مسألة استمرار الامامة، فكان يهددهم بالخسف و ما أشبه.

سبب حبس الامام

السعاية من أقربائه

1 - علي بن اسماعيل بن جعفر (ع) روي الشيخ الصدوق قال: كان السبب رجوع موسي بن جعفر (ع) الي بغداد، أن هارون‌الرشيد أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة، و كان له من البنين أربعة عشر ابنا، فاختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة و جعله ولي عهده، و عبدالله المأمون و جعل الأمر له بعد ابن‌زبيدة، و القاسم المؤتمن و جعل له الأمر من بعد المأمون. و كان محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث (و كان يتشيع) فساء ذلك يحيي بن خالد البرمكي لأنه اذا تولي الخلافة فقد يديرها حقيقة معلمه جعفر بن محمد بن الأشعث، فتقرب الي جعفر و أظهر له أنه علي مذهبه، فأفضي له بأسراره و انه مع الامام الكاظم (ع)، و كان الرشيد يجهل ذلك و يقدم جعفر في كثير من الأمور. فمدح يحيي جعفرا عند هارون، ففرح بذلك هارون فأمر لجعفر بعشرين ألف دينار، و عند المساء أبدي يحيي ما كان يكتمه علي جعفر، و أخبره أنه لا يأتيه شي‌ء الا خمسه عند الكاظم (ع). فأرسل هارون خلف جعفر و أمره باحضار العشرين ألف دينار [ صفحه 91] بخواتيمها، فأتي بها، ثم قال: هذا أول ما تعرف به كذب من سعي بي اليك، قال: صدقت يا جعفر انصرف آمنا، فاني لا أقبل فيك قول أحد، و جعل يحيي يحتال في اسقاط الامام. ثم قال يوما لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي‌طالب، ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج اليه من أخبار موسي بن جعفر؟ فدل علي علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل اليه يحيي مالا، و كان موسي يأنس اليه و يصله و ربما أفضي اليه بأسراره، فلما طلب ليشخص به أحس موسي بذلك، فدعاه الي أين يابن أخي؟ قال: الي بغداد علي دين و أنا مملق. قال (ع): فأنا أقضي دينك و أفعل بك و أصنع، فلم يلتفت الي ذلك فعمل علي الخروج، فاستدعاه أبوالحسن فقال له: أنت خارج؟ فقال له: نعم لابد لي من ذلك. فقال له (ع): انظر يابن أخي، و اتق الله لا تؤتم أولادي، و أمر له بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم. و أرسلها مع أخيه محمد بن اسماعيل بن جعفر، و قال له: اجعل هذا في جهازك و لا تؤتم ولدي. فكأن اختيار الامام (ع) بارسالها مع أخيه محمدا بالخصوص، تحذيرا له أيضا، لأنه خان بالامام فيما بعد و وشي عليه لهارون. فخرج علي بن اسماعيل حتي أتي يحيي بن خالد البرمكي، فتعرف منه خبر موسي بن جعفر، فعرفه الي الرشيد و زاد فيه، ثم أوصله الي الرشيد فسأله عن عمه فسعي به اليه، فعرف يحيي خبره و زاد عليه و قال له: ان الأموال تحمل اليه من المشرق و المغرب، و ان له بيوت أموال، و انه اشتري ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة [167] ، و قال له صاحبها و قد أحضره المال: لا آخذ هذا النقد و لا آخذ الا نقدا كذا و كذا... فأمر بذلك المال فرد و أعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل [ صفحه 92] بعينه. فسمع ذلك منه الرشيد و أمر له بمائتي ألف درهم نسبت له علي بعض النواحي فاختار كور المشرق، و مضت رسله لقبض المال، و دخل هو في بعض الأيام الي الخلاء فزحر زحرة فخرجت حشوته كلها فسقطت، و جهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به و جاءه المال و هو ينزع فقال: و ما أصنع به و أنا أموت [168] . 2 - محمد بن جعفر بن محمد الباقر (ع) فعن علي بن جعفر قال؛ جاءني محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد و ذكر لي: أن محمد بن جعفر دخل علي هارون‌الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت أخي موسي بن جعفر (ع) يسلم عليه بالخلافة [169] . فقد يكون اخبار محمد بن اسماعيل لعمه علي بن جعفر، حال عمه محمد، لابعاد التهمة عن نفسه و الصاقها بغيره، فيتنحي عندئذ ناحية. اضافة الي أن الامام (ع) لم يرو التاريخ انه كان يسلم عليه بالخلافة، بل بالامامة و السيادة، و لو فرض ذلك، فانما جره لقوله الحسد. 3 - محمد بن اسماعيل بن جعفر. و روي علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن اسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أباالحسن موسي (ع) أن يأذن له في الخروج الي العراق و أن يرضي عنه و يوصيه بوصيته قال: فتنحيت حتي دخل المتوضأ و خرج و هو وقت كان يتهيأ لي أن أخلو به و أكلمه، قال: فلما خرج قلت له ان ابن أخيك، محمد بن اسماعيل يسألك أن تأذن له في الخروج الي العراق، و أن توصيه، فأذن له (ع) فلما رجع الي مجلسه، قام محمد بن اسماعيل و قال: يا عم أحب أن توصيني فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. فقال: لعن الله من يسعي في دمك، ثم قال: يا عم أوصني، قال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. [ صفحه 93] قال: ثم ناوله أبوالحسن (ع) صرة فيها مائة و خمسون دينارا، فقبضها محمد ثم ناوله أخري فيها مائة و خمسون دينارا، فقبضها ثم أعطاه صرة أخري، فيها مائة و خمسون دينارا، فقبضها ثم أمر له بألف و خمسمائة درهم كانت عنده، فقلت له في ذلك و استكثرته، فقال هذا ليكون أوكد لحجتي اذا قطعني و وصلته، قال: فخرج الي العراق فلما ورد حضرة هارون أتي باب هارون، بثياب طريقه، قبل أن ينزل و استأذن علي هارون، و قال للحاجب قل لأميرالمؤمنين ان محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب، فقال الحاجب انزل أولا و غير ثياب طريقك، و عد لأدخلك اليه بغير اذن، فقد نام أميرالمؤمنين في هذا الوقت. فقال: أعلم أميرالمؤمنين أني حضرت و لم تأذن لي؟ فدخل الحاجب و أعلم هارون قول محمد بن اسماعيل فأمر بدخوله، فدخل. قال: يا أميرالمؤمنين خليفتان في الأرض موسي بن جعفر بالمدينة يجبي له الخراج و أنت بالعراق يجبي لك الخراج؟ فقال والله!!! فقال: والله. فقال: فأمر له بمائة ألف درهم، فلما قبضها و حملت الي منزله، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، و حول من الغد المال الذي حمل اليه الي الرشيد [170] . فكان محمد بن اسماعيل يتظاهر بالولاء لعمه الكاظم و يطلب منه الاذن و الوصية، و يدعو علي من يرد به سوء، و كتم الحقد و الحسد الذي كان يضمره عليه، و عرف الامام سوء سريرته فأملأ عينيه من المال، و أكد عليه الحجة، و لكن الوشايات و العلاقات بين محمد بن اسماعيل و هارون كانت قد وطدت، فخجل من هارون قطع علاقته معه أوقد تسبب أذية له. أما كيفية اتصاله بهارون فيمكن - و هو الأقوي - أن تكون عن طريق الرسائل أو أشخاص، و شخوصه الي باب هارون أحيانا. اذ كيف يأذن الحاجب له بدخوله عليه دون اذن مسبق؟ بل كيف أكد عليه بقوله: أعلم أميرالمؤمنين أني حضرت و لم تأذن لي؟ [ صفحه 94] فهارون ينتظره علي أحر من الجمر، بل لأهمية الأمر أذن له في غير وقت الاذن و هو حال نوم هارون فأيقظه من نومه، و تهلل وجه هارون و أمر له بذلك المبلغ العظيم.

السعاية من غير أقربائه

أ - يحيي بن خالد البرمكي. من الطبيعي علي من حاز علي الشرف و العزة و الأموال المغدقة من هارون أن يوشي [171] علي الامام لحطام زائل. قلد هارون الوزارة للبرامكة، فكانوا الساعد الأيمن له، و أغدق عليهم من الأموال ما لم يصل اليه أحد من سادة قومه و أشرافهم فقد كان لأم‌جعفر بن يحيي بن خالد البرمكي (زوجة يحيي المذكور) مائة وصيفة لباس كل واحدة و حليها خلاف الأخري، و بني‌جعفر قصرا غرم عليه عشرين مليون درهم [172] ، و ذكر الدميري أن جعفر حاز ضياع الدنيا لنفسه فكان الرشيد لا يمر بضيعة و لا بستان الا قيل له هذا لجعفر [173] . و وهب الفضل بن يحيي بن خالد لصاحب شرطته أربعة ملايين درهم، و مدحه يوما أبوثمامة، فوهبه الفضل مائة ألف درهم. و لما أخبره غلامه أنه ولد له مولود وهبه مائة ألف درهم. و بالغ الشعراء في مدح البرامكة و هم يغدقون عليهم من الأموال و قد كانوا قبل ذلك يستعينون بأصحابهم لقضاء ديونهم [174] . و لما أحصيت بعض أموالهم ليقبضها الرشيد أو ليهبها لمن يحب فكانت ثلاثين مليون وست مائة و ستين ألف دينار، بل كانت أموالهم لا يعرف أكثرها الا من أحصي الأعمال [175] و كان علي اثني‌عشر ألف ألف مكتوبا علي بدرها صكوك مختومة [176] . [ صفحه 95] و لما نكب البرامكة أتت يوما عباده أم‌جعفر البرمكي في ثياب رثة يوم عيد تستعطف قلوب الناس، فقالت: لقد أتي علي عيد مثل هذا و أنا علي رأسي أربعمائة وصيفة و اني لأعد ابني عاقا، و لقد أتي علي هذا العيد و ما أتمني سوي جلد شاتين أفترش أحدهما و التحف الآخر [177] . ثم ان الرشيد نكل بهم أشد تنكيل فقتلهم و صلبهم و شرد منهم من شرد، و كان هذا مصداقا لقول الكاظم (ع) «مساكين آل‌برمك! لا يعلمون ما يجري عليهم» [178] . فمن أراد عزا بلا عشيرة، و جاها بلا مال فليخرج من ذل معصية الله الي عز طاعته. و قد أطال المؤرخون في ذكر نكبة البرامكة، و ما آل اليه مصيرهم، حتي صاروا مضربا للأمثال. 2 - يعقوب بن داوود. كان من سعي بالامام (ع) يعقوب بن داوود، و كان يري رأي الزيدية [179] و قد توقف بعضهم في حاله كالسيد الخوئي، و ضعفه في التنقيح، و لم يعلم حاله.

اتهام الامام باتهامات عدة

ورد عن الامام الكاظم (ع) أنه قال: لما أمر هارون‌الرشيد بحملي، دخلت عليه فسلمت فلم يرد السلام و رأيته مغضبا، فرمي الي بطومار فقال: اقرأه فاذا فيه كلام قد علم الله عزوجل براءتي منه، و فيه ان موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة ممن يقول بامامته، يدينون الله بذلك، و يزعمون أنه فرض عليهم الي أن يرث الله الأرض و من عليها، و يزعمون أنه من لم يذهب اليه بالعشر و لم يصل بامامتهم، و لم يحج باذنهم، و يجاهد بأمرهم، و يحمل الغنيمة اليهم، و يفضل الأئمة علي جميع [ صفحه 96] الخلق، و يفرض طاعتهم مثل طاعة الله و طاعة رسوله فهو كافر حلال ماله و دمه. و فيه كلام شناعة، مثل المتعة بلا شهود، و استحلال الفروج بأمره و لو بدرهم، و البراءة من السلف، و يلعنون عليهم في صلاتهم، و يزعمون أن من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، و من أخر الوقت فلا صلاة له لقول الله تبارك و تعالي: (أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) يزعمون أنه واد في جهنم، - و الكتاب طويل - و أنا قائم أقرأ و هو ساكت، فرفع رأسه و قال: اكتفيت بما قرأت فكلم بحجتك بما قرأته. قلت: يا أميرالمؤمنين و الذي بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج، لكنا معاشر آل أبي‌طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم في قوله «لو أهدي الي كراع لقبلت، و لو دعيت الي ذراع لأجبت، و قد علم أميرالمؤمنين ضيق ما نحن فيه، و كثرة عدونا، و ما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب، فضاق بنا الأمر، و حرمت علينا الصدقة، و عوضنا الله عزوجل عنها الخمس و اضطررنا الي قبول الهدية، و كل ذلك مما علمه أميرالمؤمنين، فلما تم كلامي سكت. ثم قلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته! فقلت: حدثني أبي عن جدي يرفعه الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ان الرحم اذا مست رحما تحركت و اضطربت فان رأيت أن تناولني يدك، فأشار بيده الي». ثم قال: ادن. فدنوت فصافحني و جذبني الي نفسه مليا ثم فارقني و قد دمعت عيناه فقال لي: اجلس يا موسي، فليس عليك بأس، صدقت و صدق جدك و صدق النبي صلي الله عليه و آله و سلم لقد تحرك دمي، و اضطربت عروقي، و أعلم أنك لحمي و دمي، و أن الذي حدثتني به صحيح، ثم انه سأله بعض الأسئلة... ثم قال: ارفع حوائجك يا موسي فقلت: يا أميرالمؤمنين أول حاجتي اليك أن تأذن لي في الانصراف الي أهلي، فاني تركتهم باكين آيسين من أن يروني أبدا... فقال: مأذون لك، ازدد؟ فقلت: يبقي الله أميرالمؤمنين لنا معاشر [ صفحه 97] بني عمه. فقال؛ ازدد؟ فقلت: علي عيال كثير، و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته، فأمر لي بمائة ألف درهم، و كسوة و حملني و ردني الي أهلي مكرما. لم يكن هارون يعبأ بالحكم الشرعي اذا لم نقل كان جاهلا، فهل أن الغضب يجيز له ترك جواب السلام؟ أما الطومار (الكتاب) فقد لا يكون بدعة و افتراء من هارون، بل من الوشاة الذين يزدلفون قربي لهارون باذيتهم لذوي القربي. أما قول الامام (ع) قد علم الله عزوجل براءتي منه مع أن أكثر ما فيه مما تقول فيه الشيعة الامامية. نعم الحج لا يحتاج الي اذنهم (ع) بعد كونه ضروريا بفرضه و مستحبا بنفله. و لكن من لم يأت بما ذكر، ليس بكافر حلال المال و الدم - معاذ الله - فهو و ان كان مسلما، و لكن فاسقا يستحق العقاب. أما لعن السلف و من لم يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، و من أخر الوقت فلا صلاة له، فالشيعة من هذا القول براء، بل كان يقول علي (ع) اني أكره لم أن تكونوا سبابين. و من أخر الصلاة حتي خرج وقتها، لا مجرد التأخير، مع بقائه في الوقت. لكن الامام (ع) يقول علم الله عزوجل براءتي منه، أي ممن وشي و سعي بي بهذا الكلام الي هارون، فالتورية في هذا المقام ان لم تكن واجبة فهي جائزة. أما قوله (ع) ما حمل الي أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج [180] . و ذلك لأن الأراضي اما أن تكون مواتا فهذه من الأنفال و هي للامام اجماعا، و هذه اذا أحياها الشيعي لا يجب فيها الخراج، و قد قال أهل البيت (ع) ما كان لنا فهو لشيعتنا، و قد حلل الأئمة بعد أميرالمؤمنين (ع) [ صفحه 98] ذلك لشيعتهم لسهولة الأمر و طيب الولادة. و هذا متفق عليه في حال الغيبة، أما في حال الحضور ففيه خلاف عند الفقهاء. فالامام (ع) لأنه لم يكن مبسوط اليد، فقد لا يري وجوبها و يحلل ذلك لشيعته. و اما أن تكون الأراضي مفتوحة عنوة فلابد أن يؤدي خراجها لأنها ملك المسلمين، و اذا دفعها الي السلطان الجائر فقد برئت ذمة الدافع، و ما دام الامام (ع) يري بأن عمال السلطان يجبونها بالقهر و القوة، و الا عرض الممتنع عن اخراجها الي التنكيل و التعذيب، فانه (ع) لا يفرضها علي شيعته ثانية [181] . و أما قوله نقبل الهدية التي أحلها الله... فالظاهر من قوله (ع) أنه عبر عن الخمس بأنها هدية من الله تعالي لأهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد أن حرم عليهم الزكاة فهم يقبلون هذه الهدية، و لم يذكر رفضه للخمس (ع) أو عدم جبايته له، بل قال في رواية أخري «و لو حملوا الينا زكاة و علمنا أنها زكاة لرددناها، فان كانت هدية قبلناها» [182] ثم حاول تهدئته بقوله (ع) ان رأي أميرالمؤمنين - مخاطبته بالامرة - لابن عمه تذكيره بالقرابة و الرحم، فذكر له حديث مس الرحم. و أما قوله (ع) و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالمؤمنين و عادته، فقد يراد بها أميرالمؤمنين علي (ع) في الباطن، و قد فهم منها هارون نفسه فأكرمه، و التقية لها مورد في المقام، و الا ففي عدة روايات كانوا (ع) يرفضون الأموال تحديا و اعلانا للحرب. [ صفحه 99] و في حديث آخر أن الامام (ع) لما دخل علي الرشيد قال له: يا موسي بن جعفر خليفتين يجبي اليهما الخراج؟! فقال (ع) يا أميرالمؤمنين أعيذك بالله أن تبؤ باثمي و اثمك، و تقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما علم ذلك عندك، فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن تأذن لي أن أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال: قد أذنت لك. فأخبره (ع) حديث مس الرحم، فهدأ هارون و أجلس الامام بجانبه و عانقه و بكي! فقد رأي الامام شدة غيظه و حنقه و غضبه فلذا بادره بقوله أعيذك بالله أن تبوء باثمي و اثمك، أي كما قتل قابيل أخاه هابيل، و تحمل اثمه و اثم أخيه لظلمه له، فلا تكن مثله، و مع أن الامام (ع) لا اثم عليه لعصمته و لكنه مجاراة لهارون كما قال صلي الله عليه و آله و سلم «و اني و اياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين» فساوي نفسه معه. و مدحه (ع) بالعلم بحقيقة المظلومية التي عاناها أهل البيت، ليكن ذلك حافزا لتصديقه. ثم ان الاذن في تحديثه عن رسول الله لا عن نفسه، ليبعد الفخر عن نفسه الذي ينعته به هارون، فأحالته الي الينبوع الأساسي يبعد التهمة عن نفسه بادعائه العلم و المعرفة.

افتخار الامام بأبوة رسول الله

انقض هارون علي الحكم، و موه علي شعبه مع آبائه، بأن الأحقية بالخلافة اليهم لكونهم أولاد عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكانوا يتبجحون بهذا في النوادي و البوادي. و في سنة 177 أو 179 علي أكثر الروايات حج هارون بيت الله الحرام، و ورد الي مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاستقبله الامام الكاظم (ع) علي دابة متواضعة، فانزعج من ذلك الرشيد، اذ كان عليه أن يهيأ مراسم ضخمة، أو ناقة أصيلة، فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أميرالمؤمنين؟ و أنت ان تطلب علهيا لم تلحق، و ان طلبت عليها لم تفت؟ فقال: انها تطأطأت عن خيلاء الخيل، و ارتفعت [ صفحه 100] عن ذلة العير، و خير الأمور أوساطها [183] و قد كان استقباله له مجاملة للسلطان و مداراة و تقية. ثم تحول هارون الي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاجتمع مع الامام موسي بن جعفر عند القبر الشريف، فقال هارون للنبي صلي الله عليه و آله و سلم: «السلام عليك يابن العم افتخارا علي من حوله» فدنا الامام من القبر و قال: السلام عليك يا أبه، فتغير وجه الرشيد، و لم يحتملها، ثم قال: «والله يا أباالحسن هذا هو الفخر و الشرف حقا» [184] . لقد كان الامام بين موقف دفاعي تارة و هجومي تارة أخري، ففي افتخار هارون علي من حوله بقرابته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تمويه علي الرعية بأنه أهل لهذا المنصب، فبادر الامام مهاجما بكلمة حق قائلا: «يا أبه» فهو يقول اذن انك غاصب لمقامي، اذا كنت تدعي أن القرب من رسول الله هو الذي أحلك هذا المقام، فلم تكن وظيفة الامام مقتصرة علي نشر العلوم فحسب، بل هي حفظ خط الامامة بشتي الأساليب، و التي منها نشر الثقافة الاسلامية. و في كامل الزيارات لما سمع هارون ذلك قال لعيسي بن جعفر سمعت ما قال؟ قال: نعم. فقال هارون: أشهد أنه أبوه حقا [185] . و كانت هذه المقالة من الامام (ع) أحد الأسباب التي دعت هارون الي اعتقال الامام (ع) في سجونه. فلما جن الليل عاود الرشيد قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فوقف عند قبره كالمخاطب له: «بأبي أنت و أمي يا رسول الله اني أعتذر اليك من أمر عزمت عليه و اني أريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه، لأني قد خشيت [ صفحه 101] أن يلقي بين أمتك حربا تسفك فيها دماؤهم» فلما كان من الغد أرسل اليه الفضل بن الربيع و هو قائم يصلي في مقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأمر بالقبض عليه و حبسه [186] . و كانت هذه المكيدة من حيل الرشيد التي موه بها علي العامة، بأنه يتورع لكن من اراقة الدماء، آل أبي‌طالب يطلبون الحكم بالجور، فلذا الطريقة الفضلي التي يرضي بها الله و رسوله هي السجن بدل القتل علي حد زعمه. و في بعض الروايات أنه قطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي - بكاء الامام (ع) لغاية في نفسه، و هي تحريك مشاعر الناس عامة و شيعته خاصة، و بالأخص بعد ما قطعت عليه صلاته، التي يحرم قطعها الا لضرورة، فهم لا يرعون حرمة للدين، لا لله و لا لرسوله، فأين الجهاد الذي استبسل له الأوائل أذهب سدي!!! اضافة الي تشهيرهم بين الرعية، لأن هذا الموقف من الامام (ع) ليتناقل بالألسنة أشد من اللهب في القصب، فلذا ضجت الناس بالبكاء و الصياح و تفاعلت مع الامام (ع)، اذ أن الضمائر هزت و استيقظت من سباتها حينئذ - و يقول: «اليك أشكو يا رسول الله ما ألقي، و أقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون، فلما حمل بين يدي الرشيد سلم علي الرشيد فلم يرد، و شتمه و جفاه و قيده، فلما كان الليل أمر بقبتين فهيئتا له، فحمل موسي في احداهما و وجهت واحدة الي البصرة و كان الامام بها و سلم الي عيسي بن جعفر بن أبي‌جعفر المنصور، و وجه الأخري الي الكوفة ليعمي علي الناس أمره (ع). و لكن شاع أمر الامام أنه في البصرة لأن حسان السروي - رسول الرشيد - دفعه الي عيسي بن جعفر علانية في النهار [187] .

تعيينه لفدك

لم يقبل الامام (ع) فدك من هارون الا بحدودها الشرعية، و علي هذا [ صفحه 102] فهي جميع الدولة العباسية، فلما عينها الامام عزم علي قتله، و سيأتي تفصيل ذلك...

عدم الكتمان و التقية

بل اطلاق العنان بالحرية و الكلام، و ستأتي الاشارة اليه في بحث التقية.

الامام في حبس الرشيد

و قضي الامام (ع) فترة طويلة في سجون الظلمة، و روي أنه بقي في سجن هارون سبع أو عشر سنوات و لم يخرج (ع) من سجنه الا مقتولا. و كان (ع) قد تفرغ للعبادة في السجن، و لم يكن يفتح له الباب الا للطهور و الطعام، و قد ذكرنا شطرا من عبادته في بابه. و قد اعترف هارون في قرارة نفسه بورع الامام، عندما أشرف علي السجن من علي السطح فوجد الامام ساجدا، فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال: يا أميرالمؤمنين ما ذاك بثوب و انما هو موسي بن جعفر (ع) له كل يوم سجده بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال. قال الربيع: فقال لي هارون: أما ان هذا من رهبان بني‌هاشم، قلت: فما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟! قال: هيهات لابد من ذلك [188] و مع ذلك فقد كان الامام يجابه هارون و لا يسكت علي الضيم، فقد بعث اليه برسالة و هو في سجنه: انه لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتي نقضي جميعا الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون [189] . و كانت هذه الرسالة ايعاذا و لذعا لهارون، بأن جورك لن يدوم، و أخالنا يوما نقف فيه بين يدي الجبار. [ صفحه 103] فالامام (ع) كان يتخذ مواقفا عدة من هارون فبين الليونة في كلامه آنا عندما يراه مغتاظا و قد قرر قتل الامام أو تعذيبه أو...، و من المجابهة و التحدي آنا أخري كي لا يتمادي في غيه و طغيانه. و قد حاول الرشيد اذلال الامام للرضوخ تحت سلطنته و الاعتراف له بالأحقية، و لكن الامام (ع) أبي ذلك. فقد قال هارون ليحيي بن خالد انطلق اليه (ع) و أطلق عنه الحديد و بلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك، و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة، و هذا يحيي بن خالد هو ثقتي و وزيري و صاحب أمري، فسله بقدر ما أخرج من يميني، و انصرف راشدا [190] . فالامام (ع) لم ينطق بشي‌ء من الاعتراف، بل بقي صامدا في موقفه، و لكنه أخبره بأنه بقي من أجله أسبوع. حاول هارون الاستمالة الي الامام (ع) برغبته في اخراجه من السجن،و بعطفه عليه باكرامه بأنواع الأغذية، و لكنه لم يتحمل ذلك حقيقة فقال: «لكن البقاء في السجن أبقي لمودتك عندي». فعن الفضل بن الربيع عن أبيه قال: بعثني هارون الي أبي‌الحسن (ع) برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك فدخلت عليه و هو يصلي فهبته أن أجلس، فوقفت متكأ علي سيفي، فكان (ع) اذا صلي ركعتين و سلم واصل بركعتين أخراوين، فلما طال وقوفي، و خفت أن يسأل عني هارون و حانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فأمسك، و قد كان قال لي هارون لا تقل بعثني أميرالمؤمنين اليك، و لكن قل بعثني أخوك و هو يقرؤك السلام و يقول لك: انه بلغني عنك أشياء أقلقتني، فأقدمتك الي، و فحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب، بريئا من العيب، مكذوبا عليك، فيما رميت به، ففكرت بين اصرافك الي منزلك، و مقامك ببابي فوجدت مقامك ببابي، [ صفحه 104] أبرأ لصدري، و أكذب لقول المسرعين فيك، و لكل انسان غذاء قد اغتذاه، و ألفت عليه طبيعته، و لعلك اغتذيت بالمدينة أغذية لا تجد من يصنعها لك هاهنا، و قد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت، فمره بما أحببت و انبسط فيما تريده، قال: فجعل (ع) الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت الي فقال: لا حاضر مال فينفعني و لم أخلق سؤولا، الله‌أكبر و دخل في الصلاة. قال: فرجعت الي هارون فأخبرته فقال لي: فما تري في أمره؟ فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها، ثم قال لا أخرج منها ما خرج منها، قال: هو كما قلت و لكن مقامه عندي أحب الي [191] . فقد ظن هارون أن الامام (ع) يميل الي الدعة و السعة و الرفاهية، و التلذذ بأصناف الأطعمة و الأشربة، كما هو عليه، و لكن الامام (ع) وعظ هارون بأن لا يكون مغرورا بماله كقارون، لأن للانسان هدفا أسمي و أنبل من أن يسأل لذة بطنه، مع تضييع الغاية التي خلق لها. و حاول الربيع الانة قلب الرشيد بقوله ان الامام كان قد أعطاك وعدا بأن لا يخرج عليك و هو لا و لن ينقض العهد، فلما هذا التضييق و السجن اذن؟!! فلم يكن عند هارون من حجة، الا قوله «مقامه عندي أحب الي»!!!. و لما طال مقام الامام (ع) في السجن بعث بتهديد الي - وزير هارون - يحيي بن خالد البرمكي ليخرج بنفسه عن طريق المعجزة. فقد روي الشيخ الطوسي في غيبته عن داود بن زربي: قال بعث الي العبد الصالح (ع) و هو في الحبس فقال: ائت هذا الرجل يعني يحيي بن خالد، فقل له: يقول لك أبوفلان: ما حملك علي ما صنعت؟ أخرجتني من بلادي و فرقت بيني و بين عيالي؟ فأتيته فأخبرته فقال: زبيده طالق، و اغلظ عليه أغلظ الايمان، لوددت أنه غرم الساعة ألفي ألف، و أنت خرجت، فرجعت اليه فأبلغته فقال: ارجع اليه فقل له: يقول لك: والله [ صفحه 105] لتخرجنني أو لأخرجن [192] . فالامام (ع) الذي أقر له جميع المسلمين بما فيهم الخاصة و العامة بكراماته و مناقبه، ألا يسهل عليه الخروج من السجن بطريق المعجزة؟!. و لكن (ع) أراد أن تجري الأمور بأسبابها، و لتكن حجة عليهم و انذارا بعذاب شديد. و لما حبس الامام، و أظهر الدلائل و المعجزات و هو في الحبس، تحير الرشيد، فدعا يحيي بن خالد البرمكي فقال له: يا أباعلي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب، ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه. فقال له يحيي: الذي أراه لك يا أميرالمؤمنين أن تمتن عليه، و تصل رحمه، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا...، ثم قال هارون «ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا» [193] فيحيي أشار علي هارون بالمن علي الامام و اخراجه من السجن، ليس محبة و ولاء له، لأنه قد ورد في رواية صحيحه أنهم كانوا من المبغضين لآل البيت، بل يحيي هو الذي سعي في قتل الامام (ع) و في رواية أنه دس اليه السم في رطب. و لكن أرادوا من سجن الامام (ع) تحجيم أمره و تخويف شيعته بالابتعاد عنه بقدر المستطاع، فوقعت الكارثة علي رؤوسهم و قصمت ظهورهم، اذ عكس الأمر، فأفسدت قلوب شيعة هارون و أزلامة، و كادوا أن ينقلبوا عليه، لما رأوا هذا الظلام الحالك عليه، و مع ذلك فلو أطلقت حريته لانضمت اليه الحشود الواعية و غيرها فبقوا في حيرة من أمرهم لا يدرون ما يفعلون، و هكذا دوما تبقي الغصة شوكة في حلق المنافقين، و حرجة في صدورهم، و قوله ان لم يدع النبوة فظاظة و قسوة عن الحق، و استهزاء به. [ صفحه 106]

دعاء الامام للتخلص من السجن

عن علي بن ابراهيم بن هاشم قال: سمعت رجلا من أصحابنا يقول؛ لما حبس هارون‌الرشيد موسي بن جعفر (ع) جن عليه الليل، فخاف ناحية هارون أن يقتله فجدد موسي طهوره، و استقبل بوجهه القبلة، و صلي لله عزوجل أربع ركعات، ثم دعي بهذه الدعوات فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون و خلصني من يده، يا مخلص الشجر من بين رمل و طين و ماء، و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم، و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء خلصني من يدي هارون، قال: فلما دعا موسي (ع) بهذه الدعوات رأي هارون رجلا أسودا في منامه و بيده سيف و قد سله واقفا علي رأس هارون و هو يقول: يا هارون أطلق عن موسي بن جعفر و الا ضربت علاوتك بسيفي هذا، فخاف هارون من هيبته ثم دعا حاجبه، فجاء الحاجب فقال له: اذهب الي السجن و أطلق عن موسي بن جعفر (ع). قال: فخرج الحاجب فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن فقال: من ذا؟ قال: ان الخليفة يدعو موسي بن جعفر فأخرجه من سجنك و أطلق عنه، فصاح السجان يا موسي ان الخليفة يدعوك، فقام موسي (ع) مذعورا فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذه الليلة الا لشر يريد بي فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته، فجاء الي عند هارون فقال: سلام علي هارون فرد عليه سلامه. ثم قال له هارون: ناشدتك بالله هل دعوت الله في جوف هذه الليلة بدعوات؟ فقال: نعم. قال: و ما هن؟ قال: جددت طهورا و صليت لله عزوجل و رفعت طرفي الي السماء، و قلت: يا سيدي خلصني من يدي هارون و شره، و ذكر له ما كان من دعائه، فقال هارون قد استجاب الله دعوتك. يا حاجب أطلق عن هذا ثم دعا بخلع، فخلع عليه ثلاثا و حمله علي فرسه و أكرمه و صيره نديما لنفسه. ثم قال: هات الكلمات حتي أثبتها، ثم دعا بدواة و قرطاس و كتب هذه الكلمات، قال: فأطلق عنه و سلمه الي حاجبه ليسلمه الي الدار، فصار [ صفحه 107] موسي بن جعفر (ع) كريما شريفا عند هارون و كان يدخل عليه في كل خميس [194] . أما أدعية أهل البيت (ع) للخلاص من السجن و خوف القتل، فللجوء الي الله تعالي المدير لشؤونهم في كل حاجاتهم، مع اعطاء دروس للأمة بأن الله بالمرصاد لكل من تعدي حدود الله، و ان علي رعيتهم اللجوء الي الدعاء في الشدائد. فليس الخوف من القتل بما هو، بل القتل لهم عادة و كرامتهم من الله الشهادة، و هل أنهم يودون لو يعمرون ألف سنة؟!! كيف و قد ذم الله تعالي بني‌اسرائيل بحبهم للحياة حتي قال لهم «فتمنوا الموت ان كنتم صادقين» [195] . انما (ع) يودون و يحبون عبادة ربهم ليكتسبوا أكبر ربح ممكن من التجارة التي يسرها لهم ربهم، مع علمهم أن القضاء اذا أبرم، لا يحله ملك أو سلطان. اضافة الي اظهار كرامة و معجزة للامام بمرأي و مسمع من هارون، لتكون عبرة و نهيا عن المنكر، مع اظهار حقيقة أهل البيت (ع) من خلال ذلك. لكن مع هذا كله. لم يرده الي المدينة، بل أبقاه تحت نفوذه و عينه، ليقيده و يشل حركته. الدعاء الثاني لخلاصه من السجن يظهر من الروايات و الأدعية المختلفة للامام (ع) أن هارون قد سجن الامام مرات عديدة و كان يطلقه في خلالها بالأدعية و ما أشبه. فعن الفضل بن الربيع قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني [ صفحه 108] ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض الا يسير حتي رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، و اذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي: أجب الأمير، و لم يسلم علي. فيئست من نفسي و قلت: هذا مسرور و دخل الي بلا اذن و لم يسلم، ما هو الا القتل، و كنت جنبا فلم أجسر أن أسأله انظاري حتي أغتسل، فقالت لي الجارية: لما رأت تحيري و تبلدي: ثق بالله عزوجل و انهض، فنهضت، و لبست ثيابي، و خرجت معه، حتي أتيت الدار فسلمت علي أميرالمؤمنين و هو في مرقده فرد علي السلام فسقطت فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أميرالمؤمنين، فتركني ساعة حتي سكنت، ثم قال لي: صر الي حبسنا فأخرج موسي بن جعفر بن محمد و ادفع اليه ثلاثين ألف درهم، و اخلع عليه خمس خلع، و احمله علي ثلاثة مراكب، و خيره بين المقام معنا أو الرحيل عنا الي أي بلد أراد و أحب. فقلت: يا أميرالمؤمنين! تأمر باطلاق موسي بن جعفر؟ قال: فكررت ذلك عليه ثلاث مرات، فقال لي: نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد؟... فقلت: يا أميرالمؤمنين و ما العهد؟ قال: بينا أنا في مرقدي هذا اذ ساورني أسود ما رأيت من السودان أعظم منه، فقعد علي صدري، و قبض علي حلقي و قال لي: حبست موسي بن جعفر ظالما له؟ فقلت: فأنا أطلقه و أهب له، و أخلع عليه، فأخذ علي عهد الله عزوجل و ميثاقه و قام عن صدري و قد كادت نفسي تخرج. فخرجت من عنده و وافيت موسي بن جعفر و هو في حبسه، فرأيته قائما يصلي فجلست حتي سلم ثم أبلغته سلام أميرالمؤمنين و أعلمته بالذي أمرني به في أمره، و أني قد أحضرت ما وصله به فقال: ان كنت أمرت بشي‌ء غير هذا فافعله؟ فقلت: لا و حق جدك رسول الله ما أمرت الا بهذا. فقال لا حاجة لي في الخلع و الحملان و المال اذا كانت فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ، فقال: اعمل به ما أحببت، و أخذت بيده (ع) و أخرجته من السجن. ثم قلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من هذا الرجل، فقد وجب حقي عليك لبشارتي اياك، و لما أجراه [ صفحه 109] الله عزوجل علي يدي من هذا الأمر. فقال (ع): رأيت النبي صلي الله عليه و اله و سلم ليلة الأربعاء في النوم فقال لي: يا موسي أنت محبوس مظلوم؟ فقلت: نعم يا رسول الله محبوس مظلوم، فكرر علي ذلك ثلاثا، ثم قال: «و ان أدري لعله فتنة لكم و متاع الي حين» أصبح غدا صائما و أتبعه بصيام الخميس و الجمعة، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة ركعة، تقرأ في كل ركعة الحمد و اثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد، فاذا صليت منها أربع ركعات فاسجد و قل: يا سابق الفوت، يا سامع كل صوت، يا محيي العظام و هي رميم بعد الموت، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن تصلي علي محمد عبدك و رسولك و علي أهل بيته الطيبين الطاهرين، و أن تعجل لي الفرج مما أنا فيه، ففعلت فكان الذي رأيت [196] . فهذا الاكرام و العطاء الذي لم يكن مألوفا و معروفا من هارون، جعل حاجبه الفضل متعجبا متسائلا مكررا القول ثلاثا، مع الفزع الذي داهمه و استولي عليه، لأنه أعرف بسيرته و سريرته، فعند ذلك أظهر ما كتمه من الحلم المرعب. و الاطمئنان النفسي الذي كان يعيشه الامام (ع) جعله لا يعبأ بكيد هارون و مكره، بل قال: «ان كنت أمرت بشي‌ء غير هذا فافعله». ثم رفض الامام (ع) الأموال و الخلع كما رفضها أيضا في الرواية السابقة، فالامام (ع) كان يقبل الأموال أحيانا لضرورة تقتضي ذلك، كما قال له يوما «والله لو لا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي‌طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها» [197] . و لكنه كان يرفضها أحيانا اما لاستغنائه عنها أو احتياطه منها انما رفضه للأموال غالبا كان تحديا للسلطة الغاشمة، و موقفا صارما بأن محبتكم التي تدعونها باعطائنا الأموال التي تحجمنا عن المطالبة بالحق المهدور و المغصوب منا أهل البيت، لهي مزيفة و مقنعة، فاذا كانت حقيقة فأين حقوقنا أجمع؟! [ صفحه 110] الدعاء الثالث في مهج الدعوات باسناد صحيح عن عبدالله بن مالك الخزاعي قال: دعاني هارون‌الرشيد فقال: يا أباعبدالله كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين ما أنا الا عبد من عبيدك، فقال: امض الي تلك الحجرة و خذ من فيها، و احتفظ به الي أن أسألك عنه، قال: فدخلت فوجدت موسي بن جعفر (ع) فلما رآني سلمت عليه و حملته علي دابتي الي منزلي فأدخلته داري، و جعلته مع حرمي و قفلت عليه، و المفتاح معي و كنت أتولي خدمته، و مضت الأيام فلم أشعر الا برسول الرشيد يقول: أجب أميرالمؤمنين. فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش، فسلمت عليه فلم يرد، غير أنه قال ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال، فقال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: صالح، فقال: امض اليه و ادفع اليه ثلاثة آلاف درهم، و اصرفه الي منزله و أهله، فقمت و هممت بالانصراف، فقال لي: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أميرالمؤمنين، قال: نمت علي الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون أطلق موسي بن جعفر فانتبهت فقلت: لعلها لما في نفسي منه، فقمت الي هذا الفراش الآخر، فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون أمرتك أن تطلق موسي بن جعفر فلم تفعل. فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم قمت الي هذا الفراش الذي أنا عليه و اذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة، كأن أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب، و قد أوما الي و هو يقول: والله يا هارون لئن لم تطلق موسي بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك، فأرسلت اليك فامض فيما أمرتك به و لا تظهره الي أحد فأقتلك فانظر لنفسك. قال: فرجعت الي منزلي و فتحت الحجرة، و دخلت علي موسي بن جعفر (ع) فوجدته قد نام في سجوده، فجلست حتي استيقظ و رفع رأسه و قال: بالله و بحق جدك رسول الله هل دعوت الله عزوجل في يومك هذا بالفرج؟ فقال: أجل اني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: «ادع بهذا الدعاء» يا سابغ النعم، يا دافع [ صفحه 111] النقم، يا باري‌ء النسم، يا مجلي الهمم، يا مغشي الظلم، يا كاشف الضر و الألم، يا ذا الجود و الكرم، و يا سامع كل صوت، و يا مدرك كل فوت، و يا محيي العظام و هي رميم، و منشئها بعد الموت، صل علي محمد و آل‌محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا يا ذا الجلال و الاكرام». فلقد دعوت به و رسول الله يلقنيه سمعتك، فقلت: قد استجاب الله فيك ثم قلت له ما أمرني به الرشيد، و أعطيته ذلك [198] . فهارون كان يسجن الامام غالبا عند مقربيه سرا، حتي لا يعلم به أصحاب الامام (ع) فيلتقون به سرا و يوجهون اليه مسائلهم و... أوقد يحاولون حسب ظنه تخليصه فيهرب و يمكر به و... فكان ينقله من سجن الي سجن و لا يبقي في سجن واحد. و لم يجرؤ أحد سواء كان من مقربي الامام، أو من مقربي هارون، أن يتفاوض مع هارون لخلاص الامام أو يتفوه بذلك و الا كان نصيبه القتل، أو الخفوف. فلذا لم يكن من مخرج الا أن تتدخل المعجزة الالهية بترعيب هارون برؤياه المتكررة لخلاصه بين الآونة و الأخري. و قيل للامام (ع) و هو في السجن: لو كتبت الي فلان يكلم فيك الرشيد؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه أن الله عزوجل أوحي الي داود: يا داود! انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، عرفت ذلك منه، الا و قطعت عنه أسباب السماء، و أسخت الأرض من تحته» [199] . فكانت الأدعية من الأئمة (ع) احدي الوسائل التربوية، التي تتضمن أمورا مختلفة، سياسية و عقائدية، و أخلاقية، و اقتصادية و... و في قوله (ع) «ما اعتصم... لأكبر شاهد علي عدم جواز الانحياز و الانقياد و التوسل الي الحكام، بحجة أو بغية الوصول الي المراكز الاجتماعية. أو لقمة العيش، أو... لأن الله هو الذي تكفل بعبده ما دام يسعي جاهدا في الأمور المحللة. [ صفحه 112]

