سیرة الائمه اثنی عشر علیهم السلام (الباقر عليه السلام)

اشارة

عنوان و نام پديدآور : سيرة الائمة الاثني عشر/هاشم معروف الحسني

مشخصات نشر : [بي جا]: مكتبة الحيدريه، 1428ق.=1386ش.

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي

يادداشت : الطبعة السادسة

شماره كتابشناسي ملي : 1161373

لمحات من سيرة الامام محمد بن علي الباقر

لقد ولد الامام محمد بن علي المعروف بالباقر في المدينة المنورة سنة سبع و خمسين بعد هجرة النبي (ص) من مكة الي المدينة في مطلع رجب من ذلك العالم و قيل في مطلع صفر و كانت وفاته بعد مضي مائة و أربعة عشر سنة علي هجرة النبي من مكة في السابع من شهر ذي الحجة و قيل في ربيع الأول من ذلك العالم عن سبعة و خمسين عاما أدرك فيها جده الحسين (ع) و بقي معه نحو من أربع سنين، و مع أبيه السجاد بعد جده خمسا و ثلاثين سنة، و عاش بعد أبيه ثمانية عشر عاما و قيل تسعة عشر كما في رواية الكافي و هي مدة امامته، و كانت وفاته في السنين الاخيرة من ملك هشام بن عبدالملك و قيل في مطلع حكم ابراهيم بن الوليد بن يزيد بن عبدالملك، و في أيام طفولته و هو في مطلع الصبا كانت المحنة الكبري التي مرت علي أهل البيت في كربلاء و قتل فيها جده الحسين و من معه من اخوته و بني عمه و أصحابه و تجرع من مرارتها و آلامها ما تجرعه غيره من النساء و الأطفال، و شاهد بعدها جميع الرزايا و المصائب التي توالت علي بيته و علي أبيه من اولئك الحكام الطغاة الذين انغمسوا في الشهوات و تنكروا للقيم و الأخلاق و جميع المبادي ء التي جاء بها الاسلام و جاهد الرسول من أجلها عشرين عاما أو تزيد. لقد انصرف

الأمويون عن مفاهيم الرسالة و مارسوا الرذيلة بكل اشكالها [ صفحه 188] و مظاهرها معلنين بالفسق و الفجور في قصورهم و نواديهم و أينما حلوا و ارتحلوا، و قد غمر هذا التيار الذي طغي علي قصور الخلفاء و الحكام و الولاة اكثر المسلمين فمارسوا ملذات العيش و مغريات الدنيا و جميع المنكرات و قديما قيل: الناس علي دين ملوكهم. لقد اختار حكام الأمويين لبناء دولتهم أساليب العنف والظلم و الاضطهاد و قتل الابرياء و الصلحاء و تبذير الأموال في سبيل عروشهم و شهواتهم، و لحق العلويين وشيعتهم النصيب الأكبر من تلك السياسة الخرقاء لا لشي ء الا لأنهم يتمتعون بكل ما يشهدم الي الناس و يؤهلهم لخلافة الرسول و قد استعرض الامام الباقر (ع) في حديث له مع بعض أصحابه الأوضاع في ذلك العصر كما جاء في شرح النهج و صور لهم اولئك الحكام و قسوتهم علي الشيعة و اسرافهم في اراقة الدماء و شراءهم الذمم بالأموال و أطايب الطعام للدس و الكذب في حديث الرسول، و استعرض في حديثه الدور الذي قام به الحجاج بن يوسف مع الشيعة حتي شردهم في البلاد و أذاقهم جميع أنواع البلاء و صنوف العذاب و بلغ بهم الحال ان الرجل كان يتمني ان يقال له زنديق و لا يقال له مؤمن شيعي. في هذا الجو المشحون بالظلم والفساد وجد الامام الباقر و رحل والده عن الدنيا و له من العمر اربعون عاما و بقي بعده ثمانية عشر عاما كما ذكرنا كان يتلوي خلالها علي شيعة آبائه و علي الضعفاء و المساكين و علي مصير الاسلام ان استمر اولئك الحكام في سيرتهم و طغيانهم و قد عملته الأحداث الماضية مع

آبائه و خذلان الناس لهم في ساعات المحنة ان ينصرف عن السياسة و شؤون السياسيين، فاتجه الي خدمة الاسلام عن طريق الدفاع عن اصوله و مبادئه و نشر تعاليمه و أحكامه، و مناظرة الفرق التي انحرفت في تفكيرها و اتجاهاتها، بعد ان انتشر الاسلام يمينا و شمالا و خضعت لسلطانه أمم و شعوب ذات ماض يزخر بالحضارة و العمران، و قد حدث انقلاب في التفكير و جميع اسباب الحياة، و برزت بين ذلك الوان من النزعات و الاتجاهات نجر من ورائها الالحاد [ صفحه 189] و الزندقة، ولعل الحكام انفسهم كانوا من وراء ذلك التحول الذي طرأ علي الفكر الاسلامي وامتد حتي أصبح يهدد العقيدة الاسلامية في جوهرها، لأن الذين اثاروا تلك الأفكار و مهدوا لها أكثرهم من العناصر التي لا تدين بالاسلام و من الذين التحقوا بقصور الخلفاء و خرجوا منها بتلك الأفكار، و من أعز أماني الحكام أن ينصرف المسلمون عن تصرفاتهم وجورهم الي الصراع في هذه الميادين. في حين ان بعض المسائل التي احتدم فيها الصراع و بلغ أشده كمسألتي الجبر و الارجاء كان رواجهما و انتشارهما لمصلحة الحكام قبل غيرهم من العصاة، لأن الجبر يضع عنهم مسؤولية تصرفاتهم الجائرة و الارجاء يضعهم في صفوف المؤمنين في الوقت الذي لا يعترف لهم المعتزلة بالايمان و لا الخوارج بالاسلام. في هذا الجو المشحون بالصراع العقائدي وجد الامام الباقر (ع) و كانت مصلحة الاسلام تفرض عليه ان ينصرف الي الدفاع عن العقيدة و نشر تعاليم الاسلام فالتف حوله الآلاف من العلماء و طلاب العلم و الحديث من الشيعة و غيرهم. و جاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي بعد أن فسر التبقر بالتوسع في العلم

ان الامام محمد الباقر انما وصف بهذه الصفة لتبقره في العلم، و قال ابن سعد في طبقاته: انه كان عالما عابدا ثقة عند جميع المسلمين وروي عنه أبوحنيفة و غيره من أئمة العلم و المذاهب. و جاء عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال: لقد أخبرني رسول الله بأني سأبقي حتي رأي رجلا من ولده اشبه الناس به و أمرني أن أقرئه السلام واسمه محمد يبقر العلم بقرا، و يقول الرواة ان جابر بن عبدالله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله، و في آخر ايامه كان يصيح في مسجد رسول الله يا باقر علم آل بيت محمد، فلما رآه وقع عليه يقبل يديه و رجليه و أبلغه تحية [ صفحه 190] رسول الله (ص) و جاء في تذكرة ابن الجوزي عن عطاء احد اعلام التابعين أنه قال: ما رأيت العلماء عن احد اصغر علما منهم في مجلس ابي جعفر الباقر (ع) لقد رأيت الحكم بين عيينة عنده كأنه عصفور مغلوب لا يملك من أمره شيئا. و قال واصفوه: لقد كان الباقر محمد بن علي بن الحسين (ع) من بين اخوته خليفة ابيه علي بن الحسين و وصيه والقائم بالامامة من بعده و قد برز عليهم جميعا بالفضل و العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا و أجلهم عند العامة و الخاصة و أعظمهم قدرا، و لم يظهر عن ولد الحسن و الحسين (ع) من العلوم و الآثار و السنة و التفسير و السيرة و سائر الفنون ما ظهر عنه، وقد روي عنه معالم الدين من بقي الي عصره من الصحابة و وجوه التابعين و فقهاء المسلمين و قال فيه القرطبي: يا باقر العلم

لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل و مدحه مالك بن اعين الجهني بالابيات التالية: اذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا و ان قيل اين ابن بنت النبي نلت بذاك فروعا طوالا نجوم تهلل للمدلجين جبال تورث علما جبالا و لما قيل لعمر بن عبدالعزيز ان علي بن الحسين قد رحل عن دنيا الناس الي جوار ربه، قال: لقد ذهب سراج الدنيا و جمال الاسلام و زين العابدين، فقيل له: لقد ترك ولده أباجعفر و فيه بقية، فكتب اليه كما جاء في رواية اليعقوبي، كتابا يختبره فيه فأجابه الامام ابوجعفر الباقر جوابا يعظه فيه، فقال عمر: اخرجوا لي كتابه الي سليمان، فأخرج اليه فوجدوه قد كتب اليه يقرظه و يمدحه، فانفذ عمر بن عبدالعزيز الي عامله في المدينة و قال له: احضر محمد بن علي و قل له هذا كتابك الي سليمان تقرظه و تمدحه و هذا كتابك الي عمر بن عبدالعزيز مع ما اظهر من العدل و الاحسان تعظه [ صفحه 191] و تخوفه، فأحضره العامل و أخبره بما كتب اليه، فقال الباقر (ع): ان سليمان كان جبارا فكتبت اليه بما يكتب الي الجبارين و ان صاحبك اظهر العدل و الاحسان فكتبت اليه بما يكتب الي المحسنين فكتب اليه عامل المدينة بجواب الامام (ع) فلما قرأه قال: ان اهل هذا البيت لا يخليهم الله من فضل. و قال فيه محيي الدين بن شرف النووي المتوفي سنة 676 كما جاء في مرآة الجنان محمد بن علي بن الحسين القرشي الهاشمي المعروف بالباقر سمي بذلك لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله و خفاياه و هو تابعي جليل و امام بارع مجمع علي جلالته

