اعلام الهداية الإمام موسي بن جعفر الكاظم (علیهما السلام)

اشارة

المؤلف: المجمع العالمي لاهل البيت عليهم السلام
الكمية: 5000 نسخة
الطبعة: الاولي\par طبع في سنة: 1422 ق\par المطبعة: ليلي

دعا

أهل البيت في القرآن الكريم (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) الأحزاب: 33 / 33 أهل البيت في الُسنّة النبويّة «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا» «الصحاح والمسانيد» [ صفحه 7]

المقدمة

الحمد لله الذي أعطي كلّ شيء خلقه ثم هدي، ثم الصلاة والسلام علي من اختارهم هداةً لعباده، لا سيما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبوالقاسم المصطفي محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي آله الميامين النجباء. لقد خلق الله الانسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه. وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له علي خلقه، وأعانه بما أفاض علي العقول من معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلي طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلي هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها. وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة اُخري. قال تعالي: [ صفحه 8] (قُلْ إنّ هُدي الله هو الهُدي) [1] . (والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم) [2] . (والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل) [3] . (ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلي صراط مستقيم) [4] . (قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتَّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدي فمالكم كيف تحكمون) [5] . (ويري الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل اليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلي صراط العزيز الحميد) [6] . (ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هديً من الله) [7] . فالله تعالي هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الانسان إلي الصراط المستقيم وإلي الحقّ القويم. وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم. ولقد أودع الله في فطرة الانسان النزوع إلي الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلي الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف علي طريق الكمال، ومن هنا قال تعالي: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ) [8] وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلي قمّة الكمال. وبعد أن زوّد الله الانسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة; والهوي الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الانسان ـ بالإضافة إلي عقله وسائر [ صفحه 9] أدوات المعرفة ـ الي ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته. ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الانسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الارشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة. وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلي مدي العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه، لئلاّ يكون للناس علي الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) [9] . ويتولّي أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في: 1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) [10] و (الله يجتبي من رسله من يشاء) [11] . [ صفحه 10] 2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية الي البشرية ولمن اُرسلوا إليه، ويتوقّف الإبلاغ علي الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب والإحاطة اللازمة» بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و «العصمة» عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالي: (كان الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) [12] . 3 ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالي: (يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة) [13] والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة) [14] . 4 ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّي بالعصمة. 5 ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف علي المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّي إدارة شؤون الاُمة علي أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وثباتاً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة [ صفحه 11] الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطي بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً علي مسيرة القيادة وانقياد الاُمة لها بحيث يتنافي مع أهداف الرسالة وأغراضها. وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين. وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ علي مدي العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبري ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي: 1 ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي علي عناصر الديمومة والبقاء. 2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف. 3 ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة. 4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء. 5 ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته (صلي الله عليه وآله). [ صفحه 12] ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري: أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر. ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال; علي يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول(صلي الله عليه وآله)، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته. ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم علي الرسول (صلي الله عليه وآله) إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال علي قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها علي مرّ العصور، وحتي يرث الله الأرض ومن عليها. وتجلّي هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسول(صلي الله عليه وآله) بقوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض». وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم(صلي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لقيادة الاُ مّة من بعده. إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للاسلام بعد عصر الرسول (صلي الله عليه وآله)، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الاسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلي أعماق الاُمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله)، [ صفحه 13] فأخذ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) يعملون علي توعية الاُمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلي الله عليه وآله) وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمة جمعاء. وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم علي نهج الرسول العظيم وانفتاح الاُمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء علي الله وعلي مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق اليه، والسابقين إلي تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود. وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر علي طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّي ضربوا أعلي أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالي، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ علي الحياة مع الذلّ، حتي فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسي الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق. إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدأ برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه وأنار الأرض بعدله. [ صفحه 14] ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام موسي بن جعفر، التاسع من أعلام الهداية الذي جسّد الكمالات النبوية في العلم والهداية والعمل والتربية وتوسعت بجهوده العلمية الجبارة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) واتضحت معالمها وأينعث ثمارها ولا زلنا نتفيّأ ظلالها حتي عصرنا هذا. ولا بدَّ لنا من تقديم الشكر الي كلّ الاخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع المبارك وإخراجه إلي عالم النور، لا سيما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالي. ولا يسعنا إلاّ أن نبتهل الي الله تعالي بالدعاء والشكر لتوفيقه علي إنجاز هذه الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم النصير. المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام قم المقدسة [ صفحه 17]

الإمام موسي الكاظم في سطور

الإمام موسي بن جعفر المعروف بالكاظم الغيظ سابع أئمة المسلمين بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأحد أعلام الهداية الربّانية في دنيا الاسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود. إنه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لاولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد. إنه من شجرة النبوة الباسقة والدوحة العلوية اليانعة ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والايمان ومعدن من معادن علم الله. ولد الإمام موسي بن جعفر في نهاية العهد الاُموي سنة (128 هـ) وعاصر أيّام انهيار هذا البيت الذي عاث باسم الخلافة النبويّة في أرض الاسلام فساداً. وعاصر أيضاً بدايات نشوء الحكم العبّاسي الذي استولي علي مركز القيادة في العالم الإسلامي تحت شعار الدعوة الي الرّضي من آل محمد(صلي الله عليه وآله). وعاش في ظلّ أبيه الصادق (عليه السلام) عقدين من عمره المبارك وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربّانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع. [ صفحه 18] فعاصر حكم السفّاح ثم حكم المنصور الذي اغتال أباه في الخامس والعشرين من شوال سنة (148 هـ) وتصدّي لمنصب الإمامة بعد أبيه الصادق(عليه السلام) في ظروف حرجة كان يخشي فيها علي حياته. وقد أحكم الإمام الصادق(عليه السلام) التدبير للحفاظ علي ولده موسي ليضمن استمرار حركة الرسالة الإلهية في أقسي الظروف السياسية حتي أينعت ثمار هذه الشجرة الباسقة خلال ثلاثة عقود من عمره العامر بالهدي، وتنفّس هواء الحرية بشكل نسبي في أيّام المهدي العبّاسي وما يقرب من عقد في أيام حكم الرشيد. لقد عاش الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) ثلاثة عقود من عمره المبارك والحكم العبّاسي لمّا يستفحل، ولكنه قد عاني من الضغوط في عقده الأخير ضغوطاً قلّما عاناها أحد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من الأمويين وممن سبق الرشيد من العباسيين من حيث السجن المستمرّ والاغتيالات المتتالية حتي القتل في سبيل الله علي يدي عملاء السلطة الحاكمة باسم الله ورسوله. وقد روي أنّ الرشيد خاطب الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) معتذراً منه في اعتقال سبطه موسي بن جعفر(عليه السلام). زاعماً أنّ وجوده بين ظهراني الاُمة سبب للفرقة... وهكذا تحكم القبضة علي رقاب المسلمين بل وأئمة المسلمين..فإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد سار الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) علي منهاج جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله) وآبائه المعصومين علي أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر... في الاهتمام بشؤون الرسالة الالهيّة وصيانتها من الضياع والتحريف، والجدّ في صيانة الاُمّة من الانهيار والاضمحلال ومقارعة الظالمين وتأييد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للصدّ من تمادي [ صفحه 19] الحكام في الظلم والاستبداد. وقد كانت مدرسته العلمية الزاخرة بالعلماء وطلاّب المعرفة تشكّل تحدّياً اسلاميّاً حضاريّاً وتقف أمام تراث كل الحضارات الوافدة وتربي الفطاحل من العلماء والمجتهدين وتبلور المنهج المعرفي للعلوم الإسلامية والإنسانية معاً. كما كانت نشاطاته التربوية والتنظيمية تكشف عن عنايته الفائقة بالجماعة الصالحة وتخطيطه لمستقبل الاُمّة الإسلامية الزاهر والزاخر بالطليعة الواعية التي حفظت لنا تراث ذلك العصر الذهبي العامر بمعارف أهل البيت(عليهم السلام) وعلوم مدرستهم التي فاقت كل المدارس العلمية في ذلك العصر وأخذت تزهر وتزدهر يوماً بعد يوم حتي عصرنا هذا. لقد اشتهرالإمام موسي بالكاظم الغيظ لشدّة حلمه وبالعابد والتقي وباب الحوائج الي الله، ولم يستسلم لضغوط الحكّام العباسيين ولألوان تعسفهم من أجل تحجيم نشاطه الربّاني الذي كانت تفرضه عليه ظروف المرحلة صيانة للرسالة والدولة الإسلامية من الانهيار وتحقيقاً لهويّة الاُمة ومحافظة علي الجماعة الصالحة من التحديات المستمرّة والمتزايدة يوماً بعد يوم. لقد بقي هذاالإمام العظيم ثابتاً مقاوماً علي خط الرسالة والعقيدة لاتأخذه في الله لومة لائم حتي قضي نحبه مسموماً شهيداً محتسباً حياته مضحّياً بكل ما يملك في سبيل الله وإعلاءاً لكلمة الله ودين جدّه المصطفي محمد(صلي الله عليه وآله) في الخامس والعشرين من رجب سنة (183) أو (184 هـ). فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد في سبيل الله ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً. [ صفحه 21]

انطباعات عن شخصية الإمام موسي الكاظم

أجمع المسلمون - علي اختلاف نحلهم ومذاهبهم - علي أفضلية أئمّة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وأعلميّتهم، وسموّ مقامهم، ورفعة منزلتهم، وقدسيّة ذواتهم وقرب مكانتهم من الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) حتّي تنافسوا في الكتابة عنهم، وذكر أحاديث الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) فيهم، وبيان سيرهم، وأخلاقهم، وذكر ما ورد من حكمهم وتعاليمهم. ولا غرو في ذلك بعد أن قرنهم الرسول الأعظم(صلي الله عليه وآله) بالقرآن الكريم ـ كما ورد في حديث الثقلين- ووصفهم النبي(صلي الله عليه وآله) بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوي، ومثّلهم بباب حطّة الذي من دخله كان آمناً. الي كثير من أحاديثه(صلي الله عليه وآله) في بيان فضلهم، والتنويه بعظمة مقامهم. ونقدّم في هذا الفصل بعض الانطباعات ممّن عاصر الإمام الكاظم(عليه السلام) عنه وممّن تلا عصره. 1 ـ قال عنه الإمام الصادق(عليه السلام): «فيه علم الحكم، والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق، وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ» [15] . [ صفحه 22] 2 ـ قال هارون الرشيد لإبنه المأمون وقد سأله عنه: هذا إمام الناس، وحجّة الله علي خلقه، وخليفته علي عباده [16] . وقال له أيضاً: يا بنيّ هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا [17] . 3 ـ قال المأمون العباسي في وصفه: قد أنهكته العبادة، كأنه شنّ بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه [18] . 4 ـ كتب عيسي بن جعفر للرشيد: لقد طال أمر موسي بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدّة، فما وجدته يفترعن العبادة، ووضعت من يسمع منه مايقوله في دعائه فما دعا عليك ولا عليّ، ولا ذكرنا بسوء، وما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة والرحمة، فإن أنت انفذت اليّ من يتسلّمه مني وإلاّ خليت سبيله، فإني متحرّج من حبسه [19] . 5 ـ قال أبو علي الخلال ـ شيخ الحنابلة ـ: ما همّني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر فتوسّلت به، إلاّ وسهّل الله تعالي لي ما أحبّ [20] . 6 ـ قال أبو حاتم: ثقة صدوق، إمام من ائمّة المسلمين [21] . 7 - قال الخطيب البغدادي: كان سخيّاً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنّه يؤذيه، فيبعث إليه بصُرّة فيها ألف دينار، وكان يصرّ الصرر: ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار ثم يقسّمها بالمدينة، وكان مثل صرر [ صفحه 23] موسي بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغني [22] . 8 ـ قال ابن الصبّاغ المالكي: وأمّا مناقبه وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، تشهد له بأنّه افترع قبّة الشرف وعلاها، وسما الي أوج المزايا فبلغ علاها، وذلّلت له كواهل السيادة وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فأصطفاها... [23] . 9 ـ قال سبط ابن الجوزي: موسي بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، ويلقّب بالكاظم والمأمون والطيّب والسيّد، وكنيته أبو الحسن، ويدعي بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده وقيامه بالليل [24] . 10 ـ قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجادّ في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي (كاظماً). كان يجازي المسيء باحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّي بـ (العبد الصالح) ويعرف في العراق بــ (باب الحوائج الي الله) لنجح مطالب المتوسّلين الي الله تعالي به. كراماته تحار منها العقول، وتقضي بان له عند الله قدم صدق لا تزال ولا تزول [25] . 11 ـ قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: هوالإمام الكبير القدر، [ صفحه 24] الأوحد، الحجّة، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما،المسمّي لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين (كاظماً) وهو المعروف عند أهل العراق بـ (باب الحوائج) لأنه ما خاب المتوسّل به في قضاء حاجة قط... له كرامات ظاهرة، ومناقب باهرة، افترع قمة الشرف وعلاها، وسما الي اوج المزايا فبلغ علاها [26] . 12 ـ قال محمد بن أحمد الذهبي: كان موسي من أجود الحكماء، ومن عبادالله الاتقياء، وله مشهد معروف ببغداد، مات سنة ثلاث وثمانين وله خمس وخمسون سنة [27] . 13 ـ قال ابن الساعي: الإمام الكاظم: فهو صاحب الشأن العظيم، والفخر الجسيم، كثير التهجّد، الجادّ في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادات، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً [28] . 14 - قال عبدالمؤمن الشبلنجي: كان موسي الكاظم رضي الله عنه أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، واسخاهم كفّاً، وأكرمهم نفساً، وكان يتفقّد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير الي بيوتهم ليلاً، وكذلك النفقات، ولا يعلمون من أيّ جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته. وكان كثيراً ما يدعو: «اللّهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب» [29] . 15 - قال عبد الوهاب الشعراني: احد الأئمة الاثني عشر، وهو ابن جعفر [ صفحه 25] ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، كان يكنّي بـ (العبد الصالح) لكثرة عبادته واجتهاده وقيامه الليل، وكان إذا بلغه عن احد يؤذيه يبعث إليه بمال [30] . 16 ـ قال عبد الله الشبراوي الشافعي: كان من العظماء الاسخياء، وكان والده جعفر يحبّه حبّاً شديداً، قيل له: ما بلغ من حبّك لموسي؟ قال: وددت أن ليس لي ولد غيره، لئلاّ يشرك في حبّي أحد. ثم تحدث عن الإمام(عليه السلام) ونقل بعض كلامه [31] . 17 ـ قال محمد خواجه البخاري: ومن أئمة أهل البيت: أبو الحسن موسي الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان رضي الله عنه صالحاً، عابداً، جواداً، حليماً، كبير القدر، كثير العلم، كان يدعي بـ (العبد الصالح) وفي كل يوم يسجد لله سجدة طويلة بعد ارتفاع الشمس الي الزوال. وبعث الي رجل يؤذيه صرّة فيها ألف دينار. طلبه المهدي بن المنصور من المدينة الي بغداد فحبسه، فرأي المهدي في النوم علياً كرّم الله وجهه يقول: يا مهدي «فهل عسيتم أن تولّيتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم» فأطلقه.. [32] . 18 ـ قال محمد أمين السويدي: هوالإمام الكبير القدر، الكثير الخير،كان يقوم ليله، ويصوم نهاره، وسمّي (كاظماً) لفرط تجاوزه عن المعتدين... له كرامات ظاهرة، ومناقب لا يسع مثل هذا الموضع ذكرها [33] . [ صفحه 26] 19 ـ قال محمود بن وهيب القراغولي البغدادي الحنفي: هو موسي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، وكنيته أبو الحسن، والقابه أربعة: الكاظم، والصابر، والصالح، والامين، الأول هو الاشهر، وصفته معتدل القامة أسمر، وهو الوارث لأبيه رضي الله عنهما علماً ومعرفة وكمالا وفضلا سمي بـ (الكاظم) لكظمه الغيظ، وكثرة تجاوزه وحلمه. وكان معروفاً عند أهل العراق بـ (باب قضاء الحوائج عند الله) وكان أعبد أهل زمانه، وأعلمهم، واسخاهم [34] . 20 - قال محمد أمين غالب الطويل: وكان العلويون يقتدون بالرجل العظيم، الإمام موسي الكاظم، والمشهور بالتقوي، وكثرة العبادة، حتي سماه المسلمون (العبد الصالح) وكان يلقب أيضاً بــ (الرجل الصالح) تشبيها له بصاحب موسي بن عمران، المذكور في القرآن، وكان الإمام الكاظم كريماً وسخياً [35] . [ صفحه 27]

مظاهر من شخصية الإمام الكاظم

وفور علمه

لقد شهد للإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) إذ قال عنه: «إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم». وقال أيضاً: «وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم». ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتي عرف بين الرواة بالعالم. وقال الشيخ المفيد: وقد روي الناس عن أبي الحسن موسي فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه [36] . [ صفحه 28]

عبادته وتقواه

نشأ الإمام موسي (عليه السلام) في بيت القداسة والتقوي، وترعرع في معهد العبادة والطاعة، بالاضافة الي أنه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والاخلاص له فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء علي كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوي ومعدن الايمان والعقيدة، فلولاهم ماعبد الله عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة، ولا ساغت في الاسلام شريعة. لقد رأي الإمام(عليه السلام) جميع صور التقوي ماثلة في بيته، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه [37] حتي لقّب بالعبد الصالح، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة. ونعرض انموذجاً من مظاهر طاعته وعبادته: أ ـ صلاته: إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام(عليه السلام) هي الساعات التي يخلو بها مع الله عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد: أنه إذا وقف بين يدي الله تعالي مصلّياً أو مناجياً أو داعياً ارسل ما في عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفاً منه، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة «فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتي يقرب زوال الشمس [38] ، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي(صلي الله عليه وآله) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصاً وخوفا منه: [ صفحه 29] «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك» [39] . ولمّا أودعه طاغية زمانه الملك هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتي بهر بذلك العقول وحير الالباب، فقد شكر الله علي تفرغه لطاعته قائلا: «اللّهم انّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد» [40] . لقد ضرب الإمام المثل الأعلي للعبادة فلم يضارعه أحد في طاعته واقباله علي الله، فقد هامت نفسه بحبه تعالي، وانطبع في قلبه الايمان العميق. وحدّث الشيباني [41] عن مدي عبادته، فقال: كانت لأبي الحسن موسي (عليه السلام) في بضع عشر سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال [42] ، وقد اعترف عدوه هارون الرشيد بأنه المثل الأعلي للانابة والايمان، وذلك حينما أودعه في سجن الربيع [43] فكان يطل من أعلي القصر فيري ثوباً مطروحاً في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه فيتعجب [ صفحه 30] من ذلك ويقول للربيع: «ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع»؟! ـ يا أمير المؤمنين: ما ذاك بثوب، وإنما هو موسي بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال. فبهر هارون وانطلق يبدي إعجابه. ـ أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم!! والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بزهدالإمام وعزوفه عن الدنيا طالباً أن يطلق سراحه ولا يضيّق عليه قائلاً: يا أمير المؤمنين: ما لك قد ضيّقت عليه في الحبس!!؟ فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من عدم الرحمة والرأفة قائلاً: «هيهات: لابد من ذلك!» [44] . ب ـ صومه: كان الإمام(عليه السلام) يصوم في النهار ويقوم مصلّياً في الليل، خصوصاً لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره، وهو يشكر الله ويحمده علي هذا الفراغ الذي قضاه في عبادته. ج ـ حجّه: وما من شيء يحبه الله وندب إليه إلاّ فعله الإمام عن رغبة واخلاص، فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشياً علي قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات، وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة الاُولي ستاً وعشرين يوماً، والثانية كانت خمساً وعشرين يوماً، والثالثة كانت أربعاً وعشرين يوماً، والرابعة كانت إحدي وعشرين يوماً [45] . [ صفحه 31] د ـ تلاوته للقرآن: كان الذكر الحكيم رفيق الإمام في خلواته، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بامعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا به، فاذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته [46] . وحدّث حفص عن كيفية تلاوته للقرآن فقال: وكان قراءته حزناً فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنساناً [47] بهذه الكيفية كان يتلو آيات الذكر الحكيم فكان يمعن في تعاليمه ويمعن في آدابه، ويتبصر في أوامره ونواهيه وأحكامه. هـ ـ عتقه للعبيد: ومن مظاهر طاعة الإمام(عليه السلام) عطفه واحسانه علي الرقيق فقد أعتق الف مملوك [48] كل ذلك لوجه الله، وابتغاء مرضاته، والتقرب إليه.

زهده

كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه الي الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدي زهده ابراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوي خصفة، وسيف معلق، ومصحف [49] ، لقد كان عيشه زهيداً، وبيته بسيطاً فلم يحتو علي شيء حتي من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل علي تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. علي أنه كانت تجبي له الأموال الطائلة، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي، بالاضافة الي أنه كان يملك البسرية وغيرها من [ صفحه 32] الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالاموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء علي البائسين والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وكان(عليه السلام) دوماً يتلو علي أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الاعلي لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقال (عليه السلام): «رحم الله أبا ذر. فلقد كان يقول: جزي الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدي بأحدهما، وأتعشي بالآخر، وبعد شملتي الصوف أئتزر باحدهما وارتدي بالاُخري...» [50] .

جوده وسخاؤه

لقد تجلّي الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق(عليه السلام) جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا، وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد علي الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار الي الاربعمائة دينار [51] وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون: «عجباً لمن جاءته صرار موسي وهو يشتكي القلة والفقر!!» [52] . [ صفحه 33] وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف دينار [53] وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء يثرب، فكانوا جميعاً يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه. وحدّث عيسي بن محمّد القرطي قال: «زرعت بطيخاً وقثاءً وقرعا [54] في موضع بالجوانيّة [55] علي بئر يقال لها اُم عضام. فلمّا استوي الزرع بغتني الجراد، فأتي علي الزرع كلّه، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً. فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) فسلّم ثم قال لي: كيف حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي. فقال: كم غرمت فيه؟ فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين. فالتفت (عليه السلام) لعرفة وقال له: زن لابن المغيث مائة وخمسين ديناراً. ثم قال لعيسي: فربحك ثلاثون ديناراً مع الجملين» [56] .

حلمه

وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسي(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدي عليه، ولم يكتف بذلك وانماكان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه [ صفحه 34] فقد رووا: «أن شخصاً من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأي أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضي إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتي وصل إليه، ولمّا انتهي إليه جلس الي جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين: ـ كم غرمت في زرعك هذا؟ - مائة دينار. - كم ترجو أن تصيب منه؟. - أنا لا أعلم الغيب!! - انما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟ - أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار. فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك علي حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه علي ما فرط من قبل في حق الامام، وتركه (عليه السلام) ومضي الي الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأي الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) في من يشاء». فبادر إليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت(عليه السلام) إلي أصحابه قائلا: أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟» [57] . [ صفحه 35] ومن آيات حلمه(عليه السلام) أنه اجتاز علي جماعة من حسّاده وأعدائه، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضي الرجل الي الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له [58] لقد أقام(عليه السلام) بذلك أسمي مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع. وكان(عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال: «يا بُنيّ: إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمني مكروهاً ثم تحوّل الي اليسري فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره» [59] .

ارشاده وتوجيهه

إنّ إرشاد الناس الي الحق وهدايتهم الي الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام يعني بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها. وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، إذ كان في بداية أمره ـ فيما يقول الرواة ـ يتعاطي الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة إرشاد الإمام(عليه السلام) وتوجيهه كما سوف نشير الي قصّته مع الإمام (عليه السلام) فيما سيأتي [60] . [ صفحه 36] وممن أرشدهم الإمام(عليه السلام) الي طريق الحق: الحسن بن عبدالله، فقد كان شخصية مرموقة عند الملوك زاهداً في الدنيا، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، فاجتمع بالامام فقال(عليه السلام) له: يا أبا علي، ما أحب اليّ ما أنت عليه، وأسرني به، إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة. قال: وما المعرفة؟ فقال له: تفقّه واطلب الحديث. فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء أهل المدينة، وعرضه علي الإمام فلم يرض (عليه السلام)، وأرشده الي فقه أهل البيت وأخذ الأحكام منهم، والاعتراف لهم بالامامة فانصاع الرجل لذلك واهتدي [61] . لقد كان (عليه السلام) يدعو الناس الي فعل الخير ويدلّهم علي العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنّي الموت فانبري(عليه السلام) له قائلا: «هل بينك وبين الله قرابة يحابيك لها؟ فقال: لا. فقال له(عليه السلام): فأنت إذن تتمنّي هلاك الأبد» [62] .

احسانه الي الناس

وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان(عليه السلام) يري أن إدخال الغبطة علي الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم [ صفحه 37] يتوان قط في إجابة المضطر، ورفع الظلم عن المظلوم، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءاً ورحمة. ومن هؤلاء الذين أغاثهم الامام(عليه السلام) شخص من أهالي الري [63] كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها، وخاف علي نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من الشيعة، فطوي نيته علي السفر الي الإمام ليستجير به فسافر الي المدينة فلما انتهي اليها تشرف بمقابلة الإمام فشكي إليه حاله، فزوده(عليه السلام) برسالة الي والي الري جاء فيها بعد البسملة: إعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدي الي أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام. وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه الي وطنه، فلما وصل، مضي الي الحاكم ليلا، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له: من أنت؟ فقال: رسول الصابر موسي؟ فهرع الي مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له، فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجعل يكرر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الامام، ثم إنه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له: يا أخي هل سررتك؟ فقال له: أي والله وزدت علي ذلك!! [ صفحه 38] ثم استدعي السجل فشطب علي جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً، ورأي أن يجازيه علي إحسانه ومعروفه فيمضي الي بيت الله الحرام فيدعو له، ويخبرالإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف، ولمّا أقبل موسم الحج مضي إليه ثم اتّجه الي يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه، فسرّ(عليه السلام) بذلك سروراً بالغاً، فقال له الرجل: يا مولاي: هل سرّك ذلك؟ فقال الإمام(عليه السلام): إي، والله! لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله لقد سرّ جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولقد سرّ الله تعالي..» [64] . وقد دلّ ذلك علي اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس. [ صفحه 41]

نشأة الإمام موسي الكاظم

هو سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج الي الله كما هو المعروف عند أهل العراق. 1 ـ الأب: هو سادس أئمة أهل البيت بعد الرسول(صلي الله عليه وآله) أبو عبدالله جعفر ابن محمد الصادق معجزة الاسلام ومفخرة الإنسانية علي مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلا ونبلا وعلماً وكمالا. 2 ـ الاُم: لقد كانت اُم الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) من تلكم النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها الله بالفضل وعناها بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبدالله، فكانت من أعزّ نسائه واحبّهن إليه، وآثرهن عنده. واختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً في نسبها فقيل انّها اندلسية، وتكنّي لؤلؤة [65] وقيل إنّها رومية [66] ، وقيل انّها من أجلّ بيوت الأعاجم [67] ، وكانت [ صفحه 42] السيدة حميدة تعامل في بيتها معاملة كريمة، فكانت موضع عناية وتقدير عند جميع العلويات، كما انّ الإمام الصادق(عليه السلام) كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأي فيها وفور العقل والكمال، وحسن الايمان وأثني عليها ثناءاً عاطراً، فقال فيها: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتي اديت إليّ كرامة من الله وللحجة من بعدي...» [68] ، وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتي أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وايماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية [69] ، واجدر بها أن تحتل هذه المكانة، وان تكون من ألمع نساء عصرها في العفّة والفقه والكمال. 3 ـ الوليد المبارك: وامتدّ الزمن بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبدالله الي بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين الي يثرب، فلمّا انتهوا الي «الأبواء» [70] أحسّت حميدة بالطلق فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد اليها أن لا تسبقه بشأن وليده، وكان أبو عبدالله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ المسرّ قام مبادراً اليها فلم يلبث قليلا حتي وضعت حميدة سيداً من سادات المسلمين، وإماماً من أئمة أهل البيت(عليهم السلام). لقد أشرقت الدنيا بهذا المولود المبارك الذي ما ولد ـ في عصره ـ أيمن، ولا أكثر عائدة ولطفاً علي الاسلام منه. لقد ولد أبرّ الناس، وأعطفهم علي الفقراء، وأكثرهم عناءاً ومحنة في [ صفحه 43] سبيل الله وأعظمهم عبادة وخوفاً من الله. وبادر الإمام أبو عبدالله فتناول وليده فأجري عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في اُذنه اليمني، وأقام في اليسري. وانطلق الإمام أبو عبد الله عائداً الي أصحابه، وقد علت علي ثغره ابتسامة فبادره أصحابه قائلين: أسرّك الله، وجعلنا فداك،يا سيدنا ما فعلت حميدة؟ فبشرهم بمولوده المبارك، وعرّفهم عظيم أمره قائلا: «قد وهب الله لي غلاماً، وهو خير من برأ الله». أجل انه خير من برأ الله علماً وتقويً وصلاحاً، وتحرّجاً في الدين وأحاط الإمام أصحابه علماً بأن وليده من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين فرض الله طاعتهم علي عباده قائلا لهم: «فدونكم، فوالله هو صاحبكم» [71] . وكانت ولادته في سنة (128 هـ) [72] وقيل سنة (129 هـ) [73] وذلك في أيام حكم عبد الملك بن مروان. 4 ـ حب وتكريم: وقطع الإمام موسي شوطاً من طفولته وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه المستفيض، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم، وقد قدمه الإمام الصادق(عليه السلام) علي بقية ولده، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، فمن مظاهر ودّه [ صفحه 44] أنه وهب له قطعة من أرض تسمي البسرية، كان قد اشتراها بست وعشرين ألف دينار [74] . وتكلّم الإمام موسي وهو طفل بكلام أثار اعجاب أبيه فاندفع أبوه قائلا: «الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الاصدقاء» [75] . 5 ـ صفته: كان أسمر شديد السمرة [76] ، ربع القامة، كث اللحية [77] ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف الجسم. وحاكي الإمام موسي في هيبته هيبة الانبياء، وبدت في ملامح شكله سيماء الأئمة الطاهرين من آبائه، فما رآه أحد إلاّ هابه وأكبره. 6 ـ نقش خاتمه: «الملك لله وحده» [78] . 7 - كناه: أبو الحسن الأول، أبو الحسن الماضي، أبو ابراهيم، أبو علي، أبو اسماعيل. 8 - ألقابه: أمّا القابه فتدل علي بعض مظاهر شخصيته، وجملة من جوانب عظمته، وهي كما يلي: الصابر: لأنه صبر علي الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الجور، الذين قابلوه بجميع ألوان الاسائة والمكروه. الزاهر: لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء الذي مثل به خلق جده الرسول(صلي الله عليه وآله). [ صفحه 45] العبد الصالح: ولقب بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده في الطاعة، حتي صار مضرب المثل في عبادته علي ممرّ العصور والاجيال وقد عرف بهذا اللقب عند رواة الحديث فكان الراوي عنه يقول: حدثني «العبد الصالح». السيد: لانه من سادات المسلمين، وإمام من أئمتهم، وقد مدحه بهذا اللقب الشاعر الشهير أبو الفتح بقوله: وإذا كنت للشريف غلاما فأنا الحر والزمان غلامي [79] . الوفي: لأنه أوفي إنسان خلق في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً باخوانه وشيعته وبارّاً حتي باعدائه والحاقدين عليه. الأمين: وكل ما للفظ الأمانة من معني قد مثل في شخصيته العظيمة فقد كان أمينا علي شؤون الدين وأحكامه، وأميناً علي اُمور المسلمين وقد حاز هذا اللقب كما حازه جده الرسول الأعظم من قبل، ونال به ثقة الناس جميعاً. الكاظم: وانما لقّب بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والارهاق حتي قضي شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لاحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه، ويقول ابن الاثير: «انه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالاحسان» [80] . ذو النفس الزكية: وذلك لصفاء ذاته التي لم تتلوّث بمآثم الحياة ولا بأقذار المادة حتي سمت، وانبتلت عن النظير. باب الحوائج: وهذا أكثر ألقابه ذكراً، وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً، فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه [ صفحه 46] وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع الي أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الايام، وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين علي اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول: «ما همّني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر الاّ سهّل الله تعالي لي ما أحب» [81] . وقال الإمام الشافعي: «قبر موسي الكاظم الترياق المجرَّب» [82] . لقد كان الإمام موسي في حياته مفزعاً وملجأ لعموم المسلمين وكذلك كان بعد وفاته حصناً منيعاً لمن استجار به [83] . [ صفحه 47]

مراحل حياة الإمام الكاظم

تبعاً لطبيعة الظروف التي مرّ بها الإمام الكاظم (عليه السلام) في حياته تنقسم الدراسة عن حياته الي ثلاث مراحل متميّزة: المرحلة الاُولي: إذا اعتبرنا المرحلة الاُولي من حياة الإمام (عليه السلام) هي مرحلة ما قبل التصدي للامامة الشرعية أي منذ ولادته في سنة (128) أو (129 هـ) حتي استشهاد أبيه الصادق (عليه السلام) سنة (148 هـ). فالمرحلة الاُولي: هي مرحلة نشأته وحياته في ظلّ أبيه(عليهما السلام) وهي تناهز العقدين من عمره الشريف. وقد تميزت هذه المرحلة بظهور علمه الربّاني وقدرته الفائقة علي الحوار والحجاج حتي أفحم مثل أبي حنيفة وهو صبي لم يتجاوز نصف العقد الواحد من عمره المبارك. المرحلة الثانية: وتبدأ بتسلّمه لزمام الامور الدينية (العلمية والسياسية والتربوية) بعد استشهاد أبيه في ظروف سياسيّة قاسية كان يخشي فيها علي حياته المباركة حتي اضطرالإمام الصادق(عليه السلام) لان يجعله واحداً من خمسة أوصياء فيوصيته المشهورة التي بدّد فيها تخطيط المنصور لاغتيال وصي الإمام الصادق(عليه السلام). واستمرت هذه المرحلة حتي مات المنصور سنة (158 هـ) واستولي [ صفحه 48] المهدي ثم الهادي سنة (169 هـ) علي مركز السلطة فهي تبلغ حوالي عقدين أو مايزيد عليهما بقليل وكانت مرحلة انفراج نسبي لأهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم سيما في عهد المهدي العباسي. المرحلة الثالثة: وهي مرحلة معاصرته لحكم الرشيد حيث استولي علي زمام الحكم سنة (170 هـ) وهو المعروف بحقده للعلويين بعد أخيه الهادي وأبيه المهدي. واستمرت هذه المرحلة حتي سنة (183 هـ) وهي سنة استشهاد الإمام الكاظم بيد أحد عمّال الرشيد. وهذه المرحلة هي من أحرج مراحل حياة الإمام(عليه السلام) وأدقّها من حيث تشديد التضييق عليه، ولم ينته العقد الأول من حكم الرشيد إلاّ والإمام في مطامير سجونه، تارة في البصرة واُخري في بغداد. وتميّزت هذه السنوات العجاف بالتخطيط المستمر من قبل الرشيد لادانة الإمام(عليه السلام) والسعي المتواصل لسجنه واغتياله. وقد أخذ الإمام يكثّف نشاطه ضد الحكم القائم. فيما إذا قيس الي مواقفه من المنصور والمهدي وانتهت هذه المرحلة بالتضييق والتشديد علي أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم والإمام الكاظم بشكل خاص بالرغم من عدم قيام العلويين بالثورة ضد هارون الرشيد. ولكن الإمام قد استثمر كل طاقاته لبلوغ أهدافه رغم حراجة الظرف وتشديد القبضة علي العلويين. وكان الإمام فيها يعلم بسياسة هارون وقراره النهائي باغتيال الإمام(عليه السلام) مهما كلّف الأمر حتي انه لم يتقبل وساطة أيّ واحد من مقربي بلاطه. وانتهت هذه المرحلة بمقاومة الإمام(عليه السلام) وثباته علي مواقفه وعدم تنازله عند رغبات الرشيد ومحاولاته لاستذلال الإمام(عليه السلام) بشكل وآخر ليركع أمام جبروته لقاء تنفّسه هواء الحرية خارج السجن. [ صفحه 49] ولكن الإمام باشر مهامه بكل إحكام واتقان وأوصي الي ابنه الرضا وضمن للجماعة الصالحة استمرار المسيرة، وقضي مسموماً صابراً محتسباً. مكللا جهاده بالشهادة في سبيل الله تعالي. تأريخ الاستشهاد: استشهد مظلوماً في حبس السندي بن شاهك في 25 من رجب سنة (183 هـ) ودفن في مقابر قريش في بغداد. [ صفحه 51]

الإمام موسي الكاظم في ظل أبيه

اشاره

لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) وعاصرها مع أبيه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ) حتي وفاة أبيه سنة (148 هـ) بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) حيث استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات، ويرسم الخط الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم(عليه السلام) الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي. ولمّا كنّا بصدد إلقاء الضوء علي أهم ما امتازت به حياة الإمام الكاظم مع أبيه (عليهما السلام) لنتصوّر من خلالها الأدوار المقبلة له أثناء تصدّيه للإمامة كان من الأهميّة أن نلخّص الظواهر البارزة في هذه المرحلة من حياته مع أبيه (عليه السلام) كما يلي: 1 ـ ظاهرة التمرّد علي السلطة والاعتقاد بأهميّة الثورة، والندم علي موقف السكوت أمام الباطل، والدعوة للعلويين الذين يشكّلون الخط المناهض للحكم الاُموي، فظاهرة التمرّد أفقدت المركزية للسلطة وانتهت الي عدم الطاعة للاُمراء، حتي أصبح شعار الدعوة الي الرّضي من آل محمد(صلي الله عليه وآله) في هذه المرحلة حديث الساعة الذي كان يتداوله الناس هنا وهناك. [ صفحه 52] وهذه الظاهرة أتاحت للإمام الصادق (عليه السلام) أن ينفذ من خلالها لتطبيق برنامجه ما دامت السلطة مشغولة بالاضطرابات التي خلّفتها الثورة الحسينية. 2 ـ في هذه الفترة ظهرت علي المسرح السياسي مقدمات نشوء الدولة العبّاسية، حيث استغلّ العبّاسيون هذه الأجواء وعقدوا اجتماعهم بالأبواء وقرّروا في ظاهر الأمر أن يكون الخليفة محمداً ذا النفس الزكية وروّجوا الدعوة للرّضي من آل محمّد(صلي الله عليه وآله) لكنهم دعوا الناس الي البيعة للعبّاسيين سرّاً، وعيّن إبراهيم الإمام في حينها غلامه أبا مسلم الخراساني قائداً عسكرياً علي خراسان وأوصاه بالقتل والإبادة الجماعية والأخذ علي الظِنّة والتهمة لخصومه الاُمويين. وكان موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من هذه الحركة العبّاسية هو الحياد وعدم المشاركة فيها وعدم دعمها وإخباره وتنبّؤه بنتائجها، مع عدم توفر الظرف الملائم للثورة العلوية وذلك لفقدان الشروط الموضوعية لها، وقد تجلي ذلك بوضوح من خلال مواقفه(عليه السلام) من العروض التي تقدّم بها قادة الدعوة العبّاسية للإمام (عليه السلام) أمثال أبي سلمة وأبي مسلم الخراساني حيث صرّح لهم مرّة بأن الزمان ليس بزمانه، ومرّة اُخري أحرق الرسالة التي وصلته من أحدهم. لقد كانت عروضاً سياسيّة مصلحية وكان الإمام(عليه السلام) يدرك خلفيّاتها. وبهذا تخلّص الإمام(عليه السلام) من هذه المنزلقات وخلّص شيعته ليفتح لهم آفاقاً أرحب للعمل والجهاد في سبيل الله تعالي. 3 ـ تركّزت نشاطات الإمام الصادق (عليه السلام) نحو البناء الخاص ومعالجة التحدّيات التي كانت تعصف بالوجود الشيعي ضمن عدّة اتّجاهات: أ ـ التغيير الثقافي والفكري: حين قرّر الإمام (عليه السلام) لزوم الحياد السياسي كان قد أعدّ برنامجه الذي يستوعب عن طريقه طاقات الاُمة ويلبّي حاجاتها [ صفحه 53] الاجتماعية والأخلاقية من خلال جامعة أهل البيت(عليهم السلام) والتي أسّسها وطوّرها كي يتمكّن عن طريقها من مواجهة المدّ الفكري المنحرف الذي روّج له الامويون. وبسبب عجز التيّار السياسي عن معالجة الانحرافات استقطب مختلف الشرائح والاتجاهات، وتشكّلت لهذه الجامعة فروع في البلاد الإسلامية وأصبحت تيّاراً ثقافيّاً يروّج للاتجاه الجعفري الذي كان يمثّل خطّ أهل بيت الرسالة، وكان للإمام الكاظم(عليه السلام) دور بارز في مدرسة أبيه (عليه السلام) في هذا الظرف بالذات. ب ـ وفي الوقت الذي كان الإمام(عليه السلام) يطور هذا التيّار الفكري كان يهيّء الأذهان الخاصّة لقبول قيادة الإمام الكاظم(عليه السلام) والإيمان بإمامته فقد جاء عن المفضّل بن عمر أنه قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فدخل أبو ابراهيم موسي وهو غلام فقال لي أبو عبدالله (عليه السلام): استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك [84] . ج ـ وتحرّك الإمام الصادق (عليه السلام) لقطع الطريق أمام الدعوات المشبوهة التي كانت تهدف إلي تمزيق وحدة الصفّ الشيعي وتطرح نفسها كبديل للإمام (عليه السلام)، فمن أساليبه (عليه السلام) خلال مواجهته للتيّار الإسماعيلي إخباره الشيعة بأنّ إسماعيل ليس هو الإمام من بعده، وعندما توفّي إسماعيل أحضر الإمام الصادق (عليه السلام) حشداً من الشيعة ليخبرهم بحقيقة موت إسماعيل لئلاّ يستغلّ المنحرفون موت إسماعيل لتمزيق الكيان الشيعي بالتدريج. 4 ـ عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) معاناة أبيه الصادق(عليه السلام) وشاهد الاستدعاءات المتكرّرة له من قبل المنصور حتي استشهاده(عليه السلام) بعد الوصية [ صفحه 54] لابنه الإمام الكاظم(عليه السلام) وإبلاغها لخواصّ شيعته وربط عامّة الشيعة بإمامته. 5 ـ الإمامة منصب ربّاني يتقوّم بجدارة الإنسان المرشّح للإمامة وقابليته لتحمّل أعباء هذه المسؤولية الكبري، ولهذا يعتبر فيها الاجتباء الربّاني والاصطفاء الإلهي، ومن هنا كان النصّ علي كل واحد من الأئمة ضرورة لابدّ منها. والنصوص العامّة والخاصّة قد بلّغها الرسول(صلي الله عليه وآله) الي صحابته وأهل بيته وتناقلتها كتب الحديث والأخبار. ولكن النصوص المباشرة من كل امام علي الذي يليه من أبنائه لها ظروفها الخاصّة التي تكتنفها فتؤثر في كيفية التنصيص وأساليب التعبير ودلالاتها التي تتراوح بين الإشارة تارة والتصريح تارة اُخري. ومن يتابع نصوص الإمام الصادق(عليه السلام) علي إمامة ابنه أبي الحسن موسي الكاظم(عليه السلام) ويلاحظها بتسلسلها التاريخي يكتشف جانباً من أساليب الإمام الصادق وإضاءاته المكثّفة تجاه تقرير إمامة ابنه أبي الحسن موسي من بعده مراعياً فيها تقلّبات وتطوّرات الواقع الاجتماعي الذي عاشه الإمام(عليه السلام) خلال عقدين من الزمن قبل وفاته أي من حين ولادة ابنه موسي والذي ولد من اُمّ ولد أندلسيّة في الوقت الذي كان قد ولد له أبناء آخرون من زوجته فاطمة بنت الحسين الأصغر (الأثرم) عمّ الإمام الصادق(عليه السلام) فكان أكبرهم اسماعيل والذي كان يحبّه أبو عبدالله حبّاً شديداً، وكان قوم من شيعته يظنون أنّه القائم بعد أبيه. وقد توفّي اسماعيل سنة (142 هـ) وكان عبدالله بن جعفر المعروف بالأفطح أكبر أولاد الصادق بعد أخيه اسماعيل. ومن هنا كان النصّ علي إمامة موسي تكتنفه ملابسات عديدة بعضها [ صفحه 55] تعود الي أبناء الإمام وبعضها الي أصحابه وجملة منها ترتبط بالوضع السياسي القائم آنذاك. من هنا نقف قليلاً عند نصوص الإمام الصادق علي إمامة ابنه موسي(عليهما السلام) مراعين تسلسل صدورها قدر الإمكان.