محاولة الرشيد الاستمالة الي الامام

خذ فدك

و سياسة الرشيد كانت تتركز علي حبه للمدح و الظهور، و ذلك يكون بتوجه الأنظار اليه بمخالفته للسياسية التي جري عليها أخوه الهادي، من سلب فدك من الفاطميين، فانه اذا ردها كما فعل أبوه محمد المهدي من قبل، فلا شك أن ملكه سيزهو و يثبت، و سيلتف حينئذ حوله الطالبيون فضلا عن العباسيين. ففي كتاب أخبار الخلفاء أن هارون‌الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر: خذ فدكا حتي أردها اليك، فيأبي حتي ألح عليه، فقال (ع): لا آخذها الا بحدودها قال: و ما حدودها؟ قال: ان حددتها لم تردها، قال: بحق جدك الا فعلت. قال: أما الحد الأول فعدن [200] ، فتغير وجه الرشيد، و قال: ايها، قال: و الحد الثاني سمرقند [201] ، فاربد وجهه، قال: و الحد الثالث افريقية [202] ، فاسود وجهه، و قال؛ هيه قال: و الرابع سيف البحر [203] مما يلي الخزر و ارمينيه. قال الرشيد: فلم يبق لنا شي‌ء، فتحول الي مجلسي، قال موسي: قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم علي قتله [204] و في رواية ابن‌أسباط أنه قال: أما الحد الأول فعريش مصر، و الثاني دوحة الجندل، و الثالث: أحد، و الرابع سيف البحر. فقال هارون: هذا كله، هذه الدنيا؟!! [ صفحه 113] فقال (ع) هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي‌هالة، فأفاءه الله علي رسوله، بلا خيل و لا ركاب، فأمره الله أن يدفعه الي فاطمة [205] ، فهذا الالحاح الشديد لم يكن حبا و مودة، بل طمعا في ارساء ملكه، و الا لم لم يعط منافعها للفاطميين، أو يضمها الي أموالهم حتي مع عدم قبول الامام، و ذلك يكون برفع يده عنها. و علي هذا يكون الامام (ع) قد حد جميع الدولة العباسية، و مراده القول (ع) ان العباسيين هم غاصبون لحقوق أهل البيت (ع) أجمع، فليتنازل هارون عن ملكه و ليسلمه للامام (ع) اذا أراد ارجاع الحق المغصوب. و مع صحة هذه الرواية، فمقصود الامام (ع) ما هو أعم من فدك الذي نحله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة، و من كون الخلافة لأهل البيت بنص رسول صلي الله عليه و آله و سلم و هذا يقتضي الاستيلاء علي جميع الدولة و كون ذلك تحت تصرفهم و نفوذهم. لأن فدكا كانت أرضا كبيرة أو قرية كما عبر عنها، و كانت تدر أموالا طائلة علي الدولة بحيث يكون اعتماد الدولة عليها في تجهيز العدد و العدة في غزو الأعداء، و مما يدل علي أن ذلك هو مراده (ع) «من سؤال هارون لأبي‌الحسن موسي (ع) حين أدخل عليه ما هذه الدار؟ قال: هذه دار الفاسقين، و قرأ (ع) (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا»، يعني و ان يروا كل آية لا يؤمنوا بها، و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا. فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا قرة، و لغيرهم فتنة. قال: فما باب صاحب الدار لا يأخذها؟ قال: أخذت منهم عامرة، و لا يأخذها الا معمورة» [206] فكأنه (ع) قال اذا أردنا الملك فستهرق الدماء و ستخرب الأرض و لن تكون معمورة، فالوقت لم يحن بعد للقيام بالسيف، و ينتظر بذلك الامام المهدي المنتظر (عج). [ صفحه 114]

احترام الرشيد للامام

في رواية حسنة (ان لم تكن صحيحة) عن الريان بن شبيب قال: سمعت المأمون: ما زلت أحب أهل البيت (ع) و أظهر للرشيد بغضهم تقربا اليه، فلما حج الرشيد كنت أنا و محمد و القاسم معه، فلما كان بالمدينة استأذن عليه الناس، فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر (ع) فدخل فلما نظر اليه الرشيد، تحرك و مد بصره و عنقه اليه، حتي دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد علي ركبتيه و عانقه ثم أقبل عليه، فقال له كيف أنت يا أباالحسن كيف عيالك، كيف عيال أبيك كيف أنتم ما حالكم، فما زال يسأله عن هذا و أبوالحسن (ع) فقعد و عانقه، فسلم عليه و ودعه، قال المأمون: و كنت أجرأ ولد أبي عليه، فلما خرج موسي بن جعفر قلت لأبي يا أميرالمؤمنين لقد عملت بهذا الرجل شيئا ما رأيتك فعلت بأحد من أبناء المهاجرين و الأنصار و لا ببني‌هاشم، فمن هذا الرجل؟ فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر بن محمد، ان أردت العلم الصحيح، فعند هذا. قال المأمون: فحينئذ انغرس في قلبي حبهم [207] . فقد كانوا يكنون و يقرون لهم بالعلم و الفهم، و لكن الملك عقيم. بل كان يسأله موعظته، فقد كتب هارون‌الرشيد الي أبي‌الحسن موسي بن جعفر عظني و أوجز قال: فكتب اليه: ما من شي‌ء تراه عينك الا و فيه موعظة. و من المؤكد أن هذا اما تزلفا و تقربا للامام ليري منه الهدي و التقي و التوبة، و اما للرعية، و الا سيرته لا تخفي علي ذي بصيرة. بل يحتمل أن هارون كان يظهر محبة للامام أمام الجموع الحاشدة، و خاصة في الحج و اغتصاص باب هارون بالوفود الحاشدة. و هذه الحيل المزورة التي كان يزدلف هارون بها للعامة، لم تكن لتخفي سريرته اذ أنه لم يأذن للامام الا آخر الناس، فهل يليق بالامام [ صفحه 115] الانتظار علي بابه؟! و لم تمض فترة يسيرة الا و سم الامام (ع) لأن هذه الواقعة كانت في أواخر حياة الامام (ع) اذ أن المأمون قد ولد في اليوم الذي ملك فيه هارون‌الرشيد، و قد عاش الامام (ع) في خلافة هارون ثلاثة عشر سنة علي المشهور، و علي هذا قد كان المأمون حينئذ فتي. بل يحتمل أن هذا التزلف للامام (ع) لرفع هارون التهمة عن نفسه بقتل الامام بعد ما عزم علي قتله و دبر الحيلة في ذلك و خاصة بعد ما ورد أنه بعد ما أطلقه من السجن لرؤيا هالته، صار بعدها كريما شريفا عنده، ثم حبسه بعدها و قتله علي يدي السندي!! و روي الطبرسي في الاحتجاج قول المأمون: أتدرون من علمني التشيع؟ فقال القوم: لا والله ما نعلم ذلك. قال: علمنيه الرشيد! قيل له: و كيف ذلك و الرشيد يقتل أهل البيت؟ قال كان الرشيد يقتلهم علي الملك لأن الملك عقيم، ثم قال: انه دخل موسي بن جعفر (ع) علي الرشيد يوما فقام اليه، و استقبله و اجلسه في الصدر و قعد بين يديه، و جري بينهما أشياء. ثم قال موسي بن جعفر (ع) لأبي: يا أميرالمؤمنين ان الله عزوجل قد فرض علي ولاة عهده: أن ينعشوا فقراء هذه الأمة، و يقضوا عن الغارمين، و يؤدوا عن المثقل، و يكسوا العاري، و يحسنوا الي العاني، و أنت أولي من يفعل ذلك. فقال: أفعل يا أباالحسن. ثم قام فقام الرشيد لقيامه، و قبل بين عينيه و وجهه ثم أقبل علي و علي الأمين و المؤتمن فقال: يا عبدالله و يا ابراهيم و يا محمد. امشوا بين يدي ابن عمكم و سيدكم، خذوا بركابه، و سووا عليه ثيابه، و شيعوه الي منزله، فاقبل الي أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) سرا بيني و بينه فبشرني بالخلافة، و قال لي: «اذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي». ثم انصرفنا و كنت أجرأ ولد أبي علي، فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته، و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته، و أقعدته في صدر المجلس، و جلست دونه ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ [ صفحه 116] قال: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده، فقلت: يا أميرالمؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟ قال: أنا أمام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام حق، والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله مني و من الخلق جميعا، و والله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، لأن الملك عقيم. فلما أراد الرحيل من المدينة الي مكة، أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم أقبل علي الفضل فقال له: اذهب الي موسي بن جعفر و قل له: يقول لك أميرالمؤمنين: نحن في ضيقة و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت. فقمت في وجهه فقلت: يا أميرالمؤمنين! تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني‌هاشم و من لا تعرف حسبه و نسبه: خمسة آلاف دينار الي ما دونها، و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار، و اخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟ فقال: اسكت لا أم لك! فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه، و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و أغنائهم [208] . اغتنام الفرص للامام ليعظ هارون بالاحسان الي الرعية، من أجمل أوقات حياة الامام (ع) لأنه كان يشعر بأنه استطاع ايصال الحق بكلمة لعلها تصيب قلبا ينتعش بسماعها، و خاصة أنه وعظ المأمون أيضا بالاحسان الي الرضا (ع). و الرشيد يعلم بأحقية أهل البيت (ع) لأنه لم يرد احتجاج منه مع الامام الا و أقر به، و رضخ له، و لم يعهد له تكذيب للامام، بل أقر غير مرة أن الكاظم هو امام حق، و لكن الحسد و حب الذات (الأنا) و الملك جعله يزج الامام في السجون و يتخلص منه بقتله. بل هارون مستعد لأن يقتل فلذة كبده و قرة عينه اذا نازعه علي الملك فكيف بالامام؟! و فلتات اللسان تظهر من الانسان بغلبة النسيان، و من هنا قال هارون [ صفحه 117] أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و فقر هذا و أهل بيته أسلم الي و لكم من بسط أيديهم و اغنائهم... أما عدم معرفة المأمون بالامام (ع) فلاقامته (ع) سنينا طويلة في السجن، مع صغر سن المأمون.

احتجاجاته و مناظراته مع هارون

لما بعث هارون خلف الامام (ع) لجبايته، و كاد الشر يتطاير من عينيه لغيظه و شدته، دعا الامام (ع) بدعاء فسكن هارون، ثم قال له: أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحدا، فان أنت أجبتني عنها خليت عنك، و لم أقبل قول أحد فيك، و قد بلغني أنك لم تكذب قط فاصدقني عما أسألك مما في قلبي. فقال (ع): ما كان علمه عندي فاني مخبرك به ان أنت آمنتني؟ قال: لك الأمان ان صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشر بني‌فاطمة، فقلت ليسأل أميرالمؤمنين عما شاء. قال أخبرني لم فضلتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة، و بنو عبدالمطلب نحن و أنتم واحد، انا بنوالعباس و أنتم ولد أبي‌طالب، و هما عما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قرابتهما منه سواء؟ فقال (ع): نحن أقرب قال: و كيف ذلك؟ قلت لأن عبدالله و أباطالب لأب و أم، و أبوكم العباس ليس هو من أم عبدالله، و لا أم أبي‌طالب، قال: فلم أدعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العم يحجب ابن العم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد توفي أبوطالب قبله و العباس عمه حي؟ فقال له (ع): ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة و يسألني عن كل باب سواه يريده؟ فقال: لا أو تجيب فقلت: فآمني؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام. فقال (ع): ان في قول علي بن أبي‌طالب (ع) أنه ليس مع ولد الصلب ذكرا كان أو أنثي لأحد سهم الا للأبوين و الزوج و الزوجة، و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، و لم ينطق به الكتاب، الا أن تيما و عديا و بني‌أمية قالوا: العم والد رأيا منهم بلا حقيقة، و لا أثر عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 118] و من قال بقول علي (ع) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن دراج يقول: في هذه المسألة بقول علي و قد حكم به، و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين الكوفة و البصرة، و قد قضي به، فأنهي الي أميرالمؤمنين فأمر باحضاره و احضار من يقول بخلاف قوله: منهم سفيان الثوري، و ابراهيم المدني، و الفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي في هذه المسألة، قال لهم: فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: فلم لا تفتون به و قد قضي به نوح بن دراج؟ فقالوا: جسر نوح و جبنا، و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: علي أقضاكم، و كذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا، و هو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه من القراءة و الفرائض و العلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي: قال (ع): المجلس بالأمانات و خاصة مجلسك؟ فقال: لا بأس عليك فقال (ع): ان النبي لم يورث من لم يهاجر فقال: ما حجتك فيه؟ قال (ع): قول الله تبارك و تعالي: و الذين آمنوا و لم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا». و ان عمي العباس لم يهاجر، فقال هارون: أسألك يا موسي هل أفتيت بذلك أحدا من علمائنا؟ أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي‌ء؟ فقلت: اللهم لا، و ما سألني عنها الا أميرالمؤمنين. ثم قال: لم جوزتم للعامة أن ينسبوكم الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يقولون لكم: يا بني رسول الله، و أنتم بنو علي، و انما ينسب المرء الي أبيه، و فاطمة انما هي وعاء، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم جدكم من قبل أمكم؟ فقال (ع): يا أميرالمؤمنين لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم نشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله و لم لا أجيبه؟! بل أفتخر علي العرب و العجم و قريش بذلك، فقال (ع): لكنه صلي الله عليه و آله و سلم لا يخطب الي و لا أزوجه فقال: و لم؟ فقال (ع): لأنه ولدني و لم يلدك. فقال: أحسنت يا موسي. ثم قال: كيف قلتم انا ذرية النبي، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يعقب؟ و انما العقب للذكر لا لأنثي، و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب؟ فقال (ع): أسألك بحق القرابة و القبر و من فيه الا ما أعفيتني عن هذه المسألة فقال: [ صفحه 119] لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي، و أنت يا موسي يعسو بهم، و امام زمانهم، كذا أنهي الي، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدعون معشر ولد علي، أنه لا يسقط عنكم منه شي‌ء ألف و لا واو، الا و تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزوجل (ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء) و قد استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم، فقال (ع): تأذن لي في الجواب؟ قال: هات: فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «و من ذريته داوود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين و زكريا و يحيي و عيسي» من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب فقال (ع): انما ألحقناه بذراري الأنبياء (ع) من طريق مريم (ع) و كذلك ألحقنا بذراري النبي (ع) من قبل أمنا فاطمة (ع). أزيدك يا أميرالمؤمنين؟ قال: هات، قال: قول الله عزوجل (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) و لم يدع أحد أنه أدخل النبي صلي الله عليه و آله و سلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري الا علي بن أبي‌طالب، و فاطمة و الحسن و الحسين (ع) فكان تأويل قوله عزوجل أبناءنا الحسن و الحسين، و نساءنا فاطمة، و أنفسنا علي بن أبي‌طالب، ان العلماء قد أجمعوا علي أن جبرئيل قال يوم أحد: يا محمد ان هذه لهي المواساة من علي قال: لأنه مني و أنا منه، فقال جبرائيل: و أنا منكما يا رسول الله، ثم قال: لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الا علي، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله (ع) اذ يقول: «فتي يذكرهم يقال له ابراهيم» انا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرائيل انه منا. فقال: أحسنت يا موسي! ارفع الينا حوائجك. فقال (ع): أول حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جده «ص» و الي عياله، فقال: «ننظر ان شاء الله» [209] . [ صفحه 120] فبعد أن أجابه الامام (ع) و كان هارون قد وعده باخلاء سبيله اذا أجابه، و لكنه قال عند نهاية لقائه ننظر انشاء الله، بل روي أنه أنزله عند الشاهك بن السندي و سممه عنده [210] . فلذا نري أن الامام (ع) قد أخذ منه الأمان و العهد و الميثاق مرارا مؤكدا عليه ذلك بما لم يعهد له مثيل من قبل، لعلمه (ع) بغدر هارون. و لكن هارون يعلم بأن الامام لا يكذب، فلذا قال و بلغني أنك لم تكذب قط، و مع ذلك فان هذه الكلمة انتقاص في حق الامام (ع)، لأنه لم يعلم من قرارة نفسه بل بالابلاغ. و أما قوله فلم ادعتيم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و العم يحجب ابن العلم، و قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد توفي أبوطالب قبله و العباس عمه حي؟ و هذه المسألة من المسائل التي وقع اختلاف كبير فيها بين الامامية و أهل السنة، اذ مع وجود بنت واحدة للميت فانها ترث كل التركة و ليس للعم شي‌ء، «و ان كانت واحدة فلها النصف» هذا بالفرض المذكور في القرآن، و لكنها ترث النصف الآخر بالرد، لأنها أقرب الي الميت، و هي من المرتبة الأولي فلا ترث العصبة، و هي أخوة و أعمامه معها. و قد سن عمر بن الخطاب أيام خلافته في صورة زيادة السهام العول، و عمل الناس في الصدر في صورة زيادة التركة بالتعصيب. و علي هذا فأهل السنة يورثون البنت المنفردة نصف التركة فقط، و الباقي للعصبة [211] . فالامام الكاظم (ع) يقول مع وجود السيدة الزهراء (ع) ابنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا معني بأن يرث عمه العباس، فضلا عن أولاد عمه و منهم علي (ع). فليس علي هو الوارث، بل فاطمة (ع). [ صفحه 121] و لما كانت هذه المسألة مما سار عليها السلف، و أفتي بها عمر، و تغييرها يحتاج الي مزيد جرأة، و قد تؤدي الي الهلاك، طلب الامام الأمان منه مجددا ثم أجاب عنها. و استدعي علي ذلك من الرشيد جمع الفقهاء للتشاور حول هذه المسألة، و للسبب الذي دعاهم الي عدم القضاء بها. و يظهر أن الرشيد أجازهم بالعمل علي طبقها بعد ذلك. أما بنوة الحسن و الأئمة (ع) لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقد أطنبنا في الدليل عليها في كتابنا الامام الحسن (ع)، و قد ذكر الامام هنا (ع) دليلا، و هو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يمكن أن يتزوج ابنة الامام الكاظم علي فرض حياته، لأنها ابنة ابن ابنته، فهي حفيدته، أما من بنات أولاد العباس فلا اشكال في ذلك لأنهن بنات عمه حينئذ. ثم كرر هارون السؤال بكيفية أخري كيف قلتم أنا ذرية رسول الله... و قد بان الحقد من بنانه علي لسانه بقوله: يا ولد علي مرتين، و بقوله فأنتم تدعون معشر ولد علي أن لا يسقط عنكم منه شي‌ء... فرأي الامام حينئذ أن يدلي بحجته الدامغة بعدة آيات الي أن قال له هارون: أحسنت يا موسي! و تمني (ع) الرجوع الي حرم جده (ع) و الي عياله، و لكن هارون ما وفي بذلك [212] و قال له يوما: أتقولون أن الخمس لكم؟ قال (ع): نعم، قال: انه لكثير، قال (ع): «ان الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير» [213] فانه لم يسكت عن حقه و لو لحظة و ان علم بأنه لن يرد لهم، و لكن الكلمة سيف ينفذ في قلب الجبار لعله ينفذ تعاليم القهار. و في محاججة طويلة بينهما نذكر منها موضع الحاجة: قال هارون: ان الزندقة قد كثرت في الاسلام و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون الينا في الأخبار، هم المنسوبون اليكم، فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال (ع): الزنديق هو الراد علي الله و علي رسوله و هم الذين يحادون الله و رسوله. [ صفحه 122] قال الله: «لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو أخوانهم أو عشيرتهم...) و هم الملحدون، عدلوا عن التوحيد الي الالحاد. فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد و تزندق؟ فقال موسي (ع): أول من الحد و تزندق في السماء ابليس اللعين، فاستكبر و افتخر علي صفي الله و نجيه آدم (ع)، فقال اللعين: «أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين» فعتا عن أمر ربه و ألحد فتوارث الالحاد ذريته الي أن تقوم الساعة. فقال: و لابليس ذرية؟ فقال (ع): نعم ألم تسمع الي قول الله (الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه، أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو بئس للظالمين بدلا، ما اشهدتهم خلق السموات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا» لأنهم يضلون ذرية آدم بزخارفهم و كذبهم و يشهدون أن لا اله الا الله، كما وصفهم الله في قوله: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله، قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون»، أي أنهم لا يقولون ذلك الا تلقينا و تأديبا و تسمية، و من لم يعلم و ان شهد كان شاكا حاسدا معاندا، و لذلك قالت العرب: «من جهل أمرا عاداه و من قصر عنه عابه و ألحد فيه» لأنه جاهل غير عالم [214] . فان هارون نسب الزندقة الي شيعة الامام - هم المنسوبون اليكم - «و ان لفظ الزنديق كان يطلق علي كل من يناقش في أحاديث الصحابة، و علي كل من يعارض نظام الحكم و الحكام، و اتخذ كأداة يستهدف بالدرجة الأولي هذا القطاع الواعي من الناس و مبررا لتصنيفهم و اتهامهم» [215] ، «ان الاتهام بالزندقة في ذلك العصر كان يسير جنبا الي جنب مع الانتساب الي مذهب الرافضة» [216] قال الشاعر: و من تولي آل أحمد مسلم قتلوه أو وصموه بالالحاد [217] . فالامام (ع) رد عليه قوله بأن هارون و أذنابه هم الملحدون، و ذلك لأنه رد علي الله و رسوله بمنع حقوق أهل البيت (ع). ثم عقب بقوله (ع) [ صفحه 123] ان ابليس استكبر و افتخر علي صفي الله آدم، مع ان ابليس موحدا و يشهد أن لا اله الا الله، حتي أن المشركين بالله، يشهدون أن خالق السموات و الأرض هو الله، و لكن قولهم هذا لا ينفعهم، ما دامت حركاتهم و سكناتهم لا تسير في اتجاه الحق، بل ان الله تعالي وصفهم بعدم العلم، لأنه من علم شيئا توقاه، فاذن هم في شك من أمرهم. فهذه الصفات كلها تنطبق علي هارون باستكباره و عناده... فأعطاه (ع) الأدلة و وصفه بالزندقة، من طريق القرآن الكريم، و لكن بشكل غير مباشر، ليعي ان كان واعيا. فلذا استطاع الامام (ع) تركيز المذهب الشيعي، مع حركة المعارضة - السلطة تحارب مذهب أهل البيت، لأن الأئمة (ع) يقولون لا شرعية للحكام، مع أن المذاهب الأخري تعمل بحرية - من خلال تبيين الحقائق و عدم السكوت علي الظلم، و ان أدي ذلك الي السجن أو القتل، فالمداهنة لا تكون علي حساب المذهب في أي حال.

مجابهة الامام للرشيد

حجة اللسان أقوي من البنيان، فقد يخيل للخائض في سيرة الامام أنه كان يغض طرفه دوما عن مثالب هارون، أو يوري و يبهم جريا علي سنة التقية، أو يزدلف اليه بكلماته العطوفة و البراقة بلسانه، ليكسب بذلك جنانه. و لكن حقيقة الواقع، أن لكل مقام مقالا، فكما أن الله تعالي حذر و بشر، و عذر و أنذر، و رهب و رغب، و وعد و توعد... فكذا نهج الامام (ع) منهج القرآن الكريم، فاتبع شتي الوسائل و الأساليب التي قد تصيب بعضها الهدف بسهمه الحاد. أدخل الامام (ع) الي هارون، و كان (ع) قد عوذ نفسه بعدما علم غضب هارون، فلما دخل و رآه وثب قائما و عانقه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي ثم أجلسه علي فخذيه، فقال له: ما الذي قطعت عن زيارتنا؟ فقال: سعة مملكتك و حبك للدنيا... [218] فالامام (ع) عندما رآه راضيا مستبشرا، تمكن من ايعاظه و مجابهته، فاغتنم سنحة الفرصة بذلك. [ صفحه 124] و كان مما قال هارون لأبي‌الحسن (ع) حين أدخل عليه: ما هذه الدار؟ فقال: دار الفاسقين. قال الله تعالي «سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، و ان يروا كل آية لا يؤمنوا بها، و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا». فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا فترة (قرة) و لغيرهم فتنة، قال: «فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟» فقال: أخذت منه عامرة و لا يأخذها الا معمورة، قال: فأين شيعتك؟ فقرأ أبوالحسن (ع) «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة» قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال: لا و لكن لما قال الله: (الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) فغضب عند ذلك و غلظ عليه [219] . فاذا كان سؤال هارون ما هذه الدار؟ عن الدار الدنيا، فالانكباب عليها و التمتع بها، كما تهوي الأنفس عندئذ تكون دارهم، كما قال تعالي: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها) و أما التمتع بالدنيا بالطيبات و المحللات فهي للذين آمنوا قال تعالي: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). و ان أراد بالدار هي داره (قصره) و من فيها، فقد جابهه بالرد القارص ليكبح جماعه و عتوه. و علي الاحتمالين، فهي للشيعة - المؤمنين حقا - فترة، لأن الدنيا دار ممر و الآخر دار مقر. و أما غضب هارون عليه فلم يعبأ به بعدما قال: كلمة حق في وجه سلطان جائر. و عندما كان (ع) في السجن بعث الي هارون رسالة قال فيها: انه لن ينقضي عني يوم من البلاء الا انقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتي ينقضيا جميعا الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون [220] . [ صفحه 125] و رأي الرشيد الامام (ع) جالسا عند الكعبة فقال له: أنت الذي تبايعك الناس سرا؟ فقال: أنا امام القلوب و أنت امام الجسوم [221] . و امام القلوب الذي تهوي اليه أفئدة الناس، هو الذي يستحق الخلافة حقا، و أما أنت يا هارون فانك تحكم و تقود أبدانا بلا قلوب. و أحضر هارون الامام لمسألة عجز عنها و علماؤه، فلما حضر (ع) قال يا أباالحسن انما أحضرتك شوقا اليك، فقال (ع): دعني من شوقك... ثم حل له معضلته. فارادة هارون و سياسته تقتضي مجاملة و مداهنة الامام لجلب وده، و خاصة بين العلماء الذين ينقلون أدني تصرف لأحدهما، و لكنه (ع) لم تنطو عليه الحيلة فقال: دعني من شوقك، فالشوق يستدعي الاكرام و لا أري منك سوي الامتهان. و سأله يوما فقال: أتقولون ان الخمس لكم؟ فقال (ع): نعم. فقال: انه لكثير. قال (ع): «ان الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير» [222] . فالسكوت عن حكم شرعي، و خاصة أنه حق من حقوق السادة الأشراف (حق الناس) بل انه حق قد يقلب موازين الدولة، و يغير ميزانية أهل البيت قاطبة، لهو من أعظم النكبات (الحقوق المالية) التي سيبتلي بها، لو أنه (ع) لم يقف له بالمرصاد، و لا تقية عندئذ أبدا. فلم يكن الامام يخاف بأسهم أمام الحق. أما قوله (ع) لسماعة بن مهران «يا سماعة أمنوا علي فرشهم و أخافوني، أما والله لقد كانت الدنيا و ما فيها الا واحد يعبد الله [223] . فهذا الخوف بالنسبة لهم، يظنونه خوفا، و أما أنا ففي طمأنينته من أمري كما كان ابراهيم الخليل (ع). [ صفحه 129]

في سلوكه القيادي

اقرار بعض مقربيه للعمل في أجهزة السلطة و أدوارهم

و كان القلق يزاول ضمائر مريدي أهل البيت (ع) و محبيهم جراء انتمائهم الي أجهزة السلطة الغاشمة، فلذا كانت الأسئلة تتوالي علي الامام (ع) بجواز البقاء في سلك الدولة؟ أو هل يجب التبرؤ فعلا و قولا من العمل تحت رايتهم؟ فما كان من الامام (ع) الا النظرة المستقبلية الواعية التي تبيح بل توجب أحيانا العمل مع أجهزة الدولة، لئلا يكون للمنافقين وحدهم الدور البارز، مما يحدو بكثير منهم التسلط الكامل علي رقاب المؤمنين، أما وجود ثلة تكتم مذهبها الشيعي مما يؤدي الي الحفاظ علي بعض الشيعة أو قضاء حوائجهم من خلال ذلك، فهذا مما يرغب به الامام (ع). فقد ورد في كتاب حقوق المؤمنين، قال: استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم (ع) في ترك عمل السلطان فلم يأذن له، و قال: لا تفعل فان لنا بك أنسا، و لأخوانك بك عزا، و عسي أن يجبر الله بك كسرا، و يكسر بك فائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الي اخوانكم، اضمن لي واحدة، أضمن لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقي أحدا من أوليائنا الا قضيت حاجته و أكرمته، و أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبدا، و لا ينالك حد سيف أبدا، و لا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا، فبالله بدأ و بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم ثني و بنا ثلث [224] . [ صفحه 130] و لكن الظاهر أن عليا لم يف تماما بقضاء حوائج المؤمنين، و يمكن أن يكون ذلك للقلق و الخوف الشديدين اللذين كان يعاني منهما، فلذا سجن بعد ذلك بأمر من هارون. و روي علي بن يقطين أنه كتب الي أبي‌الحسن (ع) ان قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان - و كان وزيرا لهارون - فان أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه؟ فرجع الجواب: لا آذن لك بالخروج من عملهم و اتق الله أو كما قال [225] . و لما قدم أبوابراهيم موسي بن جعفر (ع) العراق، قال علي بن يقطين: أما تري حالي و ما أنا فيه؟ فقال: يا علي ان لله تعالي أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه و أنت منهم يا علي [226] . و عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي‌الحسن (ع): ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: ان كنت لابد فاعلا، فاتق أموال الشيعة قال الراوي، فأخبرني علي أنه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر [227] . ففي هذه الرواية أباح له الامام (ع) العمل معهم بهذا الشرط، و لعل هذا كان في بداية عمله معهم، و الا فانه (ع) لم يأذن له بالخروج من بلاطهم بعد ذلك كما ذكرنا. و قال (ع): «ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا، فهم الآمنون يوم القيامة، ان كنت لأري فلانا منهم» [228] . فالامام (ع) أوجب عليه البقاء مع الظلمة، لأنه رآه أهلا لقضاء حوائج المؤمنين علي يديه. و قد يبيح الامام (ع) البقاء، و ذلك باقراره و عدم نهيه. فعن محمد بن سالم قال: لما حمل سيدي موسي بن جعفر (ع) الي [ صفحه 131] هارون، جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسي فقال له: يا سيدي قد كتب لي صك الي الفضل بن يونس، تسأله أن يروج أمري؟ قال: فركب اليه أبوالحسن (ع) فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبوالحسن موسي بالباب فقال: فان كنت صادقا فأنت حر و لك كذا و كذا. فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتي خرج اليه، فوقع علي قدميه يقبلهما، ثم سأله أن يدخل فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن ابراهيم، فقضاها... [229] . فمن خلال وجود مولي الامام (ع) في السلطة استطاع هشام أن يسأل الامام ليكون واسطة بينه و بين الفضل بقضاء حاجته، و من عظم قدر الامام في عيني الفضل أعتق مولاه، فلذا هل من المعقول أن يكون الفضل من رجال الدولة دون اذن أو اشارة من الامام (ع)؟ و من كتاب قضاء حقوق المؤمنين باسناده عن رجل من أهل الري قال: ولي علينا بعض كتاب يحيي بن خالد، و كان علي بقايا يطالبني بها، و خفت من الزامي اياها خروجا عن نعمتي، و قيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك، فأقع فيا لا أحب، فاجتمع رأيي علي أني هربت الي الله تعالي و حججت و لقيت مولاي الصابر - موسي بن جعفر - فشكوت حالي اليه، فأصحبني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا أو نفس عنه كربه، أو أدخل علي قلبه سرورا، و هذا أخوك و السلام. قال: فعدت من الحج الي بلدي، و مضيت الي الرجل ليلا، و استأذنت عليه و قلت: رسول الصابر (ع) فخرج الي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، و قبلني و ضمني اليه، و جعل يقبل بين عيني، و يكرر ذلك، كلما سألني عن رؤيته، و كلما أخبرته بسلامته، و صلاح أحواله استبشر، و شكر الله، ثم أدخلني داره، و صدرني في مجلسه و جلس بين يدي، فأخرجت اليه كتابه (ع) فقبله قائما و قرأه ثم استدعي بماله و ثيابه، فقاسمني دينارا دينارا، [ صفحه 132] و درهما درهما، و ثوبا ثوبا، و أعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، و في كل شي‌ء من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك؟ فأقول أي والله، و زدت علي السرور، ثم استدعي العامل فأسقط ما كان باسمي و أعطاني براءة مما يتوجه علي منه، و ودعته و انصرفت عنه. فقلت: لا أقدر علي مكافأة الرجل الا بأن أحج في قابل و أدعو له، و ألقي الصابر (ع) و أعرفه فعله، ففعلت و لقيت مولاي الصابر (ع) و جعلت أحدثه و وجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك؟ فقال: اي والله لقد سرني و سر أميرالمؤمنين، والله لقد سر جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لقد سر الله تعالي [230] . فالامام (ع) بأن له محبين في أجهزة السلطة و قد أباح و أجاز لهم ذلك، و أي فائدة أعظم من قضاء حوائج المؤمنين و صيانة أموالهم و أعراضهم؟ فبهذه النية و هي رجوع المصلحة الي المؤمنين كافة جاز أو وجب البقاء مع السلطان، أما لو كانت المصلحة تعود بالنفع علي شخصه فقط، مع تقوية جند سلطان الجور، فهذا اعانة للسلطان علي تشييد حكمه و تقويته، فيكون حينئذ العامل معهم، مشاركا في أي دم أهرقه السلطان و يطالب بنصيبه منه يوم القيامة و لو محجمة من دم. و قد كان (ع) يضبط سلوك أصحابه الذين زجوا أنفسهم أو زجوا لعمل السلطان قائلا: «كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان» [231] . و قال (ع) يوما لعلي بن يقطين «اضمن لي الكاهلي و عياله اضمن لك الجنة» [232] فلم يزل ابن‌يقطين يجري عليهم الطعام و الدراهم و جميع النفقات مستغنين حتي مات الكاهلي. فهذا العطاء هو من ضمن الاحسان الي الاخوان الذي يضمن به الجنان. [ صفحه 133]

ابعاد أصحابه عن العمل لأجهزة السلطة

فالامام (ع) من خلال معرفته بالأشخاص الذين يسعون جاهدين، لرفع كربة مؤمن و تنفيس همه، و من خلال سطوة أيديهم و مقدرتهم علي ذلك، لكونهم ذات مكانة عالية في السلطة، و لهم اليد الطولي في الحكم و الفصل، دون شاهد أو رقيب، كان (ع) يجيزهم و يسمح لهم بالبقاء، لأن الفائدة عامة و ليست خاصة. انما نلاحظ أنه في الموارد التي كانت الفائدة شخصية فان الامام (ع) ينهي عن الدخول في سلطتهم لئلا تقوي شوكتهم. فعن زياد بن أبي‌سلمة قال: دخلت علي أبي‌الحسن (ع) فقال لي: يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت أجل. قال لي: و لم؟ قلت: أنا رجل لي مروة، و علي عيال، و ليس وراء ظهري شي‌ء، فقال لي: يا زياد لأن أسقط من جالق [233] فأتقطع قطعة قطعة، أحب الي من أن أتولي لأحد منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم، الا، لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك؟ قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره، أو قضاء دينه، يا زياد ان أهون ما يصنع الله، بمن تولي لهم عملا، أن يضرب عليهم سرادق من نار، الي أن يفرغ الله من حساب الخلائق. يا زياد ان و ليت شيئا من أعمالهم، فأحسن الي اخوانك، فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك، يا زياد أيما رجل منكم تولي لأحد منهم عملا، ثم ساوي بينكم و بينهم فقولوا له: أنت منتحل كذاب، يا زياد اذا ذكرت مقدرتك علي الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غدا، و نفاد ما أتيت اليهم عنهم، و بقاء ما أتيت اليهم عليك [234] . فالامام (ع) يؤكد بأنه من تولي عملا للسلطان، لابد أن يعرف بحسن السيرة و السريرة، و يميز من بين الظلمة، بقضاء حوائج المؤمنين و... و الا لو كانت أعماله هي أعمال سلاطين الجور، فهذا يكون منتحل للمذهب الشيعي عن ظهر قلب، لا في القلب، فلذا هذا يكذب علي نفسه [ صفحه 134] و علي الخالق و المخلوق، لأن العمل الذي ينعش المذهب، و الرجل الذي يفيد أمته و يحسن اليهم، ينسب الي التشيع، و الا فأهل البيت (ع) منه براء. و مما يؤكد أن العمل الذي يرجع بالنفع الشخصي لا يرضاه أهل البيت (ع) كلامه (ع) مع صفوان الجمال الذي كان من شيوخ أصحاب أبي‌عبدالله (ع) و خاصته و بطانته و ثقاته الفقهاء الصالحين، و كذا كان من رجال الامام الكاظم (ع). ففي رواية عن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت علي أبي‌الحسن الأول (ع) فقال لي: يا صفوان كل شي‌ء منك حسن جميل، ما خلا شيئا واحدا، قلت: جعلت فداك أي شي‌ء؟ قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون - قلت: والله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو، و لكني أكريته لهذا الطريق، - يعني طريق مكة - و لا أتولاه و لكن ابعث معه غلماني، فقال لي: أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟ قلت: نعم، قال: فمن أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار. فقال صفوان: فذهبت و بعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك الي هارون فدعاني و قال: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك؟ قلت: نعم، فقال: لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و ان الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات اني لأعلم من أشار عليك بهذا!! أشار عليك بهذا موسي بن جعفر. قلت: مالي و لموسي بن جعفر، فقال: «دع هذا عنك، فوالله لو لا حسن صحبتك لقتلتك» [235] . و كون الكراء عملا للسلطان، لأنه عون لهم علي بقاء ملكهم، حتي و ان كان في طريق الحج، و هذا مما كان يعلمه هارون، فلذا أكد بأن امامكم لا يرضي لكم مشاركتنا في أعمالنا، فلابد من المقاطعة اذن؟!! و قد نبه الامام صفوان لعلمه بعدم حبه للرياسة. فقد روي معمر بن خلال أن أباالحسن موسي قال: والله ما ذئبان [ صفحه 135] ضاريان في غنم غاب عنها رعاتها، بأضر في دين المسلم من حب الرياسة، و لكن صفوان لا يحب الرياسة [236] . و قال (ع) عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذا كان يوم القيامة نادي مناد أين الظلمة؟ و الأعوان للظلمة؟ من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيسا أو مد لهم مدة أحشروه معهم [237] . و قال (ع) عنه صلي الله عليه و آله و سلم أفضل التابعين من أمتي من لا يقرب أبواب السلطان [238] بل حذر الفقهاء من الدخول في بلاط السلاطين قائلا عن لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله ما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي أديانكم [239] . فلذا ما ورد في رواية موسي بن اسماعيل بن موسي الكاظم (ع) أن الامام الكاظم (ع) قال: يا معشر الشيعة لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فان كان عادلا فاسألوا الله ابقاءه، و ان كان جائرا فاسألوا الله اصلاحه، فان صلاحكم في صلاح سلطانكم و ان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم...» [240] . لا يمكن التعويل عليها، لأنها تنافي كتاب الله، و قد قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم). و هؤلاء الحكام كانوا من المغضوب عليهم بدليل قوله تعالي: (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما). فكيف يطاع السلطان اذن في الحق و الباطل؟!! و كذا مخالفة للروايات المتواترة بحرمة اطاعة و اتباع السلطان كما مر معنا. [ صفحه 136] اضافة الي أن موسي المذكور مجهول الحال فلا يعتمد علي هذه الرواية. نعم قد تكون وردت للتقية - علي فرض صحتها - بدليل عجز الرواية و ان السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم. أما الدعاء فقط لاصلاحه، من دون القيام بثورة كلامية أو القيام بالسيف فلا يمكن و لا يجوز الأمر به مطلقا. و الروايات مطلقة في حرمة التزلف الي السلاطين، لأنه يعد من أعوانهم، و لو لا الحشود التي تقف علي أبواب السلاطين، و تتقرب اليها بطلاقة، لتكسب لقمة عيشها منه، لما بقي سلطان جائر. و تخصص هذه الروايات بما تقدم عنهم (ع) بجواز ذلك عند القيام بالقضايا العامة لا الخاصة، فلذا لم يكن (ع) ليرضي من ابن‌يقطين ترك السلطة، و كان ينهي ابن‌الجمال العمل لهم، و ما هذا الا لكون المنفعة شخصية لابن الجمال فلذا يحرم التعامل معهم، أما ما كان فيه منفعة أو دفع ضرر عن الاسلام أو التشيع، فانه و ان لم يكن واجبا أحيانا الا أنه أمر مشروع.