معدود في فقهاء المدينة و أئمتهم سمع جابرا و انسا و جماعات من كبار التابعين، و روي عنه أبواسحاق السبيعي و عطاء بن أبي رباح و عمر بن دينار الاعرج و الزهري و ربيعة الرأي و جماعة آخرون و كبار الأئمة. و قال فيه ابن العماد الحنبلي في المجلد الأول من الشذرات: ابوجعفر بن علي بن الحسين كان من فقهاء المدينة و قيل له الباقر لأنه بقرالعلم و توسع فيه و عرف أصله و هو احد الأئمة الانثي عشر و أضاف الي ذلك ان عبدالله بن عطاء قال فيه: ما رأيت العلماء عند احد اصغر منهم عند محمد بن علي الباقر (ع). و قال فيه محمد بن طلحة القرشي العدوي الشافعي كما جاء في مطالب السؤال: محمد بن علي الباقر هو باقرالعلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه و متفوق دره و راضعه و منمق درره و راصعه صفا قلبه و زكا عمله و طهرت نفسه و شرفت أخلاقه و عمرت بطاعة الله اوقاته ورسخت في مقام التقوي قدمه فالمناقب تسبق اليه و الصفات تشرف به له القاب ثلاثة: باقر العلم، و الشاكر و الهادي و أشهرها الباقر و سمي كذلك لتبقره في العلم و توسعه فيه. و قال فيه محمود بن عبد الفتاح الحنفي كما جاء في كتاب جوهرة الكلام: محمد بن علي الحسين سمي بالباقر من بقر الأرض أي شقها و أنار [ صفحه 192] مخبآتها و مكامنها فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف و حقائق الأحكام و الحكمة و اللطائف ما لا يخفي الا علي منطمس البصيرة، و من ثم قيل: هو باقرالعلم و جامعه و رافعه صفا قلبه و زكا عمله

و علمه و طهرت نفسه و شرف خلقه و عمرت أوقاته بطاعة مولاه. كنيته ابوجعفر لا غير و ألقابه ثلاثة الباقر و الشاكر و الهادي و أشهرها الأول: و مضي يقول: و يكفيه ما رواه ابن المديني عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه و قد قال له و هو صغير: يسلم عليك رسول الله فقيل له يا جابر و كيف ذلك؟ قال: كنت جالسا عنده والحسين (ع) في حجره يداعبه فقال لي: يا جابر يولد له مولود اسمه علي اذا كان يوم القيامة نادي مناد ليقم سيدالعابدين فيقوم ولده علي، ثم يولد له ولد اسمه محمد فان أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام. الي غير ذلك مما ورد علي لسان من ترجمه من المتقدمين و المؤلفين في تراجم الأعلام في وصفه و تقريظه. و نكتفي بهذا المقدار مما قيل فيه تهربا من ملل القراء في حين اني لا أري للاطالة في هذه النواحي من فائدة و هو أشهر من أن يعرف و يوصف. و اذا استطال الشي ء قام بنفسه و صفات ضوء الشمس تذهب باطلا [ صفحه 193]

جامعة أهل البيت

لا احسب احدا بريئا من مرض الجهل و التعصب يتهمني بالغلو او التحيز اذا اعطيت لتلك الحلقات التي كانت تجتمع في مسجد المدينة الي الامام أبي جعفر الباقر بالذات، اسم الجامعة، لأنها كانت تجمع بين الحين و الآخر المئات من مختلف الأقطار لدراسة الفقه و الحديث و الفلسفة و التفسير واللغة و غير ذلك من مختلف العلوم، و تخرج منها منذ أن أسسها الامام الباقر حتي آخر مرحلة من نموها و تكاملها في عهد ولده الامام الصادق آلاف العلماء في مختلف المواضيع. و قد وصفها الاستاذ

عبدالعزيز بقوله: و أرسلت الكوفة و البصرة و المحدثين و الرواة، و قد ادرك الحسن بن علي الوشا تسعمائة شيخ في مسجد الكوفة يتدارسون و يروون الحديث عن جعفر بن محمد و أبيه (ع). و هو القائل في حديث له مع بعض اصحابه: لقد أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد، و الحسن بن علي الوشا هذا قد عاصر الامام الرضا (ع) و بينه و بين مدرسة الامامين الباقر و الصادق نحو من ثلاثين عاما و قد احصيت مؤلفات المتخرجين من تلك الجامعة فبلغت ستة آلاف كتاب منها اربعمائة كانت تعرف بالاصول علي [ صفحه 194] لسان محدثي الشيعة، و لعل اكثر محتويات الكتب الأربعة الكافي و من لا يحضره الفقيه و الوافي و الاستبصار مأخوذة منها. و لا يفوتنا و نحن نتحدث عن جامعة أهل البيت التي اسسها الامام الباقر (ع) ان تشير الي أن المهمة التي قام بها الامامان الباقر و الصادق (ع) و أعطت تلك النتائج الكبري هي من أولي المهمات التي تعني كل واحد من أئمة الشيعة، ولكن الظروف التي تهيأت للامامين الباقر و الصادق لم تتهيأ لغيرهما منم الأئمة (ع) ذلك لأن سني امامة الباقر (ع) قد رافقتها بوادر النقمة العارمة علي سياسة الامويين و الدعوة في مختلف الأقطار للتخلص منهم و كان سوء صنيعهم مع العلويين من أقوي الأسلحة بيد اخصامهم الطامعين بالحكم، مما دعاهم الي اتخاذ موقف من الشيعة و أئمتهم أكثر اعتدالا مما كانوا عليه بالأمس، و لما جاء عهد الامام الصادق (ع) كانت الدولة الأموية تلفظ أنفاسها الأخيرة و تعاني من انتصارات اخصامها العباسيين هنا و هناك و بالتالي تقلص ظلها و

تم الأمر للعباسيين. في هذه الظروف الخاصة انطلق الامامان الباقر و الصادق (ع) لأداء رسالتهما و تم لهما ذلك بين عهدين: عهد تحيط به الكوارث و الهزائم، و عهد ظهرت فيه تباشير النصر و أحلام السيطرة علي الحكم، و قامت الحكومة الجدية علي حساب العلويين، و لم تتهيأ مثل هذه الظروف لأحد من أئمة الشيعة، و لما استتب الأمر للعباسيين الذين تستروا بأهل البيت و شيعتهم عادوا يمثلون أقبح الأدوار التي مثلها الأمويون معهم حتي قال قائلهم: يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار لقد تأسست جامعة أهل البيت في وقت كانت الدولة الأموية تحيط بها الأخطار من جميع جهاتها واتسعت لأكثر من أربعة آلاف طالب، ولكن ذلك قد كان بعد أن مضي علي المسلمين اكثر من قرن من الزمن لاعهد لهم فيه بفقه يختص بأهل البيت، و لا بحديث يتجاهر الرواة في نسبته اليهم سوي ما [ صفحه 195] كان يروي عنهم احيانا بطريق الكتابة في الغالب لأن الامويين كانوا جادين في القضاء علي كل آثارهم و التنكيل بكل من يتهم بولائهم. ولو اتيح للأئمة بعد علي (ع) ان ينصرفوا الي الناحية التي اتجه لها الامامان الباقر و الصادق لكان فقه أهل البيت هو الفقه السائد و المعمول به عند عامة المسلمين، لأنه من فقه أميرالمؤمنين (ع) و أميرالمؤمنين كان صاحب الرأي الأول و الأخير في الفقه و القضاء بلا منازع، و قد ترك منه في المدينة و الكوفة ما يكفي لحل جميع ما يتعرض الملمين من المشاكل حيث كانوا، ولكن اخصامه عملوا علي طمس آثاره و خلقوا له الأنداد و الاضداد بوسائلهم المعروفة كما وقفوا لأبنائه من بعده و شيعتهم بالمرصاد

