المجالس السنية في مناقب و مصائب العترة النبوية

اشارة

سرشناسه : امين، محسن، 1865 - 1952م.

عنوان و نام پديدآور : المجالس السنيه في مناقب و مصائب العتره النبويه/ تاليف محسن الامين.

مشخصات نشر : قم: المكتبه الحيدريه ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 100000ريال : دوره : 964-8163-83-9 ؛ 964-8163-81-2

يادداشت : چاپ دوم

يادداشت : اين كتاب در سالهاي مختلف توسط ناشرين مختلف منتشر شده است.

موضوع : چهارده معصوم -- فضايل

موضوع : چهارده معصوم -- مصائب

موضوع : وعظ

موضوع : شيعه -- تاريخ

موضوع : اسلام -- تاريخ

رده بندي كنگره : BP36/5 /6الف8 م3 1386

رده بندي ديويي : 297/95

شماره كتابشناسي ملي : 1179594

مولد الصادق و وفاته و امه و كنيته و لقبه

الامام بعد محمد الباقر و سادس أئمة المسلمين و خلفاء الله في العالمين ولده جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام. ولد جعفر الصادق «ع» بالمدينة يوم الجمعة او الاثنين عند طلوع الفجر سابع عشر ربيع الاول و قيل غرة رجب سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة و قيل سنة ثمانين و توفي بها يوم الاثنين في شوال و قيل منتصف رجب سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستون سنة او ثمان و ستون اقام مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة سنة و قيل خمس عشرة سنة و مع ابيه بعد جده تسع عشرة سنة و بعد أبيه أربعا و ثلاثين سنة و هي مدة امامته (و كانت) مدة امامته بقية ملك هشام بن عبدالملك و ملك الوليد بن يزيد؟؟ الملك و يزيد بن الوليد بن عبدالملك الملقب بالناقص و ابراهيم بن الوليد و مروان بن محمد الحمار و السفاح و توفي بعد مضي عشرة سنين من ملك المنصور العباسي (و دفن) بالبقيع [ صفحه 461] مع

ابيه و جده و عمه الحسن عليهم السلام (و امه) ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر اسمها فاطمة و قيل قريبة و ام فروة كنيتها و امها اسماء بنت عبدالرحمن بن ابي بكر و لذلك قال الصادق عليه السلام لقد و لدني ابوبكر مرتين (و كنيته) ابوعبدالله (و له) القاب اشهرها الصادق قال بعض علماء العامة لقب به لصدق حديثه (و روي) في العلل ان رسول الله «ص» قال سموه الصادق فانه سيكون في ولده سمي له يدعي الامامة بغير حقها و يسمي كذابا (اقول) و هو اخو الحسن العسكري «ع»

نقش خاتمه و شاعره و بوابه و عدد اولاده

(و نقش خاتمه) الله خالق كل شي ء (و روي) انت ثقتي فاعصمن من خلقك (و في رواية) يا ثقتي قني شر جميع خلقك (و في رواية) اللهم انت ثقتي فقني شر خلقك (و في رواية) انت ثقتي فاعصمني من الناس و قيل الله عوني و عصمتي من الناس و قيل ربي عصمني من خلقه (و قيل) ما شاء الله لا قوة الا بالله استغفر الله (و شاعره) السيد المحيري و اشجع السلمي و الكميت و ابوهريرة الأبار و العبدي وجعفر بن عفان (و بوابه) المفضل بن عمر كما في الفصول المهمة و في المناقب بابه محمد بن سنان (و كان) له عشرة اولاد و قيل احد عشر «1» اسماعيل «2» عبدالله «3» ام فروة امهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب و قيل بنت الحسن الأثرم بن حسن بن علي «4» موسي «5» اسحاق «6» محمد (قيل) «7» فاطمة الكبري لأم ولد اسمها حميدة البربرية «8» العباس «9» علي «10» اسماء «11» فاطمة الصغري لأمهات اولاد شتي [ صفحه 462] (امثل هذا الامام

العظيم امام اهل البيت عليهم السلام في عصره و وارث علوم آبائه و جده يتجرأ عليه المنصور الدوانيقي مع معرفته بعلمه و فضله و جلالة قدره و يسيره اليه من المدينة الي العراق مرارا عديدة يريد قتله فيدفعه الله عنه و يريه الآيات و المعجزات و لم يزل كذلك حتي توفي صلوات الله عليه صابرا محتسبا مظلوما حقه مغلوبا علي امره يا مقيما للدين اقوي براهي- ن علي الحق مثلها لن يقاما يوم بغي المنصور اذا حضر النط ع و قد ناول الربيع الحساما و لعمري بالصل لو لم ترعه لك لم يرع حرمة و ذماما

عصر جعفر الصادق

ولد الصادق «ع» سنة 80 او 83 للهجرة و توفي سنة 148 كما مر و من مميزات هذا العصر انتشار العلوم الاسلامية فيه من التفسير و الفقة و الحديث و علم الكلام و الجدل و الانساب و اللغة و الشعر و الادب و الكتابة و التاريخ و الفلك و غيرها. كان الصادق اشهر اهل زمانه علما و فضلا قال مالك بن انس امام المذهب: ما رات عين و لا سمعت اذن و لا خطر علي قلب بشر افضل من جعفر بن محمد فضلا و علما و عبادة و ورعا و كان [ صفحه 463] كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد. قال الحسن بن زياد: سمعت اباحنيفة و قد سئل عن افقه من رايت قال جعفر بن محمد. و برز بتعاليمه من الفقهاء و الافاضل جم غفير كزرارة بن اعين و اخويه بكر و حمران و جميل بن صالح و جميل بن دراج و محمد بن مسلم الطائي و بريد بن معاوية و هشام بن الحكم و ايضا هشام بن

سالم و ابي بصير و عبيدالله و محمد و عمران الحلبيين و عبدالله ابن سنان و ابي الصباح الكناني و غيرهم من الاعيان الفلأ و قد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة عنه من الثقاة علي اختلافهم في الاراء و المقالات فكانوا اربعة الاف رجل ذكرهم الحافظ بن عقدة الزيدي في كتاب له و ذكر مصنفاتهم و نقل عنه الحديث و استفاد منه العلم جماعات غير هؤلاء الاربعة الاف من اعيان الائمة و اعلامهم مثل يحيي بن سعيدالانصاري و ابن جريح و مالك بن انس و الثوري و ابن عيينة و ابي حنيفة و شعبة و ايوب السختياني و جابر بن حيان الكوفي و ابان بن تغلب و ابوعمرو بن دينار و اخرين غيرهم و كان السبب في انتشار علومه و كثرة الاخذين عنه انه ادرك اواخر الدولة الاموية و اوائل الدولة العباسية فهو قد ادرك الاولي في ايام ضعفها و كانت الثانية في اولها لم تنجم فيها [ صفحه 464] جعفر الصادق من مفاخرها و قد روي عنه في التفسير الشي ء الكثير و كذلك في علم الكلام و دون من (اسئلة) اجوبة مسائله في الفقه و غيره كتب جمة و اخذت عنه مهمات علم اصول الفقة و كتب من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف ايضا لاربعمائة مصنف تعرف بالاصول الأربعمائة. و ممن اشتهر بالتفسير و النسب في ذلك العصر محمد بن السائب الكلبي و السدي الكبير اسماعيل بن عبدالرحمن و ابوحمزة الثمالي. و بالفقه و الحديث في ذلك العصر غير الامام الصادق ابوحنيفة امام المذهب و تلميذه ابويوسف و مالك بن انس امام المذهب و محمد بن عبدالرحمن بن ابي ليلي و غيرهم و ابن جريح و عروة بن الزبير و ابن سيرين و الحسن

البصري و الشعبي و في علوم اللغة العربية معاذ بن مسلم الهراء الكوفي واضع علم الصرف و في التاريخ و المغازي محمد بن اسحق بن يسار و في الكتابة عبدالحميد كتاب مروان الحمار اخر ملوك بني امية. و من الكتاب من اصحاب الصادق عليه السلام ابوحامد اسماعيل الكاتب الكوفي و من اشتهر من العلماء الشعراء في عصره و بعضهم كانوا من مادحيه السيد الحميري و اشجع السلمي و الكميت و ابنه المستهل و اخوه الورد و ابوهريرة الابار و ابوهريرة العجلي [ صفحه 465] و العبدي و ايضا جعفر بن عفان و سليمان بن قتة العدوي و سديف و ابراهيم بن هرمة و منصور النمري.

صفة الصادق في خلقه و حليته و اخلاقة و اطواره

(أما صفته في خلفه و حليته) ففي المناقب كان ربع القامة [1] أزهر الوجه [2] حالك [3] الشعر جعده [4] اشم [5] الأنف انزع [6] دقيق المسربة [7] علي خده خال أسود. و في الفصول المهمة: صفته معتدل آدم [8] اللون. (و اما صفته في اخلاقه و اطواره) ففي مناقب ابن شهر آشوب قال مالك بن انس كان جعفر بن محمد لا يخلو من احدي ثلاث خصال اما صائما و اما قائما و اما ذاكرا و كان من عظماء العباد و أكابر الزهاد الذين يخشون ربهم و كان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد و يقال الامام الصادق لم يكن عيابا و لا سبابا و لا ضحابا و لا طماعا و لا خداعا و لا نماما و لا ذماما [ صفحه 466] و لا اكولا و لا عجولا و لا ملوكا و لا مكثارا و لا ثرثارا و لا مهذارا و لا طعانا و لا لعانا و لا همازا و لا لمازا

و لا كنازا (و روي) الكليني في الكافي انه كان اذا صلي العشاء و ذهب من الليل شطره اخذ جرابا فيه خبز و لحم ودراهم فحمله علي عنقه ثم ذهب به الي اهل الحاجة من اهل المدينة فقسمه فيهم و لا يعرفونه فلما مات و فقدوا ذلك عرفوه.

