سرشناسه : دخيل، عليمحمدعلي
عنوان و نام پديدآور : أئمتنا: روائعمن حياةالأئمةالاثنيعشر/ عليمحمدعلي دخيل .
مشخصات نشر : بيروت: دارالمرتضي، ۱۹۹۹م = ۱۴۲۰ق = ۱۳۷۸
مشخصات ظاهري : ۲ ج.
يادداشت : عربي
يادداشت : ناشر جلددوم كتاب دارالتعارفللمطبوعات ميباشد .
يادداشت : چاپ سيزدهم
يادداشت : كتابنامه
موضوع : ائمه اثناعشر -- سرگذشتنامه.
موضوع : ائمه اثناعشر -- فضائل.
موضوع : اسلام -- تاريخ.
رده بندي كنگره : BP۳۶/۵/د۳الف۹
شماره كتابشناسي ملي : ۱۰۳۸۱۲۰
يا أميرالمؤمنين: هذه صفحات من حياة حفيدك و سميك علي بن الحسين عليهالسلام، أرفعها اليك و أملي يا سيدي أن تنال منك القبول. عبدك علي محمد علي دخيل [ صفحه 249]
بسم الله الرحمن الرحيم لم تعرف الدنيا في عمرها الطويل أناسا كالأئمة صلوات الله عليهم فقد جمعوا المكارم كلها، و حازوا الفضائل بأجمعها، و من العجب أن لا تجتمع الأمة بأسرها علي امامتهم مع اجتماعهم علي ما يرونه فيهم من آي و حديث و ما يذكرونه لهم من علم و عمل و عبادة و زهادة و ورع و أخلاق و كرم و شجاعة و سيرة مثلي، فلا هم وافقوا الشيعة علي النص و التعيين، و أن الامامة فيهم، قد نص عليهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و سماهم واحدا بعد واحد - كما مر عليك في الكتاب الأول - و لا هم رأوا الخلافة بالأفضلية، فهي حينئذ لهم و لا تتعداهم، فهم أفضل هذه الأمة نسبا، و أزكاهم حسبا، و أكثرهم علما، و أحسنهم عملا، و أسبقهم الي مكارم الأخلاق. و اهمال شطر الأمة عن الاقرار بامامة الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام ظلم لهم و غمز لحقوقهم التي شرعها الله والرسول، كما هي - بنفس الوقت - ظلم من الناس لأنفسهم بجحدهم الحق، و نكوصهم عن الطريق السوي مع علمهم بفضلهم و جليل مقامهم (و جحدوا بها و استيقنتهآ أنفسهم ظلما و علوا) [النمل: 14] و هذا الحديث ذو شجون، و علي الصدر الأول يقع العبء الكبير من هذه التبعية، و لله في خلقه شؤون. و الحديث في هذا الكتاب عن الامام الرابع من أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام الامام علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب عليهالسلاام، و لا أدري كيف أبدا الحديث عنه عليهالسلام، أتحدث عن مصائبه التي لم يصب بالدنيا رجل مثلها؟ فهو الذي واكب واقعة كربلاء منذ البداية و حتي النهاية، و هو الذي شهد مصرع أبيه و أخوته و أعمامه و بني عمومته و أصحاب أبيه، رضوان الله عليهم أجمعين، كما شاهد عليهالسلام [ صفحه 250] بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عصر عاشوراء يتراكضن في البيداء من خباء الي خباء، و من خيمة الي خيمة و منادي القوم: احرقوا بيوت الظالمين، و لله صبره و هو ينظر ابنمرجانة و بيده العود ينكث ثنايا أبيه الحسين عليهالسلام، و كانت خاتمة الجولة الشام، و مجلس يزيد بن معاوية، و شماتة بنيأمية. فلو أن أيوبا رأي بعض ما رأي لقال نعم هذا العظيمة بلواه فوالله لمصيبته لا تصغر عندها مصيبة أيوب عليهالسلام فحسب بل تصغر لديها مصائب الدنيا بأسرها، و فوادح الدهر منذ أن تخطي آدم عليهالسلام هذا الكوكب و حتي تقوم الساعة. و اذا كان الحديث عن مصائبه عليهالسلام له المنطلق الرحب، و المجال الواسع، فجوانب حياته الأخري فيها الشيء الكثير من العبر و الدروس، فلقد كان عليهالسلام الغاية في العبادة - كما يقول ابن أبيالحديد - و كيف لا يكون كذلك، و قد أجمع أهل السير و التراجم علي أنه كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و صارت لأعضاء سجوده ثفنات كثفنات البعير، يقطعها في السنة مرتين، و أصبح لا يعرف الا بزين العابدين و السجاد و ذي الثفنات و سيد العابدين، كما أن سيرته عليهالسلام هي السيرة المثالية التي لا يقدر عليها الا نبي أو وصي نبي و الا فهل هناك من يقبل أن يضم عائلة مروان بن الحكم - أعدي الناس لأهل البيت - الي عياله في واقعة الحرة، أو يعول بمائة بيت من أهل المدينة، أو يحمل جراب الدقيق علي ظهره و يطوف علي بيوتات الفقراء، يوصلها اليهم سرا و هم لا يعرفونه. و اذا تحدثنا عن أدعيته عليهالسلام فأنت اذا رفعت القرآن الكريم و حديث الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و نهجالبلاغة، فقل فيها ما شئت، فهي زبور آل محمد و الموسوعة الالهية الكبري. و خوفا من الاطالة عليك بهذه المقدمة فبين يديك صفحات هذا الكتاب، مشيرة الي بعض جوانب حياته عليهالسلام، حافلة باليسير من كلامه، و هي بعد صورة مصغرة لسيرته الكريمة المليئة بالمثل الرفيعة، و السجايا الكريمة. [ صفحه 251]
- جده: أميرالمؤمنين عليهالسلام. أبوه: الحسين الشهيد. - أمه: شاه زنان - أي ملكة النساء - بنت يزدجرد بن شهريار بن كسري - ملك الفرس - سماها أميرالمؤمنين عليهالسلام (مريم) و قيل (فاطمة) و كانت تدعي (سيدة النساء). - اخوته: علي الأكبر، عبدالله الرضيع - الشهيدان في كربلاء - جعفر [1] . - أخواته: سكينة، فاطمة، رقية. - ولد في المدينة يوم الجمعة خامس شعبان سنة 38. - كنيته: أبومحمد. ألقابه: زينالعابدين، سيدالساجدين، سيدالعابدين، الزكي، الأمين، ذوالثفنات. - شهد مأساة كربلاء، و واكب مسير العائلة بعد الفاجعة الي الكوفة، و منها الي الشام. - أشهر زوجاته: فاطمة بنت الامام الحسن السبط. - أولاده: محمد (أبوجعفر الباقر عليهالسلام) عبدالله، الحسن، الحسين، زيد، عمر، الحسين الأصغر، عبدالرحمن، سليمان، علي، محمدالأصغر. [ صفحه 252] -بناته: خديجة، أمكلثوم، فاطمة، علية. - نقش خاتمه: و ما توفيقي الا بالله. - شاعره: الفرزدق، كثير عزة. - بوابه: أبوجبلة، أبوخالد الكابلي، يحيي المطعمي. - كانت اقامته عليهالسلام في المدينة، و كان فيها المفزع للمهمات، يفيض علي الأمة علما و سخاء. - امامته: عاش بعد أبيه الحسين عليهالسلام أربعا و ثلاثين سنة، و هي مدة امامته عليهالسلام. - ملوك عصره: يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، - عبدالملك بن مروان، الوليد بن عبدالملك. - آثاره: الصحيفة السجادية، رسالة الحقوق. - سمه الوليد بن عبدالملك بن مروان. - وفاته: في الخامس و العشرين من المحرم سنة 95. - قبره: دفن في البقيع مع عمه الامام الحسن عليهالسلام. - هدم قبره: في الثامن من شوال سنة 1344 ه هدم الوهابيون قبره، و قبور بقية الأئمة عليهمالسلام. [ صفحه 253]
انحصرت الامامة في علي بن الحسين عليهالسلام، لعدم ادعاء غيره لها، و لأنه أفضل الناس: علما و عملا و ورعا و تقي و زهادة، و للنص عليه من قبل أبيه عليهالسلام، مضافا للنصوص الواردة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [2] . نذكر بعض هذه النصوص: 1 - سأل رجل الحسين عليهالسلام: أخبرني عن عدد الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقال عليهالسلام: اثناعشر، عدد نقباء بنياسرائيل. فقال: فسمهم لي؟ فأطرق الحسين عليهالسلام ثم رفع رأسه فقال: نعم يا أخاالعرب، ان الامام و الخليفة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبيطالب، و الحسن و أنا و تسعة من ولدي منهم علي ابني، و بعد ابنه محمد الخ [3] . 2 - عن محمد بن مسلم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام، عن خاتم الحسين بن علي عليهالسلام، الي من صار؟ و ذكرت له أني سمعت أنه أخذ من اصبعه فيما أخذ. قال عليهالسلام: ليس كما قالوا، ان الحسين عليهالسلام أوصي الي ابنه علي بن الحسين، و جعل خاتمه في اصبعه، و فوض اليه أمره كما فعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بأميرالمؤمنين عليهالسلام، و فعل أميرالمؤمنين بالحسن عليهالسلام، و فعل الحسن [ صفحه 254] بالحسين عليهالسلام، ثم صار ذلك الخاتم الي أبي بعد أبيه، و منه صار الي فهو عندي، و اني لألبسه كل جمعة و أصلي فيه. قال محمد بن مسلم: فدخلت اليه يوم الجمعة و هو يصلي فلما فرغ من الصلاة مد الي يده فرأيت في اصبعه خاتما نقشه (لا اله الا الله عدة للقاء الله) فقال: هذا خاتم جدي أبيعبدالله الحسين عليهالسلام [4] . 3 - عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: كنت عند الحسين بن علي عليهالسلام. اذ دخل علي بن الحسين الأصغر، فدعاه الحسين و ضمه اليه ضما، و قبل ما بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك، و أحسن خلقك. قال: فتداخلني من ذلك فقلت: بأبي أنت و أمي يا ابنرسول الله اذا كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك قال: من؟ فقال عليهالسلام: الي علي ابني هذا، هو الامام أبوالأئمة الخ [5] . [ صفحه 255]
و ناهيك برجل أخذت ألقابه من عبادته، فصار لا يعرف الا بها: فمن زينالعابدين، الي سيد الساجدين، و سيدالعابدين، و السجاد، و ذي الثفنات؛ و لو أردنا أن نسجل جميع ما ذكره المؤرخون و أهل السير من عبادته عليهالسلام لاحتجنا الي كتاب مستقل، فنكتفي بذكر القليل من ذلك: 1 - قال الامام الباقر عليهالسلام: كان علي بن الحسين يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، و كانت له خمسمائة نخلة و كان يصلي عند كل نخلة ركعتين، و كان اذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، و كان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، و كان يصلي صلاة مودع يري أنه لا يصلي بعدها أبدا [6] . 2 - أصفر لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، و دبرت جبهته و انخرم أنفه من السجود، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة، و كان اذا حضرت الصلاة اقشعر جلده، و اصفر لونه وارتعد كالسعفة [7] . 3 - قال الامام الباقر عليهالسلام: ان فاطمة بنت علي بن أبيطالب عليهالسلام لما نظرت الي ما يفعله ابن أخيها علي بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة، أتت جابر بن عبدالله الأنصاري فقالت له: يا صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان لنا عليكم حقوقا، و من حقنا عليكم: اذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله، و تدعوه [ صفحه 256] الي البقيا علي نفسه، و هذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين، قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه، آدابا منه لنفسه في العبادة. قال: فأتي جابر فوجده في محرابه قد أضنته العبادة، فنهض علي فسأله عن حاله سؤال خفيا، ثم اجلسه بجنبه، فاقبل جابر عليه يقول: يا ابنرسول الله أما علمت أن الله تعالي انما خلق الجنة لكم، و لمن أحبكم، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ قال له علي بن الحسين عليهالسلام: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، و تعبد بأبي هو و أمي حتي انتفخ الساق، و ورم القدم و قيل له: أتفعل هذا و قد غفر الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا. فلما نظر جابر الي علي بن الحسين، و ليس يغني فيه قول من يستميله من الجهد و التعب الي القصد، قال له: يا ابنرسول الله البقيا علي نفسك، فانك من أسرة بهم يستدفع البلاء، و يستكشف اللأواء، و بهم يستمطر السماء. فقال له: يا جابر لا أزال علي منهاج أبوي مؤتسيا بهما صلوات الله عليهما حتي ألقاهما. فاقبل جابر علي من حضر فقال لهم: والله ما رؤي في أولاد الأنبياء بمثل علي بن الحسين الا يوسف بن يعقوب عليهمالسلام، والله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، و ان منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا [8] . 4 - قال الأستاذ عبدالعزيز سيدالأهل: و لما لم يصبح في الأرض مثله في العبادة و الزهد، سماه الناس (زينالعابدين) و حين رأوه لا يقوم من سجوده الا الي سجود سموه (السجاد) و حين ارتفعت علامات السجود في جبهته سموه (ذاالثفنات) [9] . [ صفحه 257] 5 - كان اذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم [10] . 6 - كان اذا قام للصلاة أخذته الرعدة، فقيل له: ما لك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم و من أناجي [11] . 7 - وقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابنرسول الله النار النار، فما رفع رأسه حتي أطفئت، فقيل له بعد قعوده: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: الهتني عنها النار الكبري [12] . 8 - سقط ابن له في بئر، فتفزع أهل المدينة لذلك حتي أخرجوه، و كان قائما يصلي فما زال عن محرابه، فقيل له في ذلك. فقال: ما شعرت، اني كنت أناجي ربا عظيما [13] . 9 - اجمع أهل السير والتاريخ علي أن الامام زينالعابدين عليهالسلام كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة [14] . 10 - سئلت مولاته عنه فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقيل: بل أختصري. [ صفحه 258] فقالت: ما أتيته بطعام نهارا، و لا فرشت له فراشا ليلا قط [15] . 11 - عن أبيجعفر الباقر عليهالسلام: أن أباه عليا ما ذكر لله عزوجل نعمة عليه الا سجد، و لا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود الا سجد، و لا دفع الله عزوجل عنه سوءا يخشاه، أو كيد كائد الا سجد، و لا فرغ من صلاة مفروضة الا سجد، و لا وفق لاصلاح بين اثنين الا سجد، و كان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك [16] . 12 - قال الامام الباقر عليهالسلام: و لقد كانت تسقط منه كل سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده، و كان يجمعها فلما مات دفنت معه [17] . 13 - حج عليهالسلام ماشيا فسار في عشرين يوما من المدينة الي مكة [18] . [ صفحه 259]
و جدير بنا اليوم و بعد أن عانينا هذا التدهور الأخلاقي الكبير، و الانحطاط في المثل العليا، أن نرجع لسيرة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام و نجعلها سلما لرقينا المنشود، و مصباحا نستضيء به في هذا الظلام الدامس، عسي أن نحتفظ بالبقية الباقية من النشء، و نرجع القافلة الي حضيرة الاسلام من جديد. و بين يديك قبس من سيرة الامام علي بن الحسين عليهالسلام، خذها للتطبيق و العمل: 1 - قال سفيان: جاء رجل الي علي بن الحسين عليهالسلام فقال: ان فلانا وقع فيك و آذاك، فقال له: فانطلق بنا اليه، فانطلق معه و هو يري أنه سينتصر لنفسه، فلما أتاه قال له: يا هذا ان كان ما قلته في حقا فالله تعالي يغفر لي، و ان كان ما قلته في باطلا، فالله تعالي يغفر لك [19] . 2 - كان يوما خارجا فلقيه رجل فسبه، فثارت اليه العبيد و الموالي، فقال لهم: مهلا، ثم أقبل علي ذلك الرجل و قال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحي الرجل، فألقي اليه عليهالسلام خميصة [20] كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسول [21] . [ صفحه 260] 3 - كان عنده أضياف فاستعجل خادم له بشواء كان في التنور فأقبل الخادم مسرعا فسقط السفود من يده علي رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله. فقال علي للغلام و قد تحير و اضطرب أنت حر فانك لم تتعمده. و أخذ في جهاز ابنه و دفنه [22] . 4 - كان هشام بن اسماعيل - والي المدينة - يؤذي الامام عليهالسلام أذي شديدا، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس، فكان يقول: اني لا أخشي الا علي بن الحسين، و لكن الامام عليهالسلام مر به و سلم عليه، وأمر خاصته أن لا يعرض له أحد بسوء، و أرسل اليه: انظر الي ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك، فطب نفسا منا، و من كل من يطيعنا [23] . 5 - لما خرج بنوأمية من المدينة الي الشام - في واقعة الحرة - آوي اليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان، و قد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد و بنيأمية من المدينة كلم عبدالله بن عمر أن يغيب أهله عنده، فأبي ابنعمر أن يفعل، و كلم مروان علي بن الحسين و قال: يا أباالحسين: ان لي رحما، و حرمي تكون مع حرمك. قال: أفعل، فبعث بحرمه الي علي بن الحسين، فخرج بحرمه و حرم مروان حتي وضعهم بينبع بالبغيغة... و هذا منتهي مكارم الأخلاق، و المجازاة علي الاساءة بالاحسان [24] . 6 - قال الامام الباقر عليهالسلام: كان لعلي بن الحسين عليهالسلام ناقة، حج عليها اثنتين و عشرين حجة ما قرعها قرعة قط [25] . [ صفحه 261] 7 - سكبت عليه الماء جارية ليتوضأ للصلاة فنعست، فسقط الابريق من يدها فشجه، فرفع رأسه اليها فقالت له الجارية: ان الله عزوجل يقول: (و الكظمين الغيظ) قال: قد كظمت غيظي. قالت (و العافين عن الناس) قال لها: عفا الله عنك. قالت: (والله يحب المحسنين) قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالي [26] . 8 - دعا عليهالسلام مملوكه مرتين فلم يجبه و أجابه في الثالثة فقال له: يا بني أما سمعت صوتي؟ قال: بلي. قال: فما بالك لم تجبني؟ قال: أمنتك. قال: الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني [27] . 9 - كان عليهالسلام لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتي اذا كان آخر شهر رمضان جمعهم، و قررهم بذنوبهم و طلب منهم أن يستغفروا الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم و يجيزهم بجوائز، و ما استخدم خادما فوق حول [28] . 10 - كان بينه و بين ابنعمه حسن بن الحسن شيء من المنافرة، فجاء حسن علي علي و هو في المسجد مع أصحابه، فما ترك شيئا الا قاله من الأذي و هو ساكت، ثم انصرف حسن، فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع عليه الباب فخرج حسن اليه، فقال له علي: يا أخي ان كنت صادقا فيما قلت لي فغفر الله لي، و ان كنت كاذبا فغفر الله لك، والسلام عليك و رحمة الله، ثم ولي، فاتبعه حسن والتزمه من خلفه و بكي حتي رق له، ثم قال: والله لا عدت الي أمر تكرهه. فقال له علي: و أنت في حل مما قلته [29] . 11 - قال ابراهيم بن سعد: سمع علي بن الحسين عليهالسلام واعية في بيته و عنده جماعة فنهض الي منزله ثم رجع الي مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟ [ صفحه 262] قال: نعم، فعزوه و تعجبوا من صبره، فقال: انا أهل بيت نطيع الله عزوجل فيما يحب و نحمده فيما نكره [30] . 12 - استطال رجل علي علي بن الحسين عليهالسلام فتغافل عنه، فقال له الرجل اياك أعني. فقال له علي بن الحسين: و عنك أغضي [31] . 13 - قال الصادق عليهالسلام: كان علي بن الحسين لا يسافر الا مع رفقة لا يعرفونه، و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون اليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون من هذا؟ فقالوا: لا، قال: هذا علي بن الحسين، فوثبوا اليه فقبلوا يده و رجله، و قالوا: يا ابنرسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدت منا اليك يد أو لسان، أما كنا قد هلكنا الي آخر الدهر، فما الذي يحملك علي هذا؟ قال: اني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني، فاعطوني برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما لا أستحق، فاني أخاف أن تطعوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب الي [32] . [ صفحه 263]
