سيرة الائمة الاثني عشر علیهم السلام

اشارة

عنوان و نام پديدآور : سيرة الائمة الاثني عشر/هاشم معروف الحسني

مشخصات نشر : [بي جا]: مكتبة الحيدريه، 1428ق.=1386ش.

مشخصات ظاهري : ج.

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي

يادداشت : الطبعة السادسة

شماره كتابشناسي ملي : 1161373

الامام الصادق

ولد الامام الصادق (ع) في اوائل النصف الثاني من شهر ربيع الأول و قيل في مطلع رجب من سنة ثلاث و ثمانين للهجرة كما جاء في رواية المفيد والكليني و قيل سنة ثمانين، و خرج من الدنيا وافدا علي ربه سنة 149 عن عمر يتراوح بين الثامنة والستين و الخامسة والستين حسب اختلاف الروايات في تاريخ ولادته اقام منها مع جده علي بن الحسين (ع) اثنتي عشرة سنة أو خمس عشرة سنة في بيت لا عهد له الا بالمصائب و النوازل جديد عهد بمأساة الدهر فاجعة كربلاء، و في مطلع شبابه تجرع آلام تلك الكارثة التي حلت بعمه زيد بن علي و كان وقعها شديدا عليه و علي أهل البيت (ع) و سمع انين المظلومين والمعذبين من شيعة آبائه الكرام، و أقام بعد جده مع أبيه الباقر تسع عشرة سنة كان فيها ناضج التفكير متكامل المواهب يقصده العلماء و المحدثون ليأخذوا من علمه و حديثه في مختلف المواضيع، واشترك مع ابيه في تأسيس تلك الجامعة التي ملأت الدنيا بآثارها، و أقام بعد أبيه اربعا و ثلاثين سنة و هي مدة امامته عاصر خلاها هشام بن عبدالملك و الوليد بن يزيد بن عبدالملك، و يزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقب بالناقص، و ابراهيم بن الوليد و مروان بن محمد و عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس المعروف بالسفاح، و كانت وفاته بعد مضي عشر سنين من خلافة المنصور العباسي. [

صفحه 226] لقد ادرك الامام ابوعبدالله الصادق (ع) نحوا من ثمانية و أربعين عاما من عهد الأمويين كانت مليئة بالاحداث التي تبعث الألم في نفسه و تنكد عليه عيشه، و لقد كان يري المضطهدين من خيار الأمة و صلحائها يساقون الي الموت و السجون زرافات و وحدانا، و يري بين الحين و الآخر بين عمومته من الطالبيين شبابا و شيوخا مطاردين و مشردين يساقون الي الموت شهيدا بعد شهيد و هو يتحمل مرارة ذلك و لا يستطيع ان يدفع عنهم شر اولئك الطغاة المستهترين بالدين و مقدساته و بالأمة و مقدراتها و بالانسان و كرامته، و الي جانب ذلك فقد اجحفوا علي الأمة في فرض الضرائب و أساؤوا جبابة الخراج و فرضوا ما يشبه الجزية علي من يدخل في الاسلام من أهل الكتاب الذين كانوا يدخلون فيه فرارا من اعباء الجزية التي كانت تستنزف جميع امكانياتهم. فقد حدث الجهشياري انهم كانوا يأخذون الجزية ممن لم تجب عليهم، و أمر عبدالعزيز بن مروان باحصاء الرهبان في مصر فأخذت منهم الجزية و هي أول جزية اخذت في الاسلام من الرهبان علي حد تعبيره، و مضي يقول: ان الأمويين فرضوا ضرائب اضافية كالرسوم علي الصناعات و الحروف و علي من يتزوج او يكتب عرضا و أرجعوا الضرائب الساسانية التي تسمي هدايا النيروز و أول من طالب بها معاوية و فرضها علي أهل السواد في النيروز. و قدم دهقان هراة الي أسد بن عبدالله القسري هشام بن عبدالملك علي هرات بهدايا المهرجان و بلغت الف الف كما جاء في المجلد الخامس من كامل ابن الأثير. و جاء في الطبري ان والي هراة وفد علي هشام و معه دهقان سنة

120 بالهدايا و كان بها قصران قصر من ذهب و قصر من فضة و أباريق من ذهب و فضة و صحون من ذهب و فضة و غير ذلك من الديباج. و بعث عبدالملك الي عامله في الجزيرة يأمره باحصاء الجماجم و اعتبار الناس كلهم عمالا و ان يجمع ما يجنيه كل انسان في مجموع السنة، و يأخذ منه [ صفحه 227] ما يبقي من نفقته، فأحصاهم العامل واعتبرهم عمالا بأجر معين واستثني من مجموع الدخل السنوي نفقتهم و كسوتهم في تمام السنة فوجد انه يبقي لكل فرد أربعة دنانير فألزمهم بدفعها كما جاء في كتاب الامام الصادق و المذاهب الأربعة [1] . و جاء في الكتاب المذكور عن الجهشياري ان اسامة بن زيد وفد علي سليمان بن عبدالملك بما اجتمع عنده من الخراج و كان واليا له علي مصر فقال له: يا أميرالمؤمنين اني ما جئتك حتي نهكت الرعية و جهدت فان رأيت ان ترفق بها و ترفه عليها و تخفف من خراجها ما تقوي به علي عمارة بلادها و صلاح معاشها فافعل فانه يستدرك ذلك في العالم المقبل، فقال له سليمان: هبلتك امك احلب الدر فاذا انقطع فاحلب الدم. و كان الخلفاء احيانا يتركون لعمالهم جميع ما تحت ايديهم من تلك الأموال و قد يبلغ احيانا حدود الملايين من الدراهم و بلغ ما تحت يد الوالي في خراسان عشرين الف الف درهم، فتركها له و كان عنده من العروض مثلها فقال يوما لكاتبه: اني لأعجب كيف يجيئني النوم و هذا المال عندي، فقال له: و كم مبلغه؟ قال: اني قدرت ما عندي لمائة سنة في كل يوم الف درهم لا احتاج منه الي شراء

رقيق و لا كراع و لا عرض من العروض، فقال له كاتبه: انام الله عليك أيها الأمير لا تعجب من نومك و هذا المال عندك ولكن اعجب من نومك اذا ذهب ثم نمت فذهب ذلك المال كله. و آل أمره أن باع فضة مصحفه ليأكل بثمنها و كان يركب حمارا صغيرا و آثار الفقر بادية عليه، فلقيه مالك بن دينار و قال له: ما فعل المال الذي قلت فيه ما قلت، قال: كل شي ء هالك الا وجهه [2] . [ صفحه 228] واستمر الحال علي ذلك حتي ضج الناس من جورهم و خافوهم علي اموالهم و دمائهم، و لما جاء دور عمر بن عبدالعزيز عالج مشكلة الخراج و الضرائب و الجزية فيما عالجه من المظالم فكتب الي عامل الكوفة: اما بعد فان أهل الكوفة قد أصابهم بلاء و شدة في أحكام الله و سن فيهم سنة خبيثة عمال السوء، و ان قوام الدين العدل و الاحسان فلا يكن شي ء أهم اليك من نفسك فلا تحملها قليلا من الاثم، و لا تحمل خرابا علي عامر و خذ منه ما اطاق و اصلحه حتي يعمر، و لا تأخذن اجور الضرابين و لا هدية النوروز و المهرجان و لا ثمن المصحف و لا أجور الفتوح و البيوت و لا درهم النكاح، و لا خراج من أسلم من أهل الأرض واتبع في ذلك أمري فاني قد وليتك من ذلك ما ولاني الله و لا تعجل في أمر حتي تراجعني فيه، كما كتب الي بقية عماله بمثل ذلك فأحس الناس بالراحة و حلاوة طعم الحياة خلال تلك الفترة القصيرة من خلافته، كما احس بوطأتها و مرارتها بنوامية و أتباعهم الذين

كانوا يعبثون بالأمة و مقدراتها و كرامتها، و عادت الأمور اسوأ مما كانت عليه بعد وفاته وانتهي بذلك عهد كان كالحلم اللذيذ العابر، فلقد اعاد يزيد بن عبدالملك سيرة الماضين من آبائه و أجداده بأقبح مما كانت عليه، و كتب الي الولاة و حكام المقاطعات كتابا جاء فيه: أما بعد فان عمر بن عبدالعزيز كان مغرورا فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده و أعيدوا الناس الي طبقتهم الاولي اخصبوا ام اجدبوا احبوا ام كرهوا عاشوا ام ماتوا، فعظمت المحنة علي الناس واشتد البلاء و شاع التذمر بين جميع فئات الشعب و عمت الفوضي و وقف الكثير من المسلمين الي جانب كل ثائر واندلعت الثورات في اكثر انحاء البلاد، فكانت ثورة في الأردن و أخري في مصر و قد قتل أهلها اميرهم حفص بن الوليد الحضرمي، و ثالثة في حمص فقتلوا عاملهم عبدالله بن شجرة الكندي، و أخرج أهل المدينة عاملهم، و وقع الخلاف بن الأمويين أنفسهم فدارت في الشام معركة قتل فيها ثمانية عشر الفا كما جاء في البداية و النهاية لابن كثير، واندلعت الثورة في فلسطين [ صفحه 229] و قتل فيها خلق كثير كما يصفها ابن الأثير في الكامل و غيره، و تولي قيادة الثوار في نواحي خراسان ابومسلم الخراساني بعد أن قام بجولة في غربي ايران يصور للمسلمين ظلم بني امية للناس و قتلهم ذرية النبي (ص) و شيعتهم و استهتارهم بالقيم و المقدسات و كانت المعارك الدامية بينه و بين انصار الأمويين و في الوقت ذاته نهض العباسيون في البلاء العربية و قادوا الثورة بأنفسهم و استغلوا جرائم الأمويين مع أهل البيت وانتشروا في طول البلاد و عرضها يرددونها علي الجماهير الحاقدة

علي بني امية من جراء جورهم و استهتارهم بالمقدسات و كرامة العباد، و تستر بنوالعباس في بداية امرهم بما لحق العلويين من ظلم و حيف كما ذكرنا و تباكوا علي قتلاهم و أظهروا الدعوة لهم، و لما انهارت الدولة الأموية و أحسوا بالنصر المؤكد اتفقوا علي عبدالله بن محمد بن علي السفاح وانتخبوه زعيما للدولة الجديدة سنة 132 في الكوفة، و كان مروان ابن محمد في مكان يعرف بالزاب من بلاد الموصل فوجه اليه السفاح جيشا من الكوفة عاصمتهم الأولي بقيادة عمه عبدالله بن علي بن عبدالله بن العباس فكانت بينهما معارك ضارية فر علي اثرها مروان بن محمد و تلت معارك بين الطرفين قتل فيها مروان في قرية من قري مصر علي يد رجل من أهل الكوفة و مضي السفاح وقادة جيوشة في طلب فلول الامويين و قتل أتباعهم و أعوانهم المنتشرين في البلاد و لم يعد لأحد ما يعنيه سوي أن ينجو بنفسه، و خرجوا رجالا و نساء هائمين علي وجوههم فالتجأوا لبلاد الشرك فأخرجهم حكامها منها، و كان عبدالله و عبيدالله ابنا مروان بن محمد، قد قادا تلك الفرقة الهائمة فعرض لهما طريقان بينهما جبل فسار كل واحد منهما في طريق و هما يظنان انهما سيلتقيان بعد ساعة او ساعات قليلة فسارا يومهما و لم ينتهيا الي طريق يجمعهما و لم يقدرا علي الرجوع و ظلا اياما يسيران و لا يعلم احد منهما عن الآخر شيئا، فالتقي عبدالله و من معه بفرقة من جنود الاحباش فقتلوا عبدالله بن محمد و أسروا اصحابه و بعد ان جردوهم من كل ما معهم و حتي من ثيابهم تركوهم يسيرون في البراري و قد أضر بهم العطش

و الجوع حتي كان الرجل يبول و بيده و يشرب منه و أخيرا جمعتهم الصدق مع عبيدالله و قد ناله [ صفحه 230] اكثر مما نالهم و معه عدة من حرمه و قد تقطعت أقدامهم من المشي و شربوا البول حتي تفطرت شفاههم و وافوا المندب فأقاموا بها شهرا، و جمع الناس لهم من المؤن و الملبس ما يسد ضروراتهم و يستر ابدانهم و خرجوا من المندب يريدون مكة في زي الحمالين علي حد تعبير اليعقوبي في تاريخه وابن عبد ربه في العقد الفريد. و جاء في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: ان عامر بن صالح الخراساني احد القادة في جيش صالح بن علي السفاح، انه لما قتل مروان الجعدي آخر ملوك بني أمية دخل دار مروان و جلس علي سريره و دعا بنسائه و وضع رأس مروان في حجر ابنته و أقبل عليها يوبخها، فقالت له: يا عامر ان دهرا انزل مروان و أقعدك علي سريره حتي تعشيت عشاءه لقد ابلغ في موعظتك و عمل في ايقاظك و تنبيهك ان عقلت و فكرت. و قتل سليمان بن علي في البصرة جماعة من بني امية و أمر بهم فجروا بأرجلهم الي الصحراء فأكلتهم الكلاب و الوحوش، واختفي كثير منهم، و لم يظهروا الا بعد ان استتب الأمر لبني العباس و طوي التاريخ حديث دولتهم فيمن طوي من الجبابرة و الطغاة، و قامت علي انقاضهم دولة اخري كما هي سنة التاريخ منذ وجد الانسان علي وجه البسيطة، يهلك ملوكا و يستخلف آخرين، و لن تجد لسنة الله تحويلا. والذي اردناه من هذا العرض السريع لهذا الجانب من سيرة الأمويين ان الامام الصادق (ع) قد رافق جميع تلك الأحداث

و وقف بعيدا عنها و عن الحكام و السياسيين يتحين الفرص المؤاتية لأداء رسالته حتي اذا وجد الدولة الأموية تتخبط في مشاكلها و وجد الجو الذي بدأت تباشيره في عهد ابيه مهيأ له هب لأداء رسالته بكل ما لديه من قوة و توافد عليه العلماء و طلاب العلم و من يحملون افكارا غريبة عن الاسلام من كل الجهات، حتي بلغت تلك الجامعة التي اسسها ابوه من قبله، و كان الصادق (ع) نفسه من نتاجها الغني [ صفحه 231] بالبذل و العطاء، بلغت في عصره بفضل جهوده ذروة نشاطها في شتي المواضيع، و مجمل القول ان الامام الصادق (ع) عاش نحوا من خمسين عاما في عهد الأمويين، و نحوا من خمسة عشر عاما في عهد العباسيين، فأدرك الدولة الأموية في قوتها و عنفوانها، ثم في تحدرها و انهيارها كما ادرك من الدولة العباسية فجرها الأول و هي تبني امجادها علي أنقاض الأمويين، و تستمد من سيئاتهم بعض الحسنات، و ما أن استتبت لها الأمور حتي راح الناس يرددون قول القائل: يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار و قد أخذ علي عاتقه بعد وفاة أبيه أن يتابع المسيرة من حيث انتهي والده فحارب الفساد والظلم والطغيان و فرض علي دعاة الخير و المصلحين من أصحابه أن يكونوا القدوة الصالحة بأعمالهم قبل اقوالهم، لأن الناس انما ينظرون الي القادة من خلال اعمالهم، أما الأقوال التي تصدر من الوعاظ والدعاة الي الخير فليست بأشد تأثيرا منها و هي مسطورة في الكتب او منقوشة علي الجدران و حتي تحقق دعوته الغاية المنشودة كان يقول لأصحابه: اوصيكم بتقوي الله و اداء الامانة لمن ائتمنكم و حسن

الصحبة لمن صحبتموه و ان تكونوا لنا دعاة صامتين. و قد وقع هذا القول عندهم موقع الاستغراب، و كيف يكونون صامتين و هم يدعون الي الخير، فقالوا: يا ابن رسول الله كيف ندعوا الي الله و نحن صامتون، فقال (ع): تعملون بما امرناكم به من طاعة الله و تعاملون الناس بالصدق و العدل و تؤدون الأمانة و تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و لا يطلع الناس منكم الا علي خير، فاذا رأوا ما انتم عليه علموا فضل ما عندنا فعادوا اليه. و لم يزل يكرر هذه الوصية و يؤكدها علي أصحابه، فلقد جاء عنه أنه قال: عليكم بتقوي الله والورع و الاجتهاد و صدق الحديث و اداء الامانة [ صفحه 232] و حسن الخلق و الجوار و كونوا دعاة لأنفسكم بغير ألسنتكم. و قال ابن ابي يعفور: سمعت جعفر بن محمد الصادق (ع) يقول لأصحابه: كونوا دعاة الناس بغير السنتكم ليروا منكم الاجتهاد و الصدق و الورع. لقد كان الامام الصادق (ع) يريد من الدعاة ان يقرنوا العمل بالقول و أن تكون اقوالهم صورة عن اعمالهم لأن ذلك ابلغ في التأثير و من انجع الوسائل لخوض معركة تكافح الظلم بكل انواع الي جانب اولئك المظلومين و المعذبين الذين كانوا يعانون من سياسة اولئك الطغاة المتسلطين علي الأمة باسم الدين و الاسلام و هم أداة هدم و تخريب لكل ما يتصل بالاسلام من قريب أو بعيد. لقد ادرك الامام الصادق حكم الأمويين في أقسي مظاهره و أعنف اشكاله، فكان يسمع بين الحين و الآخر بما يجري علي شيعة آبائه و علي صلحاء المسلمين من قتل و حبس و تشريد و بما يحل ببني عمه و أهل بيته