صفته في لباسه

فكان يلبس جيد الثياب و يقول فيما رواه الكليني ان الله عزوجل يحب الجمال و التجمل و يبغض البؤس و التباؤس و اذا انعم علي عبده بنعمة احب ان يراها عليه لانه جميل يحب الجمال و قال اني لاكره للرجل ان يكون عليه من الله نعمة فلا يظهرها و قال البس و تجمل فان الله جميل يحب الجمال و ليكن من حلال. و روي عنه الشيخ الطوسي في التهذيب انه قال ان الله اذا أنعم علي عبد بنعمة أحب ان يري عليه أثرها قيل كيف ذلك قال ينظف ثوبه و يطيب ريحه و يجصص داره و يكنس أفنيته. و روي الكليني أن عباد بن كثير البصري (و هو من زهاد البصرة) جذب ثوبه و هو في الطواف و قال يا جعفر تلبس مثل هذه الثياب و انت في هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من علي فقال له كان علي في زمان يستقيم له ما ليس فيه و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس هذا مرائي مثل عباد. و ان عبادا لقيه مرة و علي الصادق ثياب حسان فقال ما لهذه الثياب عليك فلو لبست دونها فقال له ويلك يا عباد من [ صفحه 467] حرم زينة الله التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق ان الله عزوج اذا انعم علي عبده

نعمة احب ان يراها عليه. و ان رجلا قال له اصلحك الله ذكرت ان علي بن ابي طالب كان يلبس الخشن يلبس القميص باربعة دراهم و نري عليك اللباس الجيد فقال ان عليا صلوات الله عليه كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كل زمان لباس أهله و ان سفيان الثوري رأي عليه ثيابا بيضا رقاقا فقال له ان هذا للباس ليس من لباسك (و في رواية) انه قال له و الله ما لبس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مثل هذا اللباس و لا علي و لا أحد من آبائك فقال له ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان في زمان مقفر جدب فاما اذا اقبلت الدنيا فأحق الناس بها ابرارها لا فجارها (و في) حلية الأولياء ان سفيان الثوري رأي علي الصادق عليه السلام جبة خز دكناء و كساء خز فجعل ينظر اليه معجبا و قال ليس هذا من لباسك و لا لباس آبائك فقال كان ذلك زمانا مقفرا مقترا و كانوا يعلمون علي قدر اقفاره و اقتاره ثم حسر عن ردن جبته فاذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن و قال هذا الله و هذا لكم فما كان الله أخفيناه و ما كان لكم أبديناه. و يستفاد مما مر ان لبس الجيد من الثياب و اظهار النعمة أمر راجح ان لم يعارضه شي ء آخر مثل كونه مستهجنا أو يعد من لباس الشهرة أو نحو ذلك و قد يكون لبسه مرجوحا اذا خيف منه حصول الكبر أو شره النفس أو غير ذلك.

[ صفحه 468]

من ادلة امامة الصادق تفوقه في العلم

من أدلة امامة الصادق عليه السلام تفوقه في العلم علي جميع أهل عصره و انه وارث علوم جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وآبائه عليهم السلام و ان عنده سلاح رسول الله و مواريث الأنبياء صلوات الله عليه و عليهم. قال المفيد عليه الرحمة: برز جعفر الصادق عليه السلام علي جماعة اخوته بالفضل و كان أنبههم ذكرا و أعظمهم قدرا و أجلهم في الخاصة و العامة و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه و لا روي أهل الآثار و نقلة الأخبار عن أحد منهم كما رووا عنه فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات علي اختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا أربعة آلاف (أقول) و ذلك أن الحافظ بن عقدة الزيدي جمع في كتاب رجاله أسماء الذين رووا عن الصادق عليه السلام من الثقات خاصة فضلا عن غيرهم فكانوا أربعة آلاف رجل (و روي) عنه روا واحد و هو ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث (و قال) الحسن بن علي الوشا من أصحاب الرضا عليه السلام أدركت في هذا المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد و غلبت [ صفحه 469] نسبة مذهب أهل البيت عليهم السلام اليه فقيل المذهب الجعفري (و عن) الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني في كتاب حلية الأولياء انه قال ان جعفر الصادق حدث عنه من الأئمة و الأعلام. مالك بن أنس و شعبة بن الحجاج و سفيان الثوري و ابن جريج و سفيان بن عيينة و عد ثمانية غيرهم

ثم قال في آخرين (قال) و أخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه (و قال) ابن شهر اشوب في المناقب قال غير ابي نعيم روي عنه مالك و الشافعي و الحسن ابن صالح و أبوأيوب السجستاني (و أيوب السختياني خ ل) و عمرو ابن دينار و أحمد بن حنبل و قال مالك بن أنس ما رأت عين و لا سمعت اذن و لا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا و علما و عبادة و ورعا (و كان) مالك اذا حدث عنه يقول حدثني الثقة بعينه (و حكي) ابن شهر اشوب في المناقب عن أبي عبدالله المحدث ان أباحنيفة من تلامذته (قال) و كان محمد بن الحسن يعني الشيباني من تلامذته (قال) و كان أبوزيد البسطامي طيفور السقا من خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة (و قال) أبوجعفر الطوسي كان ابراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه و دخل اليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال هذا و الله يا ابن رسول الله الجوهر فقال له بل هذا خير من الجوهر و هل الجوهر الا حجر (و قال) نوح بن دراج لابن أبي ليلي أكنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول أحد قال لا الا رجل واحد قال ان هو قال جعفر بن محمد (و عن) حلية الأولياء عن عمروبن أبي [ صفحه 470] المقدام كنت اذا نظرت الي جعفر بن محمد علمت انه من سلالة النبيين (قال) ابن شهر اشوب في المناقب و لا تخلو كتب أحاديث و حكمة و زهد و موعظة من كلامه يقولون قال جعفر بن محمد قال جعفر بن محمد الصادق (و كان) عليه السلام يقول ان حديثي حديث أبي و حديث

أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين و حديث أميرالمؤمنين حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قول الله عزوجل (و قال زيد بن علي بن الحسين عليه السلام) في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج به الله علي خلقه و حجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد لا يضل من اتبعه و لا يهتدي من خالفه.

من ادلة امامة الصادق النص عليه

و من أدلة امامة الصادق عليه السلام ورود النص عليه فقد نص أبوه الباقر عليه السلام علي امامته و جعله وصيه (روي) الكليني بسنده عن الصادق «ع» قال لما حضرت أبي الوفاة قال يا جعفر أوصيك باصحابي خيرا قلت جعلت فداك و الله لأدعنهم و الرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا (يعني) لا يسأل أحدا عن شي ء من أمر الدين لكمال معرفته أو من المال لغناه (و بسنده) عن الكناني قال نظر أبوجعفر الي ابنه أبي عبدالله عليهماالسلام فقال تري من هذا، هذا الدين قال الله عزوجل و نريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين (و بسنده) سئل ابوجعفر عن القائم بعده فضرب بيده علي أبي عبدالله و قال هذا و الله قائم آل محمد أي القائم بأمر الامامة [ صفحه 471] بعد أبيه كما فسره بالك الصادق «ع» فان كل امام هو القائم بعد الامام الذي كان قبله (و جاء) في عدة روايات ان الباقر قال لما أقبل ابنه جعفر عليهماالسلام هذا خير البرية بعدي (و أوصي) اليه أبوه الباقر «ع» و أشهد علي وصيته و استودعه ما كان محفوظا عنده من الكتب و السلاح و

ميراث الأنيباء و قد كان هو «ع» ظاهر الفضل في العلم و الزهد و العمل علي كافة اخوته و بني عمه و سائر الناس من أهل عصره. قال فيه البليغ ما قال ذو العي فكل بفضله منطيق و كذاك العدو لم يعد ان قا ل جميلا كما يقول الصديق (أمثل) هذا الامام العظيم في علومه و دلائل امامته الواضحة يجحد حقه و يزال عن مقامه و تجتري ء بنوالعباس عليه و تحول بينه و بين حقه الي ان قضي صابرا محتسبا مجاهدا في نشر شريعة جده صلي الله عليه و آله و سلم بكل طاقته و جهده. ماذا جنت آل الطليق و ما الذي جرت علي الاسلام من فعل ردي كم أنزلت مر البلاء بجعفر نجم الهدي مأمون شرعة أحمد [ صفحه 472]

الصادق تفوقه في العلم

اشارة

(من المجالس التي اضفناها الي الطبعة السابقة.) في مناقب ابن شهر اشوب: نقل عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم ينقل عن احد، و قال أيضا: قال نوح بن دراج لابن ابي ليلي: اكنت تاركا قولا قتلته او قضاء قضيته لقول احد قال لا، الا رجلا واحدا، قال من هو؟ قال: جعفر بن محمد. و قال المفيد في الارشاد: لم ينقل العلماء عن احد من اهل بيته ما نقل عنه و لا لقي احد منهم من اهل الاثار، و نقلة الاخبار و لا نقلوا عنه ما نقلوا عن ابي عبدالله عليه السلام فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقاة علي اختلافهم في الاراء و المقالات فكانوا اربعة الاف رجل. و قال المحقق في المعتبر: انتشر عن جعفر بن محمد من العلوم الجمة ما بهر به العقول. ان التراث العلمي الذي خلفه الامام الصادق

للاجيال المتعاقبة تراث عميق عظيم غني بالابتكار و الجدة و بعد الغور و وسع المعرفة من كل جهاتها، و جلا عن عدد من العلوم خفاياها وغوامضها، فاثري به الفكر الانساني ثراء كبيرا، و انفتحت بها امام العقل افاق لم يدركها من قبل، و لم يسبق له التعمق فيها. [ صفحه 473] و الاطلاع علي ما تضعه من كنوز العلم و العرفان و لعل الميزة الكبري و السمة البارزة لذلك التراث الخالد انه لم يقتصر علي تفسير القران و احكام الفقه و شؤون الدين، بل شمل جوانب متعددة من علوم مختلفة، و اوضح خفايا كثيرة من الحقائق الكونية الغامضة، مما يدل علي ان قصد الصادق كان متجها نحو قيام حضارة اسلامية متميزة تقوم علي العلم و الفكر فيما تقوم عليه من دعائم و ما تتجه نحوه من اهداف ان الفترة الحاقلة التي عاشها الامام الصادق و بخاصة تلك الفترة التي ضعف فيها سلطان الامويين بفعل ضربات الدعاة العباسيين، ثم انهيار الحكم الاموي. ثم فترة انشغال الحكم العباسي المنتصر بوضع التخطيط الجديد للدولة و ترسيخ قواعدها في المجتمع. ان هذه الظروف التي خف فيها ضغط الحكام علي الامام و علي من يتصل به و ياخذ عنه، قد ساعده كثيرا علي املاء العلوم، و توضيح الغوامض، و تربية العلماء القادرين علي حمل هذه الافكار بامانة و تطويرها بعمق و من ثم جعلها المنطق نحو بناء الحضارة الاسلامية المنشودة. و بفضل هذه الكثرة من الروايات و الامالي و الاحاديث عن الامام الصادق انتشر لدي كل الناس و في التاريخ اصطلاح المذهب الجعفري و الفقه الجعفري، في حين ان المتحري للحقيقه يعلم ان الفقه فقه اهل البيت باجمعهم، حيث يرويه

