السجاد علي عليه السلام

اشارة

سرشناسه : شاكري، حسين، - 1304

عنوان و نام پديدآور : السجاد علي عليه السلام/ تاليف حسين الشاكري

مشخصات نشر : قم: الموسسه الاسلاميه العامه للتبليغ و الارشاد، []1381.

مشخصات ظاهري : ج 2

فروست : (من سيره العظماآ؛ 17 و 18)

شابك : 964-5915-68-6(ج.1) ؛ 964-5915-68-6(ج.1) ؛ 964-5915-68-6(ج.1) ؛ 964-5915-68-6(ج.1) ؛ 964-5915-69-4(ج.2)

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه

موضوع : علي بن حسين(ع)، امام چهارم، 94 - 38ق. -- سرگذشتنامه

رده بندي كنگره : BP43/ش 2س 3

رده بندي ديويي : 297/954

شماره كتابشناسي ملي : م 81-19447

تفريض السيد الحائري

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله، و علي آله آل الله، و اللعن الدائم علي أعدائهم اعداء الله، من الآن الي يوم لقاء الله. و بعد: فأن من دواعي اعتزازي أن اكتب هذه السطور مقدمة للموسوعة الجليلة المباركة و السلسلة الذهبية الخالدة التي ساعدني الحظ فعشت لحظات سعيدة في رحاب الجزء السابع منها التي أعدها مؤلفها الجليل الأخ الكريم و الاستاذ المهذب فضيلة الحاج حسين الشاكري حفظه الله لدراسة حياة الامام الرابع من أئمة أهل البيت، و القائد الخامس من قادة الرسالة، و المعصوم السادس من الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و هو الامام السجاد زين [ صفحه 8] العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم أفضل صلوات الله و صلوات ملائكته المقربين و انبيائه المرسلين و عباده الصالحين و جميع الشهداء و الصديقين. و الواقع ان دراسة حياة الائمة عليهم السلام ليست دراسة تاريخية فحسب تزود الانسان بالتجربة و الموعظة التين يستطيع الفرد و المجتمع ان يوظفانهما لصالح حركة التاريخ و تطوير ميسرة الحياة البشرية. بل أن التاريخ الاسلامي الذي صنعه رسول الاسلام و اهل بيته عليهم

أفضل الصلاة و السلام بجهدهم و جهادهم الذي جسد روح الرسالة الاسلامية الخالدة و أهدافها الحية في الحياة يمتاز بأنه تاريخ علم، و تاريخ حضارة، و تاريخ هداية فرغم كل المآسي التي عانتها هذه الرسالة الآلهية و حملتها المعصومون عليهم السلام من جهال البشرية و طغاتها، استطاعت أن تنير الدرب، و تعلم الانسانية معني الحرية و الكرامة و تعيد للبشرية الجاهلة و المتخلفة و المنحرفة شخصيتها الانسانية المتمتعة بالعلم و الحضارة و الهداية. و من جانب آخر نلاحظ أن سنة المعصومين عليهم السلام هي عدل القرآن الكريم. فالقرآن و العترة هما الثقلان اللذان تركهما النبي صلي الله علي و آله و سلم للبشرية لتنجو - من خلال التمسك بهما - من الضلال و الانحراف، و القرآن و السنة (سنة المعصومين عليهم السلام التي هي عبارة عن مجموع أقوالهم و أعمالهم و تقاريرهم اي تصحيحاتهم و امضاءاتهم لكل ما يجري و يحدث أمامتهم) هما [ صفحه 9] المصدران الأساسيان و المعينان اللذان لا ينضبان لاستقاء و فهم الشريعة الاسلامية بكل أبعادها و محتوياتها من عقائد و أحكام و أخلاق و مفاهيم، فلا محيص اذن - لمن يريد أن يفهم هذه الرسالة الخالدة و يعي الاسلام المجسد - عن دراسة حياة الرسول الأعظم و أهل بيته المعصومين عليهم السلام بكل دقة و استيعاب، و استخلاص الصحيح الثابت من سيرتهم عليهم السلام من بطون كتب الحديث و التاريخ. و انها لمهمة صعبة و معقدة علي الباحث المنصف نظرا الي المشاكل التي يواجهها في هذا المجال، و لا سيما اذا لاحظنا أن التاريخ الذي يقرأه المسلمون اليوم انما كتب و دون بأشراف الحكام و السلطات الجائرة و في ظروف قاسية جدا يهيمن عليها الخوف أو

يسيطر عليها الطمع في الدنيا، الأمر الذي أدي الي اختفاء دور الأئمة عليهم السلام الفقهي و السياسي و الفكري عن صفحات هذا التاريخ الا النزر اليسير، باعتبارهم قادة المعارضة الفكرية و السياسية في العهدين الأموي و العباسي مضافا الي تأخر كتابة الحديث النبوي ساعد الي حد كبير علي الدس و التزوير من جهة و علي ضياع النصوص الواردة عن النبي بشأن الأئمة عليهم السلام من جهة أخري، اذن فهناك تعتيم اعلامي - يكاد يكون مطبقا - علي أئمة أهل البيت عليهم السلام نلاحظ في التاريخ الرسمي المدون و قد أدي هذا التعتيم الي نتائج سلبية مكنت خصوم الأئمة عليهم السلام من أن يخوضوا حربا دعائية شعواء واسعة النطاق ضدهم عليهم السلام في مختلف مجالات حياة المسلمين [ صفحه 10] الفكرية المتنوعة. و يعملوا جادين علي عزل مدرستهم عليهم السلام الاسلامية الناصعة و اتجاههم الفكري و السياسي و منهجهم اللاحب المستوعب لروح الرسالة و المجسد للتجربة الآلهية عن الامة المسلمة، فعلي كل مسلم مخلص لمبادي ء هذه الأمة و رجالاتها تبديد ما حاكه أعداء هذه المدرسة و نكث ما غزلوه ضد شخصيات أهل البيت و أئمتهم عليهم السلام الذين هم قادة الأمة فكريا - حيث انهم أنشأوا مدرسة فكرية متميزة و أسسوا طريقة خاصة لفهم الرسالة الاسلامية و بيان محتواها العقيدي و التشريعي - و هم قادتها سياسيا حيث انهم جسدوا الخط المعارض للظلم و الانحراف و تصدوا للحكام الجائرين و المنحرفين بكل أساليب التصدي و المواجهة. و نلاحظ أيضا ان توحيد الصف الاسلامي و تقريب المسلمين بعضهم من بعض يجب أن يرتكز علي دراسة حياتهم عليهم السلام و الاستنارة بفهمهم الصحيح عن الاسلام و رؤيتهم السياسية الواضحة. هذه بعض الملاكات و المنطلقات التي تدعو الي ضرورة

دراسة حياة الأئمة عليهم السلام و فهم هذه المدرسة المحمدية الأصيلة. و من هنا فلا يسعنا - و نحن بين يدي هذا السفر الميمون الذي أنتجته يراعة أحد تلاميذ هذه المدرسة و مخلصيها و المضحين في سبيلها و المشردين الذين أوذوا من أجل الولاء لها و ما نقم منهم أعداء الاسلام الا انتمائهم لها - ألا أن نهنئه بما قدم مشكورا، و نسأل المولي العلي القدير أن يجعله قدوة للمؤمنين العاملين و المخلصين الأخيار، و يوفقه [ صفحه 11] للمزيد من الأنجازات المخلصة و الهادفة، و يمد في عمره و يكثر من أمثاله و يتقبل منه هذا الجهد الثمين و يجعله في ميزان أعماله و ينفعه و أيانا و الأمة يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي الله بقلب سليم، آملين أن تكون هذه الدراسة و غيرها من الدراسات القائمة علي أساس النظرة التجزيئية و دراسة حياة كل امام من أئمة أهل البيت عليهم السلام و بكل ما تزخر به حياة ذلك الأمام من ملامح و أهداف و نشاط بصورة مستقلة، خطوة تمهيدية و مقدمة موصلة لأنجاز دراسة شاملة للأئمة عليهم السلام لكل قائمة علي أساس النظرة الكلية و دراسة حياة كل امام بصورة غير مستقلة عن سائر أجزاء هذا الكل المترابط، هذه الدراسة التي أثار التفكير حولها أستأذنا الشهيد السعيد آيةالله العظمي السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه و أعطي بعض ملامحها العامة في محاضراته القيمة عن الأئمة عليهم السلام فأن هذه الدراسة الكلية - كما قال رضوان الله عليه - تعرفنا علي الدور المشترك للأئمة عليهم السلام جميعا و ما يعبر عنه هذا الدور من ملامح و أهداف و ترابط، دون أن نواجه اختلافا في

حالات أمام عن أمام، و تباينا في سلوك بعض الأئمة عليهم السلام عن البعض الآخر و تناقضا شكليا بين الأدوار التي مارسها الأئمة عليهم السلام - حيث صالح الأمام الحسن عليه السلام معاوية بينما حارب الأمام الحسين عليه السلام يزيدا حتي قتل، و طفحت حياة الأمام السجاد عليه السلام بالدعاء، بينما كانت حياة الأمام الباقر طافحة بالحديث و الفقه و هكذا - فعند ما نحاول اكتشاف [ صفحه 12] الخصائص العامة و الدور المشترك للأئمة عليهم السلام ككل، فسوف تزول كل تلك الاختلافات و التناقضات، لأنها تبدو - و من خلال هذه الدراسة الكلية - مجرد تعابير مختلفة - عبر بكل منها أحد الأئمة عليهم السلام - عن حقيقة واحدة، و انما اختلف التعبير عنها رغم وحدتها بسبب اختلاف الظروف و الملابسات التي مر بها كل أمام و عاشتها القضية الأسلامية و الشيعية في عصره عن الظروف و الملابسات التي مرت بها الرسالة في عهد امام آخر، و نخرج عن طريق هذه الدراسة الشاملة بنتائج أضخم من مجموع النتائج التي تتمخص عنها الدراسات التجزيئية - رغم ضرورتها و توقف الدراسة الشاملة عليها - لأننا سوف نكتشف الترابط بين أعمال الأئمة عليهم السلام، و نجد أنفسنا أمام تخطيط مترابط يكمل بعضه بعضا، و دور مشترك مارسه الأئمة عليهم السلام جميعا، و موقف عام وقفوه في خضم الأحداث و المشاكل التي اكتنفت الرسالة بعد انحراف التجربة و أقصاء الأئمة عليهم السلام عن مركزهم القيادي في زعامتها. و هذا الدور المشترك و الموقف العام ليس مجرد افتراض نبحث عن مبرراته التاريخية، و انما هو مما تفرضه العقيدة نفسها و فكرة الأمامة بالذات، لأن الأمامة - بمسؤلياتها و شروطها - واحدة في جميع الأئمة عليهم السلام. فيجب أن تنعكس انعكاسا

واحدا في سلوك الائمة عليهم السلام و أدوارهم مهما اختلفت ألوانها الظاهرية بسبب الظروف و الملابسات و يجب أن يشكل الأئمة عليهم السلام مجموعهم وحدة مترابطة الاجزاء يواصل كل جزء في تلك الوحدة دور الجزء الآخر و يكمله لانهم نور واحد صلوات الله [ صفحه 13] و سلامه عليهم أجمعين يوم ولدوا، و يوم قادوا المسيرة، و يوم استشهدوا في سبيل الله و اعلاء كلمته و يوم يبعثون أحياء، و رزقنا الله حبهم و ولائهم و الايمان بهم و ثبتنا علي ذلك و علي الاهتداء بهديهم و الاقتداء بهم في الحياة، و رزقنا في الدنيا زيارتهم و في الاخري شفاعتهم ان شاء الله و الحمد لله رب العالمين. علي الحائري. قم المقدسة - الحوزة العلمية يوم ميلاد الرسول الأعظم (ص) و حفيده الأمام الصادق (ع) من سنة 1415 ه- [ صفحه 15]

المقدمة

اشاره

عاش الامام زين العابدين عليه السلام أقسي فترة من الفترات التي مرت علي قادة أهل البيت عليهم السلام لأنه عاصر بداية قمة الانحراف الذي بدأ عقب وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و الذي يهمنا من هذا الانحراف الذي بدأ في زمن الامام السجاد عليه السلام أنه أخذ شكلا صريحا، لا علي مستوي المضمون فقط بل علي مستوي الشعارات و الكلمات المطروحة من قبل الحكام في العمل و التنفيذ. فقد انكشف واقع الحكام الأمويين أمام كل الجماهير المسلمة بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام نظريا و عمليا و لم يبق ما يستر عورة حكمهم أمام الأمة التي خبرت واقعهم و حقيقتهم المزرية. و قد عاصر الامام السجاد عليه السلام كل المحن و البلايا التي وقعت أيام جده أميرالمؤمنين عليه السلام، و قد ولد قبل استشهاد الامام علي عليه السلام بسنتين،

و قيل: بثلاث سنوات، و تفتحت عيناه و جده أميرالمؤمنين في محنته في خط الجهاد في حرب الجمل، و من [ صفحه 16] ثم عاش مع عمه الامام الحسن عليه السلام في محنته، و مع أبيه الحسين عليه السلام و هو في محنته الفاجعة الي أن استقل الامام السجاد بالمحنة وجها لوجه، و قد وصلت به المحنة عندما رأي جيوش بني أمية تدخل مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المدينة و تربط خيلها في المسجد، هذا المسجد الذي كان منطلقا للرسالة و أفكارها الي العالم كله و الي الأجيال الصاعدة نري العكس فان هذا المسجد قاسي - من الحكم الأموي - كثيرا من الذل و الهوان علي يد جيش الانحراف الذي أعلن اباحة المدينة و المسجد، و هتك حرمات النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيها. هذه الفترة التي عاشها الامام السجاد عليه السلام يمكن أن نعتبرها من أقسي الفترات التي مرت علي الامام السجاد عليه السلام، فقد مثلت بداية انكشاف قمة الانحراف، و قد كان فيها الامام عليه السلام ممتحنا أكثر من سائر الأئمة عليهم السلام. و كان القتل هو أبسط الوسائل التي تستعمل في هذا الصراع، اذ كان التمثيل الانتقامي بالجثث، و الصلب علي الأشجار، و تقطيع الأيدي و الأرجل و سمل العيون، و ألوان العقاب البدني المختلفة هي لغة الحديث اليومي. لقد كان لثورة أبيه الحسين عليه السلام و نهايته الفاجعة في كربلاء أثره في اطلاق الشعور بالاثم، و مشاعر الحقد و الكراهية لبني امية. و هذا ما نراه جليا في الشعب المسلم بعد ثورة الحسين عليه السلام و استشهاده، فقد دفع الشعور بالاثم كثيرا من الجماعات [ صفحه 17] الاسلامية الي العمل لتكفير بني امية

و البغض لهم و الحقد عليهم، و كان التعبير الطبيعي لهم هو الثورة عليهم و هكذا كان، و اليك بعضا منها: 1 - كانت ثورة المدينة المنورة أول رد فعل علي جرائم الأمويين، حيث ثار المسلمون، و طرد الثائرون عامل يزيد و الأمويين في المدينة، و قوضوا سلطانهم الجائر الظالم، و كان عددهم في بادي الأمر ألف ثائر و تبعهم أهل المدينة بأسرها، و لكن الثورة قمعت بوحشية متناهية [1] من قبل الجيش الأموي الذي جهزه يزيد بقيادة المجرم السفاك مسرف بن عقبة، فقد ابيحت المدينة ثلاثة أيام لجند الضلال فهتكت الأعراض، و سفكت الدماء، و نهبت الأموال، الي غير ذلك من الأعمال الوحشية التي يندي لها جبين الانسانية و كان ذلك في سنة 62 ه. 2 - ثم تبعتها ثورة التوابين التي اندلعت في الكوفة بقيادة سليمان ابن صرد، و كانت ردة فعل مباشر لقتل الامام الحسين عليه السلام، و انطلقت من شعورها بالاثم لتركهم نصرة أبي عبدالله الحسين عليه السلام بعد أن استدعوا الامام بكتبهم الي الكوفة، و رأوا أن يغسلوا عارهم بالانتقام من قتلة الحسين عليه السلام، و كان ذلك سنه 65 ه [2] . 3 - و بعدها بسنة واحدة ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي عام 66 ه في الكوفة طالبا بثأر الحسين، و كان شعاره «يا لثارات الحسين»، و قد تتبع المختار قتلة الحسين عليه السلام و آله في كربلاء و قتلهم، منهم: عمر بن سعد، و عبيدالله بن زياد، و شمر بن ذي الجوشن و مائتين و ثمانين [ صفحه 18] رجلا غيرهم [3] . 4 - بعدها طمع في خلافة بني أمية لما ضعف سلطانهم بالكوفة - مطرف بن المغيرة بن شعبة و ذلك في

سنة 77 ه، و ثار علي الحجاج الثقفي، و خلع عبدالملك بن مروان [4] . 5 - ثم ثار بعد ذلك عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث علي الحجاج الثقفي، و خلع عبدالملك بن مروان، لنفس الهدف و الغاية، و قد استمرت ثورته سنتين ابتداء من سنة 83 - 80 ه، و أحرز انتصارات عسكرية، ثم قضي عليها الحجاج بجيوش أهل الشام المرابطة في الكوفة. [5] . 6 - ثم ثار زيد بن علي بن الحسين عليه السلام سنة 122 ه في الكوفة علي طغيان الأمويين و جورهم طالبا بذلك دم جده و الشهداء من آله في كربلاء، و لم تطل ثورته و سرعان ما اخمدت بجيوش أهل الشام المرابطة بالكوفة. [6] . هذه الثورات هي نماذج من الثورات التي نهضت بروح الثورة التي بثها الامام الحسين عليه السلام في الامة و التي استمرت طيلة الحكم الأموي، حتي قضيت عليه بثورة العباسيين. و لكن أغلب هذه الثورات التي وقعت كان موقفها من الحكم [ صفحه 19] الأموي موقفا عاطفيا و مصلحيا، و لم يكن موقفا عقليا و عقائديا نابعا من ادراك بعد الأمويين عن الدين. [7] . أما موقف الامام السجاد عليه السلام من هذه الظاهرة - الشعور بالاثم - فقد وقف منها موقفا ايجابيا، مستغلا هذا الشعور و العامل النفسي لدفع المسلمين الي المزيد من الوقوف بوجه الأمويين، و التحدي لسلطانهم، و جعله عاملا يحسب له حساب عند الحاكمين. و حاول الامام علي بن الحسين عليه السلام ان يلهب هذا الشعور بالاثم، و أن يزيده حدة، فقال مخاطبا حشدا هائلا من أهالي الكوفة - موبخا و مؤنبا لهم -: «أيها الناس، ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم الي أبي

و خدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه؟ فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، و سوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون الي رسول الله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من امتي؟» [8] . و قد قدر لهذا الشعور بالاثم أن يبقي مشتعل الأوار، حافزا دائما الي الثورة و الانتقام، و قدر له أن يدفع الناس الي الثورات علي الأمويين كلما سنحت الفرصة، ثم لا يرتوي و لا يهدأ و لا يستكين. هذا الجو المضطرب المشحون بالثورات و الانتفاضات دفع [ صفحه 20] بني امية الي احكام الرقابة الصارمة علي تحركات الامام السجاد عليه السلام، و فرض الرقابة الجبرية عليه، و كانت تفسر كل حركة تصدر منه ببادرة ثورة جديدة تستهدف بالضرورة حكمهم المنحرف. و من خلال هذا الوسط القلق المضطرب، كان علي الامام السجاد عليه السلام أن يجد طريقا و اسلوبا جديدا يواجه به مثل هذه الظروف القاسية، و في نفس الوقت كان عليه أن ينظر - بحذر المسؤول و الحامي للشريعة - خطط الحكام المنحرفين و مراقبتهم الشديدة المشوبة بالخوف و التحفز للانتقام منه. و لهذا جعل الامام من الدعاء سلاحا شهره بوجوه الطغاة و أن يجرد كلماته و آراءه من ثوب العنف و الثورة حتي لا يستفز أعداءه و ان كانت في واقعها أشد من العنف و الثورة.

دور الامام في توعية الامة

اتجه الامام السجاد عليه السلام الي سلوك طريقين من طرق عمل المقاومة مع امته و جماعته بالخصوص، و هما: 1 - تحريك الضمير الثوري عند الانسان المسلم، و التركيز لايقاظ شعوره بالاثم، و ضرورة التكفير عنه، و ذلك للحفاظ علي الضمير الاسلامي و الارادة الاسلامية من الاستسلام و الانهيار، أو التنازل

المطلق عن شخصيته و كرامته للحكام المنحرفين. 2- التخطيط الفكري و توعية الروح العقائدية في الامة و يعتبر الامام علي بن الحسين عليه السلام المؤسس الثاني للمدرسة [ صفحه 21] الاسلامية، و كان منزله مدرسة، و كان مسجد الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم مدرسته أيضا و نقطة انطلاقه منهما يزدحم فيهما الطلاب عليه من كل حدب و صوب، و أصبح تلامذته فيما بعد بناة الحضارة الاسلامية، و رجال فكرها في تشريعها و أدبها التربوي الاسلامي [9] . و ما «الصحيفة السجادية» التي هي زبور آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و ما حوته من الثروات الفكرية المتميزة خاصة بوضع قواعد الأخلاق، و اصول القيم و الفضائل، و علوم التوحيد، و كيفية التضرع و الدعاء الا واحدة من ثمرات تلك المدرسة التليدة، و الآثار القيمة التي تركها لنا الامام السجاد عليه السلام خاصة و للبشرية و الانسانية عامة. و كذلك رسالة الحقوق، و دعائه في يوم عرفة، و مناجاته الكثيرة، خاصة مناجاته في جوف الليل بالكعبة، و غيرها من صنوف الأدعية و الحكم التي تعج بها امهات المصادر، و كتب الأدعية. و لقد ترك لنا الامام السجاد عليه السلام تراثا ضخما من الفكر و الأدب و العلوم الانسانية، لكن مع الاسف هناك تصورات خاطئة عند بعض المؤرخين؛ منها: ان أئمة أهل البيت من أبناء الحسين عليه السلام قد اعتزلوا السياسة بعد واقعة الطف بكربلاء، و انصرفوا الي الارشاد و العبادة و الانقطاع عن الدنيا [10] . [ صفحه 22] و هناك تصورا خاطئا آخر لدي كثير من الناس الذين اعتادوا أن يفكروا في الأئمة بوصفهم اناس مظلومين فحسب قد اقصوا عن مراكزهم القيادية و

أقرت الامة هذا الاقصاء، و ذاقوا بسبب ذلك ألوان الاضطهاد و الحرمان [11] . و يدللون علي قولهم الخاطي ء هذا، مابدا لهم من عدم اقدامهم علي عمل مسلح ضد الوضع الحاكم مع اعطاء الجانب السياسي من القيادة معني ضيقا لا ينطلق الا علي عمل مسلح من هذا القبيل. و الامام السجاد عليه السلام كان يؤمن بأن تسلم السلطة وحده لا يكفي لتحقيق عملية التغيير اسلاميا ما لم تكن هذه السلطة مدعمة بقواعد شعبية واعية تعي أهدافها. و هذا الأمر كان يفتقده الامام عليه السلام و يشكو منه لعدم وجود تلك القاعدة الشعبية السماندة له بوعي و اخلاص. و الامام يبين ذلك في تحليل رائع دقيق في دعائه قائلا: «فنظرت يا الهي الي ضعفي عن احتمال الفوادح و عجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته، و وحدتي في كثير عدد من ناوأني» [12] . و الأئمة عليهم السلام و بالرغم من التآمر لاقصائهم عن مجال الصدارة و الحكم كانوا يتحملون باستمرار مسؤوليتهم في الحفاظ علي الرسالة و علي التجربة الاسلامية و تحصينها ضد التردي الي هاوية [ صفحه 23] الانحراف، و الانسلاخ من مبادئها و قيمها انسلاخا تاما. فكلما كان الانحراف يطغي و يشتد و ينذر بخطر التردي الي الهاوية، كان الأئمة عليهم السلام يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك. بهذا أختتم هذه المقدمة استعدادا للدخول في البحث و التحليل عن بعض جوانب حياة الامام السجاد عليه السلام و سيرته، في جميع مراحل حياته الخاصة و العامة و مواقفه الحكيمة. و من الله سبحانه استمد العون و التسديد، فانه أرحم الراحمين. و آخر دعوانا الحمدلله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين. قم المقدسة عش آل محمد

الخامس من شهر شعبان المبارك يوم ولادته عام اربعة عشر و اربعمائة و الف من الهجرة النبوية علي مهاجرها الآف التحية و السلام حسين الشاكري [ صفحه 25]

اسم امه، و ولادته، و اسمه، و صفاته

شاه زنان

السيدة الجليلة شاه زنان - أي ملكة النساء - سليلة الملوك الساسانيين، و ام الامام زين العابدين عليه السلام، تحتل هذه السيدة المكانة المرموقة في عالم المرأة في زمانها، فقد كانت في طليعة سيدات عصرها، و سيدة نساء البلاط الامبراطوري الساساني. و قد تحلت بأوسمة زادتها شرفا و رفعة منها: أ - نسبها الوضاح فهي حفيدة الملك العادل كسري أنوشيروان. ب - انها أصبحت زوجة أبي الأحرار، و سيد الشهداء الحسين عليه السلام. ج - انها أصبحت ام الامام زين العابدين و سيد الساجدين عليه السلام. د - انها أصبحت جدة الأئمة الطاهرين من نسل وليدها الطاهر. ه - انها أصبحت الرابطة المقدسة بين العرب و الفرس. و قد أكسبتها هذه الصفات شرفا الي شرفها، و مجدا الي مجدها، [ صفحه 26] بالاضافة الي ما تتمتع به من خلق سامي، و صفات حميدة، منها: العفة، و الطهارة، و الكمال، و سمو الأخلاق و الآداب، و حدة الذكاء، و الثقافة العالية، فقد بادر الامام أميرالمؤمنين عليه السلام الي زواجها من ولده الامام الحسين عليه السلام، كما عهد اليه بالاحسان اليها، و البر بها. و في رواية: خيرها، فاختارت الامام الحسين عليه السلام بعلا لها. تضاربت الروايات في الزمن الذي تم فيه اقترافها بالامام الحسين عليه السلام، و هي ثلاث روايات: أ - رواية تقول في عهد عمر بن الخطاب روي ذلك الكليني بسنده عن الامام الصادق عليه السلام، و مضمونها: لما قدمت ابنة يزدجرد علي عمر، أراد أن يعاملها معاملة الأسري، فاعترضه أميرالمؤمنين و قال: «ليس لك

ذلك، ان بنات الملوك لا يعاملن معاملة الأسري، خيرها رجلا من المسلمين، و احتسبها بفيئه» فخيرها، فتخطت رؤوس القوم حتي وضعت يدها علي رأس الحسين عليه السلام [13] . و يقرب من هذه الرواية، ما ذكره بعض المؤرخين من أن ليزدجرد ابنتين وقعتا في الأسر في عهد عمر، فأخذهما أميرالمؤمنين عليه السلام فدفع واحدة منهن الي الامام الحسين عليه السلام، فولدت له [ صفحه 27] الامام زين العابدين عليه السلام و دفع الاخري الي محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم [14] . ب - الرواية الثانية - كان ذلك في عهد عثمان - روي ذلك الشيخ الصدوق: ان عبدالله بن عامر لما فتح خراسان، أيام خلافة عثمان، أصاب ابنتي يزدجرد، فبعث بهن الي عثمان، فوهب احداهن الي الامام الحسن، و الاخري الي الامام الحسين عليهماالسلام، و انهن توفيتا في حالة نفاسهن [15] . ج - روي جمع من المؤرخين و الرواة أن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام لما ولي الخلافة، أرسل حريث بن جابر واليا علي جانب المشرق، فبعث اليه بابنتي «يزدجرد بن شهريار»، فنحل «شاه زنان» الي ولده الامام الحسين عليه السلام فولدت له الامام زين العابدين عليه السلام، و نحل الاخري الي محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم «العالم الفقيه المعروف» [16] . هذه الروايات التي ذكرها المؤرخون، و تطرق اليها العلامة المحقق القرشي في كتابه الامام زين العابدين، في زواج السيدة «شاه زنان» بالامام سيد الشهداء الحسين عليه السلام و الروايتين الأخيرتين لم تصرحا بسبي السيدة «شاه زنان و شقيقتها»، و انما صرحتا بارسالهما الي [ صفحه 28] الخليفة. و الذي يمعن النظر في الروايات المتضاربة بشي ء من التأمل يدرك ان الرواية الاولي بعيدة عن واقع الحال، و ذلك لما يلي: أولا: ان يزدجرد

بن شهريار ملك فارس، كان حيا طيلة أيام خلافة عمر بن الخطاب، و قد انتقل الي مكان آخر من بلاد فارس حينما سقطت المدائن بيد المسلمين، حتي قتل سنة 30 هجرية في مرو، و كان ذلك في السنة السادسة من خلافة عثمان بن عفان، و أكبر الظن ان شاه زنان و شقيقتها قد اختفتا بعد مقتل أبيهما حتي خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام، و حينما بعث الامام حريث بن جابر واليا من قبله علي تلك المنطقة فظفر بابنتي يزدجرد فبعثهن الي أميرالمؤمنين عليه السلام و هو بالكوفة فدفع شاه زنان الي ولده الامام الحسين عليه السلام فولدت له الامام زين العابدين عليه السلام و هي بالكوفة و ذلك سنة 38 هجرية، و لم تمكث بعد ولادتها الا قليلا، و قد أصابتها حمي النفاس، و ظلت ملازمة لها، و فتك بها المرض فتكا ذريعا حتي لبت نداء ربها و ماتت، أما شقيقتها فدفعها الامام عليه السلام الي محمد بن أبي بكر، فولدت له القاسم، و أصبح من أبرز فقهاء زمانه، و علمائهم.

وفاة امه

لقد نكب الامام عليه السلام بوفاة والدته، و هو في أول مرحلة من مراحل الطفولة، و كان ذلك ايذانا لتتابع المحن و الخطوب عليه التي لم تجر علي أي انسان سواه الا نادرا. [ صفحه 29] و عهد الامام الحسين عليه السلام طفله الرضيع الي احدي امهات أولاده بالقيام بحضانته و رضاعته، و رعايته، و قد عنيت هذه السيدة الصالحة به خير عناية، فكانت ترعاه كما ترعي الام الرؤوم طفلها الرضيع، و فلذة كبدها.

ولادة الامام

و قد استقبلت الاسرة النبوية بمزيد من الغبطة و السرور وليدها الميمون المبارك، و أشرقت الدنيا بولادة الامام زين العابدين عليه السلام كما بشر به النبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل ولادته بعشرات السنين، و قد شمل الابتهاج جميع من يتصل بأهل البيت من الصحابة و أبنائهم و غيرهم. سارع الامام عليه السلام الي اجراء المراسيم الاسلامية الشرعية علي وليده المبارك، فأذن في أذنه اليمني، و أقام في أذنه اليسري، ليكون أول ما يستقبل به الوليد المبارك في هذه الحياة، هو صوت الحق «الله أكبر» ليطبع علي قلبه و سمعه و مشاعره آيات التوحيد و العبودية، و في اليوم السابع من ولادته عق عنه أبوه بكبش، و ختنه و حلق رأسه و تصدق بوزن شعره فضة، علي المساكين، عملا بالسنة الشريفة. و بهذه المناسبة نظم الصحابي التابعي أبوالأسود الدؤلي قصيدته الرائعة المعروفة، التي منها: و ان وليدا بين كسري و هاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم [17] . [ صفحه 30]

مكان ولادته

اختلف المؤرخون و الرواة في المكان الذي حظي بولادة الامام زين العابدين عليه السلام منهم من قال: ولد في الكوفة [18] ، و منهم من قال: كانت ولادته في يثرب «المدينة المنورة» [19] . و الرأي الذي هو أقرب للواقع، حسب تتبعي هو ان ولاته في الكوفة، و قد أجمع عليه المؤرخون و الرواة، و الدليل علي ذلك ان الامام السجاد عليه السلام ولد قبل شهادة جده أميرالمؤمنين عليه السلام في الكوفة بسنتين [20] ، و من المقطوع به أن الامام الحسين عليه السلام و افراد عائلته كانوا مع أميرالمؤمنين عليه السلام في الكوفة طيلة أيام خلافته، و لم يقيم أي أحد منهم في يثرب في تلك الفترة.

زمان ولادته

كما أن أقوال الرواة و المؤرخين تضاربت في الزمان الذي كانت فيه ولادة الامام عليه السلام. لكن الذي صح عند الامامية، و القول المعمول به هو ان [ صفحه 31] ولادته عليه السلام كانت يوم الخمسين الخامس من شهر شعبان المبارك سنه 38 ه [21] .

اسم المولود

و الثابت الذي أجمع عليه الرواة و المؤرخون ما نص عليه الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم هو أنه سمي وليده المبارك - بعلي بن الحسين - و لقبه «زين العابدين» و ذلك قبل ولادته بعشرات السنين، و كان ذلك من علامات نبوته الباهرة، و قد تضافرت الأخبار بنقل ذلك عنه، و هذه بعضها: 1 - روي الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: كنت جالسا عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الحسين في حجره، و هو «يلاعبه» يداعبه، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: «يا جابر، يولد له مولود اسمه علي، اذا كان يوم القيامة نادي مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده ثم يولد له ولد اسمه محمد، فان أنت أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام». و أذاع جابر هذا الحديث كما أنه أدرك الامام محمد الباقر عليه السلام و هو صغير، و أبلغه التحية و السلام من جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فتلقاها بمزيد من الفخر و الغبطة و الاعتزاز. 2 - روي الحافظ ابن عساكر بسنده عن سفيان بن عيينة، عن ابن [ صفحه 32] الزبير قال: كنا عند جابر فدخل الامام علي بن الحسين عليه السلام عليه، فقال له جابر: كنت عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فدخل عليه الحسين

عليه السلام «و هو صبي» فضمه اليه و قبله و أقعده الي جنبه، ثم قال صلي الله عليه و آله و سلم: «يولد لابني هذا ابن يقال له: «علي بن الحسين»، اذا كان يوم القيامة نادي مناد من بطنان العرش، ليقم «سيد العابدين» فيقوم هو [22] . 3 - روي سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «اذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين «زين العابدين»؟ فكأني أنظر الي ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف [23] . هذه بعض النصوص التي آثر عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم في تسميته لحفيده «بعلي»، و منحه لقب «زين العابدين» قبل أن يخلق بعشرات السنين، كما فيها الاشارة بأهميته و مكانته عند الله تعالي. [ صفحه 33]

كنيته

1 - أبومحمد [24] . 2 - أبوعبدالله [25] . 3 - أبوالحسن [26] . 4 - أبوالحسين. 5 - أبوالقاسم [27] . 6 - أبوبكر [28] .

القابه

أما ألقابه فهي تحكي ما اتصفت به من محاسن الصفات، و مكارم الأخلاق، و عظيم الطاعة لله تعالي. [ صفحه 34] و هذه بعضها: 1 - زين العابدين [29] : لقب به لفرط عبادته حتي صار اسما له، و لم يلقب به أحد سواه. 2 - سيد العابدين: من ألقابه البارزة. 3 - ذوالثفنات: لقب بذلك لما ظهر علي أعضاء سجوده شبه ثفنات البعير. و قال: الامام أبوجعفر الباقر عليه السلام: «كان لأبي في مواضع سجوده آثار ناتئة، و كان يقطعها في السنة مرتين، في كل مرة خمس ثفنات، فسمي لذلك ذوالثفنات» [30] . 4 - السجاد: لقبه الذي اشتهر به، و ذلك لكثرة سجوده، و تحدث الامام أبوجعفر الباقر عليه السلام عن سجود أبيه قال: «ان علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر لله عزوجل نعمة عليه الا و سجد، و لا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود الا و سجد، و لا دفع الله عنه سوءا الا و سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة الا و سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده، فسمي بالسجاد» [31] . و نظم ابن حماد في كثرة سجود الامام و عبادته هذه الأبيات الرقيقة. [ صفحه 35] و راهب أهل البيت كان و لم يزل يلقب بالسجاد حسن تعبده يقضي بطول الصوم طول نهاره منيبا و يقضي ليله بتهجده فأين به من علمه و وفائه و أين به من نسكه و تعبده [32] . 5 - و من ألقابه:

الزكي، لأن الله تبارك و تعالي زكاه و طهره من كل دنس، كما زكي آباءه الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. 6 - و من ألقابه: الأمين [33] الذي عرف به، فقد كان المثل الأعلي لهذه الصفة الكريمة، و قد قال عليه السلام: «لو أن قاتل أبي أودع عندي السيف الذي قتل به أبي الحسين لأديته اليه». 7 - و من ألقابه التي اشتهر بها: ابن الخيرتين، و كان يعتز بهذا اللقب، و يقول: «انا ابن الخيرتين» اشارة لقول جده صلي الله عليه و آله و سلم: «لله تعالي من عباده خيرتان، فخيرته من العرب هاشم، و من العجم الفرس» [34] . و هذه الأبيات نسبت اليه، و المرجح انما قيلت علي لسان أبيه، كما هي صريحة في ذلك: خيرة الله من الخلق أبي بعد جدي و أنا ابن الخيرتين فضة قد صيغت من ذهب فأنا الفضة و ابن الذهبين من له جد كجدي في الوري أو كأبي و أنا ابن القمرين [ صفحه 36] فاطمة الزهراء امي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين و له يوم احد وقعة شفت الغل بعض العسكرين [35] . هذه نبذة يسيرة من ألقابه نقلناها مختصرة، و له ألقاب اخري عرضنا عنها روما للاختصار، و هي عما اتصفت به من الصفات الرفيعة، و الخصال الحميدة. [ صفحه 37]

الامام في سطور

جده: الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام. أبوه: الحسين الشهيد عليه السلام. امه: شاه زنان - أي ملكة النساء - بنت يزدجرد بن شهريار بن كسري - ملك الفرس - سماها أميرالمؤمنين عليه السلام مريم، و قيل: فاطمة، و كانت تدعي «سيدة النساء». اخوته: علي الأكبر، عبدالله الرضيع - الشهيدان في كربلا -،

جعفر [36] . أخواته: سكينة، فاطمة، رقية. ولد في المدينة يوم الجمعة خامس شعبان سنة 38. و في رواية ولد في الكوفة في عهد جده أميرالمؤمنين عليه السلام. كنيته: أبومحمد. ألقابه: زين العابدين، سيد الساجدين، سيد العابدين، الزكي، الأمين، ذوالثفنات، البكاء. شهد مأساة كربلاء، و واكب مسير العائلة بعد الفاجعة الي الكوفة، و منها الي الشام. أشهر زوجاته: فاطمة بنت الامام الحسن السبط.

اولاد الامام السجاد

هم خمسة عشر ولدا - ذكورا و اناثا. 1 - محمد بن علي الباقر عليه السلام امه ام عبدالله بنت الحسن بن [ صفحه 38] علي بن ابي الطالب عليه السلام. 2 - ابوالحسين زيد بن علي. 3 - و عمر امهما ام ولد. 4 - عبدالله. 5 - و الحسن. 6 - و الحسين امهم ام ولد. 7 - الحسين الاصغر. 8 - و عبدالرحمن. 9 - و سليمان امهم ام ولد. 10 - علي و كان اصغر ولده. 11 - و خديجة، امهما ام ولد. 12 - محمد امه ام ولد. 13 - فاطمة. 14 - و عليه، 15 - و ام كلثوم. و كان زيد بن علي بن الحسين، افضل اولاده بعد ابي جعفر الباقر عليه السلام و كان عابدا، ورعا، سخيا، شجاعا، ظهر بالسيف يطلب بثارات جده الحسين عليه السلام فقتل و صلب أربع سنين في كناسة الكوفة [37] . نقش خاتمه: و ما توفيقي الا بالله. شاعره: الفرزدق، كثير عزة. بوابه: أبوجبلة، أبوخالد الكابلي، يحيي المطعمي. كانت اقامته عليه السلام في المدينة، و كان فيها المفزع للمهمات، يفيض علي الامة علما و سخاءا. امامته: عاش بعد أبيه الحسين عليه السلام أربعا و ثلاثين سنة، [ صفحه 39] و هي مدة امامته عليه السلام. ملوك عصره: يزيد بن معاوية، معاوية

بن يزيد، مروان بن الحكم، عبدالملك بن مروان، الوليد بن عبدالملك. آثاره: المصحف المنسوب الي خطه [38] ، الصحيفة السجادية الكاملة، الصحيفة الثانية، الصحيفة الثالثة، الصحيفة الرابعة، الصحيفة الخامسة، رسالة الحقوق. سمه الوليد بن عبدالملك بن مروان. وفاته: في الخامس و العشرين من المحرم سنة 95 ه قبره: دفن في البقيع مع عمه الحسن عليه السلام. هدم قبره: في الثامن من شوال سنة 1344 ه هدم الوهابيون قبره، و قبور بقية الأئمة عليهم السلام.

صفاته الجسمية

أما صفاته و ملامحه [39] فقد ذكر المؤرخون انه كان أسمرا قصيرا، نحيفا، رقيقا، و كان كلما تقدم به السن يزداد ضعفا، و نحافة، و نحولا، لكثرة سهره، و عبادته، و تهجده، و قد استولت عليه الأحزان، و عصرته الآلام، خاصة بعد يوم الطف في كربلاء، فصارت أهوالها تطارده، و طيفها يلاحقه، و لا يبعد عنه، حتي لحق بالرفيق الأعلي، ليشكو الي الله، و الي جده و أبيه و امه، ما تحمل من الظلم و العنت. [ صفحه 41]

نشأته، و سيرته، و جوامع مكارم أخلاقه و محاسن أوصافه

نشأته

لقد توفرت للامام زين العابدين عليه السلام جميع مكونات التربية الرفيعة، التي قلما يظفر بها أحد سواه، و قد عملت في تكوينه، و بناء شخصيته بصورة متميزة جعلته في الرعيل الأول من أئمة المسلمين الذين منحهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم ثقته. و هذا الامام بصورة خاصة، و ابنه محمد الباقر عليهماالسلام منحهما ثقته الغالية قبل أن يولدا بعشرات السنين. و أبلغهما تحياته، و سلامه. نشأ الامام زين العابدين عليه السلام في بيت النبوة و الامامة، ذلك البيت الذي أذن الله أن يرفع و يذكر فيه اسمه. في المرحلة الاولي من طفولته المباركة كان الامام أميرالمؤمنين عليه السلام يتعاهده، و يفضي عليه أشعة روحه التي طبق شذاها العالم بأسره. [ صفحه 42] لقد كان الامام زين العابدين عليه السلام بحكم تربيته و نشأته المثل الأعلي بكل ما يعتز به الانسان من سمو الكمال، و قيم الأخلاق. فكان سلوكه كسلوك آبائه مصدر اشعاع و هداية الي الناس كافة، و كان يتميز في سلوكه السير علي منهج جده الامام أميرالمؤمنين عليه السلام و الاقتداء بسيرته و هديه. و يقول الرواة: انه كان يمعن النظر في قراءة سيرة جده حينما تجهده العبادة،

فيتنفس الصعداء و يقول بحسرة: «أين عبادتي من عبادة جدي أميرالمؤمنين». لقد كان يحمل في سريرته روح جده عليه السلام أميرالمؤمنين، و سيد العارفين، فسار علي منهاجه، و اقتدي به في جميع مناحي سلوكه، و حياته، و اليك بعض مظاهر هذه الناحية من حياته.

سيرته في بيته

لقد سار الامام زين العابدين عليه السلام في بيته سيرة لم ير الناس مثلها، فقد تمثلت فيها الرحمة، و التعاون، و الرأفة، و نكران الذات، و كان من أرأف الناس و أبرهم و أرحمهم بأهل بيته، و كان لا يتميز عليهم بشي ء، بل كان كأحدهم، لا يأمر أحدا منهم - حتي خدمه و اماءه - بشي ء فيما يرجع الي أي شأن من شؤونه الخاصة، و كان يتولي بنفسه خدمة نفسه. [ صفحه 43]

بره بأبيه و مربيته

مرت الأيام و قطع الامام عليه السلام مرحلة الطفولة و الصبي و الشباب علم بموت امه الفاضلة و أدرك ان ما اسدته اليه هذه المربية الصالحة المؤمنة من ألوان البر و الاحسان انما كان خدمة له، و تقربا الي الله تعالي، فقابل ذلك المعروف بكل ما تمكن عليه من أنواع الاحسان، و قد بلغ من جميل بره بها أنه امتنع أن يؤاكلها، فلامه الناس، و أخذوا يسألونه بالحاح عن سبب ذلك قائلين: أنت أبر الناس، و أوصلهم رحما، فلماذا لا تؤاكل امك؟ فأجابهم بجواب من لم تشهد الدنيا مثل أدبه و كماله قائلا: «أخشي أن تسبق يدي الي ما سبقت عينها اليه فأكون قد عققتها» [40] . أية انسانية تضارع هذه الانسانية؟ و أي نفس ملائكية هذه النفس؟ كماله و حسبه انه ربيب النبوة، و ابن الحسين الذي ملأ الدنيا بشرفه و جوده و كماله. كان الامام زين العابدين عليه السلام من أبر الناس بأبيه و مربيته، فقد خفض لهما جناح المودة و الرحمة، و لم يبق مبرة و لا خدمة الا قدمها لهم. [ صفحه 44] فمن مبراته دعائه لهما. «اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف [41] ، و أبرهما بر الام الرؤوف، و اجعل طاعتي

لوالدي، و بري بهما أقر لعيني من رقدة الوسنان [42] و أثلج لصدري من شربة الضمآن حتي اوثر علي هواي هواهما، و اقدم علي رضاي رضاهما، و أستكبر برهما بي و ان قل، و أستقل بري بهما و ان كثر». و ليس في دنيا البر و الاحسان للأبوين مثل ما ذكره الامام السجاد عليه السلام في هذه الفقرات لأبويه. نعود الي مواصلة الفقرات المشرفه من دعائه لأبويه. «اللهم خفض لهما صوتي، و أطب لهما كلامي، و الن لهما عريكتي [43] ، و أعطف عليهما قلبي، و صيرني بهما رفيقا، و عليهما شفيقا. اللهم اشكر لهما تربيتي، و أثبهما علي تكرمتي، و احفظ لهما ما حفظاه مني في صغري. اللهم و ما مسهما مني من أذي، أو خلص اليهما عني من مكروه، أوضاع قبلي لهما من حق، فاجعله حطة [44] لذنوبهما، و علوا في درجاتهما، و زيادة في حسناتهما، يا مبدل السيئات بأضعافها من [ صفحه 45] الحسنات». مثلت هذه القطعة الرائعة من آداب أهل البيت عليهم السلام و سمو تربيتهم، فقد جعلتها الأجيال التي جاءت بعده دستورا يقتدي به في بر الولد لأبويه، حيين كانا أو ميتين. و لنستمع الي قطعة اخري من دعائه عليه السلام. اللهم و ما تعديا علي فيه من قول، أو أسرفا علي فيه من فعل، أو ضيعاه لي من حق، أو قصرا بي عنه من واجب فقد و هبته لهما، وجدت به عليهما، و رغبت اليك في وضع تبعته عنهما، فاني لا أتهمهما علي نفسي، و لا أستبطئهما في بري، و لا أكره ما تولياه من أمري يا رب، فهما أوجب حقا علي، و أقدم احسانا الي، و أعظم منة لدي من أن اقاصهما

بعدل أو اجازيهما علي مثل. أين ذا يا الهي طول شغلهما بتربيتي؟ و أين شدة تعبهما في حراستي؟ و أين اقتارهما علي أنفسهما للتوسعة علي؟ هيهات ما يستوفيان مني حقهما، و لا أدرك ما يجب علي لهما، و لا أنا بقاض وظيفة خدمتهما. فصل علي محمد و آله، و أعني يا خير من استعين به، و وفقني يا أهدي من رغب اليه، و لا تجعلني في أهل العقوق للآباء و الامهات يوم تجري كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون». ان هذه التربية العلوية انما هي نفحة من روح الله لتكون منارا الي الامم و الشعوب لترفع من قيمة الانسان، و تسمو به الي عالم الملكوت... و لنستمع الي القطعة الأخيرة من الدعاء. [ صفحه 46] «اللهم صل علي محمد و آله و ذريته، و اخصص أبوي بأفضل ما خصصت به آباء عبادك المؤمنين، و امهاتهم يا أرحم الراحمين. اللهم لا تنسني ذكرهما في أدبار صلواتي، و في اني من آناء ليلي، و في كل ساعة من ساعات نهاري. اللهم صل علي محمد و آله، و اغفر لي بدعائي لهما، و اغفر لهما ببرهما بي مغفرة حتما، و ارض عنهما بشفاعتي لهما رضي عزما، و بلغهما بالكرامة مواطن السلامة. اللهم و ان سبقت مغفرتك لهما فشفعهما في، و ان سبقت مغفرتك لي فشفعني فيهما، حتي نجتمع برأفتك في دار كرامتك، و محل مغفرتك و رحمتك انك ذو الفضل العظيم، و المن القديم، و أنت أرحم الرحمين» [45] . ان الانسانية انما تسمو و تتميز بهذه الأخلاق العلوية الهادفة الي خلق مجتمع متكامل واحد تسوده المحبة و الألفة و الاحترام المتبادل خصوصا في عالم الأسرة

التي ينطلق منها تهذيب الفرد و بناء شخصيته لانه اللبنة الأولي في المجتمع. لقد دعا الامام عليه السلام في هذه الفقرات الأخيرة طالبا من الله أن يتفضل عليهما بالمغفرة و الرضوان، و أن يغفر له ببركة دعائه لهما؛ و أن يغفر لهما ببرهما له، فأي مودة و رحمة للأبوين مثل هذه المودة و الرحمة. [ صفحه 47]

مع ابنائه

أما سلوك الامام زين العابدين عليه السلام مع أبنائه فقد تميز بالتربية الاسلامية الرفيعة لهم، فغرس في نفوسهم الصفات الخيرة، و اتجاهاته الاصلاحية العظيمة، و قد صاروا بحكم تربيته لهم من ألمع رجال الفكر و العلم و الجهاد في الاسلام، فكان ولده الامام محمد الباقر عليه السلام من أشهر أئمة المسلمين، و من أكثرهم عطاءا للعلم، و هو صاحب المدرسة الفقهية الكبري التي تخرج منها كبار الفقهاء و العلماء أمثال: أبان بن تغلب، و زرارة بن أعين، و غيرهما ممن أضاءوا الحياة الفكرية في الاسلام. و أما ولده عبدالله الباهر فقد كان من أبرز علماء المسلمين في فضله، و سمو منزلته العلمية، و قد روي عن أبيه علوما شتي، و كتب الناس عنه ذلك [46] . أما ولده زيد فقد كان من أجل علماء المسلمين، و قد تخصص في علوم كثيرة كعلم الفقه و الحديث و التفسير و علم الكلام و غيرها، و هو الذي تبني حقوق المظلومين و المضطهدين، و قاد مسيرتهم الجهادية في ثورته الخالدة التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الاسلامي، و ساهمت مساهمة ايجابية و فعالة في الاطاحة بالحكم الأموي. و علي أي حال فانا نعرض - بايجاز - الي بعض مناحي سلوك [ صفحه 48] الامام عليه السلام، مع أبنائه.

وصاياه لأبنائه

و زود الامام زين العابدين عليه السلام أبناءه ببعض الوصايا التربوية التي هي خلاصة تجاربه في هذه الحياة لتكون منهجا يسيرون عليها، و فيما يلي بعض وصاياه: 1 - أوصي عليه السلام بعض أبنائه بهذه الوصية القيمة التي ألقت الأضواء علي الأصدقاء و الأصحاب، و ألزمت بالاجتناب عمن يتصف منهم بالنزعات الشريرة خوفا من سريان العدوي و التلوث الي من يصادقهم، و هذا نص وصيته: «يا

بني انظر خمسة فلا تصاحبهم، و لا تحادثهم، و لا ترافقهم في طريق فقال له ولده: من هم؟ قال عليه السلام: اياك و مصاحبة الكذاب فانه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، و يبعد لك القريب، و اياك و مصاحبة الفاسق فانه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، و اياك و مصاحبة البخيل فانه يخذلك في ماله، و أنت أحوج ما تكون اليه، و اياك و مصاحبة الأحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرك، و اياك و مصاحبة القاطع لرحمه فاني وجدته ملعونا في كتاب الله» [47] . [ صفحه 49]

دعاؤه لأبنائه

أما دعاء الامام عليه السلام لأبنائه فهو في منتهي الروعة و الجلال، فقد حكي سلوكه النير معهم و ما يتمناه لهم من سمو الآداب، و مكارم الأخلاق، و لنستمع و نصغي اليه فانه من أسمي الثروات في التربية الاسلامية. «اللهم و من علي ببقاء ولدي، و باصلاحهم لي، و بامتاعي بهم، الهي امدد لي في أعمارهم، و زد لي في آجالهم، و رب لي صغيرهم، و قو لي ضعيفهم، و أصح لي أبدانهم و أديانهم و أخلاقهم، و عافهم في انفسهم، و في جوارحهم، و في كل ما عنيت به من أمرهم، و أدرر [48] لي و علي يدي أرزاقهم، و اجعلهم أبرارا أتقياء بصراء سامعين، مطيعين لك، و لأوليائك محبين مناصحين، و لجميع أعدائك معاندين و مبغضين آمين». و مثلت هذه الفقرات مدي روحانية الامام عليه السلام في سلوكه لتربية أبنائه، فقد قامت تربيته لهم علي الاصلاح الشامل، و التهذيب المطلق. و هذا العطف مما يوجب تماسك الاسرة و انسجامها، و اذا تربي الولد علي هذا الانموذج من الخلق الرفيع كان قرة عين لأبيه... و لنستمع الي

قطعة اخري من هذا الدعاء الشريف. [ صفحه 50] «اللهم اشدد بهم عضدي، و أقم بهم أودي [49] ، و كثر بهم عددي، و زين بهم محضري، و أحيي بهم ذكري، و اكفني بهم في غيبتي، و أعني بهم علي حاجتي، و اجعلهم لي محبين، و علي حدبين [50] مقبلين، مستقيمين لي، مطيعين غير عاصين، و لا عاقين و لا مخالفين و لا خاطئين، و أعني علي تربيتهم و تأديبهم و برهم، و هب لي من لدنك معهم أولادا ذكورا، و اجعل ذلك خيرا لي، و اجعلهم لي عونا علي ما سألتك. و أعذني و ذريتي من الشيطان الرجيم، فانك خلقتنا و أمرتنا و نهيتنا، و رغبتنا في ثواب ما أمرتنا، و رهبتنا عقابه، و جعلت لنا عدوا يكيدنا، سلطته منا علي ما لم تسلطنا عليه منه، أسكنته صدورنا، و أجريته مجاري دمائنا لا يغفل ان غفلنا، و لا ينسي ان هممنا بعمل صالح ثبطنا عنه، يتعرض لنا بالشهوات، و ينصب لنا بالشبهات، ان وعدنا كذبنا، و ان منانا أخلفنا، و الا تصرف عنا كيده يضلنا، و الا تقنا خباله [51] ، يستزلنا [52] . اللهم فاقهر سلطانه عنا بسلطانك، حتي تحبسه عنا بكثرة الدعاء لك، فنصبح من كيده في المعصومين بك» [53] . لقد أعرب الامام عليه السلام في هذه الفقرات عن عظيم [ صفحه 51] اخلاصه، و انابته، و طاعته لله، و تعلقه به، و انقطاعه اليه. سلام الله عليك يا سيدي يا زين العابدين، لقد اوتيت من الحكمة و فصل الخطاب ما لم يؤته أحد سوي آبائك الذين سنوا اصول الفصاحه، و البلاغة، و الحكمة في الدنيا.