اساليب الاتصال بالقواعد الشيعية الشعبية

اشاره

و ضيق الخناق علي الامام من جراء زجه في السجون تارة، و وضعه تحت المراقبة الشديدة تارة أخري، و أخذ بالتهمة و سجن من كان يتهم بانتمائه الي البيت العلوي، و مع ذلك فان الامام (ع) كان علي علاقة مستمرة بالقواعد الشيعية، و الثلة المؤمنة فمن تلك الأساليب التي اتبعها (ع).

رسائل الأصحاب الي الامام

كانت الأسئلة تتوافد علي الامام (ع) من كل حدب و صوب و يجيب عليها (ع) حتي و ان كان (ع) في السجن أيضا، كانت تصل اليه الرسائل، و ذلك اما باسرارها عن السجان ان لم يكن من الموالين، و اما باعلانها اذا كان السجان من الموالين له فتصل اليه بسهولة. [ صفحه 137] و يتضح في كثير من الروايات أن بعض السجان كانوا من الموالين للامام (ع) فكان يدخل رسائله سرا عن الحكام. فعن علي بن سويد قال: كتبت الي أبي‌الحسن موسي (ع) و هو في الحبس كتابا أسأله عن حاله و عن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي ثم أجابني بجواب هذه نسخته: «... كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية و من كتمانها في سعة، فلما انقضي سلطان الجبابرة، و جاء سلطان ذي السلطان العظيم، بفراق الدنيا المذمومة الي أهلها، العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة علي ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم، فاتق الله جل ذكره، و خص بذلك الأمر أهله، و احذر أن تكون سبب بلية الأوصياء أو حارشا عليهم بافشاء ما استودعتك و اظهار ما استكتمتك، و لن تفعل انشاء الله. ان أول ما أنهي اليك أني أنعي اليك نفسي في ليالي هذه...» [241] . فان توقف الامام (ع) عن الاجابة مدة، لعدم قدرته علي ارسالها، اما لعدم وجود المأمون عليها أو للضغط أو المراقبة الشديدة التي كانت تحيط بالامام (ع) فلما وجد نفسه في سعة و قد دني أجله، كان لابد من اظهار الأمر. و مع ذلك أو صاه (ع) بكتمان الأمر و التقية فيما يرويه. بل كانوا يكتبون اليه، حتي و ان كان (ع) بينهم في المدينة، بل قد يرونه و لا يتحدثون معه، بل يبعثون اليه برقعة فيها أسئلتهم [242] . و كذا ارسال الأموال أيضا كانت ضمن الرسائل أحيانا. و في بعض الرسائل يسأل سبعون مسألة في رسالة واحدة، و كذا رسالته في التوحيد مشهورة. و في كثير من الأحيان كان (ع) يأخذ الرسائل بطريق المعجزة، [ صفحه 138] كانتظاره أصحابه علي قارعة الطريق دون علم مسبق. فقد روي الكشي عن اسماعيل بن سلام و فلان بن حميد قالا: بعث الينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين و تجنبا الطريق - و دفع الينا أموالا و كتبا - حتي توصلا ما معكما من المال و الكتب الي أبي‌الحسن موسي (ع) و لا يعلم بكما أحد، قال: فأتينا الكوفة و اشترينا راحلتين و تزودنا زادا، و خرجنا نتجنب الطريق، حتي اذا صرنا ببطن الرمة [243] شددنا راحلتنا و وضعنا لها العلف، و قعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، اذ راكب قد أقبل و معه شاكري، فلما قرب منا فاذا هو أبوالحسن موسي (ع) فقمنا اليه و سلمنا عليه، و دفعنا اليه الكتب، و ما كان معنا، فأخرج من كمه كتبا فناولنا اياها، فقال: هذه جوابات كتبكم. قال: فقلنا: ان زادنا قد فني فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة، فزرنا رسول الله و تزودنا زادا، فقال: هاتا ما معكما من الزاد، فأخرجنا الزاد اليه فقلبه بيده فقال: هذا يبلغكما الي الكوفة، و أما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقد رأيتما، اني صليت معهم الفجر، و اني أريد أن أصلي معهم العصر، انصرفا في حفظ الله [244] . فالخوف كان في أوجه، فان علي بن يقطين أمرهما بشراء راحلتين، و كأن امتطاء ما عندهم يشعر أو يشير الي أمر، فلذا خرجا الي الكوفة و منها اشتريا حاجتهما، و سافرا الي الامام، مع تجنب الطريق العام، ثم ان الامام (ع) خشي دخولهما الي المدينة فتلقاهما خارجها، و لم يأذن لهما بالدخول، خشية العين الذي وضعها الحكم آنذاك علي الامام و أصحابه، اضافة الي علم الامام (ع) بالأجوبة قبل ارسالها و تبريكه طعامهما، و أمرهما بالمغادرة فورا، و أن رؤيته كرؤية رسول الله و زيارته صلي الله عليه و آله و سلم.

ارسال الامام رسائل الي أصحابه

قد تكون الرسائل من الامام (ع) لبعض أصحابه ابتدائية من غير سبق سؤال منهم، و هذه الرسائل، قد تكون في أمر دنياهم أو دينهم. و ذلك لاهتمام الامام (ع) بأصحابه و بوجودهم، خاصة اذا كان [ صفحه 139] أحدهم بحيث يعد فقده ثغرة في الاسلام. فقد بعث (ع) برسالة الي عثمان بن عيسي يأمره بمغادرة منزله، فامتثل أمره فانهد داره بعد ذلك [245] . أو يبعث رسالة جوابا قبل السؤال ليبين كرامة له (ع) لمن يري أن يشد عزمه و يقوي ايمانه، كما حصل مع علي بن يقطين [246] . أو يأمر بعض أصحابه بالتقية، كما في الرسالة التي بعثها (ع) الي هشام بن الحكم يأمره، بأن لا يتكلم لأن الأمر شديد - الكلام عن التوحيد و ما أشبه - [247] . ثم ان الامام كان يبعث رسائل من سجنه يؤكد فيها علي وصيه من بعده، حتي لا تتشتت شيعته من بعده، و قد يخشي الامام (ع) مباغتته بالقتل قبل خروجه، فأسرع بكتابة الرسائل. فعن الحسين بن المختار قال: خرجت الينا ألواح من أبي‌الحسن (ع) و هو في الحبس، عهدي الي أكبر ولدي أن يفعل كذا و أن يفعل كذا، و فلان لا تنله شيئا حتي ألقاك، أو يقضي الله علي الموت [248] . و كذا عن علي بن يقطين قال: «كتب الي أبوالحسن (ع) من الحبس أن فلانا ابني سيد ولدي، و قد نحلته كنيتي».

ارجاعهم الي وصية الرضا

مهد الامام الكاظم لامامة ولده الرضا (ع) بارجاع أصحابه اليه في حياته، و خاصة من يخشي عليه الوقف من بعده، فبهذا (ع) يكون قد صرف الأنظار عن الالتقاء به خوفا من الحكومة الغاشمة، مع تركيز الامامة لولده في نظر الأصحاب. فقد روي المخزومي قائلا: بعث الينا أبوالحسن موسي (ع) فجمعنا [ صفحه 140] ثم قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا، فقال: اشهدوا أن ابني هذا وصيي و القيم بأمري، و خليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، و من كانت له عندي عدة فلينجزها منه، و من لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الا بكتابه [249] . فحجم الامام (ع) لقاءاته مع أصحابه الا أن يري الامام الرضا (ع) الضرورة القصوي في ذلك فيعطه كتابا خاصا للقاء والده الكاظم (ع) عند الأمن من الخوف.

عبر الوكلاء

جهد الامام (ع) أن لا يقتصر علي وكيل أو وكيلين مثلا لجمع أموال شيعته، بل كانوا كثرة موزعين هنا و هناك. و لعل الامام (ع) تعمد ذلك، لعلمه أنهم سيستأثرون بالأموال لأنفسهم فيما بعد. فوزع الأمانات علي عدة وكلاء، حتي اذا وقعت الخيانة من بعضهم فلعل البعض الآخر يفي بالحقوق، و بارجاع الأمانة الي الامام الرضا (ع). و من الملاحظ أن الامام (ع) كثيرا ما كان يؤكد علي الوكلاء خاصة بامامة ولده الرضا (ع) كي لا تجحد الحقوق له، و لكن الأموال التي كانت تجبي للامام الكاظم (ع) كانت جمة و غزيرة تتدفق عليه من كل حدب و صوب، و لعله لم يصل الي امام من الأئمة لا قبله و لا بعده من الحقوق الشرعية، كما وصلت له (ع). و يمكن السر في ذلك، أن مدرسة الامام الصادق (ع) قد بانت ثمرتها، و ازدهرت بنتاجها، في أيام الامام الكاظم، فعرف الحق أهله، فصارت تؤدي الحقوق، بل وصلت الي أوجها و ذروتها. فلذا دب الغرور شوك الغرور علي القلوب المغرورة، فانجرت تتخبط بأهوائها خلفه، فجحدوا الأموال بعده. فعن موسي بن بكر قال: كنت في خدمة أبي‌الحسن (ع) و لم أكن [ صفحه 141] أري شيئا يصل اليه الا من ناحية المفضل بن عمر، و لربما رأيت الرجل يجي‌ء بالشي‌ء فلا يقبله منه، و يقول: أوصله الي المفضل. و هذا يرجع الي التركيز الدقيق علي الانضباطية في الحالة التنظيمية. و ليس معني كلام ابن‌بكر، أنه لم يكن عنده وكلاء آخرون، بل قد لا يعرفهم. و سنأتي في بحث وكلائه علي ذكرهم.

الاتصال به في السجن

سجن الامام في سجن افرادي، ليكون منقطعا تماما عن الأمة، خشية تسرب تعاليمه الي الخارج بواسطة أحدهم، بل كان الموكلون بسجنه يستفيقون من غفوتهم، و يحجمون عن قتله و أذيته، لما يرون من فضله و هيبته. و مع شدة المراقبة لم يكن يخلو الأمر من دخول الناس الس السجن أحيانا لمساءلته. فقد روي اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون أباالحسن موسي، دخل عليه أبويوسف و محمد بن الحسن صاحبا أباحنيفة، فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد الأمرين اما أن نساويه أو نشكله، فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا من قبل السندي بن شاهك فقال: ان نوبتي قد انقضت و أنا علي الانصراف فان كان لك حاجة أمرتني حتي آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة؟ فقال: ما لي حاجة، فلما خرج قال لأبي‌يوسف: ما أعجب هذا يسألني أو أكلفه حاجة من حوائجي، ليرجع و هو ميت في هذه الليلة، فقاما فقال أحدهما للآخر: انا جئنا لنسأله عن الفرض و السنة و هو الآن جاء بشي‌ء آخر كأنه من علم الغيب. ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا: اذهب حتي تلزمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة و تأتينا بخبره من الغد، فمضي الرجل فنام في مسجد في باب داره، فلما أصبح سمع الواعية، و رأي الناس يدخلون فجأة داره فقال: ما هذا؟ قالوا: قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة. فانصرف الي أبي‌يوسف و محمد و أخبرهما الخبر فأتيا أباالحسن (ع) [ صفحه 142] فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة؟ قال: من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي‌طالب (ع) فلما رد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا [250] فقد كان الدخول اليه لمحاورته، أمرا سهلا، اذا كان السجان من الموالين للامام، لأنه يخفي هذا الأمر عن الحاكم. أما اخبارهم بموت الموكل به، فكان متعمدا ليكون حجة غيبية لهما، للرجوع عن مذهب أبي‌حنيفة الذي ينتمون اليه، فتبيين الحق بطريق الكرامة برهان، علي صدق المبرهن، و لما سألوه عن سر علمه، قال من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي‌طالب (ع). فلم يقل هذا علم الهامي، أو أننا حجة الله علي خلقه أو غير ذلك، بل ارجعهم الي أصل الامامة، الي علي بن أبي‌طالب (ع) الي أصل التشيع، بل هذا يعني أن لديهم وراثة كتب من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مختصة بهم لا يعلمها غيرهم، فلذا وصلت اليهم (ع) و من كان كذلك فهو أحق بالامامة و الخلافة و الامرة. فارادتهما السؤال عن الحلال و الحرام، كأي عالم يستفاد من علمه فهذا لا ينكر منه، و لم يشأ الامام ترك الأمور علي مجراها ليسألاه عن الفروع، بل كانت الأصول و هي غرس بذرة أحقية الأئمة بمقام الامامة و الخلافة لهي الهدف الذي يسعي بترسيخه أهل البيت (ع) لأن دورهم لم يكن يقتصر علي ترسيخ الفقه فحسب، بعد أن أوعزوا الي تلامذتهم بنشره، بل لابد من جديد، غير مألوف فيما بينهم ليكون ذلك نزعة لهم من طريق الضلال الذي سلكوه. و من النفحات الالهية، أن لله في أبواب الظالمين، من أنار الله به درب المتقين، فقد روي أن موسي بن ابراهيم المروزي، اختص بالامام (ع) عندما كان في سجن السندي بن شاهك، لأنه كان معلما لولده، و نقل [ صفحه 143] عنه كثيرا من الأحاديث، التي تعتبر من القواعد الأخلاقية لشيعته، و قد جمع أحاديثه تلك في كتاب و سماه، مسند الامام الكاظم (ع). و ذكر العلامة القرشي وجود نسخة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق، ضمن المجموع رقم 70 - 34 [251] . أما السيد الخوئي «قدس» فانه و ان ذكر ضعف الطريق، الا أنه ذكر أنه روي عن الامام الكاظم (ع) [252] . فالامام (ع) لم يتخل عن دوره الأساسي في السجن، من متابعة و تقصي أخبار الأمة ككل، غير مقتصر علي شيعته فقط، سواء في ذلك نشر العلوم الفقهية و السياسية و الأخلاقية و... بل حتي الارصاد للانحرافات الفكرية، كان يعالجها من داخل سجنه، فالامام و ان كان يتميز بطابع العبادة في السجن ظاهرا، الا أنه علاوة علي ذلك كان يحرك أصحابه في جميع المجالات، و يرشدهم من خلال رسائله المستمرة اليهم و منهم. فلذا حتي غير الموالين لخط أهل البيت (ع) كانوا يقصدونه لسجنه، مع الأهوال التي تحيطهم و تكتنفهم، كي ينهلون من غدق علمه (ع).

اللقاء السري

تحدثنا فيما سبق عن شدة الحال الذي واجهها الامام (ع) حتي ألجأته الي التقية، و الي أمر أصحابه بالتخلي عنه في الظاهر لئلا يؤخذوا به، الا أن الحيطة التي كان يأمر بها الامام (ع) كانت تسمح أحيانا باللقاء به شرط الحذر الدؤوب. فقد يأذن الامام (ع) باللقاء به ليلا، مع تحري الطريق و انقطاع الرجل [253] . و قد يستلم الكتب و الأمانات عن طريق المعجزة آنا آخر، كما في [ صفحه 144] خبر العقرقوفي [254] و خبر علي بن يقطين [255] عندما بعث وكيليه للامام، فتلقاهما الامام خارج المدينة، و لم يأذن لهما بالدخول، حتي و لو لشراء زاد أو زيارة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و خبر شطيطه و... الي غير ذلك من الأساليب التي كان يستخدمها الامام، نهجا علي خط آبائه الكرام الذين لم يتقوقعوا في زوايا محاريبهم للعبادة فحسب، أو في صوامع الجبال للتنسك، تاركين الأمة تتوه و تتخبط تخبط العمشاء في دياجير الظلام. بل ان العبادة الواعية الهادفة، هي التي أعطتهم الزخم الروحي، لاقتحام معركة الجهاد الدؤوب ضد السلطة الحاكمة، التي غيبت نفسها و حجرت عليها، بتحجيرها علي الامام الكاظم (ع)، بل كان هذا أحد البواعث الذي أدي بها الي انهيارها فيما بعد، علي يد الأخبار من أتباع النبي المختار. [ صفحه 147]

الثورات في عهده

ثورة الحسين بن علي (صاحب فغ)

سبب الثورة

و السبب في قيام الحسين بن علي بثورته، أن موسي بن المهدي (الهادي)، لما استولي علي الحكم، ظهرت منه أمور قبيحة، من شرب الخمر، و بذخ الأموال علي المغنين، حتي قال اسحاق الموصلي «لو عاش لنا الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب» [256] و فظاظة الأخلاق، و ما كان شي‌ء أبغض اليه من ابتدائه بالسؤال [257] . و قد ألح في طلب الطالبيين، و أخافهم خوفا شديدا، و قطع ما كان المهدي يجري لهم من الأرزاق و العطية، و كتب الي الآفاق في طلبهم و حملهم، فلما اشتد خوفهم، و كثر من يطلبهم، و يحث عليهم، عزم الشيعة و غيرهم الي الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب [258] (ع) و كان علي درجة عظيمة من التقي و الورع. و كان من شدة فظاظة الهادي أن استعمل علي المدينة، عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، و كان قد ألزمهم أن يحضروا عنده يوميا للعرض، ماثلين أمامه أذلاء كالعبيد. و غاب عن العرض ثلاثة أيام الحسن بن محمد بن عبدالله بن [ صفحه 148] الحسن، و قد كان مكفولا من قبل الحسين بن علي، و يحيي بن عبدالله بن الحسن، فطولبا به، فقالا والله ما ندري فأغلظ عليهما بالقول، فحلف حينئذ يحيي بن عبدالله ألا ينام حتي يأتيه به، أو يضرب عليه باب داره، حتي يعلم أنه قد جاءه به، فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله! ما دعاك الي هذا؟ و من أين تجد حسنا! حلفت له بشي‌ء لا تقدر عليه. قال: انما حلفت علي حسن؟! قال: سبحان الله! فعلي أي شي‌ء حلفت؟ قال: والله لا نمت حتي أضرب عليه باب داره بالسيف [259] . و التقي الحسين بن علي بالحسن فقال له: يابن عمي قد بلغك ما كان بيني و بين هذا الفاسق فامض حيث أحببت. فقال: لا والله يابن عمي بل أجي‌ء معك الساعة حتي أضع يدي في يده، ما كان الله ليطلع علي، و أنا جاء الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو خصمي و حجيجي في دمك، و لكن أقيك بنفسي لعل الله يقيني من النار. لقد كان الحسن علي درجة عظيمة من الورع، و مع ذلك لقد ادعي الشرطة أنه كان يشرب الخمر، فضرب علي ذلك [260] [261] ، و حبس، الي أن خرج بكفالة. و كانت هذه الحيل و المؤامرات احدي الذرائع و التهم التي يتهم بها بعض أولاد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كي يزجوا في السجون و يضربوا، اضافة الي ذلك أن الطالبيين فقط هم الذين كانوا يؤمرون بالعرض و يترك غيرهم من العمريين أو البكريين أو... و هذا الضغط القاسي و الشنيع علي الطالبيين، لأنهم يرون أنه لا يجوز ممالأة و مداهنة الظالمين، بل لابد من كلمة حق في وجه سلطان جائر، حتي يقام الحق علي قدميه، و يشيد صرح العدالة. فلذا كان الخوف يداهم السلطة الجائرة، فتمنعهم من نشر الوعي [ صفحه 149] الثقافي، و التكتل، بل ميزتهم عن فئات الشعب قاطبة، بجعلهم الطبقة الفقيرة المعوزة، حتي يزدلفون الي بلاط السلاطين، فيكسبون بذلك ودهم حينئذ. و لكن هذه المؤامرات قد حاكتها السلطة حول نفسها، اذ أن الطالبيين حاولوا قبل هذه الثورة، أن يطفئوا ثورة الغضب التي استولت علي العمري، و لكنه تغطرس و تكبر، وجابههم بالفظاظة و القساوة، فكان لابد بعد ذلك، من اشعال نار الثورة الحسينية، فتعاقدوا فيما بينهم علي القيام بانتفاضة عارمة علي الحكم الظالم الغشوم. «فأقبل الطالبيون فاقتحموا دار العمري» [262] ، فقال يحيي: «هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري، و الا والله خرجت من يميني» [263] . و لكن العمري هرب، و بدأت الثورة.

موقف الامام من ثورته

ان أهل البيت (ع) و ان لم يقوموا بثورة بعد الامام الحسين (ع)، و لكنهم لم يكونوا ليشجبوا تلك الثورات التي تخرج ضد الظالمين لأنها ترفع شعار الحق و العدل فها ذا الامام الصادق (ع) يقول «لا أزال أنا و شيعتي بخير ما خرج من آل‌محمد، و لوددت أن الخارجي من آل‌محمد خرج، و علي نفقة عياله» [264] و الحث عليها مع عدم خروجهم، يعطي طابعا جهاديا معارضا، ليكبح جماع الظلم و لو آنا ما، انما هم (ع) كانوا يهيئون النفوس و يثقفونها، اضافة أن الخسارة المعنوية التي سيعني بها التشيع ككل لو هزموا، لن تعوض، بل لن يتمكن أحد من الخروج، اذ أن القلوب ستضعف، و تتزلزل اذ ما دام الأئمة منوا بخسارات متتالية فلن تفلح بعد اليوم أبدا، فلذا تركوا ذلك لشيعتهم. اضافة الي وصم الأئمة (ع) بأنهم ينهالون و ينكبون علي الدنيا و السلطة و الأموال و... و لن يستطيعوا الوصول اليها. [ صفحه 150] فهذا سيزرع في قلوب المرضي نوع من التلكؤ و الانزجار و الابتعاد عن خط أهل البيت، خط الرسالة المحمدية. فلذا لما عرض عليه المشاركة في الثورة رفض مشاركته، و لكنه لم يرفض الفكرة من الأساس. روي عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب (ع) قال: لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ و احتوي علي المدينة، دعا موسي بن جعفر الي البيعة، فأتاه قال له: يابن عم لا تكلفني ما كلف ابن‌عمك عمك أباعبدالله، فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من أبي‌عبدالله ما لم يكن يريد، فقال له الحسين: انما عرضت عليك أمرا، فان أردته دخلت فيه، و ان كرهته لم أحملك عليه والله المستعان. ثم ودعه، فقال له أبوالحسن موسي بن جعفر حين ودعه،يابن عم انك مقتول، فأجد الضراب، فان القوم فساق، يظهرون ايمانا و يسترون شركا، و انا لله و انا اليه راجعون، أحتبسكم عند الله من عصبة، ثم خرج الحسين و كان من أمره ما كان، قتلوا كلهم كما قال عليه‌السلام» [265] . فنلاحظ أن الحسين قد دعا الامام الكاظم الي البيعة، و لم يجعله قائدها، فسيكون الامام حينئذ مأموما لا اماما، و مأمورا لا أميرا، اضافة الي عدم رؤية الامام (ع) للقتال في الوهن، لأن الوقت لم يحن، كما قال الصادق (ع) «نحن أعلم بالوقت» [266] . و كذا الامام الكاظم لم يكن ير الوقت قد حان للقيام بثورة، فعن خالد الجوان قال: دخلت علي أبي‌الحسن (ع) و هو في عرصة داره، و هو يومئذ بالرميلة، فلما نظرت اليه، قلت: بأبي أنت و أمي يا سيدي! مظلوم» مغصوب! مضطهدا - في نفسي - ثم دنوت منه، فقبلت ما بين عينيه، و جلست بين يديه، فالتفت الي فقال: يا ابن‌خالد نحن أعلم بهذا الأمر. فلا تتصور هذا في نفسك، قال: قلت جعلت فداك والله ما أردت بهذا شيئا؟ قال: فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا، لو أردنا أزف الينا، [ صفحه 151] و ان لهؤلاء القوم مدة و غاية لابد من الانتهاء اليها. قال: لا أعود أصير في نفسي شيئا أبدا قال: فقال: «لا تعد أبدا» [267] . فالامام (ع) نهاه حتي عن التفكير في وجوب قيامه بالثورة، و ان الأئمة عاجزون عن القتال، بل لابد من التروي، و سيأتي الحين الذي يؤمرون بالقيام به، و خاصة أن الأئمة لو قاموا دوما بالسيف، فسيفني المسلمون بعضهم دون ركيزة عقائدية. ثم أن الامام نبهه أن ابن عمه عبدالله بن الحسن بن الحسن، عندما أتي الي الامام الصادق و طلب منه المبايعة لولده محمدا، نهاه الامام عن القيام بها فزعم عبدالله أن الامام يحسده و ولده، مع أن الامام بين له أنه يقتل علي أحجار الزيت، و كانت المعركة حينها للشقاق و الخلاف بين بني‌الحسن و بني العباس كل يريدها لنفسه فلهذا نهي الامام (ع) عنها. فلذا لم ينهه الامام الكاظم (ع) عن هذه المعركة، و لكنه حذره من الشقاق و النفاق، و لما رأي الامام (ع) حسن نية الحسين، حثه علي مواصلة الكفاح و الجهاد و أصحابه، و بشره بالشهادة و الجنة، فليس أمامه احدي الحسنين، بل هو في طريق ذات الشوكة، و سيستشهد علي أي حال، فلذا شد علي عزيمته بالجد في الضراب و القتال، لعلهم يرعوون عن غيهم و نفاقهم. بل كان أهل البيت (ع) يتنبؤن بهذه الثورة و يباركونها، حتي و ان استشهد فيها أكثر من مائة من آل أبي‌طالب و أصحابهم، و لكنها هزت الضمائر الميتة، و علمت السلطة أن لا سلطة لها علي الرقاب التي تأنف الضيم، بل لابد من شمخ الأنوف عالية أمام الطغاة المتزلفين. روي عن الامام الجواد (ع) أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم مر بفخ، فنزل فصلي ركعة فلما صلي الثانية بكي و هو في الصلاة، فلما رأي الناس النبي صلي الله عليه و آله و سلم يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا [ صفحه 152] رسول الله، قال: نزل علي جبرائيل لما صليت الركعة الأولي فقال لي: يا محمد ان رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان، و أجر الشهيد معه أجر شهيدين [268] . و عن النضر بن كرواش قال: أكريت جعفر بن محمد بن المدينة، فلما رحلنا من بطن مر [269] ، قال لي: يا نضر اذا انتهيت الي فخ فاعلمني، قلت: أولست تعرفه؟ قال: بلي و لكن أخشي أن تغلبني عيني، فلما انتهينا الي فخ دنوت من المحمل، فاذا هو نائم فتنحنحت فلم ينتبه، فحركت المحمل فجلس: فقلت: قد بلغت فقال: حل محملي، ثم قال: صل القطار فوصلته، ثم تنحيت به عن الجادة، فأنخت بعيره فقال: ناولني الأداءة و الركوة، فتوضأ و صلي، ثم ركب فقلت له: جعلت فداك رأيتك صنعت شيئا أفهو من مناسك الحج؟ قال: لا و لكن يقتل ههنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم الي الجنة [270] .

شهادة الحسين بن علي (صاحب فخ)

و اجتمع مع الحسين ستة و عشرين رجلا من ولد علي، و عشرة من الحاج، و نفر من الوالي، فلما أذن الصبح دخلوا المسجد ثم نادوا «أحد» و صعد عبدالله بن الحسن الأفطس [271] الي المنارة التي عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال للمؤذن: أذن بحي علي خير العمل، فلما سمع العمري ذلك هرب أشد هروبا، فقام الحسين بعد الصلاة و خطب قائلا: أنا ابن رسول الله، علي منبر رسول الله، و في حرم رسول الله، أدعوكم الي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أيها الناس: أتطلبون آثار رسول الله في الحجر و العود، و تتمسحون بذلك، و تضيعون بضعة منه! فبايعه الكثير، فاستخلف علي المدينة دينار الخزاعي، و قصد مكة و معه من تبعه من أهله و مواليه و أصحابه فكانوا زهاء ثلاثمائة. [ صفحه 153] فلما قربوا من مكة و صاروا بفخ، تلقتهم الجيوش و كان عددها أربعة آلاف، فعرض عليه القائد العباس بن محمد بن علي (أخو أبوالعباس السفاح) الأمان و العفو و الصلة فأبي ذلك أشد الاباء. و لما رأي المسودة، أقعد رجلا علي جمل، معه سيف يلوح به، و الحسين بن علي يملي عليه حرفا حرفا يقول: ناد فنادي: يا معشر الناس، يا معشر المسودة هذا الحسين بن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه يدعوكم الي كتاب الله، و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و كان يقول الحسين «أبايعكم علي كتاب الله و سنة رسول الله، و علي أن يطاع الله و لا يعصي، و أدعوكم الي الرضا من آل‌محمد و علي أن نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، و العدل في الرعية، و القسم بالسوية، و علي أن تقيموا معنا و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم. و اشتد القتال - و كان يوم التروية -، و اذ بحماد التركي يرمي الحسين بسهم فقتله، فوهب له محمد بن سليمان مائة ألف درهم و مائة ثوب. فانهزم أصحاب الحسين، بعد أن استشهد منهم مائة ونيفا و احتزت رؤوسهم، و بقوا ثلاثة أيام لم يواروا، حتي أكلتهم السباع و الطير. و لما جاء الجنود بالرؤوس الي موسي بن عيسي (أحد القادة) و العباس، و عندهم جماعة من ولد الحسن و الحسين، فلم يتكلم أحد بشي‌ء الا الامام موسي الكاظم (ع) فانه كان حاضرا عندئذ، فراعه ذاك المنظر الرهيب، فاستغلها فرصة للتعبير عن أحقية الحسين بالثورة، و كونهم علي باطل - فقال له أحدهم: هذا رأس الحسين. قال: نعم انا لله و انا اليه راجعون، مضي والله مسلما صالحا صواما قواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله [272] . فلم يجيبوه بشي‌ء. و كأنهم ندموا علي فعلتهم هذه، نعم و قد روي [ صفحه 154] جماعة أن محمد بن سليمان لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة و هو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني و لم أكن لقيت حسينا يوم فخ و لا الحسن [273] . و قد استشهد خيرة آل أبي‌طالب في هذه المعركة، و يكفي ما روي عن الامام الجواد (ع) قوله «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» [274] . و لم يكتف بقتل هذه العصبة المباركة القليلة - كما في ثورة الحسين سيدالشهداء - بل أخذ بعضهم أسري فقيدوا، فقتل من قتل منهم، و أخذ بعضهم فصلب علي باب الجسر [275] . و من شيم الكرام العفو عند المقدرة، و لم يكن الهادي ليتنشق رائحة الكرم، بل كان اللؤم ينفث عن لسانه، فكان من الأسري رجل قد أنهكته العلة، و لما رأي ما به، جعل يستعطف الهادي قائلا: أنا مولاك يا أميرالمؤمنين. فقال: مولاي يخرج علي، و مع موسي سكين فقال: والله لأقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا. فازدادت عليه علته، فمكث ساعة طويلة و مات بنفسه [276] و لم يخف علي الهادي ايمان و تقوي الحسين، فلذا قال «والله ما خرج حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه. فما كان من الامام الا أن دعا عليه فمات من ليلته [277] و قد ذكرنا ذلك مفصلا في عنوان الامام الكاظم مع الهادي. [ صفحه 155]

ثورة يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب صاحب الديلم

اشاره

لقد كان ليحيي اليد الطولي، في ثورة الحسين بن علي (صاحب فخ) بل كان بدؤها منهما معا، كما ذكرنا في أول ثورة الحسين، و لما قتل الحسين، هرب يحيي الي الديلم خوفا من الرشيد، مع سبعين رجلا من أصحابه، و لما وصل اليها استقبل بحفاوة من أهلها، و دعا الناس الي نفسه، فبايعه الكثير من القبائل. و هنا اضطراب الرشيد أشد اضطرابا، و لم يهنأ له عيش، بل كان القلق يسيطر عليه، حتي أنه رفع الشراب، و لم يستلذ بدنياه، كما يحلو له. و لما فشا أمره و انتشر، و علم هارون‌الرشيد، أنه مع أصحابه في خراسان، لأرض تسمي الديلم، أرسل جيشا جرارا مؤلفا من خمسين ألف مقاتل، و جعل قائدهم الفضل بن يحيي بن خالد البرمكي، و معه صناديد القواد، و ولاه كور الجبال و الري و جرجان و طبرستان و غيرها، و حملت معه الأموال الكثيرة، فشرع بانفاقها لاستمالة القلوب اليه. و نزل الفضل في طالقان، و أرسل كتبه الي يحيي و يؤمنه. و كاتب الفضل صاحب الديلم و جعل له ألف ألف درهم، علي أن يسلم له يحيي، أو يسهل لهم خروجه اليهم، فاشتري ضميره ببخس الأموال، فتربص صاحب الديلم بيحيي ليسلمه، فاطلع يحيي علي النفوس الخسيسة التي خذلته، اذ تفرق عنه أصحابه، و هذا صاحب الديلم الذي لجأ الي جواره، هان عليه الخيانة به، فرأي أن الوثوب علي هذا الجيش الكاسح، الذي قل نظيره، الا لغزو هرقلة الروم، تهور لن يجر نفعا، الا وبالا علي من تبقي من أصحابه، بل و علي المسلمين من اهراق الدماء البريئة، فأجاب الي الصلح، بشرط أن يكتب له الرشيد أمانا بخطه علي نسخة يبعث بها اليه. فسر بذلك الرشيد، و كتب أمانا ليحيي، و أشهد عليه القضاة و جلة بني‌هاشم و مشايخهم، و بعث له بجوائز و هدايا و أموال كثيرة، فوفي بها يحيي ديون الحسين بن علي، و أتي الفضل بيحيي الي بغداد حيث مقر هارون، فأظهر له هارون الود و الاخلاص، و أدفق عليه الأموال، و أنزله منزلا سريا، واضعا عليه العيون و الجواسيس. [ صفحه 156] و لم تخف ضغائن هارون علي يحيي اذ كان يتأوه من مصيره الذي ألجأه الي الصلح. فقد حدث عبدالله بن موسي بن عبدالله (ابن أخ يحيي) قائلا: لما قدم يحيي بن عبدالله من الديلم أتيته، و هو في دار علي بن أبي‌طالب، فقلت يا عم، ما بعدك مخبر، و لا بعدي مخبر، فأخبرني خبرك، فقال: يابن أخي والله ان كنت الا كما قال حيي ابن‌أخطب. لعمرك ما لام ابن‌أخطب نفسه و لكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتي أبلغ النفس حمدها و قلقل يبغي العز كل مقلقل

موقف الامام الكاظم من ثورته

تعاليم الأئمة و ارشاداتهم و مواقفهم لا تتبدل في زمن واحد، و مجتمع واحد هيكليته و نفوسه و محتواه و... بل قد تطرأ التغيرات النسبية بحسب التغير الجذري من جراء انقلاب الحكم أو وعي الناس في زمن ولي عنه عالم الغيبوبة. فمواقف أهل البيت من الثوارث القائمة ما بين الحين و الآخر، - و ان لم تكن الثورات تستقطب جميع أقطاب الحكومة - ايجابية نحوها، لأنها تحجم السلطة الغاشمة عن غيها نوعا ما، و تقض مضجعها، لئلا تتمادي علي رقاب المستضعفين، و تجد الطريق سهلا للعبور الي مقاصدها. نعم ثورة بني‌الحسن نهي عنها الامام الصادق (ع) لأنها لم تكن تدعو الي الرضا لآل‌محمد، بل الي نفسها، كما استأثر بنوالعباس بالحكم لأنفسهم بعد قيامها بشعار الرضا لآل‌محمد، أما بنوالحسن فكانوا يدعون الي أنفسهم منذ بداية قيامهم بالثورة، و هذا ما سيحدث الشقاق بين الهاشميين ككل. أما ثورة يحيي فالغموض يكتنفها، و لم ترد رواية صحيحة أن الامام الكاظم (ع أيدها أو نهي عنها، و لكن سيرة يحيي و ايمانه و أخلاقه توحي بأن الامام (ع) رضي بثورته، و خاصة بعدما كان هو المحور و الحجر الأساس في ثورة الحسين. [ صفحه 157] و قد خرج يحيي بشعار الرضا لآل‌محمد. و لكن يبقي هناك رواية قد توقف عندها بعض العلماء في شجب الامام (ع) لثورته، و لكن لا يمكن الاعتماد عليها لأنها رواية غير صحيحة السند و رواتها ضعاف جدا. و هذه نصها: عن عبدالله بن ابراهيم بن محمد الجعفري قال: كتب يحيي بن عبدالله بن الحسن الي موسي بن جعفر (ع): «أما بعد فاني أوصي نفسي بتقوي الله وبها أوصيك، فانها وصية الله في الأولين و وصيته في الآخرين. خبرني من ورد علي من أعوان الله علي دينه و نشر طاعته، بما كان من تحننك مع خذلانك، و قد شاورت في الدعوة للرضا من آل‌محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد احتجبتها أبوك من قبلك قديما ادعيتم ما ليس لكم، و بسطتم آمالكم الي ما لم يعطكم الله، فاستهويتم و أضللتم، و أنا محذرك ما حذرك الله من نفسه [278] . و هذه تعارض الرواية الصحيحة أن يحيي قال للامام (ع) «جعلت فداك أنهم يزعمون أنك تعلم الغيب فقال سبحان الله، ضع يدك علي رأسي فوالله ما بقيت في جسدي شعره، و لا في رأسي الا قامت، ثم قال لا والله ما هي الا رواية عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [279] . فان من يفدي نفسه في سبيل الامام، و يقر بعلمه و يرضخ لأوامره، لا يمكن أن يصدر منه ما ينافي احترام الامام و حشمته. أما رد الامام عليه قائلا: «... أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك مني، و ستكتب شهادتهم و يسألون، و لم يدع حرص الدنيا و مطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم، حتي يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم، و ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك، و ما منعني من مدخلك الذي أنت فيه، لو كنت راغبا ضعف عن سنة، و لا قلة بصيرة بحجة و لكن الله تبارك و تعالي خلق الناس أمشاجا و غرائب، [ صفحه 158] فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما، ما العترف [280] في بدنك، و ما الصهلج في الانسان، ثم اكتب لي بخبر ذلك، و أنا متقدم اليك أحذرك معصية الخليفة، و أحثك علي بره و طاعته، و أن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار، و يلزمك الخناق من كل مكان، فتروح الي النفس من كل مكان و لا تجده، حتي يمن الله عليك، بمنه و فضله و رقة الخليفة أبقاه الله، فيؤمنك و يرحمك و يحفظ فيك أرحام رسول الله و السلام علي من اتبع الهدي، انا قد أوحي الينا أن العذاب علي من كذب و تولي [281] فان من المظنون به - ان لم يكن المتيقن - أن الامام (ع) قد جعل هذه الرسالة فيما بينهما حيلة يغطي بها انتماءه الي هذه الثورة، أو رضايته بها، لأن الامام (ع) قد كرر قوله ذكرت الي كذا و كذا، مع أنه كان بالامكان الاجابة دون تكرار ما في الرسالة، اضافة الي تأكيده الشديد علي عدم معصية الخليفة بل بره أيضا، و نعته بالرقة و الدعاء له و... مما لم يعهد له مثيل من أحد من الأئمة، و لا هذا من عاداتهم و شيمهم (ع)مدح الظالم، بل لا يجوز وصفه بما ليس فيه. اضافة الي أن هذا الكتاب قد وقع في يد الخليفة هارون فلما قرأه قال: الناس يحملوني علي موسي بن جعفر و هو بري‌ء مما يرمي به. فاذا صحت هذه الرواية - و هي ضعيفة السند لأنها تتمة الرواية السابقة - تكون مكيدة مدبرة، و حيلة مزورة، لتوهم هارون خلاف الواقع، و تصرفه عن الايقاع بالامام و الطالبيين.