كل من كتب عن الامام زينالعابدين عليهالسلام تحدث عن صدقاته و بره و احسانه الي الفقراء، و قد شمل عطفه و كرمه منكري فضله، و جاحدي حقه، و كان يمزج احسانه بخلقه الرفيع، و أدبه السامي. و في هذه الصفحات أمثلة قليلة مما أورد له المؤرخون: 1 - قال الامام الباقر عليهالسلام: و كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامي و الفقراء و الزمني و المساكين الذين لا حيلة لهم، و كان يناولهم بيده، و من كان منهم له عيال حمل له الي عياله من طعامه، و كان لا يأكل طعاما حتي يبدأ فيتصدق بمثله [33] . 2 - كان اذا أتاه سائل قال: مرحبا بمن يحمل زادي الي الآخرة [34] . 3 - كان يتصدق بالسكر و اللوز، فسئل عن ذلك فقرأ: (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) و كان يحبه [35] . 4 - قال الامام الصادق عليهالسلام: كان علي بن الحسين عليهالسلام يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدراهم حتي يأتي بابا بابا فيقرعه ثم ينيل من يخرج اليه، فلما مات علي بن الحسين عليهالسلام فقدوا ذاك، فعلموا أن عليا عليهالسلام كان يفعل [36] . [ صفحه 264] 5 - قال الامام الباقر عليهالسلام: و لما وضع عليهالسلام علي المغتسل نظروا الي ظهره و عليه مثل ركب الابل مما كان يحمل علي ظهره الي منازل الفقراء و المساكين [37] . 6 - قال الامام الصادق عليهالسلام: كان علي بن الحسين عليهالسلام اذا كان اليوم الذي يصوم فيه يأمر بشاة فتذبح و تقطع أعضاؤها و تطبخ، و اذا كان عند المساء أكب علي القدور حتي يجد ريح المرق و هو صائم ثم يقول: هاتوا القصاع، اغرفوا لآل فلان، واغرفوا لآل فلان، حتي يأتي علي آخر القدر، ثم يؤتي بخبز و تمر فيكون ذلك عشاؤه [38] . 7 - كان له ابنعم يأتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير، فيقول: لكن علي بن الحسين لا يواصلني، لا جزاه الله خيرا: فيسمع ذلك و يحتمل، و يصبر عليه و لا يعرفه بنفسه، فلما مات علي بن الحسين عليهالسلام فقدها، فعلم أنه هو كان، فجاء الي قبره و بكي عليه [39] . 8 - عن الصادق عليهالسلام: كان علي بن الحسين يعجب بالعنب، فدخل منه الي المدينة شيء حسن، فاشترت منه أم ولده شيئا و أتته به عند افطاره فأعجبه، فقبل أن يمد يده وقف بالباب سائل فقال لها: احمليه، قالت: يا مولاي بعضه يكفيه. قال: لا والله، و أرسله اليه كله. فاشترت له من غد و أتت به، فوقف السائل ففعل مثل ذلك، فأرسلت فاشترت له و أتت له في الليلة الثالثة، و لم يأت سائل فأكل؛ و قال: ما فاتنا منه شيء و الحمد لله [40] . 9 - عن سفيان بن عيينة قال: رأي الزهري علي بن الحسين عليهالسلام في ليلة باردة ممطرة، و علي ظهره دقيق و هو يمشي. [ صفحه 265] فقال: يا ابنرسول الله ما هذا؟ قال: أريد سفرا أعد له زادا أحمله الي موضع حريز. قال: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبي. قال: أنا أحمله عنك فاني أرفعك عن حمله. قال علي: لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري، و يحسن ورودي علي ما أرد عليه، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك و تركتني. فلما كان بعد أيام قال له: يا ابنرسول الله لست أري لذلك السفر الذي ذكرته أثرا؟ قال: بلي يا زهري ليس هو ما ظننت، و لكنه الموت و له استعد، انما الاستعداد للموت تجنب المحارم، و بذل الندي في الخير [41] . 10 - قال ابنعائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر الا بعد موت علي بن الحسين [42] . 11 - قال أبوحمزة الثمالي: كان زينالعابدين عليهالسلام يحمل جراب الخبز علي ظهره بالليل فيتصدق به و يقول: ان صدقة السر تطفيء غضب الرب [43] . 12 - قال محمد بن اسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين عليهالسلاام فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل [44] . 13 - قاسم الله ماله مرتين [45] . [ صفحه 266] 14 - و قد كان زينالعابدين رضي الله عنه عندما حاصر مسلم بن عقبة المدينة كفل أربعمائة امرأة مع أولادهن و حشمهن، و ضمهن الي عياله، و قام بنفقتهن الي أن خرج ابنعقبة من المدينة، فأقسمت واحدة منهن أنها ما رأت في دار أبيها و أمها من الراحة و العيش الهنيء، ما رأته في دار علي بن الحسين رضي الله عنهما [46] . 15 - لما مات و غسلوه جعلوا ينظرون الي آثار في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قيل: كان يحمل جراب الدقيق علي ظهره ليلا و يوصلها الي فقراء المدينة سرا [47] . 16 - لما مات عليهالسلام و جدوه يقوت مائة بيت من أهل المدينة، كان يحمل اليهم ما يحتاجون اليه [48] . [ صفحه 267]
جاء الاسلام و الدنيا مملوءة بالأرقاء و العبيد، فأخذ يتوسل بكل السبل للقضاء علي استغلال الانسان لأخيه الانسان، و أول شيء جعله الاسلام: أن أغلق موارد الرق، فليس للانسان أن يستعبد أخاه الانسان، ثم أخذ يعالج مشكلة العبيد و المماليك و كيفية التخلص منها. فجعل يحث الناس، و يندبهم للعتق و يعتبره من أعظم الحسنات المقربة الي الله جل شأنه، و المحببة اليه تعالي. و تارة يجعله فرضا واجبا، و كفارة عن بعض الذنوب، كالافطار في شهر رمضان، و غير ذلك. و تمشيا مع خط الاسلام في تحبيذ العتق جاء علي بن الحسين عليهالسلام فأعتق الألوف. 1 - قال سيد الأهل: فهو يشتري العبيد لا لحاجة به اليهم و لكن ليعتقهم، و قالوا: انه أعتق مائة ألف [49] . 2 - كان يعتقهم عندما تحصل منهم اساءة و يجعل العتق مقابلة لتلك الاساءة [50] . 3 - قال السيد الأمين رحمه الله: و ما من سنة الا و كان يعتق في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا الي أقل أو أكثر، و كان يقول: ان الله تعالي في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف عتيق من النار، كلا قد استوجب النار، [ صفحه 268] فاذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثلما أعتقه في جميعه، واني أحب أن يراني الله و قد أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار. و قال: و ما استخدم خادما فوق حول، و كان اذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط السنة، اذا كانت ليلة الفطر أعتق و استبدل سواهم في الحول الثاني، ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتي لحق بالله تعالي، و لقد كان يشتري السودان و ما به اليهم من حاجة، يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج، فاذا أفاض أمر بعتق رقابهم، و جوائز لهم من المال [51] . 4 - قال الأستاذ سيدالأهل: و عرف العبيد ذلك فباعوا أنفسهم له، و اختاروه، و تفلتوا من أيدي السادة ليقعوا في يده، و جعل الدولاب يسير، و الزمن يمر، و زين العابدين يهب الحرية في كل عام، و كل شهر، و كل يوم، و عند كل هفوة و كل خطأ، حتي صار في المدينة جيش من الموالي الأحرار، و الجواري الحرائر و كلهم في ولاء زينالعابدين، قد بلغوا خمسين ألفا أو يزيدون [52] . [ صفحه 269]
بالغ بنوأمية و بنوالعباس في عتوهم و تجبرهم و ظلمهم لأهل البيت عليهمالسلام، و تضييقهم عليهم، و لم تكن هذه الاساءة لأشخاص الأئمة عليهمالسلام فحسب، بل هي في الواقع لمجموع الأمة الاسلامية اذ حرموا المسلمين من توجيهاتهم و ارشاداتهم عليهم الصلاة والسلام، و حالوا بينهم و بين القيام بمهامهم التي خصهم الله بها، و ندبهم اليها، فكانوا عليهمالسلام يتكتمون في تعاليمهم، ويتخفون بدروسهم، و يتقون بأمرهم، و لكن لله فيهم عناية في نشر هذه التعاليم بين الناس. و موضوع الخطب يحتاج الي حرية في التصرف و العمل، و هذا مما حرموا منه عليهمالسلام، و لكن وردت لبعضهم عليهمالسلام خطب قليلة في مناسبات معينة؛ و في هذا الفصل مما ورد للامام زينالعابدين عليهالسلام من خطب: 1 - من خطبة له عليهالسلام في الكوفة: و بعد أن خطبت أمكلثوم أومأ زينالعابدين عليهالسلام الي الناس أن اسكتوا فسكتوا، فقام قائما فحمد الله و أثني عليه، و ذكر النبي و صلي عليه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب، أنا ابنالمذبوح بشط الفرات من غير ذحل و لا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، و سلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله، أنا ابن من قتل صبرا و كفي بذلك فخرا؛ أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم الي أبي و خدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة ثم قاتلتموه و خذلتموه، فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ يقول لكم: قتلتم عترتي، و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي. [ صفحه 270] فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية و يقول بعضهم لبعض: هلكتم و ما تعلمون. فقال عليهالسلام: رحم الله امرءا قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي في الله و في رسوله و أهل بيته، فان لنا في رسول الله أسوة حسنة. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابنرسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذ ترتك و ترتنا مما ظلمك و ظلمنا. فقال عليهالسلام: هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا الي كما أتيتم الي آبائي من قبل؟ كلا و رب الراقصات الي مني، فان الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس و أهل بيته و من معه، و لم ينسني ثكل رسول الله و ثكل أبي و بني أبي، و وجده بين لهازمي، و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه تجري في فراش صدري، و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا. ثم أنشد عليهالسلام: لا غرو ان قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرما و لا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أراده نار جهنما [53] . 2 - من خطبة له عليهالسلام بالشام: و أمر يزيد بمنبر و خطيب أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه صلوات الله عليهما، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم بالغ في ذم أميرالمؤمنين و الحسين الشهيد، و اطنب في مدح معاوية و يزيد، فذكرهما بكل جميل. فصاح به علي بن الحسين عليهالسلام: ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار. [ صفحه 271] ثم قال: يا يزيد أتأذن لي حتي أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا، و لهؤلاء الجلساء فيهن أجر و ثواب، فأبي يزيد عليه ذلك، فقال الناس: يا أميرالمؤمنين ائذن له فليصعد المنبر، فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال: انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي و بفضيحة آل أبيسفيان. فقيل له: و ما قدر ما يحسن هذا؟ فقال: انه من أهل بيت زقوا العلم زقا، فلم يزالوا به حتي أذن له فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم خطب خطبة أبكي فيها العيون، و أوجل منها القلوب، ثم قال: أيها الناس: أعطينا ستا و فضلنا بسبع: أعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسدالله و أسد رسوله، و منا سيدة نساء العالمين، و منا سبطا هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي أيها الناس: أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انتعل و احتفي، أنا ابن خير من طاف وسعي، أنا ابن خير من حج ولبي، أنا ابن من حمل علي البراق في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الي سدرة المنتهي، أنا ابن من دنا فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني، أنا ابن من صلي بملائكة السما، أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أوحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتي قالوا لا اله الا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بسيفين و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر وحنين، و لم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابنصالح المؤمنين و وارث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين و زينالعابدين، و تاج البكائين، و اصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين، رسول رب العالمين، أنا ابنالمؤيد بجبرائيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشي من قريش أجمعين، و أول من أجاب و استجاب لله و لرسوله [ صفحه 272] من المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة العابدين و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و لسان حكمة الله، و عيبة علمه، سمح سخي، بهلول زكي، ابطحي رضي، مقدام همام، صابر صوام، مهذب قوام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب، اربطهم عنانا، وأثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل يطحنهم في الحروب اذا ازدلفت الأسنة، و قربت الأعنة، طحن الرحي، و يذروهم ذرو الرياح الهشيم، ليث الحجاز، و كبش العراق، مكي مدني، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبوالسبطين الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبيطالب عليهالسلام. ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، فلم يزل يقول: أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، قال علي عليهالسلام: لا شيء أكبر من الله، فلما قال: أشهد أن لا اله الا الله، قال علي بن الحسين: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله، التفت من فوق المنبر الي يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ [54] . 3 - من خطبة له عليهالسلام في المدينة: لما أقبل زينالعابدين عليهالسلام الي المدينة بعد وقعة كربلاء، و خرج أهلها لاستقباله و هم في بكاء و عويل، فأومأ الي الناس بالسكوت و قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، باريء الخلائق أجمعين، الذي بعد فارتفع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الأمور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة اللواذع و جليل الرزء، و عظيم المصاب، أيها الناس ان الله تعالي و له الحمد ابتلانا بمصائب وثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبو [ صفحه 273] عبدالله الحسين عليهالسلام و عترته، و سبيت نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان، من فوق عامل السنان، و هذه الرزية لا مثلها رزية، أيها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله، أم أي فؤاد لا يحزن من أجله، أم أية عين منكم تحبس دمعها، أو تضمن عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، والأرض بأرجائها و الأشجار بأغصانها، و الحيتان في لجج البحار، و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون، أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله، أم أي فؤاد لا يحن و أي سمع لا يصم، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنا أولاد ترك و كابل، من غير جرم أجرمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ان هذا الا اختلاق، و الله لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصية بنا لما زادوا علي ما فعلوا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها و أفجعها، و أوجعها و أكضها و أفظعها و أمرها، فعند الله نحتسب مصابنا، و ما بلغ بنا فانه عزيز ذوانتقام. فقام اليه صوحان بن صعصعة بن صوحان و كان زمنا، و اعتذر اليه بما هو مبتلي به من زمانة رجليه، فقبل عليهالسلام عذره، و أحسن الظن به و شكره، و ترحم علي أبيه، ثم دخل المدينة بأهله و حرمه [55] . [ صفحه 274]
