الامام موسي الكاظم (عليه السلام) باب الحوائج سيرة، و دروس، و تحليل

اشارة

عنوان الامام موسي الكاظم عليه السلام : باب الحوائج " سيره، و دروس، و تحليل "
نام كتابخانهكتابخانه مدرسه عالي فقه و معارف اسلامي (حجتيه)
پديدآورنده سليمان، كامل،
موضوع سرگذشتنامه = چهارده معصوم = موسي بن جعفر(ع)، امام هفتم، ۱۲۸-ق۱۸۳.
شماره رديف2878
مابقي فيلدها{117} = {19}
شماره ثبت۱۶۵۵۹
شرح پديدآوربقلم كامل سليمان
ناشردارالتعارف للمطبوعات
محل نشربيروت
رده كنگره۱۳۷۹ ۸ فلا۸ س/۴۶ BP
زبانعربي
نوعCO
يادداشتعربي = كتابنامه
عنوان/فروست/ساير باب الحوائج " سيره، و دروس، و تحليل "
مشخصات ظاهري۳۸۹ ص
نسخه
ISBNق۱۴۲۱. = م۲۰۰۰. = ۱۳۷۹

تحية الامام

بسم الله الرحمن الرحيم «السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله في شأنه، [أسلم عليك] عارفا بحقك، معاديا لأعدائك، مواليا لأوليائك، فاشفع لي عند ربك يا مولاي». [1] . [ صفحه 7]

الاهداء

الي سابع الأوصياء الأبرار، الأئمة الأخيار، الي من كان يحيي الليل بالصلاة و الاستغفار، الي ذي السجدة الطويلة التي تستغرق بعض الليل، و نصف النهار، الي حليف البلوي، و الصبر علي ظلم الأشرار، الي من أقام أمر الله بوجه البغي و الاستكبار،... ... الي الامام السابع، الشافع للزوار في يوم القسمة بين الجنة و النار، الي موسي بن جعفر... بن محمد المختار، بن علي الكرار، بن فاطمة ذات العز و الفخار. أهدي عملي هذا الذي هو من بحر هؤلاء السادة الأطهار، صلوات الله و سلامه عليهم. المؤلف [ صفحه 9]

بين يدي البحث

أحد الصادقين عليه‌السلام في قول الله عزوجل: (فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين...) [2] قال: «هم المسلمون لآل محمد صلي الله عليهم و سلم؛ اذا سمعوا الحديث أدوه كما سمعوه، لا يزيدون و لا ينقصون». [3] . و أنا علي هذا الأساس أتابع سيري في بيان ما وصل اليه فهمي من سيرهم عليهم‌السلام، فأوصله الي قرائي الكرام، مستمدا تعليقاتي من أقوالهم، و أقوال أوليائهم أو خصومهم، لا أزيد و لا أزايد، و لا أنقص و لا أتنقص، بل أبرز الحق و أثابر علي صدق الكلمة، فأفسر مرة، و أوضح أخري، و أرسم بعض الظلال لا يضاح ما أنا بصدده مرة ثالثة. و بين يدي باب الحوائج عليه‌السلام أعتذر الي الله سبحانه و اليه عن التقصير في فهم كل مآتيه، و ابراز جميع معانيه، فان ذلك يستعصي علي جهابذة الفهم، و يستحيل علي حملة العلم، و سائر أرباب القلم، لأن امامته التي استغرقت أكثر من ثلث قرن، أقضت مضاجع أربعة من الخلفاء الجبابرة، و أتعبت وزراءهم و المشيرين في قصورهم، ممن باعوا آخرتهم و عبدوا السلاطين، و طعام الغسلين. [ صفحه 10] أجل، كانت حياته أحجية في عصر دام نصف قرن و أعواما، اذ بدأت تظهر مخايل آياته و هو في المهد، و أذهلت معاصريه الي نهاية ذلك العهد، ثم مازال يسمو رفعة و ظهورا كلما حاولوا اطفاء نور الله تعالي فيه، فبهر عقول العلماء، و أدهش الخلفاء و الأمراء، و تقوقع بين يديه الفقهاء و القضاة؛ ثم ما زاده كيد هؤلاء و هؤلاء الا عظمة و سموا، لأن من وقف في وجه أمر الله تعالي، باء بخزيه. و في كتابي هذا تراني عارض أحداث و حوادث، و محلل مبهمات و غوامض، و مزيلا لغبار ظلم الحكام الذي غطي حقائق التاريخ، و معلنا لحقائق خرست عندها أقلام الجبناء الذين لهثوا وراء الرغيف، و أعمي أبصارهم بريق الدنانير، أو كم أفواههم لمعان السياط... و قد أصاب أبو نؤاس كبد الحقيقة يوم قال لامامنا الكاظم عليه‌السلام حين تشرف بلقائه: اذا أبصرتك العين من غير ريبة و عارض فيك الشك، أثبتك القلب و لو أن ركبا يمموك لقادهم نسيمك، حتي يستدل بك الركب جعلتك حسبي في أموري كلها و ما خاب من أضحي و أنت له حسب [4] . و أنا أجعله حسبي... و انه عليه‌السلام لكما قال أبونؤاس: بل هو فوق ذلك، و لا يعرفه علي حقيقته الا بارئه الذي جعله للناس اماما. و أنا انما أحاول تقريب الآخرين من معرفته جزئيا، و بقدر استيعابي لما يصدر عن الله تبارك و تعالي؛ فهو منتدب من لدن ربه الذي صنعه علي عينه، و رصده لأمره، حجة علي خلقه. [ صفحه 11] و الشي‌ء الوقح عندنا أننا نعتبر أنفسنا شركاء لله تعالي في اختياره فنرضي ببعض الأمور الصادرة عنه، و نرفض البعض الآخر، كأنه كان ينبغي له أن يستشيرنا فيما يقضي و يقدر؛ فنقف في وجه انتخابه للأنبياء و نكذبهم، و نعارض انتخابه لأوصياء رسله، و نرفض عطاءاته لأصفيائه بالرغم من أنه سبحانه قد وبخ علي ذلك بقوله الكريم:(أم لهم نصيب من الملك - يعني ملكه جلت قدرته - فاذا لا يؤتون الناس نقيرا(53)) [5] ،أي يبخلون بالنعمة علي الآخرين و ان كان المنعم بها غيرهم... (أم يحسدون الناس علي ما ءاتاهم الله من فضله - و هذا هو الواقع الذي سفهه سبحانه و تعالي، و قال: - فقد ءاتينا ءال ابراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا) [6] رضي الحاسدون بذلك أم رفضوه... و ملك آل ابراهيم - أي محمد و أهل بيته صلوات الله عليهم- يتجلي في ولاء مئات و مئات الملايين للأوامر التي حملوها للناس، و للنواهي التي سنها دستور السماء و جعلهم أمناء عليها... و طاعة أوليائهم لهم. و في مجال الكلام حول الامام المنصب من الله تبارك و تعالي، نورد ما قاله الامام الرضا عليه‌السلام الذي قال:«... فكيف لهم - أي للناس - باختيار الامام، و الامام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، أي لا يضعف - معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة، و العلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول - أي بحمل الرسالة من بعده - و نسل المطهرة البتول؛ لا مغمز فيه في نسب... مضطلع بالامامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزوجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله... ثم قال في حديث طويل: [ صفحه 12] ان العبد اذا اختاره الله لأمور عباده، شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم الهاما، فلم يعي بعده بجواب، و لا يحير فيه عن الصواب. فهو معصوم، مؤيد، مؤفق، مسدد، قد أمن الخطايا و الزلل و العثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده، و شاهده علي خلقه، و (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21)). [7] . و بالحقيقة اذا وقع اختيار الله سبحانه. و قضي بأمر، فليس للاهث وراء ابطال أمره و اختياره الا العثار و الخسار... و قد حدث صفوان الجمال عن الامام الكاظم عليه‌السلام قائلا: «سألت الشيخ - و هذا أحد ألقاب امامنا - عن الائمة عليهم‌السلام؟ قال: من أنكر واحدا من الأحياء، فقد أنكر الأموات». [8] . فلا يبطل انكارنا اختيار الله تعالي، و لا يقف في وجه تميز الامام عن الناس اعتراض أحد، بل ان انكار الأئمة - أحياء و أمواتا - هو كفر و نفاق بما جاء به محمد صلي الله عليه و اله و سلم عن ربه، و قضاء الله سبحانه لا شأن للعباد فيه. و باب الحوائج عليه‌السلام، هو فعلا باب قضاء الحوائج التي يرفعها الناس بواسطته الي الله تعالي. و قد ذكروا أن امرأة رؤيت في بغداد و هي تهرول - تركض - فقيل لها الي أين؟ قالت: الي موسي بن جعفر. فقال لها قائل مستهزي: انه - أي الامام - قد مات في الحبس - يعني أنه لو كان يقدر علي شي‌ء لخلص نفسه من الحبس - و كان ذلك بعد وفاته بقليل. [ صفحه 13] فقالت المرأة: بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة!. فاذا بابنها قد أطلق، و أخذ ابن‌المستهزي‌ء بجنايته». [9] . فبهذه السرعة يستجيب الله تعالي لمن توسل بالامام باخلاص و معرفة و انقطاع. ولو حاولنا ذكر أمثال هذه القصة للزم أن نفرد لذلك كتابا ضخما لا بابا في هذا الكتاب، فان ذلك معروف لدي العام و الخاص في بغداد و في الأقطار الاسلامية. قد قال العلامة القندوزي - و هو من فقهاء أهل السنة-: «و أما جملة القول في أبناء علي رضي الله عنهم، فهم معظمون مكرمون عند الناس بدون اختيارهم، و المؤمنون بتعظيمهم و تكريمهم واثقون و موقنون. فلهم سر كريم، و كمال جسيم، و شيم عجيب، و عرق طيب، و فضل بين، و وقار متين، و عرق نام، و غصن باسق، و أصل ثابت!. فلذلك لم يكتفوا بذلك التعظيم و التكريم، فاشتغلوا بالتكاليف الشداد، و المحن الغلاظ، و العبادات الشاقة، و المجاهدات التامة». [10] . و انهم عليهم‌السلام لكما قال و فوق ما قال، و لم يصل الي معرفة قدرهم موال و لا معاد أبدا، بل ان الموالي لما تداخله نفث الشيطان تصور هم أربابا، كما أن المعادي الذي لم يستوعب منزلتهم الالهية قال فيهم مثلما قال الكفرة بكل ما ينزل من السماء حين رموا أنبياء الله بالكذب و السحر. و مع ذلك لم نجد ذاما لائمتنا عليهم‌السلام، لا من الحكام و لا من ذوي الأطماع، و لا العلماء، و لا الجهال و ان كان قد خالفهم الحكام، و حسدهم العلماء، و ازور عنهم أهل التعصب و العناد. و قد قال كمال الدين، محمد بن طلحة الشافعي بحق هذا الامام العظيم عليه‌السلام: [ صفحه 14] (هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، المشهود بالكرامات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما، و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه، دعي كاظما. كان يجازي المسي‌ء باحسانه اليه، و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه؛ و لكثرة عبادته كان يسمي بالعبد الصالح؛ و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح المتوسلين الي الله تعالي به. كراماته تحار بها العقول، و تقضي بأن له عندالله تعالي قدم صدق لا تزل و لا تزول». [11] . قال باب الحوائج - فيما رواه عنه أبوالمغراء -. «من كانت له الي الله حاجة، و أراد أن يرانا، و أن يعرف موضعه من الله، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا، فانه يرانا، و يغفر له بنا، و لا يخفي عليه موضعه. قلت: سيدي، فان رجلا رآك في منامه، و هو يشرب النبيذ؟. قال: ليس النبيذ يفسد عليه دينه؛ انما يفسد عليه تركنا و تخلفه عنا. ان أشقي أشقيائكم من يكذبنا في الباطن بما يخبر عنا؛ يصدقنا في الظاهر، و يكذبنا في الباطن. نحن أبناء نبي الله، و أبناء رسول الله صلوات الله عليه، و أبناء أمير المؤمنين عليه‌السلام، و أحباب رب العالمين. نحن مفتاح الكتاب، بحبنا نطق العلماء، و لو لا ذلك لخرسوا. نحن رفعنا المنار، و عرفنا القبلة؛ نحن حجر [ صفحه 15] البيت في السماء و الأرض، و بنا غفر لآدم، وبنا ابتلي أيوب، و بنا افتقد يعقوب، و بنا حبس يوسف، و بنا رفع البلاء. بنا أضاءت الشمس، و نحن مكتوبون علي عرش ربنا. مكتوبون: محمد خير البشر، و علي سيد الوصيين، و فاطمة سيدة نساء العالمين. من أحبنا و تبرأ من عدونا كان معنا، و ممن في الظل الممدود، و الماء المسكوب». [12] . و لا عجب أن يكونوا كذلك مازال الله تعالي قد جعلهم كذلك، و جعلهم مطهرين من كل دنس بنص القرآن الكريم، و حملهم كلمته، و جعلهم تراجمة وحيه، و حملة أمره، و الححج علي خلقه، فأعطاهم ما لم يعط أحدا من العالمين، ليكونوا جديرين باضطلاع منصب السفارة عنه في أرضه، و بتفسير الكتاب، و بيان السنة و الأحكام في الحلال و الحرام. و لا ينقضي العجب من الذين خاصموهم و ناصبوهم العداوة، كيف سموا أنفسهم مسلمين، و كيف قعد كثيرون منهم مقعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم في حكم الأمة، ثم لم يتورعوا عن قتل ذريته و ابادة نسله، ناسين أن لهم موقف خصومة معهم يوم القيامة... و يوم العدل... الذي يكون أشد علي الظالم من المظلوم. و بالأخير نضع بين يدي القاري‌ء الكريم صورة حية لامامنا الكاظم عليه‌السلام أيام طفولته المبكرة تتجلي فيها مظاهر عطايا الله تعالي لأبناء هذا البيت الكريم. فقد قال الامام الكاظم - نفسه -: [ صفحه 16] «دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي، فأجلسني أبي بين يديه و قال: يا بني اكتب: تنح عن القبيح و لا ترده... ثم قال: أجزه. فقلت: و من أوليته حسنا فزده. ثم قال: ستلقي من عدوك كل كيد. قلت: اذا كاد العدو فلا تكده. قال: فقال: (ذرية بعضها من بعض!...). [13] . «و قيل لأبي عبدالله الصادق عليه‌السلام: ما بلغ بك من حبك ابنك موسي عليه‌السلام؟! فقال: وددت أن ليس لي ولد غيره، حتي لا يشاركه في حبي له أحد». [14] . و حدث الحسن بن علي الوشاء عن الامام الرضا عليه‌السلام، فقال: «سألته عن زيارة قبر أبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، مثل زيارة الحسين عليه‌السلام؟ قال: نعم». [15] . و (ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين) [16] . [ صفحه 17]

من هو الكاظم؟

كانت لأبي الحسن الكاظم عليه‌السلام مكانة مرموقة بين جميع معاصريه علي اختلاف أهوائهم، ذلك أنه كان يتحلي بمزايا فذة لم يشاركه فيها أحد مطلقا. و لقد ظهر من خلقه السمح، و سماته الطيبة، و تدينه العجيب ما فتن به الألباب و انتزع به التقدير و الاجلال من سائر من عرفه؛ فكان ذا هيبة علوية علوية تأخذ بمجامع القلوب فيتخاذل دونها الأمير و الوزير، و العالم و السوقة؛ و هذا هو الذي أو غر عليه صدور الحكام و عبدة السلطان و أقلقهم، فبيتوا له ما لا يرضاه الله تعالي، و عاملوه بمنتهي القسوة و بكامل الجفوة. و هو - بالحقيقة - حامل الرسالة، و ناقل الكلمة الفصل اذا اختلط فقهاء الدين و اختبط العلماء في تفسير القرآن و بيان السنة و الأحكام، لأنه عليه‌السلام من بيتها و زيتها؛ و لقد قال أخوه علي بن جعفر: «قال أبوعبدالله - الصادق عليه‌السلام -: ان الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا، و صورنا فأحسن صورنا، و جعلنا خزانه في سمائه و أرضه. و لنا نطقت الشجرة، و بعبادتنا عبدالله عزوجل، و لولا نا ما عبدالله». [17] . نعم، لو لا هم ما عبدالله حق عبادته، فرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم كان البشير [ صفحه 18] النذير، و علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان ما حي الكفر و أهله، و الحسن أبقي علي الدين يوم كادت تتجدد الوثنية علي يد معاوية مجدد الأموية، و الحسين أحيا شهادة أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله، و الامام زين‌العابدين أنعش الدين في قلوب البقية من المؤمنين، و الباقر و الصادق علما هذه الأمة و كانا الفقيهين و الأستاذين لمدرسة خرجت الأبدال من الرجال، و علي ذلك درج سائر الأئمة من أهل هذا البيت الكريم... فنعم و نعم، لولاهم ما عبدالله حق عبادته، فان أكثر المصلين كانوا من عبدة الشياطين و ممن حاكوا المؤامرات، و أحكموا المكائد و الافتراءات أثناء الصلاة!. في حين أن الأئمة عليهم‌السلام لم يطمعوا في ملك، و لا استهواهم شي‌ء من زخرف الحياة، و لا فاهوا بكلمة، و لا رفعوا صوتا الا لاحقاق حق أو ابطال باطل. و هذا هو الذي جعل الناس يتعلقون بحبل ولائهم، و جعل عبيد الدنيا يطاردونهم لينفض الناس من حولهم، بل كانوا ينكلون بشيعتهم و محبيهم و يقتلونهم علي الظن و التهمة كي يستقيم لهم أمر دنياهم. و هم عليهم‌السلام علماء ملهمون، محدثون مفهمون، علمهم لدني مخلوق معهم، فلا يحتاجون الي أحد، و يحتاج اليهم كل أحد، فعن علي السائي، عن امامنا الكاظم عليه‌السلام أنه قال: «مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوه: ماض، و غابر، و حادث. - الغابر هنا بمعني الآتي -. فأما الماضي فمفسر، و أما الغابر فمزبور- أي مذكور و مكتوب عندهم في عهد الولاية. و أما الحادث فقذف في القلوب، و نقر في الأسماع، و هو أفضل علمنا - أي أنه الهام و كلام حسب المناسبة... و لا شي‌ء بعد نبينا.» [18] أي لا يوحي اليهم و لا يتلقون أحكاما جديدة مطلقا. [ صفحه 19] من أجل هذه المرتبة الالهية السامية، تنمر لهم هواة التسلط علي رقاب العباد؛ فقد روي محمد بن فضيل أن امامنا الكاظم عليه‌السلام قال في قول الله تبارك و تعالي: (أم يحسدون الناس علي ما ءاتائهم الله من فضله): نحن المحسودون.» [19] و حسدهم لم يخف علي أحد اليوم و لا قبل اليوم، مع أنهم مفترضوا الطاعة من قبل الله تبارك و تعالي. فكيف سوغ الناس لأنفسهم عصيان أوامر الله و أوامرهم الرامية الي مصلحة عباد الله لا أكثر و لا أقل، فلم يدعوا لأنفسهم و لا رغبوا في حطام. و لا استهواهم تسلط و لا طمع. و لقد قال معمر بن خلاد: «سأل رجل فارسي أباالحسن عليه‌السلام: طاعتك مفترضة؟ قال: نعم. قال: مثل طاعة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام؟ فقال: نعم.» [20] . فمن عصاهم في حلال الله تعالي و حرامه، و سائر أحكامه، فقد عصي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عصي ربه عزت قدرته، و لا أمر بين الأمرين، فقد حدث أخوه علي بن جعفر أنه عليه‌السلام قال: «نحن في العلم و الشجاعة سواء، و في العطايا علي قدر ما نؤمر.» [21] . فلا فرق بينهم صغارا كانوا أم كبارا، لأن علمهم من الجامعة السماوية الوحيدة، و قد قال الصدوق رحمه الله: «قد اشتهر في الناس أن أباالحسن موسي عليه‌السلام، كان أجل ولد [ صفحه 20] الصادق عليه‌السلام شأنا، و أعلاهم في الدين مكانا. و كان أعبد أهل زمانه، و أعلمهم و أفقههم». [22] . و قال ابن‌شهرآشوب:«و كان أجل الناس شأنا، و أعلاهم في الدين مكانا، و أسخاهم بنانا، و أفصحهم لسانا، و أشجعهم جنانا؛ قد خص بشرف الولاية، و حاز ارث النبوة، و بوي‌ء محل الخلافة». [23] . و قال ابن‌الجوزي: «كان يدعي العبد الصالح لأجل عبادته و قيامه بالليل، و كان كريما، حليما، اذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث اليه بمال». [24] . و قال علي بن عيسي الاربلي:«مناقب الكاظم عليه‌السلام و فضائله و معجزاته الظاهرة، و دلائله و صفاته الباهرة، و مخائله تشهد أنه انتزع قبة المجد و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها، و ذللت له كو اهل السيادة فركبها و امتطاها، و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها، طالت أصوله فسمت الي أعلي رتب الجلال، و طابت فروعه فعلت الي حيث لا تنال؛ يأتيه المجد من كل أطرافه، و يكاد الشرف يقطر من أعطافه». [25] . و قال العلامة القندوزي:«و من أئمة أهل البيت أبوالحسن موسي الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهما. و كان رضي الله عنه صالحا، عابدا، جوادا، حليما، كبير القدر». [26] . و روي عن الخطيب البغدادي، و هو من أعاظم أهل السنة، و ثقات [ صفحه 21] المؤرخين و قدمائهم، أنه قال: «كان موسي عليه‌السلام يدعي العبد الصالح من شدة عبادته و اجتهاده». [27] . ثم ذكر عند الخطيب البغدادي في (تاريخه) و السمعاني في (الرسالة القوامية) و أبوصالح، أحمد، في (الأربعين) و أبوعبدالله بن بطة في (الابانة) و الثعلبي في (الكشف و البيان) قالوا: «و كان أحمد بن حنبل، مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌السلام لما روي عنه قال: حدثني موسي بن جعفر، قال: حدثني أبي، جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، محمد بن علي، قال: حدثني أبي، علي بن الحسين، قال: حدثني أبي، الحسين بن علي، قال: حدثني أبي، علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم... ثم قال أحمد بن حنبل و هذا اسناد لو قري‌ء علي المجنون لأفاق». [28] . و صدق الامام ابن‌حنبل بقوله فيهم هذا القول، بل يصدق كل من يعطيهم حقهم و يقول فيهم قولا كريما، لأنهم أولو العلم الذين لم يسبقهم سابق، و لا يلحقهم لاحق، و لأنهم لم يصانعوا سوي وجه ربهم، و لا طمعوا في غير رضاه. هكذا خلقهم الله، و علي ذلك برأهم و أنشأهم... و من أحسن من الله صنعا؟! علمهم من علم الله تعالي، و قد أطلعهم علي ما كان، و علي ما سيكون في سابق علمه و تقديره لئلا تخفي عليهم خافية مما يجري حولهم فتبطل حجتهم علي الناس. و قد قال لأبي الحسن عليه‌السلام رجل من فارس: أتعلمون الغيب؟ [ صفحه 22] فقال: قال أبوجعفر - أي جده الباقر عليه‌السلام -: يبسط لنا العلم فنعلم، و يقبض عنا فلا نعلم. و قال: سر الله عزوجل أسره الي جبرائيل عليه‌السلام، و أسره جبرائيل الي محمد صلي الله عليه و اله و سلم، و أسره محمد الي من شاء الله» [29] أي الي وصيه أميرالمؤمنين عليه‌السلام، فأسره علي و بنوه المعصومون عليهم‌السلام واحد الي واحد فهم حاملو مواريث النبوة الي الأبد، دون أن يحتاجوا الي موافقة من يوافق، و من غير أن يطعن في ذلك رفض من يرفض... و قد روي محمد بن حكيم عن امامنا الكاظم عليه‌السلام أنه قال له: «السلاح موضوع عندنا - و هو يعني مواريث النبوة - مدفوع عنه. و لو وضع عند شر خلق الله كان خيرهم. لقد حدثني أبي أنه حيث بني بالثقفية - أي تزوجها - و كان قد شق له في الجدار - أي للسلاح - فنجد البيت - يعني جعل له رفوفا و فرشا- فلما كانت صبيحة عرسه رمي ببصره فرأي حذوه - أي بجانب الشق - خمسة عشر مسمارا؛ ففزع لذلك، و قال لها: تحولي - اخرجي من البيت - فاني أريد أن أدعوا موالي في حاجة. فكشطه - يعني نزع الطين عنه - فما منها مسمارا الا وجده مصروفا طرفه عن السيف، و ما وصل اليه منها شي‌ء». [30] . فهل ذلك السلاح سوي آلة امامة الناس الموروثة عن الأنبياء لأنها من مستلزمات السفارة السماوية التي تجهز هذا المنصب بكل مقومات الولاية و القيام بالأعمال السماوية؟. انها هي لو عقلنا، لأن الله عزوعلا ما كان لينتدب لأمره مخلوقا أعزل، بل لا بد من أن ييسر له أن يقول للشي‌ء كن، فيكون، باذنه جلت قدرته. فعن أحمد بن حماد، عن ابراهيم، عن أبيه، عن أبي‌الحسن الأول عليه‌السلام - أي الكاظم - قال: [ صفحه 23] «قلت له: جلعت فداك، أخبرني عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم، ورث النبيين كلهم؟! قال: نعم. قلت: من لدن آدم حتي انتهي الي نفسه؟ قال: ما بعث الله نبيا الا و محمد صلي الله عليه و اله و سلم أعلم منه. قلت: ان عيسي بن مريم كان يحيي الموتي باذن الله. قال: صدقت. قلت: و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير، و كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقدر علي هذه المنازل؟! قال: ان سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده و شك في أمره: (فقال مالي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين (20)) [31] حين فقده؛ فغضب عليه فقال:(لأعذبنه عذابا شديدا أو لأاذبحنه، أو ليأتيني بسلطان مبين (21)) [32] و انما غضب لأنه كان يدله علي الماء. فهذا، و هو طائر، قد أعطي ما لم يعط سليمان؛ و قد كانت الريح و النمل، و الانس و الجن، و الشياطين المردة له طائعين، و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء و كان الطير يعرفه!. و ان الله يقول في كتابه: (و لو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتي...) [33] و قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما نسير به الجبال، و نقطع به البلدان، و تحيا به الموتي. و نحن نعرف الماء تحت الهواء؛ و ان في كتاب الله لآيات ما يراد [ صفحه 24] بها أمر الا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله مما كتبه للماضين، جعله الله لنا في أم الكتاب. ان الله يقول: (و ما من غائبة في السماء و الأرض الا في كتاب مبين (75)) [34] ثم قال: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا...) [35] فنحن الذين اصطفانا الله عزوجل، و أورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شي‌ء». [36] . نعم انهم مصطفون علي علم من الله سبحانه، و لا يقاس بهم أحد، و أمرهم لا ينسحب علي أحد من العالمين... قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» [37] و قد أخرجه الملا، و صححه رواة الحديث من كافة الفرق الاسلامية. كما أنه قد صح عن نبينا صلي الله عليه و اله و سلم قوله: «لا يحبنا، أهل البيت، الا مؤمن تقي، و لا يبغضنا الا منافق شقي» [38] . فالاعتراف بما هم فيه و عليه من السهولة بمكان عند من يؤمن بالله و رسله و كتبه و ملائكته؛ كما أنه من الصعوبة بمكان لدي من يجحد فضل أهل الفضل و ينفس بالنعمة علي غيره و لو كانت من غيره. و ان أمر الأئمة لصعب مستصعب في كلا الحالين أيضا لأن المحب لا يصبر عليه حتي يبوح به الي غيره من المحبين، و المعادي «لا يريد» أن يستوعب أمرهم، بل يحشو [ صفحه 25] أذنيه قطنا لئلا يسمع فيهم، أو منهم، شيئا... و لينطح الجبل اذا شاء فعسي أن يبرد غليله... «قال علي بن يقطين: قلت لأبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: أيجوز أن يكون نبي الله عزوجل بخيلا؟ فقال: لا. فقلت له: فقول سليمان عليه‌السلام: (... رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي...) [39] ما وجهه، و ما معناه؟ فقال: الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة و الجور و اختيار الناس، و ملك مأخوذ من قبل الله تبارك و تعالي، كملك آل ابراهيم، و ملك طالوت، و ذي القرنين. فقال سليمان عليه‌السلام: (... وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي...) [40] أن يقول انه مأخوذ بالغلبة و الجور و اختيار الناس، فسخر الله تبارك و تعالي له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، و جعل غدوها شهرا، و رواحها شهرا؛ و سخر له الشياطين كل بناء و غواص؛ و علم منطق الطير، و تمكن في الأرض، فعلم الناس في وقته و بعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس، و المالكين بالغلبة و الجور. فقلت له: فقول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: رحم الله أخي سليمان ما كان أبخله؟! فقال: لقوله و جهان: ما كان أبخله بعرضه و سوء القول فيه. و الوجه الآخر يقول ما كان أبخله ان كان أراد ما يذهب اليه الجهال. [ صفحه 26] ثم قال عليه‌السلام: قد والله أوتينا ما أوتي سليمان، و ما لم يؤت سليمان، و ما لم يؤت أحد من العالمين!. قال الله عزوجل في قصة سليمان: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (39)) [41] و قال في قصة محمد صلي الله عليه و اله و سلم: (... و مآءاتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا...). [42] . فهم أهل أمر و نهي يصدرون بذلك عن السماء؛ و قولهم ينبغي أن يكون مسموعا لأنه عن الله عز اسمه؛ و هم عيبة علمه، و مستودع سره، و أمناؤه علي وحيه و عزائم أمره. و قد قدر سبحانه ذلك لهم دون أن يستشير أحدا من خلقه لأنه لا شريك له، و لا ينزع سربالهم الذي ألبسهم اياه ربهم بخلنا به، و لا رفضنا له، و لا اعتراضنا عليه... و يكفي في هذا الموضوع أن نورد ما قاله معاوية بن أبي‌سفيان الذي قال:«سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول: «ان هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد الا أكبه الله علي وجهه ما أقاموا الدين» [43] و قد قالها لنا أبويزيد ليجر النار الي قرصه، ولكنه خرج من قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بما ابتدع في الدين، و ان كان من قريش في جناحها الذي ضل و حارب النبي و دعوته و حزب لذلك الأحزاب!. أما سيدنا الامام الكاظم عليه‌السلام، فهو من ذروة قريش و سنامها، و هو ابن‌رسول‌الله صلي الله عليه و اله و سلم، سيد ولد آدم، القائل: «ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟!. ان كل سبب و نسب ينقطع يوم القيامة، الا سببي و نسبي. و ان رحمي موصولة في الدنيا و الآخرة» [44] . [ صفحه 27] فعن أبي‌هريرة أن سبيعة بنت أبي‌لهب رضي الله عنها، جاءت الي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فقالت: يا رسول الله، ان الناس يقولون: أنت بنت حطب النار!. فقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و هو مغضب فقال: ما بال قوم يؤذونني في قرابتي؟!. من آذي قرابتي فقد آذاني، و من آذاني فقد آذي الله». [45] . أفلا يحسن بالمسلمين أن يسمعوا كلام الله و كلام رسوله العظيم الذي لا ينطق عن الهوي؟. لقد آن أن يخجلوا منهما، و يعملوا بقولهما؟. بلي، و لو كان عند المسلم بقية من حياء لذكر أن له موقفا بين يدي الله و رسوله حين لا ينفع الندم نادما. و من اللياقة أن يتمسك المسلم بالمبادي‌ء، التي اعتنقها، و أن يدور في فلك مبادئه و عقيدته. اما أن يسمع من نبيه شيئا و يسد أذنيه عن شي‌ء، فهذا ليس من الايمان في حال. بل نحن نبالغ فنقول: يجب علي المسلم أن يتعصب لرب خلقه و رزقه و كفل حياته، و لرسول هداه الي الصراط المستقيم، و عمل علي تخليصه من النار و الجحيم. فان من اخلاص المرء لقضيته أن ينسجم معها، و لا يؤمن ببعض مقوماتها و يكفر ببعض... و كيف نسمي أنفسنا مسلمين، و لا نعمل بعقيدة الاسلام ككل لا يتجزأ؟. هذا ما ينبغي أن لا يكون... و هو كله في أعناق أئمة الجور الذين وقفوا في وجه كلمة الله الصافية المصفاة، و حجبوها عن الناس، و وضعوا في طريقها القيود و السدود، و أوقفوا مسيرة الدين، و داسوا - بكبريائهم - جميع مقدسات الله ليؤثلوا ملكا عضوضا قام علي جماجم أهل الحق... ولكنهم لم يعضوا السماء، و لا خربوا نظام الشمس، بل بقيت القافلة تمشي و هم [ صفحه 28] يلهثون وراءها و وراء عيش انقضي، فطحنهم البلي بكلكله، و باؤوا بخزي الدنيا و الآخرة. «قال محمد بن منصور: سألت عبدا صالحا - أي الامام الكاظم عليه‌السلام - عن قول الله عزوجل: (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن...). [46] . فقال: ان القرآن له ظهر و بطن؛ فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، و الباطن من ذلك أئمة الجور. و جميع ما أحل الله تعالي في الكتاب هو الظاهر، و الباطن من ذلك أئمة الحق». [47] . فأبو الحسن امام، ابن‌أئمة، و أبوأئمة حملوا أمانة الله الي الناس، و قالوا كلمة العدل في وجه الحاكم الظالم، و كفخوا فقهاء السوء في القصور، و انسجموا مع الحق الذي حملوه عن ربهم في أشد أزمنة الظلم و الغشم، غير هيابين و لا وجلين،و لا قوا في سبيل ذلك تشريدا، و حبسا.. و قتلا. و لم ترع فيهم قرابة نبي و لا سفارة سماء!. ولكنهم ظلوا مع الحق و جاهروا به، و ضربوا مثلا أعلي في الخلق الرفيع، و كانوا خير أنموذج للانسان الكامل الذي يسفح أنانيته في سبيل تبليغ دعوة ربه، و بسبيل اصلاح مجتمعه. ...«ومر - امامنا الكاظم عليه‌السلام - برجل من أهل السواد، دميم المنظر - أي قبيح الوجه - فسلم عليه و نزل عنده، و حادثه طويلا. ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة ان عرضت له. فقيل له: يابن رسول الله، أتنزل الي هذا، و تسأله عن حوائجه و هو اليك أحوج؟!. [ صفحه 29] فقال عليه‌السلام: عبد من عبيدالله، و أخ في كتاب الله، و جار في بلاد الله، يجمعنا و اياه خير الآباء آدم عليه‌السلام، و أفضل الأديان الاسلام. و لعل الدهر يرد من حاجاتنا اليه، فيرانا - بعد الزهو عليه - متواضعين بين يديه. ثم قال عليه‌السلام: نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقي بدون صديق» [48] . و انه لمن الخلق العظيم الذي كان يمتاز به جده الأعظم محمد صلي الله عليه و اله و سلم، حيث كان يجالس أهل الصفة من فقراء المسلمين حين كانوا يأوون الي البقيع في المدينة المنورة ليتلقوا صدقات الناس و ليأكلوا مما يقدمونه لهم؛ ثم كان يحادثهم، و يأكل معهم، و يمنحهم كل عناية و رعاية... و هذه هي أخلاق الأنبياء الذين صدعوا بدعوة السماء، و جاؤوا ليعلموا الناس الخلق الكريم، و السيرة الفاضلة. أما كبراؤنا و أغنياؤنا فيتجنبون مجالسة مثل هذا الرجل الفقير، و لا يحتكون به لئلا يلتصق بهم فقره!. و من خلقه السامي: ما حدث به حماد بن عثمان الذي قال: «بينا موسي بن عيسي [49] في داره التي في المسعي، أشرف علي المسعي اذ رأي أباالحسن عليه‌السلام مقبلا من المروة علي بغلة. فأمر ابن‌هياج [50] أن يتعلق باللجام و يدعي البغلة فأتاه، فتعلق باللجام، فادعي البغلة. فثني أبوالحسن عليه‌السلام رجله فنزل عنها و قال لغلمانه: خذوا سرجها و ادفعوها اليه. [ صفحه 30] فقال الهمداني - ابن‌هياج -: و السرج أيضا. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: كذبت، ان عندنا البينة بأن السرج سرج - بغلة - محمد بن علي عليه‌السلام - أي اشتراه جده - و أما البغلة فانا اشتريناها منذ قريب، و أنت أعلم و ما قلت!» [51] . أجل يا سيدي، هو أعلم و ما قال من كذب و افتراء. و قد عرفت كيف تفضح كذبه، و كيف تدوس برجلك كبرياء سيده موسي بن عيسي، البارك علي شرفة منزله كما يبرك البعير. و لو حاول الانسان أن يتكلم حول صبرك علي ألأذي و الظلم لخانه بيانه، واستعصت عليه اللغة التي نعرفها، فأنت من شجرة النبوة التي أصلها ثابت و فرعها في السماء... و أنت يا موسي بن عيسي: مت بغيظك و حسدك و حقدك فانك دون هذه المعارك الشريفة التي يخسر فيها المبطلون!. و بغلك الهمداني، ابن‌هياج، تصرف تصرف الأحمق الذي أشار عليه عتل زنيم، فأطاه و كان مثله عتلا زنيما. «و قال علي بن حمزة: رأيت أباالحسن عليه‌السلام يعمل في أرض له. و قد استنقعت قدماه من العرق؛ فقلت له: أين الرجال؟!. فقال: يا علي، قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه، و من أبي. فقلت: و من هو؟!. فقال: رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و آبائي كلهم قد عملوا بأيديهم؛ و هو من عمل النبيين و المرسلين و الأوصياء و الصالحين». [52] . [ صفحه 31] فمرحي لسليل الأطهار الذين خلقهم ربهم قدوة للعالمين، و هداة للدين، يسعون في مناكب الأرض، و يأكلون من رزق الله الحلال الطيب بكد أيديهم.. و انكم يا سيدي لكما قال جدكم الأكرم صلي الله عليه و اله و سلم: «يا علي ما عرف الله الا أنا و أنت، و ما عرفني الا الله و أنت، و ما عرفك الا الله و أنا...» و ان الذين كادوا لكم، و أزالوكم عن مراتبكم قد رحلوا عن الدنيا بأوزار ينوء بها الجدار...(ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا...) [53] . أجل، هذه هي العظمة التي تنتهي دونها كل عظمة!. فان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، الذي هو أشرف الخلق لم يعش علي حساب تعب الآخرين، بل كان يعمل بيده، و لا يأكل الصدقة - و ان كان يقبل الهدية -. و كان يضرب أعظم مثل اجتماعي يشجع به الناس علي العمل المثمر الذي يسد الحاجة، و يغني عن تكلف ما في أيدي الناس... ثم حذا حذوه وصيه أميرالمؤمنين سلام الله عليه، و سائر أوصيائه، لأن هذا من شأن الرسل و أوصيائهم و الصالحين من الناس. و ان امامنا الكاظم عليه‌السلام ليري العز كل العز في أن تستنقع قدماه بالعرق، و يري الذل كل الذل في أن يقف أمام مخلوق يطلب عطاءه ورفده. [ صفحه 32]

بزوغ الفجر و أفول النور

و جاء أمر الله تبارك و تعالي... فبزغ النور حين اشراق الطلعة الهاشمية، و التمع سناء هالة الامام السابع الشافع، سليل النبوة و الوصية، في قرية (الأبواء) التي فيها قبر السيدة المطهرة آمنة بنت وهب أم رسول الله صلي الله عليه و آله و عليها، علي بعد ثلاثة و عشرين ميلا من (الجحفة) مما يلي المدينة المنورة، و علي طريق مكة المكرمة، في السادس من شهر رجب سنة مئة، و ثمان و عشرين للهجرة النبوية الشريفة. [54] . و قد عاش في ظل أبيه عشرين سنة خرس المؤرخون عن ذكر شي‌ء عنه فيها، خصوصا و من عادة الامام أن يتكلم بوجود الامام الذي يسبقه، اذ [ صفحه 33] ليس من تكليفه الرباني أن يقوم بأي تحرك أو نشاط في مجتمعه أثناء حياة سلفه.ثم حمل أعباء الامامة بعد أبيه مدة خمس و ثلاثين سنة، فكان عمره الشريف خمسا و خمسين سنة تقريبا. و قد لحق بالرفيق الأعلي يوم الخامس و العشرين من شهر رجب سنة مئة و ثلاث و ثمانين، و مات مسموما في حبس هارون الرشيد، و دفن في مشهده الشريف المعروف في ضاحية بغداد، حيث ترتفع القبة و المآذن المذهبة التي تناطح السماء، و تحتضن يوميا آلاف و آلاف الزائرين. [55] . و هو الامام موسي، ابن‌الامام جعفر الصادق عليه‌السلام، و اسم أمه حميدة البربرية، و لها غيره اسحاق و فاطمة. و يلقب بالكاظم لكظمه الغيظ تجاه ما لقي من الظالمين، و لكثرة تجاوزه و حلمه و سمو أخلاقه. و من ألقابه: الصابر، و الصالح، و زين المجتهدين، و النفس الزكية، و الأمين، و الوفي و الزاهر لأنه زهر بأخلاقه و كرمه. [56] . و يكني بأبي الحسن الأول، و أبي‌ابراهيم، و أبي‌اسماعيل، و أبي‌علي. [57] . و قد كان أزهر اللون، الا في حال الغيظ لحرارة مزاجه. و هو ربع، تمام، خضر، حالك، كث اللحية. [58] . [ صفحه 34] و بخصوص ولادته روي علي بن أبي‌حمزة، عن أبي‌بصير أنه قال: «حججنا مع أبي‌عبدالله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه‌السلام. فلما نزلنا (الأبواء) - و هو موضع بين الحرمين - وضع لنا الغداء. و كان اذا وضع الطعام لأصحابه أكثر و أطاب. فبينا نحن نأكل اذ أتاه رسول حميدة، فقال له: ان «حميدة» تقول: قد أنكرت نفسي، و قد وجدت ما كنت أجد اذا حضرت ولادتي، و قد أمرتني أن لا استبقك بابنك هذا. فقام أبوعبدالله عليه‌السلام، فانطلق مع الرسول. فلما انصرف - أي انتهي من الأمر - قال له أصحابه: سرك الله و جعلنا فداك. فما أنت صنعت من «حميدة»؟. قال: ذكرت أنه سقط من بطنها، حين سقط، واضعا يديه علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء. فأخبرتها أن ذلك امارة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و امارة الوصي من بعده. فقلت: جعلت فداك، و ما هذا من امارة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و امارة الوصي من بعده؟. فقال لي: انه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي، أتي آت جد أبي‌بكأس فيه شربة أرق من الماء، و ألين من الزبد، و أحلي من الشهد، و أبرد من الثلج، و أبيض من اللبن؛ فسقاه اياه، و أمره بالجماع، فقام فجامع، فعلق [ صفحه 35] بجدي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي، أتي آت جدي، فسقاه كما سقي جدي أبي، و أمره بمثل الذي أمره، فقام فجامع فعلق بأبي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بي، أتي آت أبي‌فسقاه مما سقاهم، و أمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي. و لما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني، أتاني آت كما أتاهم، ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله، و اني مسرور بما يهب الله لي؛ فجامعت فعلق بابني هذا المولود. فدونكم، فهو والله صاحبكم من بعدي. ان نطفة الامام مما أخبرتك. و اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشي‌ء فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي ملكا يقال له: حيوان، فكتب علي عضده الأيمن:(و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و هو السميع العليم (115)). [59] و اذا وقع من بطن أمه، وقع واضعا يديه علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء. فأما وضعه يديه علي الأرض، فانه يقبض كل علم لله أنزله من السماء الي الأرض. و أما رفعه رأسه الي السماء، فان مناديا ينادي به من بطنان العرش، من قبل رب العزة، من الأفق الأعلي، باسمه و اسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت، فلعظيم ما، خلقتك!. أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي، و خليفتي في أرضي. لك و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري... ثم و عزتي و جلالي، لأصلين من عاداك أشد عذابي، و ان وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي. فاذا انقضي الصوت - صوت المنادي - أجاب هو واضعا يديه، رافعا [ صفحه 36] رأسه يقول:(شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوالعلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم (18)) [60] . فاذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول، و العلم الآخر، واستحق زيارة الروح - أي الروح القدس - في ليلة القدر. قلت: جعلت فداك، الروح ليس هو جبرائيل؟. قال: الروح هو أعظم من جبرائيل، ان جبرائيل من الملائكة؛ و ان الروح هو خلق أعظم من الملائكة!. أليس يقول الله تبارك و تعالي: (تنزل الملائكة و الروح...). [61] . و هكذا بين الامام الصادق عليه‌السلام أشياء كثيرة من مواهب الله عز و علا للامام الذي يجتبيه للناس، و هي مواهب يؤمن بها من هدي الله تعالي قلبه للحق، و يسلم بها كأمور مخلوقه مع الامام، و هي لابد منها له، كما أنه لا بد لنا من العينين للنظر، و الأذنين للسمع، و الرجلين للمشي، و بقية الأعضاء لتمام خلق الانسان الذي جعله سبحانه في «أحسن» تقويم؛ و الامام لابد له من تلك المواهب حتي يتم خلقه و يكون في «أعظم» تقويم، ممتازا عن الآخرين بتلك المواهب الربانية. و أما من كان لا يؤمن بهذا الواقع المؤكد، فليبن صرحا و يطلع الي السماء ليسجل اعتراضا علي «ارادة الله تعالي» و يبثه علي الهواء... فيذهب هو و اعتراضه هباء في هباء... [ صفحه 37] و كذلك روي البرقي أن منهال القصاب قال: «خرجت من مكة و أنا أريد المدينة، فمررت (بالأبواء) و قد ولد لأبي عبدالله عليه‌السلام، فسبقته الي المدينة. و دخل عليه‌السلام بعدي بيوم، و أطعم الناس ثلاثا. فكنت آكل في من يأكل، فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل. فكنت بذلك ثلاثا أطعم - أي آكل - حتي أرتفق - يعني أتكي‌ء علي مرفقي - ثم لا أطعم شيئا الي الغد». [62] . و هنيئا لك يا منهال هذا الطعام الطيب الذي كنت تنهال عليه «بالكف و الأربع أصابع»ثم لا تشبع منه حتي ترتفق لفرط لذته. و حق لأبي عبدالله أن يطعم أهل المدينة ثلاثة أيام متتالية ليشاركوه هذه الفرحة السماوية، و ليشكروا معه هذه النعمة الربانية التي تجلت ببزوغ نور مولود مبارك هو - بعد أبيه - أطهر من علي ظهر الأرض. أما طفولته فهي فذة كطفولة آبائه و أبنائه صلوات الله و سلامه عليهم. و قد بدأها بمثل ما رواه زكريا بن آدم الذي قال: «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول: كان أبي‌ممن تكلم في المهد» [63] . و هذا ليس بعجيب و ان كان خرقا للنواميس الطبيعية. فان أولياء الله تعالي لا ينسحب عليهم ما ينسحب علي الآخرين من الناس، لأنهم مصنوعون علي عين الله تعالي، و مجهزون بعطايا ربانية لا تقع تحت قدرتنا علي الفلسفة و التحليل، و لا تتاح لنا البرهنة عليها بيسر، اذ خلقوا هكذا... ولكن التاريخ المكذوب، الذي كتب تحت حكم الظالمين، طمس هذه [ صفحه 38] المعالم المميزة التي كانت تظهر فضلهم من جهة، و تفضح أعداءهم المتسلطين علي الناس بالسيف من جهة ثانية. و لذلك فان الكتب التاريخية تبدو صماء بكماء أمام بيان بصمات السماء التي تظهر علي هذه الفئة المختارة حين ترصد السماء عظماء للأمورالعظيمة. فما من أحد ذكر شيئا من ذلك الا و كان جزاؤه القتل المؤكد، فلم يبق في ميدان التاريخ الا المأجورون الذين باعوا ضمائرهم حين دونوا التايخ المزور فملأوا بطونا شرهة، و أفرغوها كذبا و زورا. فكل واحد من أئمتنا الاثني عشر معجزة الهية. و قد عرف الناس كونهم معاجز خارقة، ولكن من أين لهم أن يفوهوا بكلمة واحدة بشأنهم؟!. لا سبيل الي ذلك و لو كان يعرف ذلك المحبون و المبغضون. و لذلك ترانا نجتهد كثيرا حتي نجد فلتات لسان هنا و هناك، فنجمعها و نؤلف بينها حتي نكمل الصورة التي نكون بصددها. بل قد لا نعثر علي شي‌ء أحيانا بسبب ارتفاع حرارة حقد الحاكمين. و قد دخل أبوحنيفة المدينة و معه عبدالله بن مسلم، فقال له: يا أباحنيفة، ان ها هنا جعفر بن محمد من علماء آل محمد، فاذهب بنا اليه نقتبس منه علما. فلما أتيا اذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه. فبينما هم كذلك اذ خرج غلام حدث فقام الناس هيبة له. فالتفت أبوحنيفة فقال: يابن مسلم، من هذا؟!. قال: موسي، ابنه. قال: والله لا خجله بين يدي شيعته. [ صفحه 39] قال له: لن تقدر علي ذلك. قال: والله لأفعلنه... ثم التفت الي موسي فقال: يا غلام أين يضع الغريب في بلدكم هذه [64] . قال: يتواري خلف الجدار، و يتوقي أعين الجار، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها. فحينئذ يضع حيث شاء. ثم قال: يا غلام ممن المعصية... قال: يا شيخ، لا تخلوا من ثلاث: اما أن تكون من الله و ليس من العبد شي‌ء، فليس للحكيم أن يأخذ عبده بما لم يفعله. و اما أن تكون من العبد و من الله؛ والله أقوي الشريكين، فليس للشريك الأكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه. و اما أن تكون من العبد و ليس من الله شي‌ء، فان شاء عفا، و ان شاء عاقب. قال: فأصابت أباحنيفة سكتة كأنما ألقم فوه الحجر». [65] . و في مصادر أخري رويت القصة هكذا: «فقد اشتهر عند الخاص و العام حديث أبي‌حنيفة حين دخل دار الامام الصادق عليه‌السلام، فرأي ابنه موسي عليه‌السلام في دهليز الدار، و هو صبي في [ صفحه 40] الخامسة من عمره، فقال في نفسه: ان هؤلاء يزعمون أنهم يعطون العلم صبية، و أنا أسبر ذلك - أي أمتحنه -. فقال له: يا غلام، اذا دخل الغريب بلدة أين يحدث؟. فنظر اليه نظر مغضب و قال: يا شيخ، أين السلام؟!. قال: فخجلت، و نبل في عيني، و عظم في قلبي. فسلمت عليه و قلت: يابن رسول الله، الغريب اذا دخل بلدة أين يحدث؟. فقال: يتواري خلف الجدار، و يتوقي شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و مشارع الماء، و أفنية الدور - أي ساحاتها - و جادة الطريق، و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها، ثم يحدث أين شاء. فقلت: يابن رسول الله، ممن المعصية؟. فنظر الي و قال: اجلس حتي أخبرك. فجلست. فقال: اما أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معا. فان كانت من الله، فهو أكرم من أن يؤاخذ العبد بما لم يجنه. و ان كانت منهما، فالله أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه. فلم يبق الا أن تكون من العبد. فان عفا الله فبفضله، و ان عاقب فبعدله. قال أبوحنيفة: (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)) [66] . ... و قيل: انه عليه‌السلام نظم في هذا المعني شعرا، فقال: [ صفحه 41] لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها احدي ثلاث خلال حين نبديها اما تفرد بارينا بصنعتها فيسقط اللوم عنا حين نأتيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما سوف يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لالهي في جنايتها ذنب، فما الذنب الا ذنب جانيها [67] . و كيف لا ينبل في عيني أبي‌حنيفة من يجيب بهذه الأجوبة المسددة القوية و هو في الخامسة من عمره، و أجوبته هذه تحمل أحكام الله من فوق عرشه؟!. و نحن نزيد علي قول الامام أبي‌حنيفة أننا نحمل اسلام لامامنا - أسمي مظاهر التقديس و الولاء، و نعترف أنه امام حق مميز عنا من عند ربه، و مرصود لهذا الأمر العظيم الذي لا ينال بامتداد الأعناق، و لا بانتخاب الناس و اختيار الرفاق للرفاق، و نجزم أن حال كونه صغيرا لا يختلف في التمكن و المقدرة عن حال كونه كبيرا - كما هو شأن كل امام - و ان كان من المحتوم علي الامام الصغير أن يصمت مدة حياة الامام الكبير الذي يسبقه. ولكن اذا تحدي أحد قدرة الله تعالي فيه، فان الله سبحانه يري هذا المتحدي عجبا، و يمكنه من الدفاع عن كرامته، و من الثأر للاعتراض علي اختيار الله تعالي له!. و للامام أبي‌حنيفة موقف آخر مع امامنا عليه‌السلام أيام صغره. فقد دخل أبوحنيفة علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام فقال له: رأيت ابنك موسي يصلي و الناس يمرون بين يديه. فقال أبوعبدالله: ادعوا لي موسي. فدعاه، فقال له في ذلك. [ صفحه 42] فقال: نعم يا أبه. ان الذي كنت أصلي له، كان أقرب الي منهم. يقول الله تعالي: (... و نحن أقرب اليه من حبل الوريد (16)) [68] . فضمه أبوعبدالله الي نفسه، ثم قال: بأبي أنت و أمي يا مودع الأسرار». [69] . و ورد اعتراض يشبهه رواه محمد بن عمير الذي قال: رأي سفيان الثوري أباالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، و هو غلام، يصلي و الناس يمرون بين يديه؛ فقال له: ان الناس يمرون بك و هم في الطواف!. فقال عليه‌السلام: الذي أصلي له أقرب الي من هؤلاء». [70] . و كيف لا يكون عند امامنا مثل هذا الجواب المسكت، و هو من قوم زقوا العلم زقا و لم يجعلهم خالقهم مفتقرين الي طلب علم من أحد من خلقه، و لا الي زيادة من المعرفة الدينية أو الدنيوية يأخذونها من الغير، بل هم علماء غير معلمين، جديرون بمركز خلافة الله تعالي علي الأرض، و هو سبحانه معلمهم الذي وهبهم معرفة كل شي‌ء يحتاجون اليه. هذا و قد سكت المؤرخون عن ذكر شي‌ء مفصل عن حياته الكريمة في فترة عشرين عاما من حياته الكريمة التي قضاها في كنف والده صلوات الله عليهما، ولكنهم لم يحجبوا نور الشمس!. فمناقبه سلام الله عليه كثيرة، و لو لم يكن منها الا العناية الالهية لكفاه ذلك منقبة... فهو الامام لاجتماع خلال الفضل فيه، ولكماله الرباني، [ صفحه 43] و لنص أبيه عليه و اشارته اليه بالولاية من بعده. [71] . أما وفاته عليه‌السلام، فكانت بالسم الذي قدم اليه من خليفة المسلمين - خائن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ولده - هارون الرشيد، و علي يد النذل اللئيم السندي بن شاهك، الذي كان يحتجزه يومئذ في سجنه، بعد أن امتنع آخرون عن قتله حين كان في سجونهم و خافوا من تلك الجريمة النكراء، في البصرة و في بغداد كما ستري. و أبي الحق الا أن يظهر جليا مهما أقيمت في وجهه السدود، فان تلك الجريمة البشعة من جرائم البيت العباسي، قد لبس عارها و شنارها أشهر خلفاء ذلك البيت الذي لقب بالرشيد و لم يكن برشيد و لا بذي رأي سديد، اذ لم تخف حقيقتها علي أحد. ففي أول محاولة معه فضحه الله تعالي و انكشف أمره علي يد صنف الكلاب، فقد قال عمر بن واقد: «ان الرشيد وضع في صينية عشرين رطبة - من التمر - و أخذ سلكا ففركه في السم و أدخله في سم الخياط - أي ثقب الابرة - و أخذ رطبة منها فأقبل يرود عليها ذلك السم حتي حصل فيها، و قال لخادم: احمل هذه الصينية الي موسي بن جعفر و قل له: اني ادخرتها لك بيدي. بحقي، لا تبق منها شيئا، و لا تطعم منها أحدا. و أتاه بها الخادم، فكان يأكل منها بالخلال - أي بقشة حتي لا تلمسها يده الشريفة فيعلق بها شي‌ء من السم -. و كان للرشيد كلبة تعز عليه، فجذبت نفسها، و خرجت تجر سلاسلها [ صفحه 44] من ذهب و جوهر، حتي جاءت موسي بن جعفر. فبادر بالخلال الي الرطبة المسمومة و رمي بها الي الكلبة فأكلتها، و لم تلبث أن ضربت نفسها بالأرض، و عوت، و تهرت قطعة قطعة - أي تهرأ جسمها و تقطع من شدة فعل السم - و استوفي عليه‌السلام باقي الرطب. فأخبر الخادم الرشيد الذي قال: ما ربحنا من موسي الا أن أطعمناه الرطب و ضيعنا سمنا فقتل كلبتنا!.ما في موسي حيلة». [72] . ما في موسي حيلة؟! و يكون خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، محتالا!. و من هو موسي، و من أنت يا هارون من مقعد جده المصطفي صلوات الله و سلامه عليه؟!. و ما هو عذرك غدا أمام ربك، و بين يدي ذلك الجد العظيم الذي تربعت علي عرش خلافته تتحكم بذريته و الصالحين من أمته؟!.. لقد التف من حولك أرباب بطون من الأمراء و الوزراء الخونة، و أهل كروش من قضاة السوء، و عبدة فروج من هاهنا و هناك، و أطاعك - أو خاف سيفك - مؤرخون مزورون، و اصطنع لك العظمة ناس آخرون بأجر و بلا أجر... و نحن نهمس في أذنك أيها الظالم، و في الآذان الطويلة من حولك فنقول: (يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم اذ يبيتون ما لا يرضي من القول و كان الله بما يعملون محيطا (108)) [73] . لقد سها عن بالك أن ربك يراك و أنت تجيل الخيط المسموم في [ صفحه 45] الرطبة، لأنك لم تؤمن بيوم عدل يثاب المرء فيه أو يعاقب، اذ أعمي بصرك الملك و التسلط... نقول لك ذلك، و نقول لأعوانك من كافة الفئات: (هأنتم هولاء جادلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109)) [74] . انها يومئذ ستنهار جبهة دفاع الأولين و الآخرين عنك و عن سلفك و خلفك، و ستظهرون علي حقيقتكم: سلاطين سوء، و حكاما طغاة، ما آمنوا بالله و لا برسوله، و لا راود أذهانهم يوم حساب يقتص فيه المظلوم من الظالم، بالرغم من أنها قد نبهتكم لسوء فعالكم كلبة رفضتكم و رفضت سلاسلكم الذهبية و جواهركم التي زينتموها بها من بيت مال المسلمين، و جرت مسرعة الي منزل الامام لتنتحر بالسم و لتعلن للناس سوء صنيع خليفة المسلمين!. في عيون أخبار الرضا «عن ابن‌بابويه»، أن موسي بن جعفر عليه‌السلام، دعا بالمسيب، و ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام، و كان موكلا به، فقال له: «يا مسيب، ان ظاعن في هذه الليلة الي المدينة، مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لأعهد الي علي ابني كما عهد الي أبي، و أجعله خليفتي و وصيي، و آمره بأمري. قال المسيب: كيف تأمرني أن أفتح لك الأبواب و عليها أقفالها و الحرس معي علي الأبواب؟!. فقال: يا مسيب، ضعف يقينك بالله عزوجل وفينا؟. قلت: لا، يا سيدي. [ صفحه 46] قال: فمه. فسمعته يدعو، ثم فقدته عن مصلاه، فلم أزل قائما علي قدمي حتي رأيته قد عاد الي مكانه و أعاد الحديد الي رجليه، فخررت لله ساجدا، شاكرا علي ما أنعم علي بذلك من معرفة - أي من اعتراف بالامامة -. فقال لي: ارفع رأسك يا مسيب، و اعلم أني راحل الي الله عزوجل في ثالث هذا اليوم، لا تبك يا مسيب، فان عليا ابني هو امامك و مولاك بعدي، فائته فتمسك بولايته، فانك لن تضل ما لزمته». [75] . قال المسعودي: «و قبض موسي بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي‌طالب ببغداد مسموما، لخمس عشرة سنة من ملك الرشيد». [76] . و كذلك ذكر العلامة القندوزي: «أنه مات مسموما» [77] . و روي القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي، أنه قال: «اني أتيت موسي بن جعفر عليه‌السلام قبل وفاته بيوم واحد، فقال لي: اني ميت لا محالة، فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمن و توجه الي المدينة بودائعي هذه، و أوصلها الي علي بن موسي الرضا، فهو وصيي و صاحب الامر بعدي. ففعلت ما أمرني، و أوصلت الودائع اليه». [78] . [ صفحه 47] و قال الشيخ المفيد رحمه الله:«روي أنه لما حضرته الوفاة، سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولي مدنيا، ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب، ليتولي غسله و تكفينه، ففعل ذلك. قال السندي: و كنت سألته في الاذن أن أكفنه، فأبي و قال: انا أهل بيت مهور نسائنا، و حج صيرورتنا، و أكفان موتانا، من طاهر أموالنا، و عندي كفن، و أريد أن يتولي غسلي و جهازي مولاي فلان، فتولي ذلك منه». [79] . و الحقيقة أنه لا يتولي غسل الامام الا الامام الذي يليه، و لا يصلي عليه غيره. و أبوالحسن عليه‌السلام انما أوصي بذلك ليصرف أذهان السامعين عن هذا المعني الخافي عليهم، الواضح لأهل المعرفة بحالهم. ففي الخبر المروي عن المسيب أنه قال في حديث: «فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه، فلا تصل أيديهم اليه؛ و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه، و أراهم لا يصنعون به شيئا!. و رأيت شخصا أشبه الأشخاص به يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه، و هو يظهر المعاونة لهم، و هم لا يعرفونه. فلما فرغ عليه‌السلام اسلام من أمره قال لي ذلك الشخص - و هو ابنه علي الرضا قطعا -: يا مسيب، مهما شككت فيه فلا تشكن في، فاني امامك و مولاك و حجة الله عليك بعد أبي. يا مسيب، مثلي كمثل يوسف الصديق عليه‌السلام و مثلهم مثل اخوته حين (فدخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون (58)) [80] فهذا [ صفحه 48] هو الذي حصل بالضبط. و الامام انما عرف المسيب بنفسه ليثبت عقيدته و عقيدة أصحابه الذين يسمعون ذلك منه فيبقوا علي ما هم عليه من الولاية. و قد كان المسيب موكلا بالامام عليه‌السلام حين كان في حبس السندي بن شاهك، و كان من الشيعة المخلصين. «و قد دعاه الامام عليه‌السلام قبل وفاته بثلاثة أيام و قال له: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله تعالي، فاذا دعوت بشربة من الماء فشربتها، و رأيتني قد اخضر لوني و احمر، فخبر الطاغية بوفاتي. و اذا رأيت هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا الا بعد وفاتي. قال المسيب: فلم أزل أرقب موعده حتي دعا بشربة فشربها، ثم أتيت بالخبر الي الرشيد». [81] . و قال أحمد بن عبدالله:«لما نقل الكاظم عليه‌السلام من دار الفضل بن الربيع، الي الفضل بن يحيي البرمكي، كان ابن‌الربيع يبعث اليه في كل ليلة مائدة، و منع أن يدخل من عند غيره حتي مضي ثلاثة أيام بلياليها. فلما كانت الليلة الرابعة، قدمت اليه مائدة الفضل بن يحيي البرمكي. قال: فرفع رأسه الي السماء فقال [عليه‌السلام]: يارب، انك تعلم اني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت علي نفسي. قال: فأكل، فمرض. فلما كان من الغد الذي فعل السم فيه فعله، بعث اليه الطبيب، فسأله عن حاله، فتغافل!. فلما كرر عليه السؤال قال عليه‌السلام: هذه علتي. [ صفحه 49] و كانت خضرة في وسط راحته تدل علي أنه سم. فانصرف الطبيب اليهم و قال: والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم!. ثم توفي». [82] . أجل... لقد بعثوا اليه الطبيب ليقول الناس انهم مهتمون بمرض الجريمة... و لكن ذلك الطبيب المسيحي الشريف فضحهم بعد أن فضحتهم الكلبة من قبل!. و ان لهم موقفا مع تلك الكلبة، و مع هذا الطبيب، تدوس فيه الكلبة كبرياءهم، و يعلن الطبيب لعنتهم علي الأشهاد، ثم ترقي الكلبة أعواد عرشهم لتعلن غضب السماء النازل علي أولئك القتالين، ثم ينادي الطبيب بشماتته بهم في يوم العدل الالهي!. و اذا كنت أيها الخليفة قد خذلتك الكلبة مرة، و صفعك الطبيب مرة ثانية، فكيف بك اذا وقفت بين يدي ربك و أنت تحمل في عنقك دماء ثلاثة من أئمة أهل البيت صلوات الله و سلامه عليهم، قد قتلتهم جميعا دون ذنب أو جرم؟!. طاش سهمك، و ضاع فهمك!. و لكم كان تفكيرك قاصرا - أيها التعيس - حتي ظننت أنه قد خفي شي‌ء من مكرك و غدرك علي الامام عليه‌السلام!. ولكن قلة دينك، و عدم ايمانك بربك و برسوله و كتبه، الي جانب صبر الامام علي ظلمك، كل ذلك حملك علي التمادي في الكيد لله و لآل رسول الله الذين طهرهم الرحمان و القرآن. ألا ان صبر الامام علي الأذي، كشف زيف سلطانكم، و فضح مروقكم من الدين. [ صفحه 50] و في خبر مفصل لما جري بعد وفاته، قال عمر بن واقد: «أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد، يستحضرني، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي ما احتجت اليه، و قلت: انا لله، و انا اليه راجعون... ثم ركبت اليه. فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص، لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟. قلت: نعم. قال: فليس هنا الا خير. قلت: فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري. قال: نعم. ثم قال: يا أباحفص، أتدري لم أرسلت اليك؟. فقال: لا. قال: أتعرف موسي بن جعفر؟. فقلت: اي والله اني لأعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر. فقال: من هاهنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله؟. فسميت له أقواما. و وقع في نفسي أنه عليه‌السلام قد مات. فبعث و جاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له قوما. فجاء بهم. فأصبحنا - في الدار - و نحن نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر عليه‌السلام و قد صحبه. ثم قام فدخل، و صلينا. [ صفحه 51] فخرج خادمه و معه طومار، فكتب أسماءنا، و منازلنا، و أعمالنا، و خلانا ثم دخل الي السندي. ثم خرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا أباحفص. فنهضت، و نهض أصحابنا و دخلنا. فقالي لي: يا أباحفص، اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر. فكشفته، فرأيته فبكيت و استرجعت. ثم قال للقوم، انظروا اليه. فدنا واحد بعد واحد، فنظروا اليه. ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد. ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا، و اكشفه. ففعل. فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا. ما نري به شيئا، و لا نراه الا ميتا. قال: لا تبرحوا حتي تغسلوه، و أكفنه و أدفنه. فلم نخرج حتي غسل و كفن، و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك». [83] قبحه الله و قبح صلاته، فهو يقتل اماما مفترض الطاعة و يمشي في تشييعه. ... و هكذا تمت المراسم الشرعية المدبرة المفضوحة،«فحمل علي نعش و نودي عليه: هذا امام الرافضة، فاعرفوه!. [ صفحه 52] ثم أتي به الي السوق فوضع هناك، ثم نودي عليه:هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، ألا فانظروا اليه!. فحف به الناس، و جعلوا ينظرون اليه، لا أثر به من جراحة و لا خنق، و كان في رجله أثر الحناء. ثم أمروا العلماء و الفقهاء أن يكتبوا شهادتهم في ذلك. فكتبوا جميعا الا أحمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئا». [84] . فكما أنه يكتب للميت حين دفنه شهادة أربعين مؤمنا بأنهم لا يعلمون منه الا خيرا، فكذلك استكتب خليفة المسلمين نيفا و خمسين كذابا من علماء قصره و فقهائه و قضاته، شهدوا بأن الامام عليه‌السلام لا أثر فيه من جراحة أو خنق... و وقف - فقط - أحمد بن حنبل - وحده - أمام بقر بغداد الذي تفوق علي بقر معاوية... و لم يذعن لتهديدهم، و لا شهد بغير ما يعلمه من قتلهم للامام عليه‌السلام. و نقل الشيخ المفيد رحمه‌الله، عن جمله رواة، عن مشايخهم، هذه الرواية التي نظنها الأصدق، فقال: «و كان السبب في قبض الرشيد علي أبي‌الحسن عليه‌السلام، و حبسه و قتله، ما ذكره أحمد بن عبيدالله بن عمار، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه. و أحمد بن محمد بن سعيد، و أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيي، عن مشايخهم، قالوا: كان السبب في أخذ موسي بن جعفر عليه‌السلام، أن الرشيد جعل ابنه في [ صفحه 53] حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فحسده يحيي بن خالد بن برمك علي ذلك و قال: ان أفضت اليه الخلافة زالت دولتي و دولة ولدي. فاحتال علي جعفر بن محمد، و كان يقول بالامامة، حتي داخله و أنس اليه، و كان يكثر غشيانه في منزله فيقف علي أمره و يرفعه الي الرشيد، و يزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه. ثم قال لبعض ثقاته: تعرفون لي رجلا من آل أبي‌طالب ليس بواسع الحال يعرفني يحتاج اليه!. فدل علي علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل اليه يحيي مالا. و كان موسي بن جعفر عليه‌السلام يأنس بعلي بن اسماعيل و يصله و يبره. ثم أرسل اليه يحيي بن خالد يرغبه في قصد الرشيد و يعده بالاحسان اليه. فعمل علي ذلك. فأحس به موسي بن جعفر عليه‌السلام، فدعا به فقال: الي أين يابن أخي؟ قال: الي بغداد. قال: و ما تصنع؟ قال: علي دين، و أنا مملق - فقير-. فقال له موسي عليه‌السلام: أنا أقضي دينك، و أفعل بك و أصنع. فلم يلتفت الي ذلك، و عمل علي الخروج. فاستدعاه أبوالحسن عليه‌السلام فقال له: أنت خارج؟. قال: نعم، لا بد لي من ذلك. فقال له: أنظر يابن أخي، واتق الله، و لا تؤتم أطفالي... و أمر له بثلاثمائة دينار، و أربعة آلاف درهم. [ صفحه 54] فلما قام بين يديه قال أبوالحسن عليه‌السلام لمن حضره، والله ليسعين في دمي و يؤتمن أولادي. فقالوا: جعلنا الله فداك، و أنت تعلم هذا من حاله و تعطيه و تصله؟! قال: نعم؛ حدثني أبي، عن آبائه، عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، أن الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت، قطعها الله. و انني أردت أن أصله بعد قطعه، حتي اذا قطعني قطعه الله. فخرج علي بن اسماعيل حتي أتي يحيي بن خالد - البرمكي - فتعرف منه خبر موسي بن جعفر عليه‌السلام، و رفعه الي الرشيد. فسأله - أي الرشيد، عن عمه - الامام عليه‌السلام - فسعي به اليه و قال: ان الأموال تحمل اليه من المشرق و المغرب. و أنه اشتري ضيعة سماها اليسيرية بثلاثين ألف دينار. فقال له صاحبها و قد أحضره المال: لا آخذ هذا النقد، و لا آخذ الا نقد كذا و كذا. فأمر بذلك المال فرد، و أعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه. فسمع ذلك منه الرشيد، و أمر له بمائتي ألف درهم تسبب علي بعض النواحي. فاختار بعض كور المشرق - أي بعض المقاطعات في المشرق -. و مضت رسله لقبض المال، و أقام ينتظرهم. فدخل في بعض تلك الأيام الي الخلاء، فزحر زحرة - أي أصابه اسهال انطلاق بطن - خرجت منها حشوته كلها! فسقط!. و جهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، و جاءه المال و هو ينزع، فقال: ما أصنع به و أنا في الموت!. [85] . [ صفحه 55] و خرج الرشيد في تلك السنة الي الحج، و بدأ بالمدينة فقبض علي أبي‌الحسن عليه‌السلام. و انه لما ورد المدينة استقبله موسي عليه‌السلام في جماعة من الأشراف. و انصرفوا من استقباله، فمضي أبوالحسن عليه‌السلام الي المسجد علي رسمه - أي علي عادته -. و أقام الرشيد الي الليل، و صار الي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: يا رسول الله، اني أعتذر اليك من أمر أريد أن أفعله: أريد أن أحبس موسي بن جعفر، فانه يريد التشتيت بين أمتك، و سفك دمائهم. ثم أمر به فأخذ من المسجد، فأدخل اليه فقيد، و استدعي قبتين فجعله في احداهما علي بغل، و جعل القبة الأخري علي بغل آخر، و خرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتين، و مع كل واحدة منهما خيل. و افترقت الخيل، فمضي بعضها مع احدي القبتين علي طريق البصرة، و الأخري علي طريق الكوفة. و كان أبوالحسن عليه‌السلام في القبة التي مضي بها علي طريق البصرة. و انما فعل الرشيد ذلك ليعمي علي الناس الأمر في باب أبي‌الحسن، و أمر القوم الذين كانوا مع قبة أبي‌الحسن أن يسلموه الي عيسي بن جعفر بن المنصور، و كان علي البصرة حينئذ. - أي كان واليا عليها -. فسلم اليه، فحبسه عنده سنة، و كتب اليه الرشيد في دمه - أي بقتله - فاستدعي عيسي بن جعفر بعض خاصته و ثقاته فاستشارهم فيما كتب اليه الرشيد، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك و الاستعفاء منه. فكتب عيسي بن جعفر الي الرشيد يقول له: قد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي، و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون طول هذه [ صفحه 56] المدة، ما وجدته يفتر عن العبادة. و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك و لا علي و ما ذكرنا بسوء، و ما يدعو الا بالمغفرة و الرحمة لنفسه. و ان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني، و الا خليت سبيله فأني متحرج من حبسه - أي متضايق و متأثم -. و روي أن بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه سمعه كثيرا يقول في دعائه و هو محبوس عنده: اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني بعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد». [86] . فوجه الرشيد من تسلمه من عيسي بن جعفر، و صار به الي بغداد فسلم الي الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة، فأراده الرشيد علي شي‌ء من أمره - أي علي قتله - فأبي... فكتب اليه بتسليمه الي الفضل بن يحيي، فتسلمه منه - في رجب يوم المبعث سنة 180 هجرية -. و جعله في بعض حجر دوره و وضع عليه الرصد. و كان عليه‌السلام مغشولا بالعبادة، يحيي الليل كله صلاة و قراءة للقرآن و دعاء و اجتهادا، و يصوم النهار في أكثر الأيام، و لا يصرف وجهه عن المحراب. فوسع عليه الفضل بن يحيي و أكرمه، فاتصل ذلك بالرشيد و هو في الرقة، فكتب اليه ينكر عليه توسيعه علي موسي بن جعفر و يأمره بقتله!. فتوقف عن ذلك و لم يقدم عليه. فاغتاظ الرشيد لذلك، و دعا مسرور - الخادم - و قال له: أخرج علي البريد في هذا الوقت الي بغداد، و ادخل من فورك علي موسي بن جعفر، فاذا وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب الي العباس بن محمد، و مره بامتثال ما فيه، و سلم اليه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد. [ صفحه 57] فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد. ثم دخل علي موسي بن جعفر فوجده علي ما بلغ الرشيد؛ فمضي من فوره الي العباس بن محمد، و السندي بن شاهك، و أوصل الكتابين اليهما. [87] . فلم يلبث الناس أن خرج الرسول الي الفضل بن يحيي، فركب معه و بدا مشدوها دهشا، حتي دخل علي العباس. فدعا العباس بسياط و عقابين، و أمر بالفضل فجرد، و ضربه السندي بن شاهك مائة سوط!. و خرج متغير اللون خلاف ما دخل، و جعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا. و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد، فأمر بتسليم موسي عليه‌السلام الي السندي بن شاهك. و جلس الرشيد مجلسا حافلا و قال: أيها الناس، ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي، و رأيت أن ألعنه، فالعنوه!. فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه. و بلغ يحيي بن خالد - أي والده - الخبر، فركب الي الرشيد فدخل من غير الباب الذي يدخل الناس فيه، حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر، ثم قال: التفت يا أميرالمؤمنين!. فأصغي اليه فزعا. فقال له: ان الفضل حدث - أي صغير - و أنا أكفيك ما تريد. فانطلق وجهه، و سر، و أقبل علي الناس و قال: ان الفضل كان قد عصاني في شي‌ء فلعنته. قد ثاب و أناب الي طاعتي فتولوه!. قالوا: نحن أولياء من واليت، و أعداء من عاديت، و قد توليناه. ثم خرج يحيي بن خالد علي البريد حتي وافي بغداد، فهاج الناس [ صفحه 58] و أرجفوا بكل شي‌ء. فأظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمور العمال - أي الموظفين -. و تشاغل ببعض ذلك أياما، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره - أي في الامام عليه‌السلام - فامتثله. و كان الذي تولي به السندي قتله سما جعله في طعام قدمه اليه. و يقال انه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم، و لبث بعده ثلاثا موعوكا منه - أي محموما مضطرب المزاج - ثم مات في اليوم الثالث. و لما مات موسي عليه‌السلام، ادخل السندي بن شاهك الفقهاء و وجوه أهل بغداد، و فيهم الهيثم بن عدي و غيره، فنظروا اليه و لا أثر به من جراح و لا خنق، و أشهدهم علي أنه مات حتف أنفه، فشهدوا علي ذلك. - كما مر سابقا -. و أخرج و وضع علي الجسر ببغداد، فنودي: هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا اليه!. فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت صلوات الله عليه. و قد كان قوم زعموا في أيام موسي عليه‌السلام أنه هو القائم المنتظر، و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم، فأمر يحيي بن خالد أن ينادي عليه عند موته: هذا موسي بن جعفر الذي زعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا اليه!. فنظر الناس اليه ميتا، ثم حمل و دفن في مقابر قريش من باب التبن، و كانت هذه المقبرة لبني هاشم. و قد مرت بقية الحديث سابقا. [88] . [ صفحه 59] و أنت حين تقرأ و قائع هذه القصة الطويلة العريضة، لا بد أنه يصيبك القرف من هذا الخليفة المتعدي علي حرمة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و علي الأعراف و الأديان و الأخلاق، أجل يصيبك القرف عند محطات تستوقفك لتفكر بأساليب الحكم العباسي الغاشم الذي حاد عن الخط الاسلامي بونا شاسعا، وفاق الأموية التي جندت لبني علي و فاطمة و لنسل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علنا، و حاربتهم علي رؤوس الأشهاد، في حين أن العباسية فعلت الأفاعيل في العلن و الخفاء بسبب و بلا سبب مطلقا، و كأن من مقومات عرشها الظالم أن تقيمه علي جماجم أهل البيت النبوي، و جماجم صلحاء الأمة. فالمتهم في عرف العباسيين ينبغي أن يقتل في كل حال، و لا مجال لمحاكمته أو البحث عن براءته. فما هو ذنب هذا الامام العابد الزاهد سلام الله عليه، سوي أنه كان يفضح مروق الحكام، و يلقي كلمة الحق و العدل في مجالات الباطل و الظلم؟. و هل ذنبه أنه كان يعبد الله تعالي، و لا يعبد الخليفة المتأله المتغطرس؟!. هل كان قتله سوي عقاب لصيامه النهار، و قيامه الليل، و انصرافه للعبادة، ازاء قصر ينطوي علي المفاسد من خمور و فجور و منكرات، فلا تقع العين فيه الا علي محرم، و كأن الخليفة فيه مكلف بجمع الكذبة و السرقة و الفسقة و المردة، و الراقصات و المغنيات و أهل الخني و الزور، و كأن القصر حانة للسكاري، و مربع لا يصدر عنه شي‌ء يمت بقرابة الي الاسلام و المسلمين. فتعسا لمثل هذه الخلافة الاسلامية الكاذبة التي ترتكب مثل هذه الجريمة الشنعاء و هذه الفعلة النكراء؛ و سحقا للقائمين في هذه الخلافة علي كل ما يغضب الرحمان و يرضي الشيطان!. ان الله تعالي يمهل، ولكنه لا يهمل و سيقف الخصماء بين يديه و نري لمن تكون عقبي الدار، و لمن يكون الويل في يوم لا ينفع فيه ندم نادم. [ صفحه 60] لقد سها عن بال خليفة المسلمين أن (و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما (93)) [89] . ولكن... عفو القول، لا يسهو عن باله مثل ذلك الجزاء لو كان مسلما حقا... فقد كان المفروض - يومئذ- بخليفة المسلمين أن يكون علي تمام التجاهل بأحكام الدين، و أن يتخطي أوامر الله في القرآن الكريم، و لا يطلع علي ذلك الا من باب: تعلم السحر و لا تعمل به. ما هو دليلك يا هارون أن موسي بن جعفر كان يريد التشتيت بين الأمة، و سفك دمائها؟. و اذا كان ذلك فلم لم تحاكمه علنا و تحكم عليه؟. و ما النشاط الذي قام به حتي استحق قيود الحديد قبل السؤال و الجواب؟. و ما هي الأسباب الموجبة التي حملتك علي الكتابة لعيسي بن جعفر بأن يقتله في البصرة بلا أخذ و لا رد؟. و كيف لعنت الفضل بن يحيي، و أمرت المسلمين بلعنه، ثم لما دخل عليك أبوه من باب سري مهددا متوعدا خفت منه علي نفسك - مع أنك لا تخاف من الله - و حكمت رأسا بتوبة الفضل، و أمرت الناس بتوليه؟. و بم استحق ابن‌يحيي المائة سوط بعد تجريده من ثيابه؟. لله ما أغلظ رقبة خليفة الزمان التي تحمل شهادة زور أداها فقهاء قصره، و جلاوزة حكمه، و الوجهاء الذين يدورون في فلك حكمه؟. [ صفحه 61] و من أين جاء ببدعة كون الرافضة يعتبرون الامام الكاظم عليه‌السلام أنه الامام المنتظر، ليغطي علي زلته و زلة فقهائه الذين شهدوا أنه عليه‌السلام مات بدون جرح و بدون خنق؟.. نعم هو كذلك لأنه مات بالسم... هذه التساؤلات، و المئات غيرها، لا تفضح القليل القليل من موبقات سلطانه و لا تظهر للملأ صورته الملحدة التي ما كانت من الاسلام في شي‌ء... بل و لا من الانسانية في حال... لقد مضي امامنا طاهرا مطهرا، قد أذهب الله تعالي عنه الرجس بمحكم كتابه الكريم. و مات الخليفة الظالم و في نفسه حسرات سيري أوزارها يوم يدع الي نار جهنم دعا... و يوم لا تنقضي حسراته، و لا يخفف عذابه... فيا رباه، اذا ضاع دين الخلفاء، فأين يضيع الفهم و العلم؟!. لقد رأيت - يا قارئي الحبيب - كيف تمت تواقيع شهود الزور من الطغمة المأجورة في قصر الظلم: فقهاء و وجهاء، و قوادا. ثم حمل الجثمان الشريف بعد عرضه علي الجسر حيث احتشد أهل بغداد جميعهم، و شيعوه في موكب مهيب لم يسبق له نظير؛ فلما أن أتي الموكب مجلس الشرطة، أقام أربعة نفر فنادوا: ألا من أراد أن يري موسي بن جعفر فليخرج. و في هذه الأثناء خرج سليمان بن جعفر، ابن أبي‌جعفر المنصور، من قصره الي الشط في يوم ماطر، اذ مرت الجنازة و وراءها الحشد من الناس. فسمع الضوضاء و الصياح فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟. هذه جنازة من؟!. قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر - عليه‌السلام - علي نعش. فقد مات في حبس الرشيد، و أمر أن يدفن بحاله - أي كما هو -. [ صفحه 62] فقال: موسي بن جعفر يدفن هكذا؟!. فان في الدنيا من كان يخاف علي الملك، و في الآخرة لا يوفي حقه!. ثم قال لولده و غلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي؛ فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم، فان مانعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد. فلما عبروا به نزلوا اليهم، فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و خرقوا ما عليهم من سوادهم، و وضعوه في مفرق أربعة طرق، و أقام المنادين ينادون: ألا من أراد أن يري الطيب بن الطيب، موسي بن جعفر - عليه‌السلام - فليخرج. و حضر الخلق، و غسل و حنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار، عليها القرآن كله. واحتفي و مشي في جنازته متسلبا- أي حافيا منزوع الثوب - مشقوق الجيب، حاسر الرأس الي مقابر قريش في باب التبن؛ و كانت هذه المقبرة لبني هاشم و لأشراف من الناس قديما، فدفنه هناك، و كتب بخبره الي الرشيد. فكتب له الرشيد: وصلتك رحم يا عم، و أحسن الله جزاءك. والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا». [90] . «و يقال في رواية أنه - عليه‌السلام - دفن بقيوده، و أنه أوصي بذلك». [91] . فتصور معي هذا الخليفة الخسيس، العامل بوسوسة ابليس... فانه من مقعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، يقسم يمينا كاذبة و قحة بأن ما فعله السندي بن شاهك لم يكن عن أمره، ثم يلعنه و يخزيه!. و لو أننا وقفنا علي ما في نفس اللعين السندي بن شاهك لوجدناه يلعن [ صفحه 63] أميره الذي أغراه بقتل الامام عليه‌السلام، و يسبه و يخزيه، بعد أن عرف أنها هذه هي مكافأة خدمة الظلمة و الجبابرة. و نحن نقول لرواد ذلك القصر الذي تفوح منه رائحة المكر، و السكر، و الفجر، و القهر، و الكفر، ما قاله الله تعالي لأمثالهم من منكري الرسالات: (و قال انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحيوة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين (25)) [92] . و بخصوص وفاته أيضا، روي محمد بن عيسي، عن مسافر، أنه قال: «أمر أبوابراهيم عليه‌السلام، حين أخرج به، أباالحسن - الرضا - عليه‌السلام - أن ينام علي بابه في كل ليلة أبدا ما كان حيا الي أن يأتيه خبره. فكنا في كل ليلة نفرش لأبي‌الحسن في الدهليز، ثم يأتي بعد العشاء فينام، فاذا أصبح انصرف الي منزله. فمكث علي هذه الحال أربع سنين، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنه، و فرش له فلم يأت كما كان يأتي. فاستوحش العيال و ذعروا، و دخلنا أمر عظيم من ابطائه. فلما كان من الغد أتي الدار، و دخل الي العيال، و قصد الي أم أحمد زوجة الامام الكاظم عليه‌السلام فقال لها: هاتي التي أودعك أبي. فصرخت و لطمت وجهها، و شقت جيبها و قالت: مات والله سيدي. فكفها و قال لها: لا تكلمي بشي‌ء تظهريه حتي يجي‌ء الخبر الي الوالي. [ صفحه 64] فأخرجت اليه سفطا و ألفي دينار، أو أربعة آلاف دينار، فدفعت ذلك أجمع اليه دون غيره و قالت: انه قال لي فيما بيني و بينه - و كانت أثيره عنده -: احتفظي بهذه الوديعة عندك، لا تطلعي عليها أحدا حتي أموت. فاذا مضيت، فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه، و اعلمي أني قد مت. و قد جاءني والله علامة سيدي. فقبض ذلك منها، و أمرهم بالامساك جميعا الي أن ورد الخبر. و انصرف و لم يعد لشي‌ء من المبيت كما كان يفعل. فما لبثنا الا أياما يسيرة حتي جاءت الخريطة بنعيه. فعددنا الأيام، و تفقدنا الوقت، فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبوالحسن عليه‌السلام ما فعل من تخلفه عن المبيت و قبضه لما قبض». [93] . و نقول لمن قتله، و لعن أميره الذي أغراه بقتله، ما قاله الله تبارك و تعالي: (ان الذين يكفرون بأيات الله و يقتلون النبين بغير حق و يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم (21) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا و الأخرة و ما لهم من ناصرين (22)) [94] . و لا نزيد علي ذلك، لأنه ليس بعد قول الله قول لأحد. و عن محمد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عن أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام، قال: [ صفحه 65] «ان الله عزوجل غضب علي الشيعة، فخيرني نفسي، أو هم؟. فوقيتهم والله بنفسي» [95] . و لعله عليه‌السلام يقصد بالغضب كونهم كانوا كثيرين في العمال و الموظفين في دولة السلطان، من وزراء، و رؤساء، و قواد، الي عمال مختلفين، فكانوا أعوانا للظالم؛ أو أنه عليه‌السلام رآهم قد تركوا التقية و تكلموا علنا علي عين السلطان، و بمرأي و مسمع منه، أو لعدم انقيادهم للامام عليه‌السلام في أكثر أمورهم، و قلة اخلاصهم في متابعة الائتمار بأمره... و سلام علي أئمتنا الأطهار - بمقدار ما ضحوا، و بمقدار ما بذلوا من أجل الابقاء علي شيعتهم!. [ صفحه 66]