شهادة يحيي بن عبدالله

و تأججت نار الحقد في قلب هارون، فلم يطق صبرا، فاندلعت ألسنتها بشآريب الشرر، يبثها و يقذفها، لتحرق يحيي، فيطمئن و يسكن حينئذ. فقد أودعه في سجنه الي مدة، لعله يجد خطة لقتله، ثم أخرجه و هو مكبل بالحديد مسموما، يوهم الناس ببرائته من قتله. [ صفحه 159] أحضر الرشيد يحيي قائلا: هيه هيه: متضاحكا، و هذا يزعم أيضا أنا سممناه! فقال يحيي بكل صلابة و جرأة: ما معني يزعم؟ هاهو ذا لساني - قال و أخرج لسانه أخضر مثل السلق - فتربد هارون و اشتد غضبه. ثم حرض عبدالله بن مصعب بن الزبير هارون علي قتله، ففضحه عندئذ يحيي، قائلا لهارون: والله يا أميرالمؤمنين لقد جاء الي هذا حيث قتل أخي محمد بن عبدالله، فقال: لعن الله قاتله! و أنشدني فيه مرثية قالها نحوا من عشرين بيتا، و قال: ان تحركت في هذا الأمر فأنا أول من يبايعك، و ما يمنعك أن تلحق بالبصرة، فأيدينا مع يدك. فأنكر الزبيري ذلك، و عزم عليه هارون بالحلف، فحلفه يحيي بالبراءة، فقال: أنا بري‌ء من حول الله و قوته، موكل الي حولي و قوتي. فوقع ابن‌الزبير ميتا من ساعة. و مع هذه الكرامة التي حصلت ليحيي لم يرعو هارون عن غيه، فقد نقض عهد الأمان الذي أمنه به، مدعيا أنه شق عصا المسلمين [282] . و قد اختلفت الروايات في كيفية قتله. 1 - مات بالسم [283] . 2 - حبسه فمات في الحبس [284] . 3 - منع من الطعام فمات جوعا [285] . 4 - غرق في البحر. 5 - ألقي في بركة سباع قد جوعت، فلاذت به وهابت الدنو اليه، فبني عليه ركن بالجص و الحجر و هو حي [286] . [ صفحه 163]

المنهج الأخلاقي و التربوي و العلمي عند الامام الكاظم

المنهج الرسالي للامام في توعية الأمة و تربيتها

اسلوب الكتمان في السلوك الرسالي (التقية).

الحافظ علي شيعته بالتقية و سار علي خطي جده صلي الله عليه و آله و سلم اذ كان يقول: «اني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان طاعة السلطان للتقية واجبة» [287] . لو لا التقية لما أمن الامام الصادق (ع) علي ولده الكاظم (ع) من القتل و ما أشبه، اذا أوصي له بالخلافة علانية، فلذا لما توفي (ع) و علم بذلك أبوجعفر المنصور، دعا أباأيوب الخوزي قائلا: اكتب ان كان أوصي الي رجل بعينه فقدمه و اضرب عنقه. فكتب و عاد الجواب قد أوصي الي خمسة، أحدهم أبوجعفر المنصور، و محمد بن سليمان، و عبدالله، و موسي، و حميدة - أم الامام الكاظم - قال المنصور: ما الي قتل هؤلاء سبيل [288] . و مرت سنون علي الشيعة في التاريخ الأسود للعباسيين، أن العلوي اذا جالس أحدا يقال له: قم لا أؤخذ بك. حتي تشردوا في كل بلد و جبل و واد. فمن هذا المنطلق كان الامام (ع) يقول: في قول الله تعالي: (ان أكرمكم عند الله أتقاكم) قال: أشدكم تقية [289] . و لا ريب أن التقية مما جاء في القرآن الكريم و السنة و أقرها العقل. [ صفحه 164] أما الكتاب الكريم فقد جاء في قصة عمار بن ياسر، عندما قتل والده، و سب النبي صلي الله عليه و آله و سلم فجاء معتذرا الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال له: كيف تجد قلبك يا عمار؟ قال: انه ملي‌ء بالايمان يا رسول الله. فقال له صلي الله عليه و آله و سلم فما عليك فان عادوا اليك فعد لما يريدون فقد أنزل الله فيك (الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) [290] . و قد مدح الله تعالي الرجل من آل‌فرعون الذي كتم ايمانه «و قال رجل مؤمن من آل‌فرعون يكتم ايمانه...» و قال تعالي: (الا أن تتقوا منهم تقاة). بل لقد شدد أهل البيت علي التقية فقال الامام الصادق (ع) «التقية ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقية له، و التقية ترس الله في الأرض لأن مؤمن آل‌فرعون لو أظهر الاسلام لقتل» [291] . و التقية لا تستمر مدي الدهر، و الا لانتفت الغاية من نشر المذهب، بل لن يتمكن بعد من اظهار الحقائق، فيتربص كيما تهدأ العاصفة، و يزول غبار الجور، فعندئذ يجلي أهل البيت الحقيقة دون الحاح أو سؤال، و يدل علي ذلك ما رواه علي بن سويد قال: خرج الي أبوالحسن (ع) و قال: سألتني عن أمور كنت منها في تقية و من كتمانها في سعة، فلما انقضي سلطان الجبابرة، و دني سلطان ذي السلطان العظيم منا، و الدنيا المذمومة الي أهلها، العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه، مخافة أن تدخل الحيرة علي ضعفاء أمتنا من قبل جهالتهم. فاتق الله و اكتم ذلك الا من أهله، و احذر أن يكون سبب بلية علي الأوصياء أو حارشا عليهم في افشاء ما استودعتك، و اظهار ما أكتمتك و لن تفعل انشاء الله [292] . فمع أن الامام (ع) قد أظهر الحقيقة و بين الأجوبة التي سئل عنها منذ أمد بعيد، و لم يجب عنها من قبل تقية، أظهرها لشخص لتكون بيده سلاحا [ صفحه 165] وقت الحاجة، و لكن مع ذلك أمره بكتمانها حالا، لأنه لم يحن وقت اظهارها غلانية للجميع. و كذا قوله لهشام «كف هذه الأيام فان الأمر شديد». ثم انه (ع) كان يأمر أصحابه بشدة التحفظ و عدم اظهار أمرهم، فقد حلف (ع) أن لا يكلم محمد بن عبدالله الأرقط أبدا، فقال المفضل بن قيس: فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر و الصلة و يحلف أن لا يكلم ابن عمه أبدا، فقال (ع) - علم بما في نفسه - هذا من بري به، هو لا يصبر أن يذكرني و يعينني، فاذا علم الناس ألا أكلمه لم يقبلوا منه و أمسك عن ذكري فكان خيرا له [293] بل ان أصحابه (ع) كانوا يلتقون به سرا اذا أرادوا حكما شرعيا. فعن خلف بن حماد: قال: بعثت الي أبي‌الحسن (ع) موسي بن جعفر (ع) فقلت: جعلت فداك ان لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا، فان رأيت أن تأذن لي فآتيك فأسألك عنها. فبعث الي: اذا هدأت الرجل، و انقطع الطريق، فأقبل ان شاء الله. قال خلف: فرعيت الليل حتي اذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمني توجهت الي مضربه، فلما كنت قريبا اذا أنا بأسود قاعد علي الطريق، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من الحاج فقال: ما اسمك؟ قلت: خلف بن حماد فقال: ادخل بغير اذن، فقد أمرني أن أقعد ههنا، فاذا أتيت أذنت لك، فدخلت فسلمت فرد علي السلام و هو جالس علي فراشه وحده، ما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله. ثم سأله مسألة عن الحيض فأجابه (ع). قال: ثم التفت (ع) يمينا و شمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال؛ ثم نهد الي فقال: يا خلف سر الله فلا تذيعوه، و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال» [294] . فالسياسة الجائرة كانت تراقب الوافدين الي خيمة الامام (ع) فتحصي عليهم أنفاسهم، حتي ان الامام (ع) خشي أن يكون أحد أزلام الحكم متواريا معه في فسطاطه، فلذا من شدة الخوف أمره الامام (ع) بالمسير اليه [ صفحه 166] ليلا، و مع ذلك أجلس (ع) غلاما علي الطريق ليدله مسرعا خوفا من تربص المتربصين، و لم يجد معه أحدا أبدا، فأين أصحاب الامام و موالوه و محبوه اذن، و هو مع تلك الحشود الغاصة من كل فج عميق في مني؟ فالدعوة سرية من الامام، لأنه علم أنه ما لا يدرك كله لا يترك كله. فمن حيل هارون بث عيونه و جواسيسه بين أصحاب الامام، مدعين الزهد و التقشف و الموالاة، و قد كان من العملاء المنافقين هشام بن ابراهيم، فلقد لعنه الامام الرضا فيما بعد و تبرأ منه، اذ أنه كان عينا للخلفاء اتصل بالامامين الكاظم و الرضا (ع) و أظهر لهما المودة، و لكنه كان عاملا للرشيد و المأمون يخبرهما عما يجري في بيت الامام [295] . فلذا لما توفي الامام الصادق و أفضت الامامة الي الكاظم، وضعت الجواسيس بالمدينة لينظر من أتفقت عليه الشيعة، لتضرب عنقه، و عرف بعض أصحاب الامام الصادق خليفته الشرعي فأقبل هشام بن سالم يسأل الامام فقال له (ع): سل تخبر و لا تذع، فان أذعت فهو الذبح. فلما سأله و اذا هو بحر لا ينزف قال: جعلت فداك شيعتك و شيعة أبيك ضلال فألقي اليهم و ادعوهم اليك؟ و قد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشدا فالق اليه، و خذ عليه الكتمان، فان أذاعوا فهو الذبح - و أشار بيده الي حلقه - [296] . و دخل الكميت بن زيد علي الامام الكاظم (ع) فقال له الامام: أنت الذي تقول: فالآن صرت الي أمية و الأمور الي مصائر؟ قال: قد قلت ذلك، فوالله ما رجعت عن ايماني، و اني لكم لموال و لعدوكم لقال، و لكني قلته علي التقية. قال (ع): «أما لئن قلت ذلك ان التقية تجوز في شرب الخمر» [297] . فأقره الامام علي فعله، بل وضحها له، يعمل بها متي داهمته الأمور. [ صفحه 167] فالتقية لم تقتصر علي الفقه فحسب، بل كانت فقهية، سياسية، عقائدية، تشمل جميع جوانب الحياة، ما دام يمكن من خلالها الوصول الي الهدف المنشود. و مع ذلك فقد اشتهر المذهب الشيعي بالتقية، حتي قال الرشيد يوما للامام (ع) «لك الأمان ان صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشر بني‌فاطمة» [298] و قد سأل أبوحنيفة يوما الامام الكاظم (ع) قائلا: أخبرني أي شي‌ء كان أحب الي أبيك العود [299] أم الطنبور [300] ؟ قال: لابل العود، فسئل عن ذلك فقال: يحب عود البخور و يبغض الطنبور. «و مع أن الآلات الموسيقية محرمة حتي عند السنة اجمالا، و قد أذن صلي الله عليه و آله و سلم بسماع الدف، بل كان صلي الله عليه و آله و سلم اذا سمع الغناء وضع يديه في أذنيه» [301] . و مع ذلك فان الجواري المغنيات لما اشتهرن و انتشر اللهو و الغناء و الموسيقي فكأن مسألة الحلية صارت من المسلمات حتي سأل أبوحنيفة الكاظم (ع) أي شي‌ء كان أحب الي أبيك...؟ فقال (ع) العود، و ذلك لما ورد في الحديث «عليكم بالعود الهندي» [302] (أي عود البخور). أما شأنه (ع) مع علي بن يقطين بالتقية و محافظته عليه فكثيرة منها. روي أن علي بن يقطين كتب الي موسي بن جعفر (ع) اختلف في المسح علي الرجلين، فان رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت. فكتب أبوالحسن: الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا، و تستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا، و تخلل شعر لحيتك ثلاثا، و تغسل يديك ثلاثا، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما و تغسل رجليك ثلاثا، و لا تخالف ذلك الي غيره. فامتثل أمره و عمل به. [ صفحه 168] فقال الرشيد: أحب أن أستبري‌ء أمر علي بن يقطين فانهم يقولون انه رافضي، و الرافضة يخففون في الوضوء، فناطه بشي‌ء من الشغل في الدار، حتي دخل وقت الصلاة، و وقف الرشيد وراء حائط الحجرة، بحيث يري علي بن يقطين و لا يراه هو، و قد بعث اليه بالماء للوضوء فتوضأ كما أمره موسي (ع). فقام الرشيد و قال: كذب من زعم أنك رافضي. فورد علي علي بن يقطين كتاب موسي بن جعفر: توضأ من الآن كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة، و الأخري اسباغا، و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح مقدم رأسك، و ظاهر قدميك، من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما يخاف عليك. فعلي بن يقطين من رجال السلطة و وزير هارون الذين يعول عليهم عنده، و كان أبوه يقطين من أبرز الدعاة الي الدولة العباسية لأنها قامت بشعار الرضا لآل‌محمد، فكان في خدمة السفاح و المنصور و مع ذلك كان يقول بالامامة [303] ، و أما ولده علي بن يقطين فكان من التقي و الورع و حب أهل البيت علي درجة عظيمة، و لم يأذن له الامام الكاظم (ع) بترك السلطة. فلذا كان (ع) يجري له الكرامات ويهتم بشأنه، بل أخبره بوجوب الرجوع الي وضوء الشيعة لما زال الخطر، دون أن يخبره أحدكما يظهر من الرواية. و في رواية الشيخ المفيد عن ابن‌سنان: قال: حمل الرشيد في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، و كان من جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، فانفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب الي موسي بن جعفر (ع)، و أنفذ في جملتها تلك الدراعة و أضاف اليها مالا كان أعده علي رسم له، فيما يحمله اليه من خمس ماله. فلما وصل ذلك الي أبي‌الحسن (ع) قبل ذلك المال و الثياب ورد [ صفحه 169] الدرعة علي يد الرسول الي علي بن يقطين، و كتب اليه احتفظ بها و لا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن تحتاج اليها معه، فارتاب علي بن يقطين بردها عليه، و لم يدر ما سبب ذلك و احتفظ بالدراعة. فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين علي غلام كان يختص به، فصرفه عن خدمته، و كان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين الي أبي‌الحسن موسي (ع) و يقف علي ما يحمله اليه في كل وقت من مال و ثياب و الطاف و غير ذلك. فسعي به الي الرشيد فقال: انه يقول بامامة موسي بن جعفر و يحمل اليه خمس ماله في كل سنة، و قد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أميرالمؤمنين في وقت كذا و كذا. فاستشاط الرشيد لذلك و غضب غضبا شديدا، و قال: لأكشفن عن هذا الحال، فان كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه، و أنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال:هي يا أميرالمؤمنين عندي في سفط مختوم، و فيه طيب قد احتفظت بها. فكلما أصبحت فتحت السفط، و نظرت اليها تبركا بها، و قبلتها و ورددتها الي موضعها، و كلما أمسيت صنعت مثل ذلك، فقال: احضرها الساعة. قال نعم يا أميرالمؤمنين، فاستدعي بعض خدمه فقال له: امض الي البيت الفلاني من داري، فخذ مفتاحه من خازني و افتحه ثم افتح الصندوق الفلاني، فجئني بالسفط الذي فيه بختمه، فلم يلبث الغلام ان جاء بالسفط مختوما. فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه و فتحه، فلما فتح نظر الي الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب. فسكن الرشيد من غضبه، ثم قال لعلي بن يقطين: أرددها الي مكانها و انصرف راشدا، فلن أصدق عليك بعدها ساعيا، و أمر أن يتبع بجايزة سنية، و تقدم بضرب الساعي به ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط [ صفحه 170] فمات في ذلك [304] . و هكذا كان الامام (ع) يدفع عنه كيد عدوه بكراماته التي تثبت عزيمة علي بن يقطين و تجعله لا يأبه بمصيره حتي و ان كان القتل، بل كان مصيره هو السجن أربع سنوات في سجن هارون و مات فيه، قبل الامام الكاظم بسنة. و كان علي بن يقطين ربما حمل الي الامام (ع) مائة ألف الي ثلاثمائة ألف درهم. و بعثها سرا الي الامام (ع). بل ان الامام (ع) كان يبعث الي أصحابه بالكلف عن الكلام و عدم اظهار أمرهم لئلا يؤخذوا. قال هشام بن الحكم ليونس: ان أباالحسن (ع) بعث اليه - لهشام - فقال له: كف هذه الأيام عن الكلام، فان الأمر شديد، قال هشام: فكففت عن الكلام حتي مات المهدي و سكن الأمر [305] . قال السيد الخوئي فان هشاما امتثل لأمر الامام (ع)، و أما بعض الروايات التي تقول انه لم يمتثل فانها ضعيفة، نعم هناك رواية صحيحة في ذلك و لكن لابد من رد علمها الي أهلها. و هذه تدل علي أن علم الكلام الذي يشترك فيه المسلمون قاطبة، بل هو من أصل العقيدة الاسلامية، أمر الامام بالسكوت فيه، فكيف حال العلوم الأخري اذن؟ أو حال موالو أهل البيت؟ ان الحكومة كانت تواجه الطليعة المثقفة، و تحاول تشتيتها أيضا، و انضمامها لها بحجة التوعية الفكرية و نشر العلم، و قد كانت تنطوي الحيلة علي بعضهم، فقد قرب يحيي البرمكي هشاما و أعد له مجلسا يتناظر فيه العلماء، ليوقعه في الفخ صيدا لا مثيل له، و جعل يحيي يدعو المتكلمين من جميع الفرق للمشاركة في كل يوم أحد، فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيي بن خالد: يا عباسي! ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ما شي‌ء مما رفعني به أميرالمؤمنين، [ صفحه 171] و بلغ من الكرامة و الرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس، فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتج بعضهم علي بعض، و يعرف المحق منهم، و يتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم. قال الرشيد: فأنا أحب أن أحضر هذا المجلس، و أسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري، فيحتشمون و لا يظهرون مذاهبهم. قال: ذلك اي أميرالمؤمنين متي شاء. قال: فضع يدك علي رأسي، و لا تعلمهم بحضوري. ففعل. و بلغ الخبر المعتزلة، فتأثروا فيما بينهم، و عزموا ألا يكلموا هشاما الا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد، و انكاره علي من قال بالامامة. فدار الحديث حول الامامة و سمع الرشيد الكلام من وراء الستر، و كان معه جعفر بن يحيي البرمكي، فلما وصف الامام الكاظم بأنه صاحب العصر و هو أميرالمؤمنين، قال لجعفر من يعني؟ قال: موسي بن جعفر. فعض هارون علي شفته و قال: مثل هذا حي و يبقي لي ملكي ساعة واحدة؟ فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف. و أحس هشام بالأمر، فتواري، فبعث الرشيد الي أخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به. ثم اعتل هشام و مات، فلما علم هارون بذلك خلي عمن كان أخذ به [306] . و في رواية صحيحة عن الامام الرضا (ع) أما كان لكم في أبي‌الحسن (ع) عظة ما تري حال هشام بن الحكم فهو الذي صنع بأبي‌الحسن (ع) ما صنع و قال لهم و أخبرهم أتري الله يغفر له ما ركب منا [307] و قد ذكر السيد الخوئي أن هذه الرواية يرد علمها الي أهلها، لأن هشاما ممدوحا في الروايات، و لكن نقول قد تكون حسن نية هشام و عدم قدرته علي الكتمان و التقية هي التي أوردته المهالك، و قد كان الامام (ع) قد نبهه أن الأمر شديد، و في بعضها أن الامام الكاظم أرسل الي هشام مرة، يقول: كيف تشرك في دمي، فان سكت، و الا... فهو الذبح [308] . [ صفحه 172] و قد حاولت السلطة بما أوتيت من حول و قوة أن تسعي جاهدة لتفرقة أصحاب الامام (ع) و جعلهم فرقا فرقا، جريا منهم علي قاعدة فرق تسد، فقد كتب ابن‌المفضل للمهدي صنوف الفرق صنفا صنفا، ثم قرأ الكتاب علي الناس. و قد قرأ علي باب الذهب بالمدينة، و مرة أخري بمدينة الوضاح، و قال في كتابه و فرقة يقال لهم الزرارية، و فرقة يقال لهم العمارية، أصحاب عمار الساباطي، و فرقة يقال لهم اليعفورية، و منهم فرقة أصحاب سليمان الأفطع و فرقة يقال لهم الجواليقية [309] . و هذا كله افتراء علي أصحاب الامام (ع) أولا للانفكاك نوعا عن الامام (ع) اذ أن ذلك يبعث الغرور في النفوس اذا ادعي أنهم أصحاب مذاهب. ثانيا سيوجدوا بذلك البغضاء و الشحناء في نفوس الأصحاب. ثالثا تفكيك الأمة و تحيرها بحيث يبعث التشكيك في النفوس بصحة المذاهب. ثم ان قراءة ذلك الكتاب علي باب المدينة أي في مجمع من الناس، و في مدينة الوضاح [310] ، يعني نشر هذا الكتاب علي أكبر عدد ممكن من الناس، لنشر الفتن، مع النظر الي كون المدينة المنورة، هي معقل أهل البيت (ع) و الأصحاب فلابد من البدء فيها أولا، ثم الانتشار الي المدن الأخري. و قد كانت الحكومة جل نظرها الي العصابة المؤمنة الملتفة حول أهل البيت و الواعية و المثقفة، لأنها اذا أمسكت الرأس، فان البدن سرعان ما سينهار، و اذا قتلت الوعي و الفكر فانها ستحتل المركز الذي يركز دعائمها مدعي الدهر، فسياسة التجهيل كانت تقوم علي قدم وساق، لأنهم يعلمون بأن أي ثورة أو فرقة، تقوم دعائمها علي حركة فكرية ببث الوعي، فانها ستصمد أمام التيارات، فلذا نري أن الثورة الزيدية قامت علي أساس [ صفحه 173] العاطفة و الموالاة لأهل البيت، فتعاطف معها الكثير الكثير من المدن، و لكنها سرعان ما انهارت لأنها لم تقم علي حركة فكرية و وعي جماهيري. التقية في رسالة التعزية الي خيزران بموت ولدها الهادي و قيل أن خيزران زوجة الرشيد هي التي قتلت ولدها الهادي اذ كانت تستبد بالأمور دونه، و كانت الرجال تقف علي باب دارها، تسألها قضاء حوائجها، فترفع ذلك الي ولدها فيقضيها، الي أن غضب يوما، فقال لها: لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي و خاصتي لأضربن عنقه، و لأقبضن ماله، ما هذه المواكب التي تغدو و تروح الي بابك؟ أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو بيت يصونك؟ اياك! و اياك! لا تفتحي بابك لمسلم و لا ذمي. فانقطعت عن النطق بعدها، و انقطع عن بابها. ثم بعث بأرز لها و قال قد استطبتها، فكلي منها. فقيل لها: أمسكي حتي تنظري! فجاؤوا بكلب، فأطعموه، فسقط لحمه لوقته، فأرسل اليها كيف رأيت الأرز؟ قالت: طيبا. قال: ما أكلت منها و لو أكلت منها لاسترحت منك، متي أفلح خليفة له أم؟!! فعندئذ أمرت جواريها بقتله فجلسن علي وجهه بالغم فمات [311] . و مع ذلك فقد رأي (ع) أن السياسة القائمة التي كانت تستبد بها خيزران حينئذ قد تكون كفيلة لتحصين شيعة آل البيت، و بالأخص عندما تري أن الامام (ع) قد عزاها بفقيدها، و هناها بوليدها الآخر، فلعله (ع) يكسب ودها، فتؤثر بذلك علي هارون فيحسن سياسته مع آل أبي‌طالب. و قد يري بعض العلماء أن هذه التعزية لم تصدر من الامام (ع) لأنه لم يكن يراهم أهلا للسلطة، بل انهم كانوا مستبدين بحقوق الأمة، و لم يراعوا حقها فكيف تصدر التهنئة من الامام بحق ولدها؟!! و لكن الأمر بسيط عند التقية، لأن الاستبداد منهم حاصل لا محالة، فلابد من ليونة موقفه (ع) معهم، كيما يحفظ حق أمته و لو آنا، حتي [ صفحه 174] تنكشف غيمة الضلال، قبل أن تتواري شمس الحقيقة. و نذكر مقتطفا من رسالته (ع) لها: بسم الله الرحمن الرحيم للخيزران من موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، أما بعد: أصلحك الله و أمتع بك و أكرمك و حفظك و أتم النعمة و العافية في الدنيا و الآخرة لك برحمته، ثم ان الأمور أطال الله بقاك كلها بيد الله عزوجل يمضيها و يقدرها بقدرته فيها، و السلطان عليها، توكل بحفظ ماضيها، و تمام باقيها. بلغنا أطال الله بقاك ما كان من قضاء الله الغالب في وفاة أميرالمؤمنين انا لله و انا اليه راجعون، اعظاما لمصيبته و اجلالا لرزئه و فقده، ثم انا لله و انا اليه راجعون، صبرا لأمر الله عزوجل و تسليما لقضائه، ثم انا لله و انا اليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة و بلوغها من حر قلوبنا و نشوز أنفسنا. نسئل الله أن يصلي علي أميرالمؤمنين و أن يرحمه و يلحقه بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم و بصالح سلفه... و أسئل الله أن يهنيك خلافة أميرالمؤمنين، أمتع الله به و أطال بقاه و مد في عمره، و أنسي في أجله [312] . هذه الرواية و ان كانت مرسلة، و لكنها قريبة الي الاعتبار، لما ذكرنا، ثم انه (ع) أبهم في أكثر كلامه فقد تكون كلماته تورية يريد بها عليا (ع). التقية ليست قاعدة عامة. قد يخطر ببال البعيد عن القضايا الاسلامية، ان التقية شعار أهل البيت (ع) و انها تجري في كل مراحل الدعوة، و ان المذهب الشيعي هو مذهب التكتم و الانضواء علي أشخاص مخلصين أو معدودين، يحفظون السر و يكتمونه، و لا يباح اظهار المذهب الا للكتلة الخاصة. و لكن هذا علي خطي نقيض في مذهب الامامية الاثني عشرية، اذ أن كاتم العلم مما ذمه أهل البيت (ع) فقد قال الامام الصادق (ع) ان العالم [ صفحه 175] الكاتم علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحا، تلعنه كل دابة حتي دواب الأرض الصغار [313] و عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من كتم علما نافعا عنده ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار [314] . و قد قال تعالي: (و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون) [315] و في آية أخري: (لم تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون) [316] فاذن هناك فرق بين اظهار العلم و ترويجه و اظهار الحق، و بين التقية التي هي الوقاية و الحذر عند الخوف بحيث يظهر خلاف الاعتقاد و يستبطن ما لو أظهره لحصل الضرر أو خافه علي نفسه أو نفس مؤمن و ما أشبه. و ليس هذا كتما لحق بل هذا هو الحق، كيما تنجلي غيمة الغي فتظهر الحقيقة. و مع ذلك فانهم (ع) لم يكونوا يستعملون التقية في بعض القضايا الحساسة، كقضية أنهم أحق بالامامة من كل أحد، و قضية الخمس و فدك، و بنوتهم لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ما أشبه كي لا تنطمس معالم أصل الامامة، بل أصل الدين، و الا لانتفت الغاية. اضافة الي أنهم (ع) قد أعطونا قاعدة عامة، بأنه عند تعارض روايتين قد وردتا عنهم (ع) فمع عدم امكان ترجيح احداهما علي الآخري فقد قال الصادق (ع): فينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة فيؤخذ به، و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة، و وافق العامة [317] و ذلك لأن الحديث الذي يوافق العامة يكون قد خرج منهم (ع) للتقية.

تربيته لشيعته

حرص أهل البيت، علي تنمية الكتلة الصالحة، و الطليعة المؤمنة، [ صفحه 176] و تربيتها علي جميع الصعد الفكرية الثقافية، و الأخلاقية، و الاقتصادية، بل بشتي الميادين، فلذا نلاحظ الشمولية لجميع جوانب الحياة في أحاديث الامام الكاظم، اذ أنه لم يدع مجالا الا و ذكر فيه أحاديثا، سواء كانت في كيفية المعاشرة الزوجية، الأخوية، الصديقية، الوالدين... و كذا في مجال العمل، و الطب، و الاقتصاد، و السياسة و... علي جميع الصعد قاطبة، فلذا من يخوض في حياة الامام الكاظم (ع) يجد موسوعة عظيمة، في التربية الروحية و البدنية، و مدرسة متكاملة، عممت فكرها لا الي التشيع فحسب، بل لكل من يخوض مضمار الحياة باحثا عن الحقيقة التي من أجلها وجد الكائن علي هذه المعمورة. و لكنه (ع) مع ذلك ركز علي شيعته ليكونوا المنهل الذي يستقي منه، و شمعة يستضاء بها، و علما يرجع اليه، و ثريا يرقي اليها. 1 - التزين بين الأعداء التكبر علي المتكبر عبادة، و المؤمن القوي أحب الي الله من المؤمن الضعيف، فلذا قال عبدالله بن خالد الكناني «قال: استقبلني أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) و قد علقت سمكة بيدي، فقال: اقذفها اني لأكره لرجل أن يحمل الشي‌ء الدني بنفسه»، ثم قال (ع): انكم قوم أعداؤكم كثير يا معشر الشيعة، انكم قوم عاداكم الخلق فتزينوا لهم ما قدرتم عليه [318] . 2 - الدعاء لبعضهم اذا اهتم المؤمن بأخيه، فمع عدم قدرته علي قضاء حاجته له، فيدعو الله له لتفريج كربته، أو سد حاجته، فلا يكون انشغاله بنفسه فحسب، مع صرف نظره عن المؤمنين، فعن يونس بن عبدالرحمن قال: رأيت أخا عبدالله بن جندب و قد أفاض من عرفات، و كان عبدالله أحد المجتهدين، قال يونس: فقلت له: قد رأي الله اجتهادك منذ اليوم. قال لي: عبدالله: والله الذي لا اله الا هو لقد وقفت موقفي هذا، و أفضت ما سمعني الله دعوت لنفسي بحرف واحد لأني سمعت أباالحسن (ع) يقول: [ صفحه 177] الداعي لأخيه المؤمن بظهر الغيب، ينادي من أعنان السماء لك بكل واحدة مائة ألف، فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونه لواحده لا أدري أجاب اليها أم لا [319] . 3 - صلة الأرحام سعي أهل البيت لتوحيد الأمة، و عدم ايقاع الفتنة بين المسلمين قاطبة، فلذا غضوا عن حقوقهم، بل في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الخلق عيال الله فأحب الخلق الي الله من نفع عيال الله و أدخل علي أهل بيت سرورا [320] ، فانها عامة و ليست مقيدة بمسلم أو غيره. فكيف بالأرحام الذين قال تعالي عنهم (و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل) [321] . فلذا كان الامام (ع) يؤكد علي هذه النقطة بالخصوص. أتي يعقوب بن يزيد الي الامام (ع) فبادره الامام قائلا: يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك خصومة في موضع كذا حتي تشاتمتما، و ليس هذا من ديني و دين آبائي فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا، فاتق الله فانكما ستفترقان عن قريب بموت، فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل الي أهله و تندم علي ما كان منك اليه، فانكما تقاطعتما و تدابرتما، فقطع عليكما أعماركما. فقال الرجل: يابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأنا متي يكون أجلي؟ قال (ع) قد كان حضر أجلك فوصلت عمتك في منزل كذا و كذا، ففسح الله تعالي في أجلك عشرين حجة [322] . 4 - طلب العلم ان من أهم ما سعي اليه أهل البيت (ع) تثقيف الأمة، لأن الجاهل [ صفحه 178] يؤخذ بجهله، و يكون «تبع لكل ناعق، يميل مع كل ريح، لم يستضي‌ء بنور العلم، و لم يلجأ الي ركن وثيق». كما عبر بذلك أميرالمؤمنين علي (ع). فلذا كانت حملة أهل البيت (ع) حملة تثقيفية، و جهاد العلم لا جهاد السيف، و تربية النفوس، لا قتلها، و احيائها لا موتها. ان الفرقة الزيدية، لم تتمكن من الصمود لأنها لم تلق فكرا، ان الثورات التي توالت، لم ترسخ في القلوب، بل سرعان ما باتت في الغيوب، و هكذا الكثير من الفرق التي انقرضت، كالزيدية و الحسنية؛ حتي أن المعتزلة كانت فرقة قوية في منطقها، و كانت تملك هي مقاليد السلطة علي مستوي الخلافة الاسلامية كلها، و لكنها حين رأت السلطة، أنها في غني عنها و ناصرت خصومها فانها أصبحت في خبر كان [323] . و كان يؤكد (ع) علي طلب العلم من الثلة المؤمنة، لتشعب الفرق في زمنه، فقال (ع) أوحي الله تعالي الي داود (ع): قل لعبادي: «لا تجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا، فيصدهم عن ذكري، و عن طريق محبتي و مناجاتي، أولئك قطاع الطريق من عبادي، ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي [عبادتي] و مناجاتي من قلوبهم». و قال: «لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العالم بالعقل» [324] . فلذا من تركيزهم (ع) علي هذا الجانب، أصبحت الطليعة المثقفة و الواعية في المجتمع في أيام الصادقين و الكاظم (ع) هم الفئة الموالية لأهل البيت (ع) حتي لم تكن تقع عيني هارون حتي في حاشيته و أعوانه و من أقرب المقربين اليه في الأغلب الا علي من ينتحل التشيع أو يتهم في ذلك. و لعل التركيز علي هذا الجانب، لتشعب المذاهب آنذاك، اذ كانت تمر أزمة الفرق، بل انشاء الفرق أيضا لتشعبها، بحالة يصعب - الا علي المتتبع الواعي الحذر - اختيار المذهب الحق، فكانت حتي السلطة تمر بحالة تحول و انتقاء للمذهب الذي ترسخ عليه. [ صفحه 179] و هذه الحالة التغييرية انشبت لأصحاب المذاهب، تزلفا الي السلطة، و انغمارا تحت لوائها، ليكون مذهبها هو المختار من بين الفرق و المذاهب المتعددة. فلذا كان يحيي البرمكي يجمع رؤساء المذاهب عنده كل يوم أحد للمناقشة حول صحة المذاهب، و كان هشام بن الحكم أحدهم، فلما استمع اليه هارون سرا قال «للسان هذا أشد علي من ألف سيف». فكانت صحبته أشد بيانا، و لم يكن مذهب من المذاهب ليلاحق سوي مذهب أهل البيت (ع)، لأنه يري وجوب القيام في وجه الباطل. و مما يلفت النظر في أحاديث الامام الكاظم (ع) أنه كان يؤكد علي العلم المفيد الذي ينعش الدين و الدنيا، و لعل ذلك لانغمار هارون أو تجهيل العامة، بتعلم ما لا يضر و لا ينفع، لانصرافها عن الينبوع الأصلي و العلم الذي ينبغي أن يعلموه. فلذا كان يتعلم الغناء في زمنه ليتقرب بذلك اليه، و من يحسن أكثر يهبه أكثر [325] و كذا كان لعب الشطرنج علي قدم و ساق في زمنه، علي مرآي منه و مسمع [326] . و كان يعشق القصص، سواء منها المفيد أو غيره، ليقضي ساعاته بالأحلام، بل قد يهب لأحدهم أربعة آلاف دينار علي قصصه [327] . بل كان عنده ابن أبي‌مريم المديني، و كان مضحاكا فكها، يعرف أخبار أهل الحجاز، و ألقاب الأشراف، و مكايد المجان، فكان الرشيد لا يصبر عنه، و أسكنه في قصره [328] . فلذا قام الامام الكاظم بحملة ضد العلوم التي تضيع عمر الانسان هدرا، فقال (ع): «دخل رسول الله المسجد فاذا جماعة قد أطافوا برجل» فقال: ما هذا! فقيل علامة، قال: و ما العلامة؟ قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها، و أيام الجاهلية و بالأشعار و العربية، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذاك [ صفحه 180] علم، لا يضر من جهله، و لا ينفع من علمه، ثم قال صلي الله عليه و آله و سلم انما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل [329] ، و غير ذلك من الروايات [330] . و ينظر (ع) الي رجل فيعجبه لايمانه و تقواه و معشره و... فيقربه و يدنيه و يرشده الي طلب المعرفة. روي الكليني عن محمد بن فلان الواقفي، قال: كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبدالله كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه، و كان يتقيه السلطان لجده في الدين و اجتهاده، و ربما استقبل السلطان بكلام صعب يعظه و يأمره بالمعروف، و ينهاه عن المنكر، و كان السلطان يحتمله لصلاحه، و لم تزل هذه حالته، حتي كان يوم من الأيام اذ دخل عليه أبوالحسن موسي (ع) و هو في المسجد فرآه فأومأ اليه فأتاه. فقال له: «يا أباعلي، ما أحب الي ما أنت فيه و أسرني الا أنه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة، قال: جعلت فداك و ما المعرفة؟ قال اذهب فتفقه و اطلب الحديث، قال: عمن؟ قال: عن فقهاء أهل المدينة ثم اعرض علي الحديث، قال: فذهب فكتب ثم جاءه فقرأه أهل المدينة، ثم اعرض علي الحديث، قال: فذهب فكتب ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كله، ثم قال له: اذهب فاعرف المعرفة، و كان الرجل معنيا بدينه، فلم يزل يترصد أباالحسن (ع) حتي خرج الي ضيعة له، فلقيه في الطريق. فقال له: جعلت فداك اني أحتج عليك بين يدي الله فدلني علي المعرفة، قال: فأخبره بأميرالمؤمنين (ع) و ما كان بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أخبره بأمر الرجلين فقبل منه، ثم قال له: فمن كان بعد أميرالمؤمنين (ع)؟ قال: الحسن (ع) ثم الحسين (ع) حتي انتهي الي نفسه ثم سكت، ثم قال: فقال له: جعلت فداك فمن هو اليوم؟ قال ان أخبرتك تقبل؟ قال: بلي جعلت فداك؟ قال: أنا هو، قال: فشي‌ء أستدل به؟ قال: اذهب الي تلك الشجرة - و أشار بيده الي أم‌غيلان - فقل لها: يقول لك موسي بن جعفر: أقبلي، [ صفحه 181] قال: فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتي وقفت بين يديه، ثم أشار اليها فرجعت قال: فأقر به ثم لزم الصمت و العبادة، فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك [331] . فالسلطة لم تكن لتعترض من لا معرفة له بدينه، بل كانت تحبذ العبادة و التنسك، فحسب، اذ أنها ستبقي بمأمن و مأوي، ما دام العباد لا معرفة لهم بسياسة و طلب للسلطان، فيا حبذا لو تنطوي جميع الأمة تحت شعار الزهد، و تصف جميعها في تلك الصفوف، اذ عندئذ يصفو الجو للحكام، و يهدأ روعهم و خوفهم من المداهمات التي تحيط بهم بين الآونة و الأخري. لكن الأئمة (ع) عارضوا ذاك الخط المشوه للاسلام، و المنحرف عن هدف الدين المحمدي الأصيل، و أشادوا بالمعرفة الممزوجة بالعبادة و الا لرجعت النصاري تشد حزامها، و لعادت الرهبانية تسيطر علي الموقف. و أما المعرفة التي دله عليها الامام (ع) فهو الفقه و الحديث، اذ أن اهتمام الصادقين و الكاظم (ع)، و تركيزهم كان علي تركيز الفقه و الحديث في أذهان الرعية، مما لحقه من انحرافات و تحريفات و خاصة في أيام الخلفاء الأوائل. بخلاف علي (ع) في حكمه اذ كان يركز علي السياسة، و الحسين علي الثورة، و زين‌العابدين علي الدعاء الهادف و... هكذا كان لكل من الأئمة دوره في التوعية بأساليب مختلفة. و أما تركيزه علي فقهاء المدينة، فانهم أقرب للأئمة (ع) و من مصدر التشريع. و لابد من كون المعرفة عن طريقهم (ع). و بعد ذلك رجع الرجل الي عبادته كما كان مع معرفته، مع أن الأئمة (ع) لم يكن ذلك هدفهم فحسب. اضافة الي أنهم (ع) لم يكونوا ليلجأوا الي المعجزة الا لضرورة. [ صفحه 182] 5 - التودد للمؤمنين و من أهم الأمور التي أولاها الاسلام أهمية، - حتي أن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من أوائل ركائزه في المدينة، آخي بين المسلمين - جعل المؤمنين كجسد واحد، و روح واحدة، تصب في خانة عنوانها الايمان. ابراهيم الجمال كان من الموحدين العارفين، فاستأذن علي علي بن يقطين الوزير، و كان ممن يوالي أهل البيت (ع) فحجبه فحج في تلك السنة علي بن يقطين، فاستأذن بالمدينة علي أبي‌ابراهيم موسي بن جعفر (ع) فحجبه، فجاءه ثاني يوم فقال: يا مولاي ما ذنبي؟ فقال (ع): حجبتك لأنك حجبت أخاك ابراهيم الجمال. فقال: يا مولاي من لي بابراهيم الجمال في هذا الوقت؟ فقال (ع): اذا كان ليلا فامض الي البقيع وحدك من غير أن يراك أحد أصحابك، فاركب نجيبا هناك مسرعا، توافي البقيع. فركب النجيب و لم يلبث حتي أناخ علي باب ابراهيم يقرع الباب و قال: أنا علي بن يقطين فقال: من داخل الدار، و ما يعلم علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين: يا هذا ان أمري عظيم، و أبي أن يفتح عليه الباب، ثم أذن له، فلما دخل عليه، قال: ان المولي (ع) أبي أن يقبلني دون أن تغفر لي يا ابراهيم. فقال ابراهيم: يغفر الله لك علي بن يقطين علي ابراهيم الجمال، و يقول: اللهم أشهد. ثم انصرف و ركب النجيب و أفاضه من ليلته بباب المولي، فأذن له، فدخل عليه فقبله [332] . و لعل الامام (ع) أمر علي بن يقطين، الذهاب بمفرده، خوف العيون التي تحيطه فتعلم بموالاته للامام، اضافة الي تذلل ابن‌يقطين لابراهيم ليفتح له. فلو كان أمام أصحابه لتعسر عليه ذلك، خوف اهراق ماء وجهه، [ صفحه 183] و كذا علم الغيب الذي يمتلكه الامام، و يشد به أواصر عقائد أصحابه، أجراه (ع) لأهمية المؤازرة بينهم، التي لا يمكن وصلها الا بالاستعانة بالكرامات الالهية أحيانا. و كان يوصي أصحابه بالتودد في الله، فعن عبدالمؤمن الأنصاري قال دخلت علي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام و عنده محمد بن عبدالله بن محمد الجعفي، فتبسمت اليه، فقال: أتحبه؟ قلت: نعم، و ما أحببته الا فيكم، فقال: هو أخوك، المؤمن أخو المؤمن لأمه و أبيه، فملعون من غش أخاه، و ملعون من لم ينصح أخاه، و ملعون من حجب أخاه، و ملعون من اغتاب أخاه» [333] . و قال (ع) لجعفر بن محمد العاصمي «... يا عاصم كيف أنتم في التواصل و التواسي؟ قلت: علي أفضل ما كان عليه أحد، قال: أيأتي أحدكم الي دكان أخيه أو منزله عند الضائقة، فيستخرج كيسه و يأخذ ما يحتاج اليه فلا ينكر عليه؟ قال: لا، قال: فلستم علي ما أحب في التواصل» [334] . و يمكن توهم أن هذا يعد اختلاسا أو سرقة أو غصبا، و لكن بعد الأخذ برؤية صديقه، مع ذكر حاجته و ضيقه، و وفرة وسعة أموال صديقه فانه لابد اذا كان مؤمنا أن يؤثره علي نفسه أيضا، لا الاذن له فحسب. [ صفحه 187]