و من الوسائل التي اتبعها أئمتنا عليهمالسلام للنهوض بالمجتمع هي وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالارشاد و التوجيه للأمة، و لو جمعت هذه الوصايا في مصنف مستقل لسدت فراغا كبيرا في المكتبة الأخلاقية، لما حوته من نصائح و حكم و دعوة الي الخير و الفضيلة. و في هذه الصفحات بعض ما ورد من وصايا الامام علي بن الحسين عليهالسلام: 1 - من وصية له عليهالسلام لابنه الامام الباقر عليهالسلام: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم و لا تحادثهم و لا ترافقهم في طريق. فقال: يا أبت من هم عرفنيهم؟ قال: اياك و مصاحبة الكذاب، فانه بمنزلة السراب، يقرب البعيد، و يبعد لك القريب، و اياك و مصاحبة الفاسق، فانه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك، و اياك و مصاحبة البخيل، فانه يخذلك في ماله أحوج ما تكون اليه؛ و اياك و مصاحبة الأحمق، فانه يريد أن ينفعك فيضرك، و اياك و مصاحبة القاطع لرحمه فاني و جدته ملعونا في كتاب الله عزوجل في ثلاثة مواضع، قال الله عزوجل: (فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمي أبصرهم) و قال عزوجل: (و الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه و يقطعون مآ أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) و قال في البقرة: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثقه و يقطعون مآ أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخسرون) [56] . [ صفحه 275] 2 - من وصية له عليهالسلام لبعض أصحابه: قال أبوحمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يقول لأصحابه: أحبكم الي الله أحسنكم عملا، و ان أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة، و ان أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، و ان أقربكم من الله أوسعكم خلقا، و ان أرضاكم عند الله أسبغكم علي عياله، وان أكرمكم عند الله أتقاكم لله تعالي [57] . 3 - من وصية له عليهالسلام أوصي بها الزهري: قال الامام الباقر عليهالسلام: دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري علي علي بن الحسين عليهالسلام و هو كئيب حزين، فقال له: ما لك مغموما؟ قال: يا ابنرسول الله هموم و غموم تتوالي علي لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، و الطامعين في، و ممن أرجوه، و ممن أحسنت اليه فيخلف ظني. فقال له علي بن الحسين عليهالسلام: احفظ عليك لسانك تملك به اخوانك. فقال الزهري: يا ابن رسول الله اني أحسن اليهم بما يبدر من كلامي. فقال عليهالسلام: هيهات هيهات، اياك أن تعجب من نفسك بذلك، و اياك أن تتكلم بما يسبق الي القلوب انكاره و ان كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، و تجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، و تجعل تربك منهم بمنزلة أخيك. فأي هؤلاء تحب أن تظلم، و أي هؤلاء تحب أن تدعو عليه، و أي هؤلاء تحب أن تهتك ستره، و ان عرض لك ابليس لعنه الله بأن لك فضلا علي أحد من أهل القبلة، فانظر ان كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالايمان و العمل الصالح فهو خير مني، و ان كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خير مني، و ان كان تربك فقل: أنا علي يقين من ذنبي و من شك من أمره، فلم لا أدع يقيني لشكي، و ان رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، و ان رأيت منهم جفاء و انقباضا فقل: [ صفحه 276] هذا لذنب أحدثته، فانك ان فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، و كثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، و فرحت بما يكون من برهم، و لم تأسف علي ما يكون من جفائهم. و اعلم أن أكرم الناس علي الناس من كان خيره عليهم فايضا، و كان عنهم مستغنيا متعففا، و أكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففا و ان كان اليهم محتاجا، فانما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتبقونه كرم عليهم، و من لم يزاحمهم فيها و مكنهم من بعضها كان أعز و أكرم [58] . 4 - من وصية له عليهالسلام لأصحابه: عن أبيحمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهالسلام لأصحابه: أوصيكم اخواني بالدار الآخرة و لا أوصيكم بدار الدنيا فانكم عليها حريصون، و بها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسي بن مريم عليهالسلام للحواريين؟ فانه قال: الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها. و قال: أيكم يبني علي موج البحر دارا، تلكم دار الدنيا فلا تتخذوها قرارا [59] . 5 - قال الامام الباقر عليهالسلام: كان علي بن الحسين عليهالسلام يقول لولده: اتقوا الكذب، الصغير منه و الكبير، في كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجتريء علي الكبير؛ أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: لا يزال العبد يصدق حتي يكتبه الله عزوجل صادقا، و لا يزال العبد يكذب حتي يكتبه الله كاذبا [60] . 6 - وصيته عليهالسلام لسائر أصحابه و شيعته، و تذكيره اياهم كل يوم جمعة: أيها الناس اتقوا الله و اعلموا أنكم اليه راجعون، فتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه؛ ويحك يا ابن آدم الغافل و ليس مغفولا عنه ان أجلك أسرع شيء اليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك، و يوشك أن يدركك، فكأن قد أوفيت أجلك و قد قبض الملك روحك، و صيرت الي قبرك وحيدا، فرد عليك روحك و اقتحم عليك ملكاك منكر و نكير لمساءلتك، و شديد امتحانك، الا و ان أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، [ صفحه 277] و عن نبيك الذي أرسل اليك، و عن دينك الذي كنت تدين به، و عن كتابك الذي كنت تتلوه، و عن امامك الذي كنت تتولاه، و عن عمرك فيما أفنيت، و عن مالك من أين اكتسبته و فيما أنفقته فخذ حذرك، و انظر لنفسك، و أعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة و الاختبار، فان تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لأولياء الله، لقاك الله حجتك، و أنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، و بشرت بالجنة و الرضوان من الله، و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان، و ان لم تكن كذلك تلجلج لسانك، و دحضت حجتك، و عييت عن الجواب، و بشرت بالنار، و استقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم، و تصلية جحيم. و اعلم يا ابن آدم ان ما وراء هذا أعظم و أفظع و أوجع للقلوب، يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس و ذلك يوم مشهود، يجمع الله فيه الأولين و الآخرين يوم ينفخ في الصور، و يبعثر فيه القبور، و ذلك يوم الآزفة اذا القلوب لدي الحناجر كاظمين، ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، و لا تؤخذ من أحد فدية، و لا تقبل من أحد معذرة، و لا لأحد فيه مستقبل توبة، ليس الا الجزاء بالحسنات و الجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من الذنوب ما قد نهاكم الله عنها و حذركموها في الكتاب الصادق، و البيان الناطق، و لا تأمنوا مكر الله و تدميره عندما يدعوكم الشيطان اللعين اليه من عاجل الشهوات و اللذات في هذه الدنيا، فان الله يقول: (ان الذين اتقوا اذا مسهم طئف من الشيطن تذكروا فاذا هم مبصرون) واشعروا قلوبكم خوف الله، وتذكروا ما وعدكم في مرجعكم اليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد عقابه، فانه من خاف شيئا حذره، و من حذر شيئا تركه، و لا تكونوا من الغافلين المائلين الي زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات، و قد قال الله تعالي: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين) أو يأخذهم علي تخوف، فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه، و لا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في كتابه، لقد وعظكم الله بغيركم، و ان السعيد من وعظ بغيره، و لقد أسمعكم الله في كتابه ما [ صفحه 278] فعل بالقوم الظالمين من أهل القري قبلكم حيث قال: (وأنشأنا بعدها قوما ءاخرين) و قال: (فلمآ أحسوا بأسنآ اذا هم منها يركضون) يعني يهربون. قال: (لا تركضوا وارجعوا الي مآ أترفتم فيه و مسكنكم لعلكم تسئلون) فلما أتاهم العذاب (قالوا يويلنآ انا كنا ظلمين) فان قلتم أيها الناس ان الله انما عني بهذا أهل الشرك، فكيف ذاك و هو يقول: (و نضع الموزين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا و ان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفي بنا حسبين) اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، و لا تنشر لهم الدواوين و انما يحشرون الي جهنم زمرا، و انما تنصب الموازين، و تنشر الدواوين لأهل الاسلام فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله لم يحب زهرة الدنيا لأحد من أوليائه، و لم يرغبهم فيها و في عاجل زهرتها، و ظاهر بهجتها، فانما خلق الدنيا و خلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته، و أيم الله لقد ضربت لكم فيه الأمثال، و صرفت الآيات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون و لا قوة الا بالله وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الدنيا، فان الله يقول و قوله الحق - (انما مثل الحيوة الدنيا كمآء أنزلنه من السمآء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس و الأنعم حتي اذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلهآ أنهم قدرون عليهآ أتهآ أمرنا ليلا أو نهارا فجعلنها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الأيت لقوم يتفكرون) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، و لا تركنوا الي الدنيا فان الله قال لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم: (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) و لا تركنوا الي هذه الدنيا و ما فيها ركون من اتخذها دار قرار، و منزل استيطان، فانها دار قلعة، و منزل بلغة، و دار عمل، فتزودوا الأعمال الصالحة قبل تفرق أيامها، و قبل الاذن من الله في خرابها، فكأن قد أخرجها الذي عمرها أول مرة وابتدأها و هو ولي ميراثها. و أسأل الله لنا و لكم العون علي تزود التقوي و الزهد في الدنيا، جعلنا الله و اياكم من الزاهدين في عاجل هذه الحياة الدنيا، الراغبين في آجل ثواب الآخرة، فانما نحن له و به، والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته [61] . [ صفحه 279]
حياة أئمة أهل البيت عليهمالسلام كلها دعوة الي الله تعالي، و اعلاء لكلمته، و اشادة بأمره؛ فكانوا يتوسلون بكل السبل و الوسائل لارشاد الأمة و توجيهها الوجهة الصحيحة، و كانت رسائلهم الخاصة هي بعض هذه الوسائل التي كانوا يستخدمونها للارشاد و التبليغ. ان من يتصفح هذه الرسائل يجدها طافحة بالتعاليم الاسلامية، مملوءة بالمواعظ و الحكم و الأخلاق. نذكر بعض ما ورد من كتب الامام زينالعابدين عليهالسلام: 1 - من كتاب له عليهالسلام الي عبدالملك بن مروان جوابا عن كتاب كتبه اليه: أما بعد، فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، و تزعم أنه كان في نساء قريش من أمجد به في الصهر، و استنجبه في الولد، و أنه ليس فوق رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مرتقي في مجد، ولا مستزادا في كرم، و انما كانت ملك يميني خرجت مني بأمر أراده الله عزوجل التمست فيه ثوابه، ثم ارتجعتها علي سنته، و من كان زكيا في دين الله فليس يخل به شيء من أمره، و قد رفع الله بالاسلام الخسيسة، و تمم به النقيصة، و أذهب اللوم، فلا لوم علي امريء مسلم، انما اللوم لوم الجاهلية والسلام. فلما قرأ عبدالملك الكتاب رمي به الي ابنه سليمان فقرأه، ثم قال: يا أميرالمؤمنين: لشد ما فخر عليك علي بن الحسين. قال عبدالملك: لا تقل ذلك يا بني، فانها ألسن بنيهاشم، و ان علي بن الحسين يا بني يرتفع من حيث يتضع الناس. [ صفحه 280] ثم التفت عبدالملك لجلسائه فقال: أخبروني عن رجل اذا أتي ما يضع الناس لم يزده الا شرفا. قالوا: ذاك أميرالمؤمنين. قال: لا والله. قالوا: ما نعرف الا أميرالمؤمنين. فقال عبدالملك: فلا والله، ما هو بأميرالمؤمنين، و لكنه علي بن الحسين [62] . 2 - بلغ عبدالملك أن سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عند علي بن الحسين فبعث يستوهبه منه و يسأله الحاجة، فأبي عليه، فكتب اليه عبدالملك يهدده، و أنه يقطع رزقه من بيت المال. فأجابه عليهالسلام: أما بعد: فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون. و الرزق من حيث لا يحتسبون و قال جل ذكره: (ان الله لا يحب كل خوان كفور)، فانظر أينا أولي بهذه الآية [63] . 3 - من كتاب له عليهالسلام الي محمد بن مسلم الزهري يعظه به: كفانا الله و اياك من الفتن، و رحمك من النار، فقد أصبحت بحال لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك، و أطال من عمرك و قامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه، و فقهك فيه من دينه، و عرفك من سنة نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فرض لك في كل نعمة أنعم بها عليك، و في كل حجة احتج بها عليك الفرض فما قضي الا ابتلي شكرك في ذلك، وأبدي فيه فضله عليك فقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد). فانظر أي رجل تكون غدا اذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، و عن حججه عليك كيف قضيتها، و لا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير، و لا [ صفحه 281] راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ علي العلماء في كتابه اذ قال: (لتبيننه للناس و لا تكتمونه). و اعلم أن أدني ما كتمت، و أخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم و سهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، و اجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء باثمك غدا مع الخونة، و أن تسأل عما أخذت باعانتك علي ظلم الظلمة؛ انك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، و دنوت ممن لم يرد علي أحد حقا، و لم ترد باطلا حين أدناك، و أحببت من حاد الله؛ أوليس بدعائه اياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحي مظالمهم، و جسرا يعبرون عليك الي بلاياهم، و سلما الي ضلالتهم، داعيا الي غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك علي العلماء، و يقتادون بك قلوب الجهال اليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، و لا أقوي أعوانهم الا دون ما بلغت من اصلاح فسادهم، و اختلاف الخاصة والعامة اليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، و ما أيسر ما عمروا لك، فكيف ما خربوا عليك، فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، و حاسبها حساب رجل مسؤول. و انظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا و كبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتب يأخذون عرض هذا الأدني و يقولون سيغفر لنا). انك لست في دار مقام، أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه؛ طوبي لمن كان في الدنيا علي وجل، يا بؤس لمن يموت و تبقي ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت، و بادر فقد أجلت، انك تعامل من لا يجهل، و ان الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، و داو ذنبك فقد دخله سقم شديد، و لا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك و تعييرك، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك، و يرد اليك ما عزب من دينك، و ذكرت قول الله تعالي في كتابه: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين). [ صفحه 282] أغفلت ذكر من مضي من أسنانك و أقرانك، و بقيت بعدهم كقرن أعضب؛ انظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم ذكرت خيرا علموه، و علمت شيئا جهلوه، بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة و كلفهم بك، اذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك ان أحللت أحلوا، وان حرمت حرموا و ليس ذلك عندك و لكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك، ذهاب علمائهم و غلبة الجهل عليك و عليهم، و حب الرئاسة، و طلب الدنيا منك و منهم، أما تري ما أنت فيه من الجهل و الغرة و ما الناس فيه من البلاء و الفتنة، قد ابتليتهم و فتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم الي أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، و في بلاء لا يقدر قدره، فالله لنا و لك، و هو المستعان. أما بعد فاعرض عن كل ما أنت فيه حتي تلحق بالصالحين؛ الذين دفنوا في أسمالهم لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم و بين الله حجاب، و لا تفتنهم الدنيا و لا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا، فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك، و رسوخ علمك، و حضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه، المدخول في عقله؛ انا لله و انا اليه راجعون علي من المعول، و عند من المستعتب؟ نشكو الي الله بثنا و ما نري فيك، و نحتسب عند الله مصيبتنا بك. فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا و كبيرا، و كيف اعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا، و كيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، و كيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا، ما لك لا تنتبه من نعستك، و تستقيل من عثرتك، فتقول: «و الله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا، أو أمت له فيه باطلا» فهذا شكرك من استحملك و ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالي في كتابه: (أضاعوا الصلوة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) ما استحملك كتابه، و استودعك علمه فأضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام [64] . [ صفحه 283]
من أعلي التراث الاسلامي، و أنفس ذخائر المكتبة العربية، رسالة الحقوق للامام زينالعابدين عليهالسلام، أتي فيها علي الحقوق المترتبة علي المسلم و هي خمسون حقا، حقوق الله سبحانه و تعالي، و حقوق النفس و الجوارح، و حقوق الفرائض، و حقوق المجتمع... و قد شرح الرسالة كثير من العلماء و الأدباء، منهم الخطيب السيد حسن القبانجي في جزئين كبيرين. و نحن نذكر النص، و للمزيد يراجع الشروح. عن أبيحمزة الثمالي قال: هذه رسالة علي بن الحسين عليهالسلام الي بعض أصحابه: اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها و آلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض. و أكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالي من حقه الذي هو أصل الحقوق و منه تفرع. ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك الي قدمك علي اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا و لسمعك عليك حقا و للسانك عليك حقا و ليدك عليك حقا و لرجلك عليك حقا و لبطنك عليك حقا و لفرجك عليك حقا، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال. ثم جعل عزوجل لأفعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا، و لصومك عليك حقا، و لصدقتك عليك حقا، و لهديك عليك حقا، [ صفحه 284] و لأفعالك عليك حقا، ثم تخرج الحقوق منك الي غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، و أوجبها عليك حقوق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق، فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك: حق سائسك بالسلطان، ثم سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك، و كل سائس امام، و حقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم، فان الجاهل رعية العالم، و حق رعيتك بالملك من الأزواج و ما ملكت من الأيمان. و حقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، فأوجبها عليك حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب و الأول فالأول، ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه، ثم حق ذي المعروف لديك، ثم حق مؤذنك بالصلاة، ثم حق امامك في صلاتك، ثم حق جليسك ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جري لك علي يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال و تصرف الأسباب، فطوبي لمن أعانه الله علي قضاء ما أوجب عليه من حقوقه و وفقه و سدده.
