أئمتنا: روائع‌من حياة‌الأئمة‌الاثني‌عشر (الامام الباقر علیه السلام)

اشارة

‏سرشناسه : دخيل، علي‌محمد‌علي
‏عنوان و نام پديدآور : أئمتنا: روائع‌من ياة‌الأئمة‌الاثني‌عشر/ علي‌محمد‌علي دخيل .
‏مشخصات نشر : بيروت: دار‌المرتضي، ۱۹۹۹م = ۱۴۲۰ق = ۱۳۷۸
‏مشخصات ظاهري : ۲ ج.
‏يادداشت : عربي
‏يادداشت : ناشر جلد‌دوم كتاب دار‌التعارف‌للمطبوعات مي‌باشد .
‏يادداشت : چاپ سيزدهم
‏يادداشت : كتابنامه
‏موضوع : ائمه اثنا‌عشر -- سرگذشتنامه.
‏موضوع : ائمه اثنا‌عشر -- فضائل.
‏موضوع : اسلام -- تاريخ.
‏رده بندي كنگره : ‏BP۳۶/۵‏/د۳الف۹
‏شماره كتابشناسي ملي : ۱۰۳۸۱۲۰

الاهداء: الامام محمد الباقر

يا رسول الله: هذه لمحات من حياة ولدك و سميك محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام، أقدمها بين يديك رمزا لولائي لعترتك الطيبين، و تمسكا بحبل مودتهم، و أملي يا سيدي منك القبول. عبدك علي محمد علي دخيل [ صفحه 333]

هذا الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم اشراقة من حياة الامام الخامس من أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، أبي‌جعفر محمد بن علي بن الحسين بن أميرالمؤمنين عليهم‌السلام. فهو عليه‌السلام مجمع الفضائل، و منتهي المكارم، سبق الدنيا بعلمه، و امتلأت الكتب بحديثه، و لا غرو في أن يكون كذلك بعدما سماه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالباقر - كما في حديث جابر بن عبدالله الأنصاري - لأنه يبقر العلم بقرا، أي يفجره و ينشره، فلم يرو عن أحد من أئمة أهل البيت - بعد الامام الصادق - ما روي عن الامام الباقر عليه‌السلام، فها هي كتب الفقه، و الحديث، و التفسير، و الأخلاق، مستفيضة بأحاديثه، مملوءة بآرائه، فقد روي عنه رجل واحد من أصحابه - محمد بن مسلم - ثلاثين ألف حديث [1] و جابر الجعفي سبعين ألف حديث [2] ، و ليست هذه بميزة له عليه‌السلام علي بقية الأئمة، فعقيدتنا أنهم صلوات الله عليهم متساوون في العلم، سواسية في الفضل، فهم يغترفون من منهل واحد: كتاب الله، و سنة رسوله، و ما أودع الله تعالي فيهم من العلم اللدني بصفتهم أئمة الحق، و ساسة الخلق، و ورثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم. نعم، الظروف التي مرت علي الامام الباقر عليه‌السلام كانت مواتية، فقد كانت الدولة الأموية في نهايتها واهية البنيان، منهدة الأركان، فاستغل عليه‌السلام الفرصة و نشر ما أمكنه نشره من العلوم و المعارف، كما استغل ولده الامام الصادق عليه‌السلام من بعده [ صفحه 334] انشغال الدولتين - الأموية و العباسية - عنه فأتم ما كان أبوه الباقر عليه‌السلام قد أسسه، و لو قدر للامام الجواد عليه‌السلام - مثلا - أن يحصل علي ظرف كظرف الصادقين عليهماالسلام فما كان ليقصر عن ذلك، فهو الذي أجاب في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، و هكذا بقيتهم عليهم الصلاة والسلام. و هناك شي‌ء آخر يجب أن نفهمه: ان العلم جانبا واحدا من حياة الامام أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام، فهو صلوات الله عليه أكثر الناس عبادة، و أعظمهم زهادة و أجمعهم لمكارم الأخلاق، و أحسن الناس سيرة، و أفضلهم سريرة. و هذا الكتاب صورة مصغرة عن حياة هذا الامام العظيم و ابن‌الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و حفيد الحسين الشهيد و ما أحوجنا اليوم - و نحن نتطلع الي مستقبل أفضل - أن نأخذ من حياته عليه‌السلام الدروس، و أن نستلهم من سيرته المثل الرفيعة، لنحقق أمانينا في الاصلاح، و نعيد مجدنا الغابر «و قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون». [ صفحه 335]

في سطور

- جده: الامام الحسين الشهيد عليه‌السلام. - أبوه: الامام علي زين العابدين عليه‌السلام. - أمه: فاطمة بنت الامام الحسن عليه‌السلام فهو عليه‌السلام هاشمي من هاشميين، و علوي من علويين، و فاطمي من فاطميين، و أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين عليهماالسلام. - ولد عليه‌السلام يوم الجمعة - أو الاثنين - غرة رجب سنة 57 ه [3] . - كان يشبه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لذا لقب بالشبيه، كان ربع القامة، رقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر، له خال علي جسده، ضامر الكشح، حسن الصوت، مطرق الرأس. - عاش مع جده الحسين عليه‌السلام أربع سنين، و شهد وقعة كربلاء. - كنيته: أبوجعفر. - ألقابه: الباقر، الشاكر لله، و الهادي، الأمين، الشبيه. - نقش خاتمه: العزة لله جميعا. - أشهر زوجاته: أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي‌بكر، أم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية. أولاده: الامام جعفر الصادق، عبدالله، ابراهيم، عبيدالله، علي. [ صفحه 336] - بناته: زينب، أم‌سلمة. - شعراؤه: كثير عزة، الكميت، الورد الأسدي - أخو الكميت - السيد الحميري. - بوابه: جابر الجعفي. - ملأ الدنيا بعلمه و حديثه حتي قال جابر الجعفي: حدثني أبوجعفر سبعين ألف حديث. و قال محمد بن مسلم: سألته عن ثلاثين ألف حديث. - مؤلفاته: كتاب التفسير، ذكره ابن‌النديم، رسالة الي سعد الخير من بني أمية، رسالة ثانية منه اليه، كتاب الهداية [4] . - أشار علي عبدالملك بن مروان بضرب الدراهم و الدنانير، و علمه كيفية ذلك. - ملوك عصره - زمن امامته -: الوليد بن عبدالملك، سليمان بن عبدالملك، عمر بن العزيز، يزيد بن عبدالملك، هشام بن عبدالملك. - توفي يوم الاثنين، سابع ذي الحجة سنة 114 ه، و عمره الشريف سبع و خمسون سنة. - مدة امامته: 19 سنة. - قبره: دفن في البقيع مع أبيه الامام زين‌العابدين و عمه الحسن السبط عليهماالسلام. - هدم قبره: في الثامن من شوال سنة 1344 ه، هدم الوهابيون قبره، و قبور بقية الأئمة عليهم‌السلام. [ صفحه 337]

النص عليه بالخلافة

و مضافا لما يمتاز به أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عن غيرهم من العلم و الفضل و التقي و الورع، هو النص عليهم من جدهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و تنصيبهم أئمة لهذه الأمة، و سدنة للدين، و أعلاما للنجاة و نجوما للهداية. لقد تواترت النصوص علي الأئمة عليهم‌السلام حتي جمع بعض الأعلام كتبا مستقلة فيها [5] ، مضافا لما تفرق منها في بطون كتب الحديث و السير و التراجم. و كان الأئمة عليهم‌السلام - بدورهم - ينص المتقدم منهم علي المتأخر، و يشير السابق علي اللاحق، قطعا للمعاذير، و اقامة للحجة. و لتواتر النص علي الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام عند السلف، كان جابر بن يزيد الجعفي اذا روي عنه قال: حدثني وصي الأوصياء، و وارث علم الأنبياء، محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام [6] . نعود فنذكر بعض ما ورد من النصوص علي الامام الباقر عليه‌السلام من قبل أبيه زين العابدين عليه‌السلام. 1 - قال الامام زين العابدين عليه‌السلام: ألا و انه الامام أبوالأئمة، معدن العلم، يبقره بقرا، والله لهو أشبه الناس برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الخ [7] . [ صفحه 338] 2 - قال الزهري: دخلت علي علي بن الحسين في مرضه الذي توفي فيه... فقلت: يا ابن‌رسول الله ان كان لا بد لنا منه فالي من نختلف بعدك؟ قال: يا أباعبدالله الي ابني هذا - و أشار الي محمد ابنه - انه وصيي و وارثي، و عيبة علمي، معدن الحلم، و باقر العلم. قلت: يا ابن‌رسول الله، ما معني باقر العلم؟ قال: سوف يختلف اليه ملأ من شيعتي، و يبقر العلم عليهم بقرا الخ [8] . 3 - قال المسعودي: فلما قربت أيامه عليه‌السلام، أحضر أباجعفر ابنه، و أوصي اليه، فحضر جماعة من خواصه الوصية الظاهرة، و سلم اليه بعد ذلك الاسم الأعظم، و مواريث الأنبياء [9] . 4 - دخل جابر علي علي بن الحسين عليه‌السلام فوجد ابنه محمد بن علي عليه‌السلام عنده غلاما، فقال له: من هذا؟ قال: هذا ابني، و صاحب الأمر بعدي، محمد الباقر عليه‌السلام [10] . [ صفحه 339]

في أحاديث الرسول الأعظم

لو جمعت الأحاديث النبوية الواردة في فضل أهل البيت عليهم‌السلام كانت موسوعة كبيرة في الحديث، فقد كان صلي الله عليه و آله و سلم يشيد بأهل بيته عليهم‌السلام في كل مناسبة، و عند كل فرصة، فمرة يسميهم بأسمائهم واحدا واحدا، وأخري يشير اليهم، و ثالثة يخص بعضهم، كل ذلك اهتمام بأمرهم، و تعظيم لشأنهم، و حرص علي أمرهم. و في هذه الصفحات بعض ما ورد من أحاديثه صلي الله عليه و آله و سلم في الامام محمد الباقر عليه‌السلام: 1 - قال محمد بن أسلم المكي: كنا عند جابر بن عبدالله الانصاري، فأتاه علي بن الحسين، و معه ابنه محمد و هو صبي، فقال علي لابنه محمد: قبل رأس عمك، فدنا محمد فقبل رأسه. فقال جابر: من هذا؟ و كان قد كف بصره. فقال له علي: هذا ابني محمد. فضمه جابر اليه و قال: يا محمد؛ محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقرأ عليك السلام. فقال لجابر: كيف ذلك يا أباعبدالله؟ فقال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الحسين في حجره و هو يلاعبه فقال: يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي، اذا كان يوم القيامة نادي مناد: ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين، و يولد لعلي ابن يقال له محمد، يا جابر اذا رأيته فاقرأه مني السلام، و اعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير. [ صفحه 340] فلم يعش جابر بعد ذلك الا قليلا و مات رضي الله عنه [11] . 2 - قال جابر بن عبدالله الأنصاري: قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: انك ستبقي حتي تري رجلا من ولدي، أشبه الناس بي، اسمه علي اسمي، اذا رأيته لم يخف عليك، فاقرأه مني السلام [12] . 3 - قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لجابر: يا جابر يوشك أن تبقي حتي تلقي ولدا لي من الحسين، يقال له محمد، يبقر علم النبيين بقرا، فاذا لقيته فاقرأه مني السلام [13] . 4 - قال صلي الله عليه و آله و سلم لجابر: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي، يبقر العلم بقرا، أي يفجره تفجيرا، فاذا رأيته فاقرأه مني السلام. قال جابر رضي الله عنه: فأخر الله مدتي، حتي رأيت الباقر، فقرأته السلام عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [14] . [ صفحه 341]

عبادته

حياة الأئمة عليهم‌السلام حلقات متصلة في العبادة و هي كلها لله و في الله، فهم ان فرغوا من صلاة بدأوا بالدعاء، و ان انتهوا من ورد صاروا الي ذكر، و ليس العجب في ذلك، بل العجب في أن عبادتهم عليهم‌السلام هي جانب واحد من جوانب حياتهم المتعددة، فهناك مدارسهم القائمة، و محافلهم العلمية، التي عن طريقهما امتدوا بالاسلام، و نشروا تعاليمه، الي جوانب أخري لهم في توجيه الأمة، و اصلاح المجتمع. نذكر بعض ما ورد في عبادته عليه‌السلام: 1 - قال الامام الصادق عليه‌السلام: كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه و أنه ليذكر الله، و أأكل معه الطعام و أنه ليذكر الله، و لقد كان يحدث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر الله، و كنت أري لسانه لازقا بحنكه يقول: لا اله الا الله، و كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتي تطلع الشمس، و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، و من كان لا يقرأ أمره بالذكر [15] . 2 - قال أفلح - مولي الامام عليه‌السلام - خرجت مع محمد بن علي حاجا، فلما دخل المسجد نظر الي البيت فبكي حتي علا صوته، فقلت: بأبي و أمي ان الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا. فقال لي: ويحك يا أفلح و لم لا أبكي، لعل الله ينظر الي برحمة فأفوز بها عنده غدا. [ صفحه 342] ثم طاف بالبيت ثم جاء حتي ركع عند المقام، فرفع رأسه من سجوده فاذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه [16] . 3 - قال الامام الصادق عليه‌السلام: كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم أئتمر، و نهيتني فلم أنزجر، فها أنا عبدك بين يديك و لا أعتذر [17] . 4 - كان يصلي في اليوم و الليلة مائة و خمسين ركعة [18] . [ صفحه 343]