الوسائل التربوية

رسائله

مما اشتهر به الامام الكاظم (ع) من بين الأئمة (ع) كثرة رسائله المتعددة الجوانب [335] . 1 - رسالته في التوحيد و رسالته في التوحيد مشهورة، اذ لا يستغني عنها في علم الكلام، و هي قاعدة يدور حول محورها، كل من خاض فيه. فعن فتح بن عبدالله مولي بني‌هاشم قال: «كتبت الي أبي‌ابراهيم (ع) أسأله عن شي‌ء من التوحيد، فكتب الي بخطه: الحمد لله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال علي وجوده بخلقه، و بحدوث خلقه علي أزله،، و باشتباههم علي أن لا شبه لا، المستشهد بآياته علي قدرته، الممتنعة من الصفات ذاته، و من الأبصار رؤيته، و من الأوهام الاحاطة به، لا أمد لكونه، و لا غاية لبقائه، لا تشمله المشاعر، و لا تحجبه الحجب، و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه اياهم، لامتناعه مما يمكن في ذواتهم، و لا مكان مما يمتنع منه، و لافتراق الصانع من المصنوع، و الحاد من المحدود، و الرب من المربوب، الواحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعني حركة، و البصير لا بأداة، و السميع لا بتفريق آلة، و الشاهد لا بمماسة، و الباطن لا باجتنان، و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة، أزله نهيه لمجاول الأفكار، و دوامه ردع لطامحات العقول، قد [ صفحه 188] حسر كنهه نوافذ الأبصار، و قمع وجوده جوائل الأوهام. أول الديانة به معرفته، و كمال معرفته توحيده، و كمال توحيده نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، و شهادة الموصوف أنه غير الصفة، و شهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل، فمن وصف الله فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد أبطل أزله، و من قال كيف؟ فقد استوصفه و من قال: فيم؟ فقد ضمنه، و من قال كيف؟ فقد استوصفه و من قال: فيم؟ فقد ضمنه، و من قال علي (م)؟ فقد جهله، و من قال: أين؟ فقد أخلي منه، و من قال ما هو؟ فقد نعته و من قال: الي (م)؟ فقد غاياه، عالم اذ لا معلوم، و خالق اذ لا مخلوق، و رب اذ لا مربوب، و كذلك يوصف ربنا و فوق ما يصفه الواصفون [336] . 2 - رسالته في التقية و هي رسالة قوية المضمون، تبين كثيرا من الأحكام التي ينبغي للشيعي السير عليها، مع غصب الخلافة من أميرالمؤمنين (ع) و ما حال المتخلف حتي يومنا هذا، و حكم المستضعف منهم [337] . 3 - رسالته الي زبيدة بموت ولدها (الهادي) [338] . 4 - رسالته الي هارون في السجن. الي غير ذلك من الرسائل الكثيرة التي ذكرت ضمن البحوث السالفة.

وصاياه

وصيته لهشام بن الحكم و صفته للعقل. و هي وصية طويلة جدا (مؤلفة من أربعة عشر صفحة) و هي عالم [ صفحه 189] بكامله في علم الأخلاق، اذ لو لم يرد عن آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سوي هذه الوصية لكفت لسالك طريق الله. و لو استنار بهداها شيعة آل البيت، لكانوا قادة الأمم، خلقا و خلقا، و علما و... و لكنهم رضوا بالقشور دون اللباب. و لنذكر مقتطفات منها: يا هشام: لو كان في يدك جوزة و قال الناس [في يدك] لؤلؤة ما كان ينفعك و أنت تعلم أنها جوزة، و لو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس: انها جوزة ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة. يا هشام: ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع الا رفعه الله، و لا يتعاظم الا وضعه الله. يا هشام: الصبر علي الواحدة علامة قوة العقل. يا هشام: ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرضي بالدون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم. يا هشام: ان كل الناس يبصر النجوم، و لكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها، و كذلك أنتم تدرسون الحكمة، و لكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها. يا هشام: رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس و ما حوي، و البطن و ما وعي، و ذكر الموت و البلي، و علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، و النار محفوفة بالشهوات. يا هشام: من كف نفسه عن أعراض الناس، أقاله الله عثرته يوم القيامة، و من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة. يا هشام: أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به، الصلاة و بر الوالدين، و ترك الحسد و العجب و الفخر. يا هشام: من صدق لسانه زكي عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه، و من حسن بره باخوانه و أهله مد في عمره. [ صفحه 190] يا هشام: مثل الدنيا مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله. يا هشام: اياك و الكبر، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه. يا هشام: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه. يا هشام: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة، و مشاورة العاقل الناصح، يمن و بركة و رشد و توفيق من الله، فان أشار عليك العاقل الناصح، فاياك و الخلاف فان في ذلك العطب.

الحكم و الكلم القصار

كلمات أهل البيت (ع) كلها حكم و مواعظ، كيف لا، و قد قال تعالي واصفا رسوله صلي الله عليه و آله و سلم: (لا ينطق عن الهوي) [339] و كلهم (ع) نور واحد. اضافة الي من يعلم حق اليقين أن لدين مراقب علي حركاته و سكناته «و ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد» فلن يتفوه بكلمة لا رشد فيها لا سيما الي شيعته. فكان مما قال (ع). 1 - ينبغي لمن عقل عن الله ألا يستبطأه في رزقه، و لا يتهمه في قضائه. 2 - رحم الله امرءا هم بخير فعمله، أو هم بشر فارتدع عنه. 3 - ان لله عزوجل في كل يوم و ليلة مناديا ينادي: مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلو لا بهائم رتع، و صبية رضع، و شيوخ ركع، لصب عليكم العذاب صبا، ترضون به رضا. 4 - لا تستكثروا كثير الخير، و لا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حين يكون كثيرا، و خافوا الله في السر و العلانية، حتي تعطوا [ صفحه 191] من أنفسكم النصف، و سارعوا الي طاعة الله، و أصدقوا الحديث و أدوا الأمانة، فان ذلك لكم، و لا تظلموا و لا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فانما ذلك عليكم. 5 - ما من أحد يبليه الله عزوجل ببلية فصبر عليها الا كان له أجر ألف شهيد. 6 - المعروف غل لا يفكه الا مكافأة أو شكر. 7 - ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن، و ليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل، فيهم [من] خلق [ا] لله أورع منه. 8 - ان عيال الرجل أسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع علي أسرائه، فان لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة. 9 - الرفق نصف العيش. 10 - ليس حسن الجوار كف الأذي، و لكن حسن الجوار صبرك علي الأذي. 11 - لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك، أبق منها فان ذهابها ذهاب الحياء. 12 - التودد الي الناس نصف العقل. 13 - ينبغي للرجل أن يحفظ أصحاب أبيه، فان بره بهم بره بوالديه.

الدعاء

و من أعظم الوسائل التربوية العملية، التي صاغها الأئمة (ع) في قالب جوهري، بعيدا عن أيدي المحتكرين، و اللصوص و الجواسيس الذين يعددون أنفاس الأئمة (ع) و خطاهم، ليرفعوها مزخرفة الي الحكام، لعلهم بذلك يلمسون عزا من السلاطين و جاها و فخرا يؤهلهم ذنبا لهم. السلطة يحلو لها اجتماع الناس للأدعية، غافلة عما تتضمن من مفاهيم سياسية عقائدية اجتماعية اقتصادية و... فلذا لم يكن هناك أي مانع لتدوين دعاء، أو سماعه من الامام (ع)، انه مجرد علاقة مع الله [ صفحه 192] فحسب، و هذا ما يريده الحكام من التوقع في زوايا البيوت، عبادة بعيدة عن السياسة و الأمور الحياتية الاجتماعية. فلذا سلك الامام هذا الصراط، و نحي هذا المنحي العجيب، فكان الدعاء، سلكا كهربائيا، و مضيض نور، يسير علي خطاه تلامذة الامام و أصحابه، بعيدا عن أي شك أو ريب أو ملاحقة تجاههم من الدولة. و هكذا كان الدعاء شعارا لأهل البيت (ع) و أسلوبا تربويا، يبينون كل ما بوسعهم من تعاليم بناءة تحفظ الشيعة و التشيع من خلاله. و هكذا عرفت الشيعة من بين المذاهب ككل بكثرة أدعيتها المستمرة و الدؤوبة، في كل حركة من الحركات، حتي عند الأكل و الشرب، و اللبس، و النوم، و القراءة، بل حتي عند التجمل كتسريح الشعر و... بل حتي عند التخلي، بل حتي عند أي تغيير و لو بسيط في الحياة كسماع صياح الديك، و هبوب الرياح، و نزول المطر، و عند الزرع و... مما لا مجال لذكره. و هكذا العلاقة الدائمة المستمرة مع الله تعالي تعطي للمؤمن زخما معنويا، بأن لا قدرة في الكون الا لله تعالي، فلما الخوف و الوجل اذن!!! لما الخنوع للظلم و الظالمين!! ما قيمة الدنيا المزيفة أمام بيع الأنفس لله...؟! و من أدعيته (ع): 1 - شكي له رجل بأنه لا يتوجه في حاجة فتقضي له، فقال له أبوالحسن (ع) قل في آخر دعائك من صلاة الفجر «سبحان الله العظيم و بحمده، أستغفر الله و أتوب اليه، و أسأله من فضله» عشر مرات. فما لبث الا قليلا ملازما علي هذا الدعاء، حتي ورد عليه قوم من البادية، فأخبروه أن رجلا مات من قومه، و لم يعرف له وارث غيره، فقبض ميراثه و استغني [340] . 2 - دعاء الجوشن الصغير - و هو الدعاء الذي دعاه علي موسي بن المهدي (الهادي). [ صفحه 193] و مما يلاحظ أن للامام الكاظم (ع) احراز كثيرة غير الأدعية كان يحتجب بها، عندما يهم هارون بقتله [341] .

اكرامه للشعراء

و من وسائلهم (ع) اكرامهم للشعراء و الاغداق عليهم من الأموال، لأن الشعر أيام العرب، كان من أعظم وسائل الاعلان و ابداء الرأي، و المدح و الذم، فلذا كانت الشعراء تقف علي أبواب السلاطين، و قد يبيع الكثير دينهم، فالامام (ع) ضم الكثير اليه و اكتنفهم، حتي قد يجمع لشاعر قال في الحسين (ع) مالا من النساء أيضا و هذا من الأساليب العملية في مجال الدعوة.

كرامة و أخباره بالغيب

قد يعترض البعض قائلا انه لا يناسب الزمن الحالي، اذا توغلنا و استطلنا في بيان كرامات الأئمة (ع) و اخباراتهم بالغيب، لأن ذلك شأنهم (ع) أما في زمننا الحاضر فمن المستحيل أو العسير، حصول تلك الكرامات الا للأوحدي من الناس، و قد لا يصدق بها الكثير، لأنها لا تخضع للحس و التجربة و البراهين العقلية و... فلذا يكون الاعراض عنها خير من الاقتحام فيها. و لكن بعد الرجوع الي القرآن الكريم نراه زاخرا بكرامات للأنبياء و اخباراتهم بالغيب - حتي لمن شك في كونه ولي أو نبي كالخضر (ع) و ذي‌القرنين -. أما نبي الله عيسي (ع) فكان يقول لأصحابه «و أنبؤكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم» [342] . أما يوسف (ع) فانه لما تحدث له السجينان عن رؤيا كل منهما، و كان الثاني كاذبا في دعواه الرؤيا، فانه (ع) قال له: «و أما الآخر فيصلب [ صفحه 194] فتأكل الطير من رأسه» [343] «و في هذا دلالة علي أنه كان يقول ذلك علي جهة الاخبار بالغيب بما يوحي اليه» [344] . أما الخضر (ع) فخبره مع نبي الله موسي (ع) مما لا يخفي من ثقب السفينة و قتل الغلام و بناء الحائط، و لم يطلع علي الغيب من فعله موسي (ع) مع أنه كان رسولا من أولي العزم، و لكن الله تعالي من بعلم الهامي للخضر زيادة عن موسي (ع) و هكذا غيرهم من الأنبياء، أما الأئمة (ع) فانهم لم يكونوا بحاجة الي ظهور تلك الكرامات علي أيديهم، ليبينوا تفوقهم الروحي أو العلمي علي من سواهم، بل كانوا (ع) أبعد من ذلك، لأن الهدف لو كان هوذا، لنافي الاخلاص الحقيقي الواقعي الذي يهدفون اليه و يرسخونه في عقيدة أصحابهم. بل لولت تلك الكرامات بلا هوادة، بل لم يكونوا عندها أهلا لتلك الكرامات، لأن النفس التي تلوث بالرياء و حب النفس و الغرور... لا يوجد لديها قابلية لتلك الكرامة، لأنها تستدعي التقي و الارادة القوية التي تستطيع من خلالها الحصول علي تلك الكرامة. فلذا قال الامام الصادق (ع) «ما ضعف بدن عما قويت عليه النية» [345] أما أهداف الأئمة (ع) فكانت لأغراض تربوية، و لهداية الناس الي اتصال الامام بعالم الغيب، اذ أن تأثير الكرامة في نفوس بعض العوام أشد من تأثير البراهين العقلية، في تثبيت عقيدتهم، و ترسيخ ايمانهم بالله أولا، و بالامام ثانيا، فكانت للدلالة علي وصايتهم و امامتهم و ولايتهم. و مما يلاحظ أن الكرامة خرقا لنواميس الطبيعة، و السنن الكونية المألوفة، لم يكن أهل البيت (ع) يجرونها الا في حدود الضرورات فقط، في فترات خاصة و أوقات حساسة. [ صفحه 195] الفرق بين الكرامة و المعجزة لقد عرف المشهور من المتكلمين المعجزة أنها «أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة» [346] . و بهذا التعريف تخرج الكرامة عن كونها معجزة، لأن الكرامة لم تقترن بدعوي النبوة لكي يتحدي النبي بها أهل قبيلته أو مدينته أو الناس أجمع، بالاتيان بمثل هذه المعجزة. فأي نبي ادعي النبوة من الله تعالي لابد أن يأتي بما يعجز عن مجاراته البشر، و يقيم علي مدعاه برهانات لاثبات تلك الدعوة. أما الكرامة فهي كالمعجزة الا أنها لا تحتاج الي تحدي من طرفين. فالذي يجري علي يدي الأئمة (ع) انما هي كرامات في الغالب، نعم اذا تحدي الامام (ع) علي اثبات امامته و أتي بما يخرق العادة، فانها تعد معجزة أيضا. ما الفرق بين كرامات الأئمة (ع) و المتصوفة و المرتاضين قبل الاجابة علي هذا السؤال الذي يطرأ علي ألسنة الكثير من المتشوقين للمعرفة، أو المتعنتين النابذين لقدرات الأئمة المتصلة بعالم الغيب، نقول: «ان العرفان ينتهي الي أصل الدين الفطري، اذ ليس هو بنفسه أمرا مستقلا تدعو اليه الفطرة الانسانية، فالعرفان يدعو الي تهذيب النفس و تهذيب الأخلاق، و لا يدعو اليه الا أهل الدين علي طول التاريخ البشري. نعم يمكن أن يكون بعض أصحاب هذه الطرق غير الدينية، كأصحاب السحر و الشعوذة و المرتاضين، قد تنبه الي عرفان النفس، و انها - أي النفس - كما أنها قادرة علي تحريك البدن من قيام و قعود و أكل و شرب و... فانها مع الارادة و ترويض النفس الدؤوب علي أعمال معينة مع دراسة للأساليب و الطرق التي تتبع، تصبح قادرة علي التصرف خارج نطاق [ صفحه 196] البدن أيضا، من تنويم الآخرين (التنويم المغناطيسي) أو النظر بحدة الي انسان بجعله يعترف ببعض الأشياء، أو لربما أحضر روح أحد من الناس في مرآة أو ماء أو نحوه، بالتصرف في نفس صبي و هو كغيره يري أن الصبي انما يبصره، و انما بين أبصار الناظرين و بين الروح حجابا مضروبا، و لا يري تلك الروح الا الصبي فقط، الي غير ذلك من الأمور المعروفة عند المرتاضين. و هذا يرجع أساسه الي الدين و لكن اتبعت طرق غير مشروعة في ذلك [347] أما العلم بالغيب فقد أقرته جميع الأديان المساوية قاطبة - (الذين يؤمنون بالغيب) [348] (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحدا الا من ارتضي من رسول...) [349] . فمما لا شك فيه الأئمة (ع) بقوة روحهم البعيدة عن الماديات - اضافة الي علمهم الالهامي و العلم الموروث - يرون الغيب كالشهادة لأحدنا. أما الفروقات بين كرامات الأئمة و غيرهم فأهمها: أولا: ان السحر و الشعوذة و الرياضة، فانها و ان كانت خارقة للعادة، و لكنها خاضعة للتعليم و لها قواعد و أصول تبني عليها هذه المدرسة، فهي كعلم الكيمياء مثلا تغير المعدن الي ذهب، و المحلول الفلاني الي غيره باضافة مادة ما، ثم ان الرياضة تحتاج الي ممارسة فتصبح كعادة كأكل الزجاج مثلا و... أما كرامات الأئمة و الأنبياء فليست كذلك. ثانيا: ان السحر و أمثاله قابل للمعارضة، من أمثال السحرة و كذلك المرتاضين، فلذا يسهل علي مثله الاتيان بعمله لأنه من أهل الخبرة، فلذا تجري عادة ألعابهم علي عوام الناس الجاهلين بكيفية علومهم، و لا تكون الرياضة قابلة للتحدي، فهو ينفذ قدرته علي من ليس من أهل ذلك العلم. ثالثا: ان عمل أهل الرياضة و السحر، لا يخرج عما تعلموه، فهم لا [ صفحه 197] يأتون بما يريده الناس و يطلبونه منهم، بل بما تدربوا عليه فقط. رابعا: ان أصحاب الكرامات لهم أهداف عالية سامية، و هي تتمثل في الدعوة الي الله، و تخليص الناس من الرذائل و... و هذا بخلاف المرتاضين و السحرة، فغايتهم كسب الشهرة و السمعة، لا الله و لا المجتمع المثالي، لأنهم لا ينظرون لأنفسهم نظرة المترقي للقيم و الفضائل، فكيف يعلمونها غيرهم!!! [350] . مصاديق لكراماته (ع). 1 - عن الحسين ابن موسي قال: اشتكي عمي محمد بن جعفر حتي أشرف علي الموت قال: فكنا مجتمعين عنده فدخل أبوالحسن (ع) فقعد في ناحية و اسحاق عمي عند رأسه يبكي، فقعد قليلا ثم قام فتبعته فقلت: جعلت فداك يلومك أخوتك و أهل بيتك يقولون: دخلت علي عمك و هو في الموت ثم خرجت قال: أي أخي أرأيت هذا الباكي سيموت، و يبكي ذاك عليه، قال: فبرأ محمد بن جعفر و اشتكي اسحاق فمات و بكي محمد عليه [351] . 2 - عن سليمان بن عبدالله قال: كنت عند أبي‌الحسن موسي (ع) قاعدا فأتي بامرأة قد صار وجهها قفاها، فوضع يده اليمني في جبينها و يده اليسري من خلف ذلك، ثم عصر وجهها عن اليمين، ثم قال: (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم)، فرجع وجهها. فقال: احذري أن تفعلين كما فعلت، قالوا: يابن رسول الله و ما فعلت؟ فقال: ذلك مستور الا أن تتكلم به، فسألوها فقالت: كانت لي ضرة فقمت أصلي فظننت أن زوجي معها، فالتفت اليها فرأيتها قاعدة و ليس هو معها، فرجع وجهها علي ما كان [352] . 3 - عن اسحاق بن عمار قال: كنت عند أبي‌الحسن الأول (ع) [ صفحه 198] فدخل عليه رجل فقال أبوالحسن يا فلان انك تموت الي شهر فأضمرت في نفسي كأنه يعرف آجال الشيعة فقال: يا اسحاق ما تنكرون من ذلك؟ قد كان رشيد الهجري مستضعفا و كان يعرف علم المنايا فالامام أولي بذلك منه. ثم قال: يا اسحاق انك تموت الي سنتين، و تنشب أهلك و عيالك و أهل بيتك و تفلسون افلاسا شديدا، و كان كما قال، و في ذلك ثلاث آيات [353] . 4 - قال شقيق البخلي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة، فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر الي الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت الي فتي حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف فوق ثيابه ثوب صوف، مشتمل بشمله في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا، فقلت في نفسي هذا فتي من الصوفية و يريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم، والله لأمضين اليه و لأوبخنه، فدنوت منه فلما رآني مقبلا نحوه قال: «يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم» فتركني و ولي، فقلت في نفسي، ان هذا الأمر عظيم تكلم علي ما في خاطري و نطق باسمي هذا عبد صالح لألحقنه و أسأله الدعاء، و أن يحللني مما ظننته به، فغاب عني و لم أره، فلما نزلنا واقصة [354] فاذا هو واقف يصلي، فقلت: هذا صاحب أمضي اليه و استحلله، فصبرت حتي فرغ من صلاته، فالتفت الي و قال: يا شقيق و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدي، ثم قام و مضي و تركني: فقلت: هذا الفتي من الأبدال قد تكلم علي سري مرتين، فلما نزلنا زبالي، و اذا أنا بالفتي قائم علي البئر و أنا أنظر اليه و بيده ركوة يريد أن يستقي فيها الماء، فسقطت الركوة من يده في البئر، فرمق الي السماء بطرفه و سمعته يقول: أنت ربي اذا ظمئت الي الماء و قوتي اذا أردت الطعام، ثم قال: اللهم الهي و سيدي فلا تعدمنيها قال شقيق: فوالله لقد رأيت الماء ارتفع الي رأس البئر و الركوة طافية عليه، فمد يده و أخذها ملئي، فتوضأ منها و صلي أربع [ صفحه 199] ركعات ثم مال الي كثيب رمل فجعل يقبض بيده و يجعل في الركوة، و يحركها و يشرب، فأقبلت نحوه و سلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: اطعمني من فضل ما أنعم الله عليك. فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علي ظاهرة و باطنه فأحسن ظنك بربك، فناولني الركوة فشربت منه فاذا هو سويق سكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه و لا أطيب، فشبعت و رويت و أقمت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا، ثم لم أره حتي حططنا بمكة، فرأيته ليلة الي جنب قبة السراب في نصف الليل و هو قائم يصلي بخشوع و أنين و بكاء، فلم يزل كذلك الي طلوع الفجر، فلما أصبح جلس في مصلاه يسبح الله تعالي، ثم قام الي الطواف و بعد الانتهاء خرجت خلفه أريد السلام عليه، و اذا بجماعة قد طافوا به يمينا و شمالا من خلفه و من قدامه، و اذا له حاشية و خدم و حشم و موالي و اتباع قد خرجوا معه، فقلت لهم: من هذا الفتي؟ فقالوا: هو موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب (ع) فقلت: و لا يكون هذا الا لمثل هذا [355] . الي غير مما تواتر في الجملة، فورد ما يقارب من مائة كرامة من كراماته (ع) و هي في ذلك لا تقبل أدني شك بجملتها لا بتفصيلها؟ [ صفحه 203]

الامام في مواجهة الانحراف

الامام الكاظم في مواجهة الغلاة

و من أبرز القضايا التي كانت قد علقت في أذهان بعض أتباع الكاظم (ع) فكرة تأليه الأئمة (ع) و المغالاة بهم. و لم تكن هذه الفكرة وليدة عصر الكاظم (ع) بل كان بدء نشوئها عصر الامام علي بن أبي‌طالب (ع)، لما رأوا كثرة كراماته التي فاقت حد تصورهم. اذ أنه (ع) باجماع المسلمين أفضل الخلفاء الأربعة، علما و شجاعة و قرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و حارب أهل البيت هذه الفكرة أشد محاربة، فأمروا باعتزالهم و بعدم جواز التزويج منهم و اليهم، و عدم دفنهم في مقابر المسلمين، و عدم تناول ذبيحتهم، و نجاستهم، و عدم ارثهم من المسلمين و... فلا تجري عليهم أحكام الاسلام من أي وجه مطلقا. «و كان البعض يري في الأئمة أجمع عنصرا ملكوتيا يميزهم عن سائر البشر تمييزا جوهريا، فهم مخلوقون من عنصرين - الوجود البشري و الوجود الالهي - و قالوا ان الأئمة تختلف عن سائر البشر. و قد كفر الامام الصادق (ع) هؤلاء قائلا «ان جدي و آبائي خلقوا كغيرهم من الناس» و ان القرآن يقول عن رسوله «قل انما أنا بشر مثلكم...» [356] . [ صفحه 204] و أول المغالين كان عبدالله بن سبأ الذي قال لعلي (ع) «أنت أنت» يعني الاله فنفاه (ع) الي المدائن، و يروي أنه كان يهوديا و كان يقول في يوشع بن نون، وصي موسي، كما قال في علي (ع)، و منه تشعبت أصناف الغلاة [357] . و العلبائية (صنف من الغلاة) قالوا بألوهية أصحاب الكساء: «محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، و قالوا خمستهم شي‌ء واحد و الروح حالة فيهم بالسوية» [358] . الي أن بزغ عهد الامام الصادق (ع) و رأي بعضهم وفور علمه، و رجحان عقله، و أنه بحر لا ينزف، ادعوا ألوهيته. و هذه الفرقة هي الخطابية، أصحاب أبي‌الخطاب محمد بن أبي‌زينب الأسدي. و لما وقف الامام (ع) علي غلوه لعنه و أمر أصحابه بالبراءة منه، و بالغ في التبري منه. و قد زعم أبوالخطاب أن الأئمة أنبياء ثم ألهة، و قال بالهية جعفر (ع) و آبائه و هم أبناء الله و أحباؤه، و الالهية نور في النبوة، و النبوة نور في الامامة. و الامام الصادق حالا هو الاله و لما نزل الي الدنيا لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها [359] . و مع أن الخطاب قتل و حرق الي أن دعوته ما خمدت فورا بل بقي شرارة منها الي زمن الامام الكاظم (ع). فقد قام محمد بن بشير يؤجج الدعؤة الي ألوهية الامام الكاظم (ع) بعدما كانت قد خمدت قليلا في أيام الصادق (ع). فقد حدث علي بن حديد المدائني قائلا: سمعت من سأل أباالحسن الأول (ع) فقال: اني سمعت محمد بن بشير يقول: انك لست موسي بن [ صفحه 205] جعفر الذي أنت امامنا و حجتنا فيما بيننا و بين الله؟ فقال: لعنه الله - ثلاثا - أذاقه الله حر الحديد، قتله الله أخبث ما يكون من قتلة. فقلت له: جعلت فداك اذا أنا سمعت ذلك منه، أو ليس حلالي لي دمه مباح كما أبيح دم الساب لرسول الله و للامام (ع)؟ قال: نعم بلي والله حل دمه، و أباحه لك، و لمن سمع ذلك منه. قلت: أو ليس هذا بساب لك؟ قال: هذا ساب لله و لرسوله و ساب لآبائي وساب لي، و أي سب ليس يقصر عن هذا و لا يفوقه هذا القول [360] . و عن أبي‌حمزة البطائني قال: سمعت أباالحسن موسي (ع) يقول: لعن الله محمد بن بشير و أذاقه الله حر الحديد، انه يكذب علي، بري‌ء الله منه و برئت الي الله منه، اللهم اني أبرأ اليك مما يدعي في ابن‌بشير، اللهم أرحني منه. ثم قال (ع): يا علي ما أحد أجترأ أن يتعمد علينا الكذب الا أذاقه الله حر الحديد، و ان بنانا كذب علي علي بن الحسين (ع) فأذاقه الله حر الحديد، و ان المغيرة بن سعيد كذب علي علي أبي‌جعفر (ع) فأذاقه الله حر الحديد، و ان أباالخطاب كذب علي أبي فأذاقه الله حر الحديد، و ان محمد بن بشير لعنه الله يكذب علي برئت الي الله منه. اللهم اني أسألك أن تخلصني من هذا الرجس النجس محمد بن بشير فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمه. قال علي بن أبي‌حمزة: فما رأيت أحدا قتل بأسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله [361] . و كان محمد بن بشير يقول في الامام الكاظم بالربوبية، و يدعي في نفسه أنه نبي، و كان عنده صورة قد عملها و أقامها شخصا كأنها صورة الكاظم (ع)، و قد عالجها بحيل عملها، و طلاها بالأدوية، و كان يقيم شعوذة عليها [362] . [ صفحه 206]

الامام في مواجهة القياس و العمل بالرأي

اهتم الأئمة (ع) اهتماما بالغا بتعليلات الأحكام، و ألفت كتب في ذلك، و مع أن الأحكام تابعة للمصالح و المفاسد، (لا يسأل عما يفعل و هم يسألون) [363] الا أن عوام الناس، و خاصة في أيام الامامين الصادق و الكاظم (ع) تشتت أفكارهم، فقد ظهرت فرق كثيرة و مذاهب متعددة، جراء عوامل كثيرة [364] . فلذا تواترت الأسئلة حول علة الأحكام اما للحيرة التي أربكت عقول بعضهم، بعلة هذا الحكم الفلاني، حتي يقتصوا أثره، و يكون العمل علي طبق الوظيفة الشرعية صحيحا، و اما لتفشي القياس بين العامة الذي نهي عن اتباعه مدرسة أهل البيت (ع) فصار العلماء - من أتباع مذهب أهل البيت (ع) - خوفا من الانزلاق في القياس، تسأل الأئمة (ع) عن علة الحكم، لتجريه علي حكم آخر مع وحدة العلة و المناط. و في أغلب الأحيان علل الأئمة (ع) الأحكام ليجعلوها قاعدة عامة يسير علي خطاها تلامذتهم، عند عدم النص علي حكم معين، مع وحدة العلة. مع التأكيد لهم «ان دين الله لا يقاس بالعقول» خوفا من انزلاقهم في متاهات المذاهب الأخري. فقد شن الامام الكاظم (ع) حملة نظامية مدروسة، علي مدرسة أبي‌حنيفة قائلا: «انما هلك من كان قبلكم بالقياس، ان الله تبارك لم يقبض نبيه حتي أكمل له جيمع دينه في حلاله و حرامه فجاءكم مما تحتاجون اليه، في حياته، و تستغيثون به و بأهل بيته و بعد موته، و انها صحيفة عند أهل بيته، حتي أن فيها لأرش خدش الكف، ثم قال: ان أباحنيفة لعنه الله ممن [ صفحه 207] يقول قال علي و أنا قلت» [365] . و كادت أن تمحي و تستأصل سنة رسول الله، بل كادت أن تصبح في خبر كان، لو لا شن الهجومات تلو الأخري - لم يكن مجال للدفاع، بل ان الدفاع في هذا المقام دليل علي ضعف و ركاكة الحجج - علي أصحاب القياس و البدع. سأل محمد بن الحسن الشيباني الحنفي أباالحسن موسي (ع) بمحضر من الرشيد و هم بمكة فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال له موسي (ع): لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن عن ذلك. فقال له أبوالحسن موسي (ع): أفتعجب من سنة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و تستهزي‌ء بها. ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كشف ظلاله في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام الله - يا محمد - لا تقاس، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا [366] . فلو أن الأحكام الشرعية تعتمد علي القياس، الذي هو ظن بعلة الأحكام، لتشابه بين الأحكام فقط، دون معرفة العلل الواقعية، لحلت الفوضي في الشريعة، مع عدم الحاجة للرجوع الي أئمة الهدي، بل و لا الي سنة رسول الله، كما جري في هذا الحديث. و قد جري لأبي‌يوسف [367] مع أبي‌الحسن موسي (ع) بحضرة المهدي ما يقرب من ذلك، و هو: أن موسي (ع) سأل أبايوسف عن مسألة ليس عنده فيها شي‌ء، فقال لأبي‌الحسن موسي (ع) اني أريد أن أسألك عن [ صفحه 208] شي‌ء، قال: هات. فقال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه؟ قال: نعم. قال: فما فرق بين هذا و ذاك؟ قال: قال أبوالحسن موسي (ع): ما تقول في الطامث تقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: تقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: و لم؟ قال: ان هذا كذا جاء. قال أبوالحسن (ع): و كذلك هذا. قال المهدي لأبي‌يوسف: ما أراك صنعت شيئا، قال: «يا أميرالمؤمنين رماني بحجة» [368] . و بما أن القياس استفحل في أيامه (ع) فقد اشتبه الأمر علي أصحابه فاستفتي (ع) بجواز الرجوع الي القياس في الأمور البسيطة، فلم يأذن (ع) مطلقا، بل أكد لهم بأن كل ما يحتاجونه انما هو في كتاب عندهم (ع). فعن سماعة عن العبد الصالح قال: سألته فقلت: ان أناسا من أصحابنا قد لقوا أباك و جدك و سمعوا منهما الحديث، فربما كان الشي‌ء يبتلي به بعض أصحابنا، و ليس عنده في ذلك شي‌ء يفتيه و عندهم ما يشبهه، يسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال: لا انما هلك من كان قبلكم بالقياس، فقلت له: لم تقول ذلك؟ فقال: انه ليس بشي‌ء الا و قد جاء في الكتاب و السنة [369] أي أنه لا حاجة للقياس بعد أن جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما تحتاج اليه الناس الي يوم القيامة. و هذا يؤيده قوله (ع) «أتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما استغنوا به في عهده، و بما يكتفون به من بعده الي يوم القيامة، قال الراوي قلت ضاع منه شي‌ء؟ قال: لا هو عند أهله [370] . فالامام (ع) يؤكد علي الامامة و علي عدم جواز الوقوف بوجه الله و وجه رسوله صلي الله عليه و آله و سلم بافتاء آخر، و الا لتخلت الناس بعد برهة من الزمن عن الحاجة الي السنة بعد الرجوع الي العقول فقط، دون جعل أهل البيت أهلا للنص الشرعي. [ صفحه 209]

الامام الكاظم في مواجهة المشبهة

تصدي الامام (ع) علي طول الخط، و في موجة عارمة كالسيل الجارف، علي جميع الصعد قاطبة لمواجهة الانحراف العقائدي و الفقهي و... و رصد للحركة الثقافية، و كان الرائد في حماية العقيدة، و حفظ الشريعة. أما المشبهة فقد تغلغلوا في صفوف الأصحاب، بل و حاولوا النفوذ الي الأعماق، مستندين بقوة الي السلطة التي تقوي نفوذهم أو تتركهم و شأنهم، اذ كانت الملاحقات تكتنف خط الرسالة المحمدي الأصيل. و قد صرح جماعة من الشيعة الغالية، و جماعة من أهل الحديث الحشوية، بالتشبيه، مثل الهشاميين من الشيعة، فقالوا معبودهم علي صورة ذات أعضاء و أبعاض، اما روحانية و اما جسمانية، و يجوز عليه الانتقال و النزول و الصعود و الاستقرار و التمكن. و أما مشبهة الحشوية فأجازوا أيضا علي ربهم الملامسة و المصافحة و أن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا و الآخرة، و انه لا يشبه شيئا من مخلوقاته، و ما ورد في الكتاب العزيز من الاستواء و الوجه و اليدين و الجنب و المجي‌ء و الاتيان، أجروها علي ظاهرها. و روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قوله «لقيني ربي فصافحني، و كافحني، و وضع يده بين كتفي حتي وجدت برد أنامله». الي غير ذلك من كلماتهم التي تؤكد الجسمية لله تعالي [371] . و ذهب الي التشبيه الحنابلة - أحمد بن حنبل و أتباعه - و الكرامية [372] و متقدمي الأشاعرة فقد ذهبوا الي أنه متحيز بجهة العلو، و أنه يصح الاشارة اليه، و يجوز عليه التحول من جهة الي أخري، و أن العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد، تحت الركب الثقيل، و يزيد علي العرش من كل جهة [ صفحه 210] أربعة أصابع، و لهم خرافات كثيرة [373] . و قد خاض الامام حملة هجومية واسعة شنها علي أولئك المشبهين الذين قويت شوكتهم. فعن محمد بن حكيم قال: وصفت لأبي‌ابراهيم (ع) قول هشام بن سالم الجواليقي و حكيت له، قول هشام بن الحكم انه جسم فقال: ان الله لا يشبهه شي‌ء، أي فحش أو خني أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد و أعضاء، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا [374] [375] . و روي سليمان بن جعفر الجعفري قال «سمعت أباالحسن (ع) يقول لأبي: ما لي رأيتك عند عبدالرحمن بن يعقوب؟ قال: انه خالي، فقال له أبوالحسن (ع): انه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله تعالي و يحده، والله لا يوصف، فاما جلست معه و تركتنا، و اما جلست معنا و تركته. فقال: ان هو يقول ما شاء أي شي‌ء علي منه اذا لم أقل ما يقول؟ فقال له أبوالحسن (ع): «أما تخافن أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا...» [376] . فالامام (ع) و ان كان يؤمن بحرية البحث الفكري، و لكن (ع) يأذن بل يرغب و يحث أصحابه علي مقارعة الحجة بالحجة، حتي يتميز الصدق و الحق من الزيغ و الباطل، فيخرج الزبد الجارف، و يبقي ما ينفع الناس. أما سليمان الجعفري فلم يكن له قدره علي مقارعة الباطل، بل خاف عليه [ صفحه 211] الامام أن يسترسل معه في عقائده، فينحرف. فلذا قال له: لن نعدك من أصحابنا بعد اليوم ان ملت اليه، حتي و ان كان بينك و بينه رحم. انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح. و هذه قاعدة للنهي عن المنكر، فاما الاستنكار علي المنكر، و أما الانحياد حتي لا يعد الجليس موافقا لآرائهم.