فأما حق الله الأكبر عليك، فأن تعبده لا تشرك به شيئا، فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل الله علي نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة و يحفظ لك ما تحب منهما. [ صفحه 285]
و أما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي الي لسانك حقه، و الي سمعك حقه، و الي بصرك حقه، و الي يدك حقها، و الي رجلك حقها، و الي بطنك حقه، و الي فرجك حقه، و تستعين بالله علي ذلك.
و أما حق اللسان: فاكرامه عن الخنا، و تعويده الخير و ترك الفضول التي لا فائدة لها، و البر بالناس و حسن القول فيهم، و حمله علي الآداب، و اجمامه الا لموضع الحاجة و المنفعة للدين و الدنيا، و اعفاؤه من الفضول القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، و بعد شاهد العقل و الدليل عليه، و تزيين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه. و لا حول و لا قوة الا بالله.
و أما حق السمع فتنزيهه عن سماع الغيبة، و سماع ما لا يحل سماعه. و تنزيهه أن تجعله طريقا الي قلبك الا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب به خلقا كريما، فانه باب الكلام الي القلب يؤدي اليه ضروب المعاني علي ما فيها من خير أو شر، و لا قوة الا بالله.
و أما حق البصر فغضه عما لا يحل لك، و ترك ابتذاله الا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما، فان البصر باب الاعتبار.
و حق رجليك أن لا تمشي بهما الي ما لا يحل لك، ففيهما تقف علي الصراط، فانظر أن لا يزلا بك فتتردي في النار. [ صفحه 286]
و حق يدك أن لا تبسطها الي ما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها اليه من الله العقوبة في الآجل، و من الناس الائمة في العاجل، و لا تقبضها عما افترض الله عليها، و لكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، و بسطها الي كثير مما ليس عليها، فاذا هي قد عقلت و شرفت في العاجل، و وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل.
و حق بطنك أن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير، و أن تقصد له في الحلال، و لا تخرجه من حد التقوية الي حد التهوين و ذهاب المروءة، فان الشبع المنتهي بصاحبه الي السكر مسخفة و مجهلة و مذهبة للمروءة.
و حق فرجك أن تحصنه عن الزني، و حفظه عما لا يحل لك، و الاستعانة عليه بغض البصر، فانه من أعون الأعوان، و ضبطه اذا هم بالجوع و الظمأ، و كثرة ذكر الموت و التهدد لنفسك بالله، و التخويف لها به. و بالله العصمة و التأييد و لا حول و لا قوة الا به.
فأما حق الصلاة: فأن تعلم أنها وفادة الي الله و أنك قائم بها بين يدي الله فاذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل، الراغب، الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرع، المعظم من قام بين يديه بالسكون و الاطراق و خشوع الأطراف و لين الجناح، و حسن المناجاة له في نفسه، و الطلب اليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك، و لا قوة الا بالله. [ صفحه 287]
و حق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله علي لسانك و سمعك و بصرك و فرجك ليسترك به من النار، فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك. و هكذا جاء في الحديث: الصوم جنة من النار، فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا، و ان أنت تركتها تضطرب في حجابها و ترفع جنبات الحجاب، فتطلع الي ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة و القوة الخارجة عن حد التقية لله، لم تأمن أن تخرق الحجاب و تخرج منه.
و حق الحج أن تعلم أنه وفادة الي ربك، و فرار اليه من ذنوبك، و به قبول توبتك، و قضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.
و حق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عزوجل، و وديعتك التي لا تحتاج الي الاشهاد عليها، فاذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية و تعلم أنها تدفع البلايا و الأسقام عنك في الدنيا و تدفع عنك النار في الآخرة، ثم لم تمتن بها علي أحد لأنها لك، فاذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها الي ما مننت بها عليه، لأن في ذلك دليلا علي أنك لم ترد نفسك بها، و لو أردت نفسك بها لم تمتن بها علي أحد.
و أما حق الهدي: فأن تخلص به الارادة الي ربك و التعرض لرحمته و قبوله، و لا تريد عيون الناظرين دونه، فاذا كنت كذلك لم تكن متكلفا و لا متصنعا، و كنت انما تقصد الي الله. و اعلم أن الله يراد باليسير و لا يراد بالعسير. كما أراد بخلقه التيسير و لم يرد بهم التعسير. و كذلك التذلل أولي بك من (التدهقن) لأن الكلفة و المؤنة في [ صفحه 288] (المتدهقنين) فأما التذلل و التمسكن فلا كلفة فيهما و لا مؤنة عليهما، لأنهما الخلقة، و هما موجودان في الطبيعة. و لا قوة الا بالله.
و حق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة، و أنه مبتلي فيك بما جعله عزوجل له من السلطان، و أن تخلص له في النصيحة، و أن لا تماحكه، و قد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه. و تذلل و تلطف لاعطائه من الرضا ما يكفه عنك و لا يضر بدينك. و تستعين عليه في ذلك بالله. و لا تعازه و لا تعانده، فانك ان فعلت ذلك عققته و عققت نفسك، فعرضتها لمكروه و عرضته للهلكة فيك، و كنت خليقا أن تكون معينا له علي نفسك و شريكا له فيما أتي اليك من سوء. و لا قوة الا بالله.
و حق سائسك بالتعلم، التعظيم له، و التوقير لمجلسه و حسن الاستماع اليه و الاقبال عليه، و أن لا ترفع عليه صوتك و لا تجيب أحدا يسأله عن شيء يكون هو الذي يجيب، و لا تحدث في مجلسه أحدا، و لا تغتاب عنده أحدا، و أن تدفع عنه اذا ذكر عندك بسوء، و أن تستر عيوبه و تظهر مناقبه، و لا تجالس عدوه، و لا تعادي له وليا، فاذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته و تعلمت علمه لله عزوجل لا للناس.
و أما حق سائسك بالملك فنحو من سائسك بالسلطان، الا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك، تلزمك طاعته فيما دق و جل منك، الا أن يخرجك من وجوب حق الله، و يحول بينك و بين حقه و حقوق الخلق فاذا قضيته رجعت الي حقه فتشاغلت به. و لا قوة الا بالله. [ صفحه 289]
و حق رعيتك بالسلطان أن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم و قوتك، فيجب أن تعدل فيهم و تكون لهم كالوالد الرحيم، و تغفر لهم جهلهم و لا تعاجلهم بالعقوبة و تشكر الله علي ما آتاك من القوة عليهم.
و أما حق رعيتك بالعلم: فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم، و ولاك من خزانة الحكمة، فان أحسنت فيما ولاك الله من ذلك و قمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب، الذي اذا رأي ذاحاجة أخرج له من الأموال التي في يديه، كنت راشدا، و كنت لذلك آملا معتقدا، و الا كنت له خائنا و لخلقه ظالما (و كان حقا علي الله عزوجل أن يسلبك العلم و بهاءه ويسقط من القلوب محلك).
و حق الزوجة أن تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا و أنسا، و تعلم أن ذلك نعمة من الله تعالي عليك فتكرمها و ترفق بها، و ان كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، و تطعمها و تكسوها فاذا جهلت عفوت عنها.
و حق مملوكهك أن تعلم أنه خلق ربك، و ابن أبيك و أمك و لحمك و دمك، لم تملكه لأنك صنعته دون الله تعالي و لا خلقت شيئا من جوارحه و لا أخرجت له رزقا، و لكن الله عزوجل كفاك ذلك ثم سخره لك، و ائتمنك عليه و استودعك اياه، ليحفظ لك ما تأتيه من الخير اليه، فأحسن اليه كما أحسن الله اليك، و ان كرهته استبدلت به و لم تعذب خلق الله عزوجل. [ صفحه 290]
فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا، و أنها وقتك بسمعها و بصرها، و يدها و رجلها، و شعرها و بشرها. و جميع جوارحها، مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها و ألمها و ثقلها و غمها، حتي دفعتها عنك يد القدرة و أخرجتك الي الأرض، فرضيت أن تشبع و تجوع هي، و تكسوك و تعري، و ترويك و تظمي، و تظلك و تضحي، و تنعمك ببؤسها و تلذذك بالنوم بأرقها و كان بطنها لك وعاء و حجرها لك حواء وثديها لك سقاء، و نفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا و بردها لك و دونك. فتشكرها علي قدر ذلك و لا تقدر عليه الا بعون الله و توفيقه.
و حق أبيك أن تعلم أنك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله و اشكره علي قدر ذلك. و لا قوة الا بالله.
و حق ولدك أن تعلم أنه منك و مضاف اليك في عاجل الدنيا بخيرة و شره، و أنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب و الدلالة علي ربه عزوجل، و المعونة له علي طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب علي الاحسان اليه معاقب علي الاساءة اليه.
و أما حق أخيك: فتعلم أنه يدك التي تبسطها، و ظهرك الذي تلتجيء اليه، و عزك الذي تعتمد عليه، و قوتك التي تصول بها، فلا تتخذه سلاحا علي معصية الله، و لا عدة للظلم بحق الله، و لا تدع نصرته علي نفسه، و معونته علي عدوه، و الحول بينه [ صفحه 291] و بين شياطينه، و تأدية النصيحة اليه، و الاقبال عليه في الله، فان انقاد لربه و أحسن الاجابة له و الا فليكن الله آثر عندك و أكرم عليك منه.
و أما حق المنعم عليك بالولاء، فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله، و أخرجك من ذل الرق و وحشته الي عز الحرية و أنسها، فأطلقك من أسر الملكة، و فك عنك حلق العبودية، و أوجدك رائحة العز، و أخرجك من سجن القهر، و دفع عنك العسر، و بسط لك لسان الانصاف، و أباحك الدنيا كلها، فملكك نفسك، و حل أسرك، و فرغك لعبادة ربك، و احتمل بذلك التقصير في ماله. فتعلم أنه أولي الخلق بك بعد أولي رحمك في حياتك و موتك، و أحق الخلق بنصرك و معونتك، و مكاتفتك في ذات الله، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج اليك.
و أما حق مولاك الجارية عليه نعمتك، فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه و واقية و ناصرا و معقلا، و جعله لك وسيلة و سببا بينك و بينه فبالحري أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب منه في الآجل، ويحكم لك بميراثه في العاجل اذا لم يكن له رحم، مكافأة لما أنفقته من مالك عليه و قمت به من حقه بعد انفاق مالك، فان لم تخفه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه. و لا قوة الا بالله.
و أما حق ذي المعروف عليك، فأن تشكره و تذكر معروفه و تنشر له المقالة الحسنة، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله سبحانه، فانك اذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا و علانية. ثم ان أمكن مكافأته يوما كافأته، و الا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها. [ صفحه 292]
و أما حق المؤذن: فأن تعلم أنه مذكرك بربك عزوجل، و داع الي حظك، و عونك علي قضاء فرض الله عليك، فاشكره علي ذلك شكرك للمحسن اليك.
و أما حق امامك في صلاتك، فأن تعلم أنه تقلد السفارة فيما بينك و بين ربك عزوجل، و تكلم عنك و لم تتكلم عنه، و دعا لك و لم تدع له، و طلب و كفاك هول المقام بين يدي الله عزوجل، فان كان نقص كان عليه دونك، و ان كان تمام كنت شريكه، و لم يكن له عليك فضل، فوقي نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته، فتشكر له علي قدر ذلك.
و حق جليسك أن تلين له جانبك، و تنصفه في مجاراة اللفظ و لا تقوم من مجلسك الا باذنه، و من تجلس اليه يجوز له القيام عنك بغير اذنك، و تنسي زلاته و تحفظ خيراته، و لا تسمعه الا خيرا.
و حق جارك حفظه غائبا، و اكرامه شاهدا، و نصرته اذا كان مظلوما، و لا تتبع له عورة، فان علمت عليه سوءا سترته عليه، و ان علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك و بينه، و لا تسلمه عند شدائده، و تقيل عثراته و تغفر ذنبه، و تعاشره معاشرة كريمة. و لا تدخر حلمك عنه اذا جهل عليك، و لا تخرج أن تكون سلما له، ترد عنه لسان الشتيمة و تبطل فيه كيد حامل النصيحة، و لا حول و لا قوة الا بالله.
و حق الصاحب: أن تصحبه بالتفضل و الانصاف، و تكرمه كما يكرمك، و لا تدعه يسبق الي مكرمة، فان سبق كافيته. و توده كما يودك، و تزجره عما يهتم به من معصية، و كن عليه رحمة و لا تكن عليه عذابا. ولا قوة الا بالله. [ صفحه 293]
و حق الشريك: فان غاب كفيته، و ان حضر رعيته، و لا تحكم دون حكمه، و لا تعمل برأيك دون مناظرته، و تحفظ عليه ماله، و لا تخنه فيما عز أو هان من أمره، فان يد الله تبارك و تعالي علي الشريكين ما لم يتخاونا، و لا قوة الا بالله.
