الامام الحسن عليه‌السلام العسكري سيرة و تاريخ

اشارة

سرشناسه : كعبي، علي موسي
عنوان و نام پديدآور : الامام الحسن العسكري عليه‌السلام سيره و تاريخ/ علي موسي الكعبي
مشخصات نشر : قم: مركز الرساله، ۱۴۲۵ق. = ۱۳۸۳.
مشخصات ظاهري : ص ۲۰۹
فروست : (سلسله المعارف الاسلاميه‌۳۶)
شابك : 964-8629-10-2۲۸۰۰ ريال :
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : عربي
يادداشت : كتابنامه به‌صورت زيرنويس
موضوع : حسن‌بن علي(ع)، امام يازدهم، ق‌۲۶۰ - ۲۳۲
رده بندي كنگره : BP۵۰/ك‌۷الف‌۸
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۹۵۸۴
شماره كتابشناسي ملي : م‌۸۳-۳۵۳۲۰

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحيم ان دراسة سيرة الأئمة المعصومين عليهم‌السلام تعتبر من الاسس القويمة للبناء الفكري و المنهج السلوكي لديننا الحنيف، لأنهم الامتداد الحقيقي لنهج النبوة و سيرتها المعطاء، و الحماة الامناء لمفاهيم الرسالة و عقائدها من حالة التردي و التحريف و الضلال. اننا في رحاب سيرتهم نتواصل مع القدوة الحسنة بكل تجلياتها الروحية و الفكرية و العملية، و امتداداتها التي تستغرق كل مفردات الحياة و تسير نحو سلم الكمال المطلوب علي صعيد الفرد و المجتمع. من هنا فاننا بحاجة الي دراسة متأملة و قراءة متأنية تلم بأطراف تلك السيرة المشرقة بالعطاء، لنجعلها نصب أعيننا، فنستجلي مواطن العبرة فيها، و نستلهم دروس العظمة منها، و نتعاطي مع دلالتها المتناغمة مع مسيرة الحياة بما تحمله من متطلبات و مستجدات علي كافة مستويات الفكر و المنهج و السلوك. و لعل في تنوع أدوار تلك السيرة بحسب طبيعة المرحلة و الظروف السياسية المحيطة بقادتنا المعصومين عليهم‌السلام، ما يزيل الرتابة منها، و يجعلها تتواصل مع مختلف المواقف و الظروف نحو هدف أسمي و هم مشترك، و ذلك هو حفظ الكتاب الكريم و سنة النبي المصطفي صلي الله عليه و آله، و طلب الاصلاح و الهداية، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هذا الكتاب قراءة في سيرة أحد عظماء أهل البيت عليهم‌السلام، ذلك هو امامنا الحادي عشر أبو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام الذي قال فيه أبوه الهادي عليه‌السلام: «أبو [ صفحه 6] محمد ابني أنصح آل محمد غريزة و أوثقهم حجة». و يبدو أن أهم ما يستوقف الباحث في حياة الامام العسكري عليه‌السلام هو كونه آخر امام ختمت به الامامة الظاهرة، ليبدأ بعده عصر الغيبة الذي بدأت تباشيره و أوشك زمانه، لذلك وقع علي الامام العسكري عليه‌السلام العب‌ء الأكبر في ترسيخ مبدأ الغيبة و تأصيله في نفوس شيعته للحفاظ علي خطهم الرسالي من الضياع و الانهيار. و قد استطاع امامنا العسكري عليه‌السلام أن ينجز هذه المهمة الخطيرة بكل جدارة و قوة، و أن يحافظ علي حياة ولده المهدي عليه‌السلام من ملاحقة السلطة و أدوات قمعها، في وقت عصيب عزل فيه الامام عن أصحابه و شددت الرقابة عليه. و في هذا الاتجاه استطاع أن يهي‌ء ذهنية شيعته لتقبل عصر الغيبة باتباع عين الأسلوب الذي سيتخده ولده المهدي عليه‌السلام في عصر الغيبة، و هو الاحتجاب عن الناس و اتخاذ الوكلاء الذين يختارهم من خاصته، و الاتصال بأصحابه عن طريق المكاتبات و التواقيع التي صارت سمة بارزة في حياة الامامين العسكريين عليهماالسلام. و هناك صفحات أخري مشرقة تستوقف الباحث في سيرة هذا الامام العظيم الملأي بالعطاء، نتركها للقاري‌ء الكريم و هو يتحراها في فصول هذا الكتاب الذي استطاع مؤلفه أن يوقفنا عند المحطات الرئيسية في سيرة هذا الامام العظيم، ضمن دراسة جادة موثقة بالمصادر المعتبرة. و منه تعالي نستمد العون و التوفيق مركز الرسالة [ صفحه 7]