صفاته و سيرته

قال كمال الدين: هذا زين العابدين، و سيد

الساجدين، و امام المتقين، و قدوة الزاهدين، شيمته تشهد انه من سلالة النبيين، و سمته تثبت مقام قربه من رب العالمين، و ثفناته تسجل بكثرة صلاته و تهجده، و اعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، ألفته اوراد العبادة فأنس بها، و حالفته وظائف الطاعة فتحلي بحليتها، طالما اتخذ سهره مطية ركبها لقطع طريق الآخرة، و له من خوارق الكرامات ما شوهد بالعين الباصرة، و ثبت بالآثار المتواترة «الباهرة»، و شهد له انه من ملوك الآخرة. عن ابن الشهاب الزهري، قال: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبدالملك ابن مروان من المدينة الي الشام فأثقله حديدا، و وكل به حفاظا في عدة و جمع فاستأذنتهم في التسليم عليه و التوديع له، فأذنوا لي، فدخلت عليه و هو في قبة و الأقياد في رجليه و الغل في يديه فبكيت. و قلت: وددت أني مكانك و أنت سالم. فقال: يا زهري أتظن أن هذا مما تري علي و في عنقي يكربني، أما لو شئت ما كان. فانه و ان بلغ منك و بأمثالك ليذكرني عذاب الله، ثم [ صفحه 52] أخرج يديه من الغل و رجليه من القيد. ثم قال: يا زهري لا جزت معهم علي ذا منزلتين من المدينة. قال: فما لبثنا الا أربع ليال حتي قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه. فقال لي بعضهم: انا لنراه متبوعا، انه لنازل و نحن حوله لا ننام نرصده، اذا أصبحنا فما وجدنا بين محمله الا حديدة. قال الزهري: فقدمت بعد ذلك علي عبدالملك بن مروان، فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته. فقال لي: انه قد جائني في فقده الأعوان، فدخل علي فقال: ما أنا

و أنت. فقلت: أقم عندي فقال: لا احب، ثم خرج فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة. قال الزهري: فقلت: يا أميرالمؤمنين ليس علي بن الحسين حيث تظن انه مشغول بنفسه. فقال: حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به، قال: و كان الزهري اذا ذكر علي بن الحسين يبكي و يقول: زين العابدين. قال أبوخالد الكابلي [54] سمعت زين العابدين يقول: الذنوب التي تغير النعم: البغي علي الناس، و الزوال عن العادة في الخير و اصطناع المعروف، و كفران النعم، و ترك الشكر، و الذنوب [ صفحه 53] التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله: قال تعالي في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه: (فأصبح من النادمين) و ترك صلة القرابة حتي يستغنوا، و ترك الصلاة حتي يخرج وقتها، و ترك الوصية، و رد المظالم، و منع الزكاة، حتي يحضر الموت و ينغلق اللسان... و الذنب التي تنزل البلاء: ترك اغاثة الملهوف و ترك معاونة المظلوم، و تضييع الامر بالمعروف و النهي عن المنكر... و الذنوب التي تدل الاعداء [55] : المجاهرة بالظلم، و اعلان الفجور، و اباحة المحظور، و عصيان الاخيار و اتباع الاشرار... و الذنوب التي ترد الدعاء: سوء النية، و خبث السريرة، و النفاق مع الاخوان، و ترك التصديق بالاجابة، و تأخير الصلوات المفروضات حتي تذهب اوقاتها، و ترك التقرب الي الله عزوجل بالبر و الصدقة، و استعمال البذاء و الفحش في القول... معاصروه من حكام بني امية: آخر أيام يزيد، و بعده معاوية بن يزيد «الذي رفض الحكم فقتلته امه خنقا»، مروان بن الحكم، الذي قال فيه أميرالمؤمنين عليه السلام: له امرة كلعقة الكلب أنفه، اشارة لازدراءه و لقصر مدة حكمه، و

من بعده عبدالملك بن مروان، و الوليد بن عبدالملك الذي سم الامام السجاد عليه السلام علي يد أخيه هشام، برواية [ صفحه 54] الكفعمي [56] أما في الفصول المهمة [57] لابن الصباغ، يقال: انه استشهد بسم الوليد نفسه، و قال الصدوق [58] ، و ابن طاووس في الاقبال [59] سمه الوليد بن عبدالملك عليهما اللعنة و قال سعيد بن المسيب [60] : و شهد جنازته البر و الفاجر، و أثني عليه الصالح و الطالح، و انهال الناس يتبعون جنازته حتي لم يبق أحد في المدينة و لا في ضواحيها، و دفن بالبقيع عند عمه الامام الحسن المجتبي عليهماالسلام. و هدم الوهابيون قبره، و قبر عمه، و قبور أولاده أبي جعفر محمد الباقر، و ابنه أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام، و قبر العباس بن عبدالمطلب، و جدته فاطمة بنت أسد الهاشمية، و كانوا جميعا في محوطة واحدة و تحت بناية مشيدة بقبابها، كما هدم الوهابيون جميع البنايات و القباب التي كانت مشيدة علي سائر قبور أهل البيت و العظماء من الصحابة و التابعين و المؤمنين، حتي ان قبور شهداء احد بما فيهم ضريح حمزة بن عبدالمطلب و عبدالله بن جحش و غيرهم هدمت، و ذلك عندما استولوا علي الحكم بتاريخ الثامن من [ صفحه 55] شهر شوال من سنة 1344 هجرية. أما مناقبه و فضائله لا تحصي كثرة، و مزاياه شهيرة، تكاد تكون جزء من حياته، خاصة عبادته، و زهده، و ورعه، و علمه، و كرمه، و حلمه و غيرها التي تميز بها. و كان يشبه جده أميرالمؤمنين عليه السلام في عبادته و زهده حتي اصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته من السجود، و ورمت

ساقاه و قدماه من القيام في الصلوات ليلا و نهارا. و كان يحسن الي من يسي ء اليه، و كان يقول لمن يشتمه: (ان كنت صادقا فأسأل الله العفو و أن يغفر لي، و ان كنت كاذبا فأسأل أن يغفر لك) [61] . و في الخصال: عن الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «و لقد سئلت عنه مولاة له، فقالت: اطنت أو أختصر؟ فقيل لها: بل اختصري، فقالت: ما أتيته بطعام نهارا قط، و ما فرشت له فراشا بليل قط» [62] . و قال عليه السلام أيضا: «كان علي بن الحسين عليهماالسلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة» [63] . و كان عظيم التجاوز و الصفح، حتي انه استطال عليه رجل و سبه فتغافل عنه، فقال له: اياك أعني، «فرد عليه الامام» و قال: «و عنك [ صفحه 56] أعرض» اشارة الي الآية الكريمة: (خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين) [64] . و روي الشيخ المفيد بسنده أنه عليه السلام حج ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة الي مكة [65] و النجائب تقاد بين يديه.

وقوفه بوجه التيارات الضالة

لقد انغمس الأمويون في الترف و النعيم، و اللهو و الخنوثة و الميوعة حتي طفح علي الساحة الانحطاط الخلقي، و فقدان القيم و الفضيلة، و كان فتيانهم يرفلون بأبهي الملابس و الحلي، و قد ضلوا و أضلوا كثيرا من الشباب و من تابيعهم في اللهو و المجون حتي ظهرت طبقة من المخنثين، و المغنين في العالم الاسلامي بصورة عامة و في المدينتين المقدستين مكة المكرمة و المدينة المنورة بصورة خاصة، و المجاهرة بالفسق و الفجور و اللهو و الغناء دون رداع أو صادع. كما بالغ الأمويون في هباتهم للشعراء،

و المغنين، و أجزلوا العطاء الي الأحوص شاعرهم مرة بألف درهم، و مرة اخري باثني عشر ألف دينار و غيرها حتي أثري ثراء فاحشا [66] و ما اكتسبها من تجارة أو ميراث، و انما هو من هبات الأمويين و عطاياهم يقول: [ صفحه 57] و ما كان مالي طارفا من تجارة و ما كان ميراثا من المال متلدا و لكن عطايا من امام مبارك ملأ الأرض معروفا و جودا و سؤددا كما أجزل الوليد بن يزيد العطاء الي المغني معبد باثني عشر ألف دينار، و استقدم جمع من مغني الحجاز فأجازهم بعد أن اعجب بغنائهم جوائز ثمينة. و وفد علي يزيد بن عبدالملك معبد، و مالك بن أبي السميح، و ابن عائشة، فأمر لكل واحد منهم بألف دينار بعد أن استمع الي غنائهم، كما أجاز الي المغني يونس الكاتب بثلاثة آلاف دينار. شاع الغناء في المدينة المنورة حتي صارت مركزا له. يقول أبوالفرج الاصفهاني: ان الغناء في المدينة أصبح لا ينكره عالمهم، و لا يدفعه عابدهم [67] . و يقول أبويوسف القاضي لبعض أهالي المدينة: ما أعجب أمركم يا أهل المدينة، في هذه الأغاني، ما منكم شريف و لا دني يتحاشي عنها [68] ، و كان العقيق اذا سال - أي الشراب - و أخذ المغنون يلقون أغانيهم لم يبق في المدينة مخبأة - مخدرة - و لا شابة، و لا شاب، و لاكهل الاخرج ببصره [69] و يسمع الغناء. و كانت يثرب تعج بالمغنيات، و كن يقمن بدور فعال في تعليم الغناء للفتيات و الفتيان، و نشر الغناء و اشاعة المجون و الخلاعة [ صفحه 58] و الفساد، و من المؤسف حقا ان مدينة الرسول الأعظم

صلي الله عليه و آله و سلم صارت في العصر الأموي مركزا للحياة العابثة، و كان من المؤمل أن تكون معهدا ثقافيا دينيا، و مصدرا للاشعاع الفكري، و الحضارة في العالم العربي و الاسلامي، الا ان الأمويين سلبوها هذه الظاهرة. و عاش ملوك الامويين حياة كلها لهو و عبث و فسق و مجون، فكانت: لياليهم الحمراء تعج بالخمور و الغناء و الرقص، و كان أول من اتخذ الغناء، و آوي المغنين من بني أمية يزيد بن معاوية، فقد طلبهم من المدينة [70] و كان يتجاهر بالفسق و الفجور، و يشرب الخمر علنا، و من مجانهم يزيد بن عبدالملك، و الوليد بن يزيد، و قد جنو و آوو الشهيرات من المغنيات المولعات بالاستهتار و المجون مثل سلامة و حبابة، و أضرابهن.

موقف الامام

و كان موقف الامام زين العابدين عليه السلام أمام هذه الاتجاهات و التيارات الفاسدة المدمرة للأخلاق و القيم، متسما بالصلابة و القوة، فقد سلط عليها أشعة من روحه المقدسة التي تحكيها الصحيفة السجادية التي تهز أعماق النفوس، و ذلك بما حوته من وعظ و ارشاد، و ما اشتملت عليه من دروس أخلاقية أبرزت قيم الاسلام، كالعبادة، و نشر الأحكام و فضائل الأخلاق، و تفقد الفقراء و المساكين [ صفحه 59] و المحرومين، و هدي آل البيت عليهم السلام. لقد وقفت الصحيفة السجادية التي هي زبور آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم سدا منيعا و شامخا لحماية الاسلام، و صيانته من هذا التفسخ الجاهلي الذي أوجده الحكم الأموي، نعت علي الامة ما هي فيه من الانحطاط الفكري و الاجتماعي، و دعتها الي الانطلاق و التحرر من ذل المعصيه الي عز طاعة الله الخالق، خالق الكون و

واهب الحياة. و يضاف الي الصحيفة السجادية هدي الامام عليه السلام و سيرته التي كانت تحكي سيرة جده الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، فكانت تبعث علي الهدي و ترشد الضال، و تهدي الحائر الي الطريق القويم.

حلمه و احسانه

فقد روي الكليني في الكافي. أنه قال: «ما تجرعت جرعة أحب الي من جرعة غيظ لا اكافي بها صاحبها». [71] . و اليك بعضا من سيرته، و حلمه، و كرم نفسه، و كل من كتب عن الامام زين العابدين عليه السلام تحدث عن صدقاته و بره و احسانه و صبره و حكمه و رعايته للفقراء و المساكين، و قد شمل عطفه و كرمه حتي منكري فضله، و جاحدي حقه، مصحوبا بخلقه الرفيع، و أدبه السامي، و اليك شذرات مما نقله العلماء و المؤرخون. 1- كان عليه السلام اذا أتاه سائل قال: «مرحبا بمن يحمل زادي [ صفحه 60] الي الآخرة» [72] . 2 - كان بينه و بين ابن عمه الحسن بن الحسن عليه السلام شي ء من المنافرة، فجاء يوما الحسن بن الحسن الي الامام زين العابدين عليه السلام و هو في المسجد مع أصحابه، فما ترك شيئا الا قاله له من الأذي، و هو ساكت لا يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: «قد سمعتم ما قال هذا الرجل، و أنا أحب أن تبلغوا معي حتي تسمعون ردي عليه» [و في رواية: فلما جن عليه الليل جاء الي داره و طرق عليه الباب و قال له: «يا أخي»، الي آخر الرواية]، فمضوا معه و هو يقول: (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين) فخرج الرجل متوثبا للشر و هو لا يشك انه انما جاءه مكافئا له علي بعض

ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «يا أخي، انك قد وقفت علي آنفا و قلت ما قلت، فان كنت قد قلت ما في فأنا أستغفر الله منه، و ان كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك». فأقبل عليه الرجل معتذرا و قال: لقد قلت ما ليس فيك و أنا أحق به، ثم قال: و الله لا عدت الي أمر تكرهه فقال له الامام عليه السلام «و أنت في حل مما قلته» [73] . 3 - و كان ابن عم له يأتيه بالليل متنكرا فينا و له شيئا من «المال» الدنانير، فيدعو له و يقول: لكن علي بن الحسين لا يواصلني، لا [ صفحه 61] جزاه الله عني خيرا، فيسمع ذلك منه و يتحمله و يصبر عليه و لا يعرفه بنفسه، فلما مات عليه السلام فقدها فحينئذ علم انه كان هو، فجاء الي قبره و بكي عنده، و ترحم عليه [74] . 4 - قال الامام الصادق عليه السلام: «كان علي بن الحسين عليهماالسلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير، و الدراهم حتي يأتي بابا بابا فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه، متخفيا، فلما مات عليه السلام فقدوا ذلك، فعلموا أن الامام السجاد عليه السلام كان يفعل ذلك» [75] . 5 - قال أبوحمزة الثمالي: كان الامام السجاد عليه السلام يحمل جراب الخبز علي ظهره بالليل فيتصدق به و يقول: «ان صدقة السر تطفي ء غضب الرب» [76] . 6 - قال محمد بن اسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما استشهد الامام السجاد عليه السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل [77] . 7 - قاسم الله

ماله مرتين [78] . 8 - روي ابن عساكر في تاريخه، في حلية الأولياء [79] عن ابن أبي [ صفحه 62] عائشة [80] قال: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتي مات الامام زين العابدين عليه السلام، فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة المنورة في السر. 9 - في حلية الأولياء: عن عمرو بن ثابت: قال: لما مات الامام زين العابدين عليه السلام فغسلوه جعلوا ينظرون الي آثار السواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جراب الدقيق ليلا علي ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة [81] . 10 - كان الامام زين العابدين عليه السلام يسير في الطريق، فلقيه رجل فسبه و تجاسر عليه، فثار عليه العبيد و الموالي، (الذين كانوا يسيرون في خدمة الامام)، فقال لهم مهلا، ثم أقبل عليه و قال له: «ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها»؟ فاستحيا الرجل، فألقي اليه خميصة [82] كانت عليه و أمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول [83] . 11 - قال الامام الصادق عليه السلام - ما مضمونه - «كان جدي علي بن الحسين عليه السلام في كل يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة و طبخها، فاذا كان المساء أكب علي القدور يشمها، فاذا نضجت [ صفحه 63] يقول: هاتوا القصاع، و هو صائم و يأمر بأن يغرف الي آل فلان و آل فلان من الفقراء و الأرامل و الأيتام حتي يأتي علي آخر القدور، و لا يبقي منه شيئا لافطاره، و كان يفطر علي خبز و تمر» [84] . 12 - و روي عن الامام السجاد عليه السلام انه دعا مملوكه مرتين فلم يجبه، ثم أجابه في الثالثة

فقال له: «يا بني، أما سمعت صوتي»؟ قال: بلي قال: «فما لك لم تجبني»؟ قال: أمنتك، قال: الحمدلله الذي جعل مملوكي يأمنني» [85] . 13 - و روي أحمد بن محمد الرافعي، عن ابراهيم بن علي، عن أبيه قال: حججت مع علي بن الحسين عليهماالسلام فالتاثت [86] الناقة عليه في مسيرها، فأشار اليها بالقضيب، ثم قال: «آه لولا القصاص»، و رد يده عنها [87] . 14 - روي عن الامام الصادق عليه السلام: «كان علي بن الحسين عليهماالسلام لا يسافر الا مع رفقة لا يعرفونه، و يشترط عليهم أن يكون أحدهم، «عليه ما عليهم»، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ فقالوا لا: قال: هذا علي بن الحسين، فوثبوا اليه فقبلوا يده و رجله، و قالوا: ابن رسول الله، أردت أن تصلينا نار جهنم؟! لو بدت منا بادرة سوء، أما كنا قد هلكنا الي آخر الدهر، فما حملك علي هذا؟ فقال: اني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول [ صفحه 64] الله صلي الله عليه و آله و سلم ما لا أستحق، فاني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب الي» [88] . 15 - و جاء في رواية الواقدي: ان هشام بن اسماعيل بن الوليد المخزومي كان واليا علي المدينة لعبدالملك بن مروان، و قد أساء جوار الامام و لحقه منه أذي شديد - علي حد تعبير الراوي - فلما مات عبدالملك عزله الوليد بن عبدالملك فأوقفه قصاصا للناس ليقتص المظلوم منه فمر عليه الامام و سلم عليه، و أمر خاصته أن لا يتعرض له أحد بسوء، و أرسل له: ان كان أعجزك مال تؤخذ به

فعندنا ما يسعك و يسد حاجتك، فطب نفسا منا و من كل من يطيعنا. فقال هشام بن اسماعيل: الله أعلم حيث يجعل رسالته. 16 - و في رواية الطبقات الكبري لابن سعد، ان عبدالله بن علي بن الحسين عليه السلام قال: لما عزل الوليد بن عبدالملك هشام بن اسماعيل عن ولاية المدينة و أوقفه الي الناس ليقتصوا منه، و كان يسي ء الي أبي جمعنا أبي علي بن الحسين عليهماالسلام و قال: «ان هذا الرجل قد عزل و قد أوقفه الوليد للناس، فلا يتعرض له أحد منكم بسوء» فقلت يا أبت، و لم؟ و الله ان أثره عندنا لسي ء، و ما كنا نطلب الا مثل هذا اليوم، قال عليه السلام «يا بني نكله الي الله، فوالله ما تعرض له أحد من آل الحسين بسوء حتي تصرم أمره» [89] . [ صفحه 65] 17 - روي: كان سبب لقبه بزين العابدين انه كان ليلة في محرابه قائما في تهجده، فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته، فلم يلتفت اليه حتي جاء الي ابهام رجله فالتقمها، فلم يلتفت اليه، فالمه فلم يقطع صلاته، فلما فرغ منها كشف الله له فعلم انه شيطان فلعنه و لطمه. و قال له: «اخسأ يا معلون». و قام الي اتمام ورده، فسمع صوتا لا يري قائله و هو يقول: أنت زين العابدين حقا، ثلاث مرات، فظهرت هذه الكلمة، و اشتهرت لقبا له عليه السلام [90] . 18 - أما مناقبه و صفاته المميزة فكثيرة، منها: اذا توضأ للصلاة يصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: «اريد أن أقوم بين يدي ربي و اناجيه، فلهذا تأخذني الرعدة» [91] . 19 - و منها: انه

وقع حريق في البيت الذي هو فيه، و كان ساجدا في صلاته، فجعلوا يقولون له: يابن رسول الله، يابن رسول الله، النار النار، فلم يلتفت اليهم، و لا رفع رأسه من سجوده حتي اطفئت النار، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ فقال: «نار الآخرة» [92] . 20 - و منها: ما نقله سفيان قال: جاء رجل الي الامام علي بن الحسين عليهماالسلام فقال له: ان فلانا قد وقع فيك و أذاك. قال: «فانطلق بنا اليه»، فانطلق معه و هو يري انه سينتصر لنفسه، فلما أتاه قال له: «يا هذا، ان كان ما قلت في حقا فالله تعالي يغفره لي، و ان [ صفحه 66] كان ما قلت في باطلا فالله يغفر لك» [93] . 21 - روي عن جابر بن سليمان الأنصاري عن عمه عثمان بن صفوان الأنصاري قال: خرجنا في جنازة علي بن الحسين عليهم السلام فتبعتنا ناقته تخط الأرض بزمامها فلما صلينا عليه و دفناه أقبلت تحن و تتردد و تريد قبره فأوسعنا لها فجاءت حتي بركت عليه و جعلت تفحص بكركرتها [94] و تحن فوالله ما بقي أحد الا بكي و انتحب و قال: و بلغنا أنه حج عليها ثماني عشرة حجة أو تسمع عشرة ححة لم يقرعها بعصا [95] . و لما حضرته الوفاة أوصي ولده الامام الباقر عليه السلام يدفنها اذا نفقت لئلا تأكل لحمها السباع، ففعل. 22 - و قال الصدوق في الخصال: قال الامام الباقر عليه السلام: «و لقد بكي أبي علي أبيه الحسين عليهماالسلام مدة حياته»، و في رواية: عشرين سنة. و ما وضع بين يديه طعام الا بكي، حتي قال مولي له: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك

أن ينقضي؟ فقال له: «ويحك، ان يعقوب نبي، و كان له اثنا عشر ولدا، فغيب الله عنه واحدا منهم، و كان يعلم أنه حي، فابيضت عيناه من كثرة البكاء عليه، و شاب رأسه من الحزن، و احدودب ظهره من الغم، و أنا نظرت الي أبي و أخي و عمي، و سبعة عشر رجلا من أهلي مقتولين مجزرين كالأضاحي حولي، فكيف ينقضي حزني»؟! [96] . و نعم ما قال الشاعر: [ صفحه 67] لهم أدر أي رزية أبكي لها أم أي نائبة لها أتوجع يا سيد العباد رزؤك فادح جلل تكاد له الجبال تصدع فأبوك و الأهلون و الأنصار قد أمسوا و هم في الطف حولك صرعوا ما فقد يعقوب ليوسف بالغ معشار بل ما أصابك أوجع

اعترف الحكماء و العلماء بأفضليته

اجتمعت الامة الاسلامية - علي اختلاف ميولها و مذاهبها و نزعاتها - علي أفضلية أئمة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام، و سمو أخلاقهم، و حسن سيرتهم، و كثرة علمهم، و اخلاصهم و عملهم لله تعالي، و لم تجتمع الامة بأسرها علي أفضلية أحد كاجتماعها علي أفضلية الأئمة عليهم السلام؛ و لعل ما كتبه عنهم علماء الجمهور أكثر مما كتبه عنهم شيعتهم و مواليهم. و هذا وحده كاف علي أهليتهم - دون غيرهم - لمنصب الخلافة، و قيادة سدة الحكم الذي حيل بينهم و بينه و قد ذكر في كتاب أئمتنا [ صفحه 68] عشرين موردا، منهم: جابر بن عبدالله الأنصاري، و الزهري، و سعيد بن المسيب، و نافع بن جبير، و عمر بن عبدالعزيز، و مالك، و الواقدي، و سفيان بن عيينة، و محمد بن طلحة الشافعي، و سبط ابن الجوزي، و ابن طولون، و الاربلي، و ابن الصباغ المالكي، و

ابن خلكان. و مما قال له عبدالملك بن مروان: لقد سبق لك من الله الحسني و أنت بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قريب النسب و كيد السبب و انك لذو فضل عظيم علي أهل بيتك، و ذوي عصرك و لقد اوتيت من الفضل و العلم و الدين و الورع، مالم يؤته أحد مثلك قبلك الا من مضي من سلفك، و أكثر من الثناء عليه. [97] . قال رجل لعلي بن الحسين عليهماالسلام: ما أشد بغض قريش لأبيك؟ قال: «لأنه أورد أولهم النار، و ألزم آخرهم العار» ثم جري ذكر المعاصي فقال: «عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته، و لا يحتمي من الذنب لمعرته» [98] .

اما حكمته فهي شاخصة للعيان، اليك شذرات منها

و كان يقول: «ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، و آخرين عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار» [99] . و من كلامه عليه السلام: «عجبت للمتكبر الفخور الذي كان [ صفحه 69] بالأمس نطفة و هو غدا جيفة، و عجبت كل العجب لمن شك في الله تعالي و هو يري خلقه، و عجبت كل العجب لمن انكر النشأة الاخري و هو يري النشأة الاولي، و عجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء و ترك العمل لدار البقاء» [100] . قال الامام زين العابدين عليه السلام: ليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها [101] . و من كلامه عليه السلام: «ضل من ليس له حكيم يرشده، و ذل من ليس له سفيه يعضده» [102] . و قال عليه السلام: «أربع لهن ذل، البنت ولو كانت مريم، و الدين ولو درهم، و الغربة ولو ليلة، و السؤال ولو أين الطريق»

[103] . و قال عليه السلام: «من قنع بما قسم الله له فهو أغني الناس و من رضي القليل من الرزق رضي الله عنه القليل من العمل» [104] . روي أبوحمزة الثمالي قال: خرجت مع الامام علي بن الحسين عليه السلام الي ظاهر المدينة، فلما وصل الي حائط قال: «اني انتهيت يوما الي هذا الحائط فاتكأت عليه، فاذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي. ثم قال لي: ما أزال أراك حزينا أعلي الدنيا؟ فهو رزق حاضر يأكل منه البر و الفاجر. قلت: ما علي الدنيا حزني و ان القول لكما تقول. [ صفحه 70] و قال: أفعلي الآخرة؟ فهي وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر فعلام حزنك؟ قلت: الحزن من ابن الزبير، فتبسم فقال: هل رأيت أحدا توكل علي الله فلم يكفه؟ قلت: لا. قال: فهل أحدا سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا. قال: فهل رأيت أحدا خاف الله فلم ينجه؟ قلت: لا. قال عليه السلام: فاذا ليس قدامي أحد، فغاب عني فقيل لي: يا علي بن الحسين، هذا الخضر عليه السلام ناجاك». و في رواية: «ثم نظرت فاذا ليس قدامي أحد فعجبت من ذلك، فاذا قائل أسمع صوته و لا اري شخصه يقول: يا علي بن الحسين، هذا الخضر ناجاك» [105] .

كرم اخلاقه

و لما طرد أهل المدينة بني امية في واقعة الحرة أراد مروان بن الحكم و كانت زوجته عائشة بنت عثمان، ذلك العدو اللدود لأهل البيت أن يستودع أهله، فلم يقبله أحد أن يكون عنده حتي كلم عبدالله [ صفحه 71] ابن عمر أن يغيب أهله عنده فابي ابن عمر أن يفعل الا علي بن الحسين عليه السلام لما كلمه أجارهم و قبلهم فوضعهم مع عياله و أحسن اليهم

مع شدة عداوة مروان المعروفة له و لجميع بني هاشم، و قد عال الامام في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبدمناف فخرج بحرمه و من يعول بهم حتي عائلة مروان الي ينبع بالبغيبغة، و هذا منتهي مكارم الأخلاق و المجازات علي الاساءة بالاحسان. اذا رأته قريش قال قألها الي مكارم هذا ينتهي الكرم [106] . الي أن تفرق جيش مسرف بن عقبة. و مما جاء في كرم زين العابدين و سخائه و بره للفقراء، و كثرة صدقاته، و عتقه و بذله المال في سبيل الله تعالي ما رواه أبونعيم في حلية الأولياء أنه عليه السلام قاسم الله ماله مرتين [107] . و في الفصول المهمة: كان عليه السلام يتصدق سرا و يقول: «صدقة السر تطفي ء غضب الرب» [108] . و كان عليه السلام لا يضرب عبدا و لا أمة بل يكتب ذنوبهم عنده فاذا دخل شهر رمضان، و كان آخر ليلة منه جمعهم و قرأ عليهم تلك الذنوب، فيقرون بها، ثم يطلب منهم أن يسألوه العفو عنهم، فيفعلون، ثم يقول: «رب انك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا و قد عفونا كما أمرت فاعف عنا فانك أولي بذلك منا» ثم يعتقهم فاذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تغنيهم عما في أيدي الناس. [ صفحه 72] و ما استخدم خادما فوق حول - أي اكثر من سنة - حتي لحق بالله تعالي [109] . روي الشيخ في الأمالي أنه قيل لعلي بن الحسين عليهماالسلام: كيف أصبحت يابن رسول الله؟ قال: «أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالي يطالبني بالفرائض، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالسنن، و العيال بالقوت، و النفس بالشهوة، و الشيطان باتباعه، و الحافظان بصدق العمل [110] و

ملك الموت بالروح، و القبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب» [111] . و في تحف العقول: قال عليه السلام: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا» «الزهد كله في آية من كتاب الله تعالي (لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم) الي ان قال: ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظا من نفسك و ما كانت المحاسبة من همك، و ما كان الخوف لك شعارا، و الحذر لك دثارا. يا ابن آدم، انك ميت و مبعوث و موقوف بين يدي الله عزوجل، فأعد له جوابا. يا ابن آدم، ارض بما أتيتك تكن من أزهد الناس، و اعمل بما افترضته عليك تكن من أعبد الناس، و اجتنب عما حرمت عليك تكن من أورع الناس». و قال عليه السلام: «من اشتاق الي الجنة سارع الي الحسنات، و سلا عن الشهوات، و من أشفق من النار بادر بالتوبة الي الله من ذنوبه، [ صفحه 73] و من زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها». و قال عليه السلام: «ان الله ليبغض البخيل، و السائل الملحف، ما من شي ء أحب الي الله بعد معرفته من عفة بطن و فرج». و قال: لابنه الامام الباقر عليهماالسلام: «افعل الخير الي كل من طلبه منك، فان كان أهله فقد أصبت موضعه، و ان لم يكن بأهل كنت أنت أهله، و ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الي يسارك و اعتذر اليك فاقبل عذره». و قال: «مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و أدب العلماء زيادة في العقل». و قال: «يا بني، اياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله». عن أبي مالك قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: اخبرني بجميع شرائع الدين،

قال: «قول الحق، و الحكم بالعدل، و الوفاء بالعهد».

هيبته و وقاره

أما هيبته و وقاره، فقد اعترف به الجميع، و خضعت له الوجوه، و خفضت له العيون من مهابته. فكانت تسطع علي أسارير وجهه أنوار الأنبياء، و هيبة الأولياء، و الأصفياء، و نعما وصفه شاعر العرب الفرزدق في رائعته الميمية بقوله: يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم يغضي حياء و يغضي من مهابته فلا يكلم الا حين يبتسم بحيث ان المجرم السفاح مسلم بن عقبة الذي كان يستهين بجميع [ صفحه 74] القيم، و المقدرات، و الناس مهما كانوا، كأن قلبه قد من حجر بل و من حديد لما دخل المدينة المنورة غازيا، و أباحها لجنده، حينما دخل دار الامام عليه السلام و رآه ارتعدت فرائصه، و قابله بكل اكبار و احترام و رهبة، و قال: لمن حوله من عسكره ان علي زين العابدين سيماء الأنبياء، و منع أي واحد من جنده من التقرب الي داره، أو ايذاء عياله. هذه نبذة مختصرة لجانب من حياة الامام زين العابدين عليه السلام اقتطفت بعضها من كتاب «الامام زين العابدين» للعلامة المحقق القرشي، مع تلخيص العبارة و نظر الناس الي علي بن الحسين سجاد و قد لاذ بالقبر، و هو يدعو، فاتي به الي مسرف و هو مغتاظ عليه، فتبرأ منه و من آبائه، فلما رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له، و أقعده الي جانبه، و قال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم الي السيف الا شفعه فيه، ثم انصرف عنه. فقيل لعلي: رأيناك تحرك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال: قلت: «اللهم رب السماوات السبع و ما أظللن، و الأرضين السبع و ما أقللن

[112] رب العرش العظيم رب محمد و آله الطاهرين، أعوذ بك من شره، و أدرا بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره و تكفيني شره». و قيل لمسلم: رأيناك تسب هذا الغلام و سلفه، فلما أتي به اليك رفعت منزلته! فقال: ما كان ذلك لرأي مني، لقد ملي ء قلبي منه رعبا. [ صفحه 75]

حجه

أما الحج الي بيت الله الحرام فكان الامام عليه السلام ملازما له لأنه يجد في مواقفه الكريمة انتعاشا لنفسه التي أذابتها كوارث كربلا، و كان عليه السلام يحث علي الحج و العمرة و ذلك لما يترتب عليهما من الفوائد، فقد قال: «حجوا و اعتمروا تصح أجسادكم، و تتسع أرزاقكم، و يصلح ايمانكم، و تكفوا مؤونة الناس، و مؤونة عيالكم» [113] . و قال عليه السلام: «الحاج مغفور له، و موجوب له الجنة، و مستأنف به العمل، و محفوظ في أهله و ماله» [114] . و قال عليه السلام: «الساعي بين الصفا و المروة تشفع له الملائكة» [115] . كما كان يدعو الي تكريم الحجاج اذا قدموا من بيت الله الحرام و تبجيلهم، فقد قال: «استبشروا بالحجاج اذا قدموا و صافحوهم، و عظموهم تشاركوهم في الأجر قبل أن تخالطهم الذنوب» [116] . حجه ماشيا: و حج الامام عليه السلام غير مرة ماشيا علي قدميه كما حج أبوه، [ صفحه 76] و عمه الحسن عليهماالسلام و قد استغرق الوقت في احدي سفراته الي البيت عشرين يوما [117] . حجه راكبا: و حج عليه السلام علي ناقته عشرين حجة، و كان يرفق بها كثيرا، و يقول المؤرخون: انه ما قرعها بسوط [118] . و قال مصعب الزبيري عن مالك و لقد أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يقول:

لبيك قالها فأغمي عليه حتي سقط من ناقته فهشم. و قال ابراهيم بن علي: حججت مع علي بن الحسين فتلكأت ناقته فأشار اليها بالقضيب، ثم رد يده، و قال: «آه من القصاص»، و تلكأت عليه مرة اخري بين جبال رضوي، فأراها القضيب، و قال: «لتنطلقن أو لأفعلن» ثم ركبها فانطلقت [119] . لقد سمت نفسه الي هذا المستوي من الرحمة و الرأفة و الرفق بالحيوان، فلم يقرع ناقته بسوط و لم يفزعها، و يري أن الاعتداء علي الحيوان يتبعه قصاص و مسؤولية في دار الآخرة. مرافقة القراء له: كان الامام عليه السلام اذا أراد السفر الي بيت الله الحرام احتف به القراء و العلماء لأنهم كانوا يكتسبون منه العلوم، و المعارف، و الحكم و الآداب و يتعلمون المناسك. [ صفحه 77] يقول سعيد بن المسيب: ان القراء كانوا لا يخرجون الي مكة حتي يخرج علي بن الحسين، فخرج و خرجنا معه ألف راكب [120] و كانوا يتعلمون منه مسائل الحج، و أحكام الدين، و سائر شؤون الشريعة الاسلامية، اذ لم يكن في عصره - باجماع المؤرخين و الرواة - من هو أعلم منه بأحكام الكتاب و السنة. زاده الي الحج: و كان الامام عليه السلام يستعدا أحسن استعداد و أكمله في سفره الي الحج أو العمرة فكان يتزود من أطيب الزاد و أثمره من اللوز و السكر، و السويق المحمض و المحلي [121] و قد صنعت له في احدي سفراته اخته السيدة الزكية سكينة زادا نفيسا [كثيرا] أنفقت عليه ألف درهم، الا أنه لما كان بظهر الحرة أمر بتوزيعه علي الفقراء و المساكين، فوزع عليهم. قصيدة الفرزدق: لو جمعنا الشعر الذي قيل في مدح و رثاء الامام

زين العابدين عليه السلام لكان كتابا ضخما قد يكبر عن حجم الموسوعة فضلا عن حجم هذا الكتاب، لقد مدحه أبوالأسود الدؤلي - شاعر أميرالمؤمنين عليه السلام و المعلم الأول لعلم النحو - في قصيدة جاء فيها: [ صفحه 78] و ان وليدا بين كسري و هاشم لأعظم من نيطت عليه التمائم و غيره و غيره كثير. و اخترت قصيدة الفرزدق رضوان الله عليه أن اثبتها في الكتاب اكبارا لموقف الشاعر في تحديه لطاغية بني امية و استهانته به، فحيا الله هذا الولاء العلوي و كثر أمثاله في المسلمين. قال الشيخ المجلسي: في الحلية و الأغاني و غيرهما: حج هشام ابن عبدالملك فلم يقدر علي الاستلام من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، و أطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك اذ أقبل علي بن الحسين عليهماالسلام و عليه ازار و رداء، من أحسن الناس وجها، و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فاذا بلغ موضع الحجر تنحي الناس حتي يستلمه هيبة له، و من جهة اخري احتفت الشرطة و الحرس، و المرتزقة و الوجوه و الأعيان من أهل الشام، و قد جهد هشام علي استلام الحجر فلم يستطع لازدحام الحجاج، و تدافعهم علي تقبيل الحجر، و لم يعن أحد بهشام و لم يفسحوا له، فقد انعدمت الفوارق في ذلك البيت العظيم، و قد نصب له منبر فجلس عليه، و جعل ينظر الي عملية الطواف، و أقبل الامام زين العابدين عليه السلام ليؤدي طوافه، و بصر به بعض من يعرفه من الحجاج فنادي بأعلي صوته: هذا بقية الله في أرضه، هذا بقية النبوة، هذا امام المتقين، و سيد العابدين. و غمرت الحجاج هيبة الامام التي تعنو لها الوجوه

و الجباه، و هي تحكي هيبة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و تعالت الأصوات من جميع جنبات المسجد بالتهليل و التكبير، و انفرج الناس [ صفحه 79] له سماطين، فكان السعيد من يقبل يده، و يلمس احرامه، و ضج البيت بالتكبير و ذهل أهل الشام، و بهروا من هذا المنظر الرهيب، فانهم لا يرون أحدا جديرا بالتكريم و التعظيم، غير الأموي و بادر الشاميون الي هشام قائلين: من هذا الذي هابه الناس هذه المهابة؟ و تميز هشام من الغيظ، و انتفخت أوداجه، و برزت عينه الحولاء [122] فصاح بهم: لا أعرفه. و انما أنكر معرفته للامام مخافة أن يرغب فيه أهل الشام و يزهدوا في بني امية، و كان الفرزدق شاعر البلاط الأموي حاضرا، فاستيقظ ضميره، و استوعب الحق فكره، و قد أخذته الرعدة، فاندفع بحماس قائلا لأهل الشام: أنا أعرفه. فقالوا: من هو يا ابافراس؟ و ذعر هشام، و فقد صوابه مخافة أن يعرفه الفرزدق الي أهل الشام، فصاح به: أنا لا أعرفه. و علا صوت الفرزدق بالانكار عليه قائلا: بلي تعرفه. و التفت الفرزدق صوب أهل الشام قائلا: يا أهل الشام من أراد أن يعرف هذا الرجل فليأت. [ صفحه 80] و خف الشاميون و غيرهم نحو شاعر العرب الأكبر، و قد استحالوا الي أذن صاغية، و انبري الفرزدق، و كله حماس لنصرة الحق، فارتجل هذه القصيدة العصماء التي مثلت صدق القول، و جمال الأسلوب فقال: يا سائلي أين حل الجود و الكرم عندي بيان اذا طلابه قدموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحل و الحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي

الطاهر العلم هذا الذي أحمد المختار والده صلي عليه الهي ما جري القلم لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخر يلثم منه ما وطي القدم هذا علي رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الامم هذا الذي عمه الطيار جعفر و ال مقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيدة النسوان فاطمة و ابن الوصي الذي في سيفه نقم اذا رأته قريش قال قائلها الي مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم و ليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم ينمي الي ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام و العجم يغضي حياءا و يغضي من مهابته فما يكلم الا حين يبتسم ينجاب نور الدحي عن نور غرته كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم بكفه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرنينه شمم ما قال لا قط الا في تشهده لو لا التشهد كانت لاؤه نعم مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره و الخيم و الشيم [ صفحه 81] حمال أثقال أقوام اذا فدحوا حلو الشمائل تحلو عنده نعم ان قال قال بما يهوي جميعهم و ان تكلم يوما زانه الكلم هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا الله فضله قدما و شرفه جري بذاك له في لوحه القلم من جده دان فضل الأنبياء له و فضل امته دانت لها الامم عم البرية بالاحسان و انقشعت عنها العماية و الاملاق و الظلم كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان و لا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشي بوادره يزينه خصلتان: الحلم و الكرم لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته رحب

الفناء أريب حين يعترم من معشر حبهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجي و معتصم يستدفع السوء و البلوي بحبهم و يستزاد به الاحسان و النعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل فرض و مختوم به الكلم ان عد أهل التقي كانو أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و ان كرموا هم الغيوث اذا ما أزمة أزمت و الأسد أسد الشري و البأس محتدم يأبي لهم أن يحل الذم ساحتهم خيم كريم و أيد بالندي هضم لا يقبض العسر بسطا من أكفهم سيان ذلك ان أثروا و ان عدموا أي القبائل ليست في رقابهم لأولية هذا أو له نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم بيوتهم في قريش يستضاء بها في النائبات و عند الحكم ان حكموا فجده من قريش في ارومتها محمد و علي بعده علم [ صفحه 82] بدر له شاهد و الشعب من احد و الخندقان و يوم الفتح قد علموا و خيبر و حنين يشهدان له و في قريضة يوم صيلم قتم مواطن قد علت في كل نائبة علي الصحابة لم أكتم كما كتموا كما رواه ابن الجوزي، و السبكي في طبقات الشافعية. فغضب هشام و منع جائزته و قال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدا كجده، و أبا كأبيه، و أما كأمه، حتي أقول فيكم مثلها، فحبسه بعسفان - بين مكة و المدينة. فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهماالسلام فبعث اليه باثني عشر ألف درهم و قال: «اعذرنا يا أبافراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به»، فردها و

قال: يابن رسول الله، ما قلت الذي قلت الا غضبا لله و لرسوله، و ما كنت لأرزأ عليه شيئا، فردها اليه و قال: «بحقي عليك لما قبلتها فقد رأي الله مكانك، و علم نيتك و قال: من سجيتنا الاحسان و لا نسترجع ما أعطيناه»، فقبلها [123] . فجعل الفرزدق يهجو هشاما و هو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله: أيحبسني بين المدينة و التي اليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد و عينا له حولاء باد عيوبها [124] . و روي أنه لما بلغه هجاؤه أمر باخراجه من السجن خوفا من سليط لسانه، فرحم الله الفرزدق و أجزل ثوابه، فلقد كان في موقفه [ صفحه 83] الذي وقفه مع هشام بن عبدالملك من أفضل المجاهدين فقد قال كلمة حق في وجه سلطان جائر.

رسائله

حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام كلها دعوة الي الله تعالي، و اعلاء لكلمته، و اشادة بأمره؛ فكانوا يتوسلون بكل السبل و الوسائل لارشاد الامة و توجيهها الوجهة الصحيحة، و كانت رسائلهم الخاصة هي بعض هذه الوسائل التي كانوا يستخدمونها للارشاد و التبليغ. ان من يتصفح هذه الرسائل يجدها طافحة بالتعاليم الاسلامية، مملوءة بالمواعظ و الحكم و الأخلاق. نذكر بعض ما ورد من كتب الامام زين العابدين عليه السلام: 1 - من كتاب له عليه السلام الي عبدالملك بن مروان جوابا عن كتاب كتبه اليه: «أما بعد، فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، و تزعم أنه كان في نساء قريش من أمجد به في الصهر، و استنجبه في الولد، و أنه ليس فوق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مرتقي في مجد، و لا مستزادا في كرم، و

انما كانت ملك يميني خرجت مني بأمر أراده الله عزوجل و التمست فيه ثوابه،ثم ارتجعتها علي سنته، و من كان زكيا في دين الله فليس يخل به شي ء من أمره، و قد رفع الله بالأسلام الخسيسة، و تمم به النقيصة، و أذهب اللوم، فلا لوم علي امري ء مسلم، انما اللوم لوم الجاهلية و السلام». [ صفحه 84] فلما قرأ عبدالملك الكتاب رمي به الي ابنه سليمان فقرأه، ثم قال: يا أميرالمؤمنين: لشد ما فخر عليك علي بن الحسين. قال عبدالملك: لا تقل ذلك يا بني، فانها ألسن بني هاشم، و ان علي بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتضع الناس. ثم التفت عبدالملك لجلسائه فقال: اخبروني عن رجل اذا أتي ما يضع الناس لم يزده الا شرفا. قالوا: ذاك أميرالمؤمنين. قال: لا والله. قالوا: ما نعرف الا أميرالمؤمنين. فقال عبدالملك: فلا والله، ما هو بأميرالمؤمنين، و لكنه علي بن الحسين [125] . 2 - بلغ عبدالملك أن سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عند علي بن الحسين فبعث يستوهبه منه و يسأله الحاجة، فأبي عليه، فكتب اليه عبدالملك يهدده، و أنه يقطع رزقه من بيت المال. فأجابه عليه السلام: «أما بعد، فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون. و الرزق من حيث لا يحتسبون، و قال جل ذكره: (ان الله يدافع عن الذين آمنوا ان الله لا يحب كل خوان كفور)، فانظر أينا أولي بهذه الآية» [126] . [ صفحه 85] 3 - من كتاب له عليه السلام الي محمد بن مسلم الزهري يعظه به: كفانا الله و اياك من الفتن، و رحمك من النار، فقد أصبحت بحال لمن عرفك بها أن يرحمك،

فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك، و أطاع من عمرك، و قامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه، و فقهك فيه من دينه، و عرفك من سنة نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك، و في كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضي الا ابتلي شكرك في ذلك، و أبدي فيه فضله عليك فقال: (لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد). فانظر أي رجل تكون غدا اذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، و عن حججه عليك كيف قضيتها، و لا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير، و لا راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ علي العلماء في كتابه اذ قال: (لتبيننه للناس و لا تكتمونه). و اعلم أن أدني ما كتمت، و أخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم و سهلت له طريق الغي يدنوك منه حين دنوت، و اجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء اثمك غدا مع الخونة، و أن تسأل عما أخذت باعانتك علي ظلم الظلمة، انك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، و دنوت ممن لم يرد علي أحد حقا، و لم ترد باطلا حين أدناك، و أحببت من حاد الله؛ أوليس بدعائه اياك حين دعاك، جعلوك قطبا أداروا بك رحي مظالمهم، و جسرا يعبرون عليك الي بلاياهم، و سلما الي ضلالتهم، داعيا الي غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك علي [ صفحه 86] العلماء، و يقتادون بك قلوب الجهال اليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، و لا أقوي أعوانهم الا دون ما بلغت من اصلاح فسادهم، و

اختلاف الخاصة و العامة اليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، و ما أيسر ما عمروا لك، فكيف ما خربوا عليك، فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، و حاسبها حساب رجل مسؤول. و انظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا و كبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتب يأخذون عرض هذا الأدني و يقولون سيغفر لنا). انك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه؛ طوبي لمن كان في الدنيا علي وجل، يا بؤس لمن يموت و تبقي ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت، و بادر فقد اجلت، انك تعامل من لا يجهل، و ان الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، و داو ذنبك فقد دخله سقم شديد، و لا تحسب أني أردت توبيخك و تعنيفك و تعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، و يرد اليك ما عزب من دينك، و ذكرت قول الله تعالي في كتابه: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين). أغفلت ذكر من مضي من أسنانك و أقرانك، و بقيت بعدهم كقرن أعضب؛ انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، ام هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيرا علموه، و علمت شيئا جهلوه، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة و كلفهم بك، اذ صاروا يقتدون [ صفحه 87] برأيك، و يعملون بأمرك ان أحللت أحلوا، و ان حرمت حرموا و ليس ذلك عندك و لكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم و غلبة الجهل عليك،

و حب الرئاسة، و طلب الدنيا منك و منهم، أما تري ما أنت فيه من الجهل و الغرة، و ما الناس فيه من البلاء و الفتنة، قد ابتليتهم و فتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم الي أن يبلغوا من العلم ابلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، و في بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا و لك و هو المستعان. أما بعد، فاعرض عن كل ما أنت فيه حتي تلحق بالصالحين الذين دفنوا في اسمالهم لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم و بين الله حجاب، و لا تفتنهم الدنيا و لا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا، فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك، و رسوخ علمك، و حضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؛ انا لله و انا اليه راجعون، علي من المعول، و عند من المستعتب؟ نشكوا الي الله بثنا و ما نري فيك، و نحتسب عند الله مصيبتنا بك. فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا و كبيرا، و كيف اعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، و كيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا؟ و كيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا، مالك لا تنتبه من نعستك، و تستقيل من عثرتك، فتقول: «و الله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه [ صفحه 88] باطلا» فهذا شكرك من استحملك، و ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالي في كتابه: (أضاعوا الصلوة و اتبعوا الشهوات فسوف

يلقون غيا) ما استحملك كتابه، و استودعك علمه فآضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام. [127] .

اجوبته

لقد سجل أهل التاريخ و السير و التراجم الكثير مما ورد عن الأئمة عليهم السلام من وصايا، و خطب، و مواعظ، و حكم، و أمثال. كما سجلوا لهم بعض ما ورد من أجوبتهم التي أجابوا بها عن مسائل وردت عليهم، و تختلف هذه المسائل فتارة تكون عن تفسير بعض آي الذكر الحكيم، و مرة عن فقه الشريعة، و ثالثة عن التوحيد و العدل، و قد تكون عن أمور غيبية لا يعرفها الا هم. و قد ذكرنا فيما مضي من هذه الموسوعة بعض أجوبتهم عليهم السلام، و نذكر الآن بعض ما ورد من أجوبة الامام زين العابدين عليه السلام: 1 - عن أبي حازم قال: قال رجل لزين العابدين عليه السلام: تعرف الصلاة؟ فحملت عليه، فقال عليه السلام: «مهلا يا أباحازم، فان العلماء هم الحلماء»، ثم واجه السائل فقال: «نعم أعرفها»، فسأله عن أفعالها و تروكها و فرائضها و نوافلها حتي بلغ قوله: ما افتتاحها؟ قال: «التكبير». [ صفحه 89] قال: ما برهانها؟ قال: «القراءة». قال: ما خشوعها؟ قال: «النظر الي موضع السجود». قال: ما تحريمها؟ قال: «التكبير». قال: ما تحليلها؟ قال: «التسليم». قال: ما جوهرها؟ قال: «التسبيح». قال: ما شعارها؟ قال: «التعقيب». قال: ما تمامها؟ قال: «الصلاة علي محمد و آل محمد». قال: ما سبب قبولها؟ قال:«ولايتنا و البراءة من أعدائنا». قال: ما تركت لأحد حجة، ثم نهض يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته. [128] . [ صفحه 90] 2 - سئل عليه السلام عن العصبية؟ فقال: «العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يري الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس

من العصبية أن يحب الرجل قومه، و لكن العصبية أن يعين قومه علي الظلم» [129] . 3 - قيل له: من أعظم الناس خطرا؟ فقال عليه السلام: «من لم ير الدنيا خطرا لنفسه» [130] . 4 - قال سعيد بن المسيب: سالت علي بن الحسين عليهماالسلام عن رجل ضرب امرأة برجله فطرحت ما في بطنها ميتا. فقال عليه السلام: «اذا كان نطفة فان عليه عشرين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم، و استقرت فيه أربعين يوما، و ان طرحت و هو علقة، فان عليه أربعين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم و استقرت فيه ثمانين يوما، و ان طرحته مضغة فان عليه ستين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم و استقرت فيه مائة و عشرين يوما، و ان طرحته و هو نسمة مخلقة، له لحم و عظم، مرتل الجوارح، و قد نفخ فيه روح الحياة و البقاء، فان عليه دية كاملة» [131] . 5 - كتب ملك الروم الي عبدالملك: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة، لاغزونك بجنود مائة ألف، و مائة ألف، و مائة ألف. [ صفحه 91] فكتب عبدالملك الي الحجاج أن يبعث لزين العابدين و يتوعده و يكتب اليه ما يقول. فقال علي بن الحسين: «ان لله لوحا محفوظا يلحضه في كل يوم ثلاثمائة لحظة، ليس منها لحظة الا يحيي فيها و يميت، و يعز و يذل، و يفعل ما يشاء، و اني لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة». فكتب بها الحجاج الي عبدالملك، فكتب عبدالملك بذلك الي ملك الروم، فلما قرأ قال: ما خرج هذا الا من كلام النبوة [132] . 6 - سئل عليه السلام عن يوم القيامة.