و كانوا يحاسبون و يعاقبون كل من ينسب اليهم رأيا أو يروي عنهم حديثا، في حين أنهم أباحوا لكل متعلم أو عالم ان يقول و يروي ما يشاء و يفتي بما يريد في العواصم الاسلامية الكبري و غيرهما، فسالم بن عبدالله بن عمر و عروة بن الزبير و الزهري و محمد بن شهاب، و يحيي بن سعيد و عطاء و غيرهم من الموالي و الاحرار كانوا ائمة الافتاء في مكة و المدينة و ابراهيم النخعي و الشعبي كانا بالاضافة الي غيرهما في الكوفة بالرغم من أن النخعي قد اخذ الفقه ممن اخذه عن علي (ع) ولكنه كان ينسب رأي علي (ع) احيانا لنفسه فعدوه لهذه الغاية ممن يجنحون الي العمل بالرأي، كما كان فقيه البصرة الحسن البصري، و فقيه اليمن طاوس، و هكذا فرضوا لكل بلد عالما او اكثر ليرجع اليه الناس في الحلال و الحرام، أما فقهاء الشيعة الذين عاصروا هذه الطبقة تقريبا كسعيد ابن المسيب و القاسم بن محمد و امثالهما فمع انهم كانوا من البارزين بين علماء ذلك العصر في الفقه و غيره الا انه لم يكن لفقههم صبغة التشيع الصريح، و قد شاع عن سعيد بن المسيب أنه كانم يجيب احيانا برأي غيره من علماء عصره أو برأي من سبقه من الصحابة و التابعين مخافة ان يصيبه ما اصاب سعيد بن جبير و يحيي بن أم الطويل و غيرهما ممن تعرضوا للقتل و التشريد لا لشي ء سوي تشيعهم لعلي و بنيه (ع). [ صفحه 196] و مجمل القول لقد شاء الله لجامعة أهل البيت ان تعيش آمنة مطمئنة ولو لفترة من الزمن تلك الفترة ليست شيئا بالنسبة لما تركته من الآثار في

شرق البلاد و غربها في ثلث قرن من الزمن تقريبا لا اكثر. و شاء الله لمذهب أهل البيت و فقههم فقه علي بن أبي طالب الذي اخذه عن الرسول بلا وساطة ان ينسبا الي حفيده جعفر بن محمد الصادق الذي اشترك مع ابيه في تأسيسها واستقل بها بعد وفاته، لا لأن له رأيا في أصول المذهب أو فقهه يختلف فيهما عن آبائه و أحفاده و هو القائل حديثي حديث ابي و حديث ابي حديث جدي و حديث جدي حديث رسول الله و حديث رسول الله هو قول الله، لا لذلك بل لأنه و أباه تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما و استطاعا في تلك الفترة القصيرة بآثار اهل البيت و فقههم و يحققا ما لم يتيسر تحقيقه لمن سبقهما و من جاء بعدهما لذلك نسبا الي الامام الصادق كما يبدو ذلك لكل من تتبع آراء أهل البيت في فقههم و معتقداتهم. و لابد لنا و نحن نتحدث عن الامام الباقر و دوره في تأسيس تلك الجامعة ان نشير الي بعض اولئك الذين تخرجوا منها و حملوا آثارها الي مختلف الأقطار. فمن هؤلاء أبان بن تغلب بن رياح ابوسعيد البكري الذي عاصر ثلاثة من ائمة الشيعة و أخذ عنهم، و يبدو ممن كتبوا في احوال الرواة ان صلته بالامام الباقر كانت أطول من صلاته بالسجاد و الصادق (ع) و أخذ عنه أكثر مما أخذ عنهما، و روي النجاشي عن ابراهيم بن يزيد النخعي أن أبان بن تغلب كان مقدما في كل فن من العلوم وعد منها الفقه و الحديث و الأدب و اللغة و النحو و أضاف الي ذلك أنه ألف كتبا كثيرة منها كتاب في تفسير غريب القرآن. و

قال له الامام أبوجعفر الباقر: اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فاني احب ان يري في شيعتي مثلك. و قال المؤلفون في احوال الرواة: انه كان اذا دخل علي الامام الصادق [ صفحه 197] صافحه واعتنقه و أمر له بوسادة و رحب بقدومه، و اذا دخل مسجد النبي (ص) اخليت له سارية النبي (ص) و تقوضت اليه الحلق. و جاء في حديث لعبد الرحمن بن الحجاج أنه قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب و قال: يا اباسعيد اخبرني كم شهد من اصحاب النبي (ص) علي بن أبي طالب في موافقه؟ فقال ابان بن تغلب: كأنك تريد أن تعرف فضل علي (ع) بمن تبعه من أصحاب النبي (ص) فقال هو ذلك، فقال له ابان: والله ما عرفنا فضلهم الا باتباعهم اياه. و نص المؤلفون في علمي الدراية و الرجال انه روي عن الامامين الباقر و الصادق أكثر من ثلاثين ألف حديث في مختلف المواضيع و أكثرها في الفقه، و قال لمن عاتبه في روايته عن الامام الباقر: كيف تلومني في روايتي عن رجل ما سألته عن شي ء الا قال قال رسول الله، و قال الامام الصادق لسليم بن أبي حية: ائت ابان بن تعلب فانه قد سمع مني حديثا كثيرا فما روي لك فاروه عني. و قد وثقه علماء السنة و محدثوهم مع اعترافهم بتشيعه و وصفه الذهبي في ميزان الاعتدال بالصلابة في تشيعه و صدق الحديث، و قال: لنا صدقه و عليه بدعته و يعني الذهبي بالبدعة تفضيله لعلي (ع) علي كبار الصحابة و موالاته له. و قد عد له ابن النديم في الفهرست ثلاثه كتب، كتاب في القراءات و كتاب في معاني

القرآن و كتاب في اصول الحديث علي مذهب الشيعة. و من تلامذه الامام الباقر زرارة بن أعين، و كان مرجعا في الفقه و الرواية علي مذهب أهل البيت (ع) و فيه يقول الامام الصادق (ع): لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب، و مما يدل علي جلالة قدره و علو شأنه قول الامام الصادق فيه و قد عرض عليه يونس بن عمار ما رواه زرارة عن أبيه الباقر (ع) من أنه لا يرث مع الأب و الام و الابن و البنت احد من [ صفحه 198] الناس، فقال الامام الصادق (ع): اما ما رواه زرارة عن أبي جعفر فلا يجوز لي رده. و جاء في رواية ابراهيم بن عبدالحميد و غيره ان اباعبدالله الصادق (ع) كان يقول: رحم الله زرارة بن اعين لولا زرارة و نظراؤه لاندرست احاديث أبي، و قال فيه و في جماعة من اصحابه منهم ابوبصير ليث المرادي و محمد بن مسلم و يزيد بن معاوية العجلي: لولا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفاظ الدين و أمناء أبي (ع) علي حلاله و حرامه و هم السابقون الينا في الدنيا و الآخرة. و قال له الصادق (ع) في بعض مجالسه كما جاء في ترجمته: انك والله احب الناس الي و احب اصحاب أبي الي حيا و ميتا، و قد ترك كتابين احدهما في الجبر و التفويض، و الثاني في الاستطاعة، كما جاء في سفينة البحار للقمي و اتقان المقال للشيخ محمد طه نجف و هو احد الستة من اصحاب ابي جعفر الباقر الذين اجمع الرواة علي صحة ما صدر عنهم. و من اعيان تلامذته محمد بن مسلم الثقفي، و فيه و في زرارة

و محمد بن علي بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق و يزيد العجلي يقول الامام الصادق: اربعة احب الناس الي أحياء و أمواتا، و قال ابن ابي يعفور للامام الصادق (ع): ليس كل ساعة القاك واتمكن من القدوم عليك، و يجي ء الرجل من اصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه، قال (ع) فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه قد سمع من أبي و كان عنده وجيها. و روي عنه جماعة انه قال: اني لنائم ذات ليلة علي السطح اذ طرق الباب طارق فأشرفت من علي السطح فاذا الطارق امرأة، فقالت لي عروس ظهر بها الطلق فما زالت تطلق حتي ماتت والولد يتحرك في بطنها يذهب و يجي ء فما اصنع بها؟ فقلت يا امة الله، سئل محمد بن علي بن الحسين (ع) عن مثل ذلك، فقال يشق بطن الميت و يستخرج منه الولد افعلي مثل ذلك، [ صفحه 199] انا يا أمة الله في ستر من وجهك الي، فقالت: رحمك الله، لقد جئت اباحنيفه اسأله فقال ما عندي في هذا شي ء، ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي فانه يخبرك فما افتاك به من شي ء فعودي الي. و كان محمد بن مسلم يقول: ما شجر في رأيي شي ء الا سألت عنه اباجعفر الباقر حتي سألته عن ثلاثين الف حديث، و سألت ولده اباعبدالله عن ستة عشر ألف حديث كما جاء ذلك في رواية الكشي و أكثر المؤلفين في الرجال. و منهم محمد بن علي بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق، فقد نص أبوالعباس النجاشي أنه أخذ العلم عن ثلاثة من الأئمة علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد، و لقب بالطاق لأنه كان