نصوص الإمام الصادق علي إمامة موسي الكاظم

1 ـ عن يعقوب السراج قال: دخلت علي أبي عبدالله(عليه السلام) وهو واقف علي رأس أبي الحسن موسي وهو في المهد، فجعل يسارّه طويلا، فجلست حتي فرغ، فقمت إليه فقال لي: «ادن من مولاك فسلّم، فدنوت فسلمت عليه فردّ عليّ السلام بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغيّر اسم ابنتك التي سميتها أمس، فانه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها بالحميراء. فقال أبو عبدالله: انته الي أمره ترشد، فغيّرت اسمها» [85] . 2 ـ عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبد الله(عليه السلام) أبا الحسن(عليه السلام) يوماً ونحن عنده فقال لنا: «عليكم بهذا، فهو والله صاحبكم بعدي» [86] . 3 ـ عن فيض بن المختار قال: «اني لعند أبي عبد الله(عليه السلام) اذ أقبل أبو الحسن موسي(عليه السلام) ـ وهو غلام ـ فالتزمته وقبّلته فقال أبو عبد الله(عليه السلام): أنتم السفينة وهذا ملاّحها، قال: فحججت من قابل ومعي الفا دينار فبعثت بألف الي أبي عبدالله(عليه السلام) وألف إليه، فلمّا دخلت علي أبي عبدالله(عليه السلام) قال: يا فيض عدلته بي؟ قلت: انّما فعلت ذلك لقولك، فقال: أما والله ما أنا فعلت ذلك. بل الله [ صفحه 56] عزّ وجلّ فعله به» [87] . 4 ـ عن الفيض بن المختار قال: قلت لابي عبدالله(عليه السلام): خذ بيدي من النار من لنا بعدك؟ فدخل عليه أبو ابراهيم(عليه السلام)، وهو يومئذ غلام، فقال: «هذا صاحبكم، فتمسك به» [88] . 5 ـ عن معاذ بن كثير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: اسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: «قد فعل الله ذلك». قال: قلت من هو جعلتُ فداك؟ فاشار الي العبد الصالح وهو راقد فقال(عليه السلام): «هذا الراقد وهو غلام» [89] . 6 ـ عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي(عليه السلام) فقلت له: إنّ هذا الرجل قد صار في يد هذا وما ندري الي ما يصير؟ فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟ فقال لي: ما ظننت ان أحداً يسألني عن هذه المسألة، دخلت علي جعفر بن محمد في منزله فاذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو، وعلي يمينه موسي بن جعفر(عليه السلام) يؤمّن علي دعائه، فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي اليك وخدمتي لك، فمن وليّ الناس بعدك؟ فقال: «إنّ موسي قد لبس الدرع وساوي عليه» فقلت له: لا أحتاج بعد هذا الي شيء [90] . 7 ـ عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: حدّثني اسحاق بن جعفر قال: كنت عند أبي يوماً، فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك الي من [ صفحه 57] نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال: «الي صاحب الثوبين الاصفرين والغديرين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من هذا الباب، يفتح البابين بيده جميعاً»، فما لبثنا ان طلعت علينا كفّان آخذة بالبابين ففتحهما ثم دخل علينا ابو ابراهيم [91] . 8 ـ عن صفوان الجمّال، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت واُمي إنّ الانفس يُغدا عليها ويراح، فاذا كان ذلك، فمن؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): «إذا كان ذلك فهو صاحبكم»، وضرب بيده علي منكب أبي الحسن (عليه السلام) الأيمن ـ في ما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي وعبدالله بن جعفر جالس معنا [92] . 9 ـ عن المفضل بن عمر قال: ذكر أبو عبدالله(عليه السلام) أبا الحسن(عليه السلام) ـ وهو يومئذ غلام ـ فقال: «هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه ثم قال لي: لا تجفوا اسماعيل» [93] . 10 ـ عن عيسي بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت له: «ان كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتم؟ قال: فأومأ الي ابنه موسي (عليه السلام). قلت: فان حدث بموسي حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده. قلت: فإن حدث وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً فبمن أئتم؟ قال: بولده، ثم قال: هكذا ابداً، قلت: فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟ قال: تقول: اللهم إني أتولي من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فانّ ذلك يجزيك ان شاء الله» [94] . [ صفحه 58] 11 - عن فيض بن المختار في حديث طويل في أمر أبي الحسن(عليه السلام) حتي قال له أبو عبدالله(عليه السلام): «هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم إليه فاقرّ له بحقه، فقمت حتي قبّلت رأسه ويده ودعوت الله عزّ وجلّ له، فقال أبوعبدالله(عليه السلام): أما انه لم يؤذن لنا في أوّل منك، قال: قلت: جعلت فداك فأخبر به احداً؟ فقال: نعم أهلك وولدك، وكان معي أهلي وولدي ورفقائي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلمّا اخبرتهم حمدوا الله عزّ وجلّ وقال يونس: لا والله حتي أسمع ذلك منه وكانت به عجلة، فخرج فاتبعته، فلماانتهيت الي الباب، سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول له: ـ وقد سبقني إليه ـ يا يونس الأمر كما قال لك فيض. قال: فقال: سمعت وأطعت، فقال لي أبو عبدالله (عليه السلام): خذه اليك يا فيض» [95] . 12 ـ عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر فقال: «إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسي وهو صغير ومعه عناق مكّية وهو يقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبدالله (عليه السلام) وضّمه إليه وقال: بأبي واُمي من لا يلهو ولا يلعب» [96] . 13 ـ روي زيد النرسي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: «اني ناجيت الله ونازلته في اسماعيل ابني أن يكون بعدي فأبي ربي إلاّ أن يكون موسي ابني» [97] . 14 ـ عن يزيد بن أسباط قال: دخلت علي أبي عبدالله(عليه السلام) في مرضته التي مات فيها، قال(عليه السلام): «يا يزيد أتري هذا الصبي؟ ـ وأشار لولده موسي ـ إذا رأيت الناس قد اختلفوا [ صفحه 59] فيه، فاشهد عليَّ بأني أخبرتك أن يوسف إنّما كان ذنبه عند اخوته حتي طرحوه في الجب، الحسد له، حين أخبرهم أنه رأي أحد عشر كوكباً والشمس والقمر وهم له ساجدين، وكذا لابد لهذا الغلام من أن يحسد، ثم دعا موسي وعبدالله واسحاق ومحمد والعباس، وقال لهم: هذا وصيُّ الأوصياء وعالم علم العلماء وشهيدٌ علي الأموات والأحياء، ثمّ قال: يا يزيد (ستكتب شهادتهم ويسألون) [98] [99] . [ صفحه 63]

ملامح عصر الإمام الكاظم

اشاره

لم يغيّر المنصور من سياسته ضد العلويين بعد قتله للإمام الصادق(عليه السلام)، وبعد قضائه علي الثورات العلوية في زمانه، بل بقي هاجس الخوف والقلق يلاحقه، ولم تهدأ ذاته المليئة بالحقد عليهم، فاستمر في اضطهادهم، فزجّ الابرياء في السجون المظلمة وهدمها عليهم، ودفن البعض وهم أحياء في اسطوانات البناء، وبثّ الجواسيس، لاجل أن يحيط علماً بكل نشاطهم، وأخذت عيونه ترصد كل حركة بعد تحويرها وتحريفها بالكذب لتنسجم مع رغبات الخليفة فكانوا يرفعونها له مكتوبة كما سمح للتيّارات الالحادية كالغلاة والزنادقة في أن تأخذ طريقها بين عامة الناس لاضلالهم. كما استعمل بعض العلماء واستغلّهم لتأييد سياسته واسباغ الطابع الشرعي علي حكمه. ويمكن استجلاء هذا الوضع ضمن عدة نقاط:

النقطة الاولي

إنّ وصية الإمام الصادق(عليه السلام) التي عهد بها أمام الناس لخمسة أشخاص، هم أبو جعفر المنصور، محمد بن سليمان، وعبدالله، وموسي، وحميدة، مع كتابة المنصور لعامله في المدينة بأن يقتل وصيّ الإمام الصادق(عليه السلام) ان كان [ صفحه 64] معيناً، يتضح ـ من هذه الوصية مع أوامر المنصور بقتل الوصيّ ـ نوع الطريقة التي كان يتحرك بها المنصور تجاه الإمام موسي(عليه السلام) ثم يتضح أيضاً حجم النشاط وحجم الاهتمام الذي كان يعطيه المنصور للإمام(عليه السلام) لمراقبة حركته. ولكن الإمام الصادق(عليه السلام) كان يستشف من وراء الغيب ما تحمله الأيّام المقبلة من أخطار لابنه موسي(عليه السلام) ومن هنا فقد خاطب شيعته بلغة خاصة ضمّنها الحقيقة التي اراد ايصالها اليهم وان كان ذلك يسلتزم الالتباس عند بعض، والتحيّر في معرفة ولي الأمر من بعده لفترة تقصر أو تطول ; لأن حفظ الوصي وولي عهده والإمام المفترض الطاعة في تلك الظروف العصيبة كان أمراً ضرورياً بلا ريب لأن استمرار الخط لا يمكن ضمانه إلاّ بحفظ الإمام المعصوم بما يتناسب مع طبيعة تلك الظروف. ولكن الواعين والنابهين من صحابة الإمام الصادق(عليه السلام) لم تلتبس عليهم حقيقة وصية الإمام(عليه السلام) التي تضمّنت الوصية للإمام الكاظم(عليه السلام). قال داود بن كثير الرقي: وفد من خراسان وافد يكنّي أبا جعفر، اجتمع إليه جماعة من أهل خراسان، فسألوه أن يحمل لهم أموالا ومتاعاً ومسائلهم في الفتاوي والمشاورة، فورد الكوفة ونزل وزار قبر أمير المؤمنين(عليه السلام)، ورأي في ناحية المسجد رجلا حوله جماعة. فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم شيعة فقهاء يسمعون من الشيخ، فقالوا: هو أبو حمزة الثمالي. قال: فبينما نحن جلوس اذ أقبل اعرابي، فقال: جئت من المدينة، وقد مات جعفر بن محمد(عليه السلام) فشهق أبو حمزة ثم ضرب بيده الارض، ثم سأل الاعرابي: هل سمعت له بوصية؟ [ صفحه 65] قال: أوصي الي ابنه عبدالله والي ابنه موسي، والي المنصور. فقال: الحمد لله الذي لم يُضلّنا، دلّ علي الصغير وبيّن علي الكبير، وستر الأمر العظيم. ووثب الي قبر أمير المؤمنين(عليه السلام) فصلي وصلّينا. ثم أقبلت عليه وقلت له: فسّر لي ما قلته؟ قال: بيّن أن الكبير ذو عاهة ودلّ علي الصغير أن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر العظيم بالمنصور حتي إذا سأل المنصور: من وصيّه؟ قيل أنت. قال الخراساني: فلم أفهم جواب ما قاله [100] . فذهب بعد ذلك الي المدينة ليطّلع بنفسه علي الوصي من بعدالإمام جعفر بن محمد(عليه السلام).

النقطة الثانية

لقد شدّدت السلطات في المراقبة علي الشيعة بعد استشهادالإمام الصادق(عليه السلام) وعمّ الارتباك أوساطهم وشحنت الأجواء بالحذر والتحسّب. وعن هذه الفترة الزمنية المهمة في التاريخ الشيعي يحدّثنا هشام بن سالم أحد رموز الشيعة قائلا: كنا في المدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا ومؤمن الطاق (أبو جعفر) والناس مجتمعون علي أنّ عبدالله (الافطح) صاحب (الامام) بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبدالله وذلك انهم رووا عن أبي عبدالله(عليه السلام): أن الأمر في الكبير مالم يكن به عاهة فدخلنا نسأله عمّا كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا: [ صفحه 66] ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف درهم [101] . قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا. فرفع (الافطح) يده الي السماء، فقال: لا، والله ما أدري ما تقول المرجئة! قال: فخرجنا من عنده ضُلاّلا، لا ندري الي أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول [102] فقعدنا في بعض أزقّة المدينة باكين حياري لا ندري الي من نقصد والي أين نتوجّه؟! نقول: (نذهب) الي المرجئة؟ الي القدرية؟ الي الزيدية؟ الي المعتزلة؟ الي الخوارج [103] . قال: فنحن كذلك اذ رأيت رجلا شيخاً لا أعرفه يومئ اليّ بيده، فخفت أن يكون عيناً (جاسوساً) من عيون أبي جعفر (المنصور الدوانيقي). وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون علي من اتفق شيعة جعفر (الصادق) فيضربون عنقه، فخفت أن يكون (الرجل الشيخ) منهم. فقلت لأبي جعفر (مؤمن الطاق): تنح فإني خائف علي نفسي وعليك، وانما يريدني (الشيخ) ليس يريدك، فتنحّ عنّي، لا تهلك وتعين علي نفسك. فتنحّي غير بعيد، وتبعت الشيخ، وذلك اني ظننت أني لا أقدر علي التخلص منه، فما زلت أتبعه حتي ورد بي علي باب أبي الحسن موسي (الكاظم)(عليه السلام) ثم خلاّني ومضي، فاذا خادم بالباب فقال لي: اُدخل، رحمك الله. قال: فدخلت فاذا أبو الحسن (الكاظم) (عليه السلام) فقال لي ابتداءً: لا الي المرجئة، ولا [ صفحه 67] الي القدرية، ولا الي الزيدية، (ولا الي المعتزلة)، ولا الي الخوارج، اليّ اليّ اليّ. قال (هشام): فقلت له: جعلت فداك مضي أبوك؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك مضي في موت؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، إنّ عبدالله (الافطح) يزعم أنه (إمام) من بعد أبيه فقال: يريد عبدالله ـ الافطح ـ أن لا يعبد الله. قال: قلت له: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟ فقال: ان شاء الله أن يهديك هداك أيضاً. قلت: جعلت فداك، أنت هو (الامام)؟ قال: ما أقول ذلك قلت ـ في نفسي ـ لم أُصب طريق المسألة (أي أخطأت في كيفية السؤال). قال (هشام): قلت: جعلت فداك، عليك إمام؟ قال: لا. فدخلني (دخل قلبي) شيء لا يعلمه إلاّ الله اعظاماً له وهيبة، أكثر ما كان يحلّ بي من (هيبة) أبيه (الإمام الصادق) إذا دخلت عليه. قلت: جعلت فداك، أسألك عمّا كان يُسأل أبوك؟ قال: سل تُخبر، ولا تُذِع (اي لا تنشر الخبر) فان أذعت فهو الذبح. قال (هشام): فسألته فاذا هو بحر! قال (هشام): قلت جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضُلاّل، فالقي إليهم (اخبرهم) وأدعوهم إليك؟ فقد أخذت عليّ بالكتمان. فقال (الإمام): من آنست منهم رشداً، فألق عليهم ـ أخبرهم ـ وخذ عليهم [ صفحه 68] بالكتمان، فان اذاعوا فهو الذبح ـ وأشار بيده الي حلقه ـ» [104] . إنّ هذا الحديث الذي أدلي به هشام يكشف لنا عدة حقائق: 1 ـ كثرة انتشار الجواسيس، وجو الرعب، والحذر، والخوف، وفقدان الأمن الذي عمّ أبناء الاُمة واخيارها خصوصاً سكان المدينة. 2 ـ كما يكشف لنا عن أنّ اعلان الإمامة لموسي(عليه السلام) وإخبار الشيعة بإمامته، لم يكن ظاهراً لعامة الناس بل كان محدوداً ببعض الخواص من الشيعة [105] بحيث تجد حتي مثل هشام لا يعلم أن الأمر لمن، إلاّ بعد حين، وقد حصل عليه بالطرق الشرعية والعقلية، وهذه الممارسات وغيرها جعلت الشيعة تتدرب وتتمرّس علي الاساليب التي تقيها من سيف الظالمين مثل السرّية والتقية، لذا نجد الرواة عند نقلهم لاخبار الإمام موسي(عليه السلام) لا يصرّحون باسمه الصريح بل كانوا يقولون: «قال العبد الصالح»، أو «قال السيد»، أو «قال العالم» ونحو ذلك. 3 ـ إنّ الخنق الظالم والممنوعات السلطانية والحبس الفكري وملاحقة من يخالف، وبثّ الاشاعات المضادّة والكاذبة، كل هذه الاُمور خلقت مناخاً يتنفّس فيه الأدعياء وهواة الرذيلة والذين زاد نشاطهم وشاع صيتهم وتعددت فرقهم في هذه الفترة فطرحوا أنفسهم قادة للاُمة في الفكر والفقه والحديث بتشجيع من الخليفة. لذا نجد هشام بن سالم في حديثه يعدد لنا الفرق في زمانه حيث يقول: نذهب الي المرجئة؟ الي القدرية؟ الي الزيدية؟ الي المعتزلة؟ الي الخوارج؟ [ صفحه 69] 4 ـ مارس الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) اُسلوباً في هذا الحديث يُميزه عن غيره من مدّعي الإمامة (مثل عبدالله الافطح) وذلك باخباره عن الكلام الذي دار بين هشام ومؤمن الطاق في أحد أزقّة المدينة المنورة حيث قال الإمام لهما: «لا الي المرجئة ولا الي القدرية.... اليّ اليّ اليّ».

النقطة الثالثة

من الحقائق التأريخية التي تكشف سياسة المنصور القائمة علي الخنق والإبادة والقتل للعلويين هو حديث الخزانة. حيث يكشف لنا هذا الحديث التاريخي عن سياسة المنصور الخشنة مع العلويين، والتي أراد بها الايحاء لابنه المهدي بأن الخلافة لا تستقيم الاّ بهذه الطريقة، ثم تكشف لنا هذه الرواية عن معاناة الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) لانه كان بالتأكيد علي علم بهذه الاعداد المؤمنة الخيّرة من أبناء الشيعة وهي تساق الي السجون لتقتل بعد ذلك صبراً، وهذا الحديث مليء بالشجون والأسي فقد ملأ خزانة برؤوس العلويين شيوخاً وشباباً وأطفالا وأوصي ريطة زوج المهدي أن لا تفتحها للمهدي ولا يطلع عليها إلاّ بعد هلاكه، وقد دوّنها الطبري في تاريخه وهذا نصها: «لمّا عزم المنصور علي الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر فأوصاها بما أراد»، وعهد اليها ودفع اليها مفاتيح الخزائن، وتقدّم اليها وأحلفها ووكّد الايمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن، ولا تطلع عليها أحداً إلاّ المهدي، ولا هي إلاّ أن يصح عندها موته، فاذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما [ صفحه 70] ثالث حتي يفتحا الخزانة، فلمّا قدم المهدي من الري الي مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته أنه تقدم إليها أن لا تفتحه ولا تُطلع عليه أحداً حتي يصح عندها موته فلما انتهي الي المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة، فاذا أزج كبير فيه جماعة من قتلي الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب، ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأي ذلك المهدي ارتاع لما رأي وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكاناً» [106] .

النقطة الرابعة

ومن المشاكل التي اثيرت في مطلع تسلّم الإمام موسي(عليه السلام) لمسؤولية الإمامة، والتي كانت تهدف لتمزيق الطائفة الشيعية وإثارة البلبلة والتخريب في صفوفها، هي التشكيك في مسألة القيادة فانها لمن تكون بعد الإمام الصادق(عليه السلام) بسبب ما ادّعاه (عبدالله الافطح) أخوالإمام موسي الاكبر بعد اسماعيل، وهذا بطبيعة الحال يُضيف معاناة أُخري للامام، لان أجهزة المنصور العدوانيّة كانت تعدّ عليه الانفاس وتشك في أيّ حركة تصدر منه [107] .

النقطة الخامسة

ومن الاساليب التي استخدمتها السلطات العبّاسية عامة والمنصور بشكل خاص، سياسة اتّخاذ (وعّاظ السلاطين) بعد أن غيّب الإمام [ صفحه 71] موسي الكاظم(عليه السلام) عن المسرح السياسي والفكري، وظاهرة وعّاظ السلاطين هي بديل يرعاه الخليفة ويدعمه بما أوتي من قوة ليغطّي له الفراغ من جانب وتؤيد له سياسته من جانب آخر اذ يوحي للاُمة بأنه مع الخط الإسلامي السائر علي نهج السنة النبويّة، ووجد من (مالك بن أنس) وأمثاله ممن تناغم معه في الاختيار العقائدي الذي لا يصطدم مع سياسته، ووجد من تجاوب مع رغبته وكال له ولاسرته المديح والثناء، الأمر الذي دفع بالمنصور أن يفرض (الموطأ) علي الناس بالسيف ثم جعل لمالك السلطة في الحجاز علي الولاة وجميع موظّفي الدولة فازدحم الناس علي بابه وهابته الولاة والحكّام وحينما وفد الشافعي عليه فشفّع بالوالي لكي يسهّل له أمر الدخول عليه فقال له الوالي: اني أمشي من المدينة الي مكة حافياً راجلا أهون عليّ من أن أمشي الي باب مالك. ولست أري الذل حتي أقف علي باب داره [108] .

النقطة السادسة

انتشرت في هذه المرحلة عقائد خاطئة وتأسّست فرق منحرفة من الالحاد والزندقة والغلوّ، والجبرية، والارجاء عقائد خاطئة ذات اصحاب تدافع عنها ولم تكن كل هذه الإعتقادات وليدة هذاالظرف بالذات، وانما نشطت في هذا الجوّ المساعد لنموها، حيث كان بعض الخلفاء يتبني بعضاً منها ويسمح لانتشار البعض الآخر. فالغلاة يعتقدون بنبوّة الأئمة، وبعده بالهية جعفر بن محمد الصادق [ صفحه 72] والهية آبائه، وهؤلاء قد تبرّأ منهم الإمام الصادق ولعنهم لعناً مشدداً. لكن السلطات شجعت من جانب، والصقت التهمة بهم من جانب آخر بهدف التشويه لحقيقة الشيعة، كما استخدموا هذه التهمة فيما بعد ذريعة ومادّة حكم تبرر لهم اضطهاد الشيعة تحت هذا الاسم فأطلقوا علي الشيعة اسم زنادقة ويحق للدولة أن تطاردهم. لقد عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) تيّاراً آخر كان خطيراً علي الاُمة حاضراً ومستقبلا وكان قد وقف بوجهه الإمام الصادق(عليه السلام) وحذّر منه الشباب خاصة ألا وهم المرجئة الذين يقولون بتأخير وارجاء صاحب المعصية الكبيرة الي يوم القيامة فلا يحكمون عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. ويحاول أصحاب هذا الإعتقاد أن يخلطوا الأوراق ويدمجوا بين سلوك الخير وسلوك الشر فلا يفرّق بين سلوك الإمام علي(عليه السلام) وسلوك معاوية ولا بين موقف الحسين(عليه السلام) وموقف يزيد; لان الحكم عليهم في الدنيا ليس من شؤوننا وانما يترك الأمر ليوم القيامة. ثم تبنّت هذه الفرقة اعتقاداً آخر لا يقلّ خطورة عن سابقه اذ تكمن خطورته علي الشباب خاصة لان هذا الإعتقاد يفسّر معني الايمان المراد عند الله بأنه الايمان القلبي لا السلوك الخارجي، لان السلوك الخارجي قد يخادع به الانسان فالايمان الذي ينظر إليه الله تعالي هو الايمان القلبي أمّا الممارسات الخارجية فلا اعتبار لها، فإذا زنا الانسان أو شرب الخمر أو قتل نفساً فهذه تصرفات خارجية والمهم أن الانسان يعتقد قلبياً بالله تعالي. كما روّج في هذه الفترة لفكرة الجبر والتي نشأت في زمن معاوية [ صفحه 73] واستفاد منها بنو العبّاس حيث تقول بأنا لسنا مخيّرين في أفعالنا فإذا شاء الله أن نصلّي صلّينا وإذا شاء أن نشرب الخمر شربنا وهكذا. الملاحظ في كل هذه العقائد والافكار وأصحابها أنّها تخدم السلطة كل واحدة بطريقتها حيث تبرّر للحكّام تصرفاتهم البعيدة عن الاسلام بأفكار وأحكام اعتقادية وتهدّئ الجمهور الإسلامي حين توجّهه بهذه الافكار. من هنا ندرك السبب الذي جعل من الحكام أن يسمحوا بالانتشار لهذه التيّارات الناشئة من أفكار منحرفة جاء بها اليهود وغيرهم الي العالم الإسلامي. هذا هو عرض مختصر للظواهر والاحداث السياسية والثقافية والفكرية، التي برزت في عصر المنصور وكان الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) معاصراً لها. أمّا ما هو منهج الإمام وأساليبه ومواقفه في خضم هذه الاجواء المملؤة بالشبهات والتهم والتضييق؟! هذا ما سوف نتناوله في الفصل الثاني ان شاء الله تعالي. [ صفحه 75]

مواقف الإمام الكاظم في عهد المنصور

اشاره

إنّ حركة الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) ونشاطه إزاء هذه الظروف التي تحدثنا عنها لم يسعفنا التاريخ بتفاصيلها ولم يحدّد لنا بالأرقام بشكل واضح حركة الإمام فيها، إلاّ أنّ بعض الروايات التاريخية تشير إلي ان الإمام(عليه السلام) قد مارس اُموراً في سنوات حكم المنصور العشرة بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام). وقد انتقينا بعض ممارسات الإمام(عليه السلام) التي لا تتعارض مع هذه الفترة وتنسجم مع ظروفها. ثم حاولنا بعد ذلك التركيز علي الخط الذي سلكه الإمام بشكل عام تاركين التعرض للتفاصيل. كما أنّ الخط العام والنهج الذي اتّخذه الإمام في هذه الفترة يتضمّن ما كان يهدف إليه من اُسلوب علاجي لبعض الظواهر الانحرافية، كما يتضمّن ما كان يريد أن يؤسّس فيه لثوابت مستقبلية. من هنا يقع الكلام في هذا البحث ضمن عدّة اتجاهات: [ صفحه 76]

الإمام الكاظم وإحكام المواقع

ونتناول في هذا الاتجاه دور الإمام(عليه السلام) في إبرازه للقدرات الغيبية التي تميّز الإمام عن غيره من الادعياء وزعماء الفرق والطوائف الضالّة في زمانه، وبهذا قد لفت أنظار الاُمة وأعطاها حسّاً تقارن وتحاكم به هذه التيّارات وتفرز بين الحق والباطل بماامتلكته من مقاييس مستلهمة من مشاهد مثيرة حسية كان قد حققها الإمام(عليه السلام). وهذا ينبئ عن محاولات إسقاط الحيرة الفكرية السائدة في هذه الفترة. والنشاطات التي قام بها الإمام (عليه السلام) في هذا الاتجاه هي كما يلي: النشاط الأول: إخبار الإمام موسي(عليه السلام) لعامة الناس ببعض الغيبيات التي لا يمكن للانسان العادي أن يتوصّل اليها، والروايات التي تتضمّن هذا النوع من الإخبار كثيرة جداً ننقل بعضاً منها: المثال الأول: عن اسحاق بن عمار قال: «سمعت العبد الصالح(عليه السلام) ينعي الي رجل من شيعته نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته! فالتفت اليّ شبه المغضَب فقال: يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولي بعلم ذلك، ثم قال: يا اسحاق اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فني وقد بقي منه دون سنتين... فلم يلبث اسحاق بعد هذا المجلس إلاّ يسيراً حتي مات» [109] . المثال الثاني: قال خالد بن نجيح: قلت لموسي(عليه السلام) إنّ أصحابنا قدموا من الكوفة وذكروا أن المفضّل شديد الوجع، فادع الله له. فقال(عليه السلام): «قد استراح»، [ صفحه 77] وكان هذا الكلام بعد موته بثلاثة أيّام [110] . المثال الثالث: قال ابن نافع التفليسي: خلّفت والدي مع الحرم في الموسم وقصدت موسي بن جعفر(عليه السلام) فلما أن قربت منه هممت بالسلام عليه فأقبل عليّ بوجهه وقال: «برّ حجك ياابن نافع، آجرك الله في أبيك فإنّه قد قبضه إليه في هذه الساعة، فارجع فخذ في جهازه، فبقيت متحيراً عند قوله، وقد كنت خلّفته وما به علّة، فقال: ياابن نافع أفلا تؤمن؟ فرجعت فاذا أنا بالجواري يلطمن خدودهنّ فقلت: ما وراكنّ؟ قلن: أبوك فارق الدنيا، قال ابن نافع: فجئت إليه أسأله عمّا أخفاه ورائي فقال لي: أبداً ما أخفاه وراءك، ثم قال: يا ابن نافع ان كان في اُمنيتك كذا وكذا أن تسأل عنه فأنا جنب الله وكلمته الباقية وحجته البالغة» [111] . النشاط الثاني: ومن قدرات الإمام(عليه السلام) الخارقة للعادة والتي تميّزه أيضاً عن غيره هي تكلّمه بعدّة لغات من غير أن يتعلّمها بالطرق الطبيعية للتعلّم، وإنّما بالالهام. وفي هذا المجال تطالعنا مجموعة من الشواهد: الشاهد الأول: عن أبي بصير قال: دخلت علي أبي الحسن الماضي(عليه السلام)، ما لبثت أن دخل علينا رجل من أهل خراسان فتكلّم الخراساني بالعربية، فأجابه هو بالفارسية. فقال له الخراساني: أصلحك الله ما منعني أن اكلّمك بكلامي إلاّ أني ظننت أنك لا تحسن فقال: «سبحان الله! إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك؟!» ثم قال: «يا أبا محمد إنّ الإمام لا يخفي عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة [ صفحه 78] ولا شيء فيه روح. بهذا يعرف الامام، فاذا لم تكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام» [112] . الشاهد الثاني: روي عن أبي حمزة أنه قال: كنت عند أبي الحسن موسي(عليه السلام) اذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اُشتروا له، فتكلم غلام منهم ـ وكان جميلا ـ بكلام فأجابه موسي (عليه السلام) بلغته فتعجّب الغلام وتعجّبوا جميعاً وظنوا أنه لا يفهم كلامهم. فقال له موسي(عليه السلام): «اني أدفع اليك مالا، فادفع الي كل (واحد) منهم ثلاثين درهماً». فخرجوا وبعضهم يقول لبعض: «إنّه أفصح منا بلغتنا، وهذه نعمة من الله علينا. قال علي بن أبي حمزة: فلما خرجوا قلت: يا ابن رسول الله! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم! قال: نعم. وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم؟ قال: نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً وأن يُعطي كل واحد منهم في كل شهر ثلاثين درهماً، لأنّه لمّا تكلم كان أعلمهم، فانه من أبناء ملوكهم، فجعلته عليهم، وأوصيته بما يحتاجون إليه، وهو مع هذا غلام صدق. ثم قال: لعلك عجبت من كلامي ايّاهم الحبشية؟ قلت: اي والله. قال(عليه السلام): لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب» [113] . الشاهد الثالث: قال بدر ـ مولي الإمام الرضا(عليه السلام) ـ: «إنّ اسحاق بن عمار دخل علي موسي بن جعفر (عليه السلام) فجلس عنده اذ استأذن عليه رجل خراساني [ صفحه 79] يكلّمه بكلام لم يسمع مثله قطّ كأنه كلام الطير. قال اسحاق: فأجابه موسي(عليه السلام) بمثله وبلغته الي أن قضي وطره في مساءلته، فخرج من عنده، فقلت: ما سمعت بمثل هذا الكلام. قال: هذا كلام قوم من أهل الصين وليس كل كلام أهل الصين مثله. ثم قال: أتعجب من كلامي بلغته؟ قلت: هو موضع التعجب. قال(عليه السلام): أُخبرك بما هو أعجب منه انّ الإمام يعلم منطق الطير، ومنطق كلّ ذي روح، وما يخفي علي الإمام شيء» [114] .

الإمام الكاظم ومعالجة الانهيار الاخلاقي

لقد أصاب القيم الإسلامية ـ بفعل الاسباب التي ذكرناها ـ اهتزاز كبير وتعرّضت الاُمة الي هبوط معنوي وتميّع مشهود، تغذّيه وتحركه أيد سلطانية هادفة، هنا سلك الإمام الكاظم(عليه السلام) سبيلين من أجل أن يحدّ من هذا الانهيار الذي تعرّضت له الاُمة. الأول عام. والثاني يختص بالجماعة الصالحة. وقد اتّخذ الإمام(عليه السلام) أساليب عديدة للموعظة والإرشاد ومعالجة الانهيار الأخلاقي الذي أخذ ينتشر ويستحكم في أعظم الحواضر الإسلامية التي كان الإمام(عليه السلام) يتواجد فيها. واستطاع الإمام(عليه السلام) من خلال توجيهه لمجموعة من طلاّب الحقيقة وتأثيره عليهم أن يربّي في المجتمع الإسلامي نماذج حيّة تكون قدوة للناس في كبح جماح الشهوات الهائجة وإطفاء نيران الهوي المشتعلة بسبب [ صفحه 80] المغريات المتنوّعة والتي كان يؤججها انسياب الحكّام في وادي الهوي نتيجة للثروات التي كانوا يحرصون علي جمعها ويقتّرون في إنفاقها إلاّ علي شهواتهم الي جانب اقتدارهم السياسي والعسكري. وممّن تأثّر بالإمام الكاظم(عليه السلام) ولمع اسمه في حواضر المجتمع الإسلامي ; أبو نصر بشر بن الحارث بن عبدالرحمن المروزي الأصل البغدادي المسكن والذي أصبح من العرفاء الزهّاد بعد أن كان من أهل المعازف والملاهي، حيث تاب علي يدي الإمام الكاظم(عليه السلام) [115] . وقد ذكر المؤرخون في سبب توبته أن الإمام(عليه السلام) حين اجتاز علي داره ببغداد سمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تعلو من داره، وخرجت منها جارية وبيدها قمامة فرمت بها في الطريق، فالتفت الإمام إليها قائلا: «يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد؟ فأجابت: (حر). فقال(عليه السلام): صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه. ودخلت الجارية الدار، وكان بشر علي مائدة السكر، فقال لها: ما أبطأك؟ فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام(عليه السلام) فخرج بشر مسرعاً حتي لحق الإمام(عليه السلام) فتاب علي يده، واعتذر منه وبكي [116] وبعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه واتصل بالله عن معرفة وإيمان حتي فاق أهل عصره في الورع والزهد». وقال فيه ابراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتمّ عقلا، ولا أحفظ لساناً، من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل [117] . [ صفحه 81] نعم لقد أعرض بشر ببركة توجيه الإمام الكاظم(عليه السلام) له وتنبيهه عن غفلته حتي أعرض عن زينة الحياة الدنيا ورضي بالقناعة وقال فيها: لو لم يكن في القناعة شيء إلاّ التمتع بعزّ الغناء (الغني) لكان ذلك يجزي. وقال: «مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء» [118] . وممّا رواه الخطيب البغدادي عنه أنه جعل يبكي يوماً ويضطرب ويقول: «اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا ونوّهت باسمي ورفعتني فوق قدري علي أن تفضحني في القيامة، الآن فعجّل عقوبتي وخذ منّي بقدر ما يقوي عليه بدني» [119] . وروي عن حجّاج بن الشاعر انّه كان يقول لسليمان اللؤلؤي: رؤي بشر ابن الحارث في النوم فقيل له: ما فعل الله بك يا أبا نصر؟ قال: غفر لي، وقال: يا بشر: ما عبدتني علي قدر ما نوّهت باسمك [120] . وإذا تتبّعنا ما أثر عن الإمام الكاظم(عليه السلام) من كلمات وجدنا نصوصاً تشير الي اهتمامه بمعالجة الفساد الأخلاقي بشتّي نواحيه، فضلاً عن سيرته العطرة وسلوكه السويّ الذي كان قبلة للعارفين واُسوة للمتقين وشمساً مضيئة للمؤمنين وقمراً متلألئاً للمسلمين. ونختار ممّا قاله الإمام(عليه السلام) بصدد معالجة الانهيار الأخلاقي ما يلي: 1 ـ «إنّ العاقل: الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره». 2 ـ «من سلّط ثلاثاً علي ثلاث فكأنّما أعان هواه علي هدم عقله». «من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه وأطفأ [ صفحه 82] نور عبرته بشهوات نفسه فكأنّما أعان هواه علي هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه». 3 ـ «رحم الله من استحيا من الله حقّ الحيا، فحفظ الرأس وما حوي والبطن وما وعي وذكر الموت والبِلي وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات». 4 ـ «من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس». 5 ـ «من لم يعمل بالخطيئة أروح هماً ممّن عمل الخطيئة، وإن أخلص التوبة وأناب». 6 ـ «إنّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر وتحيط بكم». 7 ـ «إنّ الله حرّم الجنة علي كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه» [121] . وللإمام الكاظم(عليه السلام) معالجة شاملة وأساسية ذات اُسس قرآنية وتأريخية عريقة سوف تجدها بالتفصيل في وصيّته القيّمة لهشام في فصل تراثه(عليه السلام).