سيرته

لو أخذ المسلمون سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام للعمل و التطبيق لحصلوا علي أعظم مكسب في حقل التوجيه و الأخلاق، و لسادوا الأمم و لامتدوا بالاسلام في أرجاء المعمورة، و لحققوا أعظم انتصار في الحقل الداخلي و الخارجي، فالبشرية لم تعهد بقادتها و موجهيها و علمائها و مفكريها علي مر العصور و الأجيال بمثل هذه السير الغراء [19] و عسي أن يرعوي المسلمون و يعودوا للطريق فيأخذوا من هذا المعين الصافي، و المنبع العذب. و في هذه الصفحات مختارات من سيرة الامام أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام: 1 - كان عليه‌السلام اذا رأي مبتلي أخفي الاستعاذة [20] . 2 - قال محمد بن المنكدر: رأيت محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه: بأي شي‌ء وعظك؟ قال: خرجت الي بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيت محمد بن علي و كان رجلا بدينا، و هو متكي‌ء علي غلامين له أسودين، فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحالة في طلب الدنيا، أشهد لأعظنه، فدنوت منه فسلمت عليه، فسلم علي وقد تصبب عرقا، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة علي هذه الحال في طلب الدنيا، لو جاءك الموت و أنت علي هذه الحال؟ [ صفحه 344] قال: فخلي عن الغلامين من يده ثم تساند و قال: لو جاءني والله الموت و أنا في هذه الحال و أنا في طاعة من طاعات الله، أكف بها نفسي عنك و عن الناس، و انما كنت أخاف الموت لو جاءني علي معصية من معاصي الله. فقلت: رحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني [21] . 3 - قال الامام الصادق عليه‌السلام: كان أبي عليه‌السلام أقل أهل بيته مالا، و أعظمهم مؤونة، و كان يتصدق كل جمعة بدينار، و كان يقول: الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل الجمعة علي غيره من الأيام [22] . 4 - كان اذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني [23] . 5 - ان قوما أتوا أباجعفر فوافقوا له صبيا مريضا، فرأوا منه اهتماما و غما، و جعل لا يقر، فقالوا لئن أصابه شي‌ء انا لنتخوف أن نري فيه ما نكره، فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه، فاذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه، في غير الحال التي كان عليها. فقالوا له: جعلنا فداك لقد كنا نخاف مما نري منك أن لو وقع أن نري منك ما يغمنا. فقال عليه‌السلام: انا لنحب أن نعافي فيمن نحب، فاذا جاء أمر الله سلمنا فيما أحب [24] . 6 - قال أبوعبدالله عليه‌السلام: أعتق أبوجعفر عليه‌السلام من غلمانه عند موته شرارهم، و أمسك خيارهم فقلت: يا أبت تعتق هؤلاء و تمسك هؤلاء؟! فقال: انهما أصابوا مني ضربا، فيكون هذا بهذا [25] . 7 - كان عليه‌السلام لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، و كان عليه‌السلام يقول: سموهم بأحسن أسمائهم [26] . [ صفحه 345]

احسانه و كرمه

ليس المهم في الاحسان و الكرم هو أن تكون المبالغ المعطاة كبيرة، بل المهم ما يصحب ذلك العطاء من ايمان و تقي، و خلق نبيل، يحفظ للسائل كرامته، كما أن حاجة المعطي للمال كلما كانت أكثر، كانت العطية منه أفضل. و قد أجمع المفسرون علي نزول بعض الآيات في أميرالمؤمنين عليه‌السلام علي أثر تصدقه باليسير، فقد نزل فيه قوله تعالي: «الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون» [البقرة: 274] بعدما تصدق بأربعة دراهم لا يملك غيرها تصدق بدرهم ليلا، و بدرهم نهارا، و بدرهم سرا، و بدرهم علانية. و نزل فيه قوله تعالي: «انما وليكم الله و رسوله و الذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكوة و هم راكعون» [المائدة: 55] نزلت هذه الآية لما تصدق عليه‌السلام بخاتمه علي سائل سأل في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لم يعطه أحد، و كان عليه‌السلام يصلي فأشار الي السائل و مد اليه اصبعه، فأخذ خاتمه. و نزلت سورة «هل أتي» في أهل البيت بعدما تصدقوا بأقراص من شعير علي مسكين و يتيم و أسير. و عن أبي‌بصير عن أحدهما [27] قلت له: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، أما سمعت قول الله عزوجل: «و يؤثرون علي أنفسهم و لو كان بهم خصاصة» [28] . فالملحوظ اذا في العطية و الهبة و الصدقة الكيفية قبل الكمية، و ما يحيط بذلك من اخلاص، و تقرب الي المولي جل شأنه، و بهذا الخط الدقيق سار أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في هباتهم و عطاياهم. [ صفحه 346] ان تقربهم بتلك الهبات الي الله تعالي، و تزلفهم بها اليه، هو الذي خلد ذكرها عبر القرون المتطاولة، و الأجيال المتعاقبة. نذكر بعض ما ورد من ذلك للامام أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام: 1 - قالت سلمي - مولاة أبي‌جعفر - كان يدخل عليه أصحابه، فلا يخرجون من عنده حتي يطعمهم الطعام الطيب، و يسكوهم الثياب الحسنة، و يهب لهم الدنانير، فأقول له في ذلك ليقل منه، فيقول: يا سلمي ما حسنة الدنيا الا صلة الاخوان و المعارف [29] . 2 - قال عمرو بن دينار و عبدالله بن عبيد بن عمير، ما لقينا أباجعفر محمد بن علي عليه‌السلام الا و حمل الينا النفقة و الصلة و الكسوة، و يقول: هذه معدة لكم قبل أن تلقوني [30] . 3 - قال الأسود بن كثير: شكوت الي أبي‌جعفر عليه‌السلام الحاجة و جفاء الاخوان، فقال: بئس الأخ يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم فقال: استنفق هذه فاذا فرغت فأعلمني [31] . 4 - قال سليمان بن قرم: كان أبوجعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم، الي الستمائة درهم، الي الألف درهم، و كان لا يمل من صلة اخوانه و قاصديه و مؤمليه و راجيه [32] . 5 - عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام قال: دخلت علي أبي يوما و هو يتصدق علي فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار، و أعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكا [33] . [ صفحه 347]

مدرسته

أقامها معاوية دولة قوية شيد بناءها بدماء كبار الصحابة و التابعين، كالامام الحسن السبط، و عمر بن الحمق الخزاعي، و حجر بن عدي الكندي و أصحابه، و غيرهم من كبار المسلمين، و ظن ابن‌هند أن دولة بني أمية ستبقي أبد الأبدين. و بعد مقتل الحسين الشهيد بدأت تتصدع، و لم ينفعها حزم عبدالملك بن مروان، و بطش طاغيته الحجاج بن يوسف. أخذت الدولة الأموية بالانهيار في زمن هشام بن عبدالملك حيث بدأت الدعوة للعباسيين في ايران. و استغل الامام أبوجعفر عليه‌السلام هذا الظرف المناسب لفتح مدرسته، ليتخرج منها المئات من العلماء فكان ذلك مصداقا لما أخبر به الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم جابر بن عبدالله الأنصاري: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي، يبقر العلم بقرا، أي يفجره تفجيرا، فاذا رأيته فاقرأه مني السلام. نعم، بقر أبوجعفر العلم و فجره، حتي امتلأت الدنيا بعلمه، و نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره. قال جابر الجعفي: حدثني أبوجعفر سبعين ألف حديث [34] . و قال محمد بن مسلم: ما شجر في رأيي شي‌ء الا سألت عنه أباجعفر عليه‌السلام، حتي سألته عن ثلاثين ألف حديث [35] . [ صفحه 348] و نقل بعض من شاهده في الحج: انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات، و يستفتحون أبواب المشكلات فلم يرم حتي أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله [36] . قال الشيخ المفيد: و كان الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام من بين أخوته خليفة أبيه علي بن الحسين عليهماالسلام و وصيه، و القائم بالامامة من بعده، و المبرز علي جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا، و أجلهم في العامة و الخاصة قدرا، و لم ظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين عليهماالسلام من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب، ما ظهر عن أبي‌جعفر عليه‌السلام، و روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل به علما لأهله، تضرب به الأمثال، و تسير بوصفه الآثار و الأشعار، و فيه يقول القرطي: يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل و قال مالك بن أعين الجهني يمدحه: اذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا و ان قيل: أين ابن بنت النبي نلت بذاك فرعا طوالا نجوم تهلل للمدلجين جبال تورث علما جبالا [37] . و قال ابن‌شهرآشوب: و قد روي عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة: جابر بن عبدالله الأنصاري، و من التابعين: جابر بن يزيد الجعفي، و كيسان السختياني صاحب الصوفية، و من الفقهاء نحو: ابن‌المبارك، و الزهري، و الأوزاعي، و أبي‌حنيفة، و مالك، و الشافعي و زياد بن المنذر النهدي، و من الصنفين نحو: الطبري، و البلاذري و السلامي، و الخطيب في تواريخهم، و في الموطأ، و شرف المصطفي، و الابانة، و حلية الأولياء، [ صفحه 349] و سنن أبي‌داود، و الألكاني، و مسندي أبي‌حنيفة و المروزي، و ترغيب الأصفهاني، و بسيط الواحدي، و تفسير النقاش و الزمخشري، و معرفة أصول الحديث، و رسالة السمعاني، فيقولون: قال محمد بن علي، و ربما قالوا: قال محمد الباقر [38] . و قال: اجتمعت العصابة علي أن أفقه الأولين ستة، و هم أصحاب أبي‌جعفر، و أبي‌عبدالله عليهماالسلام، و هم: زرارة بن أعين، و معروف بن خربوذ المكي، و أبوبصير الأسدي، و الفضيل بن يسار، و محمد بن مسلم الطائفي، و بريد بن معاوية العجلي. و قال أيضا: و من أصحابه حمران بن أعين الشيباني و اخوته: بكير، و عبدالملك، و عبدالرحمن، و محمد بن اسماعيل بن بزيع، و عبدالله بن ميمون القداح، و محمد بن مروان الكوفي، و اسماعيل بن الفضل الهاشمي، و أبوهارون المكفوف، و ظريف بن ناصح، و سعيد بن ظريف الاسكاف الدؤلي، و اسماعيل بن جابر الخثعمي، و عقبة بن بشير الأسدي و أسلم المكي - مولي ابن‌الحنفية - و أبوبصير ليث بن البختري المرادي، و الكميت بن زيد الأسدي، و ناجية بن عمارة الصيداوي، و معاذ بن مسلم الهراء النحوي، و بشير الرحال [39] . و قال أبونعيم الأصبهاني: و روي عنه من التابعين: عمرو بن دينار، و عطاء بن أبي‌رباح، و جابر الجعفي، و ابان بن تغلب، و روي عنه من الأئمة و الأعلام: ليث بن أبي‌سليم، و ابن‌جريج، و حجاج بن أرطاة، في آخرين [40] . و اليوم، و بعد مضي ثلاثة عشر قرنا علي تأسيسه عليه‌السلام لهذه المدرسة، لا يزال الفقه و الحديث و التفسير و غيرها من العلوم عيالا عليها، يستمد من منهلها العذب، و يغترف من معينها الفياض. [ صفحه 350]

