عليه السلام

اشارة

سرشناسه : سيد، كمال، - 1336

عنوان و نام پديدآور : عليه السلام/ المولف كمال السيد

مشخصات نشر : قم: انصاريان، 1424ق. = 2003م. = 1382.

مشخصات ظاهري : ص 104

شابك : 964-438-307-2 ؛ 964-438-307-2

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي.

موضوع : محمدبن علي(ع)، امام پنجم، 114 - 57ق. -- سرگذشتنامه

رده بندي كنگره : BP44/س 9ع 8

رده بندي ديويي : 297/9552

شماره كتابشناسي ملي : م 82-33416

اشعة المغيب

عندما استيقظ الصبي وجد نفسه في هودج في قافلة تخترق الصحراء بين المدنية و مكة، و قد تكاثفت الظلمات بعضها فوق بعض، و اشتد سطوع النجوم و سمع صوتا عرف فيما بعد أنه جده: (و لما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) و تذكر الصبي الذي ناهز الرابعة من عمره كيف اجلسه جده في حضنه و قبله و قال له: - رسول الله يقرؤك الاسلام. [1] . و ظلت الكلمات تطوف في روحه و خياله. كانت القافلة تنساب في قلب الرمال في طريق تكاثفت فيه الظلمة وسطعت فيه النجوم. كان الاطفال غارقين في نوم عميق و سفن الصحراء تنساب بين أمواج رمال تمتد الي الافق البعيد. كان الصبي الذي يحمل اسم جده النبي يملأعينيه من السماء الواسعة المرصعة بالنجوم. ربما كان هناك ما يرتسخ في اعماق ذلك الصبي الذي قدر [ صفحه 10] له ان يشهد اول ملحمة فداء في تاريخ الانسان.. كان القدر قد انتخبه ليكون شاهد [2] عصره. انه الآن في آخريات عام 60 ه و قد مضي نصف قرن علي رحيل آخر الانبياء في تاريخ الانسان. ربما تساول الصبي في اعماقه لماذا يحمل اسم جده و لماذا خصه الجد الراحل بتحية مباركة من عندالله؟ هذا العالم الملي ء بالأسرار الله

سبحانه وحده الذي يراقب الاعماق يراقب حركة الانسان و الشاهد علي مسار التاريخ البشري و شاء سبحانه أن يختار من بين عباده شهداء. و قد قدر للصبي الذي ناهز الرابعة من عمره أن يشهد حادثة خالدة حادثة لا نظير لها في تاريخ الانسان عند ما قدر له أن يكون أحد الذين رافقوا آخر الاسباط في حركته من أجل تصحيح مسار التاريخ من المدينة الي مكة و من مكة الي بقعة بالقرب من نهر الفرات حيث وقعت الواقعة الكبري. لا أحد يعرف كيف مرت لحظات الحصار في تلك البقعة في دنيا الله... لا أحد يعرف بم كان يفكر الاطفال و هم يشعرون بالظمأ فيما كان الفرات تتدافع أمواجه نحو الخليج لماذا يمنعون الماء؟! - كانت العيون الحزينة ترنو صوب الفرات. شفاه يابسة تحلم بالمطر.. وفتيات بطهر الندي، بلغت قلوبهن [ صفحه 11] الحناجر يصغين برعب الي طبول قبائل تحلم بالغزو و السبي.. و نسور مجنونة تحوم في السماء.. تترقب لحظة الانقضاض.. هي ذي لحظات الغروب تتراكم ملتهبة و مياه الفرات تتدافع خلف أشجار النخيل و بدت الذري متقدة.. الليل يوشك أن يهبط و حمرة المغيب القانية تستحيل الي رماد.. لقد حل الظلام في ذلك اليوم الحزين، كغراب يجثم فوق غصن ميت في مساء خريفي، و بدا هلال محرم قاربا تائها في سماء قائمة الحزن.. غراب يجوس خلال الخيام ينشر ظله الثقيل.. و آهات تصاعد من كل مكان و أمنيات خضراء تحلم بالمطر و الخصب و الربيع. و يطل يوم عاشوراء ليكون أطول يوم في تاريخ الانسان. كان الفجر يشبه رمادا ذرته الريح في العيون. الفرات ما يزال يجري صوب الجنوب كحية تسعي و القبائل التي تحلم

بالسبي و الأسلاب تنظر بعيون متنمرة الي مضارب خيام تعصف بها الريح من كل مكان. اختلطت اصوات عديدة؛ رغاء جمال و صهيل خيول وقعقعة رماح و سيوف تبرق من بعيد. و اشرقت الشمس حمراء حمراء بلون الدماء.. و التمعت ذري النخيل و توهجت ذرات الرمال و اصطبغت وجوه القبائل بلون [ صفحه 12] الجريمة.. لقد استيقظ الشيطان وراح يعربد كأنه يحتفل بجولته لقهر الانسان. الجموع المحتشدة تموج كالسيل.. تريد أن تستبيح العالم الاسلامي بأسره؛ لن يقف في طريقها سوي الحسين و قد وقف وحيدا، و ما عساها تفعل قافلة في مهب اعصارر فيه نار.. سبعون سنبلة خضراء تحدق بها آلاف و آلاف من الجراد! كل العيون الحالمة ترنو الي راية ما تزال تخفق راية كتب عليهه «نصر من الله و فتح قريب...». زالت الشمس وراحت تجنح نحو المغيب و المعركة التي بدأت مع طلوع الشمس سوف تنتهي مع انطفاء الشمس لتولد شمس أخري شمس تسطع في النفوس.. تعلم الانسان معني الحرية.. تعلم الانسان معني الحياة. لا حياة مع الذل و لا موت مع الكرامة.. أجل سوف يبقي هذا اليوم الطويل شاهدا علي مجد الانسان عندما يلتحم بالسماء.. في هذا اليوم الخالد قهر الحسين الموت و الحق به الهزيمة.. من أجل هذا سيبقي الحسين ما بقي الضمير الانساني. يا للهول هوت الراية شهيدة مضمخة بدماء الانبياء و هوي «ذوالفقار» بعد أن سطر في دنيا المقاومة اروع ملحمة في الاستبسال و هوي الحسين جسدا مجرحا تتدفق منه الدماء نافورة حمراء [ صفحه 13] حمراء بلون الحرية. اجل أضحي جسد الحسين الآن هامدا بلا حراك بعد أن دوخ القبائل... أجل هو الآن ساكن أما روحه فقد استوعبت الوجود

و التاريخ و الانسان... انبرت عشرة خيول لترض الجسد الشهيد لتمزق الذي قال لا في زمن الخنوع.. لتحطم الذي لم يعرف الخوف و الهزيمة.. أجل اثبت الحسين في تلك الظهيرة العظمي انه من الممكن تدمير الانسان و لكن من المستحيل هزيمته. و عندما عبرت الخيول من فوق جسد الحسين.. انهارت كل المقاييس و لم تعد هناك حدود.. و لم يعد هناك معقول و لا معقول و لم يعد هناك من مقدس.. كل العالم الاسلامي مستباح أمام خيل «يزيد». و ظلت كلمات السبط تردد في المدي: - يا أمة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته. أما أنكم لا تقتلون رجلا بعدي؛ فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم اياي. و لقد صدقت نبوء الحسين بعد أن اجتاحت جيوش يزيد المدينة المنورة و قتل المئات من الصحابة و انتهكت ألف عذراء.. و اعقب مذبحة الحرة في مدينة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم أن حوصرت مكة [ صفحه 14] المكرمة و قصف بيت الله الحرام بالمجانيق و احرقت الكعبة و لم يعد هناك من حياء في عصر يزيد.. ان أصعب لحظة في حياة الاطفال أن يروا ذئابا بشرية تتدفق نحو خيام تعصف بها الريح من كل مكان.. و قد استعرت شهوة الغزو و النهب في النوفس المنحطة. فر الاطفال علي وجوههم و قلوبهم تبحث عن رجل كان يحمي طفولتهم و يصون براءتهم. الأيدي الصغيرة تتشبث بالريح و القبائل المتوحشة تطارد نسوة حاسرت و المخاطب البشرية تنتزع بقوة أقراطا و أساور. و بدا «ذو حسم» ذلك الجبل المطل علي أرض الملحمة ناسكا حزينا أو شيخا أحنت هامته السنون؛ فهو ينظر ساهما الي ما يجري في

هذه البقعة من دنيا الله. الذئاب البشرية ما تزال تعوي مأخوذة بشهوة النهب؛ كأعصار فيه نار كانت القبائل تعصف بالخيام و فر الاطفال كطيور هاربة من سفن غرقت وسط الامواج الهائجة. مرت سنوات. سنوات طويلة ولكن الصبي الذي شهد الفاجعة لم ينس ولن ينسي ما حدث في ذلك اليوم الطويل؛ و طالما سمع [ صفحه 15] يقول: - قتل جدي الحسين ولي أربع سنين و اني لأذكر مقتله و ما نالنا في ذلك الوقت. [3] . و قد قدر لهذا الصبي الطاهر أن ينشأ نشأة جهلته يكتشف الطريق في زمن كثرت فيه الزلازل التاريخية و بعد أن جثم شبح الرعب الاموي فوق الأرض الاسلامية من تخوم خراسان حتي سواحل افريقيا علي المحيط. و كانت كلمات والده العظيم قناديل تضي ء له دروب الحياة. لقد كان زين العابدين يمثل نقطة السلام و النور في ذلك الزمن العصيب العارق في ظلمات الظلم و القهر و الاستبداد. و قد اطلعت الاجيال علي رسالة علي بن الحسين في الحقوق فكانت خمسين مادة حقوقية ما تزال حتي اليوم نابضة بالجلال مفعمة بالانسانية و الخير للناس كل الناس. و كان محمد يتشرب كلمات والده فتصبح جزء من روحه وكيانه و تندمج في وجوده اندماج النور في النور و الهواء في الهواء ليصبح محمد امتدادا لوالده و استمرارا لمسيرته الانسانية. و يكاد المرء يتصوره جالسا في حضرة أبيه يتلقي الكلمات.. كلمات الحق و الحقيقة و كشوفات الانسان عند ما تمسه السماء: - يا بني! [ صفحه 16] لا تصحبن خمسة، و لا تحادثهم! لا تصحبن الفاسق فانه يبيعك بأكلة فما دونها. و يتساءل محمد: - يا أبت و ما دونها؟! فيقول الوالد الحكيم:

- يطمع فيها ثم لا ينالها. و لا تصحب البخيل: فانه يقطع بك أحواج ما تكون اليه. و لا تصحب الكذاب: فانه بمنزلة السراب يبعد عنك القريب و يقرب منك البعيد. و لا تصحب الأحمق: فانه يريد أن ينفعك فيضرك. و قد قيل: عدو عاقل خير من صديق أحمق. و لا تصحب قاطع رحم فانه ملعون في كتابه الله في ثلاثة مواضع: في سورة محمد قال تعالي: (فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمي أبصارهم) [4] . و في سورة الرعد حيث يقول تعالي: (و الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون مآ أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أؤلئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار). [5] . و في سورة الاحزاب حيث يقول الله تعالي: (ان الذين يؤذون [ صفحه 17] الله و رسوله لعنهم الله في الدنيا و الآخرة و أعد لهم عذابا مهينا). [6] . و يعلمه فعل الخيرات قائلا له: - افعل الخير الي كل من طلبه منك، فان كان أهلا فقد أصبت موضعه و ان لم يكن بأهل كنت أنت أهله. و ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الي يسارك و اعتذر اليك فاقبل عذره [7] . و في زمن أصبح فيهه الكذب أمرا عاديا في حياة المجتمع قال زين العابدين لأولادة: «اتقوا الكذب؛ الصغير منه و الكبير، في كل جد و هزل: لأن الرجل اذا كذب في الصغير اجترا علي الكبير». و قال له مرة: - يا يني العقل رائد الروح، و العلم رائد العقل و العقل ترجمان العلم واعلم ان اعلم ابقي،

و اللسان أكثر هذرا. و ان اصلاح الدنيا بحذ افيرها في كلمتين، بهما اصلاح امعائش مل ء مكتال ثلثاه فطنطة و ثلثه تغافل.. لأن الانسان لا يتغافل عن شي ء قد عرفه ففطن له. و اعلم ان الساعات تذهب عمرك، و انت لا تنال نعمة الا بفراق أخري و اياك و الامل الطويل فكم من مؤمل لا يبلغه، و جامع مال لا يأكله، و مانع مال سوف يتركه، و لعله من باطل جمعه، و من [ صفحه 18] حق منعه، أصابه حراما وورثه و احتمل اصره وباء بوزره و ذلك هو الخسران المبين). [8] . و تنفذ هذه الكلمات في أعماقه نفوذ الماء في أغوار الأرض و تتجذر في روحه لتنبت و تعطي أكلها بعد حين.. سوف تتفتح في وجوده عبقرية فريدة؛ و سوف تجده يشمر عن ساعديه يبقر أرض المعرفة بقرا، مستخرجا كنوز العلم و الثقافة الأصيلة ليتألق في سماء المعرفة و يعرف لدي الناس بالباقر.

انهيار السد

في تلك اللحظة التي عبرت فيها خيول يزيد من فوق صدر الحسين انهارت السدود و اصبح العالم الاسلامي مسرحا لعمليات دموية رهيبة.. اجتاحت جيوش الشام المدينة المنورة و ارتكبت فيها مذبحة مروعة و أصبح «يوم الحرة» جرحا نازفا في ذاكرة أهلها و تلا ذلك حصار مكة و قصف الكعبة بالمجانيق الي ان احترق جانب منها.. و غرق العالم الاسلامي في دوامة من الرعب و القتل و لم تعد هناك من معايير او حدود.. كل شي ء ملك للخليفة الملك حتي و ان تسمي بعبد الملك. و مضي التاريخ يشعل الحوادث علي امتداد الارض الاسلامية [ صفحه 19] المترمية الاطراف، و خلال ثلاثة عقود وقعت حوادث كبري احدثت تغيرات جوهرية في

النسيج الفكري و لم تكن هناك نقطة سلام الا تلك النقطة المحاصرة في المدينة المنورة، حيث يعيش بقية السيف علي بن الحسين زين العابدين. في ذلك الزمن الردي ء و في تلك الحقبة العاصفة كان ذلك الانسان يمثل ضمير الأمامة الحقيقي.. الضمير المحاصر و هو يقاوم عربدة الغرائز التي ايقظها ملوك بني امية و طغاتها.