الإمام الكاظم والتحديات الداخلية

اشارة

وهنا ندرس بعض مواقف الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) من جملة من التحدّيات الداخلية التي كان لها تأثير سلبي مباشر علي المذهب، ومنها تحدّيات السلطة لمرجعية الإمام العلمية. الموقف الاول: إنّ موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من أخيه عبد الله (الافطح) لم يكن موقفاً عدائياً سافراً رغم أنه ادّعي الإمامة لنفسه [122] بعد أبيه. وهذا [ صفحه 83] الادعاء الخطير يؤثر علي الوجود الشيعي ومستقبله، فلم يكرّس(عليه السلام) كامل جهده وطاقاته لحلّ هذه المشكلة، ولم يسلك مساراً يضغط به من الخارج علي الخصم، ولم يفرض علي الصف الشيعي أن ينقسم الي فريقين الي أنصار وخصوم. كما أنه(عليه السلام) لم يدخل الحرب النفسية ولا الكلامية وانما عالج هذا الشرخ الجديد بأسلوب هادئ، وكفيل بعلاج هذه الأزمة. ويتضح ذلك مما يلي: أوّلا: ترك للشيعة وعلمائها الحرية في أن تكتشف بنفسها كفاءة هذا المدّعي وعلميّته أو تكتشف غيرها من الطاقات فيما إذا كان يمتلكها، عن طريق الفحص المباشر، أو المقارنة بينه وبين الإمام موسي(عليه السلام) كما حدث مع مؤمن الطاق وهشام بن سالم الذين تقدم ذكرهما. ثانياً: أبقي الإمام(عليه السلام) علاقته مع أخيه ودّية ولم يجعل من المشكلة سبباً للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله كما تذكره الرواية التي سنذكرها بعد قليل. ثالثاً: استخدم الإمام(عليه السلام) اسلوب المعجزة التي تميّزه عن عبد الله باعتباره(عليه السلام) اماماً مفترض الطاعة فقام(عليه السلام) باثبات ذلك أمام جمع من خواصّ الشيعة. فقد قال المفضّل بن عمر: لمّا قضي الصادق(عليه السلام) كانت وصيّته في الإمامة الي موسي فادّعي أخوه عبد الله الإمامة وكان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك هو المعروف بالافطح فأمر موسي(عليه السلام) بجمع حطب كثير فيوسط داره فأرسل الي أخيه عبدالله يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده ومع موسي(عليه السلام) جماعة من وجوه الإمامية وجلس إليه أخوه عبدالله، أمر موسي(عليه السلام) أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فأحترق كله ولا يعلم الناس السبب فيه، حتي [ صفحه 84] صارالحطب كله جمراً ثم قام موسي(عليه السلام) بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع الي المجلس، فقال لاخيه عبد الله: «ان كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس»، فقالوا: رأينا عبد الله قد تغير لونه، فقام يجرّ رداءه حتي خرج من دار موسي(عليه السلام) [123] . والجدير بالذكر أن الطائفة التي اتبعته قد رجع أكثرهم بعد ذلك الي القول بإمامة أخيه «موسي الكاظم» لمّا تبيّنوا ضعف دعواه وقوّة رأي أبي الحسن «موسي الكاظم» ودلالة حقه، وبراهين امامته [124] . الموقف الثاني: موقف الإمام موسي(عليه السلام) من العناصر التي تصدّت للمرجعية العلمية والدينية، وأصبحت فيما بعد مرجعاً عاماً يُدعم من قبل السلطان ويحظي برعايته، ليجعل منهم أدوات طيّعة تبرّر له سلوكه وخلافته. وانطلاقاً من ضرورة الحفاظ علي الصيغ الاصيله، ومخافة أن تتعرض الشريعة للتحريف بسبب الاتّجاهات والمناهج التي وجدت في مدرسة الخلفاء. تصدّي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) لتلك المناهج والاتّجاهات وحاول أن يسلبها الصيغة الشرعية الزائفة التي كان يتمتع بها أصحابها حينما جعلوا في مواقع الفتيا في الدولة. قال يونس بن عبد الرحمن: قلت: لأبي الحسن الأول (وهو الإمام الكاظم): بِمَ أُوحد الله؟ فقال(عليه السلام): «يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر» [125] . [ صفحه 85] وقال الإمام الكاظم في موضع آخر: «مالكم والقياس؟! إنمّا هلك من هلك من قبلكم بالقياس» [126] . ولم يقتصر الإمام(عليه السلام) علي إدانة هذا الاتّجاه فحسب وانما حاول أن يعرّف مواقع الخطأ والانحراف بشكل تفصيلي. فعن محمد الرافعي أنه قال: كان لي ابن عم يقال له (الحسن بن عبدالله) وكان زاهداً وكان من أعبد أهل زمانه، وكان يلقاه السلطان، وربّما استقبله بالكلام الصعب يعظه ويأمر بالمعروف، وكان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه. فلم يزل علي هذه الحالة، حتي كان يوماً دخل أبو الحسن موسي(عليه السلام) المسجد فرآه فأدناه إليه، ثم قال له: «يا أبا علي، ما أحبّ اليّ ما أنت فيه وأسرّني بك، إلاّ انه ليست لك معرفة، فاذهب فاطلب المعرفة. قال: جعلت فداك وما المعرفة؟ قال: اذهب وتفقّه واطلب الحديث. قال: عمن؟ قال: عن مالك بن أنس وعن فقهاء أهل المدينة، ثم اعرض الحديث عليّ. قال: فذهب فتكلّم معهم، ثم جاءه فقرأه عليه فأسقطه كلّه» [127] . [ صفحه 86]

الإمام الكاظم وتركيز القيادة الشرعية السياسية

اشاره

ركّز الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) علي مسألة القيادة والولاية الشرعية المتمثّلة بالإمام المعصوم والموقف من القيادة السياسية المنحرفة، وتعريف الخواص بالإمامة والقيادة الحقة عبر أساليب تربويّة. وفي هذا الاتجاه قام الإمام(عليه السلام) تعميقاً لهذا المعني ـ بعدة نشاطات:

في المجال الفكري

فقد عمق الإمام(عليه السلام) الاُسس والثوابت العقائدية والفكرية التي اسّس لها الأئمة (عليهم السلام) من قبله، والتي تشكّل تحصينات وقائية تطرد بدورها الفكر المضاد والدخيل الذي تعتمده الخلافة العباسية في نظرية الحكم والتي تحاول به الخلط بين ماهو أصيل ودخيل بهدف تضليل الاُمة بعد ما رفعت شعار الدعوة الي الرضيّ من آل محمّد. لذا أعطي الإمام (عليه السلام) مقياساً واضحاً تميّز به الاُمّة وتطبقه علي كل من يدّعي القيادة والخلافة الشرعية. فعن أبي بصير عن أبي الحسن الماضي(عليه السلام) قال: دخلت عليه فقلت له: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ فقال:«بخصال: أمّا أوّلهن فشيء تقدم من أبيه فيه، وعرّفه الناس، ونصّبه لهم علماً، حتي يكون حجّة عليهم،لأن رسول الله نصّب علياً(عليه السلام) علماً وعرّفه الناس، وكذلك الأئمة يعرّفونهم الناس وينصبونهم لهم حتي يعرفوه، ويسأل فيجيب، ويسكت عنه فيبتدي، ويخبر الناس بما في غد، ويكلّم الناس بكلّ لسان» [128] . [ صفحه 87] وجاء عن أبي خالد الزبّالي أنه قال: «نزل أبو الحسن(عليه السلام) (موسي الكاظم) منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة، ونحن لا نقدر علي عود نستوقد به فقال: يا أبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به. قلت: والله ما أعرف في هذا الموضع عوداً واحداً. فقال: كلاّ يا أبا خالد! تري هذا الفجّ؟ خذ فيه فإنك تلقي أعرابياً معه حملان حطباً فاشترهما منه ولا تماسكه. قال: فركبت حماري وانطلقت نحو الفجّ الذي وصف لي فإذا اعرابي معه حملان حطباً فاشتريتهما منه وأتيته بهما، فاستوقدوا منه يومهم ذلك. وأتيته بطرف ما عندنا فطعم منه. ثم قال: يا أبا خالد! انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتي نقدم عليك في شهر كذاوكذا. قال أبو خالد: فكتبت تاريخ ذلك اليوم فركبت حماري في اليوم الموعود حتي جئت الي لزق ميل [129] ونزلت فيه فإذا أنا براكب مقبل نحو القطار فقصدت إليه فإذا يهتف بي ويقول: يا أبا خالد! قلت: لبيك جعلت فداك. قال: أتراك وفيناك بما وعدناك؟ ثم قال: يا أبا خالد! ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما؟ فقلت: جعلت فداك قد هيأتهما لك. وانطلقت معه حتي نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما. [ صفحه 88] ثم قال: ما حال خفاف الغلمان ونعالهم؟ قلت: قد أصلحناها فأتيته بهما. فقال(عليه السلام): يا أبا خالد سلني حاجتك؟ فقلت: جعلت فداك أخبرك بماكنت فيه. كنت زيدي المذهب حتي قدمت عليّ وسألتني الحطب، وذكرت مجيئك في يوم كذا، فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله طاعته. فقال(عليه السلام): يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام» [130] .

في المجال العملي

كان الإمام(عليه السلام) يحاسب شيعته واتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في دائرة الظالمين واعوان الظالمين إلاّ في موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف علي سيرها وتصرّفاتها. قال زياد بن أبي سلمة دخلت علي أبي الحسن موسي(عليه السلام) فقال لي: يا زياد، انك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت أجل: قال لي: ولم؟! قلت: أنا رجل لي مروّة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد لان أسقط من علي حالق (المكان الشاهق) فأقطّع قطعة قطعة، أحب اليّ من أن أتولّي لاحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلاّ، لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه. [ صفحه 89] يا زياد! إنّ أهون ما يصنع الله بمن تولّي لهم عملا أن يضرب عليه سرادقاً من نار الي أن يفرغ من حساب الخلائق. يا زياد! فان وليت شيئاً من أعمالهم، فأحسن الي اخوانك، فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك. يا زياد! أيّما رجل منكم تولي لاحد منهم عملا، ثم ساوي بينكم وبينهم، فقولوا له: أنت منتحل كذاب. يازياد! اذا ذكرت مقدرتك علي الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاذ ما أتيت اليهم عنهم، وبقاء ما أتيت اليهم عليك» [131] . ويأتي إخبار الإمام الكاظم(عليه السلام) باُمور مستقبليّة ـ مثل إخباره بموت المنصور قبل تحقّقه وهو في أوج قدرته ـ دليلاً عمليّاً وحسيّاً آخر علي مبدأ إمامته، فضلاً عن ما يفرزه هذا الإخبار بالمستقبل من آمال بانفراج الأزمة التي كانت تتمثّل في عتوّ المنصور وجبروته.

الإمام موسي بن جعفر يخبر بموت المنصور

وأراد أبو جعفر المنصور الذهاب الي مكة ـ وذلك قبيل وفاته ـ فأخبر الإمام(عليه السلام) بعض خواص الشيعة بموته قبل أن يصل اليها. وفعلا مات قبل الوصول اليها كما أخبر به الإمام(عليه السلام). قال علي بن أبي حمزة: سمعت أبا الحسن موسي(عليه السلام) يقول: «لا والله لا يري أبو جعفر بيت الله أبداً. فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا، فلم نلبث ان خرج فلمّا بلغ الكوفة [ صفحه 90] قال لي أصحابنا في ذلك فقلت: لا والله لا يري بيت الله أبداً. فلما صار الي البستان اجتمعوا أيضاً اليَّ فقالوا: بقي بعد هذا شيء؟ قلت: لا والله لا يري بيت ا لله أبداً. فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن(عليه السلام) فوجدته في المحراب قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه اليَّ فقال: اخرج فانظر ما يقول الناس. فخرجت فسمعت الواعية علي أبي جعفر فأخبرته. قال: الله أكبر ما كان ليري بيت الله أبداً» [132] . وهكذا انتهت حياة المنصور العبّاسي واستولي علي الحكم من بعده ابنه المهدي وذلك في سنة (158 هـ)، وبذلك بدأ عهد سياسي جديد له ملامحه وخصائصه. وسوف نري مواقف الإمام الكاظم(عليه السلام) الرساليّة في هذا العهد الجديد. [ صفحه 91]

الإمام الكاظم وحكومة المهدي العباسي

ملامح عهد المهدي العباسي

اشارة

ويمكن أن نوجز ملامح حكومته وعهده فيما يلي: أولا: لم يطرأعلي سياسية الخليفة العبّاسي المهدي أيّ تغيير يعول عليه، فقد التزم بالنهج العبّاسي كخط ثابت واستوحي منه ما يجب أن يعمله من تفصيلات قد تستحدث أثناء سلطته، وسار علي ما سار عليه الخلفاء العبّاسيون من قبله، نعم طرأ بعض التغيير لصالح العلويين بعد ذلك التضييق الشديد من المنصور علي العلويين فكانت مصلحة الحكم تقتضي شيئاً من المرونة، الأمر الذي دعا الإمام(عليه السلام) أن يستغل هذه المرونة التي اتّخذها المهدي العبّاسي لصالح اتباعه وتوسعة نشاطه ومحاور تحرّكه. [ صفحه 92] ثانياً: إنّ المرونة التي طرأت علي سياسة المهدي العبّاسي مع العلويين كانت في بداية حكمه وتمثلت فيما أصدره من عفو عام عن جميع المسجونين وفي ردّ جميع الاموال المنقولة وغير المنقولة والتي كان قد صادرها أبوه ظلماً وعدواناً الي أهلها، فردّ علي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) ما صادره أبوه من أموال الإمام الصادق(عليه السلام). ثالثاً: بعد أن نشط الإمام(عليه السلام) وذاع صيته خلال حكم المهدي استخدم المهدي سياسة التشدد علي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام)، فلقد استدعاه إلي بغداد وحبسه فيها ثم ردّه إلي المدينة [133] . وكان ذلك في أواخر حكم المهدي تقريباً. كما خطط في هذه المرّة لقتل الإمام عن طريق حميد بن قحطبة، حيث دعا المهدي حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف. فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يجبه المهدي. فقال أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين فقال: لله درّك. فعاهده المهديّ علي ذلك وأمره بقتل الإمام الكاظم (عليه السلام) في السُحرة [134] بغتة، فنام فرأي في منامه علياً يشير اليه ويقرأ: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطّعوا أرحامكم) [135] . فانتبه مذعوراً، ونهي حميداً عمّا أمره، وأكرم الإمام الكاظم(عليه السلام) ووصله [136] . رابعاً: شجّع المهدي الوضّاعين في زمنه فقام هؤلاء بدوراعلامي تضليلي فأحاطوا السلاطين بهالة من التقديس وأبرزوهم في المجتمع [ صفحه 93] علي أنهم يمثلون ارادة الله في الارض وأن الخطأ لا يمسّهم فمثل غياث بن ابراهيم الذي عرف هوي المهدي في الحَمام وعشقه لها فحدّثه عن أبي هريرة أنه قال: لا سبق إلاّ في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح. فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم، ولمّا ولّي عنه قال لجلسائه: أشهد أنه كذب علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما قال رسول الله ذلك ولكنه أراد أن يتقرب اليّ [137] . وأسرف المهدي في صرف الاموال الضخمة من أجل انتقاص العلويين والحطّ من شأنهم فتحرّك الشعراء والمنتفعون وأخذوا يلفّقون الأكاذيب في هجاء العلويين ومن جملة هؤلاء الزنديق مروان بن أبي حفصة الذي دخل علي المهدي ذات يوم وأنشده قائلا: يا ابن الذي ورث النبي محمداً دون الأقارب من ذوي الأرحام الوحي بين بني البنات وبينكم قطع الخصام فلات حين خصام ما للنساء مع الرجال فريضة نزلت بذلك سورة الانعام أني يكون وليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام فأجازه المهدي علي ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره علي انتقاص أهل البيت(عليهم السلام). ولمّا سمع الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بقصيدة مروان تأثّر أشدّ التأثّر، وفي الليل سمع هاتفاً يتلو عليه أبياتاً تجيب علي أبيات بشار وهي: [ صفحه 94] أني يكون ولا يكون ولم يكن للمشركين دعائم الاسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم والعم متروك بغير سهام ما للطليق وللتراث وانما سجد الطليق مخافة الصمصام وبقي ابن نثلة واقفاً متلدداً فيه ويمنعه ذوو الأرحام إنّ ابن فاطمة المنوّه باسمه حاز التراث سوي بني الاعمام [138] . خامساً: لقد شاع اللهو وانتشر المجون وسادت الميوعة والتحلّل في حكم المهدي العباسي. وبلغ المهدي حسن صوت ابراهيم الموصلي وجودة غنائه فقرّبه اليه وأعلي من شأنه [139] . ولقد استغرق المهدي في المجون واللهو وظن الناس به الظنون واتهموه بشتي التهم والي ذلك أشار بشار بن برد في هجائه ايّاه. خليفة يزني بعمّاته يلعب بالدف وبالصولجان أبدلنا الله به غيره ودسّ موسي في حر الخيزران [140] . سادساً: إنّ جميع ما أخذه المنصور من أبناء الاُمة ظلماً وعدواناً وجمعه في خزانته وبخل عن بذله لإعمار البلاد واصلاح حال الاُمة قد بذله المهدي علي شهواته حتي أسرف في ذلك بالرغم من كل ما شاهد من البؤس والفقر التي كانت حاضرة أمام الناظرين أيّام حكومته. وقد روي من بذخه واسرافه ما بذله لزواج ابنه هارون من زبيدة حتي قال معتز عن بدلة ليلة الزفاف: بأن هذا شيء لم يسبق اليه أكاسرة الفرس ولا قياصرة الروم ولا ملوك الغرب [141] . [ صفحه 95] سابعاً: انّ السفّاح والمنصور لم يسمحا لنسائهما بالتدخل في شؤون الدولة ولكن المهدي لمّا استولي علي الحكم بدأ سلطان المرأة ينفذ الي البلاط فزوجته الخيزران أصبحت ذات نفوذ قوي علي القصر تقرب من تشاء وتبعّد من تشاء. ومن هذا العصر أخذ نفوذ المرأة يزداد ويقوي في بلاط الحكّام العباسيين حتي بلغ نهايته في أواسط العهد العباسي واستمر حتي نهاية حكمهم [142] . ثامناً: انّ انشغال المهدي باللهو من جانب وحاجته الي الاموال من جانب آخر شجّع عمّاله علي نهب الاموال وسلب ثروات الاُمة حتي انتشرت الرشوة عند الموظّفين وتشدّد ولاته في أخذ الخراج. بل عمد المهدي نفسه الي الاجحاف بالناس فأمر بجباية أسواق بغداد وجعل الأجرة عليها [143] . هذه هي بعض الظواهر التي جاء بها عصر المهدي لتضيف كاهلاً آخر للتركة التأريخية المؤلمة التي خلفها بنو العباس والأمويون من قبلهم علي الاُمة. وقد نشط الإمام الكاظم (عليه السلام) مستغلاً هذه الفرصة المحدودة فكان برنامجه يتوزّع علي خطين: 1 ـ خط التحرك العام في دائرة الاُمة والانفتاح عليها بهدف إصلاحها ضمن صيغ وأساليب سياسية وتربوية من شأنها إعادة الاُمة إلي وعيها الإسلامي وقيمها الرسالية. 2 ـ خط بناء الجماعة الصالحة وتأصيل الامتداد الشيعي فتوجّه خلال هذهِ الفترة القصيرة بكل قوة نحو هذا الخط حتي جاء دور الرشيد فضيّق علي الإمام (عليه السلام) وسجنه ثم قام بتصفية نشاطه وحياته (عليه السلام). [ صفحه 96]

النشاط العام للإمام الكاظم

اشاره

كان الغالب علي حياة الإمام موسي الكاظم (عليه السلام) عدم الانفتاح علي الاُمة في حركته العامة. وجاءت هذه المحدودية في الانفتاح علي الاُمة بسبب تشدّد الخلفاء العباسيين ومراقبة أجهزتهم التجسسية له التي كانت تشك في أيّ حركة تصدر منه(عليه السلام). ومع ذلك فقد تنوّعت نشاطات الإمام في مجالات شتّي يمكن أن نشير إليها فيما يلي:

المجال السياسي

قام الإمام (عليه السلام) بتوضيح موقفه تجاه الخلفاء والخلافة للاُمة، وان كلفه الموقف ثمناً قد يؤدّي بحياته. لقد كان هذا التحرك من الإمام(عليه السلام) لئلا يتسرّب الفهم الخاطئ للنفوس ويكون تقريراً منه للوضع الحاكم أو يُتخذ سكوته ذريعة لتبرير المواقف الانهزامية. من هنا نجد للإمام (عليه السلام) المواقف التالية: الموقف الأول: لقد ذكرنا بأن المهدي العباسي عند تسلّمه زمام الحكم من أبيه المنصور أبدي سياسة مرنة مع العلويين أراد بها كسبهم وحاول أن ينسب من خلالها المظالم العبّاسية الي العهد البائد، ويوحي من جانب قوة الخلافة وشرعيتها وعدالتها عندما أعلن اعادة حقوق العلويين لهم وأصدر عفواً عاماً للمسجونين، وأرجع أموال الإمام الصادق(عليه السلام) الي الإمام الكاظم (عليه السلام). [ صفحه 97] من هنا وجد الإمام (عليه السلام) فرصته الذهبية لاستغلال هذه البادرة فبادر بمطالبة المهدي بارجاع فدك باعتبارها تحمل قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام). فدخل علي المهدي فرآه مشغولا بردّ المظالم فقال له الإمام (عليه السلام): «ما بال مظلمتنا لا ترد؟! فقال المهدي: وما ذاك يا أبا الحسن؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالي لمّا فتح علي نبيّه(صلي الله عليه وآله) فدك وماوالاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله علي نبيه (صلي الله عليه وآله): (وآت ذا القربي حقه) [144] فلم يدر رسول الله (صلي الله عليه وآله) من هم؟ فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل(عليه السلام) ربّه فأوحي الله اليه: ان ادفع فدك إلي فاطمة (عليها السلام). فدعاها رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها في حياة رسول الله(صلي الله عليه وآله)، فلمّا ولّي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردّها عليها فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين(عليه السلام) وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض فخرجت والكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ماهذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا. فقال له المهدي: حدّها لي. فقال(عليه السلام): حدّ منها جبل احد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل. فقال المهدي: كل هذه حدود فدك؟! [ صفحه 98] فقال له الإمام(عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين هذا كلّه، إنّ هذا كله ممّا لم يوجف أهله علي رسول الله بخيل ولا ركاب. فتغيّر المهدي وبدا الغضب علي وجهه حيث أعلن له الإمام(عليه السلام): أنّ جميع أقاليم العالم الإسلامي قد اخذت منهم، فانطلق قائلا: هذا كثير وأنظر فيه» [145] . الموقف الثاني: في هذه المرحلة كان الإمام(عليه السلام) حريصاً علي تماسك الوجود الشيعي في وسط المجتمع الإسلامي ووحدة صفه، لان الظروف الصعبة، تشكّل فرصة لنفوذ النفوس الضعيفة والحاقدة بقصد التخريب. وظاهرة القرابة والمحسوبية كانت أهم الركائز التي اعتمد عليها بناء الحكم العبّاسي، وكانت هي الحاكمة فوق كل المقاييس. لذا نجد موقف الإمام(عليه السلام) من خطورة هذه الظاهرة كان حاسماً، إذ نراه يعلن عن مقاطعة عمّه محمّد بن عبدالله الأرقط أمام الناس تطهيراً للوجود الشيعي من أيّ عنصر مضر مهما كان نسبه قريباً من الإمام(عليه السلام)، فلم يسمح له بالتسلق وصولا للمواقع أو استغلالا لها. فعن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فذكر محمد بن عبدالله الأرقط فقال: «اني حلفت ان لا يظلّني وإيّاه سقف بيت. فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبرّ والصلة ويقول هذا لعمّه! قال: فنظر اليّ فقال: هذا من البر والصلة، انّه متي يأتيني ويدخل عليّ فيقول [ صفحه 99] يصدّقه الناس واذا لم يدخل عليّ، لم يقبل قوله إذا قال» [146] . وزاد في رواية ابراهيم بن المفضّل بن قيس: «فاذا علم الناس أن لا اُكلّمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكري فكان خيراً له» [147] . الموقف الثالث: هو موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من ثورة الحسين بن علي ابن الحسن ـ صاحب ثورة فخ ـ بن الحسن المثني ابن الحسن المجتبي(عليه السلام). إن الإمام الكاظم (عليه السلام) بالرغم من امتداد شيعة أبيه في أرجاء العالم الإسلامي لم يعمل في هذه المرحلة بصيغة المواجهة المسلّحة طيلة أيام حياته، حتي أعلن عن موقفه هذا من حكومة المهدي عندما حبسه المهدي ورأي الإمام علياً(عليه السلام) في عالم الرؤيا وقصّ رؤياه علي الإمام(عليه السلام) وقرر إطلاق سراحه، قال له: أفتؤمنني أن تخرج عليّ أو علي أحد من ولدي؟ فقال الإمام(عليه السلام): «والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني» [148] . وهذا الموقف للإمام (عليه السلام) بقي كما هو مع حكومة موسي الهادي لأسباب موضوعية سبقت الاشارة الي بعضها إلاّ أن الإمام (عليه السلام) مارس دور الاسناد والتأييد لثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ من أجل تحريك ضمير الاُمة والارادة الإسلامية ضد التنازل المطلق عن شخصيتها وكرامتها للحكام المنحرفين. ولمّا عزم الحسين علي الثورة قال له الإمام (عليه السلام): «إنّك مقتول فأحدّ الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون [ صفحه 100] وعند الله أحتسبكم من عُصبة» [149] . ولمّا سمع الإمام الكاظم بمقتل الحسين رضي الله عنه بكاه وأبّنه بهذه الكلمات: «إنّا لله وإنا إليه راجعون، مضي والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله» [150] .

المجال الاخلاقي والتربوي

لقد أشاع الحكّام العبّاسيون أخلاقاً وممارسات جاهلية أصابت القيم والاخلاق الإسلامية بالاهتزاز وعرّضت المثل العليا للضياع. وهذا المخطط كان يستهدف المسخ الحضاري للاُمة الإسلامية ولم يكن حالة عقوبة أفرزتها نزوة الخليفة فقط وانّما هي ذات رصيد تأريخي وجزء من تخطيط جاهلي هادف لتغيير معالم الحضارة والاُمة الإسلامية التي ربّاها القرآن العظيم والرسول الكريم. من هنا واجه الإمام (عليه السلام) هذا المخطط باسلوب أخلاقي يتناسب مع أهداف الرسالة يذكّر الاُمة بأخلاقية الرسول (صلي الله عليه وآله) ويعيد لها صوراً من مكارم أخلاقه. هنا نشير الي نماذج من نشاطه: النموذج الأول: عن حماد بن عثمان قال: بينا موسي بن عيسي في داره التي تشرّف علي المسعي، إذ رأي أبا الحسن موسي(عليه السلام) مقبلا من المروة علي بغلة فأمر ابن هيّاج ـ رجل من همدان منقطعاً اليه ـ أن يتعلّق بلجامه ويدّعي البغلة، فأتاه فتعلّق باللجام وادعّي البغلة، فثني أبو الحسن (عليه السلام) رجله فنزل عنها [ صفحه 101] وقال لغلمانه: خُذوا سرجها وادفعوها اليه، فقال والسرج أيضاً لي، فقال له أبو الحسن(عليه السلام): «كذبت عندنا البيّنة بأنه سرج محمد بن علي، وأمّا البغلة فانا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت» [151] . النموذج الثاني: خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن(عليه السلام) مقبلا راكباً بغلاً، فقال لمن معه: مكانكم حتي أضحككم من موسي بن جعفر، فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابّة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند النزال؟ فقال له أبو الحسن(عليه السلام): «تطأطأت عن سموّ الخيل وتجاوزت قموء العير، وخير الاُمور أوسطها». فافحم عبد الصمد فما أحار جواباً [152] . النموذج الثالث: عن الحسن بن محمد: أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن(عليه السلام) فكان يسبّه إذا رآه ويشتم علياً(عليه السلام). وقد لاحظنا حسن تعامل الإمام معه وكيف أدّي ذلك الي صلاح رؤيته وتعامله مع الإمام(عليه السلام) [153] .

المجال العلمي

1 ـ قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسي بن جعفر(عليه السلام) ـ: «تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم.فقال لموسي ابن جعفر(عليه السلام) أسألك؟ قال: نعم. قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الارض ويدخل البيت؟ قال: نعم. [ صفحه 102] قال: فماالفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: فتقضي الصوم؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: هكذا جاء. قال أبو الحسن(عليه السلام): وهكذا جاء هذا. فقال المهدي لابي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً؟! قال: رماني بحجر دامغ» [154] . 2 ـ وكان أحمد بن حنبل يروي عن الإمام موسي بن جعفر عن أبيه حتي يسنده الي النبي(صلي الله عليه وآله) ثم يقول: وهذا اسناد لو قرئ علي مجنون أفاق» [155] . 3 ـ وحجّ المهدي فصار في قبر (قصر) [156] العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بدا قريباً من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ومنعت من العمل فخرجت الفعلة خوفاً علي أنفسهم. فأعطي علي بن يقطين لرجلين عطاءاً كثيراً ليحفرا فنزلا فأبطأ ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر. فقالا: إنا رأينا آثاراً وأثاثاً ورأينا رجالا ونساءً فكلما أومأنا الي شيء منهم صار هباءً، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون. فقال موسي بن جعفر(عليه السلام): «هؤلاء أصحاب الاحقاف غضب الله عليهم [ صفحه 103] فساخت بهم ديارهم وأموالهم» [157] . 4 ـ وعن هشام بن الحكم قال موسي بن جعفر(عليه السلام) لأبرهة النصراني: «كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا عالم به وبتأويله. فابتدأ موسي (عليه السلام) يقرأ الانجيل. فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم علي يديه» [158] . 5 ـ وقال الشيخ المفيد: وقد روي الناس عن أبي الحسن (عليه السلام) فاكثروا، وكان أفقه أهل زمانه.. وأحفظهم لكتاب الله واحسنهم صوتاً بالقرآن [159] . 6 ـ أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام والجامع النبوي سنة (161 هـ) فامتنع أرباب الدور المجاورين للجامعين من بيعها علي الحكومة وقال فقهاء عصره بعدم جواز اجبارهم علي ذلك فأشار عليه علي بن يقطين أن يسأل الإمام موسي بن جعفر عن ذلك فجاء جواب الإمام ما نصه بعد البسملة: «إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولي ببنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولي بفنائها»، ولمّا انتهي الجواب الي المهدي أمر بهدم الدور واضافتها الي ساحة المسجدين [160] . 7 ـ طلب المهدي من الإمام الكاظم(عليه السلام) أن يستدل له علي تحريم الخمر من كتاب الله تعالي قائلا له: «هل الخمر محرّمة في كتاب الله؟ فان الناس إنّما [ صفحه 104] يعرفونها ولا يعرفون التحريم. فقال الإمام (عليه السلام): بل هي محرمة في كتاب الله. فقال المهدي في أي موضع هي محرّمة؟ فقال(عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: (انما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)... واستشهد علي أن (الاثم) هي الخمرة بعينها بقوله تعالي: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس). فالاثم في كتاب الله هو الخمر والميسر واثمهما كبير، كما قال الله عزّ وجلّ». والتفت المهدي الي علي بن يقطين قائلا له: هذه والله فتوي هاشمية. فقال علي بن يقطين: صدقت والله ياأمير المؤمنين. الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. فلذعه هذاالكلام فلم يملك صوابه فاندفع قائلا: صدقت يا رافضي» [161] .

الإمام الكاظم وبناء الجماعة الصالحة

اشاره

كرّس الإمام الكاظم(عليه السلام) جهده لإكمال بناء الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها الي الحفاظ علي الشريعة من الضياع ويطرح النموذج الصالح الذي يتولّي عملية التغيير والبناء في الاُمة، حيث مارس الإمام(عليه السلام) تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للاُمة النموذج الصالح الذي صنعته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). [ صفحه 105]

تركيز الانتماء لخط أهل البيت

اشاره

1 ـ الانتماء السياسي: ركّز الإمام(عليه السلام) علي بعد الانتماء لخطّ أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام علي مستوي تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله الي مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي:

الإحاطة بالوضع السياسي

إنّ الاقتراب من أعلي موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد علي ذلك: أنه لمّا عزم موسي الهادي علي قتل الإمام موسي(عليه السلام) بعد ثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسي الكاظم (عليه السلام) لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة. هنا كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن موسي بن جعفر(عليه السلام) بصورة الأمر [162] من أجل أن يكون الإمام علي علم بنشاطاته وستري في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظم(عليه السلام)والشيعة الموالين له. [ صفحه 106]

قضاء حوائج المؤمنين

إنّ قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء علي وجودهم يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة. وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظم(عليه السلام) التخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمام (عليه السلام) قائلا له: «يا علي إنّ لله تعالي أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي» [163] . وقال له في مرة اُخري: «لا تفعل فإن لنا بك اُنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسي الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الي اخوانكم.. اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقي أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته واكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً...» [164] . وعن علي بن طاهر الصوري: قال: ولّي علينا بعض كتاب يحيي بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من الزامي ايّاها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ. فاجتمع رأيي علي أني هربت الي الله تعالي، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسي بن جعفر(عليه السلام) ـ فشكوت حالي اليه فاصحبني [ صفحه 107] مكتوباً نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدي الي أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سروراً، وهذا أخوك، والسلام» [165] . ومن مصاديق قضاء حوائج الاخوان المؤمنين: جباية الاموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً. عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: «ان كنت لابدّ فاتق الله في أموال الشيعة». قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ [166] .

التأثير في السياسة العامة

استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه الاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الاُمّة من خلال قربه لهذه المواقع. يحدّثنا اسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي: [ صفحه 108] قال اسماعيل بن سلام وابن حميد: بعث الينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع الينا أموالا وكتباً حتي توصلا ما معكما من المال والكتب الي أبي الحسن موسي(عليه السلام) ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتيناالكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتي إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فاذا هو أبوالحسن موسي(عليه السلام) فقمنا اليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا ايّاها فقال: هذه جوابات كتبكم [167] .

التثقيف السياسي

إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه السلام) في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج الي لون خاص من الوعي ودقة في الملاحظة وعمق في الايمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) الي أن يرعي ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوي الايماني ويدفعهم الي اُفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس. وفي هذا المجال نلاحظ ما يلي: 1 ـ شحّذ الإمام(عليه السلام) الهمم التي آمنت بالحق موضحاً أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الانصار أو قلتها. فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالح(عليه السلام): «ياسماعة أمنوا علي [ صفحه 109] فرشهم، وأخافوني أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لاضافه الله عزّ وجلّ اليه حيث يقول: (إنّ ابراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين) [168] فصبر بذلك ماشاء الله. ثم إن الله آنسه باسماعيل واسحاق، فصاروا ثلاثة. أما والله إن المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال: صيّروا اُنساً للمؤمنين يبثّون اليهم ما في صدورهم، فيستريحون الي ذلك ويسكنون إليه» [169] . 2 ـ لقد سعي الإمام(عليه السلام) لتربية شيعته علي أساس تقوية أواصر الاخوة والمحبة الايمانية بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها. لنقرأ النص التالي معاً: سأل الإمام موسي (عليه السلام) يوماً أحد أصحابه قائلا له: «ياعاصم كيف أنتم في التواصل والتبارّ؟ فقال: علي أفضل ما كان عليه أحد. فقال (عليه السلام): أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال: لستم علي ما أحب من التواصل والضيقة والفقر» [170] . [ صفحه 110]

البناء العملي والانتماء الفكري

ركّز الإمام الكاظم(عليه السلام) في تربيته للجماعة الصالحة علي ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وتحرك الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه مستغلا للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادق(عليه السلام) من قبل فقام باكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتي ذكر له (319) صحابياً [171] كل منهم تلقي العلم والمعرفة من الإمام الكاظم(عليه السلام) وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري الي برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والابداع في ميدانها الخاص. وفيما يلي نشير الي جانب من نشاط الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه: قام الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بإعداد نخبة من الفقهاء ورواة الحديث تقدّر كما ذكرنا بـ (319) شخصاً لكن قد تميّز من بين أصحابه ستة بالصدق والأمانة وأجمع الرواة علي تصديقهم فيما يروونه عن الأئمة (عليهم السلام) علي أنه اشتهر بين المحدثين ثمانية عشر فقيهاً ومحدّثاً من أصحاب الأئمة الثلاثة: (الباقر والصادق والكاظم) وهم المعروفون بأصحاب الاجماع، ستة من أصحاب «أبي جعفر» وستة من أصحاب «أبي عبدالله» وستة من أصحاب «أبي الحسن موسي(عليهم السلام)»، وهم: «يونس بن عبد الرحمن»، و«صفوان بن يحيي بياع السابري»، و«محمد بن أبي عمير»، و«عبدالله بن المغيرة»، و«الحسن ابن محبوب السرّاد»، و«أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي» [172] هذا في المجال الفقهي أما الميادين الفكرية الاُخري مثل الكلام والقرآن، واللغة وماشاكل ذلك فلها أيضاً نخبة متخصصة فيها. [ صفحه 111]

اعتقال الإمام الكاظم

لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن يتولاّهم، وما كان اخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو استمرّ علي سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله: اني أري التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقي لوال لا يعطف اذا استعطف ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم اذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه [173] . ولكن مع كل هذا نجد المهديّ ينكّل بوزيره المحبوب عنده (يعقوب بن داود) لأنه كان ذا ميل للعلويين، وبعد أن اختبره قال له: قد حلّ لي دمك ولو آثرت اراقته لأرقته ثم أمر بسجنه مؤبداً وصادر جميع أمواله [174] . ومن هنا نستطيع أن نكتشف أن سبب أمر المهدي العباسي باعتقال الإمام موسي إنّما كان شيوع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشار اسمه وعلمه في الآفاق مما جعله يتصوّر أن بقاء ملكه لا يتمّ إلاّ باعتقاله. وقد عرفت أن المهدي اضطرّ الي اطلاق سراح الإمام(عليه السلام) بعد أن رأي في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) متأثّراً حزيناً مخاطباً إياه: [ صفحه 112] «يامحمد! (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)» ففزع المهدي من نومه.. وأمر باحضار الإمام وقصّ عليه رؤياه وطلب منه أن لا يخرج عليه أو علي أحد من ولده. ثم أعطاه ثلاثة آلاف دينار وردّه الي المدينة [175] . ومات المهدي لثمان بقين من المحرم سنة (169 هـ) وهو ابن ثمان وأربعين سنة بعد أن خرج الي الصيد ودخل خربة أصاب بابها عمود ظهره أو أن بعض جواريه كانت قد دسّت له السم لانها كانت تغار من جارية كان يهواها ويخلص لها [176] . وهكذا انتهت حياته بعد أن كان قد أخذ البيعة لابنه موسي وهارون بالخلافة من بعده.

الإمام الكاظم في حكومة موسي الهادي العباسي

اشارة

ثم استولي علي الحكم موسي الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة (169 هـ) وتوفي في السنة (170 هـ) وكان عمره (26) سنة [177] وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسي الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة علي الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الاسلامي وهو «واقعة فخ» التي قال عنها الإمام الجواد(عليه السلام): «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» [178] فكانت سياسة الهادي قد امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه [ صفحه 113] حتي نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس جميعاً وقد حقدت عليه اُمّه الخيزران حتي بلغ بها الغيظ له نهايته، قيل أنها هي التي قتلته [179] . ولقد نكّل بالعلويين وأذاع الخوف والرعب في صفوفهم وقطع ما أجراه لهم المهدي من الارزاق والاعطيات وكتب الي جميع الآفاق في طلبهم وحملهم الي بغداد [180] .

ثورة فخ

إنّ الذي فجّر الثورة علي الحاكم العبّاسي هو «الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)».

اسباب الثورة

والأسباب التي أدّت الي الثورة عديدة، نذكر منها سببين: الأوّل: الاضطهاد والإذلال الذي مارسه الخلفاء العبّاسيون ضد العلويين واستبداد موسي الهادي علي وجه الخصوص. الثاني: الولاة الذين عيّنهم موسي الهادي علي المدينة مثل تعيينه اسحاق ابن عيسي بن علي الذي استخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز. وقد بالغ هذا الأثيم في اذلال العلويين وظلمهم فالزمهم بالمثول عنده كل يوم، وفرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل صاحبه [ صفحه 114] بالحضور، وقبضت شرطته علي كل من الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، ومسلم بن جندب وعمر بن سلام، وادّعت الشرطة انها وجدتهم علي شراب فأمر بضربهم، وجعل في أعناقهم حبالا، وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم [181] . وفي سنة (169 هـ) عزم الحسين بن علي ـ صاحب فخ ـ علي الخروج وفاتح الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بالأمر وطلب منه المبايعة فقال له الإمام(عليه السلام): «يا ابن عم لا تكلّفني ماكلّف ابن عمك، عمك أبا عبدالله فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد». فقال له الحسين: إنّما عرضت عليك أمراً فان أردته دخلت فيه. وان كرهته لم أحملك عليه والله المستعان، ثم ودّعه. فجمع الحسين أصحابه مثل يحيي، وسليمان، وادريس بن عبدالله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن الافطس وغيرهم. فلما أذّن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أحد أحد، وصعد الافطس المنارة، وأجبر المؤذّن علي قول: حيّ علي خير العمل وصلي الحسين بالناس الصبح. فخطب بعد الصلاة وبايعه الناس، وبعد أن استولي علي المدينة توجّه نحو مكة وبعد أن وصل الي (فخ) فعسكر فيه وكان معه (300) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه وأرسلت رؤوس الأبرار الي الطاغية موسي الهادي، ومعهم الأسري وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا علي باب الحبس [182] . [ صفحه 115]

نتائج الثورة

بعد ان انتهت الثورة باستشهاد «الحسين صاحب فخ» وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء منهم، وقد ذكر سيدهم الإمام موسي قائلا: والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره، ولا اتّبع إلاّ محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله ان أبقيت عليه [183] . وكتب علي بن يقطين الي الإمام موسي(عليه السلام) بصورة الأمر فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فاطّلعهم علي ما ورد عليه من الخبر فقال: ما تشيرون في هذا؟ فقالوا: نشير عليك ـ أصلحك الله ـ وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبّار وتغيّب شخصك دونه. فتبسم الإمام موسي(عليه السلام) ثم تمثّل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو: زعمت سخينة أن ستغلب ربّها فليغلبنَّ مغالب الغلاب وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير المعروف الوارد عنه(عليه السلام) ثم قال(عليه السلام): «قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله (وانه لحق مثل ما أنكم تنطقون) [184] . قال الراوي: ثم قمنا الي الصلاة وتفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت الهادي والبيعة للرشيد [185] . [ صفحه 116]

تحليل ثورة فخ وموقف الإمام موسي الكاظم منها

لقد استعرضنا فيما سبق نشاط الإمام لاكمال بناء الجماعة الصالحة لايصالها الي المستوي العالي من العقيدة والايمان والوعي السياسي الذي يُهيّء الأرضية لانجاز المشروع التغييري الإسلامي الكبير. أما العامل الثاني الذي يتكامل به انجاز هذا المشروع، فهو تحريك ضمير الاُمة وتحرير ارداتها الي حدّ يمنحها القوة والصلابة ويمنعها من التنازل عن كرامتها، والذوبان في سياسة الظالمين وذلك من خلال استمرار العمل الثوري ضد الحكومات الظالمة، فانطلاقاً من هذه الضرورة يمكن أن نلخّص موقف الإمام موسي من واقعة (فخ) بما يلي: 1 ـ لم يكن موقف الإمام (عليه السلام) في هذه المرحلة موقفاً ثورياً ضد نظام الحكم القائم. 2 ـ صرّح الإمام (عليه السلام) بموقفه من الثورة لزعيمها (الحسين) عندما طلب منه المبايعة وذكّره بموقف الإمام الصادق(عليه السلام) من ثورة محمد ذي النفس الزكية، وسوف يكون موقفه كأبيه فيما اذا أصرّ الحسين علي ضرورة المبايعة [186] . 3 ـ عندما استولي الحسين علي المدينة وصلّي بالناس صلاة الصبح لم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن وموسي بن جعفر(عليه السلام) [187] . 4 ـ صدر من الإمام تأييد ومساندة صريحة لحركة الحسين وثورته [ صفحه 117] عندما عزم عليها في قوله(عليه السلام): «إنّك مقتول فأحدّ الضراب، فان القوم فسّاق يظهرون ايماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة» [188] . 5 ـ ولمّا سمع الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بمقتل الحسين (رض) بكاه وابّنه بهذه الكلمات: «إنّا لله وإنّا اليه راجعون، مضي والله مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله» [189] .