«فقال: اذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين و الآخرين، و جمع ما خلق في صعيد واحد، ثم نزلت ملائكة السماء الدنيا و أحاطت بهم صفا، و ضرب حولهم سرادق من النار، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية فاحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، حتي نزلت ملائكة السماء الثالثة فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار»، حتي عد ملائكة سبع سماوات و سبع سرادقات، و صعق الرجل، فلما أفاق قيل له: يا ابن رسول الله فأين علي عليه السلام و شيعته؟ قال: «علي كثبان المسك، يؤتون بالطعام و الشراب، لا يحزنهم ذلك» [133] . 7 - لما بين عليه السلام أهوال يوم القيامة، و القصاص من الظالم للمظلوم، قام رجل و قال: يابن رسول الله، اذا كان للمؤمن علي الكافر [ صفحه 92] مظلمة فأي شي ء يأخذ منه و هو من أهل النار؟ فقال عليه السلام: «يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له علي الكافر، فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره». قال: فان كان للمسلم علي المسلم مظلمة فما يأخذ منه؟ فقال عليه السلام: «يؤخذ من حسنات الظالم و يدفع للمظلوم، و ان لم يكن له حسنات يؤخذ من سيئات المظلوم و يحط علي الظالم» [134] . 8 - سئل عليه السلام عن الزهد. فقال: «الزهد عشرة أشياء؛ فأعلي درجة أدني درجة الورع، و أعلي درجة الورع أدني درجة اليقين، و أعلي درجة اليقين أدني درجة الرضا، ألا و ان الزهد في آية من كتاب الله (لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم)». 9 - سئل عليه السلام: أي الأعمال أفضل عند الله تعالي؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة الله و معرفة رسوله أفضل

من بغض الدنيا، و ان لذلك شعبا كثيرة، و ان للمعاصي شعبا، فأول ما عصي الله به الكبر، و هو معصية ابليس حين أبي و استكبر و كان من الكافرين، و الحسد و هو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، و حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب الراحة، و حب الكلام، و حب العلو، و حب الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب [ صفحه 93] الدنيا، فقال الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، و الدنيا دنيا بلاغ و دنيا ملعونة [135] . 10 - و لما رجع عليه السلام الي المدينة - بعد وقعة كربلاء - وقف عليه ابراهيم بن طلحة بن عبيدالله فقال شامتا: من الغالب؟ قال عليه السلام: «اذا دخل وقت الصلاة فأذن و أقم تعرف الغالب» [136] . يريد أنهم عليهم السلام الغالبون، فذكرهم المخلد عبر الأجيال و القرون، و عدوهم المخذول بما لحقه من اثم و عار و لعنة لا تزول، و ذكر سي ء لا يمحي أثره مدي الدهر. 11 - سئل عليه السلام: لم اوتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم من أبويه؟ فقال عليه السلام: «لئلا يوجب عليه حق لمخلوق» [137] . 12 - و قال عليه السلام: من أراد عزا بلا عشيرة، و هيبة بلا سلطان، و غني بلا فقر، فليخرج من ذل المعصية الي عز الطاعة [138] . 13 - قيل له: كيف أصبحت، يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السلام: «أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالي يطلبني بالفرائض، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالسنة، و العيال بالقوت، [ صفحه 94] و النفس بالشهوة، و الشطيان

باتباعه، و الحافظان بصدق العمل، و ملك الموت بالروح، و القبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب» [139] . 14 - قال عليه السلام في تفسير قوله تعالي (و لكم في القصاص حياة) الآية (و لكم) يا امة محمد (في القصاص حياة) لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل، كان حياة للذي هم بقتله، و حياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل و حياة لغيرهما من الناس اذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون علي القتل مخافة القصاص (يأ اولي الألباب) اولي العقول» [140] . 15 - سئل عليه السلام عن الصمد. فقال: «الصمد الذي لا شريك له و لا يؤوده حفظ شي ء، و لا يعزب عنه شي ء» [141] . 16 - قال ثابت بن دينار: سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: «تعالي الله عن ذلك». قلت: فلم أسري بنبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم الي السماء؟ قال: «ليريه ملكوت السماء و ما فيها من عجائب صنعه، و بدائع خلقه». [ صفحه 95] قلت: فقول الله عزوجل: (ثم دنا فتدلي - فكان قاب قوسين أو أدني). قال: «ذاك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، دنا من حجب النور فرأي ملكوت السماوات، ثم تدلي عليه السلام فنظر من تحته الي ملكوت الأرض، حتي ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدني» [142] . 17 - قال الزهري: دخلت علي علي بن الحسين فقال لي: «يا زهري، من أين جئت»؟ قلت: من المسجد. قال: «فيم كنتم»؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي و رأي أصحابي

علي أنه ليس من الصوم واجب الا صوم شهر رمضان. فقال: يا زهري، ليس كما قلتم، ان الصوم علي أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، و عشرة أوجه منها صيامهن حرام، و أربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار، ان شاء صام و ان شاء أفطر، و صوم الأذن علي ثلاثة أوجه، و صوم التأديب، و صوم الأباحة، و صوم السفر و المرض». قلت: فسرهن لي، جعلت فداك. قال: «أما الواجب: فصيام شهر رمضان، و صيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، و صيام شهرين متتابعين في قتل [ صفحه 96] الخطأ لمن لم يجد العتق واجب، قال الله عزوجل: (و من قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة الي أهله) - الي قوله - (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) و صيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق واجب، قال الله تبارك و تعالي: (و الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام، قال الله تبارك و تعالي (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم) كل ذلك متتابع و ليس بمتفرق؛ و صيام أذي الحلق، حلق الرأس واجب، قال الله تبارك و تعالي: (فمن كان منكم مريضا أو به أذي من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) و صاحبها فيها بالخيار، و ان صام صام ثلاثا، و صوم المتعة واجب لمن

لم يجد الهدي، قال الله تبارك و تعالي (فمن تمتع بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة) و صوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك و تعالي: (و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما)». ثم قال: «أو تدري كيف يكون عدل صياما، يا زهري»؟ فقلت: لا أدري. قال: «تقوم الصيد قيمة، ثم تفض تلك القيمة علي البر، ثم يكال [ صفحه 97] ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما. و صوم النذر واجب، و صوم الاعتكاف واجب. و أما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، و يوم الأضحي و ثلاثة أيام من أيام التشريق، و صوم يوم الشك أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا أن نصومه مع شعبان و نهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس». قلت: جعلت فداك، فان لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: «ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان، فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه، و ان كان من شعبان لم يضر». قلت: و كيف يجزي صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يدري و لا يعلم أنه من شهر رمضان، ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لأن الفرض أنما وقع علي اليوم بعينه، و صوم الوصال حرام، و صوم الصمت حرام، و صوم النذر للمعصية حرام، و صوم الدهر حرام [143] . و أما الصوم الذي صاحبه

فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة و الخميس و الاثنين، و صوم أيام البيض، و صوم أيام من شوال بعد شهر رمضان، و يوم عرفة، و يوم عاشوراء كل ذلك صاحبه فيه بالخيار، ان شاء صام، و ان شاء أفطر. و أما صوم الاذن: فان المرأة لا تصوم تطوعا الا باذن زوجها، [ صفحه 98] و العبد لا يصوم تطوعا الا باذن سيده، و الضيف لا يصوم تطوعا الا باذن صاحبه، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فمن نزل علي قوم فلا يصومن تطوعا الا باذنهم. و أما صوم التأديب: فانه يؤمر الصبي اذا راهق بالصوم تأديبا و ليس بفرض، و كذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك أمر بالامساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض، و كذلك المسافر اذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض. و أما صوم الاباحة: فمن أكل أو شرب، أو تقيأ من غير تعمد فقد أباح الله ذلك له و أجزأ عنه صومه. و أما صوم السفر و المرض: فان العامة اختلفت فيه، فقال قوم: يصوم، و قال قوم: لا يصوم، و قال قوم: ان شاء صام و ان شاء أفطر، و أما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فان صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لأن الله عزوجل يقول: (فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر) 18 - قال زيد بن علي: سألت أبي سيد العابدين عليه السلام فقلت له: يا أبه اخبرني عن جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما

عرج به الي السماء و أمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن امته حتي قال له موسي بن عمران عليه السلام: ارجع الي ربك فسله التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك؟ فقال: «يا بني ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يقترح علي [ صفحه 99] ربه عزوجل و لا يراجعه في شي ء يأمره به، فلما سأله موسي عليه السلام ذلك و صار شفيعا لأمته اليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسي عليه السلام، فرجع الي ربه يسأله التخفيف الي أن ردها الي خمس صلوات». قال: فقلت له: يا أبه، لم يرجع الي ربه عزوجل و لم يسأله التخفيف من خمس صلوات، و قد سأله موسي أن يرجع الي ربه و يسأله التخفيف؟ فقال: «يا بني أراد صلي الله عليه و آله و سلم أن يحصل لامته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عزوجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ألا تري انه صلي الله عليه و آله و سلم لما هبط الي الأرض نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمد، ان ربك يقرؤك السلام و يقول: انها خمس بخمسين: (ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد)». قال: فقلت: يا أبه، أليس الله تعالي ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: «بلي تعالي الله عن ذلك». فقلت: ما معني قول موسي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ارجع الي ربك؟ فقال: «معناه قول ابراهيم عليه السلام: (اني ذاهب الي ربي سيهدين) و معني قول موسي عليه السلام: (و عجلت اليك رب لترضي) و معني قوله عزوجل: (ففروا الي الله) يعني حجوا الي بيت الله». [ صفحه 100] يا بني،

ان العبة بيت الله، فمن حج بيت الله فقد قصد الي الله، و المساجد بيوت الله، فمن سعي اليها فقد سعي الي الله و قصد اليه، و المصلي مادام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله، و أهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عزوجل، و ان لله تبارك و تعالي بقاعا في سماواته فمن عرج به الي بقعة فقد عرج به اليه، ألا تسمع الله عزوجل يقول: (تعرج الملائكة و الروح اليه)، و يقول عزوجل في قصة عيسي عليه السلام: (بل رفعه الله اليه) و يقول عزوجل: (اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) [144] . 19 - أنا لا اكلمك في ما يوهي دينك و يوقع أمانتك، و لكن الحر القادر اذا اراد ان يحسن أحسن، قاله (ع) حين كلم عاملا في رجل.

خطبه

اشاره

كافأ الله بني امية و بني العباس علي عتوهم و تجبرهم و ظلمهم لأهل البيت عليهم السلام، و تضييقهم عليهم، و لم تكن هذه الاساءة لأشخاص الأئمة عليهم السلام فحسب، بل هي في الواقع لمجموع الامة الاسلامية اذ حرموها من توجيهاتهم و ارشاداتهم عليهم الصلاة و السلام يتكتمون في تعاليمهم، و يتخفون بدروسهم، و يتقون بأمرهم، و لكن لله فيهم عناية في نشر هذه التعاليم بين الناس. [ صفحه 101] و موضوع الخطب يحتاج الي حرية في التصرف و العمل، و هذا مما حرموا منه عليهم السلام، و لكن وردت لبعضهم عليهم السلام خطب قليلة في مناسبات معينة؛ و في الفصل مما ورد للامام زين العابدين عليه السلام من خطب:

من خطبة له في الكوفة

و بعد أن خطبت ام كلثوم عليهاالسلام أومأ زين العابدين عليه السلام الي الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فاستوي قائما فحمد الله و أثني عليه، و ذكر النبي و صلي عليه، ثم قال موبخا لهم و مؤنبا: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و سلب نعميه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا و كفي بذلك فخرا. أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم، الي أبي و خدعتموه، و اعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة ثم قاتلتموه و خذلتموه، فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم و سوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهتكم حرمتي، فلستم من امتي» [145] . و مضي يذكر أهل الكوفة بكتبهم و مواعيدهم

و بما ارتكبوه من [ صفحه 102] الفضائح حتي ضج الناس بالبكاء و العويل، و قد قدر لهذا الشعور بالاثم أن يبقي مشتعل الأوار حافزا الي الثورة و الانتقام. فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون. فقال عليه السلام: «رحم الله امرءا قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته، فان لنا في رسول الله اسوة حسنة». فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذ ترتك و ترتنا مما ظلمك و ظلمنا. فقال عليه السلام: «هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا الي كما أتيتم الي آبائي من قبل؟ كلا و رب الراقصات الي مني، فان الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس و أهل بيته و من معه، و لم ينسني ثكل رسول الله و ثكل أبي و بني أبي، و وجده بين لهازمي، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه تجري في فراش صدري، و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا». ثم أنشد عليه السلام: «لا غرو ان قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرما و لا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي اصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أرداه نار جهنما» [146] . [ صفحه 103]

من خطبة له بالشام لما حضر مجلس بني امية

أمر يزيد بمنبر و خطيب أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه صلوات الله عليهما، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم بالغ في

ذم أميرالمؤمنين و الحسين الشهيد، و أطنب في مدح معاوية و يزيد، فذكرهما بكل جميل، فصاح به علي بن الحسين عليهماالسلام: «ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوا مقعدك من النار». ثم قال: «يا يزيد أتأذن لي حتي اصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب»؟ فأبي يزيد عليه ذلك، فقال بعض خاصته: يا أميرالمؤمنين، ائذن له فليصعد المنبر، فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال: انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان. فقيل له: و ما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: انه من أهل بيت زقوا العلم زقا، فلم يزالوا به حتي أذن له، فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم خطب خطبة أبكي فيها العيون، و أوجل منها القلوب، ثم قال: «ايها الناس: اعطينا ستا، و فضلنا بسبع؛ أعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة، في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد رسوله، [ صفحه 104] و منا سيدة نساء العالمين، و من سبطا هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي. أيها الناس: أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انتعل و احتفي، أنا ابن خير من طاف و سعي، أنا ابن خير من حج و لبي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهواء، أنا ابن

من اسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الي سدرة المنتهي، أنا ابن من دنا فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السما، أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا لا اله الا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكائين، و أصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين، رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل. أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفخر من مشي من قريش أجمعين و أول من أجاب و استجاب لله و لرسوله من المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي [ صفحه 105] المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و لسان حكمة الله، و عيبة علمه، سمح سخي، بلهول زكي، أبطحي رضي، مقدام همام، صابر صوام، مهذب قوام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب، أربطهم عنانا، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل يطحنهم في الحروب اذا ازدلفت الأسنة، و قربت الأعنة، طحن الرحي، و يذروهم ذرو الرياح

الهشيم، ليث الحجاز، و كبش العراق، مكي مدني، خيفي عقبي، بدري احدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب عليه السلام». ثم قال: «أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، فلم يزل يقول: أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، قال علي عليه السلام: «لا شي ء أكبر من الله»، فلما قال: أشهد أن لا اله الا الله، قال علي بن الحسين: «شهد بما شعري و بشري و لحمي و دمي»، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، التفت من فوق المنبر الي يزيد فقال: «محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟» [147] .

من خطبة له في المدينة

لما أقبل الامام زين العابدين عليه السلام الي المدينة بعد وقعة [ صفحه 106] كربلا، و خرج أهلها لاستقباله و هم في بكاء و عويل، فأومأ الي الناس بالسكوت و قال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، باري ء الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع، و جليل الرزء، و عظيم المصاب. أيها الناس، ان الله تعالي و له الحمد ابتلانا بمصائب و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبوعبدالله الحسين عليه السلام و عترته، و سبيت نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان، من فوق عامل السنان، و هذه الرزية لا مثلها رزية. أيها

الناس، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله، أم اي فؤاد لا يحزن من أجله، أم أية عين منكم تحبس دمعها، أو تضن عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الأرض بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الحيتان في لجج البحار، و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون. أيها الناس، أي قلب لا ينصدع لقتله، أم أي فؤاد لا يحن و أي سمع لا يصم أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنا أولاد ترك و كابل، من غير جرم أجرمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ان هذا الا اختلاق، والله لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصية بنا لما زادوا علي ما فعلوا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها و أفجعها، و أوجعها و اكظها و أفظعها [ صفحه 107] و أمرها، فعند الله نحتسب مصابنا، و ما بلغ بنا فانه عزيز ذو انتقام. فأثار خطابه الأسي و اللوعة و الحزن في نفوس تلك الجماهير التي احتشدت من حوله، و ارتج المكان بالبكاء و العويل و أحس المسلمون بمرارة تلك الخسارة و الصدمة العنيفة التي أصابت الاسلام.

شعره

نقدم في هذا الفصل مختارات من شعر الامام علي بن الحسين عليهماالسلام و كله في الفخر، و المناجاة، و الأخلاق و الدعوة الي الخير و النهي عن الشر، و الأمر بمكارم الأخلاق، و معالي الصفات. و ليس هذا بكثير علي اناس كرسوا حياتهم للحق و الفضيلة، و الجهاد لاعلاء كلمة الاسلام. نذكر بعض

ما ورد له عليه السلام: 1 - قال عليه السلام فيما ابتلي به أهل البيت عليهم السلام: نحن بنو المصطفي ذوو غصص يجرعها في الأنام كاظمنا عظيمة في الأنام محنتنا أولنا مبتلي و آخرنا يفرح هذا الوري بعيدهم و نحن أعيادنا مآتمنا و الناس في الأمن و السرور و ما يأمن طول الزمان خائفنا و ما خصصنا به من الشرف الطا ئل بين الأنام آفتنا يحكم فينا و الحكم فيه لنا جاحدنا حقنا و غاصبنا [148] . [ صفحه 108] 2 - و قال عليه السلام فيما يتجرعه من مرارة الحياة: لباسي للدنيا التجلد و الصبر و لبسي للاخري البشاشة و البشر اذا نابني أمر لجأت الي العرا لأني من القوم الذي لهم فخر ألم تر ان العرف قد مات أهله و ان الندي و الجود ضمهما قبر علي العرف و الجود السلام فما بقي من العرف الا الرسم في الناس و الذكر و قائلة لما رأتني مسهدا كأن الحشا مني يلذعها الجمر اباطن داءا لو حوي منك ظاهرا لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر تغير أحوال و فقد أحبة و موت ذوي الافضال قالت كذا الدهر [149] . و قال عليه السلام ليزيد بن معاوية: لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم و أن نكف الأذي عنكم و تؤذونا و الله يعلم انا لا نحبكم و لا نلومكم أن لا تحبونا قال يزيد: صدقت يا غلام و لكن أراد أبوك و جدك أن يكونا [ صفحه 109] أميرين، و الحمد لله الذي قتلهما و سفك دماهما. فقال عليه السلام: لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد. [150] . 4 - و قال عليه السلام في التقي: من عرف

الرب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشقي ما ساء ذا الطاعة ما ناله في طاعة الله و ماذا لقي ما يصنع العبد بغير التقي و العز كل العز للمتقي [151] . 5 - و قال عليه السلام و قد تعلق بأستار الكعبة: يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر و البلوي مع السقم قد نام وفدك حول البيت قاطبة و أنت وحدك يا قيوم لم تنم أدعوك رب دعاء قد أمرت به فارحم بكائي بحق البيت و الحرم ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود علي العاصين بالنعم [152] . 6 - و قال عليه السلام في علمه: اني لأكتم من علمي جواهره كي لا يري الحق ذو جهل فيفتتنا و قد تقدم في هذا أبوحسن الي الحسين و أوصي قبله الحسنا [ صفحه 110] فرب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا و لا ستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا [153] . 7 - و قال عليه السلام مخاطبا الحكام الظالمين: لكم ما تدعون بغير حق اذ ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتمونا كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم و قاضينا الاله فنعم قاض [154] . 8 - و قال عليه السلام في التذكير بالموت: فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دورهم منها و أقفرت عراصهم و ساقتهم نحو المناديا المقادير و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها و ضمتهم تحت التراب الحفائر [155] . 9 - و قال عليه السلام في التذكير: فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر

[ صفحه 111] و لم تتزود للرحيل و قد دنا و أنت علي حال وشيك مسافر فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي و عمري فان و الردي لي ناظر و كل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قادر [156] . 10 - و قال عليه السلام معاتبا الدنيا: عتبت علي الدنيا فقلت الي متي اكابد هما بؤسه ليس ينجلي أكل شريف من علي جداده حرام عليه الرزق غير محلل فقالت نعم يابن الحسين رميتكم بسهم عناد حين طلقني علي 11 - و ينسب اليه عليه السلام كما في مجموعة الأمثال الشعرية التي في الخزانة الرضوية: و اذا بليت بعسرة فاصبر لها صبر الكرام فان ذلك أحزم لا تشكون الي العباد فانما تشكو الرحيم الي الذي لا يرحم [ صفحه 112]

و من كلام له في الزهد

ما أخرجه شيخنا الكليني في جامعه الكافي مسندا الي أبي حمزة الثمالي قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهماالسلام الا ما بلغني من علي بن أبي طالب عليه السلام. قال الثمالي: كان علي بن الحسين عليهماالسلام اذا تكلم في الزهد و وعظ أبكي من بحضرته قال أبوحمزة و قرأت في صحيفة كان فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهماالسلام و كتبت ما فيها، ثم أتيت علي بن الحسين عليهماالسلام فعرضت ما فيها عليه، فعرفه و صححه و كان ما فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. كفانا الله و اياكم كيد الظالمين، و بغي الحاسدين، و بطش الجبارين، أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت و أتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا، المائلون اليها، المعتنون بها (المفتتنون) المقبلون عليها و علي حطامها الهامد، و هشيمها البائد غدا. و احذروا ما حذركم

الله منها، و ازهدوا في ما زهدكم الله فيه منها، و لا تركنوا الي ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار، و منزل استيطان. والله ان لكم مما فيها عليها لدليلا و تنبيها من تصريف أيامها، و تغير انقلابها و مثلاتها، و تلاعبها بأهلها. انها لترفع الخميل، و تضع الشريف، و تورد أقواما الي النار غدا، ففي هذا معتبر و مختبر، و زاجر لمنتبه. ان الامور الواردة عليكم في كل يوم و ليلة من ملمات الفتن، و حوادث البدع، و سنن الجور، و بوائق الزمان، و هيبة السلطان و وسوسة الشيطان، [ صفحه 113] لتثبط القلوب عن تنبهها، و تذهلها عن موجود (موجد) الهدي و معرفة أهل الحق، الا قليلا ممن عصم الله. فليس يعرف تصرف أيامها، و تقلب حالاتها، و عاقبة ضرر فتنتها الا من عصم الله و نهج سبيل الرشد، و سلك طريق القصد، ثم استعان علي ذلك بالزهد، فكرر الفكر، و اتعظ بالصبر (بالعبر) فازدجر، و زهد في عاجل بهجة الدنيا، و تجافي عن لذاتها، و رغب في دار نعيم الاخرة و سعي لها سعيها، و راقب الموت، و شنأ الحياة مع القوم الظالمين نظر الي ما في الدنيا بعين قرة (نيرة) حديدة النظر، و أبصر حوادث الفتن، و ضلال البدع، و جور الملوك الظلمة. فقد - لعمري - استدبرت الامور الماضية في الايام الخالية من الفتن المتراكمة و الانهماك فيما تستدلون به علي تجنب الغواة، و أهل البدع و البغي و الفساد في الأرض بغير الحق. فاستعينوا بالله و ارجعوا الي طاعة الله، و طاعة من هو أولي بالطاعة ممن اتبع فاطيع. فالحذر الحذر من قبل الندامة و الحسرة

و القدوم علي الله و الوقوف بين يديه. و تالله ما صدر قوم قط عن معصية الله الا الي عذابه، و ما آثر قوم قط الدنيا علي الاخرة الا ساء منقلبهم و ساء مصيرهم. و ما العلم بالله و العمل (بطاعته) الا الفان مؤتلفان (آنسته و أحببته)، فمن عرف الله خافه، و حثه الخوف علي العمل بطاعة الله، و ان أرباب العلم و أتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له و رغبوا اليه، و قد قال الله (انما يخشي الله من عباده العلماء) فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله و اشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، و اغتنموا أيامها، واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله، فان ذلك أقل للتبعة، و أدني من [ صفحه 114] العذر، و أرجي للنجاة و قدموا أمر الله و طاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها، و لا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله و طاعته و طاعة اولي الأمر منكم. و اعلموا أنكم عبيد الله و نحن معكم، يحكم علينا و عليكم سيد حاكم غدا، و هو موقفكم و مسائلكم، فأعدوا الجواب قبل الوقوف و المساءلة و العرض علي رب العالمين، يومئذ لا تكلم نفس الا باذنه و اعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا، و لا يكذب صادقا، و لا يرد عذر مستحق، و لا يعذر غير معذور، له الحجة علي خلقه بالرسل و الأوصياء بعد الرسل، فاتقوا الله عباد الله، و استقبلوا في اصلاح أنفسكم و طاعة الله و طاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم في ما فرط بالأمس في جنب الله،

و ضيع من حقوق الله. و استغفروا الله و توبوا اليه، فانه يقبل التوبة، و يعفو عن السيئة، و يعلم ما تفعلون، و اياكم و صحبة العاصين، و معونة الظالمين، و مجاورة الفاسقين. احذروا فتنتهم، و تباعدوا عن ساحتهم. و اعلموا أنه من خالف أولياء الله، و دان بغير دين الله، و استبد بأمره دون أمر ولي الله كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها، و غلبت عليها شقوتها، فهم موتي لا يجدون حر النار، ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار، فاعتبروا يا أولي الأبصار، و احمدوا الله علي ما هداكم، و اعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله الي غير قدرته و سيري الله عملكم ثم اليه تحشرون، فانتفعوا بالعظمة، و تأدبوا بآداب الصالحين. [ صفحه 115]

حكمه و مواعظه

و من الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهم الصلاة و السلام للارشاد هي أن ينشروا علي من حولهم من الناس صنوف الحكم و المواعظ و الآداب و الأخلاق، في أقصر عبارة، و أجمل تعبير، تعيها القلوب، و ترددها الألسن، و يأخذها أصحابهم للعمل و التطبيق؛ و في بطون الكتب آلاف الكلمات لهم عليهم السلام، حتي ان بعضهم جمع للامام أميرالمؤمنين عليه السلام ألفي كلمة في كتاب مستقل. نذكر في هذا الفصل بعض ما ورد من كلمات الامام علي بن الحسين عليهماالسلام. 1 - قال عليه السلام: «التارك للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كالنابذ لكتاب الله وراء ظهره، الا أن يتقي تقاة». قيل له: و ما يتقي تقاة؟ قال: «يخاف جبارا عنيدا ان يفرط عليه أو أن يطغي» [157] . 2 - قال عليه السلام: «لا يقل عمل مع تقوي، و كيف يقل ما يتقبل»؟ 3 -

و قال عليه السلام: «أبغض الناس الي الله من يقتدي بسنة امام و لا يقتدي بأعماله». 4 - و قال عليه السلام: «كم من مفتون بحسن القول فيه، و كم من [ صفحه 116] مغرور بحسن الستر عليه، و كم من مستدرج بالاحسان اليه» [158] . 5 - و قال عليه السلام: «كمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، و قلة مرائه، و حلمه و صبره و حسن خلقه». 6 - و قال عليه السلام: «ثلاث منجاة للمؤمن: كف لسانه عن الناس باغتيابهم، و اشتغاله بنفسه بما ينفعه لآخرته و دنياه، و طول البكاء علي خطيئته». 7 - لدرهم أدخل به السوق أشتري به لحما أدعو عليه اخواني أحب الي من أن أعتق نسمة. 8 - و قال عليه السلام: «استح من الله لقربه منك». 9 - و قال عليه السلام: «اياك و الغيبة، فانها ادام كلاب النار». 10 - و قال عليه السلام: «ما يوضع في ميزان أمري ء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق» [159] . 11 - و قال عليه السلام: «من بات شبعانا و بحضرته مؤمن جائع طاو قال الله تبارك و تعالي: ملائكتي اشهدوا علي هذا العبد اني أمرته فعصاني و أطاع غيري، فوكلته الي عمله، و عزتي و جلالي لا غفرت له أبدا» [160] . 12 - و قال عليه السلام: «الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين». [ صفحه 117] 13 - و قال عليه السلام: «لا تجزع ان من وراء ابنك ثلاث خلال أما أولهن فشهادة أن لا اله الا الله و الثاني شفاعة جدي عليه السلام و الثالثة رحمة الله التي وسعت كل شي فأين يخرج ابنك من واحدة من هذه الخلال». قال عليه السلام لجليس له مات ابنه

فجزع عليه فعزاه و وعظه و قال: يابن رسول الله ان ابني كان من المسرفين علي نفسه. 14 - و قال عليه السلام: «انما التوبة العمل و الرجوع عن الأمر، و ليست التوبة بالكلام» [161] . 15 - و قال عليه السلام: «ان الله أخفي أربعة في أربعة: أخفي رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه و أنت لا تعلم. و أخفي سخطه في معصيته فلا تستصغرن شيئا من معصيته فربما وافق سخطه معصيته و أنت لا تعلم. و أخفي اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته و أنت لا تعلم». و أخفي وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيد الله فربما يكون وليه و أنت لا تعلم». 16 - و رأي عليه السلام انسانا قد برأ من المرض فقال له: «يهنئك الطهور من الذنوب، ان الله قد ذكرك فاذكره، و أقالك فاشكره». [ صفحه 118] 17 - و قال عليه السلام: «من أطعم مؤمنا حتي يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب، و لا نبي مرسل الا الله رب العالمين». ثم قال: «من موجبات المغفرة: اطعام المسلم السغبان، ثم تلا قوله تعالي: (أو اطعام في يوم ذي مسغبة - يتيما ذا مقربة - أو مسكينا ذا متربة) [162] . 18 - و قال عليه السلام: «أربع من كن فيه كمل اسلامه، و محصت عنه ذنوبه، و لقي ربه عزوجل و هو عنه راض: من وفي لله عزوجل بما يجعل علي نفسه للناس، و صدق لسانه مع الناس، و استحيي من كل قبيح عند الله و عند الناس، و حسن خلقه مع أهله».

19 - و قال عليه السلام: «القول الحسن يثري المال، و ينمي الرزق، و ينسأ في الأجل، و يحبب الي الأهل، و يدخل الجنة» [163] . 20 - و قال عليه السلام: «ضمنت علي ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة الا اضطرته المسألة يوما الي أن يسأل من حاجة» [164] . و في تحف العقول: قال الامام عليه السلام: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا». و قال بحضرته رجل: اللهم اغنني عن خلقك. [ صفحه 119] فقال: «ليس هكذا، انما الناس بالناس و لكن قل: اللهم اغنني عن شرار خلقك». و قال عليه السلام: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير». و قال عليه السلام: «كفي بنصر الله لك ان تري عدوك يعمل بمعاصي الله فيك». قال مصعب الزبيري عن مالك و لقد أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يقول: لبيك قالها فأغمي عليه حتي سقط من ناقته فهشم. و قال عليه السلام «طلب الحوائج الي الناس مذلة للحياة، و مذهبة للحياء، و هو الفقر الحاضر، و قلة طلب الحوائج الي الناس هو الغني الحاضر». و قال عليه السلام «ان أحبكم الي الله أحسنكم عملا، و ان أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله و ان أقربكم من الله أوسعكم خلقا، و ان أرضاكم عند الله أسعاكم علي عياله». و قال عليه السلام: «ان المعرفة و كمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، و قلة مرائه و حمله و صبره و حسن خلقه». و قال عليه السلام «ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، و ما كانت المحاسبة من همك، و ما

كان الخوف لك شعارا، و الحذر لك دثارا يا ابن آدم انك ميت و مبعوث و موقوف بين يدي الله جل و عز فأعد له جوابا». و قال عليه السلام «لا حسب لقرشي و لا لعربي الا بتواضع، و لا [ صفحه 120] كرم الا بتقوي، و لا عمل الا بنية، و لا عبادة الا بالتفقه». و قال عليه السلام «خمس لو رحلتم فيهن لألفيتموهن و ما قدرتم علي مثلهن: لا يخاف عبد الا ذنبه. و لا يرجو الا ربه. و لا يستحي الجاهل اذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم. و الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد. و لا ايمان لمن لا صبر له». و قال عليه السلام «يا سوأتاه لمن غلبت أحاده عشراته» يريد ان السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة. و قال عليه السلام «ان الله ليبغض البخيل و السائل الملحف». و قال عليه السلام «ان من أخلاق المؤمن الانفاق علي قدر الاقتار، و التوسع علي قدر التوسع، و انصاف الناس من نفسه، و ابتداؤه اياهم بالسلام». و قال يا بني اذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا أو نزل بكم فاقة أو أمر فادح فليتوضأ الرجل منكم وضوء للصلاة و ليصل أربع ركعات أو ركعتين فاذا فرغ من صلاته فليقل: يا موضع كل شكوي يا سامع كل نجوي يا شافي كل بلوي و يا عالم كل خفية و يا كاشف ما يشاء من بلية و يا منجي موسي و يا مصطفي محمد و يا متخذا ابراهيم خليلا أدعوك دعاء من اشتدت فاقته و ضعفت قوته و قلت حيلته دعاء الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه الا أنت يا أرحم الراحمين سبحانك اني كنت من

الظالمين. و قال لابنه الباقر عليهماالسلام: افعل الخير الي كل من طلبه منك [ صفحه 121] فان كان أهله فقد أصبت موضعه، و ان لم يكن بأهل كنت أنت أهله، و ان شتمك رجل عن يمينك، ثم تحول الي يسارك و اعتذر اليك فاقبل عذره». و قال عليه السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و أدب العلماء زيادة في العقل، و استنماء المال تمام المروءة، و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة للبدن عاجلا و آجلا». و في احقاق الحق: قال عليه السلام: الطعام أيسر من أن يقسم عليه فاذا دخلتم علي رجل منزله فقرب طعاما، فكلوا من طعامه و لا تنظروا أن يقال لكم: هلموا فانما وضع الطعام ليؤكل. قاله عليه السلام حين دخل عليه ناس من أهل الكوفة و هو يأكل فسلموا و قعدوا.

من كلماته القصار

لقد جاء عنه أنه لبعض بنيه: «يا بني ان الله رضيني لك و لم يرضك لي، فأوصاك بي و لم يوصني بك، عليك بالبر فانه تحفة كبيرة». و قال: «طلب الحوائج الي الناس مذلة للحياة، و مذهبة للحياء، و استخفاف بالوقار و هو الفقر الحاضر، و قلة طلب الحوائج هو الغني الحاضر». و قال: «ان أحبكم الي الله أحسنكم عملا، و ان أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة، و ان أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، و ان أقربكم من الله أوسعكم خلقا، و ان أرضاكم عند الله أسعاكم علي عياله، و ان أكرمكم علي الله أتقاكم لله». [ صفحه 122] و قال عليه السلام حين اعتل عليه السلام فدخل عليه جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله

و سلم يعودونه فقالوا: كيف أصبحت يا ابن رسول الله فدتك أنفسنا. قال: في عافية والله المحمود علي ذلك كيف أصبحتم أنتم جميعا قالوا: أصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وادين فقال: من أحبنا لله أدخله الله ظلا ظليلا يوم لا ظل الا ظله، و من أحبنا يريد مكافأتنا كافأه الله عنا الجنة، و من أحبنا لغرض دنياه أتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب. و قال عليه السلام: سألت الله أن يعلمني الاسم الأعظم الذي اذا دعي به أجاب، فقيل لي في النوم: قل: اللهم اني أسألك الله الذي لا اله الا هو رب العرش العظيم، قال: فما دعوت به الا رأيت النجح [165] . و قال عليه السلام: ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله، و أظله يوم القيامة في ظل عرشه، و أمنه من فزع اليوم الأكبر، من أعطي الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه، و رجل لم يقدم يدا و لا رجلا حتي يعلم أنه قدمها في طاعة الله أو في معصيته، و رجل لم يعب أخاه بعيب حتي يترك ذلك العيب من نفسه، و كفي بالرجل شغلا بعيب نفسه عن عيوب الناس». و كان يوصي بشكر المحسن و يقول: «ان الله يوم القيامة يقول لعبده أشكرت من أحسن اليك؟ فيقول له: بلي شكرتك يا الهي، فيقول لم تشكرني اذا لم تشكره». [ صفحه 123] و جاء عنه أنه قال لولده الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام حين حضرته الوفاة: «يا بني اياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله». و أنه كان يقول: من استجار بأحد اخوانه و لم يجره فقد قطع ولاية الله عنه. و

يقول: «ان لله عبادا يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة و من أدخل علي مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة». و يقول أيضا: «ان لسان ابن آدم يشرف في كل يوم عي جوارحه كل صباح فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير ان تركتنا و انما يثاب المرء و يعاقب بلسانه». قال عليه السلام: «لا يهلك المؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و شفاعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، وسعة رحمة الله جل و عز» [166] . و قال عليه السلام: «خف الله جل ذكره لقدرته عليك، و استحي منه لقربه منك» [167] . و قال عليه السلام: «لكل شي ء فاكهة، و فاكهة السمع الكلام الحسن» [168] . و قال عليه السلام: «من رمي الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه» [169] . [ صفحه 124] و قال عليه السلام: «اللجاجة مقرونة بالجهالة، و الحمية موصولة بالبلية، و سبب الرفعه التواضع» [170] . و قال عليه السلام: «الشرف في التواضع، و العز في التقوي، و الغني في القناعة» [171] . و قال عليه السلام: «ما استغني أحد بالله الا افتقر الناس اليه» [172] . و قال عليه السلام: «خير مفاتيح الامور الصدقة، و خير خواتيمها الوفاء» [173] . قال عليه السلام: «الرضا بمكروه القضاء من أعلي درجات اليقين».

من أقوال الامام السجاد

روي عن أبي حمزة الثمالي قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلام تركت الجهاد و خشونته و لزمت الحج ولينه؟ قال: و كان متكئا فجلس و قال: «ويحك ما بلغك ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجة الوداع؟ انه لما وقف بعرفة و همت الشمس أن تغيب قال

رسول اله صلي الله عليه و آله و سلم يا بلال قل للناس فلينصتوا، فلما أنصتوا قال صلي الله عليه و آله و سلم: ان ربكم [ صفحه 125] تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم، و شفع محسنكم في مسيئكم، فافيضوا مغفورا لكم، و ضمن لأهل التبعات من عنده الرضا». عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: «عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة، ثم هو غدا جيفة». عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: لا حسب لقرشي و لا لعربي الا بتواضع، و لا كرم الا بتقوي، و لا عمل الا بنية، و لا عبادة الا بتفقه ألا و ان أبغض الناس الي الله عزوجل من يقتدي بسنة امام و لا يقتدي باعماله». قال عليه السلام: «مجالس الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة الأمر تمام العز، و استنماء المال تمام المروءة».

رسالة في حقوق الانسان

من أغلي التراث الاسلامي، و أنفس ذخائر المكتبة العربية، رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام، بعد الصحيفة السجادية، ذكر فيها الحقوق المترتبة علي المسلم و هي خمسون حقا؛ منها حقوق الله سبحانه و تعالي، و حقوق النفس و الجوارح، و حقوق الفرائض، و حقوق المجتمع و غيرها. و قد شرح الرسالة عدد من العلماء و الادباء، و نحن نذكر شذرات منها - و للاستقصاء يمكنك مراجعة المصادر -: [ صفحه 126] عن التابعي الجليل أبي حمزة الثمالي رضوان الله عليه قال: هذه رسالة الامام علي بن الحسين عليهماالسلام الي بعض أصحابه: «علم أن لله عزوجل عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة

نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت فيها. فأكبر حقوق الله تبارك و تعالي عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقه الذي هو أصل الحقوق، ثم ما أوجب الله عزوجل لنفسك من قرنك [174] الي قدمك علي اختلاف جوارحك، فجعل عزوجل للسانك عليك حقا، و لسمعك عليك حقا، و لبصرك عليك حقا، و ليدك عليك حقا، و لرجلك عليك حقا، و لبطنك عليك حقا، و لفرجك عليك حقا. فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال. ثم جعل عزوجل لافعالك عليك حقوقا: فجعل لصلاتك عليك حقا، و لصومك عليك حقا، و لصدقتك عليك حقا، و لهديك عليك حقا، و لأفعالك عليك حقوقا. ثم يخرج الحقوق منك الي غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها عليك حقوق أئمتك، ثم حقوق رعيتك، ثم حقوق رحمك. فهذه حقوق تتشعب منها حقوق، فحقوق أئمتك ثلاثة: أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان، ثم حق سائسك بالعلم، ثم سائسك [ صفحه 127] بالملك، و كل سائس امام». ثم يشرح تلك الحقوق و عللها الي أن قال عليه السلام: «ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال، و تصرف الأسباب. فطوبي لمن أعانه الله علي قضاء ما أوجب عليه من حقوقه؛ و وفقه لذلك و سدده». و هنا يشرح علة الحقوق السبعة الأساسية التي ذكرها في مصدر حديثه و هي: «فأما حق الله الأكبر عليك فأن تعبده و لا تشرك به شيئا، فاذا فعلت بالأخلاص جعل لك علي نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة. و حق نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزوجل. و حق اللسان اكرامه عن الخني، و تعويد الخير، و ترك الفضول التي لا فائدة لها، و البر بالناس، و حسن القول فيهم.

و حق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة، و سماع ما لا يحل سماعه. و حق البصر أن تغضه عما لا يحل لك، و تعتبر بالنظر به. و حق يدك أن لا تبسطها الي ما لا يحل لك. و حق رجليك أن لا تمشي بهما الي ما لا يحل لك، فبهما تقف علي الصراط، فانظر أن لا تزلا بك فتردي في النار. و حق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام، و لا تزيده في الشبع. و حق فرجك أن تحصنه عن الزنا، و تحفظه من أن ينظر اليه. و حق الصلاة أن تعلم أنها وفادة الي الله عزوجل، و أنت فيها قائم بين يدي الله، فاذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب [ صفحه 128] الراهب، الراجي الخائف المتضرع». الي آخر كلامه و كذلك في الحج، و في الصوم، و في الصدقة، و الهدي و بقية الحقوق الواجبة عليك أو المندوبه. و أما حق الزوجة فأن تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا و انسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها و ترفق بها، و ان كان حقك عليها أوجب، فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، و تطعمها و تكسوها فاذا جهلت عفوت عنها. و أما حق امك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحدا أحدا، و أعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، و وقتك بجميع جوارحها، و لم تبال أن تجوع و تطعمك، و تعطش و تسقيك، و تعري و تكسوك، و تضحي و تظلك، و تهجر النوم لأجلك، و وقتك الحر و البرد لتكون لها، فانك لا تطيق شكرها الا بعون الله تعالي و توفيقه.

و أما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، و أنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله و اشكره علي قدر ذلك، و لا قوة الا بالله. و أما حق ولدك فأن تعلم أنه منك، و مضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره و شره، و أنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، و الدلالة علي ربه عزوجل، و المعونة له علي طاعته، فاعمل في أمره من يعلم أنه مثاب علي الاحسان اليه، معاقب علي الاساءة اليه. و أما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك و عزك و قوتك فلا تتخذه سلاحا علي معصية الله، و لا عدة للظلم لخلق الله، و لا تدع نصرته علي [ صفحه 129] عدو، و النصيحة له، فان أطاع الله و الا فليكن الله أكرم عليك منه، و لا قوة الا بالله. و أما حتي ذي المعروف عليك فأن تشكره، و تذكر معروفه، و تكسبه المقالة الحسنة، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله عزوجل، فاذا فعلت ذلك كنت شكرته سرا و علانية، ثم ان قدرت علي مكافأته يوما كافأته. و أما حق جليسك فأن تلين له جانبك، و تنصفه في مجازاة اللفظ، و لا تقوم من مجلسك الا باذنه، و من يجلس اليك يجوز له القيام عنك بغير اذنك، و تنسي زلاته، و تحفظ خيراته، و لا تسمعه الا خيرا. و أما حق جارك فحفظه غائبا، و اكرامه شاهدا، و نصرته اذا كان مظلوما، و لا تتبع له عورة، فان علمت عليه سوءا سترته عليه، و ان علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك و بينه،

و لا تسلمه عند شديدة، و تقبل عثرته، و تغفر ذنبه، و تعاشره معاشرة كريمة و لا قوة الا بالله. و أما حق الصاحب فأن تصحبه بالتفضل و الانصاف، و تكرمه كما يكرمك، و كن عليه رحمة، و لا تكن عليه عذابا، و لا قوة الا بالله. و أما حق الشريك فان غاب كفيته، و ان حضر رعيته، و لا تحكم دون حكمه، و لا تعمل رأيك دون مناظرته، و تحفظ عليه ماله و لا تخونه فيما عز أو هان من أمره، فان يد الله تبارك و تعالي علي الشريكين ما لم يتخاونا، و لا قوة الا بالله. و أما حق مالك فأن لا تأخذه الا من حله، و لا تنفقه الا في وجهه، [ صفحه 130] و لا تؤثر به علي نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربك، و لا تبخل به فتبوء بالحسرة و الندامة مع السعة، و لا قوة الا بالله. و أما حق غريمك الذي يطالبك فان كنت موسرا أعطيته، و ان كنت معسرا أرضيته بحسن القول، و رددته عن نفسك ردا لطيفا. و أما حق الخليط أن لا تغره و لا تغشه و لا تخدعه، و تتقي الله تبارك و تعالي في أمره. و أما حق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده علي نفسك و لم تظلمه، و أوفيته حقه، و ان كان ما يدعي باطلا رفقت به، و لم يأت في أمره غير الرفق، و لم تسخط ربك في أمره، و لا قوة الا بالله. و أما حق خصمك الذي تدعي عليه ان كنت محقا في دعوتك أجملت مقاولته و لم تجحد حقه،

و ان كنت مبطلا في دعوتك اتقيت الله عزوجل و تبت اليه، و تركت الدعوي. و أما حق المستشير فان علمت أن له رأيا أشرت عليه، و ان لم تعلم أرشدته الي من يعلم. و أما حق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فان وافقك حمدت الله عزوجل. و أما حق المستنصح أن تؤدي اليه النصيحة، و ليكن مذهبك الرحمة له، و الرفق به. و أما حق الناصح أن تلين له جناحك، و تصغي اليه بسمعك فان أتي بالصواب حمدت الله عزوجل، و ان لم يوافق رحمته و لم تتهمه، [ صفحه 131] و علمت أنه أخطأ، و لم تؤاخذه بذلك الا أن يكون مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشي ء من أمره علي حال، و لا قوة الا بالله. و أما حق الكبير توقيره لسنه، و اجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك، و ترك مقابلته عند الخصام، و لا تسبقه الي طريق و لا تتقدمه، و لا تستجهله، و ان جهل عليك احتملته و أكرمته لحق الاسلام و حرمته». و غيرها من الحقوق الكثيرة التي عددها الامام عليه السلام منها حق صلاة الجماعة و امامه، و حق المؤذن و حق مولاك المنعم عليك، و حق مولاك الذي أنعمت عليه، و حق مملوكك، و حق سائسك بالملك، و حق رعيتك بالعمل، و حق معلمك، و حق الصغير في تعليمه و تربيته و العفو عنه، و حق السائل، و حق المسؤول، و حق من سرك و حق من أساء اليك، و حق أهل ملتك. و حقوق اخري تجدها مفصلة في الكتب الفقهية، و السير و التاريخ، يمكنك مراجعتها، في كتاب المجالس السنية للسيد محسن الأمين، و

كتاب كشف الغمة للاربلي، و كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، و كتاب الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني، و كتاب أئمتنا للحاج علي دخيل، و كتاب الامام زين العابدين للسيد المقرم، و كتاب الامام زين العابدين للشيخ القرشي و كتاب تحف العقول عن آل الرسول للشيخ الحراني. و غيرها من المصادر التي بحثت عن حياة الامام زين العابدين عليه السلام. [ صفحه 132]

من وصاياه

و من الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهم السلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالارشاد و التوجيه للامة، ولو جمعت هذا الوصايا في مصنف مستقل لسدت فراغا كبيرا في المكتبة الأخلاقية، لما حوته من نصائح و حكم و دعوة الي الخير و الفضيلة. و في هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا الامام علي بن الحسين عليهماالسلام: 1 - من وصية له عليه السلام لبعض أصحابه: التارك للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره الا أن يتقي تقاة قيل: و ما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغي، و قال لا يقولن أحدكم: اللهم تصدق علي بالجنة فانما يتصدق أصحاب الذنوب و لكن ليقولن: اللهم ارزقني الجنة، اللهم من علي الجنة. 2 - من وصية له عليه السلام أوصي بها الزهري: قال الامام الباقر عليه السلام: دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري علي علي بن الحسين عليه السلام و هو كئيب حزين، فقال له: «ما لك مغموما»؟ قال: يا ابن رسول الله هموم و غموم تتوالي علي لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، و الطامعين في، و ممن أرجوه، و ممن أحسنت اليه فيخلف ظني. [ صفحه 133] فقال له علي بن الحسين عليه السلام: «احفظ عليك لسانك تملك به

اخوانك». فقال الزهري: يا ابن رسول الله اني أحسن اليهم بما يبدر من كلامي. فقال عليه السلام: «هيهات هيهات، اياك أن تعجب من نفسك بذلك، و اياك أن تتكلم بما يسبق الي القلوب انكاره و ان كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا». ثم قال: «يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، و تجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، و تجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم، و أي هؤلاء تحب أن تدعو عليه، و أي هؤلاء تحب أن تهتك ستره، و ان عرض لك ابليس لعنه الله بأن لك فضلا علي أحد من أهل القبلة، فانظر ان كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان و العمل الصالح فهو خير مني، و ان كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خير مني، و ان كان تربك فقل: أنا علي يقين من ذنبي و من شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، و ان رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، و ان رأيت منهم جفاءا و انقباضا فقل: هذا لذنب أحدثته، فانك ان فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، و كثر اصدقاؤك، و قل أعداؤك، و فرحت بما يكون من برهم، و لم تأسف علي ما يكون من جفائهم. [ صفحه 134] و اعلم أن أكرم الناس علي الناس من كان خيره عليهم فائضا، و كان عنهم مستغنيا متعففا، و أكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففا

و ان كان اليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتبقونه كرم عليهم، و من لم يزاحمهم فيها و مكنهم من بعضها كان أعز و أكرم» [175] . 3 - من وصية له عليه السلام لأصحابه: عن ابي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهماالسلام لأصحابه: «اوصيكم اخواني بالدار الآخرة و لا اوصيكم بدار الدنيا فانكم عليها حريصون، و بها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسي بن مريم عليه السلام للحواريين؟ فانه قال: الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها. و قال: أيكم يبني علي موج البحر دارا، تلكم دار الدنيا فلا تتخذوها قرارا! [176] . 4 - قال الامام الباقر عليه السلام: «كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه و الكبير، في كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير؛ أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: لا يزال العبد يصدق حتي يكتبه الله عزوجل صادقا، و لا يزال العبد يكذب حتي يكتبه الله كاذبا» [177] . قال أبوحمزة الثمالي: كان الامام علي بن الحسين عليه السلام [ صفحه 135] يوصي أولاده «يا بني اذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا، أو نزل بكم فاقة أو أمر فادح، فليتوضأ الرجل منكم وضوء للصلاة و ليصل أربع ركعات أو ركعتين فاذا فرغ من صلاته فليقل، يا موضع كل شكوي، يا سامع كل نجوي، يا شافي كل بلوي، و يا عالم كل خفية، و يا كاشف ما يشاء من بلية، و يا منجي موسي، و مصطفي محمد، و يا متخذا ابراهيم خليلا، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، و قلت حيلته، دعاء

الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه الا أنت يا أرحم الراحمين سبحانك اني كنت من الظالمين». قال علي بن الحسين عليه السلام: «لا يدعو بهذا رجل أصابه بلاء الا فرج عنه» [178] . و من دعائه عليه السلام: «اللهم كما أسأت و أحسنت الي فان عدت فعد علي» [179] . و يروي أن علي بن الحسين عليه السلام اعتل فدخل عليه جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعودونه فقالوا: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فدتك أنفسنا. قال: «في عافية والله المحمود علي ذلك، كيف أصبحتم أنتم جميعا»؟ قالوا: كيف أصبحنا و انا لك يابن رسول الله محبين وادين. فقال: «من أحبنا لله أدخله الله ظلا ظليلا يوم لا ظل الا ظله، و من [ صفحه 136] أحبنا يريد مكانتنا كافأه الله عنا الجنة، و من أحبنا لغرض دنياه أتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب» [180] . 5 - وصيته عليه السلام لسائر أصحابه و شيعته، و تذكيره اياهم كل يوم جمعة: «أيها الناس اتقوا الله و اعلموا أنكم اليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، و ما عملت من سوء تودلو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه. ويحك يا ابن آدم الغافل و ليس مغفولا عنه ان أجلك أسرع شي ء اليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك، و يوشك أن يدركك، فكأن قد أوفيت أجلك و قد قبض الملك روحك، و صيرت الي قبرك وحيدا، فرد عيلك روحك و اقتحم عليك ملكاك منكر و نكير لمساءلتك، و شديد امتحانك. ألا و ان أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، و عن

نبيك الذي ارسل اليك، و عن دينك الذي كنت تدين به، و عن كتابك الذي كنت تتلوه، و عن امامك الذي كنت تتولاه، و عن عمرك فيما أفنيت، و عن مالك من أين اكتسبته و فيما أنفقته، فخذ حذرك، و انظر لنفسك، و أعد الجواب قبل الامتحان و المسألة و الاختبار، فان تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لأولياء الله، لقاك الله حجتك، و أنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، و بشرت بالجنة و الرضوان من الله، و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان، و ان لم تكن كذلك تلجلج [ صفحه 137] لسانك، و دحضت حجتك، و عييت عن الجواب، و بشرت بالنار، و استقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، و تصلية جحيم. و اعلم يابن آدم أن ما وراء هذا أعظم و أفظع و أوجع للقلوب، يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين و الآخرين يوم ينفخ في الصور، و يبعثر فيه القبور، و ذلك يوم الآزفة اذ القلوب لدي الحناجر كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، و لا تؤخذ من أحد فدية، و لا تقبل من أحد معذرة، و لا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس الا الجزاء بالحسنات و الجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين علي في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير و جده، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من الذنوب ما قد نهاكم الله عنها و حذركموها في الكتاب الصادق، و البيان الناطق، و لا تأمنوا مكر الله و تدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين اليه من عاجل الشهوات و اللذات

في هذه الدنيا، فان الله يقول: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون) و اشعروا قلوبكم خوف الله، و تذكروا ما وعدكم في مرجعكم اليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فانه من خاف شيئا حذره، و من حذر شيئا تركه، و لا تكونوا من الغافلين المائلين الي زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات و قد قال الله تعالي: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم علي تخوف) فاحذروا ما حذركم الله بما [ صفحه 138] فعل بالظلمة في كتابه، و لا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، و ان السعيد من وعظ بغيره. و لقد أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القري قبلكم حيث قال: (و أنشأنا بعدها قوما آخرين) و قال: (فلما أحسوا بأسنا اذا هم منها يركضون) يعني يهربون. قال (لا تركضوا و ارجعوا الي ما أترفتم فيه و مساكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب (قالوا يا ويلنا انا كنا ظالمين) فان قلتم أيها الناس ان الله انما عني بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك و هو يقول: (و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حاسبين). اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، و لا تنشر لهم الدواوين و انما يحشرون الي جهنم زمرا، و انما تنصب الموازين، و تنشر الدواوين لأهل الاسلام فاتقوا الله

عباد الله و اعلموا أن الله لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه، و لم يرغبهم فيها عاجل زهرتها، و ظاهر بهجتها، فانما خلق الدنيا و خلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته، و أيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، و صرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون و لا قوة الا بالله، و ازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الدنيا، فان الله يقول و قوله الحق: (انما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس و الأنعام حتي اذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا [ صفحه 139] فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، و لا تركنوا الي الدنيا فان الله قال لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم: (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) و لا تركنوا الي هذه الدنيا و ما فيها ركون من اتخذها دار قرار، و منزل استيطان فانها دار قلعة، و منزل بلغة، و دار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها،، و قبل الاذن من الله في خرابها، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة و ابتدأها و هو ولي ميراثها. أسأل الله لنا و لكم العون علي تزود التقوي و الزهد في الدنيا، و جعلنا الله و اياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة، فانما نحن له و به، والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته [181] .