و حق مالك فأن لا تأخذه الا من حله، و لا تنفقه الا في وجهه، و لا تحرفه عن مواضعه، و لا تصرفه عن حقائقه، و لا تجعله اذا كان من الله الا اليه، و سببا الي الله، و لا تؤثر به علي نفسك من لا يحمدك، فاعمل به بطاعة ربك، و لا تبخل به فتبوء بالحسرة و الندامة مع التبعة. و لا قوة الا بالله.
و حق غريمك الذي يطالبك، فان كنت موسرا أعطيته، و لم تردده و تمطله، فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: «مطل الغني ظلم». و ان كنت معسرا أرضيته بحسن القول، و طلبت اليه طلبا جميلا، ورددته عن نفسك ردا لطيفا، و لم تجمع عليه ذهاب ماله و سوء معاملته، فان ذلك لؤم و لا قوة الا بالله.
و حق الخليط أن لا تغره و لا تغشه و لا تخدعه، و تتقي الله تبارك و تعالي في أمره. و لا تكذبه و لا تغفله، و لا تعمل في انتقاصه عمل العدو الذي لا يبقي علي صاحبه، وان اطمأن اليك استقصيت له علي نفسك، و علمت أن غبن المسترسل ربا.
و حق الخصم المدعي عليك، فان كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده علي نفسك و لم تظلمه و أوفيته حقه، و ان كان ما يدعي باطلا رفقت به، و لم تأت في أمره، و لا قوة الا بالله. [ صفحه 294]
و أما حق خصمك الذي تدعي عليه، ان كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته و لم تجحد حقه. و ان كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عزوجل و تبت اليه و تركت الدعوي. فان للدعوي غلظة في سمع المدعي عليه، و قصدت قصد حجتك بالرفق، و أمهل المهلة، و أبين البيان، و ألطف اللطف، و لم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل و القال، فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك.
أما حق المستشير ان علمت له رأيا حسنا أشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، و ليكن منك في رحمة و لين، فان اللين يؤنس الوحشة، و ان الغلظة توحش موضع الأنس، و ان لم يحضرك له رأي و عرفت له من تثق برأيه و ترضي به لنفسك دللته عليه، و أرشدته اليه فكنت لم تأله خيرا، و لم تدخره نصحا، ولا قوة الا بالله.
و حق المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه اذا أشار عليك، فانما هي الآراء و تصرف الناس فيها و اختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار اذا اتهمت رأيه، فأما تهمته فلا تجوز لك اذا كان عندك من يستحق المشاورة، و لا تدع شكره علي ما بدا لك من اشخاص رأيه و حسن وجه مشورته، فاذا وافقك حمدت الله و قبلت ذلك من أخيك بالشكر و الارصاد بالمكافأة في مثلها ان فزع اليك، و لا قوة الا بالله.
و حق المستنصح أن تؤدي اليه النصيحة، و ليكن مذهبك الرحمة له و الرفق به و تكلمه من الكلام بما يطيقه عقله، فان لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه و يجتنبه.
و حق الناصح أن تلين له جناحك، و تصغي اليه بسمعك، فان أتي بالصواب [ صفحه 295] حمدت الله عزوجل، و ان لم يوفق رحمته ولم تتهمه، و علمت أنه أخطأ، و لم تؤاخذه بذلك الا أن يكون مستحقا للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره علي حال، و لا قوة الا بالله.
و حق الكبير توقيره لسنه، و اجلاله في الاسلام قبلك، و ترك مقابلته عند الخصام، و لا تسبقه الي طريق، و لا تتقدمه، و لا تستجهله و ان جهل عليك احتملته و أكرمته لحق الاسلام و حرمته، فانما هي حق السن بقدر الاسلام، و لا قوة الا بالله.
و حق الصغير رحمته في تعليمه، و العفو عنه و الستر عليه، و الرفق به، و المعونة له. و الستر علي جرائر حداثته فانه سبب للتوبة، و المداراة له، و ترك مماحكته، فان ذلك أدني لرشده.
وحق السائل: اعطاؤه علي قدر حاجته، والدعاء له فيما نزل به، و المعاونة له علي طلبته، و ان شككت في صدقه و سبقت اليه التهمة و لم تعزم علي ذلك، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان، أراد أن يصدك عن حظك ويحول بينك و بين التقرب الي ربك، تركته بستره ورددته ردا جميلا، و ان غلبت نفسك في أمره وأعطيته علي ما عرض في نفسك منه. فان ذلك من عزم الأمور.
و أما حق المسؤول فحقه ان أعطي قبل منه ما أعطي بالشكر له، و المعرفة لفضله، و طلب وجه العذر في منعه و أحسن به الظن، وأعلم أنه ان منع فماله منع، و أن ليس التثريب في ماله، و ان كان ظالما فان الانسان لظلوم كفار. [ صفحه 296]
و حق من سرك لله تعالي أن تحمد الله عزوجل أولا، ثم تشكره علي ذلك بقدره في موضع الجزاء، و كافأته علي فضل الابتداء، و أرصدت له المكافأة ان لم تعمدها لك، و ان لم يكن تعمدها حمدت الله أولا ثم شكرته، و علمت أنه منة توحدك بها، و أحببت هذا اذا كان سببا من أسباب نعم الله عليك، و ترجو بعد ذلك خيرا، فان أسباب النعم بركة حيثما كانت.
و أما حق من ساءك القضاء علي يديه بقول أو فعل، فان كان تعمدها كان العفو أولي بك لما فيه له من القمع و حسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق، فان الله يقول: (و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) - الي قوله -: (لمن عزم الأمور) [الشوري: 41 و 43] و قال عزوجل (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصبرين) [النحل: 126] هذا في العمد فان لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد علي خطأ، و رفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه، و لا قوة الا بالله.
و حق أهل ملتك اضمار السلامة و الرحمة لهم، و الرفق بمسيئهم و تألفهم و استصلاحهم، و شكر محسنهم و كف الأذي عنهم، و تحب لهم ما تحب لنفسك، و تكره لهم ما تكره لنفسك، فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك و أنزلهم جميعا منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد و صغيرهم بمنزلة الولد، و أوسطهم بمنزلة الأخ. (فمن أتاك تعاهدته بلطف و رحمة)، وصل أخاك بما يجب للأخ علي أخيه. [ صفحه 297]
و أما حق أهل الذمة: أن تقبل منهم ما قبل الله عزوجل منهم، و لا تظلمهم ما وفوا الله عزوجل بعهده، وكفي بما جعل الله لهم من ذمته و عهده، و تكلهم اليهم فيما طلبوا من أنفسهم، و تحكم فيهم بما حكم الله به علي نفسك فيما جري بينك و بينهم من معاملة، و ليكن بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمة الله و الوفاء بعهده و عهد رسوله حائل، فانه بلغنا أنه قال: «من ظلم معاهدا كنت خصمه» فاتق الله، و لا حول و لا قوة الا بالله. [ صفحه 298]
و من الوسائل الي اتبعها أئمتنا عليهم الصلاة والسلام للارشاد هي أن ينثروا علي من حولهم من الناس صنوف الحكم و المواعظ و الآداب و الأخلاق، في أقصر عبارة، و أجمل تعبير، تعيها القلوب، و ترددها الألسن، و يأخذها أصحابهم للعمل و التطبيق؛ و في بطون الكتب آلاف الكلمات لهم عليهمالسلام، حتي أن بعضهم جمع للامام أميرالمؤمنين عليهالسلام ألفي كلمة في كتاب مستقل. نذكر في هذا الفصل بعض ما ورد من كلمات الامام علي بن الحسين عليهالسلام. 1 - قال عليهالسلام: التارك للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كالنابذ لكتاب الله وراء ظهره، الا أن يتقي تقاة. قيل له: و ما يتقي تقاة؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغي [65] . 2 - قال عليهالسلام: لا يقل عمل مع تقوي، و كيف يقل ما يتقبل؟ 3 - و قال عليهالسلام: أبغض الناس الي الله من يقتدي بسنة امام و لا يقتدي بأعماله. 4 - و قال عليهالسلام: كم من مفتون بحسن القول فيه، و كم من مغرور بحسن الستر عليه، و كم من مستدرج بالاحسان اليه [66] . 5 - و قال عليهالسلام: كمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه و حمله و صبره و حسن خلقه. [ صفحه 299] 6 - و قال عليهالسلام: ثلاث منجاة للمؤمن: كف لسانه عن الناس باغتيابهم، و اشتغاله بنفسه بما ينفعه لآخرته و دنياه، و طول البكاء علي خطيئته. 7 - و قال عليهالسلام: ما من شيء أحب الي الله بعد معرفة نفسه من عفة البطن و الفرج. 8 - و قال عليهالسلام: استح من الله لقربه منك. 9 - و قال عليهالسلام: اياك و الغيبة، فانها أدام كلاب النار. 10 - و قال عليهالسلام: ما يوضع في ميزان امريء يوم القيامة أفضل من حسن الخلق [67] . 11 - و قال عليهالسلام من بات شبعانا و بحضرته مؤمن جائع طاو قال الله تبارك و تعالي: ملائكتي اشهدوا علي هذا العبد اني أمرته فعصاني و أطاع غيري، فوكلته الي عمله، و عزتي و جلالي الا غفرت له أبدا [68] . 12 - و قال عليهالسلام: الرضا بمكروه القضاء ارفع درجات اليقين [69] . 13 - و قال عليهالسلام: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة، و هو غدا جيفة، و عجبت كل العجب لمن شك في الله و هو يري خلقه، و عجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخري و هو يري النشأة الأولي، و عجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء و ترك العمل لدار البقاء. 14 - و قال عليهالسلام: انما التوبة العمل و الرجوع عن الأمر، و ليست التوبة بالكلام [70] . 15 - و قال عليهالسلام: ان الله أخفي أربعة في أربعة: أخفي رضاه في طاعته، فلا [ صفحه 300] تستصغرن شيئا من طاعته فربما وافق رضاه و أنت لا تعلم، و أخفي سخطه في معصيته فلا تستصغرن شيئا من معصيته فربما وافق سخطه معصيته و أنت لا تعلم، و أخفي اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته و أنت لا تعلم، و أخفي وليه في عباده فلا تستصغرن عبدا من عبيدالله فربما يكون وليه و أنت لا تعلم. 16 - و رأي عليهالسلام انسانا قد برأ من المرض فقال له: يهنئك الطهور من الذنوب، ان الله قد ذكرك فاذكره، و أقالك فاشكره. 17 - و قال عليهالسلام: من أطعم مؤمنا حتي يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة، لا ملك مقرب، و لا نبي مرسل الا الله رب العالمين. ثم قال: من موجبات المغفرة: اطعام المسلم السغبان، ثم تلا قوله تعالي: (أو اطعم في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) [71] . 18 - و قال عليهالسلام: أربع من كن فيه كمل اسلامه، و محصت عنه ذنوبه، و لقي ربه عزوجل و هو عنه راض: من وفي لله عزوجل بما يجعل علي نفسه للناس، و صدق لسانه مع الناس، و استحيي من كل قبيح عند الله و عند الناس، و حسن خلقه مع أهله. 19 - و قال عليهالسلام: القول الحسن يثري المال، و ينمي الرزق، و ينسيء في الأجل، و يحبب الي الأهل، و يدخل الجنة [72] . 20 - و قال عليهالسلام: ضمنت علي ربي عزوجل أن لا يسأل أحد من غير حاجة الا اضطرته المسألة يوما الي أن يسأل من حاجة [73] . [ صفحه 301]
لقد سجل أهل التاريخ و السير و التراجم الكثير مما ورد عن الأئمة عليهمالسلام، من وصايا، و خطب، و مواعظ، و حكم، و أمثال. كما سجلوا لهم بعض ما ورد من أجوبتهم التي أجابوا بها عن مسائل وردت عليهم، و تختلف هذه المسائل، فتارة تكون عن تفسير بعض آي الذكر الحكيم، و مرة عن فقه الشريعة، و ثالثة عن التوحيد و العدل، و قد تكون عن أمور غيبية لا يعرفها الا هم. و قد ذكرنا فيما مضي من هذه السلسلة بعض أجوبتهم عليهمالسلام، و نذكر الآن بعض ما ورد من أجوبة الامام زينالعابدين عليهالسلام: 1 - عن أبيحازم قال: قال رجل لزينالعابدين عليهالسلام، تعرف الصلاة؟ فحملت عليه، فقال عليهالسلام: مهلا يا أباحازم، فان العلماء هم الحلماء، ثم واجه السائل فقال: نعم أعرفها، فسأله عن أفعالها و تروكها و فرايضها و نوافلها حتي بلغ قوله: ما افتتاحها؟ قال: التكبير. قال: ما برهانها؟ قال: القراءة قال: ما خشوعها؟ قال: النظر الي موضع السجود. قال: ما تحريمها؟ قال: التكبير. قال: ما تحليلها؟ قال: التسليم. قال ما جوهرها؟ قال: التسبيح. قال: ما شعارها؟ قال: التعقيب. قال: ما تمامها؟ قال: الصلاة علي محمد و آل محمد. قال: ما سبب قبولها؟ قال: ولايتنا و البراءة من أعدائنا. قال: ما تركت لأحد حجة ثم نهض يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته [74] . 2 - سئل عليهالسلام عن العصبية؟ [ صفحه 302] فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يري الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، و لكن العصبية أن يعين قومه علي الظلم [75] . 3 - فقيل له: من أعظم الناس خطرا؟ فقال عليهالسلام: من لم ير الدنيا خطرا لنفسه [76] . 4 - قال سعيد بن المسيب: سألت علي بن الحسين عليهماالسلام عن رجل ضرب امرأة برجله فطرحت ما في بطنها ميتا. فقال عليهالسلام: اذا كان نطفة فان عليه عشرين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم، و استقرت فيه أربعين يوما، و ان طرحت و هو علقة، فان عليه أربعين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم و استقرت فيه ثمانين يوما، و ان طرحته مضغة فان عليه ستين دينارا، و هي التي وقعت في الرحم و استقرت فيه مائة و عشرين يوما، وان طرحته و هو نسمة مخلقة، له لحم و عظم، مرتل الجوارح، و قد نفخ فيه روح الحياة و البقاء، فان عليه دية كاملة [77] . 5 - كتب ملك الروم الي عبدالملك: أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة، لأغزونك بجنود مائة ألف، و مائة ألف، و مائة ألف. فكتب عبدالملك الي الحجاج أن يبعث لزين العابدين و يتوعده و يكتب اليه ما يقول. فقال علي بن الحسين: ان لله لوحا محفوظا يلحظه في كل يوم ثلثمائة لحظة، ليس منها لحظة الا يحيي فيها و يميت، و يعز و يذل، و يفعل ما يشاء، و اني لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة. [ صفحه 303] فكتب بها الحجاج الي عبدالملك فكتب عبدالملك بذلك الي ملك الروم، فلما قرأ قال: ما خرج هذا الا من كلام النبوة [78] . 6 - سئل عليهالسلام عن يوم القيامة. فقال: اذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين و الآخرين، و جمع ما خلق في صعيد واحد، ثم نزلت ملائكة السماء الدنيا و أحاطت بهم صفا، و ضرب حولهم سرادق من النار، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، حتي نزلت ملائكة السماء الثالثة فأحاطوا بالسرادق، ثم ضرب حولهم سرادق من نار، حتي عد ملائكة سبع سماوات و سبع سرادقات، و صعق الرجل فلما أفاق قيل له: يا ابنرسول الله فأين علي عليهالسلام و شيعته؟ قال: علي كثبان المسك يؤتون بالطعام و الشراب، لا يحزنهم ذلك [79] . 7 - لما بين عليهالسلام أهوال يوم القيامة و القصاص من الظالم للمظلوم قام رجل و قال: يا ابنرسول الله اذا كان للمؤمن علي الكافر مظلمة فأي شيء يأخذ منه و هو من أهل النار؟ فقال عليهالسلام: يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له علي الكافر، فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره. قال: فان كان للمسلم علي المسلم مظلمة فما يأخذ منه؟ فقال عليهالسلام: يؤخذ من حسنات الظالم و يدفع للمظلوم، و ان لم يكن له حسنات يؤخذ من سيئات المظلوم و يحط علي الظالم [80] . 8 - سئل عليهالسلام عن الزهد. فقال: الزهد عشرة أشياء: فأعلي درجة الزهد أدني درجة الورع، و أعلي درجة الورع أدني درجة اليقين، و أعلي درجة اليقين أدني درجة الرضا، ألا و ان الزهد في آية من كتاب الله (لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما ءاتاكم) [81] . [ صفحه 304] 9 - سئل عليهالسلام أي الأعمال أفضل عند الله تعالي؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة الله و معرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا، و ان لذلك شعبا كثيرة و ان للمعاصي شعبا، فأول ما عصي الله به الكبر، و هو معصية ابليس حين أبي و استكبر و كان من الكافرين، و الحسد و هو معصية ابنآدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، و حب الدنيا، و حب الرئاسة، و حب الراحة، و حب الكلام، و حب العلو، و حب الثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، و الدنيا دنيا بلاغ و دنيا ملعونة [82] . 