موسي الهادي يحاول عزل الرشيد من ولاية العهد

قال اليعقوبي: وشجرت بين موسي وأخيه الوحشة فعزم علي خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد، ودعا القوّاد الي ذلك، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل،وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلي هارون، فكان ممن سعي في خلعه أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد، وقد كان موسي وجّه به في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس الي خلع هارون، فمن أبي جرّد فيهم السيف فسار حتي صارالي الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسي [190] . ومات موسي الهادي لاربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة (170 هـ) [191] . [ صفحه 121]

ملامح عهد الرشيد وسياسته مع الإمام الكاظم

اشاره

تعتبر السنوات الأخيرة من عمر الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) من أعقد مراحل حياته وأشدّها صعوبة وأذيً علي الإمام(عليه السلام) بالقياس الي المراحل الاُخري التي سبقتها، وقد عاصر فيها هارون الرشيد لمدة (14) سنة وأشهراً [192] وكانت حافلة بالآلام والمصاعب. وقد صبّ فيها هارون كلّ الحقد الجاهلي وما تطويه نفسه الخبيثة من لؤم ودهاء علي أهل البيت (عليهم السلام) فقد صمّم سياسة ظالمة تميّز بها عن غيره من الخلفاء، حتي كان من شأنها أن شل حركة الإمام (عليه السلام) وعزله عن الاُمة تمهيداً لقتله فيما بعد داخل السجن، وبهذا تشكل حياة الإمام موسي لجوؤه لأساليب اُخري من العمل مرحلة جديدة بالنسبة لحركة الأئمة(عليهم السلام) الذين سبقوه. ويكون الحديث عن هذه المرحلة من حياة الإمام الكاظم(عليه السلام) في عدة فصول: الأوّل: عن عهد الرشيد وعن أساليبه التي استخدمها مع الإمام (عليه السلام). [ صفحه 122] الثاني: موقف الإمام (عليه السلام) من حكم وسياسة الرشيد ونشاط الإمام(عليه السلام) مع الاُمة. الثالث: عن اعتقالات الإمام ودوره في داخل السجن حتي استشهاده(عليه السلام) في سنة (183 هـ). ويقع الكلام في هذا الفصل ضمن بحثين:

ملامح عهد الرشيد

سبقت الإشارة الي الظواهر الانحرافية التي اجتاحت البلاد الإسلامية والسياسة الظالمة ضد أهل البيت (عليهم السلام) التي جاء بها العباسيون في منهجهم الجاهلي. ولا يسعنا أن نستعرض كل الاحداث والظروف التي أحاطت بالإمام (عليه السلام) في عصر حكومة الرشيد بل نحاول أن نقف علي أهم ما امتازت به المرحلة من ظواهر لعلها تكون كافية لاعطاء الصورة الواقعية وحجم المأساة التي يعانيها الإمام(عليه السلام). اذا لاحظنا الأموال التي كانت تجبي له من أطراف البلاد لوجدناها تفوق ضخامتها ورقمها أموال كل من سبقه من الخلفاء وكانت تنفق علي غير مصالح المسلمين مثل التفنن في الملذّات حتي أسرف هارون في هباته للمغنّين وأغدق عليهم الأموال الطائلة فقد أنشده أبو العتاهية هذه الأبيات: بأبي من كان في قلبي له مرة حب قليل فسرق يا بني العبّاس فيكم ملك شعب الاحسان منه تفترق إنّما هارون خير كله مات كل الشر مذ يوم خلق [ صفحه 123] وغنّاه ابراهيم الموصلي بها فأعطي كل واحد منهما مائة ألف درهم ومائة ثوب [193] . وكان هارون مولعاً بالجواري حريصاًعلي الاستمتاع والتلذّذ بهنّ حتي أفرط في ذلك وكان له قصة مع الجارية (غادر) جارية أخيه الهادي وكانت حسناء من أحسن الناس وجهاً وغناءاً وكان الهادي يحبها وشك ذات يوم بأن الرشيد سيتزوجها حال مماته فقال للرشيد أريد أن تحلف بأنك لا تتزوجها بعدي فحلف واستوفي عليه الايمان من الحج راجلا وطلاق الزوجات وعتق المماليك وتسبيل ما يملكه، ثم أحلفها بمثل ذلك فحلفت فلم يمض علي ذلك الاشهر فمات الهادي وبويع الرشيد فبعث الي (غادر) وخطبها [194] . وكان الرشيد شديدالولع بالغناء فاشتمل قصره علي مختلف الآلات الموسيقية وقد أمر المغنّين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها ثم أمرهم باختيار عشرة فاختاروها، ثم أمرهم باختيار ثلاثة ففعلوا [195] وانقطع إبراهيم عن الغناء لأنه عاهد الهادي بعدم الغناء بعده، لكن الرشيد أمره أن يغنّي فامتنع فرماه في السجن ولم يطلق سراحه حتي غنّي في مجلسه [196] . وكان هارون من المدمنين علي شرب الخمرة، وكان يدعو خواصّ جواريه إذا أراد الشراب [197] . قال حماد بن اسحاق عن أبيه: أرسل إليّ الرشيد ذات ليلة فدخلت عليه [ صفحه 124] فإذا هو جالس وبين يديه جارية عليها قميص مورّد وسراويل مورّدة، فلما غنّت، فقال: لمن هذا اللحن؟ فقلت: لي يا أمير المؤمنين فقال: هات لحن ابن سريج فغنّيته إياه فطرب وشرب رطلا وسقي الجارية رطلا وسقاني رطلاً [198] . وكان الرشيد شديد التعلق بلعب القمار (النرد) و (الشطرنج) [199] وبذل الأموال الطائلة من أجل هذه الألعاب. أمّا موقفه من العلويين فكان الرشيد شديد العداء والحقد عليهم وقد أقسم حين تولّي الخلافة علي استئصالهم وقتلهم فقال: والله لاقتلنّهم ـ أي العلويين ـ ولأقتلنّ شيعتهم [200] وفعلا نفّذ قسمه بقتل طائفة كبيرة من أعلام العلويين هم خيرة المسلمين علماً وورعاً في الدين. وعندما رأي جماهير غفيرة من الاُمة الإسلامية تتهافت علي زيارة مرقد الحسين(عليه السلام) قام بهدم الدورالمجاورة له، واقتلاع السدرة التي كانت الي جانب القبر الشريف [201] كما أمر بحرث أرض كربلاء ليمحو بذلك كلّ أثر للقبر المطهر، وقد انتقم الله منه فإنّه لم يدُر عليه الحول حتي هلك في خراسان [202] . وامتدّ سلوك هذا الحاكم الفاسد الي الاُمة، حيث اُشيع في البلاد الإسلامية كل أنواع الفساد، وتحوّلت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية في عصره الي مسرح للّهو، والرقص، وحانات الخمور ودور المجون، حتي أصبحت هذه [ صفحه 125] المظاهر سمة بارزة يتميّز بها ذلك العصر، وعكس لنا الشعراء انطباعاتهم وأحاسيسهم باللهو وحبّ الجواري والتلذّذ بالخمرة، وكرّس أبو نؤاس مجهوده الفكري فيوصف الأكواب والكؤوس والسقاة والخمّارين والندماء وافتتن الناس بخمرياته. وامتاز عصر هارون بالفقر والبؤس، الذي عم الملايين فنجد جموع المسلمين تعري وتجوع، فيما زخرت بغداد بأموال المسلمين والتي تكرّست عند طبقة خاصة من الخلفاء وأبنائهم وعشيرتهم ووزرائهم والمغنين والجواري والخمّارين والوشاة والمنتفعين من مائدة الخلافة. وحيث ظهر الفقر والبؤس في موطن كان منشئاً للكفر. فقد ظهرت في ذلك العصر حركات إلحادية نشطت بين البسطاء. يقول (فلهوزن): إنّ هناك صلة وثيقة بين الدعوة العباسية والزنادقة، ويقول: إنّ العبّاسيين في ذلك الوقت جمعوا الزنادقة حولهم ولم ينبذوهم إلاّ فيما بعد [203] . والغريب أنّ هذه الحركات الهدّامة التي انتشرت في البلاد الإسلامية مثل «المزدكيّة» وغيرها كانت تدعو للتحلّل من جميع القيم وهي نوع من أنواع الشيوعية، يقول الشهرستاني: إنّ مزدك أحلّ النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة كاشتراكهم في المال والنار والكلاء [204] . [ صفحه 126]

موقف الرشيد من الإمام الكاظم

كان الرشيد شديد الحساسية والحقد علي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) بالنسبة الي الخلفاء العبّاسيين الذين سبقوه، من هنا بدأ بمحاصرة الإمام ومراقبته بغية شل حركته ونشاطه، بطرق وأساليب متعددة وملتوية ومتطوّرة تمثّلت في الاستدعاءات المتعدّدة للبلاط ثم الاعتقالات المتكرّرة، ومحاولات الاغتيال بتصفية أتباع الإمام(عليه السلام) وشيعته، وزجّ البعض في السجون بعد بثّه للجواسيس بشكل مكثّف ورصد ومُتابعة كل حركة تصدر من الإمام وأصحابه وإكرام الوشاة وتشجيعهم فيما إذا جاءوا بمعلومة سرّية عن الإمام حتي انه كانت تقدم رؤوس العلويين كهدايا للرشيد باعتبارها من الاُمور الثمينة عنده. واستخدم الرشيد سياسته هذه مع الإمام علي المدي البعيد وأراد فيها تطويق الإمام(عليه السلام) وعزله بشكل تام وقطع كل أواصر الارتباط مع الاُمة. واتّسمت سياسة الرشيد العدوانية مع الإمام بأنها كانت منذ بويع للخلافة تراوحت بين السجن والاتّهام السياسي مرّة والاكرام والتعظيم نفاقاً مرة اُخري. وسوف نستعرض مجموعة النصوص التي وردت في هذا الصدد لنقف علي مجموعة الأساليب الصريحة والملتوية والمتطوّرة التي سلكها هذا الطاغية لتصفية حركة أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم. الطائفة الاولي: تتضمّن أساليب الرشيد مع الإمام والتي تدور بين اكرام الإمام مرة [ صفحه 127] والتخطيط لقتله مرّة اخري، والاعتراف بكونه الإمام المفترض الطاعة مرّة ثالثة. 1 ـ جاء عن الفضل أنه قال: «كنت أحجب الرشيد، فأقبل عليّ يوماً غضباناً، وبيده سيف يقلّبه. فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله(صلي الله عليه وآله) لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي. قلت: وأيّ الحجازيين؟ قال: موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال الفضل: فخفت من الله عزّ وجلّ إن جئت به إليه، ثم فكرت في النقمة، فقلت له: أفعل. فقال: ائتني بسوطَين وحصارَين [205] وجلاّدين. قال: فأتيته بذلك ومضيت الي منزل أبي ابراهيم موسي بن جعفر(عليه السلام) فأتيت الي خربة فيها كوخ [206] من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود. فقلت له: استأذن لي علي مولاك يرحمك الله. فقال لي: لج [207] ليس له حاجب ولا بوّاب. فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده. فقلت له: السلام عليك ياابن رسول الله، أجب الرشيد. فقال: ما للرشيد ومالي؟ أما تشغله نعمته عنّي؟ ثم قام مسرعاً، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله): إنّ طاعة السلطان للتقية واجبة [208] إذن ما جئت. [ صفحه 128] فقلت له: استعد للعقوبة يا أبا ابراهيم رحمك الله، فقال(عليه السلام): أليس معي من يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم علي سوء لي ان شاء الله. قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها علي رأسه ثلاث مرات. فدخلت علي الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلي قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل. فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمّي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيّجت علي نفسي ما لم أرده، أئذن له بالدخول. فأذنت له. فلمّا رآه وثب اليه قائماً وعانقه وقال له: مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي، ثم أجلسه علي مِخَدّة وقال له: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال(عليه السلام): سعة ملكك وحبّك للدنيا. فقال: ائتوني بحقة الغالية [209] فاُتي بها فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير. قال الفضل: فتبعته(عليه السلام) فقلت له: ما الذي قلت حتي كُفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان إذا دعا به، ما برز الي عسكر إلاّ هزمه ولا الي فارس إلاّ قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت: وما هو؟ قال: قل: اللهم بك أساور، وبك أُحاول (وبك أحاور)، وبك أصول، وبك انتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي اليك، وفوّضت أمري اليك، لا حول ولا قوّة إلاّ [ صفحه 129] بالله العلي العظيم. اللهم انك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت اجبتني يا سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [210] . 2 ـ يصوّر لنا عبدالله المأمون بن الرشيد ذلك المستوي من الفهم الذي يمتلكه الرشيد ازاء الإمام. والذي اعترف به من خلال الاكرام والاجلال الذي قام به الرشيد للإمام الكاظم(عليه السلام) والذي يستبطن مدي الحقد والبغض، ويكشف هذا المشهد ثقل الإمام الشعبي الذي دفع بالرشيد الي أن يفتعل هذا المشهد من أجل اضلال الجماهير. قال المأمون: لقد حججت معه (الرشيد) سنة فلما صار الي المدينة تقدم الي حجابه وقال: لايدخلنّ عليّ رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والانصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلاّ نسب نفسه، فكان الرجل اذا أراد أن يدخل عليه يقول: أنا فلان ابن فلان حتي ينتهي الي جدّه من هاشم أو قريش وغيرهما فيدخل ويصله الرشيد بخمسة آلاف وما دونها الي مائتي دينار علي قدر شرفه وهجرة آبائه. فبينما أنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين علي الباب رجل زعم انه موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) فأقبل علينا ونحن قيام علي رأسه والأمين والمؤتمن وسائر القوّاد، وقال احفظوا علي أنفسكم. [ صفحه 130] ثم قال لآذنه ائذن له ولا ينزل إلاّ علي بساطي، فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد انهكته العبادة كأنه شن بال قد كلم السجود وجهه وأنفه، فلما رأي الرشيد رمي بنفسه عن حمار كان يركبه فصاح الرشيد: لا والله إلاّ علي بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام، فما زال يسير علي حماره حتي سار الي البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به. فنزل وقام اليه الرشيد واستقبله الي آخر البساط وقبّل وجهه ورأسه وأخذ بيده حتي جرّه في صدر المجلس وأجلسه معه وجعل يحدّثه ويقبل عليه ويسأله عن أحواله. ولمّا قام الرشيد لقيامه وودّعه، ثم أقبل عليّ وعلي الأمين والمؤتمن، وقال: يا عبدالله ويا محمد ويا ابراهيم: سيروا بين يدي عمّكم وسيدّكم وخذوا بركابه وسوّوا عليه ثيابه [211] . 3 ـ قال المأمون: فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟! قال: هذا إمام الناس، وحجة الله علي خلقه، وخليفته علي عباده. فقلت: يا أمير المؤمنين أوليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟! فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسي بن جعفر إمام حق. والله يا بنيّ انه لأحقّ بمقام رسول الله (صلي الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو [ صفحه 131] نازعتني هذا الأمر لاخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم [212] . ونلاحظ أن هذا التصريح من الرشيد والاعتراف بحقانية امامة الكاظم(عليه السلام) كان أمراً سرياً. 4 ـ قال المأمون: فلما أراد الرشيد الرحيل من المدينة الي مكة أمر بصرّة فيها مائتا دينار، ثم أقبل علي الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه الي موسي ابن جعفر(عليه السلام) وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيق وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت. فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة الآف دينار الي ما دونها وتعطي موسي بن جعفر ـ وقد أعطيته مائتي دينار ـ أخسّ عطية أعطيتها أحداً من الناس؟! فقال: اسكت لا أمّ لك، فإني لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة الف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم [213] . الطائفة الثانية: نختار في هذه الطائفة ما يصوّر لنا أساليب الرشيد مع الإمام والتي يبتغي من ورائها احراج الإمام مرّة والاستهانة به مرّة أُخري لعله يعجزه أمام الناس [ صفحه 132] ويثبت لهم فشله وعدم جدارته. ولنري موقف الإمام(عليه السلام) ازاء هذه الاحراجات والاستهانات وكيف تخلّص منها منتصراً. 1 ـ من أساليب الرشيد مع الإمام (عليه السلام) التي كان يهدف منها تخويف الإمام (عليه السلام) واستضعافه، هو اتهامه بأعمال سياسية محظورة بنظر الخلافة، مثل جبابة الخراج. وعن هذا الإتّهام يحدّثنا الإمام موسي(عليه السلام) نفسه حيث يقول: «لمّا اُدخلت علي الرشيد سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثم قال: يا موسي بن جعفر خليفتين يُجبي اليهما الخراج؟!» فقلت: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا، فقد علمت أنه قد كُذب علينا منذ قبض رسول الله(صلي الله عليه وآله) بما عِلمُ ذلك عندك، فإن رأيت بقرابتك من رسول الله(صلي الله عليه وآله) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي، عن آبائه، عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله)؟! فقال: قد أذنت لك فقلت: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال: إنّ الرحم إذا مسّت الرحم تحرّكت واضطربت. ثم سأله الرشيد عن أفضلية أهل البيت (اولاد علي) علي بني العباس فأجابه الإمام(عليه السلام) عن الأدلة علي هذا التفضيل بعد أن أخذ منه الأمان. ثم أطلق سراحه» [214] . وإليك نصّ ما دار بين الإمام(عليه السلام) وبين الرشيد كما رواه الصدوق: قال الرشيد للإمام(عليه السلام): [ صفحه 133] «أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، لم أسأل عنها أحداً فإن أنت أجبتني عنها خلّيت عنك، ولم أقبل قول أحد فيك، وقد بلغني أنّك لم تكذب قطّ فاصدقني عمّا أسألك ممّا في قلبي. فقلت: ما كان علمه عندي فإنّي مُخبرك به ان أنت آمنتني؟ قال: لك الأمان ان صدقتني وتركت التقيّة التي تعرفون بها معشر بني فاطمة. فقلت ليسأل أمير المؤمنين عمّا شاء؟ قال: أخبرني لم فضّلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد، أنّا بنو العبّاس وأنتم ولد أبي طالب، وهما عمّا رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقرابتهما منه سواء؟ فقلت: نحن أقرب. قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأن عبدالله وأبا طالب لأب وأمّ وأبوكم العبّاس ليس هو من أم عبدالله، ولا من أمّ أبي طالب قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبي(صلي الله عليه وآله)؟ والعمّ يحجب ابن العمّ، وقبض رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقد توفي أبو طالب قبله، والعبّاس عمه حيّ؟ فقلت له: ان رأي أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة ويسألني عن كلّ باب سواه يريده فقال: لا أو تجيب. فقلت: فآمنّي؟ قال: قد آمنتك قبل الكلام. فقلت: إنّ في قول علي بن أبي طالب(عليه السلام) اذن ليس مع ولد الصّلب ذكراً كان أو اُنثي لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب، إلاّ أنّ تيماً وعدياً وبني أمية قالوا: العم والد رأياً منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن النبي(صلي الله عليه وآله). ومن قال بقول علي(عليه السلام) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء، هذا نوح بن درّاج يقول في هذه المسألة بقول علي(عليه السلام) وقد حكم به، وقد ولاّه أمير المؤمنين المصرين [ صفحه 134] الكوفة والبصرة، وقد قضي به فأنهي الي أمير المؤمنين فأمر باحضاره واحضار من يقول بخلاف قوله منهم سفيان الثوري، وابراهيم المدني والفضيل بن عيّاض فشهدوا أنه قول علي(عليه السلام) في هذه المسألة فقال لهم ـ فيما أبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز ـ: فلم لا تفتون به وقد قضي به نوح بن درّاج؟ فقالوا جسر نوح وجبنا وقد أمضي أمير المؤمنين قضّيته بقول قدماء العامة عن النبي(صلي الله عليه وآله) أنّه قال: علي أقضاكم، وكذلك قال عمر بن الخطاب علي أقضانا، وهو إسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي(صلي الله عليه وآله) أصحابه من القراءة والفرائض والعلم داخل في القضاء. قال: زدني يا موسي. قلت: المجالس بالأمانات وخاصّة مجلسك؟ فقال: لابأس عليك. فقلت: إنّ النبي(صلي الله عليه وآله) لم يورّث من لم يُهاجر، ولا أثبت له ولاية حتّي يهاجر فقال: ماحجّتك فيه؟ قلت: قول الله تبارك وتعالي: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتي يُهاجروا) [215] وإنّ عمّي العبّاس لم يُهاجر، فقال لي: أسألك ياموسي هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا؟ أم أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشيء؟ فقلت: اللهم لا، وما سألني عنها إلاّ أمير المؤمنين. ثم قال: لم جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم الي رسول الله(صلي الله عليه وآله) ويقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي وانّما يُنسب المرء الي أبيه وفاطمة انّما هي وعاء، والنبي(صلي الله عليه وآله) جدّكم من قبل أمكم؟ فقلت: يا أمير المؤمنين لو أن النبي(صلي الله عليه وآله) نُشر فخطب اليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ [ صفحه 135] فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه؟! بل أفتخر علي العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت: لكنّه (صلي الله عليه وآله) لايخطب اليّ ولا أزوجه، فقال: ولم؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك، فقال: أحسنت يا موسي. ثم قال: كيف قلتم انّا ذريّة النبي، والنبي(صلي الله عليه وآله) لم يعقب؟ وانّما العقب للذكر لا للانثي، وأنتم ولد الابنة، ولا يكون لها عقب؟ فقلت: اسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة. فقال: لا أوتخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسي يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا اُنهي الي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتي تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، فأنتم تدّعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء (ألف ولا واو) إلاّ وتأويله عندكم،واحتججتم بقوله عزّ وجلّ (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) [216] وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم. فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ومن ذريته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسي وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيي وعيسي) [217] من أبو عيسي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسي أب. فقلت: انّما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم (عليها السلام)، وكذلك الحقنا بذراري النبي(صلي الله عليه وآله) من قبل أمّنا فاطمة (عليها السلام). أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال: هات. قلت: قول الله عزّ وجلّ (فمن حاجّك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع [ صفحه 136] أبناءنا وأبناءكم ونساءناونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين) [218] ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبي (صلي الله عليه وآله) تحت الكساء عند مباهلة النصاري إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام) فكان تأويل قوله عزّ وجلّ أبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا: علي بن أبي طالب. إنّ العلماء قد أجمعوا علي أنّ جبرئيل قال يوم اُحد: يا محمد إنّ هذه لهي المواساة من علي قال: لأنّه منّي وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما يا رسول الله ثمّ قال: «لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي»، فكان كما مدح الله عزّ وجلّ به خليله(عليه السلام) إذ يقول: (فتيً يذكرهم يقال له ابراهيم) [219] انّا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل انّه منّا. فقال: أحسنت يا موسي ارفع الينا حوائجك. فقلت له: أوّل حاجة أن تأذن لابن عمك أن يرجع الي حرم جدّه(عليه السلام) والي عياله فقال: ننظر ان شاء الله» [220] . 2 ـ اتّهام الإمام بانحرافات فكرية لكسر هيبة الإمام(عليه السلام) وتبرير اضطهاده. قال هارون للإمام الكاظم(عليه السلام): «بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر. فقال له الإمام(عليه السلام) سل. فقال: خبّروني أنكم تقولون أن جميع المسلمين عبيدنا، وجوارينا، وأنّكم تقولون: من يكون لنا عليه حق ولا يوصله الينا فليس بمسلم. [ صفحه 137] فقال له موسي(عليه السلام): كذب الذين زعموا اننّا نقول ذلك، واذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع والشراء عليهم ونحن نشتري عبيداً وجواري ونقعد معهم ونأكل معهم ونشتري المملوك ونقول له: يا بنيّ، وللجارية:يا بنتي ونقعدهم يأكلون معنا تقرّباً الي الله سبحانه فلو انهم عبيدنا وجوارينا ما صح البيع والشراء...» [221] . 3 ـ هناك محاولة اُخري لإحراج الإمام(عليه السلام) والاستهانة به وكانت في مجلس هارون الرشيد حينما حضره حكيم هندي، ويبدو أن الرشيد قد قصد حضور هذا الحكيم الهندي مع الإمام وخطط لادانة الإمام عمليّاً. كما يبدو ذلك من خلال تعليقة الرشيد بعد استسلام الحكيم الهندي لعلم الإمام(عليه السلام). «حضر مجلس الرشيد هنديّ حكيم، فدخل الإمام الكاظم(عليه السلام) فرفع الرشيد مقامه، فحسده الهندي وقال: اغتنيت بعلمك عن غيرك، فكنت كما قال تعالي: (كلاّ إنَّ الإنسان ليطغي أن رآه استغني) [222] . فقال(عليه السلام) أخبرني، الصور الصدفية إذا تكاملت فيها الحرارة الكلية، وتواترت عليها الحركات الطبيعية، واستحكمت فيها القوي العنصرية، صارت اخصاصاً عقلية، أم أشباحاً وهميّة؟ فبهت الهندي وقبّل رأس الإمام(عليه السلام) وقال: كلّمتني بكلام لاهوت، من جسم ناسوت. فقال الرشيد: كلما أردنا ان نضع أهل هذا البيت أبي الله إلاّ أن يرفعه. فقال(عليه السلام): (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره [ صفحه 138] الكافرون)» [223] [224] . 4 ـ يُبرز لنا هذاالمشهد احدي محاولات الاغتيال التي كان قد أعدّها الرشيد للإمام موسي(عليه السلام) وفشلها بالتسديد الإلهي. لمّا همّ هارون الرشيد بقتل الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) دعا الفضل بن الربيع وقال له: قد وقعت لي اليك حاجة أسألك أن تقضيها ولك مائة ألف درهم. قال: فخرّ الفضل عند ذلك ساجداً وقال، أمرٌ أم مسألة؟ قال: بل مسألة. ثم قال: أمرت بأن تحمل الي دارك في هذه الساعة مائة ألف درهم، وأسألك أن تصير الي دار موسي بن جعفر وتأتيني برأسه. قال الفضل: فذهبت الي ذلك البيت فرأيت فيه موسي بن جعفر وهو قائم يصلي، فجلست حتي قضي صلاته، وأقبل(عليه السلام) اليّ وتبسّم وقال: «عرفت لماذا حضرت، أمهلني حتي اُصلي ركعتين». قال: فأمهلته فقام وتوضأ فأسبغ الوضوء، وصلّي ركعتين وأتمّ الصلاة بحسن ركوعها وسجودها، وقرأ خلف صلاته بهذا الحرز فاندرس وساخ في مكانه، فلا أدري أأرض ابتلعته؟ أم السماء اختطفته؟ فذهبت الي هارون وقصصت عليه القصة. قال: فبكي هارون، ثم قال: قد أجاره الله مني [225] . [ صفحه 139]

موقف الإمام الكاظم من حكم الرشيد

اشاره

لقد استعرضنا أساليب الرشيد وسياسته الظالمة مع الإمام(عليه السلام)، والآن نريد الحديث عن موقف الإمام(عليه السلام) قبال هذه السياسة.

الإمام وسياسة الرشيد

إنّ سيرة الإمام(عليه السلام) ومواقفه من الرشيد لم تكن استسلامية بل كان الإمام(عليه السلام) صلباً في مواقفه يتحدّي بها الرشيد، وان كان في بعضها شيء من المرونة في بعض الأحيان وذلك لمعرفة الإمام(عليه السلام) به وبنواياه فكان يراعي في مواقفه المصالح العليا. ونختار بعض المشاهد التي تعبّر عن حقيقة موقف الإمام(عليه السلام) من حكومة الرشيد. المشهد الأوّل: عن محمد بن طلحة الأنصاري قال: كان مما قال هارون لأبي الحسن(عليه السلام) حين اُدخل عليه: «ما هذه الدار؟ فقال(عليه السلام): هذه دار الفاسقين، قال الله تعالي:(سأصرف عن آياتي الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحق وان يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد [ صفحه 140] لا يتّخذوه سبيلا وان يَروا سبيل الغيّ يتخذوه سبيلا) [226] . فقال له هارون: فدار من هي؟ قال(عليه السلام): هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة. قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ فقال: «اُخذت منه عامرة ولا يأخذها الاّ معمورة». قال: فأين شيعتك؟ فقرأ أبو الحسن(عليه السلام): (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتي تأتيهم البيّنة) [227] . قال: فقال له: فنحن كفار؟ قال(عليه السلام): لا، ولكن كما قال الله (الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار) [228] . فغضب عند ذلك وغلظ عليه إذ قد لقيه أبو الحسن(عليه السلام) بمثل هذه المقالة، وما رهبه وهذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف [229] . المشهد الثاني: عن الإمام الكاظم(عليه السلام) قال: «قال لي هارون: أتقولون أن الخمس لكم؟ قلت: نعم. قال: انه لكثير. قال: قلت: إنّ الذي أعطاناه علم أنه لنا غير كثير» [230] . المشهد الثالث: إنّ هارون الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر(عليه السلام): «حُدّ فدكاً حتي أردّها إليك، فيأبي حتي ألحّ عليه. [ صفحه 141] فقال(عليه السلام): لا آخذها إلاّ بحدودها. قال: وما حدودها؟ قال(عليه السلام): ان حددتها لم تردّها. قال: بحق جدّك إلاّ فعلت. قال(عليه السلام): أمّا الحد الأول فعدن. فتغير وجه الرشيد وقال: ايهاً. قال(عليه السلام): والحد الثاني سمرقند. فاربدّ وجهه. قال(عليه السلام): والحدّ الثالث افريقية. فأسودّ وجهه وقال: هيه قال(عليه السلام): والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيه. قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل الي مجلسي! قال موسي(عليه السلام): قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم علي قتله» [231] . المشهد الرابع: ولمّا دخل هارون الرشيد المدينة توجّه لزيارة النبي(صلي الله عليه وآله) ومعه الناس فتقدم الرشيد الي قبررسول الله(صلي الله عليه وآله)وقال: السلام عليك يا رسول الله ياابن عمّ، مفتخراً بذلك علي غيره. فتقدم أبو الحسن(عليه السلام) فقال «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبه» فتغير وجه الرشيد وتبيّن الغيظ فيه» [232] .

الإمام والجماعة الصالحة

اشارة

بعد أن عرفنا موقف الإمام موسي(عليه السلام) من الرشيد، بقي أن نعرف نشاطه ولا سيّما فيما يخصّ الجماعة الصالحة حيث كان الإمام(عليه السلام) قد قطع [ صفحه 142] أشواطاً في منهجه التربوي في مراحل سابقة، فلابد أن يواصل بناءه في هذه المرحلة، لتعميق ما أسس له سابقاً، ولتوجيه الطاقات باتجاه الأهداف الكبري التي كان يسعي لها الأئمة(عليهم السلام) من تأصيل الامتداد الشيعي فيوسط الاُمة، وامتلاكه القدرة علي مواجهة التحدّيات والوقوف أمام عمليات الابادة التي بدأ الخلفاء بالتخطيط لها كلما شعروا بتوسيع دائرة أتباع الأئمة(عليهم السلام) وقد لاحظنا هارون يصرّح بأنه لو أعطي الإمام عطاءه اللائق به لم يأمن أن يشهر الإمام ضدّه مائة ألف سيف لازالة ملكه. ونطالع نشاط الإمام(عليه السلام) في عدة مجالات:

المجال السياسي

اشاره

قام الإمام موسي(عليه السلام) بعدة خطوات تربوية مع شيعته في هذا المجال.

تأكيد الانتماء السياسي لخط أهل البيت

إنّ خطّ أهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم هو خط الرفض للظلم والظالمين، ولقد تشدد(عليه السلام) علي محبيه وشيعته وحرّم عليهم الانفتاح أو التعاون مع السلطات العباسية الظالمة، وأخذ يعمّق في نفوسهم النزاهة والدقة في رفض الظلم، ليمتلكوا وعياً سياسياً يحصّنهم من الانجراف مع التيار الحاكم أو الاستجابة لمخططات الاحتواء بشكل وآخر. إنّ موقفه(عليه السلام) مع صفوان الجمّال يكشف دقّة المنهج التربوي عند الإمام مع شيعته في هذه المرحلة وتصعيد الإمام(عليه السلام) لمستوي المواجهة مع الجهاز الحاكم من جهة وحرصه علي تفتيت دعائم الحكم القائم حيث أخذ الرشيد يحصي علي أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم أنفاسهم ويخطط لابادتهم. دخل صفوان بن مهران الأسدي علي الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) فقال له: [ صفحه 143] «يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحداً». قال: جعلت فداك، أي شيء هو؟ قال(عليه السلام): اكراؤك جمالك من هذا الرجل،يعني هارون الرشيد! قال: والله ماأكريته أشراًولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن لهذا الطريق -يعني طريق مكة- ولا أتولاّه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني. قال(عليه السلام): يا صفوان أيقع كراك عليهم؟ قال: نعم جعلت فداك. قال(عليه السلام): أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟ قال: نعم. قال(عليه السلام): من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو وارد للنار. وقام صفوان في الوقت فباع جماله وأعرض عن مهنته فبلغ ذلك هارون فأرسل خلفه، فلما مثل عنده قال له ـ وهو يتميّز من الغيظ ـ: يا صفوان! بلغني أنك بعت جمالك، قال: نعم قال: ولم؟ قال: أنا شيخ كبير، وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال. قال: هيهات هيهات!! اني لاعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك موسي بن جعفر. قال: مالي ولموسي بن جعفر. قال: دع عنك هذا، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك» [233] .

التأكيد علي مبدأ التقية

ومن الخطوات التي خطاها الإمام موسي(عليه السلام) مع شيعته هو التشديد علي [ صفحه 144] أهمية الالتزام بالتقية كقيمة تحصينية، تحافظ علي الوجود الشيعي وتقيه من الضربات الخارجية. روي معمّر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن موسي(عليه السلام) عن القيام للولاة، فقال(عليه السلام): قال أبو جعفر(عليه السلام): «التقية ديني ودين آبائي، ولا ايمان لمن لا تقية له» [234] . وحدّث درست بن أبي منصور، قال: كنت عند أبي الحسن موسي(عليه السلام) وعنده الكميت بن زيد، فقال له الإمام(عليه السلام): «أنت الذي تقول: فالآن صرت الي أمية والامور الي مصائر فقال الكميت: قد قلت ذلك، والله ما رجعت عن ايماني، واني لكم لموال ولعدوكم لقال، ولكن قد قلته علي التقية فقال(عليه السلام): «انّ التقية لتجوز علي شرب الخمر» [235] .

النفوذ في الجهاز الحاكم

ونشط الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) عن طريق أصحابه، بالنفوذ والاندساس في مواقع السلطة، فقد تصدّر أصحاب الإمام(عليه السلام) مواقع سياسية مهمّة في الحكومة العبّاسية، وكان الإمام(عليه السلام) يُثني ويثمن عمل هؤلاء، لكن كان يشترط التعاون وقضاء حوائج المؤمنين والاّ فانه ينتفي غرض المهمة. واليك قائمة باسماء أصحاب الإمام(عليه السلام) الذين شغلوا مواقع مهمّة في السلطة العبّاسية، وكانوا من أعاظم العلماء وأجلاّئهم منهم: 1 - علي بن يقطين: نشأ يقطين بالكوفة وكان يبيع الابزار وكان يقول بالإمامة، وقد اتّصل بأبي العباس السفاح والمنصور والمهدي، ولمّا انتقل [ صفحه 145] يقطين الي دار الحق قام ولده علي مقامه فاتّصل اتصالا وثيقاً بالعبّاسيين، وتولّي المناصب المهمّة في الدولة وكان عوناً للمؤمنين، وقام بتزويج عدد منهم وكان يعيل قسماً كبيراً منهم. فقد حدّث سليمان كاتبه فقال: أحصيت لعلي من يحجّ عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلا أقلّ من أعطاه منهم سبعمائة درهم وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم وزوّج ثلاثة أو أربعة من أولاد الإمام الكاظم(عليه السلام) وانفق أموالا ضخمة فيوجوه البرّ والإحسان. وتقلّد أعلي منصب في أيام المهدي ومن بعده عيّنه هارون وزيراً له [236] وكان علي اتّصال سرّي ودائم مع الإمام(عليه السلام). 2 ـ حفص بن غياث الكوفي، ولي القضاء ببغداد الشرقية من قبل هارون ثم تولّي قضاء الكوفة وتوفي سنة (194 هـ) [237] . 3 ـ عبد الله بن سنان بن طريف، كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد [238] . 4 ـ الفضل بن سليمان الكاتب البغدادي، كان يكتب للمنصور والمهدي [239] . 5 ـ محمد بن اسماعيل بن بزيع من صلحاء الطائفة ومن عيونها وأحد [ صفحه 146] رواة حديث الإمام موسي(عليه السلام) كان، مولي للمنصور وأحد وزراء الدولة العبّاسية [240] . 6 ـ الحسن بن راشد مولي بني العبّاس: كان وزيراً للمهدي وموسي الهادي وهارون الرشيد [241] . لقد كان هؤلاء بعض أصحاب الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) ورواة حديثه. ومن هنا نستطيع أن نقدّر مدي حنكة الإمام(عليه السلام) وتخطيطه للمحافظة علي المواقع المهمة لأبناء الجماعة الصالحة في جهاز السلطة من اقرار فضلاء صحابته علي قبولهم ولاية الحاكم الجائر فإنّهم أعلم بهذا الخط وشؤونه من عامة المؤمنين.