العائلة النجيبة

رب هذه العائلة الكريمة هو الامام جعفر الصادق عليه‌السلام، الذي طبق ذكره الآفاق منذ ثلاثة عشر قرنا، و يكفيها بذلك شرفا و كرامة؛ بل يكفي بموسي بن جعفر أن يكون أبوه هذا الأب الكبير الذي هو أب للشيعة كافة، و أب لأكثر المسلمين. و أمه - عليه و عليهاالسلام - هي حميدة المصفاة البربرية، التي كانت من أشراف الناس، و اسم أبيها صاعد البربري. «و قد قال الامام الصادق عليه‌السلام، فيما رواه عنه المعلي بن خنيس: حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها حتي أديت الي كرامة من الله لي و الحجة من بعدي». [96] . «و يظهر من بعض الروايات أن الامام الصادق عليه‌السلام كان يأمر النساء في أخذ الأحكام اليها» [97] . فهي من كرائم النساء، ولكننا لا نعرف تفصيلا عن سبيها و جعلها أمة، [ صفحه 67] و لا ندري ملابسات نقلها الي المدينة المنورة، و لم نعرف سوي اسم أبيها الذي يوحي بمعالي العز و الكرامة و المجد... و هل يسبي الا كرائم النساء، و بنات البيوتات الكريمة؟. أما عن كيفية وصولها الي الامام الباقر عليه‌السلام فقد و صلنا حديث عيسي بن عبدالرحمان الذي قال: «دخل عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي‌جعفر - الباقر - عليه‌السلام، و كان أبوعبدالله - الصادق - عليه‌السلام قائما عنده. فقال لأبي جعفر عليه‌السلام: لأي شي‌ء لا تزوج أباعبدالله، فقد أدرك التزويج؟. قال - و بين يديه صرة مختومة -: أما انه سيجي‌ء نخاس من أهل بربر، فينزل دار ميمون، فنشتري له بهذه الصرة جارية. قال - عكاشة -: فأتي لذلك ما أتي، فدخلنا يوما علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، فقال: ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟. قد قدم فاذهبوا و اشتروا منه بهذه الصرة جارية. فأتينا النخاس فقال: قد بعت ما كان عندي الا جاريتين مريضتين، احداهما أمثل - أي أحسن صحة و عافية - من الأخري. قلنا: فأخرجهما حتي ننظر اليهما. فأخرجهما. فقلنا: بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟. - أي التي أوشكت أن تشفي من مرضها -. قال: بسبعين دينارا. قلنا: أحسن. قال: لا أنقص من سبعين دينارا. قلنا: نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت، و لا ندري ما فيها. [ صفحه 68] و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية، قال: فكوا. - أي حلوا الصرة وزنوا الدنانير-. قال النخاس: لا تفكوا، فانها ان نقصت حبة عن سبعين دينارا، لم أبايعكم. فقال الشيخ: ادنوا. فدنونا، و فككنا الخاتم، و وزنا الدنانير، فاذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص. فأخذنا الجارية، فأدخلناها علي أبي‌جعفر عليه‌السلام، و جعفر قائم عنده؛ فأخبرنا أباجعفر بما كان. فحمدالله و أثني عليه، ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة. فقال: حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة. أخبريني عنك، أبكر أنت أم ثيب؟.قالت: بكر. قال: و كيف و لا يقع في يد النخاسين شي‌ء الا أفسدوه؟!. فقالت: قد كان يجئني، فيقعد مني مقعد الرحل من المرأة، فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس و اللحية، فلا يزال يلطمه حتي يقوم عني. ففعل بي مرارا، و فعل به الشيخ مرارا. فقال: يا جعفر، خذها اليك. فولدت خير أهل الارض، موسي بن جعفر عليه‌السلام» [98] . [ صفحه 69] و الشيخ الأبيض الرأس و اللحية هو هذا الذي حضر بيعها بنفسه، و قد كان يعلم مسبقا ما في الصرة من الدنانير و مبلغ المال بالضبط... و هو هو هذا الذي رافقها من المغرب الي الجزيرة العربية، و قد حرسها بأمر الله تعالي لأنها مرصودة لولي كريم من أوليائه، فلا يصل اليها من أحد سوء. و الشيخ هو هو أيضا الذي كان يلطم النخاس و يصرفه عنها، لأنه الملك الحارس المستأمن علي حراستها من قبل الله عزوجل - كما ذكر الامام الصادق عليه‌السلام فيما سبق - و كان لا يظهر لأعين الناس الا في مناسبات هامة يترب عليها أمر صونها و حراستها و ايصالها الي بيت مالكها الذي كتب الله له اياها طاهرة مطهرة معدة لما قضاه الله عز اسمه من الأمر العظيم حيث تكون زوجة امام و أم امام، عليهاالسلام. و مثل أم الامام الكاظم عليه‌السلام، زوجته الكريمة التي ولدت له الامام الرضا عليه‌السلام، فان لها قصة تشبه قصة أمه العظيمة. فهي من أمهات الأولاد الشريفات المخصصات من عندالله تعالي، لانجاب الأمجاد من الأولاد. فقد رويت قصة وصولها الي الامام الكاظم عليه‌السلام عن هشام بن أحمد الذي قال: «قال لي أبوالحسن الأول: هل علمت أحدا من المغرب معه جوار قد قدم؟ قلت: لا. قال: بلي، قد قدم رجل فانطلق بنا. فركب و ركبت معه حتي انتهينا الي الرجل، فاذا رجل من أهل المدينة معه رقيق. [ صفحه 70] فقلت له: أعرض علينا. فعرض علينا سبع جوار. و كل ذلك يقول أبوالحسن عليه‌السلام: لا حاجة لي فيها. ثم قال: أعرض علينا. فقال: ما عندي الا جارية مريضة. فقال له: ما عليك أن تعرضها؟!. فأبي عليه، فانصرف. ثم أرسلني من الغد فقال: قل له: كم كان غايتك فيها؟. فاذا قال كذا و كذا، فقل: قد أخذتها. فأتيته، فقال: ما كنت أريد أن أنقصها من كذا و كذا. فقلت: قد أخذتها. فقال: هي لك. ولكن أخبرني عن الرجل الذي كان معك بالأمس؟. فقلت: رجل من بني‌هاشم. قال: من أي بني‌هاشم؟. فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة أني اشتريتها من أقصي المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة منك؟. قلت: اشتريتها لنفسي. قالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك. ان هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده الا قليلا حتي تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض و لا بغربها مثله. [ صفحه 71] قال - أي هشام -: فأتيته بها، فلم تلبث عنده الا قليلا حتي ولدت الرضا عليه‌السلام» [99] . فهؤلاء النجيبات من النساء لا تخلوا منهن الأرض، و تتصرف بهن مشيئة الله عز اسمه، لتأتي بهن الي البيوت الكريمة المعدة لهن، بطريقة الاماء أو غيرها، و لا يبقين عرضة للزواج في بلادهن. فهن من بيوتات كريمة يكثر خطابهن، و يتزاحمون علي الزواج بهن، و لذلك يقيض الله سبحانه لهن ظروفا خاصة تنحيهن عن وجوه طالبي الزواج حتي يتيسر لهن الوصول الي البيوت التي خلقن ليكن فيها. و ليس من السهل أن نعلل صنع الله في كل حين. و أما أولاد الكاظم عليه‌السلام، فقد قال الشيخ المفيد رحمه الله عنهم: «كان لأبي‌الحسن عليه‌السلام سبعة و ثلاثون ولدا، ذكرا و أنثي، تسعة عشر ذكرا، و ثماني عشرة بنتا. منهم الامام علي بن موسي الرضا عليه‌السلام، و ابراهيم، و العباس، و القاسم لأمهات أولاد شتي. و اسماعيل، و جعفر، و هارون، و الحسن لأم ولد. و أحمد، و محمد، و حمزة، لأم ولد. و عبدالله، و اسحاق، و عبيدالله، و زيد، و الفضل، و الحسين، و سليمان، و عقيل لأمهات أولاد. [ صفحه 72] و فاطمة الكبري، و فاطمة الصغري، و رقية و حكيمة، و أم أبيها، و رقية الصغري، و أم‌جعفر، و لبانة، و زينب، و خديجة، و علية، و آمنة، و حسنة، و بريهة، و عائشة، و أم‌سلمة، و ميمونة، و أم‌كلثوم، لأمهات أولاد. و كان أفضل ولد أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام، و أنبههم، و أعظمهم قدرا، و أجمعهم فضلا، أبوالحسن، علي بن موسي الرضا عليه‌السلام» [100] . و قيل: انهم عشرون ذكرا، و ثماني عشرة بنتا؛ فذكر عددهم مع اختلاف في أسماء خمسة منهم مع زيادة واحد [101] . و قيل انهم أربعون ولدا، عشرون ذكرا، و عشرون بنتا بينهن أربع فواطم. [102] . أما ابنه أحمد فكان كريما، جليلا، ورعا، و كان أبوه يحبه و يقدمه؛ و قد وهب له ضيعته المعروفة باليسيرية. و يقال ان ابنه أحمد أعتق ألف مملوك. [103] . قال اسماعيل بن موسي الكاظم عليه‌السلام: «خرج أبي‌بلده الي بعض أمواله - أي أراضيه - بالمدينة. فكنا في ذلك المكان و كان مع أحمد بن موسي عشرون رجلا من خدم أبي وحشمه. ان قام أحمد قاموا معه، و ان جلس أحمد جلسوا معه، و أبي بعد ذلك يرعاه ببصره ما يغفل عنه، و ما انقلب حتي انتحي أحمد بن بيننا. [104] . [ صفحه 73] و هذا الحديث عن أحمد من أخيه، يدل دلالة قاطعة علي مهابته و قوة شخصيته من جهة، و علي عناية أبيه عليه‌السلام به من جهة ثانية. «و كان محمد بن موسي - أيضا - من أهل الفضل و الصلاح» [105] . «و كان صاحب وضوء و صلاة. و كان ليله كله يتوضأ و يصلي، فيسمع من عنده سكب الماء، ثم يصلي ماشاءالله له أن يصلي، ثم يهدأ ساعة و يرتاح فيرقد؛ و يقوم فيسمع صب الماء من جديد، و يصلي، و لا يزال كذلك حتي يصبح. و قد قال راوي هذا الحديث عنه: و ما رأيته الا ذكرت قوله تعالي:(كانوا قليلا من اليل ما يهجعون (17)) [106] . و كان ابنه ابراهيم شجاعا كريما، و قد تقلد الامرة علي اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، الذي بايعه أبوالسرايا بالكوفة، و مضي اليها ففتحها و أقام مدة الي أن كان من أمر أبي‌السرايا ما كان، و أخذ له الأمان من المأمون. و كان لكل واحد من أولاده عليه‌السلام فضل و منقبة مشهورة» [107] . أما ابنه زيد، فانه بعد وفاة أبيه، قد خرج علي المأمون، فظفر به فبعث به الي أخيه علي بن موسي الرضا، فوبخه، و جري بينهما كلام ذكره القاضي - في كتاب «الجليس و الأنيس» فيه أن عليا - الرضا - قال له: سوأة لك يا زيد!. ما أنت قائل لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم اذ سفكت الدماء، و أخفت السبل، و أخذت المال من غير حلة؟!. غرك حمقاء أهل الكوفة، و قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ان فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها علي النار!. [ صفحه 74] و هذا لمن خرج من بطنها كالحسن و الحسين فقط، لا لي و لك. والله ما نالها ذلك الا بطاعة الله. فان أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته، انك اذا لأكرم علي الله منهم!» [108] . فامامنا عليه‌السلام كان يمحض أولاده النصح و الارشاد في كل مناسبة، و يعطيهم عنايته الأبوية الرشيدة، دائما و أبدا، و لذلك أصبحوا أفذاذا كراما.و قد منحهم من خلقه السمح و صفاته الكريمة ما بوأهم منازل عالية في قلوب معاصريهم. و قيل: انه أحضرهم يوما فقال لهم:«يا بني، اني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها: ان أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمني مكروها، ثم تحول الي الأذن اليسري فاعتذر و قال: لم أقل شيئا، فاقبلوا عذره». [109] . و هذا لعمري من الخلق العظيم الذي ينشأ عليه الولد لتبني انسانيته بناء صحيحا... ولكن أين لنا بمثل تسامح الامام الكاظم الذي خلد تسامحه و كظمه للغيظ علي الزمن؟!. ولكن ذلك لا يمنعنا من التأثر بهذه الوصية العظيمة فنكون مسلمين كالمسلمين، لا كاسلام السلاطين. [ صفحه 75]

النص عليه بالامامة

لا ينصب الامام اماما للناس من بعده الا بأمر ربه بحسب العهد المعهود اليه من جده رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، الذي يصير بموجبه خليفة لله في أرضه، يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، و يبين حلال الله و حرامه، فاذا زاد الناس ردهم الي الصواب، و اذا أنقصوا ذكرهم بيوم الحساب. فتنصبيه يتم علي يد الامام الذي سبقه، و الذي يحمل صك الولاية عمن سبقه أيضا، و لا يفضي لخلفه بالأمر الا في آخر لحظات حياته، و لذلك كان لا بد لكل امام أن ينص عليه الامام السابق بحضور الثقات من أصحابه و مواليه، بعد أن يكون قد نوه به أمام أفراد و جماعات فيشيع أمره عند أكثر شيعته قبل موت سلفه؛ ذلك أن الامامة أمانة الله الكبري التي يحملها واحد لواحد الي أن يرث الله سبحانه الأرض و من عليها. قال يونس بن عبدالرحمان: «سألت موسي بن جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل:(ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الي أهلها...) [110] . [ صفحه 76] فقال: هذه مخاطبة لنا خاصة، أمر الله تبارك و تعالي كل امام منا، أن يؤدي الي الامام الذي بعده، و يوصي اليه؛ ثم هي جارية في سائر الأمانات. و قد حدثني أبي عن أبيه أن علي بن الحسين قال لأصحابه: عليكم بأداء الأمانة، فلو أن قاتل أبي‌الحسين بن علي ائتمنني علي السيف الذي قتله به لأديته اليه» [111] . و هكذا فان امامنا الكاظم قد نص عليه أبوه الامام الصادق سلام الله عليهما بمحضر أفراد و جماعات، و في مناسبات متفرقة. قال الطبرسي رحمه الله: «ان الجماعة التي نقلت النص عليه من أبيه، وجده، و آبائه عليهم‌السلام، قد بلغوا من الكثرة الي حد يمنع منهم التواطؤ علي الكذب، اذ لا يحصرهم بلد و مكان، و لا يضمهم صقع، و لا يحصيهم انسان» [112] . و قال ابن‌شهرآشوب: «روي صريح النص عليه من أبيه ثقات، منهم أخواه علي و اسحاق - و هما من هما في التقوي و الورع - و المفضل بن عمر الجعفي، و معاذ بن كثير، و عبد الرحمان بن الحجاج، و الفيض بن المختار، و يعقوب السراج، و سليمان بن خالد، و صفوان بن مهران الجمال، و أبوبصير، و داود الرقي، و يزيد بن سليط، و يونس بن ظبيان. و قطع عليه العصابة - أي الجماعة - الا طائفة عمار الساباطي». [113] . و الأصحاب الذين ذكرناهم بأسمائهم - فضلا عن الجماعة - كل واحد [ صفحه 77] منهم بدل من الأبدال يعجز الدهر أن يأتي بمثله في المئة و المئتي سنة. و قد قال الاربلي أيضا:«نص عليه أبوه، الامام جعفر الصادق عليه‌السلام، و نقل ذلك شيوخ أصحابه» [114] ثم ذكر أكثر من سماهم ابن‌شهرآشوب. ثم قال العلامة القندوزي: «قال جعفر الصادق رضي الله عنه: هؤلاء أولادي، و هذا سيدهم، و أشار الي ابنه الكاظم، و قال أيضا: هو باب من أبواب الله تعالي، يخرج الله تبارك و تعالي منه غوث هذه الأمة، و نور الملة، و خير مولود، و خير ناشي‌ء» [115] . و هذه بعض روايات النص علي امامته، ننقلها كما خرجت من أفواه رواتها. قال يعقوب السراج: «دخلت علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام، و هو واقف علي رأس أبي‌الحسن موسي في المهد، فجعل يساره طويلا. فجلست حتي فرغ، فقمت اليه فقال: أدن الي مولاك فسلم عليه. فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغير اسم بنتك التي سميتها أمس، فانه اسم يبغضه الله تعالي و كانت ولدت لي بنت فسميتها بفلانة. فقال أبوعبدالله: انته الي أمره ترشد. فغيرت اسمها» [116] . [ صفحه 78] و نحن آمنا بطفل يتكلم في المهد... ولكن، قل لي: كيف عرف أن صاحب أبيه رزق بنتا، و من دله علي اسمها، و من عرفه بغض الله سبحانه لذلك الاسم؟!. هذه امارات امامته السماوية؛ و قد ألهمه الله تعالي اياها، ليقتنع صاحب أبيه بكونه خلف أبيه فعلا. و قال منصور بن حازم: «قلت لأبي‌عبدالله عليه‌السلام: بأبي أنت و أمي، ان النفس يغدي عليها و يراح - أي أنها معرضة للموت - فاذا كان ذلك فمن؟. فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: اذا كان ذلك فهو صاحبكم و ضرب علي منكب أبي‌الحسن الأيمن، و هو فيما أعلم يومئذ خماسي، و عبدالله بن جعفر جالس معنا». [117] . و هذا النص عليه كان في سن الطفولة أيضا. و مثله ما رواه ابراهيم الكرخي الذي قال:«دخلت علي أبي‌عبدالله، جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام، و جلست عنده اذ دخل أبوالحسن، موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام، و هو غلام، فقمت اليه فقبلته و جلست. فقال لي أبوعبدالله: يا ابراهيم، أما انه صاحبك من بعدي. أما ليهلكن به قوم و يسعد آخرون؛ فلعن الله قاتله، و ضاعف اللعن علي روحه و العذاب» [118] . [ صفحه 79] و هذا اللعن لقاتله نجيره لخليفة الزمان الذي ستري شهادته بامامة الكاظم، و ستسمع تزكيته له امام أبنائه. و كذلك روي صفوان الجمال في حديث حصل ابان طفولته صلوات الله عليه، فقال:«سألت أباعبدالله عليه‌السلام: من صاحب هذا الأمر؟. فقال: صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب. فأقبل أبوالحسن موسي عليه‌السلام و هو صغير و معه عناق مكية [119] و هو يقول: اسجدي لربك. فأخذه أبوعبدالله عليه‌السلام، و ضمه اليه، و قال: بأبي و أمي من لا يلهو و لا يلعب» [120] . و ما ألطف هذه الكناية الرشيدة، و الاشارة الحميدة الي طفل لا يلهو و لا يلعب، لأنه ما خلق للعبث، بل هو معد للأمر الكبير. ولكن قل لي بربك من أطلع أباه أن ابنه سيدخل في تلك اللحظات، و معه عناق يقول لها اسجدي لربك!. هؤلاء قوم قد آتاهم الله سبحانه ما لم يؤت أحدا غيرهم، لأنهم صفوة خلقه و خيرتهم. و اسحاق بن جعفر الصادق عليه‌السلام - أخو امامنا الكاظم عليه‌السلام - حدث بنص علي امامة أخيه في الصغر أيضا و قال: «كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك، الي من نفزع و يفزع الناس بعدك؟. [ صفحه 80] فقال: الي صاحب الثوبين الأصفرين و الغديرتين، و هو الطالع عليك من الباب.فلما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتين بالبابين حين انفتحا. و دخل علينا أبوابراهيم، موسي بن جعفر عليه‌السلام، و هو صبي و عليه ثوبان أصفران» [121] . ففي هؤلاء الائمة صلوات الله و سلامه عليهم، سر من أسرار الله تعالي لا ينكشف للآخرين. فلو فرضنا أن الامام الصادق عليه‌السلام كان علي موعد مع صاحبه ذاك، و علي اتفاق معه علي السؤال عن الخلف من بعده. و أنه أعد له الجواب، و هيأ ابنه فألبسه الثوبين الأصفرين، و عقد له الغديرتين، أقول لو فرضنا ذلك لكان يمكن أن يقع خلل في بعض هذه الوقائع، كأن يبدل الولد ملابسه، أو يحل غديرتيه، أو أن يتلهي بشي‌ء و يمتنع عن الدخول في اللحظة المطلوبة علي الأقل. فمن فكر بأمرهم بعين بصيرته اهتدي الي المعجز الالهي الذي اختصهم به، و تولاهم كأئمة حق و صدق بعد أن يري لهم هذا الشأن الخاص الذي يختلف عن شؤون البشر العاديين، اذ من المستحيل أن تفسر أفعالهم ببساطة، ففي جوهرها ينطوي سر سماوي لا يقع تحت حس البشر و فلسفتهم للأشياء. [ صفحه 81] و كذلك أخوه الثقة الجليل، علي بن جعفر الصادق عليه‌السلام، فانه نقل نص أبيه علي أخيه و قال: «سمعت أبي‌جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته و أصحابه: استوصوا بابني موسي خيرا فانه أفضل ولدي، و من أخلفه بعدي، و هو القائم مقامي، و الحجة لله عزوجل علي كافة خلقه من بعدي». [122] . «و كان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسي الكاظم عليه‌السلام و الانقطاع اليه، و التوفر علي أخذ معالم الدين عنه» [123] . و من أجلاء رواة النص عليه أيضا سليمان بن خالد الذي قال: «دعا أبوعبدالله عليه‌السلام أباالحسن يوما و نحن عنده، فقال لنا: عليكم بهذا بعدي، فهو والله صاحبكم بعدي» [124] . و مثله الفضل بن عمر الجعفي الذي قال: «كنت عند أبي‌عبدالله عليه‌السلام، اذ دخل أبوابراهيم، موسي بن جعفر عليه‌السلام و هو غلام، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: استوص به، وضع أمره عند من تثق به أصحابك» [125] . و عنه أيضا قوله: «ذكر أبوعبدالله أباالحسن عليه‌السلام، و هو يومئذ غلام، فقال: هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة علي شيعتنا [ صفحه 82] منه. ثم قال لي: لا تجفوا اسماعيل» [126] و روي عن فيض بن المختار أنه قال:«قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام: خذ بيدي من النار!. من لنا بعدك؟. فدخل أبوابراهيم، و هو يومئذ غلام، فقال: هذا صاحبكم فتمسكوا به» [127] . و كذلك ورد عن الفيض بن المختار نفسه قوله: «اني لعند أبي‌عبدالله عليه‌السلام، اذ أقبل أبوالحسن، موسي عليه‌السلام - و هو غلام - فالتزمه - و قبله، و قال أبوعبدالله عليه‌السلام: أنتم السفينة و هذا ملاحها. قال فيض: فحججت من قابل و معي ألفا دينار، فبعثت بألف دينار الي أبي‌عبدالله عليه‌السلام، و ألف اليه. فلما دخلت علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام قال: يا فيض، عدلته بي؟. قلت: انما فعلت ذلك لقولك. فقال: أما والله ما أنا فعلت ذلك، بل الله عزوجل فعله» [128] . فالامام عليه‌السلام لم يستغرب صلة فيض بن المختار لابنه الكاظم عليه‌السلام، ولكنه سأله كيف عدله به، ليقسم هذه اليمين القاطعة بأنه لم ينصبه اماما الا بأمر ربه. و عن فيض أيضا في حديث طويل:«... قال أبوعبدالله عليه‌السلام:هو صاحبكم الذي سألت عنه، فقم اليه و أقر بحقه. فقمت حتي قبلت رأسه و يده، و دعوت الله له. [ صفحه 83] قال أبوعبدالله عليه‌السلام: أما انه لم يؤذن لنا بذلك. - و هذا دليل علي كون الامام الكاظم كان لا يزال طفلا -. فقلت: جعلت فداك. فأخبر به أحدا؟. قال: نعم، أهلك و ولدك، و رفقاءك. و كان معي أهلي و ولدي، و كان معي من رفقائي يونس بن ظبيان. فلما أخبرته حمد الله تعالي و قال: لا والله حتي أسمع منه ذلك. و كانت به عجلة، فخرج فاتبعته. فلما انتهيت الي الباب سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول له - و كان سبقني -: يا يونس، الأمر كما قال لك فيض. فقال: سمعت و أطعت. فقال لي أبوعبدالله عليه‌السلام: خذه اليك يا فيض» [129] . قال معاذ بن كثير: «قلت: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة، أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها. قال: قد فعل الله ذلك. قلت: من هو، جعلت فداك؟. فأشار الي العبد الصالح و هو راقد، فقال: هذا الراقد، و هو يومئذ غلام» [130] . و قال عبدالرحمان بن الحجاج: «دخلت علي جعفر بن محمد عليه‌السلام [ صفحه 84] في منزله، فاذا هو في بيت كذا من داره، في مسجد له و هو يدعو و علي يمينه موسي بن جعفر يؤمن علي دعائه. فقلت له: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي اليك و خدمتي لك، فمن ولي الأمر بعدك؟. قال: يا عبدالرحمان، ان موسي قد لبس الدرع و استوت عليه. فقلت له: لا أحتاج بعد هذا الي شي‌ء» [131] . و عن يزيد بن أسباط أنه قال: «دخلت علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام في مرضته التي مات فيها فقال: يا يزيد، أتري هذا الصبي؟. اذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي أني أخبرتك أن يوسف انما كان ذنبه عند اخوته حتي طرحوه في الجب، الحسد له حين أخبرهم أنه رأي أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر و هم له ساجدون. و كذلك لا بد لهذا الغلام من أن يحسد. ثم دعا موسي، و عبدالله، و اسحاق، و محمدا، و العباس، و قال لهم: هذا وصي الأوصياء، و عالم علم العلماء، و شهيد علي الأموات و الأحياء. ثم قال: يا يزيد (ستكتب شهادتهم و يسئلون (19)). [132] . و أخيرا... الحق ما شهدت به الأعداء. فقد روي المأمون، عن أبيه الرشيد أنه قال لبنيه في حق موسي الكاظم: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده. [ صفحه 85] أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر؛ و انه والله لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مني و من الخلق جميعا. ووالله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت بالذي فيه عيناه، فان الملك عقيم!. و قال الرشيد: يا بني، هذا وارث علم النبيين؛ هذا موسي بن جعفر، ان أردت العلم الصحيح تجده عنده. قال المأمون: من حينئذ انغرس في قلبي حبه» [133] . وكم وكم كان غارس هذا الحب في قلبك يا مأمون، غير مأمون علي من هو أحق منك و منه بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم!. فانه بعد أن عرفكم منزلته، أخذه فاعتقله، و قيده بالحديد في موسم الحج و الطاعة، ثم حبسه سنوات و سنوات، و عذبه، و سمه فقتله بسبيل الملك العقيم، و بلا ذنب!. فما أعقم تفكير هذا القارون غير الرشيد، حين باع آخرته بالدنيا الزائلة!. ثم ما أقبح ما أخذت عنه يا مأمون، فكنت غير مأمون علي عباد الله، فنكلت بأبناء رسول الله أكثر مما نكل،...فكنت، و كان، من السفاحين و سفاكي دماء الأوصياء و الأولياء!. و روي - كذلك - عيسي بن عبدالله، بن محمد، بن عمر، بن علي، بن أبي‌طالب عليه‌السلام، عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام قائلا: «قلت له: ان كان كون، و لا أراني الله ذلك، فبمن أأتم؟. فأومأ الي ابنه موسي. [ صفحه 86] قلت: فان حدث بموسي حدث فبمن أأتم؟. قال: بولده. قلت: فان حدث بولده حدث، و ترك أخا كبيرا، وابنا صغيرا؟ قال: بولده، ثم هكذا أبدا» [134] أي أن الامامة من الأب الي الابن، و لا تكون من أخ لأخيه سوي الحسن و الحسين عليه‌السلام. و قد ورد هذا الخبر مع الزيادة التالية: «قلت: فان لم أعرفه، و لا أعرف موضعه؟. قال: تقول: اللهم اني أتولي من بقي من حججك من ولد الامام الماضي، فان ذلك يجزيك ان‌شاءالله» [135] . و قال يزيد بن سليط: «لقيت أباابراهيم عليه‌السلام، و نحن نريد العمرة، في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك، هل تثبت هذا الموضع؟- أي هل تذكره و تعرفه؟ - قال: نعم. فهل تثبته أنت؟. قلت: نعم، أنا و أبي‌لقيناك هاهنا و أنت مع أبي‌عبدالله عليه‌السلام، و معه اخوتك. فقال له أبي: بأبي أنت و أمي، أنتم كلكم أئمة مطهرون، و الموت لايعري منه أحد. فأحدث الي شيئا أحدث به من يخلفني من بعدي فلا يضل. [ صفحه 87] قال: نعم، يا أباعبدالله، هؤلاء، ولدي، و هذا سيدهم، و أشار اليك، و قد علم الحكم و الفهم، و السخاء، و المعرفة مما يحتاج اليه الناس، و ما اختلفوا فيه من أمر دينهم و دنياهم. و فيه حسن الخلق، و حسن الجواب، و هو باب من أبواب الله عزوجل [136] . و كذلك قال أبوجرير القمي: «قلت لأبي‌الحسن عليه‌السلام: جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي الي أبيك ثم اليك، ثم قلت له: و حق رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و حق فلان و فلان، حتي انتهيت اليه، بأنه لا يخرج مني ما يخبرني به الي أحد من الناس، و سألته عن أبيه أحي هو أو ميت؟. فقال: قد والله مات. فقلت: جعلت فداك، ان شيعتك يروون أن فيه سنة أربعة أنبياء؟. قال: قد، والله الذي لا اله الا هو، هلك. قلت: هلاك غيبة، أو هلاك موت؟ قال: هلاك موت. فقلت: لعلك مني في تقية؟. فقال: سبحان الله!. قلت: فأوصي اليك؟. قال: نعم. قلت: و أشرك معك فيها أحد؟. [ صفحه 88] قال: لا. قلت: فعليك من اخوتك امام؟. قال: لا. قلت: فأنت الامام؟ قال: نعم» [137] . و في هذا كفاية تغني عن كثرة الكلام في النص علي امامته صلوات الله و سلامه عليه كلما لاح صباح. [ صفحه 89]

عبادته و كرمه

قال الشيخ المفيد رحمه الله: «كان أبوالحسن، موسي عليه‌السلام، أعبد أهل زمانه، و أفقههم، و أسخاهم كفا، و أكرمهم نفسا. و روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا، فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس - ظهرا - و كان يدعو كثيرا، و يقول: اللهم اني أسألك الراحة بعد الموت، و العفو عند الحساب، و يكثر ذلك. و كان من دعائه عليه‌السلام: عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك. و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع - أي تبتل -. و كان أوصل الناس لأهله و رحمه. و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل، فيحمل اليهم الزنبيل: فيه العين - أي مواد الغذاء و الألبسة - و الورق - يعني النقد - و الدقيق و التمر، فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو» [138] . [ صفحه 90] و قال رحمه الله أيضا: و قد روي الناس عن أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام، فأكثروا. و كان أفضل أهل زمانه، و أحفظهم لكتاب الله، و أحسنهم صوتا بالقرآن؛ و كان اذا قرأ يحزن، ويبكي، ويبكي السامعون لتلاوته. و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجدين، و سمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ و صبر عليه من فعل الظالمين به، حتي مضي قتيلا في حبسهم و وثاقهم». [139] . و وصفه حفص في حديث طويل قال في آخره: «فما رأيت أحدا أشد خوفا علي نفسه من موسي بن جعفر، و لا أرجي للناس منه؛ و كانت قراءته حزنا، فاذا قرأ فكأنه يخاطب انسانا». [140] . و قد كان عليه‌السلام حسن الصوت، و حسن القراءة. قال يوما من الأيام: ان علي بن الحسين عليه‌السلام، كان يقرأ القرآن، فربما مر المار فصعق من حسن صوته!. و ان الامام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس. و قيل له: ألم يكن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يصلي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟. فقال: ان رسول الله كان يحمل من خلفه ما يطيقون». [141] . «و قال بعض عيونه - من الذين كانوا يراقبونه في السجون -: كنت [ صفحه 91] أسمعه كثيرا يقول في دعائه: «اللهم اني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم و قد فعلت، فلك الحمد» [142] . و امامنا - و كل امام من سلفه و خلفه عليهم‌السلام جميعا - معصوم عن الذنوب قطعا، و بعيد عن ارتكاب المعاصي صغيرها و كبيرها، و لا يفعل خلاف الأولي و الأحسن، ولكنه قيل: ان حسنات الأبرار سيئات المقربين، فهو يعتبر أن تركه للأولي و المستحب ذنبا عظيما في جنب عظمة الله عزوجل؛ و هذا الذي كان يصدر عنه و عن الأئمة عليهم‌السلام من التواضع في الدعاء و التذلل في الاستغفار، و الخوف من العقاب، ان هو الا تعليم لنا، و تأديب بأدب الخضوع و الخشوع بين يدي الخالق العظيم عز و علا. و قد روي أنه دخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فسجد سجدة في أول الليل فسمع و هو يقول: عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوي، و يا أهل المغفرة... فجعل يرددها حتي أصبح». [143] . و قال بعض أصحابنا: «كان أبوالحسن عليه‌السلام: اذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك، و شكره ضعيف، و ذنبه عظيم، و ليس لذلك الا رفقك و رحمتك، فانك قلت في كتابك المنزل علي نبيك المرسل:(كانوا قليلا من اليل ما يهجعون (17) و بالأسحار هم يستغفرون (18)) [144] . طال هجوعي، و قل قيامي، و هذا السحر و أنا أستغفرك لذنبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا و لا نفعا، و لا موتا و لا حياة و لا نشورا... ثم يخر ساجدا صلوات الله عليه» [145] . [ صفحه 92] فهل ذلك الاستغفار كان من ذنب جناه؟. لا، ولكنه يزيد في درجاته العليا في الآخرة، و يكون لنا مثلا يحتذي في أدبنا التعبدي. و روي محمد بن سليمان ما سمعه عن أبيه، فقال: «خرجنا مع أبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام الي بعض أمواله - أي ممتلكاته - فقام الي صلاة الظهر. فلما فرغ خر لله ساجدا، فسمعته يقول بصوت حزين و تغرغر دموعه: عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخرستني، و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني - أي أعميتني - و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني - أي جعلتني أصم، لا أسمع - و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني - أي لكسرت يدي، أو شللتها- و عصيتك برجلي ولو شئت و عزتك لجذمتني - أي ابتليتني بالجذام - و عصيتك بفرجي و لو شئت و عزتك لأعقمتني - أي جعلتني عقيما - و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي، و ليس هذا جزاؤك مني» [146] . «قال: ثم أحصيت له ألف مرة و هو يقول: العفو العفو! ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته يقول بصوت حزين: بؤت اليك بذنبي، عملت سوءا و ظلمت نفسي، فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي - ثلاث مرات -. ثم ألصق خده الأيسر بالأرض و هو يقول: ارحم من أساء و اقترف، و استكان و اعترف - ثلاث مرات -. ثم رفع رأسه» [147] . [ صفحه 93] و من مظاهر خضوعه بين يدي الله تعالي نورد ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع الذي قال: «رأيت أباالحسن عليه‌السلام ركع ركوعا أخفض من ركوع كل من رأيته يركع، فكان اذا ركع جنح بيديه» [148] . و هذا من زيادة الخضوع لله عزت قدرته. ثم قال الراوي نفسه: «رأيت أباالحسن عليه‌السلام اذا سجد يحرك ثلاث أصابع من أصابعه، واحدة بعد واحدة، تحريكا خفيفا كأنه يعد التسبيح، ثم رفع رأسه» [149] . و مما يظهر شدة تواضعه و تذلله أمام خالقه ما رواه جعفر بن علي الذي قال: «رأيت أباالحسن عليه‌السلام، و قد سجد بعد الصلاة، فبسط ذراعيه علي الأرض، و ألصق جؤجؤه - أي صدره - بالأرض في دعائه» [150] . فهو عبد داخر لله عزوجل، تصله بالسماء تأملات، و تشده الي ربه لحظات لا سبيل لنا الي تصورها و التعبير عنها، لأنها من سمات الأصفياء الذين تفني ذواتهم اذا وقفوا بين يدي بارئهم و تصوروا قدرته في خلوات لهم، و تستعصي علينا الألفاظ و التعابير اذا شئنا تقريبها الي الأذهان. و قد روي علي بن جعفر أن أخاه الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام، قال: «ألتبتل أن تقلب كفيك في الدعاء اذا دعوت. [ صفحه 94] و الابتهال أن تبسطهما، و تقدمهما. و الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء، و تستقبل بهما وجهك. و التضرع أن تحرك اصبعيك و تشير بهما. و في حديث آخر: البصبصة أن ترفع سبابتيك الي السماء و تحركهما، و تدعو». [151] . فهل يتيسر تحديد هذه المواقف من الخشوع لرب الأرباب، الا لمن مارسها و دأب عليها، و أدرك الفروقات الدقيقة بينها؟. لا، و أيم الحق... و لقد قال هشام بن أحمر - أحمد-: «كنت أسير مع أبي‌الحسن عليه‌السلام في بعض أطراف المدينة، اذ ثني رجله من دابته فخر ساجدا، و أطال و أطال!. ثم رفع رأسه، و ركب دابته؛ فقلت: جعلت فداك، قد أطلت السجود!. فقال: اني ذكرت نعمة أنهم الله بها علي، فأحببت أن أشكر ربي». [152] . (... و قليل من عبادي الشكور (13)) [153] يا سيدي، كما قال ربك... ولكنكم أنتم علي رأس لائحة الشاكرين لأنعم الله تبارك و تعالي؛ و نحن نشكر الله سبحانه أن من علينا بتوليكم و الائتمار بأمركم. و لقد قيل عن هذا الامام العظيم:«و كان عليه‌السلام يقول: اني أستغفرالله في كل يوم خمسة آلاف مرة» [154] . [ صفحه 95] فنسأل المولي القدير أن يغفر لنا - بحقه - ما تقدم من ذنوبنا و ما تأخر. و لن ننسي أن ننقل للقاري‌ء الكريم وصفه علي لسان عدوه اللدود و عدو بني علي جميعا، و هو المأمون العباسي الذي وصفه حين ذكر وروده علي أبيه هارون الرشيد، فقال: «رأيت موسي بن جعفر، دخل علي أبي‌بالمدينة، اذ هو شيخ مسجد - أي له سجادة بين عينيه من أثر سجوده الطويل - قد أنهكته العبادة و كأنه شن بال، قد كلم السجود وجهه و أنفه - أي جرحهما-» [155] . ثم روي عن الفضل بن الربيع الذي تولي سجنه في بيته مدة طويلة، أنه قال: «أرسلني الرشيد الي موسي بن جعفر عليه‌السلام فقلت لغلامه: استأذن لي الي مولاك يرحمك الله. فقال لي: لج - أي ادخل - ليس له حاجب و لا بواب. فولجت اليه فاذا بغلام أسود بيده مقص، يأخذ اللحم من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده». [156] . فمثل هذا العابد الزاهد يخاصم يا مأمون؛ قلها لأبيك هارون، و قل لمن سبقه و من لحقه: اذا وقفتم بين يدي الله بماذا تجيبون؟!. هذا، و قد «روي أنه توفي - صلوات الله عليه - في حال سجوده لله تعالي» [157] . [ صفحه 96] و كفي بذلك استكانه و تواضعا لله عزوجل. و روي الصدوق، ورواه ابن‌بابويه في عيون الأخبار، أن الثوباني قال: «انه كانت لأبي الحسن، موسي بن جعفر - عليه‌السلام - بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي نصف الزوال. قال: فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه علي الحبس الذي حبس فيه أباالحسن - عليه‌السلام - فكان يري أباالحسن - عليه‌السلام - ساجدا، فقال للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟. قال: يا أميرالمؤمنين، ما ذاك بثوب، و انما هو موسي بن جعفر، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال. فقال له هارون: أما ان هذا من رهبان بني‌هاشم!أ قلت: فما بالك قد ضيقت عليه في الحبس؟!. قال: هيهات... لابد من ذلك» [158] . و أنا أقول لهذا الخليفة الظالم: (هيهات هيهات لما توعدون (36)) [159] . من عذاب الله الأليم، بعد الوقوف بعد يدي الحاكم العادل أمام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!. فان هذا الخصم سيرديك في النار خالدا مخلدا. [ صفحه 97] قد قلت: «لا بد من ذلك»... و يقول لك: لا بد لك من ندم و حسرة... ولات ساعة مندم!. و أنت من خلفاء ما كان ينقصهم الفهم، و لا غاب عن علمهم أنهم يفتكون، بآل الله و رسوله، الذين هم أبناء عمومتهم من جهة، و أعظم أهل عصورهم عندالله تعالي من جهة ثانية... فيا ويلكم!.... وانتظروا (يوما يجعل الولدان شيبا (17)) [160] . أما سجود الامام عليه‌السلام، فقد كان مضرب المثل عند الخاص و العام، حتي أن ذلك الخليفة التعيس سماه من رهبان بني‌هاشم، و مع ذلك رأي أنه لابد من التضييق عليه ليستقيم له الحكم بغير ما أنزل الله!. و رويت القصة السابقة عن علي بن ابراهيم عن اليقطيني، عن أحمد بن عبدالله القزويني، عن أبيه، - هكذا - قال: «دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح، فقال‌لي: أدن مني. فدنوت حتي حاذيته، ثم قال لي: أشرف الي البيت في الدار. فأشرفت، فقال: ما تري في البيت؟. قلت: ثوبا مطروحا. فقال: أنظر حسنا. فتأملت و نظرت، فتبينت، فقلت: رجل ساجد. فقال لي: تعرفه؟. [ صفحه 98] قلت: لا. قال: هذا مولاك... تتجاهل علي؟!. فقلت: ما أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولي. فقال: هذا أبوالحسن، موسي بن جعفر - عليه‌السلام - اني أتفقده في الليل و النهار، فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها. انه يصلي الفجر، فيقف ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس. و قد و كل من يترصد له الزوال. فلست أدري متي يقول الغلام: قد زالت الشمس، اذ يثب فيبتدي‌ءبالصلاة من غير أن يجدد وضوءه، فأعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك حتي يفرغ من صلاة العصر. فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس. فاذا غابت الشمس و ثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة - أي صلاة العشاء - فاذا صلي العتمة أفطر علي شوي يؤتي به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر!. فلا أدري متي يقول الغلام: ان الفجر قد طلع، اذ قد وثب هو لصلاة الفجر... فهذا دابه منذ حول الي!. [و زاد في حلية الأبرار]: فقلت له: اتق الله، و لا تحدث في أمره حدثا يكون فيه زوال النعمة فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا، الا كانت نعمته زائلة. فقال: قد أرسلوا الي في غير مرة يأمروني بقتله، فلم أجبهم الي ذلك، [ صفحه 99] و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني» [161] . و أمام هذه الصورة الشمسية يقف المرء متعجبا من جلد هذا السيد الكبير علي التعبد ليل نهار، دون ملل و لا فتور، الي جانب صيامه و قلة نومه و اخلاده الي الراحة. أما كرم بني‌هاشم فهو مضرب المثل حتي أيامنا هذه. و قد أطنب التاريخ في الحديث عن نداوة أكفهم، و ذكر ما يكاد لا يصدقه الانسان. لقد كانوا يعطون أكثر مما ينتظر منهم المؤملون، و لا يفضلون بذلك. وليا علي عدو، بل كان خيرهم مبذولا لجميع أصحاب الحاجات بدون تمايز و لا تمييز. و امامنا الكاظم عليه‌السلام كان من أسخي أسخيائهم، فقد كان يعطي كل محتاج و يعم بره القاصي و الداني، فتحدث بعطائه الناس و تعجبوا من عطائه و بذله. فمن المشهور عنه أنه كان يتفقد فقراء المدينة في كل ليلة كما ذكرنا، و كان يصل بالمائة دينار، و بالمائتي دينار، و بالثلاثمائة دينار، و كانت صرار موسي مثلا. [162] . «و ذكر أنه عليه‌السلام بعث الي رجل يؤذيه صرة فيها ألف دينار». [163] . و قال عنه الشيخ عباس القمي رحمه الله: [ صفحه 100] «و كان كريما، بهيا، فأعتق ألف مملوك». [164] . و نحن في هذا الموضوع نورد للقاري‌ء بعض الحوادث التي ذكرها المؤرخون مع بخلهم العجيب بذكر شي‌ء يلفت النظر الي أهل هذا البيت الكريم صلوات الله و سلامه عليهم، مضافا الي ضغوظ السلاطين الظالمين الذي كانوا يهزون السوط لكل من يقول كلمة حق تعارض سلطتهم و جبروتهم. في تفسير الامام أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام، قال: «و قد حضره - أي الكاظم عليه‌السلام - فقير مؤمن فسأله سد فاقته. فضحك عليه‌السلام في وجهه و قال: أسألك مسألة، فان أصبتها أعطيتك عشرة أضعاف ما طلبت. و كان قد طلب منه مائة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها. فقال الرجل: سل. فقال موسي - عليه‌السلام - لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا، ماذا كنت تتمني؟. قال: كنت أتمني أن أزرق التقية في ديني، و قضاء حقوق اخواني. قال - عليه‌السلام -: و ما لك ما تسأل الولاية لنا أهل البيت؟. قال: ذلك قد أعطيته، و هذا لم أعطة. فأنا أشكر علي ما أعطيت، و أسأل ربي ما منعت. فقال: أحسنت. أعطوه ألفي درهم. و قال: اصرفها في كذا و كذا [ صفحه 101] - يعني العفص فانه متاع بائر، و سيقبل بعدما أدبر. فانتظر به سنة، و اختلف الي دارنا، و خذ الأجر في كل يوم. ففعل. فلما تمت له سنة اذ قد زاد في ثمن العفص للواحد خمسة عشر. فباع ما كان اشتري بألفي درهم بثلاثين ألف درهم. [165] . و أنت يا قارئي العزيز تري أن لطفه مع هذا السائل الفقير كان أجمل من عطائه و قضاء حاجته. بل ان اقتراحه عليه بأن يشتري العفص و ينتظر به عاما لأنه سيرتفع ثمنه و يقبل بعد ما أدبر، لهو اقتراح عجيب اذا تأملت به مليا... و اذا رأينا أن هذا الرجل الطامع بمائة درهم قد استفاد في سنة ثلاثين ألف درهم، مع الأجر الذي كان يأخذه من الامام عليه‌السلام لقاء اختلافه الي داره في كل يوم للقيام ببعض الخدمات، أقول: اذ رأينا ذلك لحق لنا أن نسأل: من أين أوتي الامام هذا العلم بارتفاع ثمن العفص بعد بواره؟!. و حدث عيسي بن محمد بن مغيث القرطبي، فقال: «زرعت بطيخا و قثاء و قرعا في موضع بالجوانية، علي بئر يقال لها: أم عظام. فلما قرب الخير و استوي الزرع، بيتني الجراد و أتي علي الزرع كله!. و كنت عزمت علي الزرع ثمن جملين و مائة و عشرين دينارا. فبينا أنا جالس اذ طلع موسي بن جعفر بن محمد، فسلم علي ثم قال: أيش حالك؟. - مخفف: أي شي‌ء حالك؟ -. قلت: أصبحت كالصريم. بيتني الجراد و أكل زرعي. [ صفحه 102] قال: كم عزمت. قلت: مائة و عشرين دينارا مع ثمن جملين. فقال: يا عرفة، ان لأبي الغيث مائة و خمسين دينارا. فربحك ثلاثون دينارا و الجملان. فقلت: يا مبارك، ادع لي فيها بالبركة: فدخل فدعا لي، وحدثني أن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: تمسكوا ببقاء المصايب. - أي تمسكوا بالله عند بقاء المصايب -. ثم علقت عليه الجملين، و سقيته - أي الزرع - و جعل الله فيه البركة، و زكت فبعت منها بعشرة آلاف» [166] . و هكذا فانه عليه‌السلام، دخل علي هذا الرجل بعد أن أكل الجراد ورق زرعه و أغصانه، فوجده حزينا لما حل بزرعه. ولكنه سرعان ما أعطاه و طيب خاطره، و أمره باعادة سقاية الزرع، و وعده بعودة نجاح زرعه من جديد، و وعده بالربح أيضا، و قدر له ذلك بحزم. و حين طلب منه الرجل أن يدعوا له بالبركة في زرعه، فعل فزكت غلتها، و حصل منها علي ربح وفير بعد أن كان يائسا من أن يجني منها درهما واحدا. و عن الشريف أبي‌محمد، الحسن بن محمد، عن جده، عن غير واحد من أصحابه قال: «ان رجلا من ولد عمر بن الخطاب، كان في المدينة يؤذي أباالحسن، موسي عليه‌السلام، و يسبه اذ رآه، و يشتم عليا عليه‌السلام. [ صفحه 103] فقال له أصحابه: دعنا نقتل هذا الفاجر. فنهاهم عن ذلك، و زجرهم أشد الزجر. و سأل عن العمري، فقيل بأنه خرج الي زرع له. فخرج اليه، و دخل المزرعة بحماره!. فصرح العمري: لا توطي‌ء زرعنا. فتوطأه أبوالحسن عليه‌السلام بالحمار حتي وصل اليه. فنزل و جلس عنده، و باسطه و ضاحكه و قال: كم عزمت علي زرعك هذا؟. فقال: مائتي دينار. قال: فكم ترجوا أن يحصل منه؟. قال: لست أعلم الغيب. قال: انما قلت كم ترجوا أن يجيئك فيه؟. قال: أرتجي فيه مائتي دينار. فأخرج له أبوالحسن صرة فيها ثلاثمائة دينار، و قال: هذا زرعك علي حاله، و الله يرزقك ما ترجو. فقام العمري فقبل رأسه، و سأله أن يصفح عن فارطه - أي ما سبق من السوء-. فتبسم اليه أبوالحسن و انصرف. و راح الي المسجد فرأي العمري جالسا. فلما نظر اليه قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته. فوثب اليه أصحابه فقالوا: ما قصتك؟. قد كنت تقول غير هذا!. فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن؛. و جعل يدعو لأبي الحسن عليه‌السلام، فخاصموه و خاصمهم. [ صفحه 104] فلما رجع أبوالحسن عليه‌السلام الي داره قال لأصحابه الذين أشاروا بقتل العمري: كيف رأيتم؟!. أصلحت أمره و كفيت شره». [167] . فهذا هو ديدن أهل بيت الوحي صلوات الله عليهم مع القالي و الموالي. فلم يتصعنوا في تصرف، و لا داروا، و لا راءوا، و لا ماروا، و لا فعلوا شيئا الا في ضمن وظيفتهم الالهية التي كانوا بموجبها أفضل الناس و أكملهم. فان امامنا عليه‌السلام لم يبادل العمري شتما بشتم، و لا سبابا بسباب، بل أعطاه من لطفه و كرمه ما محي به الضغينة من قلبه، و جعله يعدل عما كان عليه من التعدي، و أصبح حسن الحال و امتنع عن أذية الامام بعد أن فهم حقيقة ما هو عليه من اللطف و العفو. قال محمد بن عبدالله البكري: «قدمت المدينة أطلب دينا فأعياني. فقلت: لو ذهبت الي أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام، فشكوت اليه. فأتيته بنقمي - موضع في ضاحية المدينة كن يملكه آل أبي‌طالب - في ضيعته. فخرج الي و معه غلام، و معه نسف - غربال - فيه قديد مجزع - أي لحم مقطع مجفف - ليس معه غيره. فأكل و أكلت معه، و سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي. فدخل و لم يقم الا يسيرا حتي خرج الي و قال لغلامه: اذهب. ثم مد [ صفحه 105] يده الي فدفع الي صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولي، فقمت فركبت دابتي و انصرفت» [168] . فصلوات الله عليك يا سيدي ما أندي كفك، و ما أسعد من كان يتشرف برؤيتك، و يوفقه الله تعالي لخدمتك!. و يلاحظ أنه لم يخجل الرجل، و لم يعطه الصرة أمام الغلام، بل أمره بالخروج قبل أن يناوله اياها، خلقا منه و حسن تصرف. و عن معتب، قال: «كان أبوالحسن، موسي عليه‌السلام، بالحائط، يصرم النخل - فنظرت الي غلام له قد أخذ كارة من تمر - أي صرة - فرمي بها وراء الحائط. فأتيته، فأخذته و ذهبت به اليه فقلت له: جعلت فداك، اني وجدت هذا و هذه الكارة. فقال للغلام: فلان!. قال: لبيك. قال: أتجوع!. قال: لا، يا سيدي. قال: فتعري؟ قال: لا، يا سيدي. قال: فلأي شي‌ء أخذت هذه؟!. قال: اشتهيت ذلك. [ صفحه 106] قال: اذهب فهي لك... و قال: خلوا عنه». [169] . و من المؤكد أنه لا ينتظر لهذا الغلام الا الاكرام، اذ لا يجري علي يد كاظم الغيط الا الاحسان لمن أساء اليه. و عن بعض أصحابنا، قال: «أو لم أبوالحسن، موسي عليه‌السلام وليمة علي بعض ولده، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في الجفان في المساجد و الأزقة. فعاتبه بذلك بعض أهل المدينة، فبلغه عليه‌السلام ذلك فقال: ما آتي الله تعالي نبيا من أنبيائه شيئا الا و قد آتي محمدا صلي الله عليه و اله و سلم مثله وزاده ما لم يؤتهم. قال لسليمان عليه‌السلام: (هذا عطآؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب (39)) [170] و قال لمحمد صلي الله عليه و اله و سلم: (و ما ءاتكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) [171] . طاش سهمك أيها العائب لأبناء رسول الله فهم لا يعابون علي بذل، و لا يلامون علي كرم، بل ان أعمالهم الخلقية مثل يحتذي عند أولي النهي؛ و لقد طهرهم رب الأرباب في أطهر كتاب، و من عابهم في قول أو فعل فقد دل علي جهله و غبائه و سوء اعتقاده بمحمد صلي الله عليه و اله و سلم و بأهل بيته الذين هم عيبة العلم و أولي الناس بمعرفة ما يجوز و ما لا يجوز. [ صفحه 107] و يحكي أن المنصور تقدم الي موسي بن جعفر في الجلوس للتهنئة في يوم النيروز و قبض ما يحمل اليه. فقال عليه‌السلام: اني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فلم أجد لهذا العيد خبرا، و انه سنة للفرس و محاها الاسلام. فقال المنصور: انما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم الا جلست. فجلس و دخلت عليه الملوك و الأمراء و الأجناد يهنئونه و يحملون اليه الهدايا و التحف، و علي رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل. فدخل في آخر الناس شيخ كبير السن فقال له: يابن رسول الله، انني رجل صعلوك - أي فقير - لا مال لي، أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدي في جدك الحسين بن علي عليه‌السلام: عجبت لمصقول علاك فرنده يوم الهياج، و قد علاك غبار [172] . و لأسهم نفذتك دون حرائر يدعون جدك، و الدموع غزار [173] . ألا تقضقضت السهام، و دونها عن جسمك الاجلال و الاكبار [174] . قال [عليه‌السلام]: قبلت هديتك، اجلس، بارك الله فيك. و رفع رأسه الي الخادم و قال: امض الي أميرالمؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به؟. [ صفحه 108] فمضي الخادم، و عاد و هو يقول: كله هبة مني له، يفعل ما أراد. فقال موسي [عليه‌السلام] للشيخ: اقبض جميع هذا المال فهو هبة مني لك» [175] . و المال هذا هو مجموع عطايا المهنئين من عليه القوم لسلطان الزمان. فهي عطايا جزيلة لا تقدر بثمن. و معني ذلك أنها أموال كثيرة لأنها هدايا نفيسة، و تحف ثمينة، لم يتردد الامام عليه‌السلام عن دفعها بكاملها للشيخ الذي قال الشعر في جده الحسين عليه‌السلام، بحيث جعلها هبة منه اليه علي حسن مقاله و حسن نيته. و أنت تشعر و أنت تقرأ هذه القصة أن الامام عليه‌السلام لم تستوقف نظرة تحف، و لا مال قلبه الي هدايا و نفائس، بل بادر الشيخ بقوله: اقبض جميع هذا بطيبة نفس هاشمية لا تجدها عند غير أئمتنا الكرام عليهم الصلاة والسلام. و أخيرا قال ابراهيم بن عبدالحميد: «سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول في سجوده: يا من علا فلا شي‌ء فوقه، يا من دنا فلا شي‌ء دونه، اغفرلي و لأصحابي» [176] . أما أصحابه المقربون رضوان الله عليهم - لا علي الحصر الدقيق - فهم: 1- بابه المفضل بن عمر الجعفي. [ صفحه 109] 2- و في اختيار الرجال عن الطوسي: أنه اجتمع أصحابنا علي تصديق ستة نفر من فقهاء الكاظم و الرضا عليه‌السلام، و هم: يونس بن عبدالرحمان، و صفوان بن يحيي بياع السابري، و محمد بن عمير، و عبدالله بن المغيرة، و الحسن بن محبوب السراد، و أحمد بن محمد بن نصر» [177] . 3- و من ثقاته: الحسن بن علي بن فضال الكوفي - مولي لتيم الرباب - و عثمان بن عيسي، و داود بن كثير الرقي - مولي بني‌أسد - و علي بن جعفر الصادق عليه‌السلام» [178] . 4- و من خواص أصحابه: علي بن يقطين - مولي بني‌أسد- و أبوالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي، و اسماعيل بن مهران، و علي بن مهزيار، من قري فارس ثم سكن الأهواز- و الريان بن الصلت الخراساني، و أحمد بن محمد الحلبي، و موسي بن بكير الواسطي، و ابراهيم بن أبي‌البلاد الكوفي» [179] . [ صفحه 110]