10 - و لما رجع عليهالسلام الي المدينة - بعد وقعة كربلاء - وقف عليه ابراهيم بن طلحة بن عبيدالله فقال متشمتا: من الغالب؟ قال عليهالسلام: اذا دخل وقت الصلاة فأذن و أقم تعرف الغالب [83] . يريد أنهم عليهمالسلام الغالبون، فذكرهم المخلد عبر الأجيال و القرون، و عدوهم المخذول بما لحقه من اثم و عار و لعنة لا تزول، و ذكر سيء لا يمحي أثره مدي الدهر. 11 - سئل عليهالسلام: لم أوتم النبي صلي الله عليه و آله و سلم من أبويه؟ فقال عليهالسلام: لئلا يوجب عليه حق لمخلوق [84] . 12 - قيل له ما أشد بغض قريش لأبيك؟ فقال عليهالسلام: لأنه أورد أولهم النار، و الزم آخرهم العار [85] . 13 - قيل له: كيف أصبحت يا ابنرسول الله؟ [ صفحه 305] فقال عليهالسلام: أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالي يطلبني بالفرائض، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالسنة، و العيال بالقوت، و النفس بالشهوة، و الشيطان باتباعه، و الحافظان بصدق العمل و ملك الموت بالروح، و القبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب [86] . 14 - قال عليهالسلام في تفسير قوله تعالي: (و لكم في القصاص حيوة) الآية (و لكم) يا أمة محمد (في القصاص حيوة) لأن من هم بالقتل فعرف أنه يقتص منه فكف لذلك عن القتل، كان حياة للذي هم بقتله، و حياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل و حياة لغيرهما من الناس اذا علموا أن القصاص واجب لا يجسرون علي القتل مخافة القصاص (يا أولي الألباب) أولي العقول [87] . 15 - سئل عليهالسلام عن الصمد. فقال: الصمد الذي لا شريك له، و لا يؤده حفظ شيء، و لا يعزب عنه شيء [88] . 16 - قال ثابت بن دينار: سألت زينالعابدين علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب عليهمالسلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالي الله عن ذلك. قلت: فلم أسري بنبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم الي السماء؟ قال: ليريه ملكوت السماء و ما فيها من عجائب صنعه، و بدائع خلقه. قلت: فقول الله عزوجل: (ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني)؟ قال: ذاك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، دنا من حجب النور فرأي ملكوت السماوات، ثم تدلي عليهالسلام فنظر من تحته الي ملكوت الأرض، حتي ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدني [89] . [ صفحه 306] 17 - قال الزهري: دخلت علي علي بن الحسين فقال لي: يا زهري من أين جئت؟ قلت: من المسجد. قال: فيم كنتم؟ قلت: تذاكرنا أمر الصوم، فاجتمع رأيي و رأي أصحابي علي أنه ليس من الصوم واجب الا صوم شهر رمضان. فقال: يا زهري ليس كما قلتم، ان الصوم علي أربعين وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، و عشرة أوجه منها صيامهن حرام، و أربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار، ان شاء صام و ان شاء أفطر، و صوم الأذن علي ثلاثة أوجه، و صوم التأديب و صوم الاباحة و صوم السفر و المرض. قلت: فسرهن لي جعلت فداك. قال: أما الواجب: فصيام شهر رمضان، و صيام شهرين متتابعين لمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، و صيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق واجبا، قال الله عزوجل: (و من قتل مؤمنا خطاء فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الي أهله - الي قوله - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) و صيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق واجبا، قال الله تبارك و تعالي: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) و صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين واجب لمن لم يجد الاطعام، قال الله تبارك و تعالي: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم اذا حلفتم) كل ذلك متتابع و ليس بمتفرق؛ و صيام أذي الحلق، حلق الرأس واجب، قال الله تبارك و تعالي: (فمن كان منكم مريضا أو به أذي من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) و صاحبها فيها بالخيار، و ان صام صام ثلاثا، و صوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك و تعالي: (فمن تمتع بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة) [ صفحه 307] و صوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك و تعالي: (و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما). ثم قال: أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ فقلت: لا أدري. قال: تقوم الصيد قيمة، ثم تفض تلك القيمة علي البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا فيصوم لكل نصف صاع يوما. و صوم النذر واجب، و صوم الاعتكاف واجب. و أما الصوم الحرام: فصوم يوم الفطر، و يوم الأضحي و ثلاثة أيام من أيام التشريق، و صوم يوم الشك أمرنا به و نهينا عنه، أمرنا أن نصومه مع شعبان و نهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس. قلت: جعلت فداك فان لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشك أنه صائم من شعبان، فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وان كان من شعبان لم يضر. قلت: و كيف يجزي صوم تطوع عن فريضة؟ فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يدري و لا يعلم أنه من شهر رمضان، ثم علم بعد ذلك أجزأ عنه، لأن الفرض أنما وقع علي اليوم بعينه، و صوم الوصال حرام، و صوم الصمت حرام، و صوم النذر للمعصية حرام، و صوم الدهر حرام [90] . و أما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار: فصوم يوم الجمعة و الخميس و الاثنين، و صوم أيام البيض، و صوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان، و يوم عرفة، و يوم عاشوراء كل ذلك صاحبه فيه بالخيار، ان شاء صام، و ان شاء أفطر. [ صفحه 308] و أما صوم الاذن: فان المرأة لا تصوم تطوعا الا باذن زوجها، و العبد لا يصوم تطوعا الا باذن سيده، و الضيف لا يصوم تطوعا الا باذن صاحبه، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فمن نزل علي قوم فلا يصومن تطوعا الا باذنهم. و أما صوم التأديب: فانه يؤمر الصبي اذا راهق بالصوم تأديبا و ليس بفرض و كذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بعد ذلك أمر بالامساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض و كذلك المسافر اذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض. و أما صوم الاباحة: فمن أكل أو شرب، أو تقيا من غير تعمد فقد أباح الله ذلك له و أجزأ عنه صومه. و أما صوم السفر و المرض: فان العامة اختلفت فيه، فقال قوم: يصوم، و قال قوم: لا يصوم، و قال قوم: ان شاء صام و ان شاء أفطر، و أما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فان صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لأن الله عزوجل يقول: (فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر) [91] . 18 - قال زيد بن علي: سألت أبي سيد العابدين عليهالسلام فقلت له: يا أبه أخبرني عن جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما عرج به الي السماء و أمره ربه عزوجل بخمسين صلاة كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتي قال له موسي بن عمران عليهالسلام: ارجع الي ربك فسله التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك؟ فقال: يا بني ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا يقترح علي ربه عزوجل و لا يراجعه في شيء يأمره به، فلما سأله موسي عليهالسلام ذلك و صار شفيعا لأمته اليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسي عليهالسلام، فرجع الي ربه يسأله التخفيف الي أن ردها الي خمس صلوات. قال: فقلت له: يا أبه فلم لم يرجع الي ربه عزوجل و لم يسأله التخفيف من خمس صلوات، و قد سأله موسي أن يرجع الي ربه و يسأله التخفيف؟ [ صفحه 309] فقال: يا بني أراد عليهالسلام أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة، لقول الله عزوجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ألا تري أنه صلي الله عليه و آله و سلم لما هبط الي الأرض نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمد ان ربك يقرؤك السلام و يقول: انها خمس بخمسين، ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد قال: فقلت: يا أبه أليس الله تعالي ذكره لا يوصف بمكان؟ فقال: بلي تعالي الله عن ذلك. فقلت: ما معني قول موسي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ارجع الي ربك؟ فقال معناه قول ابراهيم عليهالسلام: (اني ذاهب الي ربي سيهدين) و معني قول موسي عليهالسلام: (و عجلت اليك رب لترضي) و معني قوله عزوجل: (ففروا الي الله) يعني حجوا الي بيت الله؛ يا بني ان الكعبة بيت الله، فمن حج بيت الله فقد قصد الي الله، و المساجد بيوت الله فمن سعي اليها فقد سعي الي الله و قصد اليه، و المصلي ما دام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جل جلاله، و أهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عزوجل، و ان الله تبارك و تعالي بقاعا في سماواته فمن عرج به الي بقعة فقد عرج به اليه، ألا تسمع الله عزوجل يقول: (تعرج الملائكة و الروح اليه) و يقول عزوجل في قصة عيسي عليهالسلام: (بل رفعه الله اليه) و يقول عزوجل: (اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه) [92] . 19 - عن أبيمالك قال: قلت لعلي بن الحسين عليهالسلام: أخبرني بجميع شرايع الدين. قال: قول الحق، و الحكم بالعدل، و الوفاء بالعهد [93] . [ صفحه 310]
أدعية الامام زينالعابدين عليهالسلام برامج ثقافية للمعارف، و الأخلاق، و سلسلة رفيعة في الحكم و النصائح و معالم فريدة في التوحيد و العرفان، و مجموعة كبيرة من المواعظ و الآداب، لم يحو كتاب بعد القرآن الكريم و نهجالبلاغة و كتب الحديث ما حوته من منابع الخير و الرشاد. و الحديث عنها مهما سما فهو أقل منها، و ما عسي أن يقول قائل في زبور آل محمد، و منهل التوحيد، و نهجالفصاحة، و منتهي البلاغة. قال الشيخ المجلسي: ذكرت الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة فقال: خذوا عني حتي أملي عليكم، و أخذ القلم و أطرق برأسه فما رفعه حتي مات [94] . لقد اهتم أهل البيت عليهمالسلام و شيعتهم بالصحيفة السجادية فتناقلوها بأسانيد كثيرة، و اجازات متعددة، حتي قال المجلسي ان له اليها ألف ألف سند [95] و أكب عليها العلماء حفظا و دراسة و شرحا، و أخذوا يفتشون كتب السير و الحديث و التاريخ ليظفروا بشيء من أدعيته عليهالسلام لم يوجد في الصحيفة، فجاءت الصحيفة السجادية الثانية، جمعها الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي، و اقتصر فيها علي ما ليس في الصحيفة من أدعيته عليهالسلام و جاء الميرزا عبدالله الأصفهاني، و استدرك علي الشيخ العاملي، فجمع الصحيفة السجادية الثالثة، ثم الشيخ النوري استدرك علي ما فات الميرزا عبدالله، فجمع الصحيفة السجادية الرابعة، ثم السيد محسن الأمين، استدرك علي الشيخ النوري، فجمع الصحيفة السجادية الخامسة، و السادسة لمحمد باقر بن [ صفحه 311] محمد حسن البيرجندي، و السابعة لهادي كاشف الغطاء، و الثامنة لمرزا علي المرعشي، و جل هذه الصحف قد طبع مرارا. و لو أنصفنا أنفسنا لجعلنا من هذه الأدعية سلما للرقي الي المجد، و مدرجا للعز، و مرتقي للكمال، و منهجا قويما لحياتنا العامة، و لنلنا بها سعادة الدنيا، و نعيم الآخرة. نذكر مختارات من أدعيته القصار أخذناها من الصحيفة و غيرها:
«يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا، و أمة الخائفون فوجدوه معقلا، و لجأ اليه العائدون فوجدوه موئلا، متي راحة من نصب لغيرك بدنه، و متي فرح من قصد سواك بنيته الهي قد انقشع الظلام و لم أقض من حياض مناجاتك صدرا، صل علي محمد و آله و افعل بي أولي الأمرين بك يا أرحم الراحمين» [96] .
قال أبوحمزة الثمالي: كان علي بن الحسين عليهالسلام يقول لأولاده: يا بني اذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا، أو نزل بكم فاقة، أو أمر فادح، فليتوضأ الرجل منكم و ضوءه للصلاة، و ليصل أربع ركعات أو ركعتين، فاذا فرغ من صلاته فليقل: «يا موضع كل شكوي، يا سمع كل نجوي، يا شافي كل بلوي، و يا عالم كل خفية، و يا كاشف من يشاء من بلية، و يا منجي موسي، و يا مصطفي محمد، و يا متخذا ابراهيم خليلا، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، و ضعفت قوته، و قلت حيلته، دعاء الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه الا أنت يا أرحم الراحمين، سبحانك اني كنت من الظالمين». قال علي بن الحسين عليهالسلام: لا يدعو بهذا رجل أصابه بلاء الا فرج عنه [97] . [ صفحه 312]
«اللهم ان استغفاري اياك و أنا مصر علي ما نهيت عنه قلة حياء، و ترك الاستغفار مع علمي بسعة رحمتك تضييع بحق الرجاء، اللهم ان كانت ذنوبي تؤيسني أن أرجوك، و ان علمي بسعة رحمتك يؤمنني أن أخشاك، فصل علي محمد و آل محمد، و حقق رجائي لك، و كذب خوفي منك و كربي عند حسن ظني بك يا أكرم الأكرمين» [98] .
«اللهم اني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، و يقبح فيما عندك سريرتي، اللهم كما أسأت و أحسنت الي، فاذا عدت فعد علي» [99] .
«اللهم من أنا حتي تغضب علي، فوعزتك ما يزين ملكك احساني، و لا يقبحه اساءتي، و لا ينقص من خزائنك غناي، و لا يزيد فيها فقري» [100] .
«يا من ذكره شرف للذاكرين، و يا من شكره فوز للشاكرين، و يا من طاعته نجاة للمطيعين، صل علي محمد و آله، و اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، و ألسنتنا بشكرك عن كل شكر، و جوارحنا بطاعتك عن كل طاعة، فان قدرت لنا فراغا من شغل، فاجعله فراغ سلامة، لا تدركنا فيه تبعة، و لا تلحقنا فيه سأمة، حتي ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكر سيئاتنا، و يتولي كتاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا، و اذا انقضت أيام حياتنا، و تصرمت مدد أعمارنا، و استحضرتنا دعوتك التي لا بد منها و من اجابتها، فصل علي محمد و آله و اجعل ختام ما تحصي علينا كتبة أعمالنا توبة مقبولة، لا توقفنا بعدها علي ذنب اجترحناه، و لا معصية [ صفحه 313] اقترفناها، و لا تكشف عنا سترا سترته علي رؤوس الأشهاد يوم تبلو أخبار عبادك، انك رحيم بمن دعاك، و مستجيب لمن ناداك» [101] .
«اللهم لك الحمد علي حسن قضائك، و بما صرفت عني من بلائك، فلا تجعل حظي من رحمتك ما عجلت لي من عافيتك، فأكون قد شقيت بما أحببت و سعد غيري بما كرهت، و ان يكن ما ظللت فيه، أو بت فيه من هذه العافية بين يدي بلاء لا ينقطع، و وزر لا يرتفع، فقدم لي ما أخرت، و أخر عني ما قدمت فغير كثير ما عاقبته الفناء، و غير قليل ما عاقبته البقاء و صل علي محمد و آله» [102] .