في بعض احوال أهل زمانه

في الاختصاص و بصائر

الدرجات: عمران بن موسي، عن موسي بن جعفر، عن علي بن معبد، عن علي بن الحسين، عن علي بن عبدالعزيز، عن أبيه، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: لما ولي عبدالملك بن مروان و استقامت له الأشياء، كتب الي الحجاج كتابا و خطه بيده: بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله عبدالملك بن مروان الي الحجاج بن يوسف، أما بعد، فجنبني دماء بني عبدالمطلب فاني رأيت [ صفحه 140] آل أبي سفيان لما و لغوا فيها لم يلبثوا بعدها الا قليلا والسلام، و كتب الكتاب سرا لم يعلم به أحد و بعث به مع البريد الي الحجاج، و ورد خبر ذلك من ساعته علي علي بن الحسين عليه السلام، و اخبر أن عبدالملك قد زيد في ملكه برهة من دهره لكفه عن بني هاشم و أمر أن يكتب ذلك الي عبدالملك و يخبره بأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتاه في منامه و أخبره بذلك فكتب علي بن الحسين عليه السلام بذلك الي عبدالملك بن مروان» [182] . في كتاب الروضة و كتاب الفضائل: مما روي عن جماعة ثقات أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية علي الحجاج بن يوسف الثقفي، فمثلت بين يديه، قال لها: أنت حرة بنت حليمة السعدية؟ قالت له: فراسة من غير مؤمن! فقال لها: الله جاء بك فقد قيل عنك انك تفضلين عليا علي أبي بكر و عمر و عثمان. فقالت: لقد كذب الذي قال: اني افضله علي هؤلاء خاصة. قال: و علي من غير هؤلاء؟ قالت افضله علي آدم و نوح و لوط و ابراهيم و داود و سليمان و عيسي بن مريم عليهم السلام. فقال لها: ويلك انك تفضلينه علي الصحابة و تزيدين عليهم

سبعة من الأنبياء من اولي العزم من الرسل؟ ان لم تأتيني ببيان ما قلت، ضربت عنقك. [ صفحه 141] فقالت: ما أنا مفضلته علي هؤلاء الأنبياء، و لكن الله عزوجل فضله عليهم في القرآن بقوله عزوجل في آدم (و عصي آدم ربه فغوي) [183] و قال في حق علي (و كان سعيكم مشكورا) [184] . فقال: أحسنت يا حرة فبما تفضلينه علي نوح و لوط؟ فقالت: الله عزوجل فضله عليهما بقوله (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النار مع الداخلين) [185] و علي بن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة المنتهي، زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التي يرضي الله تعالي لرضاها و يسخط لسخطها. فقال الحجاج: أحسنت يا حرة فبما تفضلينه علي أبي الأنبياء ابراهيم خليل الله؟ فقالت: الله عزوجل فضله بقوله: (و اذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي قال أو لم تؤمن قال بلي و لكن ليطمئن قلبي) [186] و مولاي أميرالمؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا» و هذه كلمة ما قالها أحد قبله و لا بعده. فقال: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي موسي كليم الله؟ [ صفحه 142] قالت: يقول الله عزوجل (فخرج منها خائفا يترقب) [187] و علي ابن أبي طالب عليه السلام بات علي فراش رسوله الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يخف حتي أنزل الله تعالي في حقه (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) [188] . قال الحجاج: أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي

داود و سليمان عليهماالسلام؟ قالت: الله تعالي فضله عليهما بقوله عزوجل (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله) [189] . قال لها: في أي شي ء حكومته؟ قالت: في رجلين رجل كان له كرم و الآخره له غنم فنفشت الغنم بالكرم فرعته فاحتكما الي داود عليه السلام فقال: تباع الغنم و ينفق ثمنها علي الكرم حتي يعود الي ما كان عليه فقال له ولده: لا يا ابة بل يؤخذ من لبنها و صوفها، قال الله تعالي: (ففهمناها سليمان) [190] و ان مولانا أميرالمؤمنين عليا عليه السلام قال: «سلوني عما فوق العرش، سلوني عما تحت العرش، سلوني قبل أن تفقدوني»، و انه عليه السلام دخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم فتح خيبر، فقال [ صفحه 143] النبي صلي الله عليه و آله و سلم للحاضرين: «أفضلكم و أعلمكم و أقضاكم علي». فقال لها: أحسنت فبما تفضلينه علي سليمان؟ فقالت: الله تعالي فضله عليه بقوله تعالي: (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) [191] و مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال: طلقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك، فعند ذلك أنزل الله تعالي فيه (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا) [192] . فقال أحسنت يا حرة، فبما تفضلينه علي عيسي بن مريم عليه السلام؟ قالت: الله تعالي عزوجل فضله بقوله تعالي (و اذ قال الله يا عيسي ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ان كنت قلته فقد علمته

تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك انك أنت علام الغيوب - ما قلت لهم الا ما أمرتني به) [193] فأخر الحكومة الي يوم القيامة، و علي بن أبي طالب لما ادعوا النصيرية [194] فيه ما ادعوه قتلهم و لم يؤخر [ صفحه 144] حكومتهم. فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غيره قال: أحسنت يا حرة خرجت من جوابك، ولو لا ذلك لكان ذلك، ثم أجازها و أعطاها و سرحها سراحا حسنا رحمة الله عليها. في روضة الواعظين: قال أبوعبدالله عليه السلام: «ان سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين عليه السلام فكان علي يثني عليه، و ما كان سبب قتل الحجاج له الا علي هذا الأمر، و كان مستقيما، و ذكر أنه لما دخل علي الحجاج بن يوسف قال: أنت شقي بن كسير؟ قال: امي كانت أعرف بي، سمتني سعيد بن جبير. قال: ما تقول في أبي بكر و عمر، هما في الجنة أو في النار؟ قال: لو دخلت الجنة فنظرت الي أهلها لعلمت من فيها، ولو دخلت النار و رأيت أهلها لعلمت من فيها. قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل. قال: أيهم أحب اليك؟ قال: أرضاهم لخالقي. قال: فأيهم أرضي للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم و نجواهم. قال: أبيت أن تصدقني. [ صفحه 145] قال: بل لم احب أن اكذبك» [195] . في الاختصاص: جعفر بن الحسين، عن أحمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله مثله [196] . حميد بن زياد، عن عبيدالله الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري عن محمد بن زياد بياع السابري، عن أبان، عن

فضيل و عبيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لما حضر محمد بن اسامة الموت دخلت عليه بنوهاشم فقال لهم: قد عرفتم قرابتي و منزلتي منكم و علي دين فاحب أن تضمنوه عني. خمسة عشر ألف دينار و لم أترك لها وفاء. فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: أما والله ثلث دينك علي ثم سكت و سكتوا. فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: علي دينك كله، ثم قال: أما انه لم يمنعني أن أضمنه أولا الا كراهة أن تقولوا: سبقنا» [197] . في الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد بن معاوية قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: «ان يزيد بن معاوية دخل المدينة و هو يريد الحج، فبعث الي رجل من قريش فأتاه. [ صفحه 146] فقال له يزيد: أتقر لي أنك عبد لي ان شئت بعتك و ان شئت استرققتك؟ فقال له الرجل، والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسبا، و لا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية و الاسلام و ما أنت بأفضل مني في الدين و لا بخير مني، فكيف أقر لك بما سألك؟ فقال له يزيد: ان لم تقر لي والله قتلتك. فقال له الرجل: ليس قتلك اياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأمر بقتله».

كلمات العلماء و العظماء في حقه

أجمعت الامة الاسلامية - علي اختلاف ميولها و مذاهبها - علي أفضلية أئمة أهل البيت عليهم الصلاة و السلام، و سمو أخلاقهم، و حسن سيرتهم، و كثرة علمهم، و اخلاص عملهم، و لم تجتمع الأمة بأسرها علي أفضلية أحد كاجتماعها علي أفضلية الأئمة عليهم السلام؛ و لعل ما كتبه عنهم علماء الجمهور -

من غير الشيعة - أكثر مما كتبه عنهم شيعتهم و مواليهم. و هذا وحده كاف علي أهليتهم - دون غيرهم - لمنصب الخلافة، و سدة الحكم الذي حيل بينهم و بينه. و في هذا الصفحات مختارات من كلمات العلماء و العظماء في الامام علي بن الحسين عليهماالسلام: 1 - قال جابر بن عبدالله الأنصاري: والله ما رؤي في أولاد الأنبياء بمثل علي بن الحسين الا يوسف بن يعقوب عليهماالسلام، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، و ان منهم لمن يملأ [ صفحه 147] الأرض عدلا كما ملئت جورا [198] . 2 - قال أبوحازم: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين، و لا أفقه منه [199] . 3 - قال الزهري: ما رأيت أحدا أفقه من زين العابدين [200] ، و كان اذا ذكر علي بن الحسين يبكي و يقول: زين العابدين [201] . 4 - قال سعيد بن المسيب، ما رأيت قط مثل علي بن الحسين، و ما رأيته قط الا مقت نفسي [202] . و قال: ما رأيت رجلا أورع من علي بن الحسين. 5 - قال له نافع بن جبير: انك سيد الناس و أفضلهم [203] . 6 - قال عمر بن عبدالعزيز و قد قام من عنده علي بن الحسين عليهماالسلام: من أشرف الناس؟ فقالوا: أنتم. فقال: كلا، فان أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا، من أحب الناس أن يكونوا منه، و لم يحب أن يكون من أحد [204] . و قال أيضا: سراج الدنيا، و جمال الاسلام، زين العابدين [205] . [ صفحه 148] 7 - قال له عبدالملك بن مروان: لقد سبق لك من الله

الحسني، و أنت بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قريب النسب، و كيد السبب، و انك لذو فضل عظيم علي أهل بيتك و ذوي عصرك، و لقد أوتيت من العلم و الدين و الورع، و ما لم يؤته أحد مثلك قبلك، الا من مضي من سلفك. و أكثر من الثناء عليه [206] . 8 - قال الامام مالك: سمي زين العابدين لكثرة عبادته [207] . 9 - قال الواقدي: كان من أورع الناس و أعبدهم و أتقاهم لله عزوجل، و كان اذا مشي لا يخطر بيديه [208] . 10 قال سفيان بن عيينة: ما رايت هاشميا أفضل من زين العابدين و لا افقه منه [209] . 11 - قال محمد بن طلحة الشافعي: هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، و سيد المتقين، و امام المؤمنين، شيمته تشهد له أنه من سلالة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سمته يثبت مقام قربه من الله زلفي و نفثاته تسجل بكثرة صلاته و تهجده، و اعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درت له اخلاف التقوي فتفوقها، و أشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدي بها، و الفته أوراد العبادة فأنس بصحبتها و حالفته وظائف الطاعة فتحلي بحليتها، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع [ صفحه 149] طريق الآخرة، و ظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مفازة المسافرة، و له الخوارق و الكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة، و ثبت بالآثار المتواترة، و شهد له أنه من ملوك الآخرة [210] . 12 - قال شمس الدين يوسف بن قزاغلي الحنفي - سبط ابن الجوزي - و هو أبو الأئمة، و كنيته أبوالحسن، و يلقب بزين العابدين، و سماه رسول

الله صلي الله عليه و آله و سلم سيد العابدين كما نذكره في سيرة ولده محمد عليه السلام، و السجاد، و ذي الثفنات، و الزكي، و الأمين، و الثفنات ما يقع علي الأرض من أعضاء البعير اذا استناخ و غلظ، كالركبتين و نحوهما، الواحدة ثفنة، فكان طول سجوده قد أثر في ثفناته. [211] . 13 - قال شمس الدين محمد بن طولون: و رابعهم علي رضي الله عنه، و هو أبوالحسن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المعروف بزين العابدين، و يقال له: علي الأصغر. و قال: و هو من سادات التابعين. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. و كان يقال لزين العابدين: ابن الخيرتين، لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: ان لله تعالي من عباده خيرتان: فخيرته من العرب قريش، و من العجم فارس. و قال: و فضائل زين العابدين و مناقبه أكثر من أن تحصي، و كانت ولادته سنه 38. [ صفحه 150] 14 - قال علي بن عيسي الاربلي: فانه عليه السلام الامام الرباني، و الهيكل النوراني، بدل الأبدال، و زاهد الزهاد، و قطب الأقطاب، و عابد العباد، و نور مشكاة الرسالة، و نقطة دائرة الامامة، و ابن الخيرتين و الكريم الطرفين قرار القلب، و قرة العين، علي بن الحسين، و ما أدراك ما علي بن الحسين: الأواه الأواب، العامل بالسنة و الكتاب، الناطق بالصواب، ملازم المحراب، المؤثر علي نفسه، المرتفع في درجات المعارف، فيومه يفوق علي أمسه، المنفرد بمعارفه، الذي فضل الخلائق بتليده و طارفه، و حكم في الشرب فتسنم ذروته، و خطر في مطارفه و أعجز بما حواه من طيب المولد، و كرم المحتد، و زكاء الارومة، و طهارة الجرثومة، عجز عنه

لسان واصفه، و تفرد في خلواته بمناجاته، فتعجب الملائكة من مواقفه، و أجري مدامعه خوف ربه، الخ [212] . 15 - قال علي بن محمد المالكي - ابن الصباغ - أما مناقبه فكثيرة، و مزاياه شهيرة، منها: أنه كان اذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي نراه يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: «أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم» [213] . 16 - قال أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان: أبوالحسن علي بن [ صفحه 151] الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، المعروف بزين العابدين، و يقال له علي الاصغر، و ليس للحسين رضي الله عنه عقب الا من ولده زين العابدين هذا. و هو أحد الأئمة الاثني عشر، و من سادات التابعين [214] . 17 - قال محمد بن حبان البستي: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبوالحسن، من فقهاء أهل البيت، و أفاضل بني هاشم، و عباد المدينة، الخ [215] . 18 - قال ابن حجر: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين، ثقة ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور [216] . 19 - قال عبدالعزيز سيد الأهل: و زين العابدين علي بن الحسين السجاد، ليس في حاجة لأن أجلوه للناس، أو - علي الأقل - للعارفين به أكثر من معرفتي به، و لكن الذي كان في حاجه لان ينجد، و أن يستعلي انما هو قلمي و دفتري و مدادي، من حيث أخذت بهذه الأدوات انظم في سيرة هذا البطل نظما جديدا، ربما اعجب عصرنا و انساق في تياره، و لئن حق لشي ء أن يفخر فقد حق للقلم الذي ينظم سيرة علي بن الحسين ان يمجد و أن يستعلي، و أن يعتز علي المداد

و الأقلام [217] . 20 - قال أحمد فهمي محمد: كان أفضل أهل زمانه، و أعلمهم، و أفقههم، و أورعهم، و أعبدهم، و أكرمهم، و أحلمهم، و افصحهم [ صفحه 152] لسانا، و أكرمهم احسانا، يتحدب علي الفقراء، و يعين الضعفاء، الي هيبة في النفوس، و جلالة في القلوب... الخ. و انا اقول فوق ما قال القائلون فيه لانه من اهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مهبط الوحي، ورث المجد كابرا عن كابر، و هو خليفة الله علي الارض في زمانه بعد ابائه الطاهرين المعصومين و حجة الله علي خلقه اجمعين. و قد اعتمدت في هذا الفصل علي كتاب أئمتنا، للاستاذ علي الدخيل، و كتاب الامام زين العابدين للشيخ القرشي و كتاب الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف. [ صفحه 153]

محن الامام من يوم الطف الي رجوع السبايا للمدينة

محنة الامام يوم الطف

و قد روي الامام زين العابدين عليه السلام الكثير من أخبار الطف و ما جري فيه من المعارك، و خطب أبيه و أصحابه البررة في أهل الكوفة قبيل شهادته و قبل دخوله الميدان، دخل علي الامام السجاد و أوصاه بوصاياه، و سلمه مواريث النبوة، و كانت آخر وصية أوصي بها قائلا: «يا بني، اوصيك بما أوصي به جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا حين وفاته، و بما أوصي جدك علي عمك الحسن، و بما أوصاني به عمك؛ اياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله» ثم ودعه و مضي الي ميدان المعركة الأخيرة التي استشهد فيها.

مواراته الجثث الطاهرة

و هو الذي تولي دفن أباه الحسين عليه السلام و القتلي من أهله و أنصار أبيه كما في أكثر الروايات التي يرويها مؤرخوا أهل البيت، و هو الذي أخبر بني أسد بمواقع قبر أبيه و اخوته و أهل بيته و سائر الشهداء من أنصار أبيه و أسمائهم، و كان بنوا أسد قد حضروا لدفنهم في اليوم الثاني أو الثالث عشر من المحرم سنة 61 ه و اذا صح أنه هو الذي تولي دفنهم، فخروجه بالطريقة التي يرويها الرواة لا تفسير لها الا [ صفحه 154] بالمعجزة و بمشيئة الله. لأن الامام لا يدفنه الا امام. و قال ابن سعد: كان علي بن الحسين عليه السلام مع أبيه بطف كربلاء و عمره اذ ذاك ثلاث و عشرين سنة لكنه كان مريضا ملقي علي فراشه و قد أنهكته العلة و المرض و لما استشهد والده قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام، فقال بعض أصحابه: تقتل مريضا لم يقاتل؟! فتركوه [218] . و قال ابن عمر: هذا صحيح، و ليس قول من

قال بأنه كان صغيرا حينئذ و لم يقاتل و انه ترك بسبب ذلك بشي ء [219] . و عمد الأجلاف اللئام من أهل الكوفة الي مواراة جيف قتلاهم، و تركوا جثمان ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جثث أهل بيته و أصحابه الممجدين علي رمضاء كربلا، و انبري قوم من بني أسد من الذين لم يشتركوا في الحرب فحفروا القبور لتلك الجثث الزواكي، و كانوا متحيرين في معرفتها لأن الرؤوس قد فصلت عنها، و بينما هم كذلك اذ أطل عليهم الامام زين العابدين - حسبما نصت عليه بعض المصادر الشيعية - فأوقف بني أسد علي شهداء أهل البيت و غيرهم من الأصحاب، و بادر بنفسه الي حمل جثمان أبيه، فواراه في مثواه الأخير و هو يذرف أحر الدموع قائلا: «يا أباه، طوبي لأرض تضمنت جسدك الطاهر، فان الدنيا بعد مظلمة، و الآخرة بنورك مشرقة، أما الليل فمسهد، و الحزن سرمد أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم، و عليك مني السلام يا ابن [ صفحه 155] رسول الله و رحمة الله و بركاته..». و رسم علي القبر الشريف هذه الكلمات: «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي قتلوه عطشانا غريبا» و دفن عند رجلي الامام فلذة كبده ولده علي الأكبر، و دفن بقية الشهداء من هاشميين و غيرهم في حفرة واحدة، ثم انطلق مع الأسديين الي نهر العلقمي فحفر قبرا و واري فيه جثمان عمه قمر بني هاشم أباالفضل العباس بن أميرالمؤمنين عليه السلام، و جعل يبكي أحر البكاء و هو يقول: «علي الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم، و عليك مني السلام من شهيد محتسب و رحمة الله و بركاته...». [220] .

و أصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية، و رمزا لكل تضحية تقوم علي الشرف و العدل و الحق، و قد أصبحت من أقدس مراكز العبادة، و أفضلها في الاسلام.

سبايا أهل البيت في الكوفة

و ادخلت عقائل الوحي و مخدرات الرسالة سبايا الي الكوفة، و قد عزفت أبواق الجيش و خفقت راياتهم معلنة النصر و الظفر بقتلهم لريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سيد شباب أهل الجنة، و قد وصف ذلك المنظر الرهيب مسلم الجصاص، يقول: دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة، فبينما أنا اجصص الأبواب، و اذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة فأقبلت علي أحد خدام القصر فقلت له: ما لي أري الكوفة تضج؟ [ صفحه 156] قال: الساعة يأتون برأس خارجي خرج علي يزيد. فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي. قال: فتركت الخادم، و أخذت ألطم علي وجهي حتي خشيت علي عيني أن تذهبا، و غسلت يدي من الجص، و خرجت من القصر حتي أتيت الي الكناس، فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا و الرؤوس اذ أقبل أربعون جملا تحمل النساء و الأطفال، و اذا بعلي بن الحسين علي بعير بغير وطاء، و أوداجه تشخب دما، و هو يبكي و يقول: يا امة السوء لا سقيا لربعكم يا امة لم تراع جدنا فينا لو أننا و رسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا تسيرون فينا علي الأقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكم دينا [221] . و يقول حذلم بن بشير [222] : قدمت الكوفة سنه (61 ه) عند مجي ء علي بن الحسين من كربلاء الي الكوفة، و معه النسوة و قد أحاطت بهم الجنود، و

قد خرج الناس للنظر اليهم، و كانوا علي جمال بغير وطاء فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين و يندبن، و رايت علي بن الحسين قد أنهكته العلة، و في عنقه الجامعة و يده مغلولة الي عنقه و هو يقول بصوت ضعيف: «ان هؤلاء يبكون و ينوحون من أجلنا، فمن قتلنا؟ [223] . [ صفحه 157]

خطاب الامام زين العابدين

و أحاطت الجماهير بالامام زين العابدين عليه السلام، فرأي أن يخطب فيهم، و يعرفهم اثم ما اقترفوه، و ما جنوه علي أنفسهم و علي الامة، فقال عليه السلام بعد حمد الله و الثناء عليه: «أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من انتهكت حرمته، و سلبت نعمته، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل، و لا ترات، أنا ابن من قتل صبرا، و كفي بذلك فخرا. أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم الي أبي و خدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهود و المواثيق و البيعة، و قاتلتموه، فتبا لما قدمتم لأنفسكم و سوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون الي رسول الله اذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من امتي». و علت أصوات اولئك العبيد الذين سودوا وجه التاريخ بالبكاء و النحيب، و نادي منهم مناد: هلكتم و ما تعلمون... و استمر الامام في خطابه، فقال: «رحم الله امرأ قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي، في الله و في رسوله و أهل بيته، فان لنا في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اسوة حسنة». فهتفوا أجمعين بلسان واحد: نحن يابن رسول الله، سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين [

صفحه 158] فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك و ظلمنا.

رد الامام عليهم هذا الولاء الكاذب

«هيهات، هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا الي كما أتيتم الي أبي من قبل، كلا و رب الراقصات [224] فان الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس و أهل بيته، و لم ينس ثكل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ثكل أبي، و بني أبي، ان وجده و الله بين لهاتي، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصي تجري في فراش صدري» [225] . و أمسك الامام عن الكلام معرضا عن اولئك الغدرة الفجرة الذين هم وصمة عار علي البشرية، فهم الذين قتلوا ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي جاء ليحررهم، و ينقذهم من ظلم الأمويين و جورهم، و بعد ذلك ندموا، و راحوا يبكون عليه.

الطاغية مع الامام

و ادخلت سبايا آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي قصر الامارة حيث يقيم فيه حاكم الكوفة ابن مرجانة، و قد بصر الطاغية بالامام زين العابدين عليه السلام و قد أنهكته العلة، فسأله قائلا: من أنت؟. قال: علي بن الحسين. [ صفحه 159] فقال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ فأجابه الامام بأناة: «كان لي أخ يسمي عليا قتله الناس، و ان له منكم مطلبا يوم القيامة». فثار ابن زياد في وقاحة وصلف، و صاح بالامام: الله قتله. فأجابه الامام بكل شجاعة و ثبات: «الله يتوفي الأنفس حين موتها [226] ، و ما كان لنفس أن تموت الا باذن الله». و دارت الأرض بابن مرجانة، و أخذته العزة بالاثم، و غاظه أن يتكلم هذا الغلام الأسير بهذه الطاقة و قوة الحجة، و الاستشهاد بالقرآن، و يرد عليه كلامه فصاح به: و بك جرأة علي

رد جوابي!! و فيك بقية للرد علي؟ و صاح الرجس الخبيث بأحد جلاديه: خذ هذا الغلام و اضرب عنقه. ثم التفت الامام لابن زياد و قال: «يابن زياد ابا لموت تهددني و تخوفني؟ ألم تعلم أن الموت لنا عادة، و كرامتنا من الله الشهادة [227] . و طاشت أحلام السيدة زينب حفيدة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و انبرت بشجاعة لا يرهبها سلطان، فاعتنقت الامام، و قالت لابن مرجانة. حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت، و هل أبقيت أحدا غير [ صفحه 160] هذا؟ فان أردت قتله فاقتلني معه. و بهر الطاغية، و قال متعجبا: دعوه لها، يا للرحم ودت أنها تقتل معه. ولو لا هذا الموقف البطولي من العقيلة لقتل الامام زين العابدين و ذهبت البقية من نسل الامام الحسين عليه السلام التي هي مصدر الخير و الشرف في الأرض. و روي الجاحظ في رسائله: أن ابن مرجانة قال لأصحابه في علي ابن الحسين: دعوني أقتله فانه بقية هذا النسل - يعني نسل الحسين - فأحسم به هذا القرن، و اميت به هذا الداء، و أقطع به هذه المادة. الا انهم أشاروا عليه بالامساك عنه معتقدين أن ما ألم به من المرض سوف يقضي عليه [228] .

سبايا آل البيت الي دمشق

و حملت ودائع الرسالة، و عقائل الوحي الي دمشق الشام، و هن في حالة مشجية تذوب من هولها النفوس، و قد خرجت الكوفة بجميع طبقاتها لتوديع سبايا نبيهم، و قد عج الرجال و النساء بالبكاء، و قد استغرب الامام زين العابدين عليه السلام ذلك منهم و راح يقول: «هؤلاء قتلونا، و يبكون علينا»!! و أمر الخبيث الدنس شمر بن ذي الجوشن أن يغل الامام زين العابدين بغل من عنقه فغل، و

اطلق الركب في مسيرته نحو الشام، و يقول المؤرخون: ان الامام زين العابدين عليه السلام لم يتكلم مع [ صفحه 161] الجفاة الذين رافقوه بكلمة واحدة، و لا طلب منهم أي شي ء في طيلة الطريق فقد عرفهم أخباثا لئاما لا يستجيبون لأي أمر يأمرهم به. و سارت القافلة لا تلوي علي شي ء حتي انتهت الي القرب من دمشق، فاقيمت هناك حتي تتزين البلد بمظهر الزهو و الأفراح.

دخولهم الشام، و كلام الشامي مع الامام

و لما تزينت دمشق بأبهي زينة ادخلت سبايا آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم وسط هالة من التهليل و التكبير للنصر الذي أحرزه حفيد أبي سفيان علي حفيد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و انبري شيخ من أهل الشام قد ضللته الدعايات الكاذبة نحو الامام زين العابدين عليه السلام، و قد رفع عقيرته: الحمدلله الذي أهلككم، و أمكن الأمير منكم. و بصر به الامام فرآه مخدوعا، قد خفي عليه الحق، و خدعه الاعلام الأموي فقال له: «يا شيخ، قرأت القرآن»؟ قال: بلي. قال: «أقرأت قوله تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [229] ، و قوله تعالي: (و آت ذالقربي حقه) [230] و قوله تعالي: (و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي)» [231] . [ صفحه 162] و بهر الشيخ فقال بصوت خافت: نعم قرأت ذلك. قال له الامام: «نحن و الله القربي في هذه الآيات، يا شيخ أقرأت قوله تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [232] . قال: بلي. قال: «نحن أهل البيت الذين خصهم الله بالتطهير». و سرت الرعدة في أوصال الشيخ، و تمني أن تكون الأرض

قد وارته و لم يقل ذلك، و قال للامام: بالله عليكم أنتم هم؟ قال: «و حق جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انا لنحن هم من غير شك». و ألقي الشيخ بنفسه علي الامام و هو يوسع يديه تقبيلا، و دموعه تجري علي سحنات وجهه قائلا: أبرأ الي الله ممن قتلكم. و طلب الشيخ من الامام أن يمنحه التوبة، و يعفو عنه، فعفا عليه السلام عنه [233] . ثم رفع الشيخ يديه نحو السماء و قال: رباه تبت اليك قالها ثلاثا، الهي تبت اليك من عداء آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و أبرأ اليك من قتلتهم، و قد قرأت القرآن من قبل فما علمت ذلك [234] . سهل بن سعد الساعدي. و جاء في كامل البهائي و البحار عن سهل بن سعد الساعدي أنه [ صفحه 163] قال: خرجت الي بيت المقدس، فلما توسطت الشام فاذا بمدينة مطردة الأنهار، كثيرة الأشجار، و قد علق أهلها الستور و الحجب و الديباج و هم فرحون مستبشرون، و النساء تلعب بالدفوف و الطبول، فقلت في نفسي: لا أري لأهل الشام عيدا لا نعرفه، فأقبلت علي قوم يتحدثون و قلت لهم: يا قوم، ألكم بالشام عيد لا نعرفه؟ فقالوا: يا شيخ نظنك غريبا. فقلت لهم: أنا صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سهل بن سعد الساعدي، و قد رأيت رسول الله، و سمعت حديثه، فقالوا: يا سهل، ما أعجبك ان السماء لتمطر دما، و الأرض لتنخسف بأهلها، فقلت لهم: و لم ذاك؟ فقالوا: هذا رأس الحسين بن علي يهدي من أرض العراق الي يزيد بن معاوية. فقلت: واعجباه؛

رأس الحسين و الناس يفرحون كما أري، من أي باب يدخل؟ فأشاروا الي باب يقال له باب الساعات. فبينما نحن في الحديث و اذا بالرايات يتلو بعضها بعضا، و فارس بيده رمح منزوع السنان عليه رأس الحسين عليه السلام من أشبه الناس وجها برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و وراءه نسوة علي جمال بغير وطاء فدنوت من اولاهن و قلت: يا جارية، من أنت؟ قالت: أنا سكينة بنت الحسين. فقلت لها: ألك حاجة الي، أنا سهل بن سعد ممن رأي جدك رسول الله؟ قالت: يا سهل، قل لصاحب هذا الرأس يتقدم بالرأس أمامنا حتي [ صفحه 164] يشتغل الناس بالنظر اليه عن النظر الي حرم رسول الله. قال سهل بن سعد: فدنوت من صاحب الرأس و قلت له: هل لك أن تقضي حاجتي و تأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: و ما هي؟ قلت: تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك و دفعت اليه المبلغ. و في رواية ثانية: أن الذي طلب من سهل أن يدفع شيئا الي حامل الرؤوس هو الامام زين العابدين عليه السلام، ثم دعا يزيد بن معاوية أشراف الشام و وجوهها و أجلسهم حوله، و أمر بادخال علي بن الحسين و الرؤوس و السبايا، فأدخلوهم عليه مربطين بالحبال.

الامام في مجلس يزيد

و عمد جلاوزة يزيد الي عقائل الوحي و أطفال الامام الحسين فربطوهم بالحبال كما تربط الأغنام، فكان الحبل في عنق الامام زين العابدين الي عنق عمته زينب، و باقي بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كانوا كلما قصروا عن المشي أوسعوهم ضربا بالسياط، و جاؤوا بهم علي مثل هذه الحالة التي تتصدع من هولها الجبال، فأوقفوهم بين يدي يزيد،

فالتفت اليه الامام زين العابدين فقال له: «ما ظنك بجدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو يرانا علي مثل هذه الحالة؟».. فتهافت الطاغية، و لم يبق أحد في مجلسه الا بكي، و تألم يزيد من ذلك المنظر المفجع، فراح يقول: «قبح الله ابن مرجانة لو كان بينكم و بينه قرابة لما فعل بكم هذا..» ثم أمر الطاغية بالحبال فقطعت، و التفت الي زين العابدين فقال له: [ صفحه 165] «ايه يا علي بن الحسين أبوك الذي قطع رحمي، و جهل حقي، و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت...». فأجابه شبل الحسين بكل هدوء و اطمئنان: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير - لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور) [235] . و تميز الطاغية غضبا، و ذهبت نشوة أفراحه، و تلا قوله تعالي: (و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) [236] ، ورد عليه الامام قائلا: «هذا في حق من ظلم، لا في حق من ظلم..». ثم قال الامام زين العابدين: يا ابن معاوية و هند و صخر لم تنزل النبوة و الامرة الا لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدي علي بن أبي طالب في بدر و احد و الأحزاب في يده راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أبوك و جدك في ايديهما راية الكفار، ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيته لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل

و الثبور، فابشر بالخزي و الندامة اذا اجتمع الناس ليوم الحساب [237] . [ صفحه 166]

خطاب الامام زين العابدين

و أذن يزيد للناس اذنا عاما، و قد ازدحم بهو قصره بمختلف الطبقات، و هم يهنئونه بالنصر الكاذب، و هو جذلان مسرور قد استوسقت له الدنيا، و صفا له الملك، و قد أوعز الي الخطيب أن يعتلي المنبر، و ينال من الامام الحسين، و أبيه الامام أميرالمؤمنين، و صعد الخطيب المنبر، و بالغ في ذم العترة الطاهرة، و أثني ثناء كاذبا علي يزيد و أبيه، فانبري اليه الامام زين العابدين عليه السلام فصاح به: «ويلك أيها المتكلم اشتريت رضاء المخلوق بسخط الخالق. فتبوأ مقعدك من النار...». و اتجه الامام عليه السلام نحو يزيد و قال له: «أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا، و لهؤلاء الجالسين أجر و ثواب». و بهت الحاضرون، و عجبوا من هذا الفتي العليل الذي رد علي الخطيب و الأمير و هو أسير، فرفض يزيد اجابته، و ألح عليه الجالسون بالسماح له، فرد عليهم يزيد قائلا: ان صعد المنبر لم ينزل الا بفضيحتي و فضيحة آل أبي سفيان.. فعجبوا من ذلك، و قالوا له: و ما مقدار ما يحسن هذا العليل؟ انهم لا يعرفون الامام، و حسبوا أنه كبقية الناس، و لكن الطاغية يعرفه فقال لهم: انه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا. [ صفحه 167] و أخذوا يلحون عليه في أن يسمح له في الخطاب، و لم يجد بدا من اجابتهم فسمح له، و اعتلي الامام أعواد المنبر فخطب خطابا رائعا لم يشاهد له التاريخ مثيلا في روعته و بلاغته، و قد أبكي العيون، و اضطرب الجالسون، فقد هيمن علي قلوبهم و مشاعرهم،

و كان من جملة ما قاله: «أيها الناس اعطينا ستا، و فضلنا بسبع: اعطينا العلم و الحلم، و السماحة و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و منا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول، و منا سبطا هذه الامة و سيدا شباب أهل الجنة». و بعد هذه المقدمة التعريفية لاسرته، أخذ عليه السلام في بيان فضائلهم قال: «فمن عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي. أنا ابن مكة و مني. أنا ابن زمزم و الصفا. أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء. أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي. أنا ابن خير من انتعل و احتفي. أنا ابن خير من طاف و سعي. أنا ابن خير من حج و لبي. أنا ابن من حمل علي البراق في الهوا. أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، [ صفحه 168] فسبحان من أسري. أنا ابن من بلغ به جبرئيل الي سدرة المنتهي. أنا ابن من دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني. انا ابن من صلي بملائكة السما. أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أوحي. أنا ابن محمد المصطفي. أنا ابن علي المرتضي. أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا: لا اله الا الله. أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و صلي القبلتين، و قاتل ببدر

و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين و وارث النبيين، و قاطع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكائين، و اصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين، و رسول رب العالمين. أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل. أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفخر من مشي من قريش أجمعين، و أول من أجاب و استجاب لله من المؤمنين، و أقدم السابقين، و قاصم المعتدين، و مبير المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة العابدين. ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و بستان حكمة الله، و عيبة علم الله، سمح، سخي، بهلول، زكي أبطحي، رضي، مرضي، مقدام، همام، [ صفحه 169] صابر، صوام، مهذب قوام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب، أربطهم جنانا، و أطلقهم عنانا، و أجرأهم لسانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة. أسد باسل، و غيث هاطل، يطحنهم في الحروب، و يذرهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، و صاحب الاعجاز، و كبش العراق، الامام بالنص و الاستحقاق، مكي مدني أبطحي، تهامي خيفي عقبي، بدري، احدي، و شجري مهاجري، من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبوالسبطين الحسن و الحسين، مظهر العجائب، و مفرق الكتائب، و الشهاب الثاقب، و النور الثاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كل طالب، غالب كل غالب، ذالك جدي علي بن أبي طالب. أنا ابن فاطمة الزهراء. أنا ابن سيدة النساء. أنا ابن الطهر البتول. أنا ابن بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. أنا ابن المزمل بالدماء. أنا

ابن ذبيح كربلاء. أنا ابن من بكي عليه الجن من الظلماء، و ناحت عليه الطير في الهواء. و لم يزل يقول الامام أنا: حتي ضج الناس بالبكاء، و خشي يزيد من وقوع الفتنة و حدوث ما لا تحمد عقباه، فقد أوجد خطاب الامام انقلابا فكريا، فقد عرف الامام نفسه لأهل الشام، و أحاطهم علما بما كانوا يجهلون، فأوعز يزيد الي المؤذن أن يؤذن ليقطع علي الامام كلامه [ صفحه 170] فصاح المؤذن: الله أكبر. فالتفت اليه الامام فقال له: «كبرت كبيرا لا يقاس، و لا يدرك بالحواس، لا شي ء أكبر من الله»، فلما قال المؤذن: أشهد أن لا اله الا الله. قال علي بن الحسين: «شهد بها شعري و بشري، و لحمي و دمي، و مخي و عظمي» و لما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله. التفت الامام الي يزيد فقال له: «يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت، و ان قلت: انه جدي فلم قتلت عترته». و وجم يزيد، و لم يطق جوابا، فان الرسول العظيم هو جد سيد العابدين، و أما جد يزيد فهو أبوسفيان العدو الأول للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و استبان لأهل الشام أنهم غارقون في الاثم، و أن الحكم الأموي قد جهد في غوايتهم و اضلالهم. لقد اقتصر خطاب الامام علي التعريف بالاسرة النبوية، و ما لها من عظيم الفضل و الشأن عند الله، و ما قامت به من أعمال جهادية في سبيل الاسلام، كما تعرض لما جري عليهم من صنوف القتل و الارهاق، و لم يتعرض لغير ذلك، و فيما أحسب أن الاقتصار علي ذلك من أروع صور

الالتفات، و من أدق أنواع البلاغة فقد كان المجتمع الشامي لا يعرف شيئا عن أهل البيت سوي ما كان يفتعله ضدهم وعاظ السلاطين، فقد غذتهم السلطة و عملاؤها بالعداء لآل البيت و بالولاء لبني امية. [ صفحه 171] و علي أي حال فقد أثر خطاب الامام في أوساط أهل الشام تأثيرا بالغا، و جعل بعضهم يسر الي بعض بدجل الاعلام الأموي، و بالخيبة و الخسران اللذين آلوا اليهما، حتي تغيرت أحوالهم مع يزيد و أخذوا ينظرون اليه بازدراء و احتقار [238] .

الامام مع المنهال

و التقي الامام زين العابدين عليه السلام بالمنهال بن عمر، فبادره قائلا: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فرمقه الامام بطرفه، و قال له: «أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم، و يستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا منها، و أمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأن محمدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشردين، فانا لله و انا اليه راجعون». لقد كان الرسول الأعظم المصدر الأصيل لشرف الامة العربية، فهو الذي خطط لها الحياة الكريمة، و بني لها دولة كانت من أعز دول العالم و أمنعها، فكان جزاؤه أن عمدت قريش التي تفتخر علي العرب بأن محمدا منها الي قتل ذريته، و استئصال شأفتهم، و سبي نسائهم [239] .

اعتذار الطاغية من الامام

و لما كثر الناقمون علي يزيد بقتله لريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم دعا الامام زين العابدين عليه السلام فأبدي له معاذيره، [ صفحه 172] و ألقي المسؤولية علي ابن مرجانة، قائلا: «لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيته اياها، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، ولو بهلاك بعض ولدي، و لكن قضي الله ما رأيت، يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك و انه سيكون في قومك امور فلا تدخل معهم في شي ء» [240] . و أعرض الامام عنه، و لم يجبه بشي ء، فقد عرف واقع اعتذاره، و أنه كان هربا من الجريمة التي اقترفها. و مما لا شك فيه ان يزيد و أعوانه الطغاة قد مثلوا مع الحسين عليه السلام في كربلاء و مع السبايا في الكوفة، و في الطريق و في الشام أقبح تمثيل في الفصول و الأدوار، بنحو لم يعرف

تاريخ العرب له نظيرا من قبل، حتي مع أخس الناس فكيف بآل البيت، و ليس ذلك بغريب علي يزيد الخمرة و الاستهتار، الذي كان شاذا عن كل طغاة العالم و حتي طغاة اسرته الظالمين.

حبر يسأل عن الامام

و كان في مجلس الطاغية يزيد حبر يهودي، و قد اعجب بالامام زين العابدين عليه السلام، فقال ليزيد: من هذا الغلام؟ قال: علي بن الحسين. قال: من الحسين؟ قال: ابن علي بن أبي طالب. [ صفحه 173] قال: من امه؟ قال: بنت محمد. قال: يا سبحان الله!! هذا ابن بنت نبيكم قتلتموه، بئسما خلفتموه في ذريته، فوالله لو ترك نبينا موسي بن عمران فينا سبطا لظننت أنا كنا نعبده من دون ربنا، و أنتم فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم علي ابنه و قتلتموه، سوأة لكم من امة. و غضب الطاغية، و أمر فوجي ء [241] في حلقه، فرفع الحبر عقيرته قائلا: ان شئتم فاقتلوني، فاني وجدت في التوراة من قتل ذرية نبي فلا يزال ملعونا أبدا ما بقي، فاذا مات أصلاه الله نار جهنم. [242] .

الامام مع يزيد

و اجتمع الامام زين العابدين بالطاغية يزيد فعرض عليه أن يطلب منه حاجة، فقال عليه السلام: «اريد منك أن تريني وجه أبي، و أن تعيد علي النساء ما أخذ منهن، ففيها مواريث الآباء و الامهات، و اذا كنت تريد قتلي، فأرسل مع العيال من يؤدي بهن الي المدينة». و انما طلب الامام عليه السلام أن يريه رأس أبيه، و ذلك ليودعه الوداع الأخير، أو ليواريه مع جسده الشريف، و لكن الطاغية لم يجبه الي ذلك فقد أمر أن يطاف به في جميع أنحاء البلاد، و ذلك لاشاعة الذعر و الفزع بين الناس، و حتي يكون عبرة لكل من يحاول الخروج عليه. [ صفحه 174] و أما طلب الامام أن يعيد للنساء ما نهب منهن في يوم العاشر من المحرم، فانه لم يرد بذلك الحلي و الحلل، و انما أراد أن يرد عليهن المواريث النفيسة التي ورثوها من

جدهم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مما هو أثمن من المال. و أطرق الطاغية برأسه الي الأرض يفكر فيما طلبه الامام منه، ثم رفع رأسه، و قال له: أما وجه أبيك فلن تراه، و أما ما اخذ منكم فيرد اليكم، و أما النسوة فلا يردهن غيرك، و قد عفوت عن قتلك [243] .

العودة الي يثرب

و عهد يزيد الي النعمان بن بشير أن يصاحب ودائع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عقائل الرسالة، و يردهن الي يثرب [244] و أمر باخراجهن ليلا خوفا من الفتنة، و اضطراب الأوضاع [245] . و سارت القافلة تطوي البيداء لا تلوي علي شي ء و طلبوا من الدليل المكلف بحراستهن أن يعرج بهن الي كربلاء ليجددوا عهدا بقبر سيدالشهداء عليه السلام، و لما انتهي الي كربلاء هرعت العلويات الي مرقد الامام أبي عبدالله عليه السلام بالصراخ و العويل، و سالت الدموع منهن كل مسيل، و بقين ثلاثة أيام في كربلاء و هن يندبن الامام بأشجي [ صفحه 175] ندبة حتي بحت الأصوات، و تفتتت القلوب. و صرحت بعض المصادر أن الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري قد تشرف بزيارة قبر أبي عبدالله فالتقي به الامام زين العابدين و حدثه عما جري علي أهل البيت من صنوف الرزايا، و أنواع الخطوب، ثم غادروا كربلاء متجهين الي يثرب. و أخذ موكب أهل البيت يجد في السير لا يلوي علي شي ء حتي انتهي الي القرب من يثرب، و قد جللته الأحزان و الآلام، و قد فاضت عيون العلويات بالدموع علي الامام الحسين، و هن يذكرن بمزيد من اللوعة و الأسي ما جري عليهن من ذل الأسر و الهوان [246] . و يروي

أن يزيد بن معاوية خير الامام زين العابدين بين البقاء بالشام و الرجوع الي المدينة فاختار الرجوع اليها، فجهزهم يزيد بن معاوية و أرسل معهم من يتولي ادارة شؤونهم و رعايتهم خلال طريقهم، و طلبوا من الدليل أن يعرج بهم علي كربلاء فأجابهم لذلك. و كان جابر بن عبدالله الأنصاري - الذي فقد بصره و كان يقوده مولي له - و جماعة من بني هاشم قد شدوا الرحال لزيارة الحسين عليه السلام، فوردوا كربلاء قبل وصول السبايا اليها بيوم واحد، و فيما كان جابر بن عبدالله و من معه يجولون بين القبور و اذا بموكب الامام قد أطل عليهم من ناحية الشام، فقال لمولا له: اذهب و أتنا بخبره مسرعا فان كان من أتباع ابن زياد لعلنا نأوي الي ملجأ، و ان كان لعلي بن الحسين و عماته و أخواته فأنت حر لوجه الله. فمضي و ما لبث أن رجع مسرعا و هو يقول: يا جابر، قم و استقبل [ صفحه 176] حرم رسول الله، هذا زين العابدين قد جاء بعماته و أخواته، فقام جابر يمشي حافي القدمين مسرعا حتي دنا من الامام زين العابدين، فوقع عليه يقبله و يبكي فارتج المكان من كثرة البكاء، و قال له الامام عليه السلام: «يا جابر، هاهنا و الله قتلت رجالنا، و ذبحت أطفالنا، و سبيت نساؤنا، و حرقت خيامنا». و قال ابن طاووس في كتابه اللهوف [247] : انهم لما وصلوا الي كربلاء وجدوا جابر بن عبدالله و جماعة من بني هاشم و رجالا من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد أقبلوا لزيارة قبور الحسين و الشهداء من أهله و أصحابه فتلاقوا بالبكاء و العويل و أقاموا المأتم، و اجتمع اليهم من

كان جوار كربلاء من القبائل النازلة علي الفرات، و بعد أيام قلائل مضي الموكب في طريقه الي المدينة كما جاء في المرويات التي وصفت رحلة السبايا من العراق الي الشام، و منها الي الحجاز علي طريق كربلاء [248] .

نعي بشر للامام في المدينة

و لما وصل الامام زين العابدين عليه السلام بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه، و أنزل عماته و أخواته، و التفت الي بشر بن حذلم فقال له: «يا بشر، رحم الله أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر علي شي ء منه؟». فقال له: نعم يا ابن رسول الله، فأمره الامام أن يدخل المدينة [ صفحه 177] و ينعي لأهلها الامام أبي عبدالله الحسين، و انطلق بشر الي المدينة، فلما انتهي الي الجامع النبوي رفع صوته مشفوعا بالبكاء، و هو يقول: يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه علي القناة يدار و هرعت الجماهير نحو الجامع النبوي، و قد علا صراخهم بالبكاء علي الامام عليه السلام، و قد احتفت ببشر تنتظر منه المزيد من الأنباء و هو غارق بالبكاء، فقال لهم: هذا علي بن الحسين مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم، و نزلوا بفنائكم، و أنا رسوله اليكم، اعرفكم مكانه.. و هرعت الجماهير الي استقبال الامام زين العابدين، و قد عجوا بالبكاء و العويل، فكان ذلك - كما وصفه المؤرخون - كاليوم الذي مات فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ازدحموا علي الامام و هم يعزونه بمصابه الأليم، و يشاركونه الأسي و اللوعة [249] .