كل وحد منهم عن جدهم الاعلي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و لكن كثرة الرواة و كثرة الرواة عن الصادق بالخصوص كانت السبب في هذه النسبة. [ صفحه 474] و تتجلي عظمة الامام الصادق لنا بوضوح حينما نتصور الالوف من المسلمين و هم يفخرون بسماع علمه وحديثه حتي لقد جمع الحافظ بن عقدة في كتابه اسماء اربعة آلاف رجل من الثقاة رووا عن الصادق كما مر. وكما قال ابن حجر في كتابه الصواعق: «نقل الناس عن جعفر بن محمد من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر في جميع البلدان.» و يقول النعمان ابوحنيفة النعمان بن ثابت: لولا السنتان لهلك النعمان. و يقول الاستاذ دونالدسن: «ان طريقة الامام الصادق في التدريس كانت سقراطية فهو يأخذ المتتلمذين بالحوار و المحادثة و يتدرج عن الموضوعات الساذجة الي المسائل المركبة و المطالب المعقدة و الاسرار الغامضة»: و ان اول جانب من جوانب المعرفة عني به الامام الصادق كل العناية هو تفسير القرآن، و ان نظرة واحدة عجلي يلقي بها علي كتب التفسير لدي المسلمين ترشدنا بوضوح الي دور اهل البيت في تفسير القران، حيث لا يستغني المفسر عن نقل ما اثر عنهم في توضيح غوامض القران و كشف الغطاء عن حقائقه، و بخاصة ما اثر عنه، بالذات من، اجابات علي اسئلة المستفسرين عن معاني القران و مراميه. ثم كان الجانب الثاني الذي اوضحه الامام و بينه الناس علم الفقه و التشريع و هو جانب كثير التحدث عنه حتي اصبح اجلي جوانب [ صفحه 475] الامام الصادق، و حسبنا في الحديث عن هذا الجانب ما يقرره الشيخ الازهري محمد ابوزهره في كتابه «الامام الصادق» ص 66 اذ

يقول: «ما اجمع علماء الاسلام علي اختلاف طوائفهم في امر، كما اجمعوا علي فضل الامام الصادق و علمه، فائمة السنة الذين عاصروه تلقوا عنه و اخذوا، أخذ عنه مالك رضي الله عنه و اخذ عنه طبقة مالك، كسفيان بن عيينة و سفيان الثوري و غيرهم كثير و اخذ عنه ابوحنيفة مع تقاربهما في السن و اعتبره اعلم للناس لانه اعلم الناس باختلاف الناس و قد تلقي عليه رواية الحديث طائفة كبيرة من التابعين منهم يحيي بن سعيد الانصاري و ايوب السختياني و أبان بن تغلب و أبوعمرو بن العلاء و غيرهم من أئمة التابعين في الفقه و الحديث و ذلك فوق الذين رووا عنه من تابعي التابعين و من جاء بعدهم من الأئمة و المجتهدين». ثم كان جانب الفلسفه ثالث الجوانب التي اولاها الامام الصادق اهتمامه، بالنظر الي ما توارد علي العقل العربي من شبه و شكوك فلسفية نتيجة حركة الترجمة و الاختلاط بالامم الجديدة الداخلة في الاسلام. و هنا نجد الصادق قائما بتنفيذ الاباطيل و ازالة الشبه و كشف القناع عن الحقائق و توضيح الامر للجاهل و المضلل و توجيه عدد كبير من طلابه نحو التفرغ للعناية بهذا الجانب، الفكري المهم و قد سجل عدد من كتب الحديث و التاريخ نماذج من تلك [ صفحه 476] المناقشات التي كان يشرف عليها الامام الصادق و يقوم بها بنفسه. و هناك جانب آخر من جوانب المعرفة الانسانية اولاه الصادق كثيرا من عنايته الا و هو الكيمياء. و يقول الدكتور محمد يحيي الهاشمي في كتابه «الامام الصادق ملهم الكيمياء ص 28» اذا اردنا ان نبحث عن المنابع الحقيقية للكيمياء العربية نجد بذلك صعوبة لانه لا يزال ذلك

في طي الكتمان نعم نحن نعلم ان للاسكندرية دورا هاما في هذا الشأن و لكن المنبع الأصلي لهذه المدرسة لا يزال مجهولا فمنهم من يعزو ذلك الي أشور و بابل و منهم من يعزو ذلك الي الهند و منهم الي الصين و الي غيرها من الممالك و مما لا شك فيه ان شواطي ء الرافدين - دجلة الفرات - كانت مركزا هاما لمدنيات لعبت دورها في التاريخ و قد عرف هناك عمل الزجاج و تحضير الكلس... و استحضار المعادن من فلزلاتها كذلك عرف الأشوريون معدنا يسمونه الكبالتو و هو نفس معدن الكوبالت المعروف اليوم و الذي كانوا يستعملونه قديما في صبغ الخزف و الزجاج. و يقول أيضا: «ان هذا العلم السحري يرتبط مع رجال الدين و الكهنة ارتباطا وثيقا و برز في الاسكندرية علي يد رجال شديدي العلاق بالافلاطونية الحديثة التي هي بثوب يوناني و بروح شرقية وقد حافظ هذا العلم علي شكله الصوفي مدة طويلة من الزمن و ظهر لنا بعد ذلك في أرض الرافدين متعلقا بالأئمة المجتهدين و المتصوفة [ صفحه 477] علاقة شديدة كما سوف نجد ذلك في العلاقة الروحية الشديدة بين جابر بن حيان و الامام جعفر الصادق.» ثم يقول بعد ذلك: «ان أول شبح من أشباح التاريخ الذي يظهر أمامنا في حقل الكيمياء هو جابر بن حيان و يمكننا ان نعد رسالته أول مظهر من مظاهر الكيمياء في المدينة الاسلامية و يغلب علي الظن ان عددا عظيما من رسائله كان كل نصيبها الفناء». ان جابر بن حيان الذي تكرر ذكره في النصوص السابقة عربي من الأزد سافر الي طوس والده لنشر الدعوة للعباسيين و منا ولد له جابر. ثم ظفر الأمويون

بحيان فاعدموه الحياة و لما انتصر العباسيون و قامت دولتهم رحل جابر الي الكوفة و تمكن بعد ذلك من الاتصال بالامام الصادق و تلقي علم الكيمياء في مدرسته و أصبح هذا الرجل بفضل تلمذته الواعية كيماوي العرب الأول ثم اعتبر علي مر القرون قمة شامخة في تطوير هذا العلم حتي قال عنه الاستاذ برتلو في كتابه الذي نشره بباريس عن الكيمياء عند العرب قال ما نصه: «ان اسم جابر ينزل في تاريخ الكيمياء منزلة اسم ارسطو في تاريخ المنطق». و لم يكن لجابر هذا استاذ غير الامام الصادق «ع» و قد كرر جابر ذكر اسم استاذه في أكثر كتبه و بتعابير مختلفة و يقول الاستاذ هو لميارد في بحثه عن جابر بن حيان: [ صفحه 478] «ان جابر هو تلميذ جعفر الصادق و صديقه و قد وجد في امامه الفذ سندا و معينا و راشدا أمينا و موجها لا يستغني عنه و قد سعي جابر لأن يحرر الكيمياء بارشاد استاذه من أساطير الأولين التي علقت بها من الاسكندرية فنجح في هذا السبيل الي حد بعيد» و يقول الدكتور زكي نجيب محمود في كتابه جابر بن محمود حيان ص 17: «و أما جعفر الذي كثيرا ما يرد بقوله: سيدي فهناك من يزعم انه جعفر بن يحيي البرمكي لكن الشيعة تقول - و هو القول الراجح الصدق - انه انما عني به جعفر الصادق و نقول انه مرجح الصديق لأن جابر شيعي فلا غرابة ان يعترف بالسيادة لامام شيعي هذا الي وفرة المصادر التي لا تتردد في ان جعفر المشار اليه في حياة جابر و نشأته هو جعفر الصادق». و علي الرغم من كل هذا فان الدكتور

زكي نجيب محمود يحاول ان استاذا آخر لجابر بن حيان هو الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية باعتبار انه أول من حاول دراسة الكيمياء ثم يحاول ان يؤكد هذا القول بنقل عن أحد الباحثين الغربيين يصرح فيه ان جابر تلميذ خالد و يترك ذلك بلا تعليق ليفتح باب الشك علي مصراعيه في حين انه الدكتور زكي قد صرح بكتابه بان خالدا الأموي قد مات سنة 704 ميلادية و ان جابر بن حيان قد ولد حوالي سنة 750 ميلادية فكيف تمت هذه التلمذة و لماذا لم يشر اليها جابر في مؤلفاته و لم يذكرها. [ صفحه 479] و اذا كان اسلوب الشك لدي المتأخرين قد حمل هذا الطابع فان القدماء قد حاولوا اثارة الشكوك باسلوب آخر هو ان تلك المؤلفات المنسوبة الي جابر قد كتبها غيره و نحلها له و قد ذكر ابن النعيم هذا الشك في فهر سته و أجاب عليه بقوله: «ان رجلا فاضلا يجلس و يتعب فيصنف كتابا يتعب قريحته و فكره باخراجه و يتعب يده و جسمه بنسخه... ثم ينحله لغيره، - أما موجودا أو معدوما - ضرب من الجهل و ان ذلك لا يدخل تحته من تحلي ساعة واحدة بالعلم و أي فائدة في هذا و أي عائد». و للاطلاع علي مدي الكفاية العلمية لجابر ثم الاطلاع علي مدي معرفة الامام بهذا العلم ننقل مقتطفات مما كتبه الدكتور محمد محمد فياص في كتابه «جابر بن حيان وخلفاؤه» ص 151 اذ يقول: كان جابرا خبيرا بالعمليات الكيميائية الشائعة كالاذابة و التقطير و التكليس و الاختزال و غير ذلك و كثيرا ما كان يصنفها و يبين الغرض منها و التغيرات التي تحدث فيها

و يشرح أفضل الطرق لاجرائها وفقا لنتائج تجاربه». و يقول أيضا: «و تمكن جابر من تحضير طائفة كبيرة من المواد الكيميائية و اتبع في ذلك عمليات سهلة و شرحها في كتبه بطريقة مبسطة [ صفحه 480] خالية من التعقيد و الغموض بحيث يتيسر لمن يقرأها ان يتتبعها و يجربها بنفسه ان أراده». ثم يضيف الدكتور فياض: «و لجابر بحوث أخري في الكيمياء يعجز عنها الحصر نذكر فيما يأتي طائفة قليلة منها للتدليل علي مبلغ جهوده في هذا العلم: 1- كشفه ان مركبات النحاس تكسب اللهب لونا أزرق. 2- استنباطه طرقا صالحة لتحضير الفولاذ و تنقية المعادن و صبغ الجلود و الشعر. 3- توصله الي تحضير مداد مضي ء من المرقشيشا الذهبية. 4- تحضيره نوعا من الطلاء الذي يقي الثياب البلل و يمنع الحديد الصدأ. 5- توصله الي معرفة ان الشب يساعد علي تثبيت الألوان في الصباغة. 6- بحثه في المواد المعدنية و النباتية و الحيوانية الشائعة و معرفته لفوائدها في مداواة الأمراض. 7- تمكنه من صنع ورق غير قابل للاحتراق دعاه الي ذلك ان الامام جعفر الصادق وضع كتابا في الحكمة و كان عزيزا لديه [ صفحه 481] و أراد أن ينسخه في ورق لا يتأثر بالنار و طلب من جابر ان يحاول تدبير هذا الأمر فنجح فيه». و يقول الدكتور محمد يحيي الهاشمي في كتابه «الامام الصادق ملهم الكيمياء» ص 166 في أثناء حديث له ما نصه: «ان شخصية جعفر الصادق لا تزال غامضة تحتاج الي من يكشف كنهها من المؤرخين لا لأهميتها في تاريخ الفكر الاسلامي و تاريخ تطور الفكر البشري فحسب بل لأن تاريخ العلوم ينطلب من يجلو كنهها لوجودها علي مفترق الطرق