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، و سلامه علي عباده المصطفين محمد و آله الميامين. و بعد: ان البحث في سيرة الأئمة المعصومين عليهم‌السلام باعتبارهم قادة رساليين و قدوة حسنة تتمثل بهم خصائص العظمة و الاستقامة، يعكس دورهم الايجابي في تحريك طاقات الأمة باتجاه الوعي الرسالي للشريعة، و تعميق حركة الاسلام الأصيل في وجدانها، و حماية الرسالة من حالة التردي بالوقوف في وجه التيارات الفكرية المنحرفة. و يقابل ذلك البحث في سيرة الزعامات المعاصرة لهم عليهم‌السلام التي نقرأ فيها الوجه المشوه للرسالة علي المستوي النظري و التطبيقي، علي الرغم من تماهي أصحاب السلطة و الصولجان في كتابة تاريخهم و اغداقهم أسخي الهبات علي كتابهم و شعرائهم. من هنا كان نصيب السيرة الأولي الخلود و السمو و المجد رغم اقصاء رموزها المعصومين عليهم‌السلام عن مركزهم في زعامة الأمة، و رغم كونهم ملاحقين و معزولين عن قواعدهم و شهداء في نهاية المطاف، و كان نصيبهم أيضا أن تمسكت بهم غالبية الأمة و منحتهم كل مظاهر التبجيل و الثناء و الود و الثقة، لا لأنهم من أبناء الرسول صلي الله عليه و آله لأن المنتسبين اليه كثيرون، بل لما تستشعره الأمة من سيرتهم الغنية بالعطاء و دورهم المشرق في كل اتجاه، ذلك لأن الأمة لا تمنح ثقتها و حبها اعتباطا، يقول الامام الكاظم عليه‌السلام لهارون الرشيد: «أنا امام [ صفحه 8] القلوب، و أنت امام الجسوم» [1] . و نحن مع امامنا الحادي عشر عليه‌السلام نستشعر تمسك الأمة بالامام و عظم محبته في قلوبهم و هيبته في نفوسهم في عدة مواقف لعل أبرزها حينما اشخص العسكري مع أبيه عليهماالسلام من مدينة جدهم صلي الله عليه و آله الي عاصمة الملك سامراء بأمر المتوكل، فقد روي المؤرخون و المحدثون عن يحيي بن هرثمة و هو المكلف باشخاص الامام عليه‌السلام أنه قال: «فذهبت الي المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله... و قامت الدنيا علي ساق...» [2] و حينما نعاه الناعي ابان شهادته «صارت سامراء ضجة واحدة: مات ابن‌الرضا... و عطلت الأسواق، و ركب سائر الناس الي جنازته، فكانت سامراء يومئذ شبيها بالقيامة» [3] و لم يكن ذلك الا لشعور الأمة بعطاء الامام عليه‌السلام و دوره الفعال في حماية الرسالة، الأمر الذي جعل حتي أعداءه من رجال البلاط يذعنون بفضله و هديه، و منهم وزير المعتمد عبيدالله بن خاقان الذي قال لابنه أحمد عامل الخراج و الضياع في قم في اشارة الي الامام العسكري عليه‌السلام: «يا بني لو زالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ما استحقها أحد من بني‌هاشم غيره لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه» [4] . و لا ريب أن عطاءات الامام العسكري عليه‌السلام و الأدوار التي قام بها علي [ صفحه 9] مستوي الرسالة، تمتاز بالخصوصية و الاستثناء نظرا للمقطع الزماني الخطير الذي عاشه عليه‌السلام و الذي يتمثل في شدة السلطان و امعانه في عزل الامام و مراقبة حركاته و سكناته، بل و لجوئه الي شتي وسائل القمع لانهائه و الاجهاز عليه و الحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الكرام عليهم‌السلام، و ذلك لكونه والد الامام الحجة عليهماالسلام الذي عرفوا بما اثر عندهم من الأحاديث و الآثار أنه يقيم دولة الحق و يقوض اسس الباطل، و يملأ الأرض عدلا و قسطا بعد ما ملئت جورا و ظلما. قال الامام العسكري عليه‌السلام: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذب الله قولهم، و الحمد لله» [5] لقد ظنوا أنهم يستطيعون النيل من حجة الله المودع بعين الله و حفظه، فخيب الله ظنهم. و رغم الظروف السياسية الحالكة استطاع امامنا العسكري عليه‌السلام أن يقدم للامة عطاء واسعا، و يمثل دورا فاعلا في ايصال سنن جده المصطفي صلي الله عليه و آله و آبائه المعصومين عليهم‌السلام أن يعد جيشا عقائديا و طليعة واعية تؤمن بالغيبة كمبدأ عقائدي أصيل يعيش في وجدانها، و تمكن بالاشراف علي شيعته عن طريق التواقيع و المراسلات و الوكلاء أن يخطط لسلوكها و يحمي وجودها و ينمي و عيها و يمدها بكل الأساليب التي تساعد علي صمودها و ارتقائها الي مستوي الحاجة الاسلامية. و تمكن الامام العسكري عليه‌السلام من انقاذ الامة من حالة التعثر في مهاوي الضلال و التيه، عن طريق مقاومة الفكرية المنحرفة عن الجادة و جس مواقع تأثيرها و تشخيصها و هي في بدايتها تقديرا لشدة مضاعفاتها و تخطيطا [ صفحه 10] للقضاء عليها، و لعل خير مصاديق ذلك هو اهتمام الامام العسكري عليه‌السلام بمشروع كتاب يصنفه الكندي حول متناقضات ادعاها في القرآن الكريم، اذ اتصل به عن طريق بعض المنتسبين الي مدرسته، فاحبط المحاولة و أقنع مدرسة الكندي بأنها علي خطأ. [6] . و سنعيش مع فصول هذا الكتاب السبعة أدوارا اخري و عطاءات كثيرة امتدت منذ نشأة الامام عليه‌السلام حتي وفاته في سامراء شهيدا و شاهدا علي الأمة بعد سنين من المحنة و فصول من الجهاد. و لسنا ندعي هنا بأننا قد أحطنا بكل جوانب حياة هذا الامام الهمام و سيرته المعطاء، و لكنا قدمنا جهدا متواضعا نرجو أن يفي بعض الحق الذي في أعناقنا لأئمتنا الهداة الميامين، سائلين المولي العزيز أن يسدد خطانا، و يلهمنا الصواب في القول و العمل، و منه تعالي نستمد العون و التوفيق، و هو من وراء القصد. [ صفحه 11]

الحياة السياسية في عصر الامام العسكري

اشاره

(232 - 260 ه) لا ريب أن الحالة السياسية السائدة في عصر ما تشكل المفصل الأساسي الذي تتحرك عليه مجمل الأوضاع الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية لذلك العصر، و تنعكس عليه سلبا و ايجابا، ذلك لأن الحاكم يمتلك - بسلطته و سطوته و سيطرته علي منابع الثروة - مفاتيح التغيير الاجتماعي و الفكري ببسط أسباب الحرية أو الاستبداد، و يمتلك عوامل الرخاء أو الفساد الاقتصادي بعدله أو جوره، و كل ذلك منوط بنوع الجهاز الحاكم و سلوك أجهزتة التنفيذية، و فيما يتعلق بتاريخ الامام أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام الذي عاش في العصر العباسي الثاني سنقدم قراءة تاريخية للحكام الذين عاصروا الامام عليه‌السلام منذ الولادة حتي الشهادة، ثم نذكر أهم السمات التي طبعت ذلك العصر.

الحكام المعاصرون للامام

ولد الامام الحسن العسكري عليه‌السلام في الثامن من ربيع‌الآخر سنة 232 ه علي القول المشهور في ولادته عليه‌السلام، و ذلك في آخر ملك الواثق بالله بن المعتصم (227 - 232 ه) و بويع بعده لأخيه جعفر بن المعتصم المعروف [ صفحه 12] بالمتوكل لست بقين من ذي الحجة سنة 232 ه، و كان عمر الامام العسكري عليه‌السلام نحو ثمانية أشهر و نصف، و قتل المتوكل سنة 247 ه، و تولي بعده ابنه المنتصر بالله زمام السلطة العباسية لستة أشهر و يومين فقط، و مات سنة 248 ه، فتولي بعده المستعين بالله أحمد بن محمد المعتصم سنة 248 ه، و خلع نفسه بعد فتنة طويلة و حروب كثيرة سنة 251 ه، و تولي بعده المعتز بالله بن المتوكل و اسمه محمد و قيل: الزبير (252 - 255 ه) و استشهد حجة الله الامام أبوالحسن علي الهادي عليه‌السلام بعد مضي نحو سنتين و نصف من أيام حكم المعتز بالله، و ذلك في الثالث من رجب سنة 254 ه، و تولي الامام العسكري عليه‌السلام مهام الامامة الالهية. ثم جاء الي السلطة المهتدي بالله محمد بن الواثق بعد خلع المعتز و قتله سنة 255 ه، و حكم نحو سنة واحدة، ثم قتله الاتراك سنة 256 ه، و تولي بعده أحمد ابن جعفر المتوكل المعروف بالمعتمد نحو ثلاث و عشرين سنة حيث قتل سنة 279 ه، و هكذا استغرقت حياة امامنا العسكري الأيام الأخيرة من حكم الواثق، ثم تمام حكم المتوكل و المنتصر و المستعين و المعتز و المهتدي مع أربع سنين من حكم المعتمد، حيث استشهد امامنا عليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من ربيع‌الأول سنة 260 ه، علي القول المشهور في وفاته عليه‌السلام [7] . [ صفحه 13]

اهم سمات هذا العصر

اشاره

يعتبر هذا العصر بداية لضعف سلطة الدولة العباسية و سقوط هيبتها و انحلالها، بسبب استيلاء الأتراك علي عاصمة الملك، و انتقاض أطراف الدولة و استيلاء العمال و الولاة عليها، و اعتزال الخلفاء عن شؤون الحكم و انصراف غالبيتهم الي أسباب اللهو و الترف و المجون، و قد انعكست آثار ذلك علي مجمل الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بشكل مباشر، و فيما يلي أهم خصائص هذا العصر:

نفوذ الأتراك و ضعف العباسيين

تميز هذا العصر بغلبة الأتراك و الفراغنة و المغاربة و غيرهم من الموالي و تدخلهم في مقاليد الحكم، و كان أول ذلك في عصر المعتصم الذي اعتني منذ توليه الحكم سنة 218 ه، باقتناء الترك، فبعث الي سمرقند و فرغانة و النواحي في شرائهم، و بذل فيهم الأموال، و ألبسهم أنواع الديباج و مناطق الذهب، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد و يؤذون الناس، و ضاقت بهم البلد، فاجتمع اليه أهل بغداد و قالوا: ان لم تخرج عنا بجندك حاربناك، فكان سبب بنائه سر من رأي و تحوله اليها سنة: 220 و قيل: 221 ه. [8] . و بعد ذلك ازداد نفوذ الأتراك في عاصمة العسكر سامراء، و تسنموا [ صفحه 14] مناصب هامة كولاة و عمال و قادة جيش، و منهم بغا الكبير، و ابناه موسي و محمد، و بابكيال، و ياركوج، و اذ كو تكين، و بغا الصغير الشرابي، و وصيف بن باغر و غيرهم. و بعد عصر المتوكل ازدادت سيطرتهم علي مقاليد الحكم فأهانوا الخلفاء العباسيين و سلبوا ارادتهم، و تدخلوا في شؤون الملك، و تلاعبوا ببيوت الأموال، و انتهكوا مصالح الامة و مقدراتها: فقد قتلوا المتوكل و المهتدي، و خلعوا المعتز و المؤيد ابني المتوكل من ولاية العهد، و استخلفوا للمستعين، و استولوا علي الأموال في عهده، و قاتلوه حين غضب عليهم، فاعتصم ببغداد و بايغوا للمعتز من بعده. قال ابن‌طقطقا: كان الأتراك قد استولوا منذ قتل المتوكل علي المملكة، و استضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالأسير ان شاءوا أبقوه، و ان شاءوا خلعوه، و ان شاءوا قتلوه. [9] . و قد وصف بعض الشعراء الحالة التي انتهت اليها الخلافة العباسية في زمن المستعين الذي ليس له حول و لا قوة مع امراء الجند الأتراك و منهم و صيف و بغا بقوله: خليفة في قفص بين و صيف و بغا يقول ما قال له كما تقول الببغا [10] . و من مظاهر سيطرة امراء الأتراك علي جميع أفراد الدولة بما فيهم الخليفة في زمان المعتز بالله، ما ذكره اليعقوبي في تاريخه حوادث سنة 255 ه، قال: وثب [ صفحه 15] صالح بن وصيف التركي علي أحمد بن اسرائيل الكاتب وزير المعتز، و علي الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، و علي عيسي بن ابراهيم بن نوح و علي ابن نوح، فحبسهم و أخذ أموالهم و ضياعهم و عذبهم بأنواع العذاب، و غلب علي الأمر، فهم المعتز بجمع الأتراك، ثم دخل اليه فأزاله من مجلسه، و صير في بيت، و أخذ رقعته بخلع نفسه، و توفي بعد يومين، و صلي عليه المهتدي. [11] .

استئثار رجال السلطة بالأموال العامة

السمة الغالبة في حياة سلاطين هذا العصر و من سار في ركابهم من القادة و الولاة و الامراء و القضاة هي الاستئثار ببيت المال و تسخيره لخدمة مصالحهم الخاصة و حرمان الأغلبية الساحقة منه، و من مظاهر ذلك الاستئثار أن أم شجاع والدة المتوكل حينما ماتت قبله بسنة خلفت أموالا لا تحصر؛ من ذلك خمسة آلاف ألف دينار من العين وحده [12] و نقل المؤرخون في أحداث سنة 249 أن المستعين أطلق يد والدته و يد أتامش و شاهك الخادم في بيوت الأموال، و أباحهم فعل ما أرادوا، فكانت الأموال التي ترد من الآفاق يصير معظمها الي هؤلاء الثلاثة... و ما يفضل من هؤلاء الثلاثة يأخذه أتامش للعباس بن المستعين فيصرفه في نفقاته. [13] . و ذكروا أنه حينما خرج المستعين من سامراء و بويع للمعتز سنة 252 ه [ صفحه 16] خلف في بيت المال بسامراء نحو خمسمائة ألف دينار، و في بيت مال أم المستعين ألف ألف دينار، و في بيت مال العباس ابنه ستمائة ألف دينار. [14] . و في أحداث سنة 255 ه ذكروا أنه ظفر لقبيحة أم المعتز و زوجة المتوكل بعد خلع المعتز و قتله، بخزائن تحت الأرض فيها أموال كثيرة، و من جملتها دار تحت الأرض وجدوا فيها ألف ألف دينار و ثلاثمائة ألف دينار، و وجدوا في سفط قدر مكوك زمرد لم ير الناس مثله، و في سفط آخر مقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار، و في سفط آخر مقدار كليجة من الياقوت الأحمر الذي لم يوجد مثله، فقومت الأسفاط بالفي ألف دينار. [15] . أما استعراض تفاصيل أموال و ضياع الامراء و الولاة و القضاة و كتاب الدواوين و الجواري و المغنين و الشعراء و غيرهم من المقربين الي البلاط، فمما يخرج بنا عن الغرض، و يكفي مثالا علي ذلك أن بغا الكبير حينما مات سنة 248 ه ترك من المتاع و الضياع ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار، و ترك عشر حبات جوهر قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار. [16] . و كانت مؤونة أحمد بن طولون ألف دينار في اليوم... و حينما مات خلف من العين عشرة آلاف ألف دينار، و أربعة و عشرين ألف مملوك. [17] . [ صفحه 17] و كانت غريب جارية المعتمد ذات أموال جزيلة. [18] .