خطاب الامام زين العابدين

و رأي الامام عليه السلام أن يحدث الناس بما جري عليهم من عظيم الرزايا و النكبات، و لم يكن باستطاعته أن يقوم خطيبا فقد ألمت به الأمراض، و أنهكته الآلام، فجي ء له بكرسي فجلس عليه، فقال: «الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بادي ء الخلق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلي، و قرب [ صفحه 178] فشهد

النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع، و جليل الرزء، و عظيم المصائب الفاظعة، الكاظة، الفادحة، الجائحة. أيها القوم، ان الله تعالي ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبوعبدالله الحسين و عترته، و سبيت نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية. أيها الناس، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله، أم أي فؤاد لا يحزن من أجله، أم أية عين منكم تحبس دمعها، و تضن عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الأرض بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الحيتان في لجج البحار، و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون؟!. أيها الناس، أي قلب لا ينصدع لقتله، أم أي فؤاد لا يحن اليه، أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام و لا يصم؟!. أيها الناس، أصبحنا مشردين، مطرودين، مذودين، شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك و كابل من غير جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ان هذا الا اختلاق، و الله لو أن النبي تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصية بنا لما زادوا علي ما فعلوا بنا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أفجعها، و أكظها، و افظعها و أمرها، و أفدحها، فعنده نحتسب ما أصابنا، فانه عزيز ذو انتقام..». و تعرض الامام في خطابه الي الخطوب السود التي عانتها الأسرة [ صفحه 179] النبوية، و ما جري عليها من النكبات و الظلم الهائل،

فلم تراع فيهم حق النبي صلي الله عليه و آله و سلم [250] . فأثار خطابه الأسي و الحزن في نفوس تلك الجماهير التي احتشدت من حوله، و ارتج المكان بالبكاء و العويل، و أحس المسلمون بمرارة تلك الصدمة العنيفة التي أصابت الاسلام في الصميم، و مشت في أوصالهم الهامدة جذوة جديدة، و في ضمائرهم المشلولة روح النضال و الدفاع عن كرامتهم التي باتت تهددها الأخطار من كل الجهات، و دب الشعور بالاثم في ضمير كل مسلم استطاع نصره فلم ينصره، و سمع دعواته فلم يجبها، و بدأ المجتمع الاسلامي يشهد من حين لآخر تلك الانتفاضات التي كان يقوم بها اولئك الذين دب فيهم الشعور بالاثم و التقصير و أحسوا بأن كرامة كل مسلم قد أصبحت تحت أقدام يزيد بن معاوية و الامويين بعد أن أقدم علي قتل الحسين ريحانة الرسول، و سبي نسائه. فكانت الثورة الاولي من المدينة، و ثم ثورة التوابين و ثورة المختار بن عبيد الثقفي في الكوفة و المسلمين في المدينة و ما حولها علي يزيد بن معاوية خلال سنوات ثلاث مضت علي مقتل الحسين، و كان مقتله يلهب القائمين بها و يدفعهم علي الاستماتة للتكفير عن تخاذلهم عن نصرته و الخضوع للظالمين و أعوانهم، و توالي الثائرون بعد ذلك علي دولة الأمويين بدون انقطاع تقودهم معركة كربلاء بمعانيها السامية الخيرة للتضحية و البذل بسخاء في سبيل ما [ صفحه 180] يرونه حقا حتي تحطمت دولة الأمويين، و قامت دولة العباسيين علي حساب كربلاء و ما جري فيها للحسين و صحبه الكرام، و استمرت الثورات التي تقودها روح كربلاء بدون انقطاع ضد الظلم و الطغيان و الفساد عشرات السنين بل و

مئات السنين الي يومنا هذا فهي الرائدة في الثورات. و دخل الامام زين العابدين المدينة بعد أن أتم خطابه و هو يكفكف دموعه، فرآها موحشة قد خيم علي أهلها الحزن و الأسي، و وجد ديار أهله خالية تنعي سكانها، و انصرف عن شؤون الناس و لم يكن يعنيه شي ء من الدنيا و أهلها، و ظل في السنين الاولي من اقامته يبكي علي أبيه و من استشهد معه من اخوته و بني عمومته حتي عده المحدثون من البكائين و قالوا: بأنه بكي علي أبيه عشرين عاما أو أكثر من ذلك [251] . ثم سار الامام مع عماته و أخواته، و قد احتفت به الجماهير، و قد علا منها البكاء و الصراخ حتي انتهوا الي الجامع النبوي فأخذت عقيلة آل أبي طالب بعضادتي باب الجامع، و جعلت تخاطب جدها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قائلة: يا جداه اني ناعية أخي الحسين. و أقامت السيدات من عقائل الوحي المآتم علي سيدالشهداء، و لبسن السواد، و أخذن يندبنه بأشجي ما تكون الندبة [252] . [ صفحه 181]

حزن الامام علي ابيه

و خلد الامام زين العابدين عليه السلام الي البكاء ليلا و نهارا حزنا علي أبيه و أهل بيته، يقول الامام الصادق عليه السلام: ان جدي علي بن الحسين بكي علي أبيه عشرين سنة، و ما وضع بين يديه طعام الا بكي [253] و عذله بعض مواليه فقال له: اني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. فقال الامام برفق: «يا هذا انما أشكو بثي و حزني الي الله، و أعلم من الله من لا تعلمون، ان يعقوب كان نبيا فغيب الله عنه واحدا من أولاده، و عنده اثنا عشر ولدا، و هو يعلم أنه حي،

فبكي عليه، حتي ابيضت عيناه من الحزن، و اني نظرت الي أبي و اخوتي و عمومتي و سبعة عشر من أهل بيتي، و صحبتي، مقتولين حولي، مجدلين كالأضاحي فكيف ينقضي حزني؟ و اني لا أذكر مصرع ابن فاطمة الا خنقتني العبرة، و اذا نظرت الي عماتي و أخواتي ذكرت فرارهن من خيمة الي خيمة» [254] . و يزداد و جيب الامام، و تتضاعف آلامه حينما كان ينظر الي الماء، فانه كان يذكره بعطش أبيه و أهل بيته، و يقول الرواة: انه كان اذا أخذ ماء ليشرب بكي، فقيل له في ذلك؟ فقال: «كيف لا أبكي، و قد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع و الوحوش» [255] . [ صفحه 182] و جاء في حلية الأولياء [256] بسند ينتهي الي أبي حمزة الثمالي عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه، فقال: «لا تلوموني فان يعقوب النبي فقد سبطا من ولده، فبكي حتي ابيضت عيناه، و قد نظرت الي سبعة عشر رجلا من أهل بيتي قتلي علي رمال كربلاء أفترون حزنهم يذهب من قلبي». و روي ابن شهراشوب [257] ، عن الامام الصادق عليه السلام أنه ما وضع بين يديه طعام الا بكي، فقال له مولي من مواليه: جعلت فداك يا ابن رسول الله اني أخاف أن تكون من الهالكين، فقال: «انما أشكو بثي و حزني الي الله و أعلم من الله ما لا تعلمون [258] ، اني لم أذكر مصارع بني فاطمة الا و خنقتني العبرة». و روي الصدوق في الخصال [259] أنه بكي علي أبيه عشرين سنة و قال له مولاه: أما آن لحزنك أن ينقضي؟! فقال له: «ويحك، ان يعقوب النبي

كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، و شاب رأسه واحد و دب ظهره من الحزن و ابنه حي في دار الدنيا، و أنا نظرت الي أبي و أخي و عمي و سبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني». و قد اشتهر عنه ذلك بين الرواة و بين كل من تعرض لسيرته و تاريخه، و كان مع ذلك لا يترك مناسبة الا و يذكر فيها ما جري لأبيه و اسرته في كربلاء، و أحيانا كان يطلب المناسبة و يبحث عنها ليحدث [ صفحه 183] بما جري علي أهل بيته، فيذهب الي سوق الجزارين في المدينة و يقف معهم يسألهم عما اذا كانوا يسقون الشاة ماء قبل ذبحها، و عندما يسمعهم يقولون: انا لا نذبح حيوانا قبل أن نسقيه ولو قليلا من الماء يبكي و يقول: «لقد ذبح أبوعبدالله غريبا عطشانا»، فيبكون لبكائه حتي ترتفع الأصوات بالنحيب، و يجتمع الناس عليه. و كان اذا رأي غريبا في الطريق دعاه الي ضيافته و طعامه، ثم يبكي و يقول: «لقد قتل أبوعبدالله غريبا جائعا عطشانا في طف كربلا» الي غير ذلك من المواقف التي كان يقفها في السنين الاولي بعد مقتل أبيه ليشحن النفوس بالحقد علي الظالمين و الكراهية ليزيد و دولته و يهيئها للثورة عندما يحين وقتها، و قد ساهمت عمته زينب الكبري في هذا النوع من التحرك السياسي المغلف بهذا اللون من الحزن المثير لعواطف الجماهير و غضبها و نقمتها علي يزيد و حكومته، و خيم علي المدينة جو من القلق ينذر بتفجير الموقف بين حين و آخر، مما دعا عمرو بن سعيد الأشدق بصفته

المسؤول الأول في المدينة ليزيد بن معاوية أن يكتب اليه كتابا يكشف له فيه ما سينجم عن مواقف العقيلة زينب بنت علي عليه السلام من أخطار تحيط به و بعرشه. و مما جاء فيه: ان وجودها بين أهل المدينة يهيج الخواطر، و هي فصحية عاقلة لبيبة و قد عزمت هي و من معها علي الثورة لتأخذ بثأر أخيها الحسين، فكتب اليه في جوابه يأمره بأن يضع حدا لنشاطها، و يفرق بينها و بين الناس [260] . و من المعلوم أن النشاط الذي كانت تقوم به السيدة زينب عليها [ صفحه 184] السلام لم يكن يعدو ترديد تلك المأساة و النوح و البكاء المتواصل الذي ألهب النفوس و هيأها للثورة علي يزيد و حكومته الجائرة التي لم تعد تهاب أحدا بعد قتل الحسين عليه السلام، و استطاع الامام زين العابدين عليه السلام و عمته العقيلة تعبئة النفوس للثورة، و لكنها كانت تبحث عن مبرر للانفجار [261] . [ صفحه 185]

الثورات التي أعقبت مقتل الحسين

ثورة أهل المدينة - واقعة الحرة

روي أن عثمان بن محمد بن أبي سفيان والي المدينة أرسل وفدا من أهل المدينة ليزيد بن معاوية دعما لحكمه، فيهم: عبدالله بن حنظلة الأنصاري المعروف بغسيل الملائكة، و عبدالله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، و المنذر بن الزبير، و رجال من أشراف المدينة، فلما قدموا علي يزيد بن معاوية أكرمهم، و أحسن اليهم، و أعظم جوائزهم، و قد رأوا استهتاره بالدين و الأخلاق و جميع القيم و المقدسات، فلما رجعوا الي المدينة أظهروا شتم يزيد و عيبه، و أعلنوا علي أهل المدينة ما شاهدوه من استهتاره و فسقه و مجونه، و خلعوا طاعته، و كان قتل الحسين من أبرز أسباب النقمة عليه كما يبدو ذلك من المؤرخين

كالمسعودي و غيره، و استغله حتي أعداء العلويين لصالحهم حيث وجدوا النفوس مشحونة بالنقمة و الكراهية ليزيد و اسرته و الحكم الأموي. [ صفحه 186] فقد قال الطبري في تاريخه [262] ، و ابن الاثير في الكامل [263] و ابن كثير في البداية و النهاية [264] : انه لما قتل الحسين عليه السلام في سنة احدي و ستين قام عبدالله بن الزبير في أهل مكة و عظم مقتله، و عاب علي أهل الكوفة خاصة، و لام أهل العراق عامة، و لعن من قتله، و قال: ان أهل العراق أهل غدر و فجور، و ان أهل الكوفة شرار أهل العراق، لقد دعوا حسينا لينصروه و يولوه عليهم، فلما قدم عليهم ثاروا عليه و قالوا له: اما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك الي ابن زياد فيمضي فيك حكمه، و اما أن تحارب، فرأي و الله أنه هو و أصحابه قليل في كثير، و ان كان الله عزوجل لم يطلع علي الغيب أحدا أنه مقتول، و لكنه اختيار الميتة الكريمة علي الحياة الذميمة، فرحم الله حسينا و أخزي قاتل حسين، لقد قتلوه، طويلا بالليل قيامه كثيرا بالنهار صيامه، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء، و لا بالصيام شرب الخمور، يعرض في ذلك بيزيد بن معاوية لعنه الله الي كثير من المواقف التي كان يتظاهر فيها بالحسرة و الألم لقتل الحسين و يحرض فيها علي من أمر بقتله. و مجمل القول ان أهل المدينة بعد أن أوغر صدورهم قتل الحسين عليه السلام، و عبأتهم مواقف الامام السجاد و عمته العقيلة و وفد علي يزيد جماعة منهم، و بالرغم من أنه أكرمهم، و أغدق في عطائهم، و الاحسان اليهم خلعوا بيعته بعد رجوعهم، و

قال عبدالله بن حنظلة: لقد جئتكم من عند رجل لو لم أجد الا بني هؤلاء لقاتلته بهم [ صفحه 187] و قد أعطاني و أكرمني، و ما قبلت عطاءه الا لأتقوي به. و قال المنذر بن الزبير و كان أحد الوافدين علي يزيد بن معاوية: انه قد أجازني بمائة ألف و ما يمنعني ما صنع بي أن أخبركم خبره و أصدقكم عنه، و الله انه ليشرب الخمر، و الله انه ليسكر حتي يدع الصلاة، و انه ليفعل جميع المنكرات، و يستحل المحارم، و تكلم أعضاء الوفد بكلام يشبه بعضه بعضا. و جاء في المجلد الثاني من تاريخ الخميس [265] أن أكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد و أبغضوه لما جري من قتل الحسين و سوء سيرته، و ولوا عليهم عبدالله بن حنظلة، و عبدالله بن مطيع العدوي كما في رواية المسعودي، و طردوا عامله عليها عثمان بن محمد بن أبي سفيان، و حصروا بني امية في دار مروان، ثم أخرجوهم من المدينة و كان ذلك سنه ثلاث و ستين. و جاء في كتاب الفخري [266] لمحمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي: ان أهل المدينة خرجوا علي يزيد بعد مقتل الحسين سنة اثنتين و ستين أي بعد مقتله بسنة واحدة. و فيها كانت واقعة الحرة و هي موضع خارج المدينة، و لما خرج مروان و بنوامية الي الشام تركوا عيالهم في المدينة، فكلم مروان بن الحكم عبدالله بن عمر بأن يترك عياله و حرمه عنده فأبي عليه، فكلم الامام علي بن الحسين فوافق علي ذلك و بقيت عائلة مروان في رعايته الي أن انتهت المعركة، و لما بلغ يزيد ما فعله أهل المدينة أرسل اليهم [ صفحه

188] جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري، و حينما انتهي جيشه الي الحرة خرج أهل المدينة لقتاله بقيادة عبدالله بن حنظلة فاقتتل الطرفان قتالا شديدا كانت الغلبة فيه لجيش الشام، فقدم عبدالله أولاده الثمانية و قتل معهم. و قال المسعودي في مروج الذهب [267] انه قتل في تلك المعركة خلق كثير من الناس من بني هاشم و قريش و الأنصار و غيرهم من سائر الناس، و مضي يقول: فممن قتل من آل أبي طالب اثنان: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب و جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب، و من بني هاشم من غير آل أبي طالب: الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، و حمزة بن عبدالله بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، و العباس بن عتبة بن أبي لهب، و بضع و تسعون رجلا من قريش، و مثلهم من الأنصار، و أربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركهم الاحصاء دون من لم يعرف، و بايع الناس علي أنهم عبيد ليزيد و من أبي ذلك أمرهم مسلم بن عقبة علي السيف غير علي بن الحسين، و علي بن عبدالله بن العباس. و أضاف الي ذلك أن الناس نظروا الي علي بن الحسين السجاد قد لاذ بقبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو يدعو فاتي به الي مسلم بن عقبة و هو مغتاظ فتبرأ منه و من آبائه، فلما رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له و أقعده الي جانبه، ثم قال له: سلني حوائجك، فلم يسأله في أحد ممن قدم الي السيف الا شفعه فيه، ثم انصرف عنه. و في رواية ثانية أنه قال له: لعل أهلك فزعوا؟ فقال له الامام

علي بن الحسين: «اي و الله»، فأمر بدابته فاسرجت، ثم حمله و رده عليها. [ صفحه 189] و قال المسعودي: انه لما انصرف علي بن الحسين عليه السلام قيل له: رأيناك تحرك شفتيك، فما الذي قلت؟ قال: كنت أقول: «اللهم رب السموات السبع و ما أظللن، و الأرضين السبع و ما أقللن [268] ، رب العرش العظيم، رب محمد و آله الطاهرين، أعوذ بك من شره، و أدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره، و تكفيني شره». و قيل لمسلم بن عقبة: رأيناك تسب هذا الغلام و سلفه، فلما اتي به اليك رفعت منزلته، فقال: ما كان لرأي مني، لقد ملي ء قلبي منه رعبا [269] . و مهما كان الحال فلقد سلم علي بن الحسين و أهل بيته من شر مسلم بن عقبة، و سلم كل من التجأ الي بيته من أهل المدينة، و قد اشتهر بين الرواة و المؤرخين أن الذين انضموا الي علي بن الحسين عليه السلام يزيدون علي أربعمائة عائلة. و جاء في ربيع الأبرار للزمخشري [270] انه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة و استباحتها كفل الامام زين العابدين أربعمائة امرأة مع أولادهن و حشمهن، و ضمهن الي عياله، و قام بنفقتهن و اطعامهن الي أن خرج جيش ابن عقبة من المدينة، و قد أقسمت واحدة منهن أنها ما رأت في دار أبيها و امها من الراحة و العيش الهني ء ما رأته في دار علي بن الحسين. و يروي ابن قتيبة [271] أن عدد من قتل من أبناء الأنصار و المهاجرين [ صفحه 190] و الوجوه بلغ ألفا و سبعمائة، و من سائر الناس عشرة آلاف سوي النساء و الأطفال، و

مضي يقول: لقد دخل رجل من جند مسلم بن عقبة علي امرأة نفساء من الأنصار و معها صبي لها فقال: هل من مال؟ فقالت: لا و الله، ما تركوا لنا شيئا. فقال: و الله لتخرجن الي شيئا أو لأقتلنك و صبيك هذا. فقالت له: ويحك انه ولد ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله، فأخذ برجل الصبي و الثدي في فمه فجذبه من حجرها و ضرب به الحائط فانتثر دماغه علي الأرض. و لم يسلم أحد من أهل المدينة نساء و رجالا من جيش أهل الشام خلال المعركة و الأيام الثلاثة التي أباحها مسلم بن عقبة سوي من خرج منها هاربا و من التجأ الي الامام علي بن الحسين عليه السلام. ماذا تقولون ان قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم بعترتي و بأهلي بعد منقلبي منهم اساري و منهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي اذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي [ صفحه 191]

ثورة التوابين

و فيما كان يزيد بن معاوية يتعقب الثائرين في المدينة كان التوابون في الكوفة منذ سنة احدي و ستين يعدون العدة للثورة علي يزيد و أعوانه و قد بدأوا يحسون بمرارة تلك الفاجعة منذ اللحظة الاولي التي وقف فيه الامام زين العابدين موقفه الأليم في جموعهم التي احتشدت في شوارع الكوفة و مداخلها تستقبل الرؤوس و الأسري، و كان مما خاطب به أهل الكوفة: «ايها الناس انشدكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم الي أبي و خدعتموه و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قاتلتموه، فنبأ لما قدمتم لأنفسكم، و سوءة لرأيكم، بأية عين تنظرون الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم

اذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من امتي». قال الرواة: فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية، و قال بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون. و قد رأتهم العقيلة زينب بنت علي عليهماالسلام يبكون و يعولون، فقالت: اي و الله فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها و شنارها فلن ترحضوها بغسل أبدا، و كيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، و سيد شباب أهل الجنة. و يروي أن الشيعة في الكوفة بعد هذه المواقف تلاقوا بالتلاوم و الندم، و خلقت في نفوسهم شعورا بالاثم، و تأنيبا للضمير، و رغبة عارمة في التكفير، و قال قائلهم: دعونا ابن بنت نبينا و قد قتل بيننا فبخلنا [ صفحه 192] عنه بأنفسنا، فلا نحن نصرناه بأيدينا، و لا جادلنا عنه بألسنتنا، و لا قويناه بأموالنا، فما عذرنا عند ربنا و عند لقاء نبينا؟ لا و الله لا حتي أن تقتلوا قاتليه و المؤلبين عليه، أو تقتلوا في طلب ذلك عسي أن يتوب الله علينا. و قال سليمان بن صرد الخزاعي: كنا نمد أعناقنا الي قدوم آل نبينا، و نمنيهم النصر، و نحثهم علي القدوم، فلما قدموا و نينا و عجزنا و انتظرنا ما يكون حتي قتل فينا ولد نبينا و سلالته، و بضعة من لحمه و دمه، ألا انهضوا فقد سخط ربكم و لا ترجعوا الي الحلائل و الأبناء حتي يرضي الله و ما أظنه راضيا حتي تناجزوا من قتله أو تبيدوا، و مضي يقول: ألا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل. و بلغ بأهل الكوفة التذمر و الأسي لقتل الحسين عليه السلام حدا حملهم علي الاقدام، و حمل شعار وجوب

التكفير عن ذنوبهم لعدم نصرتهم الحسين بن علي عليهماالسلام اما بقتل القتلة المجرمين، أو الموت تحت ذلك الشعار، و كان عبدالله بن الأحمر يحرض الناس علي الخروج و القتال في أبيات من شعره: صحوت و ودعت الصبا و الغوانيا و قلت لأصحابي: أجيبوا المناديا و قولوا له اذا قام يدعو: الهدي و قبل الدعاء: لبيك لبيك داعيا ففزعوا الي خمسة رجال من زعماء الشيعة في الكوفة، و انتخبوهم للقياة، و هم: سليمان بن صرد الخزاعي، و المسيب بن نجبة الفزاري، و عبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي، و عبدالله بن وال التميمي، و رفاعة بن شداد البجلي. [ صفحه 193] فخرجوا بالثوار و عسكروا بالنخيلة، ثم ساروا حتي انتهوا الي قرقيسياء من شاطي ء الفرات، و منها الي عين الورد، و كان عبيدالله بن زياد توجه نحو العراق لاخماد الثورة في جيش كبير تعداده ثلاثين ألفا من أهل الشام لمحاربة الثوار الذين لم يبلغوا تعدادهم ربع عدوهم. و كتب سليمان بن صرد الي سعد بن حذيفة بن اليمان و من معه من الشيعة في المدائن، كما كتب الي المثني بن محربة العبدي في البصرة يدعوه الي الأخذ بثأر الحسين، و مضي سليمان بن صرد هو و من معه في الكوفة منذ قتل الحسين يستعدون و يجمعون الأموال و الرجال حتي اجتمع لهم جيش عرف في التاريخ بجيش التوابين، و لم يكتموا أمرهم عن أحد، بل خرجوا يشترون السلاح و لوازم الحرب و هم ينادون من كل جانب: اللهم انا لا نريد الدنيا، و لا لها نعمل، و نريد أن نخرج و انما نريد أن نطلب بدم الحسين، و كانت دعوتهم تتسع يوما بعد يوم حتي دخلت

كل بيت في الكوفة و البصرة و المدائن، و وجدت تجاوبا و اقبالا و بخاصة بعد أن هلك يزيد بن معاوية، و بلغ عدد المبايعين لسليمان بن صرد و رفاقه أكثر من ستة عشر ألفا. و ما أن دخلت سنة 65 حتي كانت صحيتهم «يا لثارات الحسين» تزلزل الأرض تحت بني امية و أعوانهم و شهدتهم الكوفة بأسلحتهم و عتادهم ساعين في أحيائها و شوارعها يدعون الناس للتوبة الي الله مما صنعوه مع الحسين عليه السلام و الخروج معهم لحرب الظالمين. و في ليلة الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس و ستين خرجوا من الكوفة الي قبر الحسين عليه السلام و هم يتلون الآية: (فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند [ صفحه 194] بارئكم). فلما بلغوا القبر الشريف صاحوا صيحة واحدة باكين نادبين، و أقاموا عنده يوما و ليلة و هم يقولون: ربنا انا خذلنا ابن بنت نبينا، فاغفر لنا و تب علينا، و انك أنت التواب الرحيم، و ارحم حسينا و أصحابه الشهداء الصديقين، و انا نشهدك أنا علي مثل ما قتلوا عليه، و ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين. [272] . و غادروا القبر متجهين الي الشام تاركين الكثيرين ممن باشروا القتال في كربلاء وراءهم في الكوفة، و كان مروان بن الحكم بعد أن استولي علي السلطة قد ارسل جيشا من الشام لقمع الثورة في الكوفة بقيادة عبيدالله بن زياد، و خمسة امراء في جيشه، منهم الحصين بن نمير السكوني، و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري، و أدهم بن محرز الباهلي، و ربيعة بن المخارق الغنوي، و جبلة بن عبدالله الخثعمي، في جيش قوامه ثلاثين ألفا فالتقي الفريقان في

مكان يدعي (عين الوردة) [273] و اندفع الثوار كالموج مستبسلين يقابلون تلك الالوف التي زحفت من الشام بقيادة ابن زياد و دارت بينهما معارك طاحنة كادت تقضي علي ابن زياد و جيشه لولا المدد الذي كان يصلهم بين الحين و الآخر، و ظلوا يقاتلون أياما حتي أنهم كسروا أجفان سيوفهم، فقتل معظمهم بعد أن كبدوا الجيش الاموي خسائر عظيمة في الأرواح و العتاد و الأموال. فلما علم من بقي من التوابين أن لا طاقة لهم بمقابلة الجيش العظيم [ صفحه 195] من أهل الشام، انحازوا عنهم، و ارتحلوا، و كان عليهم رفاعة بن شداد البجلي فلحق أهل الكوفة بمصرهم، و أهل المدائن، و أهل البصرة ببلادهم. ذلك يقول أعشي همدان في رثائهم من قصيدة طويلة: فجاءهم جمع من الشام بعده جموع كموج البحر من كل جانب فما برحوا حتي ابيدت جموعهم و لم ينج منهم ثم غير عصائب و غودر أهل الصبر صرعي فاصبحوا تعاورهم ريح الصبا و الجنائب و هكذا مضي التوابون شهداء الندم و التوبة، و تركوا وراءهم الندم ميراثا للأبناء من بعدهم و الأحفاد، يصلي بناره الجيل بعد الجيل. [274] .

ثورة التوابين بقلم العلامة القرشي

في كتابه الامام زين العابدين عليه السلام. و ندمت الشيعة في الكوفة أشد الندم و أقساه علي تركهم نصرة الامام الحسين عليه السلام، فهم الذين كاتبوه، و تضرعوا اليه لينقذهم من جور الأمويين و ظلمهم، حتي اذا استجاب لهم تركوه نهبا للسيوف [ صفحه 196] و الرماح و لم ينبروا لمناصرته و الذب عنه. لقد أخذت الشيعة تتلاوم فيما بينها، و قد شعرت بهول الفاجعة و فداحة الرزء، فأخذوا يفكرون في وسيلة عملية يكفرون بها عن ذنبهم العظيم، فلم يجدوا وسيلة تمحو عنهم الذنب سوي

الاندفاع الي الثورة، و المطالبة بدم الامام الحسين عليه السلام، و قد رفعوا شعارهم المعروف «يا لثارات الحسين...». و قد ألهب هذا الشعار الحماس في نفوس الشيعة، بل و في نفوس الساخطين علي الحكم الأموي، و نعرض - بايجاز - الي هذه الثورة التي تحمل سمة التشيع و التي هي أول ثورة قامت بها الشيعة علي الصعيد الخارجي، و في ما يلي ذلك.

المؤتمر الأول للتوابين

و عقد التوابون أول مؤتمر لهم في منزل الصحابي الجليل شيخ الشيعة سليمان بن صرد الخزاعي، و قد ألقيت في هذا لمؤتمر عدة كلمات من قبل زعماء الحركة أبدوا فيها ندمهم و أسفهم لخذلهم الامام الحسين عليه السلام، و أنهم يستوجبون سخط الله اذا لم يطلبوا بثاره، و كان عدد المجتمعين أكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة و وجهائهم و كان ذلك في سنة احدي و ستين هجرية و هي السنة التي استشهد فيها الامام الحسين عليه السلام [275] . [ صفحه 197]

مقررات المؤتمر

و اتخذ المؤتمرون بالاجماع عدة قرارات بالغة الأهمية، دلت علي نضوج وعيهم السياسي، و هي: أ- انتخاب الزعيم سليمان بن صرد الخزاعي زعيما للحركة، و قائدا عاما للثورة، و قد انيطت به وضع الخطط السياسية و العسكرية، و مراسلة المناطق التي تضم الشيعة في العراق و خارجه. ب - اخفاء الحركة، و التكتم في أمرها، و احاطتها بكثير من السرية خوفا من اطلاع السلطة عليها. ج - جمع الأموال و التبرعات من قبل الشيعة لشراء الأسلحة و المعدات الحربية، و قد تبرع خالد بن سعد بجميع ما يملك، و جعله تحت تصرف الثورة، كما تبرع أبوالمعتمر الكناني بمثل ذلك، و قد عينوا عبدالله بن وال التميمي لجمع الأموال، و شراء الأسلحة بها. د- تحديد وقت الثورة، و اتفق اعضاء المؤتمر علي أن يكون خروجهم في غرة ربيع الآخر سنة (65 ه) و أن السنوات الأربع تكون فترة تأهب و استعداد للثورة. ه - أن تكون النخيلة هي الموطن الذي يجتمعون فيه، و منه تنطلق الثورة علي الأمويين.

اعلان الثورة

و لما حل الوقت المتفق عليه خرج التوابون من الكوفة و كانوا زهاء أربعة آلاف، و تلاقوا في النخيلة، و اجتمعوا و هم بأكمل عدة، و ذلك في [ صفحه 198] سنة (65 ه) و هي السنة التي هلك فيها الطاغية الفاجر يزيد بن معاوية، و قد انطلق الجيش الي قبر الامام الحسين عليه السلام فأقاموا فيه يوما و ليلة، و هم يصلون علي الامام العظيم، و يستغفرون له و يبكون و يتضرعون، و يعلنون ندمهم و توبتهم الي الله من خذلانهم لسبط النبي صلي الله عليه و آله و سلم و ريحانته، ثم انصرفوا عن القبر الشريف،

و هم يؤدون القسم للأخذ بثأره، و كان عبدالله بن عوف الأحمر يهلب نفوس الجيش حماسا بشعره الثوري، و كان يخاطب قطعات الجيش بقوله: فأضحي حسين للرماح دريئة و غودر مسلوبا لدي الطف ثاويا فياليتني اذ ذاك كنت شهدته فضاربت عنه الشانئين الأعاديا سقي الله قبرا ضمن المجد و التقي بغربية الطف الغمام الغواديا و يوجه الشاعر خطابه الي الامة قائلا: فيا أمة تاهت و ضلت سفاهة أنيبوا فأرضوا الواحد المتعاليا و قد ألهب هذا الشعر عواطف التوابين، و دفعهم الي الجهاد لمناجزة قوي البغي و الضلال.

وقعة عين الوردة

و سارت كتائب التوابين تطوي البيداء لا تلوي علي شي ء، و كان يقدمهم عبدالله بن عوف، و هو يرتجز بهذا الرجز: خرجن يلمعن بنا ارسالا عوابسا يحملننا أبطالا نريد أن نلقي بها الاقيالا القاسطين الغدر الضلالا [ صفحه 199] و قد رفضنا الولد و الأموالا و الخفرات البيض و الحجالا نرضي به ذا النعم المفضالا و يمثل هذا الرجز الحماسة، و الاندفاع الشديد الي الحرب الذي كان مسيطرا علي التوابين، و هم في طريقهم الي محاربة الظالمين، الغادرين الضالين و أنهم يرجون من وراء ذلك رضي الله تعالي. و انتهت كتائب التوابين الي عين الوردة فأقامت فيها، و قد زحفت جيوش أهل الشام بقيادة المجرم عبيدالله بن زياد الي محاربتهم، و قد التحمت معها التحاما رهيبا، و جرت بين الفريقين أعنف المعارك، و أشدها ضراوة، و أبدي التوابون من البسالة و الصمود ما يعجز عنه الوصف، و استشهد في تلك المعارك قادة التوابين، كسليمان بن صرد و المسيب بن نجبة، و عبدالله بن سعد و غيرهم، و رأي التوابون أن لا قدرة لهم علي مناجزة أهل الشام،

فتركوا ساحة القتال، و رجعوا في غلس الليل البهيم الي الكوفة، و لم تتعقبهم جيوش أهل الشام، و قد ترك استشهاد القادة من التوابين اللوعة و الأسي في نفوس الشيعة، و قد رثاهم الشاعر الكبير أعشي همدان بقصيدة، ذكر فيها ما أبدوه من البسالة و الصمود أمام جيش أهل الشام، و في ما يلي بعض أبياتها: توجه من دون الثنية سائرا الي ابن زياد في الجموع الكتائب فساروا وهم من بين ملتمس التقي و آخر مما جر بالأمس تائب فلاقوا بعين الوردة الجيش فاضلا عليهم فحيوهم ببيض قواضب فجاءهم جمع من الشام بعده جموع كموج البحر من كل جانب [ صفحه 200] فما برحوا حتي ابيدت جموعهم و لم ينج منهم ثم غير عصائب و غودر أهل الصبر صرعي فأصبحوا تعاورهم ريح الصبا و الجنائب و أضحي الخزاعي الرئيس مجدلا كأن لم يقاتل مرة و يحارب و رأس بني شمخ و فارس قومه جميعا مع التيمي هادي الكتائب و عمرو بن عمرو و ابن بشر و خالد و بكر و زيد و الحليس بن غالب أبوا غير ضرب يفلق الهام وقعة و طعن بأطراف الأسنة صائب فيا خير جيش للعراق و أهله سقيتم روايا كل اسحم ساكب فلا تبعدوا فرساننا و حماتنا اذا البيض أبدت عن خدام الكواعب فان تقتلوا فالقتل أكرم ميتة و كل فتي يوما لاحدي النوائب و ما قتلوا حتي أصابوا عصابة محلين حورا كالليوث الضوارب و رسم أعشي همدان في هذه اللوحة الفنية صورة رائعة عن التوابين، و أنهم صنفان: صنف يلتمس التقي في جهاده، و آخر يريد أن يكفر عن ذنبه، و يتوب الي الله تعالي، و أنهم جميعا أبدوا من البسالة و

الصمود ما يفوق حد الوصف، و أن من سقط منهم صرعي في ميدان القتال فان ريح الصبا و الجنوب تمر علي قبورهم، و هي تحمل لهم التحية و السلام و الرضوان. و يتحدث أعشي همدان باعجاب و اكبار عن زعماء الثورة و قادتها الذين استشهدوا في ساحة الجهاد فيثني عليهم ثناء عاطرا، و يختم تحيته بالدعاء لهم بأن لا يبعدهم الله لأنهم حماة الدار.. ان هذه القصيدة من أروع ما قيل من الشعر في ثورة التوابين. و علي أي حال فان ثورة التوابين قد ملأت قلوب السفكة [ صفحه 201] المجرمين من قتلة الامام الحسين عليه السلام رعبا و فزعا و خوفا، و هيأت الشيعة الي النضال ضد الأمويين. يقول الدكتور يوسف خليف: «و مهما تكن النتيجة التي انتهت اليها ثورة التوابين فان الأمر الذي لا شك فيه هو أنها تعد أشد ثورة قام بها الشيعة بعد مقتل علي حتي ذلك الوقت، و أنها كشفت الرماد عن جذوة التشيع، و أشعلت فيها النار حتي ساعدت في النهاية علي الاطاحة بحكم الأمويين كما أنها كانت - من ناحية اخري - تمهيدا لثورة شيعية خطيرة هي ثورة المختار.

ثورة مكة

ثورة مكة بقيادة عبدالله بن الزبير، الذي كان ينتظر ما يتمخض عنه موقف الامام الحسين عليه السلام. و قد ازدادت النقمة علي الأمويين بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام فانتهزها فرصة و أعلن عن ثورته، و انضم اليه بعض الخوارج و الفارون من المدينة و غيرهم، بيد أن الأمويين بادروا الي محاصرة مكة المكرمة، بقيادة المجرم «الحصين بن نمير السكوني» و ضربوها بالمنجنيق!! مما أثار حفيظة المسلمين، فحظي ابن الزبير منهم بمزيد من الالتفاف حوله و التأييد. و في الوقت الذي كان

الموقف في غاية التأزم وصل الي مكة خبر هلاك يزيد بن معاوية، فتغير الموقف و خف الضغط عن ابن الزبير، فبادر [ صفحه 202] الي بسط سلطانه فاستقطب البصرة، و الكوفة، و مصر، حيث خضعت جميعا لزعامته، و بشكل طوعي تعبيرا عن رفضهم للوجود الأموي. [ صفحه 203]

ثورة المختار

من ألمع الشخصيات العربية و الاسلامية التي عرفها التاريخ هو المختار الثقفي، الذي استطاع بذكائه أن يتغلب علي مجريات الأحداث، و يفجر أعظم ثورة اجتماعية تبنت العدل السياسي، و العدل الاجتماعي معا و تحقيق الفرص المتكافئة بين الناس علي اختلاف قومياتهم، و أديانهم. و من ذكائه المفرط أنه كان يقرأ ما في أعماق النفوس و يخاطب عواطف الناس، و قد استطاع أن يفجر ثورته الكبري، و يجمع حوله القلوب و العواطف، و كان من أدني اشارة يفهم الأحداث، و يحيط بالامور، و قد ذكر المترجمون له نوادر كثيرة من ذكائه. و كان المختار ورعا تقيا محتاطا في دينه كأشد ما يكون، و قد وضع اسس العدل الشامل في حكومته بين الناس، و بالرغم من مشاغله فقد كان يقعد بنفسه للقضاء و الفصل في الخصومات. و أما ولاءه لأهل البيت عليهم السلام فلا يشك فيه أحد، و مما يدل علي ذلك أن مسلم بن عقيل عليه السلام سفير الامام الحسين عليه السلام الي الكوفة لم يستضعف في بيت أحد سواه، و كان يدلي اليه بأسراره. لقد أدخل المختار السرور علي آل النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذي نخر الحزن قلوبهم علي سيدالشهداء و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليه السلام فقد أخذ بثأره من السفكة المجرمين. [ صفحه 204] قال الامام الصادق عليه السلام: «ما امتشطت فينا هاشمية، و

لا اختضبت، حتي بعث الينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام» [276] . لقد احتل المختار كقائد سياسي محنك أعلي مرتبة في المجتمع في عصره، و صار من أبطال التاريخ الذين تبنوا الحق، و رفعوا راية الثورة ضد التخلف و الجمود، و من الطبيعي أن يكثر حاسدوه، و يتهموه بالاتهامات الباطلة أضف الي ذلك اعلام الامويين و من سار في ركابهم. أما اتهامه بأنه ينبي ء عن المغيبات، فمن المؤكد أنه أخبر عن وقوع بعض الأحداث و قد وقعت فعلا، فقد استقي ذلك من التابعي الجليل ميثم التمار تلميذ أميرالمؤمنين عليه السلام و من ألمع حوارييه و الذي أخبره عن كثير من الأحداث التي ستقع علي مسرح الحياة الاسلامية، فقد أسر بها ميثم الي المختار حينما كان معه في سجن الطاغية ابن زياد بالكوفة، و هل في اخباره بذلك اتهام له بالنبوءة؟

ثورته العملاقة

فجر المختار ثورته العملاقة التي استهدفت تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، و الأخذ بثأر الامام أبي الشهداء الحسين عليه السلام، و قد تبني المختار ذلك، و جعله شعارا لثورته، نادي قومه في شوارع الكوفة و أزقتها، بهذا النداء: «يا لثارات الحسين...». [ صفحه 205] دوي هذا النداء المؤثر في سماء الكوفة، فكان كالصاعقة علي الخونة المجرمين من الذين اقترفوا أفظع جريمة سجلها التأريخ الانساني. و لنستمع الي رائعة عبدالله بن همام السلولي شاعر الثورة يحدثنا فيها من التفاف الجماهير و حماسها، و اندفاعها نحو المختار يقول: و في ليلة المختار ما يذهل الفتي و يلهيه عن رؤد الشباب شموع دعا: «يا لثارات الحسين» فأقبلت كتائب من همدان بعد هزيع و من مذحج جاء الرئيس ابن مالك يقود جموعا عبيت بجموع و من أسد وافي يزيد لنصره بكل فتي

حامي الذمار منيع و جاء نعيم خير شيبان كلها بأمر لدي الهيجا أحد جميع و ما ابن شميط اذ يحرض قومه هناك بمخذول و لا بمضيع و لا قيس نهد لا و لا ابن هوازن و كل أخو اخباتة و خشوع [277] . و تحدث ابن همام عن الشعار الذي هتف به المختار في حركته الانقلابية، و هو «يا لثارات الحسين» و قد أثر تأثيرا بالغا في نفوس الشيعة فاستجابوا له، و قد تحدث عن القبائل التي اشتركت في هذا الانقلاب، و ذكر باكبار و اعجاب أسماء القادة الذين ساهموا مساهمة ايجابية و فعالة في هذه الثورة. و علي أي حال فقد نجحت الثورة نجاحا باهرا، و توطدت أركانها، و تولي المختار ادارة شؤون البلاد، و شكل حكومة من أعضاء [ صفحه 206] ثورته و قادة حزبه، و طرد والي عبدالله بن الزبير «الذي استولي علي الكوفة» و أباد جميع قتلة الحسين عليه السلام الذين كانوا بحماية سلطة ابن الزبير في الكوفة، و قد تصدي المختار لغزو أموي عات، فدرأ خطره، و قتل قائده عبيدالله بن زياد في الموصل. بيد أن حكم المختار الثقفي لم يدم طويلا، حيث تفاقم الموقف، و ازداد سوءا بينه و بين قوات ابن الزبير التي زحفت علي الكوفة بقيادة مصعب بن الزبير فاحتلت الكوفة و أسقطت حكومة المختار و صفته جسديا و فكريا.

اهداف الثورة

من الأهداف الأصيلة التي كانت تنشدها الثورة هي المساواة بين العرب و الموالي: فقد حقق المختار المساواة بين العرب و الموالي في كافة الحقوق و الواجبات، و هدم الحواجز التي أوجدتها الحكومة الأموية لتفضيل العرب علي غيرهم، و تخصيصهم بالامتيازات. و يري بعض المستشرقين أن مساواة المختار بين العرب و الموالي قد

خدمت الاسلام، و أتاحت أن ينتشر فيما بعد بين الشعوب غير العربية [278] . و يري فلهوزن أن المختار خليق بالمديح لكونه كان أسبق من [ صفحه 207] غيره في ادراك أن الأحوال القائمة آنذاك لا يمكن أن تبقي كما هي، فقد كان العنصر العربي هو وحده المتمتع بالحقوق المدنية كاملة في الدولة، ولو كان المختار قد حقق هدفه الأصلي لكان منقذ الدولة العربية [279] . و يقول الخرطوبي: ان المختار هو الذي بث روح القوة و الحياة في حزب الموالي، فقد رفع شأنهم، و أنصفهم، و دافع عنهم، و بث فيهم آمالا و طموحا، و عمل علي تحسين أوضاعهم السياسية، و الاجتماعية، و الاقتصادية، و حرص الموالي علي هذه الحقوق طوال العصر الأموي و العباسي [280] ، و من الجدير بالذكر أن الموالي كانوا يشكلون العمود الفقري في حكومة المختار، و قد أسند اليهم الوظائف الرفيعة في دولته، و ولاهم القيادات العامة في جيشه، واثقا باخلاصهم له. دخلت سنة ست و ستين من الهجرة، و خرج المختار في الكوفة، و أعلن ثورته، و دعا الناس للطلب بثارات الحسين عليه السلام، و أظهر الحزن علي ما جري يوم عاشوراء في كربلاء علي أبي عبدالله الحسين و أهل بيته و أصحابه، و ما ارتكبه بني امية بالاشتراك مع أهل الكوفة من الجرائم بحق أهل البيت عليهم السلام و نجح المختار في ثورته، و طرد والي عبدالله بن الزبير، و أباد جميع قتلة الحسين عليه السلام الذين كانوا [ صفحه 208] بحماية سلطة ابن الزبير في الكوفة، كما تصدي المختار لغزو أموي عارم، فدرأ خطره و قتل قائده عبيدالله بن زياد و قواده في ضواحي الموصل. و استمر في ثورته و تتبع قتلة الامام

الحسين عليه السلام و المشركين في حربه و لم ينج منهم الا من فر من الكوفة و التحق بالشام أو بابن الزبير في مكة، و نادي منادي المختار في الكوفة و أنحائها: من أغلق بابه فهو آمن الا من اشترك في قتال آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و كان يوصي أصحابه بأسرهم ليأتوه بهم أحياء فاذا أوقفوهم بين يديه يصنع بهم مثل ما صنعوه مع الحسين و أصحاب الحسين عليه السلام. فزع الخبيث الرجس عمر بن سعد عليه اللعنة من المختار، و صار يترقب دوره ساعة بعد ساعة، و لما أمسي المساء ركب ناقته و ولي منهزما من الكوفة، و اخبر المختار بذلك، فقال: ان في عنقه سلسلة سترده، و قام ابن سعد طيلة الليل علي ناقته تطوف و تدور به في شوارع الكوفة و أزقتها و هو لا يشعر بشي ء، و انتهت عند الصباح الي داره فدخل فيه، فبعث اليه المختار أباعمرة مع جماعة من شرطته فهجموا عليه داره فاحتزوا رأسه، و جاء به الي المختار، و وضعه بين يديه. و كان الي جانبه حفص بن عمر، و قد بعثه أبوه ليطلب له أمانا، فقال له المختار: أتعرف من هذا؟ قال حفص: نعم، و لا خير في العيش بعده. فقال له المختار: و من أنبأك أنك تعيش بعده؟ ثم أمر بقتله و وضع [ صفحه 209] رأسه الي جانب رأس أبيه، فقال المختار: و الله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش، ما وفوا أنملة من أنامله، و انتهت بذلك حياة هذا الرجس الخبيث الخائن، الذي حارب الله و رسوله، و سعي في الأرض فسادا، و قد ظن أنه بقتله للحسين سينعم بملك الري، و

يعيش في رفاهيته، وسعة و امرة، الا أن الله خيب آماله، فقد أخذ ابن زياد منه العهد الذي ولاه فيه الري، و ظل مقيما في ارباض الكوفة، و هو يتلقي التنديد و الاهانة و الاستخفاف من جميع الأوساط حتي ساقه المختار الي جهنم و ساءت مصيرا. و ممن نال العقاب العادل المجرم الممسوخ حرملة بن كاهل الذي قتل عبدالله الرضيع نجل الامام الحسين، فقد ترك هذا الخبيث بجريمته قروحا في قلوب العلويين، فقد روي المنهال بن عمر، قال: دخلت علي علي بن الحسين حال منصرفي من مكة، فقال لي: «يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟...». قلت: تركته حيا بالكوفة... فرفع الامام يديه الي السماء، و راح يدعو بحرارة قائلا: «اللهم أذقه حر الحديد... اللهم أذقه حر النار...». قال المنهال: فلما قدمت الي الكوفة، قصدت المختار، و كان لي صديقا، فسلمت عليه، و رأيته مشغول الفكر، يترقب أمرا و ما هي الا لحظات حتي جي ء بالمجرم حرملة بن كاهل، فأمر باحضار نار، و تقطيع أوصاله و القائها في النار، فكبرت فالتفت المختار الي، و قال: ان التكبير لحسن، لم كبرت؟ فأخبرته بدعاء الامام علي بن الحسين، و عظم ذلك [ صفحه 210] عند المختار، و صام يومه شكرا لله علي استجابة دعاء الامام علي يده [281] . لقد صب المختار وابلا من العذاب الأليم علي رؤوس السفكة المجرمين من قتلة الامام الحسين عليه السلام، و سقاهم كأسا مصبرة، و أسكن بيوتهم الثكل و الحزن و الحداد. كان المختار يتحين الفرصة لتمكينه من المجرم عبيدالله بن زياد، و لما بلغه انه قد سار من الشام في جيش عظيم متوجها الي العراق، بأمر من طاغيته عبدالملك بن مروان،

و بلغ الموصل و استولي عليها، أرسل المختار ابراهيم بن مالك الأشتر علي رأس جيش عقائدي ثائر من فرسان الكوفة و أهل البصائر و التجربة لحرب ابن زياد، و كان جيشه يفوق جيش المختار عدة و عددا الا انه كانت تنقصه الروح المعنوية، و الايمان بالحرب، و قد التحم الجيشان في معركة رهيبة، و ذلك لثمان بقين من شهر ذي الحجة من سنة ست و ستين فالتقيا بمكان يقال له الخازر بالقرب من الموصل، و دارت بين الطرفين معارك لم يعرف التاريخ أشد ضراوة منها، و استمرت الي ظلام الليل و ثبت عبيدالله لابراهيم بن الأشتر و هو لا يعرفه فقتله ابراهيم، و انهزم من بقي من أهل الشام تاركين ألاف القتلي علي شواطي ء نهر الخازر، و كانت المعركة الحاسمة يوم العاشر من المحرم سنة سبع و ستين. [ صفحه 211] خسر الجيش الاموي خسائر فادحة في الأرواح و الأموال و العتاد. و ظن ابراهيم بن الأشتر أنه قد قتل عبيدالله بن زياد بيده، فقال لأصحابه: التمسوا في القتلي رجلا ضربته بالسيف فنفحني منه ريح المسك، شرقت يداه، و غربت رجلاه علي شاطي ء النهر، فالتمسوه فاذا هو عبيدالله بن زياد و قد قطعته ضربة ابن الأشتر نصفين فقطعوا رأسه و أرسلوه الي المختار فأرسله المختار الي علي بن الحسين في المدينة فادخل الرأس عليه و هو يتغدي، فقال: «يا سبحان الله، لقد أدخل رأس أبي علي صاحب هذا الرأس و هو يتغدي» [282] كما جاء في رواية ابن سعد في الطبقات، و رواية ابن عبدالبر في الاستيعاب. و رفع رسول المختار عقيرته و نادي: يا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مهبط الملائكة، و منزل الوحي، أنا رسول المختار بن

أبي عبيدة و معي رأس عبيدالله بن زياد.. و لم تبق علوية في دور بني هاشم الا صرخت فقد تذكرت ما اقترفه ابن مرجانة من الجرائم تجاه أهل بيت النبوة و عقائل الوحي، و لما رأي الامام رأس الطاغية سجد لله شكرا، و قال: «الحمد لله الذي لم يمتني حتي أنجز ما وعد، و أدرك ثاري من عدوي...» و التفت الامام الي الحاضرين، فقال لهم: [ صفحه 212] «سبحان الله!! ما اغتر بالدنيا الا من ليس لله في عنقه نعمة، لقد أدخل رأس أبي عبدالله علي ابن زياد، و هو يتغدي...». و روي الكشي في كتابه عن عمر بن علي بن الحسين عليه السلام أنه لما أرسل المختار رأس عبيدالله بن زياد و رأس عمر بن سعد الي علي بن الحسين خر ساجدا و قال: «الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي، و جزي الله المختار خيرا» [283] . و جاء عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: ما اكتحلت هاشمية و لا اختضبت و لا رؤي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتي قتل عبيدالله بن زياد. [284] . و قد حصد البطل ابراهيم الأشتر بسيفه رأس الكفر و الضلال ابن مرجانة، و قتل الحصين بن نمير، كما قتل أكثر القادة العسكريين من أهل الشام مثل شرحبيل بن ذي الطلاع، و ابن حوشب، و غالب الباهلي، و عبدالله بن أياس السلمي و أبوالأسرش الذي كان علي خراسان. و طلب المختار فيمن طلبهم من قتلة الحسين و المشتركين في معركة كربلاء محمد بن الأشعث و كان في قرية له خارج الكوفة، فلما أحس بالطلب خرج من قصره متخفيا و التحق بمصعب بن الزبير كغيره ممن فروا من الكوفة، فهدم المختار داره و بني بأحجارها و

طينها دار حجر بن عدي الكندي و كان قد هدمها زياد بن أبيه فيما هدمه من [ صفحه 213] دور الشيعة في الكوفة يوم كان فيها واليا لمعاوية. بيد أن حكم المختار الثقفي لم يدم طويلا، حيث تفاقم الموقف سوء بهجوم قوات ابن الزبير بقيادة مصعب بن الزبير الذي زحف علي الكوفة و احتلها و أسقط حكومة المختار و صفاه مع قواده جسديا. و روي ابن الأثير أن ابن الزبير قال لابن عباس: ألم يبلغك قتل الكذاب؟ قال: و من الكذاب؟ قال: ابن أبي عبيد. قال: لقد بلغني قتل المختار. قال: كأنك أنكرت تسميته كذابا! قال: ذاك رجل قتل قتلتنا، و طلب ثارنا، شفي غليل صدورنا، و ليس جزاؤه الشتم و الشماتة [285] . [ صفحه 214]

ثورة زيد بن علي

الارشاد للشيخ المفيد: كان زيد بن علي بن الحسين عليه السلام عين اخوته بعد أبي جعفر عليه السلام، و أفضلهم، و كان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا، و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، و يطلب بثارات الحسين عليه السلام. أخبرني الشريف أبومحمد الحسن بن محمد، عن جده، عن الحسن بن يحيي، عن الحسن بن الحسين، عن يحيي بن مساور، عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال: قدمت المدينة، فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي: ذاك حليف القرآن. و روي هشيم قال: سألت خالد بن صفوان، عن زيد بن علي و كان يحدثنا عنه فقلت: أين لقيته؟ قال: بالرصافة. فقلت: أي رجل كان؟ قال: كان ما علمت يبكي من خشية الله حتي تختلط دموعه بمخاطه. و اعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة، و كان سبب اعتقادهم ذلك فيه، خروجه بالسيف يدعو الي الرضا من آل بيت محمد، فظنوه يريد بذلك نفسه، و

لم يكن يريدها به، لمعرفته باستحقاق أخيه الامامة من قبله، و وصيته عند وفاته الي أبي عبدالله عليه السلام. و كان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين رضي الله [ صفحه 215] عنه بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام أنه دخل علي هشام بن عبدالملك، و قد جمع له هشام أهل الشام و أمر أن يتضايقوا في المجلس حتي لا يتمكن من الوصول الي قربه، فقال له زيد: انه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوي الله، و لا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوي الله، و أنا اوصيك بتقوي الله فاتقه. فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة، الراجي لها؟ و ما أنت و ذاك لا ام لك و انما أنت ابن أمة. فقال له زيد: اني لا أعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه و هو ابن أمة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهي غاية لم يبعث، و هو اسماعيل بن ابراهيم عليهماالسلام، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ و بعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو ابن علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فوثب هشام من مجلسه و دعا قهرمانه و قال: لا يبيتن هذا في عسكري، فخرج زيد و هو يقول: انه لم يكره قوم قط حر السيف الا ذلوا، فلما وصل الي الكوفة اجتمع اليه أهلها، فلم يزالوا به حتي بايعوه علي الحرب، ثم نقضوا بيعته و أسلموه، فقتل عليه السلام و صلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم، و لا يغير ذلك بيد و لا بلسان. و لما قتل بلغ ذلك

من أبي عبدالله الصادق عليه السلام كل مبلغ، و حزن له حزنا عظيما، حتي بان عليه، و فرق من ماله في عيال من اصيب معه من أصحابه ألف دينار. و روي ذلك أبوخالد الواسطي قال: سلم الي أبوعبدالله ألف [ صفحه 216] دينار و أمرني أن اقسمها في عيال من اصيب مع زيد. و كان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين و مائة، و كان عمره يوم قتل اثنين و أربعين سنة [286] .