صرافا في محل يدعي باب الطاق من محلات الكوفة،و هو أحد الأربعة الذين دعا لهم الامام الصادق و ترحم عليهم احياء و أمواتا. و جاء عن ابي خالد الكابلي أنه قال: رأيت أباجعفر صاحب الطاق في الروضة و قد قطع أهل المدينة أزراره و هو دائب يجيبهم و يسألونه فدنوت منه و قلت له ان اباعبدالله نهانا عن الكلام، فقال: لقد امرك ان تقول لي؟ فقال لا والله ولكنه امرني ان لا اكلم احدا، قال: فاذهب و أطعه فيما أمرك، قال الكابلي: فدخلت علي أبي عبدالله الصادق (ع) فأخبرته بقصة صاحب الطاق و ما قلت له و ما اجابني به، فتبسم ابوعبدالله (ع) و قال: يا ابن خالد ان صاحب الطاق يكلم الناس فيطير و ينقض و أنعت اذا قصوك لن تطير. و يبدو من تتبع اخباره أنه كان قوي الحجة كثيرا الجدل ينهزم امامه الخصم بالغا ما بلغ من العلم، لذلك فان الامام لم يمنعه من الجدل و المناظرة، و انما كان يمنع عنها من لا يثبتون امام الخصم و لا يعرفون اساليب المناظرة و الاحتجاج كنا يدل علي ذلك قوله لأبي خالد الكابلي: ان مؤمن [ صفحه 200] الطاق يكلم الناس فيطير و أنت اذا قصوك لن تطير. و جاء في اخباره انه دخل علي بعض زعماء الخوارج في الكوفة، فقال له: انا علي بصيرة من ديني و قد سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك، فقال الخارجي لأصحابه: ان دخل هذا معكم نفعكم، فقال له مؤمن الطاق: لم تبرأتم من علي بن أبي طالب و استحللتم قتله و قتاله؟ قال الخارجي: لأنه حكم الرجال في دين الله، قال و كل من حكم في دين الله استحللتم قتله؟ قال:

نعم، فقال له: فاخبرني عن الدين الذي جئت اناظرك به لأدخل معك فيه، ان غلبت حجتي حجتك من يوقف المخطي ء منا عن خطئه و يحكم للمصيب بصوابه؟ فأشار الضحاك الي رجل من أصحابه و قال: هذا هو الحكم بيننا، فتوجه عند ذلك مؤمن الطاق الي من كان حاضرا من الخوارج و قال: ان زعيمكم هذا قد حكم في دين الله، فضربوه بسيوفهم حتي سكت، وله مواقف كثيرة مع زعماء الفرق و علماء المذاهب كان يخرج منها ظافرا منتصرا علي خصومه، و يبدو من مواقفه و مناظراته أنه كان ذكيا قوي الحجة يأخذ خصمه من حيث لا يشعر و يخصمه بمنطقة كما يشير الي ذلك موقفه المتقدم مع الخارجي. و منهم يزيد العجلي و قد نص المؤلفون في احوال الرواة علي أنه كان من البارزين بين اصحاب الامام الباقر (ع) و لازم الصادق بعد وفاة ابيه كما هو الحال في كثير من أصحابه الذين امتدت بهم الحياة و أدركوا شطرا من حياته و بعضهم بقي الي عهد الامام الكاظم و روي عنه ايضا. و قد عده الامام الصادق من النجباء و الامناء علي حلال الله و حرامه كما جاء في رواية جميل بن دراج عنه. و جاء في رواية داود بن سرحان ان الامام الصادق (ع) كان يقول: ان اصحاب لو سمعوا و أطاعوا لأودعتهم ما اودع ابي اصحابه، و أضاف الي ذلك: ان اصحاب ابي كانوا زينا لنا أحياء و أمواتا. وعد الامام منهم يزيد [ صفحه 201] العجلي و وصفهم بالقوامين بالقسط و الصدق و السابقين الي الخيرات. و منهم جابر الجعفي الذي روي عن الامام الباقر نحوا من خمسين ألف حديث في مختلف

المواضيع كما نصت علي ذلك المؤلفات في احوال الرواة، ولو افترضنا و ليس ببعيد ان هذا العدد مبالغ فيه، فمها لا ريب فيه في أنه كان قد أكثر من الرواية عنه. و قلما يجد المتتبع بابا من ابواب الفقه و غيره من المواضيع الاسلامية الا و يجد له رواية او اكثر فيه. و منهم الفضيل بن يسار، و أبوبصير الأسدي، و عبدالله بن مسكان، و ابان بن عثمان الأحمر، و حريز بن عبدالله، و عبدالله بن جندب، و علي بن النعمان و صفوان الجمال، و هؤلاء الثلاثة عبدالله و علي بن النعمان و صفوان الجمال كانوا قد تعاهدوا في بيت الله علي ان من مات منهم قبل الآخر صلي عنه من بقي بعده وصام عنه و حج له، و أعطي عنه من ماله مقدار ما كان يعطيه في كل عام من الزكاة، وقام بجميع ما كان يقوم به من أعمال الخير، فمات عبدالله بن جندب و علي بن النعمان قبل صفوان بن مهران، فكان يصلي في كل يوم مائة و خمسين ركعة و يصوم في كل سنة ثلاثة اشهر، و يزكي عنه و عن صاحبيه، و كل ما كان يأتي به من أعمال الخير عن نفسه يأتي بمثله عنهما، الي غير هؤلاء من المئات الذين تخرجوا من جامعة أهل البيت و أخذوا الفقه و الحديث عن الامامين الباقر و الصادق، و ألفوا مما سمعوه منهما عشرات الكتب كما نصت علي ذلك المؤلفات التي تحدثت عن تاريخهم و آثارهم. [ صفحه 202]

من أجوبة الامام و مناظراته

لم يكن دور الامام الباقر مقتصرا علي الفقه و الحديث كما ذكرنا، بل كان هو و أصحابه يناظرون في أصول الاسلام و يحاولون تركيزها في

النفوس حتي لا تتعرض لما أثير في ذلك العصر من الجدل و النزاع في أصول العقائد. و جاء في الوافي لمحسن الفيض و غيره من كتب الحديث ان نافع بن عبدالله الازرق كان يقول: لو علمت ان بين قطريها احدا تبلغني اليه المطايا يخصمني ان عليا قتل أهل النهروان و هو غير ظالم لهم لرحلت اليه، فقيل له و لا ولده، فقال في ولده عالم؟ فقيل له هذا أول جهلك، و هل يخلون من عالم في كل عصر؟ فقال: و من عالمهم اليوم؟ قيل له محمد بن علي بن الحسين، فرحل اليه في جمع من اصحابه حتي أتي المدينة فاستأذن علي أبي جعفر، فقال و ما يصنع بي و هو يبرأ مني و من آبائي،ثم قال الامام لغلامه: اخرج اليه و قل له: اذا كان الغد فأتنا، فلما أصبح دخل عليه عبدالله في أصحابه، و كان الامام (ع) قد جمع ابناء المهاجرين و الانصار، فقال لمن حضر منهم: من كانت عنده منقبة لعلي بن أبي طالب اقسمت عليه الا ذكرها، فتحدث جماعة منهم بما اشتهر من فضله و مناقبه، فلم ينكر نافع بن عبدالله بن الأرزق شيئا مما ذكروه، ولكنه نسب له الكفر لأنه وافق علي [ صفحه 203] التحكيم في صفين فذكره الامام (ع) بحديث خيبر و قول النبي (ص): لأعطين الراية غدا رجلا يحب بالله و رسوله و يحبه الله و رسوله، واعترف ابن الأزرق بصحة الحديث. فقال له ابوجعفر: اخبرني عن الله سبحانه أحب عليا يوم احبه و هو يعلم أنه يقتل أهل النهروان، أو انه لا يعلم، فسكت الخارجي، و لم يعرف بماذا يجيب، فان قال بأن الله لا يعلم فقد نسب اليه