الحوادث

في عام 64 ه توفي يزيد في ظروف غامضة، و توفي مسلم بن عقبة الذي اطلق عليه اسم «مسرف» لكثرة ما أوغل في دماء الابرياء و تكفي مذبحة الحرة في المدينة المنورة لا دانته و كفره بالاسلام و انسلاخه عن الانسانية و استقبل. اقليم الشام تنازل معاوية الثاني عن الخلافة و طعنه في والده وجده بشي ء من الذهول، و قد اعقب ذلك انفجار النزاع المدمر بين القبائل القيسية و اليمانية و هي البذرة المشؤومة التي زرعها معاوية بن أبي سفيان. و بلغ الانحطاط درجة رهيبة أن راح عبيدالله بن زياد ذلك الطاغيه التافه يتطلع الي الاستيلاء علي الخلافة، بل تمكن من [ صفحه 20] انتزاع تأييد أهل البصرة ولكنهم انقلبوا عليه فطر دوه و هرب متخفيا صوب الشام لينضم الي مروان بن الحكم. و في خضم الصراع المسلح بين بني امية و عبدالله بن الزبير الذي أعلن نفسه خليفة في مكة. ثار الخوارج في اقليم الاهواز و أعلنوا تمردهم علي ارادة عبدالله بن الزبير بعد خلاف وقع بين نافع بن الأزرق و عبدالله بن الزبير حول موقفه من عثمان و علي. كما ثار البربر بقيادة كسيلة معلنا ولاءه للروم و قد تمكن من احتلال مدينة القيروان في تونس فاضطرت الجيوش الاسلامية بعد مقتل عقبة بن نافع الي الانسحاب حتي مدينة برقة

و فيما كان عبدالله بن الزبير يعيد بناء الكعبة بعد احتراقها بفعل القصف ابان الحصار، كان الطاعون يحصد أرواح الناس في البصرة. و في الاردن في عام 65 ه التفت القبائل اليمانية حول مروان فيما أعلن الضحاك بن قيس الفهري زعيم القبائل القيسية تأييده لا بن الزبير. و في «مرج راهط» بالقرب من دمشق اشتبكت الحشود في ملحمة دامية أسفرت عن انتصار القبائل اليمانية و اعلان مروان خليفة في كل الاقاليم الخاضعة لنفوذ الشام. و قد استمر الصراع المسلح بين القبيلتين و كان في طليعة الاسباب التي اطاحت بالحكم الأموي. [ صفحه 21] و لم يمكث مروان في الخلافة سوي ستة أشهر و لقي حتفه مخنوقا علي يد ام خالد زوجة يزيد و التي تزوجها مروان من أجل تحطيم شخصية خالد و حتي لا يطالب بالخلافة و فقا للاتفاق الذي ابرم بين حسان بن بحدل زعيم اليمانية و خالد بن يزيد. و في هذا العام توفي الشاعر المخضرم النابغة الجعدي من بني عامر بن صعصعة واسمه حبان بن قيس أبوليلي و قد سمي بالنابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم نبغ فيه.. و هو من الحنفاء الذين انكر الخمر و استنكروا الوثنية في الجاهلية ثم اسلم بعد شروق الاسلام و قابل النبي. شهد الفتوحات في ايران و كان الي جانب الامام علي في حرب صفين. نفاه معاوية الي مدينة اصفهان و مات بعد أن عمر قرنا من الزمن. [9] . كما توفي النعمان بن بشير أول من بايع أبابكر من الانصار في اجتماع السقيفة المعروف. و هو الذي حمل قميص عثمان الي معاوية قتل هاربا من مدينة حمص لتأييده عبدالله بن الزبير. [10] . و

لم يكد العام لينصرم حتي اشتعلت ثورة التوابين التي استهدفت الاطاحة بالحكم الاموي و اتجهت قواتهم بقيادة سليمان بن صرد الي دمشق حيث اصطدمت بالجيش الاموي الجرار القادم لاستعادة العراق من سيطرة ابن الزبير بقيادة عبيدالله بن زياد [ صفحه 22] و جرت المعركة في عين الوردة في نصيبين في الأرض التركية و في معركة غير متكافئه دارت الدائرة علي الثائرين و هوي القائد الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي شهيدا فنظم رفاعة بن شداد عملية الانسحاب الي الكوفة. و ما لبث التوابون أن انصموا الي المختار الثقفي الذي اعلن الثورة في الكوفة من أجل الثأر من قتلة سيدنا الحسين و معاقبة الذين اشتركوا في ارتكاب المجزرة. و من أجل أن يتفرغ عبدالملك الذي اصبح خليفة للحروب الداخلية عقد مع امبراطور الروم معاهدة سلام لمدة خمس سنين تدفع الدولة الاسلامية بموجبها خمسين الف دينار سنويا للروم و اقتسام ضريبة الارض في قبرص و ارمينيا الخاضعتين لنفوذ الدولة الاسلامية. و فيما كانت المجاعة تعصف بالشام و مصر كانت الجيوش الاموية تواصل تقدمها لاستعادة العراق ولكن المختار الثقفي الذي احكم قبضته في الكوفة، يرسل جيشا بقيادة القائد الموهب ابراهيم الاشتر، فاستطاع الاخير من انزال هزيمة ساحقة بالجيوش الأموية و قتل القائد العام عبيدالله بن زياد بالرغم من عدم التكافؤ في القوي و الذي كان يميل لصالح الجيش الاموي، و بذلك بلغ المختار اوج مجده السياسي.. [ صفحه 23] و في هذه الفترة تقاسم كل من الامويين و الزبيريين و المختار الثقفي القائد الشيعي بالاضافة الي الخوارج الثائرين العالم الاسلامي. و في عام 67 كانت جيوش الزبير بقيادة مصعب تغادر البصرة صوب الكوفة و لا سباب غامضة ظل ابراهيم

بن الاشتر مرابطا في الموصل تاركا الكوفة تحت رحمة القدر و ما يزال تجاهله صيحات الاستغاثة القادمة من الكوفة تثير استئلة عديدة. و واجه المختار مصيره بشجاعة باسلة و استطاع أن يقاوم بامكانات محمدودة حصارا قاسيا استمر اربعة أشهر، ثم قرر الاستشهاد فغادر مع سبعة عشر من انصاره القلعة ليقاتل ببسالة الأوف المحدقة و قاتل حتي الرمق الأخير ليسقط شهيدا و هو في السابغة و الستين من الهجرة. [11] . و ارتكب مصعب مجزرة و حشية في القلعة بعد أن اتفق مع المحاصرين علي تسليمها مقابل الأمان. كما أمر باعدام زوجة المختار و هي ابنة النعمان بن بشير فكانت أوول امراة يتم اعدامها بالسيف. و كان ذنبها الوحيد أنها قالت عن زوجها: رحمه الله كان عبدا صالحا. لقد استشهد المختار بعد أن حقق هدفه في تصفية معظم الزمور التي نفذت مجزرة كربلاء و في طليعتهم عبيدالله بن زياد [ صفحه 24] حاكم الكوفة، عمر بن سعد قائد الجيش الاموي في كربلاء، شمر بن ذي الجوشن قائد جناح اليسار و الذي ارتقي صدر الحسين و قام بعليمة الذبح و الحصين بن نمير، محمد بن الاشعث، و حرملة بن كامل و غيرهم من رموز الشر و الانتهازية. و لعل محمد الباقر الذي بلغ من العمر عشرة أعوام قد رأي أباه ولأول مرة يبتسم بعد ان وصلته أنباء محاكمة قتلة الحسين في الكوفة. و قد تزوج الامام زين العابدين من الجارية التي ارسلها المختار اليه ليولد زيد الثائر الشهيد. و في عام 68 ه وصل العالم الاسلامي مرحلة من التمزق مؤسفة و انعكست في الوقوف في عرفات عندما ارتفعت أربع رايات مختلفة كل منها لا تأتم بالأخري و هي

راية محمد بن الحنيفة رواية الخوارج وراية الامويين وراية الزبيريين و كادت النزاعات أن تنفجر. و في هذا العام توفيت ليلي العامرية التي هام بحبها قيس حتي اشتهر بمجنون ليلي. [12] ، و انتشرت قصة حبهما في البوادي و المدن و اصبحت اسطورة من الأساطير الشعبية. و في عام 69 دخل الصراع مع البربر مرحلة حساسة و اصبح البربر أكثر شراسة بسبب سياسات التمييز العنصري التي انتهجها الامويون و أمنعوا من خلالها في أذلالهم. [ صفحه 25] و بدت في سنة 70 ه مؤشرات الحسم لصالح عبدالملك بن مروان اذ انتصرت قواته التي اشتبكت مع الزبيريين في البصرة و الحقت بهم هزيمة ساحقة؛ الأمر الذي فتح الطريق الي العراق و خوض معركة مصيرية و هي معركة دير الجاثليق و ذلك في جمادي الأخرة من سنة 71 ه. و في هذا العام اندلعت ثورة الزنوج في تخوم البصرة فيما يعرف بالبطائح و قد قمعت الثورة بقسوة شديدة علي يد الجلاد المعروف عبدالله بن خالد القسري أمير البصرة. و مع خمود هذه الثورة اندلعت ثورة للخوارج في الاهواز وثورة في البحرين. و تجددت الغارات علي الحدود الاسلامية الشمالية بتحريض من الروم مما اضطر عبدالملك الي دفع أثاوة سنوية تبلغ ثلاثة آلاف دينار سنويا و عقد اتفاقيه سلام لمدة عشر سنين مقابل وقف الغازات. و في عام 72 ه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المسجد الذي بني بأمر عبدالملك بعدما رأي تأثير الدعاية الزبيرية في مكة ضد الامويين فبني مسجد قبة الصخرة ليحج اليه أهل الشام بدل الكعبة. [ صفحه 26]

حقوق الانسان

و في هذه الفترة العاصفة ظهرت رسالة الحقوق للامام زين العابدين و التي تضمنت خمسين مادة

حقوقية. و لم يكتب لهذه الرسالة الاعلان من منبر حكومي او رسمي قظلت ارثا تتناقله الأجيال.. اجيال المقهورين في الأرض العربية.. و كانت ولادة معافاة من كل ما يشوب الكلمة من أهواء و نرجسية.. انها بحق اصداء لضمير الانسان ذلك القانون الأخلاقي المودع في تكوين البشر. و لقد كان الامام زين العابدين و اعيا تماما لما عليه المجتمع في عصره فقد صنفهم الي ستة أصناف فقال: - «الناس في زماننا علي ست طبقات: أسد و ذئاب و ثعالب وء خنازير و شياه، فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد منهم ان يغلب و لا يغلب.. و أما الذئاب فتجاركم يذمون اذا اشتروا و يمدحون اذا باعوا. و أما الثعالب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم و لا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم. و أما الكلاب فيهرون علي الناس بألسنتهم و يكرمها الناس من شر السنتها و أما الخنازير فهولاء المخنثون و اشباههم لا يدعون الي فاحشة الا أجابوا، و أما الشياه فالمؤمنون الذي تجز شعورهم و يؤكل لحومهم و يكسر عظامهم». [ صفحه 27] ثم تساءل الامام بمرارة: «فكيف تصنع الشاة بين أسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير؟!». [13] . و الرسالة موجهة لالنسان المسلم في كل زمان و مكان فهي تبدا بقوله عليه السلام «اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها او منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها». و في هذه الفترة تعرضت مكة لحاصر الجيش الاموي بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي جلاد العراق المعروف و تقصف الكعبة من جديد بالمجانيق و تنتهي الحرب بمصرع عبدالله بن الزبير و صلبه و استعادة

السيطرة علي الحجاز. و خلال ذلك تتعرض الدولة الاسلامية الي تحد خطير عندما هدد الروم بقطع النقد ذلك أن العملة المتداولة يومذاك كانت تضرب في الروم و تحمل شعارات التثليث التي يناهضها الاسلام و بدأت الأزمة عندد ما لا حظ عبدالملك أحد القراطيس المطرزة في مصر فأمر بترجمته الي العربية و ظهر ان الكتابات الرومية تعبر عن الشعار المسيحي الأب و الابن و الروح القدس، فكتب الي أمير مصر يومئذ و هو عبدالعزيز بن مروان والد الخليفة المعروف عمر و أمر بابطال هذا النوع من القراطيس و اعداد قراطيس تحمل شعار [ صفحه 28] التوحيد الاسلامني و يكتب عليها: «اشهد الله أنه لا اله الا هو». و عمم الكتاب الي سائر الاقاليم الاسلامية باستخدام هذا القرطاس و معاقبة المخالفين. و يبدو أن هذا الاجراء أغضب امبراطور الروم جوستنيان الثاني مما دفعه الي الغاء معاهدة السلام الموقعة سنة 70. و قاد حملة عسكرية كبري لاسترداد ارمينيا و تصدت القوات الاسلامية المرابطة للجيش الامبراطوري و جرت معركة ضارية في مدينة «سيواس» و اندحر الجيش الرومي و قد انضم الأرمن بقيادة سنباط الي الجيش الاسلامي كما انضم المقاتلون البغار و عددهم عشرون الف القوات الاسلامية المدافعة. و في مطلع صيف سنة 74 ه و فيما كان العمل جاريا لا عادة بناء الكعبة الشريفة بعد الاضرار التي تعرضت لها بسبب الحرب الأهلية و الاستعدادات قائمة لغزو الروم و صلت تهديدات خطيرة حول قطع النقد، فقد هدد جوستنيان الثاني بضرب دينار جديد يتضمن شتما للنبي صلي الله عليه و اله اذا لم يتراجع عبدالملك عن قراره بشأن القراطيس و عند ما اطلع عبدالملك علي مضمون الرسالة استدعي مستشاريه حول هذه

الأزمة و قال: أحسبني أشأم مولود في الاسلام. و عند ما وجد عبدالملك نفسه في حيرة من أمره قال له وزير روح بن زنباع [14] : أنك لتعلم المخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه. [ صفحه 29] فقال عبدالملك متهلفا: - و يحك من؟! قال الشيخ الذي عركته السنون: - الباقي من أهل بيت النبي. و علي وجه السرعة انطلقت خيول عربية تقطع المسافات باتجاه مدينة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم. و قد استجاب الامام زين العابدين و أرسل ابنه محمدا بعد أن زوده بتعليماته. و قد استقبل موفد الامام استقبالا حافلا ووقف عليه القوم يتطلعون الي وارث الانبياء. كان الخليفة يتهلف لسماع ما يحمله محمد عن أبيه نظر الي ضيفه باجلال و في عينيه سؤال. ابتسم الشاب و قال: - الرأي أن تبعث له برسالة تستمهله فيها مدة من الزمن. - ثم؟! - اجمع ما استطعت من الذهب و الفضه. - و بعد! - و ابدأ بصك الدرهم و الدينار.. وليكن فيهما شعار الاسلام قل هو الله أحد و محمد رسول الله.. [ صفحه 30] فاذا فرغت من ذلك امنع تداول النقد الرومي و اعرض النقد الاسلامي.. و سن لذلك العقوبات لمن يخالف ذلك. و كان «روح» يصغي باعجاب لما يسمع فغمغم: - لله أعلم حيث يجعل رسالته. و انطلقت في الصباح الباكر خيول بلق، تنهب المسافات الي الحواضر و المدن، تحمل رسائل متشابهة، بالغة السرية و شهدت اسواق الصاغة حركة غير عادية و كانت الحلي الذهبية و المصوغات تختفي شيئا فشيئا. و انشئت معامل لصك الدنانير الذهبية، و بدأ العمل بانتاج النقد الجديد و ظهر لأول مرة في التاريخ النقد الاسلامي

يتألق يحمل نداء التوحيد و شعار الرسالة الاسلامية. و عند ما بدأ تداول العملة الجديدة استدعي عبدالملك كاتبه ليسطر ردا قويا يليق قويا يليق بدولة الاسلام الي جوستنيان الثاني الذي فوجي بالدينار الاسلامي فاسقط في يده. و في عام 75 ه دخل العراق عصر الارهاب الحكومي في ابشع صوره عند ما نقل الحجاج عبدالملك بن يوسف من ولاية الحجاز الي حكم العراق. و في هذا العام استأنف البرير الذين استكانوا الي حين ثوارتهم و قد بزرت شخصية نسوية عرفت باسم «الكاهنة» [ صفحه 31] استطاعت توحيد البربر و تكوين جبهة قتال واسعة دحرت فيها الجيوش الاسلامية و تمكنت من السيطرة علي اقليم افريقيا كما عمدت الي تخريب اماكن غاية في الحيوية لصرف المسلمين عن فكرة استردادها. و ثار الخوارج الازارفة في الجزيرة كما ثار الخوارج الصفرية في ايران و حدثت معركة في كازرون بالقرب من مدينة قم و قد قمعت تمردهم و اضطروا الي الانسحاب الي مدينة كرمان شرق ايران. و في سنة 76 تقدم الخوارج الازارقة صوب الكوفة و تمكنوا من احتلالها و احكموا السيطرة عليها بقوة بحيث دمروا كل محاولات الحجاج لا ستردادها. كما شهدت البصرة تورة بقيادة عبدالله بن الجارود كان هدفها طرد الحجاج من العراق و قد اخفقت الثورة و انتهت بمصرع قائدها. و في الهوار المتاخمة للبصرة ثار الزنوج مرة أخري بقيادة شيرزاد. و في سنة 77 استطاع عبدالملك اخماد ثورة الخوارج الازارقة فنشبت ثورة في المدائن بقيادة و الي المدائن نفسه المطرف بن المغيرة بن شعبة الذي و جد في الخوارج حركة ثورية فساندها و أعلن خلع الخليفة و واليه الحجاج و سرعان ما أخمدت الثورة بمقتل المطرف. [