نبذة عن حياة الشهيد زيد بن علي بن الحسين

كشف الغمة: من كتاب الدلائل للحميري، عن جابر قال: سمعت أباجعفر الباقر عليه السلام يقول: «لا يخرج علي هشام أحد الا قتله» فقلنا لزيد هذه المقالة، فقال: اني شهدت هشاما و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يسب عنده، فلم ينكر ذلك و لم يغيره فوالله لو لم يكن الا أنا و آخر لخرجت عليه [287] . كفاية الأثر: باسناده عن يحيي بن زيد قال: سألت أبي عليه السلام عن الأئمة؟ فقال: الأئمة اثنا عشر؛ أربعة من الماضين، و ثمانية من الباقين. قلت: فسمهم يا أبه. قال: أما الماضين، فعلي بن أبي طالب، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين عليهم السلام، و من الباقين أخي محمد الباقر، و بعده جعفر الصادق ابنه، و بعده موسي ابنه، و بعده علي ابنه، و بعده محمد ابنه، و بعده علي ابنه و بعده الحسن ابنه، و بعده المهدي ابنه. [ صفحه 217] فقلت له: يا أبه، ألست منهم؟ قال: لا و لكني من العترة. قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟ قال: عهد معهود عهده الينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... فأقول في ذلك و بالله التوفيق: ان زيد

بن علي عليهماالسلام، خرج علي سبيل الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، لا علي سبيل المخالفة لابن أخيه الامام جعفر بن محمد عليهماالسلام، و انما وقع الخلاف من جهة الناس، و ذلك ان زيد بن علي عليه السلام لما خرج و لم يخرج الامام جعفر بن محمد عليه السلام، توهم قوم من الشيعة ان امتناع الامام جعفر كان للمخالفة، و انما كان لضرب من التدبير، فلما رأي الذين صاروا للزيدية سلفا ذلك، قالوا: ليس الامام من جلس في بيته، و أغلق بابه، و أرخي ستره، و انما الامام من خرج بسيفه يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، فهذا سبب وقوع الخلاف بين الشيعة. و أما الامام جعفر و زيد عليهماالسلام فما كان بينهما خلاف، و الدليل علي صحة قولنا قول زيد بن علي عليهم السلام: من أراد الجهاد فالي، و من أراد العلم فالي ابن أخي جعفر، ولو أدعي الامامة لنفسه، لم ينف كمال العلم عن نفسه، اذ الامام أعلم من الرعية، و من مشهور قول الامام جعفر بن محمد عليه السلام: رحم الله عمي زيدا، لو ظفر لوفي، انما دعا الي الرضا من آل محمد، و أنا الرضا [288] . [ صفحه 218]

ثورة الحسين بن علي - واقعة فخ

كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لما هلك أبي جعفر المنصور العباسي خلف موسي الهادي، و قد ولي موسي الهادي اسحاق بن عيسي بن علي علي المدينة، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبدالعزيز بن عبدالله، فحمل علي الطالبيين و أساء اليهم، و أفرط في التحامل عليهم و اذلالهم، و فرض عليهم الاقامة الجبرية و استعراضهم كل يوم، و أخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه

و نسيبه، فضمن الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله بن الحسن، و الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، و غيرهم. وافي أوائل الحاج و قدم وفد من الشيعة نحوا من سبعين رجلا، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع و اقاموا بها، و اجتمعوا بالحسين بن علي و غيره من الطالبيين، فبلغ ذلك العمري فأنكره، و كان قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبدالله، و ابن جندب الهذلي الشاعر، و مولي لعمر بن الخطاب، و هم مجتمعون في دار، فألصق اليهم التهمة و أشاع انهم كانوا علي شراب، فضرب الحسن ثمانين سوطا، و ضرب ابن جندب خمسة عشر سوطا، و ضرب مولي عمر سبعة أسواط، و أمر بأن يدار بهم في أسواق المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم، فبعثت اليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبدالله فقالت له: لا و لا كرامة، لا تشهر أحدا من بني هاشم و تشنع عليهم و أنت ظالم، فكف عن ذلك [ صفحه 219] و خلي سبيلهم. نرجع بالحديث الي نهضة الحسين بن علي، قالوا: فلما اجتمع النفر من الشيعة في دار ابن أفلح أغلظ العمري عليهم، و ولي علي الطالبيين رجلا يعرف بأبي بكر بن عيسي الحائك مولي الأنصار، فعرضهم يوم الجمعة فلم يأذن لهم بالانصراف الي العصر، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر، فقال ليحيي و الحسين بن علي: لتأتياني به أو لاحبسكما فان له ثلاثة أيام لم يحضر العرض، فاعترضه يحيي و شتمه، و خرج ابن الحائك هذا فدخل علي العمري فأخبره، فدعا بهما فوبخهما و تهدرهما، فتضاحك الحسين في وجهه و قال: أنت مغضب يا اباحفص فقال له العمري: أتهزأ بي و تخاطبني بكنيتي؟!.. فقال له: قد

كان أبوبكر و عمر، و هما خير منك يخاطبان بالكني فلا ينكران ذلك، و أنت تكره الكنية و تريد المخاطبة بالولاية؟!!. فقال له: آخر قولك شر من أوله، فقال: معاذ الله، يأبي الله لي ذلك و من أنا منه. فقال له: أفأنما أدخلتك الي لتفاخرني و توذيني؟ فغضب يحيي بن عبدالله و قال له: فلما تريد منا؟. فقال: اريد أن تأتياني بالحسن بن محمد. فقال له: لا نقدر عليه، هو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث الي آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا، ثم أعرضهم رجلا رجلا فان لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا، فحلف علي الحسين بطلاق امرأته و حرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو [ صفحه 220] يجيئه به في باقي يومه و ليلته، و انه ان لم يجي ء به ليركبن الي سويقه فيخربها و يحرقها، و ليضربن الحسين ألف سوط، و حلف بهذه اليمين ان وقعت عينه علي الحسن بن علي ليقتله من ساعته. فوثب يحيي بن عبدالله مغضبا و قال له: أنا أعطي الله عهدا، و كل مملوك لي حر ان ذقت الليلة نوما حتي آتيك بالحسن بن محمد، أو لا أجده، فاضرب عليك بابك حتي تعلم أني قد جئتك، و خرجا من عنده و هما مغضبان، و هو مغضب أيضا. فقال الحسين ليحيي بن عبدالله: بئس لعمر الله ما صنعت حين حلفت لتأتينه به، و أين نجد الحسن؟. قال له يحيي: لم أرد أن آتيه بالحسن و الله، و الا فأنا نفي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من علي عليه السلام بل أردت ان دخل

عيني نوم حتي أضرب عليه بابه و معي سيفي، ان قدرت عليه قتلته. فقال له الحسين: بئسما تصنع تكسر علينا أمرنا. قال له يحيي: و كيف أكسر عليك أمرك، و انما بيني و بين ذلك عشرة ايام حتي تسير الي مكة، فوجه الحسين الي الحسن بن محمد فقال: يابن عمي، قد بلغك ما كان بيني و بين هذا الفاسق، فامضي حيث أحببت. فقال الحسن: لا و الله يابن عمي، بل اجيي ء معك الساعة حتي أضع يدي في يده. فقال له الحسين: و لكن أقيك بنفسي لعل الله أن يقيني من النار. فاجتمع يحيي بن عبدالله، و سليمان، و ادريس، بنوعبدالله بن [ صفحه 221] الحسن و عبدالله بن الأفطس، و ابراهيم بن اسماعيل طباطبا، و عمر بن الحسن بن علي بن الحسن، و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن المثني، و عبدالله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، و وجهوا الي فتيانهم و مواليهم، فاجتمعوا ستة و عشرين رجلا من ولد علي، و عشرة من شيعتهم من الحاج، و نفر من الموالي. فلما أذن المؤذن للصبح دخلوا المسجد - مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - ثم نادوا: «أحد، أحد» و صعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال للمؤذن: أذن «بحي علي خير العمل»، فلما نظر المؤذن الي السيف بيد عبدالله بن الحسن الأفطس أذن بها و سمعه العمري فأحس بالخطر و دهش، و صاح: اغلقوا الباب و اطعموني حبتي ماء، ثم اقتحم الي دار عمر بن الخطاب و خرج من الزقاق الخلفي، ثم مضي هاربا علي

وجهه يسعي و يضرط [289] حتي نجا. فصلي الحسين بن علي بالناس الصبح، و دعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن بن عبدالله اليه، و دعي بالحسن و قال للشهود: هذا الحسن بن محمد قد جئت به فهاتوا العمري و الا و الله خرجت من يميني و مما علي، و لم يتخلف عنه أحد من الطالبيين الا الحسن بن جعفر بن الحسن المثني فانه استعفاه فلم يكرهه، و موسي بن جعفر بن محمد، فقد جاء الحسين بن علي «صاحب فخ» في عتمة الليل و قال له: احب أن تجعلني في سعة و حل من [ صفحه 222] تخلفي عنك، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه، ثم رفع رأسه اليه فقال: أنت في سعة. نرجع بالحديث الي حيث انتهي. و خطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة فحمد الله و أثني عليه، و قال: أنا ابن رسول الله، علي منبر رسول الله، و في حرم رسول الله، أدعوكم الي سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أيها الناس، أتطلبون آثار رسول الله في الحجر و العود، و تتمسحون بذلك، و تضيعون بضعة منه؟ فجعل الناس يأتونه و يبايعونه علي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و للرضا من آل محمد. قالوا: و أقبل خالد البربري و كان علي مسلحة للسلطان بالمدينة و كان قائدا علي مائتين من الجند المقيمين بالمدينة، و أقبل معه العمري و وزير ابن اسحاق الأزرق، و محمد بن واقد الشروي، و معهم ناس كثيرون حتي وافوا باب المسجد الذي يقال له: باب جبرائيل و اقتحم خالد الرحبة مصلتا سيفه، و

هو يصيح بالحسين بن علي، أنا كسكاس، قتلني الله ان لم أقتلك، و حمل عليهم حتي دنا منهم فقام، اليه أبناء عبدالله بن الحسن يحيي و ادريس، فأراد خالد أن ينزل فبدره يحيي فضربه علي جبينه، و عليه البيضة و المغفرة و القلنسوة، فقطع ذلك كله و اطار قحف رأسه و سقط عن دابته، و حمل علي أصحابه فتفرفوا و انهزموا. و قدم في تلك السنة مبارك التركي [290] يريد الحج فبدأ بالمدينة، [ صفحه 223] فبلغه نهضة الحسين فبعث اليه في الليل: اني ما احب أن تبتلي بي و لا أبتلي بك، فابعث الليلة الي نفرا من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتي أنهزم و أعتل بالبيات، ففعل ذلك الحسين، و وجه عشرة من أصحابه مسلحين فجعجعوا بمبارك و صيحوا في نواحي عسكره، فطلب دليلا يأخذ به غير الطريق، فوجده فمضي حتي انتهي به الي مكة. كما قدم في تلك السنة بعض الامراء من العباسيين بعثهم موسي الهادي؛ منهم: العباس بن محمد، و سليمان بن أبي جعفر، و موسي بن عيسي، و التحق مبارك بهم، و اعتل عليهم بالبيات. و من جهة اخري خرج الحسين بن علي قاصدا مكة و معه من تبعه من أهله و مواليه، و أصحابه و هم زهاء ثلاثمائة رجل، و استخلف علي المدينة دينار الخزاعي بعد أحد عشر يوما من ثورته، فلما قربوا من مكة علي بعد ستة أميال منها في مكان يسمي «بفخ و بلدح» تلقتهم جيوش العباسيين، فعرض العباس بن محمد العباسي علي الحسين بن علي الأمان و العفو و الصلة، فأبي ذلك أشد الاباء لعلمه بغدرهم. فلما رأي الحسين بن علي سواد الناس، أقعد رجلا علي جمل،

بيده سيف يلوح به و ينادي، يا معشر الناس، هذا الحسين بن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه، يدعوكم الي كتاب الله، و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و علي أن يطاع الله و لا يعصي، و يدعوكم الي الرضا من آل محمد و علي، و أن يعمل فيكم بكتاب الله و سنة رسوله، و العدل في الرعية، و القسم بالسوية، و علي أن تقيموا معنا [ صفحه 224] و تجاهدوا عدونا فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم. نرجع بالحديث الي حيث انتهي بفخ. قال الراوي: التقت جيوش العباسيين بالحسين بن علي و أصحابه «بفخ» بقيادة العباس بن محمد، و موسي بن عيسي، و جعفر و محمد أبناء سليمان، و مبارك التركي، و غيرهم، فالتقوا في يوم التروية، «الثامن من ذي الحجة من سنة 159 ه وقت صلاة الصبح، فأمر موسي بن عيسي بالتعبئة، فكان أول من بدأهم بالقتال موسي بن عيسي، فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئا - أي تراجع - حتي انحدروا في الوادي، و حمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم، فطحنهم طحنة واحدة حتي قتل أكثر أصحاب الحسين بن علي، بعد معركة ضارية أبلوا بها بلاء حسنا، و قتلوا من جيش العباسي مقتلة عظيمة، حتي جعلت المسودة - أي سائر الجنود - تصيح و تنادي للحسين: يا حسين، لك الأمان فيقول: لا أمان لكم لا اريد أمانكم، و هو يحمل عليهم حتي قتل، و قتل معه سليمان بن عبدالله بن الحسن، و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن، و أصيب الحسن

بن محمد بنشابة في عينه و تركها في عينه، و جعل يقاتل أشد القتال، فناداه محمد بن سليمان العباسي: يابن خال، أتق الله في نفسك و لك الأمان. فقال: و الله ما لكم أمان و لكني أقبل منكم، ثم كسر سيفا هنديا كان في يده، و دخل عليهم، فصاح العباس بن محمد بابنه عبدالله: قتلك الله ان لم تقتله، أبعد تسع جراحات تنتظر هذا؟ فقال له موسي بن عيسي: [ صفحه 225] اي و الله عاجلوه! فحمل عليه عبيدالله فطعنه، و ضرب العباس بن محمد عنقه بيده فقتله صبرا، و نشبت الحرب بين العباس بن محمد و بين محمد بن سليمان و قال: آمنت ابن خالي فقتلتموه فقالوا له: نحن نعطيك رجلا من العشيرة تقتله مكانه. و بقيت جثث القتلي من آل الرسول ثلاثة أيام لم تواري حتي مزقتها وحوش البر، و عقبان الفضاء، فانا لله و انا اليه راجعون. و انهزم بعضا منهم، و نجا بنفسه، و بعد انتهاء الوقعة، نودي فيهم بالأمان، و لم يتبع الهارب منهم، و كان فيمن هرب يحيي و ادريس أبناء عبدالله بن الحسن، فأما ادريس فلحق بتاهرت من بلاد المغرب، فلجأ اليهم فأعظموه، فلم يزل عندهم الي أن احتيل عليه فهلك، فخلفه ابنه ادريس بن ادريس، و أسس دولة الأدارسة في المغرب فهم الي اليوم بتلك الناحية مالكين لها. و لما علم العمري بقتل الحسين بن علي بفخ و هو بالمدينة عمد الي داره و دور الطالبيين و أمر بنهبها و احراقها، و هذا عمل الجبناء الأنذال. في تاريخ الطبري: عن المفضل بن سليمان قال: لما بلغ العمري و هو بالمدينة مقتل الحسين بن علي بفخ، و ثب

علي دار الحسين و دور جماعته و أهل بيته و غيرهم ممن خرج مع الحسين، فهدمها و أحرق النخل، و قبض مالم يحرقه و جعله في الصوافي و المقبوضة. يروي ان موسي بن عيسي تهيأ للمسير الي الحسين بن علي صاحب فخ فسار حتي أتي بستان بني عامر فنزل فأمر بعض جواسيسه [ صفحه 226] و قال لأحدهم اذهب الي عسكر الحسين حتي تراه و تخبرني بكل ما رأيت. قال: فمضيت فطفت حول معسكره و درت فما رأيت ظللا و لا فللا، و لا رأيت الا مصليا أو مبتهلا، أو ناظرا في مصحف، أو معدا للسلاح قال: فجئته فقلت: ما أظن القوم الا منصورين. فقال: و كيف ذاك يابن الفاعلة؟ فأخبرته فضرب يدا علي يد و بكي حتي ظننت انه سينصرف ثم قال: هم و الله اكرم عند الله، و احق بما في ايدينا منا، و لكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر «يعني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» نازعنا الملك لضربنا خيشومه بالسيف، ثم صاح يا غلام، أضرب بطبلك، ثم سار اليهم، فوالله ما انثني عن قتلهم. ذكر أبوالفرج في مقاتل الطالبيين: روي عن نصر الخفاف، قال: أصابتني ضربة و أنا مع الحسين بن علي صاحب فخ فبرت اللحم و العظم، فبت ليلتي أعوي منها، و أنا خائف أن يسمعوا صوتي فيأخذوني فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قد جاء فأخذ عظما فوضعه علي عضدي، فأصبحت و ما أجد من الوجع قليلا و لا كثيرا. كما ذكر هذه الرواية عن عمر بن مساور الأهوازي، قال: أخبرني جماعة من موالي محمد بن سليمان: انه لما حضرته الوفاة

جعلوا يلقنونه الشهادة و هو يقول: ألا ليت امي لم تلدني و لم أكن لقيت حسينا يوم فخ و لا حسن فجعل يرددها حتي هلك. [ صفحه 227] و مما رثي بن الحسين بن علي صاحب فخ عيسي بن عبدالله فلأبكين علي الحسين بعولة و علي الحسن و علي ابن عاتكة الذي أثووه ليس بذي كفن تركوا بفخ غدوة في غير منزلة الوطن كانوا كراما فانقضوا لا طائشين و لا جبن غسلوا المذلة عنهم غسل الثياب من الدرن هدي العباد بجدهم فلهم علي الناس المنن و قيل: قوم كرام سادة منهم و من هم ثم من و أنشد موسي بن داود السلمي لأبيه يرثي شهداء فخ: يا عين أبكي بدمع منك منهمر فقد رأيت الذي لاقي بنوحسن صرعي بفخ تجر الريح فوقهم أذيالها و غوادي الدلج المزن حتي عفت أعظم لو كان شاهدها محمد ذب عنها ثم لم تهن ماذا يقولون و الماضون قبلهم علي العداوة و البغضاء و الاحن ماذا يقولون ان قال النبي لهم: ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن؟ [ صفحه 228] لا الناس من مضر حاموا و لا غضبوا و لا ربيعة و الأحياء من يمن يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرما و قد رعي الفيل حق البيت ذي الركن [291] .

الشيعة أيام السجاد

ظهر ابن الزبير بمكة و استتب له الأمر في الجزيرة تسع سنين. فاشتغل الامويون بابن الزبير و ابن الزبير بالامويين، و زين العابدين في عزلة عن هذا التطاحن الدنيوي، و انصرف شطرا من الناس الي العلم، و شطرا الي السياسة، و أصبح لكل من أمري السياسة و العلم شأن في البلاد، و تكاد أن تنفصل كل طائفة عن الاخري، و ابتدأ في

هذا العهد ارتكاز العلم علي القواعد و الاصول، و ابتدأت المناظرات و المحاججات، و المذاهب و الطرائق. و كانت الشيعة ترجع الي زين العابدين في ذلك الانعزال و الوحدة و نصبه للمأتم الدائم علي أبيه عليه السلام، و تلك هي السياسة الالهية التي اختطها أبومحمد عليه السلام لنفسه خدمة للشريعة، فان الناس أشغلها التضارب علي الملك فوجدها فرصة لابداء مظلومية سيدالشهداء، فكان بكاؤه المستمر علي شهيد الظلم أكبر ذريعة لاحقاق [ صفحه 229] الحق، و ابطال شعائر دول الجور، و انصرافه عن السياسة و أهلها لتوارد الناس عليه دون أن يؤخذوا بذاك. أذهلت حادثة الطف الناس كلهم و ما كان يحسبون ان تلك الفئة الغاشمة الاموية يبلغ بها العتو الي ما كان ولاء الناس في الطاعة لهم و الارتكاب من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي ما وقع، فندم شطر من اولئك المحاربين، و طلبوا من زين العابدين النهوض بهم الي الانتقام من بني امية فأبي عليهم أشد الاباء، و أسف من تخلف من الشيعة عن الالتحاق بالحسين و عن القتل بين يديه، و ما علموا ان الناس يبلغون منهم ذلك الفعل الشنيع، و أصبحوا علي حزن عميق بين نادم و آسف، و هذا العامل دفع الناس للثورة علي الطاغية يزيد و وقوع حادثة الحرة، فان كارثة كربلاء لم تبق هوي لأكثر الناس في آل أبي سفيان، هذا فوق ما كان عليه يزيد من الخلاعة و التهتك و الطيش. فالشيعة بالعراقين و الحرمين في هذه الفترة قد خف الضغط عليهم حيث لم يتفرغ ابن الزبير لمقاومتهم حتي بعد استيلاء مصعب علي الكوفة و قتل المختار، و ان كانت نزعة ابن الزبير شنآن أهل البيت و محاربتهم في خططه و خطبه.

الشيعة زمن الحجاج

ما مضت تلك الليالي القصيرة التي استقل فيها آل الزبير بالجزيرة الا و عاد الحكم لآل مروان من بني امية بعد أن قضوا علي آل الزبير، و لما بسط عبدالملك بن مروان نفوذه علي البلاد و قامت دعائم سلطانه التفت [ صفحه 230] الي أهل البيت و شيعتهم، و لم تطب نفسه لأن يكونوا علي تلك العزلة و الوداعة، و كان سيد آل البيت و امام الشيعة يومئذ زين العابدين، فحمله الي الشام ليغض من مقامه، و ينقص من قدره، و لكن لم يزدد الامام بذلك الا عزا و كرامة لما ظهرت له من الفضائل و المعارف، و كانت الكوفة مقر التشيع فحاول أن يجتثها من علي الأرض، و أي ساعد أقوي من ساعد الحجاج و له قلب كأنه من حديد لا يعرف الرقة و اللين، و أي رجل أبيع لدينه بالثمن الأوكس - لو كان ثمة دين - من الحجاج، و ان فعله بالبيت الحرام ليسلم قصر الملك لعبدالملك أخسر صفقة. و هنا يخبرنا الامام الباقر عليه السلام عن عيان و مشاهدة عما كان من الحجاج مع الشيعة، كما يحكيه شارح النهج (3 : 15) يقول عليه السلام: «ثم جاء الحجاج فقتلهم - يعني الشيعة - كل قتلة، و أخذهم بكل ظنة و تهمة، حتي ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب اليه من أن يقال له شيعة علي عليه السلام». و يقول المدائني كما في الشرح (3 : 15): و ولي عبدالملك بن مروان فاشتد علي الشيعة حين ولي الحجاج بن يوسف فتقرب الناس اليه ببغض علي عليه السلام، و موالاة أعدائه، و موالاة من يدعي قوم من الناس انهم أيضا أعداؤه. فأكثروا في الرواية في فضلهم

و سوابقهم و مناقبهم، و أكثروا من البغض من علي عليه السلام و عيبه، و الطعن فيه، و الشنآن له. و ماذا يذكر الكاتب عن الحجاج و أعماله فلقد سود صحائف من التاريخ لا تنسي عمر الدهر، و نربي ء بأقلامنا عن ذكرها، و كيف ننشر [ صفحه 231] تلك الفضائح علي صحائف بيض تريد الفضيلة بما ترويه و تسطره، ولو كانت أعماله القاسية مجهولة ولو لبعض الناس لآثرنا للفضيلة استطراد شطر منها رجاء أن ينتجها من له امرة و سلطان عندما يعرف ان المرء حديث بعده، و ان التاريخ يحفظ عليه الجميل و القبيح، و لكن الناس كلهم يعلمون ما ارتكبه ذلك الفظ الغليظ في الكعبة و ممن اتخذ الكعبة قبلة دون أن يميز بين شيعي أو سني أو حروري، و بين حجازي أو عراقي أو تهامي. ناهيك عما ارتكبه [292] بحق العالم الجليل التابعي سعيد بن جبير من الفتك به، و الذي سنذكره في ترجمته - في فصل مدرسة الامام و تلاميذه. [ صفحه 233]

معالم مدرسة الامام السجاد

اشاره

اصيب العالم الاسلامي في عصر الامام السجاد عليه السلام بركود فكري و خمول، و تدهور خطير في حياته العلمية و الثقافية، فقد عمدت الحكومة الأموية بشكل رسمي و علني الي محاربة العلم، و اماتة الوعي الاسلامي و الديني، لأجل استمرارية سلطانها و البقاء طويلا علي كرسي الحكم، و نهب ثروات الامة و التحكم في مصيرها. و من المؤكد أنه لم يكن في عصر بني امية أي ظل لنشر العلوم و الفلسفة الاسلامية لما يحتاجه العقل البشري لهدايته، و قد رأي الامام السجاد عليه السلام ذبول الحياة الفكرية، و ما منيت به الامة من الجهل و الفساد، فانبري الي تأسيس مدرسته الكبري في

الفقه، و الحديث، و غيرها من العلوم الانسانية الأساسية في الاسلام، و ضمت الكثير من الطلبة الذين صاروا فيما بعد مراجع التقليد في الفقه و الاصول و الحديث، و غيرها، التي انظم اليها جمهرة كبيرة من رجال العلم [ صفحه 234] و التشريع و الذين سنذكر ترجمة بعضهم [293] . و ابتدأ في هذا العهد ارتكاز العلم علي القواعد و الاصول، و ابتدأت المناظرات و المحاججات، و المذاهب و الطرائق، و كان في هذا العصر الفقهاء السبعة في المدينة، و الذين يرجع الناس اليهم في الفقه، و كانوا يفتون علي آراء أهل السنة و اصولهم، فكان من هؤلاء عالمان شيعيان هما القاسم بن محمد بن أبي بكر و كان من حواري الامام زين العابدين عليه السلام، و سعيد بن المسيب و قد رباه أميرالمؤمنين عليه السلام، و كانا في الظاهر علي رأي أهل السنة، هذا و لذا نفهم ان التقية كانت دريئة الشيعة قبل عهد الامام الصادق عليه السلام، و كانت الشيعة ترجع الي الامام زين العابدين عليه السلام. و كان رجاله من الصحابة: جابر بن عبدالله الأنصاري، و عامر بن واثلة الكناني، و سعيد بن المسيب، و سعيد بن جهان الكناني، و من التابعين: أبومحمد سعيد بن جبير، و محمد بن جبير بن مطعم، و القاسم بن عوف، و اسماعيل بن عبدالله بن جعفر عليه السلام، و ابراهيم و الحسن أبناء محمد بن الحنفية، و حبيب بن أبي ثابت، و أبويحيي الأسدي، و أبوحازم الأعرج، و سلمة بن دينار المدني، و الأقرن القاص، و غيرهم. و من أصحابه: أبوحمزة الثمالي ثابت بن دينار، الذي بقي الي أيام الامام موسي الكاظم عليه السلام، و فرات بن أحنف، الذي بقي الي أيام [ صفحه 235] الامام

الصادق عليه السلام، و القاسم بن محمد بن أبي بكر و أخوه جابر، و أيوب بن الحسن، و علي بن رافع، و أبومحمد القرشي السدي الكوفي، و الضحاك بن مزاحم الخراساني، و طاووس بن كيسان الهمداني - المعروف «بطاووس اليماني»، و أبوعبدالرحمن، و حميد بن موسي الكوفي، و أبان بن تغلب بن رباح، و ابوالفضل سدير بن حكيم الصيرفي، و قيس بن رمانة، و عبدالله البرقي، و الشاعر الفرزدق بن غالب، و أبوخالد الكابلي «كنكر» و يقال اسمه وردان، و يحيي بن ام الطويل، و سعيد بن المسيب المخزومي، و حكيم بن جبير، و عمر بن علي بن الحسين، و أخوه عبدالله، و غيرهم من الذين ذكرهم المؤرخون و قد بلغوا ما ينيف علي المائة و ستون عالما كلهم تتلمذوا في مدرسته. و قد أحصي الشيخ الطوسي في رجاله و غيره من أصحاب التراجم أكثر من مائة و ستين من التابعين و الموالي كانوا ينهلون من معينه و يروون عنه في مختلف المواضيع، و عدوا منهم سعيد بن المسيب و ابن جبير، و جبير بن مطعم، و القاسم بن محمد بن أبي بكر، و جابر بن عبدالله الأنصاري، و يحيي بن ام الطويل، و أمثال هذه الطبقة من أعلام التابعين. و قد أجمع المؤرخون علي انه عليه السلام قد انصرف الي العبادة و العلم، و التدريس، لأنه وجد في ذلك غذاء روحه، و سلوة نفسه، و الطريق الأمثل لبث علوم آل محمد، و تثبيت دعائمه كما ذكرنا لك في فصل آخر. و من علماء و فقهاء المدينة و غيرهم الذين اشتهروا بالرواية عنه [ صفحه 236] عليه السلام و هم: الزهري، و سفيان بن عيينة، و نافع، و الأوزاعي، و مقاتل، و الواقدي،

و محمد بن اسحاق. و أما من روي عمن روي عنه فكثيرون أذكر منهم: الطبري، و ابن البيع، و أحمد بن حنبل، و ابن بطة، و أبوداود، و صاحب الحلية، و الأصفهاني صاحب الحلية، و الأصفهاني صاحب الأغاني و صاحب قوت القلوب، و صاحب أسباب النزول، و صاحب الترغيب و الترهيب، و صاحب الفائق، و صاحب المصطفي، و غيرهم ممن لا يمكن حصرهم بهذه العجالة [294] . و من شاء الاستزادة فليراجع معاجم رجال الحديث [295] ليطلع عن كثب علي ما أسداه الامام السجاد عليه السلام للاسلام و الامة من خلال ما خرجته مدرسته الرائدة من قمم شاهقة، و همم شامخة، في شتي العلوم و صنوف المعرفة الاسلامية، و لبعد الشوط الذي قطعه الامام عليه السلام في مضمار الفكر الاسلامي، و قلما يوجد كتاب في الزهد أو الموعظة لم يرجع اليه أو يذكر اسمه فيه، فمن قائل قال علي بن الحسين عليه السلام أو قال زين العابدين عليه السلام أو غير ذلك.

الحياة العلمية

ذكر العلامة القرشي في كتابه «الامام زين العابدين» فيما يتعلق بالحياة العلمية في عهده عليه السلام ما يلي: [ صفحه 237] أما الحياة العلمية في عصر الامام عليه السلام فقد كانت مشلولة بما حوته هذه الكلمة من معني، فقد كان الخط السياسي الذي سارت عليه الدولة الأموية منذ تأسيسها مجافاة العلم، و اقصاء الوعي الثقافي من المسلمين، و اركاسهم في منحدر سحيق من الجهل، لأن بلورة الوعي العام و اشاعة العلم بين المسلمين يهددان مصالحهم، و ملكهم القائم علي الجهل، و قد رأي الامام زين العابدين عليه السلام محنة الامة، و ما هي فيه من أخطار مدمرة لوجودها و كيانها، فرفع عليه السلام منار العلم، و دعا شباب الامة الي التحرر من قيود الجهل. لقد

فتح الامام زين العابدين عليه السلام آفاقا مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل، فقد عرض لعلوم الشريعة الاسلامية من الحديث، و الفقه، و التفسير، و علم الكلام، و الفلسفة، و يقول بعض المترجمين له: ان العلماء رووا عنه من العلوم ما لا يحصي.

مدرسة التابعين

و أنشئت في عصر الامام عليه السلام «مدرسة التابعين» و هي أول مدرسة اسلامية أقيمت في يثرب بعد مدرسة أئمة أهل البيت عليهم السلام و قد عنت هذه المؤسسة بعلوم الشريعة الاسلامية، و لم تتجاوزها. أما أعضاؤها فهم: سعيد بن المسيب، عروة بن الزبير، القاسم بن محمد بن أبي بكر، أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، سليمان بن يسار، عبيدالله بن عتبة بن مسعود، خارجة بن زيد، و فيهم يقول الشاعر: [ صفحه 238] اذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل: هم عبيدالله عروة قاسم سعيد أبوبكر سليمان خارجة و قال شاعر آخر: ألا كل من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزي عن العلم خارجة فحدهم: عبيدالله، عروة، قاسم سعيد، سليمان، أبوبكر، خارجة [296] . و من الجدير بالذكر أن بعض هؤلاء العلماء كانوا ممن تتلمذوا علي يد الامام زين العابدين عليه السلام، و أخذوا عنه الحديث و الفقه، خصوصا سعيد بن المسيب، الذي كان أحد رواة الامام عليه السلام و قد لازمه، و أخذ عنه الكثير من مسائل الحلال و الحرام [297] . و علي أي حال فان الحياة العلمية في عصر الامام عليه السلام كانت شبه معدومة، فقد انشغل المسلمون بالأحزاب السياسية التي كانت تتصارع علي الظفر بالحكم، و الاستيلاء علي خيرات البلاد.

الحياة الأدبية

أما الطابع الخاص للحياة الأدبية، فهو ما يحكيه شعراء ذلك العصر في شعرهم، فهو - من المؤسف - لم يمثل أي مشكلة اجتماعية من مشاكل ذلك العصر علي كثرتها، كما أنه لم يمثل جدا في الحياة العقلية و الأدبية، و انما كان شعرا قبليا يحكي فيه كل شاعر ما امتازت به [ صفحه 239] قبيلته من كرم الضيافة، و الشجاعة، و

وفرة المال و العدد، و غير ذلك مما يفخرون به، كما غدا سوقا للهجاء المر، و التنابز بالألقاب مما جعله أداة للتخريب، و قد برز ذلك بصورة ظاهرة في شعر الفرزدق و جرير، فانك تجد أكثر شعرهما في الهجاء، و السباب و القذف، حتي لم تبق في قاموس الهجاء و الشتم كلمة الا و قد نظمت في هجاء كل منهما للآخر، و ان دل علي شي ء فعلي أن الحياة الجاهلية الاولي التي حاربها الاسلام قد عادت بجميع صورها القذرة في أيام الحكم الأموي. و علي أي حال فلم تعرف الامة - في ذلك العصر - عائدة أعظم، و لا أنفع من عائدة الامام عليه السلام عليها و ذلك بما أسس في ربوعها من مدرسته العلمية و بما فتح لها من آفاق الفكر، و العلم، و العرفان... و قبل أن أتحدث عن مدرسته عليه السلام، و تلاميذه، أعرض بعض شؤونه العلمية. لقد رأي الامام عليه السلام ان في نشر العلم واجبا رساليا، و مسؤولية اسلامية فاتجه اليه. يقول الشيخ أبوزهرة: انصرف - الامام - الي العلم و الدراسة و الفحص لأنه وجد في ذلك غذاء قلبه، و سلوان نفسه، و صرفا لها عن همومه، و الألم الواصب و لذلك طلب الحديث و اتجه اليه [298] . كما اتخذ الامام عليه السلام في الوقت نفسه من الوحدة و الانعزال و نصبه المأتم الدائم علي أبيه عليه السلام ذريعة لنشر رسالة [ صفحه 240] السماء و اظهار مظلومية أهل البيت في أحقيتهم، و تلك هي السياسة الالهية التي اختطها الامام السجاد عليه السلام لنفسه، فان الناس أشغلها التضارب علي الملك و السلطان فوجدها فرصة لابداء مظلومية سيدالشهداء عليه السلام، فكان بكاؤه المستمر علي شهيد الظلم و

الاستبداد أكبر ذريعة لاحقاق الحق و ابطال شعائر دولة الجور و رموز الظلم، و انصرافه عن السياسة و أهلها لتوارد الناس عليه دون ان يؤخذوا بذاك. لقد تفرغ الامام عليه السلام لنشر العلم بين المسلمين و اشاعته، حتي شغله عن كل ما سواه [299] عدا حزنه علي أبيه و أهل بيته و أصحابه، فقد كان همه نشر الدين بين المسلمين و تثقيفهم، و تهذيب طباعهم، و تأديبهم بآداب شريعة السماء السمحاء ليحملوا بعده مشاعل الفكر و النور كان الامام عليه السلام يشيد بفضل العلم و يحث علي طلبه، و قد قال: «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج، و خوض اللجج، ان الله تبارك و تعالي أوحي الي دانيال النبي أن أمقت عبيدي الي الجاهل المستخف بحق أهل العلم، التارك للاقتداء بهم، و أن أحب عبيدي الي، التقي الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء» [300] . [ صفحه 241] فقد آمن عليه السلام، بأن لا حياة للأمة الا بنشر العلم و اشاعته بين أبنائها. و قام الامام عليه السلام بدور مهم بتشجيع الحركة العلمية، و كان يحتفي بطلبة العلوم و يكرمهم و يرفع منزلتهم. و قال الامام أبوجعفر الباقر عليه السلام: «كان أبي اذا نظر الي الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم اليه و قال: مرحبا بكم أنتم ودائع العلم، و يوشك اذا أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين» [301] . و شرع الامام عليه السلام أروع الحقوق، و البرامج الرفيعة لحقوق المعلم علي تلاميذه تلك الحقوق التي يجب أن تقابل بالوفاء و العرفان. و تحدث الامام عليه السلام عن ثواب طلب العلم قال: «ان طالب العلم اذا خرج من منزله لم يضع رجلا

علي رطب، و لا يابس من الأرض الا سبحت له الي الأرضين السابعة» [302] . و كان يري ضرورة نشر العلم و اشاعته مجانا، و عدم جواز أخذ الأجر عليه، و قال في ذلك: «من كتم علما أو أخذ عليه أجرا رفدا فلا ينفعه أبدا...» [303] . و مما امتاز به الاسلام علي بقية الأديان، و المذاهب الأجتماعية أنه آمن بالعلم و نشره ايمانا مطلقا، و يري لزوم طلبه علي كل مسلم [ صفحه 242] و مسلمة، و يكره أخذ الأجر عليه، خصوصا في تعليم القرآن الكريم. أما معاش المعلم فان الدولة مسؤولة عنه، و يجب أن تقوم بالانفاق عليه من بيت المال، حتي يستغني عما في أيدي الناس. و حث الامام عليه السلام اسرة التعليم علي التواضع و عدم التكبر، فقال لبعضهم: «فان أحسنت في تعليم الناس و لم تتجبر عليهم زادك الله من فضله، و ان أنت منعت علمك، و أخرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا علي الله عزوجل أن يسلبك العلم و بهاءه، و يسقط من القلوب محلك» [304] . و اتخذ الامام عليه السلام المسجد النبوي مركزا لمدرسته، و معهدا له، فكان يلقي - في بهوه - محاضراته و بحوثه علي العلماء و الفقهاء، و قد تناولت علم الفقه، و قواعد السلوك و الأخلاق، و كان في كل جمعة يلقي خطابا عاما جامعا علي الناس و يعظهم فيه، و يزهدهم في الدنيا، و يرغبهم في الآخرة، و كان الناس يكتبون ذلك و يدونونه في سجلاتهم. يقول عبدالله بن الحسن المثني: ان امي فاطمة بنت الحسين عليهاالسلام كانت تأمرني أن أجلس الي خالي علي بن الحسين عليه السلام لا تعلم فما جلست اليه قط

الا قمت بخير قد أفدته، اما خشية لله، أو علم قد استفدته منه [305] . و احتف العلماء و الفقهاء و القراء بالامام عليه السلام لا يفارقونه [ صفحه 243] في حضر أو سفر، فكان اذا أراد السفر لحج بيت الله الحرام رافقه زهاء ألف عالم و قاري ء و هم يسجلون فتاواه و ما يلقيه عليهم من العلوم و المناسك و غرر الحكمة و الآداب. أما تلامذة الامام عليه السلام و أصحابه و الذين تخرجوا علي مدرسته كان عددهم كبير، و أصبحوا من كبار العلماء و الفقهاء من الذين نشروا العلم و العرفان في العالم الاسلامي و للأجيال التي جاءت من بعدهم، و نحن نتعرض لترجمة بعضهم علي سبيل المثال لا الحصر، و قد سبق للعلامة المحقق القرشي - أن عرض ما ينيف علي المائة و ستين عالما و فقيها من تلامذته، في كتابه الامام زين العابدين عليه السلام، و قد أخترت منهم اثنا عشر عالما، و هم: 1 - ابان بن تغلب بن رباح، أبوسعيد البكري الجريري. كان من كبار العلماء، و من أعلام الفكر الاسلامي. ألف أبان مجموعة من الكتب في التفسير، و الاصول، و الفضائل، مما دل علي سعة اطلاعه، و غزارة علومه، و معارفه. كانت ولادته و نشأته بالكوفة، و لم تعين المصادر التي بأيدينا سنة ولادته. و أما وفاته فكانت سنة»141 ه»، و كان موته خسارة كبري للاسلام، و قد حزن عليه الامام الصادق عليه السلام و قال: «أما و الله لقد أوجع قلبي موت أبان» [306] . 2 - ثابت بن أبي صفية - «أبوحمزة الثمالي». [ صفحه 244] هذا العالم الجليل، و الورع التقي، كان من أبرز علماء عصره في الحديث، و الفقه، و

العلوم و اللغة و غيرها، و قد روي عنه «ابن ماجة» في كتاب الطهارة [307] ، و كانت الشيعة ترجع اليه في الكوفة، و ذلك لاحاطته بفقه أهل البيت عليهم السلام [308] . ألف مجموعة من الكتب في مختلف العلوم، مما يدل علي غزارة علمه، و سعة اطلاعه، منها: 1 - كتاب النوادر. 2 - كتاب الزهد. 3 - كتاب تفسير القرآن. 4 - روايته عن الامام عليه السلام رسالة الحقوق. 5 - روايته عن الامام عليه السلام دعاء السحر، المعروف ب«دعاء أبي حمزة الثمالي». 6 - و رواياته عن الأئمة الأطهار عليهم السلام. كانت وفاة هذا العالم الجليل سنة» 150 ه» و قد خسر المسلمون بفقده علما من أعلام الفكر و الجهاد في عصره. 3 - رشيد الهجري [309] . انه بطل من أبطال الاسلام، و علم من أعلام الجهاد، و مناضل صلب عن مبادئه و عقيدته، و من ألمع الرساليين في الاسلام، اختص [ صفحه 245] بالامام أميرالمؤمنين عليه السلام، و أخلص له، و قد احتفي به الامام، و أحبه لما رأي فيه من وفور الايمان، و مزيد العقل، و قد أخبره بما يجري عليه من الظلم و الطغيان من الباغي الأثيم عبيدالله بن زياد، فقد قال له: «يا رشيد كيف صبرك اذا أرسل اليك دعي بني امية، فقطع يديك و رجليك و لسانك»؟ و استقبل رشيد النبأ بمزيد من الاطمئنان و الرضا فقال للامام: يا أميرالمؤمنين، آخر ذلك الي الجنة؟ و بادر الامام قائلا له: «يا رشيد أنت معي في الدنيا و الآخرة...». و قد علمه الامام علوما كثيرة، و عهد اليه بما يجري علي الأمة من الظلم و الفساد، في عهد الأمويين، و يقول المؤرخون: انه لقن علم البلايا و

المنايا، و قد خرج معه الي بستان البرني و كان معه جماعة من أصحابه فجلس تحت نخلة، فأمر البرني بنخلة فلقط منها بعض الرطب فقدم اليهم، و بهر رشيد بجودة الرطب، فأخبره الامام بأن سيصلب علي جذعها، فكان يختلف اليها طرفي النهار يسقيها، و يتعهدها حتي قطع سعفها، فأيقن عند ذلك بدنو أجله المحتوم و بعد ما رزئت الانسانية بفقد رائدها الامام أميرالمؤمنين اختص رشيد بالامام الحسين عليه السلام، و بعد كارثة كربلاء اختص بالامام علي بن الحسين عليه السلام. [ صفحه 246]

في ذمة الخلود

و تتبع ابن مرجانة شيعة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام بعد قتله سبط رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قد أخبر بمكانة رشيد عند أهل البيت عليهم السلام فأمر بالقاء القبض عليه، فجي ء به مخفورا الي الطاغية، فلما مثل عنده تميز الطاغية غيظا و صاح به: تبرا من علي؟ قال: لا أتبرأ. فقال بأي ميتة قال لك أن تموت؟ قال: أخبرني خليلي أنك تدعوني الي البراءة منه فلا أبرأ، فتقدمني فتقطع يدي و رجلي، و لساني. و ورم أنف الطاغية، و راح يقول أمام جلاوزته: و الله لأكذبن قوله فيك. و أمر به ان يشد علي الجذع الذي أخبر الامام بأنه يصلب عليه، و تقطع يداه و رجلاه و يترك لسانه، فأسرعت السيدة ابنته فأخذت أعضاءه لتواريها مع جثته اذا مات في التراب، و قالت له: يا أبت هل تجد ألما مما أصابك؟ فأجابها، و هو غير حافل بآلامه، بأنه لم يصبه أي ألم الا كالزحام بين الناس، و اجتمعت الجماهير حوله و هي تنظر اليه و قد أخذه نزيف الدم، و جعل يخاطبهم قائلا: ائتوني بصحيفة و دواة لأملي عليكم ما يكون الي

يوم الساعة، [ صفحه 247] و أخذ من علي منبره و هو يحدث الناس بما سيجري عليهم من الجور و الاضطهاد في ظل الحكم الأموي، و أسرعت الشرطة الي ابن زياد فقالوا له: ما صنعت؟... قطعت يديه و رجليه، و هو يحدث الناس بالعظائم. و أمر الطاغية بقطع لسانه، و صلبه علي ذلك الجذع فنفذ فيه ذلك و انتهت بذلك حياة هذا المصلح العظيم علي يد أقذر انسان، و أحط مخلوق، و قد رفع رشيد راية الجهاد، و الاصلاح الاجتماعي، فثار علي الظلم و الطغيان. 4 - سعيد بن جبير [310] . أصله من الكوفة، نزل مكة، تابعي جليل، عدة الشيخ من أصحاب الامام عليه السلام و هو من أعلام المجاهدين، و المناضلين عن الاسلام، و المدافعين عن حقوق الضعفاء و المحرومين، و كان من أبرز علماء عصره، و كان يسمي جهبذ العلماء. قال ابن كثير: كان سعيد بن جبير من أئمة الاسلام في التفسير و الفقه، و أنواع العلوم، و كثرة العمل الصالح، هرب سعيد بن جبير الي اصفهان من مطاردة الحجاج له، و ربما دخل الكوفة مختفيا في بعض الأحيان و كان يلتقي بالناس، و يحدثهم بشؤونهم الدينية و العلمية [311] . و ألقت شرطة الحجاج و جلاوزته القبض علي سعيد بن جبير الذي كان من عمالقة الفكر و العلم في الاسلام، و جي ء به مخفورا الي [ صفحه 248] الطاغيه المجرم الحجاج بن يوسف، فلما مثل عنده صاح به. أنت شقي بن كسير؟. فأجابه بمنطق الحق قائلا: أمي كانت أعرف باسمي، سمتني سعيد بن جبير... و أراد الطاغية أن يتخذ وسيلة رسمية لاهراق دمه، فقال له: ما تقول في أبي بكر و عمر، هما في الجنة

أو في النار؟... فرد عليه سعيد بمنطقه الفياض قائلا: لو دخلت الجنة فنظرت الي أهلها لعلمت من فيها، و ان دخلت النار و رأيت أهلها لعلمت من فيها... و لم يجد الطاغية منفذا يسلك فيه، فراح يقول له: ما قولك في الخلفاء؟... فأجابه جواب العالم الخبير: لست عليهم بوكيل... فقال المجرم الخبيث أيهم أحب اليك: و قد أراد بذلك أن يستدرجه لعله أن يذكر الامام أميرالمؤمنين عليه السلام بخير فيتخذ من ذلك سببا الي التنكيل به، و لم يخف علي سعيد ذلك فقال له: أرضاهم لخالقه. أيهم ارضي للخالق؟... علم ذلك عند الذي يعلم سرهم و نجواهم. أبيت أن تصدقني... [ صفحه 249] لم أحب أن أكذبك... و أمر الطاغية جلاديه بضرب عنقه، فضربوا عنقه، فسقط رأسه الي الأض، فهلل ثلاثا افصح بالاولي، و لم يفصح بالثانية و الثالثة [312] ، و انتهت بذلك حياة هذا العالم العظيم الذي وهب حياته لنشر العلم و الفضيلة بين الناس، و قد فجع المسلمون بقتله لأنهم فقدوا الرائد لحياتهم العلمية، و نقل عمرو بن ميمون عن ابيه أنه لما سمع بمقتل سعيد اندفع قائلا بحزن: لقد مات سعيد بن جبير، و ما علي ظهر الأرض الا و هو محتاج الي علمه.. [313] . و كانت شهادته في شهر شعبان سنة»95 ه» و هو ابن»49 سنة» [314] ، و قد فزع الحجاج من قتله فكان يراه في منامه و هو يأخذ بمجامع ثوبه، و يقول له: يا عدو الله فيم قتلتني؟ و قد ندم الطاغية المجرم علي قتله له فكان يقول: ما لي و لسعيد بن جبير [315] ، و قبله ندم معاوية بن هند علي قتل حجر بن عدي

الصحابي العظيم. 5 - سعيد بن المسيب المخزومي [316] . ممن روي عن الامام زين العابدين عليه السلام و هو من الأعلام و سيد التابعين، و كان من أجلة علماء عصره. [ صفحه 250] قال مكحول: ما لقيت أعلم من سعيد بن المسيب، و قال علي بن المديني: لا أعلم من التابعين أوسع علما منه [317] . و قال فيه الامام السجاد عليه السلام: «سعيد بن المسيب أعلم الناس بما تقدم من الآثار، و أفصحهم في زمانه» [318] . و اثر عن سعيد كثير من الحكم ذكرها القرشي في كتابه [319] ، و كان سعيد يبجل الامام عليه السلام و يعظمه، و كان يقول: ما رأيت قط أفضل من «علي بن الحسين عليه السلام» و ما رأيته قط الا مقت نفسي [320] . 6 - سليم بن قيس الهلالي، العامري، الكوفي. من أصحاب أميرالمؤمنين و من أصحاب الامامين الحسن و الحسين و من أصحاب الامام السجاد عليهم السلام، و هو صاحب الكتاب المعروف «بكتاب سليم بن قيس». و هو من السابقين في التأليف، و قد ذكر فيه كثير من الأحداث المؤلمة التي جرت في ذلك العصر، و قد قرأ أبان بن عياش الكتاب علي الامام زين العابدين عليه السلام، فقال: «صدق سليم رحمة الله عليه، هذا حديث نعرفه» [321] كما تكلم المرجع الراحل العلامة آيةالله العظمي السيد الخوئي، عن هذا الكتاب، و فند التهم التي واجهت هذا [ صفحه 251] الكتاب [322] . 7 - ظالم بن عمرو «أبوالأسود الدؤلي» [323] . كان من ألمع أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام، و من أبرز علماء عصره، و هو المؤسس الأول لعلم النحو بعد ما علمه الامام أميرالمؤمنين عليه السلام قواعده و اصوله، و كان من الشعراء

الموهوبين، فمن شعره: و ما طالب المعيشة بالتمني و لكن ألق دلوك في الدلاء تجي ء بملئها طورا و طورا يجي ء بحمأة و قليل ماء و كان من البلغاء النابهين، و من كلماته الرائعة، و حكمه الباهرة، وصيته لابنه: يا بني اذا كنت في قوم فحدثهم علي قدر سنك، و فاوضهم علي قدر محلك و لا تتكلم بكلام من هو فوقك فيتثقلوك و لا تخط الي دونك فيحتقروك، فاذا وسع الله عليك فابسط، و اذا أمسك عليك فأمسك، و لا تجاود الله، فان الله أجود منك، و اعلم أنه لا شي ء كالاقتصاد، و لا معيشة كالتوسط، و لا عز كالعلم، الملوك حكام الناس، و العلماء حكام الملوك، ثم أنشأ يقول: العيش لا عيش الا ما اقتصدت فان تسرف و تبذر لقيت الفقر و العطبا و العلم زين و تشريف لصاحبه فاطلب هديت، فنون العلم و الأدبا [ صفحه 252] الي أن قال: العلم كنز و ذخر لانفاد له نعم القرين اذا ما صاحب صحبا قد يجمع المرء شيئا ثم يسلبه عما قليل فيلقي الذل و الحربا و حامل العلم مغبوط به أبدا و لا يحاذر منه الفوت و السلبا يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به درا و لا ذهبا و كان رحمه الله من أشد الناس ولاء، و اخلاصا و محبة لأميرالمؤمنين عليه السلام، و قد حاول معاوية أن يصرفه عن ذلك فلم يفلح، و قد توفي بالطاعون الجارف في البصرة عام»69 ه». 8 - عامر بن واثلة الكناني «أبوالطفيل» [324] . كان من خواص أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام و من أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و

هو شاب و حفظ عنه احاديث [325] . و كان شاعرا موهوبا، و من شعره: و يدعونني شيخا و قد عشت حقبة و هن من الأزواج نحوي نوازع [ صفحه 253] و ما شاب رأسي من سنين تتابعت علي و لكن شيبتني الوقائع و خرج مع المختار الثقفي طالبا بدم سيدالشهداء الحسين عليه السلام و كان دوما ينشد هذا البيت: و ان لأهل الحق لابد دولة علي الناس اياها أرجي و أرقب و كان الامام الصادق عليه السلام يتشهد بهذا البيت و يقول: أنا و الله ممن يرجي و يرقب... و أراد الطاغية المجرم الحجاج قتله لولائه لأهل البيت عليهم السلام الا انه نجا منه، لأنه كانت له يد علي عبدالملك بن مروان و توفي في مكة سنة 110 ه، و قيل: في سنة 102 ه [326] . 9 - الفرزدق الشاعر المعروف. عد من أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام، و كان معروفا بشاعر البلاط الأموي، و قد انتصر للامام عليه السلام في وقت كان الانتصار نقطة تحول علي بني امية. حينما أنكر هشام بن عبدالملك معرفته بالامام عليه السلام لما دخل ليطوف بالبيت و يستلم الحجر فانفرج الحجيج له سماطين اكبارا له و اجلالا، فانبري له الفرزدق مرتجلا و متحديا بقصيدته الرائعة التي تعدد مآثر الامام عليه السلام و فضائله، و التي لا تزال ترن في أسماع الزمان الي يومنا هذا، و مطلعها: يا سائلي اين حل الجود و الكرم عندي بيان اذا طلابه قدموا [ صفحه 254] هذا الذي تعرف البطحاء وطئته و البيت يعرفه و الحل و الحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم فورم أنف هشام، و انتفخت أوداجه، فأمر بحبسه في عسفات، بين

مكة و المدينة. قال: هشام للفرزدق لم لم تقل فينا مثل ما قلت، قال: الفرزدق هات اب كابيه وجد كجده، و ام كامه، حتي أمدحك بهم. 10 - كنكر [327] . يكني أباخالد الكابلي، قيل: اسمه وردان، عد من أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام. روي الكشي بسنده، عن أبي بصير، قال: سمعت الامام أباجعفر الصادق عليه السلام يقول: كان أبوخالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا، و ما كان يشك في أنه امام حتي أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك ان لي حرمة و مودة و انقطاعا فأسألك بحرمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليه السلام الا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعته علي خلقه؟ قال: فقال: يا أباخالد حلفتي بالعظيم، الامام علي بن الحسين عليه السلام علي و عليك و علي كل مسلم، فأقبل أبوخالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية، فجاء الي الامام علي بن الحسين عليه السلام فأستاذن عليه، فأذن له، فلما دخل عليه و دنا منه، قال الامام عليه [ صفحه 255] السلام «مرحبا يا كنكر، ما كنت لنا بزائر، ما بدالك فينا؟» فخر أبوخالد ساجدا شاكرا لله تعالي. مما سمع من الامام عليه السلام من تسميته بكنكر. فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي عرفت امامي. فقال له الامام عليه السلام «و كيف عرفت امامك يا اباخالد؟» «سؤال متجاهل» قال: انك دعوتني باسمي الذي سمتني به امي التي عمه محمد بن الحنفية و هو الذي اشار اليه، بامامة السجاد عليه السلام فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته علي كل مسلم [328] ، و قد اتصل بالامام عليه السلام و لازمه و أخذ من علومه حتي عد من ثقاته. 11

- المنهال بن عمرو الطائي [329] . التقي بالامام عليه السلام في الشام حينما حمل أسيرا الي الطاغية يزيد بن معاوية، فقال له: كيف أمسيت يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السلام له: «ويحك كيف أمسيت؟ أمسينا فيكم كهيئة بني اسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم، و يستحيون نساءهم» [330] . 12 - زيد بن علي بن الحسين عليهماالسلام. عد من أصحاب الامام عليه السلام [331] و كان علي جانب عظيم من [ صفحه 256] العلم و التقوي. قال الشيخ المفيد: كان زيد عين اخوته بعد الامام أبي جعفر الصادق عليه السلام، و أفضلهم، و كان عابدا ورعا، فقيها، سخيا، شجاعا، ظهر بالسيف يأمر بالمعروف، و ينهي عن المنكر، و يطلب بثارات الحسين عليه السلام. [332] . هذا اثنا عشر نموذجا من أصحاب الامام زين العابدين عليه السلام عرضتها لك عزيزي القاري ء لتطلع علي أصحاب الامام عليه السلام و به أكتفي بهذا الملخص، و من الله التوفيق.

عتق الأرقاء

جاء الاسلام و الدنيا مملوءة بالأرقاء و العبيد، فأخذ بسن النظم و الشرائع في القضاء علي العبودية و الرق و استغلال الانسان لأخيه الانسان، و أول سنة سنها الاسلام، أن أغلق موارد الرق، فليس للانسان أن يستعبد أخيه الانسان، ثم أخذ يعالج مشكلة العبيد، و المماليك و كيفية التخلص منها، فشرع العتق و جعله من أحسن القربات الي الله تعالي، منها جعل كفارة بعض الذنوب الكبيرة، عتق رقبة كالقتل، و الافطار في شهر رمضان، و غير ذلك. و تمشيا مع خطة الاسلام سار الامام السجاد عليه السلام علي ذلك المنهج فأعتق رقاب الالوف. [ صفحه 257] قال سيد الأهل في كتابه [333] : كان الامام زين العابدين عليه السلام يشتري العبيد لا لحاجة به اليهم و لكن ليعتقهم، و قالوا:

انه أعتق مائة رقبة و كان يعتقهم عندما تحصل منهم اساءة و يجعل العتق مقابلة لتلك الاساءة. و قال السيد الأمين رحمه الله: و ما من سنة الا و كان يعتق في آخر ليلة من شهر رمضان حوالي العشرين رقبة و كان يقول: «ان الله تعالي يعتق في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف عتيق من النار، كلا قد استوجب النار، فاذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، أعتق فيها مثلما أعتقه في جميعه، و أني احب أن يراني الله و قد اعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار» [334] . و قال الاستاذ سيد الأهل: و عرف العبيد ذلك فباعوا أنفسهم له، و اختاروه، و تخلصوا من أيدي سادتهم رجاء أن يعتقوا، و كان زين العابدين عليه السلام يهب الحرية في كل عام، و في كل شهر، و كل يوم، و عند كل هفوة و خطأ، بحجة أو اخري، حتي صار في المدينة جيش من الموالي الأحرار، و الجواري الحرائر، فتزاوجوا و انجبوا و كلهم في ولاء زين العابدين عليه السلام و قد بلغوا خمسين ألفا أو يزيدون. [335] . [ صفحه 258]

مع مماليكه و جيرانه

عامل الامام زين العابدين عليه السلام مماليكه و عبيده معاملة تتسم بالرفق و العطف و الحنان، فكان يعاملهم كأبنائه، و يغدق عليهم بره و معروفه و احسانه. و قد وجدوا في كنفه الأمن و الأمان و الرخاء، و لا يضرب مملوكا قط الا في الحالات الشاذة التي لا يمكن السكوت عليها، و بعد ذلك يسترضيهم و يعتق رقابهم، بل كان كل من يذنب أو يعصي يكتب ذلك عنده حتي اذا كان آخر ليلة من شهر رمضان جمعهم،

و قررهم بذنوبهم واحدا واحدا، و بعد اعترافهم و استغفارهم يعتق رقابهم و يطلب منهم أن يستغفروا له الله، و يعتق رقبته من النار، كما غفر لهم ذنوبهم، و أعتق رقابهم، ثم يجيزهم بجوائز تعينهم علي ايامهم، و اما استخدم مملوكا و لا عبدا فوق الحول [336] . و يروي عن حلمه و سماحته أن جارية له كانت تحمل ابريقا، و تسكب منه الماء لوضوئه، فسقط من يدها علي وجهه فشجه و سال دمه، فرفع رأسه اليها لائما، فقالت له الجارية: ان الله يقول: (و الكاظمين الغيظ) فقال: «قد كظمت غيظي»، فقالت: «و العافين عن الناس»، فقال: «عفا الله عنك»، فقالت: «و الله يحب المحسنين»، فقال: «أنت حرة لوجه الله» [337] . [ صفحه 259] و جاء في كشف الغمة ان ضيوفا طرقوا الامام عليه السلام فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود [338] منه علي رأس طفل له، فقتله، فتحير الخادم و اضطرب، فلما نظر اليه الامام و هو بتلك الحالة قال له: «انك لم تتعمده، اذهب فأنت حر لوجه الله». [339] . و أضاف الرواة الي ذلك، أنه كان له مولي يعمل في ضيعة له فأفسد فيها كثيرا فاغتاظ منه الامام و ضربه بسوط كان في يده، فلما رجع الي منزله أرسل في طلب المولي فجاءه خائفا و وجد الامام عاريا و السوط بين يديه، فظن أنه يريد عقوبته. فقال له: «قد كان مني اليك ما لم يتقدم مني مثله، و كانت هفوة و زلة فدونك السوط و اقتص لنفسك مني». فقال: يا مولاي، و الله لقد ظننت أنك تريد عقوبتي، و أنا مستحق للعقوبة، فكيف أقتص منك؟!