«يا من تحل به عقد المكاره، و يا من يفثأ به حد الشدائد، و يا من يلتمس منه المخرج الي روح الفرج، ذلك لقدرتك الصعاب، و تسببت بلطفك الأسباب، و جري بقدرتك القضاء، و مضت علي ارادتك الأشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة، و بارادتك دون نهيك منزجرة، أنت المدعو للمهمات، و أنت المفزع في الملمات، لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بي يا رب ما قد تكادني ثقله، و ألم بي ما قد بهظني حمله، و بقدرتك أوردته علي، و بسلطانك وجهته الي، فلا مصدر لما أوردت، و لا صارف لا وجهت، و لا فاتح لما أغلقت، و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت، لا ناصر لمن خذلت، فصل علي محمد و آل محمد وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك، و اكسر عني سلطان الهم بحولك، و انلني حسن النظر فيما شكوت، و أذقني حلاوة الصنع فيما سألت، و هب لي من لدنك رحمة و فرجا هنيئا، و اجعل لي من عندك مخرجا، و حيا، و لا تشغلني بالاهتمام عن تعاهد فروضك، و استعمال سنتك، فقد ضقت لما نزل بي يا رب ذرعا، و امتلأت بحمل ما حدث علي هما، و أنت القادر علي كشف ما منيت به، و دفع ما وقعت فيه، فافعل بي ذلك و ان لم أستوجبه منك يا ذاالعرش العظيم» [103] . [ صفحه 314]
«اللهم انك ابتليتنا في أرزاقنا بسوء الظن، و في آجالنا بطول الأمل، حتي التمسنا أرزاقك من عند المرزوقين، و طمعنا بآمالنا في أعمار المعمرين، فصل علي محمد و آل محمد و هب لنا يقينا صادقا تكفينا به من مؤنة الطلب، و ألهمنا ثقة خالصة تعفينا بها من شدة النصب و اجعل ما صرحت به من عدتك في وحيك، و اتبعته من قسمك في كتابك، قاطعا لاهتمامنا بالرزق الذي تكفلت به، و حسما للاشتغال بما ضمنت الكفاية له، فقلت و قولك الحق الأصدق، و أقسمت و قسمك الأبر الأوفي: (و في السماء رزقكم و ما توعدون) ثم قلت: (فو رب السماء و الأرض انه لحق مثل ما أنكم تنطقون) [104] . [ صفحه 315]
و مما اختص به أئمتنا عليهمالسلام هو استجابة الدعاء، فجل من ترجم لهم ذكر هذه المنقبة، و أورد الشواهد الكثيرة، و سبق لنا أن أوقفنا المطالع الكريم فيما مضي من هذه السلسلة علي بعض المواطن التي دعا بها الأئمة عليهمالسلام، و حصول الاستجابة من المولي جل شأنه لهم، و في هذه الصفحات بعض ما ورد من استجابة الدعاء للامام زينالعابدين عليهالسلام: 1 - قال المنهال بن عمرو: حججت فلقيت علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: ما فعل حرملة بن كاهل؟ قلت: تركته حيا بالكوفة. فرفع يديه ثم قال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار. قال فتوجهت نحو المختار فاذا بقوم يركضون و يقولون: البشارة أيها الأمير، قد أخذ حرملة - و قد كان تواري عنه - فأمر بقطع يديه و رجليه و حرقه بالنار [105] . 2 - كان زينالعابدين يدعو كل يوم أن يريه الله قاتل أبيه مقتولا، فلما قتل المختار قتلة الحسين عليهالسلام بعث برأسي عبيدالله بن زياد، و عمر بن سعد مع رسول من قبله الي زينالعابدين، و قال لرسوله: انه يصلي من الليل، و اذا أصبح و صلي الغداة هجع ثم يقوم فيستاك، و يؤتي بغذائه، فاذا أتيت بابه فاسأل عنه، فاذا قيل لك: ان المائدة بين يديه فاستأذن عليه، وضع الرأسين علي مائدته، و قل له: المختار يقرأ عليك السلام و يقول لك: يا ابنرسول الله: قد بلغك الله ثأرك. [ صفحه 316] ففعل الرسول ذلك، فلما رأي زينالعابدين الرأسين علي مائدته خر ساجدا و قال: الحمد لله الذي أجاب دعوتي، و بلغني ثأري من قتلة أبي. و دعا للمختار و جزاه خيرا [106] . 3 - دعاؤه عليهالسلام حين بلغه توجه مسرف بن عقبة الي المدينة. «ربي كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري، و كم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، و يا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، و يا ذا النعماء التي لا تحصي عددا، صل علي محمد و آل محمد و ادفع عني شره، فاني ادرأ بك في نحره، و استعيذ بك من شره». فقدم مسرف بن عقبة المدينة و كان يقال: انه لا يريد غير علي بن الحسين عليهماالسلام، فسلم منه و أكرمه و حباه و وصله [107] . 4 - عن جابر بن يزيد عن الباقر قال: قال علي بن الحسين عليهالسلام: موت الفجأة تخفيف عن المؤمن و أسف علي الكافر، و ان المؤمن ليعرف غاسله و حامله، فان كان له عند ربه خير ناشد حملته بتعجيله، و ان كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به. فقال: ضمرة بن سمرة: يا علي لو كان كما تقول لقفز من السرير. و ضحك واضحك. فقال علي بن الحسين اللهم ان كان ضمرة بن سمرة ضحك واضحك من حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فخذه أخذ آسف. فعاش بعد ذلك أربعين يوما و مات فجأة [108] . [ صفحه 317]
نقدم في هذا الفصل مختارات من شعر الامام علي بن الحسين عليهماالسلام، و كله في الفخر، و المناجاة، و الأخلاق و الدعوة الي الخير، و النهي عن الشر، و الأمر بمكارم الأخلاق، و معالي الصفات. و ليس هذا بكثير علي أناس كرسوا حياتهم للحق و الفضيلة، و الجهاد لاعلاء كلمة الاسلام. نذكر بعض ما ورد له عليهالسلام: 1 - قال عليهالسلام فيما ابتلي به أهل البيت عليهمالسلام: نحن بنو المصطفي ذوو غصص يجرعها في الأنام كاظمنا عظيمة في الأنام محنتنا أولنا مبتلي و آخرنا يفرح هذا الوري بعيدهم و نحن أعيادنا مآتمنا و الناس في الأمن و السرور و ما يأمن طول الزمان خائفنا و ما خصصنا به من الشرف الطائل بين الأنام آفتنا يحكم فينا و الحكم فيه لنا جاحدنا حقنا و غاصبنا [109] . و قال عليهالسلام فيما يتجرعه من مرارة الحياة: لباسي للدنيا التجلد و الصبر و لبسي للأخري البشاشة و البشر اذا نابني أمر لجأت الي العرا لأني من القوم الذي لهم فخر ألم تر ان العرف قد مات أهله و ان الندي و الجود ضمهما قبر [ صفحه 318] علي العرف و الجود السلام فما بقي من العرف الا الرسم في الناس و الذكر و قائلة لما رأتني مسهدا كان الحشا مني يلذعها الجمر أباطن داءا لو حوي منك ظاهرا لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر تغير أحوال و فقد أحبة و موت ذوي الافضال قالت كذا الدهر [110] . 3 - و قال عليهالسلام ليزيد بن معاوية: لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم و أن نكف الأذي عنكم و تؤذونا و الله يعلم انا لا نحبكم و لا نلومكم أن لا تحبونا قال: صدقت يا غلام، و لكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، و الحمد لله الذي قتلهما وسفك دماهما. فقال عليهالسلام: لم تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد [111] . 4 - و قال عليهالسلام في التقي: من عرف الرب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشقي ما ساء ذا الطاعة ما ناله في طاعة الله و ماذا لقي ما يصنع العبد بغير التقي و العز كل العز للمتقي [112] . 5 - و قال عليهالسلام و قد تعلق بأستار الكعبة: يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر و البلوي مع السقم قد نام وفدك حول البيت قاطبة و أنت وحدك يا قيوم لم تنم أدعوك رب دعاء قد أمرت به فارحم بكائي بحق البيت و الحرم ان كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود علي العاصين بالنعم [113] . [ صفحه 319] 6 - و قال عليهالسلام في علمه: اني لأكتم من علمي جواهره كي لا يري الحق ذو جهل فيفتتنا و قد تقدم في هذا أبوحسن الي الحسين و أوصي قبله الحسنا فرب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا و لاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا [114] . و قال عليهالسلام مخاطبا الحكام الظالمين: لكم ما تدعون بغير حق اذ ميز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتمونا كما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا عليكم و قاضيا الاله فنعم قاض [115] . و قال عليهالسلام في التذكير بالموت: فهم في بطون الأرض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر خلت دوره منها واقوت عراصهم و ساقتهم نحو المنايا المقادر و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها و ضمتهم تحت التراب الحفائر [116] . و قال عليهالسلام في التذكير: فيا عامر الدنيا و يا ساعيا لها و يا آمنا من أن تدور الدوائر و لم تتزود للرحيل و قد نا و أنت علي حال و شيك مسافر فيا لهف نفسي كم أسوف توبتي و عمري فان و الردي لي ناظر و كل الذي أسلفت في الصحف مثبت يجازي عليه عادل الحكم قادر [117] . [ صفحه 320]
أجمعت الأمة الاسلامية - علي اختلاف ميولها و مذاهبها - علي أفضلية أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، و سمو أخلاقهم، و حسن سيرتهم، و كثرة علمهم و اخلاص عملهم، و لم تجتمع الأمة بأسرها علي أفضلية أحد كاجتماعها علي أفضلية الأئمة عليهمالسلام؛ و لعل ما كتبه عنهم علماء الجمهور - من غير الشيعة - أكثر مما كتبه عنهم شيعتهم و مواليهم. و هذا وحده كاف علي أهليتهم - دون غيرهم - لمنصب الخلافة، و دست الحكم الذي حيل بينهم و بينه. و في هذه الصفحات مختارات من كلمات العلماء و العظماء في الامام علي بن الحسين: 1 - قال جابر بن عبدالله الأنصاري: و الله ما رؤي في أولاد الأنبياء بمثل علي ابنالحسين الا يوسف بن يعقوب عليهماالسلام، و الله لذرية علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، و ان منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا [118] . 2 - قال أبوحازم: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين، و لا أفقه منه [119] . 3 - قال الزهري: ما رأيت أحدا أفقه من زينالعابدين [120] و كان اذ ذكر علي بن الحسين يبكي و يقول: زينالعابدين [121] . [ صفحه 321] 4 - قال سعيد بن المسيب: ما رأيت قط مثل علي بن الحسين، و ما رأيته قط الا مقت نفسي [122] . و قال: ما رأيت رجلا أورع من علي بن الحسين [123] . 5 - قال له نافع بن جبير: انك سيد الناس و أفضلهم [124] . 6 - قال عمر بن عبدالعزيز و قد قام من عنده علي بن الحسين عليهماالسلام: من أشرف الناس؟ فقالوا: أنتم. فقال: كلا، فان أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا، من أحب الناس أن يكونوا منه، و لم يحب أن يكون من أحد [125] . و قال أيضا: سراج الدنيا، و جمال الاسلام، زينالعابدين [126] . 7 - قال له عبدالملك بن مروان: لقد سبق لك من الله الحسني، و أنت بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قريب النسب، و كيد السبب، و انك لذو فضل عظيم علي أهل بيتك و ذوي عصرك، و لقد أوتيت من العلم و الدين و الورع، و ما لم يؤته أحد مثلك قبلك، الا من مضي من سلفك. و أكثر من الثناء عليه [127] . 8 - قال الامام مالك: سمي زينالعابدين لكثرة عبادته [128] . قال الواقدي: كان من أورع الناس و أعبدهم و أتقاهم لله عزوجل، و كان اذا مشي لا يخطر بيديه [129] . [ صفحه 322] 10 - قال سفيان بن عيينة: ما رأيت هاشميا أفضل من زينالعابدين و لا أفقه منه [130] . 11 - قال محمد بن طلحة الشافعي: هذا زينالعابدين، قدوة الزاهدين، و سيد المتقين، و امام المؤمنين، شيمته تشهد له أنه من سلالة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سمته يثبت مقام قربه من الله زلفي و ثفناته تسجل بكثرة صلاته و تهجده، و اعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درت له أخلاف التقوي فتفوقها، و أشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدي بها، و ألفته أوراد العبادة فأنس بصحبتها و حالفته وظائف الطاعة فتحلي بحليتها، طالما اتخذ الليل مطية ركبها لقطع طريق الآخرة، و ظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مفازة المسافرة، و له الخوارق و الكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة، و ثبت بالآثار المتواترة، و شهد له أنه من ملوك الآخرة [131] . 12 - قال شمس الدين يوسف بن قزاغلي الحنفي - سبط ابنالجوزي -: و هو أبوالأئمة، و كنيته أبوالحسن، و يلقب بزين العابدين، و سماه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سيد العابدين كما نذكره في سيرة ولده محمد عليهالسلام، و السجاد، و ذي الثفنات، و الزكي، و الأمين، و الثفنات مما يقع علي الأرض من أعضاء البعير اذا استناخ و غلظ، كالركبتين و نحوهما، الواحدة ثفنة، فكان طول سجوده قد أثر في ثفناته [132] . 13 - قال شمس الدين محمد بن طولون: و رابعهم علي رضي الله عنه، و هو أبوالحسن علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب، المعروف بزينالعابدين، و يقال له: علي الأصغر. و قال: و هو من سادات التابعين. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. و كان يقال لزينالعابدين: ابنالخيرتين، لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: ان لله تعالي من عباده خيرتين: فخيرته من العرب قريش، و من العجم فارس. [ صفحه 323] و قال: و فضائل زينالعابدين و مناقبه أكثر من أن تحصي و كانت ولادته سنة 38 ه [133] . 14 - قال علي بن عيسي الأربلي: فانه عليهالسلام الامام الرباني، و الهيكل النوراني، بدل الأبدال، و زاهد الزهاد، و قطب الأقطاب، و عابد العباد، و نور مشكاة الرسالة، و نقطة دائرة الامامة، و ابنالخيرتين، و الكريم الطرفين قرار القلب، و قرة العين، علي بن الحسين، و ما أدراك ما علي بن الحسين: الأواه الأواب، العامل بالسنة و الكتاب، الناطق بالصواب، ملازم المحراب، المؤثر علي نفسه، المرتفع في درجات المعارف، فيومه يفوق علي أمسه، المنفرد بمعارفه، الذي فضل الخلائق بتليده، و طارفه، و حكم في الشرف فتسنم ذروته، و خطر في مطارفه و أعجز بما حواه من طيب المولد، و كرم المحتد، و زكاء الأرومة، و طهارة الجرثومة، عجز عنه لسان واصفه، و تفرد في خلواته بمناجاته، فتعجبت الملائكة من مواقفه، و أجري مدامعه خوف ربه الخ [134] . 15 - قال علي بن محمد المالكي - ابنالصباغ -: أما مناقبه فكثيرة، و مزاياه شهيرة، منها: أنه كان اذا توضأ للصلاة يصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي نراه يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم [135] . 16 - قال أحمد بن محمد بن أبيبكر بن خلكان: أبوالحسن علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب رضي الله عنهم، المعروف بزينالعابدين، و يقال له: علي الأصغر، و ليس للحسين رضي الله عنه عقب الا من ولده زينالعابدين هذا. و هو أحد الأئمة الاثني عشر، و من سادات التابعين. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. [ صفحه 324] و قال: و كان يقال لزين العابدين (ابنالخيرتين) لقوله صلي الله عليه و آله و سلم: ان لله تعالي من عباده خيرتان: فخيرته من العرب قريش، و من العجم فارس. و قال: و فضائل زينالعابدين و مناقبه أكثر من أن تحصر [136] . 17 - قال محمد بن حبان البستي: علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب، أبوالحسن، من فقهاء أهل البيت، و أفاضل بني هاشم، و عباد المدينة الخ [137] . 18 - قال ابنحجر: علي بن الحسين بن علي بن أبيطالب، زينالعابدين ثقة ثبت عابد، فقيه فاضل مشهور [138] . 19 - قال عبدالعزيز سيد الأهل: و زينالعابدين علي بن الحسين السجاد، ليس في حاجة لأن أحلوه للناس، أو - علي الأقل - للعارفين به أكثر من معرفتي به، و لكن الذي كان في حاجة لأن ينجد، و أن يستعلي انما هو قلمي و دفتري و مدادي، من حيث أخذت بهذه الأدوات أنظم في سيرة هذا البطل نظما جديدا، ربما أعجب عصرنا و انساق في تياره، و لئن حق لشيء أن يفخر فقد حق للقلم الذي ينظم سيرة علي بن الحسين أن يمجد و أن يستعلي، و أن يعتز علي المداد و الأقلام [139] . 20 - قال أحمد فهمي محمد: كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم و أورعهم و أعبدهم و أكرمهم و أحلمهم و أفصحهم لسانا، و أكرمهم احسانا، يتحدب علي الفقراء و يعين الضعفاء، الي هيبة في النفوس، و جلالة في القلوب... الخ [140] . [ صفحه 325]