من القتل و الصلب لا لشي ء الا لأنهم دعاة حق يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و بما حل بالأمة كلها و هي تئن من ظلم الولاة وجورهم و ارهاقها بالضرائب التي تستنزف خيراتها و موارد عيشها فلا عدل في حكم و لا مساواة في حق و لا نظم يضمن لأحد حريته و كرامته في هذا الوسط المشحون بالفوضي و الفساد و التلاعب بمقدرات الأمة و خيراتها و كرامتها. قضي الامام شطرا من حياته و هو يتلوي من الألم علي مصير الاسلام و علي ما حل بالمسلمين من الويلات و المصائب و هو لا يملك سبيلا لانقاذهم مما يعانون فآثر القيام بالثورة وقادها بنفسه علي الظلم و الطغيان و الانحراف، ولكن ثورته لم تكن بقوة السلاح كغيرها من الانتفاضات التي كانت تحدث هنا و هناك بين الحين و الآخر، بل كانت بنشر الثقافة الاسلامية و الدعوة الي التحلي بالخلق الاسلامي الرفيع الذي يفرض علي المسلمين اجتناب المعاصي [ صفحه 233] والمنكرات و حسن الصحبة و الجوار و التعاون و الصبر علي المكاره و العمل لخير الناس اجمعين، و أراد من أصحابه أن يكونوا دعاة صامتين يدعون الناس الي هذه الخصال بأعمالهم قبل اقوالهم، و كان يقول لهم: مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، فان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا اجلا و لم يبعدا رزقا، و يعقب علي ذلك بقوله: ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم يلتفت اليهم لينتزع من نفوسهم الاستئثار و يضع مكانه التعاون و الاحسان بآلام الغير كاحساسهم بآلامهم و أمانيهم فيقول: حب لأخيك ما تحب لنفسك و لا تتمن له ما لا ترضاه لنفسك و

يؤكد هذه الناحية بقوله: المؤمن من المؤمن كالجسد الواحد اذا اشتكي شي ء منه وجد ذلك في سائر جسده، ان المؤمن اخو المؤمن و هو عينه و دليله لايخونه و لا يظلمه و لا يغشه و لا يعده عدة فيخلفه الي كثير من موافقه التي كان يحاول فيها تهذيب النفوس و تطهيرها و وضع حد للفساد و الفوضي و التمهيد للثورة علي الظلم و الطغيان و مقابلة الشدائد والاهوال بقلوب لا يعرف الضعف اليها سبيلا و لا يجد الخوف فيها مكانا كما يبدو ذلك من قوله: ان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يقربا اجلا و لم يمنعا رزقا، ولكن ثورته علي الظلم و الظالمين و الطغاة المستبدين كانت من نوع جديد كما ذكرنا كانت بنشر التعاليم الاسلامية و الالتزام بها عمليا و المسلم الملتزم بأحكام الاسلام و أخلاقه و آدابه يحارب الظلم و العدوان و لا يحابي احدا علي حساب دينه مهما بلغ شأنه و عمت سطوته. لقد انتشرت دعوة الامام الصادق في اطارها الخاص بعيدة عن السياسة و السياسيين، في حين ان اكثر قادة الثورة في مختلف المناطق كانوا يدعون لآل علي و للرضا من آل محمد و حتي العباسيين انفسهم كانوا يتظاهرون بذلك، فظن عامة الناس أن الأمة مقبلة علي عهد جديد ما دامت الدعوة للرضا من آل محمد و علي واتجهت الأنظار الي الامام الصادق (ع) ولكنه كان يعرف: نرايا العباسيين و أهدافهم، و ليست ببعيدة عنه مواقف أهل الكوفة مع آبائه و هو [ صفحه 234] يعلم أن العباسيين سيقفون منه نفس الموقف الذي وقفه معاوية من جده أميرالمؤمنين و عمه الحسن و وقفه يزيد بن معاوية من الحسين بن

علي و وقفه هشام بن عبدالملك من عمه زيد بن علي (ع) و شهوة الحكم و التسلط لا ترحم احدا، لقد كان بنوالعباس و دعاتهم يتباكون علي الحسين و من قتل معه في كربلاء و علي زيد بن علي و غيره من العلويين، و لما استتبت لهم الأمور و اطمأنوا علي مصير السطة مثلوا اقبح الادوار التي مثلها اسلافهم مع العلويين بضراوة الم يعرف التاريخ لها مثيلا. لقد رفض الامام حتي الحديث بشأن الخلافة و لم يفسح المجال لأحد أن يتحدث معه بذلك بالرغم من كثرة الوافدين عليه بهذا الخصوص و كان من بين الذين كانوا يعملون لمصلحة العلويين احد القادة ابوسلمة الخلال، و لما احس ابوسلمة بنوايا العباسيين و عزمهم علي الاستئثار بالسلطة كتب الي ثلاثة من العلويين الامام الصادق و عبدالله المحض و عمرو الأشرف و أرسل الكتب مع بعض انصارهم و قال للرسول: اقصد أولا جعفر بن محمد الصادق فان اجابك فلا تراجع غيره و مزق الكتابين، و ان لم تجد منه جوابا فاذهب الي عبدالله المحض و سلمه الكتاب فاذا اجابك فلا تراجع غيره، و الا فاذهب الي عمرو الأشرف، فذهب الرسول الي الامام جعفر بن محمد (ع) و دفع اليه كتاب ابي سلمة، فقال الامام (ع): مالي و لأبي سلمة و هو شيعة لغيري ثم قال لخادمه: أدن مني السراج فأدناه منه فوضع الكتاب علي النار حتي احترق بكماله و الرسول ينظر اليه، فقال له الامام هذا جواب كتابه، فمضي الرسول الي عبدالله المحض فدفع اليه كتاب، فقبله و قرأه و ركب من ساعته الي الامام الاصادق (ع) و قال له: هذا كتاب ابي سلمة يدعوني فيه الي الخلافة وقد وصلني مع بعض

شيعتنا من أهل خراسان، فقال له الصادق (ع): و متي صار أهل خراسان شيعة لك؟ أأنت وجهت اليها أبامسلم؟ و هل تعرف احدا من أهلها باسمه، فكيف يكونون شيعتك و أنت لا تعرفهم و لا يعرفونك، فرد عليه عبدالله بقوله: هذا الكلام منك لشي ء، فقال الصادق [ صفحه 235] (ع): لقد علم الله اني اوجب النصح علي نفسي لكل مسلم فكيف ادخره عنك، فلا تمن نفسك بالخلافة فان هذه الدولة ستتم لهؤلاء. و دخل عليه سدير الصيرفي فقال: يا اباعبدالله ما يسعك القعود، فقال: و لم يا سدير، فقال: لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك، فقال: يا سدير و كم عسي ان يكونوا؟ قال: مائة الف، فقال الامام مستغربا: مائة الف، قال: نعم و مائتي الف، فقال له، كما في بعض الروايات: لو كان عندي عدد اصحاب النبي (ص) في بدر لنهضت و لما بايع الهاشميون محمد بن عبدالله بن الحسن قال لهم الامام ابوعبدالله الصادق (ع): لا تفعلوا فان الأمر لم يأت بعد و ضرب بيده علي ظهر أبي العباس السفاح، ثم ضرب بيده علي كتف عبدالله بن الحسن و قال: والله انها ما هي لك و لا الي ابنيك ولكنها لهم و ان ولديك لمقتولان: ثم نهض الصادق و توكأ علي يد عبدالعزيز بن عمران الزهري و قال: أرأيت صاحب الرداء الاصفر (يعني المنصور الدوانيقي) قال الزهري: نعم يا ابن رسول الله قال انه سيقتله، قلت: ايقتل محمدا، قال: نعم، فقلت في نفسي حسده و رب الكعبة ثم قال عبدالعزيز: فوالله ما خرجت من الدنيا حتي رأيت المنصور قتلهما. و جاء في رواية ثانية تصف مجلسا ضم الامام و عبدالله بن الحسن و السفاح

و المنصور جاء فيها ان الامام الصادق قال لعبدالله: ان هذا الأمر والله ليس اليك و لا الي ابنيك و انما هو لهذا و لهذا و أشار الي السفاح و المنصور ثم لولده من بعده لا يزال فيهم حتي يؤمروا الصبيان و يشاوروا النساء، و مضي يقول كنا يدعي الراوي: و ان هذا و أشار الي المنصور يقتله علي أحجار الزيت ثم يقتل اخاه بعده، و قام الامام مغضبا يجر رداءه فتبعه المنصور و قال: أتدري ما قتلت يا اباعبدالله؟ قال أي والله أدريه و انه لكائن [3] . [ صفحه 236] و مجمل القول ان الامام الصادق (ع) قد انصرف عن الخلافة والسياسة و لم يشترك بما رافق انهيار حكم الأمويين من تلك الأحداث التي لم تسلم منها بقعة من بقاع الدولة الاسلامية في شرق الأرض و غربها، في حين ان الفئات المتصارعة التي برزت علي المسرح سياسيا و عسكريا يوم ذاك كانت تتمني كل فئة منها ان ينحاز لجانبها لتتستر به في سبيل اهدافها و مصالحها، ولكنه آثر اعتزال تلك الاجواء المشحونة بالاحداث مغتنما فرصة انصراف الحاكمين و الطامعين الي معالجة مشاكلهم التي الهت البيتين الأموي و العباسي عنه و عن عامة العلويين الذين كانوا يتعرضون بين الحين و الآخر للتنكيل و المطاردة و شتي صنوف التعذيب، آثر اعتزال كل ذلك الي ما يعنيه من أمر الاسلام و شيعة الاسلام، و استطاع ان يحقق خلال سنوات معدودات من المكاسب لخير الاسلام و شريعة الاسلام ما لم يتهيأ لغيره ان يحققه فيما مضي و ما سأتي من بعده. و سواء صح ما رواه الرواة من أنه كان يعلم بما ستتمخض عنه تلك الانتفاضات او

لم يصح فان اعتزاله يدل علي بعد نظره و رؤيته الصادقة لما وراء تلك الاحداث من النتائج التي كان صلحاء المسلمين و حتي عامتهم يرجون خلافها. لقد اتجه بكل امكانياته الي الدعوة للدين و نشر تعاليمه و أحكامه و العمل بها و لم يترك بابا من أبواب العلم الا ولج منه اليه و ناظر الزنادقة و الملحدين و المنحرفين في تفكيرهم و اتجاهاتهم عن اصول الاسلام و كانت له مع هؤلاء و هؤلاء جولات موفقة ناجحة اعادت الكثير منهم الي مواقع الحق و الصواب، و ظلت دروسه في مختلف المواضيع غنية بالعطاء لكل من جاء بعده، و مرجعا للمفكرين و العلماء في كل ما يتعسر عليهم حله. [ صفحه 237]

لمحات مما قيل فيه

لقد اجمع واصفوه بأنه لقب بالصادق لأنه عرف بصدق الحديث و القول و العمل حتي اصبح حديث الناس في عصره، و قال فيه ابن الحجاج: يا سيدا اروي احاديثه رواية المستبصر الحاذق كأنني اروي حديث النبي محمد عن جعفر الصادق واتصف مع ذلك بنبل المقصد وسمو الغاية و التجرد في طلب الحقيقة من كل هو أو غرض من اغراض الدنيا، لقد كان يطلب الحق للحق لا يبتغي عنه بديلا و لا تلتبس عيله الأمور، اذا ورد عليه امر فيه شبهة نفذت بصيرته الي حقيقته و أزال عنه غواشي الشبهات، و كأن النبي (ص) قد عناه بقوله: ان الله يجب ذا البصر النافذ عند ورود الشبهات، و يحب ذا العقل الكامل عند حلول الشهوات. و قال فيه مالك بن انس احد ائمة المذاهب: لقد كنت آتي جعفر بن محمد فكان كثيرا التبسم فاذا ذكر عنده النبي (ص) تغير لونه و قد اختلفت اليه زمانا فما

كنت أراه الا علي احدي ثلاث خصال اما مصليا و اما صائما و اما يقرأ القرآن و ما رأيته يحدث عن رسول الله الا و هو علي طهارة و لا يتكلم فيما لا يعنيه، و كان من العباد الزهاد الذين يخشون الله تعالي. [ صفحه 238] و مضي يقول: ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر علي قلب بشر افضل من جعفر بن محمد الصادق علما و عبادة و ورعا. و قال فيه ابوحنيفة: ما رأيت افقه من جعفر بن محمد، لقد قال لي المنصور: ان الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيي ء له من المسائل الشداد و اسأله عنها، فهيأت له أربعين مسألة و كان المنصور في الحيرة قد أعد مجلسا حشد فيه الوجوه و الاعيان و بعث الي فدخلت عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلتني من الهيبة لما ما لم يدخلني من المنصور فسلمت عليه و جلست فقال لي المنصور: يا اباحنيفة ألق علي أبي عبدالله مسائلك فجعلت القي عليه مسألة مسألة و هو يقول في جوابها: أنتم تقولون كذا، و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا فربما خالفنا و ربما خالفهم و أحيانا يوافقنا أو يوافقهم حتي أتيت علي الأربعين مسألة ما أخل منها بمسألة واحدة، و كان نتيجة المناظرة أن قال ابوحنيفة في ذلك الحشد و بحضور المنصور الذي كان يترقب لأبي عبدالله الصادق )ع( و لو وقفة قصيرة عند بعض المسائل ، كانت النتيجة ان قال ابوحنيفة: أعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس، فأحس المنصور بالخيبة و تبددت آماله التي كان يرجوها من وراء هذه المناظرة، لقد كان يرجو او يتمني

ان يتوقف الامام الصادق (ع) و لو في مسألة الأربعين التي اعدها له أبوحنيفة من بين المسائل الصعاب. لقد كان المنصور يتمني ذلك ليظهر للناس ان جعفر بن محمد كغيره من الفقهاء لا كما يراه شيعته و أصحابه و أكثر الناس فوق مستوي الجميع، فاستطاع الامام عليه السلام ان يفرض نفسه علي أبي حنيفة و المنصور و علي الناس اجمعين. و كان أبوحنيفة قد تتلمذ علي الامام الصادق نحوا من سنتين متصلتين حينما فر من حبس ابن ابي هبيرة و التجأ الي الحجاز فأقام بها الي ان ظهر ابوالعباس السفاح و بهذه المناسبة كان أبوحنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان، والتقي به اكثر من مرة خلال سفراته الي الحجاز. [ صفحه 239] و قال فيه ابن ابي العوجا عندما قصد الامام الصادق ليناظره و قد قال له الامام: ما يمنعك من الكلام، فقال له: اجلالا لك و مهابة منك و لا ينطق لساني بين يديك و اني شاهدت العلماء و ناظرت المتكلمين فما تداخلني من هيبة احد منهم مثلما تداخلني من هيبتك يا ابن رسول الله. و كان المنصور مع انه من اثقل الناس عليه يقول: ان جعفر بن محمد من السابقين بالخيرات و من الذين اصطفاهم الله من عباده و أورثهم الكتاب، و يردد في مجالسه التي تضم خواص اصحابه: اعملوا انه ليس من أهل بيت نبوة الا و فيهم محدث و ان جعفر بن محمد محدثنا اليوم. و يدعي الرواة ان المنصور الدوانيقي قد قال هذه الكلمة في الامام الصادق (ع) علي اثر اكتشاف الامام الصادق لمؤامرة كان المنصور قد وضعها ليتخذ منها مبررا للفتك به و ببعض العلويين الذين كان يخشاهم علي عرشه. و جاء فيها رواه

الرواة حولها ان المنصور قال لمحمد بن الأشعث: يا محمد ابغ لي رجلا له عقل يؤدي عني، فقال له محمد اني اصبته لك هذا ابن المهاجر خالي، قال: فأتني به، فلما أتاه قال له ابوجعفر المنصور: يا ابن المهاجر خذ هذا المال و أت المدينة واقصد عبدالله بن الحسن و جعفر بن محمد و عين جماعة من العلويين غيرهما و امره ان يدفع اليهم المال و يقول لهم بأنه من شيعتهم في خراسان فاذا قبضوا المال فقل اني رسول و أحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم، فأخذ المال و ذهب الي المدينة ثم رجع الي أبي جعفر المنصور فقال له: ما وراءك؟ قال: أتيت القوم و هذه خطوطهم بقبضهم خلا جعفر بن محمد فاني اتيته و هو يصلي في مسجد النبي (ص) فجلست خلفه و قلت ينصرف فاذكر له ما ذكرت لأصحابه فتعجل وانصرف فتبعته والتفت الي و قال: يا هذا اتق الله و لا تغر أهل بيت محمد فانهم قريبو العهد من دولة بني مروان وكلهم محتاج، قلت له: و ما ذاك اصلحك الله؟ فأدني رأسه مني و أخبرني بكل ما جري بيني و بينك، فقال المنصور: يا ابن [ صفحه 240] المهاجر اعلم أنه ليس من أهل بيت نبوة الا و فيهم محدث و ان جعفر بن محمد محدثنا اليوم. و مع ان الامام الصادق كان من أثقل خلق الله علي المنصور و كان يخشاه علي ملكه اكثر من أي انسان آخر لأنه اينما ذهب و حيثما حل يجد الناس علي اختلاف فئاتهم و طبقاتهم يتحدثون عن جعفر بن محمد، و مع ذلك فكان من حيث لا يريد و لا يحب يجد نفسه مضطرا لأن