تفسير القرآن الكريم

قرأت في الفصل السابق - مدرسة الامام - الظروف الملائمة لتأسيسه عليه‌السلام مدرسته الكبري، و الدروس التي كان يلقيها علي طلابه، و كان من بينها علم التفسير. و لو أنصف الناس الأئمة لرجعوا اليهم في التفسير، لاختصاصه بهم دون غيرهم، فهم عدول القرآن الكريم - كما في حديث الثقلين - و هم المشار اليهم في قوله تعالي: «و ما يعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم». ان من يتصفح كتب التفسير يجدها مملوءة بما ورد من تفاسيرهم عليهم‌السلام، حتي ألفت بعض التفاسير مقتصرة علي الروايات الواردة عنهم عليهم‌السلام [41] . و يؤسفني أن لا يساعد حجم هذه السلسلة علي الاكثار مما ورد من تفسير الامام الباقر عليه‌السلام. و في عقيدتي أن المتتبع يستطيع أن يؤلف تفسيرا كاملا للقرآن الكريم، مقتصرا بذلك علي التفاسير الواردة عن الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام. نذكر بعض ما ورد عنه عليه‌السلام. 1 - قوله تعالي: «و لا تقربوا الزني انه كان فاحشة و ساء سبيلا» [الاسراء: 32]. قال عليه‌السلام في قوله تعالي: «انه كان فاحشة» معصية و مقتا، فان الله يمقته و يبغضه «و ساء سبيلا» هو أشد الناس عذابا، و الزنا من أكبر الكبائر [42] . [ صفحه 351] 2 - قوله تعالي: «و فضلنهم علي كثير ممن خلقنا تفصيلا» [الاسراء: 70] . قال عليه‌السلام: خلق كل شي‌ء منكبا غير الانسان خلق منتصبا [43] . 3 - قوله تعالي: «أولم ير الذين كفروا أن السموات و الأرض كانتا رتقا ففتقنهما» [الأنبياء: 30]. وفد عمرو بن عبيد فقيه البصرة - علي محمد بن علي بن الحسين ليمتحنه بالسؤال، فقال له: جعلت فداك ما معني قوله تعالي: «أولم ير الذين كفروا أن السموات و الأرض كانتا رتقا ففتقنهما». ما هذا الفتق و الرتق؟ فقال عليه‌السلام: كانت السماء رتقا لا تنزل المطر و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات. فانقطع عمرو بن عبيد و لم يجد اعتراضا [44] . و سأله أخبرني جعلت فداك عن قوله عزوجل: «و من يحلل عليه غضبي فقد هوي» [طه: 81] ما ذاك الغضب؟ فقال أبوجعفر عليه‌السلام: هو العقاب يا عمرو، انه من زعم أن الله عزوجل زال من شي‌ء الي شي‌ء فقد وصفه صفة المخلوق، ان الله عزوجل لا يستفزه شي‌ء و لا يغيره [45] . 4 - قوله تعالي: «أولئك يجزون الغرفة بما صبروا» [الفرقان: 75]. قال عليه‌السلام: الغرفة: الجنة، بما صبروا علي الفتن في دار الدنيا [46] . 5 - قوله تعالي: «فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا» [الأحزاب: 49]. قال عليه‌السلام: «فمتعوهن» حملوهن بما قدرتم عليه من معروف، فانهن يرجعن بكآبة من أعدائهن، فان الله كريم يستحي، و يحب أهل الحياء، ان أكرمكم أشدكم اكراما لحلائله [47] . [ صفحه 352] 6 - قوله تعالي: «و أني لهم التناوش من مكان بعيد» [سبأ: 52]. قال عليه‌السلام: انهم طلبوا الهدي من حيث لا ينال، و قد كان مبذولا من حيث ينال [48] . 7 - قوله تعالي: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي» [ص: 75]. قال محمد بن مسلم: سألت أباجعفر عليه‌السلام فقلت: قوله تعالي: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي». قال: اليد في كلام العرب القوة و النعمة؛ قال الله تعالي: «و اذكر عبدنا داود ذا الأيد» «و السماء بنيناها بأييد» أي: بقوة، و قال: «و أيدناه بروح القدس» أي: قواهم، و يقال: لفلان عندي يد بيضاء، أي نعمة [49] . 8 - قوله تعالي: «سنريهم ءاياتنا في الأفاق و في أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق» [فصلت: 53]. قال عليه‌السلام: يريهم في أنفسهم المسخ، و يريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم، فيرون قدرة الله في أنفسهم و في الآفاق، و قوله: «حتي يتبين لهم أنه الحق» يعني بذلك خروج القائم، هو الحق من الله عزوجل، يراه هذا الخلق لا بد منه [50] . 9 - قوله تعالي: «هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين» [الفتح: 4]. قال أبوحمزه: سألته عن قوله عزوجل: «أنزل السكينة في قلوب المؤمنين»؟ قال: هو الايمان. قال: و سألته عن قول الله عزوجل: «و أيدهم بروح منه»؟ قال: هو الايمان [51] . 10 - قوله تعالي: «ففروا الي الله اني لكم منه نذير مبين» [الذاريات: 50] . [ صفحه 353] قال عليه‌السلام: حجوا الي الله عزوجل [52] . 11 - قوله تعالي: «ان من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم» [التغابن: 14]. قال عليه‌السلام: و ذلك أن الرجل اذا أراد الهجرة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعلق به ابنه و امرأته، و قالوا: ننشدك الله أن تذهب عنا فنضيع بعدك، فمنهم من يطيع أهله فيقم، فحذرهم الله أبناءهم و نساءهم، و نهاهم عن طاعتهم. و منهم من يمضي و ينذرهم و يقول: أما والله لئن لم تهاجروا معي، ثم جمع الله بيني و بينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشي‌ء أبدا. فلما جمع الله بينه و بينهم، أمره أن يتوق بحسن وصله فقال: «و ان تعفوا و تصفحوا و تغفروا فان الله غفور رحيم» [53] . 12 - قوله تعالي: «و جزاهم بما صبروا جنة و حريرا» [الانسان: 12]. قال عليه‌السلام: بما صبروا علي الفقر و مصائب الدنيا [54] . [ صفحه 354]

خطبه

تأسف ابن‌عباس أشد الأسف لأن الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام لم يتم خطبته الشقشقية: في حين أنه سمع منه عليه‌السلام مئات الخطب و الوصايا، و الحكم؛ و ليت الزمن امتد بابن عباس ليشاهد حياة الأئمة عليهم‌السلام و ما رافقها من ضيق و اضطهاد، فهم لا يستطيعون أن يتكلموا فضلا من أن يخطبوا، و قد يسمعهم ولاة الجور سب آبائهم من فوق منبر جدهم فلا يستطيعون الرد عليهم، و الانكار في وجوههم. ان عقيدتي فيما حفظ للأئمة عليهم‌السلام من أحاديث و تعاليم و سير و فضائل، كان بطريق المعجز، و بعناية من الله سبحانه، و اذا كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام و قد أسر أولياؤه مناقبه خوفا، و كتمها أعداؤه حقدا - كما يقول الشافعي - فما هو الحال في أولاده عليهم‌السلام. و مع هذا كله نسجل بعض ما وجدناه من خطب الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام: 1 - من خطبة له عليه‌السلام في الشام: قال الامام الصادق عليه‌السلام: لما أشخص أبي‌محمد بن علي الي دمشق سمع الناس يقولون: هذا ابن أبي‌تراب!! قال: فأسند ظهره الي جدار القبلة ثم حمد الله و أثني عليه، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم ثم قال: اجتنبوا أهل الشقاق، و ذرية النفاق، و حشو النار، و حصب جهنم عن البدر الزاهر، و البحر الزاخر و الشهاب الثاقب، و شهاب المؤمنين، و الصراط المستقيم، من قبل أن نطمس وجوها فنردها علي أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت و كان أمر الله مفعولا، ثم قال بعد كلام: أبصنو رسول الله تستهزؤون، أم بيعسوب الدين تلمزون؛ و أي سبيل بعده تسلكون، و أي حزن بعده تدفعون؟! هيهات هيهات، برز والله بالسبق، و فاز بالخصل، و استوي علي [ صفحه 355] الغاية، و احرز علي الخطاب فانحسرت عنه الأبصار، و خضعت دونه الرقاب، و قرع الذروة العليا، فكذب من رام من نفسه السعي، و أعياه الطلب، فأني لهم التناوش من مكان بعيد.. و قال: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أوسدوا الذي سدوا أولئك قوم ان بنوا أحسنوا البنا و ان عاهدوا وفوا و ان عقدوا شدوا فأني يسد ثلمة أخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ شفعوا، و شقيقه اذ نسبوا، و نديده اذ فشلوا، و ذي قربي كنزها اذ فتحوا، و مصلي القبلتين اذ تحرفوا، و المشهود له بالايمان اذ كفروا، و المداعي لنبذ عهد المشركين اذ نكلوا، و الخليفة علي المهاد ليلة الحصار اذ جزعوا، و المستودع لأسرار ساعة الوداع. الي آخر كلامه [55] . 2 - من خطبه له عليه‌السلام في الشام: لما حمل أبوجعفر الي الشام الي هشام بن عبدالملك و صار ببابه، قال هشام لأصحابه: اذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبوجعفر قال بيده: السلام عليكم، فعمهم بالسلام جميعا ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة و جلوسه بغير اذن، فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين، و دعا الي نفسه، و زعم أنه الامام سفها و قلة علم، و جعل يوبخه، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه. فلما سكت القوم نهض قائما، ثم قال: أيها الناس أين تذهبون و أين يراد بكم، بنا هدي الله أولكم، و بنا ختم آخركم، فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجلا، و ليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عزوجل: «والعاقبة للمتقين» فأمر به الي الحبس، فلم يبق في الحبس رجل الا ترشفه [56] و حسن عليه، فجاء صاحب الحبس الي هشام و أخبره بخبره، فأمر به فحمل علي البريد هو و أصحابه يردوا الي المدينة [57] . [ صفحه 356]

وصاياه

من أنفس ما تركه الأئمة عليهم‌السلام للمسلمين هو وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالتوجيه و الأخلاق و الحكم و المعارف و الآداب، فلم يعرف التاريخ الاسلامي مثل هذه الوصايا لمن سبقهم أو تأخر عنهم من العلماء و الحكماء و الفلاسفة و المفكرين، و ما ذلك الا لحرصهم علي توجيه المجتمع، و اصلاح الأمة، و بث الأخلاق بين الناس، و ليس هذا بكثير عليهم، فهم يعتبرون أنفسهم - كما يقول الأستاذ عبدالقادر أحمد اليوسف - هم المكلفون بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بنشر الاسلام، و المحافظة علي السنن و الشرائع المحمدية، و لعلي أوفق لاخراج ما وصل الي من هذه الوصايا في كتاب مستقل، أسد به فراغا في المكتبة الأخلاقية. نسجل بعض ما ورد من وصاياه عليه‌السلام: 1 - من وصية له عليه‌السلام لعمر بن عبدالعزيز: دخل أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين علي عمر بن العزيز، فقال عمر: يا أباجعفر أوصني. قال: أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا، و أوسطهم أخا، و كبيرهم أبا، فارحم ولدك، وصل أخاك، و بر أباك، و اذا صنعت معروفا فربه، أي: (أدمه) [58] . 2 - من وصيته عليه‌السلام أوصي بها جابر بن يزيد الجعفي: [ صفحه 357] عن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي: يا جابر انه من دخل قلبه صافي دين الله اشغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا و ما عسي أن تكون، هل هي الا ثوب لبسته، أو لقمة أكلتها، أو مركب ركبته، أو امرأة أصبتها. يا جابر: ان المؤمنين لم يطمئنوا الي الدنيا لبقاء فيها، و لم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم، و لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، و لم يعمهم من نور الله ما رؤا بأعينهم من الزينة، ففازوا بثواب الأبرار، ان أهل التقوي أيسر أهل الدنيا مؤونة، و أكثرهم لك معونة، ان نسيت ذكروك، و ان ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله، قوامين بأمر الله [59] . 3 - من وصية له عليه‌السلام لعمر بن عبدالعزيز: لما دخل المدينة عمر بن عبدالعزيز قال مناديه: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليحضر، فأتاه أبوجعفر عليه‌السلام فلما رآه استقبله و أقعده مقعده، فقال عليه‌السلام: انما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم و ما يضرهم، و كم قوم ابتاعوا ما ضرهم فلم يصبحوا حتي أتاهم الموت، فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم، و صاروا الي من لا يعذرهم، فنحن والله حقيقون أن ننظر الي تلك الأعمال التي نتخوف عليهم منها، فكف عنها واتق الله، واجعل في نفسك اثنتين: انظر الي ما تحب أن يكون معك اذا قدمت علي ربك فقدمه بين يديك، و انظر الي ما تكره أن يكون معك اذا قدمت علي ربك فارمه ورائك، و لا ترغبن في سلعة بارت علي من كان قبلك فترجو أن يجوز عنك، و افتح الأبواب، و سهل الحجاب، و أنصف المظلوم، و رد الظالم [60] . 4 - من وصية له عليه‌السلام لجابر بن يزيد الجعفي: يا جابر: أنزل الدنيا كمنزل نزلت به و ارتحلت منه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت و ليس معك منه شي‌ء؛ انما هي مع أهل اللب و العالمين بالله تعالي كفي‌ء [ صفحه 358] الظلال فاحفظ ما استرعاك الله تعالي من دينه و حكمته [61] . 5 - من وصية له عليه‌السلام: عليكم بالورع و الاجتهاد، و صدق الحديث، و أداء الأمانة الي من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا، فلو أن قاتل علي بن أبي‌طالب ائتمنني علي أمانة لأديتها اليه [62] . 6 - من وصية له عليه‌السلام لبعض أصحابه: قم بالحق، و اعتزل ما لا يعنيك، و تجنب عدوك، و احذر صديقك من الأقوام الا الأمين من خشي الله، و لا تصحب الفاجر، و لا تطلعه علي سرك، و استشر في أمرك الذين يخشون الله [63] . 7 - من وصية له عليه‌السلام لبعض أصحابه: قال جابر: دخلنا علي أبي‌جعفر عليه‌السلام و نحن جماعة بعدما قضينا نسكنا فودعناه و قلنا له: أوصنا يا ابن‌رسول الله. فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، و ليعطف غنيكم علي فقيركم، و لينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، و اكتموا أسرارنا، و لا تحملوا الناس علي أعناقنا، و انظروا أمرنا و ما جاءكم عنا، فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، و ان لم تجدوه موافقا فردوه، و ان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده و ردوه الينا حتي نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فاذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا الي غيره، فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، و ان أدرك قائمنا فقتل معه، كان له أجر شهيدين، و من قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا [64] . 8 - من وصية له عليه‌السلام أوصي بها بني هاشم: و اجتمع عنده ناس من بني هاشم فقال عليه‌السلام: اتقوا الله شيعة آل محمد، [ صفحه 359] و كونوا النمرقة الوسطي يرجع اليكم الغالي و يلحق بكم التالي. قالوا له: و ما الغالي؟ قال: الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا. قالوا: فما التالي؟ قال: الذي يطلب الخير فيزيد به خيرا، والله ما بيننا و بين الله قرابة، و لا لنا علي الله من حجة، و لا نتقرب اليه الا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله، يعمل بطاعته، نفعته ولايتنا أهل البيت، و من كان منكم عاصيا لله، يعمل معاصيه لم تنفعه ولايتنا، و يحكم لا تغتروا، ثلاثا. أي قال هذه الكلمة ثلاثا [65] . 9 - من وصية له عليه‌السلام أوصي بها بعض أولاده: يا بني اذا أنعم الله عليك بنعمة فقل: الحمد لله، و اذا أحزنك أمر فقل: لا حول و لا قوة الا بالله، و اذا أبطأ عنك رزق فقل: استغفر الله [66] . 10 - من وصية له عليه‌السلام أوصي بها شيعته في الحث علي طلب العلم: تعلموا العلم، فان تعلمه حسنة، و طلبه عبادة، و المذاكرة له تسبيح، و البحث عنه جهاد، و تعليمه صدقة، و بذله لأهله قربة، و العلم ثمار الجنة، و أنس في الوحشة، و صاحب في الغربة، و رفيق في الخلوة، و دليل علي السراء، وعون علي الضراء، و دين عند الاخلاء، و سلاح عند الأعداء، يرفع الله به قوما فيجعلهم في الخير سادة، و للناس أئمة يقتدي بفعالهم، و يقتص آثارهم، و يصلي عليهم كل رطب و يابس، و حيتان البحر و هوامه، و سبع البر و أنعامه [67] . [ صفحه 360]