المجال التربوي

إنّ وصايا الإمام الكاظم(عليه السلام) وتوجيهاته لشيعته تلاحظ حاجة الواقع الموجود لاكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتّجاه الاهداف النهائية التي رسمها أهل البيت(عليهم السلام) لها. ومن هنا نجد الإمام(عليه السلام) يتابع شيعته ويشرف علي تكامل بناء هذه الجماعة وأفرادها فيقوم بتطبيق ما يدعو اليه عملياً لتشكل خطواته نموذجاً ومناراً يهتدي به أبناء مدرسته.ولهذا المجال يمكن أن نستشهد بعدّة أمثلة: المثال الأول: «موقفه(عليه السلام) من علي بن يقطين عندما أراد أحد المؤمنين أن يدخل علي علي بن يقطين ولم يأذن له لنلاحظ تعبير الإمام (بأخيك) ليؤكد [ صفحه 147] أن وجودك يا علي في هذا المنصب هو لخدمة هؤلاء لا لشيء ومن هنا أذن له الإمام بالبقاء بل أمره بالبقاء عندما أراد أن يعتزل من هذا الموقع. عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن ابراهيم الجمّال ـ رضي الله عنه ـ علي أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه. فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة علي مولانا موسي ابن جعفر(عليه السلام) فحجبه. فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال(عليه السلام): حجبتك لأنك حجبت أخاك ابراهيم الجمّال وقد أبي الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك ابراهيم الجمّال. فقلت: سيدي ومولاي من لي بابراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال (عليه السلام): اذا كان الليل فامض الي البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرّجاً. قال: فوافي البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه علي باب ابراهيم الجمّال بالكوفة. فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين فقال ابراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟! فقال علي بن يقطين: يا هذا إنّ أمري عظيم وآلي عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا ابراهيم إنّ المولي(عليه السلام) أبي أن يقبلني أو تغفر لي، فقال: يغفر الله لك. [ صفحه 148] فآلي علي بن يقطين علي ابراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع ابراهيم من ذلك فآلي عليه ثانياً ففعل. فلم يزل ابراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللّهم اشهد، ثم انصرف وركب النجيب، وأناخه في ليلته بباب المولي موسي بن جعفر(عليه السلام) بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله» [242] . المثال الثاني: حرص الإمام موسي(عليه السلام) علي قضاء حوائج المؤمنين واهتم بها وهو في أحلك الظروف وأشدّها قساوة، فقد حثّ الشيعة علي التمسك بهذا المبدأ الأخلاقي، بل أمر بعض الخواص بالبقاء في جهاز السلطة الظالمة لأجل قضاء حوائج المؤمنين. من هنا ندرك مستوي اهتمامه ومدي سعيه لتحقيق هذا المبدأ في فكر وسلوك أبناء الجماعة الصالحة. عن محمد بن سالم قال: «لمّا حمل سيدي موسي بن جعفر(عليه السلام) الي هارون جاء إليه هشام بن ابراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي قد كُتب لي صك الي الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري. قال: فركب إليه أبو الحسن(عليه السلام) فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي! أبو الحسن موسي بالباب فقال: فإن كنت صادقاً فأنت حرّ ولك كذا وكذا! فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتي خرج إليه: فوقع علي قدميه يُقبّلهما ثم سأله أن يدخل، فدخل فقال له: اقض حاجة هشام بن ابراهيم»، فقضاها [243] . [ صفحه 149] المثال الثالث: تسديد الإمام(عليه السلام) لمهمة علي بن يقطين ودعمه له: روي عن علي بن يقطين: «أنه كتب الي موسي بن جعفر(عليه السلام): اُختلف في المسح علي الرجلين، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت. فكتب أبو الحسن(عليه السلام): الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً،وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل شعر لحيتك ثلاثاً، وتغسل يديك ثلاثاً، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجليك ثلاثاً، ولا تخالف ذلك الي غيره، فامتثل أمره وعمل عليه. فقال الرشيد: أحبّ أن أستبرئ أمر علي بن يقطين، فإنهم يقولون انه رافضي، والرافضة يخففون في الوضوء. فناطه بشيء من الشغل في الدار، حتي دخل وقت الصلاة، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يري علي بن يقطين ولا يراه هو، وقد بعث اليه بالماء للوضوء فتوضّأ كما أمره موسي(عليه السلام). فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي. فورد علي علي بن يقطين كتاب موسي بن جعفر(عليه السلام) توضأ من الآن كما أمر الله: اغسل وجهك مرّة فريضة، والآخري اسباغاً، فاغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح مقدّم رأسك، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما يخاف عليك» [244] . وعن ابن سنان «أنّ الرشيد حمل في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب. فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب الي أبي الحسن موسي [ صفحه 150] ابن جعفر(عليه السلام) وانفذ في جملتها تلك الدراعة، وأضاف اليها مالا كان أعدّه له علي رسم له فيما يحمله اليه من خمس ماله. فلمّا وصل ذلك الي أبي الحسن قبل المال والثياب، وردّ الدراعة علي يد الرسول الي علي بن يقطين وكتب اليه: ان احتفظ بها، ولا تخرجها عن يدك، فسيكون لك بها شأن، تحتاج اليها معه، فارتاب علي بن يقطين بردّها عليه، ولم يدر ما سبب ذلك، فاحتفظ بالدراعة. فلمّا كان بعد أيّام تغيّر علي بن يقطين علي غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين الي أبي الحسن(عليه السلام) ويقف علي ما يحمله اليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك. فسعي به الي الرشيد فقال: انه يقول بإمامة موسي بن جعفر، ويحمل خمس ماله في كل سنة وقد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين فيوقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد لذلك، وغضب غضباً شديداً، وقال لاكشفنّ عن هذه الحال فإن كان الأمر كما يقول أزهقت نفسه. وأنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه، قال له: ما فعلت بالدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم، فيه طيب، وقد احتفظت بها، وقلّما أصبحت الاّ وفتحت السفط، فنظرت اليها تبركاً بها، وقبّلتها ورددتها الي موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك. فقال: أحضرها الساعة قال: نعم يا أمير المؤمنين، واستدعي بعض خدمه، وقال له: إمض الي البيت الفلاني من الدار، فخذ مفتاحه من خزانتي فافتحه وافتح الصندوق الفلاني، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه. [ صفحه 151] فلم يلبث الغلام أن جاءه بالسفط مختوماً فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه. فلمّا فتح نظر الي الدراعة فيه بحالها، مطوية مدفونة في الطيب. فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين: اُرددها الي مكانها فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً. وأمر أن يتبع بجائزة سنية، وتقدم بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحواً من خمسمائة فمات في ذلك» [245] .

المجال العلمي والفكري

لقد كان عهد الصادقين(عليهما السلام) عهد الانفراج النسبي لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) حيث استطاعت أن تنشر علوم أهل البيت(عليهم السلام) وتخرّج الاساتذة والعلماء المسؤولين والاُمناء علي حفظ تراث هذا الخطّ الرسالي بين أبناء الاُمة الإسلامية. ومن هنا فقد تكاملت لابناء هذه المدرسة في عهدهما الاُسس المتينة التي أرساها الرسول الاعظم(صلي الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من بعده في المنهج والمحتوي والاسلوب. وكان عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) الذي استمر ثلاثة عقود أو ما يزيد عليها قليلا ـ استمراراً للمسيرة العلمية والثقافية التي حقّقها الصادقان(عليهما السلام) حتي تخرج في عهده(عليه السلام) عدد مهم من الفقهاء الرواة الذين أصبحوا بمستوي [ صفحه 152] العطاء الذي قدمه الإمام الكاظم(عليه السلام) للاُمة الإسلامية في حقلي النظرية والتطبيق معاً ـ كما سيتضح ذلك فيما سوف نراه من تبلور كثير من القواعد الاصُولية والفقهية في مجال الاجتهاد الفقهي في هذه المدرسة العملاقة. ثمّ إنّ انتشار التشيع واتّساع حجم الولاء والانتماء لخط أهل البيت(عليهم السلام) بالمعني الخاص الذي يتميّز عن الخط العباسي بعد جهود الصادقين(عليهما السلام) كان من نصيب عهد الإمام الكاظم(عليه السلام). واتساع القاعدة كان يتطلب توسّع نشاط القيادة في رعاية شؤون الاتباع وصيانة الجماعة الصالحة من أنواع المزالق والانحرافات والعقبات. علي أن كثرة السؤال عن قضايا الشريعة اُصولا وفروعاً لاتساع دائرة الانتماء ولتطور الزمن مع استعداد مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) للاستجابة للمستجدات، كل هذا تطلب نشاطاً أكبر وأوسع من القيادة المتمثلة في الإمام الكاظم(عليه السلام) بالرغم من حراجة الظرف بعد استشهاد الإمام الصادق(عليه السلام) وعدم التوجيه العام حول إمامة موسي الكاظم(عليه السلام) لكل أبناء الطائفة... من هنا كان الإمام(عليه السلام) بحاجة الي توظيف عدد من أصحابه الاخصّاء به لادراة شؤون الجماعة الصالحة بتقبّل الوكالة عن الإمام والتحرك لجمع الأموال والحقوق التي رسم لهاأهل البيت نظاماً ومنهجاً خاصاً يكفل للجماعة الصالحة استمرار وجودها وتطورها واستحكام اسسها بنحو يجعلها قادرة علي مواجهة التحديات المستمرة. وهذا هو الذي كان يخشاه الخلفاء، كلٌ بمقدار نباهته وغوره الي عمق هذا الخط.. حتي أثار هذا النشاط الواسع والخط التثقيفي المعمق حفيظة هارون الرشيد تجاه شخص الإمام الكاظم(عليه السلام) حيث كان يراه الندّ الحقيقي الذي يهدد سلطانه. [ صفحه 153] وكان هارون جرئياً في الاقدام علي سجن الإمام وعزله عن قواعده. ولكنّ أصحاب الإمام(عليه السلام) كانوا علي اتصال مستمر به وهو في قيد السجن. وكان هذا التخطيط يعدّ تطوراًواضحاً في التعامل مع الأحداث واستغلالا للظروف الحرجة أحسن استغلال لاكمال المسيرة الربّانية الي حيث الاهداف المبتغاة منها. وقد تمثل العطاء العلمي والفكري للإمام الكاظم(عليه السلام) في مجالات: 1 - الرواية 2 - التدريس 3 - المناظرة 4 - التأليف كما تنوّعت مجالات الرواية والتأليف والمناظرة والتدريس الي الحقول العلمية المختلفة، كما يشهد لذلك تنوّع التراث الذي وصلنا عن الإمام الكاظم(عليه السلام)، ونستطيع أن نلمس ذلك بكل وضوح من خلال مطالعة مسنده الذي يبلغ ثلاثة أجزاء فيما يقرب من ألف صفحة تقريباً. وقد اشتمل علي أنواع المعرفة العقائدية والتأريخية والتربوية والأخلاقية والاحكام الشرعية والأدعية والزيارات وما يرتبط بمجال توثيق الرجال وسائر ما يرتبط ببيان عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) واحتجاجاته مع الحكام والمخالفين أوما يرتبط بمدرسته العلمية المتمثّلة في المتخرجين من طلابه والنابهين من صحابته. وقد بلغت بعض تأليفات أصحاب الإمام حجماً هائلا مثل ما أ لّفه هشام ابن الحكم وصفوان بن يحيي بيّاع السابري والحسن بن محمد بن سماعة [ صفحه 154] الكندي حيث بلغت الكتب المؤلفة لكل منهم ثلاثين مؤلفاً. كما ألّف علي بن الحسن الطاطري أربعة عشر كتاباً والحسن بن محبوب السراد ستة كتب وعبد الله بن جبلة سبعة كتب وعلي بن يقطين ثلاثة كتب. وهذا هو بعض النشاط العلمي لصحابة الإمام(عليه السلام) [246] .

منهج الاستنباط والتفقه في الدين

ونلتقي في تراث الإمام الكاظم(عليه السلام) بنصوص ترتبط بحرمة القول بغير علم وحجية الظواهر وحجية خبر الواحد ونصوص ترتبط بعلاج حالات التعارض بين الأحاديث ونصوص ترتبط بالمنع من القياس ونصوص ترتبط بأصالة البراءة ووجوب الموافقة القطعية في أطراف العلم الاجمالي والاستصحاب وعدم جواز الرجوع الي الأصل قبل الفحص عن الدليل.. وهذه النصوص تشير الي أن الإمام(عليه السلام) كان بصدد ارساء قواعد ومنهج الاستنباط والتفقه في دين الله. وإذا لاحظنا النصوص التي تقدّم لنا مجموعة مهمة من القواعد الفقهية الي جانب غيرها من النصوص التي تتضمّن الأحكام الفقهية التي اُثرت عنه(عليه السلام) فإننا نستيقن بأن الإمام(عليه السلام) كان يخطط لتكامل المدرسة الفقهية الاجتهادية ويربّي العلماء علي منهجها بحيث يضمن للرسالة خلودها ولخط أهل البيت(عليهم السلام) الدوام والحضور الفاعل في ميادين الحياة رغم كل التحديات [247] . [ صفحه 155]

المناظرات في عصر الإمام الكاظم

من الأنشطة الفكرية الواسعة الصيت في عصر الإمام الكاظم(عليه السلام) والمؤثرة في تبلور فكر الاُمة هي المناظرة العلمية، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) ثم الإمام الكاظم(عليه السلام) من بعده قد استثمرا هذه الظاهرة وأعدّا لها نخبة من العلماء المتخصصين في هذا الميدان تعاهدوا للدفاع عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وتعريفه للناس واستطاعوا رغم المنع السلطوي والحصار الفكري ضدهم أن يروّجوا للمذهب ويحققوا انتصارات مشهودة. كما قد نشطوا من جانب في دحض الشبهات والإتهامات التي كانت تثار ضد الفكر الإسلامي أو الشيعي واستطاعوا أن يقفوا بوجه الموجات الفكرية الانحرافية والحركات الالحادية. ومن جملة أصحاب الإمامين الصادق والكاظم(عليهما السلام) البارزين في هذا الميدان هشام بن الحكم. كان هشام بن الحكم من أفذاذ الاُمة الإسلامية ومن كبار علمائها وفي طليعة المدافعين عن خط أهل البيت(عليهم السلام). جاهد طويلا لنصرة الحق خصوصاً في عصرالرشيد، الذي انعدمت فيه الحريات، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت(عليهم السلام) عرضة للانتقام والتنكيل من قبل السلطة. كان من أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام) وبعد وفاته اتّصل بالامام الكاظم(عليه السلام). و اختص في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، وشهد له [ صفحه 156] بذلك ابن النديم. ونظراً لاختصاصه في هذا الفن فقد زيّن يحيي بن خالد البرمكي مجلسه به وجعله قيماً لمجالس كلامه [248] . وخاض هشام مع علماء الأديان والمذاهب مستدلا علي صحة مبدأه وبطلان أفكارهم. ونظراً لخطورة استدلاله وقوة حجته كان الرشيد يحضر من وراء الستار فيصغي اليها ويعجب بها، ولقد خاض في عدة مناظرات مع زعيم المعتزلة الروحي عمرو بن عبيد [249] . ووجه يحيي بن خالد البرمكي سؤالا لهشام بحضرة الرشيد من أجل احراجه قائلا له: أخبرني عن علي والعباس لما اختصما الي أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل؟ فاستولت الحيرة علي هشام لأنه قال في نفسه: ان قلت علياً كان مبطلا كفرت وان قلت العباس كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي. فقال هشام: لم يكن من أحدهما خطأوكانا جميعاً محقين، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليه السلام)حيث يقول الله:(وهل أتاك نبأالخصم إذ تسوّروا المحراب)، الي قوله تعالي: (خصمان بغي بعضنا علي بعض) فأي الملكين كان مخطئاً؟ وأيهما كان مصيباً؟ أم تقول: انهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه. فقال يحيي: لست أقول: الملكين أخطآ، بل أقول انهما أصابا وذلك انهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم وانّما أظهرا ذلك لينبّها داود [ صفحه 157] علي الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه. فقال هشام: كذلك علي والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة وانما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر علي غلطه ويوقفاه علي خطيئته ويدلاّه علي ظلمه في الميراث ولم يكونا في ريب من أمرهما. فتحيّر يحيي ولم يطق جواباً، واستحسن الرشيد هذا البيان الرائع الذي تخلص به هشام [250] . وله مناظرات من هذا القبيل مع العالم النظام [251] ومع ضرار الضبي [252] فراجع مناظراته في موسوعة بحار الأنوار في ما يختص بحياة صحابة الإمام الكاظم(عليه السلام). وهكذا استطاع أهل البيت(عليهم السلام) من خلال خيرة أصحابهم أن يحفظوا للاُمة المسلمة هويّتها ويدافعوا عن شخصيّتها المعنوية واستقلال كيانها الفكري والديني. [ صفحه 159]

اعتقالات الإمام حتي استشهاده

التخطيط لسجن الإمام

لسنا الآن بصدد التعرض الي تفاصيل أسباب سجن الإمام من قبل الرشيد. لأن سلوك الإمام وتأثيره في الاُمة كما عرفت كان كافياً لأن يدفع بالرشيد الذي لا يتبني حكمه علي اُصول مشروعة ليخطط لسجن الإمام(عليه السلام) وبالتالي اغتياله، هذا فضلا عن كون الرشيد قد قطع علي نفسه بداية تسلّمه للحكم بأن سوف يستأصل الوجود العلوي فإذا كان هذا شعاره أول الأمر مع كل العلويين فكيف بزعيم العلويين وقائدهم وسيدهم. وينبغي أن نفرق بين الاسباب الواقعية وبين الاسباب التي كان يتذرع بها الرشيد لتبرير سلوكه العدائي مع الإمام(عليه السلام). لقد أصبح الإمام بعد عقد من حكم الرشيد وجوداً ثقيلا علي هارون لقوة تأثيره في الاُمة واتساع الامتداد الشيعي حتي وجدناه يقدر المتطوعين في جيش الإمام بمائة ألف سيف. من هنا ضاق صدره وازعجه انتشار صيت الإمام لأن الناس غدت تتناقل مآثر الإمام وعلمه وأخلاقه. وكانت حادثة زيارة هارون لقبر الرسول(صلي الله عليه وآله) ولقاء الإمام به بحيث أغضب الرشيد حتي قال بعدها مخاطباً الرسول(صلي الله عليه وآله): «بأبي أنت واُمي إني أعتذر [ صفحه 160] اليك من أمر عزمت عليه، انّي اُريد أن آخذ موسي بن جعفر فأحبسه لأني قد خشيت أن يلقي بين اُمتك حرباً يسفك بها دماءهم» [253] . وكان للوشاة دورٌ سلبي ضد الإمام(عليه السلام) فلقد تحرك يحيي بن خالد قبل ذلك ليهيئ مقدمات الاعتقال للإمام فأغري ابن أخ الإمام محمد بن اسماعيل أو علي بن اسماعيل لغرض الوشاية بالإمام. لنلاحظ موقف الإمام السامي ازاء تصرف ابن أخيه الشنيع بعد أن استجاب محمد لاغراء يحيي والتقي بالطاغية في بغداد وطعن بالإمام(عليه السلام) بما يرغب به الرشيد. عن علي بن جعفر بن محمد(عليه السلام) قال: «جاءني محمد بن اسماعيل بن جعفر [254] يسألني أن أسأل أبا الحسن موسي(عليه السلام) أن يأذن له في الخروج الي العراق وأن يرضي عنه، ويوصيه بوصية. قال: فتنحيت حتي دخل المتوضأ وخرج وهو وقت يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه. قال: فلما خرج قلت له: إنّ ابن أخيك محمد بن اسماعيل سألك أن تأذن له بالخروج الي العراق، وأن توصيه، فأذن له(عليه السلام). فلمّا رجع الي مجلسه قام محمد بن اسماعيل وقال: يا عمّ أحب أن توصيني. فقال(عليه السلام): أوصيك أن تتقي الله في دمي. فقال: لعن الله من يسعي في دمك ثم قال: يا عم أوصني فقال(عليه السلام): أوصيك أن تتقي الله في دمي. [ صفحه 161] قال: ثمّ ناوله أبو الحسن صرة فيها مائة وخمسون ديناراً فقبضها محمد، ثم ناوله اُخري فيها مائة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أعطاه صرة أُخري فيها مائة وخمسون ديناراً فقبضها، ثم أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده. فقلت له في ذلك، واستكثرته. فقال: هذا ليكون أوكد لحجتي إذا قطعني ووصلته. قال: فخرج الي العراق، فلما ورد حضرة هارون أتي باب هارون بثياب طريقه من قبل أن ينزل، واستأذن علي هارون، وقال للحاجب: قل لأمير المؤمنين انّ محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب: انزل أولا وغيّر ثياب طريقك وعُد لادخلك عليه بغير إذن، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت. فقال: أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي. فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن اسماعيل، فأمر بدخوله، فدخل وقال: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض: موسي بن جعفر بالمدينة يُجبي له الخراج، وأنت بالعراق يُجبي لك الخراج؟! فقال: والله؟! فقال: والله! قال: فأمر له بمائة ألف درهم فلما قبضها وحُمل الي منزله، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات، وحوّل من الغد المال الذي حُمل اليه» [255] . هذه هي بعض الأساليب التي كان قد خطط لها يحيي بايعاز من الرشيد. وأخيراً تم اعتقال الإمام(عليه السلام) بسرعة واخفاء وتعمية علي الاُمة لئلا تعرف محل سجن الإمام(عليه السلام). [ صفحه 162]

اعتقال الإمام

وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسول(صلي الله عليه وآله) ولقائه بالإمام(عليه السلام) أمر الطاغية هارون باعتقال الإمام(عليه السلام) وفعلا اُلقي القبض علي الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبي(صلي الله عليه وآله) ولم يمهلوه لإتمامها. فحمل وقيّد فشكي الإمام لجدّه الرسول(صلي الله عليه وآله) قائلا: «اليك أشكو يا رسول الله» [256] وبعد اعتقال الإمام غدت الناس تتحدث فيما بينها باستنكار هذا الحدث المهم، فتألمت الاُمة كثيراً فلم يبق قلب الاّ وتصدّع من الأسي والحزن فخافت السلطات أن يكون اعتقال الإمام محفزاً للثورة عليها.فحمل جملين، واحداً الي البصرة والثاني الي الكوفة لغرض الايهام علي الناس، أي: لئلاّ يعرف محل حمل الإمام في أيّهما.

الإمام في سجن البصرة

كان المأمور بحراسة الإمام(عليه السلام) أثناء الطريق من المدينة الي البصرة حسان السروي [257] وقبل أن يصل الي البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبدالله ابن مرحوم الازدي فدفع له الإمام كتباً وأمره بايصالها الي وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأنه الإمام من بعده [258] وسارت القافلة تطوي البيداء حتي وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه الي عيسي بن أبي جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها الاّ في حالتين: [ صفحه 163] احداهما في خروجه للطهور، والاُخري لادخال الطعام له(عليه السلام) أمّا نشاطه(عليه السلام) في داخل السجن: فلقد انقطع(عليه السلام) الي الله في عبادته فكان يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه:«اللهم انك تعلم اني كنت اسألك ان تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد» [259] . ولمّا شاع خبر اعتقال الإمام في البصرة وعلم الناس بمكانه هبّت اليه العلماء وغيرهم لغرض الاتّصال به من طريق خفيّ فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروي عنه [260] .

الايعاز لعيسي باغتيال الإمام

وأوعز الرشيد الي عيسي يطلب منه فوراً القيام باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر الرشيد لعيسي باغتيال الإمام(عليه السلام) ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب الي الرشيد رسالة يطلب فيها اعفاءه عن ذلك.

حمل الإمام الي بغداد

واستجاب الرشيد لطلب عيسي وخاف من عدم تنفيذه لطلبه أن يساهم في اطلاق سراح الإمام(عليه السلام) ويخلّي سبيله، فأمره بحمله الي بغداد وفرح عيسي [ صفحه 164] بذلك، ولمّا وصل الإمام الي بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند الفضل فأخذه وحبسه في بيته. وأشرف هارون علي سجن الإمام(عليه السلام) إذ كان يتوجّس في نفسه الخوف من الإمام(عليه السلام) فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه فكان يراقبه ويتطلّع علي شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحداً ويكون الفضل قد رفّه عليه، فأطلّ من أعلي القصر علي السجن فرأي ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه. فقال للفضل: ماذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟! فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، وما ذاك بثوب، وانّما هو موسي بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال، فانبهر هارون وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم! والتفت اليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بعبادة وزهد الإمام قائلا له: يا أمير المؤمنين مالك قد ضيقت عليه في الحبس؟!! فأجابه هارون قائلا: هيهات، لابد من ذلك [261] .

دعاء الإمام واطلاق سراحه

ولمّا طالت مدة الحبس علي الإمام(عليه السلام) وهو رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلي لربه أربع ركعات وأخذ يدعو بهذا الدعاء: «يا سيدي: نجّني من حبس هارون، وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، [ صفحه 165] ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويامخلّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويامخلّص الروح من بيت الاحشاء والامعاء، خلصني من يد هارون». واستجاب الله دعاء العبد الصالح فأنقذه من سجن الطاغية هارون وأطلقه في غلس الليل [262] . لقد مكث الإمام(عليه السلام) في سجن الفضل مدة طويلة من الزمن لم يعيّنها لنا التأريخ. وبقي(عليه السلام) بعد إطلاق سراحه في بغداد لم يخرج منها الي يثرب وكان يدخل علي الرشيد في كل اسبوع مرة يوم الخميس [263] .

الاعتقال الثاني للإمام

ولمّا شاع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشرت فضائله ومآثره في بغداد، ضاق الرشيد من ذلك ذرعاً، وخاف منه فاعتقله ثانية فاودعه في بيت الفضل بن يحيي. ولمارأي الفضل عبادة الإمام(عليه السلام) واقباله علي الله وانشغاله بذكره أكبر الإمام، ولم يضيّق عليه وكان في كل يوم يبعث اليه بمائدة فاخرة من الطعام، وقد رأي(عليه السلام) من السعة في سجن الفضل ما لم يرها في بقية السجون. ولمّا أوعز الرشيد للفضل باغتيال الإمام(عليه السلام) امتنع ولم يجبه الي ذلك وخاف من الله لأنه كان ممّن يذهب الي الإمامة ويدين بها، وهذا هو الذي سبب تنكيل الرشيد بالفضل واتهام البرامكة بالتشيع [264] . [ صفحه 166]

الإمام في سجن السندي بن شاهك

وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمام(عليه السلام) الي سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الاثيم لذلك فقابل الإمام(عليه السلام) بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد الإمام(عليه السلام) بثلاثين رطلا من الحديد ويقفل الباب فيوجهه ولا يدعه يخرج الاّ للوضوء. وامتثل السندي لذلك فقام بإرهاق الإمام(عليه السلام) وبذل جميع جهوده للتضييق عليه، ووكّل بشّاراً مولاه، وكان من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب ولكنه لم يلبث أن تغير حاله وآب الي طريق الحق; وذلك لما رآه من كرامات الإمام(عليه السلام) ومعاجزه، وقام ببعض الخدمات له [265] .

نشاط الإمام داخل السجن

اشاره

وقام الإمام بنشاط متميّز من داخل السجن، وفيما يلي نلخّص ذلك ضمن عدة نقاط:

عبادته داخل السجن

أقبل الإمام كما قلنا علي عبادة الله تعالي فكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يفتر عن ذكر الله. وهذه اُخت الجلاّد السندي بن شاهك تحدّثنا عمّا رأته من اقبال الإمام وطاعته لله والتي أثّرت في نفسها وأصبحت فيما بعد من الصالحات فكانت تعطف علي الإمام(عليه السلام) وتقوم بخدمته وإذا نظرت اليه أرسلت ما في عينيها من [ صفحه 167] دموع وهي تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل [266] .

اتصال العلماء به

واتّصل جماعة من العلماء والرواة بالإمام(عليه السلام) من طريق خفي فانتهلوا من نمير علومه فمنهم موسي بن إبراهيم المروزي، وقد سمح له السندي بذلك لأنّه كان معلّماً لولده، وقد ألّف موسي بن إبراهيم كتاباً مما سمعه من الإمام [267] .

ارسال الاستفتاءات إليه

وكانت بعض الأقاليم الإسلامية التي تدين بالإمامة ترسل عنها مبعوثاً خاصاً للإمام(عليه السلام) حينما كان في سجن السندي، فتزوده بالرسائل فكان (عليه السلام) يجيبهم عنها، وممن جاءه هناك علي بن سويد، فقد اتّصل بالإمام(عليه السلام) وسلّم إليه الكتب فأجابه(عليه السلام) [268] .

نصب الوكلاء

وعيّن الإمام(عليه السلام) جماعة من تلامذته وأصحابه، فجعلهم وكلاء له في بعض البلاد الإسلامية، وأرجع إليهم شيعته لأخذ الأحكام الإسلامية منهم، كما وكّلهم في قبض الحقوق الشرعية، لصرفها علي الفقراء والبائسين من الشيعة وانفاقها فيوجوه البر والخير، فقد نصب المفضل بن عمر وكيلا له في قبض الحقوق وأذن له في صرفها علي مستحقيها [269] . ومن هنا بدأت ظاهرة الوكالة في تخطيط أهل البيت(عليهم السلام) لإدارة [ صفحه 168] الجماعة الصالحة وتطوّرت فيما بعد بمرور الزمن. كما سوف نلاحظ ذلك في حياة الإمام الجواد والهادي والعسكري والإمام المهدي(عليهم السلام).

تعيينه لولي عهده

ونصب الإمام(عليه السلام) من بعده ولده الإمام الرضا(عليه السلام) فجعله علماً لشيعته ومرجعاً لاُمة جدّه، فقد حدّث الحسين بن المختار، قال: لمّا كان الإمام موسي(عليه السلام) في السجن خرجت لنا ألواح من عنده وقد كتب فيها «عهدي الي أكبر ولدي» [270] .

وصيته

وأوصي الإمام(عليه السلام) ولده الإمام الرضا(عليه السلام) وعهد إليه بالأمر من بعده علي صدقاته ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة وقد أشهد عليها جماعة من المؤمنين وقبل أن يدلي بها ويسجّلها أمر باحضار الشهود.

صلابة الإمام وشموخه أمام ضغوط الرشيد

وبعد ما مكث الإمام(عليه السلام) زمناً طويلا في سجن هارون تكلّم معه جماعة من خواصّ شيعته فطلبوا منه أن يتكلم مع بعض الشخصيات المقرّبة عند الرشيد ليتوسط في اطلاق سراحه، فامتنع(عليه السلام) وترفّع عن ذلك وقال لهم: «حدثني أبي عن آبائه أن الله عزّ وجلّ أوحي الي داود، يا داود إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، وعرفت ذلك منه الاّ قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته» [271] . [ صفحه 169]

الإمام الكاظم يتحدي كبرياء هارون

اشاره

لقد تنوعت ضغوط هارون علي الإمام هو في السجن، ونجد الإمام(عليه السلام) وهو في أوج المحنة يتحدّي كبرياء هارون بكل صلابة وشدّة حتي فشل هارون بكل ما اُوتي من حول وقوّة ولم يجد أمامه حلاًّ ينسجم مع نزعاته إلاّ سمّ الإمام(عليه السلام) واغتياله. وإليك جملة من ضغوط هارون علي الإمام الكاظم(عليه السلام) وهو في السجن:

ارسال جارية له

«أنفذ هارون الي الإمام(عليه السلام) جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن، أرسلها بيد أحد خواصّه لتتولي خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها، فلما وصلت إليه قال(عليه السلام) لمبعوث هارون: قل لهارون: بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها. فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام(عليه السلام) فالتاع غضباً وقال له: ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف. فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمام(عليه السلام) وأبلغه بمقالته. وأنفذ هارون خادماً له الي السجن ليتفحص عن حال الجارية، فلما انتهي إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها: قدوس، قدوس. فمضي الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها والله موسي ابن جعفر، عليّ بها. فجيئ بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده، فقال لها هارون: [ صفحه 170] ما شأنك؟! قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟ فقال الإمام(عليه السلام): وما حاجتي إليك؟ قلت: إني اُدخلت عليك لحوائجك. فقال الإمام(عليه السلام): فما بال هؤلاء - واشار بيده الي جهة- فالتفتُّ فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والاكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهن الاباربق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون وقد اترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك! قالت لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك. فالتفت الرشيد الي خادمه، وأمره باعتقالها واخفاء الحادث لئلاّ يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت علي العبادة والصلاة، فاذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح» [272] . [ صفحه 171]

محاولة سم الإمام

ولم يتحمل الرشيد سماعه لمناقب الإمام ومآثره وانتشارها بين الناس فعزم علي قتله، فدعا برطب وأخذ رطبة من ذلك الرطب المهيّأ له، فوضع فيها سماً، وقال لخادمه احمله الي موسي بن جعفر وقل له: إنّ أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب ويقسم عليك بحقه لمّا أكلته عن آخره فاني اخترته لك بيدي ولا تتركه يبقي شيئاً ولا يطعم منه أحداً. فحمل الخادم الرطب وجاء به الي الإمام(عليه السلام) وأبلغه برسالة هارون فأخذ الإمام يأكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ بسلاسلها الذهبية حتي حاذت الإمام(عليه السلام) فبادر بالخلال الي الرطبة المسمومة ورمي بها الي الكلبة فأكلتها فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض وماتت، واستوفي الإمام باقي الرطب وباء مخطط الرشيد بالفشل والخيبة فلم تنجح محاولته في اغتيال الإمام(عليه السلام) فأنقذه الله منه وصرف عنه السوء [273] .

توسط لإطلاق سراحه

واستدعي الرشيد وزيره يحيي بن خالد [274] فقال له: يا أبا علي أما تري مانحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبّر في أمر هذا الرجل تدبيراً تريحنا من غمّه؟ فأشار عليه بالصواب وأرشده الي الخير فقال له: [ صفحه 172] الذي أراه لك يا أمير المؤمنين إن تمنن عليه وتصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا وكان يحيي يتولاّه وهارون لا يعلم ذلك. فاستجاب الرشيد لنصحه وقال له: انطلق إليه وأطلق عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمّك: إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتي تقرّ لي بالإساءة وتسألني العفو عمّا سلف منك وليس عليك في اقرارك عار ولا في مسألتك إيّاي منقصة، وهذا يحيي بن خالد ثقتي و وزيري وصاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني. وانصرف راشداً. ولم يخف علي الإمام ذلك لأنه يريد أن يأخذ من الإمام(عليه السلام) اعترافاً بالإساءة ليتخذها وسيلة الي التشهير به ومبرّراً لسجنه له. فلما مثل يحيي عنده وأخبره بمقالة الرشيد. فقال له الإمام(عليه السلام): «أولا سيجري عليك أنت واسرتك من زوال النعمة علي يد هارون، وحذّره من بطشه» ثم ردّ ثانياً علي مقالة الرشيد قائلا: «يا أبا علي، أبلغه عنّي: يقول لك موسي بن جعفر: يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما تري -أي بموته- وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي علي صاحبه والسلام» [275] .

رسالة الإمام موسي الكاظم لهارون

وكتب الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) رسالة من داخل السجن لهارون جواباً [ صفحه 173] منه(عليه السلام) لمحاولات هارون الفاشلة بالاغراء أو التنكيل بالإمام بأنها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً. عن محمد بن اسماعيل قال: بعث موسي بن جعفر(عليه السلام) الي الرشيد من الحبس رسالة كانت: «انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتي نقضي جميعاً الي يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون» [276] .

اغتيال الإمام موسي الكاظم

لقد عاني الإمام الكاظم(عليه السلام) أقسي ألوان الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد في التعامل معه ومنعه من الاتصال بالناس، وأذي مرهق، وبعد ما صبّ الرشيد عليه جميع أنواع الأذي أقدم علي قتله بشكل لم يسبق له نظير محاولا التخلص من مسؤولية قتله وذهب أكثر المؤرخين والمترجمين للإمام الي أن الرشيد أوعز الي السندي بن شاهك الأثيم بقتل الإمام(عليه السلام) فاستجابت نفسه الخبيثة لذلك وأقدم علي تنفيذ أفضع جريمة في الإسلام فاغتال حفيد النبي العظيم(صلي الله عليه وآله). فعمد السندي الي رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدّمه للإمام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي «زد علي ذلك» فرمقه الإمام بطرفه وقال له: «حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه». ولمّا تناول الإمام تلك الرطبات المسمومة تسمّم بدنه وأخذ يعاني آلاماً شديدة واوجاعاً قاسية، قد حفت به الشرطة القساة ولازمه السندي بن شاهك [ صفحه 174] الخبيث فكان يسمعه في كل مرة أخشن الكلام وأغلظه ومنع عنه جميع الاسعافات ليعجل له النهاية المحتومة. وفي الاثناء استدعي السندي بعض الشخصيات والوجوه المعروفة في قاعة السجن، وكانوا ثمانين شخصاً كما حدّث بذلك بعض شيوخ العامة ـ حيث يقول: أحضرنا السندي فلما حضرنا انبري إلينا فقال: انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه قد فُعل به مكروه، ويكثرون من ذلك، وهذا منزله وفراشه موسّع عليه غير مضيّق، ولم يرد به أمير المؤمنين ـ يعني هارون ـ سوءاً وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره، وها هو ذا موسّع عليه في جميع اُموره فاسألوه. يقول الراوي: ولم يكن لنا همّ سوي مشاهدة الإمام(عليه السلام) ومقابلته فلما دنونا منه لم نر مثله قطّ في فضله ونسكه فانبري إلينا وقال لنا: «أما ما ذكر من التوسعة، وما أشبه ذلك، فهو علي ما ذكر،غير أني أُخبركم أيها النفر أني قد سقيت السمّ في تسع تمرات، واني اصفر غداً وبعد غد أموت». ولمّا سمع السندي ذلك انهارت قواه واضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة [277] فقد أفسد عليه ما رامه من الحصول علي البراءة من المسؤولية في قتله.

الي الرفيق الأعلي

وبعد أكله للرطب سري السمّ في جميع أجزاء بدن الإمام(عليه السلام) وقد علم أنّ لقاءه بربّه قد حان فاستدعي السندي. «فلمّا مثل عنده أمره أن يحضر مولي [ صفحه 175] له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله، وسأله السندي أن يأذن له في تكفينه فأبي وقال(عليه السلام): إنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني [278] . واُحضر له السندي مولاه، وثقل حال الإمام (عليه السلام)، وأشرف علي النهاية المحتومة، فأخذ يعاني آلام الموت فاستدعي المسيب بن زهرة فقال له: إني علي ما عرّفتك من الرحيل الي الله عزّ وجلّ فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت، واصفرّ لوني واحمرّ واخضرّ وتلوّن ألواناً فاخبر الطاغية بوفاتي. قال المسيب: فلم أزل أراقب وعده حتي دعا(عليه السلام) بشربة فشربها ثم استدعاني، فقال لي: يا مسيب، إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولي غسلي ودفني. وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً. فإذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرّجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به فإنّ كل تربة لنا محرمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن علي فإنّ الله عز وجل جعلها شفاءاً لشيعتنا وأوليائنا. قال المسيب: ثم رأيت شخصاً أشبه الاشخاص به جالساً الي جانبه، وكان عهدي بسيدي الرضا(عليه السلام) وهو غلام، فأردت أن أسأله، فصاح بي سيدي موسي، وقال: أليس قد نهيتك؟ ثمّ إنّ ذلك الشخص قد غاب عني، فجئت الي الإمام وإذا به جثّة هامدة قد فارق الحياة فأنهيت الخبر الي الرشيد بوفاته». [ صفحه 176] لقد لحق الإمام بالرفيق الأعلي وفاضت نفسه الزكية الي بارئها فاُظلمّت الدنيا لفقده وأشرقت الآخرة بقدومه، وقد خسر الإسلام والمسلمون ألمع شخصية كانت تذبّ عن كيان إلاسلام، وتنافح عن كلمة التوحيد وتطالب بحقوق المسلمين وتشجب كل اعتداء غادر عليهم. فسلام عليك يا بن رسول الله،يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حياً. والمشهور أن وفاة الإمام (عليه السلام) كانت سنة (183 هـ) لخمس بقين من شهر رجب [279] وقيل سنة (186 هـ) [280] . وكانت وفاته في يوم الجمعة وعمره الشريف كان يوم استشهاده خمساً وخمسين سنة [281] أو أربعاً وخمسين سنة [282] .

التحقيق في قتل الإمام

اشاره

بعد قتل الإمام (عليه السلام) حاول هارون أن يتخلّي عن مسؤولية قتله للإمام وأشاع بين الناس بأن الإمام قد مات حتف أنفه، وأنّ هارون وأجهزته لا علاقة لهما بالحادث وذلك ضمن خطوتين: [ صفحه 177]

الخطوة الاولي

قام السندي بن شاهك بالخطوة الاُولي من مسلسل التخلي ليمهّد الأجواء لسيده هارون في أن يتخلّي فيما بعد بنفسه عن مسؤولية هذه الجريمة. يحدثنا عمربنواقد عن تحرك السندي وكيفية تنصّله عن الحادث،قال: أرسل إليَّ السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه، وقلت: إنّا لله وانّا اليه راجعون، ثم ركبت اليه. فلما رآني مقبلا، قال: يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك؟ قلت: نعم قال: فليس هناك إلاّ خير. قلت: فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري. فقال نعم. ثم قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لا. فقال: أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت إي والله، اني لأعرفه، وبيني وبينه صداقة منذ دهر. فقال: من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يُقبل قوله؟ فسميت، وجاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوماً يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له قوماً، فجاء بهم، فاصبحنا ونحن في الدار نيفاً وخمسين رجلا ممن يعرفون موسي بن جعفر(عليه السلام) قد صحبه. قال: ثم قام فدخل وصلينا، فاخرج كاتبه طوماراً، فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحِلالنا، ثم دخل إليه السندي. قال: فخرج السندي فضرب يده إليَّ فقال: قم يا أبا حفص فنهضت [ صفحه 178] ونهض أصحابنا ودخلنا. فقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً، فبكيت واسترجعت. ثم قال للقوم: انظروا إليه فدناواحد بعد واحد فنظروا إليه. ثم قال: تشهدون كلّكم أنّ هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم، نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد. ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا واكشفه، قال: ففعل. فقال: أترون به أثراً تنكرونه؟ فقلنا: لا، ما نري شيئاً ولا نراه إلاّ ميتاً. ثم سجّل شهادتهم وانصرفوا [283] .

الخطوة الثانية

وفي الخطوة الثانية قام هارون بنفسه ليعلن أمام حشد من وجوه الشيعة بأنه بريء من جريمة قتل الإمام. عن محمد بن صدفة العنبري، قال: لمّا توفي أبو ابراهيم موسي ابن جعفر(عليه السلام) جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبيّة وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكّام واحضر أبا ابراهيم موسي بن جعفر(عليه السلام) فقال: هذا موسي ابن جعفر قد مات حتف انفه، وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره ـ يعني في قتله ـ فانظروا إليه. فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته، فنظروا الي موسي بن جعفر وليس به أثر جراحة ولا خنق، وكان في رجله أثر الحناء [284] . [ صفحه 179]

وضع الإمام علي الجسر

وحسب الأوامرالمعدّة سلفاً من قبل هارون كما تدل عليها القرائن، لاجل أن يتنصل عن قتله للإمام، ليس أمام الشيعة فحسب وإنما أمام الاُمة الإسلامية كلّها، وأن تكون طريقة التخلّي من مسؤولية الحادث بأن يستبطن أن المقتول ما هو إلاّ رجل عادي لا وزن له، فعلام هذا التضخيم والتهويل والتشكيك بموته؟ فتخطّي السندي بن شاهك بالاُسلوب التالي: حيث وضع الإمام علي جسر الرصافة وهو ميت ينظر إليه القريب والبعيد وتتفرّج عليه المارّة قد أحاطت بجثمانه المقدّس شرطة الطاغية القاتل وكشفت وجهه للناس قاصدين بذلك انتهاك حرمته(عليه السلام) والحط من كرامته والتشهير به. وقد أمر السندي جلاوزته أن ينادوا علي جثمان الإمام بذلك النداء المؤلم الذي تذهب النفوس لهوله أسي وحسرة: «هذا إمام الرافضة فاعرفوه» هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لايموت فانظروا إليه ميتاً. متي قالت الشيعة إنّ الإمام موسي لا يموت؟ نعم قالت الواقفية بذلك والشيعة منهم براء وهارون وجلاوزته أعلم من غيرهم بهذه الحقيقة. لكنه وسيلة من وسائل التشهير وإلصاق التهم بالشيعة بسبب أن الواقفية تذهب الي أن الإمام موسي حي لم يمت وأنه رفع الي السماء كما رفع المسيح عيسي بن مريم. بهذا الاُسلوب حاولت الاجهزة الحاكمة أن تنسب هذا الرأي للشيعة ظلماً، وتبرر الإهانة والاذلال وقد لُحق النداء المذكور بهذا المقطع: ألا من [ صفحه 180] أراد أن يري الخبيث بن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج [285] . وقد حاول هارون بهذا الاُسلوب ـ بالإضافة الي احتقار الشيعة واذلالهم ـ الوقوف علي العناصر الفعّالة منهم والتعرف علي مدي نشاطها وحماسها، عن طريق هذا الاستفزاز الصارخ والاعتداء علي كرامة الإمام(عليه السلام) أمامها كأسلوب ماكر للتخلّص من خطرهم ليساقوا بعد ذلك للسجون والقبور. يقول الشيخ باقر القرشي: وأكبر الظن أنّ الشيعة قد عرفت هذا القصد، فلذا لم تقم بأيّ عمل إيجابي ضده [286] .