يصرح بما يعتقده فيه، فقد قال له في بعض المناسبات: لا نزال من بحرك نغترف و اليك نزدلف نتبصر من العمي و نجلو بنورك الطخيا، فنحن يا أباعبدالله نعوم في سحاب قدسك و طامي بحرك. و قال مرة لحاجبه الربيع: ان هؤلاء بني فاطمة لا يجهل حقهم الا جاهل لاحظ له في الشريعة. و قال نوح بن دراج: قلت لعبدالرحمن بن أبي ليلي اكنت تاركا قولا قلته و قضاء قضيته لقول احد؟ قال لا الا لرجل واحد، قلت: من هو؟ قال: جعفر بن محمد الصادق. و دخل عليه عمرو بن عبيد و طلب منه ان يعدد له الكبائر و قال له: احب ان اعرفها من كتاب الله او سنة رسوله، قال له ذلك بعد ان كان الصراع قد بلغ أقصي حدوده بين المعتزلة و الخوارج و المرجئة في مصير مرتكب الكبيرة فالخوارج كانوا يصفونه بالكفر بينما يقول المعتزلة انه في منزلة بين المنزلتين، و المرجئة يصفونه بالايمان و يدعون بأن المعصية مهما بلغ شأنها لا تسلبه صفة الايمان. فأجابه الامام (ع) الي طلبه وعد منها عقوق الوالدين لأن العاق لوالديه جبار شقي، والله سبحانه يقول: (و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا). و قذف المحصنات، لأن الله يقول: [ صفحه 241] (ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم). و الفرار من الزحف لأن الله يقول: (و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الي فئة باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير). و قتل النفس لأن الله يقول: (و من يقتل مؤمنا معتمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه

و أعد له عذابا عظيما). و نقض العهد و قطيعة الرحم، لأن الله يقول: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الأرض اولئك هم الخاسرون). و مضي الامام (ع) في تعداد الكبائر مع بيان ادلتها من الكتاب والسنة حتي أتي علي آخرها و عمرو بن عبيد يستمع لبيانه بشوق ولهفة، فلما انتهي الامام (ع) قال عمروبن عبيد: هلك من سلبكم تراثكم و نازعكم في الفضل و العلم. و سأل رجل اباحنيفة عن رجل وقف ماله للامام فأي امام يستحق ذلك؟ فقال: المستحق جعفر بن محمد الصادق لأنه هو امام الحق. و قال فيه عبدالله بن المبارك: انت يا جعفر فوق المدح و المدح عناء انما الأشراف ارض و لهم انت سماء جاز حد المدح من قد ولدته الانبياء و جاء في مناقب ابن شهر آشوب ان زيد بن علي (ع) كان يقول: في [ صفحه 242] كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج الله به علي خلقه و حجة زماننا ابن اخي جعفر بن محمد لا يضل من تبعه و لا يهتدي من خالفه. و قال الشهرستاني في الملل و النحل: كان ابوعبدالله الصادق ذا علم غزير في الدين و أدب كامل في الحكمة و زهد في الدنيا و ورع تام عن الشهوات و قد اقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه ما تعرض للخلافة قط و لا نازع فيها احدا و من غرق في بحر المعرفة لم يطمح في شط و من تعلي الي ذروة الحقيقة لم يخف من خط و من أنس بالله استوحش من الناس و بري ء من الرجعة و البداء

و التناسخ و الغلو و التشبيه. الي غير ذلك مما قيل فيه و من اراد ان يستقصي جميع ما قيل فيه ممن عاصره و تأخر عن عصره يخرج بكتاب مستقل في هذا الموضوع بالذات. [ صفحه 243]

جامعة أهل البيت

لقد عاش الامام الصادق مع أبيه الباقر (ع) مؤسس جامعة اهل البيت نحوا من خمسة و ثلاثين عاما ادرك منها في مطلع شبابه بوادر الانحلال الذي كان يهدد دولة الأمويين بالانهيار، و في تلك الفترة و ما تلاها من الفترات رافق تلك الحلقات العلمية التي كانت في مسجد المدينة و خارجه باشراف أبيه الباقر (ع) و تتألف كما تؤكد المصادر الموثوقة من مئات الطلاب و العلماء من مختلف البلاد الاسلامية. و هو الي جانب أبيه يلقنه من علوم الدين و أسرار الكون و غير ذلك مما ورثه عن آبائه عن النبي (ص). و ظل الي جانب أبيه الباقر الي آخر نفس من حياته و مدرسة الفقه و الحديث و العلوم الاسلامية توالي نشاطها في مختلف المواضيع فيما يخدم مصلحة الاسلام الي أن وافته المنية سنة 114 هجرية فاستقل الصادق بالزعامة الدينية و المسلمون يتطلعون اليه من كل الجهات، هذا و الدولة الأموية تسير بخطا سريعة الي الفناء، و الانتفاضات الشعبية هنا و هناك تحقق الانتصار تلو الانتصار. في هذا الظرف بالذات كانت امامة الصادق و زعامته الدينية بين عهد الأمويين و هم في دور الاحتضار، و عهد العباسيين و الدنيا تبتسم لهم و تضمهم [ صفحه 244] اليها، و كلاهما في أمس الحاجة الي سكوته و رضاه فالحزب الحاكم الذي اصبح علي ابواب الانهيار قد احس بنتيجة ما سلف منه مع أهل البيت لأن اكثر الثائرين كانوا يرددون مأساة

كربلاء و اضطهاد اهل البيت و شيعتهم، و ما جري لزيد بن علي و ولده يحيي بن زيد و غير ذلك من الجرائم التي استغلها الثائرون، و استطاعوا ان يكيفوا الجماهير بواسطتها لصالحهم كما يريدون و يستنفروها للثورة علي اولئك الحكام الذين اذاقوا المسلمين الوانا و ألوانا من العسف و الجور و التنكيل بالابرياء و الصلحاء. و حتي ان الذين كانوا يقودون الثورة ضد الامويين كانوا يتسترون بأمجاد العلويين و آثارهم و ينددون بأخصامهم و بما اقترفوه معهم خلال حكمهم الذي استمر قرابة ثمانين عاما أو تزيد ما ذاق فيه أهل البيت حلاوة العيش ابدا، فكان من الطبيعي والحال هذه ان يوفروا للامام الصادق (ع) في تلك الفترة كل اسباب الهدوء و الاستقرار، و ان يتابع هو مسيرة ابيه الباقر (ع) من حيث انتهي لا سيما و ان طلاب العلم و المحدثين والذين يريدون ان يناظروا في العقائد و يحملوا الأفكار التي تتعارض مع اصول الاسلام قد انتشروا في مختلف المناطق و أصبحوا يتوافدون الي المدينة من كل الجهات حتي اجتمع عنده قرابة اربعة آلاف طالب عدا اولئك الذين كانوا يقصدونه للمناظرة في مختلف المواضيع. و لعل من جملة الأسباب التي تكمن وراء ذلك التكتل حول الامامين الباقر و الصادق (ع) هو ان الامويين وقفوا من آثار اهل البيت وفقههم موقفا بلغ اقصي حدود الشدة و الصرامة، و بلغ الحال ببعض الفقهاء اذا اضطر ان يسند الحديث الي مصدره، فان كان عن علي (ع) يقول: قال ابوزينب، فقد جاء في تاريخ حسن البصري لأبي الفرج ابن الجوزي انه كان اذا اراد ان يحدث عن علي (ع) يقول: قال ابوزينب و يتحاشي ان يذكره باسمه خوفا من الأمويين و أعوانهم،

و لما عرف لدي الخاصة انه يعنيه بهذه الكنية قال له ابان بن عياش: ما هذا الذي يقال عنك انك قلته في علي بن أبي طالب، [ صفحه 245] قال يا ابن اخي احقن دمي من هؤلاء الجبابرة لولا ذلك لسالت بي اعشب. و بعضهم كان يقول: قال الشيخ و يعني بذلك عليا (ع) و لا يجرؤ علي ذكره باسمه. و جاء عن أبي حنيفة انه قال عندما سأله احد الأمويين عن مسألة فقهية جاء عنه انه قال: فاسترجعت في نفسي لأني اقول فيها برأي علي (ع) و أدين الله به فكيف اصنع، ثم عزمت ان اصدقه و أفتيه بالدين الذي ادين الله به، و مضي يقول: ان بني امية كانوا لا يفتون بقول علي (ع) و لا يأخذون به و كان علي لا يذكر باسمه بين الفقهاء و العلامة بين المشايخ ان يقولوا قال الشيخ كما جاء ذلك في المجلد الأول من مناقب ابي حنيفة. و قال الشعبي كما في عيون الاخبار لابن قتيبة: ماذا لقينا من آل أبي طالب ان أحببناهم قتلنا و ان أبغضناهم دخلنا النار. و بلغ من حرص الأمويين علي طمس آثار أهل البيت وفقههم أن رفعوا من شأن بعض الفقهاء و تركوا لهم امر الافتاء و بيان الأحكام كسليمان بن موسي الاشدق المتوفي سنة 119 و عبدالله بن ذكوان المتوفي سنة 130 احد مواليهم و راوي احاديث أبي هريرة، و نافع مولي ابن عمر، و سليمان بن يسار الذي كان ملازما لقصورهم و قد فرضوه علي المدينة و مكحول مولي بني هذيل و أبي حازم سلمة بن دينار الأعرج مولي بني مخزوم، و سليمان بن طرخان، و اسماعيل بن خالد البجلي و عكرمة مولي ابن عباس و ابن شهاب الزهري و غير

هؤلاء من علماء الموالي الذين قربوهم و فتحوا لهم صدورهم و خزائنهم و لك يسمحوا لأحد ان يحدث عن أهل البيت أو يسند لعلي و لغيره من ولده رأيا في الفقه أو في غيره من المواضيع الاسلامية، مما سبب ضيقا و احراجا لكثير من الفقهاء الذين كانوا لا يرون لفقه علي و أبنائه بديلا. و لعل بعض من عرفوا بفقهاء الرأي كانوا يفتون برأيه و ينسبون الفتوي لأنفسهم بدون ان يذكروا لها سندا من مرويات الصحابة أو آرائهم و لا [ صفحه 246] يجرأون علي اسنادها لعلي (ع) خوفا من سياط الأمويين و سيوفهم المسلولة علي الرقاب فعدوهم لذلك من فقهاء الرأي. و لما اتيح للامامين الباقر و الصادق (ع) ان يحدثا عنه و عن الرسول (ع) و ينشرا فقهه و آثار الاسلام توافد العلماء و طلاب العلم عليهما في مدينة الرسول (ص) من كل جانب و مكان لا سيما و قد شهد عصرهما نهضة علمية شملت جميع اطراف الدولة و صراعا عقائديا كانت وراءه ايد خفية تحاول تشويه أصول الاسلام و تحريفها بما يسي ء الي الاسلام و لا يخدم الا اعداءه، و كان الرابح الأكبر من ذلك الصراع الذي فرق المسلمين الي شيع و أحزاب اولئك الحكام الذين يهمهم ان ينصرف المسلمون عن ظلمهم و جورهم و طغيانهم الي هذا اللون من الصراع مهما كانت النتائج. و مهما كان الحال فلقد تتابعت الوفود من جميع المدن و القري علي جامعة أهل البيت و نشطت الحركة العلمية في عهد الامام الصادق (ع) الي أبعد الحدود بعد ان زالت الحواجز التي كانت تحول بين الناس و بينهم، و بلغ عدد المنتمين اليها أربعة آلاف كما احصاهم أبوالعباس احمد

بن عقدة المتوفي سنة 230 في كتاب مستقل، و أيده الشيخ نجم الدين في المعتبر، و أدرك منهم الحسن بن علي الوشا و كان من أصحاب الرضا تسعمائة شيخ كانوا يجتمعون في مسجد الكوفة يحدثون عن جعفر بن محمد و يتدارسون فقهه و ذلك بعد أكثر من عشرين عاما مضت علي وفاة الامام الصادق. و اذا صح أن الحسن بن علي الوشا قد ادرك منهم بعد عشرين عاما او تزيد في مسجد الكوفة وحده هذا المقدار فليس بغريب اذا اجتمع عنده من سائر البلاد و الاقطار اربعة آلاف طالب و أكثر من ذلك. و قال المحقق في المعتبر: ان الذين برزوا من تلامذته ألفوا من أحاديثه و أجوبة مسائله أربعمائة كتاب عرفت بعد عصره بالاصول، و قد اعتمدها المحمدون الثلاثة الكليني و الصدوق و الطوسي في كتبهم الأربعة الكافي و من لا يحضره الفقيه و الوافي و الاستبصار. [ صفحه 247] كما تنص المؤلفات الشيعية فب أحوال الرجال أن أصحاب الامامين الباقر و الاصادق (ع) قد ألفوا في مختلف المواضيع اكثر من أربعة آلاف كتاب، ولو افترضنا ان هذا العدد مبالغ فيه و ليس ذلك ببعيد، فمها لا شك فيه بأنهم تركوا بالاضافة الي الأصول الأربعمائة مئات الكتب في الحديث و الفقه و غيرهما من المواضيع الاسلامية كما يرشد الي ذلك تأكيد الامام الصادق (ع) بكتابة ما كان يلقيه عليهم خوفا من النسيان و الزيادة و النقصان، لا سيما و ان التدوين و التأليف قد بلغا اقصي حدودهما في ذلك العصر الذي كان فيه العلماء و المعنيون باحصاء الحوادث و الآثار يتسابقون الي التأليف و التدوين، و ظهرت فيه عشرات المؤلفات لغيرهم في الحديث و السير

و التاريخ و التفسير و غير ذلك من المواضيع الاسلامية و غيرهما. اما اين ذهبت تلك المؤلفات الشيعية فالتاريخ قد أهمل مصيرها كما أهمله المؤلفون في احوال الرجال و آثارهم، و بلاشك فلقد بقي الكثير منها الي القرنين الرابع و الخامس واعتمد عليها اصحاب الكتب الأربعة في مجاميعهم كما ذكرنا، و قد اتلف اكثرها السلاجقة و التتر و الايوبيون و غيرهم من الغزاة في جملة ما اتلفوه من مكتبة الوزير سابور و مكتبة الطوسي في بغداد و مكتبة القصر الفاطمي في القاهرة، هذا بالاضافة الي ما تلف من مكتبة محمد بن عمير التي دفنها في التراب خوفا من الرشيد، و كان قد حبسه الرشيد و صادر جميع امواله، و لما خرج من سجنه وجدها بالية و كانت تشتمل علي مئات الكتب لأصحاب الامامين الصادق و الباقر (ع). و يظهر من سرائر محمد بن ادريس العجلي المتأخر عن الشيخ الطوسي انه كان يحتفظ ببعض تلك المؤلفات و انه في السرائر اخذ منها بلا واسطة حيث قال: فمن ذلك ما اورده موسي بن بكير الواسطي في كتابه عن حمران بن اعين الشيباني، و بعد ان اورد جملة من الكتاب المذكور قال: و من ذلك ما استطرفناه من كتاب معاوية بن عمار و قد اخذ منه بعض الأحاديث في احكام الحج والصلاة، ثم قال: و من ذلك ما استطرفناه من كتاب احمد بن محمد ابي نصر البزنطي، كما اخذ من كتاب لأبان بن تغلب، و من كتاب لجميل بن [ صفحه 248] دراج، و لليساري و للبزنطي و لحريز بن عبدالله السجستاني و للحسن بن محبوب السراد، و لعبدالله بن بكير و غيرهم و عبارته تكاد تكون صريحة في

أنه اخذ من تلك الكتب مباشرة. و يظهر من الشهيد في الذكري والكفعمي في مصباحه ان بعض تلك المؤلفات التي تركها اصحاب الأئمة (ع) كانت عندهما كما نص علي ذلك الحر العاملي في الفائدة السادسة التي الحقها في المجلد الثالث من الوسائل الطبعة القديمة. و مهما كان الحال فلست بصدد تحقق هذه الأمور و لا استقصاء جميع ما قيل فيها و في جامعة أهل البيت و العدد الذي كان ينتمي اليها و ما انتجته في مختلف الميادين، فان استقصاء ذلك كله لا يكفيه مجلد واحد. [ صفحه 249]

لامام الصادق والغلاة

لعل من ابرز المشاكل التي واجهت جامعة أهل البيت مشكلة اولئك المندسين بين أصحابه بقصد التشويه و التخريب فوضعوا عشرات الألوف من الاحاديث بين الاحاديث التي رواها الثقات عنه و نسبوا اليه بعض الآراء التي لا تتفق مع أصول الاسلام و مبادئه و بالتالي اظهروا الغلو فيه و جعلوه فوق مستوي البشر و أعطوه جميع صفات الآلهة و أضافوا الي ذلك انهم و كلاؤه و رسله الي الناس، و أكثر هؤلاء كانوا من الموالي و العناصر التي دخلت في الاسلام بقصد التخريب و التضليل و بعضهم كان ينفذ رغبات الحكام الذين اقلقهم وجود الامام الصادق واتساع صيته و زعامته الدينية التي اكتسحت جميع الزعامات، و لعل من اولئك وهب بن وهب المعروف بأبي البختري الذي فتح الحكام له صدورهم و ولوه القضاء لأنه كان يكذب علي الامام الصادق (ع) و يضع الاحاديث تلبية لرغباته، و قد وقف الامام (ع) امام تلك المشكلة موقفا حاسما تلافيا لاخطارها فأعلن للملأ الاسلامي براءته من تلك الفئات المنحرفة و انحرافها عن الدين و الاسلام، فقال علي ملأ من أصحابه. والله ما الناصب

لنا حربا بأشد علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره و بما لم نقله في أنفسنا. و قال في مناسبة ثانية: ان الناس قد اولعوا بالكذب علينا، و اني [ صفحه 250] أحدث احدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتي يتأوله علي غير وجهه و ذلك انهم كانوا لا يطلبون بأحاديثنا ما عندالله، و انما يطلبون الدنيا و كل يجب أن يكون رأسا. و قال له بعض اصحابه: يا ابن رسول اله قد بلغنا عنك انك قلت: اذا عرفتم فاعملوا ما شئتم، فقال (ع): اني قلت اذا عرفتم فاعملوا من الطاعات ما شئتم فانه يقبل منكم. و كان يقول: انا اهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا و لا من أهل ديننا فاذا رفعه و نظر الناس اليه امره الشيطان فيكذب علينا. و قد أوصي أصحابه بأن لا يقبلوا كل ما يرويه الرواة عنهم و وضع لهم قاعدة يرجعون اليها ليتأكدوا من صحة ما ينسب اليهم، فقال: لا تقبلوا علينا الا ما وافق القرآن والسنة، أو ما تجدون عليه شاهدا من احاديثنا المتقدمة. و قال لأبي بصير: يا ابامحمد ابرأ ممن يري اننا ارباب، و من زعم اننا انبياء، فقال ابوبصير: برئت الي الله منهم، ثم قال الامام (ع): من قال اننا انبياء فعليه لعنة الله. و قد اشتهر من بين اولئك المخربين و المأجورين جماعة لم يقتصر خطرهم علي احاديث أهل البيت و آثارهم بل حملوا الي جانب الكذب في الحديث و محاولة افساده افكارا تتنافي مع الاسلام و تشكل خطرا علي التشيع لأهل البيت (ع) و مبادئه و لو لا مواقف الامام الصادق لأدت الي محق التشيع من اساسه. لقد وقف لهم الامام