الجهل: و ان قال بأنه يعلم، فاذا لم يكونوا مستحقين للقتل يكون علي بن أبي طالب قد ارتكب خطأ كبيرا و ظلما و فاحشا بقتلهم فكيف احبه الله و هو ظالم لعباده، والله لا يجب الظالمين المجرمين، و لا مفر له عن الاعتراف باستحقاقهم للقتل فخرج من مجلس الامام مخصوصا مدحورا. و جاء في توحيد الصدوق عن عبدالله بن سنان عن أبيه أنه قال: كنت في مجلس الامام محمد الباقر (ع) فجاءه أحد الخوارج و قال له: يا جعفر أي شي ء تعبد؟ قال له: اعبدالله، فقال: هل رأيته؟ فقال: لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان لايعرف بالقياس و لايدرك بالحواس و لايشبه الناس موصوف بالآيات لايجوز في حكم ذلك هو الله لا اله الا هو، فخرج الرجل و هو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته. و في توحيد الصدوق عن محمد بن مسلم انه قال: سألت اباجعفر (ع) عن قول الله عزوجل: (يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي) فقال (ع): اليد في كلام العرب القوة و العظمة، قال سبحانه: و السماء بنيناها بأيد اي بقوة، و قال تعالي: (و أيدهم بروح منه) أي بقوة و يقال لفلان: عندي أياد كثيرة أي فواضل و احسان و له عندي يد بيضاء أي نعمة. و سأله عمروبن عبيد عن قوله سبحانه (و من يحلل عليه غضبي فقد هوي) ما ذلك الغضب؟ فقال أبوجعفر (ع): الغضب هو العقاب يا [ صفحه 204] عمرو انه من زعم ان الله عزوجل زال من شي ء الي شي ء فقد وصفه بصفة المخلوقين، ان الله لا يستفزه شي ء و لا يغيره شي ء. و جاء في الارشاد للمفيد عن

محمد بن أبي عمير عن عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله الصادق (ع) انه قال: ان محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت اري أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتي رأيت ابنه محمد بن علي (ع) فأردت أن أعظه فوعظني، خرجت الي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي (ع) و كان رجلا بدينا و هو متكي ء علي غلامين له، فقلت شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا والله لأعظنه فدنوت منه و سلمت عليه فسلم علي بنهر و قد تصبب عرقا فقلت: اصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي مثل هذه الحالة في طلب الدنيا لو جاءك الموت و أنت علي هذه الحالة، قال: فخلي عن الغلامين يديه ثم تساند و قال: لو جاءني والله الموت و أنا علي هذه الحال جاءني و أنا في طاعة من طاعات الله اكف بها نفسي عنك و عن الناس، و انما كنت اخاف المئت لو جاءني و أنا علي معصية من معاصي الله، فقلت: يرحمك الله اردت ان اعظك فوعظتني. وابن المنكدر هذا كان يميل الي التصوف كطاوس اليماني و ابراهيم بن ادهم و غيرهما و كان قد ترك التكسب و انصرف الي العبادة و عاش كلا علي الناس فكان جواب الامام (ع) تعريضا به و تنبيها له علي خطئه في هذا الأسلوب لأن السعي في طلب الرزق ليستغني به عن الناس من أفضل العبادات، و قد جاء عن النبي (ص) انه كان يقول: ملعون ملعون من القي كله علي الناس، و قال عمل يوم خير من عبادة سنة و لذلك

قال له ابن المنكدر: اردت ان اعظك فوعظتني. و جاء في رواية المفيد أن نافع بن الارزق جاءه يوما يسأله عن مسائل في الحلال و الحرام، فقال له الامام أبوجعفر الباقر و هو يحدثه: يا نافع قل لهذه [ صفحه 205] المارقة بم استحللتم فراق أميرالمؤمنين و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته و التقرب الي الله بنصرته و اذا قالوا لك أنه حكم الرجال في دين الله، فقل لهم: قد حكم الله تعالي في الشريعة رجلين من خلقه فقال: وابعثوا حكما من اهله و حكما من أهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما، و حكم رسول الله (ص) سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما امضاه الله، اما ما علمتم ان اميرالمؤمنين انما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن و لا يتعدياه و اشترط رد ما خالف القرآن من احكام الرجال، و قال حين قالوا له حكمت علي نفسك من حكم عليك، قال: ما حكمت مخلوقا و انما حكمت كتاب الله فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان، فقال نافع بن الارزق: هذا والله كلام ما مر بمسمعي قط و لا خطر مني علي بال و هو الحق. و روي الكليني في الكافي عن أبي حمزة الثمالي انه قال: كنت جالسا في مسجد محمد رسول الله (ص) اذا اقبل رجل فسلم فقال من أنت يا عبدالله؟ قلت: رجل من أهل الكوفة فما حاجتك، قال: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي ؟ قلت : نعم فما حاجتك اليه اذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل، فقال لي: انتم يا أهل الكوفة قوم لا تطاقون

اذا رأيت اباجعفر فاخبرني، بما انقطع كلامه حتي أقبل أبوجعفر و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضي حتي جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه فجلست اسمع الكلام و حوله عالم من الناس فلما قضي حوائجهم و انصرفوا التفت الي الرجل و قال له: من أنت؟ فقال: انا قتادة بن دعامة البصري، فقال له ابوجعفر (ع): انت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال: و يحكم يا قتادة ان الله عزوجل خلق خلقا فجعلهم حججا علي خلقه فهم أوتاد في أرضه قوام بأمره نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرشه، فكست قتادة طويلا ثم قال: اصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء و مع ابن عباس فما اضطرب قلبي من احد منهم ما اضطرب [ صفحه 206] منك، فقال له ابوجعفر (ع): أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت اذن الله ان ترفع و يذكر. فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة فأنت ثم و نحن اولئك، فقال له قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك ما هي بيوت حجارة و لا طين. ثم قال له قتادة: فأخبرني عن الجبن، فتبسم ابوجعفر الباقر (ع) و قال: رجعت مسائلك الي هذا، قال: ضلت عني، قال له الامام (ع): لا بأس به، فقال قتادة: انه ربما جعلت فيه انفحة الميتة، قال: ليس بها بأس، ان الأنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم، و مضي يقول: ان الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة

فهل تأكل تلك البيضة، فقال له قتادة: لا و لا آمر بأكلها، فقال له ابوجعفر: و لم؟ قال لأنها من الميتة، فقال له الامام (ع): فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة اتأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرم عليك البيضة و أحل لك الدجاحة و كذلك الأنفحة، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين و من أيدي المصلين و لا تسأل عنه الا أن يأتيك من يخبرك عنه. و روي الرواة ان عبدالله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر الباقر (ع): بلغني انك تفتي في المتعة فقال: لقد احلها الله في كتابه و سنها رسول الله (ص) و عمل بها اصحابه، فقال له عبدالله: و قد نهي عنها عمربن الخطاب، فقال له الامام: انت علي قول صاحبك و أنا علي قول رسول الله (ص)، فرد عليه عبدالله بن معمر بقوله: ايسرك أن نساءك فعلن ذلك، فقال له الامام (ع): و ما ذكر النساء يا احمق، ان الذي احلها في كتابه و أباحها لعباده أغير منك و ممن نهي عنها تكلفا، بل يسرك ان بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا، قال: لا، قال: فلم تحرم ما أحل الله، قال: لا أحرم و لكن الحائك ما هو لي بكف ء، قال ابوجعفر (ع): فان الله ارتضي عمله و رغب فيه و زوجه حورا أفترغب عمن رغب الله فيه و تستنكف ممن هو كف ء لحور الجنان كبرا وعتوا، فضحك عبدالله و قال: ما [ صفحه 207] احسب صدوركم الا منابت اشجار العلم فصار لكن ثمره و للناس ورقه. و جاء في رواية ابي بصير ان الامام الباقر جلس يوما في الحرم و معه جماعة من أصحابه فأقبل طاوس اليماني في

جماعة من الناس و قال لأبي جعفر: اتأذن لي في السؤال، فقال: قد اذنت لك فسل عما تريد، قال: اخبرني متي هلك ثلث الناس، فقال الامام (ع): لعلك و همت يا شيخ و أردت ان تقول ربع الناس، فقال: نعم لقد اردت ذلك يا ابن رسول الله، فقال الامام (ع): لقد هلك ربع الناس يوم قتل قابيل هابيل ذلك انه لم يكن وجه الارض غير آدم و حواء و قابيل و هابيل، فهلك ربعهم بموت هابيل، فقال طاوس: فأيهما كان ابا للناس القاتل او المقتول، فقال الامام (ع): لا هذا و لا ذاك بل شيث بن آدم، فقال: فلم سمي آدم آدم؟ قال: لأن طينته رفعت من أديم الأرض السفلي، فقال: لم سميت زوجته حواء، قال (ع): لأنها خلقت من ضلع حي يعني ضلع آدم، قال: فلم سمي ابليس بهذا الاسم؟ قال: لأنه ابليس من رحمة الله عزوجل فلا يرجوها، قال: فلم سمي الجن جنا؟ قال: لأنهم استجنوا فلم يروا، قال: فاخبرني عن أول كذبة كذبت من صاحبها، قال: كذبة ابليس حين قال: انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، قال: فاخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق و كانوا كاذبين، قال (ع): المنافقون حين قالوا نشهد انك لرسول الله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون، قال: فاخبرني عن طائر طار مرة و لم يطر قبلها و لا بعدها ذكره الله عزوجل في القرآن ما هو، فقال الامام: هو طور سيناء اطاره الله عزوجل علي بني اسرائيل حين اظلهم بجناح منه فيه الوان العذاب حتي قبلوا التوراة، و ذلك قوله تعالي: و اذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا انه واقع بهم، قال طاوس: فاخبرني