مبادرة سليمان

كان سليمان بن أبي جعفر المنصور رجلا محنّكاً وذا عقل متزن. وقد رأي أنّ الاعمال التي قام بها هارون ما هي إلاّ لطخة سوداء في جبين العباسيين; فإنّ هارون لم يكتف باغتيال الإمام ودسّ السمّ إليه بل ارتكب جملة من الأعمال الوحشية التي تدل علي أنه لا عهد له بالشرف والنبل والمعروف والإنسانية من هنا بادر سليمان ـ حين سمع نبأ اخراج جنازة الإمام الي الجسر والنداء الفظيع علي جثمانه الطاهر ـ وحاول أن يتلافي الموقف بالتي هي أحسن. إنّ قصر سليمان كان مطلاًّ علي نهر دجلة وحين سمع النداء والضوضاء ورأي بغداد قد اضطربت، قال لولده وغلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر، وأخبروه بذلك [ صفحه 181] النداء الفظيع. فصاح بولده قائلا: انزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فأضربوهم، وخرقوا ما عليهم من سواد ـ وهو لباس الشرطة والجيش ـ. وانطلق أبناء سليمان وغلمانه الي الشرطة فأخذوا جثمان الإمام منهم، ولم تبد الشرطة معهم أية معارضة، فسليمان عم الخليفة وأهم شخصية لامعة في الاُسرة العبّاسية وأمره مطاع عند الجميع، وحمل الغلمان نعش الإمام(عليه السلام) فجاءوا به الي سليمان فأمر في الوقت أن ينادي في شوارع بغداد: ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب بن الطيب موسي بن جعفر فليحضر [287] . وأكبر الظن أن سليمان خاف من انتفاضة شعبية أو تمرّد عسكري لأن الشيعة لم تكن قلة في ذلك العصر فقد اعتنق التشيع خلق كثير من رجال الدولة وقادة الجيش وكبار الموظفين والكتّاب لذا تدارك سليمان الموقف وقام بهذه المهمّة وأنقذ حكومة هارون من الاضطراب والثورة [288] . وخرج الناس علي اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان الإمام وخرجت الشيعة فعبّرت عن حزنها وأساها بعد هذا التشييع الكبير.

تجهيز الإمام

وقام سليمان بتجهيز الإمام فغسّله، وكفّنه، ولفّه بحبرة قد كتب عليها القرآن الكريم بأسره كلّفته الفين وخمسمائة دينار [289] . وقال المسيب بن زهرة: والله لقد رأيت القوم بعيني وهم يظنون أنهم [ صفحه 182] يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنّطونه ويكفّنونه وأراهم أنهم لا يصنعون شيئاً، ورأيت ذلك الشخص الذي حضر وفاته ـ وهو الإمام الرضا (عليه السلام) ـ هو الذي يتولّي غسله وتحنيطه وتكفينه، وهو يظهر المعاونة لهم، وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره إلتفت إليَّ فقال(عليه السلام): «يا مسيّب مهما شككت في شيء فلا تشكنّ فيّ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي. يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق ومثلهم مثل إخوته حين دخلواعليه وهم له منكرون [290] وبعد انتهاء الغسل حُمل الإمام الي مرقده».

تشييع الإمام ودفنه

وبعد الغسل هرعت جماهير بغداد الي تشييع الإمام فكان يوماً مشهوداً لم تر مثله في أيّامها فقد خرج البر والفاجر لتشييع جثمان الإمام(عليه السلام) والفوز بحمل جثمانه، وسارت المواكب وهي تجوب شوارع بغداد وتردد أهازيج الحزن واللوعة، متّجهة نحو باب التبن يتقدمهم سليمان حافياً حاسراً متسلّباً [291] مشقوق الجيب الي مقابر قريش، وحفر له قبر فيها وأنزله سليمان بن أبي جعفر. وبعد الفراغ من الدفن أقبلت الناس تعزّيه بالمصاب الأليم [292] . [ صفحه 183]

تراث الإمام الكاظم

اشاره

لقد ورث الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) مدرسة أبيه الصادق(عليه السلام) وحظيت منه بالتوجيه والرعاية الشاملة لتلامذته وأصحابه بالرغم من قساوة الظروف وتغيّرها خلال ثلاثة عقود ونصف من العمل العلمي الدؤوب وتربية مستمرة للنابهين من صحابته وطلاّب المعرفة من أتباعه وشيعته. وقد أثرت عن الإمام الكاظم(عليه السلام) عدة مجموعات روائية مثل: مسائل علي بن جعفر، والاشعثيات وتصدّي المعنيون بتراث أهل البيت (عليهم السلام) بجمع التراث المأثور عن أهل البيت(عليهم السلام) وتنظيمه وتبويبه من مختلف المصادر وتسميته بالمسند. وهذا عمل يشكر عليه عامله لأنه يوفر للباحثين الفرصة الكافية للغور في هذا التراث ودراسته دراسة معمّقة بالأرقام. [ صفحه 184] وفيما يخصّ الإمام موسي(عليه السلام) نلاحظ آخر ما جمع من كلامه وما يرتبط به من نصوص قد بلغ ثلاث مجلّدات يناهز مجموعها الألف صفحة مبوّبة حسب تبويب الموسوعات الحديثية مع فارق أو أكثر. فالمقدمة تشتمل علي مجموعة من النصوص التي تخص نشأة الإمام وحياته وسيرته. ثم يقسّم تراثه الحديثي الي أبواب العقائد والأخلاق والأحكام والسيرة والتاريخ والرجال. وفيما يخصّ مسند الإمام الكاظم (عليه السلام) إذا مررنا عليه مروراً عابراً وسريعاً أيضاً كفي ذلك لنقف علي عظمة الدور الفكري والعطاء العلمي الذي قدّمه هذا الإمام العظيم الي الاُمة الإسلامية بشكل عام والي الجماعة الصالحة وطلاّب المعرفة المؤمنين بخط أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص، لا سيما إذا لاحظنا قساوة الظروف السياسية والاجتماعية التي مرّ بها الإمام موسي(عليه السلام) وأصحابه وشيعته خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً. لقد ترجم هذا المسند (638) شخصاً من رواة الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو رقم كبير جداً بالنسبة للمدة الزمنية التي عرفناها والظروف التي وقفنا عليها. وقد اشتمل الفهرس علي عدد نصوص كل باب من أبواب المعرفة. وتتراوح هذه النصوص بين نصوص مأثورة بواسطة الإمام الكاظم (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) وهي تكشف عن مدي اهتمامه بسيرة وحديث جدّه(صلي الله عليه وآله) وبين نصوص لا يسندها الي أحد مما يمكن أن نعتبرها من تراثه الخاص كمانلاحظ ذلك في الرسالة الكبيرة التي أثرت عنه حول العقل ولعلها الرسالة الوحيدة الجامعة لما يخصّ العقل من شؤون في الكتاب والسنة وهي لوحدها تراث جامع وأثر خالد يتضمّن المنهج المعرفي القرآني والحديثي لأهل البيت(عليهم السلام) كما سوف نراها بنصّها الكامل في ما سيأتي إن شاء الله تعالي. والجزء الأول من هذا المسند قد اشتمل علي الأبواب التالية: العقل والعلم في (10 أبواب)، التوحيد في (14باباً)، تاريخ الأنبياء والأئمة في (14 باباً)، والنبوة والإمامة في (22 باباً) والتعريف بالصحابة في (41 باباً) والتعريف برواة الإمام الكاظم في (638 باباً) وأبواب الإيمان والكفر في (42 باباً) والأخلاق والعِشرة في (152 باباً). [ صفحه 185] كما تضمن الجزء الثاني: كتاب القرآن بأبوابه الـ (51 باباً) وكتاب الدعاء في (51 باباً) والاحتجاجات في (8 أبواب) ومعظم كتب الفقه، فكتاب الطهارة في(73 باباً) وكتاب الصلاة في(41 باباً) وكتاب الصوم في (25 باباً) وكتاب الزكاة في (28 باباً) وكتاب المعيشة في (59 باباً) وكتاب السفر في (8 أبواب) وكتاب الحج في (68 باباً) وكتاب الزيارة في (7 أبواب) وكتاب الجهاد في (5 أبواب) وكتاب النكاح في (40 باباً) وكتاب الطلاق في (30 باباً). وتضمن الجزء الثالث من المسند: كتاب الأولاد في (12 باباً) وكتاب التجمّل والزينة في (43 باباً) وكتاب الرواتب في (12 باباً) وكتاب الأطعمة في (68 باباً) وكتاب الاشربة في (13 باباً) وكتاب العتق في (12 باباً) وكتاب الايمان والنذور في (9 أبواب) وكتاب الحدود في (18 باباً) وكتاب الدّيات في (16 باباً) وكتاب الوصية في (15 باباً) وكتاب الارث في (11 باباً) وكتاب الجنائز في (29 باباً) وكتاب الحشر والمعاد والآداب والسنن. إنّ هذا التنوع في أبواب المعرفة التي اُثرت عنه لدليل آخر علي الجانب الموسوعي في هذا التراث بالإضافة الي وضوح التكامل في المسيرة العلمية التي بدأها أهل البيت (عليهم السلام) وسهروا علي إرساء قواعدها واشادة اُصولها ومعالمها والتخطيط لاثمارها والحرص علي إنجاز دورها التغييري في المجتمع الإسلامي عامة وفي الجماعة الصالحة بشكل خاص. وإليك بعض النصوص المختارة من هذا التراث العظيم في الأبواب التالية: [ صفحه 186]

اصول العلم ومراتب المعرفة

1 ـ قال الإمام موسي بن جعفر (عليهما السلام): «وجدت علم الناس في أربع، أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من دينك» [293] . 2 ـ وقال(عليه السلام): «أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك علي صلاح قلبك; وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم مالا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه» [294] . 3 ـ وقال(عليه السلام): «فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد علي إبليس من ألف عابد... [295] .

مصادر المعرفة ومنهجها

1 ـ عن سماعة، عن أبي الحسن موسي(عليه السلام)، قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه (صلي الله عليه وآله)؟ أو تقولون فيه؟ قال: «بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه(صلي الله عليه وآله) [296] . 2 ـ عن سماعة، عن العبد الصالح قال: سألته فقلت: إنّ أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدّك وسمعوا منهما الحديث فربما كان شيء يبتلي به بعض [ صفحه 187] أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء يفتيه وعندهم مايشبهه، يسعهم أن يأخذوا بالقياس؟ فقال: «لا إنما هلك من كان قبلكم بالقياس»، فقلت له: لم لا يقبل ذلك؟ فقال: «لأنه ليس من شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة» [297] . 3 ـ عن موسي بن بكر، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): «من افتي الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء» [298] . 4 ـ عن عثمان بن عيسي، قال: سألت أبا الحسن موسي (عليه السلام) عن القياس فقال: «مالكم والقياس إنّ الله لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم» [299] . 5 ـ عن يونس بن عبدالرحمن، قال: قلت لابي الحسن الأوّل(عليه السلام): بما اُوحّد الله؟ فقال: «يا يونس لا تكوننّ مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه(صلي الله عليه وآله) ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر» [300] . 6 ـ إنّ من غرر أحاديث الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام) في مجال العقل كمصدر معرفي أساس هو وصيّته الثمينة لهشام بن الحكم والتي سُمّيت برسالة العقل عند الإمام(عليه السلام)، وإليك نصّ الرسالة: قال(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالي بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: (... فبشّر عبادِ الذين يستمعونَ القولَ فيتّبعونَ أحسنهُ أولئكَ الذينَ هداهمُ الله وأولئكَ همُ اُولوا الألبابِ) [301] . يا هشام بن الحكم إنّ الله عزّوجلّ أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضي إليهم بالبيان [ صفحه 188] ودلّهم علي ربوبيته بالأدلاّء، فقال: (وإلهكم إله واحدُ لا إلهَ إلاّ هوَ الرحمنُ الرحيمُ انّ في خلقِ السمواتِ والارضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ ـ الي قوله ـ لآيات لقوم يعقلونَ) [302] . يا هشام قد جعل الله عزّ وجلّ ذلك دليلا علي معرفته بأنّ لهم مدبّراً فقال:(وسخّرَ لكمُ الليل والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومُ مسخّراتٌ بأمره إنَّ في ذلك لآيات لقوم يعقلونَ) [303] وقال: (حم والكتاب المبين إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلكم تعقلونَ) [304] وقال:(ومنْ آياتهِ يريكمُ البرقَ خوفاً وطمعاً وينزّل من السماءِ ماءً فيُحيي بهِ الارضَ بعدَ موتها إنَّ في ذلكَ لآيات لقوم يعقلونَ) [305] . يا هشام ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال:(وما الحياةُ الدنيا إلاّ لعبٌ لاولهوٌ وللدارُ الاخرةُ خيرٌ للذين َ يتّقونَ أفلا تعقلونَ) [306] وقال:(وما أوتيتُم من شيء فمتاعُ الحياةِ الدنيا وزينتها وما عندَ الله خيرٌ وأبقي أفلا تعقلونَ) [307] . يا هشام ثمّ خوَّف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزّ وجلّ: (ثمّ دمّرنا الآخرينَ وانكم لتمرونَ عليهم مصبحينَ وبالليلِ أفلا تعقلونَ) [308] . يا هشام ثمّ بيّن أن العقل مع العلم فقال:(وتلكَ الامثالُ نضربها للناسِ وما يعقلها إلاّ العالمونَ) [309] . يا هشام ثمّ ذمّ الذين لايعقلون فقال:(وإذا قيلَ لهمُ اتّبعوا ما أنزلَ الله قالوا بلْ نتّبعُ [ صفحه 189] ما ألفينا عليهِ آباءنا أولو كانَ آباؤهم لا يعقلونَ شيئاً ولا يهتدونَ) [310] وقال:(إنَّ شرّ الدوابِّ عندَ الله الصمُّ البكمُ الذينَ لا يعقلونَ) [311] وقال:(ولئن سألتهم من خلقَ السمواتِ والأرضَ ليقولنَّ الله قلِ الحمدُ لله بلْ أكثرهمْ لا يعلمون) [312] . ثمّ ذم الكثرة فقال: (وإن تُطع أكثرَ من في الارض يُضلّوكَ عن سبيلِ الله) [313] وقال: (ولكنَّ أكثرهم لا يعلمونَ) [314] «وأكثرهم لا يشعرون» [315] . يا هشام ثمّ مدح القلة فقال:(وقليلٌ منْ عباديَ الشّكور) [316] وقال:(وقليلٌ ماهُمْ) [317] وقال:(وما آمنَ معهُ إلاّ قليلٌ) [318] . يا هشام ثمّ ذكر أولي الالباب بأحسن الذكر وحلاّهم بأحسن الحلية، فقال:(يُوتي الحكمةَ من يشاءُ ومنْ يُؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراًوما يذّكرُ إلاّ اُولوا الالبابِ) [319] . يا هشام إنّ الله يقول:(انّ في ذلكَ لذكري لمن كانَ لهُ قلبٌ) [320] يعني العقل. وقال:(ولقد آتينا لُقمانَ الحكمةَ) [321] قال: الفهم والعقلَ. يا هشام إنّ لقمان، قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقلَ الناس». يا بنيّ إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل [ صفحه 190] وقيمتها العقل. ودليلها العلم وسكّانها الصبر. يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت. ولكل شيء مطيّة ومطيّة العاقل التواضع وكفي بك جهلا، أن تركب ما نُهيت عنهُ. يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس (في يدك) لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة. ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: انّها جوزة ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة. يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله الي عباده إلاّ ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله. وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا. وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. يا هشام ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله. يا هشام إنّ لله علي الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة. وأمّا الباطنة فالعقول. ياهشام إنّ العاقل، الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره. يا هشام من سلّط ثلاثاً علي ثلاث فكأ نّما أعانَ هواه علي هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه. وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه علي هدم عقله. ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه. يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك وأطعت هواك علي غلبة عقلك. يا هشام الصبر علي الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالي اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها. ورغب فيما عند ربه ـ وكان الله ـ آنسه في الوحشة وصاحبه في [ صفحه 191] الوحدة. وغناه في العيلة ومعزه في غير عشيرة [322] . يا هشام نصب الخلق لطاعة الله [323] ولا نجاة إلاّ بالطاعة. والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم. والتعلم بالعقل يعتقد [324] ولا علم إلاّ من عالم رباني ومعرفة العالم بالعقل. يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف. وكثير العمل من أهلِ الهوي والجهل مردود. يا هشام إنّ العاقل رضي بالدّون من الدنيا مع الحكمة. ولم يرض بالدّون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم. يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدني ما في الدنيا يكفيك. وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك. يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب. وترك الدنيامن الفضل وترك الذنوب من الفرض. يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لانّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّي يستوفي منها رزقه. ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته. يا هشام من أراد الغني بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين فليتضرّع الي الله في مسألته بأن يُكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه ومن قنع بما يكفيه استغني ومن لم يقنع بما يكفيه لم يُدرك الغني أبداً. يا هشام إنّ الله جلّ وعزّ حكي عن قوم صالحين، أنهم قالوا:(ربّنا لا تُزغ قلوبنا بعدَ [ صفحه 192] اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً انّك أنت الوهاب) [325] حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود الي عماها ورداها انّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يُبصرها ويجد حقيقتها في قلبه. ولا يكون أحدٌ كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدِّقاً، وسرّه لعلانيته موافقاً، لانّ الله لم يدلّ علي الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه. يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل وما تمّ عقل امرء حتي يكون فيه خصال شتّي، الكفر والشر منه مأمونان [326] والرشد والخير منه مأمولان [327] وفضل ماله مبذول. وفضل قوله مكفوف. نصيبه من الدنيا القوت. ولا يشبع من العلم دهره. الذلّ أحب إليه مع الله من العزّ مع غيره. والتّواضع أحبّ إليه من الشرف. يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه. ويري الناس كلهم خيراً منه وأنه شرّهم في نفسه وهو تمام الأمر [328] . يا هشام من صدق لسانه زكي عمله. ومن حسنت نيته زيد في رزقه. ومن حسن برّه باخوانه وأهله مدّ في عمره. يا هشام لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها [329] ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم. يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا. يا هشام لا دين لمن لا مروّة له. ولا مُرُوّة لمن لا عقل له. وأنّ أعظم الناس قدراً الذي [ صفحه 193] لا يري الدنيا لنفسه خطراً [330] ، أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنة، فلا تبيعوها بغيرها... [331] . يا هشام انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: «لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل وينطق اذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ فجلس فهو أحمق». وقال الحسن بن علي (عليهما السلام): «اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها» قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: «الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم، فقال: (إنّما يتذكّرُ اولوا الألباب) [332] قال: هم أولوا العقول». وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): «مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال [333] تمام المروة. وارشاد المستشير قضاء لحق النعمة. وكف الاذي من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا». يا هشام انّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ولا يسأل من يخاف منعه. ولا يعد مالا يقدر عليه. ولا يرجو ما يعنّف برجائه [334] ولا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه. وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) يوصي أصحابه يقول: «أوصيكم بالخشية من الله [ صفحه 194] في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغني، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطفوا علي من حرمكم وليكن نظركم عبراً. وصمتكم فكراً. وقولكم ذكراً وطبيعتكم السخاء، فإنه لايدخل الجنة بخيل ولايدخل النار سخي». يا هشام رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوي [335] والبطن وما وعي، وذكر الموت والبلي، وعلم أنّ الجنة محفوفة بالمكاره [336] والنار محفوفة بالشهوات. يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة. ومن كف غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة. يا هشام انّ العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه. يا هشام وجد في ذؤابة [337] سيف رسول الله (صلي الله عليه وآله): انّ أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله. ومن تولّي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيّه محمد (صلي الله عليه وآله) ومن أحدث حدثا [338] ، أو آوي محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا. يا هشام أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به الصلاة، وبرّ الوالدين، وترك [ صفحه 195] الحسد والعجب والفخر. يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو وأعدّ له الجواب، فانك موقوف ومسؤول. وخذ موعظتك من الدهر وأهله، فانّ الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك تري ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك. واعقل عن الله وانظر في تصرف الدّهر وأحواله، فانّ ما هو آت من الدنيا، كما ولّي منها، فاعتبر بها. وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): «انّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها بحرها وبرّها وسهلها وجبلها عند وليّ من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ـ ثم قال (عليه السلام): أَوَلا حرّ يدع (هذه) اللمّاظة لاهلها [339] ـ يعني الدنيا ـ فليس لانفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها بغيرها، فإنّه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس». يا هشام انّ كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها. وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها. يا هشام انّ المسيح (عليه السلام) قال للحواريين: «يا عبيد السوء يهولكم طول النّخلة» [340] وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها [341] كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده [342] وتنسون ما تفضون اليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الايمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه [343] . [ صفحه 196] بحقّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران [344] في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلاّ بترك ما تحبون، فلا تنظروا بالتوبة غداً، فانّ دون غد يوماً وليلةً وقضاء الله فيهما [345] يغدوا ويروح. بحقّ أقول لكم: انّ من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل همّاً ممّن عليه الدين وان أحسن القضاء، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هماً ممن عمل الخطيئة وان أخلص التوبة وأناب. وانّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد ابليس، يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحقّ أقول لكم: انّ الناس في الحكمة رجلان: فرجلٌ أتقنها بقوله وصدّقها بفعله. ورجل أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله، فشتان بينهما، فطوبي للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء اتّخذوا مساجد ربّكم سجوناً لاجسادكم وجباهكم. واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوي ولا تجعلوا قلوبكم مأويً للشهوات. انّ أجزعكم عند البلاء لاشدّكم حبّاً للدنيا. وانّ أصبركم علي البلاء لازهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة [346] ولا بالثعالب الخادعة ولا بالذئاب [ صفحه 197] الغادرة ولا بالاُسُد العاتية كما تفعل بالفرائس [347] كذلك تفعلون بالناس، فريقاً تخطفون وفريقاً تخدعون وفريقاً تغدرون بهم. بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً. كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم. وما يغني عنكم أن تنقّوا جلودكم وقلوبكم دنسة. لا تكونوا كالمنخل [348] يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقي الغلّ في صدوركم. يا عبيد الدنيا انّما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه. يابني اسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوّاً علي الركب [349] ، فانّ الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الارض الميتة بوابل المطر [350] . يا هشام مكتوب في الإنجيل «طوبي للمتراحمين، أولئك المرحمون يوم القيامة طوبي للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة، طوبي للمطهّرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة، طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة». يا هشام قلّة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت، فانّه دعة حسنة وقلّة وزر وخفّة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم، فانّ بابه الصبر، وانّ الله عزّوجلّ يبغض الضحّاك من غير [ صفحه 198] عجب والمشّاء الي غير أرب [351] ويجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانيتكم. واعلموا انّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم. يا هشام تعلم من العلم ما جهلت. وعلّم الجاهل ممّا علّمت. عظّم العالم لعلمه ودع منازعته. وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قرّبه وعلّمه. يا هشام انّ كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «انّ لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق وانّهم لفصحاء عقلاء، يستبقون الي الله بالاعمال الزكيّة، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرار وأنهم لاكياس وأبرار» [352] . يا هشام الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة والبذاء من الجفاء [353] والجفاء في النار. يا هشام المتكلّمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب [354] ، فأما الرابح فالذاكر لله وأمّا السالم فالساكت، وأمّا الشاجب فالذي يخوض في الباطل، انّ الله حرّم الجنة علي كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه. وكان أبو ذرّ ـ رضي الله عنه ـ يقول: «يا مبتغي العلم انّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك وورقك». [ صفحه 199] يا هشام بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه إذا شاهده [355] ويأكله إذا غاب عنه، إنّ أُعطي حسده وان ابتلي خذله. انّ اسرع الخير ثواباً البرّ، وأسرع الشر عقوبة البغي. وانّ شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه. وهل يكبّ الناس علي مناخرهم في النار إلاّ حصائد السنتهم. ومن حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه. يا هشام لا يكون الرجل مؤمناً حتي يكون خائفاً راجياً. ولا يكون خائفاً راجياً حتي يكون عاملا لما يخاف ويرجو. يا هشام قال الله جلّ وعزّ: وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوّي في مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه إلاّ جعلت الغني في نفسه. وهمّه في آخرته. وكففت عليه (في) ضيعته [356] وضمّنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر. يا هشام الغضب مفتاح الشر وأكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً، وان خالطت الناس فان استطعت ان لا تخالط أحداً منهم إلاّ من كانت يدك عليه العليا [357] فافعل. يا هشام عليك بالرفق، فانّ الرفق يُمنٌ والخرق شُؤمٌ، انّ الرفق والبرّ وحسن الخلق يعمر الدّيار ويزيد في الرزق. يا هشام قول الله: (هل جزاء الاحسان إلاّ الاحسان) [358] جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر. من صنع اليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي تري فضلك، فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء [359] . [ صفحه 200] يا هشام انّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن وفي جوفها السمّ القاتل، يحذرها الرّجال ذوو العقول ويهوي اليها الصّبيان بأيديهم. يا هشام اصبر علي طاعة الله واصبر عن معاصي الله، فانّما الدنيا ساعة، فما مضي منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر علي تلك الساعة التي انت فيها فكأنك قد اغتبطت [360] . يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتي يقتله. يا هشام ايّاك والكبر، فانّه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبّه الله في النار علي وجهه. يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كّل يوم، فإن عمل حسناً استزاد منه.وان عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب اليه. يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح (عليه السلام) في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيراً، قال: فكلّ طلّقك؟ قالت: لا بل كلا قتلتُ. قال المسيح (عليه السلام): فويحٌ لازواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين. يا هشام انّ ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله. وإنّ ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه واذا كان عالما بربه أبصر دينه. وان كان جاهلا بربه لم يقم له دين. وكما لا يقوم الجسد إلاّ بالنفس الحيّة، فكذلك لا يقوم الدين إلاّ بالنيّة الصادقة، ولا تثبت النيّة الصادقة إلاّ بالعقل. يا هشام انّ الزّرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا [361] فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار، لانّ الله جعل التواضع آلة العقل وجعل [ صفحه 201] التكبّر من آله الجهل، ألم تعلم أنّ من شمخ إلي السقف [362] برأسه شجّه [363] ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه. وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ومن تواضع لله رفعه. يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغني، وأقبح الخطيئة بعد النسك، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته. يا هشام لا خير في العيش الا لرجلين: لمستمع واع، وعالم ناطق. يا هشام ما قسّم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل وما بعث الله نبياً إلاّ عاقلا حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين وما أدّي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل عنه [364] . يا هشام قال رسول الله (صلَّي الله عليه وآله): «اذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه، فإنه يلقي الحكمة. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل». يا هشام أوحي الله تعالي إلي داود (عليه السلام) قل لعبادي: لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي، أولئك قطاع الطريق من عبادي، انّ أدني ما أنا صانع بهم أن انزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم. يا هشام من تعظّم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الارض. ومن تكبّر علي اخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله [365] ومن ادعي ما ليس له فهو (أ) عني لغير رشده [366] . يا هشام أوحي الله تعالي الي داود (عليه السلام) يا داود حذّر، وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات، فإنّ المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي. [ صفحه 202] يا هشام ايّاك والكبر علي أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار ليست له، انّما ينتظر الرحيل. يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف فإنّ في ذلك العطب [367] . يا هشام ايّاك ومخالطة الناس والانس بهم إلاّ أن تجد منهم عاقلا ومأموناً فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية [368] وينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله. واذا تفردّ له بالنعم ان يشارك في عمله أحداً غيره [369] واذا مرّ بك أمران لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب، فانظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فانّ كثير الصواب في مخالفة هواك. وايّاك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة [370] قال هشام: فقلت له: فان وجدت رجلا طالباً له غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما القي اليه؟ قال (عليه السلام): فتلطّف له بالنصيحة، فإن ضاق قلبه (فـ)ـلا تعرضنّ نفسك للفتنة، واحذر ردّ المتكبرين، فانّ العلم يُذِلُّ علي أن يملي علي من لا يفيق [371] قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال (عليه السلام): فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الردّ. واعلم انّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده. ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده.ولم يفرّح [ صفحه 203] المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد الي من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذي فيه، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه، فكيف بمن يترضاه [372] ويختار عداوة الخلق فيه. يا هشام من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه وما أوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً. يا هشام انّ العاقل اللّبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر الصواب في خلاف الهوي. ومن طال أمله ساء عمله. يا هشام لو رأيت مسير الأجل لالهاك عن الأمل. يا هشام ايّاك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس. وأمت الطمع من المخلوقين، فانّ الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل واخلاق المروات [373] وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربّك والتوكل عليه. وجاهد نفسك لتردّها عن هواها، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك. قال هشام: فقلت له فأَيّ الاعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال (عليه السلام): أقربهم اليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك وهو ابليس الموكّل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر علي مجاهدته لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته [374] وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مسقيم. [ صفحه 204] يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه وعلم يكفيه مؤونة جهله وغني يكفيه مخافة الفقر. يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها، فانّ الناس فيها علي أربعة أصناف: رجل متردّ معانق لهواه. ومتعلم متقرّي كلما ازداد علماً ازداد كبراً، يستعلي بقراءته وعلمه علي من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظّم ويوفّر. وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجزٌ أو مغلوب ولا يقدر علي القيام بما يعرفـ) ـه (فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه [375] وأوجههم عقلا. يا هشام اعرف العقل وجنده، والجهل وجنده تكن من المهتدين، قال هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا. يا هشام انّ الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين [376] عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جلّ وعزّ: خلقتك خلقاً (عظيماً) وكرّمتك علي جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الاجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل،فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلمّا رأي الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوّة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال تبارك وتعالي، نعم، فان عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطي العقل من الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشر وهو وزير الجهل. [ صفحه 205] الإيمان، الكفر. التصديق، التكذيب. الاخلاص، النفاق. الرجاء، القنوط. العدل، الجور. الرضي، السخط. الشكر، الكفران. اليأس، الطمع. التوكل، الحرص. الرأفة، الغلظة. العلم، الجهل. العفة، التهتك. الزهد، الرغبة. الرفق، الخرق. الرهبة، الجرأة. التواضع، الكبر. التؤدة، العجلة. الحلم، السفه. الصمت، الهذر. الاستسلام، الاستكبار. التسليم، التجبر. العفو، الحقد. الرحمة، القسوة. اليقين، الشك. الصبر، الجزع. الصفح، الانتقام. الغني، الفقر. التفكّر، السهو. الحفظ، النسيان. التواصل، القطيعة. القناعة، الشره. المؤاساة، المنع. المودة، العداوة. الوفاء، الغدر. الطاعة، المعصية. الخضوع، التطاول. السلامة، البلاء. الفهم، الغباوة. المعرفة، الانكار. المداراة، المكاشفة. سلامة الغيب، المماكرة. الكتمان، الافشاء. البرّ، العقوق. الحقيقة، التسويف. المعروف، المنكر. التقية، الاذاعة. الانصاف، الظلم. التقي، الحسد. النظافة، القذر. الحياء، القحة. القصد، الاسراف. الراحة، التعب. السهولة، الصعوبة. العافية، البلوي. القوام، المكاثرة. الحكمة، الهوي. الوقار، الخفة. السعادة، الشقاء. التوبة، الاصرار. المحافظة، التهاون. الدعاء، الاستنكاف. النشاط، الكسل. الفرح، الحزن. الالفة، الفرقة. السخاء، البخل. الخشوع، العجب. صون الحديث النميمة. الاستغفار، الاغترار. الكياسة، الحمق. [ صفحه 206] يا هشام لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبيّ أو وصيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. وأما ساير ذلك من المؤمنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتي يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام) وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته [377] .

التوحيد وأسس التدبير الإلهي

1 ـ عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت علي سيدي موسي ابن جعفر (عليهما السلام)، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد فقال: «يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالي ذكره في كتابه فتهلك. واعلم أن الله تعالي واحد، أحدٌ،صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وانه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفني، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وانه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. (ما يكون من نجوي ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم اينما كانوا) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالي عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً» [378] . 2 ـ عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام)، قال: [ صفحه 207] «لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلاّ بسبع: بقضاء وقدر وارادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن، فمن زعم غير هذافقد كذب علي الله أو ردّ علي الله عزّ وجلّ» [379] . 3 ـ عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام) الي أبي: «أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته. فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عما سوي ذلك» [380] . 4 ـ وقال(عليه السلام): «إنّ الله تعالي لا يشبهه شيء، أي فحش أو خني أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالي الله عن ذلك علوّاً كبيراً» [381] .

من سيرة الرسول وتاريخ حياته

1 ـ روي ابن طاووس في كتاب الطرف نقلاً من كتاب الوصية للشيخ عيسي بن المستفاد الضرير عن موسي بن جعفر، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «لمّا حضرت رسول الله(صلي الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار! قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفي، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل العمل معها مقرون إني أري أن لا أفترق بينهما جميعاً لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتي بواحدة وترك الاُخري كان جاحداً للاُولي ولا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا تمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن [ صفحه 208] رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلّغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً. فقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجّة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طري شاهد ومحكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم غداً فيحاج أقواماً فيزل الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، ألا وان الإسلام سقف تحته دعامة، لا يقوم السقف إلاّ بها. فلو أن أحدكم أتي بذلك السقف ممدوداً لا دعامة تحته فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس! الدعامة: دعامة الإسلام، وذلك قوله تعالي:(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبله، أيّها الناس! أفهمتم؟ الله الله في أهل بيتي! مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة. منهم وصيّي وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسي ألا هل بلغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله. قال عيسي: فبكي أبو الحسن(عليه السلام) طويلا، وقطع بقية كلامه، وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله... ثم قال(عليه السلام): أخبرني أبي، عن جدي محمد بن علي قال: قد جمع رسول الله(صلي الله عليه وآله) المهاجرين فقال لهم: «أيها الناس إني قد دعيت، وإني مجيب دعوة الداعي، قد اشتقت الي لقاء ربي واللحوق باخواني من الأنبياء وإني أعلمكم أني قد أوصيت الي وصيي، ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئاً» فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يارسول الله! أوصيت بماأوصي به الأنبياء من قبلك؟ [ صفحه 209] قال: نعم، فقال له: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟! قال له: «اجلس يا عمر، أوصيت بأمر الله،وأمره طاعته، وأوصيت بأمري وأمري طاعة الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن عصي وصيّي فقد عصاني، ومن أطاع وصيّي فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله لا ما تريد أنت وصاحبك» ثم التفت الي الناس وهو مغضب فقال: «أيها الناس! اسمعوا وصيّتي، من آمن بي وصدّقني بالنبوة وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له. فإن ولايته ولايتي، وولاية ربّي، قد أبلغتكم فليبلغ الشاهد الغائب إن علي بن أبي طالب هو العلم، فمن قصّر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم الي النار، ومن تأخّر عن العلم يميناً هلك، ومن أخذ يساراً غوي وما توفيقي إلاّ بالله، فهل سمعتم؟» قالوا: نعم. 2 ـ وعن الإمام الكاظم(عليه السلام) أنه قال: «قال رسول الله(صلي الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام) حين دفع إليه الوصية: اتخذ لها جواباً غداً بين يدي الله تبارك وتعالي ربّ العرش. فاني محاجّك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه، ومحكمه ومتشابهه علي ما أنزل الله، وعلي ما أمرتك، وعلي فرائض الله كما أنزلت وعلي الاحكام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتنابه، مع اقامة حدودالله وشروطه، والاُمور كلها، واقام الصلاة لوقتها، وايتاء الزكاة لأهلها، وحجّ البيت، والجهاد في سبيل الله، فما أنت قائل يا علي؟ فقال علي(عليه السلام): بأبي أنت وأمي أرجو بكرامة الله لك ومنزلتك عنده ونعمته عليك أن يعينني ربّي، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً ولا مفرطاً، ولا أمعز وجهك وقاه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي بل تجدني بأبي أنت وأمي مستمراً متّبعاً لوصيتك ومنهاجك وطريقك مادمت حياً حتي أقدم بها عليك، ثم الأول فالأول من ولدي لا مقصرين ولا مفرطين. قال علي(عليه السلام): ثم انكببت علي وجهه وعلي صدره وأنا أقول: واوحشتاه بعدك، [ صفحه 210] بأبي أنت وأمي، ووحشة ابنتك وبنيك بل واطول غمّي بعدك يا أخي، انقطعت من منزلي أخبار السماء، وفقدت بعدك جبرئيل وميكائيل، فلا أحسّ أثراً ولا أسمع حسّاً، فأغمي عليه طويلا ثم أفاق(صلي الله عليه وآله). قال أبو الحسن(عليه السلام) فقلت لأبي: فما كان بعد افاقته؟ قال: دخل عليه النساء يبكين وارتفعت الأصوات وضجّ الناس بالباب من المهاجرين والأنصار، فبيناهم كذلك اذ نودي: أين علي؟ فأقبل حتي دخل عليه، قال علي(عليه السلام): فانكببت عليه فقال: يا أخي افهم فهمك الله وسدّدك وأرشدك ووفقك وأعانك وغفر ذنبك ورفع ذكرك. اعلم يا أخي أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يشغلهم، فإنّما مثلك في الاُمة مثل الكعبة، نصبها الله للناس علماً، وإنما تؤتي من كلّ فجّ عميق، ونأي سحيق ولا تأتي، وإنما أنت علم الهدي، ونور الدين، وهو نور الله يا أخي، والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتهم رجلا رجلا ما افترض الله عليهم من حقّك، وألزمهم من طاعتك، وكلّ أجاب وسلم إليك الأمر، وإنّي لأعلم خلاف قولهم. فإذا قبضت وفرغت من جميع ما أوصيك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك، واجمع القرآن علي تأليفه، والفرائض والأحكام علي تنزيله ثم امضِ علي غير لائمة علي ما أمرتك به، وعليك بالصبر علي ما ينزل بك منهم حتي تقدم عليّ» [382] . 3 ـ قال عيسي الضرير:... فسألت موسي [يعني الكاظم(عليه السلام)] وقلت: إنّ الناس قد أكثروا في أن النبي(صلي الله عليه وآله) أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم عمر، [ صفحه 211] فأطرق عني طويلا، ثم قال: «ليس كما ذكروا، ولكنك يا عيسي كثير البحث عن الاُمور، ولا ترضي عنها إلاّ بكشفها، فقلت: بأبي أنت وأمي إنما أسأل عما أنتفع به في ديني وأتفقّه مخافة أن أضل، وأنا لا أدري، ولكن متي أجد مثلك يكشفها لي. فقال(عليه السلام): إنّ النبي(صلي الله عليه وآله) لمّا ثقل في مرضه دعا علياً فوضع رأسه في حجره، وأُغمي عليه وحضرت الصلاة فأوذن بها، فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالناس فقال: أبوك أولي بها، فقالت: صدقت، ولكنه رجل ليّن، وأكره أن يواثبه القوم فصلّ أنت. فقال لها عمر: بل يصلي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرك متحرك، مع أن محمداً(صلي الله عليه وآله) مغمي عليه لا أراه يفيق منها، والرجل مشغول به لايقدر أن يفارقه، يريد علياً(عليه السلام) فبادره بالصلاة قبل أن يفيق، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة، فقد سمعت مناجاته منذ الليلة، وفي آخر كلامه: الصلاة الصلاة قال: فخرج أبو بكر ليصلي بالناس فأنكرالقوم ذلك. ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله(صلي الله عليه وآله) فلم يكبّر حتي أفاق(صلي الله عليه وآله) وقال: ادعوالي العباس، فدعي فحمله هو وعلي، فأخرجاه حتي صلّي بالناس، وانه لقاعد، ثم حمل فوضع علي منبره، فلم يجلس بعد ذلك علي المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتي برزت العواتق من خدورهنّ، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع والنبي(صلي الله عليه وآله) يخطب ساعة، ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والإنس فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله، فيه النور والهدي والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجة الله لي عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدي وصيي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرّقوا عنه، [ صفحه 212] واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً. أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من أحبه وتولاه اليوم وما بعد اليوم فقد أوفي بما عاهد عليه الله، وأدي ما وجب عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمي وأصم، لا حجة له عند الله، أيّها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً،ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشوري للجهالة. ألا وإن هذا الأمر له أصحاب وآيات قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم وبلّغتكم ما أُرسلت به إليكم ولكني أراكم قوماً تجهلون، لاترجعنّ بعدي كفاراً مرتدين متأولين للكتاب علي غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوي، لأن كلّ سنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل. القرآن إمام هدي، وله قائد يهدي إليه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وليّ الأمر بعدي وليه، ووارث علمي وحكمتي وسري وعلانيتي، وما ورثه النبيّيون من قبلي، وأنا وارث ومورّث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس! الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني والقائم بأمري والموفي بعهدي علي سنتي. أول الناس بي ايماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاء يوم القيامة، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا ومن أمّ قوماً امامة عمياء وفي الاُمّة من هو أعلم منه فقد كفر، أيّها الناس ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة فليأت فيها علي ابن أبي طالب، فانه ضامن لذلك كله حتي لا يبقي لاحد عليّ تباعة» [383] . [ صفحه 213]