الصادق (ع) بالمرصاد و أعلن كفرهم والبراءة منهم و ظل يلاحقهم و يفند مزاعمهم و يحذر المسلمين منهم و من دسائسهم حتي قضي علي افكارهم و مزاعمهم تقريا و أظهر للناس واقعها قبل ان تري النور و تتسرب الي العقول، و مع ذلك فالمؤلفون القدامي و المحدثون قد عدوهم من الفرق الاسلامية علي حساب الشيعة بالرغم من تصريحات ائمة الشيعة و علماء [ صفحه 251] الشيعة منذ أقدم العصور بكفرهم و خروجهم عن الاسلام فضلا عن التشيع، بالرغم من أفكارهم لم يتبنها غير المشعوذين و الحاقدين و المشوشين علي الاسلام و التشيع. و من هؤلاء محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الأسدي، و كان من الموالي كما نص علي ذلك المؤلفون في المذاهب و الفرق، و سماه الشهرستاني محمد بن زينب الأسدي الاجدع، و المقريزي كناه بأبي ثور، و قيل في اسمه و كنيته غير ذلك و نسبت اليه بعض الآراء الفاسدة بعد أن ظهر في الكوفة و أظهر التشيع واتصل بأصحاب الصادق و رواة احاديثه كنسبة الألوهية للامام الصادق و أنه نبي مرسل من قبله و نحو ذلك كما يدعي المؤلفون في المذاهب و الفرق الشيعية كالنوبختي و من تأخر عنه، و لما بلغت مقالته الامام (ع) وقف موقفا حازما و حذر المسلمين منه و قال عيسي بن منصور: سمعت اباعبدالله الصادق يقول: اللهم العن اباالخطاب فانه خوفني قائما و قاعدا و علي فراشي اللهم اذقه حر الحديد. و جاء في رواية عنبسة بن مصعب ان الامام الصادق قال له: اي شي ء سمعت من أبي الخطاب؟ قال: سمعته يقول انك وضعت يدك علي صدره و قلت له: عه و لا تنس و أنت تعلم

الغيب و انك قلت: هو عيبة علمنا و موضع سرنا امين علي احيائنا و أمواتنا، فقام الامام الصادق و قال: لا والله ما مس شي ء من جسدي جسده الا يده، و أما قوله اني اعلم الغيب، فوالله الذي لا اله الا هو ما اعلم الغيب، و لا آجرني بالله في أمواتي و لا بارك لي في احيائي ان كنت قلت له ذلك. و قال المفضل بن يزيد قال لي ابوعبدالله الصادق (ع) و قد ذكر أصحاب أبي الخطاب و الغلاة: يا مفضل لا تقاعدوهم و لا تواكلوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم. و جاء في رواية سدير الصيرفي أنه قال: قلت لأبي عبدالله ان قوما يزعمون أنكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآنا، يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعلموا صالحا اني بما تعملون عليم، قال (ع): يا سدير سمعي و بصري [ صفحه 252] و شعري و بشري و لحمي و دمي من هؤلاء براء بري ء الله منهم و رسوله، ما هؤلاء علي ديني و دين آبائي والله لا يجمعني و اياهم يوم الا و هو عليهم ساخط الي غير ذلك مما جاء عن الامام الصادق فيه، و يدعي المؤلفون في الفرق انه فشل في نشر دعوته بعد الموقف الذي وقفه منها الامام ابوعبدالله الصادق (ع) و أخيرا خرج بمن معه من المشعوذين و المضللين علي السلطة الحاكمة في الكوفة فأرسل اليه عيسي بن موسي جماعة فقتلوه مع أصحابه ثم صلبهم ليكونوا عبرة لغيرهم. و منهم بزيع بن موسي الحائك و اليه تنسب الفرقة البزيعية كما يدعي المؤلفون في الفرق الاسلامية، و كان من دعاة الالحاد و الزندقة و قد ادعي النبوة و انه صعد

الي السماء و مسح الله علي رأسه و ان الحكمة تنبت في صدره وادعي بعض انصاره انه الامام بعد أبي الخطاب الي غير ذلك مما نسب اليه، و عدهم بعض المؤلفين في الفرق من فروع الخطابية و كلهم يجتمعون علي تأليه الامام جعفر الصادق (ع) و ان كنت اشك في كثير مما نسب اليهم، و في الوقت ذاته لا اشك في انحرافهم بعد ان لعنهم الامام الصادق و تبرأ منهم، و قال كما روي الرواة عنه: لعن الله بزيعا و السري و بشار الأشعري و حمزة الزيدي و حائد النهدي. و قال: ان بنانا والسري و بزيعا لعنهم الله لقد تراءي لهم الشيطان و انا لا نخلو من كذاب يكذب علينا، أو عاجز الرأي، كفانا مؤونة كل كذاب و أذاقهم حر الحديد، و قد ارسل الامام (ع) برسائل الي عدد من الاقطار يحذرهم فيها من دسائسهم و أساليبهم التي استعملوها لتضليل الناس. و منهم بشار الشعيري و كان قد استوطن الكوفة و أظهر الغلو في علي (ع) و قال بالتناسخ و التعطيل و اختار الكوفة لدعوته لكثرة من بها من الشيعة، ولكن الصادق كان له بالمرصاد. و جاء في رواية مرازم بن حكيم الازدي المدائني ان الامام الصادق (ع) قال له: يا مرازم ان اليهود قالوا و وحدوا الله، و ان النصاري قالوا و وحدوا [ صفحه 253] الله، و ان بشارا قال قولا عظيما فاذا قدمت الكوفة فأته و قل له يقول لك جعفر بن محمد: يا فاسق يا كافر يا مشرك انا بري ء منك، قال مرازم: فلما قدمت الكوفة و وضعت متاعي جئت اليه و دعوت الجارية و قلت لها قولي لابي اسماعيل هذا مرازم

فخرج الي و بلغته رسالة الامام (ع) فقال: و قد ذكرني سيدي؟ قلت: نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك، فقال: جزاك الله خيرا و جعل يدعو لي و يشكرني علي هذه الرسالة. و قال اسحاق بن عمار: قال ابوعبدالله الصادق (ع) لبشار الشعيري: اخرج عني لعنك الله لا والله لا يظلني و اياك سقف ابدا، فلما خرج قال ابوعبدالله: ويله ألا قال بما قالت اليهود، الا قال بما قالت النصاري، الا قال بما قالت المجوس او بما قالت الصابئة؟ والله ما صغر الله تصغير هذا الفاجر احد من الناس، انه شيطان وابن شيطان خرج من البحر ليغوي اصحابي فاحذروه و ليبلغ الشاهد الغائب، فاني عبدالله و ابن عبدالله ضمتني الاصلاب و الارحام و اني لميت و مبعوث ثم مسؤول، والله لأسألن عما قال في هذا الكذاب و ادعاه، ما له غمه الله فلقد افزعني و أقلقني عن رقادي. و قد وقف الامام الصادق (ع) من السري و حمزة الزيدي و حائد النهدي و المغيرة بن سعيد نفس الموقف الذي وقفه من الخطابية و بزيع الحائك و بشار الشعيري و حذر المسلمين منهم و من دسائسهم و مقالاتهم ولعنهم في مجالسه العامة و الخاصة و بما ان هؤلاء قد اتخذوا الكوفة مقرا لهم فكانت رسل الامام الصادق و رسائله تتوالي علي أهلها بين الحين و الآخر يحذرهم فيها من الوقوع في شباكهم و يتبرأ منهم و من اقوالهم لكل من يأتيه من أهل الكوفة و جوارها. و لعن المغيرة بن سعيد كان اقدرهم علي الدجل و التضليل و الشعبذة، فقد جاء في مقالات الاسلاميين للاشعري انه كان يزعم بأن عنده الاسم [ صفحه 254] الاعظم يحيي به الموتي

المخاريق عن طريق السحر و الشعبذة بين عوام الناس و بسطائهم. و قال الطبري في تاريخه: انه كان يخرج الي المقبرة فيتكلم و يري مثل الجراد علي المقبرة، و كان مع ذلك يكثر من الكذب علي الامامين الباقر و الصادق. و جاء في رواية محمد بن عيسي بن عبيد ان بعض اصحابنا سأل يونس بن عبدالرحمن و أنا حاضر و قال له: يا ابامحمد ما أشدك في الحديث و أشد افكارك لما يرويه اصحابنا فما الذي يحملك علي رد الاحاديث؟ فقال يونس: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع اباعبدالله الصادق يقول: لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن والسنة و تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد دس في كتب اصحاب ابي احاديث لم يحدث بها، فاتقوا الله و لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا و سنة نبينا، و في رواية ثانية قال الامام الصادق: ان أصحاب المغيرة المتسترين بأصحاب أبي كانوا يأخذون كتب أصحاب أبي و يدفعونها الي المغيرة فيدس فيها الكفر و الزندقة و الالحاد و يسندها الي أبي، ثم يدفعها الي أصحابه و يأمرهم أن يبثوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم و مؤلفاتهم. و قال الصادق (ع) في معرض حديثه عن المغيرة بن سعيد و أمثالها ممن وضعوا مئات الأحاديث و نسبوها اليه و الي أبيه (ع) و وضعوهما في مستوي الآلهة، قال في معرض التحذير منهم: لعن الله المغيرة بن سعيد و لعن يهودية كان يختلف اليها يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق، ان المغيرة كذب علي أبي فسلبه الله الايمان، و ان قوما

كذبوا علي ما لهم أذاقهم الله حر الحديد، فوالله ما نحن الا عبيد خلقنا الله و اصطفانا ما نقدر علي ضر و لا نفع، ان رحمنا فبرحمته و ان عذبنا فبذنوبنا، فوالله ما لنا علي الله من حجة و لا معنا [ صفحه 255] منه براءة و انا و لميتون و مقبورون و منشورون و موقوفون و مسؤولون، ما لهم لعنهم الله فقد آذوا الله و آذوا رسول الله في قبره و أميرالمؤمنين و فاطمة والحسن والحسين، و ها انذا بين اظهركم أبيت علي فراشي خائفا وجلا، و مضي يقول: اني امرؤ ولدني رسول الله، و ما معي براءة من الله ان اطعته رحمني، و ان عصيته عذبني عذابا شديدا. و كان يدعي المغيرة بأنه يحيي الموتي كنما يزعم المؤلفون في الفرق و المذاهب الاسلامية، و جاء في رواية أبي بكر بن عياش أن خالد بن عبدالله القسري لما قبض عليه و علي أتباعه قتل منهم رجلا و قال للمغيرة: أحيه ان كنت صادقا فيما تدعي، فقال: اني لا احيي الموتي، ثم قتله و أحرقه بالنار. و جاء في رجال الكشي ان ابامنصور العجلي كان من المشعوذين و دعاة الالحاد و الزندقة و قد سكن الكوفة و جعل يبث فيها دعوته و يتظاهر بالولاء لأهل البيت واتخذ من ذلك وسيلة لنجاحها و لما بلغ الامام الباقر (ع) خبره تبرأ منه و لعنه و أرسل اصحابه في الكوفة يحذرهم منه و ممن هو علي شاكلته واستمر أبومنصور في محاولاته الهادفة الي الكفر و الالحاد الي عهد الامام الصادق (ع) فأعلن للناس براءته منه و أمرهم بالابتعاد عنه و لعنه علي ملأ من أهل الكوفة و سماه رسول ابليس،

و أخيرا قتله يوسف بن عمر و صلبه ليكون عبرة لغيره، وانتهي بقتله دور اولئك المشعوذين من دعاة الكفر و التفرقة و استطاع الامام الصادق (ع) بما بذله من جهد لاحباط محاولاتهم و فشل اساليبهم ان يخنق دعوتهم في مهدها قبل ان يستفحل خطرها و يتركهم حديثا سيئا للأجيال يصبون عليهم اللعنات الي يوم الدين. و قد أخطأ خطأ لا مبرر له كل من ادعي ان دعوتهم تركت أثرا في صفوف الشيعة ودان بها جماعة منهم و أصبح لكل واحد منهم أتباع يشكلون فرقة بذاتها كما يذهب الي ذلك النوبختي و الشهرستاني و من أخذ عنهما من [ صفحه 256] المتأخرين و بخاصة أولئك الذين استغلوها لتشويه تعاليم أهل البيت. و قبل ان اختم حديثي عن هؤلاء المشعوذين الذين ارادوا ان يعترضوا الدعوة التي قام بها الامامان الباقر و الصادق (ع) بوضع تلك المبادي ء الهدامة في طريقها لابد لي من التنبيه علي ما وقع فيه محمد جابر عبدالعال من الخطأ في كتابه حركات الشيعة المتطرفين من فرق الشيعة، و أضاف الي ذلك محمد جابر في كتابه المذكور أن جابر الجعفي قد تزعم حركتهم و أنزله أصحاب المغيرة منزلة المغيرة نفسه علي حد تعبيره، في حين أن أئمة الشيعة و علماء الشيعة في جميع مراحل تاريخهم لم يرد عنهم ما يشير الي أن جابر الجعفي قد شذ في رأيه بالائمة و جعلهم في صفوف الآلهة و يرون هؤلاء و من يقول بمقالتهم اسوأ حالا من المشركين و الجاحدين لجميع الأنبياء و رسالاتهم و قد ذكرنا بعض ما جاء عن الامامين الباقر و الصادق (ع) في هؤلاء و أمثالهم، كما و ان ما نسبه لجابر الجعفي لا نصيب

له من الصحة و لا تؤيده المصادر الموثوقة، و لا ذنب لجابر الجعفي عند هؤلاء الا انه قد اشتهر بكثرة الرواية عن أهل البيت، علي أن محدثي السنة لم يتفقوا علي ادانته، فقد جاء في تهذيب التهذيب لابن حجر ان ابن مهدي قال فيه: ما رأيت في الحديث أورع من جابر، و قال فيه ابن علية عن شعبة: جابر صدوق في الحديث و قال فيه يحيي بن أبي بكر عن شعبة: اذا قال جابر حدثنا و سمعت فهو من أوثق الناس و قال فيه وكيع: مهما شككتم فلا تشكوا أن جابرا ثقة، و قال ابن عبدالحكم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر لأتكلمن فيك الي غير ذلك مما يشير الي أنه لم يكن من أولئك المشعوذين و المظللين. و قد ضعفه جماعة منهم و اتهموه بالكذب و التخليط، و من ابرز اسباب بالتضعيف و التكذيب عند علماء السنة و محدثيهم التشيع لأهل البيت و رواية آثارهم و فضائلهم كما يبدو ذلك للمتتبع في كتبهم التي بحثوا فيها احوال الرواة، و نحن اذ ندفع عنه تهمة المضي علي طريق أولئك المشعوذين لا ندعي [ صفحه 257] بأنه من الطبقة الاولي بين أصحاب الأئمة و رواة احاديثهم و ان مروياته لا تقبل الطعن و التجريح، و في الوقت ذاته نؤكد براءته مما الصقه به الاستاذ محمد جابر و غيره، و نصر علي ان اولئك المشعوذين الذين اندسوا بين اصحاب الامامين الباقر و الصادق كالعجلي، و السري، و المغيرة بن سعيد، و بشار الشعيري و الخطابي و غيرهم ان صح ما نسب اليهم فهم أسوأ حالا من اليهود و النصاري و قد كفرهم الامام الصادق ولعنهم و تبرأ منهم

و قضي علي كل ما كانوا يخططون له من هدم و تخريب )لأصول الاسلام و مبادئه ، و كل ما تركه هؤلاء هو انهم خلال وجودهم بين أصحاب (الأئمة وضعوا آلاف الاحاديث و أدخلوهم بين المرويات عن الامامين الباقر و الصادق، و أسندوا بعضها الي ثقاف أصحابهما و تناقلها الرواة بدون تمحيص فاختلط الصحيح بغيره، و قد وضع الأئمة (ع) بعض الأصول و القواعد لتمييز الصحيح من غيره و أمروا بالرجوع اليها تحاشيا من الأخذ بغير الصحيح كما ضاعف علماء الشيعة جهودهم في البحث و التدقيق في الرواية متنا و سندا و صنفوا الحديث الي الأصناف الأربعة للاحتفاظ بالواقع حسب الامكان. و مجمل القول ان جامعة أهل البيت التي اسسها الامام الباقر واستقل بها ولده الصادق (ع) من بعده أكثر من ثلاثين عاما و قصدها العشرات من العلماء و طلاب العلم من كل مكان كان لها اطيب الأثر في تاريخ التشريع الاسلامي و اليها يشير امام المذهب الحنفي بقوله: لولا السنتان لهلك النعمان، كما انتهي اليها و لازمها الامام الثاني من أئمة المذاهب مالك بن أنس لمدة من الزمن كما تؤكد ذلك المصادر التي تعرضت لتاريخه، و لم يكن نشاطها مقصورا علي دراسة الفقه الاسلامي و أدلة التشريع بعد أن انطلق الفكر الاسلامي الي ما وراء هذه المواضيع و دخل المسلمون مع غيرهم من الأمم في صراع جديد كانت الأصول الاسلامية مسرحا له، و نتج عن ذلك الصراع بعض التجاوزات و الانحرافات عن الاصول الاسلامية التي اقرها القرآن و أيدتها السنة و تعددت فيها الاراء كما تعددت في الفروع و احتج كل [ صفحه 258] فريق لمذهبه بظواهر القرآن و بمقالات نسبوها الي الرسول زورا