حكمه

في الوقت الذي أضع بين يدي المطالع الكريم مختارات من حكم الامام محمد الباقر عليه‌السلام، لي وطيد الأمل أن تؤخذ للبحث و التفكير، و الدراسة و التمحيص، ثم للعمل و التطبيق، و الالتزام لما اشتملت عليه من تعاليم و دروس، و بذلك نحقق الغرض الأسمي الذي أراده عليه‌السلام من هذه الكلمات. نسجل بعض ما ورد له عليه‌السلام: 1 - قال عليه‌السلام: ما اغرورقت عين بمائها الا حرم الله وجه صاحبها علي النار، فان سالت علي الخدين لم يرهق ذلك الوجه قتر و لا ذلة يوم القيامة، و ما من شي‌ء الا و له أجر الا الدمعة فان الله يكفر بها بحور الخطايا، و لو أن باكيا بكي في أمة لحرم الله تلك الأمة علي النار. 2 - و قال عليه‌السلام: ما من عبادة عند الله تعالي أفضل من عفة بطن أو فرج، و ما من شي‌ء أحب الي الله تعالي من أن يسأل، و ما يدفع القضاء الا الدعاء. و ان أسرع الخير ثوابا البر و العدل، و أسرع الشر عقوبة البغي، و كفي بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمي عنه من نفسه، أن يأمرهم بما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه [68] . 3 - و قال عليه‌السلام: ثلاثة من مكارم الدنيا و الآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، و تصل من قطعك، و تحلم اذا جهل عليك. [ صفحه 361] 4 - و قال عليه‌السلام: من صدق لسانه زكا عمله، و من حسنت نيته زيد في رزقه، و من حسن بره باهله زيد في عمره. 5 - و قال عليه‌السلام: ان أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلا ثم خالفه الي غيره [69] . 6 - و قال عليه‌السلام: أشد الأعمال ثلاثة: مواساة الاخوان في المال، و انصاف الناس من نفسك، و ذكر الله علي كل حال. 7 - و قال عليه‌السلام: ما شيب شي‌ء بشي‌ء أحسن من حلم بعلم [70] . 8 - و قال عليه‌السلام: عالم ينتفع بعمله أفضل من ألف عابد. 9 - و قال عليه‌السلام: شيعتنا من أطاع الله. 10 - و قال عليه‌السلام: اياك و الخصومة، فانها تفسد القلب، و تورث النفاق. 11 - قال عليه‌السلام: من أعطي الخلق و الرفق فقد أعطي الخير و الراحة، و حسن حاله في دنياه و آخرته، و من حرم الخلق و الرفق كان ذلك سبيلا الي كل شر و بلية الا من عصمه الله [71] . 12 - و قال عليه‌السلام: ما دخل قلب امري‌ء شي‌ء من الكبر الا نقص من عقله مثل ذلك. 13 - و قال عليه‌السلام: اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك [72] . 14 - و قال عليه‌السلام: الغني و العز يجولان في قلب المؤمن فاذا وصلا الي مكان فيه التوكل أوطناه. 15 - و قال عليه‌السلام: الصواعق تصيب المؤمن و غير المؤمن، و لا تصيب الذاكر. 16 - و قال عليه‌السلام: لكل شي‌ء آفة و آفة العلم النسيان. [ صفحه 362] 17 - و قال عليه‌السلام: لموت عالم أحب الي ابليس من موت سبعين عابدا [73] . 18 - و قال عليه‌السلام: ليس شي‌ء مميل الاخوان اليك مثل الاحسان اليهم [74] . 19 - و قال عليه‌السلام: الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، و الصبر علي النائبة، و تقدير المعيشة. 20 - و قال عليه‌السلام: في كل قضاء الله خير للمؤمن. 21 - و قال عليه‌السلام: من لم يجعل الله له من نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا. 22 - و قال عليه‌السلام: لا يقبل عمل الا بمعرفة و لا معرفة الا بعمل، و من عرف دلته معرفته علي العمل، و من لم يعرف فلا عمل له. 23 - و قال عليه‌السلام: ما شيعتنا الا من اتقي الله و أطاعه، و ما كانوا يعرفون الا بالتواضع، و التخشع، و أداء الأمانة، و كثرة ذكر الله، و الصوم، و الصلاة، و الصبر و البر بالوالدين، و تعهد الجيران، من الفقراء و ذوي المسكنة و الغارمين و الأيتام، و صدق الحديث، و تلاوة القرآن، و كف الألسن عن الناس الا من خير، و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. 24 - و قال عليه‌السلام: صلة الأرحام تزكي الأعمال و تنمي الأموال، و تدفع البلوي، و تيسر الحساب، و تنسي‌ء في الأجل. 25 - و قال عليه‌السلام: الكسل يضر بالدين و الدنيا. 26 - و قال عليه‌السلام: انما شيعة علي المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتآزرون لاحياء الدين اذا غضبوا لم يظلموا، و اذا رضوا لم يسرفوا، بركة علي من جاورهم، و سلم لمن خالطهم [75] . 27 - و قال عليه‌السلام: المتكبر ينازع الله رداءه. [ صفحه 363] 28 - و قال عليه‌السلام: الغلبة بالخير فضيلة، و بالشر قبيحة. 29 - و قال عليه‌السلام: يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم. 30 - و قال عليه‌السلام: اذا علم الله حسن نية من أحد اكتنفه بالعصمة. 31 - و قال عليه‌السلام: من عمل بما يعلم، علمه الله ما لا يعلم [76] . 32 - و قال عليه‌السلام: انما المؤمن اذا رضي لم يدخله رضاه في اثم و لا باطل، و اذا أسخط لم يخرجه سخطه. من قول الحق، و المؤمن اذا قدر لم تخرجه قدرته الي التعدي و الي ما ليس له بحق. 33 - و قال عليه‌السلام: ثلاث قاصمات الظهر: رجل استكثر عمله، و نسي ذنبه، و اعجب برأيه. 34 - و قال عليه‌السلام: الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله عزوجل، و ظلم لا يغفره، و ظلم لا يدعه، فأما الظلم الذي لا يغفره فالشرك بالله عزوجل، و أما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه و بين الله عزوجل، و أما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد [77] . 35 - و قال عليه‌السلام: بئس العبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه في الله شاهدا، و يأكله غائبا، ان أعطي حسده، و ان ابتلي خذله. 36 - و قال عليه‌السلام: البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان سبعين ميتة سوء. 37 - و قال عليه‌السلام: ثلاث من أشد ما عمل العباد: انصاف المؤمن من نفسه و مواساة المرء أخاه و ذكر الله علي كل حال، و هو أن يذكر الله عزوجل عند المعصية [ صفحه 364] يهم بها فيحول ذكر الله بينه و بين تلك المعصية، و هو قول الله عزوجل: «ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون» [78] . 38 - و قال عليه‌السلام: ان العبد ليذنب الذنب فيزول عنه الرزق [79] . 39 - و قال عليه‌السلام: كفي بالمرء عيبا أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمي عليه من أمر نفسه، أو يعيب الناس علي أمر هو فيه لا يستطيع التحول عنه الي غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه. 40 - و قال عليه‌السلام: ما من نكبة تصيب العبد الا بذنب و ما يعفو الله أكثر [80] . 41 - و قال عليه‌السلام: اقسم بالله و هو حق ما فتح رجل علي نفسه باب مسألة الا فتح الله له باب فقر [81] . [ صفحه 365]

تعدد الشموس و الأقمار

أئمتنا عليهم‌السلام سبقوا الزمن بعلومهم و معارفهم، و فاقوا المتأخرين في اكتشافاتهم، و امتازوا عن غيرهم باحاطتهم بكل طارف و تليد من العلوم و الفنون، فكانوا عليهم‌السلام ينثرون علي تلامذتهم كلمات تعتبر اليوم أسس العلوم الحديثة، و خلاصة ما توصل اليه العلماء بمختبراتهم و أجهزتهم. و لو اطلع هؤلاء العلماء و المكتشفون علي هذه الكلمات الصادرة من الأئمة عليهم‌السلام من قبل ثلاثة عشر قرنا، و في وقت تنعدم فيه الآلات و الأجهزة، لكانوا أسرع الناس بهم ايمانا، و أشد الخلائق لهم حبا، و اذا كان الاسلام محجوب بالمسلمين - كما يقول علماء الغرب - فالأئمة عليهم‌السلام محجوبون بشيعتهم، لعدم نشرهم لعلومهم، و أعطاء العالم صورة صادقة عنهم. أقدم في هذا الفصل حديثا للامام عليهم‌السلام ذكره الشيخ الأقدم محمد بن الحسن الصفار المتوفي 290 ه، و السيد هاشم البحراني المتوفي 1107 ه في تفسيره البرهان. عن جابر بن يزيد، عن أبي‌جعفر قال: ان من وراء شمسكم هذه أربعون عين شمس، ما بين عين شمس الي عين شمس أربعون عاما، فيها خلق كثير، ما يعملون أن الله خلق آدم، أو لم يخلقه، و ان من وراء قمركم هذا أربعون قرصا، بين القرص الي القرص أربعون عاما فيها خلق كثير، لا يعلمون أن الله عزوجل خلق آدم أو لم يخلقه، قد ألهموا كما ألهمت النحلة [82] . قال السيد هبة الدين الشهرستاني رحمه الله بعدما أورد هذا الخبر و غيره من [ صفحه 366] الأخبار المماثلة: و الحاصل أن المتقدمين مطلقا لم يذهب منهم ذاهب الي تعدد الشموس، و لا الي جواز كثرتها، الي هذه العصور الأخيرة التي تكاملت فيها الهيئة المستحدثة، و استكشف علماؤها كثرة الشموس من طرق قويمة حادثة، من أدوات حل النور و النظارات و نحوها، بل اكتشفوا درجات أنوار الثوابت و ما فيها من الأجزاء المنيرة، و العناصر المثيرة للنور، و قاسوا أبعادها و مقادير كراتها، فأنتجت آراءهم أن الكواكب الثابتة هي بأسرها شموس منيرة بذاتها، حامية بنفسها، سابحة في أعماق الفضاء الواسع سبحا، و لا نحده من كثرة البعد الشاسع، و ليس شي‌ء منها منوطا بعالمنا، و لا مربوطا بنظام شمسنا، و لكل واحد منها نظام خاص و عالم مخصوص، مؤلف من أراض سيارة، و أقمار دوارة و هي في مركز نظامها كشمسنا في عالمنا، و لا زالت هذه الآراء في نمو و انتشار، حتي أصبح اليوم تعدد الشموس كالشمس وسط النهار. و أما الشريعة الاسلامية، فقد سبقت المتأخرين طرا في اظهار هذا الرأي الجليل بأكثر من ألف سنة، فأظهرت في موارد عديدة تعدد الشموس و الأقمار في عالم الوجود بالتلويح تارة و بالتصريح أخري. و قال رحمه الله في ختام بحثه هذا: فهذه يا اخواني ناصية الأرض قد ابيضت و شابت بكرور الأعصار، حتي استولدت مبادي‌ء و مباني و أدوات أنتجت هذه الأفكار الأبكار، و أصبحت ملل الغرب تفتخر بكشفها، و أضحي أبناء الشرق يفتخرون بأخذها و نشرها. فانظروا الي أوصياء النبي عليهم الصلاة والسلام كيف فاهوا بها و ذكروها في غابر الدهور، و ماضي العصور، حيث لا عين و لا أثر من هذه المباني، و لا خطر علي قلب بشر بعض هذه المعاني، و مع هذا كله لم يمنحوا عليهم‌السلام هذه الأسرار أهمية، و لا أورثت فيهم اعجابا، بل كانوا يهتمون و يستعظمون المعارف الالهية، و رعاية النواميس الشرعية، و يحرضون الناس علي اصلاح مملكة النفس، و تكميل كمالاتها و ملكاتها، و العمل لما بعد الموت، فانه مفترس كل نفس باليقين، فالفوز لمن استيقظ عقله، و اكتسب النعيم الدائم [83] . [ صفحه 367]