عن رسول بعثه الله ليس من الجن و الانس و لا من الملائكة ذكره الله في كتابه، فقال الامام (ع): هو الغراب حين بعثه الله ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله و ذلك قوله تعالي فبعث الله غرابا يبحث في [ صفحه 208] الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، قال فاخبرني عمن أنذر قومه و هو ليس من الجن و لا الانس و لا الملائكة و قد ذكره الله في كتابه، فقال الامام: هو النملة حين قالت: يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون، قال: فاخبرني عن صلاة مفروضة بدون وضوء وصائم صام و لم يمتنع عن الأكل والشرب، فقال الامام (ع): اما الصلاة بغير وضوء فهي الصلاة علي النبي و آله، و أما الصوم فقد حكاه الله سبحانه عن مريم بقوله: اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا. و قد سأله كما يدعي الراوي عن شي ء يزيد و ينقص و شي ء يزيد و لا ينقص و شي ء ينقص و لا يزيد، فقال له ان الذي يزيد و ينقص هو القمر والذي يزيد و لا ينقص هو البحر، والذي ينقص و لا يزيد هو العمر. و جاء في بعض المرويات عن أبي محمد الحسن العسكري (ع) أنه قال: كان محمد بن علي بن الحسين في مجلسه يوما فقال ان رسول الله (ص) لما أمر بالمسير الي تبوك أمر بأن يخلف عليا في المدينة فقال علي: يا رسول الله ما كنت احب ان اتخلف عنك في شي ء من امورك و ان اغيب عن مشاهدتك والنظر الي هاديك و سمتك، فقال رسول الله (ص): يا علي اما

ترضي ان تكون مني بمنزلة هارون من موسي الا انه لا نبي بعدي، تقيم يا علي و ان لك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله، و لك مع ذلك اجر كل من خرج مع رسول الله موقنا طائعا، و ان لك علي الله يا علي لمحبتك ان تشاهد من محمد سمته في سائر احواله و لا يفوتك شي ء بقدرة الله و مشيئته فقام اليه رجل و قال: يا ابن رسول الله كيف يكون و هذا للأنبياء لا لغيرهم، فقال الامام (ع): هذا هو معجزة لمحمد رسول الله لا لغيره لأن الله يمكنه من ذلك بدعاء محمد (ص). ثم قال الامام الباقر: ما اكثر ظلم هذه الأمة لعلي بن أبي طالب و أقل انصاره، انهم يمنعون عليا ما يعطونه لسائر الصحابة و هو افضلهم، فكيف [ صفحه 209] يمنع منزلة يعطونها غيره، فقيل له: و كيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأنكم تتلون محبي ابي بكر بن أبي قحافة و تتبرأون من اعدائه كائنا من كان، كذلك تتولون عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و تتبرأون من اعدائهما كائنا من كان حتي اذا صار الي علي (ع) قلتم نتولاه و لا نتبرأ من اعدائه بل نحبهم فكيف يجوز هذا لهم و رسول الله (ص) يقول: في علي (ع) اللهم وال من والاه و عاد من عاداه واخذل من خذله، افترونه يقول ذلك، و لا يعادي من عاداه و لا يخذل من خذله ليس هذا بانصاف. و مضي الامام يقول كما يدعي الراوي: ثم انهم اذا ذكروا ما اختص الله به عليا بدعاء رسول الله (ص) و كرامته علي ربه تعالي جحدوه و

يقبلون ما يذكر لغيره من الصحابة، فما الذي منع عليا (ع) ما جعله لسائر اصحاب رسول الله (ص) هذا عمر بن الخطاب اذا قيل لهم انه كان علي المنبر في المدينة يخطب في الناس و اذا به ينادي يا سارية الجبل، فلما اتم خطابه و فرغ من الصلاة سألوه عما قاله و هو يخطب فقال: اعلموا أني و أنا اخطب اذ رمقت ببصري نحو الجهة التي خرج فيها اخوانكم الي غزوة الكافرين بنهاوند بقيادة سعد بن وقاص ففتح الله لي الاستار و الحجب و قوي بصري حتي رأيتهم اصطفوا بين يدي جبل هناك. و قد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية و من معه من المسلمين و يحيطوا بهم، فقلت: يا سارية الجبل ليلتجي ء اليه و يكون الجبل في ظهره و يمنعهم بذلك من أن يحيطوا به، و قد منح الله اخوانكم المؤمنين اكتاف الكافرين و فتح الله عليهم بلادهم، فاحفظوا هذا الوقت فسيرد عليكم الخبر بذلك، و كان بين المدينة و نهاوند مسيرة اكثر من خمسين يوما، و أضاف الي ذلك الامام أبوجعفر الباقر كما جاء في الرواية فاذا جاز مثل هذا لعمر بن الخطاب فكيف لا يكون مثله لعلي بن ابي طالب (ع) ولكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون. [ صفحه 210] وحدث زرارة عنه فقال: كنت جالسا الي جنب أبي جعفر الباقر و هو مستقبل القبلة فقال: اما ان النظر اليها عبادة فجاءه رجل من بجيلة فقال: يا أباجعفر ان كعب الأحبار كان يقول: ان الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال ابوجعفر (ع): فما تقول انت فيما قال كعب؟ فقال الرجل: صدق كعب الأحبار، فرد عليه ابوجعفر (ع) بقوله: كذبت و كذب

كعب الأحبار معك و غضب. و قال زرارة: ما رأيته استقبل احدا بقوله كذبت غيره. [ صفحه 211]

الامام الباقر مع عبدالملك بن مروان

يدعي بعض الرواة ان عبدالملك بن مروان كان يحاول ان يكون أقل عنفا من أسلافه مع العلويين و أنه كتب الي عامله في الحجاز كتابا جاء فيه: جنبني دماء آل أبي طالب فاني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا، و اذا صح عنه أنه كان أرفق بالعلويين و شيعتهم من اسلافه، فذلك لأنه قد أدرك مدي الاستيلاء الذي خلفته سياسة معاوية و ولده يزيد معهم و ما ترتب عليها من الانتفاضات في مختلف أنحاء الدولة لا سيما و قد ظهر منافسه الجديد في الحجاز واتسعت اطماعه للعراق و غيرها من المناطق ولكن هذه الظاهرة من عبدالملك لم ترافقه طيلة حكمه، فما أن تم له القضاء علي خصمه ابن الزبير حتي كتب الي عماله و أمرهم بالشدة و القسوة علي شيعة أهل البيت و أمر الحجاج بأن يذهب الي العراق و قال له: احتل لقتلهم فقد بلغني عنهم ما اكره، و اذا قدمت الكوفة فطأها وطأة يتضاءل لها اهل البصرة، و راح يراقب تحركات الأئمة و تصرفاتهم و أمر و اليه علي الحجاز ان يرسل اليه زين العابدين و كان حاقدا عليه كما ذكرنا ذلك خلال حديثنا عن سيرته و كانت للحجاج مواقف مع شيعة العراق لم يحدث التاريخ بأسوأ منها، و مع ما كان منه مع الأئمة و شيعتهم، فلقد كان يلجأ اليهم في بعض المهمات التي تهمه و لا يجد المخرج منها لعلمه بمكانتهم و أنهم لا يبخلون في النصيحة علي احد ولو كان [ صفحه 212] من ألد أخصامهم و أعدائهم و بخاصة اذا

كانت لمصلحة الاسلام. فقد جاء في حياة الحيوان للشيخ كمال الدين الدميري و في شذرات العقود للمقريزي و غيرهما عن الكسائي انه قال: دخلت علي الرشيد ذات يوم و هو في ايوانه و بين يديه مال كثير قد شق عنه البدر شقا و أمر بتفريقه و بيده درهم تلوح كتابته و هو يتأمله كثيرا، ثم قال لي: هل علمت اول من سن هذه الكتابة في الذهب و الفضة؟ قلت: سيدي هو عبدالملك بن مروان، قال: فما كان السبب في ذلك؟ قلت: لاعلم لي غير انه اول من أحدث هذه الكتابة، فقال: سأخبرك بذلك، لقد كانت القراطيس للروم و كان اكثر من بمصر نصرانيا علي دين ملك الروم و كانت تطرز بالرومية و طرازها (اب و ابن و روح القدس) فلم يزل كذلك في صدر الاسلام كله يمضي علي ما كان عليه الي أن ملك عبدالملك بن مروان فتنبه له و كان فطنا، فبينما هو ذات يوم اذ مر به قرطاس فنظر الي طرازه فأمر أن يترجم الي العربية ففعل ذلك فأنكره و قال: ما اغلظ هذا في امر الدين و الاسلام ان يكون طراز القراطيس و هي تحمل في الأواني و الثياب و هما يعملان في مصر و غير ذلك مما يطرز من ستور و غيرها من عمل هذا البلد علي سعته و كثرة ماله و قد طرزت بسطر مثبت عليها، فكتب الي اخيه عبدالعزيز بن مروان و كان عامله علي مصر بابطال ذلك الطراز و أن يأمر صناع القراطيس ان يطرزوها بسورة من القرآن و هذا طراز القراطيس خاصة الي هذا الوقت لم ينقص و لم يزد و لم يتغير، و كتب الي عماله في الآفاق