ميل العباسيين الي البذخ و الترف و اللهو

كان رجال الدولة و علي رأسهم السلطان ينفقون الأموال الطائلة لشؤونهم الخاصة كاقتناء الجواري و السراري و القيان و المغنين و جميع وسائل اللهو و المجون المتاحة في ذلك العصر، و كانوا يسرفون في الانفاق علي الشعراء و بناء القصور، بينما تعيش الأكثرية الساحقة من الناس علي الكفاف و ينهكها الجوع و الفقر و تفتك بها الأمراض و الأوبئة. فقد كان المتوكل كثير الانفاق علي الشعراء، حتي قيل: ما أعطي خليفة شاعرا ما أعطي المتوكل، [19] ، فأجاز مروان بن أبي الجنوب علي قصيدة في مدحه بمائة و عشرين ألف درهم، و أعطاه حتي أثري كثيرا فقال: فأمسك ندي كفيك عني و لا تزد فقد خفت أن أطغي و أن أتجبرا فقال لا أمسك حتي يغرقك جودي. [20] . و قرب المتوكل أبا شبل عاصم بن وهب البرجمي، و كان شاعرا ماجنا، و أنفق عليه حتي أثري، قال أبوالفرج: نفق عند المتوكل بايثاره العبث و خدمه و خص به فأثري، و أمر له بثلاثين ألف درهم علي قصيدة من ثلاثين بيتا. [21] . و أجاز عبيدالله بن يحيي بن خاقان أباشبل البرجمي أيضا علي قصيدة في [ صفحه 18] مدحه خمسة آلاف درهم و دابة و خلع عليه. [22] . و عن أحمد بن المكي، قال: غنيت المتوكل صوتا شعره لأبي شبل البرجمي، فأمر لي بعشرين ألف درهم، فقلت: يا سيدي أسأل الله أن يبلغك الهنيدة. فسأل عنها الفتح، فقال: يعني مائة سنة، فأمر لي بعشرة آلاف اخري. [23] . و أجاز المتوكل الحسين بن الضحاك الخليع علي أربعة أبيات أربعة آلاف دينار. [24] . و كان المتوكل مغرما بالجواري اللاتي يجلبن من أنحاء البلاد بأموال طائلة، فقد روي عن المسعودي أنه قال: كان المتوكل منهمكا في اللذات و الشراب، و كان له أربعة آلاف سرية و وطئ الجميع. [25] . كما كان ميالا الي التأنق في تشييد القصور الضخمة التي تعج بألوان من مظاهر الترف و البذخ و العبث و اللهو و المجون، قال اليعقوبي: بني المتوكل قصورا أنفق عليها أموالا عظاما منها: الشاه، و العروس، و الشبنداز، و البديع، و الغريب، و البرج، و أنفق علي البرج ألف ألف و سبعمائة ألف دينار. [26] . و قيل: أنفق علي الجوسق و الجعفري و الهاروني أكثر من مئتي ألف ألف [ صفحه 19] درهم. [27] . أما الاسراف في مراسم البلاط الخاصة باولاد الخلفاء و غيرهم فمما يطول به الحديث، و من شواهد ذلك ما نقله ابن‌كثير عن مراسم تسليم المعتز علي أبيه بالخلافة، قال: لما جلس [المعتز] و هو صبي علي المنبر و سلم علي أبيه بالخلافة، و خطب الناس، نثرت الجواهر و الذهب و الدراهم علي الخواص و العوام بدار الخلافة، و كان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مائة ألف دينار، و مثلها ذهبا، و ألف ألف درهم غير ما كان من خلع و أسمطة و أقمشة مما يفوت الحصر... [28] . أما المستعين فقد قالوا عنه: انه كان متلافا للمال مبذرا، فرق الجواهر و فاخر الثياب، و اختلت الخلافة بولايته و اضطربت الامور. [29] . و ذكروا أن ام المهتدي محمد بن الواثق، التي ماتت قبل استخلافه، أنها كانت تحت المستعين، فلما قتل المستعين صيرها المعتز في قصر الرصافة الذي فيه الحرم، فلما ولي المهتدي الخلافة قال يوما لجماعة من الموالي: أما أنا فليس لي ام أحتاج لها الي غلة عشرة آلاف ألف في كل سنة لجواريها و خدمها و المتصلين بها... [30] . و أمثلة ذلك كثيرة في التاريخ، و هي تحكي عن حجم التبذير في بيوت [ صفحه 20] الأموال و الاسراف في النفقات الخاصة علي حساب الأغلبية المحرومة، و كان من نتائج ذلك أن ابتعد الخليفة عن الرعية و أهمل شؤونهم فكرهه غالبية الناس. قال ابن‌كثير في حوادث سنة 249 - خلافة المستعين -: قد ضعف جانب الخلافة، و اشتغلوا بالقيان و الملاهي، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك. [31] . اما المعتمد الذي مات بالقصر الحسني مع الندماء و المطربين... و كان يسكر و يعربد علي الندماء [32] ، فقد قال السيوطي و غيره: انهمك باللهو و اللذات، و اشتغل عن الرعية فكرهه الناس. [33] . و لعل ذلك هو أحد الاسباب في تعاطف عامة الناس سيما أهل بغداد مع بعض الطالبيين الثائرين بوجه الظلم و الاستئثار، و منهم يحيي بن عمر الشهيد سنة 250 ه فضلا عن حسن سيرته، قال ابوالفرج: كان هوي أهل بغداد مع يحيي، و لم يرو قط أنهم مالوا الي طالبي خرج غيره. [34] . و قال ابن‌الأثير: تولاه العامة من أهل بغداد، و لا يعلم أنهم تولوا أحدا من [أهل] بيته سواه. [35] . كما أنكر أهل بغداد علي المتوكل و كتبوا شتمه علي الحيطان و المساجد و هجاه الشعراء، حينما أمر بهدم قبر الامام الحسين عليه‌السلام و هدم ما حوله من الدور [ صفحه 21] و منع الناس من زيارته. [36] .

تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية

كان نتيجة اضطراب السلطة و ضعفها و سوء ادارتها أن تركزت الثروات بيد قلة من أبناء الاسرة الحاكمة و المتنفذين في السلطة، فتفشي التفاوت الطبقي بين أبناء الأمة تبعا للولاء و القرب و البعد من البلاط و حاشيته، فهناك قلة متخمة تستأثر برأس المال و الثراء الفاحش و تبدده في حياة البذخ و الترف لاشباع شهواتهم و ملاذهم، و غالبية مسحوقة تعيش حياة البؤس و الفقر و الحرمان، و تنهكها النزاعات و الحروب، و تئن تحت وطأة الغلاء و فتك الأوبئة و مختلف الامراض و الكوارث الطبيعية التي ازدادت في هذا العصر، مما ترك آثارا و خيمة علي بنية المجتمع و سلوك أفراده. فمن تداعيات الحروب الداخلية و علي رأسها ثورة الزنج (255 - 270 ه) التي أثارت الخوف و الجوع و استهلكت الأموال و الأنفس و الثمرات، أن ارتفعت الأسعار و اشتدت المجاعة في سائر ديار الاسلام، و قلت البضاعة، و هجر بعض الناس بلدانهم طلبا للقمة العيش. فذكروا في حوادث سنة 251 ه أنه بلغ سعر الخبز في مكة ثلاثة أواق بدرهم. و اللحم رطل بأربعة دراهم، و شربة الماء بثلاثة دراهم. [37] . و في حوادث سنة 251 و 252 ه نتيجة الحرب التي دارت رحاها بين المعتز و المستعين علي كرسي الخلافة شمل أهل بغداد الحصار و الغلاء بالأسعار و اجتمع [ صفحه 22] علي الناس الخوف و الجوع. [38] . و قال اليعقوبي في حوادث سنة 252 ه: و غلت الأسعار ببغداد و سر من رأي حتي كان القفيز بمائة درهم، و دامت الحروب، و انقطعت الميرة، و قلت الأموال. [39] . و ذكر الطبري و غيره في حوادث سنة 260 ه أنه في هذه السنة اشتد الغلاء في عامة بلاد الاسلام، فانجلي عن مكة من شدة الغلاء من كان بها مجاورا الي المدينة و غيرها من البلدان، و رحل عنها عاملها الذي كان بها مقيما و هو بريه، و ارتفع السعر ببغداد، فبلغ الكر الشعير عشرين و مائة دينار، و الحنطة خمسين و مائة، و دام ذلك شهورا. [40] . أما الأمراض و الأوبئة التي غالبا ما تكون من افرازات الحروب و تردي الأوضاع الاقتصادية، فقد تحدث عنها المؤرخون كثيرا في هذا العصر. قال السيوطي مشيرا الي أيام المعتمد (256 - 279): و في أيامه دخلت الزنج البصرة و أعمالها و أخربوها و بذلوا السيف و أحرقوا و خربوا و سبوا، و جري بينهم و بين عسكره عدة وقعات... و أعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق، فمات خلق لا يحصون. [41] . و يبدو أنه قد بلغ التدهور أوجه في أيام المعتمد، ففي حوادث سنة 258 ه [ صفحه 23] يقول ابن‌كثير و غيره: و فيها وقع في الناس و باء شديد و موت عريض ببغداد و سامراء و واسط و غيرها من البلاد، و حصل للناس ببغداد داء يقال له القفاع. [42] . و يقول اليعقوبي: وقع فيها و باء بالعراق، فمات خلق من الخلق، و كان الرجل يخرج من منزله فيموت قبل أن ينصرف، فيقال انه مات ببغداد في يوم واحد اثناعشر ألف انسان. [43] .