علمه الموهوب و عظمته

الأئمة من أهل بيت النبوة عليهم‌السلام، علماء، حكماء، فقهاء قد زقوا العلم زقا. فلا تجد عند كبيرهم ما لا تجده عند صغيرهم، لأنهم خلقوا معلمين مفهمين، و علمهم موهوب غير مكسوب؛ و هو من جملة عطايا الله السنية لهم. و لن تستريح الي فهمهم علي بعض حقيقتهم، الا اذا أيقنت بأنهم منتجبون، مختارون، و مميزون عن سائر العالمين؛ لأنهم معدون لأمر الله تبارك و تعالي الذي انتدبهم سفراء في أرضه، و أمناء علي وحيه، و خلفاء علي خلقه، يحملون أعباء خلافته، و يتصرفون عن أمره و نهيه. و قد وهبهم سبحانه علم ما كان و علم ما يكون حتي لا يعيوا بجواب، و لا يترددوا في فتوي. ثم أعطاهم آلة السفارة و امامة الناس كاملة، ورفدهم بملائكة مؤيدين و مسددين يعملون بين أيديهم، و يفعلون ما يؤمرون. ولذلك كان علي الباحث عن كفاءاتهم العلمية، و طاقاتهم الفكرية، و مبلغ قدراتهم في مختلف الشؤون، كان عليه أن يقف عند نقطة هامة تريح فكره و تختصر بحثه، و هي أن علمهم لدني من علم الله عزوجل، و أنهم يعملون في عين ربهم الذي يرعاهم في سائر تقلباتهم أكثر مما ترعي الدولة الكبري سفيرها [ صفحه 111] و مندوبها و هم - أيضا - ذوو حصانة ربانية لا يرفعها عنهم الا مانحها لهم. و لذا لا تجد لهم ذاما عبر التاريخ، و لا تقف علي قائل منهم كلمة سوء حتي ممن لا يتولاهم كأئمة و خلفاء لرسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. و نحن حين نتكلم عن علمهم الموهوب، نطلق عليهم اسمه دون أن نتجرأ علي الخوض في التفاصيل، فانه من كلمات الله عزوجل التي لو كان البحر مدادا لها لنفذ البحر قبل أن تنفد. فقد منحهم سبحانه من علمه بقدر ما يحتاجون في حياتهم، و أطلعهم علي كثير من خفايا الكون و أسراره، و جعلهم عارفين بكثير من أمور السماء و أهلها و الأرض و ما فيها، و قد برهنت علي ذلك سيرتهم مع معاصريهم من مؤالفين و مخالفين... أجل، اننا حين نتكلم عن علم الامام، نذكر بعض الأمثلة التي لا تصدر عن سائر الناس، و لا عن الأفذاذ من البشر، فنقف عاجزين عن معرفة ماهية علمه الالهي الذي لا حدود له، و لا نعرف له تحديدا، لأنه صادر عمن هو بكل شي‌ء محيط... و الي قارئي العزيز بعض تلك الأمثلة: «فقد قيل ان رجلا افتض جارية مقصرا - اي مدركة - لم تطمث - يعني لم تر العادة الطبيعية للنساء- فسال الدم نحوا من عشرة أيام. فاختلف القوابل أنه دم الحيض أم دم العذرة، و سألوا أباحنيفة عن ذلك فقال: هذا شي‌ء قد أشكل فلتتوضأ و لتصل، و ليمسك عنها زوجها حتي تري البياض. فسأل خلف بن حماد موسي بن جعفر، فقال عليه‌السلام: تستدخل القطنة ثم تتركها مليا. ثم تخرجها اخراجا رفيقا: فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة. و ان كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض. [ صفحه 112] فبكي خلف و قال: جعلت فداك، من يحسن هذا غيرك؟!. قال: فرفع يده الي السماء و قال: اني والله ما أخبرك الا عن رسول الله، عن جبرائيل، عن الله تعالي» [180] . فما هو اعتراض من يحاول رد هذا السند الرباني، و هذه السلسلة الذهبية: عن رسول الله، عن جبرائيل، عن الله؟!! و هل يخطي‌ء من يرقي بهذا الاسناد؟!! و هل تطرح روايته و يرد عليها؟!! و ماذا تقول بفتوي خريج جامعة السماء، يا خريج فقهاء الأرض؟. و من علم هذا الحجازي الذي أودع بطون السجون في عهد الظلم، و لو حق و هو في العشرين من عمره فعاش حياة صعبة مراقبة في اقامات جبرية، قضي أكثرها في العبادة و الصوم ليلا و نهارا؟!. و من أين له هذا العلم التشريحي، و هذا التمييز الدقيق بين دم العذرة الممزقة و الباقية أطرافها بشكل دائرة، و بين دم الحيض الذي يتدفق بسعة الأنبوب؟. و كيف اهتدي الي هذا الجواب الذي لا تعرفه القابلة، و لا يعرفه أمهر الأطباء و المشرحون؟. هذا من عطاء ربه سبحانه الذي (علم الانسان ما لم يعلم (5)) [181] و هو من جملة مواهبه عزوعلا، و من أقل عطاءاته لأهل بيت النبي الذي أخرج أئمة [ صفحه 113] الحق و هداة الخلق. و أن هذه المسألة لمن أبسط ما عندهم من علم، ولو أنت طالعت شيئا من علمهم في المواضيع النسائية فقط، و في كتب الأخبار الفقهية، لرأيت عجبا، و لو قفت وقفة اكبار و اجلال لعلمهم الذي لا ينفد، لأنك ستجد نفسك أمام طبيب نسائي قضي حياته في الدرس و التشريح، و كأنه لم يشتغل في حياته الا في هذا الموضوع. و هم هكذا في مختلف العلوم و الفنون، و في سائر فتاوي الدين في حلال الله تعالي و حرامه، بحيث تقطع فتاواهم كل كلام و جدل و خصام. قال داود بن قبيصة: «سمعت الرضا يقول: سئل أبي عليه‌السلام: هل منع الله عما أمر به، و هل نهي عما أراد، و هل أعان علي ما لم يرد؟!. فقال عليه‌السلام: أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به؟. فلا يجوز ذلك. و لو جاز ذلك لكان قد منع ابليس عن السجود لآدم!. و لو منع ابليس لعذره و لم يلعنه. و أما ما سألت: هل نهي عما أراد؟. فلا يجوز ذلك. و لو جاز ذلك لكان حيث نهي آدم عن أكل الشجرة، أراد منه أكلها. و لو أراد منه أكلها لما نادي عليه صبيان الكتاتيب: (و عصي ءادم ربه فغوي (121)) [182] والله تعالي لا يجوز عليه أن يأمر بشي‌ء و يريد غيره. و أما ما سألت عنه من قولك: هل أعان علي ما لم يرد؟. و لا يجوز ذلك. و جل الله تعالي عن أن يعين علي قتل الانبياء و تكذيبهم، و قتل الحسين عليه‌السلام، و الفضلاء من ولده. و كيف يعين علي ما لم يرد، و قد أعد [ صفحه 114] جهنم لمخالفيه و لعنهم علي تكذيبهم لطاعته، و ارتكابهم لمخالفته؟!. و لو جاز أن يعين علي ما لم يرد، لكان أعان فرعون علي كفره و ادعائه أنه رب العالمين!. أفتري أراد الله من فرعون أن يدعي الربوبية؟!. يستتاب قائل هذا القول، فان تاب من كذبه علي الله، و الا ضربت عنقه» [183] . فما أروع هذه الأمثلة الحسية التي ضربها الامام عليه‌السلام لسائله!. فغير الامام يقصر عن التمثيل بها كما لا يخفي علي القاري‌ء الكريم... ولكن، ما أقل السامعين من العالمين. «قال هشام بن سالم: كنا بالمدينة بعد وفاء أبي‌عبدالله عليه‌السلام، أنا و محمد بن النعمان، و الناس يجتمعون علي عبدالله بن جعفر علي أنه صاحب الأمر بعد أبيه. فدخلنا و الناس عنده فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟. فقال: في مائتي درهم خمسة دراهم. قلنا: ففي مائة؟. قال: درهمان و نصف. قلنا: والله ما يقول المرجئة هذا!. قال: والله ما أدري ما يقول المرجئة. فخرجنا ضلالا لا ندري الي أين نتوجه أنا و أبوجعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين لا ندري الي أين نتوجه و الي من نقصد. نقول: الي المرجئة؟. الي المعتزلة؟. الي الزيدية؟. [ صفحه 115] فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومي‌ء الي بيده. فخفت أن يكون عينا من عيون أبي‌جعفر المنصور، و ذلك أنه كان له في المدينة جواسيس علي من يجتمع بعد جعفر الصادق عليه‌السلام اليه الناس، فيؤخذ فيضرب عنقه. فخفت أن يكون منهم، فقلت للأحول: تنح فاني خائف علي نفسي و عليك و انما يريدني، ليس يريدك. فتنح حتي لا تهلك فتعين علي نفسك. فتنحي عني بعيدا، و تبعت الشيخ؛ و ذلك أني ظننت أني لا أقدر علي التخلص منه. فما زلت أتبعه و قد عزمت علي الموت، حتي ورد بن علي باب أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام. ثم خلاني و مضي. فاذا خادم بالباب فقال لي: أدخل رحمك الله. فدخلت، فاذا أبوالحسن، موسي عليه‌السلام، فقال لي ابتداء منه: الي الي، لا الي المرجئة، و لا الي القدرية، و لا الي المعتزلة، و لا الي الزيدية. قلت: جعلت فداك، مضي أبوك؟. قال: نعم. قلت: مضي موتا؟. قال: نعم. قلت: فمن لنا بعده؟. قال: ان‌شاءالله أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، ان أخاك عبدالله يزعم أنه الامام من بعد أبيه. فقال: عبدالله يريد أن لا يعبد الله. قلت: جعلت فداك، فمن لنا من بعده؟. [ صفحه 116] فقال: ان‌شاءالله أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، فأنت هو؟. قال: لا أقول ذلك. قلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة. ثم قلت له: جعلت فداك، أعليك امام؟. قال: لا. فدخلني شي‌ء لا يعلمه الا الله تعالي اعظاما له وهيبة. ثم قلت له: جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل أباك؟. قال: سئل تخبر، و لا تذع، فان أذعت فهو الذبح. فسألته، فاذا هو بحر لا ينزف. قلت: جعلت فداك، فشيعة أبيك ضلال، فألقي اليهم هذا الأمر و أدعوهم اليك فقد أخذت علي الكتمان؟!. قال: من آنست منه رشدا فألق اليه و خذ عليه الكتمان، فان أذاع فهو الذبح - و أشار بيده الي حلقه -. فخرجت من عنده، فلقيت أباجعفر الأحول، فقال لي: ما وراءك؟. قلت: الهدي؛ و حدثته القصة. ثم لقينا زرارة و أبابصير، فدخلا عليه، وسمعا كلامه، وسألاه، و قطعا عليه. ثم لقينا الناس أفواجا؛ فكل من دخل عليه قطع عليه الا طائفة عمار الساباطي. و بقي عبدالله لا يدخل عليه من الناس الا القليل» [184] . [ صفحه 117] و أول ما يطالعنا في هذه القصة قول عبدالله بن جعفر: والله ما أدري ما يقول المرجئة. مقسما علي جهله بحقيقة الامامة التي ليس في قاموسها كلمة: لا أدري، لأن الامام لا يجهل شيئا مطلقا باذن ربه عزوجل فعلمه مخلوق معه.. ثم يطالعنا بعد ذلك بقليل قول أخيه الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام ابتداء و دون أن يعلمه أحد عما قاله أخوه لهشام بن سالم: الي الي، لا الي المرجئة، و لا الي القدرية، و لا الي المعتزلة، و لا الي الزيدية!. مرددا قول هشام الذي لم يسمعه منه سوي رفيقه الأحول، و قد قاله بتمام السرية و الخوف... فكيف علم الامام عليه‌السلام ما قاله هشام لرفيقه؟. و كيف استطاع أن يكرر عبارته بلفظها، و بنفس الترتيب؟!. و كيف علم بمكان وجوده، فأرسل الشيخ ليدعوه اليه؟!. و كيف؟ و كيف؟ و كيف؟!. لا تسأل بكيف؟ و لا بلماذا؟ و لا تتعب نفسك. فعلي العاقل أن يذعن لمشيئة الله و حسن اختياره و منتهي حكمته، و أن يؤمن بقدرته، و يسلم بأنه سبحانه كما يجعل لنا عينين، و لسانا و شفتين وو... فكذلك يجعل للامام الذي يختاره علما ينقشه له في ذاكرته، فلا يزول و لا ينمحي... و عن علي بن راشد، و غيره، في خبر طويل، قال: [ صفحه 118] «انه اجتمعت العصابة الشيعية بنيسابور، واختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا اليه ثلاثين ألف دينار، و خمسين ألف درهم، و ألفي شقة من الثياب؛ و أتت شطيطة بدرهم صحيح و شقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: ان الله لا يستحي من الحق. (أي أنها لا تخجل بدفع الحق الشرعي و لو كان قليلا). قال: فثنيت درهمها. و جاؤوا بجزء فيه مسائل مل‌ء سبعين ورقة، في كل ورقة مسألة. و باقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها؛ و قد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم. (أي شدت في وسطها بخيط - و ختم عليها بثلاثة خواتيم، علي كل جزام خاتم. و قالوا: ادفع الي الامام ليلة - ليلا- و خذ منه في غد. فان وجدت الجزء الصحيح الخواتيم، فاكسر منها خمسة و انظر هل أجاب عن المسائل، و ان لم تنكسر الخواتيم فهو الامام المستحق للمال فادفع اليه، و الا فرد الينا أموالنا. فدخل علي الأفطح، عبدالله بن جعفر، و جربه فخرج عنه قائلا: رب اهدني الي سواء الصراط. قال: بينما أنا واقف اذا أنا بغلام يقول: أجب من تريد. فأتي بي دار موسي بن جعفر. فلما رآني قال: لم تقنط يا أباجعفر، و لم تفزع الي اليهود و النصاري، فأنا حجة الله و وليه. ألم يعرفك أبوحمزة علي باب مسجد جدي؟. و قد أجبتك علي ما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج اليه منذ أمس، فجئني به - أي بالمال - و بدرهم شطيطة الذي وزنه درهم و دانقان، الذي في الكيس الذي فيه [ صفحه 119] أربعمائة درهم للوازوازي - هو اسم رجل - و الشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين. قال: فطار عقلي من مقاله!. و أتيته بما أمرني، و وضعت ذلك قبله. فأخذ درهم شطيطة و ازارها، ثم استقبلني و قال: ان الله لا يستحي من الحق؛ يا أباجعفر، أبلغ شطيطة سلامي، و أعطها هذه الصرة - و كانت أربعين درهما. ثم قال: و أهديت لك شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيداء، قرية فاطمة عليهاالسلام، و غزل أختي حليمة ابنة أبي‌عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام، ثم قال: و قل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي‌جعفر و وصول الشقة و الدراهم. فأنفقي علي نفسك منها ستة عشر درهما، واجعلي أربعة و عشرين صدقة منك و ما يلزم عنك، و أنا أتولي الصلاة عليك. فاذا رأيتني يا أباجعفر، فاكتم علي فانه أبقي علي نفسك. ثم قال: واردد الأموال الي أصحابها، و افكك هذه الخواتيم، عن الجزء، و انظر هل أجبناك عن المسائل أم لا، من قبل أن تجيئنا بالجزء. فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحدا من وسطها، فوجدت فيه مكتوبا: ما يقول العالم عليه‌السلام في رجل قال: نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقي قديما، و كان له جماعة من العبيد؟. الجواب بخطه: ليعتقن من كان في رقه من قبل ستة أشهر؛ و الدليل علي صحة ذلك قوله تعالي: (والقمر قدرناه منازل...) [185] الآية، و الحديث: من ليس له أقل من ستة أشهر... [ صفحه 120] و فككت الختم الثاني، فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال: والله لأتصدقن بمال كثير. فبما يتصدق؟. الجواب تحته بخطه: ان كان الذي حلف من أرباب شياه - غنم - فليتصدق بأربع و ثمانين شاة، و ان كان من أصحاب النعم فليتصدق بأربعة و ثمانين بعيرا، و ان كان من أرباب الدرهم، فليتصدق بأربعة و ثمانين درهما. والدليل عليه قوله تعالي: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) [186] فعددت مواطن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة و ثمانين موطنا. فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا: ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت، و قطع رأس الميت، و أخذ الكفن؟. الجواب بخطه: يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الجزر، و يلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح، فجعلنا في النطفة عشرين دينارا... (المسألة الي آخرها). و لما وافي خراسان وجد الذين رد عليهم أموالهم ارتدوا الي الفطيحة، و شطيطة علي الحق، فبلغها سلامه، و أعطاها صرته و شقته، فعاشت كما قال عليه‌السلام.فلما توفيت شطيطة جاء الامام علي بعير له. فلما فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثني نحو البرية و قال: عرف أصحابك و أقرئهم مني السلام، و قل لهم: اني و من يجري مجراي من الأئمة عليهم‌السلام لا بد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم. فاتقوا الله في أنفسكم». [187] . [ صفحه 121] و قد سمع القاري‌ء الكريم أن هذه الفرقة من الشيعة قد اجتمعت بنيسابور، أي علي بعد شاسع و مسافة طويلة من مركز اقامة الامام عليه‌السلام. فمن أين سمع هذا الامام العظيم قول المرأة المؤمنة، شطيطة حين قالت: ان الله لا يستحي من الحق؟!. حيث بعثت بدرهم واحد و قطعة قماش متواضعة، فقد استقبل الامام الرسول بأن طلب منه درهمها و ازارها - أي هديتها البسيطة من الحق الشرعي - ثم قال: ان الله لا يستحي من الحق... هذه واحدة، و الثانية أنه من دله علي المسائل المكتوبة، و من أوصلها اليه فأجاب عليها، ثم ردها الي طومار حاملها دون أن يشعر أحد بذلك؟!. و كيف لم تنكسر الخواتيم؟!. و الثالثة أنه من دله علي مكان درهم شطيطة و شقة القماش التي بعثت بها اليه؟. و من عرفه أن شطيطة ستعيش تسعة عشر يوما بعد عودته من السفر؟. و كيف قسم الدراهم التي بعث بها اليها، و علم أنها ستصرف منها ستة عشر درهما، و ستبقي أربعة و عشرين صدقة و بقية لوازم، ثم تكفل بأن يصلي عليها يوم وفاتها. و لم يخطي‌ء في التوقيت بالدقائق، بل كان حاضرا حين حمل جنازتها و في الوقت المناسب للصلاة عليها؟!. و الأعجب من الثلاث التي ذكرنا، هو أنه عليه‌السلام قد أمره برد الاموال الي أصحابها، رافضا قبولها، لأنه علم - مسبقا - أن اصحابها قد رجعوا الي الفطحية - امامة عبدالله بن جعفر - و ارتدوا عن القول بامامته صلوات الله عليه. ثم انه عليه‌السلام، ختم معاجزه هذه بأن حضر دفن شطيطة المرأة [ صفحه 122] المسكينة التي هي في الشرق الأقصي و هو في الشرق الأوسط، و علي بعير طوي المسافات باذن الله طيا، ثم أوصي مواليه بتقوي الله و بالالتفات الي سلامة أنفسهم في الدنيا و الآخرة. و من أعاد قراءة الوقائع، و أعادها و أعادها أكثر من مرة، يخرج منها مطمئنا الي عقيدة راسخة تزيده معرفة بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام. في حديث طويل [188] لهشام بن الحكم مع بريهة كبير النصاري، أنهما بعد جدال طويل ارتحلا حتي أتيا المدينة، و المرأة معهما، يريدان أباعبدالله،- الصادق - عليه‌السلام، فلقيا موسي بن جعفر عليه‌السلام، فحكي له هشام الحكاية؛ فلما فرغ قال له موسي بن جعفر عليه‌السلام: يا بريهة، كيف علمك بكتابك؟. قال: أنا به عالم. قال: كيف ثقتك بتأويله؟. قال: ما أوثقني بعلمي فيه. فابتدأ موسي بن جعفر عليه‌السلام يقرأ الانجيل. قال بريهة: و المسيح، لقد كان يقرأ هكذا.. و ما قرأ هذه القراءة الا المسيح!. ثم قال: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك. فآمن و حسن ايمانه، و آمنت المرأة و حسن ايمانها. فدخل هشام و بريهة و المرأة علي أبي‌عبدالله عليه‌السلام. و حكي هشام الحكاية و الكلام الذي جري بين موسي عليه‌السلام و بريهة. [ صفحه 123] فقال أبوعبدالله عليه‌السلام: (ذرية بعضها من بعض) [189] . فقال بريهة: جعلت فداك، أني لكم التوراة و الانجيل، و كتب الأنبياء؟. قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرأها كما قرأوها، و نقولها كما قالوها. ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي‌ء، فيقول: لا أدري. فلزم بريهة أباعبدالله عليه‌السلام حتي مات أبوعبدالله، ثم لزم موسي بن جعفر عليه‌السلام حتي مات في حياته، فغسله بيده، و كفنه بيده، و لحده بيده، و قال: هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه. فتمني أكثر أصحابه أن يكونوا مثله». [190] . و مثل هذا الحديث، نذكر للقاري‌ء الكريم حديثا آخر مفصلا هو هذا: قال يعقوب بن جعفر بن ابراهيم: «كنت عند أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام، اذ أتاه رجل نصراني و نحن معه بالعريض - واد في المدينة -. فقال له النصراني: أتيتك من بلد بعيد و سفر شاق، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني الي خير الأديان، و الي خير العباد و أعلمهم. و أتاني آت في النوم، فوصف لي رجلا بعليا دمشق. فانطلقت حتي أتيته فكلمته، فقال: أنا أعلم أهل ديني، و غيري أعلم مني. قلت: أرشدني الي من هو أعلم منك، فاني لا أستعظم السفر، و لا [ صفحه 124] تبعد علي الشقة. و لقد قرأت الانجيل، و مزامير داود، و قرأت أربعة أسفار من التوراة، و قرأت ظاهر القرآن حتي استوعبته كله. فقال لي العالم: ان كنت تريد علم النصرانية، فأنا أعلم العرب و العجم بها، و ان كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم، و ان كنت تريد علم الاسلام، و علم التوراة، و علم الانجيل، و علم الزبور، و كتاب هود، و كل ما أنزل علي نبي من الأنبياء، في دهرك و دهر غيرك، و ما أنزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد، فيه تبيان لكل شي‌ء و شفاء للعالمين، و روح لمن استروح اليه، و بصيرة لمن أراد الله به خيرا، و أنس الي الحق، فأرشدك اليه فأته و لو مشيا علي رجليك، فان لم تقدر فحبوا علي ركبتيك، فان لم تقدر فزحفا علي استك، فان لم تقدر فعلي وجهك!. فقلت: لا، بل أقدر علي المسير في البدن و المال. قال: فانطلق من فورك حتي تأتي يثرب. فقلت: لا أعرف يثرب. قال: فانطلق حتي تأتي مدينة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، الذي بعث في العرب؛ و هو النبي العربي الهاشمي. فاذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار. و هو عند باب مسجدها. و أظهر بزة - هيئة النصرانية و حليتها، فان و اليها يتشدد عليهم، و الخليفة أشد. ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول، و هو ببقيع الزبير، ثم تسأل عن موسي بن جعفر و أين منزله، و أين هو، مسافر أم حاضر. فان كان مسافرا فالحقه فان سفره أقرب مما ضربت اليه، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة - غوطة دمشق - هو الذي أرشدني اليك، و هو يقرئك السلام كثيرا و يقول لك: اني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل اسلامي علي يديك. [ صفحه 125] فقص هذه القصة و هو قائم معتمد علي عصاه، ثم قال: ان أذنت لي يا سيدي كفرت لك - أي وضعت يدي علي صدري خضوعا - و جلست. فقال: آذن لك أن تجلس، و لا آذن لك أن تكفر. فجلس ثم ألقي عنه برنسه، ثم قال: جعلت فداك، تأذن لي في الكلام. قال: نعم، ما جئت الا له. فقال له النصراني: اردد علي صاحبي السلام - أي علي مطران دمشق - أو ما ترد السلام؟. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: علي صاحبك ان هداه الله. فأما التسليم، فذاك اذا صار في ديننا. فقال النصراني: اني أسألك، أصلحك الله. قال: سل. قال: أخبرني عن كتاب الله تعالي، الذي أنزل علي محمد و نطق به، ثم وصفه بما وصفه به. فقال: (حم (1) و الكتاب المبين (2) انا أنزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين (3) فيها يفرق كل أمر حكيم (4)) [191] . قال: ما تفسيرها في الباطن؟. فقال: أما (حم (1)) فهو محمد صلي الله عليه و اله و سلم، و هو في كتاب هود الذي [ صفحه 126] أنزل عليه، و هو منقوص الحروف. و أما (و الكتاب المبين (2)) فهو أميرالمؤمنين علي عليه‌السلام. و أما (ليلة) ففاطمة. و أما قوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم (4)) يقول: يخرج منها خير كثير: فرجل حكيم، و رجل حكيم، و رجل حكيم. فقال الرجل: صف لي الأول و الآخر من هؤلاء الرجال. فقال: ان الصفات تشتبه، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله. و انه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم ان لم تغيروا و لم تحرفوا و تكفروا؛ و قديما ما فعلتم. قال له النصراني: اني لا أستر عنك ما علمت و لا أكذبك؛ و أنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول و كذبه. والله قد أعطاك من فضله، و قسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون، و لا يستره الساترون، و لا يكذب فيه من كذب. فقولي في ذلك: الحق فيما ذكرت، فهو كما ذكرت. فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: أعجلك خبرا لا يعرفه الا قليل ممن قرأ الكتب: أخبرني ما اسم أم مريم؟. و أي يوم نفخت فيه مريم؟. ولكم ساعة من النهار؟فقال النصراني: لا أدري. فقال أبوابراهيم عليه‌السلام: أما أم مريم فاسمها مرتا، و هي وهيبة بالعربية، و أما اليوم الذين حملت فيه مريم، فهو يوم الجمعة للزوال، و هو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين. و ليس للمسلمين عيد كان أولي منه. عظمه الله تبارك و تعالي، و عظمه محمد صلي الله عليه و اله و سلم، فأمر أن يجعله عيدا، فهو يوم الجمعة. و أما اليوم الذي ولدت فيه مريم، فهو يوم الثلاثاء لأربع [ صفحه 127] ساعات و نصف من النهار. و النهر الذي ولدت عليه مريم عيسي عليه‌السلام، هل تعرفه؟. قال: لا. قال: هو الفرات، و عليه شجر النخل و الكرم، و ليس يساوي بالفرات شي‌ء للكروم و النخيل. و أما اليوم الذي حجبت فيه لسانها، و نادي قيدوس ولده و أشياعه فأعانوه و أخرجوا آل‌عمران لينظروا الي مريم، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه، و علينا في كتابه، فهل فهمته؟. قال: نعم: و قرأته اليوم الأحدث. قال: اذن، لا تقوم من مجلسك حتي يهديك الله. قال النصراني: ما كان اسم أمي بالسريانية، و العربية؟. فقال: كان اسم أمك بالسريانية عنقالية، و عنقورة كان اسم جدتك لأبيك، و أما اسم أمك بالعربية فهو مية - أي مي - و أما اسم أبيك فعبد المسيح، و هو عبدالله بالعربية، و ليس للمسيح عبد. قال: صدقت و بررت، فما كان اسم جدي؟ قال: كان اسم جدك جبرئيل، و هو عبدالرحمان. سميته في مجلسي هذا. قال: أما انه كان مسلما. قال أبوابراهيم عليه‌السلام: نعم، و قتل شهيدا. دخلت عليه أجناد و قتلوه في منزله غيلة، و الأجناد من أهل الشام. قال: فما كان اسمي قبل كنيتي؟. [ صفحه 128] قال: كان اسمك عبد الصليب. قال: فما تسميني؟. قال: اسمك عبدالله. قال: فاني آمنت بالله العظيم، و شهدت أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، فردا صمدا، ليس كما تصفه النصاري، و ليس كما تصفه اليهود، و لا جنس من اجناس الشرك. و أشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق، و أبان به لأهله، وعمي المبطلون. و أنه كان رسول الله الي الناس كافة، الي الأحمر و الأسود، كل فيه مشترك. فأبصر من أبصر، و اهتدي من اهتدي، و عمي المبطلون، و ضل عنهم ما كانوا يدعون. و أشهد أن وليه نطق بحكمته، و أن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة، و توازروا علي الطاعة لله، و فارقوا الباطل و أهله، و الرجس و أهله، و هجروا سبيل الضلالة، و نصرهم الله بالطاعة له، و عصمهم من المعصية له، فهم لله أولياء، و للدين أنصار، يحثون علي الخير و يأمرون به؛ آمنت بالصغير منهم و الكبير، و من ذكرت منهم و من لم أذكر، و آمنت بالله تبارك و تعالي رب العالمين. ثم قطع زناره، و قطع صليبا كان في عنقه من ذهب، ثم قال: مرني حتي أضع صدقتي حيث تأمرني. فقال: هاهنا أخ لك كان علي مثل دينك، و هو رجل من قومك، من قيس بن ثعلبة، و هو في نعمة كنعمتك، فتواسيا و تجاورا، و لست أدع أن أورد عليكما حقكما في الاسلام - أي سهمكما من مال المسلمين -. فقال: والله - أصلحك الله - أني لغني، و لقد تركت ثلاثمائة طروق - أي ما يصلح للضراب - بين فرس و فرسة، و تركت ألف بعير. فحقك فيها أوفر من حقي. [ صفحه 129] فقال له: أنت مولي الله و رسوله، و أنت في حد نسبك علي حالك. فحسن اسلامه، و تزوج امرأة من بني فهر، و أصدقها أبوابراهيم عليه‌السلام خمسين دينارا من صدقة علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و أخدمه، و بوأه، و أقام حتي أخرج أبوابراهيم عليه‌السلام الي بغداد بأمر الخليفة، فمات بعد مخرجه بثمان و عشرين ليلة» [192] . و ورد الخبر عن يعقوب بن جعفر نفسه هكذا: «كنت عند أبي‌ابراهيم عليه‌السلام، و أتاه رجل من أهل نجران اليمن، من الرهبان، و معه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار. فقال - عليه‌السلام - له: اذا كان غدا، فأت بهما عند بئر أم خير. فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا. فأتي بخصفة بواري - أي حصيرة من ورق النخل - ثم جلس و جلسوا. فبدأت الراهبة بالمسائل، فسألت عن مسائل كثيرة. كل ذلك يجيبها، و يسألها أبوابراهيم عليه‌السلام عن أشياء لم يكن عندها فيها شي‌ء، ثم أسلمت. ثم أقبل الراهب يسأله، فكان يجيبه في كل ما يسأله. فقال الراهب: قد كنت قويا علي ديني، و ما خلفت أحدا من النصاري في الأرض يبلغ مبلغي في العلم. و لقد سمعت برجل في الهند اذا شاء حج الي بيت المقدس في يوم و ليلة، ثم يرجع الي منزله بأرض الهند. فسألت عنه بأي أرض هو؟. فقيل لي: انه بسبذان - و قيل بسندان -. و سألت الذي أخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظهر به آصف صاحب سليمان لما أتي [ صفحه 130] بعرش سبأ. و هو الذي ذكره الله لكم في كتابكم، و لنا معشر [لأهل] الأديان في كتبنا. فقال له أبو ابراهيم عليه‌السلام: فكم لله من اسم لا يرد!. فقال الراهب: الأسماء كثيرة، فأما المحتوم منها، الذي لا يرد سائله فسبعة. فقال له أبوالحسن عليه‌السلام: فأخبرني عما تحفظ منها. فقال الراهب: لا والله الذي أنزل التوراة علي موسي، و جعل عيسي عبرة للعالمين، و فتنة لشكر أولي الألباب، و جعل محمدا بركة و رحمة، و جعل عليا عليه‌السلام عبرة و بصيرة، و جعل الأوصياء من نسله و نسل محمد، ما أدري؛ و لو دريت ما احتجت فيه الي كلامك، و لا جئتك، و لا سألتك. فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: عد الي حديث الهندي. فقال الراهب: سمعت هذه الأسماء و لا أدري ما بطانتها و لا شرايحها. و لا أدري ما هي، و لا كيف هي، و لا بدعائها. فانطلقت حتي قدمت سبذان الهند. فسألت عن الرجل فقيل لي: انه بني ديرا في جبل فصار لا يخرج و لا يري الا في كل سنة مرتين. و زعمت الهند أن الله فجر له عينا في ديره، و زعمت الهند أنه يزرع له من غير زرع يلقيه، و يحرث له من غير حرث يعمله!. فانتهيت الي بابه، فأقمت ثلاثا لا أدق الباب، و لا أعالج الباب. فلما كان اليوم الرابع فتح الله الباب، و جاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من اللبن، فدفعت الباب فانفتح، فتبعتها و دخلت. فوجدت الرجل قائما ينظر الي السماء فيبكي، و ينظر الي الأرض فيبكي، و ينظر الي الجبال فيبكي!. [ صفحه 131] فقلت: سبحان الله ما أقل ضربك - أي أمثالك - في دهرنا هذا!. فقال لي: والله ما أنا سوي حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك. فقلت له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله، تبلغ به في كل يوم و ليلة بيت المقدس و ترجع الي بيتك. فقال لي: و هل تعرف بيت المقدس؟. قلت: لا أعرف الا بيت المقدس الذي بالشام. قال: ليس بيت المقدس، ولكنه البيت المقدس، و هو بيت آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم. فقلت له: أما ما سمعت به الي يومي هذا، فهو بيت المقدس. فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، و انما كان يقال لها: حظيرة المحاريب، حتي جاءت الفترة التي كانت بين محمد و عيسي صلي الله عليهما، و قرب البلاد من أهل الشرك و حلت النقمات في دور الشياطين، فحولوا، و بدلوا، و نقلوا تلك الأسماء، و هو قول الله تبارك و تعالي: - البطن لآل محمد، و الظهر مثل -: (ان هي الا أسماء سميتموها أنتم و ءاباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) [193] . فقلت له: اني قد ضربت اليك من بلد بعيد، تعرضت لك بحارا، و غموما، و هموما، و خوفا، و أصبحت و أمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي. فقال لي: ما أري أمك حملت بك، الا و قد حضرها ملك كريم، و لا [ صفحه 132] أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك، الا و قد اغتسل و جاءها علي طهر، و لا أزعم الا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك فختم له بخير. ارجع من حيث جئت، فانطلق حتي تنزل مدينة محمد صلي الله عليه و اله و سلم، التي يقال لها: طيبة، و قد كان في الجاهلية يثرب، ثم اعمد الي موضع منها يقال له: البقيع، ثم سل عن دار يقال لها: دار مروان، فانزلها و أقم ثلاثا. ثم سل عن [الشيخ] الأسود الذي يكون علي بابها يعمل البواري، و هي في بلادهم اسمها: الخصف. فالطف بالشيخ و قل له: بعثني نزيلك الذي كان ينزل في الزواية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع. ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني، و سله أين ناديه، و سله أي ساعة يمر فيها فليركه، أو يصفه لك فتعرفه بالصفة، و سأصفه لك. قلت: فاذا لقيته، فأصنع ماذا؟ قال: سله عما كان، و عما هو كائن!. و سله عن معالم دين من مضي و من بقي. فقال له أبوابراهيم عليه‌السلام: قد نصحك صاحبك الذي لقيت. فقال الراهب: ما اسمه جعلت فداك؟. قال: هو متمم بن فيروز، و هو من أبناء الفرس، و هو ممن آمن بالله وحده لا شريك له، و عبده بالاخلاص و الايقان، و فر من قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما، و هداه لسبيل الرشاد، و جعله من المتقين، و عرف بينه و بين عباده المخلصين. و ما من سنة الا و هو يزور فيها مكة حاجا، و يعتمر في رأس كل شهر مرة، و يجي‌ء من موضعة من الهند الي مكة فضلا من الله و عونا، و كذلك يجزي الله الشاكرين. ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها. [ صفحه 133] و سأله الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شي‌ء، فأخبره بها. ثم ان الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة، و بقي في الهواء منها أربعة. علي من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء، و من يفسرها؟. قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه فيفسره. و ينزل عليه ما لم ينزل علي الصديقين و الرسل و المهتدين. ثم قال الراهب: فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة التي في الأرض ما هي؟. قال: أخبرك بالأربعة كلها: أما أولاهن، فلا اله الا الله وحده لا شريك له باقيا. و الثانية: محمد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مخلصا. و الثالثة: نحن، أهل البيت. و الرابعة: شيعتنا منا، و نحن من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و رسول الله من الله. فقال له الراهب: أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله، و أن ما جاء به من عند الله حق، و أنكم صفوة الله من خلقه، و أن شيعتكم المطهرون المستبدلون - المستدلون - فلهم عاقبة الله، والحمدلله رب العالمين. فدعا أبوابراهيم عليه‌السلام بجبة خز، و قميص قوهي - ضرب من الثياب - و طيلسان، و خف و قلنسوة فأعطاه اياها. و صلي الظهر، و قال له: اختتن. [ صفحه 134] فقال: قد اختتنت في سابعي - أي اليوم السابع من ولادته» [194] . و لو أطلقنا للقلم عنانه، لبدا عاجزا في ميدان بيان علم الأئمة بما كان، و بما هو كائن الي يوم القيامة!. فانهم علماء غير معلمين، و هكذا خلقهم رب العالمين... و بمقدار ما يحاول الانسان البحث في علمهم و من أين كان، و كيف أتاهم، و كيف استوعبوه، بمقدار ما يظهر جهله بحالهم التي تفرق كثيرا عن حال سائر العالمين. و كما أنه سبحانه خلق الطويل و القصير، و الأبيض و الأسود، و الذكي و الأحمق، والأثني و الذكر، فكذلك خلق الامام اماما منذ ولادته، كما خلقني و خلقك غير امامين من حين ولادتنا. و كذلك أعطاه الفهم و العلم كما أعطاه اللحم و العظم و جميع مقومات الجسم. و لا يعجب من ذلك الا من يضيق صدره بالحقائق الربانية؛ و هذا لا شأن لنا معه علي كل حال، لأنه لم يقتنع بما جاء به الأنبياء و المرسلون، أفنحاول أن نقنعه و نحن لا نملك المعجزة، و لا نستطيع ابتداع الخوارق؟. لا، فنحن نكتب لمن يطلب الحق أينما كان، و ينشد الحقيقة أني وجدت. قيل أنه: «دخل موسي بن جعفر عليه‌السلام بعض قري الشام متنكرا هاربا. فوقع في غار و فيه راهب يعظ في كل سنة يوما. فلما رآه الراهب دخله منه هيبة، فقال: يا هذا، أنت غريب؟. قال: نعم. قال: منا أو علينا؟. قال: لست منكم. [ صفحه 135] قال، أنت من الأمة المرحومة؟. قال: نعم. قال: أفمن علمائهم أنت، أم من جهالهم؟. قال: لست من جهالهم. فقال: كيف طوبي أصلها في دار عيسي، و عندكم في دار محمد، و أغصانها في كل دار؟!. فقال عليه‌السلام: الشمس قد وصل ضوؤها الي كل مكان، و كل موضع، و هي في السماء. قال: و في الجنة لا ينفد طعامها و ان أكلوا منه، و لا ينقص منه شي‌ء؟!. قال: السراج في الدنيا يقتبس منه، و لا ينقص منه شي‌ء. - أي من نوره -. فقال: في الجنة ظل ممدود؟!. فقال عليه‌السلام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس (كله) ظل ممدود قوله: (ألم تر الي ربك كيف مد الظل...) [195] - يعني أن الظل الممدود يشبه ذلك -. قال: ما يؤكل و يشرب في الجنة، لا يكون بولا و لا غائطا؟!. قال عليه‌السلام: الجنين في بطن أمه... - أي حاله حال الجنين الذي يتغذي و لا يخرج فضلات -. [ صفحه 136] قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟!. قال: اذا احتاج الانسان الي شي‌ء، عرفت أعضاؤه ذلك. و يفعلون مراده بلا أمر. - يعني أن الخدم كالأعضاء التي تحس بالحاجة -. قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟!. قال: مفاتيح الجنة لسان العبد: لا اله الا الله. قال: صدقت، و أسلم و الجماعة معه». [196] . فأنت تري أن الأسئلة التي سألها الراهب كانت مبتكرة، ولكنها كانت لا تستعصي علي الامام عليه‌السلام. و هي ان دلت علي شي‌ء فانما تدل علي علم هذا الراهب العارف بالدين، الباحث عن الحق، الساعي وراء الحقيقة التي بشر بها دينه الكريم علي لسان نبيه عيسي بن مريم عليه‌السلام... و هذا الراهب يعرف أكثر الأجوبة علي أسئلته من طريق دينه المسيحي بلا أدني ريب، ولكنه أنما سأل الامام عنها ليعرف أن هذا الرجل الذي دخلته منه الهيبة حين رآه، هل هو من الأولياء، أم من السوقة في الأمة المرحومة التي ينتسب اليها. فلم يحاور محاورة مكابرة، و لا تعنت في أسئلته، بل كانت أسئلته بمنتهي العفوية، و تلقي أجوبتها بمنتهي الرضي و القبول، فاستدل علي علم هذا الامام العظيم بأبسط الطرق و أقصرها... فما أحسن محاجة العلماء؟!. [ صفحه 137]

مع السلاطين و الظالمين

كان في سني امامة الكاظم عليه‌السلام، بقية ملك أبي‌جعفر المنصور الدوانيقي، ثم ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا و أياما، ثم ملك ابنه الهادي - موسي بن جعفر - سنة و خمسة عشر يوما، ثم ملك هارون بن محمد الملقب بالرشيد ثلاثا و عشرين سنة و شهرين و سبعة عشر يوما، و بعد مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد، استشهد الامام عليه‌السلام مسموما في حبس هارون علي يد السندي بن شاهك، كما فصلنا سابقا. [197] . و قد كانت هذه العهود الأربعة، عهود ظلم شديد لبني علي عليه‌السلام، أرهصت عن سلطة عباسية غاشمة، حادت عن خط رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و فعلت بنسله الأفاعيل، و شردتهم، و سجنتهم، و قتلتهم شر تقتيل، و دفنت بعضهم أحياء كأحجار أساس لقصور الطغيان الذي أربي علي طغيان بني‌أمية أضعافا مضاعفة!. ذاك أن الأمويين - و هم أعداء تقليديون لبني هاشم - قتلوا خمسة أئمة من أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، و تزلفوا للكثير من [ صفحه 138] العلويين، و أغدقوا عليهم العطايا و الهبات، في حين أن العباسيين قاموا مطالبين برد الظلامة عن العلويين، ثم لما انتصروا انقلبوا عليهم و قتلوا ستة من الأئمة عليهم‌السلام، ظلما و عدوانا، و أرعبوا كل علوي، و نكلوا بمن وقع في أيديهم منهم، و ناصبوهم عداء سافرا، سافلا، حسدا من عند أنفسهم!. فيا خلفاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم من بني‌العباس، بل يا مخالفيه و مفارقي دينه الذي جاء به من عند ربه، أما سمعتم قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «من صنع مع أحد من أهل بيتي يدا، كافأته عنها يوم القيامة» [198] . فأية يد صنعتم مع أهل بيته، حين أخذتم تلك العترة الطاهرة بأقسي الشدة، و أخفتم ذريته عامة، و تعقبتم نسله و أنتم تحكمون باسمه؟!. ألم تقع أنظاركم علي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: «ان الله حرم الجنة علي من ظلم أهل بيتي، أو أغار عليهم، أو سبهم». [199] . أنا في شك من أنكم سمعتم شيئا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و صدقتموه، مثلما أني علي يقين من أنكم كذبتم بقوله، و بوحي ربه، و كان شعاركم قول يزيد: لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء، و لا وحي نزل فكانت تصرفاتكم مع المؤمنين تصرفات و ثنيين في لباس مسلمين، و مرتدين عن الدين بسبيل ملك أعمي منكم البصائر و الأبصار. لقد نهي الله تعالي عن الظلم، و ذم الظالمين و لعنهم، فمارستم الظلم بأبشع ألوانه، ثم أوصي النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالتمسك بكتاب الله فنبذتموه وراءكم ظهريا، ثم أمر بتولي أهل بيته الأطهار و اتباع أمرهم لأنهم مع الحق فخالفتم [ صفحه 139] وصيته بهم، ثم هجرتم السنة و خط الاسلام، و حكمتم بالأهواء الضالة في بني‌فاطمة الشريفة و أذقتموهم العذاب ألوانا حتي لو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أوصاكم بتعذيبهم و قتلهم لأخذتكم الشفقة يا جبابرة التاريخ و ظلمة الحكام... و لقد نسيتم يوم الحساب و أهوال القيامة، حيث (تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و تري الناس سكاري و ما هم بسكاري ولكن عذاب الله شديد (2)) [200] . فمن اعتقد بأنكم صدقتم بذلك اليوم العصيب، فقد غلط غلطا عظيما، و أخطأ خطأ جسيما، أو أنه جهل حقيقة أمركم، أو حقيقة الاسلام الذي لم تكونوا منه في حال من أحوالكم، و لا تسميتم باسم الاسلام و المسلمين. و من انتحل لكم أعذارا فقد شارككم في ظلمكم، و برر عملكم الباطل الذي كنتم عليه، و الذي يمقته الله تعالي و رسوله. فالحقيقة لا تخفي علي أحد، و بنوالعباس طواغيت حكم فتكوا - أكثر ما فتكوا - بالمسلمين!. ولو أنهم صبوا غضبهم و حقدهم علي أعداء الاسلام لخدموا الدين خدمات جلي، ولكنهم - علي العكس - قربوا أعداء الدين، و أوسعوا لهم بسطهم، و شاطروهم السكر و الفجور و جعلوا لهم مواخير في قصورهم التي كانت تفيض دائما بروائح النتن من السكاري و الراقصات و المغنيات و سائر أهل الهوي و الفسق. و لو اطلعت علي تفاصيل ما كان يجري في دهاليز قصورهم من المنكرات، لرأيت عجبا، و لو قفت مشدوها، كيف تؤدي لذة التسلط الي ما لا يجوز في دين و لا في شرع. نعم، غر العباسيين التسلط علي رقاب العباد، و غشهم عشراء سوء، و ساعدهم علي ذلك أكله مال المسلمين من وزراء و فقهاء و قواد و ولاة و عمال. [ صفحه 140] أهكذا عامل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أصحابه و رعيته؟. لقد تسربل هؤلاء بسربال خلافته، و نزوا علي منبره، و خالفوا جميع ما جاء من عند ربه، و صدقني أنه لو حكم المسلمين يومئذ و ثني باسم ذلك المنبر الشريف، لكان أعدل منهم، و أرأف بالناس، و أرحم بالكل، و لجمع الفقهاء من حوله ليفتوا الناس بالحق، و لينقذوه من بعض المآزق!. أما هم فقد حكموا المسلمين كما لو حكمهم الوثني الظالم الذي يظهر الاسلام و يبطن الكفر. و أنا لم أظلمهم، و لا جردتهم من شخصياتهم المزيفة في التاريخ، الا لأني أحب أن أخلص الكثيرين من الجهل بحقيقة ما كان عليه خلفاء نبي الاسلام!!! و ها أنذا أعرض حال بعض خلفائهم مع بعض أبناء رسول الله - صلي الله عليه و عليهم - دون أن أعرض الي شي‌ء مما كانوا عليه من الخروج عن ملة الاسلام، و للقاري‌ء أن يحكم بنفسه. قد روي امامنا الكاظم، عن آبائه عليهم‌السلام جميعا، فقال: «قال علي عليه‌السلام: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، دخل علي ابنته فاطمة عليهاالسلام، و اذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها و رمت بها. فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنت مني يا فاطمة!. ثم جاء سائل فناولته القلادة. ثم قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اشتد غضب الله علي من أهرق دمي و آذاني في عترتي» [201] . [ صفحه 141] و هذا الرسول هو سلطان السلاطين، و خيرة الله من الخلق أجمعين، و قد وقف من ابنته العظيمة هذا الموقف الصلب حين رأي في عنقها قلادة ذهب أو فضة من مال المسلمين. فكم و كم نثر هؤلاء الخلفاء من الدر و الجواهر علي أقدام الراقصات و المغنين، و كم و كم بعثروا من مال الله علي الخمور و اللهو و في أبواب المحرمات؟!. لقد اشتروا كثيرا من ضمائر العلماء - و فيهم العلماء - الذين قلدوهم هذه المناصب، و بايعوهم علي هذه المراكز، و خلعوا عليهم ألقابها و حللها. فمن عذيري من المدافعين عن تلك الطغمة التي خضمت مال الله خضما، و أذاقت عباد الله الصالحين شظف العيش و مرارة الحياة، و ظلام السجون!. ولكن، لا تعجب من المدافعين عن أهل الباطل، لأنهم يكونون قد ملأوا جيوبهم و كروشهم، و أتاحوا لهم فرصة العيش في نعيم القصور، و الخمور، و الفجور!. و أنا لا أزال أري أي ذنب العباسيين مزدوج يفوق ذنب الأمويين، لأنهم قاموا علي سلفهم ليردوا النصفة الي العلويين، حتي اذا صارت الكرة في مرماهم طمعوا بالملك، و تقمصوا الخلافة كما تقمصها السابقون لهم، و عرجوا علي العلويين فبدأوا بابادتهم، مع أن عليا، أميرالمؤمنين عليه‌السلام، لما انتهت اليه الخلافة و ظف في حكومته أربعة من بني‌العباس. أجل، فعلوها، و خانوا قصدهم حين ذاقوا حلاوة الحكم، فكادوا - أول ما كادوا - لأبناء عمومتهم، فصدق فيهم قول الله تبارك و تعالي: (و من الناس من يعبد الله علي حرف فان أصابه خير اطمان به و ان أصابته فتنة انقلب علي وجهه خسر الدنيا و الأخرة ذلك هو الخسران المبين (11) يدعوا من دون الله ما لا يضره و ما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد (12) يدعوا لمن ضره أقرب من [ صفحه 142] نفعه لبئس المولي و لبئس العشير (13)) [202] . فليدافعوا عن أنفسهم غدا بين يدي ربهم في يوم العدل ان استطاعوا؛ و لن ينفعهم دفاع من دافع عنهم في دار الدنيا، بل يجعله شريكا معهم في موبقاتهم و آثامهم - قطعا، و جزما -. «حكي أنه مغص بعض الخلفاء - أي أحس بوجع في أمعائه - فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه، و أخذ جليدا فأذا به بدواء، ثم أخذ ماء و عقده بدواء و قال: هذا الطب، الا أن يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عندالله يدعوا له. فقال له الخليفة: علي بموسي بن جعفر. فأتي به، فسمع في الطريق أنينه؛ فدعا الله سبحانه و زال مغص الخليفة، فقال له: بحق جدك المصطفي أن تقول: بم دعوت لي؟. فقال عليه‌السلام: قلت: اللهم كما أريته ذل معصيته، فأره عز طاعتي. فشفاه الله من ساعته» [203] . نعم، رأي الخليفة الجبار ذل معصيته حين اضطر - راغما - أي يلجأ الي دعاء الامام مفتقرا اليه، ثم رأي عز طاعة الامام عليه‌السلام حين رأي ربه يستجيب لدعائه فورا. و هذا الخليفة الجبار كادت تقتله نخسة ريح في أمعائه عجز أمهر أطباء القصر عن معالجته و قال: هذا الدواء لهذه العلة، ولكنه لم يشفها، فلا بد من دعاء ولي من أولياء الله ليزيل ذلك العارض. و قد نطق الطبيب بالحق، فرفس بذلك كبرياء الخليفة التعيس الذي لجأ لطب الامام عليه‌السلام، و قال: [ صفحه 143] علي بموسي بن جعفر!. فرغم أنفه، و ذلت كبرياؤه أمام مغص مزق أمعاءه. أما الامام عليه‌السلام فقد ضرب جبروت الخليفة بكلمة قاصفة جردته من خيلائه و زهوه، و عرته من هالة تعظيمه حين قال للخليفة: قلت اللهم كما أريته ذل معصيته، فأره عز طاعتي، حين تريه علاقتي بك يارب الأرباب. فما هي الا لحظة ظهر فيها الامام صلوات الله عليه عملاق سماء!. و بدا فيها الخليفة الممغوص قزم أرض.. أفلا تعرف ربك الا عنده الشدة يا سلطان الزمان؟!. و لا تعرف ولي الله الا عند الضيق و تخيل الموت؟!. فمثلك مثل الذين (فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الي البر اذا هم يشركون (65)) [204] بل أنت من الذين (و اذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الي البر فمنهم مقتصد و ما يجحد بأياتنا الا كل ختار كفور (32)) [205] . و أنت يا سلطان الزمان لا تضطر أحدا للبرهنة علي جحدك بآيات ربك و الكفر بها، فان سيرتك غنية بالزلل و الخطل. و عن أبي‌محمد، الحسن العسكري عليه‌السلام، قال: «قال رجل من خواص الشيعة لموسي بن جعفر عليه‌السلام، و هو يرتعد، بعدما خلا به: يابن رسول الله، ما أخوفني أن يكون فلان بن فلان ينافقك في اظهار اعتقاد وصيتك و امامتك!. [ صفحه 144] فقال موسي عليه‌السلام: و كيف ذلك؟. قال: لأني حضرت معه اليوم في مجلس فلان - أي بعض أعوان الخليفة - و كان معه رجل من كبار أهل بغداد، فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن صاحبك موسي بن جعفر امام دون هذا الخليفة القاعد علي سريره؟. قال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسي بن جعفر غير امام، و ان لم أكن أعتقد أنه غير امام، فعلي و علي من يعتقد ذلك لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. فقال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا، و لعن من و شي بك الي. فقال له موسي بن جعفر عليه‌السلام: ليس كما ظننت؛ ولكن صاحبك أفقه منك. انما قال عني: موسي غير امام، أي ان الذي هو غير امام فموسي غيره. فهو اذا امام - فانما أثبت بقوله هذا امامتي، و نفي امامة غيري. يا عبدالله، متي يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق؟ تب الي الله. ففهم الرجل ما قاله واغتم، ثم قال: يابن رسول الله، مالي مال فأرضيه به، لكن قد وهبت له شطر عملي من تعبدي و صلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائكم. قال موسي عليه‌السلام: الآن خرجت من النار». [206] . فقد كان امامنا الكاظم عليه‌السلام، يعيش تلك الفترة في ظل عهود شديدة [ صفحه 145] الظلم، و كذلك كان أشياعه و اتباعه في ضيق خانق لما كانوا يعانون من جور الحكام، و كانت دماؤهم أرخص ما يكون لدي الخليفة و من دار في فلكه، اذ كانوا مستضعفين، سريعا ما يؤخذون للذبح بلا محاكمة و لا استجواب. و هذا ما جعل الشيعة يتفننون في صياغة الأجوبة علي الأسئلة المحرجة لكي تسلم رؤوسهم. فتأمل هذه الدقة العجيبة في جواب ذلك الفقيه الذي خلص نفسه في مجلس الخليفة من سؤال يرفعه الي حبل المشنقة؛ فنطق بالحق الذي يعتقده و يؤمن به في قرارة نفسه، و أوهم الخليفة و صاحبه النمام أنه علي مذهبهم من انكار امامة الامام. ثم لعنهم أثناء جوابه لعنا يظنه السامع يلتصق بكل من يعتقد بامامة الكاظم عليه‌السلام، و هو علي العكس. ان جواب ذلك الفقيه من أبرع الأجوبة، و قد خفي مفهومه الحقيقي علي السامعين، و لم يفسره الا الامام عليه‌السلام حين سمع نصه، و أوضح معناه الخفي لصاحبه.... فما أصعب الحياة بين أهل النفاق و المروق. و ان جواب ذلك المتشيع في مجلس الخليفة و جلاوزته: أزعم أن موسي غير امام، قول فيه مغالطة لفظية بارعة، أرضت كبرياء الخليفة و أشبعت غرور أهل المجلس، و هي في الواقع قد صفعت تلك الكبرياء و ذلك الغرور. «روي عن أبي‌الحسن، موسي بن جعفر الكاظم، أنه قال: لما سمعت هذا البيت و هو لمروان بن أبي‌حفصة: أني يكون، و لا يكون، و لم يكن لبني البنات وراثة الأعمام دار في ذلك ليلتي - أي أزعجه كثيرا -. فقمت تلك الليلة، فسمعت هاتفا في منامي يقول: أني يكون، و لا يكون، و لم يكن للمشركين دعائم الاسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم و العم متروك بغير سهام [ صفحه 146] ما للطليق و للتراث، و انما سجد الطليق مخافة الصمصام و بقي ابن‌نسلة واقفا متلددا فيه، و يمنعه ذوو الأرحام ان ابن‌فاطمة المنوة باسمه حاز التراث سوي بني‌الأعمام» [207] . فان ارث النبي صلي الله عليه و اله و سلم، جعله خلفاؤه قضية سياسية حادوا فيها عن حكم الله تعالي في المواريث، و ابتدعوا فيها حكما عجيبا ما أنزل الله به من سلطان، لا في القرآن، و لا في السنة النبوية الشريفة. و هي في الأساس كانت ترمي - من أول الأمر - الي اضعاف بني‌هاشم ماديا اضعافا لا تقوم لهم معه قائمة، لأنها بحد ذاتها حرب اقتصادية مدمرة. أما في العهد العباسي، فاتخذت طابعا آخر الي جانب حرب الافقار، اذ رموا من ورائها الي اثبات حق العباس - عم النبي - بالارث مع وجود فاطمة و بني‌فاطمة عليها و عليهم‌السلام جميعا، و أن العباس يحجبها و يحجب بنيها عن الارث، بقصد ابعاد بنيها و بني‌علي عليه‌السلام عن خلافة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و لجر النار الي قرصهم جرا شرعيا. و هذا البيت من الشعر السفيه، أقام الامام عليه‌السلام و أقعده ليله كله، لأنه يحتوي تهجما سافرا و سافلا علي حقهم الرباني، يتجرأ به شاعر وقح دني‌ء [ صفحه 147] يعيش علي فتات مائدة السلطان و يلحس الصحون ليملأ كرشا أجوف لا يحب أن يدخله الرزق الحلال!. و ما زالت فتات موائد السلطان لا تنال الا بالكذب علي الله تعالي و رسوله، فليكن ذلك، ولو أدي الي قول البهتان و الافك العظيم الذي يخول الدني‌ء الجلوس علي مائدة القصر ليلتقط الفضلات. ان أمثال هذا الشاعر - التاجر، الفاجر - قد كانوا مجهولين و ممتهنين، فروجوا أنفسهم بمثل هذه الافتراءات علي الله و رسوله، فضجت بها مجالس الباطل و عجت، و خولتهم أن يلجوا الي مجلس السلطان من باب اللحوسة لدس رخيص يرضي الظلام. و لم يكن ذلك الا من زنادقة لا يمتون الي الدين بصلة... ف(ويل لكل أفاك أثيم (7)) [208] . فالنبي صلي الله عليه و اله و سلم يأرق و يضطرب لأنين العباس و هو في القيد يوم أسر، و بنوالعباس يقتلون أبناء رسول الله تحت كل حجر و مدر، و يشردونهم في كل مكان!. [ صفحه 148]

مع أبي‌جعفر المنصور

«أخبر الامام الباقر - عليه‌السلام - أن المنصور العباسي يملك الأرض شرقها و مغربها، و تطول مدته. فقال المنصور للباقر - عليه‌السلام -: «أملكنا قبل ملككم؟. قال: نعم. قال: أيملك أحد من ولدي؟. قال: نعم. قال: فمدة بني‌أمية أطول أو مدتنا؟. قال: مدتكم. و ليلعبن بهذا الملك صبيانكم كما يلعب بالكرة!. هذا ما عهد الي أبي» [209] . و لقد صدقت، و صدق أبوك و أجدادك صلوات الله عليكم يا باقر العلم!. فانكم لم تخمنوا، و لم تتكهنوا، و لم تقولوا شيئا من عندكم، بل علمكم من علم جدكم الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم، فلا عجب أن تخبروا عما يكون في المستقبل لأنكم تصدرون في ذلك عن مقدر الأقدار، و لذا كنتم أصدق [ صفحه 149] القائلين بعد الله تبارك و تعالي، و هذا يعرفه فيكم المحب و المبغض (و ما يكذب به الا كل معتد أثيم (12)) [210] يكذب بأمور السماء برمتها. و كأني بأبي‌جعفر المنصور قد جذل و طرب لهذه البشارة، و اطمأن الي ملك طويل يتلاعب به صبيان العباسيين كتلاعب الأولاد بالكرة، و أكثر مما تلاعب به أسلافهم من بني‌أمية... و بعد هذا الاطمئنان أعطي لنفسه هواها، و ذهب علي طيته و سوء نيته، يفعل الأفاعيل، و يأتي بالأباطيل، و ينشر الذعر في أطراف البلاد الاسلامية، و يسرف في التقتيل و التنكيل. فقد كان ملك المنصور عسرا ليس فيه يسر؛ خيم فيه الرعب علي الناس فلم يذوقوا حلاوة العيش في ظل سيفه المصلت فوق الرؤوس، اذ وضع علي كل انسان عينا و رقيبا و خنق الأنفاس، واختطف النفوس بالجملة و بالمفرق... و أخاف أكثر ما أخاف العلويين، و قسا أشد قسوة علي الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام، و أمر فيما أمر بأن يحرق بيت الامام الصادق عليه‌السلام، عليه و هو فيها!. و كأنه بذلك كافأ والده الامام الباقر عليه‌السلام علي بشارته بأنه يملك و تطول مدته!. قال محمد بن سنان:«دخلت علي أبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، من قبل أن يقدم العراق بسنة، و علي ابنه جالس بين يديه، فنظر الي و قال: يا محمد، انه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع لذلك. قلت: و ما يكون، جعلت فداك، فقد أقلقني ما ذكرت؟!. [ صفحه 150] فقال: أصير الي هذا الطاغية. أما انه لا يبدأني منه سوء - أي لا يصيبني شر -. و من الذي يكون بعده. قلت: و ما يكون، جعلت فداك؟. قال: يضل الله الظالمين، و يفعل الله ما يشاء...» [211] في حديث طويل ليس هنا محل الحاجة لتمامه -. و في هذا الحديث يتجلي علمه عليه‌السلام بما يكون في المستقبل. فقد أخبر بحدث مفزع يقع في تلك السنة، اذ يحمل الي طاغية زمانه قسرا من جهة، ثم لا يصيبه منه سوء من جهة ثانية، ثم لا يؤذيه الخليفة الذي يأتي بعد الخليفة الحالي أيضا... و قد قال ذلك بتمام التأكيد و الطمأنينة و العفوية و يتراءي للجاهل بعلمه كأن القدر بيده - و استغفر الله - مع أنه يعلم ذلك بتعليم من الله العزيز القدير. و من المؤسف أن سلاطين بني‌العباس، كان ديدنهم الجعجعة بأئمة أهل البيت سلام الله عليهم، حتي كأن من شروط توليهم أمور المسلمين، أن لا يتركوا الصالحين من المسلمين يستقرون في بيوتهم و بين أسرهم كسائر الناس العاديين. فقد كانوا يصيرونهم ما بين الحجاز و العراق، و يتلهون في أذيتهم و تعذيبهم و الوقوف بوجههم، كما يتهلي لاعب النرد و الشطرنج. فلم يكن عندهم أسهل من اعتقال الامام و حمله الي بغداد محاطا بالجنود و الحرس، و أن تفرض عليه الاقامة الجبرية في عاصمة الحكم، أو أن يزج به في غياهب السجن، و ينقل من حبس الي حبس كلما رفض صاحب حبسه أن يقتله... و هم يفعلون ذلك مع سادة الناس، من غير أن يحسبوا حسابا لرب يحصي عليهم الأنفاس، و يأخذهم - حين يأخذهم - بسوء أعمالهم، [ صفحه 151] و بخسيس فعالهم... أفلم يكونوا مسلمين يا مسلمين و هم خلفاء علي المسلمين؟!. الله و رسوله أعلم... و الناس أيضا يعلمون، ولكنهم لا يبوحون بالكلمة الصريحة. و روي داود بن زربي، عن أبي‌أيوب النحوي، أنه قال: «بعث الي أبوجعفر المنصور في جوف الليل. فأتيته، و دخلت عليه و هو جالس علي كرسي، و بين يديه شمعة، و في يده كتاب. فلما سلمت عليه رمي بالكتاب الي و هو يبكي، فقال لي: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد - أي الصادق عليه‌السلام - قد مات... انا لله و انا اليه راجعون - ثلاثا - و أين مثل جعفر؟!. ثم قال لي: أكتب. فكتب صدر الكتاب، ثم قال: أكتب: ان كان أوصي الي رجل واحد بعينه فقدمه و اضرب عنقه. قال - أبوأيوب النحوي -: فرجع اليه الجواب أنه قد أوصي الي خمسة: و أحدهم أبوجعفر المنصور، و محمد بن سليمان - و اليه علي المدينة - و عبدالله، و موسي - ابناه - و حميدة - زوجته -» [212] . و لكم يعجبني و يعجب كل ساخر و مستهزي‌ء هذا البكاء من الخليفة، لأنه كبكاء التماسيح. فانه بعد أن ارتقي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، أرعب ابنه الامام الصادق عليه‌السلام، و أمر باحراق بيته عليه، ثم لما مات تظاهر بأنه يبكيه!. [ صفحه 152] و يأمر بضرب عنق من أوصي له لأنه يكون الامام من بعده!. فتأمل، واحكم. «و عن النضر بن سويد، نحو هذا الحديث السابق، الا أنه قال: «أوصي الي خمسة: أولهم أبوجعفر المنصور، ثم عبدالله، و موسي، و محمد بن جعفر، و مولي لأبي عبدالله عليه‌السلام. فقال المنصور: مالي الي قتل هؤلاء سبيل» [213] . و الرواية الأولي أصح... و مع ذلك تعجبني و تعجب كل ساخر و مستهزي‌ء دموع الممثلات علي خشبة المسرح، فانها دموع تكون تحت الطلب، و لا علاقة لما بمشاعر صاحبها و أحاسيسه، لأنها أقرب الي العهر و الفجر. و هذا الخليفة - لنبي لم يطلب أجرا علي أداء الرسالة الا مودة قرباه - يبكي لخبر موت ابن‌رسول الله، و هو أعرف بموته ممن أخبره، لأنه هو الآمر بقتله سما... و الآمر بعدها- بضرب عنق وصيه -. فيا عنق السوء و عين الشيطان، ما ذنب من يوصي له الامام حتي يجوز لك ضرب عنقه؟!. لقد كان الامام الصادق صلوات الله و سلامه عليه و تحياته و بركاته، كان يعلم غباءك و يعرف حمقك و سوء سريرتك، و لذلك أوصي - أول ما أوصي - اليك ليلقمك حجرا، وليضع في فيك التراب، وليفضح أحدوثتك كما فضح آباؤه الكرام أسلافك اللئام، و ليبقي كيدك في نحرك غصة في صدرك، وليجعلك تموت بغيظك و لا تبلغ حاجتك من ابنه الكريم و وصيه العظيم. فسحقا لخلفاء تربعوا باسم الدين، ثم عملوا عمل الشياطين... [ صفحه 153] و وردت الرواية السابقة علي الشكل التالي: «دعا أبوجعفر المنصور، في جوف الليل، أبا أيوب الخويزي، فلما أتاه رمي كتابا اليه و هو يبكي، و قال: هذا كتاب محمد بن سليمان، يخبرنا أن جعفر بن محمد - الصادق عليه‌السلام - قد مات!. فانا لله، و انا اليه راجعون. و أين مثل جعفر!. ثم قال له: أكتب: ان كان أوصي الي رجل بعينه، فقدمه و اضرب عنقه. فكتب، و عاد الجواب: قد أوصي الي خمسة، أحدهم أبوجعفر المنصور، و محمد بن سليمان - و اليه في المدينة - و عبدالله - ابن‌الامام - و موسي - ابنه الكاظم عليه‌السلام - و حميدة - زوجته العظيمة-!. قال المنصور: ما الي قتل هؤلاء سبيل» [214] . فيا أباجعفر - المخذول - تبكي الامام و تسترجع، و لا تري مثيلا للامام الصادق عليه‌السلام بين الناس، ثم تكتب لعميلك غير المحمد و غير المحمود بضرب عنق الامام الذي أوصي له؟!. فأنت تتأسف علي الراحل بعد أن لطخت يديك بدمه بعد حرق منزله، فما معني دموعك أيها المتحجر القلب؟!. و العجيب من عينك كيف تدمع و قلبك في مثل قساوة الصخر، و هو في صدر حامل غل و جبروت؟!. ان من كان بكاء علي العظماء رقيق الحاشية، مرهف الحس، لا يكتب لواليه: أحرق، دس السم، أقتل!. و بدون ذنب و لا مبرر... فلا أدري ما هي موازينكم الشرعية أيها الخلفاء المتنازون علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، [ صفحه 154] كما تتنازي القردة؟. لقد ارتضيتموها خلافة ظلم، و فتك، و سفك دماء، و سلطان أيام في الدنيا يؤدي الي خلود في النار؟!. فتعسا لملك ملطخ بدماء الأبرياء، انقضت مدته، و حملتم وزره، و ذقتم مر نتائجه حين قدمتم الي المعاد بشر زاد. لم يعرفكم حق المعرفة سوي أئمتنا عليهم‌السلام، و غش بريق ذهبكم، و بريق سيوفكم فوق الرقاب، جميع معاصريكم، ما عدا بعض المؤمنين و الصالحين، ثم غش التاريخ المزور كل من جاء بعدكم... فسموكم خلفاء!. نعم عرفكم امامنا الصادق عليه‌السلام، الذي لما رأي في عهده جده الرسول الأعظم صلي الله عليه و اله و سلم، أن أباجعفر المنصور سيقتله بالسم، ثم يأمر بقتل وصيه من بعده، أوصي لخمسة جعل أولهم أباجعفر المنصور... و دفن غيظك في قلبك الأسود... و أبقاه دفينا معك في لحدك لتبعث علي عداوة الأبرار الأطهار... قال داود بن كثير الرقي: «أتي أعرابي الي أبي‌حمزة الثمالي، فسأله خبرا فقال: توفي جعفر الصادق. فشهق شهقة و أغمي عليه. فلما أفاق قال: هل أوصي الي أحد؟. قال: نعم، أوصي الي ابنه عبدالله، و موسي، و أبي‌جعفر المنصور. فضحك أبوحمزة و قال: الحمدلله الذي هدانا الي المهدي، و بين لنا عن الكبير، و دلنا علي الصغير، و أخفي عن أمر عظيم. فسئل عن قوله، فقال: بين عيوب الكبير - يعني عبدالله - و دل علي [ صفحه 155] الصغير لاضافته اليه، و كتم الوصية للمنصور - أي عن المنصور - لأنه لو سأل المنصور عن الوصي،لقيل: أنت» [215] . فبورك بالفهم السليم الذي رباه فيك أئمتنا عليهم‌السلام يا أباحمزة!. و أين حماقة أبي‌جعفر المنصور، و بلادة ذهنه عن ادراك ما أدركت من فحوي وصية الامام الصادق عليه‌السلام؟!. لقد دل الامام علي عيوبك يا منصور بوصيته، و نبه فيها الي أنك تبيت أمرا عظيما تهتز له الأفلاك!. فكتم حقيقة وصيته عنك، و علم - سلفا - بأنك تقصر عن تحديد الوصي الحقيقي بذاته و صفاته، كما يحدده الشيعة الذين رباهم امامهم الصادق سلام الله عليه. [ صفحه 156]