الامام يواجه الانحراف في الطريق

يتذرع الغافلون و خلفاء الله في أرضه، المنضوون علي أنفسهم، المتقاعسون علي غيرهم، المهملين لأجل و أهم الواجبات الاسلامية، بأن الاسلام ليس وقفا علينا فحسب. بل لالقاء الوجوب عن كواهلهم و عواتقهم، يقبضون علي قاعدتي الضرر و الحرج بقبضة من حديد، دون التفوه بكلمة استنكار علي المنكر، حتي تناسوا الانكار القلبي و كأن شيئا لم يكن؟!! بينما يسير الامام علي الطريق في بغداد، و اذ به يجتاز دار بشر الحافي، سمع صوت الجواري و هن يغنين مع المزاميز، خرجت منه جارية ترمي القمامة. سألها الامام (ع) يا جارية: صاحب هذا الدار حر أم عبد؟ قالت: حر. قال (ع): صدقت لو كان عبدا لخاف من مولاه. دخلت الجارية الدار سألها مولاها عن تأخرها، فقصت له ما جري مع الرجل و هي غافلة عنه. خرج الرجل مسرعا خلف الامام (ع). فبكي و تاب علي يديه و قال: «سيدي أريد أن أكون عبدا» [377] . [ صفحه 212]

عدم التدخل في مسألة خلق القرآن

من أهم المباحث الكلامية التي اشتدت حدة الكلام و الخصام فيها، حتي جر الي الضرب و السجن و التكفير، و الانشقاق بين المسلمين بسببها، هي مسألة قدم القرآن أم حدوثه. ان علم الكلام بشكل عام أخذ حيزا كبيرا، بل كان هو الرائج و الرائد في أكثر المجالات - حتي اضطر الامامان الصادق و الكاظم (ع) علي التركيز علي الفقه في دعوتهما لأهميته في الشريعة و للتقليل من الخلافات - و لكن مع ذلك لم يحدث فجوات عظيمة في الكيان الاسلامي، الذي هدد الاسلام ككل كهذه المسألة التي لم يول لها الاسلام تلك الأهمية، و خاصة أنها لا تدخل في صميم العقيدة، بحيث أنها توجد خللا في العقيدة، بل و لم يذكرها القرآن الكريم و لا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... و انقسم المسلمون حينئذ ثلاثة أقسام: فمن قائل بخلق القرآن و حدوثه، و هم المعتزلة. و من قائل بقدم القرآن و أزليته، و هم أهل الحديث، و منهم أحمد بن حنبل - امام المذهب الحنبلي - و أبوالحسن الأشعري. (الأشاعرة). و قسم توقف في الأمر، فقالوا القرآن لا مخلوق و لا غير مخلوق. أما المعتزلة و هم القسم الأول الذين قالوا بحدوث القرآن، فقد انبروا يدافعون عن فكرتهم بكل صلافة و صلابة، مستندين الي قوة الحكام، لأن الدولة في خلافة العباسيين حتي عهد المتوكل كانت تؤيد حركة الاعتزال. و كانت تختبر الفقهاء فمن يقول بقدم القرآن و أزليته يتعرض للتعذيب أو السجن أو الضرب بالسياط، و نتيجة هذا الامتحان اضطر كثير من الفقهاء للقول بحدوث القرآن، الا القليل ممن أبي كأحمد بن حنبل. أما القسم الثاني و هم القائلون بقدم القرآن و علي رأسهم امام الحنابلة و الأشاعرة فقد قال أحمد بن حنبل «و القرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، و من زعم أن القرآن كلام الله عزوجل و وقف، و لم يقل مخلوق و لا غير مخلوق، فهو أخبث من الأول. [ صفحه 213] و من زعم أن ألفاظنا بالقرآن و تلاوتنا له مخلوقة، و القرآن كلام الله فهو جهمي. و من لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم. و قال أبوالحسن الأشعري «و نقول ان القرآن كلام الله غير مخلوق، و ان من قال بخلق القرآن فهو كافر». و كذا المحدثين مع أنهم يقفون في كل ما لا يرد فيه شي‌ء عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا أنهم في هذه المسألة قالوا بقدم القرآن و أعلنوها صراحة. فأخذ من جراء هذا الكلام، أحمد بن حنبل فسجن و عذب و ضرب بالسياط، و لم يرجع عن موقفه مع أنه بقي في السجن ثمانية و عشرين شهرا، و هذا كان من أبرز العوامل التي أدت الي شيوع صيته في الآفاق [378] .

موقف أهل البيت في المسألة

ان مذهب الامامية القول بحدوث القرآن و خلقه، اذ لا قديم أزلي الا الله تعالي، و هو متكلم - و كلم الله موسي تكليما - بمعني خلق كلاما كسائر الأشياء. و ليس الكلام ذاتيا نفسيا مركبا حروف و أصوات يقومان بذاته و هو قديم، كما يقول أحمد بن حنبل و أزلامه. و قد سكت أهل البيت (ع) اجمالا عن التصريح و الادلاء برأيهم في المسألة، مع أنهم (ع) يتدخلون في بيان أي صغيرة في الشريعة، و خاصة اذا كانت تمس الكيان الاسلامي. أما سر سكوتهم (ع) فكسرا لليد التي كانت تعمل علي التفرقة بين المسلمين، و حسما و تحاشيا لمادة الخصام و التشاجر، مع أن هذه المسألة لا تدخل في صميم العقيدة، و قد يكون المروج لهذه الفكرة هي السلطة [ صفحه 214] نفسها، لتشغل المسلمين بأمورهم في غني عنها، و تبعدهم عن الخوض في المسائل الأساسية العقيدية أو الفقهية أو السياسية و ما أشبه. نعم لم يكن السكوت مطلقا فقد روي الشيخ المفيد في أماليه بالاسناد الي أبي‌بصير قال: سمعت أباعبدالله (ع) يقول: لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته و لا معلوم، و لم يزل قادرا و لا مقدور، قلت: جعلت فداك فلم يزل متكلما؟ قال: الكلام محدث، كان الله عزوجل و ليس بمتكلم، ثم أحدث الكلام [379] . و كان الامام الصادق يتوقف في الاجابة عن المسألة. فقد روي علي بن سالم عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له: يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال «هو كلام الله، و قول الله، و كتاب الله، و وحي الله، و تنزيله، و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد» [380] . فاذا قد وردت رواية واحدة أو اثنين مثلا في هذه المسألة، مع عدم الاعلان الشديد الصارم، كما ورد في ذم القياس مثلا - أكثر من مائة رواية - فلتحجيم الشقاق بين المسلمين لم تولي تلك الأهمية. أما الامام الكاظم (ع) فانه سكت سكوتا مطلقا في المسألة، و لم يدل بأي قول حولها لشدة الاختلاف حينئذ فيها. فقد حدث سليمان بن جعفر الجعفري قائلا: قلت لأبي‌الحسن موسي بن جعفر الكاظم (ع): يابن رسول الله ما تقول في القرآن فقد اختلف فيه من قبلنا؟ فقال قوم: انه مخلوق، و قال قوم: انه غير مخلوق، [ صفحه 215] فقال (ع): «أما اني لا أقول في ذلك ما يقولون، و لكني أقول انه كلام الله» [381] . و بقيت هذه المسألة طي الكتمان الي زمن المتوكل العباسي، فقد ناصر مذهب الحنابلة [382] [383] . و هنا وقف الامام الهادي (ع) مدليا برأيه، لعدم انتشار عقيدة فاسدة، و لكنه بقي متحرزا من الفتنة، مبديا رأيه بأسلوب مرن، فكتب الي بعض شيعته قائلا: بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله و اياك من الفتنة، فان يفعل فقد أعظم بها نعمة، و أن لا يفعل فهي الهلكة. نحن نري أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل و المجيب، فيتعاطي السائل ما ليس له، و يتكلف المجيب ما ليس عليه، و ليس الخالق الا الله عزوجل، و ما سواه مخلوق، و القرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين، جعلنا الله و اياك من الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون [384] .

الطرق التي اتبعها أهل البيت لمعالجة الانحرافات الفكرية

الانحراف الفكري قد يكون من الناحية الفقهية أو العقائدية أو السياسية أو.... و قد عالج أهل البيت (ع) كل هذه الانحرافات بوضع رواسي و قواعد و مباني، يرسخ و يسترشد بظلها أصحابهم (ع) و هي: أولا: العرض علي كتاب الله، فقد روي أيوب بن راشد عن الامام [ صفحه 216] الصادق (ع) قوله «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» [385] و كذا قوله (ع) في رواية جميل بن دراج «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، و ما خالف كتاب الله فدعوه» [386] . و ذلك لأن كتاب الله نص، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، بخلاف الحديث فقد يصدر عن جهل أو نسيان بتفصيل الواقعة، أو تعمد الكذب أو... أما مع ورود حديثين مختلفين فيقول الصادق (ع) «اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما علي كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، و ما خالف كتاب الله فردوه، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما علي أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، و ما خالف أخبارهم فخذوه» [387] لأن الحديث قد يكون ورد عنهم (ع) لتقية. و في الأحاديث قد تجد روايتان صحيحتان وردتا عنهم (ع) متناقضتان أو متضادتان. و ذلك لما ورد في بحث التقية أن الأئمة (ع) كانوا يعتمدون ذلك حفاظا علي شيعتهم، و عند ارتفاع الحذر، يبين الحكم الحقيقي. و وقع جراء ذلك في المحذور بعض متزلزلي العقيدة كعمر بن رياح، فانه كان مستقيما و يقول بامامة الباقر (ع) ثم رجع عنه و صار بتريا، و مال معه نفر يسير و ذلك لمسألة سألها من أبي‌جعفر فأجابها بجوابين [388] . و لكنه نسي أو تناسي أن الحكم قد يتغير ظاهرا - لا واقعا - لتقية أو ضرر أو حرج أو... و كذا أرجع أهل البيت (ع) أصحابهم الي الاجماع بين العلماء «ينظر الي ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك...» [ صفحه 217] الي غير ذلك من المرجحات مما هو مذكور في علم أصول الفقه. ثانيا: التركيز علي ما لا يخرج من أهل البيت فهو زخرف. أهل البيت (ع) لم يضعوا أنفسهم في صف القرآن الكريم علي أنهم مشرعون قبال أحكام الله تعالي، بل هم القرآن الناطق المفسر للقرآن الصامت، فلذا ركزوا في أذهان المتشرعة و الأمة أجمع قولهم: كما أكد كليب الأسدي قائلا: سمعت أباعبدالله (ع) يقول «ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو زخرف». ثالثا: و من أهم الأمور في خطة أهل البيت (ع) - بعد نفاذ الأساليب المقنعة، بالحكمة و الموعظة الحسنة، و بالطرق الايجابية التي تبين الأدلة الدامغة - تشنيع المنحرفين، و فضح أقوالهم، و الدعاء عليهم، و طردهم، و أمر مواليهم باعتزالهم، كما حصل للامام الصادق مع ابن‌أبي‌الخطاب و غيره، و الامام الكاظم مع محمد بن بشير، و الرضا مع الواقفة كابن أبي‌حمزة البطائني. و هذا الأسلوب الذي سار عليه القرآن الكريم اذ لم يفضح المنافقين في أوائل الدعوة الاسلامية، و لكنهم عندما تغلغلوا في صفوف المؤمنين، و وكدت عري الاسلام، و بان الصبح لذي العيان، و أفل الدجي في دياجير الظلام، كان لابد من كشف قناع الزيف الذي يتبرقع به الحاقدون، و تعريتهم من ازار الطيف الذي به يتوشحون. و بهذا السجال أبعد أهل البيت (ع) التعاليم المنحرفة التي قد توسخ أو تغبر الحقيقة الناصعة التي طالما تحملوا الأذي في سبيل نشرها براقة تبهر عيون الناظرين، و تنقيتها من أيدي المدنسين.

السر في عدم كتابة كتب لشيعتهم

طالما يتساءل بدهشة، عن السر الذي يكمن وراء، عدم كتابة الكتب من قبل أهل البيت لشيعتهم، الذي يريحهم من التعب و العناء، و السهر [ صفحه 218] و الشقاء، و الجهد و البلاء الذي يحيطهم و يكتنفهم باحثين عن الحقيقة، و تبقي الدوامة بحاجة الي استقرار جواب. و لكن يمكن تلخيص ذلك ضمن نقاط: 1 - اعطي الأئمة (ع) القواعد و المباني و الأصول التي يرتكز عليها الأصحاب مع تعليل الكثير من الأحكام الكلية التي تطبق علي الجزئيات. 2 - ابقاء باب الاجتهاد مفتوحا، يعطي سعيا دؤوبا، وجدا و نشاطا في الاستنباط، و في هذا تحفيزا علي نهم العلم، فلذا قوله صلي الله عليه و آله و سلم المروي اختلاف أمتي رحمة قد يرشد الي هذا الباب. 3 - ملاحقة السلطة المستمر للشيعة و للأئمة (ع) و التحجير عليهم أحيانا، و تحجيم عملهم تارة أخري، منع أهل البيت من ذلك اما خوفا علي الشيعة من ملاحقتهم و قتلهم و تشريدهم، لاحتوائهم علي تلك الكتب، و اما للامام نفسه، اذ سيطرح نفسه اماما علنا و صراحة و هذا ما تمنعه الحكومة الغاشمة. اضافة الي انها ليست حينئذ بعيدة عن التلف و الحرق كما أحرقت مكتبة الشيخ الطوسي و غيره، و لن يتيقن بعدها بصحة الأحاديث التي سيكتبها العلماء، و ستصبح كانجيل النصاري. 4 - خوف التفرقة بين المسلمين، اذ سيصبح للشيعة كتب متعددة، و ستتميز حينئذ عن غيرهم، و قد لا تقبل أحاديثهم بعد ذلك أبدا، لاختصاصها بهم، اضافة الي اتهامهم حينئذ بوجود صحف متعددة لهم. 5 - مع كتابة الكتب من الامام الأول، قد يستغني عن الامام الثاني و هكذا فيما بعده، مع أنهم (ع) أدوارهم مكملة، فهم كسلسلة، كل منهم حلقة تشد غيرها. ثم ان الأحكام قد تختلف نسبيا حسب الأزمنة و الأمكنة، كتقية و غيرها حسب مقتضي الحال، فسيقع حينها اختلاف في الكتب. 6 - وجود الكتب يدعو الي تقليص العلماء و الالتفاف حولها، اذ ستصبح في متناول أيدي الأغلبية الساحقة، مع أن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد أكد قوله [ صفحه 219] «علماء أمتي كأنبياء بني‌اسرائيل» فلابد من الرجوع اليهم في الاستنباط و الفتيا. 7 - حث الأئمة شيعتهم في الاعتماد علي أنفسهم، و حثهم علي التدوين و الكتابة، كما روي حمزة بن عبدالله الجعفري عن الكاظم (ع) قال: كتبت في ظهر قرطاس ان الدنيا ممثلة للامام كفلقة الجوزة، فدفعته الي أبي‌الحسن (ع) و قلت: جعلت فداك ان أصحابنا رووا حديثا ما أنكرته غير أني أحببت أن أسمعه منك، قال: فنظر فيه ثم طواه حتي ظننت أنه قد شق عليه ثم قال: هو حق فحوله في أديم [389] . و قد أكد الامام الصادق علي الكتابة بقول «اكتبوا فانكم لا تحفظون حتي تكتبوا»، و قوله (ع) أيضا لأبي‌بصير «دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن أحاديث و كتبوها، فما يمنعكم من الكتاب؟ أما انكم لن تحفظوا حتي تكتبوا» [390] و قوله (ع) «القلب يتكل علي الكتابة» [391] الي غير ذلك من أمور كثيرة منعت أهل البيت (ع) من كتابة علومها. [ صفحه 223]

المذهب الواقفي

منشأ المذهب الواقفي

تبينت ثمرة و جهود الامام الصادق (ع) في عهد الامام الكاظم (ع) من خلال تلامذة الامام الصادق، فكانت الحقوق الشرعية تجبي للامام (ع) سرا، و لم يستطع (ع) توزيعها كاملة خوف السلطة و مراقبتها له بكل دقة - و مع ذلك اتهمه هارون قائلا خليفتان يجبي اليهما الخراج - فكان له وكلاء متعددون، و كانت الأموال الوفيرة أمانة في أيديهم، كيما تقشع غيوم الضلال، و يزهو وجه الحقيقة. و لما سم (ع) وجه اليه بشهود حتي يشهدون عليه بخروجه عن أملاكه [392] . فلعله (ع) انما ترك الأموال مع وكلائه حرصا عليها اما لخوف مصادرتها من السلطة، و اما لهذا الاشهاد، فاذا كانت مع الوكلاء فهي أقل الضررين، فسيخفي علي السلطة ذلك، أو لن تطالب به لتشتته لامكان اخفائه حينئذ. و لما توفي الامام الكاظم (ع) استأثر الكثير من وكلائه بالأموال، و جحدوا حق الامام الرضا (ع) و ادعوا أن الامام الكاظم ما زال حيا يرزق، و أنه لم يمت، بل هو كعيسي (ع) و سيخرج بعد الغيبة، و منهم من توقف في موته و قال: لا ندري أمات أم لم يمت و يقال لهم الممطورة، اذ أن علي بن اسماعيل قال لهم «ما أنتم لا كلاب ممطورة» [393] . [ صفحه 224] و سرعان ما أخذ هذا المذهب بالانتشار، جراء شراء الضمائر بالأموال التي في أيديهم، اضافة الي أن الريبة و الشك كانا بعيدين عنهم من قبل العوام و البسطاء، اذ أنهم وكلاء الامام (ع) و يعرفون بحسن السيرة و علي درجة من الورع، فمن المستبعد جدا، الكذب و الافتراء بهذه الطريقة حبا للمال. و لكن حب الدنيا رأس كل خطيئة!!! و حدث يونس بن عبدالرحمن قائلا: مات أبوابراهيم عليه‌السلام، و ليس من قوامه أحد الا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته، طمعا في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي‌حمزة ثلاثون ألف دينار، فلما رأيت ذلك و تبينت الحق و عرفت من أمر أبي‌الحسن الرضا ما علمت، تكلمت و دعوت الناس اليه، فبعثا الي و قالا: ما يدعوك الي هذا؟ ان كنت تريد المال فنحن نعنيك، و ضمنا لي عشرة آلاف دينار و قالا لي: كف فأبيت و قلت لهما: انا روينا عن الصادقين (ع) أنهم قالوا: اذا ظهرت البدع فعلي العالم أن يظهر علمه، فان لم يفعل سلب نور الايمان، و ما كنت لأدع الجهاد في أمر الله علي كل حال، فناصباني و أضمرا لي العداوة [394] . و كان علي بن أبي‌حمزة البطائني هو المنشي‌ء لفرقة الواقفة، طمعا لما في يده من أموال.

الامام يؤكد الوصية لأصحابه

بين الآونة و الأخري كان يصرح الامام الكاظم بالوصايا لولده الرضا (ع) و خاصة عند وكلائه، تأكيدا للحجة عليهم. فعن غنام بن القاسم قال: قال لي منصور بن يونس بن بزرج، دخلت علي أبي‌الحسن، يعني موسي بن جعفر (ع) يوما، فقال لي: يا منصور أما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟ قلت: لا، قال: قد صيرت عليا ابني وصيي، و أشار بيده الي الرضا (ع) و قد نحلته كنيتي و الخلف من بعدي، فأدخل عليه و هنئه بذلك، و اعلم أني أمرتك بهذا. [ صفحه 225] قال: فدخلت عليه فهنئته بذلك و أعلمته أنه أمرني بذلك، ثم جحد منصور فأخذ الأموال التي كانت في يده و كسرها [395] بل عن حسين بن بشير قال: أقام لنا أبوالحسن موسي بن جعفر (ع) ابنه عليا (ع) كما أقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا (ع) يوم غدير خم فقال: يا أهل المدينة، أو قال: يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي [396] . و في بعضها دعاهم و هم ستون نفرا، و في بعضها دعاهم (ع) و هم سبعة عشر نفرا.

تنبؤ الأئمة بوقف الأصحاب

لم يزل أئمة أهل البيت (ع) يستدركون الأمر قبل وقوعه، لعل أحد الضالين أو المضلين، يرعوي عن غيه، و يسترشد بهدي نورهم (ع). فلذا كان الامامان الصادق و الكاظم ينبئان بهذا الانقلاب العظيم في الأفكار - و لا يعترض علي ذلك بتغيير الأمر الحتمي الغيبي الذي يطلع عليه أئمة الهدي (ع)، لأننا نقول بالبداء، يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب، فاذا أصروا علي الضلال يبقي الأمر الغيبي علي ما هو عليه، و الا فهو معلق علي هدايتهم و عدمها، ثم انه يحتمل أن يرجع البعض الي الصواب لا الجميع -. فعن عمر بن يزيد قال: دخلت علي أبي‌عبدالله (ع) فحدثني مليا في فضائل الشيعة ثم قال: ان من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب، قلت: جعلت فداك أليس ينتحلون حبكم و يتولونكم و يتبرؤن من عدوكم؟ قال: نعم، قال: قلت: جعلت فداك بين لنا نعرفهم فلسنا منهم؟ قال: كلا يا عمر ما أنت منهم، انما هم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسي [397] . و قول الصادق (ع) عن ابن‌أبي‌يعفور قال: كنت عند الصادق (ع) اذ دخل موسي (ع) فجلس فقال أبوعبدالله (ع) يا ابن‌أبي‌يعفور هذا خير [ صفحه 226] ولدي و أحبهم الي، غير أن الله جل و عز يضل قوما من شيعتنا، فاعلم أنهم قوم لا خلاق لهم في الآخرة، و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم. قلت: جعلت فداك قد أزغت قلبي عن هؤلاء، قال: يضل به قوم من شيعتنا بعد موته جزعا عليه، فيقولون لم يمت، و ينكرون الأئمة (ع) من بعده، و يدعون الشيعة الي ضلالتهم و في ذلك ابطال حقوقنا و هدم دين الله، يا ابن‌أبي‌يعفور فالله و رسوله منهم بري‌ء و نحن منهم براء [398] . و روي بالاسناد الي زياد القندي و ابن‌مسكان قالا: كنا عند أبي‌ابراهيم (ع) اذ قال: يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض، فدخل أبوالحسن الرضا (ع) و هو صبي، فقلنا خير أهل الأرض، ثم دنا فضمه اليه فقبله و قال: يا بني تدري ما قال ذان؟ قال: نعم يا سيدي هذان يشكان في. قال علي بن أسباط، فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب فقال: بتر الحديث، لا و لكن حدثني علي بن رئاب أن أباابراهيم قال لهما: ان جحدتماه حقه أو خنتماه فعليكما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، يا زياد لا تنجب أنت و أصحابك أبدا [399] . لعل المراد بقوله (ع) «لا تنجب أنت و أصحابك أبدا» ان دعوتكم لن تنجب استجابة، لانقراض ذلك المذهب، حتي و ان انتشر و اشتهر مدة طويلة، حتي التجأ أصحاب الامام العسكر للدعاء عليهم. أو لن تنجب خيرا من حياتك و لن ترجع الي هدي، بقرينة ذيل الرواية «قال الحسن بن محبوب فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي‌ابراهيم حتي ظهر منه أيام الرضا (ع) ما ظهر و مات زنديقا [400] . بل قبيل حمله (ع) الي بغداد أكد هذه الفتنة. قال محمد بن سنان: دخلت علي أبي‌الحسن موسي (ع) قبل أن يحمل الي العراق بسنة و علي ابنه (ع) بين يديه فقال لي: يا محمد قلت: لبيك. [ صفحه 227] قال: انه سيكون في هذه السنة حركة و لا يخرج منها، ثم أطرق نكت في الأرض بيده، ثم رفع رأسه الي و هو يقول: و يذل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء. قلت: و ما ذلك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه و جحد امامته من بعدي، كان كمن ظلم علي بن أبي‌طالب حقه و امامته [401] فقوله كمن ظلم علي بن أبي‌طالب... لأن علي (ع) أول الأئمة و بالتشيع له و بموالاته، بدأت حركة التشيع فمن جحد حقه (ع) لم يعد من الشيعة الامامية. و كذا من جحد موت الامام الكاظم و وقف عليه و لم يؤمن بامامة الرضا (ع) خرج من كونه شيعي حقيقة من الامامية الاثني عشرية، فمن تشيع للامام الرضا (ع) فقد تشيع للأئمة الاثني عشر، لأنه لم يقف أحد و لم يدع أحد بعد الامام الرضا (ع) بامامة أحد بعده مطلقا، فاذن الأئمة الاثني عشر (ع) الذي ورد عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذكر أسمائهم بالتحديد [402] كسلسلة واحدة في عنق أحدنا، فاذا انقطعت حلقة منها اختلت، و هم نور واحد، فاذا جحدت امامة الامام الرضا (ع) فقد جحد الجميع. و هذا سر قول الامام الكاظم لعلي بن حمزة «يا علي أنت و أصحابك شبه الحمير» [403] . لأن الامام (ع) حتي لو بالغ في موعظتهم، فانهم لا و لن يعوا الحق أبدا.

الأئمة تشجب مذهب الواقفية

و بما أن هذا المذهب قد وجد أنصارا، و كاد أن يتفشي في الأوساط اللاسلامية، مع وجود الأرضية المناسبة لانتشاره، نتيجة الأموال التي يطمع بها محبي الدنيا، فقد تنبأ الأئمة (ع) له من قبل و أدانوه كما ذكرنا. [ صفحه 228] ثم بقيت الادانة به الي زمن الامام العسكري (ع) و هم يستنكرون ذلك أشد الاستنكار، و بهذا انفصم هذا المذهب و لم يعد له ذكر، و انقرض من جذعه، بل اقتلع من جذوره. فعن ابراهيم بن أبي‌البلاد عن أبي‌الحسن الرضا (ع): قال: ذكرت الممطورة و شكهم، فقال: يعيشون ما عاشوا علي شك ثم يموتون زنادقة [404] . و عن يحيي بن المبارك قال: كتبت الي الرضا (ع) بمسائل فأجابني، و ذكرت في آخر الكتاب قول الله عزوجل (مذبذبين بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء) فقال: نزلت في الواقفة، و وجدت الكتاب كله بخطه «ليس هم من المؤمنين و لا من المسلمين، هم ممن كذب بآيات الله، و نحن أشهر معلومات فلا جدال فينا، و لا رفث و لا فسوق فينا، انصب لهم يا يحيي من العداوة ما استطعت» [405] و قوله (ع) أشهر معلومات. فالأئمة (ع) اثناعشر اماما كالأشهر فلا تنقص و لا تزيد و الا لا ختل تقويم الزمن. أما الامام الجواد (ع) فقد قال «الواقفة هم حمير الشيعة» ثم تلا هذه الآية (ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [406] . و قوله (ع) أيضا في قوله تعالي (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) قال: «نزلت في النصاب و الزيدية، و الواقفة من النصاب» [407] أما الامام العسكري (ع) فقد روي ابراهيم بن عقبة، قال: كتبت الي العسكري (ع) «جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم اقنت عليهم في صلاتك» [408] . فكأن الحيلة قد نفذت بدعوتهم الي الهداية، و ارشادهم عن الغواية، فلم يلقوا آذانا صاغية - كالحمير - فلذا لجي‌ء الي الدعاء عليهم أخيرا بحول من الله و قوته. [ صفحه 229] فذمهم و قدحهم من الأئمة قبل الكاظم (ع) و بعده، و عدهم من النصاب و الكفار و الحمير و... لأنهم وبالا علي الشيعة، و قد عاثوا في الأرض فسادا، و لم يرض أهل البيت (ع) بعد هذه الطائفة منهم، لأنهم مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، و كفر بعضهم برب أماته عند موته [409] و رجع من جراء ذلك الكثير منهم الي الحق، و ردوا الأموال الي الامام الرضا (ع) كعثمان بن عيسي، و عبدالرحمن بن الحجاج، و رفاعة بن موسي، و يونس يعقوب، و جميل بن دراج و غيرهم الكثير [410] ، و كذا لكثرة ما ورد في ذم الواقفة و التبري‌ء منهم، لم يتمكن أحد من الافتراء علي أي من الأئمة بعده بالوقف، بخلاف ما حصل من التوقف و الاختلاف في الأئمة بعد علي (ع)، فقد قال بعضهم بامامة محمد بن الحنفية بعده، لا بامامة ولديه الحسن ثم الحسين (ع) و هم الرزامية أتباع الرزام، و بعده بامامة عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب ثم في ولده [411] . و المختارية قالوا ان الامامة بعد علي (أو الحسن و الحسين) لمحمد بن الحنفية [412] . و الزيدية أتباع زيد بن علي قالوا بامامته و لم يقروا بامامة الباقر (ع) [413] و فرقة توقفت علي الباقر و قالوا بحياته و انه لم يمت و سيرجع الي الحياة، و لم أقف علي أي اشعار بتسمية هذه الفرقة [414] . أما بعد وفاة الصادق (ع) فقد تعددت المذاهب، فالناووسية قالوا ان الصادق (ع) حي لم يمت و لن يموت و هو القائم المهدي. و الفطحية، قالوا بامامة عبدالله الأفطح ابن الامام الصادق، و الاسماعيلية قالوا بامامة اسماعيل بن الصادق (ع). و الواقفية - و هو المذهب الذي نتحدث عنه - توقفوا في حال الامام [ صفحه 230] الكاظم فمنهم من قال بموته، و منهم من شكك في ذلك. و أما بعد الاعتراف بموت الامام الكاظم (ع) و الادانة بامامة الامام الرضا (ع)، فقد استقر الأمر عليه و فيما بعده. فلذا وردت الأحاديث في فضل زيارته ما لا يحصي من الثواب، لأنه لا يزوره الا الخلص من الشيعة و هم الاثنا عشرية. [ صفحه 233]

نهاية المطاف

وفاة الامام

محاولة الرشيد قتل الامام بطرق عدة

اشاره

لما ضاق صدر هارون من الامام (ع) و كثرة الوشاية عليه، و لم ينفع السجن معه، اذ كانت الكرامات تصدر من بين الحين و الآخر، و كان يلتقي به أصحابه سرا، قرر قتله للتخلص منه، فمن الأساليب التي اتبعها.

القائه في بركة السباع

بحارالأنوار ج 91 ص 327، و ج 48 ص 156. اذ أنه أوعز الي أحد جلاوزته،أن يجيع السباع، فلما تركها أياما بلا طعام، أوعز اليه أن ألقي موسي بن جعفر اليها، فلما رأته لاذت به، و كأنها تطلب البركة منه (ع) و لم يصب بسوء. فاغتاظ الرشيد لذلك و فشلت خطته، بعد أن دعا (ع) بدعاء الجوشن الصغير. قال ابن‌حجر في صواعقه زعمت امرأة أنها شريفة بحضرة المتوكل فسأل عما يخبره بذلك فدل علي الرضا (ع) فجاء فأجلسه علي السرير معه و سأله، فقال (ع) «ان الله حرم لحم أولاد الحسنين علي السباع فلتلق للسباع، فعرض عليها ذلك فاعترفت بكذبها، ثم قيل للمتوكل ألا تجرب ذلك فيه، فأمر بثلاثة من السباع فجي‌ء بها في صحن قصره ثم دعاه، و أغلق عليه الباب، فصارت السباع تدور حوله و تتمسح به. فقيل للمتوكل افعل كما فعل ابن عمك. فقال: أتريدون قتلي، ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك. و نقل المسعودي أنها حصلت مع الامام العسكري (ع). [ صفحه 234]

جلبه مجموعة رجال غرباء من الخزر و الترك لقتل الامام

تحرج حتي أقرب المقربين الي هارون، من قتل الأمام (ع)، و استعفوا هارون من ذلك حتي اضطر عيسي بن جعفر لما طال مقام الامام في حبسه للقول «ان أنفذت الي من يتسلمه مني و الا خليت عنه» [415] . فحاول التمويه علي الغرباء، بتقليل شأنه و جلالته و عظمته، بقتله أسوء قتلة. فروي أنه أتي بمجموعة لا تعرف الاسلام و لا لغة العرب و كانوا خمسين رجلا، فأدخلهم البيت لقتل الامام (ع) و هارون ينظر من كوة في البيت، فلما رأوه رموا أسلحتهم و ارتعدت فرائصهم، فخروا سجدا يبكون، فجعل الامام يمر يده علي رؤوسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون، و خرجوا دون استئذان [416] .

سقيه السم مرارا

منها لما وضع في صينية عشرون رطبة، و أخذ سلكا و فركه في رطبة منها و أدخله في سم الخياط، و بعث به اليه، فرمي الامام (ع) واحدة منها الي كلبه فماتت، فاغتاظ رشيد لذلك، و قال ما في موسي بن جعفر من حيلة [417] .

الرشيد يكره التوسعة علي الامام

ظن الرشيد أن التضييق علي الامام، و وضع الأغلال و القيود في يديه أو رجليه، من أساليب الاعتراف، أو الانزواء، أو الانضواء. و لكن الأبدان و ان حوربت و قهرت، و لكن العقيدة لا تحارب و لا تقهر، و هل يمكن قتل الروح!!! روي الشيخ المفيد رحمه الله أن بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه يسمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده «اللهم انك تعلم أني [ صفحه 235] كنت أسئلك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد» فوجه الرشيد من تسلمه من عيسي بن جعفر المنصور و صيره الي بغداد فسلم الي الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة، فأراده الرشيد علي شي‌ء من أمره فأبي، فكتب اليه بتسلمه الي الفضل بن يحيي، فأكرمه يحيي و وسع عليه. فعلم ذلك الرشيد فأنكر ذلك، و أمره بقتله فتوقف في ذلك. ثم انه أرسل مسرور الخادم الي بغداد و أمره بالدخول علي الكاظم فان وجده في دعة و رفاهية، أن يوصل كتابه الي العباس بن محمد و يأمره بامتثاله، و يسلم كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس. فلما رأي مسرور أن الامام في سعة، امتثل الأمر، فأخرج العباس الفضل بن يحيي، و جرده من ثيابه و جلده مائة سوط، و تسلمه السندي «لع» و كتب بالأمر الي الرشيد، فجلس في محفل و قال: أيها الناس ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي و رأيت أن ألعنه فالعنوه، و لما رأي ذلك يحيي همس في أذن الرشيد «ان الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه ثم قال: ان الفضل كان قد عصاني في شي‌ء، و قد تاب و أناب الي طاعتي...» [418] . فما بالك برجل مقيد في السجون (قيد علي قيد) و هو في اطمئنان نفس، و شكر علي نعمة الأنس بالله، و رجل في القصور، و الدنيا قيد طاعته و بين يديه، و هو في وحشة و اضطراب و قلق دائم من رجل واحد، أقلق مضجعه، فكان مصداقا للآية «و من أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا - (في الحياة الدنيا) فالدنيا بسعتها و رحبها ضيقة عليه و لا تسعه، - و نحشره يوم القيامة أعمي» [419] .