صفحه 32] و في عام 78 ه تجددت غارات الروم علي الحدود الاسلامية فقد أغارت السفن الحربية علي المغرب و تمكن الروم من احتلال قرطاجة و قتل من فيها من المسلمين و امعنت في السب و النهب. و في سنة 80 ه فتك الطاعون بمدينة البطرة و اجتاحت السيول مدينة مكة المكرمة في موسم الحج فجرفت الحجاج و اغرقت البيوت كما شهد هذا العام اشتعال الصراع المسلح مع الا تراك في سجستان و مع البرير في افريقيا و أمارات في تخوم خراسان اضافة الي الصراع مع الارمن في ارمينيا بتحريض من القسطنطينية. و فيما كان الصراع المسلح محتدما بين المسلمين و البربر و من ورائهم الروم اندلعت اخطر تورة بقيادة عبدالرحمن بن الاشعث و ذلك سنة 81 ه و استطاع الثائرون مع الحاق هزيمة بقوات الحجاج و من ثم دخول البصرة فاتحين. و بلغ من خطورة الثورة ان عبدالملك عرض عليه عزل الحجاج و توليته حكم العراق. أما أسباب الثورة فتعود الي سياسة الحجاج التعسفية و خطته في الهاء الجيوش العراقية بحروب توسعية و اشغالهم بالمعارك بعيدا عن التدخل في السياسة و معارضة نظام الحكم الأموي و هي سياسة أقرتها دمشق لتركيع اقليم العراق و اخضاعه. و اطلق علي ثورة ابن الاشعت بثورة القراء لكثرة من التحق بصفوف الثائرين من طبقة القراء تحظي باحترام عموم المسلمين. [ صفحه 33] و بالرغم من ذلك استمرت المعارك مع البربر و الروم و استطاع المسلمون استرداد مدينة قرطاجة الاستراتيجية و طرد الروم منها. و قد ادي ذلك الي اعلان قائد الاسطول البيزنطي التمرد علي المبراطور و تنصب نفسه امبراطورا علي الروم باسم بيتريوس الثالث. و في هذا العام نفذ

الحجاج جريمته الدموية باعدام التابعي الجليل كميل بن زياد النخعي الذي روي دعاء الامام علي عليه السلام المعروف بدعاء كميل [15] . و في سنة 86 ه تمكن يزيد بن المهلب من الحاق الهزيمة با بن الاشعث الذي فر خارج الحدود. و في سنة 86 ه توفي الخليفة عبدالملك بعد أن نصب ابنه الوليد و تفاقم نفوذ الحجاج و اصبح حاكما لمساحات شاسعة تمتد من العراق الي شرق خراسان. و شهد البحر المتوسط معارك طاحنة بين الاسطول الاسلامي و اساطيل الروم. و في هذا العام توفي بسر بن ارطاة أحد قادة معاوية الذي اشتهر بقسوته و دمويته قاد بعد حرب صفين و مهزلة التحكيم غارات وحشية وارتكب مذابح مروعة و كانت معه أوامر بقتل من يؤيد الامام علي عليه السلام. [ صفحه 34] و في سنة 87 ه بم تنصيب عمر بن عبدالعزيز حاكما علي المدينة المنورة. و في هذا العام تمت السيطرة علي المغرب الاقصي و رفع طارق بن زياد لواء الاسلام فوق ربوع «طنجة». و في هذا العام أيضا توفي عبيدالله بن عباس قائد جيش الامام الحسن السبط و الذي الرتكب الخيانة العظمي عند ما قاد أكبر عملية هروب وتسلل من معسكر الخلافة الي معسكر معاوية و تسلم علي الفور نصف الرشوة البالغة مليون درهم. و من المفارقات أن تقترن وفاته بوفاة بسر بن ارطاة الذي ذبح ابنيه في حضن امهما بينهما فر عبيدالله بن عباس تاركا اليمن تحت رحمة جلاد دموي، أما زوجته و هي أم الطفلين البريئين فقد اصيبت بالجنون. [16] . و في عام 88 قام عمر بن عبدالعزيز بتوسعة الحرام النبوي الطاهر و أصبحت مساحة المسجد مئتي ياردة في مئتين. و

في عام عام 90 ه تبادلت الدولة الاسلامية و دولة الروم شن الغارات. و في هذا العام توفي الحسن المثني بن الحسن السبط الذي سقط جريحا في معركة عاشوراء و نجا من القتل بشفاعة.اخواله الفزاريين و قد وجهت اليه اتهامات في عهد عبدالملك بالتحضير للتورة و مراسلة أهل العراق، و لكن حاكم المدينة فند تلك التقارير الكاذبة. [ صفحه 35] و في عام 91 ه بدأت الاستعدادات لفتح الاندلس و عبرت البحر قوات محمدودة لاختبار دفاعات العدو. و في الخامس من رجب سنة 92 ه نيسان سنة 711 م غادر طارق بن زياد ميناء طنجة علي جيش مؤلف من اثني عشر الف جندي من العرب و البربر تحمله سفن عربية و أخري اجنبية استأجرت من حاكم سبته. و مع خلافة الوليد بن عبدالملك ازدادت الأوضاع سوء و بلغ الفساد الاداري مراحل مؤسفة جدا حتي ان عمر بن عبدالعزيز و الي المدينة سمع ذات يوم يقول بمرارة: - الوليد بالشام و الحجاج بالعراق و أخوه محمد باليمن [17] و عثمان بن حيان بالحجاز، أمتلأت الأرض و الله جورا. و شهد هذا العام بدء الفتوح الكبري في الاندلس و اندفاع جيوش الاسلام الظافرة الي مدينة طليطلة عاصمة الدولة القوطية. في عام 93 عزل عمر بن عبدالعزيز عن ولاية المدينة المنورة و اسندت الي عثمان بن حيان. و في القسطنطينية حيث يصادف العام الهجري عام 712 م وقع انقلاب عسكري اطاح بحكم جوستنيان ذهب ضحيته الامبراطور و أفراد اسرته و بمصرعه زال حكم أسرة هرقل. [ صفحه 36] و في عام 94 ه هزت الزلازل الشام و استمرت اربعين يوما و حولت انطاكيا الي خرائب.

رحيل السلام

و في المدينة

المنورة في تلك الليلة الشتائية القارسة البرد افتقد الفقراء ذلك الرجل الذي يحمل تحت جنح الليل الخبز و الدف ء.. لقد انتظروا طوال الليل ولكن دون جدوي و تمر الساعات بطيئة في ليلة تسمرت في سمائها النجوم.. و لم تغمض عيون في المدينة...و الرياح الباردة تجوس الازقة.. تعوي و تولول و هي تطرق النوافذ و الابواب.. حتي اذا طلع الفجر.. سكن كل شي ء.. و قد انطفأت النجوم و انبعثت صرخة في قلب الغبش الرمادي. لقد رحل علي بن الحسين زين العابدين.. و عندها عرف الفقراء هوية الرجل كان يجوس ازقة المدينة و الليل و يهب الفقراء الدف ء و الفرح و الأمل.. و لما انثالت علي جسده الطاهر المياه رأي الناس آثارا فسألوا ما هذا؟ أجاب حفيد له: [ صفحه 37] - لقد كان يحمل علي ظهره جرابا كل ليلة فيطرق منازل الفقراء.. و بكي الناس بفجيعة و مرارة.. لقد رحل السلام فالمدينة يلفها برد و ظلام.. و كانت المدينة تبكي بصمت.. تبكي لرحيل الأشياء الملونة لم يبق منها سوي أطياف تحلق في سماء الذكريات. و لم تمض سوي أيام حتي سمع الناس نبأ اعتقال الفقيه سعيد بن جبير في مكة بناء علي أوامر من الحجاج و سيق مخفورا الي واسط في العراق.. و هناك وقف سعيد أمام جلاده وقفة أدهشت الذين حضروا اللقاء و ادهشت التاريخ. و عند ما هوي رأس الشهيد في بلاط الجلادين سمع الحاضرون صرخة تنطلق من الرأس كان يهتف بصوت فصيح: الله أكبر. و قد اندهش الحجاج الذي كان ينتشي لمنظر الدماء.. اندهش لسيل الدم المتدفق التفت الي طبيبه النصراني تياذوق متسائلا.. قال طبيب الجلادين: - أن كل الذين قتلهم كانوا خائفين..

فيتجمد الدم في عروقهم قبل أن يموتوا.. ما توا قبل أن يقتلوا.. أما سعيد فلا.. ان [ صفحه 38] قلبه ظل ينبض بنفس الطمأنينة.. أجل انها طمأنينة الانسان المؤمن. و من يومها أصيب الحجاج بلوثة في عقله و كان يصرخ بهستيرية: ما لي و لسعيد بن جبير! و لم يلبث الجحاج بعد ذلك الا يسيرا و اصيب بمرض خطير جعله يتمني الموت من العذاب. و مات اجلاد بعد أن حكم العراق بالحديد و النار أكثر من عشرين سنة ووجد في سجونه ثلاثة و ثلاثون ألف سجين بينهم ستة عشر ألف أمراة في ظروف مأساوية. و أخيرا مات جلاد العراق [18] و تنفس العراقيون الصعداء الي حين.في مثل هذه الظروف السياسية العاصفة تصدي محمد بن علي بن الحسين الي مسؤوليته في الامامة و هو في السابعة و الثلاثين من عمره. كل شي ء كان يهتز و لم تكن هناك من معايير راسخة حيث التيارات الفكرية هي الأخري تعصف بالامة يمينا و شمالا و لم تكن هناك مدرسة فكرية تستند الي فكر عميق ينهل من معين صاف؛ من أجل ذلك سوف نري نجل زين العابدين يشمر عن ساعديه ليبقر العلم بقرا فتتفجر ينابيع عذبه و تسيل أودية بقدر. و سوف [ صفحه 39] يدعي الشاب بعد برهة بالباقر، و سيفاجا سكان المدينة المنورة بالصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري ينقل الي الامام تحية من جده الرسول؛ تحية من عند الله مباركة طيبة [19] . أجل في غمرة تلك الظروف تصدي الامام لقيادة طائفة مقهورة مطاردة مضطهدة كانت السيوف الاموية و معتقلاتها تطحنها طحنا اضافة الي مسؤوليته في ترشيد العالم الاسلامي و هو يموج بالأفكار الفوافدة الغربية لا يعرف المرء

من اين أتت و كيف انتشرت.

صور الاسلام

و كان لجنوح النظام الأموي في الانفراد بالحكم و تحوله الي حكم وراثي فاسد و انتهاجه طريقا قوميا شوفينيا الأثر في استياء الأقوام غير العربية التي تعرفت علي صورة الاسلام من خلال ممارسات الحكام الامويين العنصرية؛ فثورات البربر و الحروب الضارية و اشتعال الثورات في الشمال الافريقي يعود الي تعسف الولاة و الحكم و محاولاتهم اذلال الشعوب و بالرغم من الثورات العديدة التي قادها الخوارج فلم يكن لديهم برنامج اصلاحي واضح بل تحولوا الي عناصر تثير الشغب وزعزعة الأمن. و طبع التمرد و العصيان فرقهم العديدة بلا استثناء غير أنهم [ صفحه 40] حصلوا علي بعض التعاطف بسبب تصديهم للحكم الأموي و عدم رضوخهم للظلم و الاضطهاد. لم يسجل التاريخ للخوارج أي امتداد شعبي بالرغم من ثوارتهم العديدة، لقد ألفوا كما يبدو حياة التمرد و تشرذموا فكريا و لم تكن لديهم أية أصالة في طريقة تفكيرهم فاصبحوا هدفا سهلا للحكومات الاموية. ففي سنة 56 - 57 ه تصدي عبيدالله بن زياد يوم كان حاكما علي البصرة الي الخوارج و القي القبض علي مجاميع كبيرة زجهم في السجن متهما اياهم بالتآمر، ثم عرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضا علي أن يطلق سراح القاتلين و نجح في تمرير خطته عليهم فسالت الدماء في الاقتتال و أطلق سراح القاتلين! و في هذا دلالة علي ما وصل اليه الخوارج من انحطاط اخلاقي، اضافة الي تخلفهم الفكري. فقد اعلنوا تفكير هم للامام علي عليه السلام و معاوية و عمر و بن العاص و ابي موسي الاشعري و أصحاب الجمل من عائشة الي طلحة الي الزبير بن العوام. كما اعلنوا ان مرتكب الكبيرة كافر أيضا

و هو خالد في النار و فيما يخص آراءهم السياسية فقد جوزوا أن تكون الخلافة [ صفحه 41] في غير قريش و أن الامامة ليست بالنص و التعيين بل انه لا ضرورة للأمامة أبدا. [20] . و قد حاور الامام الباقر أحد ابرز زعمائهم و هو نافع بن الازرق الذي قاد عدة ثورات و تساءل الامام بعد حديث طويل: - قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أميرالمؤمنين عليه السلام و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته و القربة الي الله في نصرته؟ و سيقولون لك: انه قد حكم في دين الله. فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه رجلين من خلقه فقال: (فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) [21] و حكم رسول الله صلي الله عليه و اله سعد بن معاذ في بني قريضة؛ فحكم فيهم بما أمضاه الله عزو جل، أوما علمتم أن أميرالمؤمنين عليه السلام أنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن و لا يتعديا و اشترط رد ما خالف القرآن من أحكام ارجال و قال: حين قالوا له: قد حكمت علي نفسك من حكم عليك فقال عليه السلام: ما حكمت مخلوقا و انما حكمت كتاب الله. فأين تجد المارقة تضليل من أمر الحكمين بالقرآن و اشترط رد ما خالفه لو لا ارتكابهم في بدعتهم البهتان. و قد فوجي نافع بهذه الادلة التي تفند مواقف و آراء الخوارج و قال: هذا و الله كلام ما مر بسمعي قط، و لا خطر ببالي و هو الحق اناشاءالله» [22] . [ صفحه 42] و سوف نري الخوارج يتشرذمون أكثر فاكثر ثم يتحولون الي مجاميع من السلابين و قطاع الطرق!

الاتجاه الزبيري

اما الحزب الزبيري فلم يكن مؤهلا لا من الناحية الادارية و لا من الناحية الاخلاقية أن يتصدي للحكم الاموي فقد كشفت تجربته القصيرة في الحكم عن قسوة رهيبة، خاصة عند ما نفذ مصعب بن الزبير مذبحة مروعة في حصار قصر الامارة في الكوفة فقتل في بضع ساعات سبعة آلاف من المحاصرين استسلموا بعد أن منحوا الأمان! و لم تكن ممارسات أخوه عبدالله بن الزبير في مكة بأسمي من مصعب. والي جانب الحركات السياسية طفت علي السطح تيارات فكرية، كان لها الاثر في التشويش الفكري، اضافة الي تورط الجهاز الحاكم في تزييف احاديث و اسنادها الي النبي و كان بعضها ينطوي علي افكار هدامة، راحت تفتك في ذهن الأمامة و ثقافتها بابشع مما تفعله الجراثيم. [ صفحه 43]

المرجئة

فقد ظهر المرجئة بأفكارهم و أسهموا في تعزيز الحكم الاموي من خلال افكارهم و آرائهم، و هناك من الدلائل ما يؤكد أن الامويين هم وراء ظهور المرجئة الذين يرفضون بشكل مثير أية معارضة للحكم مهما اقترف من الجرائم السياسية و الثقافية و مهما ارتكب من مذابح انسانية! و لذا نجد ان الملوك سواء كانوا أمويين أو عباسيين يرعون هذه الفرقة و يقدمون لها مختلف اشكال الدعم [23] . و في غمرة هذا الضياع الفكري يستطيع المرء أن يتلمس وجود حركة هادفة في اعماق المجتمع تلك هي حركة أهل البيت فبالرغم من بطش النظام الاموي و مطاردة شيعة آل النبي صلي الله عليه و اله، و سلم الا أن الولاء للائمة من آل محمد صلي الله عليه و اله و سلم ظل متجذرا في النفوس و اتخذ شكلا عقائديا راسخا، منذ يوم عاشوراء حيث ولد الضمير الاسلامي مع مصرع

سيدنا الحسين عليه السلام فداء للاسلام و القرآن و من أجل انقاذ الأمامة الاسلامية و تحرير الانسان المسلم.و اصبح للشيعة بعد واقعة كربلاء فكرا سياسيا واضحا. و قد امتزجت فكرة العدالة و الحرية و الكرامة الانسانية بحركة أهل البيت و أصبح العدل السياسي و العدالة الاجتماعية و حقوق [ صفحه 44] الانسان و الغاء كافة اشكال التمييز العنصري، شعارات كافح من أجل تحقيقها مذهب أهل البيت و قواعده الشعبية. و منذ وقت مبكر كانت العدالة الاقتصادية ورخاء الامة مظلبا ارتبط بالشيعة منذ الجهاد الذي خاضة أبوذر و صرخته المدوية: عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا بخرج شاهرا سيفه! أما التمييز العنصري فقد ظلت كلمات الامام علي تتألق في ضمير الاجيال: «الناس صنفان اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». و لهذا و ذلك اضطهد أئمة أهل البيت و حوصروا و قد أجاب الامام الباقر ذات مرة بمرارة عند ما سئل: كيف أصبحت؟ فقال: - أصحبت برسول الله خائفا و أصبح الناس كلهم آمنين. و قد أصبح التشيع لآل النبي من الاتهامات الخطيرة التي تعرض المسلم للمشاق و ربما تودي بحياته. و قد منحت عقيدة التقية نافذة للخلاص من مطاردة اجهزة الحكم و السلطة و أعلن الامام الباقر عليه السلام بكل شجاعة و اخلاص: ان: «التقيه ديني و دين آبائي، و لا ايمان لمن لا تقيه له». [24] . و كان لهذه الفكرة القرآنية المشروعة دورا في انقاذ ارواح [ صفحه 45] آلاف الابرياء و كانت بمثابة طوق نجاة للمقهورين و دلالة واضحة علي النضج في الفكر السياسي.