الإمامة والأئمة

1 ـ عن داود الرقي، عن العبد الصالح(عليه السلام) قال: «إنّ الحجة لا تقوم لله علي خلقه إلاّ بإمام حيّ يُعرف» [384] . 2 ـ عن أبي علي بن راشد، قال: قال أبو الحسن(عليه السلام): «إنّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا والله ذلك الحجّة» [385] . 3 ـ عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: قال لي: «نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا علي قدر ما نؤمر» [386] . 4 ـ عن هارون بن خارجة، قال: قال لي أبو الحسن(عليه السلام): «نحن المثاني التي اُريها رسول الله(صلي الله عليه وآله) ونحن وجه الله نتقلب بين أظهركم، فمن عرفنا عرفنا ومن لم يعرفنا فأمامه اليقين» [387] . 5 ـ عن أبي الحسن موسي الكاظم(عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالي: (أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله) قال: «نحن المحسودون» [388] . 6 ـ عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن(عليه السلام) في قوله:(وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً) قال: «هم الأوصياء» [389] . 7 ـ عن سيف بن عميرة، قال: سمعت العبد الصالح أبا الحسن(عليه السلام) ينعي [ صفحه 214] الي رجل نفسه فقلت في نفسي وانه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته فقال ـ شبه المغضب ـ: «يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا فالإمام أولي بذلك» [390] . 8 ـ عن معاوية عن اسحاق قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) ودخل عليه رجل فقال له أبو الحسن(عليه السلام): «يا فلان انك تموت الي شهر قال: فاضمرت في نفسي كانه يعلم آجال شيعته فقال(عليه السلام): يا اسحاق وما تنكرون من ذلك وقد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والبلايا فالإمام أولي بذلك. ثم قال(عليه السلام): يا اسحاق تموت الي سنتين ويشتّت أهلك وولدك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون افلاساً شديداً» [391] . 9 ـ عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي(عليه السلام) في قوله تعالي: (وبئر معطلة وقصر مشيد) قال: «البئر المعطلة الإمام الصامت والقصر المشيد الإمام الناطق» [392] . 10 ـ حدثنا يعقوب بن جعفر، قال: كنت مع أبي الحسن(عليه السلام) بمكة فقال له رجل: انك لتفسر من كتاب الله ما لم نسمع به. فقال أبو الحسن(عليه السلام): «علينا نزل قبل الناس ولنا فسر قبل أن يفسّر في الناس فنحن نعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وسفريه وحضريه وفي أي ليلة نزلت كم من آية وفيمن نزلت وفيما نزلت فنحن حكماء الله في أرضه وشهداؤه علي خلقه وهو قول الله تبارك وتعالي ستكتب شهادتهم ويسألون فالشهادة لنا والمسألة للمشهود عليه فهذا علم ما قد انهيته إليك وأديته إليك ما لزمني فإن قبلت فاشكر وإن تركت فإنّ الله علي كل شيء [ صفحه 215] شهيد» [393] . 11 ـ عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «ولاية عليّ(عليه السلام) مكتوبة في جميع صحف الانبياء ولن يبعث الله رسولا إلاّ بنبوّة محمّد(صلي الله عليه وآله) ووصيّة علي (عليه السلام)» [394] . 12 ـ عن علي بن سويد السابي قال: كتب اليَّ أبو الحسن الأول(عليه السلام) في كتاب: «أن أوّل ما أنعي إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قضي الله وحتم فاستمسك بعروة الدين آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ والعروة الوثقي الوصي بعد الوصي والمسالمة والرضا بما قالوا» [395] . 13 ـ عن سعيد بن (ابي) سعيد البلخي قال: سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول: «إن لله عزّ وجلّ في وقت كل صلاة يصليها هذا الخلق لعنة قال: قلت: جعلت فداك ولم ذاك؟ قال لجحودهم حقنا وتكذيبهم إيانا» [396] . 14 ـ عن صفوان بن يحيي، عن أبي الحسن الأول ـ يعني موسي ابن جعفر(عليهما السلام) ـ قال: «ماترك الله عزّ وجلّ الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم(عليه السلام) يهتدي به الي الله عز وجل وهو الحجّة علي العباد من تركه ضلّ ومن لزمه نجا حقاً علي الله عزّوجلّ» [397] . 15 ـ حدثنا عبدالله بن قدامة الترمذي، عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: «من شكّ في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالي أحدها: معرفة الإمام في كل زمان [ صفحه 216] وأوان بشخصه ونعته [398] . 16 ـ عن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن الأول(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، إمام حي يعرفه. فقلت: لم أسمع أباك يذكر هذا ـ يعني إماماً حياً ـ فقال: قد والله قال ذاك رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: وقال رسول الله(صلي الله عليه وآله): من مات وليس له إمام يسمع له ويطيع مات ميتة جاهلية» [399] . 17 ـ عن داود الرقي، عن العبد الصالح(عليه السلام)، قال: «إنّ الحجّة لا تقوم لله علي خلقه إلاّ بامام حي يعرف» [400] . 18 ـ عن محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الإمام هل يسئل عن شيء من الحلال والحرام والذي يحتاج الناس ولا يكون فيه شيء، قال: «لا ولكن يكون عنده ولا يجيب ذاك إليه إن شاء أجاب وإن شاء لم يجب» [401] . 19 ـ عن صفوان بن يحيي قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام) يكون الإمام في حال يسئل عن الحلال والحرام والذي يحتاج الناس إليه فلا يكون عنده شيء، قال: «لا ولكن قد يكون عنده ولا يجيب» [402] . 20 ـ عن علي السائي عن أبي الحسن الأول موسي (عليه السلام)، قال: قال: «مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث فأمّا الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقرٌ في الاسماع وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبينا» [403] . [ صفحه 217] 21 ـ عن محمد بن علي بن خالد الجواز، قال: دخلت علي أبي الحسن(عليه السلام) وهو في عرصة داره وهو يومئذ بالرملية فلما نظرت إليه قلت: بابي أنت وأمي يا سيدي مظلوم مغصوب مضطهد في نفسي ثم دنوت منه فقبّلت بين عينيه وجلست بين يديه فالتفت إليّ فقال: «يابن خالد نحن أعلم بهذا الأمر فلا تتصور هذا في نفسك». قال: قلت جعلت فداك والله ما أردت بهذا شيئاً، قال: فقال: «نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا لو أردنا اذن إلينا وأن لهؤلاء القوم مدّة وغاية لابدّ من الانتهاء إليها قال: فقلت لا أعود واصيّر في نفسي شيئاً أبداً قال: فقال: لا تعد أبداً» [404] . 22 ـ عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «انما هلك من كان قبلكم بالقياس إنّ الله تبارك وتعالي لم يقبض نبيّه حتي أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه فجاءكم مما تحتاجون اليه في حياته وتستغيثون به وباهل بيته بعد موته وانها مصحف عند اهل بيته حتي ان فيه لارش خدش الكفّ ثم قال: ان ابا حنيفة لعنه الله ممن يقول: قال علي وانا قلت» [405] . 23 ـ عن عبد الله بن جندب انه كتب اليه أبو الحسن(عليه السلام): «إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق» [406] . 24 ـ عن الحسين بن علي بن يقطين عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن شيء من أمر العالم فقال: «نكت في القلب ونقر في الاسماع وقد يكونان معاً» [407] . [ صفحه 218]

الوصي بعد الإمام الكاظم

1 ـ عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: «يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي. أما إني قد نحلته كنيتي». فضرب هشام بن الحكم براحة جبهته، ثم قال: ويحك كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده [408] . 2 ـ عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن، أنه قال: «إنّ ابني علياً أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبّهم اليَّ وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ» [409] . 3 ـ عن داود الرقي، قال: قلت لأبي ابراهيم(عليه السلام): جعلت فداك إني قد كبر سنّي فخذ بيدي من النار، قال: فأشار الي ابنه أبي الحسن(عليه السلام) فقال: «هذا صاحبكم من بعدي» [410] . 4 ـ عن محمد بن اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأوّل(عليه السلام): ألا تدلّني الي من آخذ عنه ديني؟ فقال: «هذا ابني علي. إنّ أبي قد أخذني فأدخلني الي قبر رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقال: يا بني إنّ الله عزّوجلّ، قال: (اني جاعل في الارض خليفة)وان الله عزّ وجلّ إذا قال قولا وفي به» [411] . 5 ـ عن دواد الرقي قال: قلت لأبي الحسن موسي(عليه السلام): إني قد كبرت [ صفحه 219] سني ودقّ عظمي واني سألت أباك(عليه السلام) فأخبرني بك، فأخبرني من بعدك؟ فقال: «هذا أبو الحسن الرضا» [412] . 6 ـ عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال: دخلت علي أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن(عليه السلام) فقال لي: «يا زياد هذ ابني فلان، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله» [413] . 7 ـ عن محمد بن الفضيل قال: حدثني المخزومي وكانت اُمه من ولد جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «بعث الينا أبو الحسن موسي(عليه السلام) فجمعنا، ثم قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا، فقال: اشهدوا أنّ ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليتنّي فلينجزها منه ومن لم يكن له بدّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه» [414] . 8 ـ عن الحسين بن المختار، قال: خرج إلينا من أبي الحسن(عليه السلام) بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض: «عهدي الي أكبر ولدي، يعطي فلان كذا، وفلان كذا، وفلان كذا، وفلان لا يعطي حتي أجيء أو يقضي الله عز وجلّ عليّ الموت، إنّ الله يفعل ما يشاء» [415] . 9 ـ عن داود بن زربي، قال: جئت الي أبي ابراهيم(عليه السلام) بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله لاي شيء تركته عندي؟ قال: «إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك». فلما جاءنا نعيه بعث اليّ أبو الحسن(عليه السلام) ابنه، فسألني ذلك، [ صفحه 220] فدفعته إليه [416] . 10 ـ عن سليمان بن حفص المروزي قال: دخلت علي أبي الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الحجة علي الناس بعده، فلمّا نظر إليّ ابتدأني وقال: «يا سليمان إنّ عليّاً ابني ووصيي والحجة علي الناس بعدي، وهذا أفضل ولدي فإن بقيت بعدي فاشهد له بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي المستخبرين عن خليفتي من بعدي» [417] .

الإمام المهدي المنتظر

1 ـ عن علي بن موسي، عن أبيه موسي بن جعفر بن محمّد(عليهم السلام)، قال: «لا يكون القائم إلاّ إمام ابن إمام ووصي ابن وصي» [418] . 2 ـ عن محمد بن علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر(عليه السلام)، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها يا بني انه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتي يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به انما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ولو علم آباؤكم واجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ قال: يا بني عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركوه» [419] . 3 ـ عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله وأبي الحسن(عليهما السلام)، قالا: «لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله، يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، [ صفحه 221] ويورّث الاخ أخاه في الاظلة» [420] . 4 ـ عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعت أبا الحسن موسي ابن جعفر(عليهما السلام) يقول: «صاحب هذا الأمر، من يقول الناس لم يولد بعد» [421] . 5 ـ عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر(عليهما السلام)، قال: قلت: ما تأويل قول الله عزّ وجلّ (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتكم بماء معين)فقال: «إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون» [422] . 6 ـ عن داود بن كثير الرقي قال: سألت أبا الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام) عن صاحب هذا الأمر قال: «هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه»(عليه السلام) [423] . 7 ـ عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت علي موسي بن جعفر(عليهما السلام) فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: «أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهّر الارض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً علي نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون. ثم قال(عليه السلام): طوبي لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين علي مولاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبي لهم، ثم طوبي لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة» [424] . 8 ـ عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي، قال: سألت سيدي موسي [ صفحه 222] ابن جعفر(عليهما السلام) عن قول الله عزّ وجلّ:(واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)فقال(عليه السلام): «النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، الباطنة الإمام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله له كلّ عسير، ويذلل له كلّ صعب، ويظهر له كنوز الارض، ويقرّب له كلّ بعيد، ويبير به كل جبّار عنيد ويهلك علي يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الاماء الذي تخفي علي الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتي يظهره الله عزّ وجلّ فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلما» [425] .

صحابة الرسول والأئمة

عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام): «إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين حواري محمد بن عبدالله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر. ثم ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب(عليه السلام) وصي محمد بن عبدالله رسول الله(صلي الله عليه وآله) فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيي التمار مولي بني أسد وأويس القرني. قال: ثم ينادي المنادي: أين حواري الحسن بن علي(عليه السلام) ابن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلي الهمداني وحذيفة بن اسيد الغفاري. قال: ثم ينادي المنادي أين حواري الحسين بن علي(عليهما السلام)؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلف عنه. قال: ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسين(عليهما السلام)؟ فيقوم جبير بن مطعم [ صفحه 223] ويحيي ابن اُم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب. ثم ينادي المنادي أين حواري محمد ابن علي وحواري جعفر بن محمد؟ فيقوم عبدالله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد ابن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وابو بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبدالله بن جذاعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين. ثم ينادي: أين سائر الشيعة مع سائر الأئمة(عليهم السلام) يوم القيامة فهؤلاء المتحورة أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين» [426] .

الإيمان والكفر والشك

1 ـ عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سأل رجل العالم(عليه السلام) فقال: أيها العالم أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: «مالا يقبل عمل إلاّ به، فقال: وما ذلك؟ قال: الإيمان بالله، الذي هو أعلي الأعمال درجة وأسناها حظاً وأشرفها منزلة، قلت: أخبرني عن الإيمان أقولٌ وعمل أَمْ قولٌ بلا عمل؟ قال: الإيمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّنة في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو إليه، قلت: صف لي ذلك حتي أفهمه. فقال: إنّ الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص المنتهي نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته، قلت: وإن الإيمان ليتم ويزيد وينقص؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالي فرض الإيمان علي جوارح بني آدم وقسّمه عليها وفرّقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلاّ وهي موكّلة من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها. [ صفحه 224] فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا تورد الجوارح ولا تصدر الاّ عن رأيه وأمره، ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها; وعيناه اللتان يبصر بهما; وأذناه اللتان يسمع بهما وفرض علي القلب غير ما فرض علي اللسان وفرض علي اللسان غير ما فرض علي العينين وفرض علي العينين غير ما فرض علي السمع. وفرض علي السمع غير ما فرض علي اليدين وفرض علي اليدين غير ما فرض علي الرجلين وفرض علي الرجلين غير ما فرض علي الفرج وفرض علي الفرج غير ما فرض علي الوجه، فأمّا ما فرض علي القلب من الإيمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بأن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له، أحداً، صمداً، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً وأن محمداً(صلي الله عليه وآله) عبده ورسوله [427] . 2 ـ عن موسي بن جعفر، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «ما من شيء أحب الي الله تعالي من الإيمان به، والعمل الصالح، وترك ما أمر به أن يتركه» [428] . 3 ـ عن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام): أي شيء أفضل ما يتقرب به العباد الي الله فيما افترض عليهم؟ فقال: «أفضل ما يتقرب به العباد الي الله طاعة الله وطاعة رسوله، وحب الله وحب رسوله(صلي الله عليه وآله) وأولي الأمر، وكان أبو جعفر(عليه السلام) يقول: حبّنا إيمان وبغضنا كفر» [429] . 4 ـ إبراهيم بن أبي بكر قال: سمعت أبا الحسن موسي (عليه السلام) يقول: «إنّ [ صفحه 225] علياً(عليه السلام) بابٌ من أبواب الهدي، فمن دخل من باب علي كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله فيهم المشيئة» [430] . 5 ـ عن بكر بن موسي الواسطي، قال: سألت أبا الحسن موسي(عليه السلام) عن الكفر والشرك أيهما أقدم؟ فقال: «ما عهدي بك تخاصم الناس، قلت: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك عن ذلك فقال لي: الكفر أقدم وهو الجحود قال لابليس: (أبي واستكبر وكان من الكافرين)» [431] . 6 ـ عن الحسين بن الحكم، قال: «كتبت الي العبد الصالح(عليه السلام) أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم(عليه السلام): (رب أرني كيف تحيي الموتي) واني أحب أن تريني شيئاً، فكتب(عليه السلام): إن إبراهيم كان مؤمناً وأحب أن يزداد إيماناً وأنت شاك والشاك لا خير فيه، وكتب: انما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك، وكتب: انّ الله عزّ وجلّ يقول:(وما وجدنا لاِكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)، قال: نزلت في الشاك» [432] . 7 ـ عن محمد بن سنان، عن أبي خديجة، قال: دخلت علي أبي الحسن(عليه السلام) فقال لي: «إنّ الله تبارك وتعالي أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يُحسن فيه ويتقي، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي. فهي معه تهتز سروراً عند احسانه وتسيخ في الثري عند اساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً، رحم الله امرئً همّ بخير فعمله أو همّ بشر فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤيّد الروح بالطاعة لله والعمل له» [433] . [ صفحه 226]

الذنــوب

1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «حق علي الله أن لا يعصي في دار إلاّ أضحاها للشمس حتي تطهرها» [434] . 2 ـ عن ابن عرفة عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: «إنّ لله عزّ وجلّ في كل يوم وليلة منادياً ينادي مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رتع، وصبيةٌ رضع، وشيوخ ركّع، لصبّ عليكم العذاب صباً، ترضّون به رضّاً» [435] . 3 ـ عن ابن محبوب، قال: كتب معي بعض أصحابنا الي أبي الحسن(عليه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: «من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفّر عنه سيئاته اذا كان مؤمناً والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف» [436] . 4 ـ عن محمد بن حكيم، قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام): الكبائر تخرج من الايمان؟ فقال: «نعم وما دون الكبائر، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن» [437] . 5 ـ عن سماعة، قال: سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول: «لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتي يكون كثيراً وخافوا الله في السر حتي تعطوا من أنفسكم النصف» [438] . 6 ـ عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام)، قال: [ صفحه 227] «حرّمت الجنة علي ثلاثة النمام، ومدمن الخمر، والديوث وهو الفاجر» [439] .

حفظ اللسان

1 ـ عن عثمان بن عيسي، عن أبي الحسن صلوات الله عليه، قال: «إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل; قال: وكان عنده إنسان فتذاكروا الإذاعة، فقال: احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكّن الناس من قياد رقبتك فتذّل» [440] . وقال: حضرتُ أبا الحسن صلوات الله عليه وقال له رجل: أوصني فقال له: «احفظ لسانك تعزّ ولا تمكّن الناس من قيادك فتذلّ رقبتك» [441] . 2 ـ عن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر، عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله):«رحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلم» [442] . 3 ـ وعنه: بهذا الإسناد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «الرجل الصالح يجيء بخبر صالح، والرجل السوء يجيء بخبر سوء» [443] . 4 ـ عن أبان، عن يحيي الأزرق، قال: قال لي أبو الحسن صلوات الله عليه: «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته» [444] . 5 ـ قال عبد المؤمن الأنصاري: دخلت علي موسي بن جعفر(عليهما السلام) وعنده محمد بن عبد الله الجعفري، فتبسّمت إليه فقال: «أتحبه؟ فقلت: نعم، وما أحببته الاّ لكم، فقال(عليه السلام): هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لاُمّه ولأبيه، وان لم [ صفحه 228] يلده أبوه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من غش أخاه، ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون من اغتاب أخاه، وقال الصادق(عليه السلام): ايّاك والغيبة فإنّها إدام كلاب النار» [445] . 6 ـ عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي الحسن أن رسول الله(صلي الله عليه وآله) قال: «اركبوا وارموا وإن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا، ثم قال: كل أمر للمؤمن باطل إلاّ في ثلاث في تأديبه الفرس ورميه عن قوسه وملاعبته امرأته، فانهن حق إنّ الله ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: عامل الخشب والمقوي به في سبيل الله والرامي به في سبيل الله» [446] .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

1 ـ عن محمد بن عمر بن عرفة، قال: سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» [447] . 2 ـ عن موسي بن جعفر (عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال، رفيق بما يأمر به، رفيق فيما ينهي عنه، عدل فيما يأمر به، عدل فيما ينهي عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهي عنه» [448] . 3 ـ عنه، بهذا الإسناد قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «من يشفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو دلّ علي خير أو أشار به فهو شريك، ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك» [449] . [ صفحه 229]

الشهيد والمجاهد في سبيل الله

1 ـ عن موسي بن جعفر، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّ فوق كلّ بر برّاً حتي يقتل الرجل شهيداً في سبيل الله، وفوق كلّ عقوق عقوقاً حتي يقتل الرجل أحد والديه» [450] . 2 ـ قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «خيول الغزاة في الدنيا هي خيولهم في الجنة» [451] . 3 ـ وقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، والمجاهدون في الله تعالي قوّاد أهل الجنة، والرسل سادات أهل الجنة» [452] . 4 ـ وقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «دعا موسي وأمّن هارون وأمّنت الملائكة فقال الله سبحانه استقيما فقد أجيبت دعوتكما، ومن غزا في سبيلي استجبت له الي يوم القيامة» [453] . 5 ـ وقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «كلّ نعيم مسؤول عنه يوم القيامة إلاّ ما كان في سبيل الله تعالي» [454] . 6 ـ وقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «إنّ أبخل الناس من بخل بالسّلام، وأجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل الله» [455] . 7 ـ وقال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أوصي أمّتي بخمس: بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة، ومن دعا بدعاء الجاهليّة فله حثوة من حثي جهنّم» [456] . [ صفحه 230]

الغنائم

1 ـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: «يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله عز وجل ويقسّم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، قال: وللإمام صفو المال أن يأخذ الجارية الفارهة والدابّة الفارهة والثوب والمتاع ممّا يحب ويشتهي فذلك له قبل قسمة المال وقبل اخراج الخمس، قال: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه الاّ ما احتوي عليه العسكر وليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع الإمام لأن رسول الله(صلي الله عليه وآله) صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا علي أنه إن دهم رسول الله(صلي الله عليه وآله) من عدوّه دهم أن يستفزّهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب وسنّة جارية فيهم وفي غيرهم والأرض التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها علي ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق النصف والثلث والثلثين، علي قدر ما يكون لهم صالحاً ولا يضرهم» [457] .

العمل والمعيشة

1 ـ عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: «رأيت أبا الحسن(عليه السلام) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي، فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله(صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وآبائي(عليهم السلام) كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء والصالحين» [458] . 2 ـ عن موسي بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن(عليه السلام): «من طلب هذا الرزق [ صفحه 231] من حلّه ليعود به علي عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، فإن غلب عليه ذلك، فليستدن علي الله عزّ وجلّ وعلي رسوله ما يقوت به عياله. فإن مات ولم يقضه كان علي الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره إنّ الله تعالي يقول: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب) فهو فقير مسكين مغرم» [459] . 3 ـ قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «طوبي لمن أسلم وكان عيشه كفافاً وقوله سداداً» [460] . 4 ـ قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «اللهمّ ارزق محمداً وآل محمد ومن أحبّ محمداً وآل محمد العفاف والكفاف، وارزق من أبغض محمداً وآل محمد كثرة المال والولد» [461] . 5 ـ عن موسي بن جعفر، عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه وآله): «أربع من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون، والولد البارّ، والمرأة المؤاتية، وأن تكون معيشته في بلده» [462] . 6 ـ قال الكاظم(عليه السلام): «من ولده الفقر أبطره الغنا» [463] . 7 ـ قال رجل لأبي الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام): عدني قال: كيف اعدك؟ وأنا لما لا أرجوا أجي مني لما أرجو» [464] . 8 ـ عن يحيي الحذّاء، قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام): ربّما اشتريت الشيء بحضرة أبي فأري منه ما أغتمّ به فقال: «تنكّبه ولا تشتر بحضرته فإذا كان لك علي [ صفحه 232] رجل حقّ فقل له: فليكتب وكتب فلان بن فلان بخطّه وأشهد الله علي نفسه وكفي بالله شهيداً فإنه يقضي في حياته أو بعد وفاته» [465] .

الدعاء والزيارة

1 ـ عن أبي الحسن موسي(عليه السلام) قال: «عليكم بالدعاء; فإن الدعاء والطلب الي الله عز وجل يردّ البلاء وقد قدر وقضي فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف البلاء صرفاً» [466] . 2 ـ وقال: «لكل داء دواء فسئل عن ذلك؟ فقال: لكل داء دعاء، فإذا اُلهم المريض الدعاء فقد أذن الله في شفائه. وقال: أفضل الدعاء الصلاة علي محمد وآل محمد(صلي الله عليه وآله) ـ صلي الله عليهم ـ ثم الدعاء للاخوان ثم الدعاء لنفسك فيما أحببت، وأقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا سجد». وقال: الدعاء أفضل من قراءة القرآن; لانّ الله عز وجل يقول:(قل مايعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم) وإنّ الله عز وجل ليؤخر إجابة المؤمن شوقاً الي دعائه ويقول: صوت أحب أن اسمعه، ويعجّل إجابة المنافق ويقول: صوت أكره سماعه» [467] . 3 ـ عمر بن يزيد، عن أبي ابراهيم(عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إنّ الدعاء يردّ ما قدر وما لم يقدّر قال: قلت: جعلت فداك هذا ما قدّر قد عرفناه أفرأيت ما لم يقدّر؟ قال: حتي لا يقدّر» [468] . 4 ـ قال أبو الحسن موسي بن جعفر(عليهما السلام): «أدني ما يثاب به زائر [ صفحه 233] أبي عبدالله(عليه السلام) بشطّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» [469] . 5 ـ عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن(عليه السلام): ما تقول في زيارة قبر الحسين(عليه السلام)؟ فقال لي: «ما تقول أنت فيه؟ فقلت: بعضنا يقول: حجّة وبعضنا يقول: عمرة، فقال: هي عمرة مبرورة (مقبولة)» [470] . 6 ـ روي أحمد بن جعفر البلدي عن محمد بن يزيد البكري، عن منصور بن نصر المدائني، عن عبدالرحمن بن مسلم، قال: دخلت علي الكاظم(عليه السلام) فقلت له: أيّما أفضل زيارة الحسين بن علي أو أمير المؤمنين(عليهما السلام) أو لفلان وفلان ـ وسميت الأئمة واحداً واحداً ـ فقال لي: «يا عبدالرحمن من زار أولنا فقد زار آخرنا، ومن زار آخرنا فقد زار أولنا، ومن تولّي أولنا فقد تولّي آخرنا، ومن تولّي آخرنا فقد تولّي أولنا ومن قضي حاجة لأحد من أوليائنا فكأنّما قضاها لأجمعنا. يا عبدالرحمن احببنا واحبب من يحبّنا واحبّ فينا واحبب لنا وتولنا وتولّ من يتولانا وابغض من يبغضنا ألا وإنّ الرادّ علينا كالراد علي رسول الله جدّنا ومن ردّ علي رسول الله(صلي الله عليه وآله) فقد ردّ علي الله ألا يا عبد الرحمن ومن أبغضنا فقد ابغض محمداً ومن أبغض محمداً فقد أبغض الله ومن أبغض الله عزّ وجلّ وكان حقاً علي الله ان يصليه النار وماله من نصير» [471] . 7 ـ عن عمرو بن عثمان الرازي، قال: سمعت أبا الحسن الاول(عليه السلام) يقول: «من لم يقدره أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتناومن لم يقدر [ صفحه 234] علي صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا» [472] . 8 ـ عن اسحاق بن عمار عن أبي الحسن(عليه السلام)، قال: قلت له: المؤمن يعلم بمن يزور قبره، قال: «نعم ولا يزال مستأنساً به ما زال عنده فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة» [473] . 9 ـ عن علي بن عثمان الرازي، قال: سمعت أبا الحسن الاول(عليه السلام) يقول: «من لم يقدر علي زيارتنا فليزر صالح اخوانه يكتب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالح اخوانه يكتب له ثواب صلتنا» [474] .

من مواعظ وحكم الإمام الكاظم

روي عن الكاظم(عليه السلام) أنه قال: «صلاة النوافل قربانٌ الي الله لكل مؤمن». والحج جهاد كل ضعيف. ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل. وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج. ومن دعا قبل الثناء علي الله والصلاة علي النبي(صلي الله عليه وآله) كان كمن رمي بسهم بلا وتر. ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وما عال امريً اقتصد. والتدبير نصف العيش. والتودّد الي الناس نصف العقل. وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق. وقلة العيال أحد اليسارين. [ صفحه 235] ومن أحزن والديه فقد عقّهما. ومن ضرب بيده علي فخذه، أو ضرب بيده الواحدة علي الاُخري عند المصيبة فقد حبط أجره، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر. والاسترجاع عند الصدمة. والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب. والله ينزل المعونة علي قدر المؤونة، وينزل الصبر علي قدر المصيبة. ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة. وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق. واذا أراد الله بالذرة شراً أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير. والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلاّ بثلاثة أشياء: تصغيرها وسترها وتعجيلها، فمن صغّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظّم أخاه، ومن عظّم الصنيعة عنده فقد صغّر أخاه، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله. «ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطيّة» [475] . قال أبو الحسن الماضي(عليه السلام): «قل الحقّ وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فانّ فيه هلاكك» [476] . قال(عليه السلام): «ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه [477] في رزقه ولا يتّهمه في قضائه». وقال رجل: سألته عن اليقين؟ فقال(عليه السلام): «يتوكّل علي الله، ويسلّملله، ويرضي بقضاء الله، ويفوّض الي الله». [ صفحه 236] وقال عبد الله بن يحيي [478] : كتبت إليه في دعاء «الحمد لله منتهي علمه» فكتب(عليه السلام): «لا تقولنّ منتهي علمه، فانه ليس لعلمه منتهي. ولكن قل: منتهي رضاه» [479] . وسأله رجل عن الجواد؟ فقال(عليه السلام): «إنّ لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطي، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ماليس لك». وقال لبعض شيعته: «أي فلان! اتق الله وقل الحق وان كان فيه هلاكك فإنّ فيه نجاتك، أي فلان! اتّق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنّ فيه هلاكك». وقال له وكيله: والله ما خنتك فقال(عليه السلام) له: «خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء والخيانة شرّهما عليك». وقال (عليه السلام): «إيّاك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثله في معصية الله». وقال (عليه السلام): «المؤمن مثل كفّتي الميزان كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه». وقال (عليه السلام): عند قبر حضره: «ان شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في أوله. وانّ شيئاً هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره». وقال (عليه السلام): «من تكلّم في الله هلك، ومن طلب الرئاسة هلك. ومن دخله العجبُ هلك». وقال (عليه السلام): «اشتدت مؤونة الدنيا والدين: فأمّا مؤونة الدنيا فإنّك لا تمدّ يداك الي شيء منها إلاّ وجدت فاجراً قد سبقك إليه. وأمّا مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً [ صفحه 237] يعينونك عليه». وقال (عليه السلام): «أربعة من الوسواس: أكلُ الطين وفتّ الطين. وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللّحية. وثلاث يجلين البصر: النظر الي الخضرة والنظر الي الماء الجاري والنظر الي الوجه الحسن». وقال (عليه السلام): «ليس حسن الجوار كفّ الاذي ولكن حسنُ الجوار الصبر علي الأذي». وقال (عليه السلام): «لا تُذهب الحشمة بينك وبين أخيك [480] وأبق منها، فانّ ذهابهاذهاب الحياء». وقال (عليه السلام): لبعض ولده: «يا بنيّ إيّاك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. وعليك بالجد. ولا تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يُعبد حق عبادته. وإيّاك والمزاح; فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروّتك. وإيّاك والضّجر والكسل، فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة». وقال (عليه السلام): «اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحلّ لاحد أن يظنّ بأحد خيراً حتي يعرف ذلك منه». وقال (عليه السلام): «ليس القبلة علي الفم إلاّ للزوجة والولد الصغير». وقال (عليه السلام): «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعةً لمناجاة الله. وساعةً لأمر المعاش. وساعةً لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن. وساعةً تخلون فيه للذاتكم في غير محرّم وبهذه الساعة تقدرون علي الثلاث ساعات. لا تحدّثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنّه من حدّث نفسه بالفقر بخل. ومن حدّثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي [ صفحه 238] من الحلال ومالا يثلم المروّة وما لا سرف فيه. واستعينوا بذلك علي أمور الدين، فإنّه روي: ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه». وقال (عليه السلام): «تفقّهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الي المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا.وفضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب. ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملا». وقال (عليه السلام) لعلي بن يقطين: «كفّارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان». وقال (عليه السلام): «كلّما أحدث الناس من الذنوب مالم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء مالم يكونوا يعدّون». وقال (عليه السلام): «إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر وإذا كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر» [481] . ورأي رجلين يتسابّان فقال (عليه السلام): «البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه مالم يعتد المظلوم». وقال (عليه السلام): «ينادي مناد يوم القيامة: ألا من كان له علي الله أجر فليقم، فلا يقوم إلاّ من عفا وأصلح فأجره علي الله». وقال (عليه السلام): السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلّي الله عنه حتّي يدخلهُ الجنة. وما بعث الله نبيّاً إلاّ سخيّاً. وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتّي مضي». وقال السنديّ بن شاهك ـ وكان الذي وكّله الرشيد بحبس موسي(عليه السلام) ـ لمّا حضرته الوفاة: دعني أكفّنك. فقال(عليه السلام): «انّا أهل بيت، حجّ صرورتنا [482] ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا». [ صفحه 239] وقال (عليه السلام) لفضل بن يونس: «أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن امّعة [483] قلت: وما الامّعة؟ قال: لا تقل: أنا مع النّاس وأنا كواحد من الناس. أنّ رسول الله(صلي الله عليه وآله)، قال: يا أيها الناس إنّما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير [484] . وروي أنه مرّ برجل من أهل السواد دميم المنظر [485] ، فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا، ثم عرض (عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله أتنزل الي هذا ثم تسأله عن حوائجك وهو إليك أحوج؟ فقال(عليه السلام): «عبد من عبيد الله وأخ في كتاب الله وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم(عليه السلام) وأفضل الأديان الإسلام ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا إليه، فيرانا ـ بعد الزهو عليه [486] ـ متواضعين بين يديه. ثم قال(عليه السلام): نواصل من لا يستحق وصالنا مخافة أن نبقي بغير صديق [487] . والي هنا نكتفي بهذه الجولة السريعة في تراث الإمام الكاظم(عليه السلام) راجين من الله التوفيق للسير علي هدي أهل البيت(عليهم السلام) الذي يمثل النبع الصافي والهديّ الرباني السليم في ظلمات الهوي والوهم.