قال: «ويحك اقتص». فقال: معاذ الله، أنت في حل و سعة، فلما امتنع المولي قال له الامام عليه السلام: أما اذا أبيت فالضيعة صدقة عليك». [340] . [ صفحه 261]

الجانب الروحي عند الامام

عبادته و دعاؤه و تهجده

روي الحسين بن علوان، عن أبي علي زياد بن رستم، عن سعيد بن كلثوم قال: كنت عند الامام الصادق عليه السلام، فذكر أميرالمؤمنين عليه السلام فمدحه بما هو أهله، ثم قال: «و الله ما أطاق عمل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من هذه الامة غيره، و ان كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة و النار يرجو ثواب هذه، و يخاف عقاب هذه، و لقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله، و النجاة من النار، مما كد بيده و رشح منه جبينه، و ما كان لباسه الا الكرابيس [341] اذا فضل يده من كمه دعا بالجلم فقصه، و ما أشبهه من ولده و لا أهل بيته أحد أقرب شبها به من علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام. 1 - و لقد دخل أبوجعفر - ابنه - عليهماالسلام عليه فاذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر، و رمدت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته من السجود، و ورمت ساقاه من القيام في الصلاة، فقال أبوجعفر عليه السلام: فلم أملك حين رايته بتلك الحالة [ صفحه 262] من البكاء، فبكيت رحمة له، و اذا هو يفكر فالتفت الي بعد هنيئة من دخولي، فقال: يا بني اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي، فأعطيته، فقرأ منها يسيرا، ثم تركها من يده تضجرا و قال: من يقوي علي عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؟! و كان علي بن

الحسين عليهماالسلام، اذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يغشاك؟ فقال: «أتدري لمن أتهيأ للقيام بين يديه؟!» [342] . 2 - في تذكرة الخواص: قال أبوحازم: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين عليه السلام. و عن ابن المسيب: ما رأيت أورع منه. و قال مالك: بلغني انه كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة الي أن مات، و كان يسمي «زين العابدين» لعبادته. [343] . 3 - و روي أحمد بن محمد الرافعي، عن ابراهيم بن علي، عن أبيه أنه قال: حج علي بن الحسين عليهماالسلام ماشيا، فسار عشرين يوما من المدينة الي مكة [344] . و عن طاووس أنه قال: - أي علي بن الحسين عليهماالسلام - يطوف من العشاء ال السحر و يتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء [ صفحه 263] بطرفه، و قال: «الهي غارت نجوم سماواتك، و هجعت [345] عيون أنامك، و أبوابك مفتحات للسآئلين، جئتك لتغفر لي و ترحمني، و تريني وجه جدي محمد صلي الله عليه و آله في عرصات القيامة». ثم بكي و قال: «و عزتك و جلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، و ما عصيتك اذ عصيتك و أنا بك شاك، و لا بنكالك جاهل، و لا لعقوبتك متعرض، و لكن سولت لي نفسي، و أعانني علي ذلك سترك المرخي به علي. فأنا الآن من عذابك من يستنقذني؟ و بحبل من أعتصم ان قطعت حبلك عني؟ فواسوءتاه غدا من الوقوف بين يديك اذا قيل للمخفين جوزوا [346] و للمثقلين حطوا [347] أمع المخفين أجوز، أم مع المثقلين أحط؟ ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي و لم أتب، أما آن لي أن أستحيي من ربي». ثم

بكي: و أنشأ يقول: أتحرقني بالنار يا غاية المني فأين رجآئي ثم أين محبتي أتيت بأعمال قباح ردية و ما في الوري خلق جني كجنايتي ثم بكي، و قال: «سبحانك تعصي كأنك لا تري، و تحلم كأنك لم تعص، تتودد الي [ صفحه 264] خلقك بحسن الصنيع، كأن بك الحاجة اليهم و أنت يا سيدي الغني عنهم». ثم خر الي الأرض ساجدا. فدنوت منه، و شلت راسه، و وضعته علي ركبتي، و بكيت حتي جرت دموعي علي خده، فاستوي جالسا و قال: «من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟!» فقلت: انا طاووس يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع و الفزع؟ و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا و نحن عاصون جافون! أبوك الحسين بن علي، و أمك فاطمة الزهراء، و جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم! قال: فالتفت الي و قال: «هيهات هيهات طاووس، دع عني حديث أبي و أمي و جدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه و أحسن ولو كان عبدا حبشيا، و خلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا. أما سمعت قوله تعالي: «فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتسآءلون». [348] . والله لا ينفعك غدا الا تقدمة تقدمها من عمل صالح» [349] . أجمع أهل السير و التاريخ علي أن الامام زين العابدين عليه السلام كان أعبد أهل زمانه، و كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة [350] . [ صفحه 265] سئلت مولاته عنه فقالت: أطنب أو أختصر؟ قيل لها: بل اختصري. قالت: ما أتيته بطعام نهارا، و لا فرشت له فراشا ليلا قط [351] . قال الامام الباقر عليه السلام: «و لقد

كانت تسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده، و كان يجمعها، فلما مات دفنت معه» [352] . و حج ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة الي مكة [353] . ناهيك برجل اخذت ألقابه من عبادته، فصار لا يعرف الا بها، فمن زين العابدين لشدة عبادته، الي سيد الساجدين لطول سجوده، و ذو الثفنات لكثرة ما يقطع من مواضع سجوده، ولو أردنا أن نسجل جميع ما ذكره المؤرخون، و أهل السير من عباداته عليه السلام لاحتجنا الي مجلد كامل، فنكتفي بذكر القليل من ذلك. قال الامام الباقر عليه السلام: كان أبي علي بن الحسين عليهماالسلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، و كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، و كان يصلي صلاة الموادع يري كأنه لا يصلي بعدها أبدا [354] . و قد اصفر لونه من السهر، و رمضت عيناه من البكاء، و دبرت [ صفحه 266] جبهته، و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة، و كان اذا حضرت الصلاة اقشعر جلده، و اصفر لونه، و ارتعدت فرائصه كالسعفة. فأقبل الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري عليه يقول: يا ابن رسول الله أما علمت ان الله تعالي انما خلق الجنة لكم، و لمن أحبكم، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال الامام: يا جابر، لا أزال علي منهاج أبوي [آبائي] مؤتسيا بهما حتي ألقاهما. فأقبل جابر علي من حضر فقال: و الله ما رؤي في أولاد الأنبياء بمثل علي بن الحسين في العبادة الا يوسف الصديق بن يعقوب عليهماالسلام و الله لذرية علي بن الحسين أفضل

من ذرية يوسف، و ان منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا [355] . عن حماد بن حبيب العطار الكوفي، قال: خرجنا حجاجا، فرحلنا من زبالة - منزل في طريق العراق الي مكة - ليلا، فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة، فتهت في تلك الصحاري و البراري، فانتهيت الي واد قفر، فلما أن جن الليل، أويت الي شجرة عادية، فلما أن اختلط الظلام، اذا أنا بشاب قد أقبل، عليه أطمار بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي: هذا ولي من أوليآء الله، متي ما أحس بحركتي خشيت نفاره، و أن أمنعه عن كثير مما يريد فعاله، فأخفيت نفسي ما [ صفحه 267] استطعت، فدنا الي الموضع فتهيأ للصلاة، ثم وثب قائما، و هو يقول: «يا من حاز كل شي ء ملكوتا، و قهر كل شي ء جبروتا، أولج قلبي فرح الاقبال عليك، و ألحقني بميدان المطيعين لك». قال: ثم دخل في الصلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه و سكنت حركاته، قمت الي الموضع الذي تهيأ فيه للصلاة، فاذا بعين مآء تفيض بمآء أبيض، فتهيأت للصلاة، ثم قمت خلفه، فاذا أنا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت فرايته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد و الوعيد، يرددها بأشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام، وثب قآئما و هو يقول: «يا من قصده الطالبون فأصابوه مرشدا، و أمه الخآئفون فوجدوه متفضلا، و لجأ اليه العابدون فوجدوه نوالا. متي راحة من نصب لغيرك بدنه؟! و متي فرح من قصد سواك بنيته!؟ الهي قد تقشع الظلام، و لم أقض من خدمتك وطرا، و لا من حياض مناجاتك صدرا، صل علي محمد و آله، و افعل بي أولي الامرين بك

يا أرحم الراحمين». فخفت أن يفوتني شخصه، و أن يخفي علي أثره، فتعلقت به، فقلت له: بالذي اسقط عنك ملال التعب، و منحك شدة شوق لذيذ الرغب، الا ألحقتني منك جناح رحمة، و كنف رقة، فاني ضال، و بغيتي كلما صنعت، و مناي كلما نطقت. فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالا، و لكن اتبعني واقف أثري»، فلما أن صار بجنب الشجرة، أخذ بيدي، فخيل الي أن الأرض تمد من [ صفحه 268] تحت قدمي. فلما انفجر عمود الصبح، قال لي: «أبشر فهذه مكة». قال: فسمعت الضجة، و رأيت المحجة، فقلت: بالذي ترجوه يوم الآزفة و يوم الفاقة، من أنت؟ فقال لي: «أما اذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام» [356] . و من دعائه في الاستعاذة من البلايا و مذام الأخلاق: «اللهم اني أعوذ بك أن تحسن في لوامح [357] العيون علانيتي، و تقبح في خفيات القلوب سريرتي. أللهم فكما أسأت فأحسنت الي، فاذا عدت فعد علي، فاعمرني بطاعتك، و لا تخزني بمعصيتك، و ارزقني مواساة من قترت [358] عليه بما وسعت علي يا أرحم الراحمين» [359] . ابراهيم بن أدهم، و فتح الموصلي قال كل واحد منهما، كنت أسيح في البادية مع القافلة، فعرضت لي حاجة فتنحيت عن القافلة، فاذا أنا بصبي يمشي فقلت: سبحان الله بادية بيداء و صبي يمشي؟ فدنوت منه و سلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له: الي أين؟ [ صفحه 269] قال: «اريد بيت ربي». فقلت: انك صغير ليس عليك فرض و لا سنة! فقال: «يا شيخ، ما رأيت من هو أصغر سنا مني مات»؟!! فقلت: أين الزاد و الراحلة؟ فقال: «زادي تقواي، و

راحلتي رجلاي، و قصدي مولاي». فقلت: ما أري شيئا من الطعام معك؟ فقال: «يا شيخ، هل يستحسن أن يدعوك أحد الي دعوة فتحمل من بيتك الطعام». قلت: لا. قال: «الذي دعاني الي بيته هو يطعمني و يسقيني». فقلت: ارفع رجلك حتي تدرك [360] . فقال: «علي الجهاد و عليه الابلاغ، أما سمعت قوله تعالي: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين» [361] . قال ابن حجر في صواعقه: زين العابدين هو الذي خلف أباه علما و زهدا و عبادة، و كان اذا توضأ للصلاة اصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: «لا تدرون بين يدي من أقف» [362] . و كان عظيم التجاوز و العفو و الصفح حتي أنه سبه رجل فتغافل عنه، فقال له: اياك أعني، فقال الامام: و اياك أعرض، اشارة الي الآية الشريفة: «خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين». [ صفحه 270] يا سيد العباد رزؤك فادح جلل تكاد له الجبال تصدع فأبوك و الأهلون و الأنصار قد أمسوا و هم في الطف حولك صرع ما فقد يعقوب ليوسف بالغ معشاره بل ما أصابك أوجع [363] . قال عبدالعزيز سيد الأهل: لما لم يصبح في الأرض مثله في العبادة و الزهد، سماه الناس «زين العابدين» و حين رأوه لا يقوم من سجوده الا الي سجود سموه «السجاد»، و حين ارتفعت علامات السجود في جبهته و مواضع سجوده سموه «ذو الثفنات» [364] . في تاريخ اليعقوبي: توفي الامام علي بن الحسين عليه السلام في سنة 99، و قيل: سنة 100 من الهجرة، و له من العمر ثمان و خمسون عاما [365] . و كان أفضل الناس [أهل زمانه]، و أشدهم عبادة،

و كان يسمي «زين العابدين»، و لما غسل [جرد من ثيابه و هو علي المغتسل] وجد علي كتفه جلب كجلب البعير، فقيل لأهله: ما هذه الآثار؟ قالوا: من حمله للطعام في الليل يدور به علي منازل الفقراء [366] . و في الطبقات الكبري: عن عبدالله بن أبي سليمان: كان علي بن الحسين عليه السلام اذا مشي كأن الطير علي رأسه، لا تسبق يمينه [ صفحه 271] شماله، و لا تجاوز يده فخذه، و لا يخطر بيده، و عليه السكينة و الوقار. و كان اذا قام الي الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم و أناجي [367] . و وقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله، النار النار، فما رفع رأسه من سجوده حتي اطفئت، فقيل له بعد جلوسه: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الكبري [368] .

مناجاته في البيت الحرام

روي الأصمعي، قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلة، فاذا شاب ظريف الشمائل، و عليه ذؤابتان و هو متعلق بأستار الكعبة، و يقول: «نامت العيون، و غارت النجوم، و أنت الملك الحي القيوم، غلقت الملوك أبوابها، و أقامت عليها حراسها، و بابك مفتوح للسآئلين، جئتك لتنظر الي برحمتك يا أرحم الراحمين». ثم أنشأ يقول: [369] . [ صفحه 272] يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم يا كشف الضر و البلوي مع السقم قد نام وفدك حول البيت قاطبة و أنت وحدك يا قيوم لم تنم أدعوك رب دعآء قد أمرت به فارحم بكآئي بحق البيت و الحرم ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود علي العاصين بالنعم [370] . قال: فاقتفيته فاذا هو علي

بن الحسين عليهماالسلام لقد تعلق هذا الامام العظيم بالله سبحانه و تعالي، و انقطع اليه، و قد أطاعه و عبده عن [ صفحه 273] معرفة و ايمان و اخلاص. عن طاووس اليماني أنه قال: مررت بالحجر في رجب و اذا أنا بشخص راكع و ساجد، فتأملته فاذا هو علي بن الحسين عليهماالسلام، فقلت: يا نفسي، رجل صالح من أهل بيت النبوة، و الله لأغتنم دعآءه، فجعلت أرقبه حتي فرغ من صلاته، و رفع باطن كفيه الي السماء و جعل يقول: «سيدي سيدي، و هذه يداي قد مددتهما اليك بالذنوب مملوة، و عيناي اليك بالرجاء ممدودة، و حق لمن دعاك بالندم تذللا، أن تجيبه بالكرم تفضلا. سيدي، أمن اهل الشقاء خلقتني فاطيل بكائي؟ أم أهل السعادة خلقتني فابشر رجائي؟ سيدي، ألضرب المقامع خلقت أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟ سيدي، لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه، فكنت أول الهاربين منك، لكني أعلم أني لا أفوتك. سيدي، لو أن عذابي يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه، غير أني أعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، و لا ينقص منه معصية العاصين. سيدي، ما أنا، و ما خطري [371] ؟ هب لي خطاياي بفضلك، و جللني بسترك، و اعف عن توبيخي بكرم وجهك. [ صفحه 274] الهي و سيدي، ارحمني مطروحا علي الفراش تقلبني أيدي أحبتي، و ارحمني مطروحا علي المغتسل يغسلني صالح جيرتي، و ارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، و ارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي و غربتي و وحدتي فما للعبد من يرحمه الا مولاه»! ثم سجد و قال: «أعوذ بك من نار حرها لا يطفي، و جديدها لا يبلي، و عطشانها لا

يروي.» و قلب خده الأيمن و قال: «اللهم لا تقلب وجهي في النار بعد تعفيري و سجودي لك بغير من مني عليك، بل لك الحمد و المن علي». ثم قلب خده الايسر و قال: «ارحم من أساء و اقترف، و استكان و اعترف». ثم عاد الي السجود، و قال: «ان كنت بئس العبد، فأنت نعم الرب، العفو، العفو (مائة مرة)». قال طاووس: فبكيت حتي علا نحيبي، فالتفت الي و قال: ما يبكيك يا يماني؟ أو ليس هذا مقام المذنبين! فقلت: حبيبي حقيق علي الله ان لا يردك و جدك محمد صلي الله عليه و آله و سلم. قال طاووس: فلما كان في العام المقبل في شهر رجب بالكوفة فمررت بمسجد غني، فرأيته عليه السلام يصلي و يدعو بهذا الدعاء، [ صفحه 275] و فعل كما فعل في الحجر. [372] . لقد سمت روح الامام عليه السلام الي الملأ الأعلي، و تعلقت به، و انقطعت اليه. 4 - و نقل الرواة عن الحسن البصري أنه رأي الامام في الكعبة، و هو يتضرع الي الله، و يدعوه منيبا، فدنا منه فسمعه ينشد هذه الأبيات الرقيقة: ألا أيها المأمول في كل حاجة شكوت اليك الضر فاسمع شكايتي ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي فهب لي ذنوبي كلها و اقض حاجتي و ان اليك القصد في كل مطلب و أنت غياث الطالبين و غايتي أتيت بأفعال قباح ردية فما في الوري خلق جني كجنايتي فزادي قليل لا أراه مبلغي أللزاد أبكي أم لبعد مسافتي أتجمعني و الظالمين مواقف فأين طوافي ثم أين زيارتي أتحرقني بالنار يا غاية المني فأين رجائي ثم أين مخافتي؟ فيا سيدي فامنن علي بتوبة فانك رب عالم

بمقالتي و أثر ذلك تأثيرا بالغا في نفس الحسن البصري، فاندفع يقبل [ صفحه 276] رجلي الامام و هو يقول له: يا سلالة النبوة، ما هذه المناجاة و البكاء و أنت من أهل بيت النبوة؟ و قد أنزل الله سبحانه و تعالي فيكم: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [373] . فانبري الامام يبين له واقع الاسلام الذي تبني الأعمال الصالحة و لا يقيم وزنا للأنساب قائلا: «دع هذا، خلقت الجنة لمن أطاع الله، ولو كان عبدا حبشيا، و خلقت النار لمن عصاه ولو كان حرا قرشيا، و قال صلي الله عليه و آله و سلم: ائتوني بأعمالكم لا بأنسابكم...» [374] . و من مناجاته عليه السلام في بيت الله الحرام، ما رواه طاووس اليماني قال: دخلت الحجر - يعني حجر اسماعيل - في الليل فاذا علي بن الحسين عليه السلام قد دخل فقام يصلي ما شاء الله، ثم سجد سجدة فأطال فيها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوة لأصغين اليه، فسمعته يقول: «عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك فتصدق عليه بالجنة» [375] . [ صفحه 277] و حفظ طاووس هذه المناجاة القصيرة التي عبرت عن نكران الذات، و الأعتراف بالعبودية المطلقة لله سبحانه، فكان يدعو بها عند الحاجة، و عند الشدة، و ان الله يكشف ما ألم به كما حدث بذلك. هذه بعض مناجاة الامام عليه السلام في بيت الله الحرام، و هي تكشف عن عظيم انابته و اتصاله الوثيق بالله سبحانه، و له مناجاة كثيرة اخري سوف نعرض لها ان شاء الله. و من مناجاته في بيت الله الحرام في غلس الليل البهيم: روي محمد بن أبي حمزة، عن أبيه قال:

رأيت علي بن الحسين عليه السلام في فناء الكعبة، و هو يصلي، فأطال القيام... ثم سمعته يناجي ربه بصوت عال كأنه باك: «يا سيدي تعذبني و حبك في قلبي؟!! أما و عزتك لتجمعن بيني و بين قوم طالما عاديتهم فيك...» [376] . مما جاء في جوامع مناقب زين العابدين عليه السلام و فضائله ما رواه المفيد في الارشاد بسنده قال: سمع سائل في جوف الليل و هو يقول: اين الزاهدون في الدنيا، الراغبون في الآخرة؛ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته و لا يري شخصه: ذاك علي بن الحسين [377] . [ صفحه 278] و نظر عليه السلام يوم عرفة الي قوم يسألون الناس، فقال: ويحكم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم انه ليرجي في هذا اليوم لما في بطون الحبالي أن يكون سعيدا [378] .

كثرة سجوده

ان أقرب ما يكون العبد من ربه هو في حال سجوده - كما في الحديث - و كان الامام زين العابدين عليه السلام كثير السجود لله خضوعا له، و تذليلا أمامه. و يقول الرواة: انه خرج في احد الايام الي الصحراء فتبعه مولي له فوجده ساجدا علي حجارة خشنة، فأحصي عليه ألف مرة يقول: لا اله الا الله حقا حقا، لا اله الا الله تعبدا و رقا، لا اله الا الله ايمانا و صدقا [379] . و كان يسجد سجدة الشكر، و يقول فيها مائة مرة: «الحمد لله شكرا» و بعدها يقول: «يا ذا المن الدائم الذي لا ينقطع أبدا، و لا يحصيه غيره عددا، و يا ذا المعروف الذي لا ينفذ أبدا، يا كريم، يا كريم، يا كريم»، و يتضرع بعد ذلك و يذكر حاجته [380] . [ صفحه 279]

كثرة تسبيحه

و كان دوما مشغولا بذكر الله و تسبيحه و حمده، و كان يسبح الله بهذه الكلمات المشرقة: «سبحان من نوره كل ظلمة، سبحان من قدر بقدرته كل قدرة، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم، فلا شي ء يحجبه، سبحان الله و بحمده» [381] .

دعاؤه بعد صلاة الليل

و كان عليه السلام اذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الشريف، و هو من غرر أدعية أئمة أهل البيت عليهم السلام، و هذا نصه: «اللهم يا ذا الملك المتأبد بالخلود [382] ، و السلطان الممتنع بغير جنود و لا أعوان، و العز الباقي علي مر الدهور، و خوالي الأعوام و مواضي الأزمان و الأيام، عز سلطانك عزا لا حد له بأولية، و لا منتهي له بآخرية، و استعلي ملكك علوا سقطت الأشياء دون بلوغ أمده و لا يبلغ أدني ما استأثرت به من ذلك أقصي نعت الناعتين. ضلت فيك الصفات، و تفسخت [383] دونك النعوت، و حارت في كبريائك لطائف الأوهام. كذلك أنت الله الأول في أوليتك، و علي ذلك أنت دائم لا تزول [ صفحه 280] و أنا العبد الضعيف عملا، الجسيم أملا، خرجت من يدي أسباب الوصلات الا ما وصله رحمتك، و تقطعت عني عصم الآمال [384] الا ما أنا معتصم به من عفوك، قل عندي ما أعتد به من طاعتك، و كثر علي ما أبوء به [385] من معصيتك، و لن يضيق عليك عفو عن عبدك و ان أساء، فاعف عني [386] .

دعاؤه في السحر

كان الامام زين العابدين عليه السلام يناجي ربه، و يدعوه بتضرع و اخلاص في سحر ليالي شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي، لأن الامام عليه السلام أملاه عليه و هو الذي رواه عنه، و هو من غرر أدعية أئمة أهل البيت عليهم السلام فيه كيفية التهجد و المواعظ، و قد امتاز بجمال الاسلوب، و روعة البيان، و بلاغة العرض، و فيه من التذلل و الخشوع و الخضوع أمام الله تعالي، ما لا يوجد في بقية الأدعية و نقتطف بعض القطع المضيئة

منه دونه أن نذكره بأسره، و ذلك لذيوعه و انتشاره في كتب الأدعية التي هي بمتناول الكثيرين من القراء. و قبل أن نذكر بعض فقرات هذا الدعاء نود أن نبين أنه قد احتل [ صفحه 281] مكانة مهمة في نفوس الأخيار و الصلحاء من المسلمين فقد عكفوا علي الدعاء به في سحر كل ليلة من ليالي رمضان و فيما يلي بعض فقراته: «الهي لا تؤدبني بعقوبتك، و لا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا رب و لا يوجد الا من عندك؟ و من أين لي النجاة و لا تستطاع الا بك؟ لا الذي أحسن استغني عن عونك و رحمتك، و لا الذي أسآء و اجترأ عليك و لم يرضك خرج عن قدرتك، يا رب يا رب يا رب. حتي ينقطع النفس بك عرفتك، و أنت دللتني عليك، و دعوتني اليك، ولو لا أنت لم أدر ما أنت». أرأيتم عابد البيت كيف يناجي ربه، و يتضرع اليه يحاججه بهذا الاسلوب الذي ينبض بواقع الايمان و المعرفة... و لنستمع الي قطعة اخري من هذا الدعاء الشريف: «يا حبيب من تحبب اليك، و يا قرة عين من لاذ بك، و انقطع اليك، أنت المحسن، و نحن المسيؤن، فتجاوز يا رب عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك، و أي جهل يا رب لا يسعه جودك؟ و أي زمان أطول من أناتك؟ و ما قدر أعمالنا في جنب نعمك؟ و كيف نستكثر أعمالا نقابل بها كرمك؟ بل كيف يضيق علي المذنبين ما وسعهم من رحمتك؟ يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة. فوعزتك لو انتهرتني [387] ما برحت من بابك، و لاكففت عن [ صفحه 282]

تملقك [388] لما انتهي الي من المعرفة بجودك و كرمك...». و هكذا يستمر الامام عليه السلام في تملقه و تضرعه الي الخالق العظيم طالبا منه المغفرة و الرضوان، و اسمعوه كيف يقول: «اللهم اني كلما قلت قد تهيأت و تعبأت [389] و قمت للصلاة بين يديك و ناجيتك ألقيت علي نعاسا اذا أنا صليت، و سلبتني مناجاتك اذا أنا ناجيت! مالي كلما قلت قد صلحت سريرتي، و قرب من مجالس التوابين مجلسي، عرضت لي بلية أزالت قدمي، و حالت بيني و بين خدمتك! سيدي لعلك عن بابك طردتني، و عن خدمتك نحيتني! أو لعلك رأيتني مستخفا بحقك فأقضيتني [390] ! أو لعلك رايتني معرضا عنك فقليتني [391] ! أو لعلك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني! أو لعلك رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني! أو لعلك فقدتني من مجالس العلمآء فخذلتني! أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني! أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني و بينهم خليتني! أو لعلك لم تحب أن تسمع دعائي فباعدتني! أو لعلك بجرمي و جريرتي كافيتني! أو لعلك بقلة حيائي منك جازيتني! فان عفوت يا رب، فطالما عفوت عن المذنبين قبلي، لأن كرمك - أي رب - يجل عن مجازاة [ صفحه 283] المذنبين، و حلمك يكبر عن مكافاة المقصرين...» [392] . و عرض الامام عليه السلام الي الامور التي تحجب الانسان من الاقبال علي الله في حال صلاته و مناجاته، و هذه بعضها: 1 - الاستخفاف بحقوق الله، و ذلك بأن يستهين بها. 2 - الاعراض عن الله. 3 - عدم اجتناب الكذب الذي هو مجمع الرذائل و الموبقات. 4 - عدم شكر النعم التي أنعم الله بها علي العبد. 5

- عدم مجالسة العلماء الواقعيين الذين يذكرون الناس الدار الآخرة و يحثونهم علي فعل الخيرات. 6 - الغفلة عن ذكر الله، و الغفلة عن ذكر الموت فانهما يجران الانسان الي الشقوة و الهلاك. 7 - مجالسة البطالين الذين يقضون أوقاتهم باللهو، و يضيعون أعمارهم في توافه الامور، فان مجالستهم مما توجب الانصراف عن الله. هذه بعض الامور التي تحجب المؤمن من توفيق الطاعة و الاتصال بالله تعالي، و تصده عن العبادة و فعل الخير، أعاذنا الله منها. ولو التفتنا و أنصفنا أنفسنا لجعلنا من هذه الأدعية سلما للرقي الي المجد، و مدرجا للعز، و مرتقي للكمال، و منهجا قويما لحياتنا العامة، و لنلنا بها سعادة الدنيا، و نعيم الآخرة. [ صفحه 284]

ادعية الصحيفة السجادية

أدعية الامام زين العابدين عليه السلام برامج ثقافية للمعارف، و الأخلاق، و سلسلة رفيعة في الحكم و النصائح و معالم فريدة في التوحيد و العرفان، و مجموعة كبيرة من المواعظ و الآداب، لم يحو كتاب بعد القرآن الكريم و نهج البلاغة و كتب الحديث ما حوته من منابع الخير و الرشاد. و الحديث عنها مهما سما فهو أقل منها، و ما عسي أن يقول قائل في زبور آل محمد، و منهل التوحيد، و نهج الفصاحة، و منتهي البلاغة. لقد وجد الامام علي بن الحسين في عصر قد استسلم الناس فيه لشهواتهم، و طغت عليهم سيرة حكامهم، فابتعدوا عن مفاهيم الرسالة و أخلاق الاسلام، و آدابه، و لم يتسن له أن يرتقي المنابر و يقف في المجتمعات لارشاد الناس الي ما يصلحهم من أخلاق الاسلام و آدابه و أحكامه و انقاذهم من أئمة الجور الذين شوهوا وجه الاسلام بسلوكهم و طغيانهم و تمادوا في استهتارهم بالقيم

و انتهاك الحريات و الحرمات، فجعل ينشر رسالة الاسلام و يدعو الناس الي الرجوع الي دينهم و كتابهم و أخلاقهم و سيرة نبيهم و يدعو الحكام الي الحقاق الحق و اقامة العدل و انصاف المحرومين و المعذبين و يلفت الأنظار الي ما يجب أن يتوفر في الحكام و ما لهم علي الرعية من حقوق و واجبات في مقابل قيامهم بحفظ الأمن و نشر العدل و حفظ الثغور و ما الي ذلك مما يضمن للدولة حقها و لكل انسان كرامته و حقه في الحياة. [ صفحه 285] لقد كان الامام علي بن الحسين عليه السلام يحرص علي أن يضع الناس علي اختلاف طبقاتهم و منازلهم تجاه مسؤولياتهم و ما يجب عليهم لله و للناس و لكن باسلوب يختلف عن أساليب الوعاظ و المرشدين و القصاصين، لقد استعمل اسلوب الحوار مع الله و مناجاته و استعطافه و تمجيده في ستين دعاء عرفت بالصحيفة السجادية، رواها عنه الامام الباقر عليه السلام، و ولده زيد بن علي، و ثقات أصحاب الأئمة و تداولها الشيعة من بعده، و لا تزال من المقدسات عند خيار الشيعة يواظبون علي أدعيتها في الليل و النهار و الغدوات و الأسحار و طلب الحوائج، و غير ذلك. و مما جاء في بعض أدعيتها في ليالي رمضان: «الهي لم أعصك حين عصيتك و أنا بربوبيتك جاحد، و لا بأمرك مستخف، و لا لعقوبتك متعرض، و لا لوعيدك متهاون، و لكن خطيئة، عرضت، و سولت [393] لي نفسي، و غلبني هواي، و أعانني عليها شقوتي، و غرني سترك المرخي علي، فقد عصيتك و خالفتك بجهدي. فالآن من عذابك من يستنقذني و من ايدي الخصماء غدا من يخلصني و بحبل

من اتصل ان انت قطعت حبلك عني. فوا أسفا علي ما أحصي كتابك من عملي الذي لولا ما أرجو من كرمك، و سعة رحمتك، و نهيك اياي عن القنوط لقنطت عندما أتذكرها، يا خير من دعاه داع، و أفضل من رجاه راج». و في هذا الدعاء يقول: «الهي ارحمني اذا انقطعت حجتي، و كل عن جوابك لساني، [ صفحه 286] و طاش [394] عند سؤالك اياي لبي. الهي ان عفوت فمن أولي منك بالعفو و ان عذبت فمن أعدل منك في الحكم؟ ارحم في هذه الدنيا غربتي، و عند الموت كربتي، و في القبر وحدتي، و في اللحد وحشتي، و اذا نشرت للحساب بين يديك ذل موقفي، فاغفر لي ما خفي علي الآدميين من عملي، و أدم لي ما به سترتني، و ارحمني صريعا علي الفراش تقلبني أيدي أحبتي، و تفضل علي ممدودا علي المغتسل يغسلني صالح جيرتي، و تحنن علي محمولا قد تنال الأقرباء أطراف جنازتي، وجد علي منقولا قد نزلت بك وحيدا في حفرتي، و ارحم في ذلك البيت الجديد غربتي حتي لا أستأنس بغيرك، يا سيدي ان وكلتني الي نفسي هلكت». و يمضي الامام عليه السلام في الدعاء لنفسه و أهله و اخوانه و جيرانه و جميع المسلمين، ثم يقول: «الهي و سيدي و عزتك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، و لئن طالبتني بجرمي لأطالبنك بكرمك، و لئن أدخلتني النار لأخبرن أهل النار بحبي لك. الهي ان كنت لا تغفر الا لأوليائك و أهل طاعتك فالي من يفزع المذنبون؟ و ان كنت لا تكرم الا أهل الوفاء بك فبمن يستغيث المسيئون؟ الهي ان أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، و ان أدخلتني [

صفحه 287] الجنة ففي ذلك سرور نبيك، و أنا و الله أعلم أن سرور نبيك أحب اليك من سرور عدوك. اللهم أعطني بصيرة في دينك، و فهما في حكمك و فقها في علمك، و ورعا يحجزني عن معصيتك. اللهم اني أعوذ بك من الكسل و الجبن و البخل و الغفلة و القسوة و الذلة و المسكنة و الفقر و الفاقة. و أعوذ بك من نفس لا تقنع، و بطن لا يشبع، و قلب لا يخشع، و دعاء لا يسمع، و عمل لا ينفع. اللهم انك أنزلت في كتابك العفو و أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا و قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فانك أولي بذلك منا [395] . نذكر مختارات من أدعيته القصار أخذناها من الصحيفة و غيرها: 1 - من دعاء له عليه السلام سمعه منه حماد بن حبيب الكوفي في البيداء، بين مكة و المدينة: يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا، و أمه الخائفون فوجدوه معقلا، و لجأ اليه العائدون فوجدوه موئلا، متي راحة من نصب لغيرك بدنه، و متي فرح من قصد سواك بنيته، الهي قد انقشع الظلام و لم أقض من حياض مناجاتك صدرا، صل علي محمد و آله و افعل بي أولي الأمرين بك يا أرحم الراحمين. [ صفحه 288] 2 - من دعاء له عليه السلام علمه أولاده لاستدفاع المصائب: عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول لأولاده: يا بني اذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا، او نزل بكم فاقة، أو أمر فادح فليتوضأ الرجل منكم وضوءه للصلاة، و ليصل أربع ركعات، أو ركعتين، فاذا فرغ من صلاته فليقل: «يا موضع كل شكوي، يا سامع كل نجوي، يا شافي

كل بلوي، و يا عالم كل خفية، و يا كاشف ما يشاء من بلية، و يا منجي موسي، و يا مصطفي محمد، و يا متخذ ابراهيم خليلا. أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، و ضعفت قوته، و قلت حيلته. دعاء الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه الا أنت يا أرحم الراحمين، سبحانك اني كنت من الظالمين». قال علي بن الحسين عليهماالسلام: لا يدعو بهذا رجل أصابه بلاء، الا فرج عنه [396] . 3 - من دعاء له عليه السلام في السحر: «اللهم ان استغفاري اياك و أنا مصر علي ما نهيت قلة حياء، و تركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك تضييع لحق الرجاء. اللهم ان ذنوبي تؤيسني أن أرجوك، و ان علمي بسعة رحمتك [ صفحه 289] يؤمنني أن أخشاك، فصل علي محمد و آل محمد، و حقق رجائي لك، و كذب خوفي منك، و كن لي عند أحسن ظني بك يا أكرم الأكرمين، و أيدني بالعصمة و أنطق لساني بالحكمة، و اجعلني ممن يندم علي ما ضيعه في أمسه» [397] . 4 - من دعاء له عليه السلام. «اللهم اني أعوذبك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، و تقبح فيما عندك سريرتي. اللهم فكما أسأت و أحسنت الي، فاذا عدت فعد علي» [398] . 5 - من دعاء له عليه السلام: «اللهم من انا حتي تغضب علي؟! فوعزتك ما يزين ملكك احساني، و لا يقبحه اساءتي، و لا ينقص من خزائنك غناي، و لا يزيد فيها فقري» [399] . [ صفحه 290] 6 - من دعاء له عليه السلام بخواتم الخير: «يا من ذكره شرف للذاكرين، و يا من شكره فوز للشاكرين، و يا من

طاعته نجاة للمطيعين، صل علي محمد و آله، و اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، و ألسنتنا بشكرك عن كل شكر، و جوارحنا بطاعتك عن كل طاعة، فان قدرت لنا فراغا من شغل، فاجعله فراغ سلامة، لا تدركنا فيه تبعة، و لا تلحقنا فيه سأمة [400] ، حتي ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكر سيئاتنا، و يتولي كتاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا. و اذا انقضت أيام حياتنا، و تصرمت مدد أعمارنا، و استحضرتنا دعوتك التي لابد منها و من اجابتها، فصل علي محمد و آله و اجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة، لا توقفنا بعدها علي ذنب اجترحناه، و لا معصية اقترفناها، و لا تكشف عنا سترا سترته علي رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك، انك رحيم بمن دعاك، و مستجيب لمن ناداك» [401] . 7 - من دعاء له عليه السلام اذا دفع عنه ما يحذر أو عجل له مطلبه: «اللهم لك الحمد علي حسن قضائك، و بما صرفت عني من بلائك، فلا تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي من عافيتك، فأكون قد شقيت بما أحببت، و سعد غيري بما كرهت و ان يكن ما ظللت فيه، [ صفحه 291] أو بت فيه من هذه العافية بين يدي بلاء لا ينقطع، و وزر لا يرتفع، فقدم لي ما أخرت، و أخر عني ما قدمت. فغير كثير ما عاقبته الفناء، و غير قليل ما عاقبته البقاء، و صل علي محمد و آله» [402] . 8- من دعاء له عليه السلام اذا عرضت له مهمة، أو نزلت به ملمة، و عند الكرب: «يا من تحل به عقد المكاره، و

يا من يفثأ [403] به حد الشدائد، و يا من يلتمس منه المخرج الي روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب، و تسببت بلطفك الأسباب، و جري بقدرتك القضاء، و مضت علي ارادتك الاشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة. أنت المدعو للمهمات، و أنت المفزع في الملمات [404] لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بي يا رب ما قد تكأدني [405] ثقله، و ألم بي ما قد بهظني [406] حمله، و بقدرتك أوردته علي، و بسلطانك وجهته الي. فلا مصدر لما أوردت، و لا صارف لما وجهت، و لا فاتح لما اغلقت و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت، و لا ناصر لمن [ صفحه 292] خذلت. فصل علي محمد و آله، و افتح لي يا رب باب الفرج بطولك و اكسر عني سلطان الهم بحولك، و انلني حسن النظر فيما شكوت و أذقني حلاوة الصنع فيما سألت، وهب لي من لدنك رحمة و فرجا هنيئا، و اجعل لي من عندك مخرجا، و حيا [407] ، و لا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك، و استعمال سنتك، فقد ضقت لما نزل بي يا رب ذرعا، و امتلأت بحمل ما حدث علي هما، و أنت القادر علي كشف ما منيت به [408] و دفع ما وقعت فيه، فافعل بي ذلك و ان لم أستوجبه منك يا ذا العرش العظيم» [409] . 9 - من دعاء له عليه السلام اذا قتر عليه الرزق: «اللهم انك ابتليتنا في أرزاقنا بسوء الظن، و في آجالنا بطول الأمل، حتي التمسنا ارزاقك من عند المرزوقين، و طمعنا

بآمالنا في أعمار المعمرين. فصل علي محمد و آل محمد وهب لنا يقينا صادقا تكفينا به من مؤنة الطلب، و ألهمنا ثقة خالصة تعفينا بها من شدة النصب و اجعل ما صرحت به من عدتك في وحيك، و أتبعته من قسمك في كتابك، قاطعا لاهتمامنا بالرزق الذي تكفلت به، و حسما للاشتغال بما ضمنت [ صفحه 293] الكفاية له، فقلت و قولك الحق الأصدق، و أقسمت و قسمك الأبر الأوفي: (و في السماء رزقكم و ما توعدون) [410] . ثم قلت: (فورب السماء و الأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون) [411] [412] . و لم يكتف هو بالاحسان الي من كان يسي ء اليه، بل كان يطلب لهم العفو و المغفرة من الله سبحانه و يقول: «اللهم و أيما عبد نال مني ما حظرت عليه، و انتهك مني ما حجرت [413] عليه، فمضي بظلامتي ميتا، أو حصلت لي قبلة [414] حيا، فاغفر له ما ألم به مني، و اعف له عما أدبر به عني، و لا تقفه علي ما ارتكب في، و لا تكشفه عما اكتسب بي، و اجعل ما سمحت به من العفو عنهم، و تبرعت به من الصدقة عليهم، أزكي صدقات المتصدقين، و أعلي صلات المتقربين، و عوضني من عفوي عنهم عفوك، و من دعائي لهم رحمتك، حتي يسعد كل واحد منا بفضلك، و ينجو كل منا بمنك» [415] . و كان مع كل ذلك يري نفسه مقصرا في حقوق الناس، و يعتذر الي الله من ذلك و يقول في بعض أدعيته: [ صفحه 294] «اللهم اني أعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي [416] فلم أنصره، و من معروف اسدي [417] الي فلم

أشكره، و من مسي ء اعتذر الي فلم أعذره و من ذي فاقة سألني فلم اوثره [418] و من حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم اوفره [419] و من عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره، و من كل اثم عرض لي فلم أهجره. أعتذر اليك يا الهي منهن و من نظائرهن اعتذار ندامة يكون واعظا لما بين يدي من أشباههن، فصل علي محمد و آله، و اجعل ندامتي علي ما وقعت فيه من الزلات، و عزمي علي ترك ما يعرض لي من السيئات، توبة توجب لي محبتك يا محب التوابين» [420] . و كان يدعو في خلواته مع الله سبحانه للمحاربين و المرابطين علي حدود البلاد التي تفصل بين بلاد المسلمين و بلاد المشركين و الكفار، و يسأله سبحانه لهم الصبر و التاييد و النصر علي أعداء الاسلام. من دعاءه لأهل الثغور: «أللهم صل علي محمد و آله، و حصن ثغور المسلمين بعزتك، و أيد حماتها بقوتك، و أسبغ عطاياهم من جدتك. اللهم صل علي محمد و آله، و كثر عدتهم و اشحذ أسلحتهم، و احرس حوزتهم، و امنع حومتهم، و ألف جمعهم، و دبر أمرهم، و واتر [ صفحه 295] بين ميرهم و توحد بكفاية مؤنهم، و اعضدهم بالنصر، و أعنهم بالصبر، و الطف لهم في المكر. اللهم صل علي محمد و آله و انسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور و امح عن قلوبهم خطرات المال الفتون و اجعل الجنة نصب أعينهم. اللهم اغز بكل ناحية من المسلمين علي من بأزائهم من المشركين و امددهم بملائكة من عندك مردفين حتي يكشفوهم الي منقطع التراب قتلا في ارضك و اسري او يقروا بانك انت

الله الذي لا اله الا انت وحدك لا شريك لك. و كان من دعائه لنفسه. «اللهم أوسع علي من رزقك و لا تفتني بالبطر و أعزني و لا تبتلني بالكبر، و عبدني لك و لا تفسد عبادتي بالعجب، و أجر للناس علي يدي الخير و لا تمحقه بالمن. اللهم لا ترفعني عند الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها، و لا تحدث لي عزا ظاهرا الا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها. اللهم لا تدع خصلة تعاب مني الا أصلحتها، و لا عائبة أؤنب بها الا أحسنتها، و لا اكرومة في ناقصة الا أتممتها، و وفقني لطاعة من سددني، و متابعة من أرشدني، و سددني لأن اعارض من غشني بالنصح و أجزي من هجرني بالبر و أثيب من حرمني بالبذل، و أكافي ء من قطعني بالصلة، و أخالف من اغتابني الي حسن الذكر، و أن أشكر الحسنة، [ صفحه 296] و أغضي عن السيئة». و في هذه المناجاة يقول: «أللهم اجعلني أحول بك عند الضرورة، و أسألك عند الحاجة، و أتضرع اليك عند المسكنة، و لا تفتني بالاستعانة بغيرك اذا اضطررت و لا بالخضوع لسؤال غيرك اذا افتقرت فأستحق بذلك خذلانك و منعك و اعراضك يا أرحم الراحمين».

هدف الدعاء

سمع الامام عليه السلام رجلا في أثناء طوافه بالكعبة، و هو يسأل الله الصبر، فالتفت الامام اليه قائلا: «سألت البلاء، و لكن قل: اللهم اني أسألك العافية، و الشكر علي العافية» [421] . لقد أرشده الامام الي الدعاء الذي ينبغي أن يدعو به، و هو طلب العافية و الشكر عليها، و حذره من الدعاء بطلب الصبر لأنه انما يكون فيما اذا نزل به بلاء أو فاقة.

كان الامام يدعو بدعائه المعروف في يوم عرفة

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السموات [ صفحه 297] و الأرض، ذا الجلال و الاكرام، رب الارباب، و اله كل مألوه [422] ، و خالق كل مخلوق، و وارث كل شي ء، ليس كمثله شي ء، و لا يعزب [423] عنه علم شي ء و هو بكل شي ء محيط، و هو علي كل شي ء رقيب الي أخر الدعاء، و هو مذكور في الصحيفة السجادية و كتب الأدعية. [424] .

من أدعيته في عيد الفطر و عيد الأضحي

و كان الامام زين العابدين عليه السلام يستقبل يوم عيد الأضحي بالابتهال الي الله سبحانه و التضرع اليه بشتي فنون الدعاء، منها: «اللهم هذا يوم مبارك ميمون، و المسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك... لا اله الا أنت الحليم الكريم، الحنان، المنان، ذو الجلال و الاكرام، بديع السموات، و الأرض... اللهم اليك تعمدت بحاجتي، و بك أنزلت اليوم فقري و فاقتي و مسكنتي، و اني بمغفرتك و رحمتك أوثق مني بعملي، و لمغفرتك و رحمتك أوسع من ذنوبي. فصل علي محمد و آل محمد، و تول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها، و تيسير ذلك عليك، و بفقري اليك و غناك عني، فاني لم [ صفحه 298] اصب خيرا قط الا منك، و لم يصرف عني سوءا قط أحد غيرك، و لا أرجو لأمر آخرتي و دنياي سواك... اللهم من تهيأ و تعبأ و أعد و استعد لوفادة الي مخلوق رجاء رفده و نوافله [425] و طلب نيله و جائزته فاليك يا مولاي كانت اليوم تهيئتي و تعبئتي و اعدادي و استعدادي رجاء عفوك و رفدك، و طلب نيلك [426] و جائزتك. اللهم فصل علي محمد و آل محمد، و لا تخيب اليوم ذلك من رجائي،

يا من لا يحفيه [427] سائل، و لا ينقصه نائل، فاني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته، و لا شفاعة مخلوق رجوته، الا شفاعة محمد و اهل بيته عليه و عليهم سلامك، أتيتك مقرا بالجرم و الأساءة الي نفسي، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين، ثم لم يمنعك طول عكوفهم [428] علي عظيم الجرم أن عدت عليهم بالرحمة و المغفرة. فيا من رحمته واسعة و عفوه عظيم، يا عظيم، يا كريم يا كريم، صل علي محمد و آل محمد، و عد علي برحمتك و تعطف علي بفضلك، و توسع علي بمغفرتك. اللهم ليس يرد غضبك الا حلمك، و لا ينجي من سخطك الا التضرع اليك، فهب لنا يا الهي من لدنك فرجا بالقدرة التي تحي بها ميت [ صفحه 299] العباد، لا تهلكني غما حتي تستجيب لي و تعرفني الاجابة في دعائي، و أذقني طعم العافية الي منتهي أجلي» [429] ألي آخر الدعاء المذكور في كتب الأدعية.

استجابة دعائه

و مما اختص به أئمتنا عليهم السلام هو استجابة الدعاء، فجل من ترجم لهم ذكر هذه المنقبة، و أورد الشواهد الكثيرة، و سبق لنا أن أوقفنا المطالع الكريم فيما مضي من هذه السلسلة علي بعض المواطن التي دعا بها الأئمة عليهم السلام، و حصول الاستجابة من المولي جل شأنه لهم، و في هذه الصفحات بعض ما ورد من استجابة الدعاء للامام زين العابدين عليه السلام: 1 - قال المنهال بن عمرو: حججت فلقيت علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: ما فعل حرملة بن كاهل؟ قلت: تركته حيا بالكوفة. فرفع يديه، ثم قال: «اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار. قال: فتوجهت نحو المختار فاذا بقوم يركضون و يقولون:

البشارة أيها الأمير، قد أخذ حرملة - و قد كان تواري عنه - فامر بقطع يديه و رجليه و حرقه بالنار [430] . [ صفحه 300] و في رواية: قلت: سبحان الله قد استجاب الله دعاء العبد الصالح، في حرملة بن كاهل. 2 - كان زين العابدين يدعو كل يوم أن يريه الله قاتل أبيه مقتولا، فلما قتل المختار قتلة الحسين عليه السلام بعث برأسي عبيدالله بن زياد، و عمر بن سعد مع رسول من قبله الي زين العابدين، و قال لرسوله: انه يصلي من الليل، و اذا اصبح و صلي الغداة هجع ثم يقوم فيستاك، و يؤتي بغذائه، فاذا أتيت بابه فاسأل عنه، فاذا قيل لك، ان المائدة بين يديه فاستأذن عليه، وضع الرأسين علي مائدته، و قل له: المختار يقرأ عليك السلام و يقول لك: يا ابن رسول الله: قد بلغك الله ثأرك. ففعل الرسول ذلك، فلما رأي زين العابدين الرأسين علي مائدته خر ساجدا و قال: «الحمد لله الذي أجاب دعوتي، و بلغني ثأري من قتلة أبي»، و دعا للمختار و جزاه خيرا. [431] . 3 - دعاؤه عليه السلام حين بلغه توجه مسرف بن عقبة الي المدينة: «رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، و كم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري، و كم من معصية أتيتها فسترتها و لم تفضحني! [ صفحه 301] فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، و يا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني، و يا من رآني علي المعاصي فلم يفضحني. يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و يا ذا النعماء التي لا تحصي عددا صل علي محمد و آل محمد،

و دفع عني شره فاني أدرأ بك في نحره، و أستعيذ بك من شره». و كان يقال: انه لا يريد غير علي بن الحسين عليهماالسلام، فسلم منه و أكرمه و حباه و وصله [432] . الاحتجاج: عن ثابت البنائي، قال: كنت حاجا و جماعة عباد البصرة، مثل: أيوب السجستاني، و صالح المري، و عتبة الغلام، و حبيب الفارسي، و مالك بن دينار، فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا، و قد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث، ففزع الينا أهل مكة و الحجاج يسألونا أن نستقي لهم، فأتينا الكعبة، وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها، فمنعنا الاجابة. فبينما نحن كذلك اذا نحن بفتي قد أقبل، و قد أكربته الأحزان، و أقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطا. ثم أقبل علينا، فقال: «يا مالك بن دينار، و يا ثابت البنائي، و يا أيوب السجستاني، و يا صالح المري، و يا عتبة الغلام، و يا حبيب [ صفحه 302] الفارسي، و يا سعد، و يا عمر، و يا صالح الأعمي، و يا رابعة و يا سعدانة، و يا جعفر بن سليمان». فقلنا: لبيك و سعديك يا فتي. فقال: «أما فيكم أحد يحبه الرحمن»؟ فقلنا: يا فتي علينا الدعاء، و عليه الاجابة. فقال: «ابعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه». ثم أتي الكعبة فخر ساجدا، فسمعته يقول في سجوده: «سيدي بحبك لي الا سقيتهم الغيث». قال: فما استتم الكلام حتي أتاهم الغيث كأفواه القرب. فقلت: يا فتي، من أين علمت أنه يحبك؟ قال: «لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني فسألته بحبه لي فأجابني» ثم ولي عنا، و أنشأ يقول: من عرف الرب

فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشقي ما ضر في الطاعة ما ناله في طاعة الله و ماذا لقي ما يصنع العبد بغير التقي و العز كل العز للمتقي فقلت: يا أهل مكة من هذا الفتي؟ قالوا: علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام [433] . الخرائج - و بحارالأنوار: ان علي بن الحسين عليه السلام قال يوما: [ صفحه 303] موت الفجاءة تخفيف المؤمن، و أسف علي الكافر، و ان المؤمن ليعرف غاسله و حامله، فان كان له عند ربه خير ناشد حملته ان يعجلوا به، و ان كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به فقال ضمرة بن سمرة: ان كان كما تقول قفز من السرير و ضحك و أضحك، فقال عليه السلام اللهم ان ضمرة بن سمرة ضحك و اضحك لحديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فخذه اخذة أسف فمات فجاءة، فأتي بعد ذلك مولي لضمرة بن سمرة الي زين العابدين عليه السلام، فقال: آجرك الله في ضمرة مات فجاءة، اني لاقسم لك بالله اني سمعت صوته و أنا أعرفه كما كنت اعرف صوته في حياته في الدنيا و هو يقول: الويل لضمرة بن سمرة، خلا مني كل حميم، و حللت بدار الجحيم، و بها مبيتي و المقيل، فقال الامام علي بن الحسين عليه السلام: الله أكبر هذا جزاء من ضحك و أضحك من حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 305]

شهادته و مدفنه

اغتياله بالسم

كان الامام زين العابدين عليه السلام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس - باعجاب - عن علمه و فقهه و عبادته، و عجبت الاندية بالتحدث عن صبره، و عن حلمه، و عن كرمه و احسانه، و سائر ملكاته، فضلا

عن عبادته و تهجده و قد احتل قلوب الناس و عواطفهم، فكان السعيد من يحظي برؤيته، و السعيد من يتشرف بمقابلته و الاستماع الي حديثه، و قد شق ذلك علي الأمويين، و أقض مضاجعهم، و كان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبدالملك. فقد روي الزهري أنه قال: «لا راحة لي، و علي بن الحسين موجود في دار الدنيا» [434] و أجمع رأي هذا الخبيث الدنس علي اغتيال الامام حينما آل اليه الملك و السلطان، فبعث سما قاتلا الي عامله علي يثرب و أمره أن يدسه للامام [435] و نفذ عامله ذلك، و قد تفاعل السم في بدن الامام، فأخذ يعني أشد الآلام و أقساها، و بقي بضعة أيام علي [ صفحه 306] فراش المرض يبث شكواه الي الله تعالي، و يدعو لنفسه بالمغفرة و الرضوان، و قد تزاحم الناس علي عيادته، و هو عليه السلام يحمد الله، و يثني عليه أحسن الثناء علي ما رزقه من الشهادة علي يد شر البرية.

نصه علي امامة الباقر

و عهد الامام عليه السلام بالامامة الي ولده الباقر عليه السلام رائد الحركة العلمية و الثقافية في الاسلام، يقول الزهري: دخلت عائدا اياه، فقلت له: ان وقع من أمر الله ما لابد منه، فالي من نختلف بعدك؟ فنظر الامام اليه برفق، و قال له: «الي ابني هذا - و أشار الي ولده محمد الباقر - فانه وصيي، و وارثي، و عيبة علمي، هو معدن العلم و باقره...». فقال الزهري: هلا أوصيت الي أبر ولدك؟ و لم يفقه الزهري أمر الامامة، و انها لم تكن بأي حال خاضعة للأعراف القبلية، و قد رد عليه الامام قائلا: «يا أباعبدالله ليس الامامة بالكبر و الصغر، هكذا عهد الينا

رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هكذا وجدناه في اللوح و الصحيفة...». و طلب الزهري المزيد من الايضاح قائلا: يا ابن رسول الله، عهد اليكم نبيكم أن تكونوا الأوصياء بعده؟ فأجابه عليه السلام: «وجدنا في الصحيفة و اللوح اثني عشر اسما مكتوبة في اللوح [ صفحه 307] امامتهم و أسماء آبائهم و أمهاتهم، ثم قال: و يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء منهم المهدي...» [436] . و دخل عليه جماعة من شيعته عائدين اياه، فدلهم علي امامة ولده محمد الباقر، و أمرهم بالرجوع اليه، و دفع اليه سفطا و صندوقا فيه مواريث الأنبياء، و كان فيه سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كتبه [437] .