اجوبته

من عقائدنا في النبي صلي الله عليه و آله و سلم قدرته علي اتيان المعاجز، دليلا علي النبوة، و تثبيتا للعقيدة، وحدا فيصلا بين الصدق و الكذب، و جل من ترجم للنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم‌السلام ذكر لهم معاجز و كرامات كثيرة، شاهدها لهم من صحبهم من الثقات، و قد أعرضت في كتابتي عن ذكر ما ورد لهم عليهم‌السلام من المعاجز ايمانا مني بأن كل حياتهم صلوات الله عليهم معاجز، و كل كلامهم براهين، و عندي أن المعجزة تتجلي في أروع صورها، و أسمي معانيها في أجوبتهم عليهم‌السلام، فهي تشتمل علي صنوف من العلوم و الفنون و المعارف، بما لا يتوصل اليه غيرهم مع أنهم أجابوا عنها بالبديهة، و فصلوا أجوبتها باللحظة. نورد بعض ما ورد من أجوبة الامام الباقر عليه‌السلام: 1 - سأله الأبرش: عن قوله تعالي: «يوم تبدل الأرض غير الأرض» ما الذي يأكل الناس و يشربون الي أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال عليه‌السلام: يحشر الناس علي مثل قرصة الأرض فيها أنهار متفجرة، يأكلون و يشربون حتي يفرغ من الحساب. قال هشام - الخليفة الأموي - قل له: ما أشغلهم عن الأكل و الشرب؟ فقال عليه‌السلام: هم في النار اشغل و لم يشغلوا حتي أن قالوا: «أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله» [84] . [ صفحه 368] 2 - أوصي رجل بألف درهم للكعبة، فجاء الوصي الي مكة، و سأل: فدلوه الي بني شيبة فأتاهم فأخبرهم الخبر، فقالوا له: برئت ذمتك ادفعه الينا، فقال الناس: سل أباجعفر، فسأله: فقال: ان الكعبة غنية عن هذا انظر الي من زار هذا البيت فقطع به، أو ذهبت نفقته أو ظلت راحلته، أو عجز أن يرجع الي أهله فادفعها الي هؤلاء [85] . 3 - قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا غرقي في النعمة موفورين بالذنوب، يتحبب الينا الهنا بالنعم و نتمقت اليه بالمعاصي، و نحن نفتقر اليه و هو غني عنا [86] . 4 - قيل له ما الموت؟ فقال: هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة الا أنه طويل مدته [87] . 5 - قيل له: من أعظم الناس قدرا. فقال عليه‌السلام: من لم ير الدنيا لنفسه قدرا. و سئل مرة أخري بهذا السؤال. فقال: من لم يبال في يد من كانت الدنيا [88] . 6 - سأله محمد بن مسلم: لم جعل البينة في النكاح؟ فقال عليه‌السلام: من أجل المواريث [89] . 7 - سئل عليه‌السلام عن آدم حيث حج بم حلق رأسه، و من حلقه؟ فقال: نزل جبرئيل عليه بياقوتة من الجنة فأمرها علي رأسه فتناثر شعره [90] . 8 - سئل عن غسل الميت و الصلاة عليه و غسل غاسله؟ [ صفحه 369] فقال عليه‌السلام: يغسل الميت لأنه يخبث، لتلاقيه الملائكة و هم طاهرون، فكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنون. و علة الصلاة عليه ليشفع له، و ليطلب الله فيه [91] . 9 - سئل عن تكبير صلاة الميت؟ فقال: أخذت الخمس من الخمس صلوات، من كل صلاة تكبيرة [92] . 10 - سئل عليه‌السلام عن امرأة ضربها الطلق فما زالت تطلق حتي ماتت والولد يتحرك في بطنها، و يذهب و يجي‌ء. فقال عليه‌السلام: يشق بطن الميت و يستخرج الولد [93] . 11 - سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالي: «وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يعبدون» من الذي يسأل محمد و كان بينه و بين عيسي خمسمائة سنة. فقرأ أبوجعفر: «سبحان الذي أسري بعبده ليلا» ثم ذكر اجتماعه صلي الله عليه و آله و سلم بالمرسلين، و الصلاة بهم [94] . 12 - كان عبدالله بن نافع بن الأزرق يقول: لو عرفت أن بين قطريها أحدا تبلغني اليه الابل يخصمني بأن عليا قتل أهل النهروان و هو غير ظالم لرحلتها اليه. قيل له: ائت محمد الباقر، فأتاه فسأله. فقال عليه‌السلام بعد كلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته، و اختصنا بولايته، يا معشر أولاد المهاجرين و الأنصار من كان عنده منقبة في أميرالمؤمنين فليقم فليحدث. فقاموا و نشروا من مناقبه، فلما انتهوا الي قوله: لأعطين الراية. الخبر، سأله أبوجعفر عن صحته. فقال: هو حق، و لكن عليا أحدث الكفر بعد. [ صفحه 370] فقال أبوجعفر: أخبرني عن الله أحب علي بن أبي‌طالب يوم أحبه و هو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟ ان قلت لا كفرت. فقال: قد علم. قال: فأحبه علي أن يعمل بطاعته أو علي أن يعمل بمعصيته؟ قال: علي أن يعمل بطاعته. فقال أبوجعفر: قم مخصوما. فقام و هو يقول: «حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود» و الله أعلم حيث يجعل رسالته [95] . 13 - سأله طاووس اليماني: أخبرني عن أول كذبة كذبت من صاحبها؟ فقال عليه‌السلام: ابليس حين قال: «أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين». قال: أخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق و كانوا كاذبين؟ فقال عليه‌السلام: المنافقون حين قالوا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم «نشهد انك لرسول الله» فأنزل الله عزوجل في القرآن «اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله و الله يشهد ان المنافقين لكاذبون». قال: أخبرني عن طائر طار مرة و لم يطر قبلها و لا بعدها، ذكره الله عزوجل في القرآن ما هو؟ فقال عليه‌السلام: طور سيناء، اطاره الله عزوجل علي بني اسرائيل حتي أظلهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتي قبلوا التوراة و ذلك قوله عزوجل: «و اذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم». قال: فأخبرني عن رسول بعثه الله ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة، ذكره الله عزوجل في كتابه؟ فقال عليه‌السلام: الغراب حين بعثه الله عزوجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه [ صفحه 371] هابيل حين قتله. قال الله عزوجل: «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه». قال: أخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة ذكره الله تعالي في كتابه؟ فقال عليه‌السلام: النملة حين قالت: «يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده وهم لا يشعرون». قال: فأخبرني عمن كذب عليه ليس من الجن و لا من الانس و لا من الملائكة ذكره الله عزوجل في كتابه؟ فقال عليه‌السلام: الذئب الذي كذب عليه أخوة يوسف. قال: فأخبرني عن شي‌ء قليله حلال و كثيره حرام، ذكره الله عزوجل في كتابه؟ فقال عليه‌السلام: نهر طالوت، قال الله عزوجل: «الا من اغترف غرفة بيده». قال: فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلي بغير وضوء، و عن صوم لا يحجز عن أكل و شرب؟ فقال عليه‌السلام: أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة علي النبي و آله عليهم‌السلام، و أما الصوم فقوله عزوجل: «اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا». قال: فأخبرني عن شي‌ء يزيد و ينقص، و عن شي‌ء يزيد و لا ينقص، و عن شي‌ء ينقص و لا يزيد؟ فقال عليه‌السلام: أما الشي‌ء الذي يزيد و ينقص فهو القمر، و الشي‌ء الذي يزيد و لا ينقص فهو البحر، و الشي‌ء الذي ينقص و لا يزيد فهو العمر [96] . 14 - أقبل أبوجعفر عليه‌السلام في المسجد الحرام فنظر اليه قوم من قريش فقالوا: من هذا؟ [ صفحه 372] فقيل لهم امام أهل العراق. فقال بعضهم: لو بعثتم اليه بعضكم فسأله، فأتاه شاب منهم فقال له: يا عم أكبر الكبائر؟ فقال عليه‌السلام: شرب الخمر. فأتاهم فأخبرهم، فقالوا له: عد اليه، فعاد اليه. فقال له: ألم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر، ان شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا و السرقة و قتل النفس التي حرم الله عزوجل، و الشرك بالله عزوجل، و أفاعيل الخمر تعلو علي كل ذنب، كما تعلو شجرها علي كل الشجر [97] . 15 - سأله عالم النصاري في الشام: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون و يشربون و لا يحدثون؟ فقال عليه‌السلام: ان الجنين في بطن أمه يطعم و لا يحدث. فقال: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة غضة طرية موجودة عند جميع أهل الجنة؟ فقال عليه‌السلام: ان ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا عند جميع أهل الدنيا. قال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار. فقال عليه‌السلام: هي الساعة التي بين طلوع الشمس، يهدأ فيها المبتلي، و يرقد الساهر، و يفيق المغمي عليه. قال: أسألك عن مولودين ولدا في يوم واحد و ماتا في يوم واحد، عمر أحدهما خمسون سنة و الآخر مائة و خمسون سنة في دار الدنيا؟ فقال عليه‌السلام: عزير و عزيرة، ولدا في يوم واحد فلما بلغا خمسا و عشرين سنة مر عزير علي حماره بقرية أنطاكية و هي خاوية علي عروشها فقال: «أني يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام» ثم بعثه فمشي الي دار عزيرة أخيه و هو لا يعرفه، فاستضافه فأضافه، و أولاد أولاد عزيرة قد شاخوا، و عزير شاب في سن خمس [ صفحه 373] و عشرين سنة، فلم يزل يذكر أخاه و ولده و هم يذكرون ما يذكرهم و يقولون: ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور، و يقول عزيرة و هو ابن مائة و خمس و عشرين سنة: ما رأيت شابا في سن خمس و عشرين سنة أعلم بما كان بيني و بين أخي عزير أيام شبابي منك، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض؟ فقال له: أنا عزير، سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني و هداني، فأماتني مائة سنة، ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا ان الله علي كل شي‌ء قدير، و هذا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله لي كما كان، فعندها أيقنوا. فأعاشه الله بينهم خمسا و عشرين سنة، ثم قبضه الله و أخاه في يوم واحد، فكان عمره خمسين سنة، و عمر أخيه مائة و خمسين. فقال عالم النصاري لأصحابه: جئتموني بأعلم مني حتي فضحني، و الله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة [98] . 16 - أتي رجل من الخوارج أباجعفر عليه‌السلام فقال له: يا أباجعفر أي شي‌ء تعبد؟ قال: الله. قال: هل رأيته؟ فقال عليه‌السلام: لم تره العيون بمشاهدة العيان، و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس، و لا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات لا يجور في حكمه، ذلك الله الذي لا اله الا هو. فقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته [99] . 17 - سئل عليه‌السلام: لم فرض الله الصوم علي عباده؟ فقال عليه‌السلام: ليجد الغني مس الجوع فيحنو علي الضعيف [100] . 18 - سئل عليه‌السلام: عن الحديث يرسله و لا يسنده. [ صفحه 374] فقال: اذا حدثت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي‌زين‌العابدين، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه علي بن أبي‌طالب عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عن الله عزوجل [101] . 19 - سئل عليه‌السلام: فما النجاة غدا؟ قال: انما النجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم فانه من يخادع الله يخدعه، و يخلع الله منه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر. قيل له: كيف يخادع الله؟! فقال: يعمل بما أمر الله عزوجل به، ثم يريد به غيره فاتقوا الله و الرياء فانه شرك بالله عزوجل، ان المرائي يدعي يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، و لا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له [102] . 20 - سأله طاووس: متي هلك ثلث الناس؟ فقال عليه‌السلام: يا أباعبدالرحمن لم يمت ثلث الناس قط، يا شيخ أردت أن تقول: متي هلك ربع الناس، و ذلك يوم قتل قابيل هابيل كانوا أربعة: آدم وحواء و هابيل و قابيل، فهلك ربعهم. قال: فأيهما كان أبا للناس، القاتل أو المقتول؟ قال: لا واحد منهما أبوهم شيث [103] . 21 - قال جابر بن يزيد الجعفي سألته عن معني «لا حول و لا قوة الا بالله». قال: معناه لا حول لنا عن معصية الله الا بعون الله، و لا قوة لنا علي طاعة الله علي طاعة الله الا بتوفيق الله عزوجل [104] . [ صفحه 375]

ادعيته

اشاره

الأدعية من مسنونات أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، تعلموها من جدهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و علموها للأمة الاسلامية كوسيلة من وسائلهم الكثيرة في الدعوة الي الله، و توجيه المجتمع نحو الخير و العدل و الفضيلة. و مضافا لما تحمله هذه الأدعية من الحمد لله تعالي، و التقديس له جل شأنه، و الشكر علي نعمائه، و تنزيهه عن أوصاف المشبهين، و أوهام المجسمين، فهي تفيض بالتعاليم الأخلاقية، و المعارف السامية، و الآداب العالية. نذكر في هذه الصفحات بعض ما ورد من أدعيته عليه‌السلام:

من دعاء له كان يدعو به عند خروجه من الدار

«أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شرهذا اليوم الجديد، الذي أن غابت شمسه لم تعد، من شر نفسي، و من شر غيري، و من شر الشيطان، و من شر من نصب لأولياء الله، و من شر الجن و الانس، و من شر السباع و الهوام، و من شر ركوب المحارم كلها، أجير نفسي بالله من كل سوء» [105] .