افول القيم

غير ان الاعراض المرضية بدأت تظهر في ملامح المجتمع الاسلامي و لم تسلم المدينة المنورة مما

اصاب العالم الاسلامي من مؤشرات علي انحطاطه. فالمدينه المنورة استهدفت من قبل اجهزة الحكم و اشيعت فيها ثقافة جديدة و ظهرت الحالة الغرائزية لتجر طبقات المجتمع المدني الي الترف و الاستغراق في الملذات. و أصبح الشباب الاموي رواد الميوعة و الانحلال فوجدوا من يقلدهم و يسير وراءهم و ظهرت أزياء رجالية فيها من الالوان الزاهية و النعومة ما يصعب تمييزها عن الزي النسوي. [25] . و انتشر الغناء في المدينة و اصبح في طليعة مظاهرها الثقافية واصبح المغنون و المطربون طبقة ثرية. كما اصبح الجدل حول طبيعة الذات الالهية أمرا عاديا جدا يجترا عليه الكثيرون دون حياء أووجل. فقد كان الامام الباقر عليه السلام جالسا في فناء الكعبة عند ما اتجه اليه أحدهم و سأله قائلا: [ صفحه 46] - هل رأيت الله حيث عبدته. فقال الامام: - ما كنت أعبد شيئا لم أره. - كيف رأيته؟ - لم تره الابصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالناس، معروف بالآيات، منعوت بالعلامات، لا يجور في قضيته، بان من الأشياء و بانت الأشياء منه، ليس كمثله شي ء، ذلك الله لا اله الا هو. و نهض الرجل و هو يقول: - الله أعلم حيث يجعل رسالته و قد نجم عن استغراق المجتمع الاسلامي في اللذائذ الحسية ردة فعل لدي الكثيرين فجنحوا نحو التصوف بما يجسد موقفهم السلبي من الحياة و يفسر الزهد بالدنيا تفسيرا خاطئا.

حوار في الشمس

كانت أمواج السراب تتلاطم في الأفق البعيد، و قد بدت بيوت المدينة قوارب صغيرة تطفو و تغرق كطيوف باهته. كان ابن المنكدر [26] يمشي غير مكترث بشواظ الشمس و هي تلفح الوجوه و الاشياء باللهب..

[ صفحه 47] جسمه يتصبب عرقا غزيرا تحت وطاة الظهيرة العظمي و المياه المالحة تفر من مسامات جلد معذب بالحر و الصوف غير ان ابن المنكدر لم يكن يعبا بكل ذلك و كانت تعتريه نشوة صوفية تأخذه بعيدا؛ فتهيم روحه في تلال من ضوء سكرة بخمرة سماوية عجبية! انه لا يشعر بالسعادة كما الآن مذ ترك الدنيا لاهلها و لاذ بعالم شفاف و ندم علي سنوات من عمره أمضاها في العمل و الكدح في عالم يموج بالفتن، بالثورات المشتعلة كحرائق مجنونة اما الآن فهو سعيد.. روحه تسبح في تلال من نور، و اصبحت حياته أحلاما ملونة.. فجأة استيقظ من أحلامه عند ما وقعت عيناه علي منظر مثير.. غمغم: - أجل انه بعينه أبوجعفر الرجل الذي بقر العلم ولكن ماذا يفعل في هذه الظهيرة. انه عائد من عمله في بستان له ولكن اليس من الأفضل أن يتفرغ و هو في هذه السن للعبادة و يدع الدنيا؟! حث خطاه الي حيث يقف الامام عند ساقية صغيرة كان الرجل القرشي الهاشمي يتصبب عرقا غزيرا و هو في شمس تتدفق لهبا: صر ابن المنكدر علي اسنانه و قال بصوت مسموع: [ صفحه 48] - و الله لاعظنه.. قال هل وقد وقف قبالته: - أصلحت الله! شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي مثل هذه الحالة في طلب الدنيا!! ألا تخشي أن يجيئك الموت و أنت علي هذه الحال؟ أجاب الذي بقر العلم بقرا: - و الله لو جاءني علي هذا الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك و عن الناس و انما أخاف الموت اذا جاءني و أنا علي معصية. جفف ابن المنكدر

جبينه الذي تصفد عرقا من الحر و الخجل. أدرك في تلك اللحظة أن العمل عبادة.. طاعة لله.. طريق للحرية و الكرامة الانسانية. رفع رأسه و كان قد أطرق مليا و قال: - رحمك الله أباجعفر أردت أن أعظك فوعظتني. و انصرف الرجل الصوفي فيما راح الامام يبقر الأرض و يعلم الانسان ان العمل و الكدح محراب عبادة لا استغراق في الدنيا.. هكذا قال جده من قبل.. ما تزال كلماته في القلوب المؤمنة. من أجل هذا كان منهج الامام هو احترام العمل و شجع عليه قاطعا الطريق علي اولئك الذين فسروا الزهد بانه انسحاب من [ صفحه 49] ميادين العمل الي الكسل و قد سمع الامام يقول: - الكسل يضر بالدين و الدنيا. و قال يحث بعض أبنائه و من يؤمن به و رسالته: - اياك و الكسل و الضجر فانهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا و من ضجر لم يصبر علي حق. و قال ممجدا العمل و العامل: - من تسلح لطلب المعيشة و الجد فيها خفت مؤنته ورخا باله و نعم عياله. و دمج الجانب الأخلاقي بالحياة الاقتصادية فقال: - بسعة الخلق تطيب المعيشة. و يتأمل عليه السلام في زوايا عصره و ما يجري حوله؛ فيري أن وراء هذه الفوضي جهل مريع بالينابيع الصافية، حيث منشأ الأفكار الأولي التي غيرت وجه الدنيا، و جهل بالتاريخ الاسلام حيث كل شي ء يكتبه السلطان بأقلام مأجوره؛ فيما وقائع التاريخ الاسلامي مودعة في ضمير السلف الصالح لا يستطيع نقلها الا همسا من أجل هذا و ذاك شمر عليه السلام عن ساعديه وراح يبقر حقول العلم و يفجر ينابيعه لتسيل أودية بقدرها.. و من أجل هذا سمع عليه السلام

يمجد العلم و العلماء قائلا: - تعلموا العلم؛ فان تعلمه جنة، و طلبه عبادة، و مذاكرته [ صفحه 50] تسبيح و البحث عنه جهاد، و تعليمه صدقة، و بذلة لأهله قربة. و العلم منار الجنة، و أنس الوحشة، و صاحب في الغربة و رفيق في الخلوة، و دليل علي السراء، و عون علي الضراء و زين عند الاخلاء، و سلاح علي الاعداء. يرفع الله به قوماا ليجعلهم في الخير أئمة، يقتدي بفعالهم و تقتص آثارهم» [27] . و سمع عليه السلام يقول: - عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد. و اعتبر عليه السلام مجالسة العلماء المتقين في طليعة منابع العلم و مصادره: - لمجلس اجلس الي من أثق به أوثق في نفسي من عمل سنة. [28] . هكذا يستحيل طلب العلم في جلسة واحدة الي ما هو أفضل من عباده سنة. و جعل من تذاكر العلم طريقا الي الآفاق الواسعة والي انفتاح ميادين جديدة: - تذاكر العلم دراسة، والدراسة صلاة حسنة [29] . و دعا الي نشر العلم لأن العلم نور يطرد ظلمات الجهل و زكاة العلم في نشره بين الناس: [ صفحه 51] - زكاد العلم ان تعلمه عباد الله. - ان الذي تعلم العلم منكم له أجر مثل الذي يعلمه، و له الفضل عليه، تعلموا العلم، من حملة العلم،و علموه اخوانكم كما علمكم العلماء. والعلم في رأي الامام خزائن و ما الاسئله و التساؤلات الا مفاتيح لاستخراج ما في تلك الخزائن من كنوز: - العلم خزائن و المفاتيح السؤال فاسئلوا. و الامام يدعو الي تطبيق المفاهيم العلمية في واقع السلوك و الحياة لأن العلم بلا عمل ربما يتحول الي خطر يهدد الكيان الانساني:

1 - اذا سمعتم العلم فاستعملوه فان العلم اذا كثر في قلب الرجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه. و نهي عليه السلام عن المباهاة بطلب العلم لأن الهدف الحقيقي من طلب العلم هو الامتلاء، و الامتلاء يؤدي التواضع، كما السنابل المملوءة في الحقل تنحني؛ أما الفارغة فتراها منتصبة بغرور. - من طلب العلم يباهي به العلماء أو يماري به السفاء فليتبوء مقعده من النار. [30] . و وضع عليه السلام معيارا رائعا للعالم الحقيقي و هو معيار أخلاقي بحت: [ صفحه 52] - لا يكون العبد عالما حتي لا يكون حاسدا لمن فوقه، و لا محتقرا لمن دونه. [31] .

وصايا خالدة

و جمعته عليه السلام مع شيعته مناسبة و رأي أن يعلن في تلك الجموع وصايا تكون ميراثا تتناقله الاجيال: - يا معشر شيعتنا! اسمعوا و افهموا وصايانا، و عهدنا الي اوليائنا. اصدقوا في حديثكم.. و بروا في أيمانكم لاوليائكم و أعدائكم.. و تواسوا بأموالكم.. و تحابوا بقلوبكم.. و تصدقوا علي فقرائكم. و اجتمعوا علي أمركم.. و لا تدخلوا غشا و لا خيانة علي أحد.. و استعينوا بالله، و اصبروا؛ فان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.و سكت لحظات ليقول: - ان شيعتنا من اذا قال صدق. - و اذا وعد و في.. و اذا أوتمن أدي.. [ صفحه 53] و اذا سئل الواجب أعطي.. و اذا أمر بالحق فعل.. شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا و لا يجالس لنا خائنا ان لقي مؤمنا أكرمه و ان لقي جاهلا هجره شيعتنا من لا يهر هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب.. و لا يسأل أحدا الا من اخوانه و ان مات جوعا.. شيعتنا من

قال بقولنا، و فارق احبته فينا و أدني البعداء في حبنا و ابعد القرباء في بغضنا و كان رجل يصغي فقال بأسي: - و أين يوجد هؤلاء؟ فقال عليه السلام و كأنه ينظر الي الاجيال القادمة من مقهوري الارض. - في اطراف الارضين اولئك الخفيض عيشهم القررة أعينهم [ صفحه 54] ان شهدوا لم يعرفوا و ان غابوا لم يفتقدوا و ان مرضوا لم يعادوا و ان خطبوا لم يزوجوا و ان وردوا طريقا تنكبوا و ذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما. و يبيتون لربهم سجدا و قياما. ولكن الشيعة في عصره لم يكونوا كذلك كانوا مجرد شعارات فارغة أما العمل و السلوك و الواقع الحياتي، فلم يكونوا اتباعا حقيقيين.. من أجل ذلك قال رجل ناقد: - يا بن رسول الله؛ و كيف بالمتشيعيين بالسنتهم و قلوبهم علي خلاف ذلك. فقال عليه السلام يستشرف المحن القادمة.. ان سنن التاريخ سوف تجري عليهم تغربلهم و تمسحهم و تصهرهم في بوتقة الحقيقة و الاستقامة و الثبات علي المبدأ و الاخلاص للأهداف العليا: - التمحيص يأتي عليهم بسنين تقنيهم و ضغائن تبيدهم و اختلاف يقتلهم.. فعليكم بالاقرار اذا حدثتم، و ترك الخصومة فانها تقصيكم.. و ليس من عبد أكرم علي الله من عبد شرد و طرد في الله [ صفحه 55] حتي يلقي الله. علي ذلك شيعتنا المنذرون في الارض سرج و علامات، و نور لمن طلب ما طلبوا و قادة لأهل طاعة الله، شهداء علي من خالفهم ممن ادعي دعواهم، سكن لمن أتاهم، لطفاء بمن والاهم، سمحاء، أعفاء، رحماء، فذلك صفتهم في التوارة و الانجيل و القرآن العظيم. وسأله سائل عن صفات الشيعي فقال: - ان سئل أعطي، و ان دعي أجاب، و

ان طلب أدرك و ان نصر مظلوما أعز... [32] . و كان الجيل الاول من الشيعة خيار الناس جميعا لهم حضورهم القوي في ميادين الخير و العمل و الصلاح يقول عليه السلام: - أولياؤنا، و شيعتنا فيما مضي خير من كانوا، ان كان امام مسجد في الحي كان منهم، و ان كان مؤذن في القبيلة كان منهم و ان كان صاحب وديعة كان منهم، و ان كان صاحب أمانة كان منهم، و ان كان عالم في الناس يقصدونه لدينهم و مصالح أمورهم كان منهم» [33] . وحدد عليه السلام دائرة أخلاقية هي الوحيدة التي تمنح المصداقية للشيعة فقال: - ما شيعتنا ألا من اتقي الله و اطاعه و ما كانوا يعرفون الا بالتواضع، و أداء الأمانة و كثرة ذكرالله، و الصوم و الصلاة و البر [ صفحه 56] بالوالدين و تعهد الجيران من الفقراء و ذوي المسكنة، و الغارمين و الايتام و صدق الحديث، و تلاوة القرآن، و كف الآسلن عن الناس الا من خير و كانوا أمناء عشائرهم في الآشياء. [34] . و كان يشعر بالمسؤولية الأخلاقية ازاء الناس جميعا و لذا تراه يقول بمرارة و ألم: - بلية الناس علينا عظيمة، ان دعوناهم لم يستجيبوا لنا، و ان تركناهم لم يهتدوا بغيرنا. [35] .