اخبار الامام بقتله

الروايات متضافرة ان لم تكن متواترة عن اخبار الامام (ع) بقتله، [ صفحه 236] فانهم و ان حاولوا تبييض قصعتهم أمام الملأ، و لكن الزنجرة تآكلتها، و الاهتراء بدا عليها، فوقعت في مزبلة التاريخ، تتقاذفها الأرجل الحرة، و تستسيغها الحشرات القذرة. قال هارون ليحيي بن خالد انطلق اليه (ع) و أطلق عنه الحديد، و أبلغه عني السلام و قل له يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك، حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك، و ليس عليك في اقرارك عار، و لا في مسألتك اياي منقصة، و هذا يحيي بن خالد، و هو ثقتي و وزيري و صاحب أمري، فسله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا. فقال (ع) ليحيي: أنا ميت و انما بقي من أجلي أسبوع [420] . فهارون أراد شرعية لعمله و تبيان أحقيته بالخلافة، و شجب الامام و كسر عنفوانه، فأخبره (ع) بأجله فقط، و انكم علي أي حال قد دبرتم المكيدة، و أحكتموها و أمبرمتوها، فلن يمكن حل عقدها بعد اليوم. و هذه حيلة مطلية بزخرفة لتبقي زينة في قصوركم، و لكن هيهات هيهات!!! و روي الشيخ الصدوق عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن يقبل قوله «قال: قال لي قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت قط مثله في نسكه و فضله، قال: قلت من و كيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الي الخير، فادخلنا علي موسي بن جعفر (ع) فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل، هل حدث به حدث، فان الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، و يكثرون في ذلك، و هذا منزله و فرشه موسع عليه غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين سوء، و انما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين، و ها هو صحيح موسع عليه في جميع أمره، فاسألوه. قال: و نحن ليس لنا هم الا النظر الي الرجل و الي فضله و سمته. [ صفحه 237] فقال (ع): أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر، أني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني أحتضر غدا، و بعد غد أموت. قال: فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة. قال الحسن: و كان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق مقبول القول ثقة جدا عند الناس [421] . فالامام (ع) لو سكت لأقرهم، و لاستطاعوا أو حاولوا بعدها زرع فسيلة التمويه في نفوسهم، لتنبت محبة آل‌العباس في قلوبهم و تورق مدي الدهر نضرة خضرة!! و لكن الامام (ع) بكلامه، نشر شجرة آل‌العباس بمنشار حجته الدامغة، لتقطع و تذبل علي مدي التاريخ، و تطرق بمطرقة الحق الذي يبقي صداها مدويا الي الأبد، اذ أن الشهود انقلبت عليه لا معه. و لما كان الغد جاء اليه الطبيب، فقال له ما حالك؟ فعرض عليه خضرة في بطن راحته، و كان السم الذي سم به، قد اجتمع في ذلك الموضع، فانصرف الطبيب اليهم فقال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم. فأعلم (ع) أهل الخبرة بذلك لتكون الحجة له عليهم آكذ. و في بحارالأنوار: أنه قال (ع) للمسيب. «انه اذا دعا لي بشربة من ماء فشربتها و رأيتني قد انتفخ بطني و اصفر لوني و تلون أعضائي فهي وفاتي» [422] و كان من حيل السندي أن قدم له الطعام بيده، ليبين كرمه له. و لكن لما احتال مرات عديدة في قتله فلم يستطع، أراد التأكد من أكله الرطب، فحملها بيده، فلما أكل (ع) قال له السندي: تزداد؟ فقال (ع) حسبك قد بلغت ما يحتاج اليه فيما أمرت به. ثم انه أحضر القضاة و العدول قبل وفاته بأيام، و أخرجه اليهم، و قال: ان الناس يقولون: ان أباالحسن موسي في ضنك و ضر، و ها هو ذا [ صفحه 238] لا علة به و لا مرض و لا ضر. فالتفت (ع) فقال لهم: اشهدوا علي أني مقتول بالسم، منذ ثلاثة أيام، اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم، و سأحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة، و اصفر غدا صفرة شديدة، و ابيض بعد غد و أمضي الي رحمة الله و رضوانه فمضي (ع) كما قال في آخر اليوم الثالث [423] . «و حاق بهم ما كانوا به يستهزؤن» [424] فوقعوا في الشباك التي نصبوها لأنفسهم، و أطبق عليهم الفخ فخنقهم و أودي بحياتهم. و هكذا تدور الدائرة علي الظالمين، فكشف أمرهم أمام الشهود العدول. و الاخبار الغيبي من الامام (ع)، يهدف الي توعية السندي و توعية الرعية بأن الامام الحق لا يخفي عليه خافية، بل كل ما هو كائن و ما يكون عندهم في كتاب، فهذا دعوة للامامة و للانضمام حولها حتي في أحلك الظروف، و آخر لحظات حياته. مع وخز الضمائر الميتة بأنه لا شرعية للظالمين، لعلها تحيي من سباتها، في هذا الظرف المناسب. و في بعض الروايات أنه لما سم (ع) وجه اليه بشهود ليشهدون عليه بخروجه عن أملاكه فلما دخلوا عليه أخبرهم الامام (ع) أنه سقي السم [425] . و هذه تبين احصاء حركاته (ع) و علمهم بالوشاية عليه، و أن الأموال الشرعية تجبي اليه من شيعته فلذا أرادوا حيازتها أيضا.

شبهة القاء النفس في التهلكة

و كم وضعنا في قفص الاتهام جراء عدم ادراك قوله تعالي (و لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة) [426] نعم التفسير بالرأي يجر الويلات. [ صفحه 239] فعد الغافلون و بالأحري الناقمون، الشهادة للشهداء في سبيل تحقيق العدالة في ربوع الأرض، انتحارا، و القاء للنفس في الهلكة، فعلي رأيهم، علي مصاصي الدماء التربع علي العرش، و الاشارة بأصابعهم الي الخدم، و علي العالم أجمع، الرضوخ الي أوامرهم، لأجل سد فوهتهم بلقمة العيش. فأين الحرية، و العزة، و الكرامة، و الشهامة!!! فالامام الكاظم (ع) و ان علم بمصيره المحتوم، بوقوفه في وجوه الجبابرة و لكنه أحيي خط الامامة. أما عند أكله التمر المسموم أو غيره، فهل علم بأن هذا مسموما؟! نرجع في حل هذه المعضلة الي الاخبار: 1 - عن ابراهيم ابن‌أبي‌محمود عن بعض أصحابنا قال قلت للرضا (ع) الامام يعلم اذا مات؟ قال: نعم، يعلم بالتعليم حتي يتقدم في الأمر. قلت: علم أبوالحسن (ع) بالرطب و الريحان المسمومين اللذين بعث اليه يحيي بن خالد؟ قال: نعم. قلت: فأكله و هو يعلم؟ قال: أنساه لينفذ فيه الحكم [427] . و في رواية مشابهة، قلت: فأكله و هو يعلم فيكون معينا علي نفسه؟ فقال: لا يعلم قبل ذلك، ليتقدم فيما يحتاج اليه، فاذا جاء الوقت ألقي الله علي قلبه النسيان ليقضي فيه الحكم [428] . فالقسم الأول يرد ذلك الي نسيان الامام بتلك اللحظة المعينة. 2 - لما قدمت للامام (ع) مائدة البرمكي، رفع رأسه (ع) قائلا «يا رب انك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت علي نفسي» [429] فأكل (ع) فمرض، و كانت وفاته علي أثرها. و تؤكد رواية أخري أن هارون بعث بسم في رطب الي السندي و أمره أن يقدمه اليه، و يحتم عليه في تناوله ففعل [430] . [ صفحه 240] فالامام (ع) في هذا القسم من الروايات كان مكرها أشد الاكراه في تناوله. 3 - عن عبدالله بن طاووس قال: قلت للرضا (ع) ان يحيي بن خالد سم أباك موسي بن جعفر صلوات الله عليهما؟ قال: نعم سمه في ثلاثين رطبة. قلت له فما كان يعلم أنه مسمومة؟ قال: غاب عنه المحدث، قلت: و من المحدث؟ قال: ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو مع الأئمة (ع) و ليس كلما طلب وجد [431] . فالأئمة (ع) كما ورد في روايات متضافرة [432] و فيها الصحيحة أن معهم روح تسددهم، و هذا هو الملك المذكور، و لا مانع من كون ترك الملك لهم في هذه اللحظة من التسديد أيضا.

وصية الامام الكاظم

انبري يراع عمر الامام، و نحف جسده، فكانت النحافة قوة في تسطير كلماته (ع) و جمالا في خط الرسالة، و عرضا في صالة التاريخ، يطفو علي لائحته الخطوط السوداء التي تكشف للناظرين، قساوة الظلم الذي أحاط به (ع). و قبل حلول المنية أوصي (ع) فكان مما قال: بعد الشهادتين و الاقرار بالأصول و الفروع. و أوصيت بها الي علي ابني، و بني بعده ان شاء و آنس منهم رشدا، و أحب اقرارهم فذلك له، و ان كرههم و أحب أن يخرجهم فذلك له، و لا أمر لهم معه، و أوصيت اليه بصدقاتي و أموالي و صبياني الذين خلفت، و ولدي و الي ابراهيم و العباس و اسماعيل و أحمد و أم أحمد، و الي علي أمر نسائي دونهم... ثم قال (ع) و ليس لأحد أن يكشف وصيتي و لا ينشرها و هي علي ما ذكرت و سميت فمن أساء فعليه و من أحسن فلنفسه، و ما ربك بظلام للعبيد، [ صفحه 241] و ليس لأحد من سلطان و لا غيره أن يفض كتابي الذي ختمت عليه أسفل، فمن فعل فعليه لعنة الله و غضبه و الملائكة بعد ذلك ظهير و جماعة المسلمين و المؤمنين، و ختم موسي و الشهود. فقال العباس بن موسي (ع) لابن عمران القاضي الطلحي: ان أسفل هذا الكتاب كنز لنا و جوهر يريد أن يحتجزه دوننا، و لم يدع أبونا شيئا الا جعله له، و تركنا عالة، فوثب عليه ابراهيم بن محمد الجعفري فأسمعه، و وثب اليه اسحاق بن جعفر ففعل به مثل ذلك. فقال العباس للقاضي: أصلحك الله فض الخاتم و اقرأ ما تحته فقال: لا أفضه لا يلعنني أبوك، فقال العباس أنا أفضه قال: ذلك اليك. ففض العباس الخاتم فاذا فيه اخراجهم من الوصية، و اقرار علي وحده، و ادخاله اياهم في ولاية علي ان أحبوا أو كرهوا و صاروا كالأيتام في حجره، و أخرجهم من حد الصدقة و ذكرها. ثم التفت علي بن موسي الي العباس فقال: يا أخي اني لأعلم أنه انما حملكم علي هذا الغرام و الديون التي عليكم. فانطلق يا سعد فعين لي ما عليهم و اقضه عنهم، و اقبض ذكر حقوقهم و خذ لهم البراءة، فلا والله لا أدع مواساتكم و بركم ما أصبحت و أمشي علي ظهر الأرض، فقولوا ما شئتم. فقال العباس: ما تعطينا الا من فضول أموالنا و ما لنا عندك أكثر، فقال: قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم، اللهم أصلحهم و أصلح بهم، و أخسأ عنا و عنهم الشيطان، و أعنهم علي طاعتك، والله علي ما نقول وكيل [433] .

معجزة الامام للوصاية الي ولده الرضا

في ضمن الروايات الصحيحة [434] ذكرت معجزة الامام (ع) و هو في سجنه، اذ أن الشيعة الامامية تعتقد جزما، أن الأئمة (ع) لهم القدرة [ صفحه 242] بالسيطرة علي أي شي‌ء في الكون، كما في نبي الله سليمان بتسخير الريح له و الجن، بل ان وصيه أتي بعرش بلقيس بأقل من طرفة عين، و كذا معاجز موسي (ع) من احياء الحوت له، و شق البحر و.... مما لا يحصي من معاجز الأنبياء، و هذا مما يقره العقل و النقل. فما الحزازة أن يسخر الله الكون بأسره لمن اطاعه؟!!! دعا الامام (ع) بالمسيب بن زهير، و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام، و كان موكلا به، فقال له: يا مسيب. قال: لبيك يا مولاي، قال: اني ظاعن في هذه الليلة الي المدينة، مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأعهد الي علي ابني ما عهده الي أبي، و أجعله وصيي و خليفتي و آمره أمري، قال المسيب: فقلت يا مولاي كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و أقفالها، و الحرس معي علي الأبواب؟! فقال: يا مسيب ضعف يقينك بالله عزوجل وفينا؟ قلت: لا يا سيدي، قال: فمه؟ قلت: يا سيدي ادع الله أن يثبتني، فقال: اللهم ثبته، ثم قال: اني أدعو الله عزوجل باسمه العظيم الذي دعا آصف حتي جاء بسرير بلقيس، و وضعه بين يدي سليمان قبل ارتداد طرفه اليه، حتي يجمع بيني و بين ابني علي بالمدينة. قال المسيب فسمعته (ع) يدعو ففقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه، و أعاد الحديد الي رجليه، فخررت لله ساجدا لوجهي شكرا علي ما أنعم به علي من معرفته. فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب، و اعلم أني راحل الي الله عزوجل، في ثالث هذا اليوم قال: فبكيت فقال لي: يا مسيب فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي، فاستمسك بولايته فانك لن تضل ما لزمته فقلت: الحمد لله. قال: ثم ان سيدي (ع) دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل، فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها، و رأيتني قد انتفخت و ارتفع بطني و اصفر لوني و احمر و اخضر و تلون ألوانا، فخبر الطاغية بوفاتي فاذا رأيت بي هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا، و لا علي من عندي الا بعد وفاتي. [ صفحه 243] قال المسيب فلم أزل أرقب وعده حتي دعا (ع) بالشربة فشربها. ثم دعاني: فقال لي: يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولي غسلي و دفني هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا! فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش، فالحدوني و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات، و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به، فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي (ع) فان الله تعالي جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا [435] . ان المنغمس بالماديات، و لا يؤمن بماوراءالطبيعة (الميتافيزيقا) الا ما وقع عليه الحس، فله شأن آخر، فما دام لا يؤمن بروحه و عقله، فالكلام معه هراء. أما بالنسبة لتأكيد الامام (ع) علي تربة الحسين الثائر (ع) ليبقي رمزا للأجيال حتي فناء الدهر. أما اعادته القيود في رجليه (ع) حتي لا يؤخذ به المسيب أو يتهم، فالخوف يسيطر عليهم حتي في سجنه فقيد فيه أيضا، الي أن قتل (ع).

كيفية قتله

مما لا ريب فيه عند علمائنا - و الكثير من العامة - أن الامام الكاظم (ع) قد قتل من قبل هارون‌الرشيد، و لكن وقع الخلاف في كيفية قتله، فهناك أقوال 1 - المشهور أنه (ع) قتل مسموما، و قد سمه يحيي بن خالد البرمكي، أو السندي بن شاهك، بأمر من هارون [436] في رطب أو طعام قدمه اليه. [ صفحه 244] 2 - لف في بساط، و أمر السندي الفراشون النصاري أن يقعدوا علي وجهه [437] . 3 - توفي في سجن السندي من دون ذكر السبب [438] . 4 - توفي حتف أنفه كما ادعي ذلك السندي «لع». و يمكن الجمع بين الأقوال أن السندي لما فضح أمام الملأ بسمه للامام (ع) أمر علي أثر ذلك أن يلف في بساط و يغمز، كي لا يبقي بعدها، و يفتضح أمره أكثر، و من المحتوم أن المجرم لن يعترف بجريمته و الا لما اقترفها.

التبرؤ من قتله

اللص و ان تواري خلف الجدار، و لكن الظل لا يخفي في واضحة النهار، و الأصبغة و ان طلت الوجه القبيح، و لكنها لا تطمس الأثر الوضيح، و البرقع لا يستر القلوب المريضة، جهد هارون و أزلامه، بكل وسيلة لدفع التهمة عن أنفسهم، بجلب الأطباء تارة، و بالخروج في جنازته تارة أخري، و التأسف لموته و... لازالة البقع الملطخة بالدماء عن هندامهم، و لتنقية ساحتهم مما ألقي فيها من تهم، و لكن هيهات هيهات، بعد أن فضح الله أسرارهم، و بقي العار يلاحقهم الي الأبد. دس هارون السم الي الامام (ع) و خرج الي المدائن أو الشام [439] . و لم يبق في بغداد، حتي لا يؤخذ به و لا يتهم، اذ أن السم الذي قتله به (ع) بقي يسري في بدنه ثلاثة أيام، الي أن توفي (ع). و هذه الحيلة لم تنطو علي أحد. فحتي و لو خرج، و لكنه هو الذي أوعز الي يحيي أو السندي بقتله. روي في عيون أخبار الرضا و غيره عن عمر بن واقد قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني، فخشيت أن [ صفحه 245] يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت اليه و قلت: انا لله و انا اليه راجعون، ثم ركبت اليه. فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟ قلت: نعم. قال: فليس هنا الا خير قلت: فرسول تبعثه الي منزلي تخبرهم خبري فقال: نعم. ثم قال: يا أباحفص أتدري لم أرسلت اليك؟ فقلت: لا فقال: أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت: أي والله اني لأعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال: من ههنا ببغداد يعرفه، ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما و وقع في نفسي أنه (ع) قد مات. قال: فبعث و جاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له أقواما فجاء بهم، فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسين رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر و قد صحبه. قال: ثم قام فدخل و صلينا، فخرج كاتبه و معه طومار، فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و حلانا، ثم دخل الي السندي قال: فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا أباحفص فنهضت و نهض أصحابنا، و دخلنا فقال لي: يا أباحفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت، ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا اليه واحد بعد واحد، فنظروا اليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد (ع) ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا و اكشفه قال: ففعل قال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نري به شيئا و لا نراه الا ميتا، قال: فلا تبرحوا حتي تغسلوه و أكفنه و أدفنه قال: فلم نبرح حتي غسل و كفن و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسي بن جعفر مني كيف يقولون انه حي و أنا دفنته [440] . و بقول السندي أتعرفون موسي بن جعفر؟ يتبين مدي التحجير الذي تعرض اليه الامام (ع) مع المنع من لقائه، مع أن هارون بعث خلف الامام الي بغداد و حبسه بها سنة 177 [441] و بقي الي وفاته (ع) فهذه السنون الطويلة [ صفحه 246] التي بقي بها في بغداد، لم يتاح له الاتصال بالأمة، بل بقي مغمورا. اضافة الي كون السندي سأل الامام الاذن له بتكفينه قائلا له: أحب أن تدعني أكفنك، فأبي (ع) و قال «انا أهل بيت حج صرورتنا و مهور نسائنا و أكفاننا من طهور أموالنا» [442] . بل اعترف السندي بذلك قائلا: كنت سألته في الأذن لي أن أكفنه فأبي و قال: «انا أهل بيت مهور نسائنا و حج صرورتنا و أكفان موتانا من طاهر أموالنا و عندي كفني...» [443] و في هذا اشارة من الامام باختلاط أموالهم بالحرام، و أنه يتنزه عن ذلك. أما هارون فانه رجع أو عاد من سفره فورا لما علم الخبر، و حضر جنازة الامام (ع) فجمع شيوخ الطالبية و بني‌العباس و سائر أهل المملكة، فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، و ما كانت بيني و بينه ما استغفر الله منه في أمره، يعني في قتله، فانظروا اليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا الي موسي بن جعفر، و ليس به أثر جراحه و لا خنق [444] . مع أنه مما لا يشك فيه أحد، أنه وضع قيد سجونه مع البراءة من قتله، كيف يوهم للناس بقوله ما كان بيني و بينه ما استغفر الله منه. ثم قبل وضعه في القبر أشهد السندي أيضا علي شفر قبره أنه لم يحدث به حدثا، و هذا كقول القائل «كاد المريب أن يقول خذوني».

مكان وفاته

اختلف في مكان وفاته (ع). 1 - في مسجد هارون، و هو المعروف بمسجد المسيب، و هو في الجانب الغربي من باب الكوفة [445] . [ صفحه 247] 2 - مات في حبس الرشيد [446] .

النداء علي جسر بغداد

الحقد مهما كان دفينا، فلابد من شطحات اللسان تخرج من الجنان و يشار اليها بالبنان. لم تجر مراسيم التشييع، بل لم يتحرك الكرسي الملكي، و لكن أمر السندي بن شاهك، بعض غلمانه أن يحملوا النعش المبارك و يجولوا به في الأسواق [447] و يوضع علي جسر بغداد ليتفرس بوجهه القريب و البعيد. و ليقهروا شيعته بذلك بأن أمامكم مات و لم يعتني به فما بالكم تخوضون حصولا علي الملك و الخلافة. و اذا بالنداء «هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم لا يموت فانظروا اليه» [448] فاذا بالحشود ما بين باك مستتر بدمعته، لئلا تكون مكيدة من السلطة، ليعرف أصحابه، و بين لاطم علي الاسلام، و ما حل علي أبناء رسول السلام، و علي الذرية الطاهرة من أولاده الكرام. و في روايات أخر أنه (ع) أمر بالنداء «ألا من أراد أن يري الخبيث ابن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج» [449] . و لكن هذه الرواية مشكوكة من عدة جهات. 1 - السندي تبرأ من قتله، فكيف ينادي عليه بهذا النداء، فيكون حينئذ قد ألصق التهمة في نفسه. 2 - أظهر الرشيد حزنه علي موت الامام (ع)، فلم لم يظهر غضبه من فعله، و لو صورة امام الرعية لينفي التهمة عن نفسه. [ صفحه 248] 3 - أقر القاصي و الداني بفضل الصادق (ع) فكيف يجرؤ السندي بالاقدام علي هذا النداء الذي فيه هتك لآل‌العباس ككل أيضا. 4 - وردت روايات متضافرة بالنداء عليه، بأنه امام الرافضة [450] ، دون هذا النداء الخبيث، فلم لم تتناقله الألسن - و خاصة أنه هتك للاسلام ككل - و قد سكت حتي أكبر الأصحاب عن ذلك. اضافة الي كون الرواية ضعيفة بجهالة بعض رواتها، فلا يمكن الاعتماد عليها. و أظن أن هذه الرواية وضعت لاهانة المذهب، و أن أصحابه لم يحركوا ساكنا بسماع هذا الخطاب الفظيع. فان الظلم و ان كان حالكا، و الجور و ان كان ملبدا، و الامام [451] و ان وضعت جثته أمام مجلس الشرطة، لتترقب الحركات، و لتكبل و تقيد الأيدي التي ترفع شعار الحق، و لكنها هل تستطيع، تكبيل الألسن الصارخة، و لو في فوهة البئر، ان لم تكن في فوهة المدفع. مع النظر الي أن الامام (ع) قد بقي ثلاثة أيام علي الجسر [452] ، و لم يبق بيت من بيوت بغداد الا و وصله ذاك الخبر المرعب. وقوع السندي في الماء. بينما اللعين ينادي علي الامام (ع) و اذا بفرسه ينفر نفرة فألقاه ففي الماء و فرق الله جموع يحيي بن خالد. و لكنه حسب ذكره في التاريخ يظهر أنه نجا بعد ذلك، و لكن وقوعه من الجسر في الماء، عبرة، ليقع مريضا مكسورا في روحه و جسده.

انتفاضة سليمان بن أبي‌جعفر المنصور

بعد القاء جثة الامام ثلاثة أيام علي الجسر، و التعرف من خلاله علي [ صفحه 249] الموالين من أصحابه، و سبر أغوار نواياهم، و تحقير و اهانة الامام و شيعته علي أكمل وجه، و بعد وصولها الي غايتها المرجوة، ارتأت السلطة الغاشمة، تنقية سجلها، بمحو العار الذي اكتسبته من هذه الجريمة النكراء. فقام سليمان بن أبي‌جعفر المنصور، مدعيا الانكار عما حدث في الأيام الثلاثة، متسائلا عن الضجيج الذي يسمعه خارجا، مع أن الأطفال قد سمعت بذلك، فكيف بهذا الصمت المدقع؟! فخرج من قصره الي الشط للتنزه غافلا عما يحصل في البلاد، فسمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر علي نعش، فقال لولده و غلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي، فاذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم، و أخرقوا ما عليهم من السواد. فلما عبروا به نزلوا اليهم، فأخذوه من أيديهم، و ضربوهم و خرقوا عليهم سوادهم، و وضعوه في مفرق أربع طرق، و أقام المنادين ينادون: ألا من أراد أن ينظر الي الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج، و حضر الخلق و غسله و حنطه بحنوط و كفنه بكفن فيه حبرة، استعملت له بألفي و خمسمائة دينار [453] ، مكتوبا عليها القرآن كله، فاحتفي و مشي في جنازته، متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش. فدفنه (ع) هناك، و كتب بخبره الي الرشيد، فكتب الي سليمان بن أبي‌جعفر: وصلت رحمك يا عم، و أحسن الله جزاك، والله ما فعل السندي بن شاهك ما فعله عن أمرنا [454] . و هذا عذر أقبح من ذنب، فكيف يفعل السندي من اعثاء الفساد في الأرض، و اهانة ابن عمه، ثلاثة أيام، و مع ذلك لا يخبر، بل و لا يعاقبه أو يهينه أو... ثم هل كان للسندي من القدرة و السلطة، و التحكم في أمور البلاد، بحيث لم يتمكن هارون من اخماد لهب حقده. و العض علي أنامل غيظه؟!!! و لكنها السياسة الحاقدة التي تشد حبل الخناق، فاذا وصلت الروح [ صفحه 250] الي حشرجة الصدر أرخت الحبل، لئلا تعصف بها رياح الثورة، التي لا تترك في مهبها كبيرا و لا صغيرا، كما فعل بهم و بأشياعهم من قبل.

من غسل الامام

دلت الروايات المتضافرة و منها الصحيحة [455] أن الامام لا يغسله الا امام مثله، و الصديق لا يغسله الا صديق مثله. و قد وردت أخبار كثيرة أن الامام الرضا (ع) هو الذي غسل والده الامام الكاظم (ع) [456] و ذكر الشيخ الصدوق في ضمن الروايات الصحيحة الدالة علي كيفية وفاته، أن الامام الرضا (ع) هو الذي غسل أباه الكاظم (ع) [457] . يقول المسيب... عندما احتضر الكاظم (ع) رأيت شخصا أشبه الأشخاص به (ع) جالسا الي جانبه، و كان عهدي بسيدي الرضا (ع) و هو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسي (ع) و قال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتي مضي. و غاب الشخص ثم أنهيت الخبر الي الرشيد فوافي السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه، و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم لا يضعون به شيئا، و رأيت ذلك الشخص يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة له، و هم لا يعرفونه [458] . و في الكافي بالاسناد الي أحمد الحلال أو غيره عن الرضا (ع) «قال: قلت له: انهم يحاجونا يقولون: ان الامام لا يغسله الا الامام. قال: فقال: ما يدريهم من غسله؟ فما قلت لهم؟ قال: فقلت: جعلت فداك قلت لهم: ان قال انه غسله تحت عرش ربي فقد صدق، و ان قال: غسله في تخوم الأرض فقد صدق. قال: لا هكذا. فقلت: فما أقول لهم؟ [ صفحه 251] قال: قل لهم: اني غسلته، فقلت: أقول لهم انك غسلته؟ فقال: نعم (ع) [459] هذا في الباطن. أما في الظاهر فقد أوصي الامام الكاظم (ع) أن يغسله مولي له مدنيا «فقد روي أنه لما حضرته الوفاة سأل السندي أن يحضره مولي له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله و تكفينه ففعل ذلك [460] و لكن لما وضع الامام (ع) علي الجسر، و قام سليمان بن أبي‌جعفر المنصور بأخذه منهم، غسله و كفنه و دفنه [461] . فالامام اما أن يكون قد غسل و اما لا، فاذا كان قد غسل فهذا الغسل الثاني دون مبرر بل قد يعد هتكا بعد ثلاثة أيام، اضافة الي أنه كان قد أوصي كما ورد فهذا خلاف وصيته فما الدليل علي جوازه ثانية. و اما أن يكون قد ألقي جثة بلا غسل، فهو خلاف الوصية، و خلاف الدين الاسلامي ككل، و هو هتك لطفل سقط، فكيف بالامام (ع)؟!!

دفنه

اننا و ان كنا لا ننكر أن الامام (ع) قد قيد في سجنه، و قد ورد في ذلك عدة روايات و منها ما يظهر منه الصحة [462] . و لكن في رواية أنه دفن بقيوده و أنه أوصي بذلك [463] . فهذه بعيدة عن الصحة، اذ أنه (ع) لما توفي و جمع السندي بن شاهك و الرشيد الفقهاء و العلماء و من له معرفة بالامام، فكشف حتي يروا [ صفحه 252] جسده، و أنه ليس به علة من جرح أو خنق، بل في بعضها أنه كشف بدنه (ع) و وضع علي عورته منديلا ليروه سالما، و مع ذلك وضع علي الجسر ثلاثة أيام يراه القريب و البعيد. فهل من المعقول أن تكون القيود في يديه أو رجليه، و لا يروي ذلك الغالي و القالي، محبة و شماتة، بل التبرؤ من قتله يستدعي رفع التهمة من جذورها، اضافة الي اشهاد الكثير من العوام أنه في سعة ودعة، و أقر الامام بذلك، و لكنه أخبر بسقيه السم. بل ادعي سليمان أنه سلخ العار عن آل‌العباس بتغسيله الامام و دفنه... فهل من البر ترك فيوده؟!! ان مظلومية أهل البيت (ع) لا تضاهيها مظلومية، فهي محفوفة بهم منذ ولادتهم و لكن علينا أن لا نبدي تلك المظلومية و المحنة بثوب ممزق مهتري‌ء يظهر من ثقوبه التزييف. فالحقيقة الناصعة، و المظلومية ساطعة، فاذا شوبت بالتزييف تكدرت، و أعطت عكس المفعول. ثم لم نقف علي حافة المنزلق، مع قارعة الطريق؟ ألقصور في الأدلة و الروايات، أم لتحريك العواطف و المشاعر و لو مع الافتعالات؟! مكان دفنه (ع) دفن (ع) في مقابر قريش، و كانت يومئذ لأشراف الناس [464] . و قال بعضهم في مدينة السلام في الجانب الغربي بباب التبن و هي قريبة من مقبرة قريش (ع)، بل قيل ان هذه المقبرة تقع في باب التبن، و لم يشك أحد من المؤرخين أن قبره الذي هو ملاذ المؤمنين و قبة شامخة تناطح السماء اليوم، هو مكان دفنه (ع). [ صفحه 253] و كم من العظماء في التاريخ - و منهم هارون‌الرشيد و معاوية - أخفيت معالم قبورهم، و صار ذكرهم حبر علي ورق، و خبر علي رتق. و لكن لم يذكر في تاريخ العالم أجمع الي يومنا هذا أن هناك أضرحة شامخة يصمد اليها وفود الحجيج من جميع أصقاع و أرجاء العالم، كما لأئمة الشيعة الجعفرية. و ما هذا الا لأن عزهم و مجدهم مستمد من قوة عزيز حكيم، و أن العقيدة التي يملكها شيعتهم بحبهم و موالاتهم، جعلتهم يرخصون بأنفسهم و أموالهم، محتملين جسديا العناء و الشقاء، و لكنه روحيا النعمة و الرخاء. و ها هو قبره الشريف يشهد الله و الند بأنه مركزا للصحة و الشفاء، و مشفا عظيما بالدواء، فمن أراد الاختبار و الابتلاء، فليراجع قصص العلماء [465] و كفي به فخرا أن سمي باب‌الحوائج الي الله.

يوم و سنة وفاته

هناك أقوال في يوم و سنة وفاته (ع) و لكن المشهور أنه: 1 - توفي (ع) يوم الجمعة لخمس أو ست أيام بقين أو خلون من رجب سنة 183 ه و عمره 54 - أو 55 سنة. و الأشهر أنه في 25 رجب. و هناك أقوال أخر 188 - 186 - 181 [466] .

الامام الرضا ينعي والده

في رواية معتبرة عن مسافر مولي الامام الكاظم (ع) قال: أمر أبوابراهيم (ع) حين أخرج به أباالحسن أن ينام علي بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا الي أن يأتيه خبره. قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي‌الحسن في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام، فاذا أصبح انصرف الي منزله. [ صفحه 254] قال: فمكث علي هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا و فرش له فلم يأت كما كان يأتي، فاستوحش العيال و ذعروا و دخلنا أمر عظيم من ابطائه. فلما كان من الغد أتي الدار، و دخل الي العيال، و قصد الي أم أحمد، فقال لها: هاتي الذي أودعك أبي، فصرخت و لطمت وجهها و شقت جيبها، و قالت: مات والله سيدي فكفها و قال لها: لا تكلمي بشي‌ء و لا تظهريه حتي يجي‌ء الخبر الي الوالي، فأخرجت اليه سفطا و ألفي دينار أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع اليه دون غيره. و قالت: انه قال لي فيما بيني و بينه، احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت، فاذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك، فادفعيها اليه، و اعلمي أني قد مت، و قد جائتني والله علامة سيدي. فقبض ذلك منها، و أمرهم بالامساك جميعا الي أن ورد الخبر و انصرف، فلم يعد بشي‌ء من المبيت كما كان يفعل، فما لبثنا الا أياما يسيرة، حتي جاءت الخريطة بنعيه (ع) فعددنا الأيام و تفقدنا الوقت، فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبوالحسن (ع) ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض» [467] . فاذن الروايات تؤكد بأن الامامة نص من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أن الامام انما هو منصوب من قبل الله عزوجل، و يعرف (ع) متي يتقلد حبل الامامة. ففي رواية صحيحة عن صفوان قال: قلت للرضا (ع) أخبرني عن الامام متي يعلم أنه امام؟ حتي يبلغه أن صاحبه قد مضي أو حين يمضي؟ مثل أبي‌الحسن قبض ببغداد و أنت ههنا. قال: يعلم ذلك حين يمضي صاحبه، قلت: بأي شي‌ء؟ قال: يلهمه الله [468] . [ صفحه 255] و شرحنا سابقا في فصل كرامات الأئمة (ع) ما يؤكد ذلك.

استحباب صيام يوم وفاته

قال الشيخ أبوجعفر الطوسي (رض) و في الخامس و العشرين كانت وفاة ابي‌الحسن موسي بن جعفر (ع) و روي أن من صامه كان كفارة مائتي سنة [469] . و في رواية كفارة سبعين سنة [470] . فالصوم جنة من النار، و يستحب الصيام في كل أيام السنة الا العيدين، و لكن استحباب يوم معين لعظمة و جلالة ذلك اليوم. و اجمالا لم يرد استحباب الصيام في وفيات الأئمة (ع)، لكن ما هو السر المكنون، لأليف السجون، الامام المحزون، باعطاء الثواب بجنات و عيون، فهذا من العلم المصون. و لكن يمكن أن نعلل ذلك بالمظلومية التي عاني منها الامام ما لم يعاني منها أي امام في دهاليز السجون. [ صفحه 259]

في زيارته و ما قيل فيه من المدح و الرثاء

فضل زيارة الامام الكاظم

تواترت الأحاديث الصحيحة، منذ بزوع اطلالة شريعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باستحباب زيارة القبور ككل، لأنها تذكر بالآخرة. و توالت الأحاديث بثواب زيارة قبور الرسول و الأئمة (ع) مما يعجز القلم عن وصفه. فالانقطاع الي الأئمة الذين هم سفينة النجاة، و الوسيلة الي الله انقطاع الي الله، و الانقطاع عن الأئمة (ع) هو انقطاع عن الله، لأن القاصد تمسك بحبل واحد، فسرعان ما سينهار و يقع، بخلاف من تمسك بحبلين - كتاب الله و عترة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم - [471] و لنذكر قطرات من بحار فضل ثواب زيارتهم (ع). عن الصادق (ع) قال «من زارنا في مماتنا، فكأنما زارنا في حياتنا» [472] و عن زيد الشحام قال: قلت لأبي‌عبدالله (ع) ما لمن زار واحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [473] . و عن الصادق (ع) قال: من زار واحدا منا كان كمن زار الحسين (ع) [474] فجعل (ع) زيارة أي امام تارة كأنها زيارة للرسول صلي الله عليه و آله و سلم لأنه صاحب الشريعة و تارة كزيارة الحسين، لأنه بثورته (ع) ركز دعائهم الشريعة. و تؤكد الأحاديث بأنهم (ع) نور واحد، فلا فرق بين أنوارهم الا علي نحو التشكيك لا التواطؤ [475] . أما زيارة الكاظم (ع). [ صفحه 260] قال الحسن بن الوشاء سألت الامام الرضا (ع) عن زيارة قبر أبي‌الحسن أمثل زيارة الحسين (ع) قال: نعم [476] . و عند عبدالرحمن بن نجران قال: سألت أباجعفر (ع) عمن زار النبي صلي الله عليه و آله و سلم قاصدا. قال: له الجنة و من زار قبر أبي‌الحسن (ع) فله الجنة [477] . و نلاحظ أن الامام (ع) بادره بثواب زيارة الكاظم (ع) دون سؤال مسبق ليرسخ في أذهان شيعته بأن الأئمة (ع) لا تقل ثوابا عن زيارة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لأنهم امتداد لرسالته. عظماء التاريخ بايعاز منهم في حياتهم أو بلا ايعاز، تخليدا لذكرهم، ينصب لهم تماثيلا تذكارية، ليسير علي خطاهم، و ينهج نهجهم كل من رأي ذاك الأثر. و مع ترويجها و انفاق الأموال الباهظة عليها، لا نلمس ذاك الأثر لا من قريب و لا من بعيد، بل قد يحطم علي مر التاريخ و لا يرمم بعدها، لكن أئمة الهدي (ع) رسموا منهجهم لشيعتهم، فرسموا في قلوب شيعتهم، و مثلوا أخلاق القرآن، فمثلوا مع القرآن لا يفترقان، فتوهجت تعاليمهم تزدهر، كلما ازدهر الزمان.