مع محمد المهدي

... ثم نطوي الصفحة الأولي - السوداء - من صفحات تاريخ العباسيين مع امامنا الكاظم عليه‌السلام، لنفتح صفحة عهد آخر كان له مساس حقيقي به، لأن الخليفة الجديد - المهدي - قد بدأ عهده بأسوأ مما انتهي به عهد سلفه. و لنعطيك صورة عن تأسيس ذلك السلطان الغاشم علي أسس الحقد و خبث السريرة، نورد لك نموذجا حيا مما أجراه ذلك الخليفة الذي لم يعرف الهدي منذ مطلع عهده، فنضع بين يديك وقائع الجلسة الليلية التالية: «انه لما بويع محمد المهدي، دعا حميد بن قحطبة نصف الليل و قال: ان اخلاص أبيك و أخيك فينا أظهر من الشمس، و حالك عندي موقوف. فقال: أفديك بالمال و النفس. فقال: هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح، و الأهل، و المال، و الولد. فلم يجب المهدي. فقال: أفديك بالمال، و النفس، و الأهل و الولد، و الدين!. [ صفحه 157] فقال: لله درك. فعاهده علي ذلك. و أمره بقتل الكاظم عليه‌السلام في السحر بغتة. فنام - أي المهدي - فرأي عليا عليه‌السلام يشير اليه و يقرأ: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم (22)) [216] . فانبته مذعورا، و نهي حميدا عما أمره، و أكرم الكاظم و وصله» [217] . ... و لم هذه العجلة يا أمير المفسدين بقتل الامام في أول أيام عهدك؟. أفأنت تقدمه قربانا لله اذ تمت لك البيعة؟!. و لم استحوذ عليك الشيطان من أول يوم؟...و لم لم تصبر الي الغد فطلبت هذا المارق السافل في الليل؟!. فتصور كيف فاجأ هذا المتعدي علي حرمات الله عميله بقوله: و حالك عندي موقوف، ليري مدي استحواذ الشيطان عليه، و مقدار تضحياته بسبيل هذا العرش الظالم؛ فلم يرض منه أن يفديه بالمال و النفس و الولد، و سكت عند ذلك ليري حقيقة اخلاص هذا العتل الزنيم، ففداه ابن‌قحطبة بالدين!!! نعم، و للشيطان در هذا الجلف، ابن‌القحطبة!. خليفة لرسول الله، يريد من الناس أن يبيعوا آخرتهم بدنياهم لينالوا رضاه... و يطلب من هذا الأرعن أن يستفتح له عهده بقتل امام الزمان!. ثم تبايت هذا الخليفة الضال، و ذاك المرائي الجبان علي ارتكاب هذه الجريمة النكراء، فألقي الله تعالي كيدهما في نحرهما، حين يحبط علي [ صفحه 158] أميرالمؤمنين مكيدتهما و يصفع الخليفة الوقح بآي من القرآن الكريم قام من نومه عند سماعها ذعرا خائفا. فيا قارئي الكريم، اسأل معي هذا القطحبة الذي هو كحمار المصطبة: لم يفدي هذا الخليفة بدينه؟!. لقد فداه بالدين... و هو بلا دين. واسمه حميد، ولكنه ذميم، و قراره الذي اتخذه أمام الخليفة لا ترتضيه الحمير. أجل، هذه صفحة واحدة من الصفحات السود في تاريخ خلفاء للمسلمين، لم يرفضهم أحد من المسلمين، اذا استثنينا أئمتنا عليهم‌السلام و أتباعهم. ثم ورد خبر احضار الامام عليه‌السلام، و محاولة قتله، في هذا العهد، هكذا: «و لقد نقل عن الفضل بن الربيع، أنه أخبر عن أبيه - الوزير - أن محمد المهدي ابن‌المنصور، طلب موسي بن جعفر من المدينة الي بغداد، فحبسه. ففي بعض الليالي رأي المهدي في منامه علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و هو يقول: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم (22)« [218] . قال الربيع - الوزير -: فأرسل الي ليلا فراعني و خفت من ذلك. و جئت اليه و اذا هو يقرأ هذه الآية و كان أحسن الناس صوتا -، فقال: علي الآن بموسي بن جعفر. [ صفحه 159] فجئته به، فعانقه و أجلسه الي جانبه و قال: يا أباالحسن، رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام في النوم، فقرأ علي كذا. فتؤمنني أن تخرج علي أو علي أحد من ولدي؟. فقال: لا والله لا فعلت ذلك، و لا هو من شأني. فقال: صدقت.. يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار، ورده الي أهله الي المدينة. قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح الا و هو في الطريق خوف العوائق» [219] . و روي الجنابذي هذا الخبر، و ذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار، ورده الي أهله» [220] . فهل من لائم لي اذا قلت بسفاهة هؤلاء الخلفاء؟. و أنهم كانوا عمي البصائر، لا يميزون بين ما يجوز، و ما لا يجوز، من أجل ملك زائل لم يتنعموا به عشر معشار ما قاسوا من آلامه و ويلاته، و من عذاب الضمائر، لو كانت لهم ضمائر، لكن... قد حملوا آثامه و موبقاته... فبئس ما أوردوا أنفسهم من المهالك في الدنيا و في الآخرة، لما قنعوا بحمل أسماء جوفاء خلعوها و السيوف في رقابهم، مشهورة بأيديهم لا بأيدي من كانوا يعذبونهم ظلما و عدوانا. لقد قتلوا كثيرين من بني‌علي... و مات أكثرهم قتلا بنفس السيوف. و قتلوا بني عمومتهم... و قتلهم أبناؤهم، أو اخوانهم، أو قادتهم!. [ صفحه 160] و قتلوا غيرهم قتل شهادة... ثم ماتوا - هم - ميتة سوء!. فتعسا لهم، و ضلت أعمالهم... و خسرت صفقتهم. و هكذا، فقد «أقدم المهدي امامنا الي بغداد، ثم رده الي المدينة بعد سماع تلك الآية التي ردته عن عزمه علي قتله لا تورعا منه و لا خوفا من الله، بل لأن الامام كان مؤخرا في علم الله تعالي، اذ أقام أبوالحسن عليه‌السلام في المدينة الي أيام الرشيد الذي قدم المدينة فحمله معه، و حبسه ببغداد الي أن توفي فيها [221] كما رأيت سابقا - و لم يستقدمه المهدي الي بغداد الا ليقتله كما سمعت في قصة ابن‌قحطبة (الذي زيد في اسمه حرف الطاء) ولكن وسوسة ابليس، و مكر الخليفة التعيس، و مكر عميله الخسيس، داسها كلها أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، بنعله المخصوفة حين تراءي للمهدي في المنام و أطار لبه هلعا، و أفقده صوابه فزعا. و من جميل صنع الله تعالي أن ورود أئمتنا عليهم‌السلام علي جبابرة تلك القصور، كان يوقع أولئك الجبابرة في مآزق لا مخارج لهم منها، اذ كان الأئمة عليهم‌السلام يقولون كلمة الحق في مجلس الظلم و الباطل، و يحتجون علي الحاكمين و عملائهم من القضاة و غيرهم بما لا جواب عندهم فيه، فيفضحون باطلهم و لا يجد الحاكمون حيلة للبطش بهم بسهولة، فتخرج فضائح الحكم و القضاء في الدين علي ألسنتهم الصادقة التي لا تعرف المراءاة و لا المداراة. روي أحمد بن محمد،، ان أبي‌قتادة القمي، عن أبي‌خالد الزبالي قال: [ صفحه 161] قدم أبوالحسن، موسي، زبالة - مكان بطريق مكة من الكوفة - و معه جماعة من أصحاب المهدي - العباسي - بعثهم في اشخاصه القدمة الأولي. قال: و أمرني بشراء حوائج له. فنظر الي و أنا مغموم فقال لي: يا أباخالد، مالي أراك مغموما. قلت: هوذا تصير الي هذا الطاغية، و لا آمنه عليك. قال: يا أباخالد، ليس علي منه بأس. اذا كان شهر كذا و كذا، فانتظرني في أول الليل، فاني أوافيك ان‌شاءالله. فما كانت لي همة الا احصاء الشهور و الأيام، حتي كان ذلك اليوم، فغدوت أول الليل الي المصر الذي وعدني. فلم أزل أنتظره حتي كادت الشمس أن تغيب. و وسوس الشيطان في صدري فلم أر أحدا، و خفت أن أشك، و وقع في نفسي أثر عظيم. فبينا أنا كذلك و اذا سواد قد أقبل من ناحية العراق. فانتظرته، فوافاني أبوالحسن أمام القطار - أي القافلة - علي بغلة له، فقال: ايه أباخالد!. قلت: لبيك يابن رسول الله. قال: لا تشكن؛ ود الشيطان أنك شككت. قلت: قد كان ذلك. فسررت بتخليصه فقلت: الحمدالله الذي خلصك من الطاغية. فقال: يا أباخالد، ان لهم الي عودة لا أتخلص منها» [222] . أولي لنا فأولي، ثم أولي لنا فأولي أن نقر بشأن هؤلاء الأئمة العظام [ صفحه 162] الذين يوقتون للشي‌ء قبل حدوثه. بالسنين، و بالشهور، و الأيام!. بل بالساعات من الليل أو النهار... ثم لا يخطئون في التوقيت مطلقا. و جدير بنا أن لا نمر بمثل هذه الحوادث الغريبة مرورا عابرا دون وقفة تأمل بحال مخلوقين من البشر يفجأون الناس في كل حين بما يميزهم عن البشر، و يرفعهم الي مراتب عالية لم ينلها الا الرسل و الأنبياء و الأصفياء؛ ثم نغض الطرف و لا ننظر اليهم بعمق لنقف علي شي‌ء من حقيقة أمرهم الرباني من حيث كرامة الله تعالي لهم و اكرامه. فامامنا الكاظم عليه‌السلام، الذي أشخص مكرها من الحجاز الي العراق، وجي‌ء به تحت الحراسة العسكرية الشديدة، بأمر سلطان الزمان الغاشم الذي يخشي أن يغدر به و يقتله، أقول امامنا هذا - و في هذه الحال - يلتقي بأحد شيعته في زبالة، و يريح باله من الخوف عليه من بطش السلطان الجبار، ثم يضرب معه موعدا يحدده بالشهور، و بالأيام، ثم بالساعات من الليل، ليلتقي معه أثناء عودته سالما، في ذلك المكان، و كأنه هو عليه‌السلام يصرف الأمور، و كأن الأقدار تتصرف عن أمره!. ثم يدهش أكثر ما يدهش عودته في الموعد المضروب تماما، و يلاحظ علي صاحبه بأن الشيطان كاد يستزله دون أن يصرح بشي‌ء، ثم بقول بجزم: ان لهم الي عودة لا أتخلص منها. عميت بصيرة من لا يراك اماما ملهما يا أباابراهيم!. و عميت القلوب التي في صدور منكري امامتك، و جاحدي حقك الذي اختصك به ربك عزوجل!. و هل كان معاصروك عميان أبصار. و قلوب... و بصائر... و مرضي نفوس؟!. لا، ولكن (الشيطان سول لهم و أملي لهم (25)) [223] . [ صفحه 163] لقد خسروا لما زعموا أنهم يتمكنون من معرفة الله سبحانه عن طريق غيركم، و ضلوا لما عبدوه و لم يجعلوكم وسيلة بينهم و بينه لتقبل عبادتهم. و أيم الحق ان قلوب بني‌العباس لمتحجرة انسانيا، و خالية من الايمان دينيا، و لقد أضلوا أشياعهم و أتباعهم؛ و الا فما معني أن يروا مثل هذه العجائب و الآيات ثم لا يعيرونها انتباها، بل يكذبون بها و يصرفون الناس عنها، و يرصدون كل اهتمامهم لاطفاء نور الله بأفواههم حين يحاربون أولياءه و نجباءه من علي منبر الاسلام و باسم جدهم الذي جاء بالاسلام من عند ربه عزوعلا. ليت هؤلاء الأئمة الدين طهرهم الله من الرجس و اختصهم بما اختصهم به - ليتهم كانوا أئمة لغير المسلمين، و لغير العرب، و اذا لرأيت لهم تقديسا و تمجيدا و تحميدا... فيوم قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم:«ويل لولدي من ولد العباس» كان يعني ما يقول، و كان يلفت نظر المسلمين الي فراعنة حكم ينكلون بولده و لا يراعون فيهم قرابة و لا رحما... ولكن قوله ذاك، لم يردع بني‌العباس عما مارسوه من القسوة، و لم يردع أكثر المسلمين عن مشايعتهم علي محاربة أهل البيت عليهم‌السلام مع ما رأوا في ذلك من باطل و ظلم. قال علي بن أسباط: «لما ورد أبوالحسن، موسي عليه‌السلام علي المهدي، - العباسي - رآه يرد المظالم. فقال: يا أميرالمؤمنين، ما بال مظلمتنا لا ترد؟!. فقال له: و ما ذاك يا أباالحسن؟. قال: ان الله تبارك و تعالي، لما فتح علي نبيه صلي الله عليه و اله و سلم فدك و ما والاها، [ صفحه 164] لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه و اله و سلم: (وءات ذا القربي حقه) [224] فلم يدر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من هم. فراجع في ذلك جبرائيل، و راجع جبرئيل عليه‌السلام ربه، فأوحي الله اليه أن ادفع فدك الي فاطمة عليهم‌السلام.فدعاها رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم فقال لها: يا فاطمة ان الله أرمني أن أدفع اليك فدكا. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله و منك. فلم يزل و كلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. فلما ولي أبوبكر أخرج منها وكلاءها. فأتته فسألته أن يردها عليها. فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك. فجاءت بأميرالمؤمنين عليه‌السلام، و أم أيمن، فشهدا لها. فكتب بترك التعرض. فخرجت والكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟. قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي‌قحافة. قال: أرينيه. فأبت. فانتزعه من يدها و نظر فيه. ثم تفل فيه و محاه، و خرقه. فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل و لا ركاب، فضعي الحبال في رقابنا. - أي جرينا بالحبال الي أي حاكم أو علقي مشانقنا اذا قدرت -. فقال المهدي: يا أباالحسن، حدها لي. - يعني بين حدودها -. [ صفحه 165] فقال: حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل. فقال له: كل هذا؟. قال: نعم، يا أميرالمؤمنين، هذا كله. ان هذا كله مما لم يوجف علي أهله رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بخيل و لا ركاب. فقال: كثير!. و أنظر فيه». [225] . كثير، و تنظر فيه؟!. و لا تنفذه و أنت ترد المظالم الي أهلها؟. لقد نظر فيه من هو أكبر منك، و أعطي صكا بثبوته. ثم انتزع الصك من الزهراء عليهاالسلام بدوافع سياسية ترمي الي اضعاف بني‌علي و فاطمة ماديا، و بسبيل محاربتهم معنويا، و ترمي - أيضا - الي ضرب كل ما أوصي به محمد صلي الله عليه و اله و سلم!. و قد كان المأمول منك يابن عباس أن تثأر لأبناء عمك لو كنت تعقل... ولكنك علي نفس الخط الهادف الي افقارهم و حربهم، و تبا للملك الذي يردي صاحبه في نار جهنم. و بالنسبة لفدك ذكر الزمخشري في (ربيع الأبرار) ثم ذكر في كتاب (تاريخ الخلفاء) أن هارون الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر: خذ فدكا حتي أردها اليك، فيأبي، حتي ألح عليه، فقال عليه‌السلام: لا آخذها الا بحدودها. قال: و ما حدودها؟. قال: ان حددتها لم تردها. [ صفحه 166] قال: بحق جدك الا فعلت. قال: أما الحد الأول فعدن. فتغير وجه الرشيد و قال: ايها. - أي أنه يستزيد الحديث عن حدودها -. قال: والحد الثاني سمرقند. فاربد وجهه - أي صار أغبر -. والحد الثالث أفريقية. فاسود وجهه و قال: هيه!. قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الخزر و أرمينية. قال الرشيد: فلم يبق لنا شي‌ء!. فتحول الي مجلسي. - أي تربع علي عرش الملك -. قال موسي - عليه‌السلام -: قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردها. فعند ذلك عزم علي قتله، واستكفي أمره» [226] . و في رواية ابن‌أسباط أنه قال: أما الحد الأول فعرش مصر، و الثاني دومة الجندل، و الثالث أحد، و الرابع سيف البحر. - و هذا هو الصحيح -. فقال: هذا كله؟!. هذه الدنيا.(و أدرك أن رد فدك يعني رد الأمر الي أصحابه...) فقال: هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي‌هالة، فأفاءه الله علي رسوله بلا خيل و لا ركاب، فأمره الله أن يدفعه الي فاطمة عليهاالسلام» [227] . [ صفحه 167] والتحديد الذي ورد في أول هذه الرواية لم أره في غيرها، و فدك معروفة الحدود في ذلك العصر، و في كل عصر، ولكنها تسلية أمراء المسلمين أثناء محاوراتهم التافهة... ولكن الذي كان غير معروف عند سائر الناس هو أن ينزو بنوأمية و بنوعباس علي منبر الاسلام، و هم من أشد الناس بعدا عن الاسلام و مروقا من الدين!. «و قد جري لأبي يوسف - القاضي الفقيه في القصر - مع أبي‌الحسن، موسي صلوات الله عليه بمحضر المهدي، أن موسي عليه‌السلام سأل أبايوسف عن مسألة ليس فيها عنده شي‌ء. فقال لأبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام: اني أريد أن أسألك عن شي‌ء. قال: هات. قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟. قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه؟. قال: نعم. قال: فما فرق بين هذا و ذلك؟!. قال أبوالحسن، موسي عليه‌السلام: ما تقول في الطامث تقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: تقضي الصوم؟ قال: نعم. قال: ولم؟!. [ صفحه 168] قال: ان هذا، كذا جاء. قال أبوالحسن عليه‌السلام: و كذلك هذا. فقال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا. قال: يا أميرالمؤمنين، رماني بحجة». [228] . و في مورد آخر ذكر في آخر الحديث أن الامام عليه‌السلام قال: «أتعجب من سنة النبي و تستهزي‌ء بها؟. ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، كشف ظلاله في احرامه، و مشي تحت الظلال و هو محرم. ان أحكام الله تعالي لا تقاس، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت السائل لا يرجع جوابا». [229] . و هكذا كان ديدن أئمتنا عليهم‌السلام مع قضاة العصر، و عملاء القصر، فكثيرا ما تعرض لهم الأئمة و ساءلوهم، فوقفوا حياري عن الجواب، و ضاعوا وضاع علفهم في تلك القصور، وذاب ورمهم و شحمهم حين الفشل الذريع الذي كانوا يقعون فيه. [ صفحه 169]

مع موسي الهادي

قال علي بن يقطين: «لما حمل رأس صاحب فخ [230] الي موسي بن المهدي - أي الهادي العباسي - أخذ ينال من الطالبيين الي أن نال من موسي بن جعفر، و حلف الله بقتله. فتكلم فيه القاضي أبويوسف حتي سكن غضبه. و أنهي الخبر الي الامام عليه‌السلام، و عنده جماعة من أهل بيته، فقال لهم: بم تشيرون؟. قالوا: نري أن تتباعد عنه، و أن تغيب شخصك، فانه لا يؤمن شره. فتبسم ثم قال: زعمت سخينة أن ستغلب ربها و لتغلبن مغالب الغلاب [231] . [ صفحه 170] ثم رفع يده الي السماء فقال: الهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته - أي حد سيفه - و أرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه - أي خلط سمومه بالطعام - و لم تنم عني عين حراسته. فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح - أي المصائب - و عجزي عن ملمات الجوائح - العواصف الهائلة - صرفت عني ذلك بحولك و قوتك، لا بحولي و قوتي. فألقيته في الحفيرة التي احتفر لي، خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا مما رجاه في آخرته، فلك الحمد علي قدر استحقاقك سيدي. أللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا في ما يليه، و عجزا عمن يناويه. أللهم و أعدني عليه عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاء، و من حقي عليه وفاء، و صل اللهم دعائي بالاجابة، و انظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، و عرفني ما وعدت في اجابة المضطرين، انك ذو الفضل العظيم، و المن الكريم. ثم أقبل علي أصحابه فقال لهم: يفرح روعكم. فأنه لا يأتي أول كتاب من العراق، الا بموت موسي - الهادي - بن المهدي - العباسي -. قالوا: و ما ذلك أصلحك الله. قال: و حرمة صاحب القبر - يعني رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم - قد مات من يومه هذا!. والله (انه لحق مثل ما أنكم تنطقون (23)). [232] . [ صفحه 171] ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتب الواردة بموت موسي بن المهدي». [233] . فالأئمة من أهل بيت النبي صلوات الله عليه و عليهم، كانوا يعملون بين يدي ربهم، و لا يتاجرون مع غيره، و كانوا - اذا لزم الأمر - يضربون الضربة القاصمة - باذن الله - فلا تخفي علي خصومهم، ولكنهم يأخذهم الكبر و الكفر و الفساد، و سورة العزة بالاثم، فتزداد طباعهم قساوة و صلابة. فهذا الهادي الي الضلال و سوء الفعال، قد نال من الطالبيين سبا و شتما و لعنا، و لم يشف غليله بقتل الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و حمل رأسه اليه، بل عزم علي قتل الامام الكاظم عليه‌السلام أيضا ليبرد حر قلبه الذي كان أسود تضطرم فيه نار الحقد!. فما كان من أمامنا عليه‌السلام، الا أن برز الي الله تعالي في خلوة روحانية، و رفع اليه كفيه ابتهالا و تضرعا، و دعا علي ذلك الحاكم الظالم الذي كان يصر بأنيابه حنقا عليه، ثم انفتل من دعائه ليخبر أصحابه بأن الهادي - السلطان المتجبر - الذي يخافون عليه منه قد لوت عنقه دعوة الامام عليه‌السلام، فأوردته الموت الزؤام. فيا أيها المتعالي في الأرض، الغافل عما يراد بك، هل ضمنت لنفسك طول العمر حتي تنتقم لعشيرتك المارقة من الدين، و توغل في الانتقام؟! و هلا ذكرت المتعالي في السماء، المنتقم الجبار، و لا ذكرت أن سيف عزرائيل عليه‌السلام مصلت فوق رأسك، و لا تعرف متي يهوي عليه فيشقه نصفين؟!. [ صفحه 172] أأمنت مكر الله؟! (فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون (99)) [234] . و أنت منهم كما دلت عليه سيرتك، و ما تنطوي عليه سريرتك... و قد دفن غلك معك، فابتلع الزقوم، و اشرب من ماء الحميم. [ صفحه 173]

مع هارون الرشيد

الحديث عن امامنا عليه‌السلام في عهد هذا الخليفة الذي لم يكن رشيدا في تفكيره الأخروي، و لا سديدا في تقديره، و لا حكيما في تدبيره الدنيوي، بل عمل بجاهلية حمقاء، و بعصبية رعناء، جعلتاه لا يتورع عن ارتكاب كبائر المحرمات، و لا عن ممارسة أقبح التصرفات، تماما كالملحد بالله، الكافر برسوله، الذي لا تربطه بالاسلام أدني رابطة - أقول: ان الحديث عنه عليه‌السلام في هذا العهد يفضح العباسية التي حادت عن الدين، و عما أنزله رب العالمين. فكثيرا ما كنت أتعجب و أنا أدرس أعماله مع امامنا سلام الله عليه، اذ رأيتها أعمال رجل باع آخرته بدنياه، و تصرف تصرف عات متعنت لم يرتكز تصرفه الي سبب يدين به الامام عليه‌السلام، بل كان تصرف ظلم مفضوح يقوم به من لا يؤمن ببعث و لا بنشور و لا حساب و لا عقاب. و لقد كان ينبغي لهذا الهارون - القارون - أن يخجل من قرباه بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم، و أن يكون رشيدا يحفظ خط الرجعة، حتي ولو كان ملحدا كافرا بما جاء به ابن‌عمه صلوات الله و سلامه عليه و علي أهل بيته [ صفحه 174] الطاهرين... و انني لا أعرف كيف تحدر من صلب العباس بن عبد المطلب أمراء جائرون ظلموا ذرية النبي أعظم ظلم، و عاملوهم بجبروت لم يعرف التاريخ لها نظيرا... فلو كان أبناء رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من الترك أو الديلم، لكان الأحري بأولئك الأمراء - و هم أبناء عمومتهم - أن يقربوهم، و يحوطونهم بكل عطف و لطف. ولكنهم فعلوا العكس، اذ حكموا الترك و وضعوهم علي رؤوسهم، و أدخلوهم علي حريمهم، و أملوا علي التاريخ سطورا سوداء لم يحو التاريخ مثلها الا نادرا. فيا ليتهم أكرموهم: و وصلوا رحمهم، و تقربوا بذلك الي الله تعالي و الي رسوله، خصوصا اذا علمنا أن الأئمة عليهم‌السلام لم يظهروا للعباسيين أي تنكر أو خصومة، و لا شهروا في وجوههم سيفا؛ و لا حرضوا عليهم أحدا، و لا فاهوا بكلمة عدوانية تدل علي المنافسة. في الملك و السلطان. و ستري في هذه الصفحات الطوال من عهد هذا الخليفة العنيد، ما يترك العاقل في حيرة من أمر خليفة قالوا انه أصلح من غيره من العباسيين. «و كان هارون الرشيد قد حمل الامام عليه‌السلام من المدينة، لعشر ليال من شوال سنة تسع و سبعين و مائة، و قد قدم المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان، ثم شخص الي الحج و حمله معه» [235] . و ستري كيف قبض عليه، و كيف عامله أسوأ معامله، دون أي سابقة تقتضي ذلك. فقد «ذكر ابن‌عمار، و غيره من الرواة، أنه لما خرج الرشيد الي [ صفحه 175] الحج، و قرب من المدينة، استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسي بن جعفر عليه‌السلام علي بغلة. فقال له الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أميرالمؤمنين، و أنت ان طلبت عليها لم تدرك، و ان طلبت عليها لم تفت - يعني أنها لا تلحق عدوه اذا هاجمه عليها، و اذا هرب من عدوه و هو عليها لا ينجو منه -! فقال - عليه‌السلام -: انها تطاطأت عن خيلاء الخيل، و ارتفعت عن ذلة العير - أي الحمير-. و خير الأمور أوسطها. قالوا: و لما دخل الرشيد المدينة توجه الي زيارة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و معه الناس، فتقدم الي قبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يابن عم - مفتخرا بذلك علي غيره. فتقدم موسي عليه‌السلام الي القبر و قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه!. فتغير وجه الرشيد، و تبين الغيظ فيه!». [236] . «قال المدائني: أقام موسي بالمدينة حتي توفي المهدي و الهادي. و حج هارون الرشيد واعتمر في شهر رمضان من سنة تسع و سبعين و مائة. فلما عاد الي المدينة - علي ساكنها أفضل الصلاة والسلام - دخل الي قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم يزوره و معه الناس. فلما انتهي الي قبر وقف فقال: السلام عليك يا رسول الله، يابن عم، افتخارا علي من حوله. [ صفحه 176] فدنا موسي بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبت!. فتغير وجه الرشيد و قال: هذا هو الفخر يا أباالحسن جدا... ثم أخذه معه الي العراق فحسبه عند السندي بن شاهك. و تولي حبسه أخت السندي بن شاهك، و كانت تتدين، فحكت عنه أنه كان اذا صلي العتمة حمدالله و مجده و دعاه الي أن يزول الليل ثم يقوم فيصلي حتي يصلي الصبح، ثم يذكر الله تعالي حتي تطلع الشمس. ثم يقعد الي ارتفاع الضحي. ثم يرقد، و يستيقظ قبل الزوال. ثم يتوضأ و يصلي، حتي يصلي العصر؛ ثم يذكر الله حتي يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة. فكان هذا دأبة الي أن مات؛ فكانت اذا رأته قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح». [237] . «و لما كان محبوسا بعث الي الرشيد برسالة: أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء، الا ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتي نفضي بنا جميعا الي يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون». [238] . و بعد هذا، أنا لا أدري لماذا تغير وجه خليفة المسلمين حينما سمع ما قاله الامام عليه‌السلام، عند دخوله علي جده المصطفي صلي الله عليه و اله و سلم؟!. و كيف جاز للخليفة المتعجرف أن يفتخر علي الناس و يتواقح حين [ صفحه 177] يخاطب الرسول من غير أدب و لا تهذيب و يقول له: يابن عم، ثم لا يجوز لسبط رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و ابن‌علي و فاطمه عليهاالسلام، أن يفتخر بأبوة جده التي ما بعدها فخر لمفتخر!!. هذا يجوز له رغما عن سائر العالمين. و الخليفة كان جلفا حين خاطب النبي صلي الله عليه و اله و سلم بهذه الفظاظة.و حق للامام أن يفتخر و لو رغم أنف ألف خليفة جبار، و رضي أم أبي، و اربد وجهه أو اسود... و ان تغير وجهه قد دل علي خبث سريرته، و أظهر أنه ذو وجهين و لسانين، و يبطن غير ما يظهر، بدليل أنه قال للامام الكاظم عليه‌السلام: هذا هو الفخر... ثم أمر باعتقاله فورا لنقله الي حبسه المظلم! لقد كان له يوم سلطة نفذ فيه ما أراد... ولكنه نسي أن للامام عليه‌السلام يوم اقتصاص عصيب، و أن يوم العدل أشد علي الظالم، من يوم الظلم علي المظلوم - كما قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه و تحياته و بركاته...(و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (227)) [239] . «حدث أبوأحمد، هاني بن محمد العبدي [240] قال: حدثني أبومحمد، رفعه الي موسي بن جعفر عليه‌السلام، قال: لما أدخلت علي الرشيد سلمت عليه، فرد علي السلام، ثم قال: يا موسي بن جعفر، خليفتان يجبي اليهما الخراج؟!. [ صفحه 178] فقلت: يا أميرالمؤمنين، أعيذك بالله أن تبوء باثمي و اثمك فتقبل الباطل من أعدائنا علينا. فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. أما علم ذلك عندك؟!. فان رأيت بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. فقال: قد أذنت لك. فقلت: أخبرني أبي عن آبائه، عن جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، أنه قال: ان الرحم اذا مست الرحم، تحركت و اضطربت. فناولني يدك جعلني الله فداك. قال: ادن مني. فدنوت منه، فأخذ بيدي ثم جذبني الي نفسه، و عانقني طويلا، ثم تركني و قال: اجلس يا موسي، فليس عليك بأس!. فنظرت اليه، فاذا به قد دمعت عيناه، فرجعت الي نفسي. فقال: صدقت، و صدق جدك صلي الله عليه و اله و سلم، لقد تحرك دمي، و اضطربت عروقي حتي غلبت علي الرقة وفاضت عيناي، و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين و أنا لم أسأل عنها أحدا. فان أنت أجبتني عنها خليت عنك و لم أقبل قول أحد فيك. و قد بلغني أنك لم تكذب قط. فاصدقني فيما أسألك ما في قلبي. فقلت: ما كان علمه عندي فاني مخبرك به ان أنت أمنتني. قال: لك الأمان ان صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معاشر بني‌فاطمة. [ صفحه 179] فقلت: ليسأل أميرالمؤمنين عما شاء. قال: أخبرني لم فضلتم علينا، و نحن و أنتم من شجرة واحدة، و بنو عبدالمطلب، و نحن و أنتم واحد؟!. انا بنوعباس، و أنتم ولد أبي‌طالب، و هما عما رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و قرابتهما منه سواء!. فقلت: نحن أقرب. قال: و كيف ذلك. قال: لأن عبدالله و أباطالب، لأب و أم، و أبوكم العباس ليس هو من أم عبدالله و لا من أم أبي‌طالب. قال: فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و العم يحجب ابن‌العم؟. و قبض رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و قد توفي أبوطالب قبله، و العباس عمه حي؟. فقلت له: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة، و يسألني عن كل باب سواه يريده. فقال: لا، أو تجيب. فقلت: فأمني. قال: آمنتك قبل الكلام. فقلت: ان في قول علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام: انه ليس مع ولد الصلب، ذكرا كان أو أنثي، لأحد سهم الا الأبوين و الزوج و الزوجة؛ و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، و لم ينطق به الكتاب العزيز و لا السنة؛ الا أن تيما وعديا، و بني‌أمية قالوا: العم والد، رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثر عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. و من قال بقول علي من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء. هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي، و قد حكم به. و قد ولاه أميرالمؤمنين المصرين: الكوفة، و البصرة. و قد قضي به، فأنهي [ صفحه 180] الي أميرالمؤمنين فأمر باحضاره و احضار من يقول بخلاف قوله: منهم سفيان الثوري، و ابراهيم المازني، و الفضيل بن عياض، فشهدوا أنه قول علي في هذه المسألة؛ فقال لهم فيما بلغني بعض العلماء من أهل الحجاز: لم لا تفتون و قد قضي نوح بن دراج... فقالوا: جسر، و حببنا... و قد أمضي أميرالمؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم، أنه قال: أقضاكم علي؛ و كذلك عمر بن الخطاب قال: علي أقضانا. و هو اسم جامع، لأن جميع ما مدح به النبي صلي الله عليه و اله و سلم أصحابه من القرابة و الفرائض، و العلم، داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي. قلت: المجالس بالأمانات، و خاصة مجلسك. فقال: لا بأس به. فقلت: ان النبي لم يورث من لم يهاجر، و لا أثبت له ولاية حتي يهاجر. فقال: ما حجتك فيه؟. قلت: قول الله تبارك و تعالي: (والذين ءامنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا...) [241] و ان عمي العباس لم يهاجر. فقال لي: اني أسألك يا موسي: هل أفتيت أحدا بذلك من أعدائنا، أو أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشيي‌ء؟. فقلت: اللهم لا، و ما سألني عنها الا أميرالمؤمنين. ثم قال لي: جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم الي [ صفحه 181] رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و يقولوا لكم: يا بني رسول الله، و أنتم بنوعلي، و انما ينسب المرء الي أبيه، و فاطمة انما هي وعاء، و النبي جدكم من قبل أمكم!. فقلت: يا أميرالمؤمنين، لو أن النبي نشر - أي عاد حيا - فخطب اليك كريمتك - أي ابنتك - هل كنت تجيبه؟. قال: سبحان الله!. و لم لا أجيبه؟. بل أفتخر علي العرب و العجم و قريش بذلك. فقلت له: لكنه لا يخطب الي، و لا أزوجه. فقال: و لم؟!. قلت: لأنه ولدني، و لم يلدك. فقال: أحسنت يا موسي... ثم قال: كيف قلتم: انا ذرية النبي، و النبي لم يعقب، و انما العقب الذكر، لا الأنثي؟.. و أنتم ولد الابنة، و لا يكون ولدها عقبا له. فقلت: أسألك بحق القرابة، و القبر و من فيه - أي قبر النبي صلي الله عليه و اله و سلم - الا أعفيتني عن هذه المسألة. فقال: لا، أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي!... و أنت يا موسي يعسوبهم و امام زمانهم. كذا أنهي الي، و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله؛ و أنتم تدعون، معشر ولد علي، أنه لا يسقط عنكم منه شي‌ء، ألف و لا واو، الا تأويله عندكم، و احتججتم بقوله عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء..) [242] و استغنيتم عن رأي العلماء و قياسهم. [ صفحه 182] فقلت: تأذن لي في الجواب؟. قال: هات. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين (84)و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين (85)) [243] . من أبوعيسي يا أميرالمؤمنين؟!. فقال: ليس لعيسي أب. فقلت: انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم‌السلام، عن طريق مريم عليهاالسلام، و كذلك ألحقنا بذراري النبي صلي الله عليه و اله و سلم من قبل أمنا فاطمة... أزيدك يا أميرالمؤمنين؟. قال: هات. قلت: قول الله عزوجل: (فمن حاجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا و أبنآءكم و نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين (61)) [244] و لم يدع أحد أنه أدخله النبي صلي الله عليه و اله و سلم تحت الكساء عند مباهلة النصاري الا علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، أبناءنا الحسن و الحسين، و نساؤنا فاطمة، و أنفسنا علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. علي أن العلماء قد أجمعوا علي أن جبرائيل قال يوم أحد: يا محمد، ان هذه لهي المواساة من علي. قال: لأنه مني، و أنا منه. فقال جبرائيل: و أنا منكما يا رسول الله؛ ثم قال: لا سيف الا ذوالفقار، و لا فتي الا علي. فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه‌السلام اذ [ صفحه 183] يقول: (قالوا سمعنا فتي يذكرهم يقال له ابراهيم (60)) [245] انا نفتخر بقول جبرائيل أنه منا. فقال: أحسنت يا موسي، ارفع لنا حوائجك. فقلت: ان أول حاجة لي، أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جده و الي عياله. فقال: ننظر ان‌شاءالله. و روي أن المأمون قال لقومه: أتدرون من علمني التشيع؟!. فقال القوم: لا والله ما نعلم ذلك. قال: علمنيه الرشيد. قيل له: فكيف ذلك و الرشيد يقتل أهل البيت؟!. قال: كان الرشيد يقتلهم علي الملك، لأن الملك عقيم. ثم قال: انه دخل موسي بن جعفر عليه‌السلام علي الرشيد يوما، فقام اليه و استقبله، و أجلسه في الصدر، و قعد بين يديه، و جري بينهما أشياء. ثم قال موسي بن جعفر لأبي: يا أميرالمؤمنين، ان الله عزوجل قد فرض علي الولاة عهده: أن ينعشوا فقراء هذه الأمة، و يقضوا عن الغارمين، و يؤدوا عن المثقل، و يكسوا العاري، و يحسنوا الي العاني؛ و أنت أولي من يفعل ذلك. قال: أفعل: يا أباالحسن. ثم قام، فقام الرشيد لقيامه، و قبل بين عينيه و وجهه، ثم أقبل علي [ صفحه 184] و علي الأمين و المؤتمن فقال: يا عبدالله، و يا محمد، و يا ابراهيم، امشوا بين يدي ابن‌عمكم و سيدكم!. خذوا بركابه، و سووا ثيابه، و شيعوه الي منزله. فأقبل الي أبوالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، سرا بيني و بينه، فبشرني بالخلافة، و قال لي: اذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي؛ ثم انصرفنا. و كنت أجرأ ولد أبي‌عليه؛ فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين، و من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس، و جلست دونه؛ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟!. قال: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده. قلت: يا أميرالمؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟!. فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام حق. والله يا بني أنه لا حق بمقام رسول الله مني و من الخلق جميعا!. والله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، لأن الملك عقيم!. فلما أراد الرحيل من المدينة الي مكة، أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار، ثم أقبل علي الفضل فقال له: اذهب الي موسي بن جعفر و قل له: يقول لك أميرالمؤمنين: نحن في ضيقة، و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت. فقمت في وجهه فقلت: يا أميرالمؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني‌هاشم، و من لا تعرف حسبه و نسبه خمسة آلاف دينار الي ما دونها، و تعطي موسي بن جعفر، و قد عظمته و أجللته، مائتي دينار، و أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس؟!! فقال: اسكت لا أم لك!. فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له، ما كنت [ صفحه 185] آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه!. و فقر هذا و أهل بيته، أسلم لي ولكم من بسط أيديهم و اغنائهم» [246] . و روي سفيان بن نزار الخبر السابق هكذا: «كنت يوما علي رأس المأمون فقال: أتدرون من علمني التشيع؟. فقال القوم جميعا: لا والله ما نعلم. قال: علمنيه الرشيد. قيل له: و كيف ذلك و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟!. قال: كان يقتلهم عن الملك، لأن الملك عقيم. و لقد حججت معه سنة الي المدينة فتقدم الي حجابه، و قال: لا يدخلن علي رجل من أهل المدينة و مكة الا نسب نفسه. و هكذا كان. فكان يصل من المال خمسة آلاف دينار و ما دونها، علي قدر شرف و هجرة الرجل. فأنا ذات يوم واقف، اذ دخل الفضل بن ربيع، فقال: يا أميرالمؤمنين، علي الباب رجل زعم أنه موسي بن جعفر عليه‌السلام. فأقبل علينا، و نحن قيام علي رأسه، و الأمين، و المؤتمن، و سائر القواد، فقال: احتفظوا علي أنفسكم، ثم قال لآذنه: ائذن له، و لا ينزل الا علي بساطي. فدخل، فلما رأي الرشيد رمي بنفسه عن حمار كان راكبه، فقال الرشيد: لا والله الا علي بساطي. [ صفحه 186] فمنعه الحجاب من الترجل، و نظرنا اليه بأجمعنا بالاجلال و الاعظام، فما زال يسير علي حماره حتي سار الي البساط، و الحجاب و القواد محدقون به. فنزل، وقام الرشيد فاستقبله الي آخر البساط، و قبل وجهه و عينيه، و أخذ بيده حتي صيره في صدر المجلس، و أجلسه معه فيه؛ و جعل يحدثه و يقبل بوجهه عليه و يسأله عن أحواله. ثم قال له: يا أباالحسن، ما عليك من العيال؟ فقال: يزيدون علي الخمسمائة. قال: أولاد كلهم؟! قال: لا، أكثرهم موالي وحشم. و أما الولد فلي نيف و ثلاثون، الذكران منهم كذا، و النسوان منهم كذا. قال: فلم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن و أكفائهن؟. قال: اليد تقصر عن ذلك. قال: فما حال الضيعة؟. قال: تعطي في وقت، و تمنع في آخر. قال: فهل عليك دين؟. قال: نعم. قال: كم؟. قال: نحو من عشرة آلاف دينار. فقال الرشيد: يابن عم، أنا أعطيك من المال ما تزوج به الذكران و النسوان، و تقضي الدين، و تعمر الضياع. [ صفحه 187] فقال له: وصلتك رحم يابن عم، و شكر الله لك هذه النية الجميلة. ثم قال، فقام الرشيد لقيامه، و قبل عينيه و وجهه، ثم أقبل علي، و علي الأمين و المؤتمن فقال: يا عبدالله، و يا محمد، و يا ابراهيم: بين يدي عمكم و سيدكم. خذوا بركابه، و سووا عليه ثيابه، و شيعوه الي منزله. فأقبل علي أبوالحسن عليه‌السلام سرا بيني و بينه، فبشرني بالخلافة و قال لي: اذا ملكت هذا الأمر فأحسن الي ولدي. فلما خلا المجلس قلت: يا أميرالمؤمنين، من هذا الرجل الذي عظمته و أجللته، و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه: ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟!. قال: هذا امام الناس، و حجة الله علي خلقه، و خليفته علي عباده. قلت: يا أميرالمؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟! فقال: أنا امام الجماعة في الظاهر بالغلبة و القهر، و موسي بن جعفر امام حق؛ والله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم مني و من الخلق جميعا!. والله لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فان الملك عقيم. فلما أراد الرحيل الي مكة، أمر بصرة سوداء فيها مائتا دينار، و قال للفضل بن الربيع، اذهب بهذه الي موسي بن جعفر و قل له: نحن في ضيق، و سيأتيك برنا بعد هذا الوقت. فقمت في صدره فقلت: يا أميرالمؤمنين، تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر الناس خمسة آلاف دينار و ما دونها، و تعطي موسي بن جعفر مائتي دينار، أخس عطية أعطيتها لمن لا يعرف حسبه و نسبه؟!. قال: اسكت لا أبالك، فاني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه [ صفحه 188] أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه. و فقر هذا و أهل بيته، أسلم لي ولكم من بسط أيديهم و أعينهم» [247] . و في هذه الرواية، و الرواية التي سبقتها، خزي واضخ فاضح في تصرفات هذا الخليفة المغتصب الجبار الذي حارب الله و رسوله، و ما جاء به الرسول عن ربه؛ و هو علي سنة من سبقه من سلاطين المسلمين، في التضييق علي أهل هذا البيت الكريم صلوات الله و سلامه عليهم. و قد كانت سياسة جميع المتأمرين علي رقاب المسلمين بالباطل، تبدأ بسياسة افقار أهل هذا البيت و محاربتهم اقتصاديا، و قد سها عن بال أولئك المتأمرين أن الله تبارك و تعالي قال في كتابه المجيد:(و ان من شي‌ء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم(21)) [248] و تناسي أولئك الأمراء المناصبون لله و رسوله أن الخالق عزوجل قد سخر لأئمة أهل البيت كل شي‌ء، و لم يكن ينقصهم المال، بل كانت عطاياهم تفوق عطايا الملوك. و من العجيب أنهم كانوا يحاربونهم مع أنهم ما طلبوا ملكا و لا رغبوا في سلطان، و لا أعانوا طالب سلطة، بل كانت وظيفتهم محصورة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و بقول كلمة الحق في وجه الباطل الذي كان عليه الحكام و قضاتهم. و أما كذبك يا هارون فقد سمعه منك ابنك المأمون في حديثك معه. و أما زعمك بأنك لا تأمن الامام أن يضرب وجهك بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه اذا استغني، فاننا نقول لك: لم تمنعه من ذلك قلة ذات اليد، و لا خلق ليطالب بملك دنيوي. فما هذا منك سوي كذب و افتراء و تبرير [ صفحه 189] لشنيع فعلك الذي فضحك أمام ولدك الذي - بفضل سوء سلوكك الديني - لم يكن أصلح منك و الحمدلله، بل لطخ يده بدم أئمة أهل بيت رسول الله صلوات الله عليه و عليهم، كما لطخت يدك بقتلهم، و الملك العقيم الذي حرصت عليه قد راح من يدك، و قد حملت وزره علي ظهرك، و بؤت بالخسران في الدار الباقية، و قد علمت الآن أنك قد حدت عن خط الحق و اتبعت الباطل. أما امامنا العظيم عليه‌السلام، فانه كان مشغولا عنك و عن دنياك ببر الفقراء و المحتاجين، يحمل لهم الطعام و المال ليلا، و يوزعه عليهم و أنت تغط في نومك و قد أتخمك الشيطان غشا و غرورا... و الدنيا عند امامنا هذا صلوات الله و سلامه عليه، لا تساوي عفطة عنز كما قال جده أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام... و أنت مت بغيظك، و دفن معك عملك الخاسر. و بالمعني السابق روي الريان بن شبيب أن المأمون قال: «استأذن الناس علي الرشيد، فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر. فلما نظر اليه الرشيد تحرك و مد بصره و عنقه اليه حتي دخل البيت الذي كان فيه. فلما قرب منه جثا الرشيد علي ركبتيه و عانقه، ثم أخذ يسأل عن أحواله، و أبوالحسن يقول: خير، خير. فلما قام عانقه و ودعه. فقلت: يا أميرالمؤمنين، رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا ما عملته مع أحد قط!. فمن هذا الرجل؟!. [ صفحه 190] فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر بن محمد؛ ان أردت العلم الصحيح فعند هذا. قال المأمون: فعند ذلك انغرس في قلبي حبهم» [249] . أجل، هذا وارث علم النبيين، و عنده العلم الصحيح. فما بالك يا وارث علم الشياطين، تربع علي ضلعك، و تبيع آخرتك بأرخص ثمن، و باشباع البطن و الفرج!!! و هذه الرواية - كسابقتيها -، تدل علي خليفة يعرف و يحرف... و ليس من يعلم كمن لا يعلم... و ويل لمن لم يعمل بعلمه، فان حسابه عسير!. و عن محمد بن الزبرقان الدامغاني، الشيخ، قال: قال أبوالحسن، موسي بن جعفر، عليه‌السلام: لما أمرهم هارون الرشيد بحملي - أي باعتقاله - دخلت عليه فسلمت، فلم يرد السلام، و رأيته مغضبا. فرمي الي بطومار [250] فقال: اقرأه!. فان فيه كلاما فيه علم الله براءتي منه، فيه: ان موسي بن جعفر يجبي اليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة، ممن يقول بامامته، يدينون الله بذلك، و يزعمون أنه فرض عليهم الي أن يرث الله الأرض و من عليها، و يزعمون أن من لم يوهب - يهب - اليه العشر، و لم يصل بامامتهم، و لم يحج باذنهم، و يجاهد بأمرهم، و يحمل الغنيمة اليهم، [ صفحه 191] و يفضل الأئمة علي جميع الخلق، و يفرض طاعتهم مثل طاعة الله وطاعة رسوله، فهو كافر، حلال ماله و دمه!. و فيه كلام شناعة مثل المتعة بلا شهود، و استحلال الفروج بأمره ولو بدرهم، و البراءة من السلف و يلعنون عليهم في صلاتهم. و يزعمون أن من - لم - يتبرأ منهم فقد بانت امرأته منه، و من آخر الوقت فلا صلاة له القول الله تبارك و تعالي: (أضاعوا الصلوة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا(59)) [251] و يزعمون أنه واد في جهنم. و الكتاب طويل، و أنا قائم أقرأ، و هو ساكت. فرفع رأسه و قال: قد اكتفيت بما قرأت، تكلم بحجتك بما قرأته. قلت: يا أميرالمؤمنين، والذي بعث محمدا صلي الله عليه و اله و سلم بالنبوة، ما حمل الي قط أحد درهما و لا دينارا من طريق الخراج. لكنا معاشر أبي‌طالب، نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و اله و سلم في قوله: لو أهدي الي كراع لقبلته، ولو دعيت الي ذراع لأجبت و قد علم أميرالمؤمنين ضيق ما نحن فيه، و كثرة عدونا، و ما منعنا السلف من الخمس، فاضطررنا الي قبول الهدية. وكل ذلك مما علمه أميرالمؤمنين. فلما تم كلامي سكت. ثم قلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم؟. فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته. فقلت: حدثني أبي، عن جدي، يرفعه الي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، أن الرحم اذا مست رحما تحركت و اضطربت فان رأيت أن تناولني يدك. [ صفحه 192] فأشار بيده الي، ثم قال: أدن... فدنوت، فصافحني، و جذبني الي نفسه مليا، ثم فارقني و قد دمعت عيناه. فقال لي: اجلس يا موسي، فليس عليك بأس، صدقت، و صدق جدك، و صدق النبي صلي الله عليه و اله و سلم، لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي، و اعلم أنك لحمي و دمي، و أن الذي حدثتني به صحيح. و اني أريد أن أسألك عن مسألة، فان أجبتني أعلم أنك قد صدقتني، و خليت عنك، و وصلتك و لم أصدق ما قيل فيك. فقلت: ما كان علمه عندي، أجبتك فيه. فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم: يابن رسول الله، و أنتم ولد علي و فاطمة؟!. انما هي وعاء، والولد ينسب الي الأب، لا الأم!. فقلت: ان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة، فعل. فقال: لست أفعل، أو أجبت. فقلت: فأنا في أمانك ألا تصيبني من آفة السلطان شيئا؟. فقال: لك الأمان. قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (و وهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين (84) و زكريا و يحيي و عيسي) [252] فمن أبوعيسي؟. فقال: ليس له أب، انما خلق من كلام الله عزوجل، و روح القدس. [ صفحه 193] فقلت: انما لحق عيسي بذراري الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم، من قبل مريم؛ و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة عليهاالسلام، و من قبل علي عليه‌السلام. فقال: أحسنت يا موسي، زدني من مثله. فقلت: اجتمعت الأمة، برها و فاجرها، أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي المباهلة، لم يكن في الكساء الا النبي صلي الله عليه و سلم، و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين عليهم‌السلام، فقال الله تبارك و تعالي: (فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبنآءكم نسآءنا و نسآءكم و أنفسنا...) [253] فكان تأويل: (أبنآءنا): الحسن و الحسين، (نسآءنا): فاطمة، (و أنفسنا): علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. فقال: أحسنت. ثم قال: أخبرني عن قولكم: ليس للعم مع ولد الصلب ميراث؟. فقلت: أسألك يا أميرالمؤمنين بحق الله، و بحق رسوله صلي الله عليه و سلم، أن تعفيني من تأويل الآية و كشفها، و هي عند العلماء مستورة. فقال لي: انك ضمنت لي أن تجيب فيما أسألك، و لست أعفيك. فقلت: فجدد لي الأمان. فقال: قد أمنتك. فقلت: ان النبي صلي الله عليه و سلم، لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر. و ان عمي العباس قدر علي الهجرة فلم يهاجر، و انما كان في عدد الأساري عند النبي صلي الله عليه و سلم، و جحد أن يكون له الفداء... فأنزل الله تبارك و تعالي علي [ صفحه 194] النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخبره بدفين له من ذهب، فبعث عليا عليه‌السلام، فأخرجه من عند أم‌الفضل، و أخبر العباس بما أخبره جبرائيل عن الله تبارك و تعالي، فأذن لعلي و أعطاه علامة الموضع الذي دفن فيه؛ فقال العباس عند ذلك: يابن أخي، ما فاتني منك أكثر. و أشهد أنك رسول رب العالمين. فلما أحضر علي الذهب، فقال العباس: أفقرتني يابن أخي، فأنزل الله تبارك و تعالي: (يأيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسري ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم والله غفور رحيم (70)) [254] و قوله: (والذين ءامنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا) [255] ثم قال: (و ان استنصروكم في الدين فعليكم النصر) [256] . فرأيته قد اغتم. ثم قال: أخبرني من أين قلتم ان الانسان يدخله الفساد من قبل النساء لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله؟!. فقلت: أخبرك يا أميرالمؤمنين بشرط أن لا تكشف هذا الباب لأحد ما دمت حيا، و عن قريب يعرف الله بيننا و بين من ظلمنا. و هذه المسألة لم يسألها أحد من السلاطين غير أميرالمؤمنين. قال: ولا تيم، و لا عدي، و لا بنوأمية، و لا أحد من آبائنا؟!. قلت: ما سئلت، و لا سئل أبوعبدالله، جعفر بن محمد عنها. قال: الله!. قلت: الله. [ صفحه 195] قال: فان بلغني عنك، أو عن أحد من أهل بيتك كشف ما أخبرتني به، رجعت عما أمنتك به. فقلت: لك علي ذلك. فقال: أحب أن تكتب لي كلاما موجزا، له أصول و فروع، يفهم تفسيره، و يكون ذلك سماعك من أبي‌عبدالله عليه‌السلام. فقلت: نعم، و علي عيني، يا أميرالمؤمنين. قال: فاذا فرغت فارفع حوائجك. قال [الامام عليه‌السلام]: و وكل بي من يحفظني، و بعث الي في كل يوم مائدة سرية، فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم جميع أمور الدنيا أمران: أمر لا اختلاف فيه، و هو اجماع الأمة علي الضرورة التي يضطرون اليها، و أخبار المجمع عليها، المعروض عليها كل شبهة، و المستنبط منها علي كل حادثة. و أمر يحتمل الشك و الانكار، و سبيله استيضاح أهل الحجة عليه. فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها، و وجب عليه قبولها والاقرار والديانة بها. و ما لم تثبت لمنتحليه به حجة من كتاب مستجمع علي تأويله، أو سنة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا اختلاف فيها، أو قياس تعرف العقول عدله، و يسع خاص الأمة و عامها الشك فيه و الانكار له. كذلك هذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه، الي أرش الخدش فما [ صفحه 196] دونه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين، فما ثبت لك برهانه اصطفيته، و ما غمض عنك ضوؤه نفيته. و لا قوة الا بالله، و حسبنا الله، و نعم الوكيل. فأخبرت الموكل بي أني قد فرغت من حاجته. فأخبره. فخرج. و عرضت عليه، فقال: أحسنت، هو كلام موجز جامع، فارفع حوائجك يا موسي. فقلت: يا أميرالمؤمنين، أول حاجتي اليك أن تأذن لي في الانصراف الي أهلي، فاني تركتهم باكين آيسين من أن يروني. فقال: مأذون لك. ازدد. فقال: يبقي الله لنا أميرالمؤمنين معاشر بني‌عمه. فقال: ازدد. فقلت: علي عيال كثير، و أعيننا بعد الله ممدودة الي فضل أميرالؤمنين و عادته. فأمر لي بمائة ألف درهم، و كسوة، و حملي و ردني الي أهلي مكرما» [257] . و هكذا يري قارئي الكريم أن هذا الخليفة لم ينقص فهما و لا علما بمركز الامام الرباني، و لا بكونه الامام الحق، و الحجة علي الخلق؛ ولكن لا ينقضي العجب من أنه كان يحرجه في كل سؤال يلقيه عليه، و يتعنت في [ صفحه 197] أسئلته و يضايقه مضايقة مفتعلة ليأخذ عليه جوابا لا يعجبه فينتقم منه!. و لماذا هذا يا خليفة الزمان؟. نعم، لماذا لا يصفو قلبك لامام منصب من الله، فتقربه و تدنيه، و تجعله مستشارك الأمين، و المفتي لك بالحق و بشريعة سيد المرسلين، و حينئذ يصفو قلبه عليك، و يدعو لك بالتوفيق، و يكون مرجعك في أمور دنياك و دينك؟!. أجل، لماذا تبعد ابن‌عم لك صادق أمين، و تقرب الترك و الديلم، و تسلك مسلك الظلمة الجائرين الخارجين من ربقة الدين، المناصبين العداء لما ينزل من رب العالمين؟!. من العار الشنيع علي الدين أن تتسمي بأميرالمؤمنين، و أن تكون خليفة للمسلمين، ما زلت تفعل و تفعل مع امام الهدي و الحجة علي الوري. أما في تحف العقول، فورد ذكر المجلس هكذا: «دخل علي الرشيد و قد عمد علي القبض عليه لأشياء كذبت عليه عنده. فأعطاه طومارا طويلا فيه مذاهب و شنعة نسبها الي شيعته. فقرأه، ثم قال: يا أميرالمؤمنين، نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، و ربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده الا في وقت محاسبته (يوم لا ينفع مال و لا بنون (88) الا من أتي الله بقلب سليم (89)) [258] . ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم: الرحم اذا مست الرحم اضطربت، ثم سكنت. فان رأي أميرالمؤمنين أن تمس رحمي رحمه و يصافحني فعل. [ صفحه 198] فتحول عند ذلك عن سريره، و مد يده الي موسي عليه‌السلام فأخذ بيمينه، ثم ضمه الي صدره فاعتنقه و أقعده عن يمينه و قال: أشهد أنك صادق، و أبوك صادق، و جدك صادق، و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صادق!. و لقد دخلت و أنا أشد الناس عليك حنقا و غضبا لما رقي الي فيك. فلما تكلمت بما تكلمت و صافحتني سري عني، و تحول غضبي عليك رضي. و سكت ساعة، ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس و علي، بم صار علي أولي بميراث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من العباس، و العباس عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صنو أبيه؟!. فقال له موسي بن جعفر عليه‌السلام: اعفني. قال: والله لا أعفيك، فأجبني. قال: ان لم تعفني فأمني. قال: آمنتك. قال موسي عليه‌السلام: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يورث من قدر علي الهجرة و لم يهاجر. ان أباك العباس آمن و لم يهاجر. و ان عليا عليه‌السلام آمن و هاجر، و قال الله: (و الذين ءامنوا و لم يهاجروا و ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا). [259] . فالتمع لون الرشيد و تغير، و قال: مالكم لا تنسبون الي علي و هو أبوكم، و تنسبون الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو جدكم؟!. فقال موسي عليه‌السلام: ان الله نسب المسيح عيسي بن مريم عليه‌السلام الي خليله ابراهيم عليه‌السلام بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسسها بشر بقوله: (و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي [ صفحه 199] المحسنين (84) و زكريا و يحيي و عيسي و الياس كل من الصالحين (85)... ( [260] فنسبه بأمه وحدها الي خليله ابراهيم عليه‌السلام، كما نسب داود، و سليمان، و أيوب، و موسي، و هارون عليهم‌السلام بآبائهم و أمهاتهم، فضيلة لعيسي عليه‌السلام، و منزلة رفيعة بأمه وحدها؛ وذلك قوله في قصة مريم عليهاالسلام: (ان الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك علي نساء العالمين (42)) [261] بالمسيح من غير بشر. و كذلك اصطفي ربنا فاطمة عليهاالسلام، و طهرها و فضلها علي نساء العالمين بالحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة. فقال له هارون: - و قد اضطرب و ساءه ما سمع -: من أين قلتم: الانسان يدخله الفساد من قبل النساء، و من قبل الآباء، لحال الخمس الذي لم يدفع الي أهله؟!. فقال موسي عليه‌السلام: هذه مسألة ما سألها أحد من السلاطين غيرك - يا أميرالمؤمنين - و لا تيم، و لا عدي، و لا بنوأمية، و لا سئل عنها أحد من آبائي؛ فلا تكشفني عنها. قال: فان بلغني عنك كشف هذا، رجعت عما آمنتك. فقال موسي عليه‌السلام: لك ذلك. قال: فان الزندقة قد كثرت في الاسلام، و هؤلاء الزنادقة الذين يرفعون الينا، في الأخيار هم المنسوبون اليكم، فما الزنديق عندكم أهل البيت؟!. فقال عليه‌السلام: الزنديق هو الراد علي الله و رسوله. و هم الذين يحادون الله و رسوله، قال الله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الأخر يوآدون من [ صفحه 200] حاد الله و رسوله و لو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم... آخر آخر الآية) [262] و هم الملحدون، عدلوا عن التوحيد الي الالحاد. فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد و تزندق. فقال موسي عليه‌السلام: أول من ألحد و تزندق في السماء ابليس اللعين، فاستكبر و افتخر علي صفي الله و نجيه آدم عليه‌السلام، فقال اللعين: (أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين (12)) [263] فعتا عن أمر ربه و ألحد، فتوارث الالحاد ذريته الي أن تقوم الساعة. فقال: و لا بليس ذرية؟!. فقال عليه‌السلام: نعم، ألم تسمع الي قول الله: (و اذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (50) ما أشهدتهم خلق السموات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضدا (51) [264] لأنهم يضلون ذرية آدم يزخارفهم و كذبهم، و يشهدون أن لا اله الا الله كما وصفهم الله في قوله: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون (25)) [265] أي أنهم لا يقولون ذلك الا تلقينا، و تأديبا، و تسمية و من لم يعلم، و ان شهد، كان شاكا حاسدا معاندا، و لذلك قالت العرب: من جهل أمرا عاداه، و من قصر عنه عابه و ألحد فيه، لأنه جاهل، غير عالم» [266] . [ صفحه 201] و اذا لم نقف قليلا مع ما جري في هذا المجلس، لا نكون قد أنصفنا حقيقة البحث و التحليل، لأنه قد جرت فيه محاورة، بل محاجة هامة للغاية؛ و قد ظهر علي أثر ذلك بعض الحقائق التي تستحق الوقوف. فمن ذلك أن الخليفة علي المسلمين، لم يتأدب بأدب الاسلام، اذ لم يرد التحية علي الامام عندما دخل و سلم عليه، مع أن الله سبحانه و تعالي أمر برد التحية كأقل الواجب فقال عز من قائل:(و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها...) [267] و قد أمر بذلك أمرا و جوبيا... لم يسمع به خليفة المسلمين!!! فاضطر الامام عليه‌السلام لا يراد حديث الرحم اذا مست الرحم. و منها - أيضا - مفاجأته للامام بقوله: يا موسي بن جعفر، خليفتان يجبي اليهما الخراج؟!. و منها دموع التمساح التي انحدرت من عيني هارون... أو قارون. و مثلها هجمته علي الامام ليحتضنه و يثبت أن عرق القرابة قد تحرك و أصابته رقة الممثلين علي خشبة المسرح!. و كذلك أسئلة التعجيز التي اختارها. و هي ان دلت فانما تدل علي اللؤم الحاقد، لأنها كانت منتقاة لمضايقة الامام عليه‌السلام، فهي عملية احراج للامام، و اخراج للخليفة... جاءت فاشلة و الحمدلله، اذ نسي الخليفة أنه بين يدي امام انتدبته السماء، فلا يرتج عليه، و لا يتلعثم و لا يصعب عليه جواب. و من ذلك - أخيرا - أن امامنا العظيم سلام الله عليه، قد أذل كبرياء هذا القارون المتربب علي الناس، المتأله عليهم بقرابته من [ صفحه 202] رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فبين للناس أنه أبعد منه عن النبي صلي الله عليه و اله و سلم في النسب و في الحق.... ثم كشف عن جهل الخليفة بالقرآن و بالايمان، و عن بطلان دعواه و ادعاءاته. ثم يلاحظ أن الخليفة قد تنقل مع امامنا عليه‌السلام بين جملة مواضيع هامة للغاية، و أنه كان يذعن لقول الامام البليغ في كل مسألة، ثم يقفز الي مسألة ثانية مشابهة... و سلم بكل جواب، ثم ختم ذلك باعترافه الذي أفضي به لولده المأمون، الذي لم يكن مأمونا علي أهل هذا البيت الذي طهره الله تعالي في كتابه العزيز. ... أفأنت هارون الرشيد كما لقبت نفسك، أم أنت قارون العنيد كما هي حقيقتك و واقعك؟!. لقد غشك في دنياك أنك أثناء تربعك علي العرش كنت تقول للغمامة: أمطري أني شئت فان خراجك سيعود الي... ثم نسيت أن لك موقفا يوم الحساب تسأل فيه عما أسرفت في حياتك!. ذلك أنك لم تكن من المؤمنين بالموقف و بالحساب، و اذا ادعيت أنك مؤمن بذلك، فنحن نحكم بسفهك حين ترضي بلذة زائلة، و ترضي - أيضا - بالخلود في العذاب و تكون من (أولئك الذين اشتروا الحيوة الدنيا بالأخرة فلا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينصرون (86)) [268] . فلم تكن رشيدا بالحقيقة بمقدار ما كنت عنيدا، و لم يكن رأيك سديدا، بل كنت - كأسلافك - جبارا عنيدا. و الشي‌ء الأكيد أن هذا الخليفة الغافل عما يراد به، كان ذكيا، ولكنه استثمر ذكاءه لتأثيل ملك دنيوي، و غابت عن ذهنه آخرته باعها بدار الغرور، [ صفحه 203] و لم يحمل اليها الا الأوزار و الآثام... مع أنه لم يكن غبيا قطعا، و لا فاته العلم بأن الامام سفير من ربه الي خلقه، و لا خفيت عليه امامته و جدارته، ولكن حب التسلط علي الرقاب ألقي هذا الحبل في عنقه، ليكون في الآخرة سلسلة ذرعها سبعون ذراعا... فلا شك أن جرم هذا الخليفة مزدوج لأن مجالسه مع الامام قد سجلها عليه التاريخ، و ظهرت فيها معرفته بالحق معرفة تامة، و اتضح حربه للحق اتضاحا أتم، اذا استغرقت الدنيا جميع تفكيره و أنسته أن الامام الذي تقلب في سجونه أربعة أعوأم، سيكون جزاؤه هو - بمقابل ذلك - أن يتقلب في عذاب الله الشديد أحقابا... ولنتصور الفرق بين هذا الخليفة الظالم للامام الكاظم عليه‌السلام، و بين عفو الامام عنه في مواطن القدرة عليه - مع قدرة الامام عليه في كل لحظة باذن الله - أقول: لتتصور الفرق العظيم نعرض أمام ناظريك الرواية التالية: فقد قيل:«و لما أمر هارون موسي بن جعفر عليه‌السلام أن يحمل اليه - من البصرة الي بغداد بعد أن رفض الوالي أن يقتله - أدخل عليه و علي بن يقطين علي رأسه، متوكي‌ء علي سيفه، فجعل يلاحظ موسي عليه‌السلام ليأمره فيضرب به هارون - لأن ابن‌يقطين متشيع متشدد-. ففطن هارون، فقال: قد رأيت ذلك. فقال - ابن‌يقطين -: يا أميرالمؤمنين، سللت من سيفي شبرا رجاء أن تأمرني فيه بأمرك. فنجا - ابن‌يقطين - منه بهذه المقالة» [269] . [ صفحه 204] فلو أن الامام عليه‌السلام أشار لعلي بن يقطين ليغتال الرشيد، لكان خلط لحمه بدمه. ولكن ما أبعد الامام عن الغدر، و هو أمين الله في أرضه؟!. و علي بن يقطين هو من هو في تشيعه و حبه للامام، و في اخلاصه و ولائه لجميع أئمة هذا البيت المطهر عليهم‌السلام. و قد دفعه ذلك الولاء الي أن يطمع في جز عنق هارون الرشيد الذي يرعب امامه مرة بعد مرة، و لم يأسف لوظيفته و لا للوزارة و المنصب بعد أن يطهر سيفه بدم هذا الغاصب الناصب!. و قد خلصه الله سبحانه و تعالي حين أطلق لسانه بأن قال للخليفة لما عرف أنه أراد قتله: سللت من سيفي شبرا رجاء أن تأمرني فيه بأمرك. يعني أنه قال عكس ما أضمر فأبقي علي نفسه و نجا من فتك الخليفة. ولكننا نؤاخذ علي بن يقطين لأنه نسي أن الأئمة عليهم‌السلام لا يغدرون بخصومهم، و لا يهتمون بشؤون الدنيا التي تشغل غيرهم بسلطانها الذاهب كما تذهب الشمس مهما طال نهار الصيف. «و في كتاب الأنوار قال العامري: ان هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر جارية حصيفة لها جمال و رضاءة - أي نظيفة، مشرقة الوجه، بالغة الحسن - لتخدمه في السجن. فقال - الامام عليه‌السلام -: قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون (36)) [270] لا حاجة لي في هذه، و لا في أمثالها. قال: فاستشاط هارون غضبا، و قال: ارجع اليه، و قل له: ليس برضاك حبسناك، و لا برضاك خدمناك. و اترك الجارية عنده و انصرف. [ صفحه 205] قال: فمضي و رجع. ثم قام هارون من مجلسه، و أنفذ الخادم اليه ليتفحص له عن حالها. فرآها ساجدة لربها، لا ترفع رأسها، تقول: قدوس سبحانك سبحانك. فقال هارون الرشيد: سحرها والله موسي بن جعفر بسحره!. علي بها. فأتي بها و هي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها!. فقال: ما شأنك؟!. قالت: شأني الشأن البديع!. كنت عنده واقفة، و هو قائم يصلي ليله و نهاره. فلما انصرف من صلاته بوجهه و هو يسبح الله و بقدسه، قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟. قال: و ما حاجتي اليك؟!. قلت: اني أدخلت اليك لحوائجك. قال: فما بال هؤلاء؟!. قالت: فالتفت فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، و لا أولها من آخرها. فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، عليها و صفاء و وصائف و خدام، لم أر مثل وجوههم حسنا، و لا مثل لباسهم لباسا، عليهم الحرير، الأخضر، و الأكاليل، والدر، و الياقوت، و في أيديهم الأباريق و المناديل، و من كل الطعام!. فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت. قال هارون الرشيد: يا خبيثه لعلك سجدت فنمت، فرأيت هذا في منامك. قالت: لا والله يا سيدي، الا قبل سجودي. رأيت، فسجدت من أجل ذلك. [ صفحه 206] فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة اليك، فلا يسمع هذا منها أحد. فأقبلت في الصلاة. فاذا قيل لها في ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح. فسئلت عن قولها؟. قالت: اني لما عاينت من الأمر، نادتني الجواري: يا فلانة، ابعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه، فنحن له دونك!. فما زالت كذلك حتي ماتت؛ و ذلك قبل موسي بأيام يسيرة» [271] . و لا يبعد أن يكون الخليفة قد أمر بأن يدس لها السم في الطعام. فالخليفة الذي يدعي أنه مسلم، يقول لمعاجز السماء: هذا سحر مفتري!. هو يعترف بأن الامام امام حق مرارا و تكرارا، و أمام الغريب من أصحابه، و القريب من أولاده، ثم يتهمه بالسحر!. فلماذا هذا؟!. انه من (الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا...) [272] من جهة، ثم ثبت علي الكفر. و هو يفعل ذلك ليقول الناس بقوله، و يشتهر عند النصاب أن الامام ساحر... فيتهم بالسحر كما اتهم جده رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بالسحر من قبل الكفرة و المشركين، مع علمهم بنبوته، ولكن لتشتهر هذه الصفة و تمشي علي ألسنة الناس. فما باله - و هو يعتبر الدين خرافة، و المعجزة سحرا - ما باله يجلس علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و يحكم باسم دينه؟!. [ صفحه 207] لقد اتبع قول من سبقه في النبي: (اذ يقول الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا(47)) [273] فما باله هو و الكافرون؟!. (أتواصوا به...) [274] بهذا القول الذي قابل الظالمون به كل نبوة... ان هذه الوصيفة قد أبانت شيئا من أسرار أنباء هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا؛ و أبانته بعد أن رأته رأي العين، و آمنت به، و أيقنت بعظمة الامام عليه‌السلام، و برفيع منزلته عند خالقه... فكفر الخليفة بقولها... و سمي ما رأته سحرا. فسحقا لخلافة اسلامية تري معاجز السماء سحرا بسحر!. و تعسا له حين يأمر خادمه بأن لا يسمع قولها أحد... (يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون (32)) [275] . قال الفضل بن الربيع، و رجل آخر - لم يذكر اسمه -: «حج هارون الرشيد، و ابتدا بالطواف و منعت العامة من ذلك لينفرد وحده. فبينما هو كذلك اذ ابتدر أعرابي البيت، و جعل يطوف معه. و قال الحجاب: تنح يا هذا من وجه الخليفة. فانتهرهم الأعرابي و قال: ان الله ساوي بين الناس في هذا الموضع فقال: (سوآء العاكف فيه و الباد...) [276] . [ صفحه 208] فأمر الحاجب بالكف عنه. فلما طاف الرشيد، طاف الأعرابي أمامه؛ فنهض الي الحجر الأسود ليقبله، فسبقه الأعرابي و التثمه. ثم صار الرشيد الي المقام ليصلي فيه، فصلي الأعرابي أمامه. فلما خرج الرشيد من صلاته استدعي الأعرابي؛ فقال الحجاب: أجب أميرالمؤمنين. فقال: ما لي اليه حاجة فأقوم اليه. بل ان كانت الحاجة له، فهو بالقيام الي أولي. قال - أي الرشيد -: صدق. فمشي اليه، و سلم عليه، فرد عليه‌السلام. فقال هارون الرشيد: أجلس يا أعرابي؟. فقال: ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس. انما هو بيت الله نصبه لعباده، فان أحببت أن تجلس فاجلس، و ان أحببت أن تنصرف انصرف. فجلس هارون و قال: ويحك يا أعرابي، مثلك من يزاحم الملوك؟!. قال: نعم، و في مستمع. قال: فاني سائلك، فان عجزت آذيتك. قال: سؤالك هذا، سؤال متعلم، أو سؤال متعنت؟!. قال: بل متعلم. قال: اجلس مكان السائل من المسؤول، وسل. و أنت مسؤول. فقال - أي الرشيد -: أخبرني ما فرضك؟. [ صفحه 209] قال: ان الفرض، رحمك الله، واحد، و خمسة، و سبعة عشر، و أربع و ثلاثون، و أربع و تسعون، و مائة و ثلاثة و خمسون علي سبعة عشر، و في اثني عشر واحد، و في أربعين واحد. قال: فضحك الرشيد و قال: ويحك، أسألك عن فرضك و أنت تعد علي الحساب؟!. قال: أما علمت أن الدين كله حساب؟!. و لو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا. ثم قرأ: (و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين (47)) [277] . قال: فبين لي ما قلت، و الا أمرت بقتلك بين الصفا و المروة. فقال الحاجب: تهبه لله، و لهذا المقام. قال: فضحك الأعرابي من قوله. فقال الرشيد: مم ضحكت يا أعرابي؟. فقال: تعجبا منكما، اذ لا أدري من الأجهل منكما: الذي يستوهب أجلا قد حضر، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟!. فقال الرشيد: فسر ما قلت. قال: أما قولي: الفرض واحد، فدين الاسلام كله واحد. و عليه خمس صلوات في سبع عشرة ركعة. و أربع و ثلاثون سجدة، و أربع و تسعون تكبيرة، و مائة و ثلاث و خمسون تسبيحة. و أما قولي: من اثني عشر واحد، فصيام شهر رمضان، من اثني عشر شهرا. [ صفحه 210] و أما قولي: من الأربعين واحد، من ملك أربعين دينارا، أوجب الله عليه دينارا. و أما قولي: من مائتين خمسة، فمن ملك مائتي درهم؛ أوجب الله عليه خمسة دراهم. و أما قولي: فمن الدهر كله واحد، فحجة الاسلام. و أما قولي: من واحد واحد، فمن أهرق دما في غير حق، وجب اهراق دمه. قال الله تعالي: (النفس بالنفس...) [278] . فقال الرشيد: لله درك!. و أعطاه بدرة. فقال: بم أستوجب منك هذه البدرة يا هارون؟. بالكلام أو بالمسألة؟. قال: بلا بالكلام. قال: فاني سائلك عن مسألة، فان أنت أتيت بها، كانت البدرة لك، تصدق بها في هذا الموضع الشريف. فان لم تجبني عنها، أضفت الي البدرة بدرة أحري، لأتصدق بها علي فقراء الحي من قومي. فأمر بايراد أخري، و قال: سل عما بدالك. فقال: أخبرني عن الخنفساء، تزق، أم ترضع ولدها؟!. فخرد هارون - أي طال سكوته - و قال: ويحك يا أعرابي، مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟. فقال: سمعت ممن سمع من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، يقول: من ولي أقواما وهب من العقل كعقولهم. و أنت امام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شي‌ء [ صفحه 211] من أمر دينك و من الفرائض، الا و أجبت عنها. فهل عندك له جواب؟!. قال هارون: رحمك الله، لا. فبين لي ما قلته و خذ البدرتين. فقال: ان الله تعالي لما خلق الأرض، خلق دبابات الأرض من غير فرث و لا دم؛ خلقها من التراب، و جعل رزقها و عيشها منه. فاذا فارق الجنين أمه، لم تزقه، و لم ترضعه، و كان عيشها من التراب. فقال هارون: والله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة. و أخذ الأعرابي البدرتين و خرج. فتبعه بعض الناس و سأله عن اسمه، فاذا هو موسي بن جعفر بن محمد، عليهم‌السلام. و أخبر هارون بذلك، فقال: والله قد ركنت أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة!» [279] . فيابن الحلال الذي يعرف الورقة و شجرتها!. ما بالك تريد أن تعري هذه الشجرة من ورقها؟!. ولكن ثق أنها شجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء. و هي تؤتي أكلها كل حين باذن ربها. و حصرمة الملك أعمت عينك، و أعمت بصيرتك. ... و هذا الأعرابي العظيم يزاحم الملوك و يلوي أعناقها!. و مذ زاحمته في اغتصاب حقه، بؤت بسخط الله و رسوله، و ستتبوأ المقعد الذي يليق بك في الآخرة. [ صفحه 212] قال علي بن حمزة: «كان يتقدم الرشيد الي خدمه اذا خرج موسي بن جعفر من عنده أن يقتلوه!. فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة و الزمع. - أي الدهشة و الرهبة -. فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب، و جعل له وجها مثل موسي بن جعفر، و كانوا اذا سكروا أمرهم أن يذبحوه بالسكاكين، فكانوا يفعلون ذلك أبدا. فلما كان في بعض الأيام، جمعهم في الموضع و هم سكاري، و أخرج سيدي اليهم؛ فلما بصروا به هموا به علي رسم الصورة. فلما علم منهم ما يريدون، كلمهم بالخزرية و التركية، فرموا من أيديهم السكاكين، و وثبوا الي قدميه فقبلوهما، و تضرعوا اليه، و تبعوه الي أن شيعوه الي المنزل الذي كان ينزل فيه. فسألهم الترجمان عن حالهم، فقالوا: ان هذا الرجل يصير الينا في كل عام، فيقضي أحكامنا، و يرضي بعضنا من بعض، و نستسقي به اذا قحط بلدنا، و اذا نزلت بها نازلة فزعنا اليه. فعاهدهم أن لا يأمرهم بذلك، فرجعوا» [280] . فلماذا هذا الكيد لبني المصطفي صلي الله عليه و اله و سلم؟. لم يفعل مثله مشركو قريش، و لا كفار الأرض يا صانع التمثال!. [ صفحه 213] هل صدقت نفسك الأمارة بالسوء حين سولت لك هذا هذا التمثال الخشبي لتحارب به ابن‌النبي؟!. بل لتحارب به مشيئة الرب العلي. لا بد أنك صدقتها، كما صدقت المتزلفين و الكذابين حين سموك أميرالمؤمنين، و أنت في قصر تفوح منه روائح البغي و الجور، و الفسق و الفجور، و جميع الموبقات التي حاربها الرسول و رب الرسول. ان الوقت الذي صرفته بالتفكير و بصنع التمثال، كان يغنيك عنه اقامة حد من حدود الشرع ترضي به الله عز اسمه و ترضي به الامام الذي تحاربه. و ستحمل وزر ذلك و تبعته الثقيلة الي يوم القيامة، و ستتحمل ذلك الي جانب التبعات الأخري الكبري، لأن ذنوبك كلها كبائر: بدءا من جلوسك علي منبر رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم بغير حق، و انتهاء بالجرائم النكراء التي كانت ترتكب داخل قصرك و خارجه في أنحاء البلاد، و بأمرك وحدك... هذا، و قد كان هذا الخليفة الجبار يعتقل الامام و يشرده عن أهله و دياره ظلما و عدوانا كما رأينا، في حين كان الامام عليه‌السلام يقضي حوائج المحتاجين من العباسيين، و يمشي في مصالح المضطرين منهم؛ فقد روي أن محمد بن سليمان قال: «لما حمل سيدي موسي بن جعفر عليه‌السلام الي هارون الرشيد، جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسي و قال له: يا سيدي، تركب الي الفضل بن يونس تسأله أن يروج أمري. - ذلك أنه يحمل صكا عليه بدين له عنده -. فركب اليه أبوالحسن عليه‌السلام، فدخل حاجبه فقال: يا سيدي، أبوالحسن، موسي عليه‌السلام، بالباب. فقال: ان كنت صادقا، فأنت حر، ولك كذا و كذا. [ صفحه 214] فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو، حتي خرج اليه فوقع علي قدميه يقبلهما؛ ثم سأله أن يدخل. فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن ابراهيم. فقضاها؛ و طلب الي الامام عليه‌السلام أن يكرمه بالغداء عنده، فتغدي عنده» [281] . فهو عليه‌السلام يحسن لبني عمه العباس، و يصل بذلك رحمهم، و هم يسيئون اليه، و يقطعون به رحم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و لذلك قطع الله نسلهم عن وجه الأرض، و كثر نسله فملأ الدنيا فلا تجد فيها الا سيدا موسويا، و الحمدلله. ... أما خليفة الزمان، فقد كان يتلهي مع الامام بأسئلة تافهة أحيانا ليغطي علي جوهر حبسه و تشريده. فاستمع الي ما رواه هاني بن محمد بن محمود العبدي، عن أبيه باسناده، حيث قال: «ان موسي بن جعفر عليه‌السلام، دخل علي الرشيد، فقال له الرشيد: يابن رسول الله، أخبرني عن الطبائع الأربع. فقال موسي عليه‌السلام: أما الريح فانه ملك يداري. و أما الدم فانه عبد غارم، و ربما قتل العبد مولاه. و أما البلغم فانه خصم جدل، ان سدد من جانب انفتح من جانب آخر. و أما المرة، فانها أرض اذا اهتزت رجفت بما فوقها. فقال هارون: يابن رسول الله، تنفق علي الناس من كنوز الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و اله و سلم» [282] . [ صفحه 215] و قارئي الكريم، و أنا، نري أن الامام عليه‌السلام يرمز في تعريفه للطبائع الأربع الي شي‌ء خفي علينا. ولكن ذلك الشي‌ء الذي عناه لم يخف علي الرشيد قطعا... فلربما كان قد أجري له ذلك التحليل الرمزي ليبين له أنه ربما قتل العبد مولاه!. أو أنه عني غير ذلك. فالمهم أن الرشيد فهم ما أراد الامام. ولكن الا هم هو أن نفهم نحن لماذا كان الرشيد يحور و يدور علي أسئلة كهذه، و لا يسأل الامام عن أشياء جوهرية لها مساس بحكمه الظالم؟!. و بأسباب حبس الامام و وضعه في قفص الاتهام دون ذنب أو جرم؟!. «و روي الشريف المرتضي في «الغرر» عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام، باسناده عن أيوب بن الحسين الهاشمي، أنه حضر باب الرشيد رجل يقال له: نفيع الأنصاري، و حضر موسي بن جعفر علي حمار له، فتلقاه الحاجب بالاكرام، و عجل له بالاذن. فسأل نفيع عبدالعزيز بن عمر: من هذا الشيخ؟. قال: شيخ آل أبي‌طالب، شيخ آل محمد؛ هذا موسي بن جعفر. قال: ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم - أي العباسيين - يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير. أما ان خرج لأسوأه. فقال عبدالعزيز: لا تفعل: فان هولاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد في الخطاب، الا و سموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدي الدهر. قال: و خرج موسي، و أخذ نفيع بلجام حماره و قال: من أنت يا هذا؟!. قال: يا هذا، ان كنت تريد النسب أنا ابن‌محمد حبيب الله، ابن [ صفحه 216] اسماعيل ذبيح الله، ابن‌ابراهيم خليل الله. و ان كنت تريد البلد، فهو الذي فرض الله علي المسلمين، ان كنت منهم، الحج اليه. و ان كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءهم حتي قالوا: يا محمد، أخرج الينا أكفاءنا من قريش!. و ان كنت تريد الصيت والاسم، فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة، تقول: اللهم صل علي محمد و آل محمد، فنحن آل محمد. خل عن الحمار. فخلي عنه ويده ترقعد، و انصرف مخزيا. فقال له عبدالعزيز: ألم أقل لك؟!» [283] . و نعيما يا نفيع، و ما نفعك غرورك!. بل نعيما يا ضرير، يا أعمي البصر و البصيرة... ورثاء لسوء حالك بعد أن أردت الاساءة الي الامام عليه‌السلام، فأيبس يدك علي لجام حماره. يا حمار!. و سحقا لأمثالك من أهل العناد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب... و من تعرض لما لا يعنيه، أصيب بما لا يرضيه... يا نفيع... يا وضيع!. قال محمد بن علي بن ماجيلويه: [ صفحه 217] «لما حبس هارون الكاظم عليه‌السلام، جن عليه الليل، فجدد موسي طهوره فاستقبل بوجهه القبلة، و صلي أربع ركعات، ثم دعا فقال: يا سيدي نجني من حبس هارون، و خلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل و طين، و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر، و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم، و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم، و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء، خلصني من يد هارون الرشيد. قال: فرأي هارون رجلا أسود بيده سيف قد سله، واقفا علي رأس هارون و هو يقول: يا هارون، أطلق عن موسي بن جعفر، و الا ضربت علاوتك - أي عنقك - بسيفي هذا!. فخاف من هيبته ثم دعا بحاجبه. فجاء الحاجب فقال له: اذهب الي السجن، و أطلق موسي بن جعفر». [284] . «و في رواية عن الفضل بن الربيع، أنه قال: سر الي حبسنا، و أخرج موسي بن جعفر، وادفع اليه ثلاثين ألف درهم، واخلع عليه خمس خلع، واحمله علي ثلاث مراكب. و خيره: اما المقام معنا، أو الرحيل الي أي البلاد أحب. فلما عرض الخلع عليه أبي أن يقبلها». [285] . و في رواية عن علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، قال في نهايتها: «فخرج الحاجب، فقرع باب السجن، فأجابه صاحب السجن، فقال: من ذا؟!. [ صفحه 218] قال: ان الخليفة يدعو موسي بن جعفر، فأخرجه من سجنك، و أطلق عنه. فصاح السجان: يا موسي، ان الخليفة يدعوك. فقام موسي مذعورا فزعا و هو يقول: لا يدعوني في جوف هذا الليل الا لشر يريده بي. فجاء الي هارون، فقال: سلام علي هارون. فرد عليه‌السلام، ثم قال له: ناشدتك الله، هل دعوت في جوف هذا الليل بدعوات؟. فقال: نعم. قال: و ما هن؟!. فذكر له ما فعل و ما دعا. فقال هارون: قد استجاب الله دعوتك. ثم دعا بخلع، فخلع عليه ثلاثا، و حمله علي فرسه و أكرمه. و بقي عند هارون كريما، شريفا، يدخل عليه في كل خميس، الي أن حبسه الثانية، و توفي في حبسه» [286] . و ما كان الامام عليه‌السلام، ليفعل ذلك من الدعاء بالخلاص، الا ليعرف خليفة الزمان المزيف، أنه اذا دعا الله استجاب له، و أنه لم يدع علي الخليفة مطلقا، ليستكمل مدته من الظلم و الجور الذي هو عليه؛ و كذلك ليعرفنا - نحن أيضا - أنه يستطيع أن ينجو في كل لحظة من خطر هؤلاء الظلمة، و أن يزيلهم عن مراتبهم. ولكنه عليه‌السلام مأمور بالصبر كآبائه صلوات الله عليهم، و سكوته ينجيه ردحا من الزمن يقول فيه كلمة الحق بين الناس، في مجالس [ صفحه 219] الأمراء، و في قصورهم كما في سجونهم، ليلقي الحجة عليهم و علي أتباعهم. و هو يعمل بموجب الميثاق الذي بيده من جده سيد المرسلين و خاتم النبيين صلوات الله عليه و علي أهل بيته... فالامام مرصود لأمر خاص من الله تبارك و تعالي، و هو لا يحيد عن الخط المرسوم له قيد شعرة، فاذا انتهي ما هو مأمور به في عهد جده صلي الله عليه و اله و سلم ينتهي أمره و يلحق بآبائه الطاهرين عليهم‌السلام. و قال المسعودي في (مروج الذهب) تحت هذا العنوان: «رؤيا الرشيد يؤمر بالتخلية عن موسي بن جعفر - حين كان في حبسه -: و ذكر عبدالله بن مالك الخزاعي - و كان علي دار الرشيد و شرطته - قال: أتاني رسول الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط، فانتزعني من موضعي، و منعني من تغيير ثيابي، فراعني ذلك منه. فلما صرت الي الدار سبقني الخادم فعرف الرشيد خبري، فأذن لي في الدخول عليه. فدخلت، فوجدته قاعدا علي فراشه، فسلمت. فسكت ساعة، فطار عقلي و تضاعف الجزع علي، ثم قال لي: يا عبدالله، أتدري لم طلبتك في هذا الوقت؟. قلت: لا والله يا أميرالمؤمنين. قال: اني رأيت الساعة في منامي كأن جيشا قد أتاني و معه حربة، فقال لي: ان لم تخل عن موسي بن جعفر الساعة، و الا نحرتك بهذه الحربة. [ صفحه 220] فاذهب، فخل عنه. فقلت: يا أميرالمؤمنين، أطلق موسي بن جعفر؟!. ثلاثا. قال: نعم، امض الساعة حتي تطلق موسي بن جعفر؛ و أعطه ثلاثين ألف درهم، و قل له: ان أحببت المقام قبلنا، فلك عندي ما تحب، و ان أحببت المضي - الانصراف - الي المدينة، فالاذن في ذلك اليك. قال - عبدالله بن مالك الخزاعي -: فمضيت الي الحبس لأخرجه، فلما رآني موسي و ثب الي قائما، و ظن أني قد أمرت فيه بمكروه. فقلت: لا تخف، و قد أمرني أميرالمؤمنين باطلاقك، و أن أدفع لك ثلاثين ألف درهم. و هو يقول لك: ان أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب، و ان أحببت الانصراف الي المدينة فالأمر في ذلك مطلق اليك. و أعطيته الثلاثين ألف درهم، و خليت سبيه، و قلت: لقد رأيت في أمرك عجبا. قال: فاني أخبرك. بينما أنا نائم اذ أتاني النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: يا موسي، حبست مظلوما، فقل هذه الكلمات: فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس.فقلت: بأبي و أمي، ما أقول؟. فقال: قل: يا سامع كل صوت، و يا سابق الفوت، و يا كاسي العظام و منشرها بعد الموت، أسألك بأسمائك الحسني، و باسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون، الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليما ذا أناة لا يقوي علي أناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصي عددا، فرج عني. [ صفحه 221] فكان ما تري» [287] . و كل هذه الروايات تؤدي الي نتيجة واحدة، هي أن الامام عليه‌السلام اذا أراد أن يفعل شيئا فعله بمشيئة ربه و اذنه، و أنه يفعل هذه المعاجز البسيطة لينبه الغافلين، و ليهز السوط للظالمين، و ليوضح للناس أجمعين أنه قادر - بقدرة ربه - علي فعل ما يريد، و لم يفكر يوما بملك الدنيا و سلطانها الزائل. و نقل أبوجعفر بن جرير الطبري عن الأعمش أنه قال: «رأيت كاظم الغيظ عليه‌السلام عند الرشيد و قد خضع له. فقال له عيسي بن أبان: يا أميرالمؤمنين، لم تخضع له؟!. قال: رأيت من ورائه أفعي تضرب بأنيابها و تقول: أجبه بالطاعة و الا بلعتك!. ففزعت منها، فأجبت» [288] . نعم كان يري الرشيد و أسرته أكثر من ذلك من معاجز أهل هذا البيت المقدس صلوات الله عليهم، ولكنهم فراعنة كفرعون موسي الذي اتهمه بالسحر، و هو يعلم أنه ليس بسحر. ولجهلهم بالدين تمسكوا بسلطان ظالم قتل بعضهم أباه من أجله، و قتل غيره أخاه أو ابن عمه، و ما رعوا فيه لمؤمن كرامة و لا فضلا. [ صفحه 222] و اذا كنت تعجب مما ذكرناه، فاستمع الي ما هو أعجب. فعن أبي‌محمد، عبدالله - بن الفضل بن الربيع - عن الفضل، أنه قال: «كنت أحجب الرشيد، فأقبل علي يوما غضبانا، و بيده سيف يقلبه. فقال لي: يا فضل، بقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، لئن كان لم تأتني يابن عمي الآن لأخذت الذي فيه عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟!. فقال: بهذا الحجازي. قلت: و أي حجازي؟!. قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. قال الفضل: فخفت من الله عزوجل أن أجي‌ء به اليه. ثم فكرت بالنقمة فقلت له: أفعل. فقال: ائتني بسوطين و سمارين، و جلادين.. فأتيته بذلك، و مضيت الي منزل أبي‌ابراهيم، موسي بن جعفر. فأتيت الي خربة فيها كوخ من جرائد النخل، فاذا أنا بغلام أسود فقلت له: استأذن لي علي مولاك، يرحمك الله. فقال لي: لج، ليس له حاجب و لا بواب. فولجت اليه، فاذا بغلام أسود بيده مقص يأخذ من جبينه و عرنين أنفه من كثرة سجوده. فقلت له: السلام عليك يابن رسول الله. أجب الرشيد. فقال: ما للرشيد و ما لي؟! أما تشغله نعمته عني؟!. ثم وثب مسرعا و هو يقول: لولا أني سمعت في خبر في جدي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم أن طاعة السلطان للتقية واجبة، اذا ما جئت. [ صفحه 223] فقلت له: استعد للعقوبة يا أباابراهيم، رحمك الله. فقال عليه‌السلام: أليس معي من يملك الدنيا و الآخرة؟!. و لن يقدر اليوم علي سوء بي ان‌شاءالله تعالي. قال الفضل بن ربيع: فرأيته و قد أدار يده يلوح بها رأسه ثلاث مرات. فدخلت علي الرشيد، فاذا كأنه امرأة ثكلي، قائم حيران!. فلما رآني قال لي: يا فضل. قلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمي؟. قلت: نعم. قال: لا يكون أزعجته؟!. فقلت: لا. قال: لا يكون أعلمته أني عليه غضبان، و أني قد هيجت علي نفسي ما لم أرده... ائذن له بالدخول. فاذنت له. فلما رآه وثب اليه قائما، و عانقه و قال له: مرحبا بابن عمي و أخي و وارث نعمتي!. ثم أجلسه علي فخذيه و قال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟. فقال: سعة مملكتك، و حبك للدنيا. فقال: ائتوني بحقة الغالية - أي بالطيب - فأتي بها. فعلقه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتا دنانير. - أي صرتان -. فقال موسي بن جعفر عليه‌السلام: لولا أني أري أن أزوج بها من عزاب بني أبي‌طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها. [ صفحه 224] ثم تولي عليه‌السلام، و هو يقول: الحمدلله رب العالمين. فقال الفضل - للرشيد -: أردت أن تعاقبه، فخلعت عليه و أكرمته؟!. فقال لي: يا فضل، انك لما مضيت لتجيئني به، رأيت أقواما قد أحدقوا بداري، بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار، يقولون: ان آذي ابن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم خسفنا به، و ان أحسن اليه انصرفنا عنه و تركناه. فتبعته فقلت له: ما الذي قلته حتي كفيت أمر الرشيد؟!. قال: دعاء جدي علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. كان اذا دعا به ما برز الي عسكر الا هزمه، و لا الي فارس الا قهره، و هو دعاء كفاية البلاء. فقلت: و ما هو؟. قال: قل: اللهم بك أساور، و بك أطاول، و بك أحاور، و بك أصول، و بك أنتصر، و بك أموت، و بك أحيا، أسلمت نفسي اليك، و فوضت أمري اليك، لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم. اللهم انك خلقتني و رزقتني، و سترتني عن العباد بلطف ما خولتني و أغنيتني، و اذا هويت رددتني، و اذا عثرت قومتني و اذا مرضت شفيتني، و اذا دعوت أجبتني، يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [289] . و هذه من آياته التي آمن بها الخليفة حال حدوثها، ولكنه كفر بها كما كفر بغيرها من قبل كما هي عادة أهل العناد الذين اذا رأوا آية (وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم...) [290] . و من آياته التي فجأ بها الناس يومئذ، و هو في آخر سجن حل فيه، ما قاله أبوالأزهر، ناصح بن علية البرجمي في حديث طويل: [ صفحه 225] «جمعني مسجد بازاء دار السندي بن شاهك، و ابن‌السكيت. فتفاوضنا - أي تذاكرنا - في العربية، و معنا رجل لا نعرفه، فقال: يا هؤلاء، أنتم الي اقامة دينكم أحوج منكم الي اقامة ألسنتكم، و ساق الكلام الي امام الوقت، و قال: ليس بينكم و بينه غير هذا الجدار. قلنا: تعني هذا المحبوس، موسي؟!. قال: نعم. قلنا: سترنا عليك، فقم من عندنا مخافة أن يراك أحد جليسنا فنؤخذ بك. قال: والله لا يفعلون ذلك أبدا!. والله ما قلت لكم الا بأمره، و انه ليرانا و يسمع كلامنا، ولو شاء أن يكون ثالثنا لكان. قلنا: فقد شئنا، فادعه الينا. فاذا قد أقبل رجل من باب المسجد داخلا، كادت لرؤيته العقول أن تذهل؟!. فعلمنا أنه موسي بن جعفر... ... ثم قال: أنا هذا الرجل، و تركنا. و خرجنا من المسجد مبادرين، فسمعنا وجيبا شديدا. و اذا السندي بن شاهك يعدو داخلا الي المسجد معه جماعة. فقلنا: كان معنا رجل فدعانا الي كذا و كذا، و دخل هذا الرجل المصلي، و خرج ذلك الرجل و لم نره. فأمر بنا فأمسكنا. ثم تقدم الي موسي و هو قائم في المحراب، فأتاه من قبل وجهه، و نحن نسمع، فقال: يا ويحك، كم تخرج بسحرك هذا وحيلتك من وراء الأبواب و الأغلاق و الأقفال، و أردك!. فلو كنت هربت كان أحب الي من وقوفك هاهنا... أتريد يا موسي أن يقتلني الخليفة. قال: فقال موسي، و نحن والله نسمع كلامه: كيف أهرب، ولله في [ صفحه 226] أيديكم موقت لي يسوق اليها أقدارها، و كرامتي علي أيديكم... -في كلام له. قال: فأخذ السندي بيده و مشي، ثم قال للقوم: دعوا هذين و اخرجوا الي الطريق فامنعوا أحدا يمر من الناس حتي أتم أنا و هذا الي الدار» [291] . فيا رب (أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها...) [292] و أين يضيع الفهم، و يغيب العلم و الرشد؟! (فانها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور (46)) [293] . قال محمد بن عباد المهلبي: «لما حبس هارون الرشيد موسي بن جعفر، و أظهر الدلائل و المعجزات و هو في الحبس، دعا الرشيد يحيي بن خالد البرمكي و سأله تدبيرا في شأن موسي عليه‌السلام، فقال: الذي أراه لك أن تمن عليه و تصل رحمه. فقال الرشيد: انطلق اليه، وأطلق عنه الحديد، و أبلغه عني السلام، و قل له: يقول لك ابن‌عمك: انه قد سبق فيك مني يمين أن لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة، و تسألني العفو عما سلف منك. و ليس عليك في اقرارك عار، و لا في مسألتك اياي منقصة. و هذا يحيي و هو ثقتي و وزيري، فله قدر ما أخرج من يميني، و انصرف راشدا. فقال عليه‌السلام: يا أباعلي، أنا ميت، و انما بقي من أجلي أسبوع. فاكتم قولي، وائتني يوم الجمعة، و صل أنت و أوليائي علي فرادي. و انظر اذا سار [ صفحه 227] هذا الطاغية الي الرقة و عاد الي العراق لا يراك و لا تراه، واحتل لنفسك فاني رأيت في نجمك و نجم ولدك و نجمه أنه ياتي عليكم، فاحذروه!. ثم قال له: يا أباعلي، أبلغه عني: يقول موسي بن جعفر: رسولي يأتيك يوم الجمعة، و يخبرك بما يري. و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه!. فلما أخبره بجوابه قال هارون: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا!. فلما كان يوم الجمعة توفي أبوابراهيم عليه‌السلام» [294] . و بوفاة الامام عليه‌السلام يوم الجمعة، كتب الله تعالي الخزي علي وجه الخليفة الذي سخر من قول الامام و قال: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا!. فان الامام عليه‌السلام قد أنبأ يحيي البرمكي بأن هذا السلطان الظالم سيفتك به و بأولاده، و حذره من ذلك، فلم يأخذ الحيطة لنفسه و لا لأولاده، فوقع هو و اياهم في الهلاك. و الشي‌ء الهام الذي نريد ايضاحه، هو أن هارون الرشيد كان يموه علي الآخرين، و يريهم أنه يريد اطلاق سراح الامام في الأسبوع الذي عزم فيه علي سمه، و بذلك يصرف أفكارهم عن أنه يدبر المكيدة مع أعوانه لسم الامام و قتله. ولذلك نري الامام صلوات الله عليه لم يجبه بأكثر من أن تهدده بمحاكمته بين يدي الله تعالي، و كشف له عن علمه بتدبير الحيلة لقتله و هو يعلن أنه سيطلق سراحه، و بذلك ألقمه حجرا سد به فاه. [ صفحه 228] قال عبدالله بن ابراهيم الجعفري: «كتب يحيي بن عبدالله بن الحسن، الي موسي بن جعفر عليه‌السلام: أما بعد، فأوصي نفسي بتقوي الله، و بها أوصيك. فانها وصية الله في الأولين، و وصيته في الآخرين. خبرني من ورد علي من أعوان الله علي دينه و نشر طاعته، بما كان من تحننك من خذلانك، و قد شاورت في الدعوة للرضا من آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم، و قد احتجبتها و احتجبها أبوك من قبلك. - أي احتجبا المشورة -. و قديما ادعيتم ما ليس لكم، و بسطتم آمالكم الي ما لم يعطكم الله، فاستهويتم و أضللتم؛ و أنا محذرك ما حذرك الله من نفسه. فكتب اليه أبوالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: من موسي بن أبي‌عبدالله: جعفر، و علي، مشتركين في التذلل الله و طاعته؛ الي يحيي بن عبدالله بن حسن. أما بعد، فاني محذرك الله و نفسي، و أعلمك أليم عذابه، و شديد عقابه، و تكامل نقماته!... و أوصيك و نفسي بتقوي الله، فانها زين الكلام و تثبيت النعم. أتاني كتابك تذكر فيه أني مدع، و أبي من قبل، و ما سمعت ذلك مني!. (ستكتب شهادتهم و يسئلون (19)) [295] . لم يدع حرص الدنيا و مطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم، حتي يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم. و ذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك، و ما منعني من [ صفحه 229] مدخلك الذي أنت فيه لو كنت راغبا، ضعف عن سنة، و لا قلة بصيرة بحجة. ولكن الله تبارك و تعالي خلق الناس أمشاجا و غرائب و غرائز. فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما: ما العترف في بدنك؟. و ما الصهلج في الانسان؟. ثم اكتب الي بخبر ذلك. و أنا متقدم اليك أحذرك معصية الخليفة، و أحثك علي بره و طاعته، و أن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار، و يلزمك الخناق من كل مكان، فتروح الي النفس من كل مكان تجده حتي يمن الله عليك بمنه و فضله، ورقة الخليفة أبقاه الله، فيؤمنك و يرحمك، و يحفظ فيك أرحام رسول الله، والسلام علي من اتبع الهدي، (انا قد أوحي الينا أن العذاب علي من كذب و تولي (48)) [296] . قال الجعفري: فبلغني أن كتاب موسي بن جعفر عليه‌السلام، وقع في يدي هارون (الرشيد) فلما قرأه قال: الناس يحملوني علي موسي بن جعفر، و هو بري‌ء مما يرمي به» [297] . فلم تأخذ البري‌ء بغير ذنب يا عنق البعير الذي جلس علي مقعد الخلافة ليقيم العدل بين الناس؟!. و كيف يجوز لك أن تتهم بريئا، و تحبس بريئا، و تسم بريئا، و تقتل بريئا. اذا وقفت و اياه بين يدي الله، و جاثاك أمام الحكم العدل، فستبوء بالخسران في ساعة لا ينفع فيها الندم لمن ندم و تاب. أيام شقاء الامام في ظل حكمك انتهت... بأن راح الي ربه شهيدا مظلوما، و لحق بآبائه الأبرار الأطهار... الي جنة الله و رضوانه. [ صفحه 230] و أيام سعادتك ولهوك و غفلتك قد انقضت... ورحت حكما ظلما قد تقمص غير سرباله، و ورد علي ربه يدا بيد مع فراعنة العصور، و مع ابن‌ملجم و قتلة الحسن و الحسين و أبنائه عليهم‌السلام... و كنتم جبارين، و وقعتم بين يدي جبار السماوات و الأرض... الحاكم بالعدل... [ صفحه 231]