نجيب بني أمية

في سنة 96 ه توفي الوليد بن عبدالملك الذي حاول خلع أخاه سليمان من ولاية العهد و شجعه علي ذلك الحجاج بن يوسف أقوي الولاة و أكثرهم نفوذا و قبل أن يوضع القرار موضع التنفيذ توفي بدير مران في غوطة دمشق و ما أن تربع سليمان علي سدة الحكم حتي بدأ باقالة جميع الولاة و تعيين ولاة جدد. و طالت

تصفيات رموز العهد السابق قادة الفتوح و في طليعتهم موسي بن نصير و طارق بن زياد اللذين تألق أسماهما في العمليات العسكرية التي أدت الي فتح الاندلس و القضاء نهائيا علي مملكة القوط و انطلاق الحضارة الاسلامية في تلك الربوع. و لم يتوقف مسلسل التصفيات عند هذين القائدين بل [ صفحه 57] تعداهما الي عبدالعزيز بن موسي بن نصير حاكم الاندلس الموقت فقد أصدر سليمان أوامر مشددة باغتياله، فقتل في مؤامره و هو يصلي و أرسل رأسه الي دمشق. [36] . و في الشهور الاخير من القرن الاول الهجري عمت الفرحة المدينة المنورة بعد تسنم عمر بن عبدالعزيز الخلافة و بدأ عهده الجديد بالغاء المراسم الظالمة في سب و شتم الامام علي بن أبي طالب و التي سنها معاوية المنحط. و قد أرسل عمر تعميما الي جميع حواضر العالم الاسلامي في الغاء السب الذي استمر عقودا من الزمن و أن يقرأ بدل ذلك قوله تعالي: (ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر) و في هذا اقرار رسمي و ادانة للسياسة الاموية ازاء العلويين. و قد هز هذا الاجراء مشاعر الشاعر الكبير كثير عزة [37] فمدحه بقصيدة رائعة قال فيها: وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تتبع مقالة مجرم تكلمت بالحق المبين و انما تبين آيات الهدي بالتكلم و صفه عليه السلام: ب «نجيب بين أميه» [38] . و في عهده تنفس العلويون الصعداء و انتعشوا اقتصاديا بعد سنين عجاف من الحرمان و اضطهاد الحكومات الاموية المتعاقبة. [ صفحه 58]

الرسالة

و وصلت رسالة من الخليفة يتمني فيها زيارته فاستجاب الامام و تم اللقاء في دمشق. و قد

استقبل الامام بحفاوة و جرت بعض الاحاديث الودية خلال أيام الضيافة. و في لقاء التوديع قال الخليفة بأدب: - أوصني. فقال الامام: - أوصيك بتقوي الله، و أن تتخذ الكبير أبا و الصغير ولدا و الرجل أخا. فقال الخليفة باعجاب: - جمعت و الله لنا ما ان أخذنا به، و أعانناالله عليه استقام لنا الخير ان شاءالله. و بعد شهور قام الخليفة بزيارة للمدينة المنورة، و صدر اعلان ابان الزيارة باستئناف الاحكام الظالمة و تدفق المظلمون و الذين صدرت بحقهم احكام جائرة و أصحاب الأراضي المصادرة. و ألقي الامام كلمة رائعة جاء فيها: - انما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم و ما يضرهم؛ و كم قوم ابتاعوا ما ضرهم، فلم يصبحوا حتي أتاهم [ صفحه 59] الموت؛ فخرجوا من الدنيا ملومين، لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم و صاورا الي من لا يعذرهم. فنحن و الله حقيقون ان ننظر الي تلك الاعمال التي نتخوف عليهم منها فنكف عنها. و التفت الامام الي الخليفة الذي كان يصغي بكل وجوده و قال: - و اتق الله، و اجعل نفسك اثنتين، انظر الي ما تحب أن يكون معك اذا قدمت علي ربك فقدمه بين يديك، و انظر الي ما تكره معك اذا قدمت علي ربك؛ فارمه وراءك. و افتح الابواب، و سهل الحجاب، انصف المظلوم، ورد الظالم، و وجه خطابه الي عموم المجتمع قائلا: - ثلاثة من كن فيه استكمل الايمان بالله: من اذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، و من اذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، و من ذا قدر لم يتناول ما ليس له.

و كان الخليفة ينتظر أن يرفع الامام اليه استئناف الحكم الجائر الذي صودرت جراءه أرض فدك.. ولكن الامام أعرض عن اثارة هذه المشكلة و ربما كان يقدر ظروف الخليفة الجديد و ما قد يؤدي ذلك في احراجه؛ خاصة و أن الامويين لن يتساهلوا في هذه المسألة.. كما أن فدك أصبحت ملكا للدولة تتصرف فيه وفق ما [ صفحه 60] تشاء و اصبحت فدك جزء من أموال الخليفة عثمان فقدمها علي طبق من ذهب الي مروان و أورثها مروان الي عبدالعزيز فورثها ابنه عمر! و جلس الامام بعد تلك الكلمة المؤثرة و اطرق كعادته و كان الناس ينظرون الي وجه أسمر و قد سمع من كثير من الصحابة أن محمد بن علي يشبه رسول الله في ملامحه [39] كان عليه السلام معتدل القادمةاسمر اللون [40] و كان رقيق البشرة له خال، حسن الصوت مطرق الرأس [41] . و انتشرت قصة الصحابي جابر الانصاري معه عليه السلام عند ما دخل عليه المسجد و نقل له تحيات النبي صلي الله عليه و اله و سلم و قد بقر بطن العلم بقرا. [42] .

بداية قرن جديد

و أطل القرن الثاني الهجري و العالم الاسلامي يستنشق بعض الحرية و ينعم بقدر من الأمن و السلام؛ لقد أوقف عمر بن العزيز كثيرا من الولاة عند حدودهم، و سيق يزيد بن المهلب الي المحاكمة بعد أن نهب من مقدرات الأمة، وزج في السجن الي أن يعيد ما سرقه من أموال الناس و ممتلكاتهم. و في هذا العام و هو 100 ه ذعا الخليفة الخوارج الي المناظرة [ صفحه 61] و الحوار فاستجابوا و أرسل زعيمهم و فدا الي دمشق؛ و قد استاع عمر اقناعهم لكن الوفد

أشكل عليه اقراره بالخلافة ليزيد بن عبدالملك من بعده و هو اجراء غير شرعي و قد وعد عمر بن العزيز في دراسة الموضوع. [43] . و في تلك الفترة سخنت الجبهة من الروم من جديد و اندفعت الفرق العسكرية الاسلامية في الارض الرومية بعد انصرام فصل الشتاء القارس البرد، كما قامت القوات الاسلامية بحملات تأديبية للخزر بعد شنهم غارة علي المناطق الحدودية في أذربيجان. و كان المسلمون يشددون الحصار علي عاصمة الروم القسطنطينية مصدر القلق المستمر و انعدام الأمن في المناطق الحدودية، ولكن الروم استنجدوا بالبغار لفك الحصار، و تصل الانباء الي الخليفة فيأمر بانهاء الحصار و انسحاب الاسطول الاسلامي الي قواعده في سواحل الشام؛ ولكن الاسطول يتعرض لعاصفة مدمرة و هو ما يزال في بحر ايجه قبال السواحل اليونانية ادت الي تحطيمه. [44] . و في هذا العام قام الخليفة باصلاحات في جهاز القضاء العراقي بعد تعيينه «الشعبي» قاضيا في الكوفة و أياس بن معوية في البصرة. كما قام الخليفة بتوسعة الحرم النبوي الشريف و حاول [ صفحه 62] استخدام وسائل غير عسكرية في الدعوة الي الاسلام فنجح في اقناع ملوك السند باعتناق الدين السلامي الحنيف و ظلوا في مناصبهم و تسموا بأسماء عربية. و في هذا العام توفي الصحابي الجليل عامر بن واثلة في مكة المكرمة. [45] . و في رجب من سنة 101 ه توفي عمر بن عبدالعزيز متأثرا بالسم الذي دس اليه و ترك وراءه ذكرا حسنا بالرغم من حكمه القصير حيث لم يتعد الثلاثين شهرا فقط. و انتقلت الخلافة الي يزيد بن عبدالملك الذي أمر باعتماد السياسة السابقة و لم يرق ذلك للأمويين فاحضروا أربعين شيخا متلبسا بزي العلماء و

شهدوا و أقسموا لديه بأنه ليس علي الخلفاء حساب و لا عقاب!! فعدل عن سياسة سلفه و بدأ عهدا مؤسفا اتسم بالطغيان و العنف و الفساد و صدر عنه مرسوم بعد أربعين يوم من تسنمه الخلافة جاء فيه: - أما بعد فان عمر بن عبدالعزيز كان مغرورا، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده، و اعيدوا الناس الي طبقتهم الأولي.. أخصبوا أم أجدبوا أحبوا ام كرهوا، حيوا أم ماتوا... [46] . و عاد الظلم كأبشع ما يكون و عم الطغيان أما هو فانصرف [ صفحه 63] الي مغامراته و لياليه الحمراء وهام بحب مطربة فاتنة تدعي حبابة و اصبح لها نفوذ سياسي كبير و قد طلبت منه مرة عزل أخيه مسلمة بن عبدالملك عن حكم العراق و خراسان و اسناد الحكم الي عمر بن هيبرة. [47] . و في غمرة هذه الظروف بدأ تنظيم العباسيين بالتشكل و انطلاق دعاة الحركة السرية الي الشرق و بالتحديد الي خراسان و كانت الحميمة مركز الحركة [48] و تزامن ذلك مع فرار يزيد بن المهلب من السجن و تمكنه من اشعال ثورة في البصرة، ولكن الثورة سرعان ما أخمدت و فر آل المهلب من البصرة عن طريق البحر متجهين الي «السند» و اخفقت محاولتهم و القي القبض عليهم حيث اعدموا في دمشق. عرف يزيد بن عبدالملك بجهله الشديد و لهذا كان يحتقر العلماء كان يطلق علي الحسن البصري؛ الشيخ الجاهل! سكر يوما مع عشيقته حبابه لكثرة ما شرب فراح يصيح دعوني أطير وراحت مغنيته الفاتنة تسخر منه فقالت له: - علي من تدع الأمة؟! صاح و هو يترنح يحاول الطيران: - عليك [49] . أما وفاته فقد كان يقوم برحلة

ترفيهية مع مطربته الأثيرة [ صفحه 64] وراح يلعب معها و يرميها بحبات العنب فتأكلها و شاء القدر أن تشرق بحبة عنب مرضت أثرها و توفيت.. و عند ما أرادوا دفنها رفض ذلك و ظل ثلاثة ايام مرابطا عند جثة هامدة الي أن نتنت و هو مع ذلك يشمها و يقبلها و يبكي و تحدث معه بعض مسؤولي القصر فسمح بدفنها ثم عاد بعده أيام فنبش القبر و لم يعش بعدها سوي مدة قصيرة و مات!! [50] .

الأحول

في 25 شوال 105 ه تربع هشام بن عبدالملك علي الخلافة و الملك و صفه الفرزدق قبل سنين من خلافته في حادثة الحرم المكي المعروفة قائلا: يقلب رأسا لم يكن رأس سيد و عين له حولاء باد عيوبها و تصور انسانا بخيلا جدا طالما كان يردد جملته و كأنها حكمة: ضع الدرهم علي الدرهم يكون مالا. [51] . و لهذا ذاح يجمع الدارهم و الدنانير بشراهة فجمع من المال ما لم يجمعه خليفة من قبله [52] . و لم يشعر بالندم علي شي ء هبة المال كان يقول: ان الخلافة تحتاج الي الاموال كاحتياج المريض الي الدواء. جمع الي بخله الشديد الظلم و القسوة و طول اللسان. [53] . [ صفحه 65] في عام 106 ه قام هشام برحلة الحج و كان الامام الباقر قد حج في نفس العام كان عليه السلام قد بلغ الخمسين من عمره و قد اصطحب معه ابنه جعفر و له من العمر يومئذ سبعا و عشرين سنة و في احدي مناسبات الحج وقف ابن الامام خطيبا و جاء في جانب من خطابه: الحمد لله الذي بعث محمد بالحق نبيا و اكرمنا به، فنحن

صفوة الله علي خلقه، و خيرته من عباده، فالسعيد من تبعنا، و الشقي من عادانا و خالفنا.. و يعد هذا الاعلان خطيرا جدا سيما و ان الخلية الأموي حاضر في مراسم الحج و أخوه مسلمة من الذين كانوا حاضرين اثناء الخطاب. و علي الفور قام مسلمة و باحاطه هشام بتفاصيل الحادث فأسرها هشام في نفسه و لم يقدم علي خطوة ولكنه اوعز الي حاكم المدينة [54] و مكة بارسال الامام الباقر و ابنه جعفر الي دمشق بعد انتهاء موسم الحج وعودتهما الي الديار. و في صيف هذا العام حدث توغل اسلامي في أراض الروم كما حدث تقدم في الجبهة علي اقليم خراسان ضد الممالك التركية، و شهد البحر الابيض المتوسط تقدم سفن حربية اسلامية نحو جزيرتي «سردينيا» و «كوستريكا». [ صفحه 66]

المواجهة

ربما استعادة ذاكرة هشام حادثة قديمة يوم ذهب الي حج بيت الله و لما اراد استلام الحجر الاسود عجز عن ذلك فوضع له كرسي في ناحية من الحرم. القي بنفسه علي الكرسي ينظر الي الامواج البشرية و شعر بأنه ليس شيئا مذكورا. لم يكن يأبه له أحد.. و فيما هو يتأمل المشهد أقبل رجل قد أجتاز الخمسين من عمره كان وجهه يضي ء كقمر بين الغيوم.. وحدث أمر عجيب.. تناثرت اسئله و ارتسمت علي الوجوه علامات استفهام.. تساءل رجل شامي و هو يتطلع الي رجل يرفل بحلته البيضاء الناصعة نصاعة القمم الشامية هتف مأخوذا: - من هذه الرجل الذي ينفرج له الناس كملك عظيم؟! و هتف آخرون: - انظروا!! انه يشق طريقه بسير الي الحجرالأسود. قبل الرجل ذو الوجه المشرق الحجرالأسود و استأنفت الأمواج البشرية تدافعها من جديد. التفت الرجل الشامي الي هشام قائلا:

- من هذا؟! [ صفحه 67] رد الأحول بغيظ: - لا أدري. وحده القدر يفسر مرور الشعراء في لحظات بتوقف عندها التاريخ باجلال. هتف الفرزدق: - ولكني أدري من هو! تساءل الشامي بشوق: - و من هو يا أبا فراس؟ و تدفقت ينابيع الشاعرية وراح الفرزدق ينشد بصوت مؤثر: هذا الذي تعرف البطحاء و طأته و البيت يعرفه و الحل و الحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي الطاهر العلم هذا ابن فاطمة انت كنت جاهله بجده انبياء الله قد ختموا اذا رأته قريش قال قائلها الي مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم و ليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم و استشطا هشام غيظا و حقدا، و ما أسرع أن تخطفت ايدي الجلاوزة شاعرا نفث الورح القدس علي لسانه و سيق الشاعر مخفورا الي سجن بعسفان بين مكة و المدينة. [ صفحه 68] هذا زمن مصنوع من خشب و نحاس. زمن لا يعرف للكلمة الحرة حرمتها.. زمن غابت فيه الآيات وراء القبضان. حادثة كهذه لا يمكن أن تسقط من الذاكرة.. من أجل هذا أراد هشام الانتقام من زين العابدين بابنه و حفيده. ربما يكون العلويون في الحجاز نجوما و في المدينة أقمارا ولكنهم في الشام أحفاد أبي تراب، عدوهم القديم الذي حاربه آباؤهم و أجدادهم بصفين.. و كيف ينسونه و هم ما زالوا علي عاداتهم في لعنه عند كل قنوت في الصلاة.. لقد الغي عمر بن العزيز سبه من فوق المنابر.. في الخطب فكيف يصنع مع اجيال تربت ذلك و نشأت علي السب و الشتم و شابت عليه؟! من أجل هذا رأي هشام بعينه

الحولاء أن وجودهما وحيدين في الشام سوف يكسر شوكتهما.. انه في عاصمة ملكه.. يستطيع أن يفعل ما يشاء.