التدهور و عدم الاستقرار

اشاره

سادت الكثير من مظاهر الفوضي و الشغب و الاضطراب في هذا المقطع التاريخي من عمر الدولة العباسية، تتمثل في انتقاض أطرافها، و استقلال بعض ولاياتها، و العدوان الأجنبي علي بعض أعمالها، و كثرة الثورات الداخلية و علي رأسها ثورة الزنج و الخوارج الي غير ذلك من مظاهر عدم الاستقرار السياسي و الأمني الناجمة عن ضعف القدرة المركزية للسلطة و تلاشي هيبتها و تعدد الارادات السياسية فيها لتدخل قادة الجند الأتراك و المغاربة و الفراغنة في شؤونها و اشاعتهم الظلم و القهر و الاستبداد. و فيما يلي نعرض لأهم تلك المظاهر، و نذكر بعض الأمثلة من المصادر التي أرخت لهذا العصر:

انتقاض أطراف الدولة

صار أغلب العمال و الولاة في هذا العصر غير مقيدين بالارتباط الوثيق بعاصمة الملك أو الموالاة للدولة، فكان بامكانهم الانفصال و مناجزة الآخرين [ صفحه 24] القتال، فكانت الحروب سجالا بين امراء الجند و الولاة و العمال في أطراف الدولة، فكثر المتغلبون فيها، و أصبحت المدن الاسلامية تستقبل كل فترة عاملا جديدا يحكمها و يدير شؤونها و يجبي خراجها. فمثلا كانت الأندلس تحت سيطرة الأمويين [44] ، و الشمال الأفريقي تحت امرة آل الأغلب [45] ، و مصر تحت سيطرة أحمد بن طولون التركي [46] ، كما تغلب يعقوب بن الليث الصفار علي خراسان و نيسابور حتي بلغت شوكته أن حارب جيش المعتمد في دير العاقول بعد أن استولي علي واسط [47] ، و سيطر الحسن بن زيد العلوي علي طبرستان و أسس الدولة العلوية هناك [48] ، و تغلب علي آذربيجان محمد بن البعيث في زمان المتوكل [49] ، و علي تفليس اسحاق بن اسماعيل مولي بني‌أمية [50] ، كما تغلب البطارقة علي أرمينية [51] ، و استحوذ محمد [ صفحه 25] ابن واصل التميمي علي الأهواز ثم علي بلاد فارس [52] ، كما خضعت مرو لشركب الحمار و قيل: الجمال [53] ، و قد حصل كل هذا في الفترة من سنة 238 الي سنة 259 ه الأمر الذي يشير الي تدهور السلطة في هذا العصر الي حد بعيد.

ضعف الثغور الاسلامية

و من مظاهر التدهور السياسي الكبير في هذا العصر اهمال المتصدين لقيادة الدولة للثغور الاسلامية اهمالا أدي بالنتيجة الي تعرض أطراف الدولة الي غزوات راح ضحيتها آلاف المسلمين و نهبت أموالهم و انتهكت أعراضهم و سبيت نساؤهم، كما حصل في غزو مصر من قبل الافرنج و السودان و الروم مرات عديدة بما لا حاجة الي تفصيلها. [54] .

اعمال الشغب العصيان

و تمثل تلك الأعمال مظهرا آخر من مظاهر عدم الاستقرار الأمني و السياسي للدولة، و هي أعمال كثيرة في هذا العصر أدت الي تفاقم الاوضاع و تدهورها. فاليمامة مثلا عاث بها بنو نمير [55] و أهل أرمينية قتلوا عاملهم و أعلنوا [ صفحه 26] عصيانهم [56] ، كما تعرض عامل حمص لقتال الحمصيين، و صارت حمص مسرحا للقتل و الصلب و التحريق [57] ، كما شغب الأتراك و الجند في زمان المستعين و قتل خلق كثير، و انتهبت أماكن كثيرة في عاصمة الدولة سامراء [58] كما تعرضت بغداد الي شغب كثير في هذا العصر [59] ، و لم تنج الموصل من ذلك أيضا. [60] .

الثورات الشعبية و الحركات المتطرفة

تعددت الثورات الشعبية التي قادها الطالبيون ضد الدولة العباسية من جهة، و تنامت الحركات المتطرفة التي عصفت بالأمة من جهة أخري، مما نجم عنه ازهاق نفوس كثيرة، و تبديد ثروات طائلة، مع هدر الطاقات و فقدان الأمن، و شيوع حالة الفوضي و الاضطراب. أما عن الثورات و الانتفاضات الشعبية التي انطلقت في هذا العصر لتقف بصلابه في وجه الحكم العباسي، فقد تزعمها الطالبيون، و كانت من افرازات تردي الأحوال العامة و القهر و الاستبداد و الطغيان و الجور التي عمت آثارها علي الامة بشكل عام و علي الطالبيين بشكل خاص؛ لأنهم يعانون من شدة الوضع العام، و من السياسة العباسية القاضية باضطهادهم و مطاردتهم و اتباع [ صفحه 27] شتي وسائل الضغط عليهم، فكانت واعزا يحفز الثوار منهم علي الخروج المسلح بين آونة و اخري. و قد تعرضوا في زمان المتوكل لمحنة عظيمة، اذ فرض عليهم حصارا جائرا، و استعمل لهذا الغرض عمر بن الفرج الرخجي، فمنعهم من التعرض لمسألة الناس و منع الناس من البر بهم، فكان لا يبلغه أن أحد أبر أحدا منهم بشي‌ء الا أنهكه عقوبة و أثقله غرما، حتي كان القميص يدور بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد أخري. [61] . و تعرض الكثير من آل أبي‌طالب في هذه الفترة لشتي أنواع الاضطهاد و التنكيل، و انزلت فيهم أقصي العقوبات، فتفرق كثير منهم في النواحي كي يتواروا عن الأنظار أو يعلنوا الثورة المسلحة ضد الدولة، و شرد بعضهم من المدينة الي سامراء، و أودع بعضهم السجون حتي ماتوا فيها أو سموا، هذا فضلا عمن قتلوا علي أيدي قادة العباسيين و رجال دولتهم كموسي بن بغا و علي بن أوتامش و صالح بن وصيف و سعيد الحاجب و غيرهم، مما سنشير اليه في الفصل الثاني. و قد تضمنت كتب التاريخ أسماء ثمانية عشر ثائرا من الطالبيين في أقل من ثلاثين سنة (232 - 260 ه) و هو عدد يشير الي حجم معاناة الطالبيين و مدي الحيف و الظلم الذي لحقهم علي أيدي السلطات، و الا لما تطلب جميع هذه [ صفحه 28] التضحيات الجسام. [62] . و أما عن الحركات المتطرفة التي ظهرت هي هذا العصر، فتتمثل بحركة الزنج (255 - 270 ه) التي كانت من أشد الحركات المتطرفة التي عصفت بالحكم العباسي، فضلا عن عدم مراعاة تلك الحركة لمثل الاسلام و قيمه العليا، نظرا لما قامت به تلك الحركة من انتها كانت خطيرة بحيث حرقت فيها حتي دور العبادة كالمساجد و الجوامع فضلا عن القتل الذريع و سبي النساء و فعل كل قبيح. و كان صاحب الزنج من الأدعياء الذين زعموا الانتساب الي الذرية الطاهرة في حين اجمع العلماء علي كذبه و دجله و أنه دعي لا غير. [63] . و يؤيد ذلك ما كتبه الامام العسكري عليه‌السلام الي محمد بن صالح الخثعمي في خصوص فرية صاحب الزنج، حيث بين عليه‌السلام في كتابه كذب هذا المفتري، اذ [ صفحه 29] جاء في الكتاب: «صاحب الزنج ليس من أهل البيت». [64] و في هذا دليل قاطع علي كذب و افتراء صاحب الزنج لعنه الله في انتسابه الي الذرية الطاهرة. و من تلك الحركات المتطرفة التي عبثت كثيرا، هي حركة الخوارج الشراة الذين زعموا أنهم شروا الآخرة بالدنيا! فشنوا حربا شعواء علي كل من خالفهم الرأي لا يفرقون في هذا بين العباسيين و غيرهم، و كانوا صورة لاسلافهم الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية. و قد ظهروا في هذا العصر في الموصل سنة 248 ه و قويت شوكتهم حتي وصلوا قرب العاصمة سامراء، و اشتبكوا مع العباسيين في معارك طاحنة، و استولوا علي مناطق كثيرة من السواد، مما ترك هذا أثره البالغ في تدهور الأمن و ضياع الهدوء و الاستقرار. [65] . [ صفحه 31]