پاورقي

[1] الأنعام (6): 71.
[2] البقرة (2): 213.
[3] الأحزاب (33): 4.
[4] آل عمران (3): 101.
[5] يونس (10): 35.
[6] سبأ (34): 6.
[7] القصص (28):50.
[8] الذاريات (51): 56.
[9] الرعد (13): 7. [
[10] الأنعام (6): 124.
[11] آل عمران (3): 179.
[12] البقرة (2): 213.
[13] الجمعة (62): 2.
[14] الاحزاب (33): 21.
[15] بحار الأنوار: 48 / 12 عن عيون أخبار الرضا(عليه السلام).
[16] أئمتنا: 2 / 65 عن أعيان الشيعة.
[17] أمالي الشيخ الصدوق: 307 والمناقب: 4 / 310.
[18] الأنوار البهية: 193 عن عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1 / 88 ح 11 ب 7.
[19] المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 352.
[20] تاريخ بغداد: 1 / 120.
[21] تهذيب التهذيب: 10 / 240.
[22] تاريخ بغداد: 13 / 27 ومقاتل الطالبيين: 499.
[23] الفصول المهمة: 217 وكشف الغمة: 3 / 46.
[24] تذكرة الخواص: 312.
[25] مطالب السؤول: 83.
[26] اخبار الدول: 112.
[27] ميزان الاعتدال: 3 / 209.
[28] مختصر تاريخ الخلفاء: 39.
[29] نور الأبصار: 218.
[30] الكامل في التاريخ: 6 / 164، وتذكرة الخواص: 348.
[31] الأتحاف بحب الأشراف: 54.
[32] ينابيع المودة: 459.
[33] سبائك الذهب: 73.
[34] جوهرة الكلام: 139.
[35] تاريخ العلويين: 158.
[36] الارشاد: 2 / 225.
[37] جوهرة الكلام: 139.
[38] الارشاد: 2 / 231 وعنه في كشف الغمة: 3 / 18.
[39] وفيات الأعيان: 4 / 293، وكنز اللغة: 766، وتاريخ بغداد: 13 / 27 وعنه في الأنوار البهية: 190.
[40] مناقب آل أبي طالب: 4 / 343، ووفيات الأعيان: 4 / 293.
[41] الشيباني: هو أبو عبدالله محمد بن الحسن مولي لبني شيبان حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه علي أبي يوسف، وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبي حنيفة وقال الشافعي: حملت من علم محمد بن حسن وقر بعير وقال أيضاً: ما رأيت أحداً يسأل عن مسألة فيها نظر الا تبينت فيوجهه الكراهة الا محمد بن الحسن. توفي بالري سنة (187 هـ) وهو ابن ثمان وخمسين سنة كما جاء في طبقات الفقهاء: ص 114.
[42] حياة الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام): 1 / 140 عن بحار الأنوار.
[43] الربيع بن يونس كان حاجباً للمنصور ثم صار وزيراً له بعد أبي أيوب، وكان المنصور كثير الميل إليه حسن الاعتماد عليه قال له يوماً: ويحك ياربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت، فقال له الربيع: ما طابت الدنيا إلاّ بالموت، قال له: وكيف ذلك؟ فأجابه لولا الموت لم تقعد هذا المقعد، فقاله له: صدقت، وقال له المنصور لمّا حضرته الوفاة: بعنا الآخرة بنومة، ويقال إن الربيع لم يكن له أب يعرف، وان بعض الهاشميين وفد علي المنصور فجعل يحدثه ويقول له: كان أبي رحمه الله، وكان، وكان،وأكثر من الترحم عليه، فقال له الربيع:كم تترحم علي أبيك بحضرة أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي: أنت معذور لانك لاتعرف مقدار الآباء فخجل أشدّ الخجل. توفي الربيع سنة (170 هـ) جاء ذلك في وفيات الأعيان: (ج1 / ص231 ـ 233) ط. بولاق.
[44] عيون أخبار الرضا: 1 / 95 ح 14 وعنه في الأنوار البهية: 189.
[45] بحار الأنوار: 48 / 100 ح 2 عن قرب الاسناد.
[46] المناقب: 4 / 348.
[47] اُصول الكافي: 2 / 606 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 111.
[48] عن الدر النظيم، في مناقب الأئمة اللهاميم ليوسف بن حاتم الشامي، مخطوط في مكتبة الإمام الحكيم العامة (النجف الاشرف).
[49] بحار الأنوار: 48 / 100، ح1 عن قرب الاسناد.
[50] اصول الكافي: 2 / 134.
[51] تأريخ بغداد: 13 / 28.
[52] عمدة الطالب: 185.
[53] تاريخ بغداد: 13 / 27.
[54] القرع: نوع من اليقطين، الواحدة قرعة.
[55] منطقة قرب المدينة.
[56] تاريخ بغداد: 13 / 29، وكشف الغمة: 2 / 217.
[57] تأريخ بغداد: 13 / 28 ـ 29، والارشاد: 2 / 233 وعنه في اعلام الوري: 2 / 26، 27، وكشف الغمة: 3 / 18، 19 واختصر في مناقب آل أبي طالب: 4 / 344.
[58] بحار الأنوار: 48 / 148 عن فروع الكافي: 8 / 86.
[59] كشف الغمة: 3 / 8 عن الجنابذي، والفصول المهمة لابن الصباغ: 235.
[60] راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث: 80.
[61] المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 312.
[62] الاتحاف بحب الأشراف: 55.
[63] كان يُدعي: علي بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر.
[64] اعتمدنا في هذا الفصل علي ما كتبه الاستاذ باقر شريف القرشي، راجع حياة الإمام موسي بن جعفر(عليه السلام): 1 / 138 ـ 162. وخبر الصوريّ من أهل الريّ رواه المجلسي في بحار الأنوار: 48 / 174 ح 16 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين المنشور في نشرة تراثنا: 34 / 186 ح 24.
[65] مرآة العقول: 1 / 451، معالم العترة.
[66] تحفة الأزهار وزلال الأنهار، للسيد ضامن ابن شدقم، مخطوط، يوجد في قسم المخطوطات، من مكتبة الإمام كاشف الغطاء في النجف الأشرف.
[67] الأنوار البهية: 152.
[68] بحار الأنوار: 48 / 6، اُصول الكافي: 1 / 477، أعيان الشيعة: 2 / 5.
[69] الأنوار الإلهية: 153.
[70] الأبواء: بالفتح ثم السكون،وواو والف ممدودة، قرية من أعمال الفرع بالمدينة، وبه قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي العظيم(صلي الله عليه وآله).
[71] بحار الأنوار: 48 / 2، عن بصائر الدرجات: 129، ب 12، ح9.
[72] مناقب آل أبي طالب: 4 / 349، وتهذيب التهذيب: 10 / 34.
[73] اعيان الشيعة: 2 / 5، وعن تحفة الأزهار أنه ولد قبل طلوع فجر يوم الثلاثاء من صفر سنة (127 هـ) وعن بحر الانساب أنه ولد يوم الاحد لسبع ليال خلون من صفر.
[74] دلائل الإمامة: 49 ـ 50.
[75] بحار الأنوار: 48 / 24، عن عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1 / 29.
[76] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 222، أخبار الدول: 112.
[77] مناقب آل أبي طالب: 4 / 348.
[78] أخبار الدول: 112.
[79] أخبار الدول: 113.
[80] مختصر تأريخ العرب: 209.
[81] تأريخ بغداد: 1 / 133 طبعة دار الكتب العلمية بيروت.
[82] تحفة العالم: 2 / 20.
[83] لقد اعتقد أغلب المسلمين أن الله يكشف البلاء، ويدفع الضر بالالتجاء الي ضريح الامام(عليه السلام)، وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: رؤي في بغداد امرأة تهرول فقيل: الي أين؟ قالت: الي موسي بن جعفر فانّه حُبس ابني، فقال لها حنبلي: انّه قد مات في الحبس، فقالت: بحقّ المقتول في الحبس ان تريني القدرة، فاذا بابنها قد اُطلق واُخذ ابن المستهزئ بجنايته. المناقب: 4 / 305.
[84] اُصول الكافي: 1 / 308، ح 4، والارشاد: 2 / 216.
[85] اُصول الكافي: 1 / 310، ح 11.
[86] اُصول الكافي: 1 / 310، ح 12.
[87] اُصول الكافي: 1 / 311، ح 16.
[88] اُصول الكافي: 1 / 307، ح 1، والارشاد: 2 / 217.
[89] اُصول الكافي 1: 308، ح2، والارشاد: 2 / 217.
[90] اُصول الكافي: 1 / 308، ح 3، والارشاد: 2 / 217.
[91] اُصول الكافي: 1 / 308، ح 5، والارشاد: 2 / 220.
[92] اُصول الكافي: 1 / 309، ح 6، والارشاد: 2 / 218.
[93] اُصول الكافي: 1 / 309، ح 8.
[94] اُصول الكافي: 1 / 309، ح 7، والارشاد: 2 / 218.
[95] اُصول الكافي: 1 / 309، ح 9.
[96] اُصول الكافي: 1 / 311، ح 15، والارشاد: 2 / 219.
[97] أصل زيد النرسي: ق 39.
[98] الزخرف (43): 19.
[99] بحار الأنوار: 48 / 20، ح 31، نقلاً عن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب.
[100] عوالم العلوم، الإمام الكاظم: 175.
[101] من الثابت عند المسلمين أن لا زكاة في أقل من مائتي درهم، ولكن الافطح كان يجهل هذا الحكم.
[102] مؤمن الطاق، أبو جعفر، صاحب الطاق والأحول، كلها ألقاب لرجل واحد (محمد بن علي بن النعمان)، اختيار معرفة الرجال: 2 / 425.
[103] الإرشاد للمفيد: 2 / 221، مدينة المعاجز: 6 / 208.
[104] اختيار معرفة الرجال: 2 / 565، ح502، والارشاد: 2 / 221 ـ 222 وعنه في إعلام الوري: 2 / 16 ـ 17، وكشف الغمة: 3 / 12 و 13، وبحار الأنوار: 48 / 50.
[105] منهم زرارة وداود بن كثير الرقي، وحمران، وأبي بصير، والمفضل بن عمر وغيرهم.
[106] الطبري: 6 / 343 و 344 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
[107] سيرة الأئمة الاثني عشر: 2 / 325 فصل حياة الإمام موسي بن جعفر الكاظم(عليهما السلام) ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت، والارشاد: 2 / 209 ذكر أولاد أبي عبدالله(عليه السلام) وعددهم واسمائهم وطرف من أخبارهم، ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم المقدسة.
[108] الأئمة الأربعة لمصطفي الشكعة: 2 / 100، حياة مالك بن أنس، الفصل الخامس، باب 6 مهابة مالك، سيرة الأئمة الاثني عشر، هاشم معروف الحسني: 2 / 326، حياة الإمام موسي بن جعفر الكاظم(عليهما السلام).
[109] اُصول الكافي: 1 / 484، ح 7، وفي الخرائج والجرائح: 1 / 310، ح 3: اسحاق بن منصور، وفي اثبات الهداة: 5 / 541، ح 78: اسماعيل بن منصور عن أبيه. وفي بحار الأنوار: 48 / 68، ح 90 ـ 91 عن الكافي والخرائج.
[110] بصائر الدرجات: 264 ح 10، واخبار معرفة الرجال: 329 ح 597، والخرائج والجرائح: 2 / 715 ح 13، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.
[111] مناقب آل أبي طالب: 4 / 311 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 72.
[112] قرب الاسناد: 265، ح 1263 وعنه في بحار الأنوار: 25 / 133، ح 5، واثبات الهداة: 5 / 535 ح 72.
[113] قرب الاسناد: 262، ح 1257 وعنه في بحار الأنوار: 26 / 190 و 48 / 100، ودلائل الإمامة: 169، والخرائج والجرائح: 1 / 312، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 70.
[114] دلائل الإمامة: 171 وعنه في مدينة المعاجز: 438 ح 38، والخرائج والجرائح: 1 / 313، ح 6 وعنه في كشف الغمة: 2 / 247 وبحار الأنوار: 48 / 70، ح 94.
[115] الكني والألقاب: 2 / 67.
[116] الكني والالقاب: 2 / 167.
[117] تأريخ بغداد: 7 / 73.
[118] تاريخ بغداد: 7 / 79.
[119] تاريخ بغداد: 7 / 81.
[120] تاريخ بغداد: 7 / 83.
[121] تجد هذه النماذج وغيرها في فصل تراثه(عليه السلام).
[122] بصائر الدرجات: 251، ح 4، واُصول الكافي: 1 / 351، ح 7، واختيار معرفة الرجال: 282 ح 502، والارشاد: 2 / 221.
[123] الخرائج والجرائح: 1 / 308، ح 2 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 67 و47 / 251.
[124] الارشاد: 2 / 210 ـ 211.
[125] اُصول الكافي: 1 / 56 ـ 58.
[126] اُصول الكافي: 1 / 57، ح 16 وعنه في وسائل الشيعة: 27 / 42 ح 15.
[127] بصائر الدرجات: 254، و ط: 2 / 274، ح6، واُصول الكافي: 1 / 352، ح 8 باسم محمد الواقفي، والارشاد: 2 / 223 باسم الرافعي وعنه في اعلام الوري: 2 / 18، 19، وكشف الغمة: 3 / 13، 14، والخرائج والجرائح: 2 / 650 ح2، وفي بحار الأنوار: 48 / 52، ح 48 عن البصائر والارشاد والاعلام والخرائج.
[128] قرب الاسناد: 265 ح 1263، واُصول الكافي: 1 / 285 ح 7، والإرشاد: 2 / 224، ودلائل الإمامة: 169 وعن الإرشاد في اعلام الوري: 2 / 22، وفي بحار الأنوار: 48 / 47 ح 33 عن قرب الإسناد والإرشاد والاعلام والخرائج.
[129] اللزق بالكسر: اللصق يقال «هو بلزقي» أي بجنبي.
[130] مناقب آل أبي طالب: 4 / 319 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 77.
[131] الكافي: 5 / 109 ـ 110 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 172.
[132] قرب الاسناد: 264 ح 1259 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 45.
[133] قرب الاسناد: 140، البحار: 48 / 228 ح 32 واخرجه المالكي في الفصول المهمة: 216 والشبلنجي في نور الأبصار: 165.
[134] السُحرة بالضم: السحر.
[135] محمد (47): 22.
[136] المناقب: 4 / 325 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 139 ح15، تاريخ بغداد: 13 / 30، وعنه في تذكرة الخواص: 313 ووفيات الاعيان: 5 / 308.
[137] تاريخ بغداد: 2 / 193.
[138] الاحتجاج للطبرسي: 2 / 167، 168.
[139] الاغاني: 5 / 5.
[140] شذرات الذهب: 1 / 365.
[141] راجع حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 439 ـ 440.
[142] حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 441.
[143] تاريخ اليعقوبي: 2 / 399.
[144] الإسراء (17): 26.
[145] اُصول الكافي: 1 / 543 ح2، بحار الأنوار: 48 / 156. ونقل السبط في تذكرة الخواص: 314 عن ربيع الأبرار للزمخشري: أن ذلك لم يكن من المهدي بل من هارون كان يقول لموسي الكاظم: خذ فدكاً، وهو يمتنع ويقول: إنّ حددتها لم تردها، فلمّا ألحّ عليه قال: ما أخذها إلاّ بحدودها، قال: وما حدودها؟ فقال... فعند ذلك استلفي أمره وعزم علي قتله.
[146] بحار الأنوار: 48 / 160 عن بصائر الدرجات: 64 ب 10 ح 5.
[147] بحار الأنوار: 48 / 159 عن قرب الاسناد: 232 ح 1174.
[148] تاريخ بغداد، وعنه في تذكرة الخواص: 311 ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 83 وعن الجنابذي في كشف الغمة: 3 / 2 ـ 3 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 148 ح 22.
[149] اُصول الكافي: 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 161، ح 6.
[150] بحار الأنوار: 48 / 165 عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني.
[151] بحار الأنوار: 48 / 148، ح 23 عن فروع الكافي: 8 / 86.
[152] بحار الأنوار: 48 / 154 / ح26 عن فروع الكافي: 6 / 540.
[153] راجع الفصل الثالث من الباب الأوّل، مبحث حلمه(عليه السلام) ص 34 من هذا الكتاب.
[154] عيون أخبار الرضا: 1 / 78 وعنه في بحار الأنوار: 81 / 108. ونقله في المناقب: 4 / 338 عن الفقيه، وليس فيه لا في الحيض ولا في التظليل! وفي الكني والألقاب: 1 / 188 عن الكليني. ونقل نحوه المفيد في الارشاد: 2 / 235 عن محمّد بن الحسن الشيباني بمحضر الرشيد، ورواهما في الاحتجاج: 2 / 168.
[155] المناقب: 4 / 341.
[156] قبر العبادي: منزل في طريق مكة من القادسية الي الغُديب: وفي الاحتجاج: (قصر العبادي): 2 / 333.
[157] مناقب آل أبي طالب: 4 / 336 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 104 وفي الاحتجاج: 2 / 159 ـ 161 أكثر تفصيلاً.
[158] مناقب آل أبي طالب: 4 / 335 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 104.
[159] الارشاد: 2 / 335 وعنه في كشف الغمة: 3 / 20.
[160] حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 451 ـ 452.
[161] بحار الأنوار: 48 / 149.
[162] مهج الدعوات: 229 / ح1، عوالم العلوم والمعارف والأحوال: 366.
[163] اختيار معرفة الرجال: 433 ح 817.
[164] خبر الضمان في اختيار معرفة الرجال: 433 ح 818 وعنه في حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 286 ـ 287.
[165] راجع تمام الخبر ومصادره في: 36 ـ 38 من هذا الكتاب.
[166] الكافي: 5 / 110، ح3، وعنه في البحار: 48 / 158، ح 31، وفي اختيار معرفة الرجال: 435 ح 820 عن كاتبه اُمية وغيره.
[167] اختيار معرفة الرجال: 436 ح 821 والخرائج والجرائح: 1 / 327 وعنهما في بحار الأنوار: 48 / 34، ح 5.
[168] النحل (16): 120.
[169] الكافي: 2 / 243 وعنه في بحار الأنوار: 47 / 373، ح 94 و 67 / 162 قال المجلسي معلقاً ومفسراً علي هذا الخبر: اي انّما جعل الله تعالي هؤلاء المنافقين في صورة المؤمنين مختلطين بهم لئلا يتوحش المؤمنون لقلتهم.
[170] مكارم الأخلاق: 165 وفي ط: 2 / 144 عن بصائر الدرجات، وفي بحار الأنوار: 48 / 119، ح35 وفي وسائل الشيعة: 25 / 35.
[171] الإمام موسي الكاظم لباقر شريف القرشي: 2 / 223.
[172] انظر اختيار معرفة الرجال: 556 ح 1050.
[173] تاريخ اليعقوبي: 2 / 399 ـ 400.
[174] حياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 447 ـ 449 وفي تاريخ اليعقوبي: 2 / 401: وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة، محبّاً للخير، كثير الفضل، حسن الهدي، ثم سخط عليه فعزله وحبسه، فلم يزل محبوساً حتي مات المهدي. وفي مروج الذهب: 3 / 312: ثم اختصّ به يعقوب بن داود السلمي فكان يصل إليه في كل وقت دون كل الناس.. ثمّ اتّهمه بشيء من أمر الطالبيين.. فبقي في حسبه إلي أيام الرشيد فأطلقه، ثم نقل فيه أقوالاً اُخري.
[175] تأريخ بغداد: 14 / 30 ـ 31، والمناقب: 4 / 325.
[176] تأريخ اليعقوبي: 2 / 401 وحياة الإمام موسي بن جعفر: 1 / 454.
[177] تاريخ اليعقوبي: 2 / 401 ـ 406.
[178] الإمام موسي الكاظم: 2 / 457.
[179] عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 172 عن سر السلسلة العلوية: 14. ونقل القول الاصفهاني في مقاتل الطالبيين وعنه في بحار الأنوار: 48 / 165.
[180] تاريخ اليعقوبي: 2 / 404.
[181] بحار الأنوار: 48 / 161 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين.
[182] تاريخ الطبري: 10 / 29 وبحار الأنوار: 48 / 161 ـ 165 عن مقاتل الطالبيين.
[183] بحار الأنوار: 48 / 150 ـ 153 عن ابن طاووس في مهج الدعوات: 217.
[184] الذاريات (51): 23.
[185] بحار الأنوار: 48 / 217، ح 17 عن مهج الدعوات لابن طاووس.
[186] اُصول الكافي: 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 161.
[187] بحار الأنوار: 48 / 163 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين.
[188] اُصول الكافي: 1 / 366 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 160، ح 6.
[189] بحار الأنوار: 48 / 165 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين.
[190] تأريخ اليعقوبي: 2 / 405.
[191] تاريخ اليعقوبي: 2 / 407.
[192] إعلام الوري: 2 / 7 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 1، ح1.
[193] الاغاني: 4 / 74.
[194] نساء الخلفاء: 46.
[195] الاغاني: 1 / 7.
[196] الأغاني: 1 / 162.
[197] التاج: 37.
[198] الاغاني: 5 / 126 ـ 127.
[199] الأغاني: 9 / 126 ـ 127.
[200] الأغاني: 5 / 225.
[201] المناقب: 2 / 19، والامالي: 206.
[202] تأريخ كربلاء: 198.
[203] الدولة العربية: 489.
[204] الملل والنحل: 1 / 229.
[205] آلة العصر والكبس.
[206] بيت من قصب.
[207] ولج البيت دخل فيه.
[208] روي الصدوق في أماليه: 277 / ح 2 باسناده عن أنس قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله، ودخل في نهيه،ان الله عزوجل يقول: (ولا تلقوا بأيديكم الي التهلكة). البقرة (2): 195».
[209] الغالية: جمعها غوال: اخلاط من الطيب وتغلّي: تطيّب بالغالية.
[210] عيون أخبار الرضا: 1 / 76، ح 5 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 215، ح16.
[211] عيون أخبار الرضا: 1 / 88، ح 1، بحار الأنوار: 48 / 129، ح 4، وحلية الأبرار: 2 / 169، ومدينة المعاجز: 449 ح74، ومستدرك الوسائل: 2 / 52. إثبات الهداة: 5 / 511، ح29.
[212] عيون أخبار الرضا: 1 / 88 / ح11، وبحار الأنوار: 48 / 129 / ح 4، ومدينة المعاجز: 499 / ح74، وحلية الأبرار: 2 / 269، واثبات الهداة: 5 / 511 / ح29، ومستدرك الوسائل: 2 / 52، ح5.
[213] عيون أخبار الرضا: 1 / 88 ح 11، البحار: 48 / 129 ح 4.
[214] عيون أخبار الرضا: 1 / 81، ح9 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 125.
[215] الانفال (8): 72.
[216] الانعام (6): 38.
[217] الأنعام (6): 84 ـ 85.
[218] آل عمران (3): 61.
[219] الأنبياء (21): 60.
[220] عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 81.
[221] بحار الأنوار: 48 / 146.
[222] العلق (96): 6 ـ 7.
[223] الصف: (61): 8.
[224] عوالم العلوم: الإمام موسي بن جعفر: 1 / 314، عن الصراط المستقيم: 2 / 194.
[225] بحار الأنوار: 94 / 332 عن مهج الدعوات: 30 ـ 33، وعوالم العلوم (الإمام موسي بن جعفر): 284.
[226] الأعراف (7): 146.
[227] البينة (98): 1.
[228] ابراهيم (14): 28.
[229] تفسير العياشي: 2 / 29 الاذيله وعنه في بحار الأنوار: 48 / 138، ح 13 والاختصاص: 256، بحار الأنوار: 48 / 156.
[230] بحار الأنوار: 48 / 158 عن كتاب الاستدارك.
[231] تاريخ بغداد: 13 / 31 وعنه في تذكرة الخواص: 313 وفي مناقب آل أبي طالب: 4 / 346 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 144.
[232] كامل الزيارات: 18 ب 3 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 136، وفي مناقب آل أبي طالب: 4 / 345.
[233] رجال النجاشي: 198 برقم 525، وكان من موالي بني أسد بالكوفة. والخبر من أختيار معرفة الرجال: 440 ح 828.
[234] الوسائل: 16 / 204 رقم ح 21359 باب 24 كتاب الأمر والنهي.
[235] اختيار معرفة الرجال: 1 / 465، ح 364.
[236] اختيار معرفة الرجال: 430 ح 805 و 433 ح 815 و 434، ح 819 و 820 و 437، ح 824، والفهرست لابن النديم: 328.
[237] رجال النجاشي: 134 برقم 346 وفي الكشي: 390 ح 732 قال: هو عامّي وفي تنقيح المقال: 1 / 355.
[238] اختيار معرفة الرجال: 411 ح 771 و في النجاشي: 214 برقم 558 من موالي بني العباس، وجامع الرواة: 1 / 487.
[239] النجاشي: 306 رقم 837.
[240] اختيار معرفة الرجال: 564 ح 1065 وفي رجال النجاشي: 330 برقم 893.
[241] انظر ترجمته في فهرست أعلام الكشي: 26 في أخبار عديدة. وفي النجاشي: 38 برقم 76 وفي منهج المقال: 98.
[242] بحار الأنوار: 48 / 85، ح 105 عن عيون المعجزات: 90.
[243] اختيار معرفة الرجال: 500 ح 957 وكان الفضل من الشيعة فطلبتهم السلطة فاختفي وكتب كتاباً علي مذهب الراوندية العبّاسية باثبات الإمامة للعباس فدسّه الي السلطان فآمنه واستعمله. بحار الأنوار: 48 / 109.
[244] الإرشاد: 2 / 227 ـ 229 وعنه في إعلام الوري: 2 / 21، 22 وكشف الغمة: 3 / 15 ـ 17 وفي الخرائج والجرائح: 1 / 335 ح 26 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 136 ح 11.
[245] الإرشاد: 2 / 225 ـ 227 وعنه في إعلام الوري: 2 / 19 ـ 20 وكشف الغمة: 3 / 14 ـ 15 وفي الخرائج والجرائح: 1 / 334 ح 25. عن الإرشاد في بحار الأنوار: 48 / 138، ح12.
[246] راجع الفهرست للشيخ الطوسي: 96، 103، 146، 155، 156، 258.
[247] راجع: لمحات علي القواعد الفقهية في الاحاديث الكاظمية في مجموعة الآثار للمؤتمر العالمي الثالث للإمام الرضا(عليه السلام) ومسند الإمام الكاظم(عليه السلام).
[248] الفهرست لابن النديم: 263.
[249] الكشي: 225 ح 475، 280 ح 500، والأمالي: 1 / 55، ومروج الذهب: 3 / 194 و 4 / 21 ـ 23.
[250] الفصول المختارة: 42 ووردت المناظرة باختصار في عيون اخبار الرضا: 2 / 15.
[251] الكشي: 274 ح 493 في الخلود في الجنة وعدمها.
[252] كمال الدين: 2 / 362 ـ 370 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 199 ح 7.
[253] عيون أخبار الرضا: 73 ح 3 والغيبة للطوسي: 28 وعن العيون في بحار الأنوار: 48 / 213 ح 13.
[254] في بعض الروايات «محمد بن اسماعيل» وفي بعضها «علي بن اسماعيل».
[255] اختيار معرفة الرجال: 263 ح 478 وراجع اُصول الكافي: 1 / 85 ح 8، واللفظ هنا له وفي الارشاد: 2 / 237 والغيبة للطوسي: 27 وفي مناقب آل أبي طالب: 4 / 332 باسم علي بن اسماعيل، وفي: 4 / 352 باسم محمد بن اسماعيل. وعن الكشي في بحار الأنوار: 48 / 239 ح 48.
[256] عيون أخبار الرضا: 1 / 85 ح 10.
[257] عيون أخبار الرضا: 1 / 85 ح 10.
[258] عيون أخبار الرضا: 1 / 27 ح 13.
[259] المناقب: 4 / 343.
[260] النجاشي: 453 برقم 1227.
[261] عيون أخبار الرضا: 1 / 95، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 220.
[262] عيون أخبار الرضا: 1 / 94 ح 13 وراجع المناقب: 4 / 330.
[263] عيون أخبار الرضا: 1 / 93 ح13، وعنه في بحار الأنوار: 48 / 219 ح 20.
[264] راجع مقاتل الطالبيين: 503 - 504.
[265] اختيار معرفة الرجال: 438 ح 827.
[266] تاريخ بغداد: 13 / 31.
[267] النجاشي: 407 برقم 1082.
[268] حياة الإمام موسي الكاظم: 2 / 492.
[269] حياة الإمام موسي الكاظم: 2 / 493.
[270] عيون أخبار الرضا: 1 / 30، ومسند الإمام الكاظم: 2 / 147 ح36.
[271] تاريخ اليعقوبي: 2 / 361، وفاة موسي بن جعفر، تحقيق عبدالأمير مهنا. ط بيروت منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
[272] الحلبي في مناقب آل أبي طالب: 4 / 322 عن العامري في كتاب الأنوار.
[273] عيون أخبار الرضا: 1 / 101 ـ 102 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 223 ح 26.
[274] أبو الفضل البرمكي مربّي الرشيد ومؤدّبه ومعلّمه، ولد سنة 120 وتوفي في سنة 190 هـ.
[275] الغيبة للطوسي: 24، و 25 ح 4 و 5 عن ابن خالد البرقي عن ابن عباد المهلّبي عن ابن يحيي البرمكي. وعن الغيبة في بحار الأنوار: 48 / 231 باب 43 ح 37.
[276] تاريخ بغداد: 13 / 32 وعنه في تذكرة الخواص: 314، وكشف الغمة: 3 / 8 عن الجنابذي عن أحمد بن اسماعيل وعنه في بحار الأنوار: 48 / 148، والفصول المهمة: 222 والبداية والنهاية: 10 / 183، والكامل: 6 / 164 وسير اعلام النبلاء: 6 / 283.
[277] روضة الواعظين: 1 / 260.
[278] مقاتل الطالبيين: 333 وعنه في الغيبة للطوسي: 26 ـ 31 وعنه في بحار الأنوار: 48 / 234 ح 38.
[279] عمدة الطالب: 85، والطبري: 10 / 70 والكامل في التاريخ: 6 / 54 وتاريخ بغداد: 3 / 32 وتاريخ أبي الفداء: 2 / 17، ووفيات الأعيان: 2 / 173 وميزان الاعتدال: 3 / 209 وتهذيب التهذيب: 10 / 340.
[280] مروج الذهب: 3 / 355.
[281] الفصول المهمة: 255.
[282] المناقب: 4 / 349.
[283] كمال الدين: 37، وعيون اخبار الرضا: 1 / 97 ح3، عنهما في بحار الأنوار: 48 / 225 ح 37.
[284] كمال الدين: 39، وعيون الأخبار: 1 / 105 ح 8، وعنهما في بحار الأنوار: 48 / 228 ح 31.
[285] كمال الدين: 38، عيون الاخبار: 1 / 99 / ح5، وعنهما في بحار الأنوار: 48 / 227 ح29 والفصول المهمة: 54.
[286] حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 523.
[287] كمال الدين: 38، عيون الاخبار: 1 / 99 / ح 5، وعنهما في بحار الأنوار: 48 / 227 / ح29.
[288] حياة الإمام موسي بن جعفر: 2 / 526.
[289] كمال الدين: 38 عيون الاخبار 1: 99 ح5.
[290] عيون الاخبار: 1 / 100 ح6. وعنه في بحار الأنوار: 48 / 222 ح29.
[291] أي متسلّباً من الملابس الرسمية الفاخرة لابساً لباس الحداد، كما في اللغة.
[292] كمال الدين: 38، عيون الاخبار: 1 / 99 / ح5، وعنهما في وبحار الأنوار: 48 / 227 ح 29.
[293] كشف الغمة: 2 / 255.
[294] بحار الأنوار: 75 / 336.
[295] الاحتجاج: 1 / 8.
[296] الكافي: 1 / 62.
[297] الاختصاص: 281.
[298] المحاسن: 1 / 205، وبحار الأنوار: 2 / 122.
[299] المحاسن: 1 / 214.
[300] اُصول الكافي: 1 / 56.
[301] الزمر (39): 17 ـ 18.
[302] البقرة (2): 163 ـ 164.
[303] النحل (16): 12.
[304] الزخرف (43): 1 ـ 3.
[305] الروم (30): 24.
[306] الأنعام (6): 32.
[307] القصص (28): 60.
[308] الصافات (37): 137 ـ 138.
[309] العنكبوت (29): 43.
[310] البقرة (2): 170.
[311] الأنفال (8): 22.
[312] لقمان (31): 25.
[313] الأنعام (6): 116.
[314] الأنعام (6): 37.
[315] مضمون مأخوذ من آي القرآن.
[316] سبأ (34): 13.
[317] ص (38): 24.
[318] هود (11): 40.
[319] البقرة (2): 269.
[320] ق (50): 37.
[321] لقمان (31): 11.
[322] العَيلة: الفاقة.
[323] نصب ـ من باب ضرب علي صيغة المجهول ـ بمعني وضع أو من باب التفعيل من نصب الامير فلاناً ولاّه منصباً.
[324] اعتقد الشيء: نقيض حله.
[325] آل عمران (3): 7.
[326] الكفر في الاعتقاد والشر في القول والعمل والكل ينشأ من الجهل.
[327] الرشد في الاعتقاد والخير في القول والكل ناشئ من العقل.
[328] أي ملاك الامر وتمامه في أن يكون الانسان كاملا تام العقل هو كونه متصفاً بمجموعة هذه الخصال.
[329] لا تمنحوا الجهال أي لا تعطوهم ولا تعلموهم. والمنحة: العطاء.
[330] معادلاً وموازياً في الخطر أي القدر والرفعة.
[331] ههنا كلام نقله صاحب الوافي عن استاذه ـ رحمهما الله ـ قال: وذلك لأن الابدان في التناقص يوماً فيوماً لتوجه النفس منها الي عالم آخر فان كانت النفس سعيدة كانت غاية سعيه في هذه الدنيا وانقطاع حياته البدنيّة الي الله سبحانه والي نعيم الجنة لكونه علي منهج الهداية والاستقامة فكأنه باع بدنه بثمن الجنة معاملة مع الله تعالي ولهذا خلقه الله عزّ وجلّ وان كانت شقيّة كانت غاية سعيه وانقطاع أجله وعمره الي مقارنة الشيطان وعذاب النيران لكونه علي طريق الضلالة فكأنه باع بدنه بثمن الشهوات الفانية واللذات الحيوانية التي ستصير نيراناً محرقة مؤلمة وهي اليوم كامنة مستورة عن حواسّ أهل الدنيا وستبرز يوم القيامة (وبرّزت الجحيم لمن يري) معاملة مع الشيطان وخسر هنالك المبطلون.
[332] الزمر (39): 12.
[333] اي استنماؤه بالكسب والتجارة.
[334] التعنيف: اللؤم والتوبيخ والتقريع. والمراد انّ العاقل لا يرجو فوق مايستحقه وما لم يستعدّه.
[335] (وما حوي) أي ما حواه الرأس من الاوهام والافكار بأن يحفظها ولا يبديها ويمكن أن يكون المراد ما حواه الرأس من العين والاذن وسائر المشاعر بأن يحفظها عمّا يحرم عليه. وما وعي أي ما جمعه من الطعام والشراب بأن لا يكون من حرام. والبلي ـ بالكسر ـ: الاندراس والاضمحلال.
[336] هذا الكلام مشهور معروف بين الفريقين متواتر منقول عن النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم. والمحفوفة: المحيطة. والمكاره: جمع مكرهة -بفتح الراء وضمّها-: مايكرهه الانسان ويشق عليه. والمراد أن الجنة محفوفة بما يكره النفس من الاقوال والافعال فتعمل بها، فمن عمل بها دخل الجنة، والنار محفوفة بلذات النفس وشهواتها، فمن أعطي نفسه لذّتها وشهوتها دخل النار.
[337] الذؤابة من كل شيء: أعلاه. ومن السيف: علاقته. ومن السوط: طرفه. ومن الشعر: ناصيته. وعتا يعتو عتوا، وعتي يعتي عتياً بمعني واحد اي استكبر وتجاوز الحدّ، والعتو: الطغيان والتجاوز عن الحدود والتجبّر.
[338] الحدث: الأمر الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنّة.
[339] اللمّاظة ـ بالضم ـ: بقية الطعام في الفم. وأيضاً بقية الشيء القليل. والمراد بها هنا الدنيا.
[340] يهولكم أي يفزعكم وعظم عليكم.
[341] مؤونة المراقي: شدة الارتقاء، والمرافق: المنافع وهي جمع مرفق ـ بالفتح ـ: ما انتفع به.
[342] الامد: الغاية ومنتهي الشيء، يقال: طال عليهم الامد أي الأجل. والنور ـ بالفتح ـ: الزهرة.
[343] الغبّ ـ بالكسر ـ: العاقبة، وأيضا بمعني البعد.
[344] القطران ـ بفتح القاف وسكون الطاء وكسرها أو بكسر القاف وسكون الطاء ـ: سيّال دهني شبيه النفط، يتخذ بعض الاشجار كالصنوبر والارز فيهنأ به الابل الجربي ويسرع فيه اشعال النار. وقوله: (نتنه) أي خبت رائحته.
[345] كناية عن الموت فإنه يأتي في الغداة والرواح.
[346] الحداء ـ بالكسر ـ: جمع حدأة ـ كعنبه ـ: طائر من الجوارح وهو نوع من الغراب يخطف الاشياء والخاطفة من خطف الشيء يخطف كعلم يعلم ـ: استلبه بسرعة والغادرة: الخائنة والعاتي: الجبّار.
[347] الفريسة: ما يفترسه الاسد ونحوه.
[348] المنخل ـ بضم الميم والخاء أو بفتح الخاء ـ: ما ينخل به. والنخالة ـ بالضم ـ: ما بقي في المنخل من القشر ونحوه.
[349] جثا يجثو وجثي يجثي: جلس علي ركبتيه أو قام علي أطراف الاصابع. وفي بعض النسخ (حبواً) أيپ زحفاً علي الركب من حبا يحبو وحبي يحبي: اذا مشي علي أربع.
[350] الوابل: المطر الشديد الضخم القطر.
[351] المشاء: الكثير المشي. وأيضا النمام والمراد ههنا الاول. والارب ـ بفتحتين ـ: الحاجة. وفي بعض النسخ (الي غير أدب).
[352] الاكياس: جمع كيّس ـ كسيّد ـ الفطن، الظريف، الحسن الفهم والادب.
[353] البذاء: الفحش. والبذي ـ علي فعيل ـ: السفيه والذي أفحش في منطقه.
[354] الشاجب: الهذّاء المكثار أي كثير الهذيان وكثير الكلام. وأيضاً الهالك وهو الانسب.
[355] أي يحسن الثناء وبالغ في مدحه اذا شاهده: ويعيبه بالسوء ويذمّه اذا غاب.
[356] الضيعة ـ بالفتح ـ: هذا من قبيل تسمية الشيء باسم ضدّه كالمفازة للصحراء التي يخاف فيها الهلاك، فالضيعة هنا يعني موطن الإنسان كما لازال يستعمل بهذا المعني في عامّة بلاد الشام. وكففت عليه أي رزقته الكِفاف وهو في وطنه غير مسافر في طلب الرزق.
[357] اليد العليا: المعطية المتعلقة.
[358] الرحمن (55): 60.
[359] أي له الفضيلة بسبب ابتدائه بالاحسان، فهو أفضل منك.
[360] اغتبط: كان في مسرة وحسن حال.
[361] الصفا: الحجر الصلد الضخم.
[362] شمخ ـ من باب منع ـ: علا ورفع.
[363] أي كسره وجرحه.
[364] أي عرفه إلي حدّ التعقل.
[365] استطال عليهم: أي تفضل عليهم.
[366] عني ـ بصيغة المجهول أو المعلوم ـ بالأمر كلّف ما يشقّ عليه. وفي بعض النسخ (أعني لغيره) أي يدخل غيره في العناء والتعب. هذا ويحتمل أن يكون الأصل (فهو لغيّ لغير رشدة) فصحّف.
[367] العطب: الهلاك.
[368] الضاري: الحيوان السبع، من ضرّ الكلب بالصيد يضرو: تعودّه وأولع به. وأيضا: تطعم بلحمه ودمه.
[369] أي إذا اختص العاقل بنعمة ينبغي له أن يشارك غيره في هذه النعمة بأن يعطيه منها.
[370] قال المجلسي (رحمه الله) كأنّ فيه حذفاً وايصالا أي تغلب علي الحكمة أي يأخذها منك قهراً من لا يستحقها بأن يقرأ علي صيغة المجهول أو علي المعلوم أي تغلب علي الحكمة فانها تأبي عمّن لا يستحقها. ويحتمل أن يكون بالفاء والتاء من الافلات بمعني الاطلاق فانهم يقولون: انفلت مني كلام أي صدر بغير رويّة.
[371] الافاقة: الرجوع عن الكسر والاغماء والغفلة الي حال الاستقامة.
[372] يترضّاه: أي يطلب رضاه.
[373] الاختلاق: الافتراء. وفي بعض النسخ (واخلاق) والظاهر أنه جمع خلق ـ بالتحريك ـ أي البالي. والعرض: النفس والخليقة المحمودة ـ وأيضا: ما يفتخر الانسان من حسب وشرف.
[374] الركن: العزّ والمنعة. وأيضا: ما يقوي به. والأمر العظيم. أي لا يكن صبره في المجاهدة أقوي منك. فانك إذا كنت علي الاستقامة في مخالفته يكون مع قوّته أضعف منك ركناً وضرراً.
[375] الامثل: الافضل.
[376] أي هو أول مخلوق من المنسوبين الي الروح في مدينة بنية الانسان المتمركزين بأمر الربّ والسلطان في مقرّ الحكومة العقلية. فهو أولّها ورأسها ثم يوجد بعده وبسببه جنداً فجنداً إلي أن يكمل للانسان جودة العقل.
[377] بحار الأنوار: 75 / 296 ـ 319.
[378] بحار الأنوار: 75 / 296 ـ 319، التوحيد: 76.
[379] اُصول الكافي: 1 / 149 والخصال: 359.
[380] اُصول الكافي: 1 / 102.
[381] اُصول الكافي: 1 / 105.
[382] خصائص الأئمة للشريف الرضي: 72، 73 وعنه في الطُرف لابن طاووس: 25 ـ 27 وعنه في بحار الأنوار: 22 / 482 ـ 484 والخبر كالسابق عن رسالة الوصية لعيسي بن المستفاد أبي موسي الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809.
[383] خصائص الأئمة للشريف الرضي: 73 ـ 75 وعنه في الطُرف: 29 ـ 34 وعنه في بحار الأنوار: 22 / 484 ـ 487. والخبر كسابقه عن رسالة الوصية لعيسي بن المستفاد أبي موسي الضرير البجلي البغدادي المضعّف في النجاشي: 297 برقم 809.
[384] الاختصاص: 269.
[385] اُصول الكافي: 1 / 179.
[386] اُصول الكافي: 1 / 275.
[387] البصائر: 66.
[388] اُصول الكافي: 1 / 206.
[389] اُصول الكافي: 1 / 425.
[390] بصائر الدرجات: 264.
[391] بصائر الدرجات: 265.
[392] اُصول الكافي: 1 / 427، والمناقب: 3 / 107 ومعه نحوه عن أبيه الصادق عن النبي(صلي الله عليه وآله) في علي(عليه السلام).
[393] بصائر الدرجات: 198.
[394] الكافي: 1 / 437.
[395] قرب الاسناد: 142.
[396] علل الشرايع: 2 / 289، وعقاب الأعمال: 248.
[397] كمال الدين: 220.
[398] كمال الدين: 413.
[399] الاختصاص: 268.
[400] الاختصاص: 269.
[401] البصائر: 44.
[402] البصائر: 44.
[403] اُصول الكافي: 1 / 264.
[404] بصائر الدرجات: 126.
[405] البصائر: 147.
[406] البصائر: 288.
[407] البصائر: 316.
[408] اُصول الكافي: 1 / 311.
[409] اُصول الكافي: 1 / 312.
[410] اُصول الكافي: 1 / 312.
[411] اُصول الكافي: 1 / 312.
[412] اُصول الكافي: 1 / 312.
[413] اُصول الكافي: 1 / 312.
[414] اُصول الكافي: 1 / 312.
[415] اُصول الكافي: 1 / 313.
[416] اُصول الكافي: 1 / 313.
[417] عيون الأخبار: 1 / 26.
[418] عيون الأخبار: 2 / 131.
[419] علل الشرايع: 1 / 233، والكافي: 1 / 336، وغيبة النعماني: 154.
[420] الخصال: 169.
[421] كمال الدين: 360.
[422] كمال الدين: 360.
[423] كمال الدين: 361.
[424] كمال الدين: 361.
[425] كمال الدين: 368.
[426] رجال الكشي: 15.
[427] اُصول الكافي: 2 / 38.
[428] بحار الأنوار: 71 / 208.
[429] المحاسن: 150.
[430] اُصول الكافي: 2 / 388.
[431] تفسير العياشي: 1 / 34.
[432] اُصول الكافي: 2 / 399.
[433] اُصول الكافي: 2 / 268.
[434] اُصول الكافي: 2 / 272.
[435] اُصول الكافي: 2 / 276.
[436] اُصول الكافي: 2 / 276.
[437] بحار الأنوار: 74 / 233.
[438] اُصول الكافي: 74 / 235.
[439] معاني الأخبار: 243.
[440] اُصول الكافي: 2 / 225.
[441] اُصول الكافي: 2 / 113.
[442] بحار الأنوار: 71 / 293.
[443] بحار الأنوار: 71 / 293.
[444] اُصول الكافي: 2 / 358.
[445] بحار الأنوار: 75 / 262.
[446] التهذيب: 6 / 175.
[447] اُصول الكافي: 5 / 56، والتهذيب: 6 / 176.
[448] بحار الأنوار: 100 / 87.
[449] بحار الأنوار: 100 / 87.
[450] بحار الأنوار: 100 / 15.
[451] بحار الأنوار 100 / 15.
[452] بحار الأنوار 100 / 15.
[453] بحار الأنوار 100 / 15.
[454] بحار الأنوار 100 / 15.
[455] بحار الأنوار 100 / 15.
[456] بحار الأنوار 100 / 15.
[457] اُصول الكافي: 5 / 44.
[458] اُصول الكافي: 5 / 75، والفقيه: 3 / 162.
[459] التهذيب: 6 / 184.
[460] بحار الأنوار: 72 / 67.
[461] بحار الأنوار: 72 / 67.
[462] بحار الأنوار: 103 / 86.
[463] بحار الأنوار: 103 / 86.
[464] الفقيه: 3 / 165.
[465] اُصول الكافي: 5 / 318.
[466] مكارم الاخلاق: 316.
[467] مكارم الأخلاق: 448.
[468] بحار الأنوار: 93 / 297.
[469] ثواب الأعمال: 111 ـ 112.
[470] ثواب الأعمال: 111 ـ 112.
[471] كامل الزيارات: 335.
[472] كامل الزيارات: 319.
[473] كامل الزيارات: 321.
[474] التهذيب: 6 / 104.
[475] تحف العقول: 403.
[476] الاختصاص: 32.
[477] أي لا يجده بطيئاً.
[478] رواه الصدوق(رحمه الله) في التوحيد، باب العلم، باسناده عن الكاهلي عن موسي بن جعفر(عليه السلام). وعبدالله ابن يحيي الكاهلي الاسدي الكوفي، أخو اسحاق بن يحيي من وجوه أصحاب الصادق والكاظم(عليهما السلام) وله كتاب.
[479] بحار الأنوار: 75 / 319.
[480] الحشمة: الانقباض والاستحياء.
[481] تحف العقول: 408 ـ 411.
[482] الصرور ـ بالصاد المهملة ـ الذي لم يتزوّج أو لم يحج.
[483] الامّع والامّعة ـ بالكسر فالتشديد ـ قيل: أصله (أني معك).
[484] النجد: الطريق الواضح المرتفع. وقوله(عليه السلام): «انما هما نجدان» فالظاهر اشارة الي قوله تعالي في سورة البلد آية 10: (وهديناه النجدين).
[485] دميم المنظر أي قبيح المنظر من دمّ دمامة: كان حقيراً وقبح منظره.
[486] الزهو: الفخر والكبر قال الشاعر: لا تهين الفقير علّك أن تركع يوماً والدهر قد رفعه.
[487] تحف العقول: 412 ـ 413.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.