سهام علي

و ذهبا يطويان المسافات الطويلة في دمشق و أراد هشام أن يريهما كنوزه من الذهب و الفضة و يقول لهما أنه أوتي ملكا كبيا. [ صفحه 69] مرت ثلاثة أيام علي وصولهما دمشق و كان هشام لا يسمح بدخول القصر و ابتسم بمكر و هو يفكر بما أعد لغريمه. كان هشام متربعا علي سرير الملك، و في حضرته علية القوم وقادة الجيوش، و في يد كل منهم قوس و هم يرشون سهامهم نحو هدف في آخر البلاط. و دخل عليه السلام و خلفه ابنه يمشي.. صاح هشام بلهجة يعوزها شيئا من الأدب: - يا محمد ارم مع اشياخ قومك. أجاب أبوجعفر و هو يدرك ما يرمي اليه: - اني قد كبرت عن الرمي فاعفني حانت لحظة الانتقام.. سوف يجعل من شيخ العلويين نادرة يتندر بها.. عند ما تطيش سهامه هنا و هناك وسط قهقهة الآخرين.. هتف منتشيا: - كلا لا بد أن تشارك قومك في الرمي! و خاطب هشام بغلظة أحد الرماة: - أعطه قوسك. امسك ابوجعفر بالقوس و وضع سهما في كبده و رمق الهدف بنظرة ثابتة و حانت لحظة الانطلاق؛ هتف احدهم مبهورا و هو يري السهم نابتا في مركز الهدف. [ صفحه 70] أخذ أبوجعفر سهما آخر و سدد باتجاه الهدف فأصاب به نصل السهم الأول.. وراحت السهام العلوية يتبع بعضها بعضا حتي شق تسعة أسهم.. نسي هشام كل أحقاده أمام مشهد أخاذ.. رأي كل شي ء يتهاوي أمام سهام رجل من قريش.. هتف الأحول مأخوذا بما يري: - أجدت يا أباجعفر.. أنت أرمي العرب

و العجم.. و انتبه الي نفسه ماذا يفعل؟! لقد احضره مع ابنه لينكل به ليقلل من شأنه ليجعل منه اضحوكة أمام الآخرين.. وها هو يمجده. شعر بشي ء من الندم و أطرق الي الأرض يفكر و طال السكوت و شعر الامام بالغضب من هذه المعاملة وراح ينظر الي السماء و كان عليه السلام اذا غضب نظر الي السماء. و تدارك هشام الموقف فنهض من علي سرير ملكه العريض و قاد الامام ليجلس مبالغة في اكرامه و تقديره و قال: - يا محمد لا تزال قريش تسود العرب و العجم ما دام فيهم مثلك. لله درك.. من علمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلمته؟ أجاب أبوجعفر بأدب الانبياء: [ صفحه 71] - تعلمته أيام حداثتي ثم تركته. تساءل هشام و قد انتبه الي وجود جعفر: - ما أظن أن في الارض أحدا يرمي مثل هذا الرمي.. و سكت هنيهة ليقول: - أيرمي جعفر مثل رميك؟ أجاب أبوجعفر و هو يسدد سهما من نوع آخر: - نحن أهل بيت نتوارث الكمال و التمام اللذين انزلهما علي نبيه في قوله تعالي: (اليوم أكلمت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا). و شعر هشام بالكلمات تلسعه لسعا فقال بغيظ مكبوت: - من أين ورثتم هذا العلم و لستم أنبياء؟! قال عليه السلام بلهجة فيها نوع من التحدي: - ورثناه عن جدنا و قد قال: «علمني رسول الله ألف باب من العلم ينفتح من كل باب ألف باب». و سكت هشام علي مضض و قد بدا مستسلما تماما.. و اجتاحته آلاف الشكوك و الهواجس.. انه ليس أمام رجل أعزل كما كان يتصور وقفزت الي ذهنه بعض التقارير التي تحذر من حركة مسلحة

قد يقوم بها أخوه زيد. [55] . [ صفحه 72] و عند ما جثم الصمت علي المكان نهض الامام عليه السلام و نهض أثره هشام يودعه فيما كان أشياخ القوم ما يزالون متحلقين حول مشهد السهام النابته في نصل بعضها البعض!

زيد

كان الامام الباقر عليه السلام في العشرينات عند ما ولد أخوه زيد أنه يتذكر جيدا كيف تفأل والده بالقرآن عند ما بشر بولادته...فتح المصحف فخرجت آية مباركة تبشره و تعزيه: (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة) [56] و أطبق المصحف ليفتحه ثانية فاذا آية أخري تخاطبه: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [57] و طبق المصحف ليفتحه ثالثة فذا هي آية الثورة و الجهاد (و فضل الله المجاهدين علي القاعدين) [58] . هنا لك الوالد بلهجة فيها فرح و حزن: - «عزيت عن هذا المولود و انه لمن الشهداء». و حمل زيد الكتاب بقوة حتي عرف في المدينة المنورة بحليف القرآن.. و فميا كان شباب المدينة منصرفين الي البحث عن الملذات كان زيد ينوء بحمل المسؤوليه ينظر الي العالم من حوله يعج بالشرور. [ صفحه 73] و كان أخوه الباقر يحبه غاية الحب و يحترمه و يقدر فيه روحه الأبية و شجاعته و كيف لا يكون ذلك و قد تشرب زيد آيات القرآن. قال له مرة: - لقد انجبت أم ولدتك يا زيد، اللهم أشدد ازري بزيد، و كان يعرف أن زيد يعيش هاجس الثورة علي الظلم؛ فما تزال كربلاء تتوهج في ضمير الجليل.. من أجل هذا قال عليه السلام في مجلسن ضم أقرب الاصدقاء و هو يضع كفه علي كتف زيد: -

هذا سيد بني هاشم.. اذا دعاكم فأجيبوه، و اذا استنصركم فانصروه [59] . الذين يعرفون زيد يدركون آلامه التي هي آلام كل الناس الطيبين في زمن نحاسي يسحق بلا رحمة الفقراء و البسطاء. و الذين يعرفونه جيدا يعرفون أن وراء هذه الملامح الهادئة براكين تتفجر غضبا ضد الظلم و الظالمين. و شي ء واحد كان يميز زيدا عن غيره هو أنه لا يري للحياة من معني اذا كان ثمنها الذل.. أراد أن يعيش حرا في زمن يصلب الاحرار.. يبحث عن دف ء في عصور الزمهرير.. و الذين يعرفون زيدا و يعرفون هشاما ادركوا أنه لا بد من الصدام يوما ما. [ صفحه 74] و الذين شاهدوه كيف يبكي و هو يري أمرأة عجوز تتبع بعيرا مسافات طويلة تلتقط ما يساقط من التمر تقوت به صبايا يتضورن من الجوع.. اختطفت الحروب التوسعية أباهن. و الذين سمعوه يخاطب تلك المرأة البائسة قائلا: - أنت و أمثالك سيخرجونني غدا و يسفكون دمي. هل سمعته تلك المرأة؟ و هل أدركت ما يرمي اليه.. هل تعي تلك البائسه ما يجري حولها. و هل سمعت بأنباء الخيول العربية و هي تغير علي شواطي بحر الخزر من أرمينيا الي طبرستان و تتوغل في بلاد ماوراء النهر حتي تصل الي فرغانه؟ و هل سمعت بالسفن الحربية تفتتح «سرقوسة»، في جزيرة صقليا.. و هل حدثها أحد عن سيل الغنائم يتدفق الي قصر جاثم في دمشق يحكمه رجل أحول.. و اذا لم تسمع تك البائسة بهذا و ذاك فأنها تحفظ كلمات يتوراثها سكان الكوفة عن رجل كان يحكم الشرق الأوسط ذات يوم ولم يكن يملك الا ما يملكه الفقراء.. أجل تعرفه جيدا أنه علي بن أبي طالب الذي قال:

- ما جاع فقير الا بما متع بن غني. [ صفحه 75]

ثمن الكرامة

وحدث ما توقعه كثيرون فقد طلب هشام من حاكم المدينة و مكة أن يرسل اليه زيدا. أراد هشام أن يحط من شأنه أن يقمعه بعد أن وصلته تقارير تتحدث عن تذمره و دعوته الاصلاحية. و كعادته حاول هشام الحط من شأنه بعدم السماح له بدخول القصر مع أن أبواب القصر كانت مفتوحة ذلك اليوم للجميع! و منع زيد من الدخول ثم اذن له و دخل.. و تعمد هشام تحاهله و تظاهر بعدم الانتباه اليه و هو سلوك امتاز به الطغاة للتويض عن النقص و شعور بالحقارة أمام الأحرار.. و سلم زيد كما تقتضي الآداب و أراد هشام الحط منه بعدم رد التحية.. أمام العشرات من الخصور حيا زيد الخليفة تحية رسمية كما هي مراسم الدخول علي الخلفاء و سلاطين بني أمية و لكن هشام لم يرد وامعن في تجاهله.. و لم تمض سوي لحظات حتي دوت كلمات لم تعهدها اروقة البلاط و لا حواشي الملوك.. لأن المرء متي دخل بلاطا وجد عند عرش السلطان ركعا و سجودا.. تري أي بركان كان يتفجر في صدر زيد عند ما هتف: [ صفحه 76] - السلام عليك يا أحول؛ فانك تري نفسك أهلا لهذا الاسم. و أراد هشام الرد فصاح: - بلغني أنك تذكر الخلافة، و تتمناها، و لست أهلا لها و أنت ابن أمه. أجل ان أم زيد ليست عربية و في هذا منقصة بحسب ثقافة الحكم الأموي القومية. ولكن هل يكفي أن تكون عربيا لتمشخ بأنفك و تتعالي علي الشعوب و الاقوام الأخري؟! ورد زيد بمنطق الانبياء و الأحرار و الشهداء: - ان الامهمات

لا يقعدن بالرجال عن الغايات و قد كانت أم اسماعيل أمة لأم اسحاق، فلم يمنعه دلك من أن بعثه الله نبيا و جعله أبا للعرب و أخرج من صلبه خير الأنبياأ محمد صلي الله عليه و اله. وسلم حقا ما الباقر عليه السلام: «سلاح اللئام قبيح الكلام». [60] . لقد فقد الطاغية توازنه و هو يوقل بلا حياء: - ما يصنع اخوك البقرة. و أنفجر بركان غضب مقدس في اعماق زيد ورد بشجاعة: - سماه رسول الله الباقر، و تسميه البقرة، لشدما اختلفتما لتخالفنه في الآخرة كما خالقه في الدنيا فيرد الجنة و ترد النار. [61] . [ صفحه 77] كان ما حصل ثورة كاملة.. كلمة حق أمام سلطان جائر و فقد هشام توازنه و صرخ بالحرس: - اخرجوه. و تخطفوه ليخرجوه. وراح هشام يتميز حنقا و التفت الي من حوله قائلا: - الستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا.. لا لعمري ما انقرض قوم هذا خلفهم.. أجل هؤلاء هم بقية السيف و لن يدرك الطغاة أبدا أن من المستحيل اخماد الثورة و تنفس زيد مل ء رئتيه هواء طلقا.. الهواء داخل قصور الطغاة هواء بارد ولكنه فاسد.. الهواء النقي هو ما يتنفسه الاحرار من خلال الثورة و التمرد علي الواقع الفاسد و رفض الطاغية. و في خارج قصر الطاغية انفجرت كلمات ثائرة لقد قرر زيد الثورة عند ما قال خارج القصر: - ما كره قوم حر السيوف الا ذلوا.

ثمن الحرية

ان ضريبة الكرامة و الحرية هو الدم؛ و ثمن الحياة في ظلل الظغاة الذل والخنوع [ صفحه 78] ان قدر زيد أن يكون ثائرا و يكون شاهدا و شهيدا؛ وقف التاريخ ذات ليلة و قد سطعت

النجوم في سماء الصحراء بين مكة و المدينة.. و كانت الثريا قد استوت في السماء قال زيد لصاحبه و هو يحاوره. - أما تري هذه الثريا؟ أتري أحدا ينالها؟ قال له صاحبه: - و كيف لا بن الثري أن ينال الثريا؟! قال زيد و هو يتأمل السماء المعرصة بالنجوم 6 - و الله لوددت أني أهوي من الثريا الي الأرض فاتقطع قطعة قطعة، و ان الله صلح بين أمة محمد. [62] . كان زيد يمثل ضمير الأمامة الذي يتململ تحت نير الطغاة ولكن الأمامة لم تكن بمستوي ارادته. و من المؤكد أن وجود الظلم لا يبعث وحده علي الثورة؛ هناك الاحساس بالظلم و الارادة التي تقهر حب الحياة و بالتالي تكسر حاجز الخوف. وجود الظلم وحده لا يؤدي الي رد فعل ثوري. و في تلك الحقبة العاصفة وقع المجتمع الاسلامي في أزمة فكرية حادة و انقسم المجتمع الي من يقول بالجبر و الحتمية و أن كل شي ء هو قضاء و قدر الهي لا يجوز بل لا يجوز بل لا يمكن الاعتراض عليه [ صفحه 79] فضلا عن مواجهته. و كرد فعل لهذا الجنوح الفكري الخطير برز تيار آخر لا يقل خطورة و هو الحرية المطلقة و التفويض البشري حيث لا علاقة بالله عزوجل بالفعل الانساني. [63] . في تلك الظروف بدأ الامام الباقر عليه السلام التأسيس لمدرسة أهل البيت عليه السلام فطرح اطارا فكريا يجمع بين القدرة الالهية و شموليتها للسلوك البشري و ارادته حيث اقتضت مشيئة الله سبحانه منح الانسان الحرية ليمارس تجربته و يحتمل تبعا لذلك المسؤولية. غير ان امكانات الدولة الهائلة راحت تعزز من فكرة جديدة مؤثرة هي فكرة الارجاء التي تعلن بان الايمان عمل

قلبي لا يحتاج الي فعل يجسده و يعبر عنه و في حالة برزو فعل مضاد للايمان فانه لا علاقة له بالايمان. و قد استغل الامويون فكرتي الجبر و الارجاء و يعد معاوية رائدا في مسألة أخضاع الامة لارادة الحاكم المستبد.. ذلك أن كل شي ء بقع انما هو بارادة الله و مشيئته و أن الانسان مسلوب الارادة لا حول له و لا قوة انه كالريشة في مهب عاصفة الأقدار. و هكذا أصبح تسلط خلفاء بني أمية و بعدهم خلفاء بني العباس قدرا من الاقدار الالهية فهم كالطاعون و الزلازل و البراكين! من أجل هذا قال الامام الباقر في حق أخيه زيد: انه لساني الذي انطق به. [ صفحه 80] لقد قوض بثورته فيما بعد [64] كثيرا من الافكار المخدرة و أصبحت تعبر و بوضوح تام عن فكر مدرسة أهل البيت عليهم السلام و موقفهم من الظلم و الظالمين. و من أجل هذا أوصي الامام الباقر أصحابه المقربين قائلا: اذا دعاكم فأجيبوه و اذا استنصركم فانصوه.

رحي الايام

و تدور رحي الايام و يشعل التاريخ الحوادث هنا و هناك الفتوحات العسكرية تستمر و تسقط قاعدة كاشغر الاستراتيجية في تركستان [65] . و في عام 110 توفي «ابن سيرين» البصري مفسر الاحلام المشهور كما توفي الشاعر «جرير» كما توفي الحسن البصري. [66] . و في عام 112 ه اشتعلت المعارك في جبهات القتال الشمالية الشرقية و تمكنت القوات الاسلامية من تحرير كثير من الاراضي المحتلة و استرداد مدينة اردبيل في اقليم ايران. و في عام 113 ه تقدمت الجيوش الاسلامية في الاراضي الفرنسية و تمكنها من الاستيلاء علي مدينة «بوردو» عند مصب نهر الرون. و في عام 114 ه وقع امبراطور الروم

ليون الثالث حلفا مع [ صفحه 81] ملك الخزر ضد الدولة الاسلامية، و هزيمة الجيش الاسلامي بعد احرازه نصرا ساحقا في مدينة «بواتيه» و ذلك بسبب اختلافات حادة حول توزيع الغنائم دعيت المعركة في التاريخ الاسلامي ب «بلاط الشهداء» و قد لقي القائد الشجاع عبدالرحمن الغافقي [67] مصرعه. و في هذا العام و في احدي قري الحميمة في ضواحي المدينة المنورة لزم الامام الباقر عليه السلام فراش المرض. و كان عليه السلام قد بدأ يشعر بدنو الأجل فقد قال ضمن حديثه مع عمته فاطمة بنت الامام الحسين عليه السلام: - لقد أتت علي ثمان و خمسون سنة. [68] . و كان عليه السلام يريد أن يقول أن أباه قد مات في هذا السن وجده الحسين كذلك و انه لم يبق له في الحياة فسحة من العمر، لقد أدي ما عليه، لقد فجر الارض ينابيع، و غرس فسائل الحكمة و نثر بذور الوعي و سوف تنبت أشجار المقاومة و تؤتي أكلها و لو بعد حين. و سرت همسات بين الاذان بان الامام قد دس اليه السم [69] . و من غير المستبعد أن يلجأ هشام الي هذه الوسائل في تصفية خصومه و منافيسه. مهما يكن الأمر فقد بلغ الكتاب أجله؛ ولكل أجل كتاب. و أمضي الامام الساعات الاخيرة من حياته في قراءة آيات [ صفحه 82] القرآن العظيم ثم أغمض عينيه عن الدنيا ليفتحهما علي عوالم أخري... عوالم مفعمة بالنور و الدف ء والسلام. و شيع نعش الامام عليه السلام من الحميمة الي ثري البقيع.. بقيع الفرقد ليواري الثري الي جور أبيه الامام زين العابدين و جوار سبط رسول الله و ريحانته الحسن بن علي عليه السلام. و كان ابنه جعفر يذرف الدموع بصمت كغيمة