الامام و السلطة

اشاره

علي الرغم من الضعف الذي انتاب هيكل الخلافة في هذا العصر، و الانحلال الذي بدأ يستشري في أوصال الدولة العباسية، فقد بقي العباسيون علي نفس المنوال الذي سار عليه أسلافهم ابان عصر القوة و الازدهار في التصدي لمدرسة الأئمة عليهم‌السلام و شيعتهم و النكاية بهم؛ ذلك لأن علاقة الحاكم بالامام تقوم علي أساس ثابت، و هو الخوف من نشاط الامام و دوره الايجابي في الحياة الاسلامية، و الشعور بخطورة هذا الدور حتي وصل لدي الزعامات العباسية في هذه الفترة الي درجة الرعب، فطوقوا الامام بحصار شديد و رقابة صارمة عليه، و تربصوا به و بأصحابه، و أخيرا تآمروا علي حياته فسقط شهيدا في محراب الجهاد و لما يبلغ الثلاثين. كان العباسيون يعيشون أوضاعا سلبية علي مستوي الالتزام الديني، و قدم غالبيتهم نموذجا سيئا في هذا الاتجاه، فكانوا يضيقون ذرعا بأي امام من معاصريهم، لما يتمتع به من سمو المكارم و من شخصية علمية و روحية فذة تجتذب مختلف أوساط الامة، التي تري في الامام الممثل الحقيقي لسيرة السلف الصالح و المصداق الأصيل لرسالة السماء، و عندما تري تلك الأوساط تذمر [ صفحه 32] الامام في مواقفه تجاه السلطة و عدم رضاه عنها تزداد تمسكا به، و من هنا يبرز تخوف السلطة من الانقلاب علي نظامها لمصلحة خط الامامة، الأمر الذي تحرص معه علي ربط الامام بالجهاز الحاكم و تقريبه بشتي الوسائل؛ كالسجن كما فعل الرشيد مع الامام الكاظم عليه‌السلام، أو ولاية العهد كما فعل المأمون مع الامام الرضا عليه‌السلام، أو الحجز و الحصار كما فعل العباسيون من المعتصم الي المعتمد مع الامام الجواد و الهادي و العسكري عليهم‌السلام و ذلك لدوام مراقبة الامام و تحديد حركته و فصله عن أتباعه و مواليه و محبيه المؤمنين بمرجعيته الفكرية و الروحية. لقد رافق الامام العسكري عليه‌السلام أباه في رحلته المضنية من المدينة المنورة الي سامراء و لما يزل صبيا، و ذلك حينما استدعي الامام الهادي عليه‌السلام من قبل المتوكل الي عاصمة البلاط العباسي آنذاك، ليكون محجوزا و مراقبا و معزولا عن قاعدته العريضة، و بعد أن وافاه الأجل في سنة (254 ه) استمر العباسيون بسياستهم تلك تجاه الامام العسكري عليه‌السلام و كما يلي:

مراقبة الامام و فرض الاقامة الجبرية عليه

فرض العباسيون المعاصرون للامام العسكري عليه‌السلام الاقامة الجبرية عليه كما فرضوها علي أبيه عليه‌السلام، و عملوا علي الحد من حرية حركته، سوي أنهم أوجبوا عليه أن يركب الي دار الخلافة في كل اثنين و خميس [66] ، لكفكفة نشاطاته و ليكون تحت مرآي و مسمع الخليفة و جهازه الحاكم. و لم يكن الركوب الي دار السلطان برضا الامام عليه‌السلام، كما لم يكن طريقه اليه مأمونا، فقد جاء في الرواية عن أبي‌الحسن الموسوي الخيبري قال: «حدثني [ صفحه 33] أبي، أنه كان يغشي أبامحمد عليه‌السلام بسر من رأي كثيرا، و أنه أتاه يوما فوجده و قد قدمت اليه دابته ليركب الي دار السلطان، و هو متغير اللون من الغضب، و كان يجيئه رجل من العامة، فاذا ركب دعا له و جاء بأشياء يشنع بها عليه، فكان عليه‌السلام يكره ذلك...». [67] . أما موقف الامام العسكري عليه‌السلام ازاء الملاحقة و المحاصرة و المراقبة التي فرضتها السلطة لتقييد تحركاته و شل عمله العلمي و الحيلولة دون أداء دوره القيادي تجاه قواعده المؤمنة به، هو احاطة أعماله بالسرية و الكتمان و الحيطة الا بالمقدار الذي تسمح به الظروف، كما سار علي نهج أبيه الامام أبي الحسن الهادي عليهماالسلام الذي عاني من الحصار و الرقابة أيضا في اتخاذ الوكلاء و القوام الثقات الذين يمثلون خط الامامة الأصيل في أطراف البلاد الشاسعة، ليكون الامام عليه‌السلام قادرا علي ممارسة دوره في نشر الوعي الديني و العقائدي، و الحفاظ علي مفاهيم الرسالة و القيم الاسلامية المقدسة، و الاتصال مع قواعده الشعبية في ظل تلك الظروف العصيبة. و من هنا كانت له عليه‌السلام امتدادات واسعة في المواقع الاسلامية، و يدل علي ذلك عملية تنظيم الوكلاء و القوام، اذ كان له وكيل في كل منطقة له فيها أتباع و شيعة يأتمرون بأمره و ينضوون تحت ولايته، و كانوا يتصلون به عليه‌السلام عن طريق المراسلة أو المكاتبة، و يجيبهم عن طريق التواقيع الصادرة عنه، و من خلالها يمارس أيضا عملية عزل شخص أو تعيين آخر مكانه، و يعطي سائر ارشاداته [ صفحه 34] لهذا و ذاك من أصحابه. و كان عليه‌السلام يتبع أقصي اجراءات الحذر و الاحتراز في ايصال تلك التواقيع الي أصحابه، و من بين تلك الاجراءات أنه كان يضع بعض كتبه في خشبة مدورة طويلة مل‌ء الكف كأنها (رجل باب) ليرسلها الي العمري. [68] . و كان أصحابه أيضا يدققون في خطه و يأخذون منه نسخة لكي لا يقعوا في محذور التزوير، قال أحمد بن اسحاق: «دخلت الي أبي‌محمد عليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر الي خطه فأعرفه اذا ورد، فقال: نعم. ثم قال: يا أحمد، ان الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن، ثم دعا بالدواة». [69] . و كان الوكلاء و القيمون يحتاطون كثيرا في أيصال المال الي الامام عليه‌السلام و في حمل مكاتباته و تواقيعه، فتجد أوثق وكلائه و أعظمهم شأنا عثمان بن سعيد العمري السمان، يتجر بالسمن تغطية علي هذا الأمر - يعني علي نشاطه في مصلحة الأئمة عليهم‌السلام - و كان الشيعة اذا حملوا الي أبي‌محمد عليه‌السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا الي أبي‌عمرو، فيجعله في جراب السمن و زقاقه، و يحمله الي أبي‌محمد عليه‌السلام تقية و خوفا. [70] . ان المتتبع لدراسة حياة الامامين العسكريين عليهماالسلام يري أن المكاتيب [ صفحه 35] و التواقيع قد اتخذت حيزا واسعا من مساحة تراثهما [71] ، كما يتبين له دورها في تعميق الوعي الاسلامي الأصيل، و تعزيز مبادئ مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام، و التمهيد لغيبة ولده الحجة عليه‌السلام من بعده، فضلا عن المزيد من المكاتبات المتعلقة بالأبواب الفقهية و المسائل الشرعية المبثوثة في كتب الفقه و المجاميع الحديثية، و كان للوكلاء دور رئيسي في ايصالها من و الي الامام عليه‌السلام. و من بين وكلاء الامام العسكري عليه‌السلام: ابراهيم بن عبدة النيسابوري [72] ، و أيوب بن نوح بن دراج النخعي [73] ، و جعفر بن سهيل الصيقل [74] ، و حفص بن عمرو العمري المعروف بالجمال [75] ، و علي بن جعفر الهماني البرمكي [76] ، و القاسم [ صفحه 36] ابن العلاء الهمداني [77] ، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري و ابنه محمد، اللذان قال فيهما الامام العسكري عليه‌السلام علي ما رواه أحمد بن اسحاق عنه عليه‌السلام: «العمري و ابنه ثقتان فما أديا فعني يؤديان، و ما قالا فعني يقولان، فاسمع لهما و أطعهما، فانهما الثقتان المأمونان» [78] و منهم أيضا محمد بن أحمد بن جعفر القمي [79] ، و محمد بن صالح بن محمد الهمداني [80] ، و غيرهم. من هنا يتضح أن المراقبة و الحصار و الاقامة الجبرية و غيرها من الممارسات لم تقطع الامام عليه‌السلام بشكل كلي عن المناطق التي يتملك فيها أتباعا و جماهير تدين بامامته و تؤمن بمرجعيته، بل استطاع أن يكسر بعض حاجز الحصار و الاحتجاب القسري بالمكاتبة و الوكلاء، و أتاح له هذا الاسلوب أن يمهد ذهنية شيعته كي تتقبل أمر الغيبة دون مضاعفات و تداعيات قد تكون غير محمودة لولا هذا التمهيد.

ايداعه السجن

تعرض الامام العسكري عليه‌السلام خلال خلافة المعتز و المهتدي و المعتمد الي السجن أكثر من مرة، و كانوا يوكلون به أشخاصا من ذوي الغلظة علي آل أبي‌طالب و العداء لأهل البيت عليهم‌السلام من أمثال: علي بن اوتامش [81] ، و أقتامش [82] . [ صفحه 37] و نحرير [83] ، و علي بن جرين، و كان المعتمد يسأل علي بن جرين عن أخباره عليه‌السلام في كل مكان و وقت، فيخبره أنه يصوم النهار و يصلي الليل [84] ، كما كان العباسيون يدخلون علي بعض مسؤولي السجن و منهم صالح بن وصيف، فيوصونه بأن يضيق عليه و يؤذيه. [85] . و كانوا لا يفارقونه حتي في الاعتقال حيث كانت الرقابة السرية تطارده و أصحابه بدس الجواسيس بين أصحابه في السجن، و كان أحدهم يدعي أنه علوي و هو جمحي، و قد هيأ كتابا جعله في طيات ثيابه كتبه الي السلطان يخبره بما يقولون و يفعلون. [86] . و يصف أبويعقوب اسحاق بن أبان طريقة حراسة السجن الذي يودع فيه الامام عليه‌السلام و مراقبته الصارمة بقوله: «ان الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه‌السلام بالليل و النهار، و كان يعزل الموكلون و يولي آخرون بعد أن [ صفحه 38] تجدد عليهم الوصية بحفظه و التوفر علي ملازمة بابه». [87] . أما موقف الامام عليه‌السلام من السجن و السجانين، فهو اقامة الحجة الواضحة عليهم عن طريق أفعاله و زهده و عبادته و صلاحه، و قد استطاع من خلال هذا الاسلوب أن يفرض هيبته علي غالبيتهم، حتي أن بعضهم يرتعد خوفا و فزعا بمجرد أن ينظر اليه، قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف: «ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، و لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا». [88] . و حينما حل في سجن علي بن أوتامش، و كان شديد العداوة لآل البيت عليهم‌السلام غليظا علي آل أبي‌طالب، فضلا عن أنه اوصي من قبل السلطة بأن يفعل به و يفعل علي ما جاء في الرواية، لكنه تأثر بهدي الامام عليه‌السلام و مكارم أخلاقه، فوضع خده علي الأرض تواضعا له، و كان لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، و خرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم فيه قولا. [89] . و حينما أوصي العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس أبومحمد الحسن العسكري عليه‌السلام عنده بأن يضيق عليه، قال لهم صالح و هو يعلن اعتذاره و عجزه عن هذا الأمر: «ما أصنع به و قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه، فقد [ صفحه 39] صاروا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم». [90] .