من دعاء له علمه محمد بن مسلم و قال له

حافظ عليه كما تحافظ علي عينيك: «سبحان الله، و لا اله الا الله، و الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، و لم يكن له شريك في الملك، و لم يكن له ولي من الذل، و كبره تكبيرا» [106] . [ صفحه 376]

من دعاء له بعد صلاة العشاء

«اللهم بحق محمد و آل محمد، صل الله محمد و آل محمد، و لا تؤمنا مكرك، و لا تنسنا ذكرك، و لا تكشف عنا سترك، و لا تحرمنا فضلك، و لا تحل علينا غضبك، و لا تباعدنا من جوارك، و لا تنقصنا من رحمتك، و لا تنزع عنا بركاتك، و لا تمنعنا عافيتك، و اصلح لنا ما أعطيتنا وزدنا من فضلك المبارك الطيب الحسن الجميل، ولا تغير ما بنا من نعمتك، و لا تؤيسنا من روحك، و لا تهنا بكرامتك، و لا تضلنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب، اللهم اجعل قلوبنا سالمة و أرواحنا طيبة، و ألسنتنا صادقة، و ايماننا دائما و يقينا صادقا، و تجارتنا لا تبور، ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا برحمتك عذاب النار» [107] .

من دعاء له عند النوم

«بسم الله، اللهم اني أسلمت نفسي اليك، و وجهت وجهي اليك، و فوضت أمري اليك، و ألجأت ظهري اليك، توكلت عليك رهبة منك و رغبة اليك، لا منجي و لا ملجا منك الا اليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، و برسولك الذي أرسلت» ثم يسبح تسبيح الزهراء عليهاالسلام [108] .

من دعاء له كان يدعو به بعد صلاة الليل

«لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و يميت و يحيي، و هو حي لا يموت بيده الخير و هو علي كل شي‌ء قدير، اللهم لك الحمد يا رب، أنت نور السماوات و الأرض فلك الحمد و أنت قوام السماوات و الأرض فلك الحمد، و أنت جمال السموات و الأرض فلك الحمد، و أنت صريخ المستصرخين فلك الحمد، و أنت غياث المستغيثين فلك الحمد، و أنت تحبيب دعوة المضطرين فلك الحمد، و أنت أرحم الراحمين فلك الحمد، اللهم بك تنزل كل حاجة فلك الحمد، و بك يا الهي أنزلت حوائجي الليلة فاقضها لي يا قاضي الحوائج، اللهم أنت [ صفحه 377] الحق، و قولك الحق، و وعدك الحق، و أنت ملك الحق، أشهد أن لقائك الحق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أنك تبعث من في القبر، اللهم لك أسلمت، و بك آمنت، و عليك توكلت، و بك خاصمت، و اليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت و أخرت و أسررت و أعلنت، انك الحي الذي لا اله الا أنت» [109] . [ صفحه 378]

شعره

سبق منا القول في حياة الأئمة عليهم‌السلام، و أنها حلقات متواصلة في اصلاح المسلمين، حافلة بالتوجيه و الارشاد، و أنهم عليهم‌السلام يسلكون كل السبل للتوعية فمرة بالخطب، و أخري بالوصايا، و ثالثة بالقاء الدروس و رابعة بنثر درر الحكم و المعارف، و الشعر ديوان العرب و فاكهة المجالس، و أنيس النفوس، يستريح الانسان باستماعه، و يأنس بانسياقه، و جريا مع الناس في هذا الاتجاه جاء شعر الأئمة عليهم‌السلام، جاء متمشيا مع اتجاههم في الدعوة الي الخير، و الحث علي الفضيلة، و الأمر بمكارم الأخلاق. و في الوقت الذي يحفظ لنا التاريخ هذا اللون من شعر الأئمة عليهم‌السلام، يحفظ لغيرهم ما قالوه في الغزل و التشبيب و المجون و التعريض بالناس، و هذا وحده كاف للفرق و بين الأئمة عليهم‌السلام و غيرهم. نذكر بعض ما ورد من شعره عليه‌السلام: 1 - قال عليه‌السلام في أهل البيت: فنحن علي الحوض ذواده نذود و يسعد وراده فما فاز من فاز الا بنا و ما خاب من حبنا زاده فمن سرنا نال منا السرور و من ساءنا ساء ميلاده و من كان غاصبنا حقنا فيوم القيامة ميعاده [110] . [ صفحه 379] 2 - و له عليه‌السلام في العجب: عجبت من معجب بصورته و كان من قبل نطفة مذرة و في غد بعد خسف صورته يصير في القبر جيفة قذرة و هو علي عجبه و نخوته ما بين جنبيه يحمل العذرة [111] . 3 - و له عليه‌السلام مخاطبا العصاة: تعصي الاله و أنت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته ان المحب لمن أحب مطيع [112] . 4 - و نقش علي خاتمه: ظني بالله حسن و بالنبي المؤتمن و بالوصي ذي المنن و بالحسين و الحسن [113] . [ صفحه 380]

تعليمه عبدالملك علي سك الدراهم و الدنانير

أجمع رجال التاريخ و السير علي أن الامام أميرالمؤمنين عليه‌السلام بقي في عهد من تقدمه من الخلفاء المفزع للمهمات، و الملجأ عند الشدائد، فكم من مرة ترد علي من سبقه معضلة يعجز عنها و يعجز عنها المسلمون، فيصيرون اليه فيكشفها عنهم، و قد ذكر المؤرخون و أهل السير و التراجم كلمات عمر بن الخطاب في ذلك، كقوله: «لا أبقاني الله بعد ابن أبي‌طالب» و «لولا علي لهلك عمر» و «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبوالحسن» و قد ألف جماعة من العلماء كتبا في أقضيته عليه‌السلام، و ما حله من مشاكل وردت علي من تقدمه، و بقي أبناءه عليهم‌السلام المفزع و الملجأ لما يرد علي حكام زمانهم من مشاكل و معضلات يعجزون عنها، و لا يهتدون لحلها، فيرجعون بها اليهم، و يستسلمون عندها لأمرهم. نذكر في هذه الصفحات حادثة وقعت لعبد الملك بن مروان، و رجوعه الي الامام عليه‌السلام فيها، و امتثاله بما أشار به عليه. قال الكسائي: دخلت علي الرشيد ذات يوم و هو في ايوانه، و بين يديه مال كثير، قد شق عنه البدر شقا، و أمر بتفريقه في خدم الخاصة، و بيده درهم تلوح كتابته، و هو يتأمله و كان كثيرا ما يحدثني. فقال: هل علمت من أول سن هذه الكتابة في الذهب و الفضة؟ قلت: يا سيدي هذا عبدالملك بن مروان. قال: فما كان السبب في ذلك؟ قلت: لا علم لي في غير أنه أول من أحدث هذه الكتابة. [ صفحه 381] قال: سأخبرك: كانت القراطيس للروم، و كان أكثر من بمصر نصرانيا علي دين الملك، ملك الروم، و كانت تطرز بالرومية، و كان طرازها: أبا و ابنا و روحا قديسا، فلم يزل كذلك صدر الاسلام كله يمضي علي ما كان عليه، الي أن ملك عبدالملك فتنبه عليه، و كان فطنا، فبينا هو ذات يوم اذ مر به قرطاس فنظر الي طرازه، فأمر أن يترجم بالعربية، ففعل ذلك فأنكره، و قال: ما أغلظ هذا في أمر الدين و الاسلام، أن يكون طراز القراطيس و هي تحمل في الأواني و الثياب، و هما يعملان بمصر و غير ذلك مما يطرز من ستور و غيرها من عمل هذا البلد علي سعته، و كثرة ماله و أهله، تخرج منهم هذه القراطيس فتدور في الآفاق و البلاد و قد طرزت بشرك مثبت عليها فأمر بالكتابة الي عبدالعزيز بن مروان، و كان عامله بمصر، بأبطال ذلك الطراز علي ما كان يطرز به من ثوب و قرطاس و ستر و غير ذلك، و أن يأخذ صناع القراطيس بتطريزها بسورة التوحيد و «شهد الله أنه لا اله الا هو» و هذا طراز القراطيس خاصة الي هذا الوقت لم ينقص و لم يزد و لم يتغير، و كتب الي عمال الآفاق جميعا بابطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، و معاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي شي‌ء منها بالضرب الوجيع، و الحبس الطويل، فلما أثبت القراطيس بالطراز المحدث بالتوحيد و حمل الي بلاد الروم منها، انتشر خبرها، و وصل الي ملكهم فترجم له ذلك الطراز فأنكره و غلظ عليه فاستشاط غضبا و كتب الي عبدالملك ان عمل القراطيس بمصر و سائر ما يطرز هناك للروم، و لم يزل يطرز بطراز الروم الي أن أبطلته، فان كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، و ان كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختبر من هاتين الخلتين أيهما شئت و أحببت، و قد بعثت اليك بهدية تشبه محلك، و أحببت أن تجعل رد ذلك الطراز الي ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الاعلاق، حاجة أشكرك عليها، و تأمر بقبض الهدية، و كانت عظيمة القدر، فلما قرأ عبدالملك كتابه رد الرسول، و أعلمه أن لا جواب له، و لم يقبل الهدية. فانصرف بها الي صاحبه، فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول الي عبدالملك و قال: اني ظننتك استقللت الهدية فلم تقبلها، ولم تجبني عن كتابي، فأضعفت لك الهدية، و أنا أرغب اليك في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز الي ما كان عليه أولا. [ صفحه 382] فقرأ عبدالملك الكتاب و لم يجبه، ورد الهدية. فكتب اليه ملك الروم يقتضي أجوبة كتبه، و يقول: انك قد استخففت بجوابي و هديتي، و لم تسعفني بحاجتي فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها، فجريت علي سبيلك الأول، و قد أضعفتها ثالثة، و أنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز الي ما كان عليه أو لآمرن بنقش الدنانير و الدراهم، فانك تعلم أنه لا ينقش شي‌ء منها الا ما ينقش في بلادي، - و لم تكن الدراهم و الدنانير نقشت في الاسلام - فينقش عليها من شتم نبيك ما اذا قرأته ارفض جبينك له عرقا، فأحب أن تقبل هديتي، و ترد الطراز الي ما كان عليه، و تجعل ذلك هدية بررتني بها، و تبقي علي الحال بيني و بينك. فلما قرأ عبدالملك الكتاب غلظ عليه، و ضاقت به الأرض، و قال: احسبني أشأم مولود ولد في الاسلام، لأني جنيت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من شتم هذا الكافر ما يبقي غابر الدهر، و لا يمكن محوه من جميع مملكة العرب، اذ كانت المعاملات تدور بين الناس بدنانير الروم و دراهمهم. و جمع أهل الاسلام و استشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأيا يعمل به. فقال له روح بن زنباغ: انك لتعلم الرأي و المخرج من هذا الأمر و لكنك تتعمد تركه. فقال: ويحك من؟ قال: الباقر من أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم. قال: صدقت، و لكنه ارتج علي الرأي فيه، فكتب الي عامله بالمدينة: أن أشخص الي محمد بن علي بن الحسين مكرما، و متعه بمائتي ألف درهم لجهازه، و بثلاثمائة ألف درهم لنفقته، و أزح علته في جهازه و جهاز من يخرج معه من أصحابه، و احتبس الرسول قبله الي موافاته عليه، فلما وافي أخبره الخبر. فقال له الباقر: لا يعظمن هذا عليك، فانه ليس بشي‌ء من جهتين: أحدهما: ان الله جل و عز لم يكن ليطلق ما يهددك صاحب الروم في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 383] و الأخري: وجود الحيلة فيه. قال: و ما هي؟ قال: تدعو في هذه الساعة بصناع يضربون بين يديك سككا للدراهم و الدنانير، و تجعل النقش عليها سورة التوحيد و ذكر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أحدهما في وجه الدرهم و الدينار، و الآخر في الوجه الثاني، و تجعل في مدار الدرهم و الدينار ذكر البلد الذي يضرب فيه، و السنة التي تضرب فيها تلك الدراهم و الدنانير، و تعمد الي وزن ثلاثين درهما عددا من الثلاثة الأصناف التي العشرة منها عشرة مثاقيل، و عشرة منها وزن ستة مثاقيل و عشرة منها وزن خمسة مثاقيل، فتكون أوزانها جميعا واحدا و عشرين مثقالا، فتجزؤها من الثلاثين فتصير العدة من الجميع وزن سبعة مثاقيل و تصب سنجات من قوارير لا تستحيل الي زيادة و لا نقصان، فتضرب الدراهم علي وزن عشرة، و الدنانير علي وزن سبعة مثاقيل، و كانت الدراهم في ذلك الوقت انما هي الكسروية، التي يقال لها اليوم البغيلية، لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكه كسروية في الاسلام، مكتوب عليها صورة الملك، و تحت الكرسي مكتوب بالفارسية (نوش خر) أي كل هنيئا، و كان وزن الدرهم منها قبل الاسلام مثقالا، و الدراهم التي كانت وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل، و العشرة وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف و الثقال، و نقشها نقش فارس. ففعل عبدالملك ذلك، و أمره محمد بن علي بن الحسين أن يكتب السكك في جميع بلدان الاسلام، و أن يتقدم الي الناس في التعامل بها، و أن يتهددوا بقتل من يتعامل بغير هذه السكك من الدراهم و الدنانير و غيرها، و أن تبطل و ترد الي مواضع العمل حتي تعاد علي السكك الاسلامية. ففعل عبدالملك ذلك، ورد رسول ملك الروم اليه يعلمه بذلك. و يقول: ان الله جل و عز مانعك مما قدرت أن تفعله، و قد تقدمت الي عمالي في أقطار الأرض بكذا، و بابطال السكك و الطراز الرومية. فقيل لملك الروم: افعل ما كنت تهددت به ملك العرب. [ صفحه 384] فقال: انما أردت أن أغيظه بما كتبت به اليه، لأني كنت قادرا عليه، و المال و غيره برسوم الروم فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الاسلام. و امتنع من الذي قال، و ثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين الي اليوم. قال: ثم رمي بالدرهم الي بعض الخدم و قال: علي بالخازن الخ [114] . [ صفحه 385]