وصاياه لولده الباقر

و عهد الامام زين العابدين الي ولده الامام محمد الباقر عليه السلام بوصاياه، و كان مما أوصاه به ما يلي: 1 - أنه أوصاه بناقته، فقال له: «اني حججت علي ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط، فاذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج الا جعله الله من نعم الجنة، و بارك في نسله» [438] و نفذ الامام الباقر عليه السلام ذلك. 2 - أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت عليهم السلام، فقد قال له: «يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة فقد قال لي: يا بني اياك [ صفحه 308] و ظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله» [439] . 3 - أنه أوصاه أن يتولي بنفسه غسله و تكفينه [440]

و سائر شؤونه حتي يواريه في مقره الأخير.

الي جنة المأوي

و ثقل حال الامام، و اشتد به المرض، و أخذ يعاني آلاما مرهقة، فقد تفاعل السم مع جميع أجزاء بدنه، و أخبر الامام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل الي الفردوس الأعلي، و أغمي عليه ثلاث مرات: فلما أفاق قرأ سورة (الفاتحة) و سورة (انا فتحنا) ثم قال عليه السلام: (الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين)» [441] . و ارتفعت روحه العظيمة الي خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء و المرسلين، تحفها باجلال و اكبار ملائكة الله، و ألطاف الله و تحياته. لقد سمت تلك الروح العظيمة الي خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها و عبادتها و تجردها من كل نزعة من نزعات الهوي.

تجهيزه

و قام الامام أبوجعفر الباقر عليه السلام بتجهيز جثمان ابيه، فغسل جسده الطاهر، و قد رأي الناس مواضع سجوده، كأنها مبارك [ صفحه 309] الابل من كثرد سجوده لله تعالي، و نظروا الي عاتقه كأنه مبارك الأبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال انه من أثر الجراب الذي كان يحمله علي عاتقه، و يضع فيه الطعام، و يوزعه علي الفقراء و المحرومين [442] و بعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، و صلي عليه الصلاة المكتوبة.

تشييعه

و جري للامام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيرا، فقد شيعه البر و الفاجر، و التفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء و خشوع، و احساس عميق بالخسارة الكبري، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، و فقدوا تلك الروحانية التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، و طاشت العقول بموت الامام، فازدحم أهالي يثرب علي الجثمان المقدس، فالسعيد من يحظي بحمله، و من الغريب أن سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الامام و الصلاة عليه، و قد أنكر عليه ذلك حشرم مولي أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين في المسجد أحب الي من أن أصلي علي هذا الرجل الصالح في البيت الصالح [443] ، و هو اعتذار مهلهل فان حضور تشييع جنازة الامام عليه السلام الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات و أحبها عند الله تعالي. [ صفحه 310]

في مقره الأخير

و جي ء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير و التحميد الي بقيع الغرقد، فحفروا له قبرا بجوار قبر عمه الزكي الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة و ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنزل الامام الباقر جثمان أبيه عليهماالسلام فواراه في مقره الأخير، و قد واري معه العلم و البر و التقوي، و واري معه روحانية الأنبياء و المتقين. و بعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الامام الباقر، و هم يرفعون اليه تعازيهم الحارة، و يشاركونه في لوعته و أساه، و الامام مع اخوته و سائر بني هاشم يشكرونهم علي مواساتهم في الخطب الفادح الجلل، و المصاب العظيم!... [ صفحه 311]

ما قيل من المراثي في حقه

1 - قصيدة للسيد صالح النجفي المعروف بالقزويني: ألا يا أمين الله و ابن أمينه علي خلقه العافي به و المعاقب لك الحجر الميمون دون محمد مقر بفرض الود جهرا مخاطب و كم لك بالقرصين بذلا لعائل و تكليمك الصخر الأصم مناقب و لما استلمت الركن لله ساعيا عليك انحنت بالاستلام الجوانب و تذهب عنك الناس يمني مهابة و يسري و قد ضاقت عليها المذاهب فدان ابن مروان لعزك خاضعا كما لك دانت عجمها و الأعارب أنست محاريبا عليها مواظبا و طرفك فيها للرقاد محارب رضاك رضي الباري و سخطك سخطه و في محكم التنزيل و دك واجب فياليت لا كان الطريد و لم تكن تنوبك من آل الطريد النوائب و دس اليك اسم غدرا بمشرب وليد فلا ساغت لديه المشارب فيا لامام محكم الذكر بعده تداعت له أركانه و الجوانب و يا لسقيم شفه السقم و البكاء و يا لنحيل أنحلته المصائب و يا لفقيد قد أقامت مآتما

علي المعالي فهي ثكلي نوادب فلا عجب بيت النبوة ان دجا و من أفقه بدر الامامة غارب و ماد قوام للعلي و مقوم وجب سنام للفخار و غارب و لله أفلاك البقيع فكم بها كواكب من آل النبي غوارب حوت منهم ما ليس تحويه بقعة و نالت بهم ما لم تنله الكواكب [ صفحه 312] فبوركت أرضا كل يوم و ليلة تطوف من الأملاك فيها كتائب و فيها الجبال الشم حلما هوامد و فيها البحور الفعم جودا نواضب مناقبهم مثل النجوم كأنها مصائبهم لم يحصها الدهر حاسب و هم للوري اما نعيم مؤبد و اما عذاب في القيامة واصب 2 - و قال الشيخ ابراهيم بن يحيي العاملي الطيبي رحمه الله يذم الدنيا و يرثي أهل البيت عموما، و منهم زين العابدين عليه السلام من قصيدة: ليهن المخلصين من العباد نعيم لا يروع بالنفاد و حسب العاكفين علي المعاصي عذاب النار في يوم المعاد أري الدنيا تصول علي بنيها بأنياب و أظفار حداد تعرقت الجماجم من معد و حطمت القماقم من أياد و حكت بركها بدءا و عودا علي هام الملوك ملوك عاد و رجلت الفوارس من نزار و عدنان عن الخيل الجياد و حسبك عبرة غدر الليالي بأكرم رائح فيها و غادي و مكنت الأراذل من أخيه و كان أعز من صل بوادي و أسلمت الزكي الي ابن هند فسلطت الضلال علي الرشاد و أغرت بالحسين فتي علي أميرالمؤمنين فتي زياد مصاب طبق الدنيا ورزء يذوب لذكره قلب الجماد و ألقت بعد ما بلغت مناها كلا كلها علي زين العباد ربيع المجدبين اذا رماهم زمان السوء بالعام الجماد [ صفحه 313] أقر بفضله الحجر المنادي و أكرم

بالمنادي و المنادي 3 - و قال رحمه الله أيضا يذم الدنيا، و يرثي أهل البيت عموما، و منهم زين العابدين عليه السلام من قصيدة: حسب الفتي من حطام الدهر و النشب ما صان ماء محياه عن الطلب هبني حويت كنوز المال قاطبة أليس غاية حاويها الي العطب خفض عليك فان العيش معركة و الناس ما بين مسلوب و مستلب لا خير في هذه الدنيا و ان سلمت و لا سلامة من هم و من نصب بينا تري المرء طلقا في أعنتها اذ راح يحجل في قيد من النوب اليك عن حية الوادي فقد كمنت لو كنت تعلم بين الماء و العشب فكم ترشفت سما من مراشفها و أنت تحسبه ضربا من الضرب و طالما جردت من ملكه ملكا قد كان من قبل في أثوابه القشب و كم لها من قتيل في عشيرته صبرا علي رغم ام برة و أب و حسبنا عبرة عبراء ما فعلت بأنجم الدهر أهل الفضل و الحسب أودت بأحمد خير الخلق ثم رمت وصيه بسهام الغدر من كثب و بزت البضعة الزهراء نحلتها وارثها بعد رد الصدق بالكذب و أفرغت سمها في المجتبي حسن و مزقت صنوه بالسمر و القضب و صار في أسرها السجاد مرتهنا و أركبته علي عار من القتب زين العباد علي الشأن من شهدت بفضله ألسن الأقلام و الكتب بدر التمام الذي مولاه كونه من نوره قبل خلق السبعة الشهب أغر أبلج لا تعزي نقيبته يوما لغير نبي أو وصي نبي تقول حساده ان قلت والده محمد ان هذا أشرف النسب [ صفحه 314]

الخاتمة

بحمده تعالي تم الفراغ من الجزء السابع من موسوعة المصطفي و العترة و هو

غيض من فيض و بهذا أقف بكل اجلال و اكبار، لأختتم ترجمة جانب من جوانب عظمة امام عملاق من أئمة أهل البيت عليهم السلام، و هو الامام زين العابدين، و سيد الساجدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، و ما لاقاه في حياته من المصائب التي تهد الجبال بصبر و جلد اعظم منه. فانا لله و انا اليه راجعون، و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، فسلام عليه يوم ولد، و يوم جاهد، و يوم استشهد و يوم يبعث حيا. و في الختام لا يسعني الا ان اسجل خالص شكري و تقديري لولدي البار الحاج عارف الشاكري علي مساهمته الفعالة في تحقيق بعض النصوص و اخراجه من مصادره الصحيحة، و تبويبه و متابعة تنظيم فصوله حتي أخرج الكتاب بهذه الحلة القشيبة. سائلا المولي القدير ان يتقبل مني هذا اليسير و يعفو عني الكثير فانه الغفور الرحيم، و من الله سبحانه و تعالي استمد العون و التسديد، فانه ارحم الراحمين. و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين. حسين الشاكري قم المقدسة 5 شهر شعبان سنة 1414 ه

پاورقي

[1] تاريخ الطبري، ثورة المدينة ج 4 ص 266 - 281.

[2] تاريخ الطبري، ثورة التوابين ج 4 ص 426 - 426.

[3] تاريخ الطبري، ثورة التوابين ج 4 ص 426 - 426.

[4] تاريخ الطبري، ثورة التوابين ج 5 حوادث مطرف سنة 77 ه.

[5] تاريخ الطبري: ج 5 حوادث سنة 81 ثورة الأشعث».

[6] مقاتل الطالببين لأبي الفرج الاصفهاني ص 139.

[7] ثورة الحسين - محمد مهدي شمس الدين.

[8] مثير الأحزان لابن نما الحلي: 89، و اللهوف في قتلي الطفوف

لابن طاووس: 68 - 69 عنهما بحارالأنوار: 45 / 113.

[9] الموسوعة: 660. [

[10] بحث في الولاية - للشهيد الصدر.

[11] دور الأئمة عليهم السلام.

[12] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 49. في دفع كيد الأعداء و رد بأسهم. عنها البلد الأمين: 494.

[13] الكافي: 1 / 466 ح 1، بصائر الدرجات: 335 ح 8، بحارالأنوار: 46 / 9 ح 20 و ص 10 ح 12، الخرائج و الجرائح: 2 / 750 ح 67، عوالم العلوم: 18 / 6 ح 1 و ص 7 ح 2، مستدرك الوسائل: 13 / 377 ح 1، اثبات الهداة: 4 / 441 ح 14 ج 5 / 214، مدينة المعاجز: 129 ح 362، حلية الأبرار: 2 / 7، اثبات الوصية: 167، المجدي في أنساب الطالبيين: 93.

[14] شذرات الذهب: ج 1 / ص 104 زهرة المقول: ص 6.

[15] عيون أخبار الرضا: 2 / 126 ح 6، اعلام الوري: 251، بحارالأنوار: 46 / 1 ح 19، عوالم العلوم: 18 / 8 ح 3.

[16] الارشاد للمفيد: 284، بحارالأنوار: 46 / 12 ح 23، عوالم العلوم: 18 / 9 ح 5، العدد القوية: 56 ح 73، روضة الواعظين: ج 1 / 201.

[17] نيطت: علقت. و التمائم: خرزات كانت العرب تعلقها علي أولادهم، يتقون بها العين، أو الأعم منها و من العوذ.

[18] شذرات الذهب: ج 1 ص 104.

[19] الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 201 / نور الأبصار: ص 153، ارشاد المفيد: 284، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 310، اعلام الوري: 256، الدروس: 153، العدد القوية: 55 ح 68.

[20] أخبار الدول و آثار الاول: ص 109، مطالب السؤول: ج 2 ص 41، تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج: ص 9 - 8، دائرة المعارف للبستاني: ج

9 ص 355.

[21] مطالب السؤول: ج 2 ص 41، الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 201، نور الأبصار ص 153، بحارالأنوار: 46 / 14 ح 28 و 29، عوالم العلوم: 18 / 14 ح 9 و 12.

[22] أخرج هذين الحديثين في احقاق الحق: 12 / 13 - 16 عن عدة مصادر. و في البداية و النهاية لابن كثير: 9 / 106.

[23] علل الشرائع: 1 / 229 ح 1، أهل البيت لتوفيق أبي علم: 425، بحارالأنوار 46 / 2 ح 1، عوالم العلوم: 18 / 16 ح 1.

[24] تهذيب الأسماء و اللغات: 1 / 343 ، نور الأبصار: 153، صفة الصفوة: 2 / 93، ارشاد المفيد: 284، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 310، كشف الغمة: 2 / 74 و 101 و 105، العدد القوية: 58، الفصول المهمة: 201، بحارالأنوار: 46 / 4 ح 5 و ص 5 ح 6 و ص 7 ح 16 و ص 14.

[25] تهذيب الكمال: 20 / 383، سير أعلام النبلاء: 4 / 386، تاريخ الاسلام: 6 / 432.

[26] ارشاد المفيد: 284، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 310، كشف الغمة: 2 / 74 و 102 و 105، العدد القوية: 58، الفصول المهمة: 183، بحارالأنوار: 64 / 4 ح 5 و ص 7 ح 16 و ص 14 ح 29.

[27] مناقب ابن شهراشوب: 3 / 310، بحارالأنوار: 46 / 4 ضمن ح 5.

[28] مناقب ابن شهراشوب: 3 / 310، كشف الغمة: 2 / 74 و 105، الفصول المهمة: 183، بحارالأنوار: 4 / ضمن ح 5 و ص 5 و ص 14 ضمن ح 29.

[29] تهذيب التهذيب: ج 7 ص 306، شذرات الذهب ج 1 ص 104.

[30] علل الشرائع: 233 ح 1

بحارالأنوار: ج 46 ص 6، وسائل الشيعة: ح 4 ص 977، معاني الأخبار: 64 ح 17، غالية المواعظ: 2 / 142 سلوة الأحزان: 140.

[31] علل الشرائع: 233 ح 1، وسائل الشيعة: ج 4 ص 977 مناقب ابن شهراشوب: 3 / 304، بحارالأنوار: 46 / 6 ح 10 و 11، عوالم العلوم: 18 / 18 ح 1.

[32] مناقب ابن شهراشوب: 4 / 152.

[33] الفصول المهمة لابن الصباغ: ص 201، نور الأبصار: ص 153.

[34] وفيات الأعيان: 3 / 267، كشف الغمة: 2 / 107، بحارالأنوار: 46 / 8، عوالم العلوم: 18 / 5 ح 2 و ص 6 ح 3.

[35] الاتحاف يحب الأشراف: ص 136.

[36] توفي في حياة أبيه عليه السلام.

[37] ائمة اهل البيت السيد محسن الامين.

[38] و هو المحفوظ في المكتبة الرضوية في مشهد المقدسة، كتبه بالخط الكوفي، و في آخره بعد سورة الناس هكذا في أربعة أسطر: قوله الحق، و له الملك، ان الله لا يخلف الميعاد، كتبه المنتظر بوعده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

[39] نور الأبصار: 153، الفصول المهمة: 201، أخبار الدول و آثار الاول: 109.

[40] شذرات الذهب: ج 1 ص 105، عيون الأخبار لابن قتيبة: ج 3 ص 111، الخصال: 518 ضمن ح 4.

[41] العسوف: الظلوم.

[42] الوسنان: النعسان.

[43] العريكة: الطبع.

[44] حطة: محوا.

[45] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء: 24 «دعاؤه عليه السلام لأبويه»، عنها البلد الأمين: 461، و مصباح الكفعمي: 162.

[46] غاية الاختصار ص 106.

[47] الكافي: 2 / 641 ح 7. و في تحف العقول: 279، عنه بحارالأنوار: 78 / 137 ح 14. و في كشف الغمة: 2 / 121، عنه بحارالأنوار: 78 / 185 ح 13. و في البداية و النهاية:9 / 105 - 106.

[48] أدرر: أكثر و أوسع.

[49]

أودي: اعوجاجي.

[50] حدبين: متعطفين مشفقين.

[51] خباله: أي فساده.

[52] يستزلنا: أي يوقعنا في المهالك و المزلات.

[53] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 25 «دعاؤه عليه السلام لولده»، عنها البلد الأمين: 462، مصباح الكفعمي: 165.

[54] زين العابدين للمقرم ص 149.

[55] يقال أدال الله زيدا من عمرو: نزع الدولة من عمرو و حولها الي زيد.

[56] مصباح الكفعمي: 522، عنه البحار: 46 / 152، عوالم العلوم: 18 / 301 ح 3.

[57] الفصول المهمة: 190، عنه البحار: 46 / 153، و عوالم العلوم: 18 / 301 ح 5.

[58] نقله عنه ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب: 4 / 176، عنه البحار: 46 / 13 ضمن ح 24، و عوالم العلوم: 18 / 300 ح 2.

[59] أقبال الأعمال: 97، عنه البحار: 46 / 153، و عوالم العلوم: 18 / 301 ح 4.

[60] رجال الكشي: 118 ضمن ح 188، مناقب ابن شهراشوب: 4 / 134، عنهما البحار: 46 / 150 ذ ح 8 و ح 9، و عوالم العلوم: 8 / 303 ضمن ح 1. و أورده في الثاقب في المناقب: 356 ضمن ح 1. و أخرجه في مدينة المعاجز: 308 معجزة 45 عن ابن شهراشوب، و معجزة 46 عن الكشي.

[61] وردت في هذا المعني أحاديث كثيرة، انظر عوالم العلوم: 18 / 113 ذ ح و ح 5 و ص 114 ح 8.

[62] الخصال: 518 ضمن ح 4، عنه البحار: 46 / 62 ضمن ح 19، و عوالم العلوم: 18 / 89 ضمن ح 1.

[63] نفس المصدر.

[64] الأعراف: 199: انظر: تهذيب التهذيب: 7 / 306، الطبقات الكبري للشعراني: 1 / 27، الصواعق المحرقة: 120.

[65] ارشاد المفيد: 288، عنه البحار: 46 / 76 ح 70، و عوالم العلوم: 18 /

133 ح 2.

[66] الأغاني ج 9 / 8 و 172.

[67] الأغاني ج 8 / ص 225 - 224.

[68] العقد الفريد ج 7 / 12.

[69] العقد الفريد ج 7 / 38.

[70] الأغائي ج 8 ص 343.

[71] الكافي: 2 / 109 ح 1، عنه البحار: 71 / 406 ح 20، و الوسائل: 8 / 523 ح 2.

[72] تذكرة الخواص ص 327، كشف الغمة: 2 / 76، عنه البحار: 46 / 98 ضمن ح 86، و عوالم العلوم 18 / 146 ح 6.

[73] صفة الصفوة: 2 / 94، كشف الغمة: 2 / 75، مطالب السؤول: 2 / 43. اعلام الوري: 261 بتفاوت، ارشاد المفيد: 288، بحارالأنوار: 46 / 54 ح 1، عوالم العلوم: 18 / 112 ح 3.

[74] كشف الغمة: 2 / 107، عنه بحارالأنوار: 46 / 100 ح 88، و عوالم العلوم: 18 / 110 ح 9. الأئمة الاثني عشر - القسم الثاني - هاشم معروف الحسني ص 148.

[75] الكافي: 1 / 468 ح 4.

[76] تاريخ الاسلام: 6 / 433، بحارالأنوار: 46 / 88 ح 77، عوالم العلوم: 18 / 810 ح 7.

[77] نور الابصار: 154، كشف الغمة: 2 / 77، مطالب السؤول: 2 / 45، بحارالأنوار: 46 / 88 ح 77.

[78] تاريخ الاسلام: 6 / 433، حلية الأولياء: 3 / 104، البداية و النهاية: 9 / 105.

[79] حلية الأولياء: ج 3 ص 136 بحارالأنوار: 46 / 88 ح 77.

[80] كذا في تقريب التهذيب: 2 / 174، الاصابة: 3 / 515، و هو محمد بن أبي عائشة، و في الحلية: ابن عائشة. و أخرج الرواية في احقاق الحق: 12 / 64 - 65، و كشف الغمة: 2 / 78.

[81]

حلية الأولياء: 3 / 136. و في مناقب ابن شهراشوب: 3 / 294، عنه بحارالأنوار: 46 / 90 ح 77، و عوالم العلوم: 18 / 107 ح 4، و احقاق الحق: 12 / 63 - 64.

[82] الخميص: كساء اسود له علمان.

[83] صفة الصفوة: ج 2 ص 100 / كشف الغمة ج 2 / 81 / مطالب السؤول ج 2 ص 48 نور الأبصار ص 130 و أخرجه في احقاق الحق: 12 / 71.

[84] المحاسن ص 396، البحار ج 46 ص 72 ح 67.

[85] اعلام الوري للطبرسي ص 262، ارشاد المفيد: 289، البحار: 46 / 56 ح 6.

[86] التاثت: أبطأت.

[87] ارشاد المفيد: 288، عنه بحارالأنوار: 46 / 76 ح 69، و عوالم العلوم: 18 / 133 ح 1.

[88] عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 / 143 ح 13، عنه البحار: 46 / 69 ح 41، و عوالم العلوم: 18 / 146 ح 1.

[89] الأئمة الاثني عشر - القسم الثاني - هاشم معروف الحسني. و انظر: تاريخ الطبري: 5 / 217، ارشاد المفيد: 289، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 301، بحارالأنوار: 46 / 55 ح 5 و ص 94 ح 84، و عوالم العلوم:18 / 113 ح 4 و ص 192 ح 1 و حلية الأبرار: 2 / 24.

[90] كشف الغمة: 2 / 74، عنه البحار: 46 / 5 ح 6، و عوالم العلوم: 18 / 17 ح 4.

[91] انظر: اعلام الوري: 260، ارشاد المفيد: 287، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 289، حلية الأولياء: 3 / 133، بحارالأنوار: 46 / 73 ح 61 و ص 78 ح 75، عوالم العلوم: 18 / 126 ح 1 و 2.

[92] انظر: مناقب ابن شهراشوب: 3

/ 290، بحارالأنوار: 46 / 79 ح 75، عوالم العلوم: 18 / 130 ذ ح 8.

[93] انظر: كشف الغمة: 2 / 75، بحارالأنوار: 46 / 98 ح 86، عوالم العلوم: 18 / 113 ح 5.

[94] الكركرة: رحي زور البعير و الناقة الذي اذا برك أصاب الارض، و هي ناتئة عن جسمه كالقرصة.

[95] أبوالعباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الفاضل: ص 105 ط دار الكتب بمصر.

[96] انظر: الخصاص: 518، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 303، بحارالأنوار 46 / 108 ح 1، عوالم العلوم: 18 / 157 ح 3.

[97] انظر: فتح الأبواب: 170، بحارالأنوار: 46 / 56 ح 10، عوالم العلوم: 18 / 100 ح 1.

[98] احقاق الحق: 12 / 116.

[99] احقاق الحق: 12 / 102. [

[100] احقاق الحق: 12 / 105.

[101] : تحف العقول 291.

[102] احقاق الحق: 12 / 103.

[103] احقاق الحق: 12 / 104.

[104] احقاق الحق: 12 / 115.

[105] حلية الأولياء: 3 / 134، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 279، عنه البحار: 46 / 37 ح 33، و عوالم العلوم: 18 / 39 ح 1. و في ارشاد المفيد: 258، عنه حلية الأبرار: 2 / 38، و مدينة المعاجز: 310 ح 54 و عن مناقب ابن شهراشوب. و في الفصول المهمة: 203، نور الأبصار: 157، مطالب السؤول: 2 / 45.

[106] الكامل في التاريخ: 4 / 112 - 119، الأغاني: 1 / 21، بحارالأنوار: 46 / 138 ضمن ح 29.

[107] حلية الأولياء: 3 / 140، تهذيب التهذيب: 7 / 306.

[108] احقاق الحق: 12 / 66 - 67.

[109] اقبال الأعمال: 260، بحارالأنوار: 46 / 103 ح 93، عوالم العلوم: 18 / 153 ح 3.

[110] الحافظان: يعني منكر و نكير.

[111]

أمالي الطوسي: 2 / 255، عنه البحار: 46 / 69 ح 42، عوالم العلوم: 18 / 97 ح 4.

[112] أي حملن.

[113] وسائل الشيعة 8 / 5.

[114] من لا يحضره الفقيه (ص 156) وسائل الشيعة 8 / 5.

[115] من لا يحضره الفقيه (159).

[116] من لا يحضره الفقيه (ص 155).

[117] البحار، و جاء في العقد الفريد 3 / 103 أنه حج خمسا و عشرين حجة راجلا.

[118] حلية الأولياء 3 / 133.

[119] الفصول المهمة (ص 189).

[120] حياة الامام محمد الباقر 1 / 138.

[121] البحار ج 46 ص 71.

[122] ذكر الجاحظ في رسائله (ص 89) أن هشام بن عبدالملك كان يقال له: الأحول السراق، و قد أنشده أبوالنجم العجلي أرجوزته التي يقول فيها: «الحمدلله الوهوب المجزل» فأخذ يصفق بيديه استحسانا لها حتي صار الي ذكر الشمس قال: «و الشمس في الأرض كعين الأحول» فأمر بوج ء عنقه و اخراجه، و علق الجاحظ علي ذلك بقوله: و هذا ضعف شديد، و جهل عظيم.

[123] عن امالي السيد المرتضي ج 1 ص 69 طبع سنة 1387.

[124] بحارالانوار 11 / 37.

[125] زين العابدين لسيد الأهل ص 60.

[126] بحارالانوار 11 / اعيان الشيعة 4 / 481.

[127] تحف العقول 200.

[128] المناقب 2 / 236.

[129] كشف الغمة 207.

[130] فضائل الامام علي لمغنية ص 219.

[131] المناقب 2 / 259.

[132] المناقب 2 / 259. بحارالانوار 11 / 38.

[133] بحارالانوار 3 / 242.

[134] زين العابدين للمقرم 145.

[135] زين العابدين للمقرم 152.

[136] زين العابدين للمقرم. 370.

[137] كشف الغمة 207.

[138] احقاق الحق ج 12، ص 113.

[139] اعيان الشيعة 4 ق 1 / 534.

[140] الاحتجاج 2 / 50.

[141] التوحيد: 90.

[142] امالي الشيخ الصدوق: 129.

[143] صوم الوصال: أي يصوم يوما و ليلة، و صوم الصمت: أن ينوي أن

يصوم ساكتا، و صوم الدهر محرم لأنه يتضمن صيام الأيام المحرمة كالأعياد.

[144] الخصال: 372.

[145] اعيان الشيعة ص 323 - 321.

[146] بحارالانوار 10 / 225.

[147] اعيان الشيعة 4 ق 1 / 433.

[148] المناقب 2 / 256. بحارالانوار 11 / 26.

[149] المناقب 2 / 263. بحارالانوار 11 / 28.

[150] المناقب 3 / 268.

[151] زين العابدين لسيد الأهل 67.

[152] المناقب 2 / 252.

[153] زين العابدين للمقرم 258.

[154] بحارالانوار 11 / 42.

[155] زين العابدين للمقرم 233.

[156] زين العابدين للمقرم 238.

[157] تذكرة الخواص 185.

[158] الامام علي لمغنية 219.

[159] زين العابدين للمقرم 220 - 216.

[160] زين العابدين للمقرم 64.

[161] كشف الغمة 209، 199.

[162] زين العابدين للمقرم 197، 196، 191.

[163] الخصال 222 و 290 و 317.

[164] من لا يحضره الفقيه 2 / 40.

[165] احقاق الحق ج 12، ص 124.

[166] تذكرة ابن حمدون: 107، كشف الغمة: 2 / 108، احقاق الحق: 9 / 480، بحارالأنوار: 78 / 160 ح 21.

[167] الدرة الباهرة: 26، بحارالأنوار: 71 / 336 ح 22.

[168] بحارالأنوار: 78 / 160 ضمن ح 21.

[169] أعلام الدين: 187 (مخطوط).

[170] مقصد الراغب: 148 (مخطوط).

[171] أعلام الدين 187 (مخطوط)، بحارالأنوار: 87 / 161 ضمن ح 21.

[172] أعلام الدين 187 (مخطوط)، الدرة الباهرة: 26، بحارالأنوار: 71 / 155 ح 19، و ج 78 / 142 ضمن ح 5 و ص 161 ضمن ح 21.

[173] أعلام الدين: 187 (مخطوط)، بحارالأنوار: 78 / 161 ضمن ح 21.

[174] قرن الرجل: حد رأسه و جانبه.

[175] الاحتجاج: 2 / 52.

[176] زين العابدين للمقرم: 176.

[177] ارشاد القلوب: 1 / 178.

[178] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، مطبعة العدل النجف ص 206.

[179] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، مطبعة العدل النجف ص 206.

[180] الفصول المهمة ص 209.

[181] تحف العقول: 182.

[182] بصائر الدرجات ج 8 باب

11.

[183] سورة طه الاية: 121.

[184] سورة الانسان الاية: 22.

[185] سورة التحريم الاية: 10.

[186] سورة البقرة الاية: 260.

[187] سورة القصص الاية: 21.

[188] سورة البقرة الاية: 207.

[189] سورة ص الاية: 26.

[190] سورة الانبياء الاية: 79.

[191] سورة ص، الآية: 35.

[192] سورة القصص، الآية: 83.

[193] سورة المائدة، الآية: 116.

[194] النصيرية: طائفة من الغلاة السبأية و ملخص مقالتهم في الائمة من أهل البيت عليهم السلام، أنهم روح اللاهوت و قد نقل ابن حزم في الفصل ج 4 ص 146، و الشهرستاني في الملل و النحل بهامش الفصل ج 2 ص 22 و غيرهما تفصيل مقالاتهم، و قال الشهرستاني عنهم: غلبوا في وقتنا هذا علي جند الاردن بالشام و علي مدينة طبرية خاصة و لقد افتري الشهرستاني و ابن حزم في عد هذه الطائفة من فرق الشيعة.

[195] روضة الواعظين ص 248: و أخرجه الكشي في رجاله ص 79: و المفيد في الاختصاص ص 205.

[196] الاختصاص ص 205 و أخرجه الكشي في رجاله ص 79.

[197] الكافي ج 8 ص 332 (الروضة).

[198] بحارالانوار 11 / 19.

[199] تذكرة الخواص 186.

[200] زين العابدين لسيد الأهل 43.

[201] تذكرة الخواص 186.

[202] زين العابدين لسيد الأهل 38.

[203] تذكرة الخواص 186.

[204] كشف الغمة 199.

[205] اعيان الشيعة 4 ق 1 / 44.

[206] المدخل الي موسوعة العتبات المقدسة 195.

[207] نور الابصار 200.

[208] البداية و النهاية 9 / 104.

[209] المناقب 2 / 258.

[210] مطالب السؤول 77.

[211] تذكرة الخواص 183.

[212] كشف الغمة 209.

[213] الفصول المهمة 187.

[214] وفيات الأعيان: 2 / 431.

[215] مشاهير علماء الامصار 63.

[216] تقريب التهذيب 332.

[217] انظر كتابه زين العابدين ص 4.

[218] الطبقات الكبري لابن سعد: 5 / 212.

[219] الطبقات الكبري: 5 / 221.

[220] حياة الامام الحسين بن علي عليهماالسلام: 3 / 324 - 325، مقتل الحسين للمقرم: 320.

[221]

حياة الامام الحسين: 3 / 333.

[222] في الاحتجاج: حذيم بن شريك الأسدي، و في أمالي الطوسي: حذلم بن كثير.

[223] أمالي الشيخ المفيد: 321 ح 8، أمالي الشيخ الطوسي: 1 / 90، الاحتجاج: 2 / 29، بحارالأنوار: 45 / 162 ح 7 و ص 164 ح 8، عوالم العلوم: 17 / 368 ح 1 و ص 371 ح 2.

[224] الراقصات: مطايا الحجيج.

[225] مثير الأحزان لابن نما: 89، اللهوف في قتلي الطفوف: 68، بحارالأنوار: 45 / 112.

[226] اشارة الي الآية: 52 من سورة الزمر.

[227] اللهوف: 70، مثير الأحزان: 91، بحارالأنوار: 45 / 117، عوالم العلوم: 17 / 384.

[228] حياة الامام الحسين 3 / 345 - 347.

[229] سورة الشوري آية: 23.

[230] سورة الاسراء آية: 26.

[231] سورة الأنفال آية: 41.

[232] سورة الأحزاب آية: 33.

[233] حياة الامام الحسين 3 / 371، اللهوف: 76 - 77.

[234] الاحتجاج للطبرسي: 2 / 33، بحارالأنوار: 45 / 166 ح 9.

[235] سورة الحديد: 22 - 23.

[236] سورة الشوري: 30.

[237] حياة الامام الحسين: 3 / 376.

[238] مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 69، حياة الامام الحسين: 3 / 385.

[239] حياة الامام الحسين: 3 / 391.

[240] الكامل في التاريخ: 4 / 87 - 88.

[241] فوجي ء: أي ضرب و دق.

[242] مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 71، حياة الامام الحسين: 3 / 395.

[243] حياه الامام الحسين: 3 / 414 - 415، اللهوف: 85، بحارالأنوار: 45 / 144.

[244] جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام: 128.

[245] تفسير المطالب في أمالي أبي طالب: 93.

[246] حياة الامام زين العابدين عليه السلام: / 181.

[247] اللهوف في قتلي الطفوف: 86، بحارالأنوار: 45 / 146 ح 149.

[248] سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني: 2 / 132، عوالم العلوم: 17 /

445 - 446.

[249] حياة الامام الحسين: 3 / 423، اللهوف: 87، حياة الامام زين العابدين للقرشي: 1 / 181.

[250] حياة الامام زين العابدين للقرشي: 1 / 182 - 183.

[251] سيرة الأئمة الاثني عشر للحسني: 2 / 134 - 136.

[252] حياة الامام زين العابدين: 1 / 183 - 184، مقتل الحسين للمقرم: 376.

[253] حياة الامام زين العابدين: 1 / 183 - 184، مقتل الحسين للمقرم: 376.

[254] مقتل الحسين للمقرم: 377، و انظر عوالم العلوم: 18 / 156 - 158.

[255] حياة الامام زين العابدين للقرشي: 1 / 184.

[256] حلية الأولياء: 3 / 138.

[257] مناقب ابن شهراشوب: 3 / 303.

[258] اشارة الي الآية: 86 من سورة يوسف.

[259] الخصال: 272 ح 15، أمالي الصدوق: 121.

[260] زينب الكبري لجعفر نقدي ص 120 و 122.

[261] سيرة الأئمة الاثني عشر للحسني: 2 / 136 - 138.

[262] تاريخ الطبري: 5 / 474.

[263] الكامل في التاريخ: / 102.

[264] البداية و النهاية: 8 / 238.

[265] تاريخ الخميس للديار بكري: 2 / 302.

[266] الفخري في الآداب السلطانية: 115.

[267] مروج الذهب: 3 / 79.

[268] أي: و ما حملن.

[269] الصحيفة السجادية الخامسة: 80 دعاء 27 في استدفاع شر الأعداء.

[270] ربيع الأبرار: 1 / 427.

[271] الامامة و السياسة: 4 / 184.

[272] اشارة الي قوله تعالي في سورة الأعراف: 23.

[273] هو رأس عين المدينة المشهورة بالجزيرة، و كانت فيها وقعة للعرب و يوم من أيامهم. «معجم البلدان»: 4 / 180.

[274] مروج الذهب: 3 / 100 - 104.

[275] تاريخ الطبري: 5 / 400.

[276] رجال الكشي: 127 ح 202، بحارالأنوار: 45 / 344 ح 12.

[277] تاريخ الطبري: 6 / 35.

[278] دائرة المعارف الاسلامية: 3 / 765 من الطبعة الفرنسية.

[279] المختار: ص 6.

[280] المختار: ص 6.

[281] أمالي الطوسي: 1

/ 243، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 276، كشف الغمة: 2 / 112، بحارالأنوار: 45 / 53 ح 3 و ص 332 ح 1، عوالم العلوم: 18 / 83 ح 1 و 2، اثبات الهداة: 5 / 228، ح 16، مدينة المعاجز: 303 ح 36، الصحيفة السجادية الخامسة: 489 دعاء 180.

[282] روي الطوسي نحوا من ذلك في الأمالي: 1 / 248، بحارالأنوار: 45 / 336، الصحيفة السجادية الخامسة: 490 دعاء 181، الكامل في التاريخ: 4 / 264.

[283] رجال الكشي: 127 ح 203، بحارالأنوار: 45 / 344 ح 13.

[284] رجال الكشي: 127 ح 202 نحوه، بحارالأنوار: 45 / 344 ح 12 نحوه.

[285] الكامل في التاريخ: 4 / 278.

[286] ارشاد المفيد: 268، بحارالأنوار: 45 / 186 ح 52، عوالم العلوم: 18 / 226 ح 9 و ص 262 ح 16.

[287] كشف الغمة: 2 / 140، بحارالأنوار: 46 / 192 ح 59، عوالم العلوم: 18 / 255 ح 2.

[288] كفاية الأثر: 300، بحارالأنوار: 198 ح 73، عوالم العلوم: 18 / 227 ح 1.

[289] و هي عبارة نقلها أبوالفرج في مقاتل الطالبيين.

[290] و هو أحد قواد بني العباس.

[291] استقيت أحداث واقعة فخ من المصادر التالية، فراجع. مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 294 - 303، تاريخ الطبري ج 6 ص 410 - 421، مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 226 - 227.

[292] تاريخ الشيعة للعلامة الشيخ محمد حسن المظفر: ص 46 - 49.

[293] لقد ترجم العلامة القريشي في كتابه الامام زين العابدين عليه السلام ما ينيف علي المائة و ستون عالما من مجموع آلاف الطلاب.

[294] المجالس السنية: ج 5 ص 397.

[295] رجال الكشي، و قاموس الرجال، و غيرهم.

[296] المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء: 1

/ 202.

[297] حياة الامام محمد الباقر: 2 / 130.

[298] الامام زيد: ص 24.

[299] حلية الأولياء: ج 3 ص 135.

[300] الكافي: 1 / 35 ح 5، بحارالأنوار: 14 / 378 ح 23، المحجة البيضاء: 1 / 26.

[301] الدر النظيم: ص 174 (مخطوط)، الأنوار البهية: ص 103 ص 53 ط. حجر.

[302] الامام زين العابدين للقرشي: ص 23.

[303] الحلية: ج 3 ص 140، و في جمهرة الأولياء: ج 2 ص 73: «من كتم علما أو أخذ عليه أجرا قسرا فلا منفعة بعلمه أبدا».

[304] مكارم الأخلاق: ص 143.

[305] أعيان الشيعة: ث 1 / 4 / 340.

[306] معجم الأدباء: ج 1 ص 108.

[307] تهذيب التهذيب: ج 2 ص 8.

[308] رجال الطوسي: ص 14.

[309] رجال الكشي: 75 ح 131، رجال الطوسي: 89.

[310] رجال الطوسي: 90، رجال الكشي: 119.

[311] البداية و النهاية: 9 / 98.

[312] الكامل في التاريخ: 4 / 580.

[313] تهذيب التهذيب: 4 / 12.

[314] تهذيب التهذيب التهذيب: 4 / 13.

[315] الكامل في التاريخ: 4 / 580.

[316] رجال الطوسي: 90.

[317] تهذيب التهذيب: 4 / 85.

[318] رجال الكشي: 119 ح 189.

[319] الامام زين العابدين عليه السلام ص 555.

[320] تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 46.

[321] رجال الكشي: 104 ح 167.

[322] معجم رجال الحديث: ج 8 ص 222 / 228.

[323] رجال الطوسي: 95.

[324] رجال الطوسي: 98.

[325] الاصابة في تمييز الصحابة: ج 7 ص 230.

[326] الاصابة في تمييز الصحابة: ج 7 ص 231.

[327] رجال الطوسي: 100.

[328] رجال الكشي: 120 ح 192، مناقب ابن شهراشوب: 4 / 147، بحارالأنوار: 42 / 94 ح 23.

[329] رجال الطوسي: 101.

[330] معجم رجال الحديث: 19 / 8.

[331] رجال الطوسي: 89.

[332] كلام الشيخ المفيد تقدم في نبذة عن حياة زيد.

[333] زين العابدين لسيد الأهل: ص 7.

[334]

أعيان الشيعة: ج 4 ص 468.

[335] زين العابدين لسيد الأهل: ص 47.

[336] أعيان الشيعة: ج 4 ص 417.

[337] مناقب ابن شهراشوب: 4 / 157، اعلام الوري: 256، بحارالأنوار: 46 / 68 ح 38، عوالم العلوم: 18 / 112.

[338] السفود: حديدة يشوي عليها اللحم.

[339] كشف الغمة: 2 / 81، بحارالأنوار: 46 / 99 ضمن ح 87، عوالم العلوم: 18 / 116 ضمن ح 9.

[340] مناقب ابن شهراشوب: 4 / 158، عوالم العلوم: 18 / 155.

[341] الكرباس: الثوب الخشن.

[342] ارشاد المفيد: 355، اعلام الوري: 254، بحارالأنوار: 41 / 110 ح 19 و ج 46 / 74 ح 65، عوالم العلوم: 18 / 90 ح 2، احقاق الحق: 12 / 25 نحوه، وسائل الشيعة: 1 / 68 ح 18.

[343] تذكرة الخواص: 331، تذكرة الحفاظ: 1 / 75.

[344] ارشاد المفيد: 256، اعلام الوري: 256، بحارالأنوار: 46 / 76 ح 70، عوالم العلوم: 18 / 133 ح 2.

[345] هجعت: نامت.

[346] المخفين: الذين تخففوا من الذنوب و أسباب الدنيا و علقها، و هو من قولهم: اخف الرجل فهو مخف: اذا خفت حاله و دابته، و اذا كان قليل الثقل، و ضدها «المثقلين».

[347] حطوا: انزلوا.

[348] المؤمنون: 101.

[349] مناقب ابن شهراشوب 3 / 29، بحارالأنوار: 46 / 81 ذ ح 75، و ج 87 / 200 ح 8 قطعة منه، الصحيفة السجادية الثالثة: 191، الصحيفه السجادية الخامسة: 120 دعاء 46.

[350] الخصال: 517 ح 4، ارشاد المفيد: 287، اعلام الوري: 260، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 290، بحارالأنوار: 46 / 61 ح 19 و ص 74 ح 62 و ص 79 ضمن ح 75، و عوالم العلوم: 18 / 127 ح 1 و 2 و ص 129 ح 8.

[351]

الخصال: 517 ح 4، بحارالأنوار: 46 / 62 ح 19، عوالم العلوم: 18 / 89 ح 1.

[352] علل الشرائع: 233 ح 1، معاني الأخبار: 64 ح 17، بحارالأنوار: 46 / 6 ح 12 و 13، عوالم العلوم: 18 / 19 ح 5.

[353] ارشاد المفيد: 288، بحارالأنوار: 46 / 76 ح 70، عوالم العلوم: 18 / 133 ح 2.

[354] انظر عوالم العلوم: 19 / 127 ح 1 و 2.

[355] أمالي الطوسي: 2 / 294، بحارالأنوار: 46 / 60 ح 18، عوالم العلوم: 18 / 104 ضمن ح 8.

[356] فتح الأبواب: 245، الخرائج و الجرائح: 1 / 265 ح 9، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 283، بحارالأنوار: 46 / 40 ح 33 و ص 41 ح 35 و ص 77 ح 73 و ص 78 ح 74، و ج 87 / 230، عوالم العلوم: 18 / 33.

[357] لوامح: نظر.

[358] قترت: ضيقت.

[359] الصحيفة السجادية الثالثة: 81، الصحيفة السجادية الخامسة: 72 دعاء 20.

[360] ارفع رجلك: يعني اركب معي مطيتي حتي تدرك الحج.

[361] العنكبوت: 69.

[362] الصواعق المحرقة: 200.

[363] المجالس السنية: 5 / 410.

[364] زين العابدين لسيد الأهل: 35.

[365] الثابت المتفق عليه ان سنة ولادته كانت 38 هجرية قبل شهادة جده أميرالمؤمنين بسنتين فوفاته تكون سنة 96 - لا 99 أو 100، و في تاريخ أهل البيت كانت وفاته عليه السلام سنه 95 ه.

[366] تاريخ اليقوبي: ج 2 ص 303 و 304.

[367] الطبقات لابن سعد: ج 5 ص 216 / تاريخ الاسلام: ص 438.

[368] المناقب: ج 2 ص 251.

[369] الظاهر أن هذه الأبيات أنشدها عليه السلام و لم ينشئها، فقد وردت في قصة الشاب المشلول بدعاء أبيه «المأخوذ بذنبه»، و التي رواها ابن طاووس في مهج الدعوات: 151

عن الحسين بن علي عليهماالسلام أنه قال: كنت مع أبي علي بن أبي طالب عليه السلام في اطواف في ليلة ديجورية، قليلة النور، و قد خلا الطواف، و نام الزوار، و هدأت العيون اذ سمع مستغيثا مستجيرا مترحما بصوت حزين محزون، من قلب موجع، و هو يقول: يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم... و ذكر باقي الأبيات باختلاف، ثم قال: فسمعه الامام أميرالمؤمنين عليه السلام و أغاثه و علمه الدعاء المعروف بدعاء المشلول... و القصة مفصلة هناك، فراجع. و قد وردت هذه الرواية في بعض المصادر بنحو آخر، و أضيف عليها في بعضها ما لفظه: ثم بكي بكاء شديدا، و أنشد يقول: ألا أيها المقصود في كل حاجة شكوت اليك الضر فارحم شكايتي ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي فهب لي ذنوبي كلها و اقض حاجتي أتيت بأعمال قباح رديئة و ما في الوري عبد جني كجنايتي أتحرقني بالنار يا غاية المني فأين رجائي ثم أين مخافتي.

[370] مناقب آل أبي طالب: 3 / 290، بحارالأنوار 46 / 80 ضمن ح 75، و ج 99 / 197 ح 11، و مستدرك الوسائل: 9 / 353 ح 3، الصحيفة السجادية الرابعة: 28، الصحيفة السجادية الخامسة: 329 دعاء 122. و أخرج نحوه في احقاق الحق: 12 / 39 - 41 عن المستطرف: 1 / 120، و الأخبار القدسية: 39، و وسيلة النجاة: 316، و ثمرات الأوراق: 2 / 201 و حديقة الأفراح: 710.

[371] أي منزلتي و قدري.

[372] المزار لابن المشهدي: 53 ح 91 (مخطوط)، المزار للشهيد: 267، و مصباح الزائر لابن طاووس: 121 (مخطوط) ورد في جميعها في باب مسجد غني و الصلاة و الدعاء فيه، بحارالأنوار: 100 / 448 ح 25، الصحيفة

السجادية الثانية: 2 / 186 - ورد فيها الي قوله عليه السلام «و غربتي و وحدتي» بعنوان: و كان من دعائه عليه السلام في القنوت - و الصحيفة السجادية الخامسة: 374 دعاء 148 - في أدعيته عليه السلام في رجب. و اعتباره من أدعية رجب هو المرجح لأن طاووس اليماني سمعه من الامام عليه السلام في شهر رجب مرتين؛ الاولي في حجر اسماعيل عليه السلام و الثانية في مسجد غني في الكوفة.

[373] سورة الأحزاب: 33.

[374] أعلام الدين: 171، كشف الغمة: 2 / 108، بحارالأنوار: 99 / 198 ح 15، الصحيفة السجادية الثانية: 301، الصحيفة السجادية الرابعة: 44، الصحيفة السجادية الخامسة: 327 دعاء 121، روضات الجنات: 3 / 29، و في بعض المصادر اختلاف.

[375] سير أعلام النبلاء: 6 / 393 في هامشه عن ابن عساكر: 12 / 20 أ، ب، مختصر تاريخ دمشق: 17 / 235، كفاية الطالب: 451، تذكرة الخواص: 297، الفصول المهمة: 202، بحارالأنوار، 46 / 75 ح 66، ارشاد المفيد: 287، اعلام الوري: 261.

[376] الكافي: 2 / 579 ح 10.

[377] ارشاد المفيد: 288، مناقب ابن شهراشوب: 4 / 148، بحارالأنوار: 46 / 76 ح 67، عوالم العلوم: 18 / 123 ح 2.

[378] الخصال: 518 ضمن ح 4.

[379] اللهوف في قتلي الطفوف: 88، وسائل الشيعة: 2 / 923 ح 11، و ج 4 / 981 ح 15، بحارالأنوار: 85 / 166 ح 17، الصحيفة السجادية الرابعة: 139، الصحيفة السجادية الخامسة: 336 دعاء 128.

[380] مصباح المتهجد: 55، فلاح السائل: 208، مصباح الكفعمي: 27، مستدرك الوسائل: 5 / 134 ح 3.

[381] دعوات الراوندي: 92 ضمن ح 228، بحارالأنوار: 94 / 206 ضمن ح 3، الصحيفة السجادية الثالثة: 202، الصحيفة السجادية الخامسة: 366 دعاء

146.

[382] أي مواضي.

[383] أي تقطعت و تمزقت.

[384] عصم الآمال: أسبابها التي أتمسك بها.

[385] أي أعترف به.

[386] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 32، مصباح المتهجد: 132، البلد الأمين: 469، مصباح الكفعمي: 55.

[387] أي زجرتني.

[388] أي توددك.

[389] أي تجهزت.

[390] أي أبعدتني.

[391] أي طردتني.

[392] مصباح المتهجد: 401، اقبال الأعمال: 67، مصباح الكفعمي: 588، البلد الأمين: 205، بحارالأنوار: 98 / 82 ح 2، الصحيفة السجادية الثانية: 73، وسائل الشيعة: 5 / 174 ح 6.

[393] أي زينت.

[394] أي خف و تاه.

[395] تقدمت تخريجات هذه الفقرات ضمن دعائه عليه السلام في السحر.

[396] الفصول المهمة: 188، احقاق الحق: 12 / 117، الصحيفه السجادية الثالثة: 180، الصحيفه السجادية الخامسة: 101 دعاء 38.

[397] مصباح الكفعمي: 62، البلد الأمين: 46، بحارالأنوار: 87 / 285 ح 77، الصحيفة السجادية الثانية: 245، الصحيفة السجادية الثالثة: 92، الصحيفة السجادية الخامسة: 138 دعاء 53.

[398] الصحيفة السجادية الثالثة: 81، الصحيفة السجادية الخامسة: 72 دعاء 20.

[399] كشف الغمة: 2 / 102، بحارالأنوار: 46 / 101، الصحيفة السجادية الخامسة: 284 دعاء 94. و نحوه في بحارالأنوار: 94 / 102 ح 18، الصحيفة السجادية الثالثة: 179، الصحيفة السجادية الخامسة: 243 دعاء 71.

[400] السأمة: الملالة و الضجر.

[401] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 11، دعوات الراوندي: 132 ح 329، البلد الأمين: 447.

[402] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 18، البلد الأمين: 454.

[403] يفثأ: يكسر.

[404] الملمات: الشدائد.

[405] أي شق علي.

[406] أي أثقلني.

[407] أي عاجلا.

[408] أي ما ابتليت به.

[409] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 7، البلد الأمين: 445.

[410] الذاريات: 22.

[411] الذاريات: 23.

[412] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 29، البلد الأمين: 466، مصباح الكفعمي: 170.

[413] أي حرمت.

[414] أي من جهته.

[415] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 39، البلد الأمين: 474، مصباح الكفعمي: 378.

[416] أي بمشهد مني.

[417] أي

اولي أو اعطي.

[418] أي اكرمه.

[419] أي أستوفيه.

[420] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 38، البلد الأمين: 473، مصباح الكفعمي: 389.

[421] دعوات الراوندي: 114، بحارالأنوار: 95 / 285 صدر ح 1 و ص 292 ح 6، الصحيفة السجادية الخامسة: 269 دعاء 84، مشكاة الأنوار: 258.

[422] المألوه: المعبود من دونه - تعالي -.

[423] أي لا يغيب.

[424] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 47، و اقبال الأعمال: 350، البلد الأمين: 483، مصباح الكفعمي، 671، ينابيع المودة، 505، احقاق الحق: 12 / 46.

[425] أي هباته و عطاياه.

[426] أي معروفك.

[427] أي لا يمنعه.

[428] أي ملازمتهم و استمرارهم.

[429] الصحيفة السجادية الكاملة: دعاء 48، مصباح المتهجد: 260، جمال الاسبوع: 427، البلد الأمين: 492، مصباح الكفعمي: 434، بحارالأنوار: 89 / 218 ح 65، ينابيع المودة: 507.

[430] روي خبر المنهال بألفاظ متقاربة في: أمالي الشيخ الطوسي: 1 / 243، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 276، كشف الغمة: 2 / 112، بحارالأنوار: 45 / 332 ح 1، و ج 45 / 52 ح 2 و ص 53 ح 3، اثبات الهداة: 5 / 228 ح 16، عوالم العلوم: 18 / 83 ح 1 و 2، الصحيفة السجادية الخامسة: 489 دعاء 180.

[431] أمالي الطوسي: 1 / 248، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 285، بحارالأنوار: 45 / 336 ضمن ح 2، و ج 46 / 53 ح 2، عوالم العلوم: 18 / 84 ح 3، مدينة المعاجز: 304، الصحيفة السجادية الخامسة: 490 دعاء 181.

[432] ارشاد المفيد: 291، كشف الغمة: 2 / 88، مناقب ابن شهراشوب: 3 / 302، بحارالأنوار: 45 / 122 ح 14، و ج 95 / 221 ح 19، وسائل الشيعه: 4 / 1098 ح 11، حلية الأبرار: 2 / 39، مدينة

المعاجز: 311 ح 57، الصحيفة السجادية الثانية: 249، الصحيفة السجادية الخامسة: 79 دعاء 26.

[433] الاحتجاج: 2 / 47، بحارالأنوار: 46 / 50 ح 1، اثبات الهداة: 5 / 232 ح 22، مستدرك الوسائل: 6 / 209 ح 8، الصحيفة السجادية الخامسة: 488 دعاء 179.

[434] حياة الامام الباقر 1 / 51.

[435] الاتحاف بحب الاشراف (ص 52) الصواعق المحرقة (ص 53).

[436] كفاية الأثر للخزاز، اثبات الهداة: 5 / 264.

[437] بصائر الدرجات (ص 146) اثبات الهداة: 5 / 268.

[438] محاسن البرقي: 2 / 635.

[439] الأمالي (ص 161) الخصال (ص 185).

[440] الخرايج (ص 20).

[441] روضة الكافي.

[442] حياة الامام محمد 2لباقر 1 / 54.

[443] رجال الكشي (76).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.