لمعاصرتها لعبقريات فذة كل منها أوجدت مدرسة خاصة في الاسلام.. عدا عن منهج العلوم الكونية المستمدة في توجيهها من الروح الاسلامية و الفلسفة اليونانية و ما دام يكتنف مثل هذه الشخصية الفذة الظلام، فكثير من الحقائق ستظل في طي الخفاء و ستظل في جهل مدقع في فهم كثير من قيمة تراثنا الفكري لأن التعصب الذميم هو الذي طمس المعالم و وضع امامنا سدا حائلا دون تفهم كنه الأساسات العميقة في بناء الحضارة العالمي.» [ صفحه 482]

مدرسة الصادق

اشاره

(من المجالس التي اضفناها الي الطبعة السابقة.) ان مدرسة الصادق عليه السلام كانت امتداد لمدرسة ابيه وجده. هذه المدرسة كانت من الاحداث الخطيرة فهي لم تكن باي حال من الاحوال مدرسة خاصة يلقي فيها لون خاص من المعارف و العلوم و انما كانت تبني عقولا و تنشي ء اجيالا و تؤسس صروحا من الثقافة و دنيا من التوجيه و تضع دستورا شاملا لاصلاح الحياة و تطويرها و تقدمها في جميع الميادين. و نقدم الي القراء عرضا موجزا لبعض شؤون تلك المدرسة التي عملت علي نمو الحركة التي هي فكرية.

سبب انشائها

اطل الامام الصادق علي العالم الاسلامي و هو يموج بالاضطراب و الفتن و النزاعات الخاصة التي لا يلمس فيها اي اثر محمود فقد تحلل المجتمع و تفككت الروابط فيه الي ابعد حد و يعود السبب في ذلك الي ان نار الحرب قد اشتغلت في كل حواضره و نواحيه و ذلك لانهيار الامبراطورية الاموية التي كان ابعد ما تكون عن النظر في امور الشعب و التحسس [ صفحه 483] باحساسه و اشاعت ضروبا من الفساد و التحلل في جميع انحاء البلاد و قد قام للقضاء علي تلك الدولة طائفة من المصلحين كان هدفهم اعادة لحياة الاسلامية الي مجراها الصحيح و كانت هتافات الثوار هو الرضا من ال محمد ولكن الثورة اغتصها العباسيون فراي الامام الصادق ان لا وسيلة له لاستردادها فاعرض و طوي عنها كشحا و اقبل علي تأسيس مدرسته و قد اغتنم الامام تلك الفرصة التي تطلب فيها الكل رضاءه و تركه المسؤلون ينشر اهدافه وتوجيهاته لانشغالهم بتركيز اسس دولتهم و كيانهم. لقد وجد الامام الصادق عليه السلام في تلك الفترة المجال واسعا لاداء رسالته و القيام بكل

من نشر الثقافة الاسلامية و افهام المجتمع نظم الاسلام الصحيحة.

مركزها

و اختار الامام يثرب دار الهجرة و مهبط الوحي فجعل فيها معهده الكبير و مدرسته العظمي اما محل التدريس و القاء المحاضرات فكان هو الجامع النبوي ففيه كانت تزدحم حملة الحديث و رواد العلم لاستماع دروس الامام و تسجيل ابحاثه و ربما كان في بعض الاحيان يلقي محاضراته في بهو بيته و قد ازدهرت يثرب بهذه الحوزة العلمية و استعادت نشاطها في توجيه الركب الاسلامي نحو الخير و السعادة. [ صفحه 484]

عدد طلابها

و لما فتح الامام مدرسته لجميع المسلمين التحق بها جمع غفير من رواد العلوم علي اختلاف نزعاتهم و ميولهم فكان عددهم من اضخم ما ضمته المدارس العلمية في ذلك العهد فقد ذكر الرواة انهم كانوا اربعة آلاف شخص و فيهم من كبار العلماء و المحدثين الذين اصبحوا ائمة رؤساء لبعض المذاهب الاسلامية

البعثات العلمية

و اسرع الي الانتماء لمدرسة الصادق جميع عشاق الفضيلة و العلم من شتي الاقطار الاسلامية عربا و غير عرب و يحدثنا الاستاذ عبدالعزيز سيد الاهل عن مدي ذلك النشاط في الالتحاق بمدرسة الامام بقوله: و ارسلت الكوفة و البصرة و واسط و الحجاز الي جعفر بن محمد فلاذ اكبادها من كل قبيلة من بني اسد و من غني و مخارق و طي و سليم و غطفان و غفار و الازد و بني ضبة و من قريش و لا سيما بني الحارث بن عبدالمطلب و بني الحسن بن علي.

تدوين العلم

و اقبل اصحاب الامام عليه السلام علي تدوين العلوم التي تلقوها و اخذوها من الامام فالفوا في جميع الفنون و المعارف فقد الف ابان بن تغلب (معاني القران) و كتاب (القران) و الف المفضل [ صفحه 485] ابن عمر كتاب (التوحيد) و الف جابر بن حيان (كتابا في علم الكيمياء). هكذا الف جمع كثير من تلاميذه في مختلف الفنون كزراة و ابي بصير و محمد بن مسلم و اسماعيل بن ابي خالد و غيرهم من الاعلام حتي بلغ عدد المؤلفات اربعمائة كتاب لاربعمائة مؤلف و دون الشيخ اغا بزرگ الطهراني اكثر من مؤلف في علم الحديث فقط لاصحاب الامام.

علومها و ادابها

و تناولت محاضرات الصادق و دروسه جميع الفنون العلمية التي لها الاثر التام في التقدم الاجتماعي و من ابرز العلوم التي تناولها الصادق بالبسط و التحليل الفقة الاسلامي بجميع انواعه من العبادات و المعاملات. و لم يتقصر الامام في ابحاثه علي الناحية العلمية فقد توسع في محاضراته الي بيان كل اصول الادب و القيم الاجتماعة من مكارم الاخلاق و الاصلاح الشامل في جيمع المجالات.

طابعها الخاص

و مدرسة الصادق لها طابع خاص انفردت به عن بقية المدارس و المؤسسات العلمية فقد كان طابعها هو الاستقلال و عدم خضوعها للدولة فلم يكن لولاة الامور باي حال مجال للتدخل فيها فهي [ صفحه 486] منفصلة عن الهيئة الحاكمة لان الامتزاج بها معناه تدخل السلطة في شؤونها و هذا ما عليه جامعة النجف الاشرف حتي اليوم فانها منذ تأسيسها لم ترتبط بالدولة وعلي هذا المنهاج تسير جامعة (قم) في ايران.

فروعها

و فتحت في كثير من الاقاليم الاسلامية فروع لمدرسة الصادق اقامها كل من تخرج من تلك المدرسة و رجع الي بلاده و اعظم الفروع التي اسست هو المعهد الكبير الذي اقيم في (جامع الكوفة) فقد التحق به من كبار تلاميذ الامام تسعمائة عالما كما حدثنا بذلك الحسن بن علي فقد قال: «ادركت في هذا المنزل المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمائة بشيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد.» و بذلك اتسعت الحركة العلمية اتساعا هائلا حتي شلمت جميع المناطق الاسلامية و قال البحاثة الهندي الشهير السيد اميرعلي: «و لا مشاحة أن انتشار العلم في ذلك الحين قد ساعد علي فك الفكر من عقاله فاصبحت المنقشات الفلسفية عامة في كل حاضرة من حواضر العالم الاسلامي و لا يفوتنا ان نشير الي ان الذي تزعم تلك الحركة هو حفيد علي بن ابي طالب المسمي بالامام جعفر و الملقب بالصادق و هو رجل رحب افق التفكير بعيد اغوار العقل ملم كل الالمام بعلوم عصره و يعتبر في الواقع اول من اسسن المدارس الفلسفية المشهورة في الاسلام و لم يكن يحضر حلقته [ صفحه 487] العلمية اولائك الذين اصبحوا مؤسسي المدارس و المذاهب فحسب بل كان يحضرها كل طلاب

الفلسفة و المتفلسفون من الانحاء القاصية».

اعتزاز و افتخار

لقد اعتز تلاميذ الامام بالحضور في مدرسته و افتخروا بذلك كثيرا فقد اهلتهم تلك الدراسة الي المراكز العليا في الاسلام فهذا الامام ابوحنيفة قد اعلن فخره و اعتزازه بذلك بقوله المشهور (لولا السنتان لهلك النعمان) لقد فخر ابوحنيفة بالسنتين اللتين حضرهما عند الامام و جعلهما من افضل ادوار حياته العلمية التي سببت شهرته.

اسباب نجاح هذه المدرسة

و ترجع الاسباب التي ادت الي امتداد ظلال هذه المدرسة في العالم الاسلامي و نفوذها بين طبقات المسلمين الي امور ثلاثة: 1- شخصية الصادق. 2- المحتوي الفكري للمدرسة. 3- جذور المدرسة الفكرية. و هذه الجهات الثلاث هي كلما يعني الباحث في البحث عن المدارس الفكرية. [ صفحه 488] و قد قدر لهذه المدرسة ان تضم الي اصالة الفكر الصادق الفذة و تيحت لها ان تجمع بين هذه الجوانب الثلاثة علي ندرة ما يتفق ذلك لمذهب من المذاهب. و لا اجدني بحاجة الي أن اشير الي تأثير شخصية الداعية في نجاح الثورة و توسعها كما لا اجدني بحاجة الي ان المح الي شخصية الصادق الفذة بين معاصريه فقد كان العلماء يقبلون علي مجلسه من اقطار بعيدة و يتلقون عنه الفقه و الحديث و التفسير و كانوا يلقون عليه ما يصعب عليهم من مسائل الفقه و التفسير ثم يخرجوا ليشيعوا ذلك عنه بين الناس حتي كثر الحديث عنه. أما فيها يختص المحتوي الفكري للمدرسة الجعفرية فان المحتوي الفكري لهذه المدرسة يمتاز بالتماسك الفكري الوثيق و الترابط فيما بين افكارها و اتجاهاتها. و مثل هذه التماسك يشد اتجاهات المدرسة بعضها الي بعض و يؤدي الالتزام باي جزء منه الي الالتزام بالجزء الاخر فالمدرسة الجعفرية مثلا فتحت باب الاجتهاد للعلماء و قد كان لهذا العامل