مع هشام بن عبدالملك

شاءت الظروف تنحية الأئمة عليهم‌السلام عن مناصبهم التي نصبهم الله فيها و رسوله، و جعلهم أجلاس بيوتهم لا يأمرون و لا ينهون، و الأمر و الحكم لأبناء الطلقاء، و أحفاد الوزغ و لم يكتف الحكام الظالمين من الأئمة بغصبهم مقامهم، و أخذهم حقهم، حتي تتبعوهم قتلا و حبسا و تشريدا، حتي قال الامام زين العابدين: لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصية بنا لما زادوا علي ما فعلوا [115] . عاصر الامام أبوجعفر عليه‌السلام عددا من الحكام الأمويين، و كان أشد دور مر عليه هو دور هشام بن عبدالملك، فقد قتل أخاه زيدا، و سحبه الي الشام، و أسمعه ما يكره. و قد نقل المؤرخون بعض ما دار بين الامام عليه‌السلام و هشام من الأسئلة و المحاورات و الحوادث و تمشيا في خطتنا في هذه السلسلة من الاختصار، نذكر حادثة وقعت للامام عليه‌السلام مع هشام تتجلي بها عظمة الأئمة عليهم‌السلام، و سبقهم الناس الي كل فضيلة و كمال. قال الامام الصادق عليه‌السلام: أنفذ هشام بريدا الي عامل المدينة بأشخاص أبي، فاشخصنا معه، فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا، ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا و اذا قد قعد علي سرير الملك، و جنده و خاصته وقوف علي أرجلهم سماطان مسلحان، و قد نصب البرجاس حذاه و أشياخ قومه يرمون، فلما دخلنا و أبي امامي و أنا خلفه، فنادي أبي و قال: يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض. [ صفحه 386] فقال له: اني قد كبرت عن الرمي، فهل رأيت أن تعفيني؟ فقال: و حق من أعزنا بدينه و نبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم لا أعفيك. ثم أومأ الي شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ، ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمي وسط الغرض، فنصبه فيه، ثم رمي فيه الثانية فشق فوق سهمه الي نصله، ثم تابع الرمي حتي شق تسعة أسهم بعضا في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه، فلم يتمالك الي أن قال، أجدت يا أباجعفر و أنت أرمي العرب و العجم هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي، ثم أدركته ندامة علي ما قال، و كان هشام لم يكن أحدا قبل أبي و لا بعده في خلافته، فهم به، و أطرق الي الأرض اطراقة يتروي فيه، و أبي واقف حذاه، مواجهين له، فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به، و كان أبي عليه‌السلام اذا غضب نظر الي السماء نظر غضبان يري الناظر الغضب في وجهه، فلما نظر هشام الي ذلك من أبي قال له: الي يا محمد، فصعد أبي الي السرير و أنا أتبعه، فلما دنا من هشام قام اليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه، ثم اعتنقني و أقعدني عن يمين أبي، ثم اقبل علي أبي بوجهه فقال له: يا محمد لا تزال العرب و العجم يسودها قريش مادام فيهم مثلك لله درك، من علمك هذا الرمي، و في كم تعلمته؟ فقال أبي: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثني ثم تركته، فما أراد أميرالمؤمنين مني ذلك عدت فيه. فقال له: ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت، و ما ظننت أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي، أيرمي جعفر مثل رميك؟ فقال: أنا نحن نتوارث الكمال و التمام اللذين أنزلهما الله علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم في قوله: «اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا» و الأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها. قال: فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمني فاحولت، و احمر وجهه، و كان ذلك علامة غضبه اذا غضب، ثم أطرق هنيئة، ثم رفع رأسه فقال لأبي: ألسنا بنو عبدمناف نسبنا و نسبكم واحد؟ [ صفحه 387] فقال أبي: نحن كذلك، و لكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره، و خالص علمه، بما لم يخص أحدا به غيرنا. فقال: أليس الله جل ثناؤه بعث محمدا صلي الله عليه و آله و سلم من شجرة عبدمناف الي الناس كافة، ابيضها و اسودها و احمرها، من أين ورثتم ما ليس لغيركم، و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مبعوث الي الناس كافة، و ذلك قول الله تبارك و تعالي: «و لله ميراث السموات و الأرض» الي آخر الآية، فمن أين ورثتم هذا العلم، و ليس بعد محمد نبي، و لا أنتم أنبياء؟ فقال: من قوله تعالي لنبيه عليه‌السلام: «لا تحرك به لسانك لتعجل به» الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا، فلذلك كان ناجي أخاه عليا من دون أصحابه، فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله: «و تعيها أذن واعية» فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأصحابه: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي‌طالب صلوات الله عليه بالكوفة: علمني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ألف باب من العلم، يفتح لي من كل باب ألف باب، فكما خص الله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم خص نبيه أخاه عليا من مكنون سره، بما لم يخص به أحدا من قومه، حتي صار الينا فتوارثناه من دون أهلنا. فقال هشام بن عبدالملك: ان عليا كان يدعي علم الغيب، والله لم يطلع علي غيبه أحدا، فمن أين ادعي ذلك؟ فقال أبي: ان الله جل ذكره أنزل علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم كتابا بين فيه ما كان و ما يكون الي يوم القيامة، في قوله تعالي: «و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي‌ء و هدي و رحمة و بشري للمسلمين» و في قوله: «و كل شي‌ء أحصيناه في امام مبين» و في قوله: «ما فرطنا في الكتاب من شي‌ء» و أوحي الله الي نبيه أن لا يبقي في غيبه و سره و مكنون علمه شيئا الا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، و يتولي غسله و تكفينه و تحنيطه من دون قومه، و قال لأصحابه: حرام علي أصحابي و أهلي أن ينظروا الي عورتي غير أخي علي، فانه مني و أنا منه، له ما لي و عليه ما علي، و هو قاضي ديني، و منجز وعدي، ثم قال لأصحابه: علي بن أبي‌طالب يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله، و لم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله و تمامه الا عند علي عليه‌السلام، و لذلك [ صفحه 388] قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأصحابه: أقضاكم علي، أي هو قاضيكم، و قال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر و يجحده غيره. فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال: سل حاجتك؟ فقال: خلفت عيالي مستوحشين لخروجي. فقال: قد آنس الله وحشتهم برجوعك اليهم، و لا تقم، سر من يومك، فاعتنقه أبي و دعا له، و فعلت أنا كفعل أبي، ثم نهض و نهضت معه و خرجنا [116] . [ صفحه 389]