و بهتانا، و نتج عن هذا الصراع الفكري حول هذه المواضيع جدال عنيف و خصومات انتهت الي تعدد الفرق و المذاهب، و انتشارها في أرجاء الاسلام انتشارا واسعا كان له اسوأ الأثر علي المسلمين في ماضيهم و مستقبلهم و لا يزالون يعانون من آثارها حتي اليوم. و قد وقف أهل البيت (ع) في وجه اولئك الغزاة و ما حملوه من افكار و آراء و معتقدات و شجعوا اصحابهم و تلامذتهم علي الجدل و المناظرة و أمدوهم بالحجج و البراهين و أساليب الدفاع، و جاء عن الامام الصادق (ع) أنه قال لعبدالرحمن بن الحجاج البجلي: ناظر أهل الآراء و البدع فاني أحب أن يروا في شيعتي مثلك. و قال له حمزة الطيار: بلغني أنك تكره الخصومة مع الناس و مناظراتهم، فقال: اما كلام مثلك من اذا طار أحسنم أين يقع و اذا وقع أحسن ان يطير فلا اكره مناظرته للناس. و بلغ من عنايتهم بهذه الناحية أنهم كانوا يعقدون مجالس للمناظرة فيما بينهم للتدريب علي مناظرة الخصوم و الزنادقة، فقد روي الكشي أن جماعة من اصحاب الصادق منهم جميل بن دراج و عبدالرحمن بن الحجاج و جماعة غيرهما يبلغون نحوا من خمسة عشر رجلا او يزيدون اقترحوا علي هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم في التوحيد و صفات الله سبحانه و كلاهما من البارزين بين أصحاب الامام الصادق (ع) في الفقه و الكلام و الفلسفة و غيرهما من العلوم، فعقدوا مجلسا لهذه الغاية و دار بينهما الجدل و الحوار علي جميع الافتراضات التي يمكن ان تكون موضع جدل و حوار بينهم و بين أخصامهم من الزنادقة و المنحرفين. كما روي أبوعمر الكشي في رجاله

ان رجلا من أهل الشام استأذن علي أبي عبدالله الصادق (ع) و عنده جماعة من أصحابه، فقال له: بلغني أنك [ صفحه 259] عالم بكل ما تسأل عنه فصرت اليك لاناظرك، و كان في مجلس الامام الصادق حمران بن أعين، و أبان بن تغلب و مؤمن الطاق و هشام بن الحكم و غيرهم من أصحابه، فناظروه في بعض المواضيع حتي انتهي الأمر بالشامي ان وقف حائرا لا يدري ما يقول و تراجع عن آرائه و لازم هشام بن الحكم زمنا طويلا ليأخذ عنه ما يرد. و كما ناظر الأئمة و أصحابهم أهل البدع و الزنادقة و المنحرفين عن التشيع و جادلوهم بالحجة و المنطق و دافعوا عن العقيدة و أصول الاسلام و نزهوهما مما ألصقه بها المغالون و المشعوذون، فقد كتبوا في الرد علي تلك الفئات كما جاء في رواية ابن النديم والنجاشي والكشي فألف هشام بن الحكم كتابا رد فيه علي الزنادقة و الملحدين، و كتبا اخري في الامامة و الجبر و القدر و في الرد الثنوية و أرسطاطاليس و غيره من فلاسفة اليونان و الهنود الي جانب ما ألفه في الفقه و أصوله علي مذهب أهل البيت (ع). كما ألف زرارة بن أعين كتبا في الاستطاعة و الجبر و غيرهما من المواضيع، و ألف محمد بن عمير و كان من تلامذة الامامين موسي بن جعفر و أبي الحسن الرضا (ع) و لعله أدرك أباجعفر الجواد في المبدأ و التوحيد و الامامة، و ألف يعقوب بن اسحاق السكيت كتابا في المنطق، و كتابا في الالفاظ و الاضداد، و كتابا في الألفاظ المشتركة بين معان متعددة، و كان قد أوكل اليه المتوكل تعليم أولاده، فسأله يوما: أيهما أحب

اليك ابناي هذان المعتز و المؤيد، أم الحسن و الحسين؟ فأجابه: والله ان قنبرا خادم الحسن و الحسين أحب الي منك و من ولديك، فأمر المتوكل غلمانه انم يقتلعوا لسانه من قفاه فمات من ساعته. و ألف أبان بن عثمان الأحمر كتابا في المبدأ و المبعث، و ألف محمد بن النعمان البجلي المعروف بمؤمن الطاق في الامامة و المعرفة و اثبات الوصية و الأوامر و النواهي و كتابا في المناظرات جمع فيه مناظراته معه أبي حنيفة [ صفحه 260] و أصحابه، و كان شديد الخصومة معه و قويا في حجته، و لما توفي الامام الصادق قال له أبوحنيفة مازحا: ان امامك قد مات، فرد عليه بقوله: ولكن امامك من المنظرين الي يوم الوقت المعلوم. الي غير ذلك من مئات المؤلفات الي تركها تلاميذة الأئمة و أصحابهم في مختلف المواضيع كما أشرنا الي هذه الناحية خلال حديثنا عن جامعة أهل البيت و ما قدمته من الخدمات لمصلحة الاسلام. [ صفحه 261]

الامام الصادق مع المنصور و أعوانه

لقد كان المنصور علي صلة وثيقة بالامام الصادق (ع) في عهد الأمويين و كان يجلس اليه و يستمع الي حديثه كما يبدو ذلك من بعض المرويات فقد جاء عنه أنه استدعاه بعد أن زال عهد الأمويين وانتقلت السلطة اليه، واستدعي ولده المهدي، و قال له: يااباعبدالله حديث كنت حديث كنت حدثتنيه في صلة الرحم اعده علي ليسمعه المهدي، قال الامام (ع): حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي (ع) ان رسول الله (ص) قال: ان الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عزوجل ثلاثين سنة، و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث سنين، ثم تلا

قوله تعالي: (يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب). فقال المنصور: هذا حسن يا اباعبدالله و ليس اياه اردت، فقال أبوعبدالله: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي (ع) أن رسول (ص) قال: صلة الرحم تعمر الديار و تزيد في الاعمار و ان كان اهلها غير أخيار. فقال المنصور: و هذا حسن ولكني اردت غيره، فقال ابوعبدالله الصادق (ع): حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي (ع) أن رسول الله (ص) قال: صلة الرحم تعمر الديار و تزيد في الاعمار و ان كان اهلها غير أخيار. فقال المنصور: و هذا حسن ولكني اردت غيره، فقال ابوعبدالله الصادق (ع): حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي (ع) أن رسول الله (ص) كان يقول: صلة الرحم تهون الحساب، فقال المنصور: هذا هو [ صفحه 262] الذي اردت. من هذه الرواية و غيرها يظهر أن المنصور كان علي صلة بالامام و يستمع الي احاديثه و لم يكن لديه ما يوجب قطيعته و جفاءه، و بعد أن أصحبت الدنيا طوع ارادته و انقرض عهد اخصامه الأمويين لم يعد يخشي غير العلويين الذين كان يطالب بحقهم بالأمس و يدعو الناس لمقاومة الأمويين علي حسابهم، و بعد أن استتب له الأمر أصبح لا يخشي سواهم و تصور أن وجود الامام جعفر بن محمد يشكل خطرا علي عرشه و علي اسرته بكاملها فحاول اكثر من مرة ان يفتك به ولكن مشيئة الله كانت تحول بينه و بين ما يريد. و جاء في بعض المرويات عن الربيع حاجب المنصور أنه قال: لما استقرت الخلافة لأبي جعفر المنصور و استتبت له الأمور قال لي: يا ربيع ابعث الي جعفر بن

محمد وائتني به، فذهبت اليه و قلت: يا اباعبدالله اجب اميرالمؤمنين، فقام معي فلما دنونا من الباب جعل الامام الصادق يحرك شفتيه و يتكلم بكلام لم افهمه، ثم دخل علي المنصور و سلم عليه فلم يرد السلام و رفع رأسه الي الامام و قال: يا جعفر أنت الذي تؤلب علي الناس و تحرضهم علي الثورة، فأنكر عليه الامام و تنصل من القيام بأي عمل ضده، فسكن غضبه و قال: اجلس يا اباعبدالله و دعا بمسك و جعل يدهن الامام بيده و المسلك يقطر من بين انامله، ثم اعتذر اليه قال: انصرف يا اباعبدالله ان شئت و أمرني ان اضاعف له الجائزة، و مضي الربيع يقول: فخرجت مع أبي عبدالله و قلت له: شهدت ما لم تشهد يا ابن رسول الله و سمعت ما لم تسمع و قد دخلت عليه و هو حاقد عليك و رأيتك تحرك شفتيك عند دخولك عليه فما اسرع ما تغير موقفه منك، فقال الامام (ع): حدثني أبي عن أبيه عن جده أن النبي (ص) كان اذا حزبه امر دعا بدعاء الفرج فيكشف الله ما به من هم وسوء و انا حينما استدعاني علمت بأنه يريد بي السوء و قد كفاني الله شره ببركة هذا الدعاء. [ صفحه 263] وحدث الربيع مرة ثانية ان المنصور ارسل الي الامام الصادق (ع) من يأتيه به لشي ء بلغه عنه، فلما دنا الصادق من باب المنصور خرج اليه الحاجب و قال: اعيذك بالله من سطوة هذا الجبار يا اباعبدالله فاني رأيت ضرره عليك شديدا، فقال الامام: علي من الله واقية تعينني عليه ان شاءالله، استأذن لي عليه، فلما اذن له و دخل الامام، قال له المنصور: يا

جعفر قد علمت ان رسول الله (ص) قال لأبيك علي بن أبي طالب لولا ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصاري في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس الا و أخذوا التراب من تحت قدميك، و قال علي: يهلك في اثنان و لا ذنب لي محب غال و مبغض مفرط، و انما قال ذلك اعتذارا لأنه لا يرضي بما يقوله فيه المحب و العدو، أنت تعلم ما يقال فيك، و قد زعم اوغاد الحجاز و رعاع الناس انه حبر الدهر و حجة المعبود و ترجمانه و عيبة علمه، فقل فان أول من قال الحق جدك و أول من صدقه عليه أبوك، و أنت حري ان تقتفي آثارهما و تسلك سبيلهما. فقال الامام الصادق (ع): انا فرع من تلك الزيتونة، فقال المنصور: لقد احالني علي بحر لا يدرك طرفه و لا يبلغ عمقه، هذا هو الشجي المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه و لا يحل قتله، و لولا ما يجمعني و اياه من شجرة طاب اصلها و بسق فرعها و عذب ثمرها لكان مني اليه ما لا تحمد عقباه لما يبلغني عنه من شدة عيبه لنا و سوء القول فينا، فأنكر عليه الامام ذلك بأسلوب يوحي بالاعتذار. ثم التفت اليه المنصور و قال: لقد صفحت عنك يا اباعبدالله لصدقك فحدثني بحديث انتفع به و يكون لي زاجرا من الموبقات. فقال الامام (ع): عليك بالحلم فانه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة فانك ان تفعل ما تقدر عليه كنت شفي غيظا و تداوي حقدا و يحب أن يذكر بالصولة، و اعلم بأنك ان عاقبت مستحقا لم يكن غاية [ صفحه

264] ما توصف به الا العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر، فقال المنصور: لقد و عظت فأحسنت و قلت فأوجزت. و جاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي ان المنصور وفد علي المدينة سنة 144 في طريقه لأداء فريضة الحج فقال للفضل بن الربيع: ابعث الي جعفر بن محمد من يأتيني به متعبا قتلني الله ان لم اقتله، قال الفضل: فتغافلت عن ذلك طمعا في أن ينسي المنصور و تهدأ نفسه فأعاد علي طلبه ثانيا و ثالثا، فلم أر بدا من أن أستدعيه، فأرسلت اليه، فلما حضر قلت له: يا اباعبدالله لقد أرسل اليك لأمر عظيم و ما أظنك بناج منه، فقال الامام (ع): لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم دخل علي المنصور و سلم عليه فلم يرد السلام و قال له: لقد اتخذك أهل العراق اماما يجبون لك الاموال من الزكاة و غيرها و تلحد في سلطاني و تبغيه الغوائل قتلني الله ان لم أقتلك، فقال الامام (ع): يا أميرالمؤمنين ان سليمان النبي أعطي فشكر و ان أيوب ابتلي فصبر و ان يوسف بن يعقوب ظلم فغفر فاقتد بأيهم شئت. لم يجد الامام (ع) بدا من مقابلته و هو بتلك الحالة من الحقد و الغضب عليه الا بهذا الاسلوب الهادي ء اللين الذي هو من أبلغ ما يمكن أن يكون في مثل هذه الحالات. لقد اراد الامام (ع) ان يضع حدا لغضبه فقال له ما مضمونه: ان الله اذا انعم علي عباده استحق شكرهم كما شكره سليمان علي نعمه و أنت محاط بنعم الله من جميع جوانبك، والتنكيل بالابرياء علي الظنة و التهمة كفر و جحود لنعم

الله، و اذا كنت تراني بلاء عليك فلو صبرت علي هذا البلاء كما صبر أيوب علي أسوأ انواع البلاء تنال اجر الصابرين، و اذا كنت تراني ظالما لك فلو اقتديت بيوسف و عفوت كما عفا عمن ظلمه كان ذلك اقرب للتقوي والله يحب المحسنين. و كان لجواب الامام أثر في نفس المنصور و أطرق برأسه قليلا ثم رفعه [ صفحه 265] واتجه الا الامام بغير الوجه الذي قابله فيه من قبل فأدناه اليه و مسح علي لحيته الكريمة بالغالية واعتذر منه، ثم قال للفضل بن الربيع كما جاء في الرواية: هيي ء لأبي عبدالله جائزة حسنة و ودعه الي خارج قصره فعاد الامام الي بيته تحرسه عناية الله سبحانه من اولئك الجبابرة الذين كان وجود الامام ثقيلا عليهم كما كان وجود آبائه ثقيلا علي طغاة الأمويين لا لشي ء الا لأن أهل البيت كانوا يجسدون الحق و الخير و العدالة و الاحسان في جميع أعمالهم و أولئك يجسدون الباطل و الظلم و الطغيان في سلوكهم و تصرفاتهم. و مرة اخري ارسل اليه محمد بن الربيع و أمره أن يأتي به علي الحالة التي يجده عليها، قال محمد بن الربيع: لقد دخلت عليه الدار فوجدته يصلي و لما فرغ من صلاته قلت له: اجب أميرالمؤمنين، فقال: دعني ألبس ثيابي، فقلت: ليس الي تركك من سبيل لأني مأمور أن أحملك علي الحالة التي تكون عليها، فجئت به علي حالته و أدخلته علي المنصور و هو حاقد عليه فلما نظر اليه قال: يا جعفر اما تدع حسدك و بغيك علي أهل هذا البيت من بني العباس، و ما يزيدك ذلك الا شدة الحسد و لست ببالغ ما تقدره، فقال الامام (ع): والله

يا اميرالمؤمنين ما فعلت شيئا من هذا، و لقد كنت في ولاية بني امية و أنت تعلم بأنهم أعدي الخلق لنا ولكم و أنهم لاحق لهم في هذا الأمر، فوالله ما بغيت عليهم و لا بلغهم عني سوء، فكيف اصنع هذا و أنت ابن عمي و أمس الخلق بي رحما فأطرق المنصور ساعة ثم رفع و سادة كانت الي جنبه و أخرج من تحتها اضبارة كتب ورمي بها اليه، و قال: هذه كتبك الي أهل خراسان تدعوهم الي نقض بيعتي و أن يبايعوك دوني، فقال الامام (ع): والله ما فعلت، و لقد بلغت ما قد اضعفني عن ذلك لو اردته، ثم اطرق المنصور و ضرب يده الي السيف فسل منه مقدار شبر، ثم رده و قال: يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة و هذا السن ان تنطق بالباطل و تشق عصا المسلمين أتريد أن تريق الدماء و تثير الفتنة بين الرعية، و مضي يخاطبه بهذا الأسلوب المشحون بالحقد و البغضاء و الامام (ع) يقول: والله ما [ صفحه 266] فعلت و لا هذه كتبي و لا خطبي و لا خاتمي و ما زال يحلف له و يتبرأ مما نسب اليه حتي سكن المنصور و قال: اظنك صادقا كما روي ذلك المجلسي في البحار. ويدعي الرواة انه استدعاه نحوا من ثماني مرات و هو حاقد عليه يريد قتله ثم يتراجع بعد الاجتماع به و يجد نفسه من حيث لا يريد مضطرا لاكرامه و تعظيمه، و ان كنت اشك في اكثر ما يرويه بعض الرواة حول تلك المواقف المزعومة، ذلك لأن المنصور يعلم بأن الصادق كان منصرفا عن الخلافة و عن الثورة علي نظام حكمه و لم