تاثير كبير علي نمو المدرسة فيما بعد عصر الصادق و اقبال الناس عليها لمسايرتها للاوضاع الاجتماعية المتجددة. فعندما يغلق باب الاجتهاد علي مذهب فكري أيا كان المذهب الفكري فان ذلك يؤدي الي جمود المذهب عن التطور و النمو و مسايرة [ صفحه 489] الاحوال و الاوضاع المتجددة و لذلك فان هذه الميزة في المذهب الجعفري تعتبر ضمانا من الداخل لحياة المذهب و بقائه. و قد سبقت الشيعة المذاهب الاسلامية الاخري الي وضع اصول الاجتهاد و الاستنباط في الفقه و تحرير مباحثه و الامام الباقر هو واضع علم الاصول و فاتح بابه و اول من صنف فيه هو هشام بن الحكم و صنف كتاب الالفاظ و مباحثها و هو اهم مباحث علم الاصول ثم من بعده يونس بن عبدالرحمن مولي ال يقطين صنف كتاب اختلاف الحديث و مسائله و هو مبحث تعارض الحديثين و مسائل التعادل و التراجيح ثم اخذت حركة التاليف في الاصول من بعدهما بالتوسعة و اشتهر منهم ائمة ثلاث اعلام منهم ابوسهل النوبختي و الحسن بن موسي النوبختي و يقول العالم المصري ابوزهرة: «تنمو المذاهب بثلاث عوامل: اولها ان يكون باب الاجتهاد مفتوحا فان ذلك الباب يفتح باب الدراسة لكل المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية و علاجها من الشريعة بما يناسبها من غير تجاوز لحدود النصوص و خروج عن الماثر. و اننا نعقد ان المذهب الجعفري من الناحية الفقهية قد فتح فيه هذا الباب من اجل الدراسة و هو بهذا صالح النمو المستمر الذي لا يتخلف مادام المجتهدون فيه ملتزمين الجادة و الطريق المستقيم». و عرافة المذهب هي الاخري من اهم الاسباب التي أدت الي نمو المدرسة [ صفحه 490] و غرس

فيها الصادق بذرتها الاولي نقلا عن ابائه ليتعهدها برعايته.

منهج الصادق

(من المجالس التي اضفناها الي الطبعة السابقة.) ان شخصية جعفر الصادق برزت بشكل جلي في مجالين: اولهما: هذه القيادة الفكرية التي نصبته علما للبشر و الفكر و العلم فباشرها علي نطاق واسع مكشوف مبينا الحقائق العلمية الاسلامية و الاصلاحات الشرعية و المفاهيم و الاحكام الدينية و هو بهذا يجدد و يبعث الشريعة بعد فترة من الركود الفكري تحمل وزرها الاكبر الحكام و الامراء و الملوك و قد خرج الامام من معرفة الاصطلاحات و المفاهيم بنصر و ظفر حيث هيا للمسلمين الاطلاع علي الحقائق التشريعية. ثانيهما: اعتزال النشاط السياسي العلني للمستلزمات الظرفية التي عاصرت عهده في الوقت الذي لم ينفك فيه عن تعضيد الحركات السياسية التي قادها الثوار العلويون محاولة منه لاسماع الأمة العربية صوته و اظهار سخطه علي الحكام ثم كشف حقيقتهم و انحرافهم عن القواعد الاسلامية في الحكم و السياسة و التشريع. لقد استفاد الصادق من ضعف القوي السياسية التي كانت من [ صفحه 491] قبل تضيق عليه و علي الأئمة من آياته بالنظر لأن عصره شهد ضعف و انهيار الكيان السياسي الأموي ثم نشاط الحزب العباسي و تأسيس الدولة العباسية وسط خضم من المنازعات و الفتن فانشغل الحكام بأمورهم هذه عنه مما مكنه من فتح أبوابه لطلاب العلم و الحقيقة و جعله علي اتصال مباشر مع الأمة يشحنها بمقومات الفكر و الاصلاح و الهداية. نشأ الصادق عليه السلام في عهد دولة بني أمية ذلك العهد الذي فاضت جوانبه في مطارده الأحرار لا سيما شيعة علي بن أبي طالب و اضطهاد آل الرسول و الاستهتار بكل القيم الانسانية حتي جاء عهد عمر بن عبدالعزيز الملك الانساني الذي

رفع الظلم عن الشعب و لكن عهده لم يطل فعادت الأمور الي السي ء و الأسوأ فكثرت الفوضي و تقلص الأمن و انتشر الخوف عندما ولي الحكم بن يزيد عبدالملك و هشام الوليد بن يزيد و يزيد بن الوليد الذي انمحي في خلافته ظل بني أمية حيث وقع الصراع بين الأمويين و العباسيين علي طلب الخليفة. و هنا قد لازم الصادق عليه السلام الصمت و عدم الانحياز الي احدي الفئتين غير انه دعا الناس الي طلب العلم و المعرفة. و في هذه الفترة كثر الطامعون في استعباد الأمة فخضع الضعيف ملبيا أصوات الجبابرة الطامعين و انقسم ذوو الأطماع [ صفحه 492] و الغايات من الي حكم الأمويين و من داع الي حكم بني العباس حنقا علي بني أمية لأنهم ضلوا سواء السبيل. و في تلك الساعة طولب الامام الصادق ان يبايع الي بعض أبناء عمه فابي فاتهم بالحقد و الحسد فاعتزل و اتخذ مسجد النبي في المدينة مدرسة لم ينشر منها العلم الي جميع الآفاق. و أعلنت الثورة العباسية و كان شعارها الاصلاح فسالت الدماء و طاخت الرؤوس و الصادق لم يتحول عن رأية غير أنه تحول عن رأيه الي جامع أبيه في الكوفة حيث وجد مجموعة خيرة من المتعلمين فاندفع الي نشر المعارف و العلوم فوزع طلابه بعد ان درس نفسياتهم و اتضح اتجاهاتهم و قابلياتهم فصرف قوما الي الفلسفة و آخرين الي المناظرة و المحاجبة و قوما الي الفقه و آخرين الي الكيمياء و هذا الي الطب و ذاك الي رغبته من طلب العلم و الي ما يهوي. فقد ارتأي الصادق ان السلاح في ذلك الوقت لا يحل مشكلة اجتماعية و لا يرفع ظلامة مظلوم و لا يتقلص

ظل الزمرة الكامنة في الحكم الجائرة بالسيف. فقد كان يري ان لا ثورة مع الجهل و لا خنوع من العلم انه يرتأي ان تتثقف الأمة فتطالب بحقوقها حيث لا يقضي علي المتنفذين الظالمين الا العلم لذا وجه الناس توجيها علميا. [ صفحه 493] بهذا أراد الصادق عليه السلام محاربة طغيان بني أمية و بني العباس حتي كان بين يديه أربعة آلاف طالب كل يقول درست علي جعفر بن محمد الصادق. و بهؤلاء عزم الصادق علي ان يقضي علي المتزعمين المخربين و يدك عهدهم و يقوض سلطانهم ليعيد الحق الي نصابه و الانسان الي حقوقه يتمتع بها كيف يشاء و أني شاء. لقد كانت الفترة التي عاشها الصادق فترة مضطربة تتميز بالغليان من ناحية سياسية و اجتماعية فالي جنب الحركات السياسية المتضاربة المذاهب العقائدية المختلفة التي تولدت داخل الأمة من اثر الواقع الذي تعيشه آنذاك والذي كانت السلطة في انحرافها و في ما تبنته من سياسة التجهيل مع الأمة سببا مباشرا فيه. فقد كثرت النظريات الفاسدة المنحرفة و اندس بين المسلمين أناس كل هدفهم ان يفسدوا علي المسلمين عقيدتهم و تكاثر الوضاعون من جهة و الغلاة و الملحدين من جهة أخري و ساهموا جميعا في أبعاد الأمة عن الواقع الاسلامي و كادت العقيدة الاسلامية و التشريع الاسلامي ان يضيعا وسط هذه التيارات المتباينة هذا الي جانب انحراف السلطة و طغيانها و بعدها عن الاسلام. و قد كان علي الامام الصادق ان يواجه كل ذلك ان يواجه [ صفحه 494] أيضا الفساد و أسباب الانحراف العقائدي و التشريعي و ان يواجه أيضا الفساد في شؤون الدولة والحكم فماذا فعل الصادق «ع»؟ و كيف نهض بهذه المسؤولية الضخمة؟ لا شك ان

امتلاك الأداة السياسية أمر هام و ازالة هذه الاجهزة الفاسدة المنحرفة أمر يسهل انجاز الأهداف الاصلاحية التي يرمي اليها في جميع المجالات و يضع حدا لكل أنواع الفساد التي ابتليت بها الأمة باعتبار أن فساد السلطة و ابتعادها عن الاسلام سبب مهم في وجودها و استمرارها بشكل مباشر أو غير مباشر. فهل خاض الصادق المعركة السياسية في هذا السبيل؟ و هل استثمر ذلك الظرف في تحقيق هذه الغاية؟ لا لم يفعل ذلك. فقد ذكر المؤرخون انه رفض كل العروض التي جاءته من بعض الزعماء السياسيين رفضا باتا و شديدا فقد جاء رسول أبي سلمة خلال يحمل منه كتابا يذكر فيه للصادق استعداده للدعوة اليه و تخليه عن بني العباس. فقال الصادق: ما لي و لأبي سلمة و هو شيعة لغيري فقال الرجل: اقرأ الكتاب فقال عليه السلام ادن السراج مني فادناه فوضع [ صفحه 495] الكتاب علي النار حتي احترق فقال الرسول: الا تجيبه قال قد رأيت الجواب عرف صاحبك بما رأيت - كما مر -. و لم يستطع اصحابه ان يحولوا رأيه الي دخول المعركة برغم رغبتهم و الحاحهم فقد كان الوضيعة التي عليها الأمة من الانقسام السياسي و المذهبي و الاضطراب الفكري الذي يشملها بصورة عامة تجعل الصادق بجزم مقدما بان الدخول في معركة كهذه لا يعدو أن يكون مغامرة مؤكدة الفشل بالتالي فانه يعرض نفسه و من معه و الفكرة الاسلامية الصحيحة التي يمثلها الي خطر لا حد له و لهذا أبي أن يخوض المعركة بنفسه. لقد كان الأسلوب و الطريقة التي سلكها الصادق من أدق و أحكم الطرائق الاصلاحية فالصادق ليس من بغاة المغامرة و الظهور و انما هو مسؤول يحاول ان يقوم