كلمات العلماء و العظماء

منذ الصدر الأول و حتي اليوم و الأمة الاسلامية مجمعة بأسرها علي أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام علي من سواهم من المسلمين، و أحقيتهم لمنصب الخلافة، و هذه كتب التاريخ، و السير، و التراجم، حافلة بكلمات العلماء، و العظماء، في اطرائهم، و الثناء عليهم، و اكبار مقامهم، و ذكر فضائلهم و مناقبهم. و لو استقصي الباحث كل هذه الكلمات لكانت موسوعة كثيرة الأجزاء. نذكر بعض كلماتهم في الامام أبي‌جعفر الباقر عليه‌السلام: 1 - قال له جابر بن عبدالله الأنصاري: أنت ابن خير البرية، و جدك سيد شباب أهل الجنة، وجدتك سيدة نساء العالمين [117] . 2 - سأل رجل ابن‌عمر مسألة فلم يدر بما يجيبه فقال: اذهب الي ذلك الغلام فاسأله و اعلمني بما يجيبك و أشار له الي محمد الباقر فأتاه و سأله فأجابه، فرجع الي ابن‌عمر فأخبره، فقال ابن‌عمر: انهم أهل بيت مفهمون [118] . 3 - كان جابر بن يزيد الجعفي اذا روي عن محمد بن علي عليهماالسلام يقول: حدثني وصي الأوصياء و وارث علم الأنبياء، محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام [119] . 4 - قال له الأبرش الكلبي بعدما سأله فأجابه: أنت ابن رسول الله حقا؛ ثم [ صفحه 390] صار الي هشام فقال: دعونا منكم يا بني أمية، ان هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء و الأرض فهذا ولد رسول الله [120] . 5 - قال أبواسحاق: لم أر مثله قط [121] . 6 - قال عبدالله بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي‌جعفر محمد بن علي بن الحسين، و لقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه [122] . 7 - قال الحكم بن عتيبة في قوله تعالي: «ان في ذلك لأيات للمتوسمين» كان والله محمد بن علي منهم [123] . 8 - كتب عبدالملك الي عامل المدينة: ان ابعث الي محمد بن علي مقيدا. فكتب اليه العامل: ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أميرالمؤمنين، و لا ردا لأمرك، و لكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك، و شفقة عليك، ان الرجل الذي أردته ليس اليوم علي وجه الأرض اعف منه و لا أزهد و لا أورع منه، و انه من أعلم الناس، و أرق الناس، و أشد الناس اجتهادا و عبادة، و كرهت لأميرالمؤمنين التعرض له فان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. فسر عبدالملك بما أنهي اليه الوالي، و علم أنه قد نصحه [124] . 9 - قال له هشام بن عبدالملك - الخليفة الأموي -: الله ما جربت عليك كذبا [125] . و قال له أيضا: لاتزال العرب و العجم يسودها قريش ما دام فيهم مثلك [126] . 10 - قال له قتادة بن دعامة البصري: لقد جلست بين يدي الفقهاء، و قدام ابن‌عباس، فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب قدامك [127] . [ صفحه 391] 11 - قال له عبدالله بن معمر الليثي: ما أحسب صدوركم الا منابت أشجار العلم، فصار لكم ثمره و للناس ورقه [128] . قال أبوزرعة: ان أباجعفر لأكبر العلماء [129] . 12 - قال شمس الدين محمد بن طولون: و خامسهم ابنه محمد، و هو أبوجعفر محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب رضي الله عنهم، الملقب بالباقر، و هو والد جعفر الصادق رضي الله عنهما، كان الباقر عالما، سيدا كبيرا و انما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم، أي توسع و التبقير التوسيع، و فيه يقول الشاعر: يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل [130] . 13 - قال محمد بن طلحة الشافعي: هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه، و متفوق دره وراضعه. صفا قلبه، و زكا عمله، و طهرت نفسه، و شرفت أخلاقه، و عمرت بطاعة الله أوقاته، و رسخت في مقام التقوي قدمه، و ظهرت عليه سمات الازدلاف، و طهارة الاجتباء [131] . 14 - قال ابن أبي‌الحديد في شرح النهج: كان محمد بن علي بن الحسين سيد فقهاء الحجاز، و منه و من ابنه جعفر تعلم الناس الفقه [132] . 15 - قال أبونعيم الأصبهاني: و منهم الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبوجعفر، محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، و من جمع حسب الدين و الأبوة، تكلم في العوارض و الخطرات، و سفح الدموع و العبرات، و نهي عن المراء و الخصومات الخ [133] . [ صفحه 392] 16 - قال أحمد بن يوسف الدمشقي القرماني: الفصل الرابع، في ذكر منبع الفضائل و المفاخر، الامام محمد بن علي الباقر رضي الله عنه، و انما سمي بالباقر لأنه بقر العلم، و قد قيل: لقب بالباقر لما روي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي يبقر العلم بقرا، أي يفجر تفجيرا، فاذا رأيته فاقرأه مني السلام. و كان خليفة أبيه من بين أخوته، و وصيه و القائم بالامامة من بعده [134] . 17 - قال علي بن محمد بن أحمد المالكي - ابن‌الصباغ -: و كان محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام مع ما هو عليه من العلم و الفضل و السؤدد و الرياسة و الامامة، ظاهر الجود في الخاصة و العامة، و مشهور الكرم في الكافة، معروفا بالفضل و الاحسان مع كثرة عياله و توسط حاله [135] . 18 - قال شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي‌بكر بن خلكان: أبوجعفر محمد بن علي بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب رضي الله عنهم أجمعين الملقب بالباقر، أحد الأئمة الاثني عشر... و كان الباقر عالما سيدا كبيرا، و انما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم، أي توسع، و التبقر التوسع، و فيه يقول الشاعر: يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل [136] . 19 - قال أحمد بن حجر: وارثه - أي الامام زين العابدين - منهم عبادة و علما، و زهادة أبوجعفر محمد الباقر سمي بذلك من بقر الأرض، أي شقها و أثار مخبآتها و مكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، و حقائق الأحكام و الحكم و اللطائف، ما لا يخفي الا علي منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية و السريرة، و من ثم قيل فيه: هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه، صفا قلبه، و زكا عمله، [ صفحه 393] و طهرت نفسه، و شرف خلقه، و عمرت أوقاته بطاعة الله، و له من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه السنة الواصفين، و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف لا تحتملها هذه العجالة، و كفاه شرفا أن ابن المديني روي عن جابر أنه قال له و هو صغير: رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يسلم عليك، فقيل له و كيف ذلك؟ قال: كنت عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جالسا، و الحسين في حجره و هو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه علي، اذا كان يوم القيامة نادي مناد: ليقم سيد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فاذا أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام [137] . 20 - قال يوسف بن اسماعيل النبهاني: محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين، رضي الله عنهم أحد أئمة ساداتنا أهل البيت الكرام، و واحد أعيان العلماء الأعلام... الخ [138] . 21 - قال محمد بن أبي‌بكر الشلي: الامام الكبير العلم الشهير، ذي الفضل الواسع و الذكر الشاسع، ولد بالمدينة الشريفة... و يكني أباجعفر، و لقب بالباقر لتبقره في العلم، و هو توسعه و فيه يقول القائل: يا باقر العلم لأهل التقي و خير من لبي علي الأجبل و قال: و كان يعطي الألف مع كثرة عياله، و توسط حاله [139] . 22 - قال محمد أمين البغدادي السويدي: و كان خليفة أبيه من بين أخوته و وصيه و القائم بالأمر من بعده، و لم يظهر عن أحد من أولاد الحسين من علم الدين و السنن و السير و فنون الأدب، ما ظهر عن أبي‌جعفر رضي الله عنه. و قال: و مناقبه رضي الله عنه كثيرة لا يسعها مثل هذا الوضع [140] . [ صفحه 394] 23 - قال علي جلال الحسيني: كان واسع العلم، وافر الحلم [141] . 24 - قال أحمد فهمي محمد: أبوجعفر محمد الباقر، فهو غرة الدهر، و درة العصر، ولد في غرة صفر سنة 57 من الهجرة، فهو هاشمي من هاشميين، علوي من علويين، فاطمي من فاطميين، و أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين رضي الله عنهما، و لقب بالباقر لتبقره في العلم و تبحره فيه، و في لسان العرب: لقب به لأنه بقر العلم و عرف أصله، و استنبط فرعه، و توسع فيه، و التبقر التوسع [142] . [ صفحه 395]

خاتمة المطاف

بعد أن مر عليك هذا الموجز من حياة الامام أبي‌جعفر عليه‌السلام، و قرأت فيه القليل من أقواله، و استمعت فيه الي اليسير من سيرته و أعماله، فالجدير أن يكون هذا الكتاب دعوة لي و لك للسير حذو منهج هذا الامام العظيم، مقتفين لآثاره، ميممين نحو هدفه «ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن ءامنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفر عنا سيئاتنا و توفنا مع الأبرار ربنا و ءاتنا ما وعدتنا علي رسلك و لا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد» [آل عمران: 194]. اللهم أعنا علي أنفسنا بما تعين به الصالحين علي أنفسهم، و خذ بأيدينا لما يسعدنا في آخرتنا و دنيانا انك سميع مجيب، و جنبنا مزالق السوء، و مرابض الفتن، و دعاة الشر انك أنت العزيز القدير.

پاورقي

[1] بحارالأنوار 11 / 83.
[2] أعيان الشيعة 4 ق 2 / 28.
[3] و يروي: في الثالث من صفر.
[4] أعيان الشيعة 4 ق 2 / 65.
[5] أنظر كتاب كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الاثني عشر، و كتاب مقتضب الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر، و كتاب الاستنصار في النص علي الأئمة الأطهار، و كلها مطبوع متداول، و غيرها كثير.
[6] الارشاد 281.
[7] كفاية الأثر.
[8] كفاية الأثر.
[9] اثبات الوصية 142. [
[10] اثبات الهداة 5 / 263.
[11] مطالب السؤول ص 81.
[12] تاريخ اليعقوبي 3 / 63.
[13] المناقب 2 / 285.
[14] سبائك الذهب 72.
[15] أعيان الشيعة 4 ق 2 / 48.
[16] مطالب السؤول 2 / 52. كشف الغمة 211. نور الأبصار 207. الفصول المهمة 197. صفة الصفوة 2 / 62.
[17] صفة الصفوة 2 / 62. الفصول المهمة 194 نور الأبصار 130. كشف الغمة 211.
[18] المشرع الروي ص 37.
[19] أنظر كتابنا (سيرة الأئمة) اصدار منابع الثقافة الاسلامية - كربلاء.
[20] كشف الغمة ص 221.
[21] الفصول المهمة 196. كشف الغمة 213.
[22] ثواب الأعمال 185.
[23] مطالب السؤول 2 / 52، كشف الغمة 211.
[24] بحارالأنوار 11 / 86.
[25] الدمعة الساكبة 415.
[26] الدمعة الساكبة 416.
[27] أي الباقر أو الصادق عليهماالسلام.
[28] ثواب الأعمال 142.
[29] نور الابصار 207. كشف الغمة 211. الفصول المهمة 197. صفة الصفوة 2 / 63. مطالب السؤول 2 / 53.
[30] كشف الغمة 214. أعيان الشيعة 4 ق 2 / 49.
[31] صفة الصفوة 2 / 63. الفصول المهمة 197. كشف الغمة 211. مطالب السؤول 2 / 53. أعيان الشيعة 4 ق 2 / 49.
[32] كشف الغمة 214، و ذكر اجازته عليه‌السلام بالمبلغ المذكور، في كل من مطالب السؤول 2 / 53 الفصول المهمة 197. أعيان الشيعة 4 ق 2 / 49. صفة الصفوة 2 / 63.
[33] بحارالأنوار 11 / 86.
[34] أعيان الشيعة 4 ق 2 / 28.
[35] رجال الكشي 109.
[36] المناقب 2 / 275.
[37] الارشاد 279.
[38] المناقب 2 / 284.
[39] المناقب 2 / 295.
[40] حلية الأولياء 3 / 188.
[41] كتفسير علي بن ابراهيم القمي، و فرات الكوفي، و العياشي، و الحويزي، و السيد البحراني.
[42] تفسير البرهان 2 / 417.
[43] تفسير البرهان 2 / 429.
[44] نور الأبصار 207.
[45] التوحيد 168.
[46] بحارالأنوار 17 / 167.
[47] تفسير البرهان 3 / 329.
[48] التوحيد 153.
[49] تفسير البرهان 4 / 64.
[50] الغيبة للنعماني 44.
[51] تفسير البرهان 4 / 195.
[52] تفسير البرهان 4 / 237.
[53] تفسير علي بن ابراهيم 684.
[54] كشف الغمة 215.
[55] المناقب: 2 / 29، بحارالأنوار: 11 / 91.
[56] كناية عن القيام بخدمته.
[57] المناقب: 2 / 28، أصول الكافي: 1 / 471.
[58] المدخل الي موسوعة العتبات المقدسة، 202.
[59] تذكرة الخواص: 191.
[60] المناقب: 2 / 293، بحارالأنوار: 11 / 94، الخصال: 105.
[61] حلية الأولياء: 3 / 187.
[62] أعيان الشيعة 4 ق، 2 / 74.
[63] تحف العقول: 213.
[64] بحارالأنوار: 166 - 17.
[65] بحارالأنوار: 17 / 168-167.
[66] المصدر نفسه.
[67] بحارالأنوار: 17 / 168.
[68] تذكرة الخواص: 191.
[69] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 74-71.
[70] الارشاد، ص 284.
[71] كشف الغمة: 216 - 215.
[72] نور الأبصار: 209.
[73] حلية الأولياء: 3 / 188-181.
[74] المشرع الروي: 37.
[75] تحف العقول: 219.
[76] بحارالأنوار: 17 /168.
[77] الخصال، 105،112.
[78] الخصال، 38 و 48 و 131.
[79] أصول الكافي، 440.
[80] وسائل الشيعة: 11 / 230 و 238.
[81] بحارالأنوار: 96 / 158.
[82] بصائر الدرجات. البرهان في تفسير القرآن: 1 / 47.
[83] الهيئة و الاسلام، 236.
[84] كشف الغمة، 213.
[85] المناقب: 2 / 287.
[86] بحارالأنوار: 11 / 87.
[87] الآخرة و العقل لمغنية، 136.
[88] بحارالأنوار: 17 / 168.
[89] المناقب: 2 / 291.
[90] المناقب: 2 / 291.
[91] المناقب: 2 / 291.
[92] المصدر نفسه.
[93] المناقب: 2 / 888.
[94] المناقب: 2 / 289.
[95] المناقب: 2 / 289.
[96] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 42.
[97] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 43.
[98] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 46.
[99] التوحيد، 108. [
[100] كشف الغمة، 221.
[101] اعلام الوري، 264.
[102] تفسير البرهان: 1 / 60.
[103] المناقب: 2 / 288.
[104] التوحيد، 242.
[105] عدة الداعي 210 قال: من قالها غفر الله له، و تاب عليه، و كفاه المهم، و حجزه عن السوء، و عصمه من الشر.
[106] مفتاح الفلاح، 146.
[107] الجنة الواقية للداماد.
[108] مفتاح الفلاح 212.
[109] الجنة الواقية للكفعمي، 30.
[110] كشف الغمة 218 بحارالأنوار: 11 / 77. و نسبها بعضهم للامام زين‌العابدين عليه‌السلام.
[111] أعيان الشيعة، 4 ق: 2 / 80.
[112] تحف العقول، 214.
[113] الدمعة الساكبة، 402.
[114] المحاسن و المساوي‌ء للبيهقي: 2 / 129.
[115] انظر الكتاب الرابع من هذه السلسلة.
[116] بحارالأنوار: 11 / 88.
[117] الدمعة الساكبة، 403.
[118] المناقب: 2 / 286.
[119] كشف الغمة 213. أمالي الشيخ الصدوق، 104.
[120] المناقب: 2 / 286.
[121] أعيان الشيعة 4 ق، 2 / 20.
[122] بحارالأنوار: 11 / 82.
[123] كشف الغمة 212.
[124] أعيان الشيعة 4 ق، 2 / 85.
[125] المناقب: 2 / 278.
[126] بحارالأنوار: 11 / 88.
[127] أعيان الشيعة 4 ق: 2 / 39.
[128] كشف الغمة، 221.
[129] المناقب: 2 / 271.
[130] الأئمة الاثنا عشر: 81.
[131] مطالب السؤول: 80.
[132] المدخل الي موسوعة العتبات المقدسة، 201.
[133] حلية الأولياء: 3 / 180.
[134] أخبار الدور 111.
[135] الفصول المهمة 201.
[136] وفيات الأعيان: 3 / 314.
[137] الصواعق المحرقة 120.
[138] جامع كرامات الأولياء: 1 / 97.
[139] المشرع الروي 37.
[140] سبائك الذهب 72.
[141] الحسين: 2 / 206.
[142] أنظر كتابه (الامام زين العابدين).

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.