يكن علي وفاق مع بني اعماله الذين كانوا يخرجون بين الحين و الآخر و قد اخبرهم بفشل جميع محاولاتهم الرامية الي الاستيلاء علي السلطة و انتزاعها من ايدي العباسيين، و لعلمه بما وصل اليه من آبائه و أجداده قد أخبر بقيام دولة بني العباس و استتباب الأمر لهم و قد تلقي المنصور نفسه منه هذا النبأ بارتياح و غبطة كما ذكرنا من قبل و كان المنصور يجله و يعظمه ولا يري لأحد فضلا عليه و لا أظنه قد حاول قتله أو فكر بذلك لعلمه بأن عملا من هذا النوع يكلفه ما لا يطيق. هذا بالاضافة الي أن تلك المرويات تصور الامام الصادق في موقف الذليل الذي يستجدي عفو المنصور و رضاه مع أن أكثر الروايات تنص علي أنه لم يهادن أحدا علي حساب دينه و كان ينقص عليه و علي غيره من الظلمة كالصاعقة احيانا. فقد جاء في رواية ابي نعيم في حلية الأولياء ان المنصور استدعي الامام الصادق يوما و أجلسه الي جانبه يحادثه بكل اجلال و احترام، فوقع الذباب علي وجه المنصور و لم يزل يقع علي وجهه وانفه حتي ضجر منه المنصور، فقال: لم خلق الله الذباب يا اباعبدالله، فقال الصادق: ليذل به انف الجبابرة، فوجم المنصور و تغير لونه و لم يتكلم معه بما يسي ء اليه كلمة واحدة. كما يروي الرواة انه استدعاه اليه يعاتبه علي قطيعته له و كان قد زار [ صفحه 267] المدينة و لم يدخل عليه الامام الصادق فيمن زاره من الوجوه و الأشراف، فقال له: لم لم تغشنا كما يغشانا الناس، فأجابه الامام (ع) ليس لنا من أمر الدنيا ما نخافك عليه، و لا عندك من أمر الآخرة

ما نرجوه منك، و لا أنت في نعمة نهنئك بها و لا في نقمة فنعزيك. فقال له المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فرد عليه الامام بقوله: ان من يريد الدنيا لا ينصحك و من يريد الآخرة لا يصحبك. و ما أكثر مواقفه التي كان يندد فيها بالحكام و الجبابرة و يصفهم بأقبح الصفات و يحذرهم من سخط الله و عقابه و التمادي في الظلم و الطغيان. كما ان مواقفه مع ولاة المنصور كانت تتسم بالشدة عندما تدعوا الحاجة لذلك فقد جاء في بعض المرويات أن أحد ولاة المنصور في المدينة خطب يوم الجمعة بحضور الامام و نال من اميرالمؤمنين (ع) فقام الامام بعد أن فرغ الوالي من خطابه و قال بعد أن حمد الله و صلي علي رسوله: اما ما قلت من خير فنحن أهله و ما قلت من سوء فأنت و صاحبك أولي به، ثم التفت الي الناس و قال: الا أنبئكم بأخف الناس ميزانا و أبينهم خسرانا يوم القيامة، ألا و ان من اخف الناس ميزانا و أسوئهم حالا من باع آخرته بدنيا غيره و هو هذا الفاسق، فسكت الوالي و خرج من المسجد مذموما مدحورا. و لما كان داود بن علي واليا علي المدينة بالغ في ايذاء العلويين و تتبع انصارهم و طلب من المعلي بن خنيس ان يخبره بحالهم فامتنع المعلي فهدده بالقتل و أصر علي امتناعه فأمر داود بن علي السيرافي قائد شرطته بقتله، و لما بلغ الامام الصادق ما جري علي المعلي تأسف عليه واشتد به الغضب و مشي بنفسه الي مقر الوالي و لم يكن ذلك من عادته فقال له: لقد قتلت مولاي و أخذت مالي، أما علمت أن الرجل

ينام علي الثكل و لا ينام علي الضيم و دار بين الامام و الوالي جدال عنيف حول هذا الأمر كان الوالي يحاول أن يتنصل من مسؤولية ما جري و يحملها السيرافي، و ترك لأولياء الدم ان يقتصوا من القاتل و لما أخذ ليقتل صرخ بأعلي صوته: يأمرونني بقتل الناس فأقتلهم لهم، ثم يتهربون من مسؤولية ذلك و يأمرون بقتلي، و في رواية ثانية ان [ صفحه 268] الامام ذهب الي القاتل و قتله بيده. و تنص بعض المرويات انه بعد ان قتل السيرافي دعا علي داود بن علي و قال في دعائه كما جاء في رواية الكافي: اللهم اني أسألك بنورك الذي لا يطفي و بعزائمك التي لا تخفي و بعزك الذي لا ينقضي و بنعمتك التي لا تحصي و بسلطانك الذي كففت به فرعون عن موسي اكفني داود بن علي الساعة الساعة انك قريب سميع الدعاء، فما استتم دعاءه حتي سمعت الصيحة من دار داود بن علي. و مجمل القول ان الامام الصادق (ع) واجه في ايام المنصور من المحن و الشدائد ما لم يواجهه في العهد الأموي، و كان وجوده ثقيلا عليه لأنه اينما ذهب و حيثما حل يراه حديث الجماهير، و يري العلماء و طلاب العلم يتزاحمون من كل حدب وصوب علي بابه في مدينة الرسول و هو يزودهم بتعاليمه و يلقي عليهم من دروسه و ارشاداته و كانت الدعوة الي الحق و مناصرة العدل و مساندة المظلوم واجتناب الظلمة الذين تسلطوا علي الأمة واستبدوا بمقدراتها و كرامتها، واستهتروا بالقيم و الأخلاق كانت هذه النواحي تحتل المكانة الأولي في تعاليمه و ارشاداته. و كان مع ذلك يقول: ان الامامة لا تصلح الا

الرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم و حلم يملك به غضبه و حسن الخلافة علي من ولي حتي يكون بهم كالوالد الرحيم. هذا والمنصور يسمع و يري كل ذلك، ولكنه كان يقدر ان التحرش بالامام الصادق و الفتك به ستكون له من المضاعفات التي لا يمكن حصر نتائجها و أخطارها، و لولا ذلك لمثل معه نفس الدور الذي مثله مع العلويين من أسرته، و كان قد ملأ بهم المعتقلات و السجون المظلمة و سلط عليهم اعوانه يسومونهم سوء العذاب، حتي اذا مات احدهم في سجنه من التعذيب [ صفحه 269] تركوه الي جانب الأحياء ينظرون اليه و يتململون من رائحته، و بلغ بهم الحال انهم كانوا لا يعرفون اوقات الصلاة الا بتلاوة اجزاء من القرآن يوزعونها علي الليل و النهار، و كانت نهاية امرهم ان امر المنصور بهدم السجن عليهم فمات من بقي منهم تحت الركام. و قد روي جميع المؤرخين حديث الخزانة التي اوصي بها للمهدي و دفع مفتاحها الي ريطة زوجة المهدي و أوصاها أن لا تدفعها لغيره عندما تتأكد من موته، و كانت ريطة تظن بأن محتوياتها من المجوهرات و النفائس و الأموال. و حدث الطبري في تاريخه ان المنصور لما عزم علي الحج دعا ريطة بنت أبي العباس زوجة المهدي، و كان زوجها غائبا عندما عزم المنصور علي السفر الي الحجاز، و أوصاها بما اراد و عهد اليها ثم دفع لها مفاتيح الخزائن و أخذ عليها العهود و المواثيق ان لا تفتح الخزائن و لا تطلع عليها غير المهدي كما اكد عليها ان لا تطلع هي عليها الا بعد ان تتأكد من موته، فاذا تأكدت تجتمع مع المهدي و يفتحانها

معا، و لما رجع المهدي الي مدينة السلام دفعت اليه المفاتيح و أخبرته بما اوصاها به المنصور، فلما انتهي اليه نبأ وفاته و تولي الخلافة فتح الخزائن بحضور زوجته فيها جماعة من قتلي الطالبيين و في آذانهم رقاع فيها انسابهم و فيهم اطفال و رجال شباب و شيوخ و هم عدد كبير، فلما رأي ذلك ارتاع و تغير و أمر ان تحفر لهم حفيرة كبيرة فحفروا لهم و دفنوهم بها. و أظن أن المنصور بوصيته الصامتة هذه الي خليفته المهدي اراد ان يقول له. اذا اردت الملك فاحذر آل علي و عاملهم بمثل ذلك، و لعله احتفظ بتلك الجثث الزواكي و أوصي بتسليمها اليه ليشجعه علي اختيار اسلوب العنف والقسوة في سياسته. [ صفحه 270]

من مناظرات الامام الصادق و أجوبته

لقد ناظر الامام الصادق فريقا من العلماء و المتكلمين، كما ناظر الزنادقة و الملحدين و المعتزلة و المجسمة و القدرية و الخوارج و غيرهم من الفرق بأسلوب هادي ء رصين مدعوم بالحجج و البراهين التي لم تدع لهم مخرجا، و لا بد لنا و نحن نتحدث عن بعض الجوانب من سيرته أن نتعرض لبعض الأمثلة من مناظراته. فمن ذلك ما جاء في بعض المرويات من أن ابن ابي العوجا وابن طالوت وابن المقنع و بعض الزنادقة قد اجتمعوا في الموسم بالمسجد الحرام، و الامام الصادق (ع) فيه يوم ذاك و قد اجتمع عليه الناس يفتيهم و يجيب علي مسائلهم بالحجج و البراهين، و أحيانا يفسر بعض الآيات، فقال القوم لابن ابي العوجا: هل لك في تغليط هذا الجالس و سؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد تري فتنة الناس به. فقال لهم ابن ابي العوجا: نعم، ثم تقدم نحوه و شق الجماهير المحتشدة

من حوله حتي وقف عليه فقال: يا اباعبدالله افتأذن لي بالسؤال، فقال له الامام الصادق: سل ان شئت، فقال له ابن ابي العوجا: الي كم تدوسون هذا البيدر و تلوذون بهذا الحجر و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب [ صفحه 271] والمدر، و تهرولون حوله هرولة البعير اذا نفر؟ من فكر في هذا و قدر علم أنه فعل غير حكيم و لا ذي نظر، فقل فانك رأس هذا الأمر وسنامه و أبوك أساسه و نظامه. فقال له الامام الصادق (ع): ان من أضله الله و أعمي قلبه استوخم الحق و لم يستعذبه و صار الشيطان وليه و ربه يورده مناهل الهلكة و لا يصدره، و هذا بيت استعبد الله به خلقه ليخبر طاعتهم في اتيانه علي تعظيمه و زيارته، و جعله قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه و طريق يؤدي الي غفرانه، منصوب علي استواء الكمال و مجمع العظمة و الجلال، خلقه الله قبل دحوالأرض، فأحق من أطيع فيما أمر و الانتهاء عما زجر هو الله المنشي ء للأرواح والصور. فقال له ابن ابي العوجا: ذكرت يا اباعبدالله فأحلت علي غائب. فقال له الامام الصادق (ع): كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد و هو أقرب اليهم من حبل الوريد يسمع كلامهم و يعلم اسرارهم، لا يخلو منه مكان و لا يشغل به مكان، و لا يكون الي مكان اقرب منه الي مكان، تشهد بذلك آثاره و تدل عليه افعاله، والذي بعث بالآيات المحكمة و البراهين الواضحة محمد بن عبدالله الذي جاءنا بهذه العبادة فان شككت في شي ء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك. فسكت ابي ابي العوجا و لم يدر ما يقول وانصرف من

بين يديه و قال لأصحابه: سألتكم ان تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني علي جمرة، فقالوا له: اسكت فوالله لقد فضحتنا بحيرتك و انقطاعك، و ما رأينا احقر منك اليوم في مجلسه، فقال ألي تقولون هذا؟ انه ابن من حلق رؤوس من ترون و أومأ بيده الي أهل الموسم. و جاء في احتجاج الطبرسي عن هشام بن الحكم أنه قال: اجتمع ابن أبي العوجا و أبوشاكر الديصاني و عبدالملك البصري وابن المقفع في بيت الله الحرام يستهزئون بالحاج و يطعنون بالقرآن فقال ابن ابي العوجا: تعالوا ننقض [ صفحه 272] كل واحد منا ربع القرآن و ميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه و قد نقضنا القرآن كله، فان في نقض القرآن ابطالا لنبوة محمد و في ابطال نبوته ابطال الاسلام و اثبات ما نحن فيه، فاتفقوا علي ذلك وافترقوا فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن ابي العوجا: فما زلت افكر منذ افترقنا في هذه الآية: فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا فما قدرت أن أضم اليها في فصاحتها و جميع معانيها شيئا، و لقد شغلتني عن التفكير في غيرها. و قال عبدالملك البصري: و أنا منذ فارقتكم أفكر في هذه الآية: (ياايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) و لم أقدر علي الاتيان بمثلها. و قال ابوشاكر الديصاني: و أنا منذ فارقتكم أفكر في الآية: (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) و لم أقدر علي الاتيان بمثلها. و قال ابن المقفع: يا قوم ان هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر

و أنا منذ فارقتكم أفكر في الآية. (و قيل يا ارض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء و قضي الأمر واستوت علي الجودي و قيل بعدا للقوم الظالمين)، فلم أبلغ غاية المعرفة بها و لم أقدر علي الاتيان بمثلها، و أضاف هشام بن الحكم الي ذلك: فبينماهم في ذلك اذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق (ع) فقال: لئن اجتمعت الانس و الجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، فنظر القوم بعضهم الي بعض و قالوا: لئن كان للاسلام حقيقة لما انتهي امر وصية محمد الا الي جعفر بن محمد، والله ما رأيناه الا هبناه واقشعرت جلودنا لهيبته. و جاء في رواية يونس بن يعقوب أنه قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) فورد عليه رجل من أهل الشام، فقال له اني رجل صاحب فقه و كلام [ صفحه 273] و فرائض و قد جئت لمناظرة اصحابك، فقال له الامام (ع): كلامك هذا من كلام رسول الله أو من عندك، فقال من كلام رسول الله بعضه و من عندي بعضه، فقال له الامام (ع): فأنت اذن شريك رسول الله؟ فقال: لا، قال: سمعت الوحي من الله تعالي، قال: لا، قال: فتحب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله، قال: لا. و مضي يونس بن يعقوب يقول: لقد التفت الي ابوعبدالله الصادق (ع) و قال: هذا خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيا لها من حسرة، ثم قال: لقد سمعتك يا اباعبدالله تنهي عن الكلام و تقول: ويل لاصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لاينقاد، و هذا

ينساق و هذا لاينساق، و هذا نعقله و هذا لا نعقله، فقال الامام (ع): انما قلت ويل القوم تركوا قولي بالكلام و ذهبوا الي ما يريدون، قم فاخرج الي الباب فمن تري من المتكلمين فأدخله، قال يونس بن يعقوب: فخرجت فوجدت حمران بن اعين، و محمد بن نعمان الأحول، و هشام بن سالم، و قيس الماصر و كان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين فأدخلتهم، فلما استقر بنا المجلس و كنا في خيمة لأبي عبدالله في طرف جبل علي طريق الحرم و ذلك قبل الححج بأيام فأخرج ابوعبدالله رأسه من الخيمة فاذا هو ببعير يخب قال هشام و رب الكعبة، و كنا ظننا ان هشاما رجل من ولد عقيل، و كان شديد المحبة لأبي عبدالله (ع) فاذا هو هشام بن الحكم و هو أول ما اختطت لحيته و ليس فينا الا من هو الأكبر منه سنا، فوسع له ابوعبدالله و قال: ناصرنا بقلبه و لسانه و يده، ثم قال لحمران كلم الشامي فكلمه حمران و ظهر عليه، ثم التفت الي محمد بن نعمان الأحوال و قال كلمة فكلمه و ظهر عليه علي حد تعبير الراوي و أمر بقية أصحابه أن يكلموه و يجادلوه و الامام الصادق يبتسم لحوارهم مع الشامي، ثم قال للشامي كلم هذا الغلام ان شئت يعني بذلك هشاما، فقال الشامي لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا و أشار الي الصادق (ع) فغضب هشام بن [ صفحه 274] الحكم و قال له: يا هذا اخبرني أربك انظر لخلقه أم الخلق لانفسهم، فقال الشامي بل الله سبحانه انظر للخلق منهم لأنفسهم، فقال هشام: ماذا فعل بنظره لهم في دينهم؟ قال: كلفهم و أقام لهم

حجة و دليلا علي ما كلفهم به و أزاح في ذلك عللهم، فقال لهم هشام بن الحكم، فما هذا الدليل الذي نصبه لهم، قال: هو رسول الله و بعده الكتاب والسنة، ورد عليه هشام بقوله: فهل نفعنا الكتاب و السنة فيما اختلفنا فيه و رفعا عنا الاختلاف و لم اختلفنا نحن و أنت وقد جئتنا من الشام تناظرنا و تزعم ان الرأي طريق بالدين و أنت تقر أن الرأي لا يجمع المختلفين علي القول الواحد، فسكت، و قال له الامام (ع): مالك لا تتكلم؟ فقال: ان قلت لم نختلف فقد كابرت، و ان قلت ان الكتاب و السنة يرفعان طريق الاختلاف فقد اخطأت، لأنهما يحتملان الوجوه الكثيرة، ولكن لي عليه مثل سؤاله، فقال له الامام: سله فستجده مليا، و كرر عليه الشامي نفس الأسئلة التي وجهها اليه هشام فأجابه عليها وانتهي الي أن النبي (ص) كان الحجة في ابتداء الأمر و بعده عترته و الامام الصادق هو الحجة يوم ذاك، و هنا سأل الشامي عن الدليل المقنع فأحال هشام بن الحكم الجواب علي الامام (ع) فقال الصادق (ع): أنا اكفيك المسألة أيها الرجل و أخبرك عن سفرك و مسيرك و تاريخ خروجك من الشام و ما جري لك في طريقك، لقد خرجت يوم كذا و كان طريقك علي كذا، و جعل الامام (ع) يصف له رحلته وصفا دقيقا وكانه كان يرافقه فيها، فاعترف الشامي بامامته و خرج مقتنعا بمذهب أهل البيت (ع) و يدعي الراوي ان الامام (ع) أبدي بعض الملاحظات علي أسلوب أصحابه في الجدل و قال لهشام: مثلك من يكلم الناس. و جاء في بعض المرويات ان الامام الصادق (ع) قال لأبي حنيفة في بعض