علمه بما يكون

علم النبي و أوصيائه - صلوات الله عليه و عليهم - بما كان و بما يكون، من البديهيات التي لا تحتاج الي برهان، و لا تفتقر الي دليل، ذلك أنهم خلفاء الله في الأرض، و أمناؤه علي الوحي، و سفراؤه الي الخلق، و ليس من العجيب أن يكون السفير علي علم بما يدور في أرجاء دولته، و لا من الغريب أن يكون سفير الله تعالي علي معرفة تامة بما يحدث في الأرض بكاملها، لأن علمه من علم الله، بعد أن كان انتدابه من قبله عزوجل. أجل، نحن نخلق مع عينين و أذنين، و لسان و شفتين، و عقل يعي و يقدر، والامام يخلق هكذا مع اضافة أن تكون مداركه مرهفة و أكثر قدرة، الي جانب أنه يحمل آثار الامامة التي تجعله علي صلة بالسماء، كما يتصل الناس اليوم فيما بينهم بسلك و بلا سلك، و الي جانب موظفي سفارته من الملائكة الذين يعملون بين يديه ليل نهار، ليوفروا له علم كل شي‌ء يلزمه و يسأل عنه، سوي ما استأثر الله تعالي به لنفسه من علم الساعة و غيرها. فعن الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه، قال: «سألت أباالحسن عليه‌السلام - أي الامام الرضا - عن شي‌ء من أمر العالم. [ صفحه 232] فقال: نكت في القلب، و نقر في الأسماع. و قد يكونان معا» [298] . و عن أبيه، عن علي بن يقطين - أيضا - قال: «قلت لأبي الحسن: علم عالمكم استماع، أو الهام؟!. قال: يكون سماعا، و يكون الهاما. و يكونان معا» [299] . و هذا الأمر من مواهب الله تعالي لهم، و الخلق يتفاوتون بتفاوت درجات طاقاتهم من حيث العقل و الادراك، و قوة الحدس، و درجات الذكاء و الفهم. فكيف بالأئمة عليهم‌السلام، و قد رصدهم الله تعالي للأمر الخطير؟!. قال سليمان الجعفري: «كنت عند أبي‌الحسن عليه‌السلام، فقال: يا سليمان اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله!. فسكت حتي أصبت خلوة فقلت: جعلت فداك، سمعتك تقول: اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله!. قال: نعم، يا سليمان. ان الله خلق المؤمنين من نوره، و صبغهم في رحمته، و أخذ ميثاقهم لنا بالولاية. و المؤمن هو المؤمن لأبيه و أمه: أبوه النور، و أمه الرحمة. و انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه» [300] . و نحن - في حياتنا اليومية - نري من ينظر بنور الله، و يخبرنا بأشياء في ضمائرنا لا يعلمها الا الله تعالي، و يستشف أشياء كثيرة من وراء الغيب، و ينطق بمعلومات حدسية تكون صادقة الي حد المائة بالمائة. [ صفحه 233] أما الأئمة عليهم‌السلام، فهم علي رأس المؤمنين، و قد وهبهم الله سبحانه من نوره، و من علمه، ما يجعلهم قادرين علي معرفة ما كان و ما يكون، لأن ذلك ميسور لهم بوسائل كثيرة هيأها سبحانه لهم. و هم جديرون بأن يملأوا مركز ولايتهم علي الناس، حتي لا يكون بين الناس من يساويهم أو يداني علمهم و معرفتهم مطلقا. و قد قال علي بن حمزة: «دخلت علي أبي‌الحسن: موسي عليه‌السلام، في السنة التي قبض فيها أبوعبدالله الصادق عليه‌السلام، فقلت له: كم أتي لك؟. فقال: تسع عشرة سنة. فقلت: ان أباك أسر الي سرا، وحدثني بحديث، فأخبرني؟. فقال لي: قال لك كذا و كذا، حتي نسق علي جميع ما أخبرني به أبوعبدالله عليه‌السلام» [301] . فابن التسع عشرة سنة الذي روي للسائل ما قاله أبوه له سرا حرفا حرفا، و دون زيادة أو نقصان، و من غير أن يكون حاضرا حين تكلم أبوه، لم يرو ذلك الا بعلم يقين ألقي في سمعه، أو نكت في قلبه من لدن عليم خبير و علي كل شي‌ء قدير. و نحن نعترف بقدرة الله المطلقة، و ما علينا ممن يعمي عن نور الشمس، و ينكر ضوء النهار؟!. و هذا ابن‌الامام الكاظم عليه‌السلام، اسماعيل بن موسي يقول: «كنا مع أبي‌الحسن عليه‌السلام في عمرة، فنزلنا بعض قصور الأمراء. [ صفحه 234] و أمر بالرحيل، فشددت المحامل، و ركب بعض الغلمان. و كان أبوالحسن عليه‌السلام في بيت، فخرج فقام علي بابه فقال: حطوا، حطوا. قال اسماعيل: و هل تري شيئا؟!. فقال: انه ستأتيكم ريح سوداء مظلمة، ترمح - أي تطرح - بعض الابل. فحطوا. و جاءت ريح سوداء. قال اسماعيل بن موسي: فأشهد لقد رأيت جملا كان لي عليه كنيسة - أي شبه الهودج - كنت أركب فيها أنا و أحمد أخي. و لقد قام ثم سقط علي جنبه بالكنيسة» [302] . فهل هذا من الحدس، أم من الظن، أم من ظاهرة طبيعية راهنة لم يروها قبل أن يحدثهم عنها. لا هو من هذا و لا من ذاك، بل انه وحي يوحي كمثل ما أوحي لأم موسي التي ألهمت الهاما كشبه ما يلهم الأنبياء، و كانت موضع عناية الله تبارك و تعالي ليتم أمر سلامة ابنها نبي المستقبل. و هذه البادرة كتلك فسمها ان شئت معجزة ربانية، و لو لا ذلك لما عرف أن الريح ستكون سوداء، و لا خطر بباله أنها سترمح بعض الابل. و مثل ذلك ما رواه علي بن حمزة الذي قال: «كنا بمكة سنة من السنين، فأصابت الناس تلك السنة صاعقة كبيرة، حتي مات من ذلك خلق كثير. فدخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام، فقال مبتدئا من غير أن أسأله: [ صفحه 235] يا علي، ينبغي للغريق، و المصعوق أن يتربص به ثلاثا، الي أن يجي‌ء منه ريح يدل علي موته. قلت له: جعلت فداك، كأنك تخبرني أنه دفن ناس كثير أحياء!. قال: نعم، يا علي: قد دفن ناس كثير ما ماتوا الا في قبورهم» [303] . و هذا من علم الله عزوجل، لأنه ما من أحد نزل من قبر غريق أو قبر مصعوق، و رأي أنهما دفنا حيين، و أنهما لم يموتا حقيقة عندما أغمي عليهما اغماء يشبه الموت. ثم ان هذا لا يتحقق بالحدس و التخمين، و لا يجعله الاحتمال معقولا. ولكنه علم بما كان و بما يكون، موهوب للامام عليه‌السلام بشأن من يصاب بغيبوبة مفاجئة طويلة الأمد، ثم يفيق منها و يعود الي الحياة. و قال اسحاق بن عمار: «سمعت العبد الصالح ينعي الي رجل نفسه. فقلت في نفسي: و انه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته؟!. فالتفت الي شبه المغضب فقال: يا اسحاق، كان رشيد الهجري، [304] ، و كان من المستضعفين، يعلم علم المنايا و البلايا. فالامام أولي بذلك. يا اسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فني، و أنت تموت الي سنتين، و اخوتك و أهل بيتك لا يلبثون من بعد الا يسيرا حتي تفترق كلمتهم و يخون بعضهم بعضا، و يصيرون لاخوانهم و من يعرفهم رحمة، حتي يشمت بهم عدوهم. قال اسحاق: فاني أستغفر الله مما عرض في صدري. [ صفحه 236] فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس الا سنتين حتي مات. ثم ما ذهبت الأيام حتي قام بنوعمار، بأموال الناس و أفلسوا أقبح افلاس رآه الناس. فجاء ما قال أبوالحسن عليه‌السلام فيهم، ما غادر قليلا و لا كثيرا» [305] . فيا اسحاق بن عمار، ما كان أغناك عن سماع خبر فناء عمرك، و افتراق كلمة اخوتك و أهل بيتك و ما يحل بهم من الويل و الافلاس و الهتك؟. أنت بين يدي امام علمه من علم ربه الذي سواه فعدله في أيه حالة ما شاء ركبه، وصنعه علي عينه، و جعله وليه المختار من عباده... و شبيه بما سبق ما رواه عثمان بن عيسي عن خالد الذي قال: «كنت مع أبي‌الحسن عليه‌السلام بمكة، فقال: من هاهنا من أصحابكم؟. فعددت عليه ثمانية أنفس. فأمر باخراج أربعة، و سكت عن أربعة. فما كان الا يوم، و من الغد مات الأربعة، فسلموا» [306] أي سلم من أمر باخراجهم. و قال خالد بن نجيح - هذا - عن أبي‌الحسن عليه‌السلام. «قال لي: افرغ بينك و بين من كان له معك عمل في سنة أربع و سبعين و مائة حتي يجيئك كتابي، و انظر ما عندك و ما بعث به الي، و لا تقبل من أحد شيئا. [ صفحه 237] و خرج الي المدينة، و بقي خالد بمكة خمسة عشر يوما، ثم مات» [307] . فالامام عليه‌السلام - كما قال - لا يقاس بالمستضعفين في الأرض كرشيد الهجري رحمه الله الذي اطلع علي علم المنايا و علم البلايا و لم يخطي‌ء في قول في هذا الموضوع. فعن هشام بن الحكم، قال: «أردت شراء جارية بمني، و كتبت الي أبي‌الحسن أشاوره فلم يرد علي جوابا. فلما كان في الطواف مربي برمي الجمار علي حمار، و نظر الي الجارية من بين الجواري، ثم أتاني كتابه: لا أري بشرائها بأسا ان لم يكن في عمرها قلة. قلت: لا والله ما قال لي هذا الحرف الا وها هنا شي‌ء!. لا والله لا أشتريها. ثم قال: فما خرجت من مكة حتي دفنت» [308] . فأعيذ نظرتك بالله يا مولاي كم هي نافذة الي أعماق المجهول، و كم هي صائبة تنفذ الي معرفة ما يكون في قضاء الله و قدره، كما برأها خالقها عزوجل!. و طوبي لمن آمن بكونك وليا لله، وحجة له في أرضه!. قال الوشاء: حدثني الحسن بن علي قائلا: «حججت أنا و خالي اسماعيل بن الياس، فكتبت الي أبي‌الحسن [ صفحه 238] الأول عليه‌السلام، و كتب خالي: ان لي بنات و ليس لي ذكر، و قد قتل رجالنا. و قد خلفت امرأتي حاملا، فادع الله أن يجعله غلاما، و سمه. فوقع في الكتاب: قد قضي الله حاجتك. فسمه محمدا. فقدمنا الي الكوفة و قد ولد له غلام قبل و صولنا الي الكوفة بستة أيام، و دخلناها يوم سابعه. فقال أبومحمد: هو والله اليوم، رجل، و له أولاد» [309] . فكيف عرف سلام الله عليه و هو في الحجاز، و المرأة الحامل في العراق؟. الأمر سهل، و للقصة نظائر تدل علي معرفته بالحمل، و نوعه. و لا يخالف ذلك قول الله سبحانه و تعالي: (و نقر في الأرحام ما نشاء...) [310] لأن الامام حين يتكلم في هذا الموضوع يتكلم بما يعلمه عن طريق ما يأتيه من تقديرات الله عزوعلا في الأمور. و كذلك قال حماد بن عيسي: «دخلت علي أبي‌الحسن الأول عليه‌السلام، فقلت له: أدع الله لي أن يرزقني دارا، و زوجة، و ولدا، و خادما، و الحج في كل سنة. فقال: اللهم صل علي محمد و آل محمد، و ارزقه دارا، و زوجة، و ولدا، و خادما، و الحج خمسين سنة. قال حماد: فلما اشترط خمسين سنة، علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة. و حججت ثمان و أربعين سنة، و هذه داري قد رزقتها، و هذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، و هذا ابني، و هذه خادمتي، قد رزقت كل ذلك. [ صفحه 239] فحج بعد هذا الكلام حجتين، تمام الخمسين، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل - أي رافق - أباالعباس النوفلي القصير، فلما صار في موضع الاحرام، دخل يغتسل في الوادي، فحمله فغرقه الماء - رحمة الله عليه - و أتاه - الأجل - قبل أن يحج زيادة علي خمسين؛ و عاش الي وقت الرضا عليه‌السلام، و توفي سنة تسع و مائتين، و كان من جهينة» [311] . فحين دعا الامام عليه‌السلام لهذا الرجل بالدار، و الزوجة، و الولد و الخادمة، استجاب الله تعالي دعاءه بشكل طبيعي معقول، كما يستجيب سبحانه لكل عبد صالح و ولي مؤمن. ولكن من أخبره أن الرجل يحج خمسين سنة لا تزيد و لا تنقص؟!. هذا من اختصاصه صلوات الله و سلامه عليه، لأن بيده علم البلايا و المنايا، و هو يتكلم - باذن الله - بتمام الثقة، و لا يقول الا بالتأكيد و الجزم. و امام الزمان مجهز بقوي لا تتوفر لغيره من المخلوقين، فهو - مثلا - يري ما وراءه، كما يري ما هو أمامه سواء بسواء، بواسطة لوح النور الذي تكلمنا عنه مفصلا في كتابنا (الامام المعجزة) و لا تخفي عليه خافية فيما حوله، و لا يواري منه ستر و لا جدار، و ذلك مسخر له في جملة عطايا الله سبحانه و مواهبه الجزيلة. فمن ذلك ما رواه مرازم حيث قال: «دخلت المدينة فرأيت جارية في الدار التي نزلتها فأعجبتني. فأردت أن أتمتع منها، فأبت أن تزوجني نفسها. فجئت بعد العتمة، فقرعت الباب، فكانت هي التي فتحت لي. فوضعت يدي علي صدرها، فبادرتني حتي دخلت. [ صفحه 240] فلما أصبحت، دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام، فقال: يا مرازم، ليس من شيعتنا من خلا ثم لم يرع قلبه!» [312] . فهو عليه‌السلام يطلع علي حال أصحابه دائما، و يحاسبهم علي الكبيرة و الصغيرة، و يريدهم أصفياء أتقياء أنقياء. ولذلك عاتب مرازم، و قال له: ليس من شيعتنا من لم يرع قلبه، لأنه عرف أنه وضع يده علي صدر الجارية. و السؤال: كيف رآه في العتمة و في دار بعيدة عن مقره و مكان وجوده؟. و كيف علم ما فعله، و من أطلعه علي ذلك بالتفصيل؟!. ولو استرسلنا في سرد الوقائع التي برهن امامنا العظيم عليه‌السلام علي علمه بما كان و ما يكون لطال بنا المقام. ولكننا لابد أن نورد عنه قصصا في أحوال مختلفة، لنبين أنه كان يرعي أصحابه و يلاحظهم أينما كانوا، و ينبههم الي أخطائهم، و يوجههم الي الصراط السوي، ليدوروا دائما في فلك مرضاة الله عزوجل. كما كان يربيهم علي العمل الصالح، و حب الخير، و البعد عن عمل الشر مع الولي و العدو، ليفوزوا بالسمعة الطيبة في الدنيا، وليكونوا مع الأبرار و الأخيار في الدار الآخرة. و عن أحمد بن عمر الخلال، قال: «سمعت الأخوص بمكة يذكره - أي سمعته ينال من الامام عليه‌السلام - فاشتريت سكينا و قلت: والله لأقتلنه اذا خرج من المسجد، و أقمت علي ذلك، و جلست له. - يعني جلس ينتظره -. فما شعرت الا برقعة أبي‌الحسن عليه‌السلام قد طلعت علي، فيها: [ صفحه 241] بسم الله الرحمن الرحيم، بحقي عليك لما كففت عن الأخوص، فان الله ثقتي، و هو حسبي» [313] . أجل، و من يكن الله حسبه، فلا غالب له من الناس. ولكن، من أخبر هذا الامام الكريم بما فعله ابن‌عمر الخلال، حين اشتري سكينا و جلس أمام المسجد يترصد الأخوص ليقتله عند خروجه؟!. لا شك في أن الامام عليه‌السلام قد علم بما قاله الأخوص عن طريق الملك العظيم الذي يرافقه و يطلعه علي كل شاردة و واردة تجري في أقطار الأرض. و لو لا ذلك لما علم - أيضا - بتصرفات صاحبه ابن‌الخلال، ولما أسرع الي الكتابة اليه ليردعه عن عزمه، معلنا له أن الله هو حسبه و كافيه من الشر و من أهل الشرور. و من علمه هذا، ما حكاه عنه الحسن بن موسي - أي ابنه عليه‌السلام - الذي قال: «اشتكي عمي محمد بن جعفر - أي أخوه، سلام الله عليه، حتي أشرف علي الموت. فكنا مجتمعين عنده، فدخل أبوالحسن عليه‌السلام، فقعد في ناحية، و اسحاق عمي عند رأسه يبكي. فقعد قليلا ثم قام. فتبعته فقلت: جعلت فداك، يلومك اخوتك و أهل بيتك، يقولون: دخلت علي أخيك و هو في الموت، ثم خرجت. قال: أرأيت هذا الباكي؟. سيموت و يبكي ذاك عليه!. [ صفحه 242] فبري‌ء محمد بن جعفر، و اشتكي اسحاق فمات، و بكي محمد عليه» [314] . فلا الامام طبيب، و لا حكي رجما بالغيب... بل كان يتكلم عن ثقة و يخبر بشفاء أخيه المريض، و بموت أخيه الباكي بتأكيد؛ لأن معرفة الأعمار و الأقدار و البلاءات من صلب وظيفته السماوية. و هو يحكي عن هذه الأشياء كمن ينظر في كفه و يقرأ شيئا مكتوبا مقررا من عند ربه جل و علا. و من ذلك أيضا ما قاله بيان بن نافع التفليسي الذي قال: «خلفت والدي مع الحرم في الموسم - موسم الحج - و قصدت موسي بن جعفر عليه‌السلام». فلما أن قربت منه، هممت بالسلام عليه، فأقبل بوجهه علي و قال: بر حجك يابن نافع، آجرك الله بأبيك، فانه قد قبضه اليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه. فبقيت متحيرا عند قوله و قد كنت خلفته و ما به علة. فقال: يابن نافع، أفلا تؤمن؟!. فرجعت، فاذا أنا بالجواري يلطمن خدودهن. فقلت: ما وراءكن؟!. قلن: أبوك فارق الدنيا. فجئت اليه أسأله عما أخفاه؟ فقال لي: يابن نافع، ان كان في أمنيتك كذا و كذا، أن تسأل عنه، فأنا جنب الله و كلمته الباقية، و حجته البالغة» [315] . [ صفحه 243] نعم، و نعم، فان كل امام يكون كلمة الله الباقية في بلاده، و حجته علي عباده، و من لم يقتنع، فانه يكون غير مقتنع بامامة امام مفترض الطاعة بالأساس، فاسأل بذلك علي بن أبي‌حمزة الذي قال: «كنت عند أبي‌الحسن عليه‌السلام جالسا، اذ أتاه رجل من الري - فارس - يقال له جندب؛ فسلم عليه ثم جلس. فسأل أباالحسن فأكثر السؤال. ثم قال له: يا جندب، ما فعل أخوك؟. فقال: الخير، و هو يقرئك السلام. فقال له: أعظم الله أجرك في أخيك. فقال له: ورد الي الكتاب من الكوفة لثلاثة عشر يوم بالسلامة. فقال له: يا جندب، والله مات بعد كتابه اليك بيومين، و دفع الي امرأته مالا و قال لها: ليكن هذا المال عندك، فاذا قدم أخي فادفعيه اليه. و قد أودعته في الأرض في البيت الذي كان يسكنه. فاذا أنت أتيتها فتلطف لها و أطمعها في نفسك، فانها ستدفعه اليك. قال علي: و كان جندب رجلا جميلا. فلقيته بعد ما فقد أبوالحسن عليه‌السلام، فسألته عما كان قال أبوالحسن؟. فقال: يا علي، صدق والله سيدي، ما زاد و لا نقص لا في الكتاب و لا في المال» [316] . فكأن امامنا عليه‌السلام قد حضر كتابة الكتاب، و رافق الرجل حتي توفاه الله بعد الكتابة بيومين؛ ثم كأنه قد قرأ وصيته و سمع ما أسره الي زوجته، [ صفحه 244] و شارك الزوجة في دفن المال بأرض البيت، ثم اطلع علي ما في قلب المرأة - الأرملة - من الرغبة في الزواج من جندب بعد موت أخيه، فقال عليه‌السلام له: أطمعها في نفسك. ان هذا لشي‌ء عجاب!. ولكنه حصل حرفا حرفا. و قال علي بن أبي‌حمزة أيضا: «أرسلني أبوالحسن عليه‌السلام الي رجل قدامه طبق يبيع بفلس فلس، و قال: أعطه هذه الثمانية عشر درهما و قل له: يقول لك أبوالحسن: انتفع بهذه الدراهم، فانها تكفيك حتي تموت. فلما أعطيته اياها بكي، فقلت له: و ما يبكيك؟!. قال: و لم لا أبكي و قد نعيت الي نفسي؟. فقلت: و ما عندالله خير مما أنت فيه. فسكت... و قال: من أنت يا عبدالله؟. فقلت: علي بن أبي‌حمزة. قال: والله لهكذا قال لي سيدي و مولاي: اني باعث لك مع علي بن أبي‌حمزة برسالة. قال علي: فلبثت نحوا من عشرين ليلة، ثم أتيت اليه و هو مريض، فقلت أوصني بما أحببت أنفذه من مالي. قال: اذا أنا مت، فزوج ابنتي من رجل دين، ثم بع داري و ادفع ثمنها الي أبي‌الحسن، و اشهد لي بالغسل، والدفن، والصلاة. قال: فلما مات زوجت ابنته من رجل مؤمن، و بعت داره و أتيت بثمنها الي أبي‌الحسن عليه‌السلام، فزكاه، و ترحم عليه و قال: [ صفحه 245] رد هذه الدراهم فادفعها الي ابنته» [317] . انه عليه‌السلام قد عرف نهاية عمر الرجل و وعده برسالة يرسلها اليه مع صاحبه علي بن أبي‌حمزة أولا، ثم حدد له نهاية عمره مع صاحبه المذكور، و بعث اليه بما يكفيه حتي موعد موته، ليجلس في بيته و يرتاح من تعب العمل في السوق.. و كان كل شي‌ء رهينا بتحديدات الامام عليه‌السلام بتمام الدقة و الضبط. و شبيه بذلك القصة التالية التي رواها علي بن أبي‌حمزة نفسه، فقال: «أرسلني أبوالحسن عليه‌السلام الي رجل من بني‌حنيفة و قال: انك تجده في ميمنة المسجد. ... فدفعت اليه كتابه، فقرأه ثم قال: ائتني يوم كذا و كذا حتي أعطيك جوابه. فأتيته في اليوم الذي كان وعدني، فأعطاني جواب الكتاب. ثم لبثت شهرا فأتيته لأسلم عليه فقيل: ان الرجل قد مات. فلما رجعت من قابل الي مكة، لقيت أباالحسن عليه‌السلام، و أعطيته جواب كتابه فقال: رحمه الله. فقال: يا علي، لم لم تشهد جنازته؟. قلت: قد فاتت مني» [318] . و وصيته سلام الله عليه بأنه يجده في ميمنة المسجد مدهشة!. فكيف علم موعد وصول رسوله اليه، و أنه يكون في تلك اللحظة في ميمنة المسجد؟!. ثم كيف عرف أنه مات فترحم عليه؟! و كيف عرف أن علي بن أبي‌حمزة لم يشهد جنازة الرجل؟!. كل ذلك عجيب و غريب. [ صفحه 246] و أغرب من القصتين السابقتين ما رواه أبوحمزة حيث قال: «سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: لا والله لا يري أبوجعفر بيت الله أبدا. - و هو يعني الخليفة أباجعفر المنصور -. فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا بذلك. فلم يلبث أن خرج - أي توجه الي الحج-. فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك؟. فقلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا. فلما صار في البستان [319] اجتمعوا الي أيضا و قالوا: بقي بعد هذا شي‌ء؟. فقلت: لا والله لا يري بيت الله أبدا. فلما نزل بئر ميمون [320] أتيت أباالحسن عليه‌السلام، فوجدته قد سجد و أطال السجود، ثم رفع رأسه الي فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس. فخرجت، فسمعت الواعية علي أبي‌جعفر. فرجعت فأخبرته، فقال: الله‌أكبر، ما كان ليري بيت الله أبدا» [321] . فيا أيها القاري‌ء الكريم: (و لا ينبئك مثل خبير (14)) [322] فامامنا الكريم عليه‌السلام يتكلم عن علم محتوم مسطر علي اللوح المحفوظ، و هو لا ينطق عن هوي، و لا يتكلم الا بما يعلمه بوسائل سفارته السماوية التي تخترق العجائب... و هو امام زمان الذي يطلعه ربه جل و عز علي جميع الأحوال الطارئة في الكرة الأرضية، و علي كل شي‌ء في حينه. [ صفحه 247] ثم نتابع هذا الشريط، فنعرض لقارئنا الكريم صورا أخري عن علم الامام عليه‌السلام: فمن ذلك ما رواه عيسي المدائني الذي قال: «خرجت سنة الي مكة فأقمت بها، ثم قلت: أقيم بالمدينة مثلما أقمت في مكة فهو أعظم لثوابي. فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلي الي جنب دار أبي‌ذر رضي الله عنه، فأخذت أختلف الي سيدي. فأصابنا مطر شديد بالمدينة، فأتينا أباالحسن عليه‌السلام يوما، فسلمنا عليه، و ان السماء تهطل. فلما دخلت ابتدأني فقال لي: و عليك السلام يا عيسي، ارجع فقد انهدم بيتك علي متاعك. فانصرفت فاذا البيت قد انهدم علي المتاع؛ فاكتريت قوما يكشفون عن متاعي، فاستخرجته فما ذهب لي شي‌ء سطل كان لي. فلما أتيت من الغد مسلما عليه قال: هل فقدت شيئا من متاعك فتدعوالله بالخلف؟. فقلت: ما فقدت شيئا غير سطل كان لي أتوضأ فيه، فقدته. فأطرق مليا، ثم رفع رأسه الي فقال لي: قد ظننت أنك أنسيته، فسل جارية رب الدار و قل لها: أنت رفعت السطل فرديه. فانها سترده عليك. فلما انصرفت أتيت جارية رب الدار فقلت لها: اني أنسيت سطلا في الخلاء، و دخلت فأخذتيه، فرديه أتوضأ به... فردته» [323] . فهل رأي الامام عليه‌السلام البيت لما انهدم علي المتاع؟. [ صفحه 248] و هل رأي الجارية حين أخذت السطل من الخلاء؟. نعم، أري ذلك، ولم يقل حدسا و لا تخمينا... و رأي كل شي‌ء رأي العين، بلا أدني ريب. و هذا لون آخر من ألوان علم امامنا العظيم عليه‌السلام، حدث به عثمان بن عيسي فقال: «قال أبوالحسن عليه‌السلام لابراهيم بن عبد الحميد، ولقيه سحرا و ابراهيم ذاهب الي قبا، و أبوالحسن داخل الي المدينة، قال: يا ابراهيم!. قلت: لبيك. قال: الي أين؟. قلت: الي قبا. قال: في أي شي‌ء. قلت: انا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر، فأردت أن آتي رجلا من الأنصار لأشتري من التمر. قال: و قد أمنتم الجراد؟. ثم دخل، و مضيت أنا فأخبرت أباالأعز و قلت: والله لا أشتري العام نخلة. فما مرت بنا خامسة - أي ليلة خامسة - حتي بعث الله جرادا فأكل عامة ما في النخيل» [324] . [ صفحه 249] فمثل هذا الكشف عما في الغيب لا يتيسر الا للأنبياء و أوصيائهم صلوات الله عليهم، ليبرهنوا به علي صدق انتدابهم و انتجابهم كأدلاء علي الدين، و كأمناء لرب العالمين. و هم يتكلمون في هذه المواضيع كمن رأي و من سمع، ليحتجوا بذلك علي صدق الدعوة التي حملوها، و علي خطر الوظيفة التي اضطلعوا بها. والله تعالي يمن عليهم بمثل هذه التجليات ليفتح أنظار الناس عليهم، و يفتح قلوبهم علي كلمة الحق و يتفكروا بقدرة الله تبارك و تعالي عن طريق تلك المواهب العجيبة حين يتحدثون بأشياء تخفي علي الناس و تنكشف اليهم بحقائقها و دقائقها. و من ذلك أيضا ما حكاه الأصبغ بن موسي الذي قال: «بعث رجل من أصحابنا الي أبي‌ابراهيم عليه‌السلام بمائة دينار، و كانت معي بضاعة لنفسي، و بضاعة له. فلما دخلت المدينة صببت علي الماء، و غسلت بضاعتي و بضاعة الرجل، و ذررت عليها مسكا. ثم اني عددت بضاعة الرجل فوجدتها تسعة و تسعين دينارا. فأعدت عدها و هي كذلك. فأخذت دينارا آخر لي فغسلته و ذررت عليه المسك، و أعدتها في صرة كما كانت. و دخلت عليه في الليل فقلت له: جعلت فداك، ان معي شيئا أتقرب به الي الله تعالي. فقال: هات. فناولته الصرة. قال: صبها. [ صفحه 250] فصببتها، فنثرها بيده، و أخرج ديناري منها ثم قال: انما بعث الينا وزنا، لا عددا» [325] . فقد علم الامام عليه‌السلام بما جري تفصيلا و اجمالا و كأنه أجراه بنفسه فغسل الدينار، و ذر عليه المسلك، و خلطه في التسعة و تسعين دينارا!. ولكن، من دله علي الدينار ذاته فاستخرجه من بين الدنانير؟. و كيف عرف أن الرجل بعث اليه قيمة مائة دينار وزنا، و لم يبعث له مائة دينار عددا... فكر، و احكم... و قل حينئذ ما يمليه عليك ضميرك النقي... و هذا مدهش فعلا اذا حصل من غير الامام، أما من امام الزمان فهو شي‌ء طبيعي، و لا ينتظر منه العكس مطلقا. و للامام عليه‌السلام، فضلا عن هذه الكشوفات، معاجز كانت تظهر في مناسبات كثيرة ليثبت بها أصحابه و مواليه علي الولاء الصحيح. فقد قال اسحاق بن عمار: «بعث الي علي بن يقطين، و اسماعيل بن أحمد، فقالا لي: خذ هذه الدنانير فائت بها الكوفة، فالق فلانا و استصحبه فاشتريا راحلتين، وامضيا بالكتب و بما معكما من مال الي موسي بن جعفر عليه‌السلام. فسرنا حتي اذا كنا ببطن الرملة، و قد اشترينا علفا و وضعناه بين الراحلتين، و جلسنا نأل. فبينما نحن كذلك اذ طلع علينا موسي بن جعفر علي بغلة له أو بغل، و خلفه شاكري - أي أجير-. فلما رأيناه و ثبنا له و سلمنا عليه فقال: هاتا ما معكما. [ صفحه 251] فأخرجناه و دفعناه اليه، و أخرجنا الكتب و دفعناها اليه. فأخرج كتبا من كمه فقال: هذه جوابات كتبكم، فانصرفوا في حفظ الله تعالي. فقلنا: قد فني زادنا، و قد قربنا من المدينة، فلو أذنت لنا فزرنا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و تزودنا زادا. فقال: أبقي معكما من زادكما شي‌ء؟. فقلنا: نعم. قال: ائتوني به. فأخرجناه اليه. فقبضه بيده و قال: هذه بلغتكم الي الكوفة، امضيا في حفظ الله. فرجعنا و كفانا الزاد الي الكوفة» [326] . فمن غرائب هذه الحادثة أنه صلوات الله عليه قد كتب جوابات الكتب قبل أن يتسلمها من الرسولين و قبل أن يطلع علي ما فيها - أولا. و أنه سلام الله عليه قد طلب ما كانا يحملانه اليه من مال، قبل أن يصرحا اليه بشي‌ء عن المال - ثانيا. و أنه عليه‌السلام قبض علي بقية الزاد التي كانت معهما بيده الشريفة ثم باركه و قال: هذه بلغتكم الي الكوفة؛ و كفاهما فعلا - ثالثا. و هذه الأمور الخارقة للعادة قد صدرت منه فعلا، و كان يصدر ما هو أعجب منها عنه و عن آبائه و أبنائه المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم، باذن ربهم الذي خلقهم هكذا بقدرته... و اليك ما هو مثلها: [ صفحه 252] فقد حدث شعيب العقرقوني قائلا: «بعثت مباركا مولاي الي أبي‌الحسن عليه‌السلام و معه مائتا دينار، و كتبت معه كتابا. فذكر لي مبارك أنه سأل عن أبي‌الحسن عليه‌السلام، فقيل له: قد خرج الي مكة. فقلت: لأسير بين مكة و المدينة بالليل، و اذا هاتف يهتف بي: يا مبارك مولي شعيب العقرقوفي! فقلت: من أنت يا عبدالله؟!. فقال: أنا معتب. يقول لك أبوالحسن: هات الكتاب الذي معك، و واف الذي معك الي مني. فنزلت من محملي و دفعت اليه الكتاب، و صرت الي مني. فأدخلت عليه، و صببت الدنانير التي معي قدامه. فجر بعضها اليه، و دفع بعضها بيده، ثم قال: يا مبارك، ادفع هذه الدنانير الي شعيب و قل له: يقول لك أبوالحسن: ردها الي موضعها الذي أخذتها منه، فان صاحبها يحتاج اليها. فخرجت من عنده، و قدمت علي سيدي و قلت له: ما قصة هذه الدنانير؟!. قال: اني طلبت من فاطمة خمسين دينارا لأتم به هذه الدنانير، فامتنعت علي و قالت: أريد أن أشتري بها قراح [327] فلان. فأخذتها منها سرا و لم ألتفت الي كلامها. ثم دعا شعيب بالميزان، و وزنها، فاذا هي خمسين دينارا!» [328] . [ صفحه 253] فهل غير أبي‌الحسن، الكاظم عليه‌السلام، يعرف مكان الخادم في الصحراء، و بالليل، و يبعث بخادمه اليه ليناديه و يأخذ منه الكتاب، و يواعده الي مني؟. ثم هل غيره يعرف دنانير المرأة و يميزها من دنانير شعيب ثم يردها الي صاحبتها، عالما بصاحبتها و أن الدنانير أخذت علي غفلة منها؟. لا، لا، و لن يدعي القدرة علي ذلك أحد الا اذا كان منتجبا من عند ربه ليقوم بمثل هذه الخوارق. روي عن علي بن يقطين أنه قال: «أمر أبوجعفر الدوانيقي - أي الخليفة المنصور - يقطين أن يحفر له بئرا بقصر العبادي. فلم يزل يقطين في حفرها حتي مات أبوجعفر و لم يستنبط الماء منها. و أخبر المهدي بذلك، فقال له: احفر أبدا حتي يستنبط الماء، ولو أنفقت عليها جميع ما في بيت المال. قال: فوجه يقطين أخاه أباموسي في حفرها. فلم يزل يحفر حتي ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض، فخرجت منه الريح. قال: فهالهم ذلك، و أخبروا به أباموسي. فقال: أنزلوني. قال: فأنزل، و كان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراع، فأجلس في ظل محمل ودلي في البئر. فلما صار في قعرها نظر الي هول، و سمع دوي الريح في أسفل ذلك!. فأمرهم أن يوسعوا الخرق، فجعلوه شبه الباب العظيم؛ ثم دلي فيه رجلين في شق محمل فقال: ايتوني بخبر هذا ما هو؟!. قال: فنزلا في شق محمل، فسكتا مليا، ثم حركا الحبل، فأصعدا. [ صفحه 254] فقال لهما: ما رأيتما؟. قالا: أمرا عظيما: رجالا، و نساء، و بيوتا، و آنية و متاعا؛ كله ممسوخ من (حجارة)!. فأما النساء والرجال فعليهم ثيابهم، فمن بين قاعد، و مضطجع، و متكي‌ء... فلما مسسناهم اذا ثيابهم (تتفشي) شبه ألهباء... و منازل قائمة. قال: فكتب أبوموسي الي المهدي؛ فكتب المهدي الي المدينة، الي موسي بن جعفر يسأله أن يقدم عليه... فقدم عليه فأخبره. فبكي بكاء شديدا، و قال: يا أميرالمؤمنين، هؤلاء بقية قوم عاد، غضب الله عليهم، فساخت بهم منازلهم!. هؤلاء أصحاب الأحقاف. قال: فقال المهدي: يا أباالحسن، و ما الأحقاف؟. قال: الرمل» [329] . فليت شعري، من أخبر الامام عليه‌السلام، بأصحاب الأحقاف؟. و من دله أنهم هم أولاء بالذات؟!. و أن هذا هو موطنهم. و ما الذي أبكاه سوي خشية الله تبارك و تعالي، و سوي هول تلك الآية التي جعلت الأرض تسيخ بقوم عاد في الأحقاف؟!. سبحان من يمنح أولياءه علم ما كان و علم ما يكون، ليصبحوا حججه في أرضه. و رويت الحادثة السابقة علي الشكل التالي: «حج المهدي، فلما صار في فتق العبادي - اسم مكان - ضج الناس من العطش!. فأمر أن يحفر بئر. [ صفحه 255] فلما بلغوا قريبا من القرار، هبت عليهم ريح من البئر، فوقعت الدلاء، و منعت من العمل. فخرجت الفعلة خوفا علي أنفسهم. فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاء كثير ليحفرا. فنزلا، فأبطا... ثم خرجا مرعوبين، قد ذهبت ألوانهما. فسألهما عن الخبر، فقالا: انا رأينا آثارا و أثاثا، و رأينا رجالا و نساء، فكلما أومأنا الي شي‌ء منهم، صار هباء. فصار المهدي يسأل عن ذلك فلا يعلمون. فقال موسي بن جعفر عليه‌السلام: هؤلاء أصحاب الأحقاف؛ غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم و أموالهم» [330] . فعجبا عجبا من هؤلاء الجبابرة من الحكام، الذين عاصروا الأئمة عليهم‌السلام، و رأوا معاجزهم و ما يجري علي أيديهم و ألسنتهم، ما يظهر عن علمهم و معرفتهم الخارقة للعادة: ثم يبقون علي عنادهم و كرههم، و التنكيل بهم و بمن شايعهم و بايعهم. هذا من شدة غضب الله تعالي علي أولئك الحكام المحاربين لله تعالي و لرسوله ولكل ما ينزل من السماء... «أبوخالد الزبالي، قال: نزل أبوالحسن عليه‌السلام منزلنا في يوم شديد البرد، في سنة مجدبة، و نحن لا نقدر علي عود نستوقد به. فقال: يا أباخالد، ائتنا بحطب نستوقد به. [ صفحه 256] قلت: والله ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا. فقال: كلا يا أباخالد، تري هذا الفج - أي الطريق الواسع بين جبلين - خذ فيه فانك تلقي أعرابيا معه حملان حطبا، فاشترهما منه، و لا تماكسه. فركبت حماري و انطلقت نحو الفج الذي و صفه لي، فاذا أعرابي معه حملان حطبا، فاشتريتهما منه، و أتيت بهما، فاستوقدوا منه يومهم ذاك. و أتيته بطرف ما عندنا، فطعم منه ثم قال: يا أباخالد: أنظر خفاف الغلمان و نعالهم فأصلحها حتي نقدم عليك في شهر كذا و كذا. قال أبوخالد: فكتب تاريخ ذلك اليوم. فركبت حماري يوم الموعود، حتي جئت الي نزق ميل [331] - أي جنبه - و نزلت فيه. فاذا أنا براكب مقبل نحو القطار. فقصدت اليه، فاذا هو يهتف لي: يا أباخالد!. فقلت: لبيك، جعلت فداك. قال: أتراك وفيناك بما وعدناك؟. ثم قال: يا أباخالد، ما فعلت بالقبتين اللتين نزلنا بهما؟. قلت: جلعت فداك، قد هيأتهما لك. و انطلقت معه حتي نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما، ثم قال: ما حال خفاف الغلمان و نعالهم؟. قلت: قد أصلحناها. فأتيته بها فقال: يا أباخالد، سلني حاجتك. فقلت: جعلت فداك، أخبرك بما فيه: كنت زيدي المذهب حتي [ صفحه 257] قدمت علي و سألتني الحطب، و ذكرت مجيئك في يوم كذا، فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته. فقال: يا أباخالد، من مات لا يعرف امامه، مات ميتة جاهلية، و حوسب بما عمل في الاسلام». [332] . فالحمدلله الذي عرفنا بامام زماننا الذي يعرف ما لا يعرفه غيره، بما منحه الله سبحانه من عطايا لا يعطاها الا المنتجبون من خلقه، و نسأله سبحانه أن لا يحاسبنا علي سوء ما نعمله لقصور فهمنا و عجز ادراكنا عن استيعاب ما يهبه الله عزوجل للصفوة من عباده؛ و ان الامام الذي يري الأعرابي - بائع الحطب - من وراء الجبل و خلف الوديان، و يعين موعد رجوعه بالشهر و اليوم مع أنه مأسور، لهو حري بأن يكون اماما هاديا مهديا منصبا من لدن خالقه تبارك و تعالي. و في كتاب الكافي رويت حادثة الزبالي علي هذا الشكل: «لما أقدم بأبي‌الحسن عليه‌السلام علي المهدي القدمة الأولي، نزل زبالة. فكنت أخدمه - فرآني مغموما فقال لي: يا أباخالد، ما لي أراك مغموما؟!. فقلت: كيف لا أغتم و أنت تحمل الي هذا الطاغية، و لا أدري ما يحدث فيك؟!. فقال لي: ليس علي بأس. اذا كان شهر كذا و كذا، و يوم كذا، فوافني في أول الميل. [ صفحه 258] فما كان لي هم الا احصاء الشهور و الأيام، حتي كان ذلك اليوم. فوافيت الميل فما زلت عنده حتي كادت الشمس أن تغيب، و وسوس الشيطان في صدري و تخوفت أن أشك فيما قال. فيبنا أنا كذلك اذ نظرت الي سواد قد أقبل من ناحية العراق. فاستقبلتهم، فاذا أبوالحسن عليه‌السلام أمام القطار علي بغلة، فقال: ايه أباخالد!. قلت: لبيك يابن رسول الله. قلت: لا تشكن، ود الشيطان أنك شككت. فقلت: الحمدلله الذي خلصك منهم. فقال: ان لي اليهم عودة، لا أتخلص منهم» [333] . نعم، لا تشكن يا أباخالد بقول امام يعلم ما لا تعلم. فقد خلصك امامنا عليه‌السلام من الشك، و أعملك أنه لا خلاص له من الظالمين، فلا تغتم لذلك، و عش منسجما مع عقيدتك كما عاش هذا الامام العظيم منسجما مع واقعه المقدر برضي و طمأنينة. انك لا تدري يا أباخالد ما يحدث به طاغية العراق... ولكنه - هو - يدري ما يكون، و هو علي موعد مع ما قدر له ربه من الكرامة بأن يكون شهيدا علي يد جبار عنيد... ولو فكرت مليا لعرفت أن الذي دفع بك الي مشتري الحطب في منطقة ليس فيها عود يستوقد به المسافرون، يعرف ما يجري من حوله، بل لا يخفي عليه ما يلج في الأرض و ما يخرج منها، و لا ما يعرج الي السماء، و ما ينزل منها، اذ هكذا رسمه الله تعالي سفيرا له في [ صفحه 259] الأرض. و لقد تبينت - يا أباخالد - هذه الحقيقة بنفسك، و تبدلت ضياعك بالهدي، و خلد اسمك في عداد الذين تحلصوا من حبائل الشيطان، علي يد العبد الصالح، سليل النبوة منذ ابراهيم خليل الله عليه‌السلام. و روي عبدالله بن ادريس، عن ابن‌سنان، قال: «حمل الرشيد في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها، و كان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب. فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب الي أبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، و أنفذ في جملتها تلك الدراعة، و أضاف اليها مالا كان أعده علي رسم له، فيما يحمله اليه من خمس ماله. فلما وصل ذلك الي أبي‌الحسن عليه‌السلام، قبل المال و الثياب، ورد الدراعة علي يد الرسول الي علي بن يقطين، و كتب اليه: احتفظ بها و لا تخرجها من يدك، فسيكون لك بها شأن تحتاج اليها معه. فارتاب علي بن يقطين بردها عليه، و لم يدر ما سبب ذلك، واحتفظ بالدراعة. فلما كان بعد ذلك بأيام، تغير علي بن يقطين علي غلام كان يختص به، فصرفه من خدمته. و كان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين الي أبي‌الحسن عليه‌السلام، و يقف علي ما يحمله اليه في كل وقت من مال و ثياب و ألطاف و غير ذلك، فسعي به الي الرشيد و قال له: انه يقول بامامة موسي بن جعفر، و يحمل اليه خمس ماله في كل سنة، و قد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أميرالمؤمنين في وقت كذا و كذا. فاستشاط الرشيد من ذلك، و غضب غضبا شديدا، و قال: لأكشفن عن [ صفحه 260] هذه القضية، فان كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه!. و أنفذ في الوقت، و طلب علي بن يقطين. فلما مثل بين يديه قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟. قال: يا أميرالمؤمنين، هي عندي في سفط مختوم فيه طيب، و قد احتفظت بها. و قلما أصبحت الا و فتحت السفط، و نظرت اليها تبركا بها، و قبلتها ورددتها الي موضعها. و كلما أمسيت صنعت مثل ذلك. قال: أحضرها الساعة. قال: نعم يا أميرالمؤمنين. فاستدعي بعض خدمه فقال له: امض الي البيت الفلاني من داري، فخذ مفتاحه من جاريتي، وافتحه وافتح الصندوق الفلاني، فجئني بالسفط الذي فيه بختمه. فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما. فوضع بين يدي الرشيد، فأمر بكسر ختمه و فتحه. فلما فتح نظر الي الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة بالطيب. فسكن الرشيد من غضبه، ثم قال لعلي بن يقطين: ارددها الي مكانها و انصرف راشدا؛ فلن نصدق عليك بعدها ساعيا، و أمر أن يتبع بجائزة سنية، و تقدم - أي أمر - بضرب الساعي ألف سوط. فضرب نحو خمسمائة سوط، فمات في ذلك» [334] . ففكر مليا يا قارئي الكريم بما فعله الامام عليه‌السلام مع ابن‌يقطين من رد الدراعة و وصيته بالمحافظة عليها لأنه سيحتاج اليها في موقف ضيق لا [ صفحه 261] يخلصه منه الا الدراعة. نعم، فكر، و قدر، و تدبر، لتعرف مبلغ علم الامام عليه‌السلام بما سيحدث في الآتي من الأيام. و قال محمد بن الفضل: «اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء، هو من الأصابع الي الكعبين، أم من الكعبين الي الأصابع؟. فكتب ابن‌يقطين الي أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام:جعلت فداك، ان أصحابنا اختلفوا في مسح الرجلين؛ فان رأيت أن تكتب بخطك ما يكون عملي عليه فعلت ان‌شاءالله. فكتب اليه أبوالحسن عليه‌السلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء. والذي آمرك به في ذلك، أن تمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك، و تغسل يديك الي المرفقين ثلاثا، و تمسح رأسك كله، و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الي غيره. فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين، تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة علي خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه علي هذا الحد، و يخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي‌الحسن عليه‌السلام. و سعي بعلي بن يقطين، و قيل انه رافضي مخالف لك - أي للخليفة -. فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين و القرف له - أي الاتهام - بخلافنا و الميل الي الروافض. و لست أري في خدمته لنا تقصيرا، و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه علي ما يقرف به. و أحب أن استبري‌ء أمر من حيث لا يشعر بذلك فيحترز مني. [ صفحه 262] فقيل له: ان الرافضة يا أميرالمؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه، و لا تري غسل الرجلين. فاستمحنه من حيث لا يعلم بالوقوف علي وضوئه. فقال: أجل،ان هذا الوجه يظهر به أمره. ثم تركه مدة و ناطه بشي‌ء من الشغل في الدار حتي دخل وقت الصلاة. و كان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته. فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يري علي بن يقطين و لا يراه هو؛ فدعا بالماء للوضوء فتوضأ كما تقدم، و الرشيد ينظر اليه. فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتي أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة. وصلحت حاله عنده. و ورد عليه كتاب أبي‌الحسن عليه‌السلام: ابتداء من الآن، يا علي بن يقطين، توضا كما أمر الله تعالي: اغسل وجهك مرة فريضة، و أخري اسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف عليه، والسلام» [335] . و فكر، يا قارئي الكريم، بهذه الحادثة من أولها - حيث علم الامام عليه‌السلام بما سيكون من سوء ظن الرشيد بابن يقطين، فأفتاه بأن يتوضأ بوضوء الخليفة - الي آخرها - حيث علم الامام سلام الله عليه بما كان من أمر تجسس الرشيد علي وزيره و اطمئنانه الي (صلاح) حاله، فأفتاه بالرجوع الي الوضوء الذي شرعه الله تعالي... فكر بعلم حجة الله تعالي في أرضه، و عظمه اذا أنصفت الحقيقة والحق. [ صفحه 263]