بابطال ما في اعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم و معاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شي ء منها بالضرب و الحبس، فلما ثبتت القراطيس بالطراز الجديد و حمل الي بلاد الروم وانتشر خبره و وصل الي ملكهم و ترجم له انكره و استشاط غيظا، فكتب الي عبدالملك أن عمل القراطيس بمصر و سائر ما يطرز هناك للروم و لم يزل يطرز بطراز الروم الي أن أبطلته أنت، فان كان من قبلك من الخلفاء أصاب فقد أخطأت أنت، و ان كنت قد أصبت فقد اخطأوا فاتخر من هاتين أيهما شئت و أحببت، و بعث اليه [ صفحه 213] مع الكتاب هدية ثمينة و طلب اليه رد الطراز الي ما كان عليه فرد عليه عبدالملك كتابه و هديته فأرسل اليه ملك الروم ثانيا و ثالثا و في كل مرة يكتب اليه و يضاعف الهدية و عبدالملك يرفضها و أخيرا تهدده ملك الروم بأن ينقش علي الدراهم و الدنانير شتم النبي (ص) و دار حوار بين الطرفين لم ينته الي حل للأزمة و بقي ملك الروم علي اصراره و كانت الدراهم و الدنانير التي يتعامل بها المسلمون في جميع بلادهم من صنع الروم، فضاق بعبدالملك امره و استشار حاشية و أصحابه و ذوي الرأي من المسلمين فلم ينتهوا الي نتيجة تحسم النزاع زنباع، فقال له: انك لتعرف المخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه، فقال له: ويحك من هو؟ فقال: عليك بالباقر من أهل بيت النبي (ص)، فقال: صدقت ولكنه ارتج علي الرأي فيه، فكتب الي عامله في المدينة ان أشخص الي محمد بن علي بن الحسين (ع) مكرما و متعه بمائة ألف درهم لجهازه و بثلاثمائة

الف درهم لنفقته، و لما عرض الوالي علي الامام الباقر كتاب عبدالملك شد الرحال واتجه الي الشام، و دخل علي عبدالملك فاستقبله و رجب بقدومه و قص عليه ما حجري له مع ملك الروم و طلب منه المخرج من تلك الأزمة التي استعصي عليه حلها، فقال له الباقر (ع): لا يعظم هذا عليك، الرأي ان تدعوا في هذه الساعة من يضرب لك الدارهم والدنانير و تنقش علي احد وجهيها صورة التوحيد و علي الوجه الثاني محمد رسول الله، و تجعل في مدارها ذكر البلد الذي يضرب فيه والسنة التي يضرب فيها، ثم وضع له الامام (ع) خطة يستحيل معها التلاعب في وزن الدراهم و الدنانير او تزويرها كما بين له الكيفية التي يتم صنع النقود الاسلامية فيها بصنع صنجات من قوارير لا تستحيل الي زيادة و لا نقصان علي حد تعبير الراوي، ثم قال له الامام (ع): فاذا فعلت ذلك فأمر بوجوب التعامل بها و تعدد المخالفين بأشد العقوبات و بدلك تقطع الطريق علي ملك الروم و تستغني عن نقوده، فاستحسن ذلك عبدالملك و باشر فعلا بما اشار به الامام الباقر (ع)، و خلال اشهر قليلات انتهي كل شي ء و أصدر اوامره الي جميع الأقطار [ صفحه 214] الاسلامية بالتعامل بالدنانير و الدراهم الاسلامية و ابطال ما كان متعارفا من استعمال الطروز الرومية، و قيل لملك الروم: افعل ما كنت تهدد به ملك العرب، فقال: انما اردت ان اغيظه بما كتبت اليه لأني كنت قادرا عليه والمال و غيره برسوم للروم، فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الاسلام، هذا مجمل ما رواه الدميري في حياة الحيوان عن المحاسن و المساوي للبيهقي

و رواه غيره بهذا المضمون عن شذرات العقود للمقريزي. و في رواية ثانية تتلخص فيما يلي: علي أثر صراع عنيف و اشتباكات بين الدولتين الرومانية و الاسلامية علي حدودهما هدد ملك الروم عبدالملك بن مروان بقطع النقود عن البلاد الاسلامية و كان المسلمون يتعاملون بها اذا لم يتخل المسلمون عن الحدود المتنازع عليها فاضطرب عبدالملك لأن عملا من هذا النوع يؤدي الي شلل الاقتصاد الاسلامي، فجمع اعيان المسلمين واستشارهم في المخرج من هذه الأزمة، فلم ينتهوا الي نتيجة حاسمة، فأشاروا عليه بالرجوع الي الامام الباقر (ع)، فأرسل اليه كتابا يدعوه فيه الي الحضور، فلبي الامام الدعوة و وفد علي الشام، فعرض عليه عبدالملك ما جري له مع الروم و ما انتهي اليه الحال فقال له الامام (ع): لا يهولنك ما تري أرسل الي ملك الروم و استمهله مدة من الزمن لتري رأيك فيما عرضه عليك و خلال تلك المدة ارسل الي عمالك في جميع المقاطعات و أمرهم بأن يجمعوا الذهب و الفضة حتي الأقراط من آذان النساء حتي اذا توفرت لك الكمية الكافية باشر بصك الدرهم و الدينار، و حدد له الامام و زنهما و كيفيتهما و أمره ان يكتب علي احدي الجهتين محمد رسول الله و ترك له ان يكتب علي الجهة الثانية ما يريد، و أضاف الامام الي ذلك ما حاصله، و عند الفراغ من ذلك ضع الدرهم و الدينار في أيدي المسلمين وامنع من التعامل بغيرهما حتي لا يبقي لملك الروم سلطان عليك، فلم يجد عبدالملك بديلا لهذا الرأي و باشر بتنفيذه في الحال. و خلال اشهر معدودات كان النقد الجديد في ايدي المسلمين يتعاملون به [ صفحه 215] بدلا من النقد

الروماني، و أرسل عبدالملك الي ملك الروم يرفض طلبه بتعديل الحدود بين الدولتين، و كانت الدولة الرومانية تحسب ان الضغط الاقتصادي بالنحو الذي هددت به المسلمين ورقة رابحة بيدها ولكنها فشلت في ذلك بعد ان استغني المسلمون بنقدهم الجديد و ثروتهم الجديدة، فعادت تفكر في أسلوب جديد للضغط علي المسلمين فلم تر بديلا للضغط العسكري، فأرسلت فرقا من المردة و كانوا قد التحقوا بالدولة الرومانية بعد الفتح الاسلامي، ارسلتهم للتخريب في بلاد الشام فسلكوا السواحل يقتلون و يفسدون حتي انتهوا الي سواحل لبنان، فأرسل عبدالملك جيشا لمطاردتهم فقتل منهم جماعة و أسر آخرين، والتجأت فلولهم الي الكهوف و الغابات في جبال لبنان و لم تكن مسكونة يوم ذلك، فكانوا يظهرون من اوكارهم بين الحين و الآخر للقنص و السلب والتخريب بتوجيه من الرومان، فاذا داهمتهم الحاميات الاسلامية عادوا الي الكهوف و الغابات. واستمروا علي ذلك شطرا من الزمن الي أن الفوا تلك المناطق و استوطنوا بها و خضعوا لحكم الدولة الاسلامية بعد ان وجدوا ان لا مفر لهم من ذلك، وانتعشوا في عهد الصليبيين الذين حكموا لبنان زمنا طويلا، و عندما خرجوا منه تركوا من احفادهم عشرات الألوف، وارتفع عددهم علي مرور الزمن حتي اصبح نحوا من ربع سكان لبنان في عصرنا الحالي، و لا يزالون يتباهون بأجدادهم المردة الذين دخلوا البلاد يوم ذاك بالنحو الذي وصفته بعض الروايات. هذا مجمل ما جاء في بعض المرويات حول النقد الاسلامي، و جاء في بعض المرويات ان اول من أمر بضرب السكة الاسلامية هو الخليفة علي بن ابي طالب (ع) في البصرة سنة اربعين من الهجرة، و كان رأس البغل قد ضرب الدراهم لعمر بن الخطاب بسكة الفرس،