بالمسؤولية و مصلح يريد أن يصل الي الاصلاح و لهذا رأي - علي ضوء الواقع ان الذي تحياه الأمة - أن يصرف جهده بالدرجة الأولي في عملية ايجابية هامة رأي أن ينصرف ليقيم الكيان الفكري للاسلام و ليوضح أسس العقيدة الاسلامية و أصول التشريع الاسلامي. لقد بلغ تلامذة الصادق أربعة آلاف بينهم أئمة المذاهب الاسلامية كما لك و سفيان الثوري و أبي حنيفة - كما رأينا -. ان الصادق و هو يبني باحاديثه الشريعة الاسلامية في واقعها النقي الأصيل و يدلل علي شملها و استيعابها و يحملها عددا وفيرا [ صفحه 496] من العلماء لم يكتف بذلك بل حرص أيضا علي أن يجعل من شيعته في أقوالهم و أعمالهم و تفكيرهم تجسيدا للفكرة الاسلامية. قال يخاطبهم: كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم. (أي بأفعالكم). و قال: (أوصيكم بتقوي الله و اجتناب معاصيه و اداء الأمانة لمن ائتمنكم عليها و حسن الصحبة لمن صحبتموه و ان تكونوا دعاة صامتين). فقالوا و كيف ندعو و نحن صامتون؟ قال: تعلمون بما امرناكم به من العمل بطاعة الله و تعاملون الناس بالصدق و العدل و تؤدون الامانة و تامرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و لا يطلع الناس منكم الا علي خير فاذا راوا ما انتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا الينا. و من اعظم تعاليمة تحديده للتعصب فقد قال: ليس من العصبية من تحب اخاك ولكن العصبية ان تري شرار قومك خيرا من خيار الناس غيرهم. لقد وقف الصادق موقفا شديدا و صارما و باشر بنفسه المعركة الفكرية و عبا تلامذته و شيعته في هذا المجال لقد حارب الخطابية و غيرهم من فرق الغلاة حربا لا هوادة فيها و

تبرا منهم و من اتباعهم الغلاة. و قد بدات في عصره تطغي الروح الانهزامية في المجتمع بدعوي [ صفحه 497] الزهد و الايغال في التصوف و الاستغراق فيه استغراقا يخرجه عن حقيقته الخيرة. لذلك كان الصادق يحث علي الجدية في الحياة و الكفاح من اجل العيش الكريم فكان من اقواله: (ان الله يحب الكمال و الجمال و التجميل و يبغض البؤس و التباؤس فان الله اذا انعم علي عبده نعمة احب ان يري اثرها عليه) فقيل له كيف ذلك؟ قال: بنظف ثوبه و بطيب ريحه و يجصص داره و يكنس افنيته. و كان يقول لاصحابه: كونوا زينا لنا و لا تكونوا شيئا علينا ليقول الناس: رحم الله جعفر بن محمد لنعم ما ادب اصحابه. قال المفضل بن يزيد: قال لي الصادق و ذكر اصحاب ابي الخطاب و الغلاة: (يا مفضل لا تقاعدوا و لا تواكلوا و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم). كذلك حارب الملحدين امثال ابي العوجاء و ابن طالوت و غيرهم و له معهم محاورات كثيرة احرجهم بها و قد كان هؤلاء يحترمون جانب الصادق و يقدرون سعة علمه و سمو شخصيته قال ابن المقفع لابن ابي العوجاء و كانا معا في المسجد الحرام ينظر ان الي الناس: (لا واحدا من هؤلاء يستحق اسم الانسانية الا هذا الشيخ الجالس) (مشيرا الي جعفر الصادق). [ صفحه 498] اما مقاومة الصادق للسلطة الحاكمة التي انحرفت عن الاسلام في سلوكها الشخصي و في معاملتها للامة: حيث تلاعبت بمقدراتها. وساستها بالجور و الطغيان فهي مقاومة كان يقوم بها الصادق بشكل غير مباشر و غير ظاهر. و ذلك مثل عمله علي بث الواعي الاسلامي في الامة و نشر المفاهيم الاسلامية و

ايحائه للامة بمظلوميته و بعدم شرعية الحكومة القائمة في كلمات كثيرة متناثرة. و عدا ذلك فقد عمل علي ان يربي جيلا صالحا اعده لتولي وظائف الدولة بحيث يكون منه وسيلة للتخفيف من ويلات الحكام علي الشعب و دفع الظلم عن المظلومين و خير مثل علي ذلك عبدالله النجاشي المعروف بابي بجير الاسدي الذي كان من اخلص لتخليص للصادق و اصبح واليا علي الاهواز من قبل المنصور و لما تسلم عمله ارسل الي الصادق رسالة يطلب فيها اليه ان يضع له منهجا يسير عليه في ولايته فكان مما اجاب به الصادق: (ان خلاصك و نجاتك في حقن الدماء و كف الاذي و الرفق بالرعية و التاني و حسن المعاشرة و اتباع الحق و العدل اياك و السعاة و اهل النمائم فلا يلتزمن بك منهم احد و لا تقبل منهم قولا و اعن الفقراء (و المحتاجين) الي غير ذلك مما وضع له من التعاليم التي يسير [ صفحه 499] عليها والتي طبقها عبدالله و قد كان الصادق يكتب اليه في شان بعض الاشخاص المظلومين فهو يرفع ظلامتهم في الحال. هذا و مرد سلامة جعفر الصادق فيما نري الي منهجه البعيد عن العنف في معارضة بني العباس - كما راينا- و الي اخذ نفسه بالقصد و الاحتياط التام يدل علي ذلك رده للاموال و رفضه للرسائل التي أمر بها المنصور بكتابتها اليه و الي غيره من العلويين علي لسان أنصارهم و أوليائهم لتكون حجة له عليهم فالصادق من هذه الناحية منقطع النظير من هذه الناحية بين العلويين و قديتوهم متوهم ان منهجه و الحالة هذه كان منهجا سلبيا بالنسبة الي منهج ابن عمه الحسن و الواقع غير ذلك و من

يستبطن أسرار التاريخ و يقف علي روح ذلك العصر يتضح له ان الصادق كان من رأيه عقم تلك الثورة علي الدولة العباسية في مرحلة شبابها و عنفوانها و عنفوان قوتها و غلبتها هذا مضافا الي ضعف العلويين و ان كانت ثورتهم ثورة محلية في الحجاز و في البصرة بعد ذلك و ان أيدها أهل العلم و الفتوي في العراق و في الحجاز. هذا وبالاضافة الي ما تقدم من توضيح موقف للصادق و شرح منهجه و انه لم يكن منهجا سلبيا انقطاع الصادق لبث العلم و الأثر النبوي و تأسيس مدرسة أهل البيت في هذا الشأن. هذا و يميل بعطيهم الي تعليل تلك المبادرة بادرة المحاسنة من قبل المنصور للصادق و قلة أكثراته بتلك السعادات بعلل لا يخلو [ صفحه 500] بعضها من المبالغة و قد يستند بعض الرواة في ذلك الي روايات ضعيفة لا يصبر أكثرها علي النقد و التمحيص. كان الخطر محدقا بالصادق في عهد العباسيين ما في ذلك شك و لكنه علي كل حال سلم و كانت سلامته و سلامة كثير من أصحابه و أهل بيته أعجوبة في الواقع علي أنه لم يسلم الا بشق النفس و توطينها علي كثير من التحرز و التوقي يدل علي ذلك حديثه المشهور بل كلمته البليغة الحكيمة التي قال فيها (عزت السلامة حتي لقد خفي مطلبها فان تكن في شي ء فيوشك أن تكون في الخمول فلم توجد فبوشك أن تكون في الصمت و السعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها). و لما مات جعفر الصادق رثاه المنصور قائلا بعض أهله و قد دخل عليه: أما علمت بما نزل باهلك؟ فقلت و ماذا؟ قال: ان سيدهم و

عالمهم و بقية الأخبار منهم توفاهم الله فقلت و من هو؟ قال جعفر بن محمد. و من أهم الانجازات التي حققها الصادق عليه السلام هو انه وضع أساس التأليف في الاسلام فانطلق الناس بعده يؤلفون و يدونون تبعا لتعليماته و لم يكن تأليف الصادق لكبته معروفا من قبل الصادق بل كان نادر الوقوع فاذا بالصادق ينهض بهذا العب ء و يحرض علي التدوين و التأليف و يكون هو البادي ء بذلك ثم يتداعي طلابه الي التدوين و التأليف حتي يبلغ عدد ما ألفوه كله [ صفحه 501] أربعمائة كتاب لأربعمائة مؤلف و تبرز دعوته الي التدوين بمثل قوله لتلاميذه: اكتبوا فانكم لا تحفظون حتي تكتبوا و مثل قوله للمفضل بن عمر: اكتب و بث علمك في اخوانك فان مت فورث كتبك بنيك.

الصادق والشعر

و كان الصادق عليه السلام يقول الشعر أحيانا فمها روي قوله: لا اليسر يطرؤنا يوما فيبطرنا و لا لازمة دهر نظر الجزعا ان سرنا الدهر لم نبهج لصحبته أو ساءنان الدهر لم نظهر له الهلعا مثل النجوم علي مضمار أولنا اذا تغيب نجم آخر طلعا و يروي له: لا تجزعن من المداد فانه عطر الرجال و حلية الآداب و لقد مدح بشعر كثير فمن ذلك ما قاله فيه عبدالله بن المبارك أنت يا جعفر فوق المدح و المدح عناء انما الاشراف أرض و لهم أنت سماء جاز حد المدح من قبل ولدته الأنبياء و لما توفي و حمل الي البقيع أنشد أبوهريرة العجلي: أقول و قد راحوا به يحملونه علي كاهل من حامليه و عاتق أتدرون ما تحملون الي الثري؟ تبيرا هوي من رأس عليا شاهق غداة حثا الحاثون فوق ضريحه ترابا و أولي كان فوق

المفارق [ صفحه 502]

عبادة الصادق و شدة خوفه من الله

مما جاء في عبادة الصادق (ع) و شدة خوفه من الله تعالي ما روي عن مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة انه قال كان جعفر الصادق لا يخلو من احدي ثلاث خصال اما صائما و اما قائما و اما ذاكرا و كان من عظماء العباد و أكابر الزهاد و لقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلماهم بالتلبية انقط الصوت في حلقه و كاد ان يخر من راحلته فقلت يا ابن رسول الله و لا بدلك ان تقول فقال يا ابن ابي عامر فكيف أجسر ان أقول لبيك و أخشي ان يقول الله عزوجل لا لبيك و لا سعديك. مما جاء في كرم اخلاق الصادق عليه السلام ما عن الزمخشري في ربيع الأبرار عن الشقراني مولي رسول الله (ص) قال خرج العطاء أيام المنصور و ما لي شفيع فوقفت علي الباب متحيرا و اذا بجعفر بن محمد قد اقبل فذكرت له حاجتي فدخل و خرج و اذا بعطائي في كمه فناولني اياه و قال ان الحسن من كل احد حسن و انه منك أحسن لمكانك منا و ان القبيح من كل احد قبيح و انه منك أقبح لمكانك منا (قال) سبط بن الجوزي و انما قال له ذلك لأنه كان يشرب الشراب فوعظه علي وجه التعريض و هذا من أخلاق الأنبياء. [ صفحه 503]

كرم الصادق

و مما جاء في كرم الصادق «ع» و سخائه ما رواه الشيخ في الأمالي بسنده انه دخل اشجع السلمي علي الصادق (ع) يمدحه فوجده عليلا فجلس و أمسك فقال له الصادق (ع) عد عن العله و اذكر ما جئت له فقال: البسك الله منه عافية في نومك المعتري