علمه بما في النفوس

عن جابر، عن أبي‌جعفر - الامام الباقر - عليه‌السلام، أنه قال: «ان لله لعلما لا يعلمه غيره، و علما يعلمه ملائكته المقربون، و أنبياؤه المرسلون، و نحن نعلمه» [336] . و قد كررنا - في غير هذا المكان - أنه سبحانه استأثر لنفسه بعلم الساعة و بما ذكره معها في الآية الكريمة حيث قال: (ان الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير (34)) [337] . و لا أدري لماذا لا يعجبنا أن يعلم الله تعالي ملائكته و رسله ما لا نعلمه نحن و لا غيرنا، في حين أن عجبنا من ذلك لا يمنع حصوله، و انكارنا له لا يقف في وجه تعليمه سبحانه لأوليائه و أصفيائه... نستنكر كل شي‌ء لا يقع تحت قدرتنا، و لا تتحمله حواسنا، و لا يحيط به علمنا... فهل نحن مخلوقون أم خالقون؟. و ضعفاء أم شركاء له عزوجل في مشيئته؟. و مقسمون لعطايا بين عباده؟. [ صفحه 264] فالله جل و عز قادر علي أن يخلق العلم مع المخلوق الذي ينتجبه و يختاره لأمره، و لا أحد مطلقا يقف في وجه قدرته تعالي. و قد حدث عبدالله بن جندب «أنه كتب اليه أبوالحسن عليه‌السلام: انا لنعرف الرجل اذا رأيناه، بحقيقة الايمان، و بحقيقة النفاق» [338] . و تلك الدعوي قدم عليها الأئمة عليهم‌السلام ألف برهان و برهان، و سبقهم الي العلم بها أنبياء و أوصياء لا يحصون عدا... فصدق أو لا تصدق... فان انكار وجود الشمس لا يمنع من أنها تذرع الأفق يوميا بين الشروق و الغروب!. و قد قال سبحانه: (ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب و ما كان الله ليطلعكم علي الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فامنوا بالله و رسله و ان تؤمنوا و تتقوا فلكم أجر عظيم (179)) [339] . قال خالد الجوان: «دخلت علي أبي‌الحسن عليه‌السلام، و هو في عرصة داره في الرميلة: فلما نظرت اليه قلت - بأبي أنت و أمي يا سيدي: مظلوم مغصوب، مضطهد - في نفسي. (أي أنه لم يتلفظ بذلك). ثم دنوت منه فقبلت بين عينيه، و جلست بين يديه، فالتفت الي و قال: يابن خالد: نحن أعلم بهذا الأمر، فلا تتصور هذا في نفسك. قلت: جعلت فداك، والله ما أردت بهذا شيئا. [ صفحه 265] فقال: نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا. لو أردنا أذن لنا. و ان لهؤلاء القوم مدة، و غاية لابد من الانتهاء اليها. فقلت: لا أعود و أصير في نفسي شيئا أبدا. فقال: لا تعد أبدا» [340] . فامامنا عليه‌السلام علي بينة من الأمر عارف بما يراد به، و بما يجري عليه في عهد كل حاكم من سلاطين زمانه، موقن في عهد أيهم يغتال، فان ذلك مكتوب عنده في العهد من جده صلي الله عليه و اله و سلم، يعلمه أكثر من سائر البشر. و هذا هو الذي يميزه و يميز آباءه عليهم‌السلام فلا يخفي عنهم شي‌ء لأن الذي اختارهم للسفارة في أرضه، لا يلغي انتدابهم بمرسوم عزل، بل بمرسوم نقل من دار الهم و الغم و العناء، الي دار النعيم الدائم و البقاء، و يبوء خصمهم بالاثم الدائم الذي لا يزول. و الامام عليه‌السلام، يرحب بالشهادة في سبيل الدين، و يعدها فوزا عظيما بين يدي ربه، بدليل أن جده أميرالمؤمنين عليه‌السلام لما ضربه اللعين ابن‌ملجم في محراب مسجد الكوفة أثناء الصلاة، مسح الدم الشريف عن جبهته الكريمة و قال: فزت و رب الكعبة!. أي فاز بما وعده به رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من الموت شهيدا، و أن لحيته الكريمة ستخضب من دم جبهته الشريفة... و هكذا ينتظر كل امام أن ينال هذا الفوز مقتولا أو مسموما، و بسبيل ما يقوم به من أمر ربه عز شأنه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. والذي يحب المرء أن يقف عنده قليلا، هو أنه كيف عرف الامام عليه‌السلام ما تحدثت به نفس صاحبه الذي توجع لظلمه و اضطهاده. ولكن العارفين لا يقفون عند هذه النقطة من شأن الامام، لأنهم يعرفون أنه [ صفحه 266] عالم بما تتحدث به النفوس، و تهمس به الضمائر باذن الله عزوجل، و بشكل لا نستطيع تعليله و تقريبه الي الأذهان، و ان كان يخلصنا من ذلك أن الله تعالي علي كل شي‌ء قدير، و أنه لا تخفي عليه وساوس الصدور، و هو - سبحانه - لا يخفيها عن أوليائه و أصفيائه، قد خلق لهم هذه القدرة كما خلق لهم الحواس الخمس الأخري. قال علي بن جعفر الثقة الورع، أخو الامام سلام الله عليه: «جاءني محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق عليه‌السلام - أي أبن أخيه - و قد اعتمرنا عمرة رجب و نحن يومئذ بمكة فقال: يا عم: اني أريد بغداد، و قد أحببت أن أودع عمي أباالحسن - يعني الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام - أحببت أن تذهب معي اليه. فخرجت معه نحو أخي و هو في داره التي بالحوبة، و ذلك بعد المغرب بقليل. فطرقت الباب، فأجابني أخي فقال: من هذا؟. فقلت: علي. فقال: هوذا أخرج - و كان بطي‌ء الوضوء-. فقلت:العجل. فقال: و أعجل. فخرج و عليه ازار ممشق - أي مصبوع بالأحمر - قد عقده في عنقه، حتي قعد تحت عتبة الباب. فانكببت عليه فقبلت رأسه و قلت: قد جئتك بأمر ان تره صوابا فالله وفق له، و ان يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطي‌ء. قال: و ما هو؟ [ صفحه 267] قلت: هذا ابن‌أخيك يريد أن يودعك و يخرج الي بغداد. فقال لي: ادعه. فدعوته، و كان متنحيا، فدنا منه و قبل رأسه و قال: جعلت فداك أوصني. فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. فقال: من أرادك بسوء فعل الله به و فعل. ثم عاد فقبل رأسه ثم قال: يا عم، أوصني. فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي. فدعا علي من أراده بسوء، ثم تنحي عنه. و بقيت معه. فقال لي أخي: يا علي مكانك. فقمت مكاني، فدخل منزله، ثم دعاني، فدخلت اليه، فتناول صرة فيها مائة دينار أعطانيها و قال: قل لابن أخيك يستعين بها علي سفره. فأخذتها، فأدرجتها في حاشية ردائي. ثم ناولني مائة أخري و قال: أعطه أيضا. ثم ناولني صرة أخري و قال: أعطه أيضا. فقلت: جعلت فداك، اذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت، فلم تعينه علي نفسك؟!. فقال: اذا وصلته: و قطعني، قطع الله أجله. ثم تناول مخدة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وضح - أي صحيح - و قال: أعطه هذه أيضا. فخرجت اليه فأعطيته المائة الأولي،ففرح بها فرحا شديدا، و دعا [ صفحه 268] لعمه، ثم أعطيته الثانية، و الثالثة، ففرح بها حتي ظننت أنه سيرجع و لا يخرج. ثم أعطيته الثلاثة آلاف درهم. فمضي علي وجهه حتي دخل علي هارون الرشيد، فسلم عليه بالخلافة و قال: ما ظننت أن في الأرض خليفتين، حتي رأيت علي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة. فأرسل هارون اليه بمائة ألف درهم. فرماه الله بالذبحة - أي بدم يخنق و يقتل، فما نظر منها الي درهم و لا مسه!» [341] . نعم، قد وصل الامام عليه‌السلام ابن‌أخيه هذا بأكثر مما يظن، ثم كرر الصلة مرة و مرتين و أعطاه أضعاف أضعاف ما يحلم به، فخانه و وشي به عند هارون الرشيد، و جازي عمه سلام الله عليه بالعكس - فقطع الله عمره و قرب أجله فلم يفرح بعطاء الرشيد و لا استأنس بدرهم مسه بيده، لأنه قابل صلة الرحم المتكررة، بقطع الرحم و الكذب علي الامام، فانتقم الله تعالي منه، و رماه بذبحة بترت عمره كلمح البصر اذ فار دمه في عروقه فمزقها و خرج من ذلك الجسد النجس الذي قابل الاحسان بالبهتان. والذي يلفت النظر في الموضوع هنا، هو أن الامام عليه‌السلام، قد علم أن ابن أخيه سيسعي به عند السلطان فور دخوله عليه، فضاعف له العطاء، لتجي‌ء النقمة أسرع و أفظن لمن بادل الجميل بأقبح القبيح. و قال محمد بن الحسن: «ان بعض أصحابنا كتب الي أبي‌الحسن الماضي يسأله عن الصلاة علي الزجاج. [ صفحه 269] قال: فلما نفذت كتابي اليه، تفكرت و قلت: هو مما تنبت الأرض. ما كان لي أن أسأله عنه. فكتب الي: لا تصل علي الزجاج و ان حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض. ولكنه من الملح و الرمل، و هما ممسوخان» [342] . فلا يجوز لنا أن نقيس أهل بيت النبوة، صلوات الله عليهم، علي أنفسنا. فانهم كما قال صادقهم عليه‌السلام:«لا يقاس بنا أحد»... و من فعل ضل كما ضل ابليس حين قاس خلقه بخلق آدم عليه‌السلام، فصار أول لعين من رب العالمين. و قال خالد الجوان الذي مر ذكره: «خرجت و أنا أريد أباالحسن عليه‌السلام، فدخلت عليه و هو في عرصة داره. فسلمت عليه و جلست. و قد كنت أتيت لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل. فالتفت الي و قال: ينبغي لأحدكم اذا لبس الثوب الجديد أن يمر يده عليه و يقول: الحمدلله الذي كساني ما أواري به عورتي، و أتجمل به بين الناس. و اذا أعجبه شي‌ء فلا يكثر ذكره، فان ذلك مما يهده. و اذا كانت لأحدكم الي أخيه حاجة أو وسيلة لا يمكن قضاؤها، فلا يذكره الا بخير، فان الله يوقع ذلك في صدره فيقضي حاجته. فرفعت رأسي و أنا أقول: لا اله الا الله. فالتفت الي و قال: يا خالد اعمل ما أمرتك» [343] . [ صفحه 270] فبورك بكم يا سادة الخلق، و أعلام الحق، و تبارك خالقكم الذي أدبكم فأحسن أدبكم، و جعلكم تؤدبون شيعتكم بأكمل الأدب. و كونكم تعلمون بما في النفوس أعجب من العجيب بالنسبة الينا، ولكنه ليس بعزيز علي العزيز الوهاب الذي منحكم هذه العطية السنية. و قال ابراهيم بن مفضل بن قيس: «سمعت أباالحسن الأول عليه‌السلام، و هو يحلف أنه لا يكلم محمد بن عبدالله الأرقط أبدا. فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبر والصلة، و يحلف أنه لا يكلم ابن عمه؟!. فقال: هذا من بري به - و هو لا يصبر أن يذكرني و يعيبني. فاذا علم الناس أني لا أكلمه، لا يقبلون منه، أمسك عن ذكري و كان خيرا له» [344] . فهذه و أمثالها، حوادث خارقة للطبيعة بعيدة عن المعهود بين الناس اذ لا تصدر عن الرجل العادي. أما صدورها عن الأئمة عليهم‌السلام فهو من تمام ما فطروا عليه. و روي هشام [345] بن حاتم الأصم عن أبيه ما يلي: «قال شقيق البلخي: خرجت حاجا في سنة تسع و أربعين و مائة، فنزلنا القادسية، فبينا أنا أنظر الي الناس في زينتهم و كثرتهم، فنظرت الي فتي حسن [ صفحه 271] الوجه، شديد السمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، و قد جلس منفردا. فقلت في نفسي: هذا الفتي من الصوفية، يريد أن يكون كلا علي الناس في طريقهم. والله لأمضين اليه، و لأوبخنه. فدنوت منه، فلما رآني مقبلا - قال: يا شقيق (اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم...) [346] ثم تركني و مضي. فقلت في نفسي: ان هذا الأمر عظيم!. قد تكلم بما في نفسي، و نطق باسمي، و ما هذا الا عبد صالح. والله لألحقنه و أسألنه أن يحالني. فأسرعت في أثره، فلم ألحقه، و غاب عن عيني. فلما نزلنا واقصة و اذا به يصلي و أعضاؤه تضطرب، و دموعه تجري، فقلت: هذا صاحبي، أمضي اليه و أستحله. فصبرت حتي جلس و أقبلت نحوه. فلما رآني مقبلا قال: يا شقيق اتل: (و اني لغفار لمن تاب و ءامن و عمل صالحا ثم اهتدي (82)) [347] ثم تركني و مضي. فقلت: ان هذا لمن الأبدال!. لقد تكلم علي سري مرتين. فلما نزلنا زبالة اذا بالفتي قائم علي البئر و بيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر و أنا أنظر اليه، فرأيته و قد رمق السماء و هو يقول: أنت ربي اذا ظمئت الي الما ء، و قوتي اذا أردت الطعاما [ صفحه 272] اللهم سيدي مالي غيرها، فلا تعدمنيها. قال شقيق: فوالله، لقد رأيت البئر و قد ارتفع ماؤها، فمد يده و أخذ الركوة و ملأها ماء، فتوضأ و صلي أربع ركعات، ثم مال الي كثيب رمل فجعل يقبضه بيده و يطرحه في الركوة و يحركه و يشرب. فأقبلت عليه و سلمت عليه. فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك. فقال: يا شقيق، لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة و باطنة، فأحسن ظنك بربك. ثم ناولني الركوة، فشربت منها، فاذا هي سويق و سكر!. فوالله ما شربت قط ألذ منه، و لا أطيب ريحا!. فشبعت، و رويت، و بقيت أياما لا أشتهي طعاما و لا شرابا. ثم اني لم أره حتي دخلنا مكة، فرأيته ليلة الي جنب قبة الشراب في نفس الليل قائما يصلي بخشوع و أنين و بكاء. فلم يزل كذلك حتي ذهب الليل. فلما رأي الفجر جلس في مصلاه يسبح. ثم قال فصلي الغداة، و طاف بالبيت أسبوعا.فخرج، فتبعته، و اذا له غاشية و موال - أي أتباع يخدمونه، و شيعة له تقصده - و هو علي خلاف ما رأيت في الطريق. و دار به الناس يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتي؟!. فقال: هذا موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام. فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب الا لمثل هذا السيد» [348] . [ صفحه 273] و قد أثبت هذه القصة جماعة من أرباب التأليف و المحدثين، كابن الجوزي في كتابه (اثارة العزم الساكن، الي أشرف الأماكن) و في كتابه (صفة الصفوة). و كالحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي، و كالقاضي ابن‌خلاد الرامهرمزي في كتابه (كرامات الأولياء). و قد قال كمال الدين بن طلحة الشافعي عند رواية هذه القصة: «و لقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة، ذكرها بعض صدور أهل العراق، أثبتت لموسي عليه‌السلام أشرف منقبة؛ و شهدت له بعلو مقامه عندالله تعالي، و زلفي منزلته لديه» [349] . و ان ما ذكره شقيق البلخي عن امامنا الكاظم عليه‌السلام، في محطاته الثلاث، لا يصدر الا عن امام محاط بعناية ربه أينما حل أو ارتحل، مزود بعلم يمكنه من الاطلاع علي ما في النفوس، و معرفة ما توسوس به الصدور، بدليل مبادهته لشقيق البلخي بكل ما حدثته به نفسه في المواطن الثلاثة من تلك الطريق الطويلة في الصحراء القاحلة. و أئمتنا عليهم‌السلام يلهمون المعلومات الهاما. لما دعت الحاجة الي ذلك، و يتمكنون من معرفة ما يسألون عنه بتيسير من الله جلت قدرته و بتأييد منه و تسديد. و لا يتسني ذلك لأحد سواهم من المخلوقين، والحمدلله رب العالمين. [ صفحه 274]

آياته و معجزاته

قال أبوبصير رحمه الله: «قلت لأبي الحسن، موسي: جعلت فداك، بم يعرف الامام؟. قال: بخصال. أما أولاهن، فانه شي‌ء قد تقدم فيه عن أبيه، و أشار اليه ليكون حجة. و يسأل فيجيب، و اذا سكت عنه ابتدأ، و يخبر بما في غده، و يكلم الناس بكل لسان. ثم قال: يا أبامحمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم. فلم ألبث أن دخل عليه رجل من خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية، فأجابه أبوالحسن بالفارسية. فقال الخراساني: والله ما منعني أن أكلمك بالفارسية الا أني قد ظننت أنك لا تحسنها. فقال: سبحان الله!. اذا كنت لا أحسن أن أجيبك، فما فضلي عليك فيما أستحق به الامامة؟!. [ صفحه 275] ثم قال: يا أبامحمد، ان الامام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس، و لا منطق الطير، و لا كلام شي‌ء فيه روح» [350] . أجل، ولو لا ذلك لما كان حجة علي المخلوقين، و لا اماما للانس و الجن. و ان الذي ينتدبه ربه للأمر العظيم، لابد أن يكون عظيما لا شبيه له في العظماء. فلو فاقه أحد بخلة من الخلال، لظهر فيه عدم الكفاءة؛ ولو سها عن باله أمر، صغير أو كبير، لكان جاهلا بما يعلمه غيره، و تعالي الله عن أن يرصد لأمره الا انسانا كاملا في سائر معانيه. و قال بدر مولي الرضا: «ان اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر عليه‌السلام فجلس عنده، اذ استأذن رجل خراساني فكلمه بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير!. قال اسحاق: فأجابه موسي بمثله، و بلغته الي أن قضي و طره من مساءلته، و خرج من عنده. فقلت: ما سمعت مثل هذا الكلام!. قال - أي الامام عليه‌السلام -: هذا كلام قوم نم أهل الصين، و ليس كلام كل أهل الصين مثله. ثم قال: أتعجب من كلامي؟!. قلت: هو موضوع العجب. قال: أخبرك بما هو أعجب منه. ان الامام يعلم منطق الطير، و نطق كل ذي روح خلقه الله، و ما يخفي علي الامام شي‌ء» [351] . [ صفحه 276] نعم، و من شك في ذلك فقد شك مسبقا بامامة الامام، بل يكون قد شك بقدرة الله تعالي علي كل شي‌ء، و من ثم لم يعط الامامة معناها الحقيقي، و جل الله و عز عن أن يضع خليفة له يفتقر الي شي‌ء يوجد عند غيره، و تعالي علوا كبيرا عن أن يجعل العصفور يفهم لغة العصافير، و الامام يعجز عن ذلك. بل ينبغي أن يكون خليفته علي مستوي مركزه الرباني، رضينا بذلك أم أبينا، و عقلناه أم أنكرناه... فلا يجوز أن يمثل الدولة سفير لا تتوفر فيه الكفاءات اللائقة بالسفارة عن دولته؛ و الدولة التي لا تحسن اختيار مندوبها تكون قد أخفقت فعلا في ممارسة أعمالها. فلا بد للامام أن يعرف كل ما يجري من حوله في الأرض من أطرافها باذن ربه عزوعلا، و اذا تفوق عليه في فضل أو علم أو فقه أو معرفة، لبطل اختياره و كان المتفوق عليه أولي بالمركز منه. و روي محمد بن جزل أن ياسر الخادم قال: «كان غلمان أبي‌الحسن عليه‌السلام - أي خدمه - في البيت: صقالبة وروما. و كان أبوالحسن عليه‌السلام قريبا منهم فسمعتهم بالليل يتراطنون بالصقلبية و الرومية - أي يتكلمون بغير العربية - و يقولون: انا كنا نقتصد في بلادنا في كل سنة، ثم لم نفتصد هاهنا. فلما كان من الغد، وجه أبوالحسن عليه‌السلام الي بعض الأطباء فقال له: افصد فلانا عرق كذا و كذا، و افصد فلانا عرق كذا و كذا، ثم قال: يا ياسر، لا تفتصد أنت. قال - ياسر -: فافتصدت، فورمت يدي و اخضرت. فقال: يا ياسر، مالك؟!. [ صفحه 277] فأخبرته، فقال: ألم أنهك عن ذلك؟. هلم يدك. فمسح يده عليها، و تفل فيها، ثم أوصاني أن لا أتعشي. فكنت بعد ذلك كم شاء الله أتغافل و أتعشي، فيضرب علي» [352] - أي يهيج جرحه -. فمن الذي دل الامام عليه‌السلام علي معني ما تراطن به خدمه... و من علمه الطب و الفصد، و دله علي عرق كل واحد يجوز فصده فيه، ثم نبهه الي أن الخادم ياسر لا ينبغي له أن يفتصد؟. هل دله الطبيب؟!. لا، بل هو الذي دل الطبيب، و هو الذي أرشد الخادم أن لا يتعشي حتي لا يضطرب فصده و تتورم يده. و انها لتساؤلات هامة يجوز أن تصدر في حق غير الامام. أما الامام فهو امام الطبيب، و العالم، و الفيلسوف، و الفقيه، و كل مخلوق... و ان الذي اختاره للولاية، أعطاه كل أسباب الدراية و العلم. قال علي بن حمزة: «دخل رجل من موالي أبي‌الحسن عليه‌السلام، فقال: جعلت فداك، أحب أن تتغدي عندي. فقام أبوالحسن حتي مضي معه؛ و دخل البيت فاذا في البيت سرير، قعد علي السرير و اذ تحت السرير زوج حمام. فهدر الذكر علي الأنثي، و ذهب الرجل ليحمل الطعام، فرجع و أبوالحسن عليه‌السلام يضحك. قال: أضحك الله سنك، مم ضحكت؟. فقال: ان هذا الحمام هدر علي هذه الحمامة فقال لها: يا سكني [ صفحه 278] و عرسي، والله ما علي وجه الأرض أحد أحب الي منك الا هذا القاعد علي السرير!. قلت: جعلت فداك، و تفهم كلام الطير؟!. قال: نعم، علمنا منطق الطير، و أوتينا من كل شي‌ء». [353] . و الحقيقة أن الامام عليه‌السلام يؤتي من الله كل شي‌ء، الا ما استأثر به ربه عزوجل لنفسه. و كدليل علي أن امام الزمان يفهم لغة كل ذي روح من الانسان و الحيوان و الطير، نورد لك القصة التالية: قال علي بن حمزة البطائني: «خرج أبوالحسن، موسي عليه‌السلام في بعض الأيام من المدينة الي ضيعة له خارجة عنها، فصحبته. و كان عليه‌السلام راكبا بغلة و أنا علي حمار لي. فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت عنه خوفا، و أقبل أبوالحسن عليه‌السلام غير مكترث به. فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن و يهمهم. فوقف له أبوالحسن عليه‌السلام كالمصغي الي همهمته. و وضع الأسد يده علي كفل بغلته!. و قد همتني نفسي من ذلك و خفت خوفا عظيما. ثم تنحي الأسد الي جانب الطريق، و حول أبوالحسن عليه‌السلام وجهه الي القبلة و جعل يدعو و يحرك شفتيه بما لم أفهمه. ثم أومي بيده الي الأسد أن امض، فهمهم الأسد همهمة طويلة، و أبوالحسن عليه‌السلام يقول: آمين، آمين. ثم انصرف الأسد حتي غاب عنا، و مضي أبوالحسن عليه‌السلام لوجهه. فلما بعدنا عن الموضع قلت له: جعلت فداك، ما شأن هذا الأسد، فقد خفت والله عليك، و عجبت من شأنه معك!. [ صفحه 279] فقال لي أبوالحسن عليه‌السلام: انه خرج يشكو الي عسر الولادة علي لبوءته - أي أنثاه - وسألني أن أسأل الله تعالي أن يفرج عنها؛ ففعلت ذلك و ألقي في روعي أنها تلد ذكرا، فخبرته بذلك، فقال لي: امض في حفظ الله، و لا سلط الله عليك، و لا علي ذريتك، و لا علي أحد من شيعتك، شيئا من السباع. فقلت: آمين» [354] . و هي آية في غاية الغرابة لو حدثت مع أي انسان... الا مع الامام فانها طبيعية؟ و هي من صلب وظيفته كهمزة صلة بين السماء و الأرض، ولو تعجبنا نحن منها فذلك لقصور أفهامنا. و روي أن علي بن يقطين قال: «استدعي الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي‌الحسن، و يخجله في المجلس. فانتدب له رجل معزم. - و هو الذي يستعمل الرقي و السحر -. فلما أحضرت المائدة، عمل ناموسا - أي احتيالا و سحرا - علي الخبز. فكان كلما رام خادم أبي‌الحسن تناول رغيف من الخبز، طار من بين يديه!. و استقر هارون الفرح والضحك لذلك. فلم يلبث أبوالحسن أن رفع رأسه الي أسد مصور علي بعض الستور، فقال له: يا أسدالله، خذ عدوالله. قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترس ذلك المعزم!. [ صفحه 280] فخر هارون و ندماؤه علي وجوههم مغشيا عليهم، و طارت عقولهم من هول ما رأوه!. فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي‌الحسن عليه‌السلام: أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل. فقال [عليه‌السلام]: ان كانت عصا موسي ردت ما ابتلعته من حبال القوم و عصيهم، فان هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل» [355] . فسلام عليك يا سيدي و مولاي يا أباالحسن، فانك قد أبطلت افكهم و سحرهم و خروا مغشيا عليهم فزعا و رعبا، كما خر سحرة فرعون ساجدين ايمانا و تصديقا. و كما سجد سحرة فرعون تعظيما لله حين وقعت معجزة موسي عليه‌السلام، فكذلك وقع أعداؤك مغمي عليهم أمام عظمتك و قدرتك التي وهبها لك ربك عزوعلا... و يا ليتهم ما أفاقوا من غشيتهم و لا استفاقوا.... و مثل هذه الظاهرة الباهرة نري في القصة التالية أيضا. «في رواية أن الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالاستخفاف به عليه‌السلام. فقال له: ان القوم قد افتتنوا بك بلا حجة. فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوران علي المسند. فأشار عليه‌السلام اليهما، و قال: خذا عدوالله!. فأخذاه، و أكلاه ثم قالا: و ما الأمر؟. أنأخذ الرشيد؟. [ صفحه 281] قال: لا، عودا الي مكانكما» [356] . فيا هارون، بل يا قارون السلطة، هل بقي عندك رشد ان كنت تملك الرشد، بعد هذه النازلة الهائلة؟.انها قد أودت بصاحبك الوقح الذي غششته فأوردته مورد الهلاك في الدنيا و الآخرة... و اذا كان الامام عليه‌السلام قد خلع عليه صفة عدوالله، فأية صفة يخلع عليك لو كنت تعقل؟!. مات صاحبك و غله في صدره، و مت أنت فدفن معك حقك و مكرك... و كفرك... ولم يكن الامام عليه‌السلام بصدد طلب سلطان في الدنيا، بل كان شأنه كشأن آبائه عليهم‌السلام، يبطل ما أنت عليه، كما أبطلوا ما كان آباؤك عليه... و عن عبدالله بن المغيرة أنه قال: «مر العبد الصالح بامرأة بمني و هي تبكي و صبيانها من حولها يبكون، و قد ماتت لهم بقرة. فدنا منها، ثم قال لها: ما يبكيك يا أمة الله؟. قالت: يا عبدالله، ان لنا صبيانا يتامي، و كانت لي بقرة معيشتي و معيشة صبياني كان منها، و قد ماتت، و بقيت منقطعا بي و بولدي لا حيلة لنا. فقال: يا أمة الله، هل لك أن أحييها لك!. فألهمت أن قالت: نعم، يا عبدالله. فتنحي، و صلي ركعتين، ثم رفع يده هنيئة و حرك شفيته. ثم قام [ صفحه 282] فصوت بالبقرة، فنخسها نخسة - أي و كزها بعود في جسمها - أو ضربها برجله، فاستوت علي الأرض قائمة. فلما نظرت المرأة الي البقرة، صاحت و قالت: عيسي بن مريم و رب الكعبة!. فخالط الناس و صار بينهم، و مضي عليه‌السلام». [357] . و هذه آية و معجزة ثالثة. فالأولي كمعجزة سليمان عليه‌السلام الذي علم منطق الطير، والثانية كمعجزة موسي عليه‌السلام حين أبطل السحر و ما جاء به الساحرون، و الثالثة - هذه - كواحدة من معاجز المسيح عيسي بن مريم، سلام الله عليهما. و كهذه، و تلك و تلك، ما جاء في القصة التي رواها الثقة التقي علي بن أبي‌حمزة الذي قال: «أخذ بيدي موسي بن جعفر يوما فخرجنا من المدينة الي الصحراء، فاذا نحن برجل مغربي علي الطريق يبكي و بين يديه حمار ميت، و رحله مطروح. فقال له موسي: ما شأنك؟. قال: كنت مع رفقائي نريد الحج، فمات حماري هاهنا، و بقيت و مضي أصحابي. و بقيت متحيرا ليس لي شي‌ء أحمل عليه. فقال له موسي: لعله لم يمت. [ صفحه 283] فقال: أما ترحمني، حتي تلهو بي؟!. قال: ان عندي رقية جيدة. قال الرجل: ما يكفيني ما أنا فيه، حتي تستهزي‌ء بي؟!. فدنا موسي عليه‌السلام من الحمار، و دعا بشي‌ء لم أسمعه، و أخذ قضيبا كان مطروحا فنخسه به وصاح عليه، فوثب قائما صحيحا سليما. فقال: يا مغربي أتري هاهنا شيئا من الاستهزاء؟!. الحق بأصحابك. ومضينا و تركناه. قال علي بن حمزة: فكنت واقفا يوما علي زمزم، و اذا المغربي هناك. فلما رآني عدا الي وقبلني فرحا مسرورا. فقلت: ما حال حمارك؟. فقال: هو والله صحيح سليم، و لا أدري من أين من الله علي و أحيا لي حماري بعد موته. فقلت له: قد بلغت حاجتك، فلا تسأل عما لا تبلغ معرفته» [358] . فكل واحد من أئمتنا صلوات الله عليهم، يكون مسيح زمانه، لأن القدرة الالهية التي سلحت عيسي عليه‌السلام بمواهبه و معاجزه، هي ذاتها تسلح كل منتجب لأمر الله بمواهب مماثلة تراها منه عند الحاجة اليها كدليل قاطع علي صلته الحقيقية بالسماء التي اختارته لخير البشر. ... قال اسحاق بن عمار: «لما حبس هارون أباالحسن عليه‌السلام، دخل عليه أبويوسف - قاضي [ صفحه 284] قضاة القصر - و محمد بن الحسن، صاحبا أبي‌حنيفة، فقال أحدهما للآخر: نحن علي أحد أمرين، اما أن نساويه، و اما أن نشككه - و في بعض النسخ: نسكته، و هو الأصح -. فجلسا بين يديه، فجاء رجل كان موكلا به من قبل السندي، فقال: ان نوبتي قد انقضت، و أنا علي الانصراف. فان كانت لك حاجة فأمرني حتي آتيك بها في الوقت الذي تلحقني النوبة. فقال [عليه‌السلام]: ما لي حاجة. فلما خرج قال لأبي يوسف، و محمد بن الحسن: ما أعجب هذا، يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع، و هو ميت في هذه الليلة. قال: فغمز أبويوسف محمد بن الحسن، فقاما. فقال أحدهما للآخر: انا جئنا نسأله عن الفرض و السنة، و هو الآن جاء بشي‌ء آخر كأنه من علم الغيب!. ثم بعثا برجل مع الرجل الآخر فقالا: اذهب حتي تلازمه و تنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة، و تأتينا بخبره من الغد. فمضي الرجل حتي قام في مسجد عند باب داره، فلما أصبح سمع الواعية و رأي الناس يدخلون داره، فقال: ما هذا؟!. قالوا: مات فلان في هذه الليلة فجأة، من غير علة. فانصرف اليهما فأخبرهما، فأتيا أباالحسن عليه‌السلام فقالا: قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال و الحرام، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل أنه يموت في هذه الليلة؟!. قال: من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. [ صفحه 285] فلما ورد عليهما هذا، بقيا لا يحيران جوابا» [359] . و حق لهما أن يسكتا و لا يجيباه عليه‌السلام. فقد دخلا عليه ليماحكاه مماحكة مقصودة، فرماهما بمعجزة سماوية أبقتهما جامدين باهتين، بلا جواب و لا احتجاج... فلم يساوياه، و لم يسكتاه، بل عادا خائبين. و أعجب من الآية السابقة التي تدهش من لا يعرف علم الامام و لا قدرته، آية السرقين الذي أراد هارون العنيد أن يعبث به مع الامام عليه‌السلام، فأراه الامام عجبا. فقد «روي أن هارون الرشيد بعث يوما الي موسي عليه‌السلام، علي يد ثقة له، طبقا من السرقين الذي هو علي هيئة التين، و أراد استخفافه. فلما وضع الازار عنه، فاذا هو من أحلي التين و أطيبه!. فأكل عليه‌السلام، و أطعم الحامل منه، ورد بعضه الي هارون الرشيد. فلما تناوله هارون الرشيد صار سرقينا في فيه - أي لما أكل منه - و كان تينا جنيا» [360] . فيا خليفة الزمان... الذي استخلفه، علي عرش رسول الله، الشيطان: أردت الاستخفاف بامام الزمان، ففقأ في عينك حصرمة، وفقا في فيك سرقينا حريفا، بعد أن قلبه الله تعالي في فمه الشريف تينا لذيذا... [ صفحه 286] و عن علي بن حمزة رحمه الله، قال: «كنت معتكفا في مسجد الكوفة، اذ جاءني أبوجعفر الأحول بكتاب مختوم من أبي‌الحسن عليه‌السلام. فقرأت كتابه، فاذا فيه: اذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فأحرزه حتي أطلبه منك. فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه - أي محل ثيابه - في صندوق مقفل في جوف قمطر - أي محفظة - في جوف حق - صندوق صغير - مقفل، و باب البيت مقفل، و مفاتيح هذه الأقفال في حجرته. فاذا كان الليل فهي تحت رأسه، و ليس يدخل بيت البز غيره. فلما حضر الموسم خرج الي مكة، و أفاد بجميع ما كتب اليه من حوائجه. فلما دخل عليه، قال له العبد الصالح: يا علي، ما فعلت بالكتاب الصغير الذي كتبت اليك فيه أن احتفظ به؟. فحكيته. - أي قص عليه كيف خبأه داخل الأقفال -. قال: اذا نظرت الي الكتاب، أليس تعرفه؟. قلت: بلي. فرفع مصلي تحته، فاذا هو قد أخرجه الي، فقال: احتفظ به. فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك. قال علي: فرجعت الي الكوفة و الكتاب معي. فأخرجته في درور جيبي عند ابطي. فكان الكتاب: حياة علي في جيبه. فلما مات علي قال محمد و حسن، [ صفحه 287] ابناه: فلم يكن لنا هم الا الكتاب. ففقدناه فعلمنا أن الكتاب قد صار اليه» [361] . فما ألطف هذه المعجزة، حين أبرز أبوالحسن عليه‌السلام الكتاب لصاحبه في مكة، مع أن صاحبه تركه في الكوفة داخل أقفال و أقفال. فكيف حصل عليه من وراء أربعة أقفال؟!. بالسحر؟. لا، بل بقدرة الله عزوجل الذي هو علي كل شي‌ء قدير، و الذي يفعل ما يستحيل فعله علي الناس. و أجمل ما في هذه القصة أنه عليه‌السلام، قد رد الكتاب الي صاحبه و أمره أن يحتفظ به، و أخبره أنه لو عرف ما فيه لضاق صدره، لأن فيه موعد أجله و فراق الحياة. و بالمناسبة أحيي أمثال هذا الصاحب العظيم الذي يأتمر بأمر امامه الي هذا الحد و يحمل الكتاب بدنو موته سنة كاملة و لا يخطر بباله أن يفتح الكتاب امتثالا لأمر مولاه صلوات الله عليه. و قال مولي لأبي عبدالله عليه‌السلام: «كنا مع أبي‌الحسن عليه‌السلام حين قدم البصرة، فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة، و خلفنا سفينة فيها امرأة تزف الي زوجها، و كانت لهم جلبة - أي ضجة و صراخ - فقال: ما هذه الجلبة؟. قلنا: عروس. فما لبثنا أن سمعنا صيحة، فقال: ما هذا؟. فقالوا: ذهبت العروس لتغترف ماء، فوقع منها سوار من ذهب، فصاحت. [ صفحه 288] فقال: احبسوا، و قولوا لملاحهم يحبس. - أي قفوا -. فحبسنا، و حبس ملاحهم. فاتكا علي السفينة، و همس قليلا - أي تكلم بكلام خفي - و قال: قولوا لملاحهم يتزر بفوطة ثم ينزل فيتناول السوار. فنظرنا فاذا السوار علي وجه الأرض، و اذا ماء قليل؛ فنزل الملاح و أخذ السوار. فقال: أعطها، و قل لها فلتحمد الله ربها، ثم سرنا. فقال له أخوه اسحاق: جعلت فداك، الدعاء الذي دعوت به، علمنيه. قال: نعم، و لا تعلمه من ليس له بأهل، و لا تعلمه الا من كان من شيعتنا. ثم قال: اكتب، فأملاه علي انشاء: يا سابق كل فوت، يا سامعا لكل صوت قوي أو خفي، يا محيي النفوس بعد الموت، لا تغشاك الظلمات الحندسية - أي الشديدة العتمة - و لا تشابه عليك اللغات المختلفة، و لا يشغلك شي‌ء عن شي‌ء؛ يا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض، عن دعوة داع دعاه من السماء، يا من له عند كل شي‌ء من خلقه سمع سامع، و بصر نافذ، يا من لا تغلطه كثرة المسائل، و لا يبرمه الحاح الملحين، يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه و بقائه، يا من سكن العلي، و احتجب عن خلقه بنوره. يا من أشرقت لنوره دجاء الظلم، أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها، صل علي محمد و أهل بيته. ثم سل حاجتك» [362] . و ان هذه العزائم لو قرئت - بايمان صادق - علي جبل لاندك و غار في [ صفحه 289] الأرض، فانها كلمات تجعل البحر جمدا اذا صدرت عن قلب موقن بعظمة الخالق العظيم القادر علي كل شي‌ء. و ان الامام عليه‌السلام، كان يفعل مثل هذه الغرائب ليثبت أصحابه علي الحق، و ليشد قلوبهم، و يرسخ عقيدتهم، و يزيد في يقينهم، و يضمن لهم حسن المنقلب. و قال الرافعي: «كان لي ابن‌عم يقال له: الحسن بن عبدالله. و كان زاهدا، و كان من أعبد أهل زمانه. و كان السلطان يتقيه لجده في الدين و اجتهاده و ربما استقبل السلطان بالأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر بما يغضبه، فيحتمل ذلك لصلاحه. فلم تزل هذه حاله حتي دخل يوما المسجد و فيه أبوالحسن، موسي عليه‌السلام، فأومأ اليه، فأتاه، فقال له: يا با علي، ما أحب الي ما أنت فيه، و أسرني به!. الا أنه ليست لك معرفة. فاطلب المعرفة. فقال له: جعلت فداك، و ما المعرفة؟!. قال: اذهب تفقه واطلب الحديث. قال: عن من؟!. قال: من فقهاء المدينة، ثم اعرض علي الحديث. فذهب، فكتب. ثم جاء فعرضه عليه، فأسقط كله!. ثم قال: اذهب فاعرف. و كان الرجل معنيا بدينه، فلم يزل يترصد أباالحسن حتي خرج الي ضيعة له. فلقيه في الطريق فقال له: جعلت فداك، اني أحتج عليك بين يدي الله عزوجل، فدلني علي ما تجب علي معرفته. فأخبره أبوالحسن عليه‌السلام بأمر أميرالمؤمنين عليه‌السلام و حقه و ما يجب له، و أمر الحسن و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد صلوات الله عليهم، ثم سكت. [ صفحه 290] فقال له: جعلت فداك، فمن الامام اليوم؟. قال: ان أخبرتك تقبل مني؟. قال: نعم. قال: أنا هو. قال: فشي‌ء أستدل به؟!. قال: اذهب الي تلك الشجرة - و أشار الي بعض شجر أم غيلان - و قل لها: يقول لك موسي بن جعفر: أقبلي. قال: فأتيتها، فرأيتها والله تخذ الأرض خدا - أي تشقها - حتي وقفت بين يديه. ثم أشار لها بالرجوع، فرجعت. قال: فأقر به، ثم لزم الصمت و العبادة. و كان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك» [363] . و هذه من علاه احدي المعالي. و هي من معاجز جده سيد الخلق نبينا محمد صلي الله عليه و اله و سلم، و كفي بذلك شرفا له عليه‌السلام. قال الراوندي - رحمه الله تعالي -: الباب الثامن من معجزات موسي بن جعفر عليه‌السلام:«عن أبي‌الحسن، الرضا عليه‌السلام، قال: قال أبي، موسي بن جعفر عليه‌السلام، لعلي بن أبي‌حمزة مبتدئا: [ صفحه 291] انك لتلقي رجلا من أهل المغرب يسألك عني، فقل: هو الامام الذي قال لنا أبوعبدالله، الصادق عليه‌السلام. فاذا سألك عن الحلال و الحرام فأجبه. قال: فما علامته؟. قال: رجل طويل جسيم، اسمه يعقوب بن يزيد، و هو رائد قومه. و ان أراد الدخول الي، فأحضره عندي. قال علي بن أبي‌حمزة: فوالله اني لفي الطواف، اذ أقبل رجل طويل جسيم فقال لي: اني أريد أن أسألك عن صاحبك. قلت: عن أي الأصحاب؟. قال: عن موسي بن جعفر عليه‌السلام. قلت: ما اسمك؟ قال: يعقوب بن يزيد. قلت: من أين أنت؟. قال: من المغرب. قلت: من أين عرفتني؟!. قال: أتاني آت في منامي فقال لي: الق علي بن أبي‌حمزة، فسله عن جميع ما تحتاج اليه. فسألت عنك، فدللت عليك. قلت: اقعد في هذا الموضع حتي أفرغ من طوافي و أعود اليك. فطفت ثم أتيته فكلمته، فرأيت رجلا عاقلا فطنا، فالتمس مني الوصول الي موسي بن جعفر عليه‌السلام، فأوصلته اليه. فلما رآه قال: يا يعقوب بن يزيد، قدمت أمس و وقع بينك و بين أخيك [ صفحه 292] خصومة في موضع كذا حتي تشاتمتما. و ليس هذا من ديني و لا دين آبائي؛ فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا. فاتق الله، فانكما ستفترقان عن قريب بموت. فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل الي أهله، و تندم أنت علي ما كان منك اليه. فانكما تقاطعتما، و تدابرتما، فقطع الله عليكما أعماركما. فقال الرجل: يابن رسول الله، فأنا متي يكون أجلي؟. قال: كان قد حضر أجلك، فوصلت عمتك بما وصلتها في منزل كذا و كذا، فنسأ الله في أجلك عشرين حجة. قال علي بن أبي‌حمزة: فلقيت الرجل من قابل بمكة، فأخبرني أن أخاه توفي و دفنه في الطريق قبل أن يصلي الي أهله» [364] . فتأمل - يا قارئي الكريم - واحكم بما آتاك الله من انصاف، وطأطي‌ء بعدها رأسك لهذا الامام الكريم الذي دل صاحبه علي المغربي، و فند للمغربي ما جري له مع أخيه، و أخبره بما يجري لأخيه قبل رجوعه لأهله، و بما فعله من صنيع جميل مع عمته في موضع كذا و كذا، فمد الله تعالي في عمره عشرين سنة.. فمن أطلعه علي ذلك مما كان، و مما سيكون؟!. معلوم. و قال الحسن بن علي، الوشاء: «حدثني محمد بن يحيي، عن وصي علي بن السري،قال: قلت لأبي الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: ان علي بن السري قد توفي و أوصي الي. [ صفحه 293] فقال: رحمه الله. فقلت: و ان ابنه جعفرا وقع علي أم ولد له، و أمرني أن أخرجه من الميراث. فقال: أخرجه، و ان كان صادقا فسيصيبه خبل - أي جنون -. فرجعت، فقدمني الي أبي‌يوسف القاضي، فقال له: أصلحك الله، أنا جعفر بن علي السري، و هذا وصي أبي؛ فمره أن يدفع الي ميراثي من أبي. فقال - أي القاضي -: ما تقول؟ قلت: نعم، هذا جعفر، و أنا وصي أبيه. قال: فادفع اليه ماله. فقلت له: أريد أن أكلمك. فقال: ادنه. فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي، فقلت: هذا وقع علي أم ولد لأبيه، فأمرني أبوه أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا. فأتيت موسي بن جعفر عليه‌السلام في المدينة، فأخبرته و سألته، فأمرني أن أخرجه من الميراث. فلا أورثه شيئا. فقال: الله!. ان أباالحسن أمرك بذلك؟!. قلت: نعم. فاستحلفني ثلاثا، و قال: أنفذ ما أمرك به، فالقول قوله. قال الوصي: وأصابه الخبل بعد ذلك. و قال الحسن بن علي، الوشاء: رأيته علي ذلك - أي مخبلا-» [365] . [ صفحه 294] فمن الذي أنبأ أباالحسن عليه‌السلام بأن جعفر بن علي السري سيصاب بالخبل؟ لقد قالها بمل‌ء فيه...لأنه لا ينطق عن ضرب بالرمل، بل هي أمر حادث عن قرب ويراه أمام ناظريه، و لا يرجم بالغيب، و لا يقول قول العرافين، بل يخبر عن علم كمن رأي و كمن سمع... و لا عجب اذ ترفده السماء بعطاياها السنية. «ان بعض الخلفاء من كان له نائب عظيم الشأن في الدنيا، من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مدته. و كان ذا سطورة و جبروت. فلما انتقل الي الله تعالي، أمر الخليفة أن يدفن في ضريح مجاور لضريح الامام موسي بن جعفر عليه‌السلام بالمشهد المطهر. و كان بالمشهد نقيب معروف مشهود له بالصلاح، فذكر أنه بعد دفن النائب المتوفي في المشهد، رأي في منامه أن القبر قد انفتح و النار تشتعل فيه، و قد انتشر منه دخان و رائحة قتار هذا المدفون فيه الي أن ملأت المشهد - أي رائحة العظام المحروقة-. و رأي أن الامام موسي الكاظم عليه‌السلام واقف، فصاح بهذا النقيب باسمه و قال له: تقول للخليفة: يا فلان - و سماه باسمه - لقد آذيتني بمجاوره هذا الظالم، و قال كلاما خشنا. فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرتعد فزعا و خوفا!. فلم يلبث أن كتب ورقة و سيرها الي الخليفة منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها. فلما جن الليل، جاء الخليفة الي المشهد المطهر بنفسه، و استدعي النقيب، و دخلوا الضريح، و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون الي موضع آخر خارج المشهد. [ صفحه 295] فلما كشفوه و جدوا فيه رماد الحريق، و لم يجدوا للميت أثرا». [366] . فاذا كان حال النائب الظالم للخليفة هكذا. فما حال الخليفة اذا كان ظالما و متعديا؟!. رباه!. ألم تجعل للسلاطين عقولا؟! لقد تم احراق جثمان الحاكم الظالم ليلة دفنه... و تلقفنه ملائكة العذاب بلهيب النار!. و قلما يصدق ذلك ظلمة الحكام... و عن المفضل بن عمر، قال: «لما مضي الصادق كانت وصيته الي الكاظم عليه‌السلام، فادعي أخوه عبدالله الامامة، و كان أكبر ولد جعفر في وقت ذلك، و هو المعروف بالأفطح. فأمر موسي بجمع حطب كثير في وسط داره، و أرسل الي أخيه عبدالله أنت يصير اليه. فلما صار اليه كان مع موسي جماعة من الامامية. فلما جلس موسي أمر بطرح النار في الحطب، فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه، حتي صار الحطب كله جمرا، ثم قام موسي و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدث الناس ساعة!. ثم قام فنفض ثوبه و رجع الي المجلس فقال لأخيه عبدالله: ان كنت تزعم أنك الامام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس. قالوا: فرأينا عبدالله قد تغير لونه، وقام يجر رداءه حتي خرج من دار موسي عليه‌السلام» [367] . [ صفحه 296] و هكذا كانت النار بردا و سلاما علي امامنا الكاظم عليه‌السلام، كما كانت علي أبيه ابراهيم خليل الله عليه‌السلام من قبل. و امامنا حفيده - صلوات الله عليهما - فلا بأس أن يرث هذه المكرمة عن جده أبي‌الأنبياء. و ما ذكرناه من آياته و بيناته يطلع القاري‌ء الكريم علي عظمة حفيد سيد الخلق رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و حفيد أميرالمؤمنين و الزهراء عليهما أفضل الصلاة والسلام. و قال - أخيرا - خالد السمان: «ان الرشيد دعا رجلا يقال له: علي بن صالح الطالقاني، و قال له: أنت الذي تقول: ان السحب حملتك من بلد الصين الي الطالقان؟!. قال: نعم. قال: فحدثنا كيف كان؟!. قال: كسر مركبي في لجج البحر، فبقيت ثلاثة أيام علي لوح تضربني الأمواج. فألقتني الأمواج الي البر؛ فاذا أنا بأنهار و أشجار، فنمت تحت ظل شجرة. فبينا أنا نائم اذ سمعت صوتا هائلا، فانتبهت فزعا مذعورا، فاذا أنا بدابتين يقتتلان علي هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما. فلما بصرا بي دخلا في البحر. فبينما أنا كذلك اذ رأيت طائرا عظيما الخلق وقع قريبا مني، بقرب كهف في جبل، فقمت مستترا بالشجرة حتي دنوت منه لأتأمله. فلما رآني [ صفحه 297] طار. و جعلت أقفو أثره. فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تكبيرا و تلاوة قرآن. فدنوت من الكهف، فناداني مناد من الكهف: أدخل يا علي بن صالح الطالقاني رحمك الله. فدخلت و سلمت، فاذا رجل فخم ضخم عليه الكراديس، عظيم الجثة، أنزع، أعين، فرد علي السلام و قال: يا علي بن صالح الطالقاني، أنت من معدن الكنوز [368] و لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف لولا أن الله رحمك في هذا اليوم، فأنجاك وسقاك شرابا طيبا. ولقد علمت الساعة التي ركبت فيها، و كم أقمت في البحر، و حين كسر بك المركب، و كم لبثت تضربك الأمواج، و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت، اختيارا للموت لعظيم ما نزل بك، والساعة التي نجوت فيها، و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، و اتباعك للطائر الذي رأيته واقفا، فلما رآك صعد طائرا الي السماء. فهلم فاقعد رحمك الله. فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله، من أعلمك بحالي؟. فقال: عالم الغيب و الشهادة (الذي يراك حين تقوم (218) و تقلبك في الساجدين (219)) [369] ثم قال: أنت جائع. فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فاذا بمائدة عليها منديل، فكشفه و قال: هلم الي ما رزقك الله، فكل. فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه. ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه و لا أعذب. ثم صلي ركعتين، ثم قال: يا علي، أتحب الرجوع الي بلدك؟. [ صفحه 298] فقلت: و من لي بذلك؟!. فقال: كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك. ثم دعا بدعوات، و رفع يديه الي السماء و قال: الساعة الساعة، فاذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، و كلما وافت غمامة قالت: سلام عليك يا ولي الله و حجته، فيقول: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة. ثم يقول لها: أين تريدين؟. فتقول: أرض كذا و كذا. فيقول: لرحمة أو لسخط!. فتقول: لرحمة أو سخط، و تمضي. حتي جاءت سحابة حسنة مضيئة فقالت: السلام عليك يا ولي الله و حجته. قال: و عليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة؛ أين تريدين؟. فقالت: أرض الطالقان. فقال: لرحمة أو لسخط؟. فقالت: لرحمة. فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله. فقالت: سمعا وطاعة. قال لها: فاستقري باذن الله علي وجه الأرض. فاستقرت. فأخذ بعض عضدي و أجلسني عليها. فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم، و بحق محمد خاتم النبيين، و علي سيد الوصيين، و الأئمة الطاهرين، من أنت، فقد أعطيت والله أمرا عظيما!. [ صفحه 299] فقال: ويحك يا علي بن صالح، ان الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، اما باطن، و اما ظاهر. أنا حجة الله الظاهرة، و حجته الباطنة، أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم، و أنا المؤدي الناطق عن الرسول، أنا في وقتي هذا موسي بن جعفر. فذكرت امامته و امامة آبائه.. و أمر السحابة بالطيران، فطارت. والله ما وجدت ألما و لا فزعت. فما كان بأسرع من طرفة العين حتي ألقتني بالطالقان، في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية. فقتله الرشيد، و قال: لا يسمع بهذا أحد» [370] . فها قد سمعنا بذلك يا قارون العنيد... رغما عنك. أفتريد أن تستر نور الشمس عن الأرض بكفك البالية يا خليفة الظلم. ان قصة كهذه كلما حاولت طمسها، كلما ازدادت شيوعا، و كلما تحدثت بها الركبان، و نقلها لسان الي سمع فالي لسان.... انك الآن تذوق مرارة تحديك لمشيئة الله عزوجل، و تجني ثمرة أعمالك التي أغضبت بها ربك حين ناصبت العداء لآل الرسول صلي الله عليه و عليهم، و حين قطعت رحمهم و هم أبناء عمومتك... ولن نلومك فقد سبقك الي أعظم منها، عمك أبولهب، فخلد الله تعالي ذمه في القرآن، و أنت خلدت تاريخا لك أسود تعج بموبقاته بطون الكتب و أسفار التاريخ... و عجبا ممن يعتبرك رشيدا في كتب التاريخ و بين الناس!. [ صفحه 300]