حزينة. لقد رحل عليه السلام و التحق كغيره بالقافلة قافلة الراحلين... أما كلماته فقد ظلت بذورا مجنحة تبحث عن أرض تنبت فيها.. كلماته ما تزال غضة طرية شفافة لأنها نبعت من نفس اكتشفت الحقيقة و عرفت الطريق.. حقيقة الوجود و الطريق الي خالق الوجود... بل أنه لا وجود الا لذات المعبود، و ما عداه سراب يحسبه الظلمآن ماء. من أجل هذا كان عليه السلام يقول في مناجاته و قد سطعت النجوم في السماء و بدت كقلوب تنبض بالحب الالهي: - يا كائنا قبل كل شي ء! و يا باقي بعد كل شي ء. و اصغ اليه و هو يقول: «ان استطعت أن لا تعامل أحدا الا ولك الفضل عليه فافعل». [ صفحه 83] - «صحبة عشرين سنة قرابة». - «ما عرف الله من عصاه». - «اعرف المودة في قلب أخيك بما له من قلبك». - «الايمان؛ حب و بغض». - «من كنوز البر: كتمان الحاجة، و كتمان الصدقة، و كتمان الوجع، و كتمان المصيبة». - «أفضل العبادة! عفة البطن و الفرج». - «الحياة و الايمان مقرونان في قرن، فاذا ذهب احدهما تبعه صاحبه». - ان الله يحب افشاء السلام». - «لا يزال الرجل يزداد في رأيه ما نصح لمن استشاره». - «سلاح اللئام؛ قبيح الكلام». - «لا يكون المعروف معروفا الا باستصغاره و تعجيله و كتمانه». - ما أحسن الحسنات بعد السيئات، و ما أقبح السيئات بعد الحسنات». - ان الكذب هو خراب الايمان». - «شر الآباء من دعاه البر الي الافراط، و شر الابناء من دعاه التقصير الي العقوق». - «ما من نكبة تصيب العبد الا بذنب». [ صفحه 84] «بئس الأخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا». -

«اذا دخل أهل الجنة، الجنة بأعمالهم فأين عتقاء الله من النار؟ ان لله عتقاء من النار». - «اذا شبع البطن طغي» - (من طلب الدنيا استعفافا عن الناس، وسعيا علي أهله و تعطفا علي جاره لقي الله عزوجل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر». - «لو صمت النهار لا أفطر، وصيلت الليل لأ أفتر و انفقت مالي في سبيل الله علقا علقا ثم لم تكن في قلبي محبة لاوليائه، و لا بغضة لأعدائه ما نفعني ذلك شيئا».

بعض أصحابه

- انما نحن أخوة. قال عليه السلام: - أيدخل أحدكم يده في كيس صاحبه فيأخذ ما يريد؟ - لا! - لستم اخوانا كما تزعمون. [70] . - ما الحنيفية؟ [ صفحه 85] - هي الفطرة التي فطر الناس عليها.. فطرهم علي معرفته». [71] . - أتعرف شيئا خيرا من الذهب؟ - نعم.. معطيه. خطاب لمن بلغه الكتاب. قال عليه السلام: «اذا اردت أن تعلم ان فيك خيرا؛ فانظرو الي قلبك، فان كان يحب أهل الله عزوجل، و يبغض أهل معصيته ففيك خير، و الله يحبك، و ان كان يبغض أهل طاعة الله و يحب أهل معصيته فليس فيك خير، و الله ببغضك؛ و المرء مع من أحب» [72] . باقة ورد أضعها بين يديك يا سيدي و سلام عليك في العالمين. بحمد الله

پاورقي

[1] تاريخ دمشق: 51 / 38، سير اعلام النبلاء: 4 / 241.

[2] الشهاد من ألقاب الامام محمد الباقر / جنان الخلود / ناسخ التواريخ بالاستناد الي باقر شريف القرشي حياة الامام الباقر: 1 / 31.

[3] تاريخ اليعقوبي: 2 / 61.

[4] محمد: الآيتان 22 - 23.

[5] الراعد: الآية 25.

[6] الاحزاب: الآية 75.

[7] تحف العقول: 282.

[8] كفاية الأثر: 319.

[9] الاعلام: 6 / 58، العقد الفريد: 2 / 97، أسد الغابة: 5 / 291. [

[10] البلاذري: 138، الطبري: 2 / 401، البداية و النهاية::8 / 344.

[11] ولد المختار في السنة الاولي من الهجرة النبوية المباركة.

[12] أجمل ما نسب من شعر قوله: تعلقت ليلي و هي ذات ذوائب و لم يبد للاتراب من ثديها حجم صغيرين نرعي البهم يا ليت أننا الي اليوم لم نكبر و لم تكبر البهم خزانة الأدب: 2 / 170، الاغاني: 2 / 1،

الأعلام: 6 / 60 - 117.

[13] الشيخ الصدوق، الخصال، الأبواب الستة.

[14] و صفه عبدالملك بأنه قد جمع طاعة الشامي و ذكاء العراقي و فقه الحجازي.

[15] الاعالام: 6 / 93، الطبري: 6 / 365، و كان كيل قد اشترك في ثورة ابن الاشعث و قاد كتيبة القراء و اختفي بعد اخفاق الثورة.

[16] الطبري: 5 / 139، الاصابة: 1 / 152، الأعلام: 4 / 349، البداية و النهاية: 8 / 90.

[17] كان محمد بن يوسف الثقفي واليا في اليمن منذ سنة 80 ه و كان ظالما غشوما اشتهر بقسوته جمع المجذومين بصنعاء و أراد احراقهم و أمر بجمع الحطب لذلك فمات قبل تنفيذ جريمته. ابن الأثيرء: 5 / 57 - 67.

[18] ولد الحجاج سنة 40 ه و دخل سلك الشرطة في الشام في حكومة عبدالملك و قد نصبه الخليفة قائدا علي الجيوش الشامية التي تحركت لاسترداد الحجاز من عبدالله بن الزبير فنجح في مهمته و عينه عبدالملك حاكما علي مكة و المدينة و الطائف و ضم اليه حكم العراق ابان القلاقل؛ فاتجه الي العراق و تمكن من اخماد الانفاس؛ فحكم العراق عشرين سنة و امتلأت في عهد السجون كما حول العراق الي مسرح لعمليات دموية رهيبة و قامت سياسته علي الارهاب و البطش بالمعارضة و شغل العراق و العراقيين بحروب توسعية و لم يشهد العراق حاكما بهذا المستوي من القسوة الي أن ظهر صدام في سنة 1979 و بدأ عصر المذابح المروعة و الحروب المدمرة التي بدلت العراق الي خرائب و انقاض و سحق شخصية الشعب العراقي و كرامته و قد فوجي العالم بالمقابر الجماعية و التي اذا ما كشفت جميعا فأنها ستكشف عن مصير فجيع لأكثرء

من خمسة ملايين من رجال العراق و نسائه، و قد حكم صدام العراق بالحديد و النار زهاء عشرين سنة و خلفت حروبه و مغامراته و مذابحه بحق العشب العراقي ملايين اليتامي و الأرامل و ما تزال مأساة العراق قائمة حتي الآن بالرغم من سقوط الطاغية الدكتاتور.

[19] جاء في تاريخ بن عساكر ج 51 ان الامام زين العابدين دخل علي جابر بن عبدالله الانصاري فقال له جابر: من معك يا بن رسول الله؟ قال: معي ابني محمد، فأخذه جابر وضمه اليه و بكي ثم قال: اقترب أجلي، يا محمد! رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقرؤك السلام فسأله الامام و ما ذاك؟ فقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم يقول للحسين بن علي: يولد لابني هذا ابن يقال له: علي بن الحسين، و هو سيدالعابدين اذا كان يوم القيامة ينادي مناد ليقم سيدالعابدين فيقوم علي بن الحسين، و يولد لعلي بن الحسين ابن يقال له محمد اذا رأيته يا جابر فقرأه مني السلام.. يا جابر اعلم ان المهدي من ولده، و أعلم يا جابر ان بقاءك بعده قليل. و هناك روايات تختلف في بعض التفاصيل لكنها جميعا تتفق علي أن النبي صلي الله عليه و اله و سلم حمل جابرالانصاري رضي الله عنه ابلاغ حفيده تحية الاسلام المباركة لتضاف الي معجزات النبي صلي الله عليه و اله و سلم و قد حفظ الصحابي الوفي رسالة الرسول صلي الله عليه و اله و سلم أكثر من ستين عاما لم يساوره شك في صدق ما وعد به النبي صلي الله عليه و اله و سلم.

[20] الملل و النحل: 1 / 158.

[21] النساء: الآية 35.

[22] روضة الواعظين:

1 / 245.

[23] يقول شوقي ضيف: «ان افكار المرجئة تخدم البيت الاموي الذي كان في رأي الشيعة و كثيرين من الاتقياء منحرفا عن الجادة الدينية و ينبغي أن يغيره المسلمون و يضعوا مكانه البيت العلوي، و المرجئة لم يكونوا يوافقونهم علي هذا الرأي، لأنهم لا يريدون المفاضلة بين المسلمين و لا الحكم علي أحد بتقوي أو غير تقوي؛ فالمسلم يكفي أن يكون مسلما و ليس من شأن أحد أن يحكم علي عمله» التطور و التجديد في الشعر الأموي: 50، و هم بذلك يرجئون كل شي ء الي يوم القيامة! و ليس هناك أفضل من هذه الآراء لدي الملوك و الحكومات؛ و لذا قلا المألون سابع خلفاء العباسيين: «الارجاء دين الملوك») تارخ بغداد لطيفور: 68.

[24] وسائل الشيعة / كتاب الامر بالمعروف و الهي عن المنكر.

[25] الاغاني. ط دار الكتب: 6 / 13.

[26] احد الصوفيين ترك العمل و انصرف الي العبادة.

[27] تذكرة ابن حمدون: 26.

[28] أصول الكافي: 1 / 34.

[29] المصدر السابق.

[30] المصدر نفسه: 1 / 47، جامع السعادات: 1 / 106.

[31] تحف العقول: 294.

[32] عيون الأخبار و فنون الآثار: 223 - 225.

[33] حياة الامام محمد الباقر: 1 / 249.

[34] تحق العقول: 295.

[35] أعلام الوري: 27.

[36] موسي بن نصير: و هو موسي بن نصير بن عبدالرحمن بن زيد اللخمي اليماني. أبوعبدالرحمن. كان أبوه نصير علي حرس معاوية بن أبي سفيان فنشأ موسي بدمشق، و لما شب ولاه معاوية غزو البحر فغزا قبرص و بني حصونا، و كان معاوية قد غزاها سنة 28 ه ثم انتقضت فولي موسي بن نصير غزوها. لما تولي الحجاج الثقفي امارة العراق ولاه علي خراج البصرة و اختلف معه فعاد الي دمشق، ثم توجه الي

مصر، و في سنة 85 ه ولاه عبدالعزيز بن مروان، أمير مصر، علي أفريقية و المغرب خلفا لحسان بن النعمان الغساني فأقام بالقيروان، و وجه حملة بحرية بقيادة عياش بن آخيل فغزا صقلية و عاد بغنائم و فيرة، ثم اجتاح المغرب الأوسط و أخضعه لطاعته و في عام 87 ه أستخلف ابنه عبدالله علي القيروان توجه علي رأس جيش كثيف من العرب و البربر الذين، دخلو في طاعته و أسلمو،فاجتاح المغرب الاقصي حتي بلغ السوس الادني،فخلف ابنه مروان ليستكمل فتحه و توجه الي طنجة فافتتحها و ولي عليها مولاه طارق بن زياد الليثي، و حاول فتح (سبتة) فلم يفلح لحصانتها، و صالحه حاكمها (جوليان) و حالفه و أغراه بفتح الأندلس، فاستأذن موسي الخليفة الوليد بن عبدالملك فأذن له و اشترط عليه أن يخوض الأندلس بالسرايا ليختبرها فجهز سرية من أربعمائةمن المشاة ومائة من الفرسان بقيادة طريف بن مالك، فاجتازت البحر، و نزلت في المكان الذي أنشئت فيه، فيما بعد، مدينة (طريف). وشن طريف سلسلة من الغارات و عاد بسريته و معه غنائم كثيرة وا شتد عزم موسي علي فتح الأندلس بعد نجاح تلك الحملة، و أعد لها مولاه طارق بن زياد و جهز له جيشا عدته اثني عشر ألف مقاتل من العرب و البربر، و أبحرت الحملة في 5 رجب سنة 92 ه (نيسان / ابريل سنة 711 م)، في سفن عربية و أخري أعدها (جوليان) و نزلت الحملة علي مرتفع جبلي يعرف بجبل (كالبي) و هو الذي دعي بعد ذلك بجبل طارق، و ما زال يحمل هذا الاسم، و لما بلغ (روذريق Rodirguo) خبر هذا الجيش جمع قواته من القوط و الرومان و التقي مع

طارق بن زياد علي ضعفاف بحيرة (خندة) المتصلة بنهره (برباط) قرب مدينة (شذونة) و نشبت معركة بين القربين في (28 رمضان سنة 92 ه يوليو / تموز سنة 711 م) انتهت بهزيمة (روذريق) و دحر جيشه، أخبر طارق موسي بن نصير بهذا الفتح و طلب اليه مددا ليتابع طريقه الي (طليطلة) عاصمة القوط، فأذن له. استأذن موسي الخليفة الوليد بن عبدالملك بمتابعة الفتح فأذنه، فجهز موسي جيشا ضخما عدته ثمانية عشر الف مقاتل و عبر البحر في رمضان سنة 93 ه و دخل الجزيرة الخضراء و فتح مدنا و حصونا، و التقي مع طارق بن زياد في (طلبيرة) قرب مدينة (طليطلة). فوافاهما (روذريق) بجيش كبير و نشبت معركة ضارية، كانت حاسمة، و فيها قتل (روذزيق) و سحق جيشه. من المؤرخين من جعل مقتل (روذريق) في المعركة الاولي التي جرت علي بحيرة (خندة). و مهما يكن من أمر، فان هذه الموقعة كانت فاصلة قضت علي مقاومة القوط، و فتحت أبواب المدن أمام جيش المسلمين، و بعدها اتجه موسي غربا ففتح مدنا، و أراد أن يقتحم اقليم (جليقة)غير أن الوليد بن عبدالملك أمره بالعودة الي دمشق، فتوقف عن فتح ذلك الاقليم و عاد الي دمشق و معه طارق بن زياد، و استخلف علي الأندلس ابنه عبدالعزيز. و لما وصل الي القيروان عين ابنه عبدالله علي افريقية و توجه الي مصر فدخلها و معه ألوف الأسري و السبايا، و كان عبدالعزيز بن مروان، أمير مصر، قد مات، فواصل السير الي دمشق فدخلها سنة 86 ه و الوليد في مرض موته، و لم يلبث أن مات و تولي الخلافة من بعده أخوه سليمان بن عبدالملك الذي نكب موسي و

عزله، و انصرف الي وادي القري، حيث نشأ، و أقام في حالة بائسة الي أن توفي، و كان له من العمر 79 سنة. كان موسي شجاعا عاقلا، لم يهزم له جيشن قط. و كانت سياسته في البلاد التي فتحها قائمة علي احترام ديانة أهلها و حفظ أملاكهم و ابقائها في أيديهم و منحهم الاستقلال الداخلي في ادارة أمورهم و تحكيم قضاتهم. الأعلام:8 / 285، و فيات الأعلان: 5 / 318، البيان المغرب: 1 / 39 - 36 ، 2 : 4. 23 ابن القوطية: 35، فتوح مصر و المغرب لابن عبدالحكم: 276، الولاة و القضاة للكندي: 60، الطبري: 6 / 469 ما بعدها، ابن الأثير: 4 / 359 و ما بعدها، نفح الطيب: 1 / 257، 262 - 287 تاريخ المسلمين و آثارهم في الاندلس: 91 - 108. بالاستاند الي أحداث التاريخ الاسلامي بعد الاسلام الترمانيني. عبدالعزيز بن موسي بن نصير: عينة أبوه علي الأندلس عند عودته الي الشام سنة 95 ه فضبطها و سدد أمورها و افتتح المدائن و كان شجاعا عاقلا. تزوج (ايله) أو (ايجلونا) أرمله (روذريق) القائد القوطي و كناها بأم عاصم. اغتيل بتدبير بعض رؤساء الجيش في الأندلس، و هو يصلي، و أخذوا رأسه و أرسلوه علي سليمان بن عبدالملك، و قيل ان اعغتياله كان بايعاز منه. رؤسا الجيش يولون عليهم أيوب بن حبيب اللخمي (ابن أخت موسي بن نصير) و كان.أحد المشتركين بالاغتيال. استكمل عبدالعزيز، أثناء ولايته فتح غربي الأندلس (البرتغال حاليا) ثم توجه الي جنوب و جنوب شرق الأندلس ففتح غرناطة و مالقة و كورة تدمير (مرسية) ثم اتجه الي تنظيم البلاد و ادارة شؤونها و قضي علي الثورات