و في أرقك يخرج من جسمك السقام كما يخرج ذل السؤال من عنقك فقال يا غلام ايش معك قال أربعمائة درهم قال أعطها لاشجع فأخذها و شكر و ولي فقال ردوه فقال يا سيدي سألت فأعطيت وأغنيت فلم رددتني قال حدثني أبي عن آبائه عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال خير العطاء ما أبقي نعمة باقية و ان الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية و هذا خاتمي فان أعطيت به عشرة آلاف درهم و الا فعد الي وقت كذا أوفك اياها سماؤه بالجود هطالة و سيبه هامي الحيا دافق و كل ذي فضل بافضاله و فضله معترف ناطق أمثل هذا الامام العظيم في فضله و عبادته و شدة خوفه من الله تعالي و كرم أخلاقه و كرمه و سخائه يجحد حقه و يزال عن مقامه و يقدم عليه ابوالدوانيق و يحال بينه و بين حقه و منصب ابيه و جده الي ان قضي صابرا محتسبا مغصوبا حقه مغلوبا علي امره لم يحفظوا المختار في اولاده و سواهم من احمد لم يولد [ صفحه 504]

ما جاء عن الصادق من المواعظ و الحكم

مما جاء عن الصادق عليه السلام من المواعظ و الحكم انه قال اذا انعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد و الشكر فان الله تعالي يقول و لئن شكرتم لأزيدنكم و اذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فان الله تعالي يقول استغفروا ربكم الآية و يجعل لكم جنات في الآخرة و يجل لكم أنهارا و اذا أحزنك أمر فأكثر من قول لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم فانها مفتاح الفرج و كنز من كنوز الجنة (و قال عليه السلام) لا يتم

المعروف الا بثلاث تعجيله و تصغيره و ستره (و اوصي) ولده الكاظم عليهماالسلام فقال يا بني من قنع بما قسم الله له استغني و من مدعينيه الي ما في يد غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسم الله له اتهم ربه في قضائه و من استصغر زلة نفسه استصغر (استعظم خ ل) زلة غيره يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورته و من سل سيف البغي قتل به و من حفر لأخيه بئرا سقط فيها و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء وقر و من دخل مداخل السوء اتهم يا بني قل الحق و ان كان مرا لك و عليك و اياك و النميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال و اذا طلبت الجود فعليك بمعادنه (و وقع) الذباب علي وجه المنصور فذبه فعاد ثم ذبه فعاد حتي [ صفحه 505] أضجره و كان عنده جعفر بن محمد فقال يا أباعبدالله لم خلق الله الذباب قال ليذل به الجبابرة فسكت (و قال عليه السلام) من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة (و كان) يقعد عند الصادق عليه السلام رجل من أهل السواد ففقده في بعض الأيام فسأل عنه فقال رجل يريد أن ينتقصه انه نبطي فقال الصادق عليه السلام أصل الرجل عقله و حسبه دينه و كرمه تقواه و الناس في آدم مستوون فخجل الرجل (و قال عليه السلام) عزت السلامة فان تكن في شي ء فيوشك ان تكون في الخمول فان لم يوجد الخمول ففي التخلي و ليس كالمخول فان لم يوجد التخلي ففي الصمت و السعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها عن الناس (و قال عليه السلام) ان الرجل ليصل رحمه

و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيوصله الله تعالي الي ثلاث و ثلاثين سنة و ان الرجل ليقطع رحمة و قد بقي من عمره ثلاث و ثلاثون سنة فيصيرها الله تعالي الي ثلاث سنين (و قال عليه السلام) ما كل من رأي شيئا قدر عليه و لا كل من قدر علي شي ء وفق له و لا كل من وفق أصاب له موضعا فاذا اجتمعت النية و القدرة و التوفيق و الاصابة فهناك السعادة (و قال عليه السلام) تأخير التوبة اغترار و طول التسويف حيرة و الاعتداء علي الله هلكة و الاصرار علي الذنب امن من مكر الله (و قال عليه السلام) أربعة شيئا القليل منها كثير النار و العداوة و الفقر و المرض (و قال ع) صحبة عشرين يوما قرابة (و قال ع) كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان (و قال ع) اذا دخلت منزل أخيك فاقبل الكرامة ما عدا الجلوس في الصدر [ صفحه 506] (و قال ع) البنات حسنات و البنون نعم و الحسنات يثاب عليهن و النعم مسؤول عنهن (و قال ع) من لم يستح من العيب و يرعوي عند الشيب و يخشي الله بظهر الغيب فلا خير فيه (و كان ع) يقول في دعائه اللهم انك بما انت اهله من العفو اولي مني بما أنا أهله من العقوبة (و قال ع) من اكرمك فأكرمه و من استخف بك فأكرم نفسك عنه (و قال ع) منع الجود سوء الظن بالمعبود (و قال ع) ان عيال المرء اسراؤه فمن أنعم الله عليه بنعمة فليوسع علي اسرائه فان لم يفعل او شك ان تزول تلك النعمة عنه (و قال ع) ثلاثة لا يزيد الله بها الرجل

المسلم الاعز الصفح عمن ظلمه و الاعطاء لمن حرمه و الصلة لمن قطعه (و قال ع) حفظ الرجل بعد وفاته في تركته كرم (و قال ع) المؤمن اذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق و اذا رضي لم يدخله رضاه في باطل (و قال ع) ما من مؤمن ادخل علي قوم سرورا الا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالي و يحمده و يمجده فاذا صار المؤمن في لحده أتاه ذلك السرور الذي أدخله علي اولئك فيقول انا اليوم أونس وحشتك و القنك حجتك و أثبتك بالقول الثابت و أشهدبك مشاهد القيامة و أشفع بك الي ربك و أريك منزلتك من الجنة (و كان) رجل تاجر يختلف الي الصادق (ع) فجاء بعد حين و قد ذهب ماله فجعل يشكو اليه فأنشده الصادق (ع): فلا تجزع اذا أعسرت يوما فقد أيسرت في الزمن الطويل و لا تيأس فان اليأس كفر لعل الله يغني عن قليل [ صفحه 507] و لا تظنن بربك ظن سوء فان الله أولي بالجميل و في حلية الأولياء عنه عليه السلام: استنزلوا الرزق بالصدقة و حصنوا اموالكم بالزكاة. و ما عال من اقتصد و التدبير نصف العيش و التودد نصف العقل و قلة العيال احد اليسارين و من أحزن و الدية فقد عقهما. و من قدر معيشته رزقه الله و من بذر معيشته حرمه الله. لا زاد أفضل من التقوي. و لا شي ء أحسن من الصمت و لا عدو أضر من الجهل. و لا داء أدوي من الكذب. اذا بلغك عن أخيك شي ء يسؤوك فلا تغتم فانه ان كان كما يقول كانت عقوبة عجلت و ان كان علي غير ما يقول

كانت حسنة لم تعلمها. و في تحف العقول ثلاثة من كن فيه فهو منافق و ان صام و صلي: من اذا حدث كذب و اذا وعد أخلف و اذا ائتمن خان. احذر من الناس ثلاثة الخائن و الظلوم و النمام لأن من خان لك خانك و من ظلم لك سيظلمك و من نم اليك نم عليك. ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي قصر الهمة و قلة الحياء و ضعف الرأي. ثلاثة لا يعذر المرء فيها مشاورة ناصح و مدارات حاسد و التحبب الي الناس. كل ذي صنعة مضطر الي ثلاث خلال يجتلب بها المكسب ان يكون حاذقا بعمله مؤديا للامانة فيه مستميلا لمن استعمله. ثلاثة تدل علي عقل فاعلها الرسول و الهدية و الكتاب.من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان حلم يرد به جهل الجاهل و ورع يحجزه عن طلب المحارم و خلق يداري به الناس. ان شئت أن [ صفحه 508] تكرم فلن و ان شئت ان تهان فاخشن. من فرط تورط. و من خاف العاقبة تثبت فيما لا يعلم. من هجم علي أمر بغير علم جدع أنف نفسه. ان قدرت ان لا تعرف فافعل. ان قدرت ان لا تخرج من بيتك فافعل و ان عليك في خروجك ان لا تغتاب و لا تكذب و لا تحسد و لا ترائي و لا تتضع و لا تداهن. لا تثقن بأخيك كل الثقة فان سرعة الاسترسال لا تستقال. فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها. بروا آباءكم يبركم أبناؤكم. انظر من هو دونك في المقدرة و لا تنظر الي من هو فوقك فان ذلك أقنع لك. لا ورع أنفع من تجنب محارم الله

و الكف عن أذي المؤمنين و اغتيابهم و لا عيش أهنأ من حسن الخلق. و لا مال أنفع من القناعة باليسير المجزي. و لاجهل أضر من العجب. تصافحوا فانها تذهب بالسخيمة (العداوة). من ملك نفسه اذا غضب و اذا رغب و اذا زهب و اذا اشتهي حرم الله جسده علي النار. لا يتبع الرجل بعد موته الا ثلاث خصال صدقة أجرأها لله في حياته فهي تجري بعد موته و سنة هدي يعمل بها. و ولد صالح يدعو له. عالم أفضل من ألف عابد و ألف زاهد و ألف مجتهد. تدخل يدك في فم التنين الي المرفق خير لك من طلب الحوائج الي من لم تكن له. أحب اخواني الي من أهدي الي عيوبي. ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهن رخصة بر الوالدين برين كانا أو فاجرين و وفاء بالعهد للبر و الفاجر و أداء الأمانة الي البر و الفاجر. لا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي يري لنفسه. من غضب عليك من [ صفحه 509] اخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك مكروها فأعده لنفسك. من وقف نفسه مواقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن و من كتم سره كانت الخيرة في يده و كل حديث جاوز اثنين فاش. ضع أمر أخيك علي أحسنه و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا و عليك باخوان الصدق فهم عدة عند الرخاء و جنة عند البلاء و شاور في حديثك الذين يخافون الله و أحب الاخوان علي قدر التقوي واتق شرار النساء و كن من خيارهن علي حذر. لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتي يحب أبعد الخلق

منه في الله و يبغض أقرب الخلق منه في الله. لا تذهب الحشمة بينك و بين أخيك و ابق منها فان ذهاب الحشمة ذهاب الحياء و بقاء الحشمة بقاء المودة. و قيل له خلوت بالعقيق و تعجلت الوحدة فقال لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت من نفسك ثم قال أقل ما يجد العبد في الوحدة الراحة من مدارات الناس. و في نثر الدرر للآبي قال «ع» لا يزال العز قلقا حتي يأتي دارا قد استعشر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها. أمثل هذا الامام العظيم في علمه و فضله و زهده و ورعه و مواعظه و حكمه يحمل مرارا الي المنصور الدوانيقي من الحجاز الي العراق و في كل مرة يتهدده و يروم قتله ولكن الله تعالي يدفعه عنه و لم يزل كذلك الي ان قضي نحبه و لقي ربه صابرا محتسبا مغصوبا حقه مغلوبا علي أمره. [ صفحه 510] بأبي من أقام حيا و ميتا عمد الدين و الهدي فاستقاما