سيرته مع شيعته

بسم الله نفتتح هذا الموضوع الذي يبين الأدب الرفيع الذي أدب أئمتنا عليهم‌السلام شيعتهم، و بما عناه سيدنا الامام الكاظم سلام الله عليه حين قال: «كثيرا ما كنت أسمع أبي‌يقول: ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن؛ و ليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم خلق لله أورع منه» [371] . فأئمتنا عليهم‌السلام مربون ماهرون. و قد فطرهم الله تعالي علي القول الذي يذهب مثلا في كل زمان و مكان، و يبقي دستور قويما، و صراطا مستقيما. و كلماتهم الشريفة تنفذ الي أعماق القلوب في الصدور... و تطوي العصور و الدهور و تبقي حقائق ثابتة لا يأتيها الباطل...و لم أر في فلاسفة العالم، و لا في علماء البشر، أحدا يقول قولا لا جدال فيه غيرهم، لأنهم [ صفحه 301] يصدرون بقولهم عن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و عن كتاب الله المجيد... و عن الهام رباني... و لا تبديل لكلمات الله عزوجل. فعن ابراهيم بن عبدالحميد، عن أبيه، عن امامنا أبي‌الحسن عليه‌السلام، قال:سمعته يقول: خلق الله الأنبياء و الأوصياء يوم الجمعة؛ و هو اليوم الذي أخذ الله فيه ميثاقهم. و قال: خلقنا نحن و شيعتنا من طينة مخزونة، لا يشذ منها شاذ الي يوم القيامة» [372] . فالحمدلله الذي جعلنا من طينتهم الشريفة، و من المجبولين علي محبتهم، و من المنعقدة قلوبنا علي ولايتهم. و نسأله سبحانه أن يحشرنا في زمرتهم، و تحت لوائهم، لننال شفاعتهم يوم لا ينفع مال و لا بنون. و كذلك قال امامنا عليه‌السلام: «ليس كل من قال بولايتنا مؤمنا، ولكن جعلو انسا للمؤمنين» [373] . أي أنه تعالي جعل القائلين بولايتهم - من غير العاملين بأوامرهم و نواهيهم - حصنا للؤمنين الصادقي الايمان، يحامون عنهم، و يدفعون كل أذي و انتقاد ليكونوا مرهوبين، أو علي الأقل ليكونوا محفوظين لا تنالهم يد و لا لسان. فالشيعي العالم العارف الورع، يدافع عنه كل شيعي عامل أو متهاون، و عن كل مسلم مؤمن. [ صفحه 302] و قال علي بن جعفر، رواية عن أخيه الكاظم عليه‌السلام: «انما شيعتنا المعادن و الأشراف، و أهل البيوتات، و من مولده طيب!. قال علي بن جعفر: فسألته عن تفسير ذلك؟. فقال: المعادن من قريش، و الأشراف من العرب، و أهل البيوتات من الموالي، و من مولده طيب من أهل السواد» [374] . فما أجمل هذا التفصيل الذي يدل علي أن شيعتهم خلاصة الناس و أصفياؤهم. و مثل هذا التفصيل ما يلي: روي صالح بن عقبة، عنه عليه‌السلام، أنه قال: «الناس ثلاثة: عربي، و مولي، و علج، فأما العرب فنحن، و أما الموالي فمن والانا، و أما العلج فمن تبرأ منا و ناصبنا» [375] . و هكذا نري أن كل امام يضع الخطوط الكبري لمنهج تربيته للشيعة، و يشرف علي تطبيقه ليري الموالي صافيا مصفي، طاهر الذات، منسجما في قوله و عمله، صادقا في سره و علنه. فاستمع الي قول امامنا هذا عليه‌السلام الذي قال: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل خيرا استزاد الله، و حمدالله عليه، و ان عمل شرا استغفرالله منه، و تاب اليه» [376] . نعم، و ان كل عاقل يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، و يصلح نفسه يوما [ صفحه 303] بعد يوم، ليأتي وقت يرضي فيه عن نفسه حين يضمن رضي الله تعالي عليه، و هذه قواعد راسخة يبني أئمتنا عليهم‌السلام تربيتهم للشيعة عليها ليكونوا من أكمل الخلق. و هم أساتذه ماهرون، و مربون فاخرون، يمسكون بقلوب شيعتهم كيلا يضلوا و لا يزلوا. «و قد روي السيد ابن‌طاووس أنه كان جماعة من خاصة أبي‌الحسن، موسي عليه‌السلام، من أهل بيته و شيعته، يحضرون مجلسه و في كمامهم ألواح آبنوس لطاف، و أميال، فاذا نطق أبوالحسن عليه‌السلام، بكلمة، و أفتي في نازلة، أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك» [377] . و هذا هو شأن طالب المعرفة بين يدي أستاذ معصوم ينقل عن أبيه، عن جده، عن رسول الله، عن جبرئيل، عن اللوح، عن القلم، عن الله تبارك و تعالي، و لا يغير حرفا، و لا يبدل كلمة، و لا يقول من عند نفسه شيئا. و قد صدق سيدنا أبوالحسن عليه‌السلام فيما نقله عنه ابراهيم بن عبدالحميد الذي قال: «محادثة العالم علي المزابل، خير من محادثة الجاهل علي الزرابي» [378] . و الزرابي هو شبه المسند الذي يتكأ عليه من الفراش الناعم. و ليس أشرف من هذا القول في ميزان التقدير و الاعتبار، لأن محادثة العالم ذات فائدة دائما، في حين أن محادثة الجاهل اما أنها لا تجر نفعا، أو أنها توقع في الاثم. [ صفحه 304] قال علي بن يقطين: «قال أبوالحسن عليه‌السلام:مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم، و يدعوا الخصومة في الدين، و يجتهدوا في عبادة الله عزوجل» [379] . ذلك أنه صلوات الله عليه يريد أن يصرفهم عن الجدل الذي لا يغني فتيلا و يشهرهم و يلحق بهم الأذي، الي عبادة الله التي تجعلهم دائما في عين الله سبحانه و في رعايته، فلا يعملون لما يلفت اليهم نظر السلطان فيفتك بهم، اذ لا يفيدهم الخلاف في قدم القرآن أو حدوثه مثلا، و لا هل هو مخلوق أم أزلي، بمقدار ما تفيدهم طاعة من طاعات ربهم جل و علا. و روي عنه عليه‌السلام، أنه قال: «فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا، يتعلم ما هو محتاج اليه، أشد علي ابليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، و هذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله و امائه لينقذهم من يد ابليس و مردته. و كذلك هو أفضل عندالله من ألف عابد، و ألف ألف عابد» [380] . و هكذا كان يحث علي العلم و التعلم، و يشجع أصحابه علي ارشاد الضالين، و يعلم الجاهلين. و قد سئل عليه‌السلام: «هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون اليه؟. فقال: لا» [381] . ذلك أنهم اذا تركوا المسألة عما لا يعرفون حكمه، ظلوا علي جهلهم في كثير من الأمور، و عاشوا في شبه ظلام مطبق. و قد قال عليه‌السلام: [ صفحه 305] «دخل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم الي المسجد، فاذا جماعة قد أطافوا برجل. فقال: ما هذا؟!. فقيل: علامة. فقال: و ما العلامة؟. فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها، و أيام الجاهلية و الأشعار العربية. فقال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: ذاك علم لا يضر من جهله، و لا ينفع من علمه. ثم قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: انما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل» [382] . و ليس بعد قول رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قول لأحد. و قال عليه‌السلام: «لتأمرن بالمعروف، و لتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» [383] . و نحن اليوم علي موعد مع حكم الأشرار، اذ انقطع الأمر بالمعروف، و بطل النهي عن المنكر، و قد أخذ لا يستجاب دعاء خير و لا شرير. و قال علي بن أبي‌حمزة: «سمعت أباالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام يقول: اذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، و بقاع الأرض التي كان يعبد الله [ صفحه 306] عليها، و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله؛ و ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شي‌ء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام، كحصن سور المدينة لها» [384] . و يكفي بهذا القول الكريم لأن يكون حافزا علي التفقه في الدين، و باعثا علي الايمان و اليقين الذي تشده عناية الله تبارك و تعالي، و ترفده هدايته. و ليس أجمل من اللحظات اللاذة التي يقفها العبد المؤمن بين يدي ربه - في كل طاعة من طاعاته - فان جزاءها يوم القيامة يكون جزاء موفورا، و قد قال صفوان بن يحيي لأبي الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: بلغني أن المؤمن - بعد موته - اذا أتاه الزائر أنس به، و اذا انصرف عنه استوحش؟. قال: لا يستوحش» [385] . أجل، و كيف يستوحش من ذكرنا حاله من النعيم المقيم؟!. و حرض امامنا عليه‌السلام شيعته علي عمل الخير و الاحسان الي الآخرين، فقال عليه‌السلام: «ان الله عبادا يسعون في حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة. و من أدخل علي مؤمن سرورا فرج الله عنه يوم القيامة» [386] . و اعتني سلام الله عليه كثيرا بحسن علاقة المؤمنين فيما بينهم، و قال: «من قبل للرحم ذا قرابة فليس عليه شي‌ء. و قبلة الأخ علي الخد، و قبلة الامام بين عينيه» [387] . [ صفحه 307] و ليس أبرع من أئمتنا عليهم‌السلام في التربية الصالحة التي تضمن سعادة الانسان في الدارين و لقد قال علي بن يقطين: «قال لي أبوالحسن عليه‌السلام: الشيعة تربي بالأماني منذ مائتي سنة. و قال يقطين لابنه علي بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، و قيل لكم فلم يكن؟!. فقال له علي: ان الذي قيل لنا ولكم من مخرج واحد، غير أن أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، و أن أمرنا لم يحضر، فعللنا بالأماني. فلو قيل لنا: ان هذا الأمر لا يكون الا الي مائتي سنة، أو ثلاثمائة سنة، لقست القلوب، و لرجع عامة الناس عن الاسلام. ولكن قالوا- أي الأئمة عليهم‌السلام -: ما أسرعه و ما أقربه تألفا لقلوب الناس، و تقريبا للفرج» [388] . و علي بن يقطين كان شيعيا كما هو معلوم، و أبوه لم يكن كذلك. و لذلك قال له: كان أمرنا و حكمنا، و تأخر أمركم فلم يكن. فبين له ابنه كيف يثبت علي الأمر و علي الحق الممحصون خاصة، و كيف يتعلل به المؤمنون عامة، ثم لا تمضي السنون الا و قد جاء أمر ربك و وقع الفرج المنتظر، و جاء الحكم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا علي يد ثاني عشر الأئمة عجل الله تعالي فرجه... فاليقطيني كان عباسي الهوي، في حين كان ابنه علويا مواليا شديد الولاء، و قد أجابه بما أجاب به بعض أئمتنا عليهم‌السلام حرفا بحرف. و أمر العباسيين كان كما وعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و أمر الهاشميين مؤجل الي آخر الزمان كما وعد صلوات الله و سلامه عليه و علي أهل بيته الأطهار. قال محمد بن عبيدة: [ صفحه 308] «قال لي أبوالحسن عليه‌السلام: يا محمد؛ أنتم أشد تقليدا أم المرجئة؟. قلت: قلدنا، و قلدوا. فقال: لم أسألك عن هذا؟. فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: ان المرجئة نصبت رجلا لم تفرض طاعته و قلدوه. و أنتم نصبتم رجلا و فرضتم طاعته، ثم لم تقلدوه. فهم أشد منكم تقليدا» [389] . ذاك أن هؤلاء نصبوا عباسيا لولاية أميرالمؤمنين، و بايعوه علي ذلك، من دون أن يقلدوه أو يعملوا بعمله، لأنهم لا يعتبرونه امام حق، بل واليا زمنيا، فكانوا علي عكس المرجئة الذين ينصبون رجلا لم تفرض طاعته و يقلدونه و يعملون بأوامره و نواهيه. و في مجال التعامل بالمال و التجارة، تكلم امامنا عليه‌السلام كثيرا، و لا يسعنا نقل جميع أخباره في الموضوع و لا في غيره، لأن ذلك يقتضي دورة فقهية كاملة الي جانب كثير من الأخلاقيات و الاجتماعيات و غيرها. ولكننا سنذكر نموذجا من فتاواه سلام الله عليه في بعض المواضيع المالية؛ فقد قال اسحاق بن عمار: «سألته عن الرجل يكون له مع الرجل مال قرضا، فيعطيه من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله، من غير أن يكون شرط عليه؟. [ صفحه 309] قال: لا بأس به، ما لم يكن شرطا» [390] . و فتواه تبعد شيعته عن الربا الذي غرق فيه الناس اليوم الي شحوم آذانهم... و لاصلاح حال التجار قال عليه‌السلام: «ثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة: أحدهم اتخذ الله بضاعة، لا يبيع الا بيمين، و لا يشتري الا بيمين» [391] . ثم قال عليه‌السلام: «ان البيع في الظلال غش، و ان الغش لا يحل» [392] . و هذا من أعظم الحث علي الأمانة في التجارة، لأن الظل يخفي كثيرا من عيوب المعروضات للبيع. و في الصحيح عنه عليه‌السلام: «أنه سئل عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية. أيصلي فيها؟. قال: ليس عليهم المسألة. ان أباجعفر عليه‌السلام كان يقول: ان الخوارج ضيقوا علي أنفسهم بجهالتهم. و ان الدين أوسع من ذلك» [393] . و هذا منتهي التوسعة علي الناس، فقد قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: جئتكم بالشريعة السهلة السمحة. و قال أخوه الثقة الجليل علي بن جعفر: [ صفحه 310] «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟. قال: لا، الا أن يضطر اليه فيأكل بالمعروف. و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا، الا باذن والده» [394] . فما من باب تهذيب خلقي فيه حكم شرعي أو انساني - اجتماعي الا و كان الأئمة عليهم‌السلام يطرقونه و ينبهون شيعتهم اليه. قال علي بن يقطين: «سألت أباالحسن عليه‌السلام يمر بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطح و غير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئا و يأكل بغير اذن من صاحبه؟. و كيف حاله ان نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم، فليس له؟. و كم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟. قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا» [395] . و قد قال الشيخ في التهذيب: قوله عليه‌السلام: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا، محمول علي ما يحمله معه. فأما ما يأكله في الحال من الثمرة فمباح. و هذا هو الواقع، فقد نبه الامام عليه‌السلام الي ما يحمل، لا الي ما يؤكل. و قال عليه‌السلام: «قال عيسي عليه‌السلام: ان صاحب الشر يعدي، و قرين السوء يردي، فانظر من يقارون» [396] . و اذا لم يحسن المرء اختيار قرينه، فانه يرتكب خطأ بحق نفسه... فكل قرين بالمقارون يقتدي. ففي الكافي، عن الجعفري، قال: «سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: [ صفحه 311] مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟. فقال: انه خالي. فقال: انه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله و لا يوصف!. فاما جلست معه و تركتنا، و اما جلست معنا و تركته. فقلت: هو يقول ما شاء. أي شي‌ء علي منه اذا لم أقل ما يقول؟. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟!. أما علمت بالذي كان من أحد أصحاب موسي عليه‌السلام، و كان أبوه من أصحاب فرعون، فلما لحقت خيل فرعون موسي، تخلف عنهم ليعظ أباه فيلحقه بموسي، فمضي أبوه و هو يراغمه - يعارضه و يبطل حجته - حتي بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا. و أتي موسي عليه‌السلام الخبر، فقال: هو في رحمة الله، ولكن النقمة اذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع» [397] . فالتأديب عندهم صلوات الله عليهم يتناول كل ناحية من نواحي حياة الانسان، لأنه يرمي الي صفاء السيرة و تصفية السريرة، بتجنب عشراء السوء ولو كانوا من أقرب الأقرباء. قال معتب: «كان أبوالحسن عليه‌السلام يأمرنا اذا أدركت الثمرة أن تخرجها و نبيعها، و نشتري مع المسلمين يوما بيوم» [398] . و ذلك من أجل أن يتساوي الناس في مأكلهم و مشربهم، و بمثل هذه الطريقة الفذة كان عليه‌السلام - يربي شيعته و مواليه علي عدم الاحتكار و الطمع في غلو الأسعار بعد أن تقل الثمار. فهل للمحتكرين آذان يسمعون بها [ صفحه 312] و يعودون عن الجشع و التجارة بأرزاق العباد للغني بخراب البلاد و انتزاع اللقمة من أفواه المساكين؟!. قال عبدالله بن مصعب الزبيري: سمعت أباالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، و جلسنا اليه في مسجد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، فتذاكرنا أمر النساء فأكثرنا الخوض و هو ساكت لا يدخل في حديثنا بحرف. فلما سكتنا قال: أما الحرائر فلا تذكروهن، ولكن خير الجواري ما كان لك فيها هوي، و كان لها عقل و أدب، فلست تحتاج الي أن تأمر و تنهي. ودون ذلك ما كان لك فيها هوي، و ليس لها عقل و أدب، فأنت تحتاج الي الأمر و النهي. و دونها ما كان لك فيها هوي، وليس لها عقل و لا أدب، فتصبر عليها لمكان هواك فيها. و جارية ليس لك فيها هوي، ليس لها عقل و لا أدب، فتجعل فيما بينك و بينها البحر الأخضر. قال عبدالله: فأخذت بلحيتي أريد أن أبصق فيها لكثرة خوضنا بما لم نقم فيه علي شي‌ء، ولجمعه الكلام. فقال: مه، ان فعلت لم أجالسك» [399] . فما أدق التعبير في هذا التقرير عن الأنواع الأربعة من الجواري!. فانه لا يمكن أن يزاد فيه حرف و لا ينقص منه حرف، لبلاغته و صدقه و حسن سبكه. [ صفحه 313] و قد قال الحسن بن الجهم: «دخلت علي أبي‌الحسن موسي بن جعفر عليه‌السلام، و قد اختضب بالسواد. فقلت: أراك قد اختضبت بالسواد؟. فقال: ان في الخضاب أجرا. و الخضاب و التهيئة مما يزيد الله عزوجل في عفة النساء. و لقد ترك نساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة» [400] . فكما أن الرجل يحب أن يري زوجته مرتبة مهيأة و في أحسن حال، فكذلك هذه الزوجة تحب أن تري زوجها نظيفا مرتبا مهيأ و لا تمجه نفسها و ترغب في غيره. و قد علم شيعته علي الالتزام التام بقضايا الحلال و الحرام، و ضرب لهم أمثلة حسية، منها قوله الذي رواه ابراهيم بن أبي‌البلاد الذي قال: «أوصي اسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنيات، أن يبعن و يحمل ثمنهن الي أبي الحسن عليه‌السلام. قال ابراهيم: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم، و حملت الثمن اليه، فقلت: ان مولي لك يقال له اسحاق بن عمر، قد أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنيات، و حمل الثمن اليك. و قد فعلت و بعتهن، و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم. فقال: لا حاجة لي فيه. ان هذا سحت. و تعليمهن كفر، و الاستماع منهن نفاق، و ثمنهن سحت» [401] . [ صفحه 314] و في قوله الشريف هذا، انذار لشيعته بالامتناع عن استماع الغناء، و عن تعلمه و تعليمه و أجرته التي هي سحت و حرام... و عنا لأمر شبابنا و شاباتنا، الذين أصبحوا من هواه الغناء و اعتلاء خشبات المسرح لرفع أصواتهم بما يرضي الشيطان و يغضب الرحمان. و كذلك روي عبد الحميد بن سعيد مايلي: «بعث أبوالحسن عليه‌السلام غلاما يشتري له بيضا. فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين، فقامر بها. فلما أتي به أكله. فقال له مولي له: ان فيه من القمار. قال: فدعا بطشت فقاءه، فتقيأه» [402] . و أنا علي يقين بأن الامام عليه‌السلام لم تخف عليه لعبة الغلام الذي قامر بالبيضة، و لا كون البيض الذي جاء به قد اختلط بالحرام، بل فعل ما فعل و عاد ليتقيأه أمام خدمه لينقلوا لشيعته هذه الحادثة فيتخذها الشيعة دستورا لحياتهم في ممارسة الحلال و الحرام، و ليروا أن المتدين الملتزم يلفظ الحرام و لو كان في فمه أو بين أحشائه، لئلا يفعل ما يتنافي مع التزامه بأوامر الله تعالي و نواهيه. و قال موسي بن بكر: «كنا عند أبي‌الحسن عليه‌السلام، فاذا دنانير مصبوبة بين يديه؛ فنظر الي دينار فأخذه بيده ثم فلقه نصفين ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي‌ء فيه غش» [403] . [ صفحه 315] فقد عرف الدينار المغشوش و أتلفه بيده لئلا يبقي المغشوش بين أيدي الناس. و روي عن هشام بن الحكم أنه قال: «رأيت موسي بن جعفر عليه‌السلام، يعزي قبل الدفن و بعده» [404] . و هذا من أدبه الرفيع الذي أدب الله تعالي به رسوله صلي الله عليه و اله و سلم، فقد حثنا علي ذلك بقوله: «من عزي حزينا، كسي في الموقف حلة يحبر بها» [405] . و نحن ان عزينا حزينا فانما نعزيه لرفع الملاحظة عنا، و لا يخطر في بالنا هذا المعني الرفيع من كرم الله تبارك و تعالي الذي يأجر علي مثقال الذرة، و ننسي أن تعزية المحزون تجبر خاطرة، و تخفف من مصابه. و في الصحيح عن معمر بن خلاد، قال: «سألت أباالحسن عليه‌السلام عن القيام للولاة؟. فقال: قال أبوجعفر عليه‌السلام - أي جده -: التقية ديني و دين آبائي، و لا ايمان لمن لا تقية له» [406] . و التقية ليست تدليسا كما يظن الجهال، بل هي احترام آراء الغير، و احترام المرء لنفسه. و لولا التقية لتنافرت القلوب، و حصلت الفرقة، و هذا ما لا يقره الاسلام و لا يدعو له. [ صفحه 316] و قد قال امامنا عليه‌السلام: «ان كان في يدك هذه شي‌ء، فان استطعت أن لا تعلم هذه، فافعل. و كان عنده انسان فتذاكروا الاذاعة فقال: احفظ لسانك تعز، و لا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل» [407] . فهو صلوات الله عليه يأمر بالتكتم فيما لا تنبغي معرفته، لأن اعلان الشي‌ء غير المرغوب فيه يجلب الخصومة و يؤدي الي الفتنة. «قال اسحاق بن جعفر: سألت أخي موسي بن جعفر، فقلت: أصلحك الله، أيكون المؤمن بخيلا؟. قال: نعم. قلت: أيكون جبانا؟. قال: نعم. قلت: أفيكون خائنا؟. قال: لا، ولا يكون كذابا، ثم قال: حدثني أبي‌جعفر بن محمد، عن آبائه، عن أبيه علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول: علي كل خلة يطوي المؤمن، ليس الخيانة والكذب» [408] أي أنه يتصف بكل صفة - حسنة كانت أو قبيحة - الا الخيانة والكذب فان المؤمن لا يتصف بهما و لا يرتضيهما لنفسه. [ صفحه 317] روي سماعة بن مهران أنه قال له عليه‌السلام: «أصلحك الله، انا نجتمع فنتذاكر ما عندنا، فلا يرد علينا شي‌ء الا و عندنا فيه شي‌ء مسطر - أي مكتوب و مروي عنكم - و ذلك مما أنعم الله علينا بكم. ثم يرد علينا الشي‌ء الصغير ليس عندنا فيه شي‌ء، فينظر بعضنا الي بعض. و عندنا ما يشبهه، فنقيس علي أحسنه؟. فقال: و ما لكم و للقياس؟!. انما هلك من هلك من قبلكم بالقياس. اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، و ان جاءكم ما لا تعلمون فها - و أهوي بيده الي فيه - لعن [الله] من يقول: قال علي و قلت، و قالت الصحابة و قلت. فقلت: أصلحك الله، أتي رسول الله الناس بما يكتفون به في عهده؟. قال: نعم، و ما يحتاجون اليه الي يوم القيامة. فقلت: فضاع من ذلك شي‌ء؟. فقال: لا، هو عند أهله» [409] . أجل، ان ذلك كله عند ورثة الكتاب، و هم الأئمة الطاهرون الذين أخذ آخرهم عن أولهم، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام، عن جدهم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، عن الله عزوجل؛ و يكفي بهذه السلسلة الذهبية سندا شريفا. و كذلك قد جاء عن سماعة بن مهران قوله: «قلت له: أكل شي‌ء في كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و اله و سلم أو تقولون فيه؟. [ صفحه 318] قال: بل كل شي‌ء في كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و اله و سلم» [410] . نعم... ولكن هات من يعرف كتاب الله و سنة النبي صلي الله عليه و اله و سلم معرفة حقة سوي الأئمة من أهل البيت صلوات الله عليهم، لأنهم هم الراسخون في العلم. [ صفحه 319]

علمه في التفسير و التأويل

روي اسحاق بن عمار، عن امامنا أبي‌ابراهيم عليه‌السلام، قال: «سألته عن قول الله عزوجل: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم (11))؟. قال: نزلت في صلة الامام» [411] . و من كان له عقل مفكر فلينظر لنفسه حتي ولو كان هذا من التأويل. و قد قال معمر بن خلاد: سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول:(الم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامناوهم لا يفتنون (2)). ثم قال: ما الفتنة؟. قلت: جعلت فداك، الذي عندنا الفتنة في الدين. فقال: يفتنون كما يفتن الذهب. ثم قال: يخلصون كما يخلص الذهب» [412] . [ صفحه 320] أي يمحصون و يصفون من شوائب الكفر والضلال عن الحق. ففي انتظار الفرج و ظهور الحق علي يد الامام المنتظر عجل الله تعالي فرجه، فتنة و تمحيص للناس، يعلم فيها من يثبت علي العقيدة ممن هو منها في شك مثلا. فان هذه العقيدة تغربل الناس و لا يثبت عليها الا من امتحن الله قلبه و عصمه عن الزيغ و الانحراف. و قال يعقوب بن جعفر، و هو أخو الامام عليه‌السلام: «كنت مع أبي‌الحسن عليه‌السلام بمكة، فقال له رجل:انك لتفسر من كتاب الله ما لم أسمع به؟. فقال أبوالحسن عليه‌السلام: علينا نزل قبل الناس، و لنا فسر قبل أن يفسر في الناس، فنحن نعرف حلاله و حرامه، و ناسخه و منسوخه، و سفريه و حضريه، و في أي ليلة نزلت كم من آية، و في من نزلت، و فيما نزلت. فنحن حكماء الله في أرضه، و شهداؤه علي خلقه، و هو قول الله تبارك و تعالي: (ستكتب شهادتهم و يسئلون (19)) [413] و الشهادة لنا، و المسألة للمشهود عليه. فهذا علم ما قد أنهيته اليك، و أديته اليك ما لزمني؛ فان قبلت فاشكر، و ان تركت فان الله علي كل شي‌ء شهيد» [414] . اي والله انه لقول فصل صدر من أهله في محله، و لا يتجرأ أن يقوله غير المعصوم من أهل هذا البيت المطهر صلوات الله و سلامه عليهم؛ فهم ورثة الأنبياء، و سادة الأوصياء، و أصفياء الله المنتجبون، قد اختارهم لأمره، وائتمنهم علي وحيه، و انتدبهم لسفارته في خلقه. و قد روي [ صفحه 321] عنه عليه‌السلام قوله في الآية الكريمة: (فاكتبنا مع الشاهدين (53)): نحن هم، نشهد للرسل علي أممها» [415] . أجل: قد قبلنا هذا القول الكريم و آمنا به، و نحمدالله سبحانه علي ذلك. قال سليمان بن جعفر الجعفري: «قلت لأبي الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: يابن رسول الله، ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قبلنا، فقال قوم: انه مخلوق، و قال قوم: انه غير مخلوق؟. فقال عليه‌السلام: أما اني لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكني أقول: انه كلام الله» [416] . و نحن نري واضحا أنه عليه‌السلام قد ربط وجود القرآن بوجود الله تبارك و تعالي، ولكنه أشار بلطف خفي الي أنه صادر عنه عز اسمه، أي الي أنه مخلوق و محدث صدر عن الواحد الأحد الذي كان قبل القبل، و يبقي بعد البعد. و اذا تكلم أئمتنا عليهم‌السلام في أي موضوع، يضيع الي جانب كلامهم كل كلام، و لا يثبت أمام قولهم قول أحد، لأنهم لا ينطقون الا عن علم عليم. و نحن لا نبالغ اذا جزمنا بأنه لا يتجرأ علي الجزم في هذه المواضيع غيرهم، و لا يتكلم بسداد سواهم، لأنهم هم أهل الذكر، و عندهم علم التنزيل و علم التأويل. [ صفحه 322] قال عليه‌السلام في قوله تعالي:(بلي من كسب سيئة) قال: بغضنا أهل البيت (و أحاطت به خطيئته) قال: من شرك في دمائنا» [417] . و هذا - فعلا - قليل بحق من يبغضهم أو يشترك في دمائهم. ذلك أن بغضهم أسوأ سيئة لأنه اعتراض علي مواهب الله تعالي لهم و اختصاصهم بمكرمة الولاية علي العباد، و انتقائهم من سائر من برأ و ذرأ، ليكونوا بابه الذي منه يؤتي، و الوسيلة التي بها يناجي. و قد قال عليه‌السلام في قوله تعالي: (و اذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم) قال: هم عدونا أهل البيت، اذا سئلوا عنا قالوا ذلك» [418] ذلك أن أعداءهم لا يعيرون سمعهم لقول الحق، و لا يصغون لمن يهديهم الي طريق الرشاد؛ و انه لا يعاديهم مسلم موحد لله تعالي، يؤمن برسوله و بما جاء به عن ربه. و قال عبدالله بن جندب: «سألت أباالحسن عليه‌السلام، عن قول الله عزوجل: (و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون (51))؟. قال: امام الي امام) [419] . ذلك أن الأرض لا يمكن أن يخليها الله تبارك و تعالي من امام حي يكون حجة علي الخلق، ظاهر مشهور، أو غائب مستور... و نحن نبين للناس و نطلعهم لا لنقنعهم، بل ليكونوا علي علم بما جرت به مشيئة الله عزوعلا. [ صفحه 323] «و عن طلحة، عن جعفر، عن أبيه عليه‌السلام، قال: الأئمة في كتاب الله امامان: قال الله عزوجل: (و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) [420] لا بأمر الناس. يقدمون أمر الله قبل أمرهم، و حكم الله قبل حكمهم. قال تعالي: (و جعلناهم أئمة يدعون الي النار) [421] : يقدمون أمرهم علي أمر الله، و حكمهم قبل حكم الله، و يأخذون بأهوائهم خلافا لما في الكتاب» [422] . و أئمتنا المعصومون سلام الله عليهم يهدون بأمر ربهم، و يحكمون بحكم الله تعالي؛. و من سواهم يقدم أمره علي أمر ربه، و يحمل الناس علي النزول علي حكمه ولو خالف الكتاب و رب الأرباب. «و روي علي بن سويد، عنه عليه‌السلام، في قول الله عزوجل: (يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله...) [423] . قال: جنب الله أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و كذلك من كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع الي أن ينتهي الأمر الي آخرهم» [424] . فهم جنبه عزوجل لكونهم حملة أمره، و حبل الله الممدود بين السماء و الأرض، و ما عرفه سبحانه حق معرفته غيرهم و غير جدهم صلي الله عليه [ صفحه 324] و عليهم فانه حجاب الله المتوسط بينه و بين عباده. و من أنكر ذلك عليهم أنكر عليه جل و عز تقديره و تدبيره، و استمع لدواعي حسدهم علي ما أعطاهم الله من فضله، و ما من عليهم من عطائه. و قال أحمد بن عمر: «سألت أباالحسن عليه‌السلام: لم سمي أميرالمؤمنين عليه‌السلام؟. قال: لأنه يميرهم العلم. أما سمعت في كتاب الله (و نمير أهلنا)» [425] . و يكفي أنه سلام الله عليه باب مدينة علم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم. و بالنسبة لأميرالمؤمنين عليه‌السلام و عظمته، قال أحمد بن عمر الحلال أيضا: «سألت أباالحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل: (أفمن كان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه) [426] . فقال: أميرالمؤمنين صلوات الله عليه الشاهد علي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم علي بينة من ربه» [427] . و رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لا يحتاج الي من يشهد له، أنه علي بينة من ربه، ولكن أميرالمؤمنين عليه‌السلام (شاهد منه) بنص الآية الكريمة، و نفسه نفسه بنص آية المباهلة الكريمة أيضا - كهذه الآية- حيث قال سبحانه: (فمن [ صفحه 325] حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا(أي الحسن و الحسين عليه‌السلام و أبناءكم و نسآءنا (أي فاطمة الزهراء عليهاالسلام) و نسآءكم و أنفسنا (أي علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام) و أنفسكم) [428] . و روي محمد بن فضيل، عن أبي‌الحسن الماضي عليه‌السلام، فقال: سألته عن قول الله عزوجل: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم)؟. قال: يريدون ليطفئوا ولاية أميرالمؤمنين عليه‌السلام. قلت: (والله متم نوره)؟. قال: والله متم الامامة لقوله عزوجل: (فامنوا بالله و رسوله و النور الذي أنزلنا) فالنور هو الامام. قلت: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق)؟. قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصية. و الولاية هي دين الحق. قلت: (ليظهره علي الدين كله)؟ قال: يظهره علي جميع الأديان عند قيام القائم. يقول الله: (والله متم نوره): ولاية القائم (ولو كره الكافرون (8)) [429] بولاية علي. قلت: هذا تنزيل؟!. قال: نعم، ان هذا الحرف تنزيل، و أما غيره فتأويل. قلت: (ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا). قال: ان الله تبارك و تعالي سمي من لم يتبع رسولة بولاية وصيه [ صفحه 326] منافقين، و جعل من جحد وصيه امامته، كان كمن جحد محمدا، و أنزل بذلك قرآنا، فقال: يا محمد: (اذا جاءك المنافقون - بولاية وصيك - قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين - بولاية علي - لكاذبون (1) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله - و السبيل هو الوصي - انهم سآء كانوا يعملون (2) ذلك بأنهم أمنوا - برسالتك - ثم كفروا - بولاية وصيك - فطبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون (3)). قلت:ما معني لا يفقهون؟. قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك. قلت: (واذا قيل لهم تعالوا). قال: و اذا قيل لهم: ارجعوا الي ولاية علي، يستغفر لكم النبي من ذنوبكم (لووا رءوسهم) قال الله:(و رأيتهم يصدون - عن ولاية علي - و هم مستكبرون (5)) عليه!. ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: (سوآء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ان الله لا يهدي القوم الفاسقين (6)) [430] يقولون: الظالمين لوصيك. قلت: (أفمن يمشي مكبا علي وجهه أهدي أمن يمشي سويا علي صراط مستقيم (22)) [431] . قال: ان الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي علي وجهه، لا يهتدي لأمره، و جعل من تبعه سويا علي صراط مستقيم، و الصراط المستقيم أميرالمؤمنين عليه‌السلام. قلت: قوله: (انه لقول رسول كريم(40)). [ صفحه 327] قال: يعني جبرائيل، عن الله، في ولاية علي عليه‌السلام. قلت: (و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41))؟. قال: قالوا ان محمدا كذاب علي ربه و ما أمر الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآنا فقال: ان ولاية علي (تنزيل من رب العالمين (43) و لو تقول علينا - محمد- بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46))، ثم عطف القول فقال: (و انه - ولاية علي - لتذكرة للمتقين (48) - للعالمين - و انا لنعلم أن منكم مكذبين (49) و انه - و ان عليا - لحسرة علي الكافرين (50) و انه - أي ولايته - لحق اليقين (51) فسبح - يا محمد - باسم ربك العظيم (52)) [432] يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل. قلت: قوله: (و أنا لما سمعنا الهدي ءامنا به؟) [433] . قال: الهدي: الولاية. آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه (فلا يخاف بخسا و لا رهقا (13)) [434] . قلت: تنزيل؟. قال: لا، تأويل. قلت: قوله: (لا أملك لكم ضرا و لا رشدا (21)؟( [435] . قال: ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، دعا الناس الي ولاية علي، فاجتمعت اليه قريش فقالوا: يا محمد، اعفنا من هذا. فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: هذا الي الله، ليس الي. فاتهموه و خرجوا من عنده، فأنزل الله: (قل اني لا أملك لكم [ صفحه 328] ضرا و لا رشدا (21) قل اني لن يجيرني من الله - ان عصيته - أحد ولن أجد من دونه ملتحدا (22) الا بلاغا من الله و رسالاته) في علي. قلت: هذا تنزيل؟. قال: نعم، ثم قال توكيدا: (و من يعص الله و رسوله - في ولاية علي - فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23) حتي اذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا و أقل عددا (24)) [436] يعني بذلك القائم و أنصاره - عليه‌السلام -. قلت: (و اصبر علي ما يقولون)؟. قال: يقولون فيك: (واهجرهم هجرا جميلا (10) و ذرني - يا محمد - و المكذبين - بوصيك - أولي النعمة و مهلهم قليلا(11)) [437] . قلت: هذا تنزيل؟. قال: نعم. قلت: (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب)؟. قال: يستيقنون أن الله، و رسوله، و وصيه حق. قلت:(و يزداد الذين ءامنوا ايمانا)؟. قال: يزدادون بوصية الامام ايمانا. قلت: (و لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون)؟. قال: بولاية علي عليه‌السلام. قلت: ما هذا الارتياب؟. [ صفحه 329] قال: يعني بذلك أهل الكتاب، والمؤمنين الذين ذكر الله فقال: لا يرتابون في الولاية. قلت: (و ما هي الا ذكري للبشر (31)) [438] . قال: نعم، ولاية علي عليه‌السلام. قلت: (انها لاحدي الكبر(35)). قال: الولاية. قلت: (لمن شآء منكم أن يتقدم أو يتأخر(37)). قال: من تقدم الي ولايتنا تأخر عن سقر، و من تأخر عنا تقدم الي سقر. قلت: (الأ أصحاب اليمين (39))؟. قال: هم والله شيعتنا. قلت: (لم نك من المصلين (43))؟. قال: انا لم نتول وصي محمد و الأوصياء من بعده، و لا يصلون عليهم. قلت:(فما لهم عن التذكرة معرضين (49))؟. قال: عن الولاية معرضون. قلت: (كلا انه تذكرة (54)) [439] . قال: الولاية. [ صفحه 330] قلت: (يوفون بالنذر؟). قال: يوفون لله النذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا. قلت: (انا نحن نزلنا عليك القرءان تنزيلا(23))؟. قال: بولاية علي عليه‌السلام تنزيلا. قلت: هذا تنزيل؟. قال: نعم، ذا تأويل. قلت: (ان هذه تذكرة)؟. قال: الولاية. قلت: (يدخل من يشاء في رحمته) [440] . قال: في ولايتنا، قال: (و الظالمين أعد لهم عذابا أليما(31)): ألا تري أن الله يقول: (و ما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57)) [441] قال: ان الله أعز و أمنع من أن يظلم أو ينسب نفسه الي ظالم، ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه، و ولايتنا ولايته، ثم أنزل بذلك قرآنا علي نبيه فقال: (و ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (118)) [442] . قلت: هذا تنزيل؟. قال: نعم. قلت: (ويل يومئذ للمكذبين (15)). [ صفحه 331] قال: يقول: ويل للمكذبين - يا محمد بما أوصيت اليك من ولاية [علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام]. قلت: ألم نهلك الأولين (16) ثم نتبعهم الآخرين (17)). قال: الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء. قلت: (كذلك نفعل بالمجرمين (18)) [443] . قال: من أجرم الي آل محمد، و ركب من وصيه ما ركب. قلت: (ان المتقين...) [444] . قال: نحن والله و شيعتنا، ليس علي ملة ابراهيم غيرنا. و سائر الناس منها براء. قلت: (يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون الا من أذن له الرحمن و قال صوابا (38)) [445] . قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة، و القائلون صوابا. قلت: ما تقولون اذا تكلمتم؟!. قال: نمجد ربنا، و نصلي علي نبينا، و نشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا. قلت:(كلا ان كتاب الفجار لفي سجين (7)) [446] . قال: هم الذين فجروا في حق الأئمة واعتدوا عليهم. قلت: (ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون (17)) [447] .؟ [ صفحه 332] قال: يعني أميرالمؤمنين. قلت: تنزيل؟!. قال: نعم» [448] . و لا عجب، أن يقول الأئمة عليهم‌السلام بهذا التنزيل، و بهذا التأويل، فهم ولاة البشر، و أصحاب الأمر و النهي، المنصبون من لدنه تعالي. و لا عجب أيضا أن يغضب الله سبحانه لغضبهم و لغضب كل عبد مؤمن، فانه قد جعل لهم و للمؤمنين حصانة كما تجعل الدولة لموظفيها الحصانة، و هو عزوجل أرأف بالعبد من نفسه و من أمه و أبيه، كتب علي نفسه أن يرحمه مطيعا و عاصيا، و أن يرزقه مؤمنا و كافرا، لئلا يبقي لأحد عليه حجة... و من نازع أئمتنا صلوات الله عليهم في أمرهم شيئا، فكأنما نازع الله تعالي في أمره و عارضه في اختياره. و عن الحسين بن سعيد، عن أبي‌الحسن عليه‌السلام في قوله عزوجل: (يوم يكشف عن ساق...) [449] . قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجدا، و تدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود» [450] . نعم، والساق التي يكشف عنها ليست ساق الرب الذي جل عن أن يكون له جسم و علا عن أن يتصور و يتوهم، كما قال بعض المجسمة - و العياذ بالله - فانه تعالي لا جسم له و لا أعضاء، ولكنها قد تكون ساقا من [ صفحه 333] سيقان العرش و أركانه، اذا كشف لأبصار الناس و ظهر لهم يخرون سجدا كما خر موسي صعقا من هيبة النظر الي ذلك النور الباهر... فلا يذهبن الفكر بذوي الأفهام، و لا ينبغي لأحد أن يتصور للخالق عزوجل صورة و هيئة مطلقا، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. قال محمد بن عمير: «سمعت موسي بن جعفر عليه‌السلام يقول: «لا يخلد في النار الا أهل الكفر و الجحود، و أهل الضلال و الشرك؛ و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك و تعالي: (ان تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلا كريما(31)) [451] . فقلت له: يابن رسول الله، فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟. قال: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي عليهم‌السلام، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول: انما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل. فقلت له: يابن رسول الله، فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر، والله تعالي ذكره يقول: (و لا يشفعون الا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون (28)) [452] و من يرتكب الكبائر لا يكون مرتضي؟!. فقال: يا أباأحمد، ما من مؤمن يرتكب ذنبا الا ساءه ذلك و ندم عليه، و قد قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: كفي بالندم توبة. و قال عليه‌السلام: من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن. فمن لا يندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، ولم [ صفحه 334] تجب له الشفاعة و كان ظالما، والله تعالي ذكره يقول: (ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع (18)) [453] . فقلت له: يابن رسول الله، و كيف لا يكون مؤمنا من لم يندم علي ذنب يرتكبه؟!. فقال: يا أباأحمد، ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنه سيعاقب عليها الا ندم علي ما ارتكب؛ و متي ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة.... و متي لم يندم عليها كان مصرا، و المصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب؛ ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم. و قد قال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: لا كبيرة مع الاستغفار، و لا صغيرة مع الاصرار. أما قول الله عزوجل: (و لا يشفعون الا لمن ارتضي) فانهم لا يشفعون الا لمن ارتضي الله دينه. و الدين الاقرار بالجزاء علي الحسنات و السيئات. فمن ارتضي الله دينه ندم علي ما ارتكب من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة» [454] . و في مجال التكلم في القرآن ليس مع قول أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من قول الا عد مماحكة و تضليلا. [ صفحه 335]

قوله في فلسفة التوحيد

قال الحسن بن عبد الرحمان الحماني: قلت لأبي‌ابراهيم عليه‌السلام: ان هشام بن الحكم زعم أن الله تعالي جسم ليس كمثله شي‌ء عالم، سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق، والكلام و القدرة و العلم يجري مجري واحدا، ليس فيها شي‌ء مخلوقا؟!. فقال: قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود، والكلام غير المتكلم؟!. معاذ الله، و أبرأ الي الله من هذا القول. لا جسم، و لا صورة، و لا تحديد. و كل شي‌ء سواه مخلوق. و انما تكون الأشياء بارادته و مشيئته من غير كلام، و لا تردد في نفس، و لا نطق بلسان» [455] . و ليس عند أحد زيادة علي هذا القول الشريف. و عن حمزة بن محمد، قال: «كتبت الي أبي‌الحسن عليه‌السلام، أسأله عن الجسم و الصورة؟. [ صفحه 336] فكتب: سبحان من ليس كمثله شي‌ء؛ لا جسم و لا صورة» [456] . و كذلك جاء عن محمد بن حكيم قوله:«و صفت لأبي‌ابراهيم عليه‌السلام قول هشام بن سالم الجواليقي، و حكيت له قول هشام بن الحكم: انه جسم!. فقال: ان الله تعالي لا يشبهه شي‌ء. أي فحش، أو خني - أي فساد - أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم، أو صورة، أو بخلقه، أو بتحديد و أعضاء؟!. تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا» [457] . و كبرت كلمة تخرج من أفواه الواصفين له عز اسمه بغير ما وصف به نفسه تبارك و تعالي. حين قال لمحمد صلي الله عليه و اله و سلم في القرآن الكريم: «قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد و لم يولد (3) و لم يكن له كفوا أحد(4)). و روي يعقوب بن جعفر [458] أن أباابراهيم عليه‌السلام قال: «لا أقول انه قائم فأزيله عن مكان، و لا أحد بمكان يكون فيه، و لا أحده أن يتحرك في شي‌ء من الأركان و الجوارح، و لا أحده بلفظ شق الفم، ولكن كما قال عزوجل: (انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82)) [459] . [ صفحه 337] بمشيئته من غير تردد في نفس، صمدا، فردا، لم يحتج الي شريك يدبر له ملكه، و لا يفتح أبواب علمه» [460] . فمن المعلوم أن كل حركة تستلزم المحرك، و المتحرك، و ما فيه الحركة، و ما اليه الحركة؛ و هذه الأمور الأربعة منفية عنه سبحانه و تعالي. و كذلك روي يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي‌ابراهيم، موسي بن جعفر عليه‌السلام: أنه قال: «ان الله تبارك و تعالي كان لم يزل بلا زمان و لا مكان، و هو الآن كما كان، لا يخلو منه مكان، و لا يشغل به مكان، و لا يحل فيه مكان (ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا أدني من ذلك و لا أكثر الا هو معهم أين ما كانوا...) [461] ليس بينه و بين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، و استتر بغير ستر مستور، لا اله الا هو الكبير المتعال» [462] . و قال يعقوب بن جعفر أيضا: «سمعت أباابراهيم، موسي بن جعفر عليه‌السلام، و هو يكلم راهبا من النصاري، فقال له في بعض ما ناظره به: ان الله تبارك و تعالي أجل و أعظم من أن يحد بيد أو رجل، أو حركة أو سكون أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول - أو تحيط بصفته العقول - أنزل مواعظه و وعده و وعيده؛ أمر بلا شفة و لا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له: كن، فكان، خبرا - أي علما - كما كان في اللوح» [463] . [ صفحه 338] و قال طاهر بن حاتم بن ماهويه: «كتبت الي الطيب - يعني أباالحسن، موسي عليه‌السلام -: ما الذي لا تجري‌ء معرفة الخالق بدونه؟. فكتب: ليس كمثله شي‌ء، و لم يزل سميعا، و عليما، و بصيرا؛ و هو الفعال لما يريد» [464] . فسبحان من (ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير (11)) [465] و عبارة: ليس كمثله شي‌ء، تطوي جميع الصور و المعاني التي تخطر في أفكارنا القاصرة. و في خواطرنا و بالنا... و تلقف جميع ما يأفك هذا الفكر الانساني العنيد الذي يريد أن يتصور الخالق الذي عزوجل عن أن يتصور، لأنه لا صورة له. و قد قال الربيع بن مسلم: «سمعت أباالحسن عليه‌السلام، و سئل عن الصمد، فقال: الصمد الذي لا جوف له» [466] . و هذا المعني من جملة معاني الصمد التي تنفي الجسم و الصورة خاصة. اذ أن الصمد يعني أيضا المقصود والذي تتجه اليه الآمال. و قال محمد بن عمير: «دخلت علي سيدي موسي بن جعفر عليه‌السلام، فقلت له: يابن رسول الله، علمني التوحيد. فقال: يا أباأحمد، لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالي ذكره في كتابه فتهلك. و اعلم أن الله تعالي واحد، أحد، صمد، لم يلد فيورث، و لم [ صفحه 339] يولد فيشارك، و لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لا شريكا، و أنه الحي الذي لا يموت، و القادر الذي لا يعجز، و القاهر الذي لا يغلب، و الحليم الذي لا يعجل، و الدائم الذي لا يبيد، و الباقي الذي لا يفني، و الثابت الذي لا يزول، و الغني الذي لا يفتقر، و العزيز الذي لا يذل، و العالم الذي لا يجهل، و العدل الذي لا يجور، و الجواد الذي لا يبخل؛ و أنه لا تقدره العقول، و لا تقع عليه الأوهام، و لا تحيط به الأقطار، و لا يحويه مكان، و لا تدركه الأبصار، و هو اللطيف الخبير، و ليس كمثله شي‌ء، و هو السميع البصير؛ و ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم، ولا خمسة الا هو سادسهم، و لا أدني من ذلك و لا أكثر الا هو معهم أينما كانوا. و هو الأول الذي لا شي‌ء قبله، و الآخر الذي لا شي‌ء بعده، و هو القديم و ما سواه مخلوق محدث، تعالي عن صفات المخلوقين علوا كبيرا» [467] . و قد قطع هذا التعريف الكافي الوافي قول كل قائل، لأنه جامع مانع، مجمل مفصل ميسر، صدر عن الامام عليه‌السلام، و هو ما عرف الله تعالي به نفسه، فلماذا نحاول أن نعرفه نحن بغير ما عرف به نفسه؟. و قال فتح بن عبدالله، مولي بني‌هاشم: «كتبت الي أبي‌ابراهيم عليه‌السلام، أسأله عن شي‌ء من التوحيد؟. فكتب الي بخطه: الحمدلله الملهم عباده حمده (و ذكر مثل ما رواه سهل بن زياد الي قوله: و قمع وجوده حوائل الأوهام... ثم زاد فيه:) [468] أول [ صفحه 340] الديانة به معرفته، و كمال معرفته توحيده، و كمال توحيده نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، و شهادة الموصوف أنه غير الصفة، و شهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل - و ورد:الممتنعة من الأزل -. فمن وصف الله فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد أبطل أزله، و من قال: كيف؟. فقد استوصفه، و من قال: فيم؟. فقد ضمنه، و من قال: علام؟. فقد جهله، و من قال: أين؟. فقد أخلي منه، و من قال: ما هو؟. فقد نعته، و من قال: الام؟. فقد غاياه؛ عالم اذ لا معلوم، و خالق اذ لا مخلوق، و رب اذ لا مربوب، و كذلك يوصف ربنا، و فوق ما يصفه الواصفون» [469] . و هذا لعمري من أبلغ ما يقال، كجواب علي ذلك السؤال، و من جرب التعليق عليه لا يضاحه يفقده بلاغته و روعته. و قال يونس بن عبد الرحمان يوما لموسي بن جعفر عليه‌السلام: أين كان ربك حين لا سماء مبنية، و لا أرض مدحية؟!. قال: كان نورا في نور، و نورا علي نور، و خلق من ذلك النور ماء منكدرا، فخلق من ذلك الماء ظلمة، فكان عرشة علي تلك الظلمة. قال: أنا سألتك عن المكان. [ صفحه 341] قال [عليه‌السلام]: كلما قلت: أين؟. فأين، هو المكان. قال: وصفت فأجدت، انما سألتك عن المكان الموجود و المعروف. قال: كان في علمه لعلمه، فقصر علم العلماء عن علمه. قال: انما سألتك عن المكان. قال: يا لكع، أليس قد أجبتك أنه كان في علمه لعلمه، فقصر علم العلماء عن علمه؟!» [470] . و خير جواب للمماحك أن يقال له: يا لكع. فانه سبحانه هو خالق المكان و ما في المكان، و قد كان قبل الكون و المكان، و لا تحيط عقولنا بكيف كان. و قال الحسن بن راشد: «سئل أبوالحسن، موسي عليه‌السلام عن معني قول الله تعالي: (الرحمن علي العرش استوي (5))؟. فقال: استوي علي ما دق و جل» [471] . و ورد هذا الخبر في مصدر آخر هكذا عن الحسن بن راشد: «سألت عن معني الله؟. قال: استولي علي ما دق و جل» [472] . [ صفحه 342] و التفسير السابق ينطبق علي معني الاستواء علي العرش، لأنه الاستيلاء، و هذا التفسير ينطبق علي معني لفظة الجلالة، فان (الله) مشتق من لفظ الاله، و هو يعني من له ملك التأثير و التصرف، و يكون غيره مألوها له». و روي عبد الأعلي، عن العبد الصالح، موسي بن جعفر عليه‌السلام، أنه قال: «ان الله لا اله الا هو -كان حيا بلا كيف و لا أين، و لا كان في شي‌ء، و لا كان علي شي‌ء، و لا ابتدع لمكانه مكانا [473] ، و لا قوي بعدما كون الأشياء، و لا يشبهه شي‌ء يكون، و لا كان خلوا من القدرة علي الملك قبل انشائه، و لا يكون خلوا من القدرة بعد ذهابه؛ كان عزوجل الها، حيا بلا حياة حادثة، ملكا قبل أن ينشي‌ء شيئا، و مالكا بعد انشائه. و ليس لله حد، و لا يعرف بشي‌ء يشبهه، و لا يهرم للبقاء، و لا يصعق لدعوة شي‌ء - أي لا يخيفه أمر - و لخوفه تصعق الأشياء كلها. و كان الله حيا بلا حياة حادثة، و لا كون موصوف، و لا كيف محدود، و لا أين موقوف، و لا مكان - أي مستقر - بل حي لنفسه، و مالك لم يزل له القدرة، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته و قدرته. و كان أولا بلا كيف، و يكون آخرا بلا أين. كل شي‌ء هالك الا وجهه، له الخلق والأمر، تبارك رب العالمين» [474] . [ صفحه 343] قال محمد بن الفضيل: «سألت أباالحسن عليه‌السلام: هل رأي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ربه عزوجل؟. فقال: نعم، بقلبه رآه؛ أما سمعت الله عزوجل يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأي (11)) [475] أي لم يره بالبصر، ولكن رآه بالفؤاد» [476] . فلم ير النبي صلي الله عليه و اله و سلم كائنا حادثا، و لا موجودا محدودا ماثلا، بل شعر بعظمته ربه عزوعلا. و قال يونس بن عبدالرحمان: «قلت لأبي الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام: لأي علة عرج الله بنبيه صلي الله عليه و اله و سلم الي السماء، و منها الي سدرة المنتهي، و منها الي حجب النور، و خاطبه و ناجاه هناك، والله لا يوصف بمكان؟!. فقال: ان الله تبارك و تعالي لا يوصف بمكان، و لا يجري عليه زمان، ولكنه عزوجل أراد أن يشرف به - أي بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم - ملائكته و سكان سماواته، و يكرمهم بمشاهدته، و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه. و ليس ذلك علي ما يقول المشبهون، سبحان الله و تعالي عما يشركون» [477] . و بالموضوع قال يعقوب بن جعفر الجعفري: «سأل رجل يقال له عبدالغفار السمي، أباابراهيم، موسي بن جعفر عليه‌السلام، عن قول الله تعالي: (ثم دنا فتدلي (8) فكان قاب قوسين أو أدني (9)) [478] . قال: أري هاهنا [ صفحه 344] خروجا من حجب، و تدليا الي الأرض. و أري محمدا رأي ربه بقلبه و نسبه الي بصره. فكيف هذا؟!. فقال أبوابراهيم: دنا فتدلي، فانه لم يزل عن موضع، و لم يتدل ببدن. فقال عبدالغفار: أصفه بما وصف نفسه حيث قال: (دنا فتدلي (8)) فلم يتدل عن مجلسه الا و قد زال عنه، و لولا ذلك لم يصف بذلك نفسه. فقال أبوابراهيم عليه‌السلام: ان هذه لغة في قريش، اذ أراد أحد منهم أن يقول: قد سمعت: يقول: قد تدليت، و انما التدلي الفهم» [479] . فقد جل سبحانه عن التدلي من مكان الي مكان، أو التحرك من جهة الي جهة، و لا كان تدليه كما زعم عبدالغفار، خروجا من حجب عظمته و اطلالا علي السماوات و الأرض و من فيهن. و عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي‌ابراهيم عليه‌السلام، قال: «ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك و تعالي ينزل الي السماء الدنيا، فقال: ان الله لا ينزل و لا يحتاج الي أن ينزل؛ انما منظره - أي نظره و علمه و احاطته - في القرب و البعد سواء. فلم يبعد منه بعيد، و لا يقرب منه قريب، ولم يحتج الي شي‌ء بل يحتاج اليه كل شي‌ء. و هو ذو الطول لا اله الا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين أنه ينزل، فتبارك و تعالي عن ذلك علوا كبيرا. انما [ صفحه 345] يقول ذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة، و كل متحرك يحتاج الي من يحركه أو يتحرك به. فمن ظن بالله الظنون هلك!. فاحذروا من صفاته أن تقفوا له عند حد تحدونه بنقص أو زيادة، أو تحريك أو تحرك، أو زوال أو استنزال، أو نهوض أو قعود، فان الله جل و عز عن صفة الواصفين أو نعت الناعتين، و توهم المتوهمين (و توكل علي العزيز الرحيم (217) الذي يراك حين تقوم (218) و تقلبك في الساجدين (219)) « [480] . و التعليق علي هذا القول يفسد بلاغته، و شرحه يبعد عن معناه و يشوه مبناه و يجلب اليه الركاكة. قال صفوان بن يحيي: «قلت لأبي‌الحسن عليه‌السلام: أخبرني عن الارادة، من الله و من المخلوق؟. فقال: الارادة من المخلوق الضمير و ما يبدو له بعد ذلك من الفعل. و أما من الله عزوجل فارادته احداثه، لا غير ذلك. لأنه لا يروي و لا يهم و لا يتفكر. و هذه الصفات منفية عنه، و هي من صفات الخلق. فارادة الله هي الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن، فيكون، بلا لفظ، و لا نطق لسان، و لا همة و لا تفكر، و لا كيف لذلك كما أنه بلا كيف» [481] . و المراد بالضمير عند المخلوق، هو ما يحدث في قلبه بين تصور الفعل و وقوع الفعل. و أما عندالله سبحانه و تعالي فليس بين علمه و فعله [ صفحه 346] تصور و لا تفكر و لا همة حتي يحدث الفعل. وليس بين ارادته و تكوينه الا: كن، فيكون. و لقد أجاب الامام عليه‌السلام سائله علي مسألته بأخصر بيان و أوضح برهان. و نقل زكريا بن عمران أنه عليه‌السلام قال: «لا يكون شي‌ء في السماوات و لا في الأرض الا بسبع: بقضاء، و قدر، و ارادة، و مشيئة، و كتاب، و أجل، و اذن. فمن زعم غير هذا فقد كذب علي الله، أو رد علي الله عزوجل» [482] . و قال علي بن ابراهيم الهاشمي: «سمعت أباالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام يقول: لا يكون شي‌ء الا ماشاءالله و أراد و قدر وقضي. قلت: ما معني شاء؟. قال: ابتداء الفعل. قلت: ما معني قدر؟. قال: تقدير الشي‌ء من طوله و عرضه. قلت: ما معني قضي؟. قال: اذا قضي أمضاه. فذلك الذي لا مرد له» [483] . و لا يخفي أن في أفعالنا الاختيارية مشيئة، و تقديرا، و قضاء. لأن المشيئة و الارادة هما المعني الذي لابد في الفعل الاختياري من تحققه في نفس الفاعل منا، بعد العلم و قبل الفعل. و هذا المعني من حيث ارتباطه [ صفحه 347] بالفعل يسمي مشيئة به. و من حيث ارتباطه بالفعل يسمي ارادة. و التقدير تعيين مقدار الفعل من حيث تعلق المشيئة به. والقضاء هو الحكم الأخير الذي لا واسطة بينه و بين الفعل. و روي عن الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام، أن أباالحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، قال: «ان الله خلق الخلق فعلم ما هم اليه صائرون. و أمرهم، و نهاهم؛ فما أمرهم به من شي‌ء فقد جعل لهم السبيل الي الأخذ به، و ما نهاهم عنه من شي‌ء فقد جعل السبيل الي تركه. و لا يكونون آخذين، و لا تاركين الا باذنه. و ما جبر الله أحدا من خلقه علي معصيته، بل اختبرهم بالبلوي، و كما قال: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) [484] . و قوله: و لا يكونون آخذين و لا تاركين الا باذنه، يعني: بعلمه و بتخلية منه و ترك للاختيار لهم بالأخذ أو الترك. فاذنه هنا لا يعني أمره مطلقا. و قد قل يونس بن عبدالرحمان: «قلت لأبي الحسن الأول عليه‌السلام: بم أوحد الله؟. فقال: يا يونس، لا تكونن مبتدعا. من نظر برأيه هلك و من ترك أهل بيت نبيه صلي الله عليه و اله و سلم ضل، و من ترك كتاب الله و قول نبيه كفر» [485] . فاجعلنا اللهم من المؤمنين بك و بنبيك و بما جاء به من عندك، و من المتمسكين بولاية أهل بيته الطاهرين المعصومين، انك أنت أكرم الأكرمين. [ صفحه 348]