الرثاء

اعطف علي الكرخ من بغداد و ابك بها كنزا لعلم رسول الله مخزونا موسي بن جعفر سر الله و العلم المبين في الدين مفروضا و مسنونا باب الحوائج عند الله و السبب الموصول بالله غوث المستغيثينا الكاظم الغيظ عمن كان مقترفا ذنبا و من عم بالحسني المسيئينا يا ابن النبيين كم أظهرت معجزة في السجن أزعجت فيها الرجس هارونا و كم بك الله عافي مبتلي و لكم شافي مريضا و أغني فيك مسكينا لم يلهك السجن عن هدي و عن نسك اذ لا تزال بذكر الله مفتونا و كم أسروا بزاد أطعموك به سما فأخبرتهم عما يسرونا [ صفحه 261] و للطبيب بسطت الكف تخبره لما تمكن منها السم تمكينا بكت علي نعشك الأعداء قاطبة ما حال نعش له الأعداء باكونا راموا البراءة عند الناس من دمه والله يشهد ما كانوا بريئينا كم جرعتك بنوالعباس من غصص تذيب أحشاءنا ذكرا و تشجينا قاسيت ما لم تقاس الأنبياء و قد لاقيت أضعاف ما كانوا يلاقونا أبكيت جديك و الزهراء أمك و الأطهار آباءك الغر الميامينا طالت لطول سجود منه ثفنته فقرحت جبهة منه و عرنينا رأي فراغته في السجن منيته و نعمة شكر الباري بها حينا يا ويل هارون لم تربح تجارته بصفقة كان فيها الدهر مغبونا ليس الرشيد رشيدا في سياسته كلا و لا ابن‌المأمون مأمونا تالله ما كان من قربي و لا رحم بين المصلين بلا و المغنينا يزيدهم معجزات كل آونة و نائلا و له ظلما يزيدونا لم يحفظوا من رسول الله منزله و لا بحسناه بالحسني يكافونا باعوا لعمري بدنيا الغير دينهم جهلا فما ربحوا دنيا و لا دينا في كل يوم يقاسي منهم حزنا حتي قضي في سبل الله محزونا [478] . الكاظم للمظالم باب‌الحوائج قد قضي لحوائجي مما براسي صار في أكياسي هذا ابن‌جعفر من سلالة أحمد لمكارم الأخلاق كالنبراس كم كان يهدي و هو طفل يافع كأبي‌حنيفة ان بدا كالناسي هذا يصلي و المرور أمامه فأجابه: ربي دمي و حواسي ان كنت أنسي لست أنسي صبركم مما ابتليتم من بني‌العباس هارون قط لفه بعلومه لم يخش من بطش و لا افلاس تاريخنا قل: كم بلاه بفتنة لم تبق معضلة بلا أمراس فأمامنا قد حلها عن جده عن ربه لم يبق من خناس قد أفحموا لكنهم لم يرعووا موسي (كعيسي) بالحياة يقاسي كظم لغيظ عن أعادي أجرمت مع كل هذا للمسي‌ء يواسي [ صفحه 262] صبرا و عفوا ثم احسانا له هذا صراط صغته للناس حكموا عليه مشردا و مكبلا بالسجن سم بالظلام القاسي عاني امامي شدة زادت علي أيوب مع يعقوب في القسطاس من ليلهم قد شعشعت أنواره تعطي البرية طيبة الأنفاس تلك البلاوي قد رآها نعمة فاتلوا له ما خط من قرطاس حكم له كانت تترجم فعله و بها نعود من أذي الوسواس عهدا علينا أن نسير بدربكم - و علي المدي - بعزيمة و حماس صلوا عليه و آله نبع التقي ما اخضر نبت أو نما من آس سالم الحاج حسن سوريا الثابتية

الكلمة الأخيرة

... انكسرت عصا الظالمين علي رؤوس المحبين، و تفصمت عري السلاسل علي ظهور الموالين، و تقطعت سياط الجبابرة، علي جلود المؤمنين. و خالوا أن جمهرة الجلاوزة، و زمجرة الأكاسرة، قادرة علي الانقضاض و قضم ما تبقي من عظم مهشم هنا و هناك. و تناسوا أن العقيدة لا تهشم بل و لا تخدش. بل انقلبت العصا الي أقلام تسطر الحقيقة و تفضح تاريخهم، و جمرة تحرق ما تبقي من أسطورة حياتهم. و اتحدت السلاسل عري وثيقة، وصفا واحدا، تقيد كلمة الظلم و الظالمين، أما السياط فأضحت أصواتا تقف في وجه كل من حاول اذلال المؤمنين. و الدماء التي نزفت منهم تحولت الي دواة و أداة في آن واحد. فالسلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا باب الله. أقدم اليه هذه الكلمات المتبعثرة، راجية من المولي عزوجل أن تكون موضع قبول في الدارين. آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين عائدة عبدالمنعم طالب

پاورقي

[1] الفصول المهمة ص 240، كشف الغمة ج 3 ص 25، الارشاد 280.
[2] الامام الكاظم للقرشي ج 2 ص 214.
[3] بحارالأنوار ج 84 ص 213.
[4] كشف الغمة ج 3 ص 3، الفصول المهمة ص 232.
[5] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 88.
[6] عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 95.
[7] عدت الأحاديث في مسنده فقاربت هذا العدد.
[8] سفينة البحار ج 1 ص 523.
[9] الحاقة / 28.
[10] وسائل الشيعة، كتاب النكاح - أبواب مقدمات النكاح - باب 13، ح 2.
[11] الكافي ج 1 ص 476.
[12] قال في معجم البلدان: بربر: اسم يشمل قبائل كثيرة في جبال المغرب، أولها ثم الي آخر المغرب و البحر المحيط و في الجنوب الي بلاد السودان.
[13] الكافي ج 1 ص 477.
[14] معجم رجال الحديث ج 10 ص 144 (ترجمة عبدالله).
[15] أعلام الوري ص 298.
[16] انظر ترجمتها في أعلام النساء و المؤمنات ص 311.
[17] الأبواء: منزل ما بين مكة و المدينة.
[18] المحاسن ص 354، البحار ج 48 ص 3، دلائل الامامة ص 146، الأنوار البهية ص 153، و هذه الرواية معتبرة عند كثير من علماء رجال الحديث، لما في سندها من قوة.
[19] الطبرسي في أعلام الوري ص 286، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 323، أعيان الشيعة ج 2 ص 5، نورالأبصار 148.
[20] مسند الامام الكاظم (ع) ج 1 ص 3، الأنوار البهية ص 152، تذكرة الخواص ص 312.
[21] ص 146.
[22] المحاسن ص 418، الأنوار البهية ص 153.
[23] مكارم الأخلاق ص 226.
[24] مكارم الأخلاق ص 226.
[25] وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح و آدابه باب 40 ح 5.
[26] ميزان الحكمة ج 5 ص 539.
[27] المناقب لابن‌شهرآشوب ج 4 ص 323.
[28] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 6، دلائل الامامة ص 148.
[29] نفس المصدر.
[30] سفينة البحار ج 1، ص 75، 376.
[31] سفينة البحار ج 1، ص 75، 376.
[32] سفينة البحار ج 1 ص 376.
[33] آداب السلوك ص 90، فروع الكافي ج 6 ص 469.
[34] الكافي ج 473، 6، البحار ج 48 ص 10.
[35] ص 232، نورالأبصار للشبلنجي ص 148.
[36] نفس المصدر.
[37] المناقب ج 4 ص 1.
[38] أعيان الشيعة ج 2 ص 6 نقلا عن عمدة الطالب.
[39] المناقب ج 4، ص 323، الفصول 233.
[40] المناقب ج 4، ص 323، الفصول 233.
[41] الأنوار البهية ص 153.
[42] منهاج الصالحين للسيد الخوئي، المعاملات 264، العروة الوثقي باب نكاح الاماء.
[43] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 77.
[44] كشف الغمة ج 3 ص 29، الارشاد ص 283.
[45] مسند الامام الكاظم (ع) ج 1 ص 179 نقلا عن عمدة الطالب ص 196.
[46] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 324.
[47] الارشاد للمفيد 283، الطبرسي في أعلام الوري ص 301، المناقب في قول الصواعق المحرقة 204.
[48] كشف الغمة ج 3 ص 6، تذكرة الخواص لابن‌الجوزي ص 314.
[49] هنا التعليقية.
[50] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 415.
[51] أعلام النساء المؤمنات 415.
[52] البحار ج 48 ص 111.
[53] الفصول المهمة من 232، أئمتنا ج 2 ص 8، نورالأبصار ص 148.
[54] المناقب ج 4، ص 325.
[55] بحارالأنوار ج 48، ص 173.
[56] يرجع الي كتاب: فاطمة الزهراء في محنة التاريخ.
[57] الأنوار البهية ص 154.
[58] الأنوار البهية ص 154، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 314، البحار ج 48 ص 175.
[59] البحار ج 48 ص 114، الكافي ج 1 ص 227، الأنوار البهية 155.
[60] العناق: الأنثي من أولاد الماعز.
[61] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 319.
[62] أجزه: أكمل الشطر الآخر.
[63] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 319.
[64] الكافي ج 2 ص 418.
[65] بحارالأنوار ج 48 ص 117.
[66] بحارالأنوار ج 10، ص 245.
[67] الكافي كتاب الحجة ج 1.
[68] مسند الامام الكاظم ج 1، ص 77.
[69] الكافي ج 1 ص 484.
[70] سفينة البحار ج 2، ص 524.
[71] بحارالأنوار ج 48، ص 22، 21، 24.
[72] بحارالأنوار ج 48، ص 22، 21، 24.
[73] بحارالأنوار ج 48، ص 22، 21، 24.
[74] بحارالأنوار ج 48، ص 100، قرب الاسناد ص 144.
[75] ستأتي الرواية في عنوان «محاولة الرشيد قتل الامام بطرق عدة».
[76] بحارالأنوار ج 48 ص 47.
[77] بحارالأنوار ج 48 ص 57.
[78] نفس المصدر.
[79] أنفس: أمسك.
[80] بحارالأنوار ج 48 ص 146.
[81] فتق العبادي: مكان بالحيرة، المعجم الوسيط ج 2 / 579.
[82] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 311.
[83] الاحتجاج ج 2 ص 159.
[84] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 117.
[85] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 312.
[86] الكامل في التاريخ ج 4 ص 23، الطبري ج 8 ص 234.
[87] نفس المصدر.
[88] ميزان الاعتداد ج 4 ص 201.
[89] الصفراء: مادة تفرز من الكبد اذا زادت يكون صاحبه أصفر اللون و قد يؤدي ذلك الي الجنون.
[90] بحارالأنوار، مسند الامام الكاظم، المناقب، المحاسن و.
[91] مكارم الأخلاق 177.
[92] انظر مسند الامام الكاظم (ع) بأجزائه الثلاثة، فلقد جمعت أحاديثه فكانت حوالي 4346 حديثا.
[93] الكافي ج 8 / 291، هناك العشرات و قد تكون المئات من الأحاديث في الطب عنه (ع) فليراجع المسند ج 3.
[94] المناقب ج 4 ص 311.
[95] الميزان في تفسير القرآن ج 11 ص 368، مجمع البيان ج 3 ص 291، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 7 ص 358. التفسير الكبير للرازي ج 19 ص 50، تفسير روض الجنان و روح الجنان (بالفارسية) ج 11 ص 207 فرات الكوفي ج 1 / 207 العياشي ج 2 / 211.
[96] الفصول المهمة ص 240، بحارالأنوار ج 48 ص 107.
[97] بحارالأنوار ج 101 - 48، الارشاد ص 277.
[98] عيون الأخبار ج 1، ص 95.
[99] نفس المصدر ص 107، عيون الأخبار 106 - 1. [
[100] نزهة الأفكار ص 654.
[101] البحار ج 75 ص 321.
[102] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4، ص 297.
[103] الكافي ج 5، ص 123.
[104] سورة الاسراء، آية 29.
[105] كشف الغمة ج 3 ص 20، أعيان الشيعة ج 2 ص 7.
[106] الفضة.
[107] بحارالأنوار ج 48 ص 248 - 108، أعيان الشيعة ج 2 ص 7.
[108] بحارالأنوار ج 48 ص 248 - 108، أعيان الشيعة ج 2 ص 7.
[109] الكافي ج 5 ص 94 (عمران بن موسي المقصود به نبي الله موسي (ع) و انما قلب للوزن و في بعض النسخ موسي بن عمران) منه.
[110] بحارالأنوار ج 48 ص 1117 - 115.
[111] بحارالأنوار ج 48 ص 1117 - 115.
[112] شرح نهج‌البلاغة ج 18 ص 46.
[113] مقاتل الطالبيين ج 13 ص 28.
[114] ميزان الحكمة ج 7 ص 232.
[115] ميزان الحكمة ج 7 ص 232.
[116] كشف الغمة ج 3 ص 9.
[117] ميزان الحكمة ج 3 ص 274.
[118] ميزان الحكمة ج 8 ص 388 - 385.
[119] ميزان الحكمة ج 8 ص 388 - 385.
[120] الكافي ج 5، ص 75.
[121] الكافي ج 5 ص 108.
[122] فرندة: الفرند جوهر السيف و وشيه، و هو ما يري فيه شبيه مدب النمل أو شبه الغبار، المنجد - المعجم الوسيط.
[123] المناقب ج 1 ص 319.
[124] قرب الاسناد ص 144.
[125] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) نقلا عن النزاع و التخاصم للمقريزي و غيره.
[126] نفس المصدر ص 70، نقلا عن مصادر عدة.
[127] الفصول المهمة 232، كشف الغمة ج 3 ص 3، تذكرة الخواص 313، الطبري ج 8 ص 177، الكامل في التاريخ ج 4 ص 8، مسند الامام الكاظم ج 1 ص 61 نقلا عن تاريخ بغداد ج 13 ص 30، مرآة الجنان ج 1 ص 394، شذرات الذهب ج 1 ص 304 و غير ذلك.
[128] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 59، البحار ج 48 ص 39.
[129] الكافي ج 1 ص 477، الفصول المهمة ص 234، قرب الاسناد ص 140، نورالأبصار ص 149.
[130] التهذيب للشيخ الطوسي ج 4 ص 148.
[131] فدك في التاريخ للسيد محمدباقر الصدر ص 36.
[132] تفسير العياشي ج 1 ص 185.
[133] سورة الأعراف، الآية: 33.
[134] مسند الامام الكاظم (ع) ج 1 ص 56.
[135] الكافي ج 6 ص 406، بحارالأنوار ج 48 ص 149.
[136] تاريخ الطبري ج 8 ص 213، الكامل في التاريخ ج 4 ص 17.
[137] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 91.
[138] سيأتي الحديث عنها في عنوان الثورات في زمانه.
[139] بحارالأنوار ج 48، ص 150، المناقب ج 4 ص 306.
[140] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 118.
[141] سخينة: طعام حار يتخذ من حنطة و سمن، كانت قريش تكثر من أكله فعيروا بذلك. (النهاية ج 351، 2).
[142] الفصول المهمة ص 235، بحارالأنوار ج 48 ص 150، المناقب ج 4 ص 307.
[143] الصواعق لا محرقة ص 204، نورالأبصار ص 150، الفصول المهمة ص 164، كشف الغمة ج 3 ص 25.
[144] نفس المصدر ص 204، البحار ج 48 ص 248.
[145] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 119.
[146] حياة الامام موسي بن جعفر عن الأغاني ج 4 ص 74، و التاج ص 41، و تاريخ الخلفاء ص 116، و العقد الفريد ج 3 ص 258.
[147] حياة الامام موسي بن جعفر عن الأغاني ج 4 ص 74، و التاج ص 41، و تاريخ الخلفاء ص 116، و العقد الفريد ج 3 ص 258.
[148] مروج الذهب ج 3 ص 370.
[149] المصادر السابقة.
[150] المصادر السابقة.
[151] المصادر السابقة.
[152] الطبري ج 8 ص 349.
[153] الطبري ج 8 ص 349.
[154] حياة الامام موسي الكاظم ص 29 نقلا عن هارون‌الرشيد لأحمد أمين.
[155] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 101 عن مصادر كثيرة.
[156] الحياة السياسية للامام الرضا (ع) ص 101 عن مصادر كثيرة.
[157] المصادر السابقة.
[158] المصادر السابقة.
[159] المصادر السابقة.
[160] ساحر أو مشعوذ.
[161] أمالي الشيخ الصدوق ص 90، المناقب ج 4 ص 299.
[162] المناقب ج 4 ص 300.
[163] عيون أخبارالرضا ج 1 ص 101.
[164] سيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 337.
[165] يحتمل أنه ضرب من النطع (السرير الذي يجلد عليه).
[166] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 76.
[167] اسم الضيعة التي أدعي أنه اشتراها الامام (ع) تسمي البشرية أو اليسيرية، أو اليسيرة، و قد يكون اعطاء المال من جنس آخر من باب الكرامة و المعجزة لا حقيقة، بل و قد يكون شراء الضيعة حفظا للأموال الشرعية و غير ذلك.
[168] مقاتل الطالبيين ص 333، أصول الكافي ج 1 ص 485، أعيان الشيعة ج 2 ص 11، عيون الأخبار ج 1 ص 69، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 308.
[169] عيون الأخبار ج 1 ص 72، المناقب ج 4 ص 326.
[170] أعيان الشيعة ج 2، ص 11، الكافي ج 1، ص 485.
[171] تري الكثير من الوشايات علي الامام (ع) من يحيي البرمكي ضمن الكتاب.
[172] الطبري ج 8 عص 291.
[173] حياة الامام موسي الكاظم ج 2 ص 2، الطبري ج 8 ص 291، الكامل في التاريخ ج 4 ص 66.
[174] حياة الامام موسي الكاظم ج 2 ص 2، الطبري ج 8 ص 291، الكامل في التاريخ ج 4 ص 66.
[175] الامامة و السياسة ج 2، ص 226.
[176] الامامة و السياسة ج 2، ص 226.
[177] مروج الذهب ج 3 ص 393.
[178] الامام الكاظم للقرشي ج 2 ص 214، ابن‌الأثير و غيره.
[179] الشيخ الصدوق في عيون الأخبار ج 1 ص 69.
[180] الخراج: الضريبة علي الأرض لأنها كالمستأجرة.
[181] مصباح الفقاهة للسيد الخوئي ج 5، ص 126 و ما بعد، مهذب الأحكام ج 16 ص 208، المكاسب المحرمة للامام الخميني ج 2 ص 279، جواهر الكلام ج 16 ص 137، العروة الوثقي ج 2 ص 117، المكاسب المحرمة للأنصاري ص 75، وسائل الشيعة باب اباحة حصة الامام من الخمس للشيعة مع تعذر ايصالها، كتاب الخمس أبواب الأنفال باب 4.
[182] فرج المهموم ص 107.
[183] بحارالأنوار ج 48 ص 158 - 103، الفصول المهمة ص 239.
[184] الكامل في التاريخ ج 34 ص 59، تذكرة الخواص ص 314، بحارالأنوار ج 48 ص 136، الصواعق المحرقة ص 204، رسالة الصبان ص 227، الاحتجاج ج 2 ص 165، نورالأبصار ص 151، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 320، روضة الواعظين ص 184.
[185] الكامل في التاريخ ج 4 ص 18.
[186] بحارالأنوار ج 48 ص 213، عيون الأخبار ج 1 ص 73، الارشاد ص 280، مقاتل الطالبيين ص 334، الفصول المهمة ص 239، نور الأبصار ص 151، كشف الغمة ج 3 ص 24.
[187] الأنوار البهية ص 163.
[188] عيون الأخبار ج 1 ص 95.
[189] بحار ج 48 ص 148، تذكرة الخواص ص 314، نورالأبصار ص 152، الفصول المهمة ص 241، الكامل في التاريخ ج 4 ص 59، الأنوار البهية 164، كشف الغمة ج 3 ص 44.
[190] الأنوار البهية ص 165.
[191] الأنوار البهية ص 165.
[192] البحار ج 48، ص 237.
[193] نفس المصدر ص 230.
[194] أمالي الصدوق ص 90، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 306، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 93.
[195] الجمعة / 6.
[196] بحارالأنوار ج 48 ص 214، عيون الأخبار ج 1 ص 73.
[197] المصدر السابق.
[198] منهج الدعوات ص 245، مروج الذهب ج 3 ص 356 (باختلاف يسير) الصواعق المحرقة ص 204.
[199] اليعقوبي ج 2 ص 414.
[200] عدن: مدينة معروفة باليمن، و هي في أقصي جنوب الدولة العباسية.
[201] سمرقند: مدينة سوفياتية في وسط آسيا (أوزبكستان حاليا) و هي في أقصي شرق الدولة العباسية من بلاد ماوراء النهر.
[202] افريقية: و هي في أقصي غرب الدولة العباسية.
[203] سيف البحر مما يلي الخزر و أرمينيا: السيف: أي ساحل، فالمقصود به ساحر بحر قزوين (خزر) و أرمينيا قريبة الي خزر و هذا يقع في أقصي شمال الدولة العباسية.
[204] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 321، تذكرة الخواص ص 314، بحار ج 48 ص 144.
[205] المصدر السابق.
[206] بحارالأنوار ج 48 ص 156.
[207] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 93، الارشاد ص 280، بحارالأنوار ج 48 ص 129.
[208] بحارالأنوار ج 48 ص 131.
[209] بحارالأنوار ج 48 ص 126، عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 81.
[210] المصدر السابق، الفصول المهمة ص 238.
[211] الميزان في تفسير القرآن ج 4 ص 214، التفسير الكبير للرازي ج 9 ص 205، الكاشف ج 1 ص 481، فقه السنة ج 3 ص 437، علم المواريث في المذاهب الخمسة 198 و غيرها.
[212] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 81.
[213] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 81.
[214] ميزان الحكمة ج 2 ص 160.
[215] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3 ص 118 نقلا عن مصادر عدة.
[216] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3 ص 118 نقلا عن مصادر عدة.
[217] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3 ص 118 نقلا عن مصادر عدة.
[218] نفس المصدر عن ملحقات احقاق الحق ج 9 ص 688 عن مصادر عدة.
[219] عيون أخبار الرضا ص 76.
[220] الاختصاص ص 262، بحارالأنوار ج 48 ص 156، تفسير العياشي ج 2 ص 230.
[221] بحار ج 48 ص 148، تذكرة الخواص ص 314، مسند الامام الكاظم ص 102 - 100 - 98، نورالأبصار ص 152، الفصول المهمة ص 241، الكامل في التاريخ ج 4 ص 59، الأنوار البهية ص 165.
[222] البحار ج 48 ص 158.
[223] الكافي ج 2 ص 243.
[224] بحارالأنوار ج 48 ص 136.
[225] نفس المصدر ص 158، قرب الاسناد ص 126.
[226] معجم رجال الحديث ج 12 ص 230، رجال الكشي ص 367.
[227] الكافي ج 5 ص 110.
[228] اليعقوبي ج 2 ص 414.
[229] البحار ج 48 ص 109.
[230] البحار ج 48 ص 174.
[231] المصدر السابق، ج 10 ص 247.
[232] معجم رجال الحديث ج 10 ترجمة عبدالله الكاهلي.
[233] جالق: شاهق (الجبل المرتفع).
[234] الكافي ج 5 ص 109.
[235] معجم رجال الحديث ج 9 ص 122.
[236] سيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 313.
[237] بحار ج 75 ص 380.
[238] بحار ج 75 ص 380.
[239] بحار ج 2 ص 36.
[240] أمالي الصدوق 203.
[241] الكافي ج 8 ص 124.
[242] البحار ج 48 ص 242، 77، 73، 66، 53، 38، 37، 33، 32، 31 و غيرها. رجال الكشي ص 231.
[243] بطن الرمة: منزل لأهل البصرة اذا أرادوا المدينة، بها يجتمع أهل البصرة و الكوفة.
[244] بحار ج 48 ص 34.
[245] رجال الكشي ص 45.
[246] نفس المصدر ص 51.
[247] ترجمة هشام بن الحكم في معجم الثقات و التنقيح و غيره.
[248] الكافي ج 1 ص 313، عيون الأخبار ج 1 ص 37 - 30.
[249] الكافي ج 1 ص 313، عيون الأخبار ج 1 ص 37 - 30.
[250] بحارالأنوار ج 48 ص 64.
[251] الامام الكاظم للقرشي ج 2 ص 319.
[252] معجم رجال الحديث ج 19 ص 14.
[253] بحارالأنوار ج 48 ص 112، الكافي ج 3، ص 92.
[254] المصدر السابق ص 77.
[255] المصدر السابق ص 35، و رجال الكشي ص 273.
[256] حياة موسي بن جعفر للقرشي ج 1 ص 458، نقلا عن الأغاني ج 5 ص 241، و التاج في أخلاق الملوك ص 35.
[257] حياة موسي بن جعفر للقرشي ج 1 ص 458، نقلا عن الأغاني ج 5 ص 241، و التاج في أخلاق الملوك ص 35.
[258] اليعقوبي ج 2 ص 404.
[259] الكامل في التاريخ ج 4 ص 11 (حوادث سنة 169)، الطبري ج 8 ص 192.
[260] الكامل في التاريخ ج 4 ص 11، الطبري ج 8 ص 193، حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 464.
[261] ضرب ثمانين سوطا، و ضرب ابن‌جندب خمسة عشر سوطا، و ضرب مولي عمر سبعة أشواط، فاذا كان الجميع قد شربوا الخمر علي حد زعمهم، فلم التفرقة في الحد اذن؟!!.
[262] الكامل في التاريخ ج 4 ص 11، الطبري ج 8 ص 193، حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 464.
[263] الكامل في التاريخ ج 4 ص 11، الطبري ج 8 ص 193، حياة الامام موسي بن جعفر ج 1 ص 464.
[264] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3، ص 150.
[265] الكافي ج 1 ص 366.
[266] بحارالأنوار ج 47 ص 372.
[267] بحارالأنوار ج 48 ص 50.
[268] مقاتل الطالبيين ص 436.
[269] بطن مر: من نواحي مكة.
[270] المصدر السابق ص 437.
[271] بطن مر: من نواحي مكة.
[272] مروج الذهب ج 3 ص 336، المعارف لابن قتيبة 381، الكامل في التاريخ ج 4 ص 13، الطبري ج 8 ص 196، مقاتل الطالبيين ص 294، (الرواية مقتبسة من عدة روايات).
[273] البحار ج 48 ص 165.
[274] المصدر السابق، نقلا عن عمدة الطالب 172، معجم البلدان ج 6 ص 341، سر السلسلة العلوية ص 14.
[275] تاريخ الطبري ج 8 ص 198.
[276] مقاتل الطالبيين ص 294.
[277] بحارالأنوار ج 48 ص 150، المناقب لابن‌شهرآشوب ج 4 ص 306.
[278] . الكافي ج 1، كتاب الحجة ص 366.
[279] معجم رجال الحديث ج 20 ص 64. تنقيح المقال ج 3 (ترجمة يحيي).
[280] العترف: قيل انه قلب العفريت، الشيطان الخبيث (النهاية ج 3 ص 178).
[281] الكافي ج 1 ص 366.
[282] ترجمة يحيي، يرجع الي كل من الطبري ج 8 ص 244، الكامل في التاريخ ج 4 ص 33، و اليعقوبي ج 2 ص 48، المسعودي في مروجه ج 3 ص 353، تنقيح المقال ج 3 ص 318، المعجم للسيد الخوئي ج 20 ص 64، الكافي ج 1 ص 367، مقاتل الطالبيين 645، بحار ج 48 ص 182.
[283] تاريخ الطبري ج 8 ص 244.
[284] الكامل في التاريخ ج 4 ص 33.
[285] اليعقوبي ج 1، ص 408.
[286] اليعقوبي ج 1، ص 408.
[287] عيون الأخبار ج 1 ص 76.
[288] المناقب ج 2 ص 381.
[289] المحاسن 258، مسند الامام الكاظم ج 1، ص 460،.
[290] آية 106 من سورة النحل، ذكرت قصة عمار في مجمل التفاسير.
[291] غافر / 24.
[292] آل‌عمران / 28.
[293] البحار ج 48 ص 159.
[294] المصدر السابق ص 112، الكافي ج 3 ص 92.
[295] مسند الامام الكاظم ج 3 ص 556.
[296] الكافي ج 1 ص 351.
[297] معجم رجال الحديث ج 14 ص 126.
[298] بحار ج 48 ص 126.
[299] العود: الآلة الموسيقية المعروفة.
[300] الطنبور: آلة موسيقية ذات عنق طويل لها أوتار نحاس (مزيكة).
[301] مفتاح كنوز السنة ص 486.
[302] النهاية ج 3 ص 317.
[303] قال السيد الخوئي في معجمه، في ترجمة علي بن يقطين: في رواية صحيحة أن الامام الصادق (ع) دعا علي يقطين، فخاف علي بن يقطين (ولده) أن يشمله الدعاء فقال له الامام الكاظم (ع) «انما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة، يجي‌ء المطر فيغسل اللبنة و لا يضر الحصاة شيئا».
[304] الارشاد ص 274، نورالأبصار للشبلنجي ص 150، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع) لابن الصباغ المالكي ص 236، معجم رجال الحديث ترجمته.
[305] البحار ج 48 ص ص 196.
[306] بحارالأنوار ج 48 ص 197.
[307] معجم رجال الحديث ج 19 ص 289.
[308] التاريخ و الاسلام للسيد جعفر مرتضي ج 3 ص 115.
[309] المصدر السابق.
[310] الوضاح: لعلها الوضاحية قرية منسوبة الي بني وضاح مولي لبني‌أمية و كان بربريا (البحار).
[311] الكامل في التاريخ ج 4 ص 18، الطري ج 8 ص 205.
[312] مسند الامام الكاظم (ع) ج 1 ص 65.
[313] ميزان الحكمة ج 6 ص 472.
[314] ميزان الحكمة ج 6 ص 472.
[315] سورة البقرة، آية: 42.
[316] سورة آل‌عمران، آية: 71.
[317] دروس في علم الأصول حلقة 3 ج 2 ص 398.
[318] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 452.
[319] رجال الكشي 489، معجم رجال الحديث (ترجمته).
[320] ميزان الحكمة ج 2 ص 218.
[321] البقرة / 27.
[322] بحارالأنوار ج 48 ص 36.
[323] دراسات و بحوث في التاريخ و الاسلام ج 3 ص 149.
[324] ميزان الحكمة ج 6 ص 515 و 484.
[325] مروج الذهب ج 3 ص 372 و ما بعد.
[326] مروج الذهب ج 3 ص 372 و ما بعد.
[327] مروج الذهب ج 3 ص 372 و ما بعد.
[328] الكامل في التاريخ ج 4، ص 93.
[329] ميزان الحكمة ج 6 ص 529، 524، 526.
[330] ميزان الحكمة ج 6 ص 529، 524، 526.
[331] الكافي ج 1 ص 351.
[332] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 376.
[333] البحار ج 74 ص 231 - 232.
[334] البحار ج 74 ص 231 - 232.
[335] مر معنا في يحث أساليبه في اتصاله بالقواعد الشيعية الشعبية بعض الشي‌ء في ذلك.
[336] الكافي ج 1 ص 139.
[337] الرسالة طويلة فليراجع الكافي ج 8 ص 124، البحار ج 8 ص 242 و قد ذكرت بعضها في عنوان رسائله الي أصحابه.
[338] ذكرت في عنوان التقية في رسالة التعزية الي خيزران.
[339] النجم / 3.
[340] الكافي ج 2 ص 315.
[341] البحار ج 91 باب أدعية الامام الكاظم و أحرازه.
[342] سورة آل‌عمران، آية: 49.
[343] سورة يوسف، آية: 41.
[344] مجمع البيان ج 3 ص 334.
[345] البحار ج 70 ص 205.
[346] الالهيات ج 2 ص 64.
[347] الميزان في تفسير القرآن ج 6 ص 191 - 178.
[348] سورة البقرة، آية: 3.
[349] سورة الجن، آية: 26.
[350] مختصر من الالهيات للشيخ السبحاني ج 2 ص 105 - 102، و توضيح المراد تعليقة علي شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلي ص 654.
[351] بصائر الدرجات ص 264.
[352] تفسير العياشي ج 2 ص 205.
[353] مستند الامام الكاظم ج 1 ص 366.
[354] واقصة: موضعان، منزل في طريق مكة بعد بعد القرعاء. و كذا واقصة بأرض اليمامة.
[355] قل ما ذكرت سيرة الامام الكاظم (ع) في أحد الكتب سواء عند العامة أو الخاصة الا و ذكرت هذه الكرامة.
[356] الامام الصادق في نظر علماء الغرب ص 141.
[357] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 157 - 155.
[358] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 157 - 155.
[359] كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج 1 ص 158، البحار ج 47 ص 378.
[360] رجال الكشي ص 408.
[361] رجال الكشي ص 408، معجم رجال الحديث ج 15 ص 127.
[362] رجال الكشي ص 408، معجم رجال الحديث ج 15 ص 127.
[363] سورة الأنبياء، آية: 23.
[364] ذكرت في كتابنا الامام الصادق في محنة التاريخ.
[365] مسند الامام الكاظم ج 1 ص 246.
[366] البحار ج 2 ص 290، كشف الغمة ج 2 ص 230.
[367] هو أبويوسف القاضي (يعقوب بن ابراهيم) كان صاحب أباحنيفة، و يقول بكثير من آرائه، و لكنه رجع عن ذلك عند موته فقال: كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه، الا ما وافق كتاب الله و السنة. (تنقيح المقال ج 3 ص 329).
[368] البحار ج 2 ص 290، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 78.
[369] نفس المصدر من البحار، و في هذا المعني الكثير من الأخبار.
[370] نفس المصدر من البحار، و في هذا المعني الكثير من الأخبار.
[371] الملل و النحل ج 1 ص 97، الالهيات ج 1 ص 87.
[372] اتباع أبي‌عبدالله محمد بن كرام.
[373] الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة ص 146، دراسات في العقيدة الاسلامية ص 145، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد 294.
[374] الكافي ج 1 ص 105.
[375] قال السيد الخوئي في معجمه ان الروايات التي تنسب الي هشام بن الحكم بأنه قائل بالتجسم ضعيفة، بل له كتاب في الرد علي هشام بن سالم الجواليقي في القول بالتجسم، و أظن أن الحسد من أصحابه له، جرهم الي الافتراء عليه، اضافة الي أن أباالحسن الأشعري قال: قيل ان هشام قائل بالجسمية. قال هشام: اني أريد أنه تعالي جسم أنه موجود قائم بذاته. (معجم رجال الحديث ج 19 ص 294).
[376] الكافي ج 2، كتاب الايمان و الكفر باب مجالسة أهل المعاصي.
[377] حياة الامام الكاظم للقرشي ج 1 ص 158.
[378] الالهيات ج 1 ص 207 - 206 للشيخ جعفر السبحاني. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 289، توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ارشاد الطالبيين الي نهج المسترشدين 208.
[379] توضيح المراد ص 467 نقلا عن الكافي و الصدوق في باب صفات الذات، دراسات في العقيدة الاسلامية 186. و لعل الادلاء برأيه هنا كان سرا لأبي‌بصير، لأنه المعروف عن أهل البيت (ع) هو السكون الاجمالي في المسألة.
[380] التوحيد للصدوق باب القرآن ما هو الحديث 2، ص 223.
[381] التوحيد 224 و الأمالي 330.
[382] الالهيات ج 1 ص 220، أوائل المقالات للشيخ المفيد ص 58.
[383] اضافة الي أن كلمة مخلوق تأتي بمعني مكذوب و مفتعل، قال تعالي (انما تعبدون من دون أوثانا و تخلقون أفكا) (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ان هذا لا اختلاق). فكان اطلاق هذه اللفظة في حق القرآن موهما لكونه كذبا، فاستعملت كلمات أهل البيت، بلفظ محدث و كلام الله و كتابه و وحيه.
[384] المصدر السابق حديث 4.
[385] وسائل الشيعة ج 18 أبواب صفات القاضي الباب 9، حديث 29، 35، 12، مستدرك الوسائل ج 17 باب 9 ص 304.
[386] وسائل الشيعة ج 18 أبواب صفات القاضي الباب 9، حديث 29، 35، 12، مستدرك الوسائل ج 17 باب 9 ص 304.
[387] وسائل الشيعة ج 18 أبواب صفات القاضي الباب 9، حديث 29، 35، 12، مستدرك الوسائل ج 17 باب 9 ص 304.
[388] مسند الامام الكاظم (ع) ج 3 ص 480.
[389] البصائر 408.
[390] ميزان الحكمة ج 8 ص 324.
[391] ميزان الحكمة ج 8 ص 324.
[392] دلائل الامامة 147.
[393] الملل و النحل ج 1 ص 150، الأنوار النعمانية ج 2 ص 254، الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة ص 87 (و فيه أن الذي لقبهم بالممطورة، هو يونس بن عبدالرحمن).
[394] البحار ج 48 ص 252.
[395] عيون الأخبار ج 1 ص 22، معجم رجال الحديث ج 18 ص 356.
[396] عيون الأخبار ج 1 ص 28، الروايات متواترة في ذلك، الكافي ج 1 ص 311، و ما بعد... عيون الأخبار ج 1 ص 20 و ما بعد.
[397] البحار ج 48 ص 266.
[398] رجال الكشي 287.
[399] بحارالأنوار ج 48 ص 256.
[400] معجم رجال الحديث ج 10 ص 326.
[401] الكشي ترجمة محمد بن سنان.
[402] انظر حق اليقين في معرفة أصول الدين هناك تواتر في الروايات ج 1 ص 338.
[403] رجال الكشي 376 - 345 - 344.
[404] البحار ج 48 ص 268.
[405] رجال الكشي ص 287.
[406] بحار ج 48 ص 267.
[407] رجال الكشي ص 287 - 286.
[408] رجال الكشي ص 287 - 286.
[409] البحار ج 48 ص 250 و ما بعد.
[410] البحار ج 48 ص 250 و ما بعد.
[411] الأنوار النعمانية ج 2 ص 239.
[412] الملل و النحل ج 1 ص 133.
[413] نفس المصادر و الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة.
[414] الملل و النحل ج 1 ص 147.
[415] روضة الواعظين 187، أعلام الوري ص 299.
[416] بحارالأنوار ج 48 ص 249، المناقب ج 4 ص 301.
[417] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 101، المناقب لابن‌شهرآشوب ج 4 ص 303.
[418] الارشاد (بتصرف) 283 - 281.
[419] طه 124، الميزان ج 16 ص 325، مجمع البيان ج 4 ص 34، الكشاف 3 ص 95، التبيان ج 7 ص 220.
[420] الأنوار البهية ص 166، مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 290.
[421] الأنوار البهية ص 167، قرب الاسناد ص 142، أمالي الصدوق: ص 90، المناقب ج 4 ص 328.
[422] عيون الأخبار ج 1 ص 106، الأنوار البهية ص 167، المناقب ج 4 ص 328.
[423] بحارالأنوار ج 48 ص 248.
[424] سورة هود، آية: 8.
[425] دلائل الامامة ص 147.
[426] سورة البقرة، آية: 195.
[427] بحارالأنوار ج 48 ص 236 - 235.
[428] بحارالأنوار ج 48 ص 236 - 235.
[429] مناقب ابن‌شهرآشوب ج 4 ص 327.
[430] عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 85.
[431] رجال الكشي ص 371.
[432] الكافي ج 1 ص 273.
[433] عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 33.
[434] معجم رجال الحديث (للسيد الخوئي) ج 18 / 162.
[435] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 102.
[436] ذكرنا الروايات في ذلك في عنوان أخبار الامام بقتله، و كذا في عنوان حقد هارون علي الامام، و من العامة مروج الذهب ج 3 ص 365، الفصول المهمة ص 240، نور الأبصار ص 151، اسعاف الراغبين في هامش نور الأبصار ص 227، الصواعق المحرقة 204 و غيرها.
[437] مقاتل الطالبيين 336 - 355.
[438] الكافي ج 1 ص 476.
[439] غيبة الشيخ الطوسي 19، البحار ج 48 ص 231 - 248.
[440] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 97، الأنوار البهية (للشيخ عباس القمي) 169.
[441] الصواعق المحرقة ص 204 مسند الامام الكاظم (ع) باب شهادته.
[442] الكافي ج 1 ص 381.
[443] الارشاد للمفيد ص 283، نور الأبصار للشبلنجي 151، كشف الغمة ج 3 ص 28.
[444] عيون أخبار الرضا ج 1 ص 105، اليعقوبي ج 2 ص 414.
[445] البحار ج 48 ص 239.
[446] ابن‌حجر في صواعقه.
[447] روي أن السوق الذي وضع فيه النعش الشريف، سمي سوق الرياحين، و بني علي الموضع بناء، و جعل عليه باب لئلا يطأه الناس بأقدامهم، و ليتبرك بزيادته. (الأنوار البهية).
[448] الارشاد للمفيد ص 281، المجالس السنية ج 2 ص 549، نور الأبصار ص 152.
[449] المجالس السنية ج 2 ص 549، كمال الدين ص 38.
[450] بحارالأنوار ج 48 ص 234 - 231 - 227، الأنوار البهية 171 - 169، الفصول المهمة ص 240، كشف الغمة ج 3 ص 27، الارشاد ص 281.
[451] بحار ج 48 ص 248.
[452] المناقب ج 4 ص 328. ذكر في الكامل في التاريخ في حوادث سنة 198، و كذا الطبري في حوادث 199.
[453] روي السيد الأمين في مجالسه ج 2 ص 549 عن الصدوق خمسمائة دينار.
[454] الأنوار البهية ص 171، المناقب ج 4 ص 328.
[455] جواهر الكلام ج 4 ص 58، بحارالأنوار ج 27 ص 288، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 248.
[456] بحارالأنوار ج 27 ص 288.
[457] معجم رجال الحديث ج 18 ص 162 نقلا عن الصدوق.
[458] بحارالأنوار ج 48 ص 225، المناقب ج 4 ص 328.
[459] الكافي ج 1 ص 385، وردت عدة روايات عن الرضا (ع) في ذلك، دلائل الامامة 147.
[460] كشف الغمة ج 3 ص 27، المجالس السنية ج 2 ص 547، الأنوار البهية ص 168، الارشاد للمفيد ص 283، روضة الواعظين 189 - 187، أعلام الوري ص 299، مقاتل الطالبيين 335.
[461] الأنوار البهية 171، المجالس السنية ج 2 ص 549، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 105.
[462] غيبة الشيخ الطوسي 19، عيون الأخبار ج 1 ص 104، مسند الامام الكاظم ج 1 ص 118.
[463] الأنوار البهية 172.
[464] المناقب ج 4 ص 328، الأنوار البهية ص 172، نور الأبصار ص 152.
[465] القصص العجيبة له ستغيب، سيماء الصالحين لرضا مختاري.
[466] أعيان الشيعة ج 2 ص 5.
[467] أم أحمد ابنة الامام الكاظم (ع) و كانت علي درجة عظيمة من الورع و التقي، فلذا سلمها الامام (ع) مواريث الامام و أمرها أن تسلمها الي أخيها الرضا (ع) عند طلبه منها.
[468] الكافي ج 1، ص 381، الأنوار البهية 172.
[469] الكافي ج 1 ص 381.
[470] مصباح المتهجد ص 566، مفتاح‌الجنان ج 3 ص 56.
[471] يراجع المراجعات للسيد عبدالحسين شرف‌الدين.
[472] بحارالأنوار ج 97 ص 116 و ما بعد و فيه 34 رواية في هذا المعني.
[473] بحارالأنوار ج 97 ص 116 و ما بعد و فيه 34 رواية في هذا المعني.
[474] بحارالأنوار ج 97 ص 116 و ما بعد و فيه 34 رواية في هذا المعني.
[475] السيد جعفر مرتضي.
[476] ميزان الحكم ج 5 ص 308، مفتاح الجنات ج 2 ص 132، بحارالأنوار ج 97 ص 116.
[477] ميزان الحكم ج 5 ص 308، مفتاح الجنات ج 2 ص 132، بحارالأنوار ج 97 ص 116.
[478] المجالس السنية من قصيدة السيد صالح النجفي.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.