وفاة الصادق

مما جاء في كيفية وفاة الصادق «ع» ما روي عن الكاظم «ع» انه قال لما حضرت أبي الوفاة قال لي يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة (و عن) أبي بصير قال دخلت علي أم حميدة أعزيها بأبي عبدالله فبكت و بكيت لبكائها ثم قالت يا أبامحمد لو رأيت أباعبدالله عند الموت لرأيت عجبا فتح عينيه ثم قال اجمعوا لي كل من بيني و بينه قرابة فلم نترك أحدا الا جمعناه فنظر اليهم ثم قال ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة (و عن سالمة) مولاته قالت كنت عند أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام حين حضرته الوفاة و أغمي عليه فلما أفاق قال أعطوا الحسن

بن علي بن علي بن الحسين و هو الأفطس [9] سبعين دينارا و أعطوا فلانا كذا و فلانا كذا فقلت أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك قال تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزوجل و الذين [ صفحه 511] يصلون ما أمر الله به أن يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب نعم يا سالمة ان الله خلق الجنة فطيبها و طيب ريحها و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم (و قال الكفعمي) انه عليه السلام توفي مسموما في عنب (و في الفصول المهمة) يقال ان جعفر الصادق عليه السلام مات بالسم في أيام المنصور (و في تذكرة الخواص) قيل انه مات مسموما (و عن ابن بابويه) سمه المنصور (و عن ابن طاوس) في الاقبال في أدعية شهر رمضان و ضاعف العذاب علي من شرك في دمه و هو المنصور (فلما) توفي كفنه الكاظم عليه السلام في ثوبين شطويين نسبة الي شطا قرية بمصر [10] كان يحرم فيهما و في قميص من قمصه و في عمامة كانت لعلي بن الحسين «ع» و في برد اشتراه الكاظم «ع» باربعين دينارا (و روي) انه لما قبض الباقر أمر الصادق بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتي قبض الصادق ثم أمر الكاظم بمثل ذلك في بيت الصادق صلوات الله عليهم حتي خرج به الي العراق (قال الراوي) ثم لا أدري ما كان (و روي) [ صفحه 512] الكليني بسنده عن أبي أيوب قال بعث الي أبوجعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه و هو جالس علي كرسي و بين يديه شمعة و في يده كتاب فلما سلمت عليه رمي الكتاب الي و هو يبكي و قال هذا

كتاب محمد بن سليمان يخبرنا ان جعفر بن محمد قد مات فانا لله و انا اليه راجعون ثلاثا و أين مثل جعفر ثم قال لي أكبت فكتبت صدر الكتاب ثم قال أكتب ان كان أوصي الي رجل خمسة بعينه فقدمه و أضرب عنقه فرجع الجواب اليه أنه أوصي الي خمسة أحدهم أبوجعفر المنصور و محمد بن سليمان و عبدالله و موسي ابني جعفر و حميدة فقال المنصور ليس الي قتل هؤلاء سبيل (و روي) انه اتي اعرابي الي أبي حمزة الثمالي فقال له توفي جعفر الصادق فشهق شهقة و أغمي عليه فلما أفاق قال هل أوصي الي أحد قيل نعم أوصي الي ابنيه عبدالله و موسي و أبي جعفر المنصور فضحك و قال الحمد الله الذي هدانا الي الهدي و بين لنا عن الكبير و دلنا علي الصغير و أخفي عن أمر عظيم فسئل عن قوله فقال بين لنا عيوب الكبير [11] و دل علي الصغير [12] لاضافته اياه [13] و كتم [ صفحه 513] الوصية للمنصور [14] لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل أنت. بأبي من بكي عليه المعادي و الموالي له بكاء الأيامي بابي من أقام حيا و ميتا عمد الدين و الهدي فاستقاما بابي من عليه جبريل حزنا في السماوات مأنما قد أقاما

مراثي الصادق

قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني في رثائه «ع» من قصيدة: حي حيا بالأبرقين أقاما و ارع فيه للقاطنين الذماما الي أن قال: فدع الغانيات فالعمر ولي و اله عنها و اقر التصابي السلاما و أنب صادقا و قدم شفيعا جعفر الصادق الامام الهماما [ صفحه 514] من سنا وجهه أمد الداري و ندي كفه أمد الغماما مصدر العلم منتهي

الحلم باب الله و العروة التي لا انفصاما علة الكون من به الأرض قامت و السموات و الوجود استقاما شمس قدس بدت فجلت دجي الكف ر و دلت علي الرشاد الأناما سيد جده دني فتدلي قاب قوسين منزلا لن يراما يا مقيما للدين أقوي براهي ن علي الحق مثلها لن يقاما يوم بغي المنصور اذ احضر النط ع و قد ناول الربيع الحساما و لعمري بالصل لو لم ترعه لك لم يرع حرمة و ذماما و الذي نم رمت منه يمينا أوردته قبل الحمام الحماما يا بدورا قد غالها الخسف لكن لم تزل في الهدي بدورا تماما حاولت نقصها العدي فابي الرحم ن الا لنورها الاتماما حر قلبي لسادة أزكياء في الطوامير خلدوا أعواما أرهقوا الطفل و المراهق منهم بالملمات يقظة و مناما أرضعوا طفلهم لبان الرزايا و أعدوا له الحسام فطاما قتلوهم و ما رعوا لرسول الل- ه الا في آله و ذماما يا جبالا حلما تفوق الرواسي و سجالا نعمي تعم الأنامما و ليوثا غلبا اذا طاشت الأح- لام في الروع لم تطش أحلاما لم يمت حتف أنفه من امام منكم عاش بينهم مستضاما [ صفحه 515] ما كفاها قتل الوصي و شبيل- ه و أبنائهم اماما اماما و التعدي علي الميامين حتي لم تغادر من تابعيهم هماما و رمت جعفرا رزايا أرتنا بأبيه تلك الرزايا الجساما بأبي من بني النبي اماما جرعته بنو الطليق الحماما بأبي من أقامه الله للعل- م و للحلم غاربا و سناما بأبي من بكي عليه المعادي و الموالي له بكاء الأيامي بأبي من أقام حيا و ميتا عمد الدين و الهدي فاستقاما بأبي من عليه جبرئيل حزنا

في السماوات مأتما قد أقاما يا حمي الدين ان فقيل أوري في حشي الدين جذوة و ضراما و من المؤمنين أسهر طرفا و من الكاشحين طرفا أناما كنت للدين مظهرا و منارا و لأهليه جنة و عصاما كان ببنت الهدي بهديك معمو را و قد سامه الضلال انهداما لا مقام لأهل يثرب فيها يوم أبكيت يثربا و المقاما أيها البدء و الختمام لهذا ال- كون طبتم بداية و ختاما ان تساموا ضيما فعما قليل يدرك الثأر ثائر لن يضاما ملك تخضع الملوك لديه و اليه يلقي الزمان الزماها علم للهدي به الله يمحو كل غي و يمحق الآثاها و به الله يملا الأرض عدلا و به يكشف الكروب العظاما محييا دين جده محكما بال- بيض و السمر شرعه أحكاما حي مولي جبريل جهرا ينادي في السماوات باسمه اعظاما بك يا كافي المهمات لذنا فرقا فاكفنا الطغاة الطغاما [ صفحه 516] نشتكيهم اليك في كل يوم فالي م نشكو اليك الي م و قال المؤلف عفا الله عن جرائمه تبكي العيون بدمعها المتورد حزنا لثاو في بقيع الغرقد تبكي العيون دما لفقد مبرز من آل أحمد مثله لم يفقد أي النواظر لا تفيض دموعها حزنا لمأتم جعفر بن محمد للصادق الصديق بحرالعلم مص- باح الهدي و العابد المتهجد رزء له أركان دين محمد هدت و ناب الحزن قلب محمد رزء أصاب المسلمين بذلة و هوي له بيت العلي و السؤدد رزء له تبكي شريعة أحمد و تنوح معولة بقلب مكمد عم الضلال لفقد هاديها و قد فقد الرشاد بها لفقد المرشد رزء تهون له المصائب كلها رزء له غاض الندي و خلا الندي رزء بقلب الدين

اثبت سهمه و رمي حشاشة قلب كل موحد ثلم الهدي و الدين منه ثلمة حتي القيامة ثلمها لم يسدد ماذا جنت آل الطليق و ما الذي جرت علي الاسلام من صنع ردي كم أنزلت مر البلاء بجعفر نجم الهدي مأمون شرعة أحمد كم شردته عن مدينة جده ظلما تجشمه السري في فدفد كم قد رأي المنصور منه عجائبا و رأي الهدي لكنه لم يهتد هيهات ما المنصور منصور بما يأتي و لا هو للهدي بمسدد لم يحفظوا المختار في أولاده و سواهم دين أحمد لم يولد [ صفحه 517] لم يكف ما صنعت بهم اعداؤهم زمن الحياة و ما اعتداه المعتدي حتي غدت بعد الممات خوارج في الظلم بالماضين منهم تقتدي هدمت ضرائح فوقهم قد شيدت معقودة من فوق أشرف مرقد

پاورقي

[1] لا طويل و لا قصير.

[2] اي حسن الوجه يعلوه البهاء و الجمال.

[3] الحالك الشديد السواد.

[4] الجعد ضد البسط.

[5] الشم ارتفاع قصبة الانف و حسنها و استواء اعلاها و انتصاب الارنبة و هي طرف الانف.

[6] ليس علي مقدم رأسه شعر.

[7] بفتح الميم و ضم الراء الشعر وسط الصدر الي البطن.

[8] اسمر.المؤلف.

[9] الأفطس لقب الحسن بن علي بن علي بن الحسين و هو مساو للصادق «ع» في تعدد النسب. - المؤلف -. [

[10] تنسب اليها الثياب الشطوية و هي ضرب من الكتان سميت باسم شطا من قرابة المقوقس الذي كان ملكا علي مصر عند الفتح الاسلامي أسلم شطا و استشهد فدفن بها ذكرها في الصحاح بدون هاء و قال في القاموس شطاة بالهاء و وهم الجوهري و في تاج العروس المسموع علي ألسنة أهلها خلفا عن سلف بغير هاء و هي احدي قري دمياط.

- المؤلف -.

[11] يعني عبدالله الأفطح فعلمنا انه ليس بامام لما نراه فيه من العيوب و الامام لا عيوب فيه.

[12] يعني الكاظم «ع».

[13] يعني اضافته الي الأوصياء و جعله من جملتهم فعلم انه هو الوصي الحقيقي لكمال فضله - المؤلف -.

[14] لا يخفي ما في هذه العبارة و لعل الصواب و كتم الأمر بالوصية للمنصور. - المؤلف -.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.