من فلسفته و علمه

قال عليه‌السلام: - ينبغي لمن عقل عن الله، أن لا يستبطئه في رزقه، و لا يتهمه في قضائه. - سئل عن اليقين، فقال عليه‌السلام: يتوكل علي الله، و يسلم لله، و يرضي بقضاء الله، و يفوض الي الله. - قال عبدالله بن يحيي: كتبت اليه في دعاء: الحمدلله منتهي علمه، فكتب عليه‌السلام: لا تقولن منتهي علمه، ولكن قل: منتهي رضاه. - و سأله رجل عن الجواد، فقال عليه‌السلام: ان لكلامك وجهين: فان كنت تسأل عن المخلوقين، فان الجواد الذي يودي ما افترض الله عليه، و البخيل من يبخل بما افترض الله. و ان كنت تعني الخالق، فهو الجواد ان أعطي، و هو الجواد ان منع، لأنه ان أعطاك أعطاك ما ليس لك، و ان منعك منعك ما ليس لك [486] . [ صفحه 349] - و قال له و كيله: والله ما خنتك. فقال عليه‌السلام له: خيانتك، و تضييعك علي مالي سواء،و الخيانة شرهما عليك. - قال عليه‌السلام: اياك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله. - المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في ايمانه، زيد في بلائه. - و قال عليه‌السلام علي قبر حضره: ان شيئا هذا آخره خليق أن يزهد في أوله. و ان شيئا هذا أوله لخليق أن يخاف آخره» [487] . - و قال عليه‌السلام: من تكلم في الله هلك، و من طلب الرسالة هلك، و من دخله العجب هلك. - و قال عليه‌السلام: اشتدت مؤونة الدنيا والدين. فأما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الي شي‌ء منها الا وجدت فاجرا قد سبقك اليه، و أما مؤونة الآخرة فانك لا تجد أعوانا يعينونك عليها [488] . - و قال عليه‌السلام: أربعة من الوسواس: أكل الطين، وفت الطين - أي سحقه بين الأصابع - وتقليم الأظافر بالأسنان، و أكل اللحية. و ثلاث يجلين البصر: النظر الي الخضرة، و النظر الي الماء الجاري، و النظر الي الوجه الحسن. - ليس حسن الجوار كف الأذي، ولكن حسن الجوار الصبر علي الأذي. [ صفحه 350] - لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك، و أبق منها، فان ذهابها ذهاب الحياء. - قال عليه‌السلام لبعض ولده: يا بني، اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، و اياك أن يفقدك الله في طاعة أمرك بها. و عليك بالجد، و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته، فان الله لا يعبد حق عبادته. و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف مروتك. و اياك و الضجر و الكسل، فانهما يمنعان حظك من الدنيا و الآخرة. - و قال عليه‌السلام: ليس القبلة علي الفم الا للزوجة و الولد الصغير. - و قال عليه‌السلام: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، و ساعة لأمر المعاش، و ساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم. و بهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات!. لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر، فانه من حدث نفسه بالفقر بخل، و من حدث بطول العمر يحرص... اجعلوا لأنفسكم حقا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروة و مالا سرف فيه، و استعينوا بذلك علي أمور الدين، فانه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه. - و قال عليه‌السلام: اذا كان الجور أغلب من الحق، لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يعرف ذلك منه. - تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا. و فضل الفقيه علي العابد. كفضل الشمس علي الكواكب!. و من لم يتفقه في دينه، لم يرض الله له عملا. [ صفحه 351] - و قال عليه‌السلام لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان، الاحسان الا الاخوان. - كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعلمون!. [489] . - اذا كان الامام عادلا كان له الأجر و عليك الشكر، و اذا كان جائرا كان عليه الوزر و عليك الصبر. - قال له أبوأحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟. فقال عليه‌السلام: ما لك و لهذا؟!. ما عهدي بك تكلم الناس. قال: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك. فقال: قل له: الكفر أقدم. أول من كفر ابليس (أبي و استكبر و كان من الكافرين (34)) [490] و الكفر شي‌ء واحد، و الشرك يثبت واحدا و يشرك معه غيره. - و رأي رجلين يتسابان فقال عليه‌السلام: البادي‌ء أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم. - و قال عليه‌السلام: ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له علي الله أجر فليقم. فلا يقوم الا من عفا و أصلح، فأجره علي الله. - السخي الحسن الخلق في كنف الله. لا يتخلي الله عنه حتي يدخله الجنة. و ما بعث الله نبيا الا سخيا، و مازال أبي‌يوصيني بالسخاء و حسن الخلق حتي مضي. [ صفحه 352] - و قال عليه‌السلام لأحد أصحابه: أبلغ خيرا، و قل خيرا، و لا تكن امعة. قال: و ما الامعة؟. قال: لا تقل: أنا مع الناس، و أنا كواحد من الناس؛ ان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: يا أيها الناس انما هما نجدان - أي طريقان -: نجد خير، و نجد شر. فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير. - و قال عليه‌السلام: لا تصلح المسألة الا في ثلاثة: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدقعة. - تعجب الجاهل من العاقل، أكثر من تعجب العاقل من الجاهل [491] . - المصيبة للصابر واحدة، و للجازع اثنتان. - يعرف شدة الجور من حكم به عليه [492] . - صلاة النوافل قربان الي الله لكل مؤمن، و الحج جهاد كل ضعيف. ولكل شي‌ء زكاة، و زكاة الجسد [الصيام و قيام] النوافل. - أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج. - من دعا قبل الثناء علي الله والصلاة علي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، كان كمن رمي بسهم بلا وتر. - من أيقن بالخلف جاد بالعطية و ان امرؤ اقتصد. - التدبير نصف العيش. - التودد الي الناس نصف العقل. [ صفحه 353] - كثرة الهم يورث الهرم. - العجلة هي الخرق. - قلة العيال أحد اليسارين. - من أحزن والديه فقد عقهما. - من ضرب بيده علي فخذه، أو ضرب بيده الواحدة علي الأخري عند المصيبة فقد حبط أجره. - المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها الا بالصبر و الاسترجاع عند الصدمة. - الصنيعة لا تكون صنيعة الا عند ذي دين أو حسب. - من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة. - أداء الأمانة، والصدق، يجلبان الرزق، و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق. - الصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها الا بثلاثة أشياء: تصغيرها، و سترها، و تعجيلها. فمن صغر الصنيعة عند المؤمن فقد عظم أخاه، و من عظم الصنيعة عنده فقد صغر أخاه. و من كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله، و من عجل ما وعد فقد هني‌ء العطية [493] . سئل عليه‌السلام عن حد الاناء، فقال: حده أن لا تشرب من موضع كسر ان كان به. فانه مجلس الشيطان فاذا [ صفحه 354] شربت سميت، فاذا فرغت حمدت الله [494] . و قال عليه‌السلام: انما ينزل المعونة علي القوم، علي قدر مؤونتهم. و ان الضيف لينزل بالقوم فينزل رزقه معه في حجره. [495] . و قال عليه‌السلام: والله ينزل المعونة علي قدر المؤونة، و ينزل الصبر علي قدر المصيبة... و اذا أراد الله بالنملة شرا أنبت لها جناحين، فطارت، فأكلها الطير [496] . و قال عليه‌السلام: أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به. وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به. وألزم العلم لك ما دلك علي صلاح قلبك و أظهر لك فساده. و أحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل. فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله، و لا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه [497] . - قال علي بن سويد المديني: سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: ألعجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا، فيعجبه و يحسب أنه يحسن صنعا. و منها أن يؤمن العبد بربه، فيمن علي الله تبارك و تعالي، ولله تعالي عليه فيه المن [498] . [ صفحه 355] و سمع رجلا يتمني الموت فقال له: هل بينك و بين الله قرابة يحابيك لها - أي يسامحك و يتساهل معك -. قال: لا. قال: فهل لك حسنات قدمتها تزيد علي سيئاتك؟. قال: لا. قال: فأنت تتمني هلاك الأبد! [499] . و قال عليه‌السلام: من استوي يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون. و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان، و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة [500] . و روي أنه قال: اتخذوا القيان فان لهن فطنا و عقولا ليست لكثير من النساء [501] . - و نلفت النظر أن كل عبد و خادم فهو عند العرب قين، و الأمة قينة. و بعض الناس يظن أن المغنية خاصة هي قينة، و ليس هو كذلك في اللغة. فكأنه عليه‌السلام يحث الناس علي التزوج بأمهات الأولاد، لأن النجابة و الفصاحة تظهران في أولاد الاماء غالبا. «عن ابن‌حمدون في تذكرته: [ صفحه 356] قال موسي بن جعفر عليه‌السلام: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك؟. و الثانية أن تعرف ما صنع بك. و الثالثة أن تعرف ما أراد منك. و الرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك. معني هذه الأربع: الأولي وجدت معرفة الله تعالي التي هي اللطف. الثانية معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة. الثالثة أن تعرف ما أراده منك فيما أوجبه عليك و ندبك الي فعله، لتفعله علي الحد الذي أراده منك، فتستحق بذلك الثواب. الرابعة أن تعرف الشي‌ء الذي يخرجك من طاعة الله فتجتنبه» [502] . روي اسماعيل، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: نظر الولد الي والديه حبا لهما عبادة» [503] . «و عنه، عن آبائه عليهم‌السلام: قال الحسين: جاء رجل الي أميرالمؤمنين عليه‌السلام يسعي بقوم - أي ينم [ صفحه 357] عليهم - فأمرني أن دعوت له قنبرا - الخادم - فقال له علي عليه‌السلام: أخرج الي هذا الساعي - المفسد - فقل له: قد أسمعتنا ما كره الله تعالي، فانصرف في غير حفظ الله تعالي» [504] . ولو أن كل انسان اتبع سيرة هذه الامام العظيم عليه‌السلام، و طرد المفسد و لم يسمع له و حقره و صغره في عين نفسه، لكنا وقفنا بوجه النميمة و حطمنا المفسدين من بين الناس! و أميرالمؤمنين عليه‌السلام هو معلمنا، و هادينا الي طرق الخير بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و منقذنا من سلوك سبل الشيطان المؤدية الي الهلاك. قال محمد بن حكيم:«قلت لأبي الحسن، موسي عليه‌السلام: جعلت فداك، فقهنا في الدين، و أغنانا الله بكم عن الناس، حتي أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم. فربما ورد علينا الشي‌ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي‌ء، فننظر الي أحسن ما يحضرنا، و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فتأخذ به؟. فقال: هيهات هيهات في ذلك؟!. والله هلك من هلك يابن حكيم... لعن الله [من] يقول: قال علي، و قلت» [505] . و سأل علي بن جعفر أخاه عليه‌السلام عن المحرم اذا اضطر الي أكل الصيد أو الميتة؟. فقال: يأكل الصيد. [ صفحه 358] قلت: ان الله عزوجل حرم الصيد، و أحل له الميتة!. فقال عليه‌السلام: يأكل الصيد و يفديه، فانما يأكل من ماله. و قال علي بن جعفر: و سألته عن رمي الجمار، و لم جعل؟. قال: لأن ابليس اللعين كان يتراءي لابراهيم عليه‌السلام في موضع الجمار، فرجمه ابراهيم عليه‌السلام، فجرت العادة بذلك [506] . فلكل حكم عند الامام عليه‌السلام علة يستند اليها فتظهر صدقه و صحته، فلا يمكن لأحد من الناس أن يرد حكما يصدر عنه لأن حكمه حكم الله تعالي. و قال عليه‌السلام: «لعن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ثلاثة: الأكل زاده وحده، و النائم في بيت وحده، و الراكب في الفلاة وحده» [507] . - من خرج في سفر وحده فليقل: ماشاءالله، لا حول و لا قوة الا بالله. اللهم آنس وحشتي، و أعني في وحدتي، و أد غيبتي» [508] . - في وصية رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم لعلي عليه‌السلام: لا تخرج في سفر وحدك، فان الشيطان مع الواحد، و هو من الاثنين أبعد. يا علي، ان الرجل اذا سافر وحده فهو غاو، والاثنان غاويان، و الثلاثة نفر» [509] . و قال عليه‌السلام:«أنا ضامن لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه [ صفحه 359] ثلاثا، أن لا يصيبه السرق، و الغرق، و الحرق» [510] . و الجمع بين هذه الأقوال الكريمة يدل صراحة علي كراهية السفر وحيدا، لما في ذلك من تعرض للأخطار و المفاجآت التي لا منقذ منها، و لا مساعد عليها. قال عليه‌السلام:«قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: تخللوا، فان ليس شي‌ء أبغض الي الملائكة من أن يروا في أسنان العبد طعاما» [511] . و هذا أمر صحي، فان عدم تنظيف الأسنان يفسد رائحة الفم، و يعرض الأسنان للتسوس و التلف، فضلا عما ذكره النبي صلي الله عليه و اله و سلم. و قال عليه‌السلام: «نهي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن طعام وليمة يخص بها الأغنياء و يترك الفقراء» [512] . «و عنه أيضا، عن أبيه، عن جده عليهم‌السلام، قال: ان فيما أوصي به رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عليا عليه‌السلام، قال: يا علي، لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال، و لا في ليلة النصف، و لا في آخر ليلة، فانه يتخوف علي ولد من يفعل ذلك الخبل. - أي الجنون -. فقال علي عليه‌السلام: و لم ذلك يا رسول الله؟!. [ صفحه 360] فقال: ان الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال، و ليلة النصف، و في آخر ليلة. أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر، و في وسطه، و في آخره؟» [513] . و عنه عليه‌السلام أيضا:«من أتي أهله في محاق الشهر، فليسلم السقط الولد» [514] . و قال عليه‌السلام: «ان العقيقة واجبة» [515] . و قال اسحاق بن عمار:«سألت أباالحسن عليه‌السلام عن العقيقة علي الموسر و المعسر؟. فقال: ليس علي من لا يجد، شي‌ء» [516] . أي ليس شي‌ء واجبا علي من لا يجد ما ينفقه. و قال عليه‌السلام: «جاء رجل الي النبي صلي الله عليه و اله و سلم، فقال: يا رسول الله، ما حق ابني هذا؟. قال: تحسن اسمه، و أدبه، وضعه موضعا حسنا» [517] . و صلوات الله و سلامه علي من أوتي جوامع الكلم، فاختصر واجب الأب نحو ابنه بثلاث مراحل قد يتفرع علي كل منها ثلاث و ثلاث و ثلاث. [ صفحه 361] سأل هشام بن الحكم موسي بن جعفر عليه‌السلام؛ لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات، و لأي علة يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم و بحمده، و في السجود: سبحان ربي الأعلي و بحمده؟. قال عليه‌السلام: ان الله تعالي خلق السماوات سبعا، و الأرضين سبعا؛ فلما أسري بالنبي صلي الله عليه و اله و سلم، و صار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدني، رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح. فلما رفع له الثاني كبر. فلم يزل كذلك حتي رفع سبعة حجب، و كبر سبع تكبيرات. فلذلك - فلتلك - العلة يكبر في الافتتاح سبع تكبيرات. فلما ذكر ما رأي من عظمة الله ارتعدت فرائصه، فابترك علي ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربي العظيم و بحمده. فلما اعتدل من ركوعه قائما، نظر الي تلك العظمة في موضع أعلي من ذلك الموضع، فخر علي وجهه و هو يقول: سبحان ربي الأعلي و بحمده. فلما قالها سبع مرات، سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة» [518] . و روي حماد بن عيسي، عن بعض أصحابنا، عنه عليه‌السلام، قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن، و الملاحة - منبت الملح -، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس [ صفحه 362] فيجعل لمن جعله الله تعالي له، و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه - يعني في الغنائم - و ولي ذلك. و يقسم بينهم الخمس علي ستة أسهم: سهم لله، و سهم لرسول الله، و سهم لذوي القربي، و سهم لليتامي، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل. فسهم الله، و سهم رسول الله، لأولي الأمر من بعد رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم وراثة؛ فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة - يعني من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم - و سهم مقسوم له من الله - هو سهم ذي القربي - و له نصف الخمس كملا. و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم علي الكتاب و السنة - و قيل و السعة - ما يستغنون به في سنتهم. فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، و ان عجز أو نقص عن استغنائهم، كان علي الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. و انما صار عليه أن يمونهم - أي يقوتهم وزنا و معني - لأن له ما فضل عنهم. و انما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم، عوضا لهم من صدقات الناس، و تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، و كرامة من الله لهم من أوساخ الناس. فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل و المسكنة. و لا بأس بصدقات بعضهم علي بعض. و هؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلي الله عليه و اله و سلم، الذين ذكرهم الله تعالي:(و أنذر عشيرتك الأقربين (214)) [519] و هم بنو عبدالمطلب [ صفحه 363] أنفسهم، الذكر منهم و الأثني، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد. و لا فيهم، و لا منهم في هذا الخمس من مواليهم. و لقد تحل صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء. و من كانت أمه من بني‌هاشم، و أبوه من سائر قريش، فان الصدقات تحل له، و ليس له من الخمس شي‌ء. لأن الله تعالي يقول: (ادعوهم لأبائهم) [520] . و للامام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة - أي الصبية الحسناء - و الدابة الفارهة- أي الجيدة - و الثوب و المتاع بما يحب و يشتهي؛ فذلك له قبل القسمة، و قبل اخراج الخمس. و له أن يسد بذلك المال جميع ما ينوبه - أي ما يصيبه - من مثل اعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوب. فان بقي بعد ذلك شي‌ء أخرج الخمس منه، فقسمه في أهله، و قسم الباقي علي من ولي ذلك. و ان لم يبق بعد سد النوائب شي‌ء، فلا شي‌ء لهم. و ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين، و لا ما غلبوا عليه الا ما احتوي عليه العسكر. و ليس للأعراب من القسمة شي‌ء و ان قاتلوا مع الوالي، لأن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا، علي أنه ان دهم - أي فوجي‌ء- رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم من عدوه، دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم و ليس لهم في الغنيمة نصيب. و سنته جارية فيهم و في غيرهم، و الأرضون التي أخذت عنوة - اذلالا و غصبا - بخيل و رجال، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها، علي ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق؛ النصف، أو الثلث، أو الثلثين، و علي قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرهم. فاذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه [ صفحه 364] العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا - أي جريا بدون واسطة دفع - و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله علي ثمانية أسهم: للفقراء، و المساكين، و العاملين عليها، و المؤلفة قلوبهم. و في الرقاب، و الغارمين، و في سبيل الله، و ابن‌السبيل. ثمانة أسهم يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير. فاذا فضل من ذلك شي‌ء رد الي الوالي، و ان نقص من ذلك شي‌ء و لم يكتفوا به، كان علي الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتي يستغنوا. و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و أكرتها - أي المأجورون لزرعها - فيدفع اليهم أنصباؤهم علي ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه علي دين الله، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الاسلام، و تقوية الدين، في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، و ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير. و له بعد الخمس الأنفال. و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، ولكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم علي غير قتال. و له رؤوس الجبال، و بطون الأودية، و الآجام، و كل أرض ميتة لا رب لها. و له صوافي الملوك - أي ما كان قد اصطفاه الملوك لأنفسهم من مال و غيره - ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن الغصب كل مردود. و هو وارث من لا وارث له، يعول من لا عيلة له. و قال عليه‌السلام: ان الله لم يترك شيئا من صنوف الأموال الا و قد قسمه علي كل ذي حق حقه، الخاصة و العامة، و الفقراء و المساكين، و كل صنف من صنوف الناس. فقال: لو عدل في الناس لاستغنوا. ثم قال: ان العدل أحلي من العسل، و لا يعدل الا من يحس العدل. [ صفحه 365] و قال: و كان رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقسم صدقات البوادي في البوادي، و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر. و لا يقسم بينهم بالسوية علي ثمانية، حتي يعطي أهل كل سهم ثمنا؛ ولكن يقسمها علي قدر من يحضره من أصناف الثمانية علي قدر ما يقيم كل صنف منهم يقدر لسنته، ليس في ذلك شي‌ء موقوت - أي مفروض في الأوقات - و لا مسمي، و لا مؤلف، انما يضع ذلك علي قدر ما تري و ما يحضره، حتي يسد كل فاقة- أي حاجة - كل قوم منهم، و ان فضل من فقراء أهل المال فضل، عرضوا المال جملة الي غيرهم. و الأنفال الي الوالي، و كل أرض فتحت في أيام النبي صلي الله عليه و اله و سلم الي آخر الأبد، و ما كان افتتاحا بدعوة أهل الجور و أهل العدل، لأن ذمة رسول الله في الأولين و الآخرين ذمة واحدة، لأن رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم قال: المسلمون اخوة، تتكافأ دماؤهم، و يسعي بذمتهم أدناهم. و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس علي ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد. و جعل للفقراء قرابة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس، و صدقات النبي صلي الله عليه و اله و سلم، و ولي الأمر؛ فلم يبق فقير من فقراء الناس، و لم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم، الا و قد استغني، فلا فقير. و لذلك لم يكن علي مال النبي صلي الله عليه و اله و سلم، والوالي، زكاة، لأنه لم يبق فقير محتاج. ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، و لهم من تلك الوجوه كما عليهم» [521] . وصيته عليه‌السلام لهشام بن الحكم البغدادي الكندي - مولي بني‌شيبان - الذي اتفق الأصحاب علي وثاقته و عظيم قدره و رفيع منزلته: [ صفحه 366] صفاته للعقل: ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال:(فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب (18)) [522] . يا هشام بن الحكم، ان الله عزوجل أكمل للناس الحجج بالعقول، و أفضي اليهم بالبيان، و دلهم علي ربوبيته بالأدلاء فقال: (و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم (163)). (ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لأيات لقوم يعقلون (164)) [523] . يا هشام، قد جعل الله عزوجل ذلك دليلا علي معرفته، بأن لهم مدبرا فقال:(و سخر لكم اليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون (12)) [524] و قال: (حم (1) و الكتاب المبين (2) انا جعلناه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون (3)) [525] و قال: (و من ءاياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون (24)) [526] . يا هشام، ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: (و ما الحيوة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الأخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32)) [527] و قال: [ صفحه 367] (و ما أوتيتم من شي‌ء فمتاع الحيوة الدنيا و زينتها و ما عندالله خير و أبقي أفلا تعقلون (60)) [528] . يا هشام، ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزوجل:(ثم دمرنا الأخرين (136) و انكم لتمرون عليهم مصبحين (137) و باليل أفلا تعقلون (138)) [529] . يا هشام، ثم بين أن العقل مع العلم فقال:(و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون (43)) [530] . يا هشام، ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون (170)) [531] و قال: (ان شر الدوآب عندالله الصم البكم الذين لا يعقلون (22)) [532] و قال: (و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون (25)) [533] . ثم ذم الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله...) [534] و قال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون (37)) [535] (و هم لا يشعرون (66)) [536] . يا هشام، ثم مدح القلة فقال: (و قليل من عبادي الشكور(13)) [537] . [ صفحه 368] و قال: (و قليل ما هم...) [538] و قال:(و ما ءامن معه الا قليل (40)) [539] . يا هشام، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، و حلاهم بأحسن الحلية فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذكر الا أولوا الألباب (269)) [540] . [وانفرد الكافي م 1 ص 15 بهذه الزيادة التي بين قوسين، و هي:] [و قال: (و الراسخون في العلم يقولون ءامنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الا أولوا الألباب (7)) [56] و قال (ان في خلق السماوات و الأرض واختلاف اليل والنهار لأيات لأولي الألباب (190)) [57] و قال: (أفمن يعلم أنما أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب (19)) [58] و قال: (أمن هو قانت ءاناء اليل ساجدا و قائما يحذر الأخرة و يرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب (9)) [59] و قال: (ان الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون (29)) [60] و قال: (و لقد ءاتينا موسي الهدي و أورثنا بني‌اسرائيل الكتاب (53) هدي و ذكري لأولي الألباب (54)) [61] و قال: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين (55)) [62] ]. [ صفحه 369] يا هشام، ان الله يقول: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب...) [541] يعني العقل؛ و قال: (و لقد ءاتينا لقمان الحكمة...) [542] قال: الفهم و العقل. يا هشام، ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس؛ يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوي الله، وحشوها الايمان، و شراعها التوكل، و قيمها العقل، و دليلها العلم، و سكانها الصبر - أي مقدمها الذي يوجهها -. يا هشام، لكل شي‌ء دليل، و دليل العاقل التفكر، و دليل التفكر الصمت. ولكل شي‌ء مطية، و مطية العاقل التواضع؛ و كفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه. يا هشام، لو كان في يدك جوزة و قال الناس انها لؤلؤة، ما نفعك و أنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس انها جوزة، ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة؟!. يا هشام، ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله؛ و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة. يا هشام، ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع الا رفعه الله، و لا يتعاظم الا وضعه الله. يا هشام، ان الله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة، و حجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة؛ و أما الباطنة فالعقول. يا هشام، ان العاقل [هو] الذي لا يشغل الحلال شكره، و لا يغلب الحرام صبره. [ صفحه 370] يا هشام، من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان هواه علي هدم عقله: من أظلم فكره لطول أمله، و محا طرائف حكمته بفضول كلامه، و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه علي هدم عقله. و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه. يا هشام، كيف يزكو عند الله عملك، و أنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك، و أطعت هواك علي غلبة عقلك؟!. يا هشام، الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل؛ فمن عقل عن الله تبارك و تعالي اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عند ربه [و كان الله] آنسه في [الوحشة] و صاحبه في الوحدة، و غناه في العيلة، و معزه في غير عشيرة. يا هشام، نصب الخلق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة. و الطاعة بالعلم، و العلم بالتعلم، و التعلم بالعقل يعتقد. و لا علم الا من عالم رباني، و معرفة العالم بالعقل. يا هشام، قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود. يا هشام، ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا. يا هشام، ان كان يغنيك ما يكفيك، فان ما في الدنيا يكفيك، و ان كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس شي‌ء من الدنيا يغنيك. يا هشام، ان العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب؟!. و ترك الدنيا من الفضل، و ترك الذنوب من الفرض!. يا هشام، ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة، لأنهم علموا [ صفحه 371] أن الدنيا طالبة و مطلوبة، و الآخرة طالبة و مطلوبة. فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه، و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته. يا هشام، من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع الي الله في مسألته بأن يكمل عقله. فمن عقل قنع بما يكفيه، و من قنع بما يكفيه استغني، و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا... يا هشام، ان الله جل و عز حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب (8)) [543] حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها ورداها - أي هلاكها -. انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله لم يدل علي الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه. يا هشام، كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول: ما من شي‌ء عندالله به أفضل من العقل، و ما تم عقل امري‌ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الخير و الرشد منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف. نصيبه من الدنيا القوت، و لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله، من العز مع غيره. و التواضع أحب اليه من الشرف. يستكثر قليل المعروف و من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر. [ صفحه 372] يا هشام، من صدق لسانه زكا عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه، و من حسن بره باخوانه و أهله مد في عمره. يا هشام، لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم. يا هشام، كما تركوا لكم الحكمة، فاتركوا لهم الدنيا. يا هشام، لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له؛ و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا. أما أن أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها. يا هشام، ان أميرالمؤمنين عليه‌السلام كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله. فمن لم يكن فيه شي‌ء منهن فجلس فهو أحمق. و قال الحسن بن علي عليه‌السلام: اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها. قيل: يابن رسول الله، و من أهلها؟. قال: هم أولوا العقول. و قال علي بن الحسين عليه‌السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و أدب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا. يا هشام، ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه - أي ما يلام عليه - و لا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه. و كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يوصي أصحابه، يقول: أوصيكم بالخشية [ صفحه 373] من الله في السر و العلانية، و العدل في الرضا و الغضب، و الاكتساب في الفقر و الغني، و أن تصلوا من قطعكم، و تعفوا عمن ظلمكم، و تعطفوا علي من حرمكم. وليكن نظركم عبرا، وصمتكم فكرا، و قولكم ذكرا، و طبيعتكم السخاء فانه لا يدخل الجنة بخيل، و لا يدخل النار سخي. يا هشام، رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس و ما حوي، و البطن و ما وعي - أي احتوي - و ذكر الموت و البلي، و علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، و النار محفوفة بالشهوات. يا هشام، من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، و من كف نفسه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة. يا هشام، ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه. يا هشام، وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ان أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه، و قتل غير قاتله. و من تولي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيه محمد صلي الله عليه و اله و سلم. و من أحدث حدثا، أو آوي محدثا، لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا. يا هشام، أفضل ما يتقرب به العبد الي الله، بعد المعرفة به، و الصلاة، و بر الوالدين، و ترك الحسد، و العجب و الفخر. يا هشام، أصلح أيامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو، و أعد له الجواب فانك موقوف و مسؤول. و خذ موعظتك من الدهر و أهله، فان الدهر [أيامه] طويلة قصيرة. فاعمل كأنك تري ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك و أعقل عن الله. و انظر في تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنيا لكما ولي منها، فاعتبر بها [544] . [ صفحه 374] قال علي بن الحسين عليه‌السلام: ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها، بحرها و برها، و سهلها و جبلها، عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله، كفي‌ء الظلال. ثم قال عليه‌السلام: أولا حر يدع [هذه] اللماظة لأهلها - و اللماظة بقية الطعام في الفم، و كل شي‌ء قليل؛ و يريد بها هنا الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس... يا هشام، ان كل الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها، و كذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها. يا هشام، ان المسيح عليه‌السلام قال للحواريين: يا عبيد السوء، يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مؤنة مراقيها، و تنسون ثمرها و مرافقها- أي منافعها - كذلك تذكرون مؤنة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، و تنسون ما تفضون اليه من نعيمها و نورها و ثمرها... يا عبيد السوء، نقوا القمح و طيبوه تجدوا طعمه و يهنئكم أكله. كذلك فأخلصوا الايمان و أكملوه تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه - أي عافيته و ما بعده -. بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستظأتم به ولم يمنعكم ريح نتنة؛ كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه، و لا يمنعكم منها سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا، بحق أقول لكم: ان من ليس عليه دين من الناس، أروح و أقل هما ممن عليه الدين و ان أحسن القضاء. و كذلك من لم يعمل الخطيئة [ صفحه 375] أروح هما ممن عمل الخطيئة و ان أخلص التوبة و أناب. و ان صغار الذنوب و محقراتها من مكائد ابليس، يحقرها لكم، و يصغرها في أعينكم، فتجمع و تكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم: ان الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله، و رجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله، فشتان بينهما!. فطوبي للعلماء بالفعل، و ويل للعلماء بالقول!. يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و جباهكم، واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوي، و لا تجعلوا قلوبكم بيوتا للشهوات. ان أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا، و ان أصبركم علي البلاء لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء، لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة - أي الطيور التي تخطف، و هو جمع حدأة - و لا بالثعالب الخادعة، و لا بالذئاب الغادرة، و لا بالأسد العاتية، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس: فريقا تخطفون، و فريقا تخدعون، و فريقا تغدرون بهم. بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا؛ كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم، و قد فسدت قلوبكم و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم، و قلوبكم دنسة، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم، و يبقي الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا، انما مثلكم مثل السراج يضي‌ء للناس، و يحرق نفسه. يا بني‌اسرائيل، زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا علي الركب، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة وابل المطر. [ صفحه 376] يا هشام، مكتوب في الانجيل: طوبي للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة!. طوبي للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة!. طوبي للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة!. طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة!. يا هشام، قلة المنطق حلم عظيم، فعليكم بالصمت فانه دعة حسنة، و قلة وزر، و خفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم فان بابه الصبر. و ان الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب، و المشاء الي غير أرب. و يجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس من علانيتكم. و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع، و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم. يا هشام، تعلم من العلم ما جهلت، و علم الجاهل مما علمت. عظم العالم لعلمه ودع منازعته، و صغر الجاهل لجهله، و لا تطرده، ولكن قربه و علمه. يا هشام، ان كل نعمة عجزت عن شكرها، بمنزلة سيئة تؤخذ بها. و قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: ان الله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكنتهم عن المنطق و انهم لفصحاء عقلاء؛ يستبقون الي الله بالأعمال الآلية، و لا يستكثرون له الكثير، و لا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، و يرون في أنفسهم أنهم أشرار، و انهم لأكياس أبرار. يا هشام، الحياء من الايمان، و الايمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار. [ صفحه 377] يا هشام، المتكلمون ثلاثة: فرابح، و سالم، و شاجب - أي مهذار الكلام -. فأما الرابح فالذاكر لله، و أما السالم فالساكت، و أما الشاجب الذي يخوض في الباطل.. ان الله حرم الجنة علي كل فاحش بذي‌ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه. و كان أبوذر - رضي الله عنه - يقول: يا مبتغي العلم، ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك و ورقك. يا هشام، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده، و يأكله اذا غاب عنه؛ ان أعطي حسده، و ان ابتلي خذله. ان أسرع الخير ثوابا البر، و أسر الشر عقوبة البغي، و ان شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه!. و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم؟!. و من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه. يا هشام، لا يكون الرجل مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا. و لا يكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو. يا هشام، قال الله جل و عز: و عزتي و جلالي، و عظمتي و قدرتي، و بهائي و علوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي علي هواه، الا جعلت الغني في نفسه، و همه في آخرته، و كففت عليه [في] ضيعته، و ضمنت السماوات و الأرض رزقه، و كنت له من وراء تجارة كل تاجر. يا هشام، الغضب مفتاح الشر، و أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا. و ان خالطت الناس، فان استطعت أن لا تخالط أحدا منهم الا من كانت يدك عليه العليا، فافعل. يا هشام، عليك بالرفق، فان الرفق يمن، و الخرق شؤم. ان الرفق، و البر، و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق. [ صفحه 378] يا هشام، قول الله:(هل جزاء الاحسان الا الاحسان (60)) [545] جرت في المؤمن و الكافر، و البر و الفاجر. من صنع اليه معروف فعليه أن يكافي‌ء به. و ليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي تري فضلك؛ فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء. يا هشام، ان مثل الحياة مثل الحية، مسها لين، و في جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذو و العقول، و يهوي اليها الصبيان بأيديهم. يا هشام، اصبر علي طاعة الله، و اصبر عن معاصي الله، فانما الدنيا ساعة، فما مضي منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا، و ما لم يأت منها فليس تعرفه. فاصبر علي تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت. يا هشام، مثل الدنيا، مثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله. يا هشام، اياك و الكبر، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه. يا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه. يا هشام، تمثلت الدنيا للمسيح عليه‌السلام في صورة امرأة زرقاء، فقال لها: كم تزوجت؟!. فقالت: كثيرا. قال: فكل طلقك؟. قالت: لا، بل كلا قتلت!. قال المسيح عليه‌السلام: فويل لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟!. يا هشام، ان ضوء الجسد في عينه، فان كان البصر مضيئا استفاد [ صفحه 379] الجسد كله، و ان ضوء الروح العقل، فاذا كان العبد عاقلا، كان عالما بربه، و اذا كان عالما بربه أبصر دينه، و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين. و كما لا يقوم الجسد الا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة، و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل. يا هشام، ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا - أي الصخر -. فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل، و جعل التكبر من آلة الجهل. ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجه، و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه!. و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، و من تواضع لله رفعه. يا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغني، و أقبح الخطيئة بعد النسك؛ و أقبح من ذلك العابد لله، ثم يترك عبادته. يا هشام، لا خير في العيش الا لرجلين: لمستمع واع، و عالم ناطق. يا هشام، ما قسم بين العباد أفضل من العقل. نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. و ما بعث الله نبيا الا عاقلا حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. و ما أدي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل منه. يا هشام، قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: اذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه يلقي الحكمة. و المؤمن قليل الكلام، كثير العمل. و المنافق كثير الكلام، قليل العمل. يا هشام، أوحي الله تعالي الي داود عليه‌السلام: قل لعبادي لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري، و عن طريق محبتي و مناجاتي؛ أولئك قطاع الطريق من عبادي!. ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم. [ صفحه 380] يا هشام، من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض. و من تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله، و من أدعي ما ليس له، فهو أعتي لغير رشده. يا هشام، أوحي الله تعالي الي داود عليه‌السلام: يا داود حذر و أنذر أصحابك عن حب الشهوات، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني. يا هشام، اياك و الكبر علي أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك. و كن في الدنيا كساكن دار ليست له، انما ينتظر الرحيل. يا هشام، مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة، و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله. فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك و الخلاف فان في ذلك العطب!. يا هشام، اياك و مخالطة الناس و الأنس بهم، الا أن تجد منهم عاقلا و مأمونا فأنس به، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية. و ينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله، و اذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره. و اذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب، فانظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فان كثير الصواب في مخالفة هواك. و اياك أن تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة. قال هشام: فقلت له: فان وجدت رجلا طالبا [لها] غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي اليه؟. قال عليه‌السلام: فتلطف له في النصيحة؛ فان ضاق صدره [ف]لا تعرضن [ صفحه 381] نفسك للفتنة. واحذر رد المتكبرين، فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفق - أي لا ينتبه من الغفلة -. قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟. قال عليه‌السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول، و عظيم فتنة الرد. و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته و مجده. و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده. و لم يفرج المحزونين بقدر حزنهم، ولكن بقدر رحمته و رأفته!. فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذي فيه؟!.و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه، فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق مه؟!. يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه. و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا، الا ازداد من الله بعدا، و ازداد الله عليه غضبا. يا هشام، ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به. و أكثر الصواب في خلاف الهوي. و من طال أمله، ساء عمله. يا هشام، لو رأيت مسير الأجل، ألهاك عن الأمل!. يا هشام، اياك و الطمع، و عليك باليأس مما في أيدي الناس. و أمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح للذل، و اختلاس للعقل، و اختلاق المروات، و تدنيس العرض، و الذهاب بالعلم. و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه، و جاهد نفسك لردها عن هواها، فانه واجب عليك كجهاد عدوك. قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟. قال عليه‌السلام: أقربهم اليك، و أعداهم لك، و أضرهم بك، و أعظمهم [ صفحه 382] لك عدواة، و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، و من يحرض أعداءك عليك، و هو ابليس الموكل بوسواس القلوب. فله فلتشتد عدواتك. و لا يكونن أصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته. فانه أضعف منك ركنا في قوته، و أقل منك ضررا في كثرة شره اذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مستقيم. يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر. يا هشام، احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه، و متعلم مقري‌ء كلما ازداد علما ازداد كبرا، و يستعلي بقراءته و بعلمه علي من هو دونه. و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم و يوقر. و ذي بصيرة، عالم، عارف بطريق الحق، يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب، فلا يقدر علي القيام بما يعرف، فهو محزون مغموم بذلك؛ فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا. يا هشام، اعرف العقل و جنده، و الجهل و جنده، تكن من المهتدين. قال هشام: فقلت: جعلت فداك، لا نعرف الا ما عرفتنا. فقال عليه‌السلام: يا هشام، ان الله خلق العقل. و هو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش، من نوره، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جل و عز: خلقتك خلقا [عظيما] و كرمتك علي جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر؛ ثم قال له: أقبل، فلم يقبل. فقال: استكبرت!. فلعنه. ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا. فلما رأي الجهل ما كرم الله به العقل و ما أعطاه، أضمر له العداء. فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي، خلقته و كرمته و قويته، و أنا ضده و لا قوة لي به. أعطني من الجند مثلما أعطيته، فقال تبارك [ صفحه 383] و تعالي: نعم، فان عصيتني بعد ذلك أخرجتك و جندك من جواري و من رحمتي. فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسه و سبعين جندا. فكان مما أعطي العقل من الخمسة و السبعين جندا الخير، و هو وزير العقل. و جعل ضده الشر، و هو وزير الجهل. [و هذه جنود العقل، و ما يقابلها من جنود الجهل:] الايمان - الكفر، التصديق - التكذيب، الاخلاص - النفاق، الرجاء- القنوط، العدل - الجور، الرضي - السخط، الشكر - الكفران، اليأس - الطمع، التوكل - الحرص، الرأفة - الغلظة، العلم - الجهل، العفة - التهتك، الزهد - الرغبة الرفق - الخرق، الرهبة - الجرأة، التواضع - الكبر، التودة- العجلة، الحلم - السفه، الصمت - الهذر، الاستسلام - الاستكبار، التسليم - التجبر، العفو- الحقد، الرحمة- القسوة، اليقين - الشك، الصبر - الجزع، الصفح - الانتقام، الغني - الفقر، التفكر - السهو، الحفظ - النسيان، التواصل - القطيعة، القناعة - الشره، المواساة - المنع، المودة- العداوة، الوفاء - الغدر، الطاعة - المعصية، الخضوع - التطاول، السلامة - البلاء، الفهم - الغباوة، المعرفة - الانكار، المداراة - المكاشفة، سلامة الغيب - المماكرة، الكتمان - الافشاء، البر -العقوق، الحقيقة- التسويف، المعروف - المنكر، التقية - الاذاعة، الانصاف - الظلم، التقي - الحسد، النظافة - القذر، الحياء - القحة، القصد - الاسراف، الراحة - التعب، السهولة - الصعوبة، العافية - البلوي، القوام - المكاثرة، الحكمة- الهوي، الوقار - الخفة، السعادة- الشقاء، التوبة - الاصرار، المحافظة- التهاون، الدعاء - الاستنكاف، النشاط - الكسل، الفرح - الحزن،الألفة - الفرقة، السخاء - البخل، الخشوع - العجب، صون الحديث - النميمة، الاستغفار - الاغترار، الكياسة- الحمق. [ صفحه 384] يا هشام، لا تجمع هذه الخصال الا لنبي أو وصي، أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان. و أما سائر الناس من المؤمنين فان أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل، حتي يستكمل العقل و يتخلص من جنود الجهل؛ فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء عليهم الصلاة و السلام. وفقنا الله و اياكم لطاعته [546] و عند مثل هذه الوصية الكريمة الجامعة المانعة يقف كل فكر عن الزيادة و التعليق، و يقف كل قلم عن التحليل و التأويل، اذ يقصر كل ذهن عن بلوغ معانيها السامية، و يسير كل مفكر لاهثا وراء بيان محتواها ثم لا يدرك أن يقول كلمة حولها. و الحمدلله رب العالمين أولا و آخرا.

پاورقي

[1] من زيارته عليه‌السلام: المحجة البيضاء ج 4 ص 1 نقلا عن كتاب من لا يحضره الفقيه و الأنوار البهية ص 171، و كتب الأدعية و الزيارات.
[2] سورة الزمر: 18- 17.
[3] الاختصاص ص 5.
[4] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 317.
[5] سورة النساء: 53.
[6] سورة النساء: 54.
[7] سورة الحديد: 21، و سورة الجمعة:4 والحديث طويل و هو في المحجة البيضاء ج 4 من ص 174 الي ص 182 نقلا عن الكافي م 1 ص 203.
[8] الكافي م 1 ص 373 و هو موجود في عدة مصادر اسلامية.
[9] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 30 و الأنوار البهية ص 173. [
[10] ينابيع المودة ج 1 ص 154-153 و ج 3 ص 10 و ص 32 شي‌ء من ذلك.
[11] الأنوار البهية ص 152 و كشف الغمة ج 3 ص 2 و المحجة البيضاء ج 4 ص 267- 266 نقلا عن مطالب السؤل ص 83.
[12] أنظر الاختصاص ص 91-90 و الحديث طويل، و هو اشارة الي أنه رواه موسي المبرقع أيضا في بحارالأنوار ج 7 ص 336.
[13] الآية في آل‌عمران: 34 و الحديث في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 320 -319.
[14] الأنوار البهية ص 153.
[15] المحجة البيضاء ج 4 ص 47 نقلا عن كتاب من لا يحضره الفقيه، باب زيارة النبي صلي الله عليه و اله و سلم ص 298.
[16] سورة الأنبياء: 106.
[17] الكافي م 1 ص 193.
[18] الكافي م 1 ص 264.
[19] الآية في النساء: 54 و الحديث في الكافي م 1 ص 206.
[20] الكافي م 1 ص 187.
[21] المصدر السابق ص 275.
[22] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 323.
[23] المصدر السابق.
[24] كشف الغمة ج 3 ص 40 و تذكرة الخواص ص 312.
[25] كشف الغمة ج 3 ص 46.
[26] ينابيع المؤدة ج 3 ص 33.
[27] الأنوار البهية ص 161.
[28] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 317 - 316.
[29] الكافي م 1 ص 256.
[30] المصدر السابق ص 235 و هو في بصائر الدرجات ج 4 ص 181 عن يونس بن عبدالرحمان.
[31] سورة النمل: 20.
[32] سورة النمل: 21.
[33] سورة الرعد: 31.
[34] سورة النمل: 75.
[35] سورة فاطر: 32.
[36] الكافي م 1 ص 226 و بصائر الدرجات ج 1 ص 48-47.
[37] ذخائر العقبي ص 17 و هو في أكثر المصادر الاسلامية المعتبرة.
[38] المصدر السابق ص 18 و هو مكرر في كتب كثيرة.
[39] سورة ص: 35.
[40] سورة ص: 35.
[41] سورة ص: 39.
[42] سورة الحشر: 7 و الخبر في معاني الأخبار ص 353.
[43] ذخائر العقبي ص 12.
[44] المصدر السابق ص 6.
[45] المصدر السابق ص 7.
[46] سورة الأعراف: 33.
[47] الكافي م 1 ص 334.
[48] تحف العقول ص 305.
[49] هو الوالي علي البصرة من قبل العباسيين.
[50] هو رجل من همدان كان منقطعا اليه.
[51] حلية الأبرار ج 2 ص 289 نقلا عن الوافي ج 2 ص 189.
[52] حلية الأبرار ج 2 ص 279 و المحجة البيضاء ج 4 ص 147.
[53] سورة الاحزاب: 25.
[54] أنظر كشف الغمة ج 3 ما بين ص 2 و ص 42 و الكافي م 1 ص 471 و 486 و المحجة البيضاء ج 4 ص 217 و اعلام الوري ص 243 و 286 و الارشاد ص 269 و 270 و تذكرة الخواص ص 312 و ص 314 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 323 و 324 و الأنوار البهية ما بين ص 152 و ص 172 و تواريخ أهل البيت ص 182 و ص 183 و وفاة الامام موسي الكاظم عليه‌السلام ص 49 و ص 51 و ينابيع المودة ج 3 ص 1 و ص 11 و ص 33. و قيل: ولد سنة مئة و تسع و عشرين، و أنه أقام مع أبيه أربع عشرة سنة، أو تسع عشرة سنة، و أن أمه أندلسية، و كل ذلك خطأ.
[55] أنظر أكثر المصادر السابقة.
[56] المصدر السابق.
[57] المصدر السابق.
[58] المصدر السابق.
[59] سورة الانعام: 115.
[60] سورة آل عمران: 18.
[61] سورة القدر، 4 و الخبر في الكافي م 1 من ص 385 الي ص 387 و الأنوار البهية ص 153 ثلثه الأول المتعلق بولادته عليه‌السلام، و هو بتمامه في حلية الأبرار ج 2 ص 226 الي 227 و أورد قريبا منه في، ص 229 - 228 - 227 و أورده أيضا باختصار عن أبي‌جعفر، محمد بن علي مرفوعا.
[62] الأنوار البهية ص 153.
[63] كشف الغمة ج 3 ص 34 و المحجة البيضاء ج 4 ص 278.
[64] أي أين يتغوط فيتخلي و يضع حاجته الطبيعية. و تصور هذا السؤال موجه لطفل في الخامسة من عمره، و بمحضر من العلماء.
[65] الاحتجاج ج 2 ص 288 - 287 و تحف العقول ص 303.
[66] سورة آل‌عمران: 34 و الخبر في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 314 و الأنوار البهية ص 154 و 155 و حلية الأبرار ج 2 ص 230 - 229، و 231 - 230 مكررا. و اعلام الوري ص 297 و 298.
[67] اعلام الوري ص 298 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 214 و حلية الأبرار ج 2 ص 231.
[68] سورة ق: 16.
[69] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 211.
[70] التوحيد ص 180 - 179.
[71] الارشاد ص 230 و كشف الغمة ج 3 ص 2 و ص 7 و ص 9 و الكافي م 1 ص 47 و أكثر مصادر بحثنا.
[72] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 304 - 303 و تواريخ أهل البيت ص 183 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 29 الي ص 31.
[73] سورة النساء: 108.
[74] سورة النساء: 109.
[75] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 303.
[76] مروج الذهب ج 3 ص 355 و هو في وفاة الامام موسي الكاظم ص 51.
[77] ينابيع المودة ج 3 ص 114.
[78] الأنوار البهية ص 167.
[79] المصدر السابق ص 168.
[80] سورة يوسف: 58 و الخبر في الأنوار البهية ص 169 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 34 - 33.
[81] وفاة الامام موسي الكاظم ص 33 - 32.
[82] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 327 و حلية الأبرار ج 2 ص 252 - 251 و هو في العيون ج 1 ص 88 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 28 و من ص 49 الي ص 51 و الأنوار البهية ص 167.
[83] الأنوار البهية ص 169 - 168 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 35 و ص 36 مكررا، و هو في الكافي م 1 ص 229 - 228 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 328 - 327 مع زيادة يسيرة و اختلاف في بعض الألفاظ، و لم يصل عليه قاتله.
[84] الأنوار البهية ص 170 - 169.
[85] الي هنا موجود في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 308.
[86] أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 252.
[87] أنظر حلية الأبرار ج 2 ص 252.
[88] كشف الغمة ج 3 من ص 20 الي ص 25 و الارشاد من ص 279 الي ص 287 و انظره في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 من ص 326 الي ص 328 و هو بكامله في الأنوار البهية من ص 163 الي ص 167 و في ينابيع المودة ج 3 ص 11 ذكر شيئا منه باختصار، و هو كذلك في أعلام الوري ص 300 - 229 و في حلية الأبرار من ص 254 الي ص 259 مكررا بجمله روايات، و هو في وفاة موسي الكاظم من ص 38 الي ص 41 باختلاف يسير عن عتاب بن أمثل، و هو أيضا في تحف العقول ص 304 باختصار، و مثل ذلك تجده في الكافي م 1ص 476.
[89] سورة النساء: 93.
[90] الأنوار البهية ص 171 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 328 و اعلام الوري ص 300.
[91] الأنوار البهية ص 172.
[92] سورة العنكبوت: 25.
[93] الكافي م 1 ص 382 و الأنوار البهية ص 173 - 172.
[94] سورة آل‌عمران: 22 - 21.
[95] الكافي م 1 ص 260.
[96] الكافي م 1 ص 477 و الأنوار البهية ص 153 - 152 و في ينابيع المودة ج 3 ص 33 ذكر اسم أمه و كثيرا من صفاته، و انظر أعلام الوري ص 286 و تواريخ أهل البيت ص 182 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 51.
[97] المصدر السابق.
[98] الكافي م 1 ص 477- 476.
[99] الكافي م 1 ص 487-486 و الارشاد ص 288- 287 و هو في اعلام الوري ص 299 باختلاف يسير في اللفظ، و كذلك في كشف الغمة ج 3 ص 34 و الاختصاص ص 197. [
[100] الارشاد ص 287 و كشف الغمة ج 3 ص 26 و 28 و 29 و اعلام الوري ص 207 و ينابيع المودة ج 3 ص 11 و ص 33.
[101] كشف الغمة ج 3 ص 6 و 7 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 324.
[102] تذكرة الخواص ص 314.
[103] الارشاد ص 284.
[104] المصدر السابق.
[105] المصدر السابق.
[106] سورة الذاريات: 17.
[107] كشف الغمة ج 3 ص 26 و 27 و الارشاد ص 284 و اعلام الوري ص 301.
[108] تذكرة الخواص ص 315-314.
[109] كشف الغمة ج 3 ص 8.
[110] سورة النساء: 58.
[111] معاني الأخبار ص 108 - 107 و هو في كتب اسلامية كثيرة.
[112] اعلام الوري ص 288.
[113] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 322- 321 و انظر كشف الغمة ج 3 ص 9 و الكافي م 1 ص 308 و الارشاد ص 270 و اعلام الوري ص 288 و حلية الأبرار ج 2 ص 284.
[114] كشف الغمة ج 3 ص 9 و أكثر مصادر الرقم السابق.
[115] ينابيع المودة ج 3 ص 32.
[116] الكافي م 1 ص 307 و كشف الغمة ج 3 ص 15 و الارشاد ص 271 و مناقب آل أبي‌طالب ص 288-287 و اعلام الوري ص 230 و حلية الأبرار ج 2 ص 290.
[117] كشف الغمة ج 3 ص 10 و الكافي م 1 ص 309 و الارشاد ص 271 و اعلام الوري ص 288 و حلية الأبرار ج 2 ص 289.
[118] وفاة الامام موسي الكاظم ص 6.
[119] العناق: هي الأنثي من صغار المعز قبل استكمالها الحول.
[120] الكافي م 1 ص 311 و كشف الغمة ج 3 ص 11 و الارشاد ص 271 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 318-317 و اعلام الوري ص 289 و 291 و حلية الأبرار ج 2 ص 291.
[121] كشف الغمة ج 3 ص 11 و الارشاد ص 271 و الأنوار البهية ص 104 و هو الكافي م 1 ص 308 باختلاف يسير في اللفظ. و هو أيضا في اعلام الوري ص 290 و حلية الأبرار ج 2 ص 289.
[122] كشف الغمة ج 3 ص 11 و الارشاد ص 272.
[123] الارشاد ص 271 و كشف الغمة ج 3 ص 12.
[124] الكافي م 1 ص 310 و كشف الغمة ج 3 ص 11 و الارشاد ص 230 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 188-187 و اعلام الوري ص 290 و حلية الأبرار ج 4 ص 290.
[125] الكافي م 1 ص 308 و كشف الغمة ج 3 ص 9 و الارشاد ص 270 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 321 و اعلام الوري ص 288 و حلية الأبرار ج 2 ص 289.
[126] الكافي م 1 ص 309 و ص 311.
[127] كشف الغمة ج 3 ص 10 و هو في الكافي ج 1 ص 309 في خبر طويل، و انظر الارشاد ص 270 و حلية الأبرار ج 2 ص 288 و اعلام الوري ص 288 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 321.
[128] الكافي م 1 ص 309 و ص 311.
[129] اعلام الوري ص 289 و حلية الأبرار ج 2 ص 290.
[130] الارشاد ص 270 و الكافي م 1 ص 319 و هو في اعلام الوري ص 289 بلفظ آخر، و انظره في حلية الأبرار ج 2 ص 290- 289 و ص 291.
[131] الكافي م 1 ص 308 و كشف الغمة ج 3 ص 10 و الارشاد ص 270 و اعلام الوري ص 288 و حلية الأبرار ج 2 ص 288.
[132] الآية الكريمة في الزخرف: 19 و الخبر في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 321.
[133] ينابيع المودة ج 3 ص 33-32.
[134] كشف الغمة ج 3 ص 10 و الارشاد ص 271 و الكافي م 1 ص 309 و فيه الزيادة، و كذلك هو في اعلام الوري ص 289-288 و في حلية الأبرار ج 2 ص 289.
[135] المصدر السابق.
[136] حلية الأبرار ج 2 ص 292 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 4 - 3.
[137] الكافي م 1 ص 380.
[138] الارشاد ص 278- 277 و المحجة البيضاء ج 4 ص 267 و كشف الغمة ج 3 ص 18 و الأنوار البهية ص 162 و في ينابيع المودة ج 3 ص 32 ذكر طول سجوده، و كثرة عبادته، و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 253.
[139] كشف الغمة ج 3 ص 20 و المحجة البيضاء ج 4 ص 268 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 215 و ص 323 و الأنوار البهية ص 260 و حلية الأبرار ج 2 ص 253 -252.
[140] حلية الأبرار ج 2 ص 277.
[141] الاحتجاج ج 2 ص 359.
[142] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 318 و الأنوار البهية ص 159 و اعلام الوري ص 296.
[143] الأنوار البهية ص 162.
[144] سورة الذاريات: 17 و 18.
[145] حلية الأبرار ج 2 ص 281.
[146] الي هنا في كشف الغمة ج 3 ص 43- 42.
[147] الحديث بكامله في حلية الأبرار ج 2 ص 282 - 281.
[148] حلية الأبرار ج 2 ص 281.
[149] المصدر السابق.
[150] المصدر السابق.
[151] معاني الأخبار ص 370.
[152] حلية الأبرار ج 2 ص 253.
[153] سورة سبأ: 13.
[154] الأنوار البهية ص 162.
[155] مناقب آل أبي‌طالب ج 323 و حلية الأبرار ج 2 ص 253 و الأنوار البهية ص 160.
[156] المصدر السابق.
[157] الأنوار البهية ص 162.
[158] الأنوار البهية ص 160 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 118 رواه عن اليوناني، و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 220 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 26.
[159] سورة المؤمنون: 36.
[160] سورة المزمل: 17.
[161] الأنوار البهية ص 161 و مناقب آل أبي‌طالب ج 2 ص 318 و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 251 - 250 عن محمد بن عيسي اليقطيني، عن أحمد بن عبدالله القروي، عن أبيه، و هو في وفاة الامام موسي الكاظم من ص 26 الي ص 28.
[162] أنظر مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 318 و الارشاد ص 278 و المحجة البيضاء ج 4 ص 268 و اعلام الوري ص 286.
[163] ينابيع المودة ج 3 ص 32.
[164] الأنوار البهية ص 160.
[165] الأنوار البهية ص 160 و حلية الأبرار ج 1 ص 159.
[166] كشف الغمة ج 3 ص 8-7.
[167] الارشاد ص 278 و كشف الغمة ج 3 ص 19-18 و المحجة البيضاء ج 4 ص 268- 267 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 319 باختلاف يسير في اللفظ، و هو كذلك في اعلام الوري ص 296 و حلية الأبرار ج 2 ص 276-275.
[168] كشف الغمة ج 3 ص 18 و المحجة البيضاء ج 4 ص 267 و الارشاد ص 277 و حلية الأبرار ج 2 ص 260 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 318 باختصار.
[169] حلية الأبرار ج 2 ص 276.
[170] سورة ص: 39 و الخبر في المحجة البيضاء ج 4 ص 43 و ص 95 و حلية الأبرار ج 2 ص 283-282.
[171] سورة الحشر: 7.
[172] المصقول:السيف المسنون، و الفرند: جوهر السيف و ريشته، يوم الهياج: يوم الحرب الثائرة.
[173] الأسهم: هنا هي السهام التي تستعمل في الحرب. نفذتك:أصابتك. و الحرائر: النساء يستغثن بجدك و دموعهن تسيل بغزارة.
[174] تقضقضت السهام: تفرقت عنك اجلالا لك، و هيبة منك، و احتراما لك.
[175] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 319-318.
[176] التوحيد ص 67.
[177] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 325.
[178] المصدر السابق.
[179] المصدر السابق.
[180] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 311-310 و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 225، و قد ذكر في حديث طويل في الوافي ج 1 باب: ما يتميز به الحيض من دم العذرة و القرحة.
[181] سورة العلق: 5.
[182] سورة طه: 121.
[183] الاحتجاج ج 2 ص 387.
[184] المحجة البيضاء ج 4 ص 271- 270 و كشف الغمة ج 3 ص 13-12 و الارشاد ص 273 - 272 و اعلام الوري ص 292 - 291 و حلية الأبرار ج 2 من ص 231 الي ص 233 و هو مكرر في ص 332 باختصار، و كذلك في ص 234 و ص 235 و هو كذلك في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 291 - 290.
[185] سورة يس: 39.
[186] سورة التوبة: 25.
[187] مناقب آل ابي‌طالب ج 4 ص 292-291.
[188] هو في التوحيد ص 270.
[189] سورة آل عمران: 34.
[190] التوحيد ص 275- 274 و الكافي م 1 ص 227 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 310 و الأنوار البهية من ص 155 الي ص 157 في حديث مفصل، و انظر حلية الأبرار ج 2 ص 240.
[191] سورة الدخان: 4-1.
[192] الكافي م 1 من ص 478 الي ص 481 و هو بتمامه في حلية الأبرار ج 2 من ص 236 الي ص 240.
[193] سورة يوسف: 40 و سورة النجم: 23.
[194] الكافي م 1 ص 481 الي ص 484 و حلية الأبرار ج 2 من ص 240 الي ص 244.
[195] سورة الفرقان: 45.
[196] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 312 - 311.
[197] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 324 - 323، اعلام الوري ص 286 و تواريخ أهل البيت ص 183 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 51 و انظر المصادر الباقية في موردها السابق.
[198] ذخائر العقبي ص 19 و كثير من المصادر الاسلامية.
[199] المصدر السابق ص 20.
[200] سورة الحج: 2.
[201] المحجة البيضاء ج 4 ص 208.
[202] سورة الحج: 13 - 11.
[203] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 305.
[204] سورة العنكبوت: 65.
[205] سورة لقمان: 32.
[206] هو الي الرقم الأول (1) في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 316-315 و هو الي الرقم الثاني (1) أي بكامله في الاحتجاج ج 2 ص 395-394.
[207] يريد بالطليق، العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلي الله عليه و اله و سلم. فقد أسر يوم بدر، اذ أسره أبويسر، كعب بن عمرو الأنصاري، و كان رجلا صغير الجثة، و كان العباس رجلا قويا عظيما، فقال النبي صلي الله عليه و اله و سلم لأبي اليسر: كيف أسرته؟. قال:أعانني رجل ما رأيته قبل ذلك و لا بعد. فقال النبي صلي الله عليه و اله و سلم: لقد أعانك عليه ملك كريم. و لما أمسي القوم و الأساري محبوسون في الوثاق، و فيهم العباس، بات رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم تلك الليلة ساهرا. فقال بعض أصحابه: ما يسهرك يا رسول الله؟ قال: سمعت أنين العباس. فقام رجل من القوم فأرخي من وثاقه شيئا، فقال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم: ما بالي لا أسمع أنين العباس؟. فقال رجل من القوم: أرخيت من وثاقه شيئا. قال: افعل ذلك بالأساري كلهم. (راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 288 و الدرجات الرفيعة للسيد علي خان المدني ص 80 و انظر الاحتجاج ج 2 ص 394.
[208] سورة الجاثية: 7.
[209] أنظر ينابيع المودة ج 3 ص 10.
[210] سورة المطففين: 12.
[211] الكافي م 1 ص 319 و الارشاد ص 287.
[212] الكافي م 1 ص 310 و اعلام الوري ص 290 رواه عن أبي‌أيوب الخوزي، و ما ذكرناه أصح، و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 291.
[213] اعلام الوري ص 290.
[214] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 320.
[215] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 320.
[216] سورة محمد: 22.
[217] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 300.
[218] سورة محمد: 22.
[219] كشف الغمة ج 3 ص 3 و ينابيع المودة ج 3 ص 11 و ص 32 مكرر الي آخره، و هو في تذكرة الخواص ص 314-313.
[220] المصدر السابق.
[221] كشف الغمة ج 3 ص 9 و انظر تذكرة الخواص ص 314.
[222] كشف الغمة ج 3 ص 28 و المحجة البيضاء ج 4 ص 276- 275 و الكافي م 1 ص 477 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 287 باختلاف يسير في بعض ألفاظه.
[223] سورة محمد: 25.
[224] سورة الاسراء: 26.
[225] الكافي م 1 ص 543.
[226] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 321-320 و تذكرة الخواص ص 314.
[227] المصدر السابق.
[228] الاحتجاج ج 2 ص 394 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 314-313.
[229] الاحتجاج ج 2 ص 394 ورد أن ذلك بمحضر الرشيد، و كذلك في كشف الغمة ج 3 ص 20 و الارشاد ص 279 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 314 و اعلام الوري ص 299.
[230] صاحب فخ هو أبوعبدالله، الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، بايعه جماعة من العلويين بالخلافة، و خرج في سنة 169 هجرية، فلقيته جيوش بني‌العباس في واد قرب مكة - هو وادي فخ- فقتل هناك.
[231] هذا البيت لكعبة من مالك، و قيل: هو لحسان بن ثابت. و السخينة لقب قريش لأنها كانت تكثر من أكل السخينة فتعاب به. و السخينة طعام يصنع من الدقيق و السمن مع اضافة غير ذلك اليها.
[232] سورة الذريات: 23.
[233] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 307-306 و حلية الأبرار ج 2 ص.
[234] سورة الأعراف: 99.
[235] الكافي م 1 ص 476.
[236] الارشاد ص 279- 278 و اعلام الوري ص 297 -296 و حلية الأبرار ج 2 ص 274 و كشف الغمة ج 3 ص 20-19 و الاحتجاج ج 2 ص 393 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 320 باختصار.
[237] الكامل لابن الأثير ج 6 ص 54 و في تاريخ الأمم و الملوك ج 11 ص 70 ذكر وفاته فقط، و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 320 باختصار، و في تذكرة الخواص ص 314 بكامله، نقلا عن الزمخشري و المدائني. و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 274- 273 و آخره في كشف الغمة ج 3 ص 8 و ص 40 أورده فيما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد نقلا عن أحمد بن اسماعيل.
[238] المصدر نفسه.
[239] سورة العشراء: 227.
[240] في رجال المامقاني ج 3 ص 290 نقل الوحيد رواية الصدوق عنه مترضيا عليه، و هو دليل علي وثاقته.
[241] سورة الأنفال: 72.
[242] سورة الأنعام: 38.
[243] سورة الأنعام: 84 و 85 و هذا النقاش موجود في ينابيع المودة ج 3 ص 10.
[244] سورة آل عمران: 61 و هذا النقاش و ما سبقه موجودان في كشف الغمة ج 3 ص 42-41.
[245] سورة الأنبياء: 60.
[246] الاحتجاج ج 2 من ص 387 الي ص 393.
[247] حلية الأبرار ج 2 ص 269 الي 272 في حديث طويل تركنا آخره لما فيه من خزي يظهر في تصرف هذا الخليفة. و هو في وفاة الامام موسي الكاظم ص 18 الي ص 22.
[248] سورة الحجر: 21.
[249] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 360 و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 273 - 272.
[250] الطومار: كتاب طويل يستعمله القدماء.
[251] سورة مريم: 59.
[252] سورة الأنعام: 84 و 85.
[253] سورة آل عمران: 55.
[254] سورة الانفال: 70.
[255] سورة الأنفال: 72.
[256] سورة الانفال: 72.
[257] الاختصاص من ص 54 الي ص 58 و أشار الي رواية تحف العقول من 298 الي 300 و الاختلاف اللفظي، و الي رواية المجلسي في بحارالأنورا م 11 ص 268 و هو في وفاة الامام موسي الكاظم من ص 9 الي ص 18.
[258] سورة الشعراء: 89-88.
[259] سورة الأنفال: 72.
[260] سورة الانعام: 84 و 85.
[261] سورة آل عمران: 42.
[262] سورة المجادلة: 52.
[263] سورة الأعراف: 12 و سورة ص: 76.
[264] سورة الكهف: 51-50.
[265] سورة لقمان: 25.
[266] تحت العقول ص 2.
[267] سورة النساء: 86.
[268] سورة البقرة: 86.
[269] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 308.
[270] سورة النمل: 36.
[271] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 298-297 و هو في الأنوار البهية ص 363 باختصار.
[272] سورة النساء: 137.
[273] سورة الأسرار: 47.
[274] سورة الذاريات: 53.
[275] سورة التوبة: 32.
[276] سورة الحج: 25.
[277] سورة الأنبياء: 47.
[278] سورة المائدة: 45.
[279] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 313-312.
[280] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 301-300 و هو في حلية الأبرار ج 2 من ص 267 الي ص 269 بتفصيل أوفي.
[281] حلية الأبرار ج 2 ص 284.
[282] الاختصاص ص 198.
[283] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 316 و هو في اعلام الوري ص 297 باختلاف يسير في اللفظ، و هو في حلية الأبرار ج 2 ص 275- 274.
[284] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 306-305 و وفاة الامام موسي الكاظم من ص 23 الي ص 25.
[285] المصدر السابق.
[286] حلية الأبرار ج 4 ص 267- 266 و وفاة الامام موسي الكاظم ص 27.
[287] مروج الذهب ج 3 ص 347-346 و في بنابيع المودة ج 3 ص 11 ذكر أن هارون الرشيد رأي عليا رضي الله عنه في المنام و معه حربة و هو يقول: خلص الكاظم و الا قتلتك بهذه الحربة. و هو في ينابيع المودة ج 3 ص 32 و ص 37 و أن الرشيد رأي في منامه الامام الحسن المجتبي عليه‌السلام. و هو أيضا في حلية الأبرار ج 2 ص 264- 263 و في الاختصاص ص 60 - 59 و قال: رواه الصدوق في «العيون» و المجلسي في بحارالأنوار م 11 ص 399.
[288] حلية الأبرار ج 2 ص 260.
[289] حلية الأبرار ج 2 من ص 261 الي ص 264.
[290] سورة النمل: 14.
[291] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 297-296.
[292] سورة الأعراف: 195.
[293] سورة الحج: 46.
[294] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 290.
[295] سورة الزخرف: 19.
[296] سورة طه: 48.
[297] الكافي م 1 ص 267-266.
[298] بصائر الدرجات ج 7 ص 316.
[299] المصدر السابق ص 317.
[300] بصائر الدرجات ج 2 ص 80 - 79.
[301] كشف الغمة ج 3 ص 29-28.
[302] المصدر السابق ص 33.
[303] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 193 -192.
[304] رشيد الهجري من أصحاب أميرالمؤمنين عليه‌السلام، و كان قد ألقي اليه علم المنايا و البلايا.
[305] كشف الغمة ج 3 ص 33-32 و المحجة البيضاء ج 4 ص 277 والكافي م 1 ص 484 باختلاف يسير في اللفظ، و هو كذلك في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 287 و هو في بصائر الدرجات ج 6 ص 264 عن سيف بن عميرة، و في ص 265 خبر يشبهه. و هو في اعلام الوري ص 295 باختلاف يسير في اللفظ.
[306] بصائر الدرجات ج 6 ص 265-264.
[307] المصدر السابق.
[308] كشف الغمة ج 3 ص 33 و المحجة البيضاء ج 4 ص 278 - 277.
[309] كشف الغمة ج 3 ص 33.
[310] سورة الحج: 5.
[311] الاختصاص ص 206-205 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 306.
[312] بصائر الدرجات ج 5 ص 247.
[313] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 290-289.
[314] بصائر الدرجات ج 6 ص 264.
[315] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 287.
[316] كشف الغمة ج 3 ص 32-31 و المحجة البيضاء ج 4 ص 277-276.
[317] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 293.
[318] المصدر السابق و نفس الصفحة.
[319] الظاهر أن المراد به بستان بني‌عامر، قرب الجحفة.
[320] موضع ماء علي طريق مكة، و عند قبر أبي‌جعفر المنصور.
[321] كشف الغمة ج 3 ص 35.
[322] سورة فاطر: 14.
[323] كشف الغمة ج 3 ص 31 و المحجة البيضاء ج 4 ص 276.
[324] كشف الغمة ج 3 ص 35.
[325] كشف الغمة ج 3 ص 34 و المحجة البيضاء ج 4 ص 278.
[326] كشف الغمة ج 3 ص 40-39.
[327] القراح: يعني الأرض التي لا شجر فيها و لا ماء، ولكنها تصلح للزرع.
[328] مناقب آل أبي‌طالب ج 1 ص 294-293.
[329] الاحتجاج ج 2 ص 389-388.
[330] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 311.
[331] الميل هو منار يبني علي أنشاز الأرض كدليل للمسافرين.
[332] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 295-294، و هو في اعلام الوري باختلاف يسير في اللفظ.
[333] الكافي م 1 ص 478-477 و اعلام الوري ص 295.
[334] كشف الغمة ج 3 ص 15-14 و المحجة البيضاء ج 4 ص 274-273 و الارشاد ص 274 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 289 و اعلام الوري ص 293 رواه عن ابن‌سيار.
[335] كشف الغمة ج 3 ص 15 الي ص 17 والمحجة البيضاء ج 4 ص 274 - 273 و الارشاد ص 276-275 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 289-288 و اعلام الوري ص 294-293.
[336] التوحيد ص 138 و هو موجود في أكثر مصادر بحثنا.
[337] سورة لقمان: 34.
[338] بصائر الدرجات، ج 6 ص 288.
[339] سورة آل‌عمران: 179.
[340] بصائر الدرجات ج 3 ص 126.
[341] الكافي م 1 ص 486-482 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 326 باختصار.
[342] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 304.
[343] كشف الغمة ج 3 ص 32.
[344] كشف الغمة ج 3 ص 35.
[345] وورد في بعض المصادر باسم خشتام.
[346] سورة الحجرات: 12.
[347] سورة طه: 82.
[348] كشف الغمة ج 3 ص 4-3 و المحجة البيضاء ج 4 ص 270-268 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 302 باختصار، و في ينابيع المودة ج 3 ص 11-10 بتمامه، و في تذكرة الخواص ص 313-312 و في حلية الأبرار ج 2 ص 246-244 بتفصيل، و قال: رواه المالكي في «الفصول المهمة» و كمال الدين بن طلحة الشافعي في «مطالب السؤل».
[349] أنظر كشف الغمة ج 3 ص 6.
[350] اعلام الوري ص 295 - 294 و الارشاد ص 274 و كشف الغمة ج 3 ص 14 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 299.
[351] كشف الغمة ج 3 ص 37.
[352] الاختصاص ص 291- 290 و قال: و رواه الصفار في بصائر الدرجات ج 7 باب 12 و نقله في بحارالأنوار ج 7 ص 321.
[353] بصائر الدرجات ج 7 ص 246.
[354] الارشاد ص 277-276 و كشف الغمة ج 3 ص 17 و المحجة البيضاء ج 4 ص 275 - 274 و هو في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 298 باختلاف يسير في اللفظ أول الحديث.
[355] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 299 و هي في وفاة الامام موسي الكاظم ص 29-28 بلفظ قريب.
[356] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 300.
[357] الكافي م 1 ص 284 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 309.
[358] كشف الغمة ج 3 ص 38-37 و المحجة البيضاء ج 4 ص 280-278 نقلا عن مطالب السؤل ص 84.
[359] كشف الغمة ج 3 ص 38.
[360] كشف الغمة ج 3 ص 39-38.
[361] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 304.
[362] كشف الغمة ج 3 ص 30-29.
[363] كشف الغمة ج 3 ص 14-13 و المحجة البيضاء ج 4 ص 272 و الارشاد ص 274-273 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 288 و بصائر الدرجات ج 5 ص 255-254 و هو في اعلام الوري ص 292 عن الواقفي.
[364] كشف الغمة ج 3 ص 36- 35 و المحجة البيضاء ج 4 ص 279-278 و مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 294 و هو في الاختصاص ص 61 بتمامه، و قال: رواه الكشي في رجاله، و الطبري في الدلائل ص 166 و هو في بحارالأنوار ج 11 ص 241.
[365] كشف الغمة ج 3 ص 30.
[366] حلية الأبرار ج 2 ص 249 و هو في كشف الغمة ج 3 ص 6-5 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.
[367] كشف الغمة ج 3 ص 37-36 و المحجة البيضاء ج 4 ص 254 نقلا عن الخرائج و الجرائح ص 201-200.
[368] في الرواية الصحيحة أن في الطالقان كنوزا أي كنوز، و هم عدد كبير من أنصار الامام الحجة عجل الله تعالي فرجه. و قد سماهم الامام في الرواية: كنوزا.
[369] سورة الشعراء: 219-218.
[370] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 32-31.
[371] المحجة البيضاء ج 4 ص 356 و الكافي م 2 ص 79.
[372] بصائر الدرجات ج 1 ص 17.
[373] المحجة البيضاء ج 4 ص 268-267 و الكافي م 2 ص 245.
[374] معاني الأخبار ص 158.
[375] المصدر السابق ص 403.
[376] الاختصاص ص 243.
[377] الأنوار البهية ص 185.
[378] الكافي م 1 ص 39.
[379] التوحيد ص 460.
[380] الاحتجاج ج 2 ص 395.
[381] الكافي م 1 ص 30 و ص 32.
[382] الكافي م 1 ص 30 و ص 32.
[383] المحجة البيضاء ج 4 ص 103 نقلا عن الكافي م 1 ص 56 رقم 3.
[384] الكافي م 1 ص 38.
[385] المحجة البيضاء ج 3 ص 419 نقلا عن كتاب من لا يحضره الفقيه ص 47.
[386] المحجة البيضاء ج 3 ص 381.
[387] المحجة البيضاء ج 3 ص 389.
[388] الكافي م 1 ص 369.
[389] الكافي م 1 ص 53.
[390] المحجة البيضاء ج 3 ص 161 نقلا عن من لايحضره الفقيه ص 386 رقم 37، و هو مكرر في التهذيب، و في الوسائل و غيرها.
[391] المحجة البيضاء ج 3 ص 174 و ص 175.
[392] المصدر السابق.
[393] المصدر السابق ص 232-231.
[394] المصدر السابق ص 279 نقلا عن الكافي.
[395] المحجة البيضاء ج 3 ص 281 نقلا عن التهذيب ج 2 ص 143.
[396] المصدر السابق ص 311 نقلا عن الكافي ج 2 ص 640.
[397] المحجة البيضاء ج 3 ص 313 و حلية الأبرار ج 2 ص 278-277.
[398] حلية الأبرار ج 2 ص 281.
[399] حلية الأبرار ج 2 ص 279-278.
[400] المصدر السابق ص 286.
[401] حلية الأبرار ج 2 ص 280-279.
[402] المصدر السابق ص 280.
[403] المصدر السابق نفس الصفحة.
[404] المحجة البيضاء ج 3 ص 415 نقلا عن كتاب من لا يحضره الفقيه ص 45.
[405] المصدر السابق.
[406] المصدر السابق ص 399 نقلا عن الكافي م 2 ص 219.
[407] المصدر السابق ص 402- 401 عن الكافي م 2 ص 226.
[408] كشف الغمة ج 3 ص 7 و 8.
[409] الكافي م 1 ص 57 و ص 62.
[410] المصدر السابق.
[411] الكافي م 1 ص 537 و الآية الكريمة في سورة الحديد: 11.
[412] المصدر السابق ص 370 و الآية الكريمة في سورة العنكبوت: 2-1.
[413] سورة الأعراف: 19.
[414] بصائر الدرجات ج 4 ص 198.
[415] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 283 و الآية الكريمة في سورة آل‌عمران: 53.
[416] التوحيد ص 244.
[417] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 283 و الآية الكريمة في سورة البقرة: 81.
[418] المصدر السابق في نفس الصفحة، و الآية الكريمة في سورة النحل: 24.
[419] الكافي م 1 ص 415 و الآية الكريمة في سورة القصص: 51.
[420] سورة الأنبياء: 73.
[421] سورة القصص: 41.
[422] الاختصاص ص 21 و قال: رواه الصفار في بصائر الدرجات الباب 15 من الجزء الأول، والكليني في الكافي م 1 ص 216.
[423] سورة الزمر: 56.
[424] سورة الكافي م 1 ص 145.
[425] الكافي م 1 ص 412 و الآية الكريمة في سورة يوسف: 65.
[426] سورة هود: 17.
[427] الكافي م 1 ص 190.
[428] سورة آل عمران: 61.
[429] سورة الصف: 9-8.
[430] سورة المنافقون: 6-3.
[431] سورة الملك: 22.
[432] سورة الحاقة: 40-الي آخر السورة.
[433] سورة الجن: 13.
[434] سورة الجن: 13.
[435] سورة الجن: 21.
[436] سورة الجن: 24-21.
[437] سورة المزمل: 11 -10.
[438] سورة المدثر: 31.
[439] سورة المدثر: 54-31.
[440] سورة الانسان من 7 الي 31.
[441] سورة البقرة: 57 و سورة الأعراف: 160. و هذه الآية ورد تأويلها في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 284.
[442] سورة النحل: 118.
[443] سورة المرسلات من الآية 15 الي 18.
[444] تابع لما سبق.
[445] سورة النبأ: 38 و هذا الجزء مذكور في مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 284.
[446] سورة المطففين: 7.
[447] سورة المطففين: 17 و انظر الرقم السابق.
[448] تجد هذا الحديث بكامله في الكافي م 1 ص 432 الي 435 و في الصفحة 196 أوله فقط.
[449] سورة القلم: 42.
[450] التوحيد ص 154.
[451] سورة النساء: 31.
[452] سورة الأنبياء: 28.
[453] سورة المؤمن: 18.
[454] التوحيد ص 48-47.
[455] ذكره الأردبيلي في جامع الرواة ج 1 ص 28: محمد بن اسماعيل، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبدالرحمان الحماني، عن أبي‌الحسن، موسي بن جعفر عليه‌السلام، في الكافي - باب النهي عن الجسم و الصورة. و الخبر في الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 385.
[456] الكافي م 1 ص 104 و 105 و التوحيد ص 99.
[457] المصدر السابق.
[458] ذكره الأردبيلي في جامع الرواة ج 2 ص 346 و نقل عن الكافي و التهذيب عدة روايات عنه، عن الصادق و الكاظم عليه‌السلام، و ورد اسمه فيها مرة يعقوب بن جعفر، و أخري يعقوب بن جعفر الجعفري، و ثالثة يعقوب بن جعفر بن ابراهيم الجعفري.
[459] سورة يس: 82.
[460] التوحيد ص 183 و الكافي م 1 ص 125 و الاحتجاج ج 2 ص 386.
[461] سورة المجادلة: 7.
[462] التوحيد ص 179 -178.
[463] المصدر السابق ص 76-75.
[464] المصدر السابق ص 284.
[465] سورة الشوري: 11.
[466] التوحيد ص 93 و معاني الأخبار ص 6.
[467] التوحيد ص 76.
[468] روي سهل بن زياد، عن جماعة، عن الامام الصادق عليه‌السلام، أنه قال: عجبا لأقوام يدعون علي أميرالمؤمنين عليه‌السلام ما لم يتكلم به قط!. خطب أميرالمؤمنين الناس بالكوفة فقال: الحمدلله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال علي وجوده بخلقه، و بحدوث خلقه علي أزله، و باشتباهم علي أن لا شبه له، المستشهد بآياته علي قدرته، الممتنعة في الصفات ذاته، و من الأبصار رؤيته، و من الأوهام الاحاطة به؛ لا أمد لكونه، و لا غاية - أي نهاية - لبقائه، لا تشمله المشاعر، و لا تحجبه الحجب، و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه اياهم، لا متناعه عما يمكن في ذواتهم...(و ذلك في الكافي م 1 ص 140-139 في حديث طويل).
[469] الكافي م 1 ص 141-140.
[470] الاختصاص ص 60.
[471] الاحتجاج ج 2 ص 286 و الكافي م 1 ص 115-114 مع تصحيح المجلسي رحمه الله. و الآية الكريمة في سورة طه: 5 و الحسن بن راشد عده الشيخ في رجاله ص 267 من أصحاب الصادق عليه‌السلام، و أنه كوفي، و في أصحاب الكاظم عليه‌السلام ص 346 باسم الحسين بن راشد، و أنه بغدادي.
[472] التوحيد ص 230 و معاني الأخبار ص 4.
[473] أي لم يبتدع لعظمته مكانا اذ لا تحيط به الأماكن.
[474] التوحيد ص 142-141.
[475] سورة النجم: 11.
[476] التوحيد ص 116.
[477] التوحيد ص 175.
[478] سورة النجم: 9-8.
[479] الاحتجاج ج 2 ص 386.
[480] الكافي م 1 ص 125 و الاحتجاج ج 2 ص 386 و التوحيد ص 76 و الآية الكريمة في سورة الشعراء: 219-217.
[481] التوحيد ص 147.
[482] الكافي م 1 ص 150.
[483] المصدر السابق نفس الصفحة.
[484] سورة هود: 7. وانظر الكافي م 1 ص 56.
[485] المصدر السابق نفس الصفحة.
[486] انظر الاختصاص ص 22 نقلا عن تحف العقول ص 108 و انظر أيضا الأنوار البهية ص 157.
[487] الأنوار البهية ص 157 و معاني الأخبار ص 343.
[488] الأنوار البهية ص 157 هي و ما قبلها.
[489] الأنوار البهية ص 158.
[490] سورة البقرة:34.
[491] تجد كل ما سبق في تحف العقول من ص 301 الي ص 305.
[492] الأنوار البهية ص 158.
[493] كل ما سبق موجود في تحف العقول ص 297.
[494] المحجة البيضاء ج 4 ص 16 عن الكافي ص 174.
[495] المحجة البيضاء ج 3 ص 33 نقلا عن الكافي ص 284.
[496] الأنوار البهية ص 158.
[497] المصدر السابق.
[498] معاني الأخبار ص 144-143.
[499] كشف الغمة ج 3 ص 43-42.
[500] المصدر السابق.
[501] المصدر السابق.
[502] كشف الغمة ج 3 ص 47.
[503] المصدر السابق ص 8.
[504] المصدر السابق ص 412.
[505] الكافي م 1 ص 56.
[506] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 314.
[507] المحجة البيضاء ج 3 بين الصفحة 60 و الصفحة 64.
[508] المصدر السابق.
[509] المصدر السابق.
[510] المصدر السابق ص 74 نقلا عن مكارم الأخلاق ص 281.
[511] المصدر السابق ص 18 عن مكارم الأخلاق ص 176.
[512] المحجة البيضاء ج 3 ص 37 و ص 96.
[513] المصدر السابق ص 111.
[514] المصدر السابق.
[515] المصدر السابق ص 124 و ص 125 نقلا عن الكافي.
[516] المصدر السابق.
[517] المصدر السابق ص 443 نقلا عن الكافي.
[518] مناقب آل أبي‌طالب ج 4 ص 315-314.
[519] سورة الشعراء: 214.
[520] سورة الأحزاب: 5.
[521] الكافي م 1 من ص 539 الي ص 543.
[522] سورة الزمر: 18-17.
[523] سورة البقرة: 164-163.
[524] سورة النحل: 12.
[525] سورة الزخرف: 3-1.
[526] سورة الروم: 24.
[527] سورة الأنعام: 32.
[528] سورة القصص: 60.
[529] سورة الصافات: 138-136.
[530] سورة العنكبوت: 43.
[531] سورة البقرة: 170.
[532] سورة الأنفال: 22.
[533] سورة لقمان: 25.
[534] سورة الأنعام: 116.
[535] سورة الأنعام: 37 و الأعراف: 130 و هي مكررة في عدة سور.
[536] سورة الزخرف: 66.
[537] سورة سبأ: 13.
[538] سورة ص: 24.
[539] سورة هود: 40.
[540] سورة البقرة: 269.
[541] سورة آل عمران: 7.
[542] سورة آل عمران: 190.
[543] سورة الرعد: 19.
[544] سورة الزمر: 9.
[545] سورة ص: 29.
[546] سورة المؤمن: 54-53.
[547] سورة الذاريات: 55.
[548] سورة ق: 37.
[549] سورة لقمان: 12.
[550] سورة آل عمران: 8.
[551] هذه الوصية موجودة الي هنا في الكافي م 1 من ص 13 الي ص 20.
[552] سورة الرحمن: 60.
[553] هي بكاملها في تحف العقول من ص 283 الي ص 297 و انظر الي قسم كبير منها في الكافي م 1 من ص 13 الي ص 20.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.