لو جمعنا الشعر الذي قيل في مدح و رثاء الامام زينالعابدين عليهالسلام لكان كتابا ضخما قد يكبر عن حجم هذه السلسلة فضلا عن حجم هذا الكتاب، لقد مدحه أبوالأسود الدؤلي - شاعر أميرالمؤمنين عليهالسلام و المعلم الأول لعلم النحو - في قصيدة جاء فيها: و ان وليدا بين كسري و هاشم لأعظم من نيطت عليه التمائم و غيره و غيره كثير. و اخترت قصيدة الفرزدق رضوان الله عليه أن أثبتها في الكتاب اكبارا لموقف الشاعر في تحديه لطاغية بني أمية و استهانته به، فحيا الله هذا الولاء العلوي و كثر أمثاله في المسلمين. قال الشيخ المجلسي: في الحلية و الأغاني و غيرهما: حج هشام بن عبدالملك فلم يقدر علي الاستلام من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه، و أطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك اذ أقبل علي بن الحسين عليهماالسلام، و عليه ازار ورداء، من أحسن الناس وجها، و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فاذا بلغ موضع الحجر تنحي الناس حتي يستلمه هيبة له، فقال شامي: من هذا يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام. فقال الفرزدق و كان حاضرا: لكني أعرفه. فقال الشامي: من هو يا أبافراس. [ صفحه 326] فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني و الحلية و الحماسة، و القصيدة بتمامها هذه: يا سائلي أين حل الجود و الكرم عندي بيان اذا طلابه قدموا هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه و الحل و الحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم هذا الذي أحمد المختار والده صلي عليه الهي ما جري القلم لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه لخر يلثم منه ما وطي القدم هذا علي رسول الله والده أمست بنور هداه تهتدي الأمم هذا الذي عمه الطيار جعفر وال مقتول حمزة ليث حبه قسم هذا ابن سيدة النسوان فاطمة و ابنالوصي الذي في سيفه نقم اذا رأته قريش قال قائلها الي مكارم هذا ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم و ليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت و العجم ينمي الي ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاسلام و العجم يغضي حياءا و يغضي من مهابته فما يكلم الا حين يبتسم ينجاب نور الدجي عن نور غرته كالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم بكفه خيزران ريحه عبق من كف أروع في عرنينه شمم ما قال لا قط الا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره و الخيم و الشيم حمال أثقال أقوام اذا فدحوا حلو الشمايل تحلو عنده نعم ان قال قال بما يهوي جميعهم و ان تكلم يوما زانه الكلم هذا ابنفاطمة ان كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا الله فضله قدما و شرفه جري بذاك له في لوحه القلم من جده دان فضل الأنبياء له و فضل أمته دانت لها الأمم عم البرية بالاحسان و انقشعت عنها العماية و الاملاق و الظلم [ صفحه 327] كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان و لا يعروهما عدم سهل الخليقة لا تخشي بوادره يزينه اثنان: حسن الخلق و الشيم لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته رحب الفناء أريب حين يعتزم من معشر حبهم دين و بغضهم كفر و قربهم منجي و معتصم يستدفع السوء و البلوي بحبهم و يستزاد به الاحسان و النعم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل فرض و مختوم به الكلم ان عد أهل التقي كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم لا يستطيع جواد بعد غايتهم و لا يدانيهم قوم و ان كرموا هم الغيوث اذا ما أزمة أزمت و الأسد أسد الشري و البأس محتدم يأبي لهم أن يحل الذم ساحتهم خير كريم وايد بالندي هضم لا ينقص العسر بسطا من أكفهم سيان ذلك ان أثروا و ان عدموا أي الخلائق ليست في رقباهم لأولية هذا أوله نعم من يعرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم بيوتهم من قريش يستضاء بها في النائبات و عند الحكم ان حكموا فجده من قريش في أرومتها محمد و علي بعده علم بدر له شاهد و الشعب من أحد و الخندقان و يوم الفتح قد علموا و خيبر و حنين يشهدان له و في قريضة يوم صيلم قتم مواطن علمت في كل نائبة علي الصحابة لم أكتم كما كتموا فغضب هشام و منع جائزته، و قال: ألا قلت فينا مثلها؟ قال: هات جدا كجده، و أبا كأبيه، و أما كأمه، حتي أقول فيكم مثلها، فحبسه بعسفان - بين مكة و المدينة - فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهمالسلام فبعث اليه باثني عشر ألف درهم، و قال: اعذرنا يا أبافراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به، فردها و قال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت الا غضبا لله و لرسوله، و ما كنت لارزأ عليه شيئا، فردها اليه و قال: بحقي عليك لما قبلتها فقد رأي الله مكانك، و علم نيتك، فقبلها. فجعل الفرزدق يهجو هشاما و هو في الحبس فكان مما هجاه به قوله: [ صفحه 328] أيحبسني بين المدينة و التي اليها قلوب الناس يهوي منيبها يقلب رأسا لم يكن رأس سيد و عينا له حولاء باد عيوبها [141] . [ صفحه 329]
مرت عليك صفحات قليلة من حياة هذا الامام العظيم، طالعتك ببعض أقواله و أفعاله، و أوقفتك علي اليسير من عبادته و أوراده، و كان ختام الكتاب لكبار العلماء و العظماء، و قد قرأت مدي اكبارهم و اجلالهم لمقام الامام عليهالسلام، و اعظامهم لشأنه. و أرجو - يا أخي القاريء - أن لا تخرج من هذا الكتاب كما دخلت اليه، بل تأخذ من سيرة هذا الامام منهجا تنهجه، و طريقا تترسمه، و نورا تستضيء به، و لك ان فعلت - و الله يشهد - سعادة الدنيا و نعيم الآخرة. و أحسبك و قد وسوست لك نفسك: من يقدر علي صلاة ألف ركعة، كما كان يصنع الامام عليهالسلام؟ و من يستطيع أن يسمع أعداءه ينالون منه و هو يرجع اليهم بالحسني؟ و من يستطيع أن يحمل جراب الدقيق علي ظهره ليوزعه علي فقراء المدينة و أبنائها؟ صحيح هذا و أنا معك بأننا لا نستطيع ذلك، و قد قال أميرالمؤمنين عليهالسلام بعد أن استعرض ما كان عليه من المأكل و الملبس: أنكم لا تقدرون علي ذلك؛ و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفة و سداد. و اذا كان أئمتنا عليهم الصلاة والسلام يصلون في كل يوم ألف ركعة، فهل نعذر علي ترك الفرائض اليومية؟ و اذا كانت سيرتهم عليهمالسلام في الصدقات و العطايا و الهبات ما مر عليك، فهعل نعذر علي حبس الحقوق المفروضة؟ و قد قالوا عليهم الصلاة والسلام: شيعتنا من شايعنا بأعماله و أقواله. هذا و استغفر الله لي و لكم و هو عوننا و اليه مآبنا و المصير.
[1] توفي في حياة أبيه عليهالسلام.
[2] أنظر الكتاب الأول من هذه السلسلة.
[3] كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الاثنيعشر.
[4] بحارالأنوار، 6 / 11.
[5] كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الاثنيعشر.
[6] المناقب، 2 / 251. الخصال 517.
[7] أعيان الشيعة، 4 ق، 1 / 451.
[8] بحارالأنوار، 11 / 19.
[9] زينالعابدين لسيدالأهل 35. [
[10] اسعاف الراغبين 208. مطالب السؤول، 2 / 42 ط 2، نور الأبصار، 127 كشف الغمة 198. الفصول المهمة 183. صفة الصفوة، 2 / 55.
[11] صفة الصفوة، 2 / 55.
[12] المناقب، 2 / 251.
[13] كشف الغمة، 207.
[14] المناقب، 2 / 251. الفصول المهمة 183، نورالأبصار 127، مطالب السؤول، 2 / 47. كشف الغمة 200 صفة الصفوة، 2 / 56. اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار، 208. بحارالأنوار، 11 / 19.
[15] المناقب، 2 / 255. بحارالأنوار، 11 / 21.
[16] أعيان الشيعة، 4 / 410، بحارالأنوار 11 / 3.
[17] المناقب، 2 / 252.
[18] المناقب، 2 / 252. روضة الواعظين، 1 / 199.
[19] كشف الغمة 198، صفة الصفوة، 2 / 53 مطالب السؤول، 2 / 43 نورالأبصار، 126. الفصول المهمة 184.
[20] الخميصة: كساء أسود له علمان، فان لم يكن معلما فليس بخميصة.
[21] صفة الصفوة، 2 / 56. كشف الغمة 200. مطالب السؤول، 2 / 48. نورالأبصار، 128. اسعاف الراغبين بهامش نورالأبصار 208. و ذكر بعضهم أنه أمر له بخمسة آلاف درهم.
[22] مطالب السؤول، 2 / 48. كشف الغمة 200. صفة الصفوة، 2 / 56.
[23] أعيان الشيعة، 4 ق، 1 / 448.
[24] الامام زينالعابدين تأليف أحمد فهمي محمد 49.
[25] أصول الكافي، 1 / 467.
[26] كشف الغمة، 202.
[27] كشف الغمة، 202.
[28] أعيان الشيعة، 4 / 417.
[29] صفة الصفوة، 2 / 53. كشف الغمة 198 مطالب السؤول، 2 / 43.
[30] المناقب، 2 / 262. بحارالأنوار،11 / 27.
[31] كشف الغمة 206.
[32] بحارالأنوار، 11 / 21.
[33] بحارالأنوار، 11 / 20.
[34] تذكرة الخواص 184.
[35] أعيان الشيعة، 4 ق 1 / 644.
[36] أصول الكافي، 1 / 468.
[37] الخصال، 517.
[38] بحارالأنوار، 11 / 29 و 22.
[39] المصدر نفسه.
[40] بحارالأنوار، 11 / 26.
[41] أعيان الشيعة، 4 / 464. بحارالأنوار، 11 / 20.
[42] صفة الصفوة، 2 / 54. نورالأبصار، 127 كشف الغمة، 199. الفصول المهمة، 184.
[43] مطالب السؤول، 2 / 48. كشف الغمة 200 صفة الصفوة، 2 / 56. البداية و النهاية، 9 / 105.
[44] نورالأبصار 127. كشف الغمة 100 مطالب السؤول، 2 / 45.
[45] تذكرة الخواص 190 البداية و النهاية، 9 / 105.
[46] الامام زينالعابدين تأليف أحمد فهمي محمد، ص 64.
[47] كشف الغمة، 199. مطالب السؤول، 2 / 45. نورالأبصار، 127 صفة الصفوة، 2 / 54.
[48] نورالأبصار 127. كشف الغمة، 199. صفة الصفوة، 2 / 54 مطالب السؤول، 2 / 45 اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار، 209.
[49] زينالعابدين لسيد الأهل، ص 7.
[50] انظر فصل سيرته من هذا الكتاب.
[51] أعيان الشيعة، 4 / 468.
[52] زينالعابدين لسيدالأهل، 47.
[53] بحارالأنوار، 10 / 225.
[54] أعيان الشيعة 4 ق، 1 / 433.
[55] زينالعابدين للمقرم 360.
[56] أصول الكافي، 2 / 641. صفة الصفوة 2 / 56 بلفظ مقارب.
[57] زينالعابدين للمقرم 141.
[58] الاحتجاج، 2 / 52.
[59] زينالعابدين للمقرم 176.
[60] ارشاد القلوب، 1 / 178.
[61] تحف العقول، 182.
[62] زينالعابدين لسيد الأهل، ص 60.
[63] بحارالأنوار، 11 / 27. أعيان الشيعة، 4 / 481.
[64] تحف العقول، 200.
[65] تذكرة الخواص: 185.
[66] الامام علي لمغنية: 219.
[67] زينالعابدين للمقرم، 220 - 216.
[68] زينالعابدين للمقرم، 64.
[69] أعيان الشيعة 4 ق، 1 / 527.
[70] كشف الغمة، 206 ، 199.
[71] زين العابدين للمقرم: 197 ، 196 ، 191.
[72] الخصال: 222 و 290 و 317.
[73] من لا يحضره الفقيه، 2 / 40.
[74] المناقب، 2 / 236.
[75] كشف الغمة: 207.
[76] فضائل الامام علي لمغنية، ص 219.
[77] المناقب: 2 / 259.
[78] المناقب: 2 / 259. بحارالأنوار: 11 / 38.
[79] بحارالأنوار: 3 / 242.
[80] زينالعابدين للمقرم، 145.
[81] أصول الكافي: 2 / 128.
[82] زين العابدين للمقرم: 152.
[83] زينالعابدين للمقرم: 370.
[84] كشف الغمة: 207.
[85] أعيان الشيعة 4 ق: 1 / 527. كشف الغمة: 207.
[86] أعيان الشيعة، 4 ق: 1 / 534.
[87] الاحتجاج: 2 / 50.
[88] التوحيد: 90.
[89] أمالي الشيخ الصدوق، 129.
[90] صوم الوصال: أي يصوم يوما و ليلة، و صوم الصمت: أن ينوي أن يصوم ساكتا، و صوم الدهر، محرم لأنه يتضمن صيام الأيام المحرمة كالأعياد.
[91] الخصال: 537.
[92] الخصال: 372.
[93] الخصال: 113.
[94] بحارالأنوار، 11 / 12.
[95] مقدمة الصحيفة للسيد محمد المشكاة.
[96] المناقب: 2 / 245.
[97] الفصول المهمة: 192.
[98] الجنة الواقية للداماد.
[99] تذكرة الخواص: 184 صفة الصفوة: 2 / 53.
[100] بحارالانوار، 11 / 92.
[101] الصحيفة السجادية: 44.
[102] الصحيفة السجادية: 65.
[103] الصحيفة السجادية: 38.
[104] الصحيفة السجادية: 103.
[105] المناقب: 2 / 238. كشف الغمة: 109، بحارالأنوار، 11 / 16.
[106] المناقب: 2 / 247.
[107] الارشاد: 277.
[108] الامام زينالعابدين لأحمد فهمي محمد: 93.
[109] المناقب: 2 / 256. بحارالأنوار: 11 / 26.
[110] المناقب: 2 / 263. بحارالأنوار: 11 / 28.
[111] المناقب: 3 / 268.
[112] زينالعابدين لسيد الأهل، 67.
[113] المناقب: 2 / 252.
[114] زينالعابدين للمقرم، 258.
[115] بحارالأنوار: 11 / 42.
[116] زينالعابدين للمقرم 233.
[117] زينالعابدين للمقرم 238.
[118] بحارالأنوار: 11 / 19.
[119] تذكرة الخواص: 186.
[120] زينالعابدين لسيد الأهل: 43.
[121] تذكرة الخواص: 186.
[122] زينالعابدين لسيد الأهل: 38.
[123] تذكرة الخواص: 186.
[124] كشف الغمة: 199.
[125] أعيان الشيعة 4 ق: 1 / 44.
[126] المدخل الي موسوعة العتبات المقدسة: 195.
[127] بحارالأنوار: 11 / 18.
[128] نور الأبصار:: 200.
[129] البداية و النهاية، 9 / 104.
[130] المناقب: 2 / 258.
[131] مطالب السؤول: 77.
[132] تذكرة الخواص: 183.
[133] الأئمة الاثناعشر: 75.
[134] كشف الغمة: 209.
[135] الفصول المهمة: 187.
[136] وفيات الأعيان: 2 / 431.
[137] مشاهير علماء الأمصار: 63.
[138] تقريب التهذيب: 332.
[139] أنظر كتابه زينالعابدين، ص 4.
[140] أنظر كتابه زينالعابدين، ص 4.
[141] بحارالأنوار: 11 / 37.
جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.