مجالسه معه: بم تفتي أهل العراق يا اباحنيفة؟ قال: بكتاب الله، قال: و انك لعالم بالكتاب ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه؟ قال: نعم، قال: فاخبرني عن قول الله تعالي: (و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي [ صفحه 275] و أياما آمنين)، أي موضع هذا، قال: هو ما بين مكة و المدينة، فالتفت الامام الصادق لجلسائه و قال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة و المدينة و تأمنون عل دمائكم و أموالكم؟ فقالوا لا: فقال: يا اباحنيفة ان الله لا يقول الا حقا، اخبرني عن قوله الله تعالي: (و من دخله كان آمنا) أي موضع هو، قال ذلك بيت الله الحرام، فالتفت ابوعبدالله الصادق الي جلسائه و قال: نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبدالله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه و لم يأمناه القتل؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال ابوحنيفة: ليس لي علم بالكتاب انما أنا صاحب قياس، فقال الامام: فانظر في قياسك ان كنت مقيسا، أيما أعظم عندالله القتل او الزنا؟ قال: القتل اعظم، قال: فكيف رضي في القتل بشاهدين و لم يرض في الزنا الا بأربعة شهود، و أيهما أفضل الصلاة أم الصيام، قال: بل الصلاة افضل، قال: فيجب علي قياسك ان تقضي الحائض ما فاتها من الصلاة حال حيضها دون الصيام، في حين ان الله قد أوجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، ثم قال له: البول أقذر أم المني؟ قال البول اقذر، فقال (ع): يجب علي قياسك أن يغتسل الانسان من البول دون المني، فقال: انما أنا صاحب رأي، قال: فما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوج عبده في ليلة واحدة فدخلا بزوجتيهما في ليلة واحدة ايضا، ثم

سافرا و تركا زوجتيهما في بيت واحد و ولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و بقي الغلامان أيهما في رأيك المالك و أيهما المملوك و أيهما الوارث و أيهما الموروث؟ فقال: انما انا صاحب حدود، قال: فما تري في رجل اعمي فقأ عين صحيح، و أقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد، فقال: انما أنا رجل عالم ببعث الأنبياء، قال: فاخبرني عن قوله تعالي لموسي و هارون حين بعثهما الي فرعون (لعله يتذكر أو يخشي) أليست لعل للشك؟ قال: نعم، قال: فهل هي من الله شك ؟ قال: لا أعلم، فقال الامم (ع): تزعم بأنك تفتي بكتاب الله و لست ممن ورثه، و تزعم أنك صاحب قياس و أول من قاس ابليس، و تزعم انك صاحب رأي و كان [ صفحه 276] الرأي من رسول الله صوابا و من غيره خطأ، لأن الله يقول: (فاحكم بينهم بما أراك الله) و لم يقل ذلك لغيره، و تزعم بأنك صاحب حدود و من انزلت عليه أولي بعلمها منك و تزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء و خاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك، و لولا ان يقال ان اباحنيفة دخل علي ابن رسول الله و لم يسأله ما سألتك عن شي ء، فقال ابوحنيفة: لا أتكلم بالرأي و القياس بعد هذا اليوم، فقال الامام (ع): كلا ان حب الرياسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك. و جاء في رواية عبدالمؤمن الانصاري انه قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (ع): ان قوما رووا ان رسول الله (ص) قال: اختلاف امتي رحمة فقال صدقوا، قلت: اذا كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب، قال: ليس حيث تذهب و ذهبوا، انما أراد رسول الله (ص)

قوله تعالي: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون) لقد أمرهم بأن ينفروا الي رسول الله و يختلفوا اليه و يتعلموا ثم يرجعوا الي قومهم فيعلموهم، فقد اراد رسول الله اختلافهم في البلدان لتعليم الناس لا اختلافهم في الدين. و جري جدال واسع في عصره حول الخلافة بين المعتزلة من جهة و بين غيرهم ممن كانوا يسايرون الأمويين او يخافون بطشهم من جهة اخري و عندما قتل الوليد بن يزيد و وقع الخلاف في الشام فيمن يتولاها من بعده فتحرك المعتزلة وانحازوا الي جانب محمد بن عبدالله بن الحسن فاجتمع جماعة منهم فيهم عمرو بن عبيد و واصل بن عطاء و حفص بن سالم، و قصدوا الامام الصادق (ع) ليشرحوا له وجهة نظرهم من هذا الأمر و تكلم عنهم عمروبن عبيد فقال: لقد قتل أهل الشام خليفتهم و ضرب الله بعضهم ببعض و تشتت امرهم فنظرنا فلم نجد لها سوي محمد بن عبدالله بن الحسن (النفس الزكية) و كان يلقب بذلك فأردنا أن نجتمع معه و نبايعه ثم نظهر امرنا معه و ندعو الناس اليه فمن بايعه كنا معه و كان معنا و من اعتزلنا كففنا عنه، و من [ صفحه 277] وقف في طريقنا جاهدناه و نصبنا له لنرده الي الحق و أهله، و قد احببنا ان نعرض امرنا عليك فانه لاغناء لنا عن مثلك لفضلك و كثرة شيعتك. و بالرغم من أن مرشح المعتزلة لها من أهل البيت و أفضل ممن تقدم لها من الأمويين في دينه و علمه الا ان ذلك لم يمنع الامام الصادق (ع) من أن ينتقد الأسلوب الذي اعتمدوه

في اختيار محمد بن عبدالله بن الحسن لها، فالتفت الي الحضور و قال: اكلمكم علي مثل ما قال عمروبن عبيد، فقالوا: نعم يا ابن رسول الله، فحمدالله و أثني عليه و صلي علي النبي ثم قال: انا نسخط اذا عصي الله فاذا اطيع الله رضينا، أخبرني يا عمرو لو ان الامة قلدتك أمرها و ملكته بغير قتال و قيل لك و لها من شئت من المسلمين من تولي؟ قال: كنت اجعلها شوري بين الملسمين، قال: بين كلهم؟ قال: نعم، قال بين فقهائهم و خيارهم من قريش و غيرهم و العرب و غيرهم، فقال له الامام (ع): اتتولي ابابكر و عمر ام تتبرأ منهما؟ فقال: اتولاهما، فرد عليه الامام بقوله: فان كنت تتبرأ منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما و ان كنت تتولاهما فقد خالفتهما فقد بايع عمر بن الخطاب ابابكر و لم يشاور أحدا، ثم ردها أبوبكر عليه و لم يشاور احدا، ثم جعلها عمر بن الخطاب بين ستة و أخرج منها الأنصار و غيرهم من قريش، ثم اوصي الناس بشي ء لا اضنك ترضاه انت و لا اصحابك، قال: و ما صنع؟ قال: امر صهيبا ان يصلي بالناس ثلاثة ايام و ان يتشاور اولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم الا ابن عمر و ليس له من الأمر شي ء و أوصي من بحضرته من المهاجرين و الانصار ان مضت ثلاثة أيام و لم يفرغوا و يبايعوا ان تضرب اعناق الستة جميعا، و ان اجتمع اربعة قبل ان تمضي الأيام الثلاثة و خالف اثنان ان تضرب اعناق الاثنين، افترضون بهذا فيما تجعلونه من الشوري بين المسلمين؟ قالوا: لا. و بعد ان وجه اليهم الامام بعض الأسئلة التي لابد

لمن يتولي امور المسلمين ان يكون محيطا بها و عجزوا عن جوابه كما جاء في رواية الطبرسي في الاحتجاج ختم حواره معهم بقوله: حدثني ابي و كان خير أهل الأرض [ صفحه 278] و أعلمهم بكتاب الله و سنة رسوله ان رسول الله قال: من ضرب الناس بسيفه و دعاهم الي نفسه و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف. و قال سليمان بن مهران: سألت أباعبدالله الصادق (ع) عن قول الله عزوجل (والأرض جميعا قبضته) فقال (ع) يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تعالي في موضع اخر يؤدي معني المنع، و البسط بمعني الاعطاء و التوسع، و الي ذلك تشير الآية: (والله يقبض و يبسط و اليه ترجعون)، كما و أن اخذه يعني قبوله و من ذلك قوله: (يأخذ الصدقات). قال سليمان بن مهران: فقلت له قوله (والسماوات مطويات بيمينه)، فقال: اليمين هي اليد واليد هي القدرة و القوة، أي مطويات بقدرته وقوته. و سأله هشام بن الحكم عن الدليل علي وحدانية الله، فقال (ع): اتصال التدبير و تمام الصنع. و قال له ابوشاكر الديصاني: ما الدليل علي أن لك صانعا؟ فقال (ع): وجدت نفسي لا تخلو من احدي جهتين: اما ان اكون صنعتها أنا أو صنعها غيري، فان كنت صنعتها فلا اخلو من أحد معنيين، اما أن أكون صنعتها و كانت موجودة فقد استغنيت عن صنعها، و ان كانت معدومة و انك لتعلم ان المعدوم لا يحدث شيئا، فقد ثبت القول الثالث ان لي صانعا و هو رب العالمين، فسكت الديصاني و لم يدر ما يجيب. و قال (ع) في جواب من سأله عن معني قوله تعالي: (الرحمن علي

العرش استوي)، فقال استوي من كل شي ء: فليس شي ء أقرب اليه من شي ء لم يبعد منه بعيد و لم يقرب منه قريب، ثم قال: من زعم أن الله عزوجل من شي ء أو في شي ء أو علي شي ء فقد كفر. فقال له السائل: فسر لي ذلك يا ابن رسول الله، فقال (ع): من [ صفحه 279] زعم ان الله من شي ء فقد جعله محدثا، و من زعم أنه في شي ء فقد جعله محصورا و من زعم أنه علي شي ء فقد جعله محمولا. و سئل (ع) عن شبهة المجسمة، فقال: ان الجسم محدود متناه و الصورة محدودة متناهية، فاذا احتمل الحد احتمل الزيادة و النقصان، و اذا احتمل الزيادة و النقصان كان مخلوقا. و سأله سليمان بن مهران الأعمش، فقال: هل يجوز أن نقول ان الله في مكان، فقال: سبحان الله و تعالي عن ذلك انه لو كان في مكان لكان محدثا لأن الكائن في مكان محتاج الي المكان و الاحتياج من صفات المحدث لا من صفات القديم. و كان الجعد بن درهم قد جعل في قارورة ترابا و ماء فاستحال دودا و هوام، فقال الجعد: أنا خلقت هذا لأني تسببت فيه، و لما بلغت مقالته الامام الصادق (ع) قال: ليقل كم هي، و كم الذكران و الاناث فيها، و كم وزن كل واحدة منها، و ليأمر الذي سعي الي هذا الوجه أن يرجع لغيره ان كان و هو خلقها. والحديث عن مناظراته و أجوبته في مختلف المواضيع طويل و متشعب، و نكتفي منه بهذه النماذج التي تضع بين يدي القراء صورا عن هذا الجانب من سيرته، و منه استمد التوفيق لابراز ما بقي من جوانبها. [

صفحه 280]

من وصاياه لأصحابه

واعلموا بأنه لن يؤمن عبد من عبيده حتي يرضي عن الله فيما صنع اليه و صنع به مما أحب و كره. و عليكم بحب المساكين فان من حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين الله و قد قال ابونا رسول الله: لقد أمرني ربي بحب المساكين، واعلموا أنه من حقر أحدا من المسلمين ألقي الله عليه المقت حتي يمقته الناس، والله له أشد مقتا فاتقوا الله في اخوانكم المساكين، فان لهم عليكم حقا أن تحبوهم فان الله أمر نبيه بحبهم، و من لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصي الله و رسوله و من مات علي ذلك مات من الغارمين. و اياكم والعظمة و الكبر، فان الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه الله و أذله يوم القيامة، و اياكم أن يبغي بعضكم علي بعض، فان من بغي جرالله بغيه علي نفسه، و اياكم أن يحسد بعضكم بعضا فان الكفر أصله الحسد. وليعن بعضكم بعضا، فان أبانا رسول الله (ص) كان يقول: ان معونة المسلم خير و أعظم أجرا من صيام شهر و اعتكافه في المسجد الحرام. و اياكم واعسار أحد من اخوانكم المسلمين (ص) فان أبانا رسول الله [ صفحه 281] (ص) كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما و من أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل الا ظله واعلموا أنه ليس بين الله و بين أحد من خلقه لا ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا من دون ذلك الا طاعتهم له. و كان عنوان البصري من أصحاب مالك بن أنس و أخيرا اتصل بالامام الصادق، و مما جاء في وصية الامام

له: اذا اردت العلم فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية، فقال له عنوان البصري: و ما حقيقة العبودية يا اباعبدالله؟ فقال: ثلاثة اشياء ان لا يري العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا لأن العبيد لايكون لهم ملك و يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرالله، و اذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا هان عليه الانفاق فيما أمر الله. و أن لا يدبر لنفسه تدبيرا، و اذا فوض تدبير نفسه الي مدبره هانت عليه مصائب الدنيا، و ان يشتغل فيما أمر الله و به نهي عنه، و اذا اشتغل بما أمره به و نهاه عنه لا يتفرغ الي المراء و المباهاة مع الناس، فاذا اكرم الله العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا فلا يطلبها تفاخرا و تكاثرا، و لا يطلب عند الناس عزا وعلوا. و قال له: اوصني يا ابن رسول الله، فقال: اوصيك بتسعة أشياء فانها وصيتي لمن يريد الطريق الي الله، والله اسأل ان يوفقك لاستعمالها، ثلاثة منها في رياضة النفس و ثلاثة منها في الحلم و ثلاثة منها في العلم فاحفظها و اياك و التهاون بها. اما اللواتي في الرياضة فاياك أن تأكل ما لا تشتهيه فانه يورث الحمق والبله، و لا تأكل الا عند الجوع، فاذا اكلت فكل حلالا و سم الله تعالي واذكر حديث النبي (ص): ما ملأ آدمي وعاء اشد شرا من بطنه، فان كان ولابد فثلث لطعامه و ثلث لشرابه و ثلث لنفسه. و أما اللواتي في الحلم فمن قال لك: ان قلت واحدة سمعت عشرا، فقل له ان قلت عشرا لم تسمع واحدة، و من شتمك فقل له: ان كنت صادقا فيما تقوله فاسأل الله

المغفرة، و ان كنت كاذبا فاسأل الله ان يغفر لك، و من وعدك بالخيانة فعده [ صفحه 282] بالنصيحة و الوفاء. و أما اللواتي في العلم، فاسأل العلماء ما جهلت و اياك أن تسألهم تعنتا و تجربة، و اياك أن تعدل بذلك شيئا و خذ بالاحتياط في جميع امورك ما تجد اليه سبيلا، واهرب من الفتيا فرارك من الاسد و لا تجعل رقبتك للناس جسرا. و جاء في وصيته لعمرو بن سعيد أنه قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (ع): لا اكاد القاك الا في السنين فاوصني بشي ء آخذ به، و قال (ع): اوصيك بتقوي الله و صدق الحديث و الورع و الاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع معه، و اياك أن تطمح نفسك الي من فوقك، و كفي بما قال الله تعالي: فلا تعجبك اموالهم و لا اولادهم. و قال عزوجل لرسوله: و لا تمدن عينيك الي ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحياة الدنيا. فان خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول الله (ص) فقد كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف اذا وجده. و اذا اصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله فان الخلق لم يصابوا بمثله ابدا. و جاء في وصيته لحمران بن أعين، يا حمران انظر الي من هو دونك و لا تنظر الي من هو فوقك في المقدرة فان ذلك اقنع لك بما قسم الله و أحري ان تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل مع اليقين أفضل عندالله من العمل الكثير علي غير يقين. واعلم بأنه لا ورع انفع من تجنب المحارم والكف عن أذي المؤمنين واغتيابهم و لا عيش اهنأ من حسن الخلق، و

لا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي ء و لاجهل اضر من العجب. و كان يقول لأصحابه: اذا صليتم الصبح وانصرفتم فبكروا في طلب الرزق و اطلبوا الحلال فان الله سيرزقكم و يعينكم عليه. [ صفحه 283] و حدث زيد الشحام عنه انه قال: اقرأ من تري انه يطيعني منكم السلام و أوصيكم بتقوي الله عزوجل و الورع في دينكم و الاجتهاد و صدق الحديث و اداء الامانة و طول السجود و حسن الجوار فبهذا جاءنا رسول الله، و أدوا الأمانة لمن ائتمنكم عليها برا و فاجرا فان رسول الله (ص) كان يأمر بأداء الخيط و المخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم و عودوا مرضاهم و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه و صدق الحديث و أدي الامانة و حسن خلقه مع الناس و قيل هذا جعفري يسرني ذلك و يدخل علي منه السرور، و من كان غير ذلك دخل علي بلاؤه و عاره. و قال لبعض اصحابه: لا تستصغرن حلوي و فضل طعام تصرفه في بطون خالية ليسكن بها غضب الله تعالي، واعلم أني سمعت من أبي يحدث عن آبائه عن أميرالمؤمنين أنه سمع النبي (ص) يقول يوما: ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعان و جاره جائع، فقلنا هلكنا يا رسول الله، فقال: ولو من فضل تمركم و رزقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب. يا عبدالله اياك ان تخيف مؤمنا فان أبي محمدا حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب (ع) أنه كان يقول: من نظر الي مؤمن ليخيفه بها اخافه يوم لا ظل الا ظله و حشره في صورة الذر. و قال لحفص بن غياث: ان قدرتم أن