و من ذلك الدرهم المعروف بالبغلي. و من الجائز ان يكون الأمر كذلك ولكنه بقي التعامل بالنقد الروماني الي جانب تلك النقود، و لما ضرب السكة عبدالملك باشارة الامام الباقر منع من التعامل بغيرها. والشي ء الذي يدعو الي التساؤل و لا بد من الوقوف عنده [ صفحه 216] هو ان الروايات تنص علي ان تاريخ النقد الاسلامي يعود لسنة ستة و سبعين للهجرة يوم قام عبدالملك بهذه المهمة باشارة من الامام الباقر، و الباقر يوم ذاك كان في التاسعة عشرة من عمره و لم يكن قد اشتهر امره و كان والده الامام زين العابدين لا يزال حيا و عاش الي سنة خمس و تسعين هجرية و بعدها انتقلت الامام الي محمد الباقر (ع) و ذلك بعد وفاة عبدالملك بخمسة عشر عاما او اقل من ذلك و من الجائز ان يكون المشير علي عبدالملك قد ارشده الي الامام علي بن الحسين (ع) لأنه الامام يوم ذاك و المعروف في الأوساط الاسلامية كما يجوز و ليس ببعيد ان يكون الامام الباقر (ع) كما نصت علي ذلك الرواية لأنه كان معروفا في الأوساط الاسلامية، و مؤهلات الأئمة (ع) لا تقاس بعدد السنين، كما يبدو ذلك للمتتبع في تاريخهم المجيد و آثارهم الخالدة التي اختص الله بها بنيه و ورثهم اياها. [ صفحه 217]

ما جاء عنه من الحكم و الآداب و المواعظ

لقد جاء عنه انه قال: ما دخل قلب امري ء شي ء من الكبر الا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو كثر. و قال: عالم ينتفع بعمله أفضل من الف عابد، والله لموت العالم احب الي ابليس من موت سبعين عابدا، و قال لأحد بنيه: يا بني اياك والكسل و الضجر فانهما مفتاح

كل شر انك ان كسلت لم تؤد حقا، و ان ضجرت لم تصبر علي حق. و قال (ع) لجابر الجعفي: يا جابر ما الدنيا و ما عسي ان تكون، هل هي الا مركب ركبته او ثوب لبسته او امرأة احببتها، يا جابر ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا لبقاء فيها و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ففازوا بثواب الأبرار، ان اهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤونة و أكثرهم لك معونة ان نسيب ذكروك و ان ذكرت اعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله. يا جابر انزل الدنيا كنزل نزلت فيه وارتحلت منه، او كمال احببته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شي ء، انما هي مع اهل اللب والعالمين بالله تعالي كفي ء الظلال فاحفظ ما استحفظك الله من دينه و حكمته. [ صفحه 218] و كان عليه السلام يقول: ما من شي ء احب الي الله عزوجل من أن يسأل و لا يدفع القضاء الا الدعاء، و ان اسرع الخير ثوابا البر و اسرع الشر عقوبة البغي و كفي بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمي عليه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه. و جاء في وصيته لأحد أصحابه: اوصيك بخمس ان ظلمت فلا تظلم، و ان خانوك فلا تخن، و ان كذبت فلا تغضب، و ان مدحت فلا تفرح، و ان ذممت فلا تجزع، فكر فيما قيل فيك فان عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عزوجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس، و ان كنت علي خلاف ما قيل فيك فثواب

اكتسبته من غير ان تتعب بذلك، ولو اجتمع عليك أهل مصرك و قالوا انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ولو قالوا انك رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك علي كتاب الله فان كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت وابشر فانه لا يضرك ما قيل فيك، و ان كنت مباينا للقرآن فما الذي يغرك من نفسك ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها علي هواها فينعشه الله فينتعش و يقيل الله عثرته فيتذكر و يفزع الي التوبة واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله ازراء علي النفس و تعرضا للعفو، الي ان يقول: و اياك والثقة بغير المأمون، واعلم انه لا علم كطلب السلامة، و لا عقل كمخالفة الهوي و لا فقر كفقر القلب و لا غني كغني النفس، و لا معرفة كمعرفتك بنفسك و لا نعمة كالعافية، و لا عافية كمساعدة التوفيق و لا شرف كبعد الهمة و لا زهد كقصر الأمل و لا عدل كالانصاف و لا جور كموافقة الهوي و لا طاعة كأداء الفرائض و لا مصيبة كعدم العقل و لا معصية كاستهانتك بالذنب و رضاك بالحالة التي انت عليها و لا جهاد كمخالفة [ صفحه 219] الهوي و لا قوة كرد الغضب و لا ذل كذل الطمع، و اياك و التفريط عند امكان الفرصة فانه ميدان يجري لأهله بالخسران. و قال (ع) لبعض اصحابه: خذ الكلمة الطيبة ممن قالها و ان لم يعمل بها فان الله يقول: (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله) و روي عنه جماعة من أصحابه أنه قال: أيدخل احدكم يده في جيب صاحبه فيأخذ منها ما يريد و

هو لا يعلم؟ فقالوا لا يا ابن رسول الله، فقال: اذهبوا فلستم اخواننا كما تزعمون. و قال لبعض اصحابه: اعتزل ما لا يعنيك و تجنب عدوك واحذر صديقك، و لا تصحب الفاجر و تطلعه علي سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله و اذا استطعت ان لا تعامل احدا الا و لك الفضل عليه فافعل، و ثلاثة من مكارم الاخلاق ان تعفو عمن ظلمك و تصل من قطعك و تحلم اذا جهل عليك، و يقول: الظلم ثلاثة ظلم لا يغفره الله و ظلم يغفره الله، و ظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، و أما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين الله، و أما الظلم الذي لا يدعه الله فظلم العباد بعضهم لبعض. و قال عليه السلام مرة لاصحابه و هو يعظهم و يحثهم علي التعاون: ما من عبد يمتنع من معونة اخيه المسلم و السعي في حاجته قضيت أو لم تقتض الا ابتلي بالسعي في حاجة فيما يؤثم عليه و لا يؤجر، و ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله الا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما اسخط الله. و قال (ع): لا يكون العبد عالما حتي لا يكون حاسدا لمن فوقه و لا محقرا لمن دونه، و يقول: ثلاث خصال لا يموت صاحبهن ابدا حتي يري و بالهن، البغي وقطيعة الرحم و اليمين الكاذبة يبارز الله فيها، و ان اعجل [ صفحه 220] الطاعة ثوابا لصلة الرحم، و ان القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمو احوالهم و يثرون، و ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها. و قال مخاطبا لمن

يدعون التشيع لهم: والله ما شيعتنا الا من اتقي الله و أطاعه و ما كانوا يعرفون الا بالتواضع و التشخع و أداء الأمانة و كثرة ذكر الله والصوم والصلاة و البر بالوالدين و تعهد الجيران من الفقراء و ذوي المسكنة و الغارمين و الايتام و صدق الحديث و تلاوة القرآن و كف الالسن عن الناس الا من خير. و قال في وصفهم ايضا: انما شيعة علي (ع) المتباذلون في ولايتنا المتحابون في مودتنا المتزاورون لاحياء الدين، اذا غضبوا لم يظلموا و اذا رضوا لم يسرفوا بركة علي من جاوروا و سلم لمن خالطوا. و كان يقول: ان هذا اللسان مفتاح كل شر و خير فينبغي للمؤمن ان يختم علي لسانه كما يختم علي ذهبه و فضته فان رسول الله (ص) قال: رحم الله مؤمنا امسك لسانه عن كل شر فان ذلك صدقة منه علي نفسه، و لا يسلم احد من الذنوب حتي يخزن لسانه من الغيبة فيقول في اخيه ما ستره الله عليه فان قال ما ليس فيه فقد بهته، و ان اشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه الي غيره عليكم بصدق الحديث و الورع و الاجتهاد و أداء الامانة الي من ائتمنكم عليها برا كان او فاجرا، فلو ان قاتل علي بن ابي طالب ائتمنني علي امانة لأديتها اليه. و كان مما اوصي به ولده الامام جعفر الصادق (ع) ان الله خبأ ثلاثة اشياء في ثلاثة اشياء خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاه فيه، و خبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه، و خبأ اولياءه في خلقه فلا تحقرن احدا فلعله ذلك

الولي. و قد نص علي امامته بالاضافة الي نص الرسول (ع) عليه الامام علي [ صفحه 221] ابن الحسين (ع) كما جاء في الكافي و غيره من مجاميع الحديث برواية العدول الثقات من رواة احاديث اهل البيت (ع) كما نص هو في المرحلة الأخيرة من حياته علي خليفته الامام جعفر بن محمد (ع) وانتقل الي جوار ربه و هو ابن سبع و خمسين سنة في عهد هشام بن عبدالملك و قيل في عهد يزيد بن عبدالملك سنة 114 و قيل غير ذلك و ترك سبعة اولاد بين ذكر و انثي اكبرهم جعفر بن محمد الصادق و به كان يكني من زوجته فاطمة او قريبة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر المكناة بأم فروة و أمها اسماء بنت عبدالرحمن بن ابي بكر و الي ذلك يشير الامام الصادق بقوله: ان ابابكر ولدني مرتين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.