فيها - و له الفضل في تثبيت دعائم الاسلام في شبه جزيرة ايبريا (اسبانيا). الأعلام: 4 / 145، الطبري و ابن الأثير: حوادث سنة 97، البيان المغرب: 2 / 35 - 37، النجوم الزاهرة: 1 / 232، نفح الطيب: 1 / 263، ابن خلدون: 4 / 255، تاريخ المسلمين و آثارهم في الاندلس: 110 - 115. طارق بن زياد: هو طارق بن زياد الليثي بالولاء. أصله من سبي البربر، أسلم علي يد موسي بن نصير فكان مولاه و من أشهر رجاله. ولاه موسي علي قرطاجة بعد أن تم فتحها سنة 87 ه فأقام فيها علي أوائل سنة 92 ه، و لما عزم موسي علي فتح الأندلس جهز جيشا عدته أثناعشر ألف رجل من العرب و البربر و ولي عليه طارق بن زياد، و وجهه لفتح الأندلس. عبر طارق المضيق بجيشه، تحمله مراكب عربية و أخري أعدها لها (جوليان) حاكم مدينة (سبتة). و كان قد حالف موسي و طارقا - و نزل طارقت بجيشه في رجب سنة 92 ه علي الجبل الذي يعرف اليوم بجبل طارق، و استولي عليهه و فتح حصن (قرطاجة) و تغلغل في أرض الأندلس،. لما سمع (روزريق) ملك القوط بنزول الجيش العربي في أرض الأندلسن، أعد جيشا كثيفا في مدنية (شذونة) و التقي مع جيش طارق علي (نهربرباط) المتصل ببحيرة (لكة) و ذلك في يوم الأحد 28 رمضان سنة 92(19 يوليو / تموز سنة 711 م). و قد استمرت المعركة ثمانية ايام و انتهت بهزيمة (روزريق) و سحق جيشه، و كانت هذه الموقعة فتح الفتوح. و هنا تروي بعض المصادر أن (روزريق) قتل في هذه الموقعة، و يروي بعضها أنه اختفي و

استطاع النجاة بنفسه و جمع فلول جيشه و التجأ الي مدينة (ماردة) و أنه كمن لجيش العرب في شعاب جبلية بين (ماردة) و طليطلة. ثم أن طارق استولي علي عدة حصون و توجه شمالا نحو (طليطلة) عاصمة القوط، و كتب الي موسي بن نصير أن يمده بمدد بمتابعة الفتح، فلحق به موسي بجيش عدته ثمانية عشر ألف مقاتل، و عبر البحر الي الأندلس في سنة 93 ه فاحتل (قرمونة) و (اشبيلية) و عددا من المدن بين نهر (الوادي الكبير) و نهر (آنة) و حاصر (ماردة) و تراجع (روزريق) عنها و كمن لجيش موسي في شعاب جبلية بين (ماردة) و (طليطلة)، و في الطريق الروماني الممتد بين (ماردة) و (سلمنقة) النقض (روزريق) بجيشه القوطي علي جيش موسي و طارق في موقع قريب من بلدة (تمامس Tamames) و نهر (باربلوس Barbalos) عند موضع يسمسيه بعض مؤرخي المسلمين (السواقي) و كان اللقاء بين الجيشين في (سبتمبر / ايلول سنة 713 م)‘. و في هذه الموقعة هزم جيش القوط و قتل (روزريق)، قتله عبدالعزيز بن موسي بن نصير. و دخل موسي و طارق مدينة (طليطلة) و أقام فيها الي سنة 94 ه ثم اتجه بجيشه غربا ففتح (سرقسطة) و (ساطبة) و برشلونة)، و اتجه طارق بن زياد شمالا الي بلاد (البشكنس) حتي وصل الي جبال (البرانس). و كان موسي يهم بغزو (جليقة) لولا أن أتاه كتاب من الخليفة الوليد بن عبدالملك يأمره بالعودة الي دمشق فعاد الها و معه طارق بن زياد. و انتهي أمر طارق الي اقالته بقرار من سليمان الذي لم يقدر خدماته و مواهبه العسكرية. الأعلام: 3 / 313. الطبري: 6 / 350. ابن خلدون: 4

/ 253. فجر الاندلس: 97.

[37] هو كثير بن عبداالرحمن بن الأسود بن عامر الخزاعي الأزدي. أبوصخر. شاعر متيم مشهور كان متيما بعزة بنت جميل الضمرية، و كان عفيفا في حبها. من أهل المدينة، كانت أكثر اقامته بمصر و فيها توفي. اختص بعبد الملك بن مروان و ببني أمية و كانوا يكرمونه. كان متشيعا شديد التعصب لآل أبي طالب، و كان عبدالملك يعرف ذلك فيه، فاذا أراد أن يصدقه في شي ء حلفه بعلي. و كان يعتقد اعتقاد الكيسانية بامامة محمد بن الحنيفة، و يذهب مذهبهم في القول بأنه حي بجبل رضوي بتهامة، و عن يمينه أسد و عن شماله نمر يحفظانه يأتيه رزقه غدوة و عشية، و فيه يقول كثير: ألا ان الأئمة من قريش ولاة الحق أربعة سواء علي و الثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء فسبط سبط ايمان و بر و سبط غيبته كربلاء و سبط لا يذوق الموت حتي يقود الخيل يقدمها اللواء تغيب لا يري فيهم زمانا برضوي عنده عسل و ماء قال المر زباني: كان كثير شاعر أهل الحجاز في الاسلام، لا يقدمون عليه أحدا. جعله ابن سلام في الطبقة الأولي من شعراء الاسلام و قرن به جريرا و الفرزدق. سمي كثيرا لقصره. ماتت عزة بمصر أيام مروان بن عبدالعزيز، أمير مصر، وزار كثير قبرها و تغير شعره بعدها، فقيل له: ما بال شعرك، و قد قصرت فيه فقال: ماتت عزة فلا أطرب، و ذهب الشباب فلا أعجب، و مات عبدالعزيز بن مروان فلا أرغب، و انما ينشأ الشعر عن هذه الخلال. و كان اذا أتي مصر أكرمه عبدالعزيز بن مروان و جاد عليه. مات و له من العمر ستون سنة. من قوله

في عزة: ألا تلك عزة قد اصبحت تقلب للهجر طرفا غضيضا تقول مرضنا فما عدتنا و كيف يعود مريض مريضا؟ و فيها يقول: نظرت اليها نظرة و هي عاتق مجوب، و لما يلبس الدرع ريدها من الخفرات البيض ود جليسها اذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها الأعلام: 6 / 72، الأغاني: 9 / 1 و ما بعدها:،12 / 113 و، 12 / 174 فيات الاعيان: 4 / 106، شذرات الذهب: 1 / 131، عيون الأخبار، 2 / 144، مقالات الاسلاميين: 90،91، الملل و النحل: 150، بروكلمان: 1 / 195.

[38] السيد طي، تاريخ الخلفاء: 230.

[39] اصول الكافي.

[40] أخبارالدول:111.

[41] أعيان الشيعة.

[42] مجمع الزوائد: 1 / 22.

[43] و قد شعر الأمويون بالخطر اذا ما اقدم عمر بن العزيز علي الغاء ولاية العهد و ترك مسألة الخالفة شوري بين المسلمين ينتخبون من شاءوا أو تعيين شخص غير أموي فتآمروا عليه فاغتيل مسموما.

[44] و هي آخر محاولة للاستيلاء علي القسطنطينية في العهد الاموي و لم يظهر المسلمون بعدها أمام أسوار القسطنطينية الا في عهد هارون الرشيد الذي حاول فتحها فأخفق و ذلك سنة 165 ه 781 م. و لم تفتتح القسطنطينية الا في عهد السلطان العثماني محمد و الذي لقب أثرها بالفاتح.

[45] عامر بن واثلة بن عبدالله بن عمرو الليثي الكناني القرشي، كنيته أبوالطفيل شاعر كنانة و أحد فرسانها و من ذوي السيادة فيها، أدرك النبي صلي الله عليه و اله و سلم و روي عنه تسعة أحاديث. حمل راية علي بن أبي طالب في بعض و قائعه، و كان مع حبه لعلي يعترف بفضل الشيخين (أبي بكر و عمر) غير أنه يقدم عليا عليهما. كتب اليه معاوية يلا طفه و يدعوه، فلما

قدم اليه أكرمه و في يوم قال له: كيف وجدك علي خليلك أبي الحسن (يريد علي بن أبي طالب)؟ قال: كوجد أم موسي علي موسي، و أشكو الي الله التقصير. قال له معاوية كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضر، قال: فما منعك من نصرته؟ قال: و ما منعك أنت من نصرته اذ تربصت به المنون، و كنت مع أهل لاشام، و كلهم تابع لك فيما تريد؟ فقال له معاوية: أو ما تري طلبي لدمه نصرة له؟ قال: بلي، ولكنت كنت كما قال القائل: لا ألفينك بعد الموت تتدبني و في حياتي ما زودتني زادا التحق بعد ذلك بالمختار الثقفي في ثورته علي بني أمية في العراق مطالبا بدم الحسين، و لما قتل المختار انزوي عامر الي أن خرج مع ابن الأشعث و عاش بعد ذلك الي أيام عمر بن عبدالعزيز، و توفي في مكة، و قيل انه آخر من توفي من الصحابة. الأعلام: 4 / 26، الأغاني: 13 / 159، تهذيب التهذيب: 5 / 82، طبقات ابن سعد: 5 / 457، الاصابة 4 / 1696.

[46] العقد الفريد: 3 / 180.

[47] اعلام 1النساء: 1 / 232.

[48] قرية خارج المدينة هي من ممتلكات العباسيين في العهد الاموي.

[49] تاريخ ابن الاثير: 4 / 191.

[50] الانافة في مآثر الخلافة: 1 / 146.

[51] البخلاء: 105.

[52] اخبار الدول: 2 / 200.

[53] تاريخ اليعقوبي: 2 / 393.

[54] كان حاكمها يومئذ ابراهيم ابن هشام المخزومي خال الخليفة هشام و قد نصبه علي حكم المدينة و مكة قبل حوالي سنة، أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين: 1 / 687.

[55] سئل الامام الباقر عليه السلام أي أخوانك أحب اليك؟ قال: أما عبدالله فيدي التي ابطش بها، و

أما عمر فبصري الذي أبصر به و أما زيد فلساني الذي انطق به، و أما الحسين فحليم يمشي علي الأرض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، سفينة البحار: 2 / 273.

[56] التوبة: الآية 111.

[57] آل عمران: الآية 169.

[58] النساء: الآية 95.

[59] عمدة الطالب: 2 / 127.

[60] حلية الاولياء: 3 / 184.

[61] شرح النهج: 1 / 1351، عمدة الطالب: 83.

[62] مقاتل الطالبيين: 129.

[63] نقول بعض الاساطير اليونانية ان الالهة خلقت الانسان و لما عجزت عن السيطرة عليه تركته و راحت تشرب الخمر!!.

[64] دوت شعارات الثورة في سنة 121 ه و كادت تعصف بالحكم الأموي و هي و ان اخفقت الا انها اصبحت فاتحة لسلسلة من الثورات العنيفة و الحركات الثورية أدت الي سقوط الأمويين في سنة 132 ه.

[65] تدعي اليوم سينكيانع (الصين الجديدة) منذ السيطرة عليها في التوسع الشيوعي حيث اقتسم الروس التركستان مع الصين.

[66] الحسن البصري: هو الحسن بن يسار البصري: أبو سعيد. كان أبوه من أهل ميسان، سبي حين فتحها و جيي به الي المدينة و أصبح مولي لزيد بن ثابت الأنصاري. من كبار التابعين. كان امام أهل البصرة، و حبر الأمة في زمنه، و هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء النساك. ولد بالمدينة و نشأ في كنف علي بن أبي طالب، ثم سكن البصرة استكتبه الربيع بن زياد الحارثي، و الي خراسان، في عهد معاوية. لم يكن التحكيم بين علي و معاوية من رأية، لأن عليا صاحب الحق و يجب ألا يقبل التحكيم. كان عظيم الهيبة في القلوب، فكان يدخل علي اولاة فيأمرهم و ينهاهم و لا يخاف في الحق لومة لائم. له مع الحجاج مواقف و قد سلم من أذاه. لما تولي عمر

بن عبدالعزيز الخلافة كتب الي الحسن البصري: اني ابتليت بهذا الأمر فانظرء لي أعوانا يعينونني عليه، فأجابه الحسن: أما أبناء الدنيا فلا تريدهم، و أما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن بالله. توفي بالبصرة عن 79 عاما. الأعلام: 2 / 242، و فيات الأعيان 2: 69، حلية الأولياء: 2 / 131. النجوم الزاهرة: 1 / 267، المعارف: 440، الكامل للمبرد: 562، شذرات الذهب: 1 / 138.البداية و النهاية: 9 / 268.

[67] عبدالرحمن بن عبدالله بن بشر الغافقي من قبيلة غافق و هي فرع من قبائل عك باليمن، من كبار القادة اتصل بموسي بن نصير في الاندلس، و تولي قيادة الشاطي الشرقي في سنة 102 ه بعد مصرع السمح بن مالك في احدي المعارك و قاد الجيش الاسلامي في عملية الانسحاب. انتخبه المسلمون أميرا علي الاندلس. و في عام 105 عزل عن الامارة ثم اعيد اليها في عام 112 ه و بدأ استعداداته لفتح فرنسا، فوجه دعوة الي المسلين في اليمن و الشام الي مساندته و تدفق المتطوعون الي الاندلس و ألف منهم جيشا كبيرا فاجتاز جبال (البرانس) بجيش من العرب و البربر و أوغل في مقاطعتي (اكيتانيا) و (بورغونية) و استولي علي مدنية (بوردو) و دحر جيوش (شارل مارتل) و تقدم يريد الايغال في فرانسا، فجمع (شار ماتل) جموعه و ألف جيشا كبيرا من الفرنسيين و قبائل الجرمن فنشبت حرب كانت دامية في (بواتية) بقرب نهر (الوار) قتل فيها عبدالرحمن و انسحب المسلمون. و كان سبب خسارتهم الحرب انشغالهم بالغنائم التي كانوا غنموها في حرب جنوبي فرانسا، و ثارت بينهم أهواؤهم العصيبة فاهتبل (شارل مارتل) ما قام بينهم من خصومات و فأجاهم بجموع غفيرة و اضطرهم

الي الانسحاب، فأضاعوا الكثير مما كانوا غنموه و استشهد منهم الكثير. تجمع الرويات الاسلامية علي الثناء علي عبدالرحمن الغافقي، بل يذهب بعضها الي القول بأنه أعظم ولاة الاندلس و أكثرهم فضيلة و أشدهم اخلاصا في القيام بما تفرضه الأندلس علي واليها من الواجبات، و هو يمتاز عن ولاة الأندلس بسلامته من النزعة العصبية التي أفسدت علي معظم الولاة أعمالهم. الأعلام: 4 / 84، ابن الأثير: 5 / 174، نفح الطيب: 1 / 111، 307، البيان المغرب: 2 / 26، ابن خلدون: 4 / 257، دولة الاسلام في الأندلس: 1 / 89، 97، فجر الأندلس: 155، 261، 265.

[68] تذكرد الخواص: 350، كشف الغمة: 2 / 332.

[69] اخبار الدول: 111.

[70] مرآة الجنان، 1 / 248.

[71] البحار: 12 / 87.

[72] علل الشرايع: 117.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.