لا تعرفوا فافعلوا و ما عليك اذا لم يثن الناس عليك، و لا يضرك ان تكون مذموما عند الناس اذا كنت محمودا عندالله، و ان قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، فان عليك في خروجك ان لا تغتاب و لا تكذب و لا تحسد و لا ترائي و لا تتصنع و لا تداهن. و قال له سفيان الثوري: أوصني يا ابن رسول الله، فقال: يا سفيان اذا جاءك ما تحب فاكثر من الحمدلله و اذا جاءك ما تكره فاكثر من لا حول و لا قوة الا بالله، و اذا استبطأت الرزق فاكثر من الاستغفار، يا سفيان لا مروءة لكذوب و لا اخ لملول و لا راحة لحسود و لا سؤدد لسي ء الخلق، فقال: يا ابن [ صفحه 284] رسول الله زدني: قال: يا سفيان ثق بالله تكن مؤمنا و ارض بما قسم الله لك تكن غنيا واحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، و لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره و شاور في امرك الذين يخشون الله. فقال: زدني يا ابن رسول الله، فقال: يا سفيان. من اراد عزا بلا عشيرة و غني بلا مال و هيبة بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله الي عز طاعته، و اذا أنعم الله عليك بنعمة و أحببت بقاءها و دوامها فاكثر من الحمد والشكر عليها فان الله عزوجل قال: (لئن اكرتم لأزيدنكم) و اذا استبطأت الرزق فاكثر من الاستغفار فان الله يقول في كتابه: (استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم جنات و يجعل لكم انهارا). و جاء في وصيته الي عبدالله بن جندب: يا ابن جندب يهلك

المتكل علي عمله و لا ينجو المجتري ء علي الذنوب الواثق برحمة الله، قال عبدالله بن جندب: فمن ينجو يا ابن رسول الله؟ قال: الذين هم بين الخوف و الرجاء كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقا الي الثواب و خوفا من العقاب. ويل للساهين عن الصلاة النائمين في الخلوات المستهزئين بالله في الفترات اولئك الذين لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لهم عذاب أليم. يا ابن جندب أحب في الله وابغض في الله و لا تكن بطرا في الغني و لا جزعا في الفقر و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك، و لا واهيا يحقرك من عرفك، و لا تسخر بمن هو دونك و لا تنازع الأمر اهله و لا تطع السفهاء، وصل من قطعك و أعط من حرمك و أحسن الي من أساء اليك و سلم علي من سبك و أنصف من خاصمك واعف عمن ظلمك كما تحب أن يعفي عنك. يا ابن جندب لا تتصدقن علي أعين الناس ليزكوك، فانك ان فعلت ذلك فقد استوفيت اجرك،. ولكن اذا اعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فان الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية. [ صفحه 285] الي غير ذلك من وصاياه و نصائحه لأصحابه التي تمثل الخلق الاسلامي الذي امتاز به أهل البيت (ع) والذي كان الامام (ع) يحاول من خلال وصاياه و ارشاداته لأصحابه و غيرهم ان يجسدوا الاسلام بما فيه من مثل و أخلاق و آداب و تشريع في افعالهم قبل أقوالهم ليكونوا من دعاته الصامتين. و جاء في حلية الأولياء عن بعض الرواة انه قال: دخلت علي الامام جعفر بن محمد و موسي ولده بين يديه و هو يوصيه

فكان مما حفظت منه ان قال: يا بني اقبل وصيتي واحفظ مقالتي فانك ان حفظتها تعش سعيدا و تمت حميدا، يا بني من رضي بما قسم الله استغني و من مد عينه الي ما في يد غيره مات فقيرا، و من لم يرض بما قسم الله اتهم الله في قضائه، و من استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، و من استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، و من سل سيف البغي قتل فيه، و من حفر لأخيه بئرا سقط بها، و من دخل مداخل السوء اتهم، يا بني اياك ان تزري بالرجال فيزري بك، و قل الحق لك او عليك، و كن لكتاب الله تاليا و للسلام فاشيا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و لمن قطعك واصلا، و لمن سألك معطيا، و اياك و التعرض لعيوب الناس فالمتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف، و اذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فان للجود معادن و للمعادن أصولا و للاصول فروعا و للفروع ثمرا. يا بني اذا زرت الاخيار و لا تزر الفجار فانهم صخرة لا ينفجر ماؤها و شجرة لا يخضر ورقها و أرض لا يظهر عشبها، و جاء عن علي بن موسي الرضا (ع) أنه قال: ان أبي ما ترك هذه الوصية الي أن مات. و قال (ع) كما جاء في رواية الكليني في الكافي: الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام، فما زاد علي الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد علي ثلاثة ايام في العسر فصاحبه ملعون. و كان يقول لخادمه في اوقات حاجة الناس: اشتر لنا

شعيرا واخلط به [ صفحه 286] طعامنا فاني اكره ان نأكل جيدا و يأكل الناس رديا. و روي عنه ابوجعفر الفزاري أنه دعا مولي له يقال له مصادف فأعطاه الف دينار ليتاجر بها و قال له: تجهز حتي تخرج الي مصر فان عيالي قد كثروا، قال: فتجهز بمتاع و خرج مع التجار الي مصر فاستقبلتهم قافلة من التجار خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة و كان متاع العامة فأخبروهم أنه ليس في مصر منه شي ء فتحالفوا و تعاقدوا علي أن لا ينقصوا متاعه من ربح الدينار دينارا، فباعوا تجارتهم بهذا الربح و رجعوا الي المدينة، فدخل مصادف علي الامام الصادق (ع) و معه كيسان في كل واحد منهما ألف دينار، و قال له: جعلت فداك، هذا رأس المال و هذا الآخر ربحها، فقال له الامام: ان هذا الربح كثير كيف صنعت في المتاع الذي اشتريته حتي ربحت هذا الربح؟ فحدثه بحاجة البلاد الي المتاع و كيف تحالف مع التجار ان لا يبيعوا ما معهم الا بربح الدينار دينارا، فقال سبحان الله تتحالفون علي قوم مسلمين الا تبيعوا الا بربح الدينار دينارا؟ ثم أخذ رأس المال، و قال: هذا مالنا، ورد عليه الربح، ثم قال: يا مصادف، مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال. [ صفحه 287]

من كلماته القصار و حكمه

لو اراد الكاتب ان يستوعب تاريخ الامام الصادق و سيرته من جميع جوانبها لا يخرج من كل جانب من جوانبها بأقل من مجلد مستقل و بما أن ذلك يكلفني من الوقت ما لا املك و من الجهد و التتبع ما لا اطيق و عملا بالحكمة المأثورة ما لا يترك كله فقد اقتصرت علي

بعض النماذج منها و سأقدم في هذا الفصل امثله من كلماته و حكمه في مختلف المواضيع. فقد جاء عنه أنه قال: أفضل الملوك من اعطي ثلاث خصال الرأفة والجود والعدل و عليهم أن لا يفرطوا في ثلاث في حفظ الثغور و تفقد المظالم و اختيار الصالحين لأعمالهم. و قال: ثلاثة لا يعوز فيها المرء: مشاورة ناصح، و مداراة حاسد و التحبب الي الناس. و قال: احذر من الناس ثلاثة: الخائن و الظلوم و النمام، لأن من خان لك خانك و من ظلم لك سيظلمك، و من نم اليك سينم عليك. و ثلاثة من تمسك بها نال من الدنيا بغيته من اعتصم بالله و رضي بقضاء الله و أحسن الظن بالله، و قال اعبد الناس من اقام الفرائض و أزهد الناس من ترك الحرام. كان ذي صناعة مضطر الي ثلاث خلال يحتلب بها الكسب: ان يكون [ صفحه 288] حاذقا في عمله مؤديا للامانة فيه مستميلا لمن استعمله. اذا لم تجتمع القرابة علي ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم و شماتة الأعداء بهم، و هي ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت امرهم، والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم علي الألفة، و التعاون لتشملهم العزة. و قال له رجل: اني أحب الدنيا، فقال له الامام: تصنع بها ماذا؟ قال: اتزوج منها و أحج و أنفق علي عيالي و أنيل اخواني، فقال الامام: ليس هذا من الدنيا بل هو من الآخرة. ثلاثة لا يصيبون الا خيرا: اولو الصمت و تاركو الشر، و المكثرون من ذكر الله و رأس الحزم التواضع. فقال له بعضهم و ما التواضع يا اباعبدالله؟ قال: ان ترضي من المجلس بدون شرفك و ان تسلم

علي من لقيت، و ان تترك المرء و ان كنت محقا. و قال للمفضل بن عمر: اوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي: اداء الامانة الي من ائتمنك، و ان ترضي لاخيك ما ترضي لنفسك، واعلم ان للأمور اواخر فاحذر العواقب، و ان للأمور بغتات فكن علي حذر، واياك و مرتقي جبل اذا كان المنحدر و عرا، و لا تعدن أخاك ما ليس في يدك وفاؤه. و كان رجل يلازم الامام (ع) و يتردد عليه فانقطع عنه، و لما سأل عنه قال له بعض من في مجلسه: انه نبطي منتقصا له، فقال (ع): أصل الرجل عقله و حسبه دينه و كرمه تقواه و الناس في آدم مستوون. و في بعض الروايات ان عبدالعزيز القزاز كان يذهب الي تأليه أهل البيت فدخل علي الامام الصادق (ع) فقال له: يا عبدالعزيز ضع لي ماء أتوضأ به، قال عبدالعزيز: ففعلت، فلما دخل قلت في نفسي: هذا الذي [ صفحه 289] قلت فيه ما قلت، فلما خرج قال: يا عبدالعزيز، لا تحمل علي البناء فوق ما يطيق انا عبيد مخلوقون، و قال (ع): اتقوا الظلم فان دعوة المظلوم تصعد الي السماء، و من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، و كان رسول الله يقول: من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين و لم يجبه فليس بمسلم. و قال: المؤمن من طاب مكسبه و حسنت خليقته و صلحت سريرته وانفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من كلامه و كفي الناس شره و أنصف الناس من نفسه. اياكم و الخصومة فانها تشغل القلب و تورث النفاق و من زرع العداوة حصد ما بذر، و من

لم يملك غضبه لم يملك عقله. من كأفا السفيه بالسفه فقد رضي بما اوتي اليه حيث احتذي مثاله، و من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فان دعا لم يستجب له و لم يؤجره الله علي ظلامته، و من كف يده عن الناس فانما يكف يدا واحدة و يكفون عنه ايدي كثيرة. الفقهاء امناء الرسل فاذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا الي السلاطين فاتهموهم علي دينكم. و قال (ع): ثلاثة تكدر العيش السلطان الجائر و جار السوء و المرأة البذيئة، و ثلاثة لا يصلح العالم بدونها الا من و العدل و الخصب. و ثلاثة يجب علي كل انسان ان يتجنبها: مقارنة الأشرار و محادثة النساء و مجالسة أهل البدع. و من رزق ثلاثا نال الغني الأكبر القناعة بما أعطي و اليأس مما في أيدي الناس و ترك الفضول. [ صفحه 290] و قال لبعض اصحابه: لا تشاور الاحمق و لا تستعن بكذاب و لا تثق بمودة الملوك، فان الكذاب يقرب لك البعيد و يبعد لك القريب، والاحمق يجهد لك نفسه و لا يبلغ ما تريد، والملك اوثق ما كنت به يخذلك و أوصل ما كنت له يقطعك، و لا يستغن أهل كل بلد عن ثلاثة: فقيه عالم ورع و أمير خير مطاع و طبيب بصير ثقة، فان عدموا ذلك كانوا همجا رعاعا. و قال (ع): اذا كان الزمان زمان جور و أهله اهل غدر فالطمأنينة الي كل أحد عجز، و اذا اردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه فان ثبت لك علي المودة فهو أخوك و الا فلا. و قال (ع): خف الله كأنك تراه و ان كنت لا تراه فانه يراك، و

ان كنت تري أنه لا يراك فقد كفرت، و ان كنت تعلم أنه يراك ثم برزت بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين اليك. ثلاثة هم أقرب الخلق الي الله يوم القيامة: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه أن يحيف علي من هو دونه و من هو تحت يديه، و رجل مشي بين اثنين فلم يمل مع احدهما علي الآخر، و رجل قال الحق فيما له و عليه. و ثلاثة تجب لهم الرحمة: غني افتقر و عزيز قوم ذل و عالم تلاعب به الجهال، و اذا اراد الله برعية خيرا جعل لهم سلطانا رحيما و وزيرا عادلا. و كان يقول: والله ما ذئبان ضاريان في غنم غاب عنها رعاتها بأشد فتكا فيها من حب الجاه و المال في دين المسلم، و يقول: ليس لك أن تأتمن الخائن و قد جربته، و ليس لك ان تتهم من أئتمنت، و ليس لملول صديق، و لا لحسود غني و أحب اخواني من أهدي الي عيوبي، و ان من أوثق عري الايمان أن تحب في الله و تبغض في الله و تعطي في الله و تمنع في الله، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا. و قال لبعض شيعته: ما بال اخيك يشكوك، فقال: يشكوني ان استقصيت عليه حقي، فجلس مغضبا ثم قال: كأنك اذا استقصيت عليه [ صفحه 291] حقك لم تسي ء اليه أرأيتك ما حكي الله عن قوم يخافون سوء الحساب اخافوا ان يجور الله عليهم لا ولكنهم خافوا الاستقصاء فسماه الله سوء الحساب فمن استقصي علي أخيه فقد اساء اليه. الي غير ذلك من وصاياه و حكمه التي

كان يلقيها علي أصحابه و غيرهم لينتزع من نفوسهم بذور الشر و يطبعهم علي الخير و الحق و الثورة علي الظلم و الظالمين. [ صفحه 292]

اولاد الامام الصادق و وفاته

تخلف الامام الصادق بعشرة أولاد سبعة ذكور و ثلاث بنات، و قيل ان أولاده أحد عشر سبعة ذكور و أربع بنات حسب الترتيب التالي: الامام موسي بن جعفر و محمد المعروف بالديباج لحسنه و جماله و اسحاق و هو و الديباج من أم واحدة و علي و كان علي قد خرج علي العباسيين في مكة في عهد المأمون و قد ظفر به و عفا عنه و حمله الي خراسان فأقام عنده الي أن مات سنة ثلاث و مائتين و حمل المأمون سريره علي عاتقه فقيل له: يا أميرالمؤمنين لو صليت عليه و رجعت فانك قد تعبت، فقال: هذه رحم قطعت منذ مائتي سنة و وصلناها اليوم. و جاء في رواية الواقدي أنه كان قد بايعه أهل الحجاز و تهامة واستفحل امره فأسره المعتصم في بعض المعارك و أرسله الي المأمون فأحسن اليه، و كان متعبدا يصوم يوما و يفطر يوما، و ما خرج قط في ثوب و عاد و هو عليه. و من اولاد الامام اسماعيل الاعرج و هو الذي تنسب الفرقة الاسماعيلية بجميع فروعها اليه و قد توفي في حياة أبيه كما تنص علي ذلك اكثر الروايات، و عبدالله و العباس و أم فروة و أسماء و فاطمة الصغري و قيل ان ام فروة اسمها اسماء و تكني بأم فروة، و فاطمة الكبري، و نص المفيد علي أن اسماعيل و عبدالله و أم فروة أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي [ صفحه 293] طالب (ع)

و موسي الامام و محمد الديباج و اسحاق ثلاثتهم لأم واحدة اسمها حميدة البربرية، و الباقون من أولاده لأمهات شتي و أكبر اولاده عبدالله و به كان يكني و هو المعروف بالافطح لعيب في رجله و اليه ينسب من قال بامامته بعد أبيه من أصحاب الامام الصادق. و قبيل وفاته نص علي امامة ولده موسي بن جعفر و أرشد اصحابه اليه كما تواترت بذلك النصوص الصحيحة، و كانت وفاته في شوال من سنة 148 و قيل في النصف من شهر رجب عن ثمانية و ستين عاما و قيل اكثر من ذلك. و جاء في رواية الكليني عن أبي أيوب الجوزي أنه قال: بعث الي ابوجعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه و هو جالس علي كرسي و بين يديه شمعة و في يده كتاب، فلما سلمت رمي الي الكتاب و هو يبكي و قال: هذا كتاب محمد بن سليمان و الي المدينة يخبرني ان جعفر بن محمد قد مات فانا لله و انا اليه راجعون و اين مثل جعفر، ثم قال: اكتب فكتبت صدر الكتاب و قال لي: اكتب ان كان اوصي الي رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، فرجع الجواب من والي المدينة انه اوصي الي خمسة: أبي جعفر المنصور و محمد بن سليمان و عبدالله موسي ابني جعفر و حميدة، فقال المنصور: ليس الي قتل هؤلاء من سبيل. و جاء في مروج الذهب انه توفي لعشر سنين خلت من خلافة المنصور سنة 148 و دفن بالبقيع مع أبيه و جده و جدته فاطمة و عمه الحسن و علي قبورهم رخامة كتب عليها كما حكي ذلك المسعودي في مروجه وابن الجوزي في تذكرته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله مبيد الامم

و محيي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول الله (ص) سيدة نساءالعالمين و قبر الحسن بن علي، و علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، و محمد بن علي بن الحسين، و جعفر بن محمد (ع). [ صفحه 294] و قال أبوهريرة العجلي حينما حمل المشيعون جنازته: اقول و قد راحوا به يحملونه علي كاهل من حامليه و عاتق أتدرون ماذا تحملون الي الثري ثبيرا ثوي من رأس علياء شاهق غداة حثا الحاثون فوق ضريحه ترابا و أولي كان فوق المفارق

پاورقي

[1] انظر ج 2 ص 40 من الكتاب المذكور.

[2] نفس المصدر عن الجهشياري.

[3] احجار الزيت مكان خارج المدينة قتل فيه محمد بن عبدالله بن الحسن سنة 145.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.