ملاحقة شيعته و مواليه

اشاره

طاردت السلطة شيعة الامام باعتبارهم قاعدته، و لا حقت أصحابه و رواد مدرسته باعتبارهم عمقه القادر علي التأثير و الاستقطاب، و تعرضوا للسجن و التشريد و القتل، و كانوا يعرضون علي السيف لمجرد اعتقادهم بامامته بشهادة أبرز وزراء البلاط آنذاك، و هو عبيدالله بن يحيي بن خاقان، فقد روي عنه ابنه و هو أحمد بن عبيدالله الذي كان يتولي الضياع و الخراج في قم أنه قال: «لما دفن (الامام العسكري عليه‌السلام) جاء جعفر بن علي أخوه الي أبي (عبيدالله بن خاقان) فقال: اجعل لي مرتبة أخي و أنا أوصل اليك في كل سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبي و قال له: يا أحمق، ان السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك». [91] . و في ربيع‌الأول سنة 254 ه قتلوا الكثير من أصحاب الأئمة و شيعتهم في قم التي تشكل قاعدة مهمة من قواعد الامام عليه‌السلام، فقد نقل المؤرخون أن مفلحا و باجور أوقعا بأهل قم في هذه السنة فقتلا منهم مقتلة عظيمة. [92] . و كان بعض الأصحاب يكتبون الي الامام عليه‌السلام مستغيثين من ضيق الحبس [ صفحه 40] و ثقل الحديد، [93] ، و قسوة العمال و ظلمهم [94] ، و الفقر و قلة ذات اليد [95] ، فيهرع عليه‌السلام الي سلاح الأنبياء ليعينهم بالدعاء علي نوائب الدهر. و بلغت قسوة العمال أشدها معهم، فكان موسي بن بغا يعاقب بألف سوط أو القتل [96] ، و للامام عليه‌السلام دعاء طويل قنت فيه عليه لما شكاه أهل قم لظلمه و جوره، و طلب منهم أن يقنتوا عليه كذلك. [97] . و تعرض كثير منهم للمطاردة و السجن، و قد أشار ابن‌الصباغ المالكي الي ذلك في معرض حديثه عن الخلف الحجة عليه‌السلام حيث قال: «خلف أبومحمد الحسن من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، و كان قد أخفي مولده و ستر أمره لصعوبة الوقت و شدة طلب السلطان و تطلبه للشيعة و حبسهم و القبض عليهم». [98] . و سجن بعضهم مع الامام العسكري عليه‌السلام، و كان منهم أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري، و القاسم بن محمد العباسي، و محمد بن عبيدالله، و محمد بن [ صفحه 41] ابراهيم العمري، و الحسين بن محمد العقيقي [99] و غيرهم. و لم تنته هذه المحاولات حتي بعد شهادة الامام العسكري عليه‌السلام مسموما سنة 260 ه، اذ تحدثت المصادر عن القاء حلائله و أصحابه في السجن، و أنه جري عليهم كل عظيم من اعتقال و تهديد و تصغير و استخفاف و ذل. [100] . أما موقفه عليه‌السلام مما يجري علي أصحابه، فيمكن تلخيصه في ثلاثة اتجاهات:

الدعاء علي أعدائهم

و قد ذكرنا آنفا أنه عليه‌السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف و أحوجها، و من ذلك الدعاء الذي رواه عبدالله بن جعفر الحميري، قال: كنت عند مولاي أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه، اذ وردت اليه رقعة من الحبس من بعض مواليه، يذكر فيها ثقل الحديد و سوء الحال و تحامل السلطان، فكتب اليه: «يا عبدالله، ان الله عز و جل يمتحن عباده ليختبر صبرهم، فيثيبهم علي ذلك ثواب الصالحين، فعليك بالصبر، و اكتب الي الله عز و جل رقعة و انفذها الي مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه، و ارفعها عنده الي الله عز و جل، و ادفعها حيث لا يراك أحد، و اكتب في الرقعة» ثم أورد دعاء طويلا كان منه قوله عليه‌السلام: «اللهم اني قصدت بابك، و نزلت بفنائك، و عتصمت بحبلك، و استغثت بك، و استجرت بك، يا غياث المستغيثين أغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا اله العالمين خذ بيدي، انه قد علا الجبابرة في [ صفحه 42] أرضك، و ظهروا في بلادك، و اتخذوا أهل دينك خولا، و استأثروا بفي‌ء المسلمين، و منعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم، و صرفوها في الملاهي و المعازف، و استصغروا آلاءك، و كذبوا أولياءك، و تسلطوا بجبريتهم ليعزوا من أذللت، و يذلوا من أعززت، و احتجبوا عمن يسألهم حاجة، أو من ينتجع منهم فائدة...». [101] . و في هذا الدعاء يشير الامام العسكري عليه‌السلام الي مظاهر الفوضي و الفساد و الظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك، فذكر استئثار رجالات السلطة بفي‌ء المسلمين، و منعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم، و تبديدها في أسباب اللهو علي حساب فقر الفقراء و المصالح التي تفوت بذلك. و من دعاء طويل له عليه‌السلام علي موسي بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره و ظلمه، قال عليه‌السلام: «اللهم و قد شملنا زيغ الفتن، و استولت علينا غشوة الحيرة، و قارعنا الذل و الصغار، و حكم علينا غير المأمونين في دينك، و ابتز امورنا معادن الابن [102] ممن عطل حكمك، و سعي في اتلاف عبادك، و افساد بلادك. اللهم و قد عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و امارتنا غلبة بعد المشورة، و عدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، فاشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم [ صفحه 43] و الأرملة، و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة [103] ، و ولي القيام بامورهم فاسق كل قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحري من مسغبة، فهم أولو ضرع بدار مضيعة، و اسراء مسكنة و حلفاء كآبة و ذلة. اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و استحكم عموده، و استجمع طريده، و خذرف وليده، و بسق فرعه، و ضرب بجرانه، اللهم فأتح له من الحق يدا حاصدة تصرع قائمه، و تهشم سوقه، و تجب سنامه، و تجدع مراغمه، ليستخفي الباطل بقبح صورته، و يظهر الحق بحسن حليته...». [104] .

احسانه اليهم

و قد كان يأمر قوامه و وكلاءه بالتخفيف من وطأة الفقر عن كواهلهم، و يعطي المعوزين منهم ما يرفع عنهم أسباب العوز و الحاجة، و ممن شملهم بره و احسانه أبوهاشم الجعفري، و علي بن ابراهيم بن موسي بن جعفر، و أبويوسف [ صفحه 44] الشاعر [105] ، و غيرهم.

تحذيرهم من الفتن

حيث كان عليه‌السلام يمارس دوره كقائد لمواليه و أصحابه وراع لمصالحهم و مدافع عن قضاياهم في حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة و الضغط، و علي هذا الصعيد كان عليه‌السلام يحذرهم الأخطار و الفتن المحدقة بهم، و من الوقوع في أحابيل السلطة، و يساعدهم في اخفاء نشاطهم بحسب الامكان، و يهي‌ء الجماعة الصالحة لغيبة ولده الحجة عليه‌السلام الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا. و في هذا الاتجاه أوصي أصحابه أن يكونوا علي اهبة من فتنة تظلهم عند موت المعتز. [106] . و حذرهم من الاذاعة و طلب الرئاسة مشددا علي التقوي و أداء الأمانه، فقد جاء في رسالة له عليه‌السلام الي بعض بني أسباط: «اياك و الاذاعة و طلب الرئاسة، فانهما يدعوان الي الهلكة... و اقرأ من تثق به من موالي السلام، و مرهم بتقوي الله العظيم و أداء الأمانة و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا». [107] . و أكد علي الكتمان و الحيطة حتي أنه عليه‌السلام قال لأحد أصحابه: «اذا سمعت [ صفحه 45] لنا شاتما فامض لسبيلك التي امرت بها، و اياك أن تجاوب من يشتمنا، أو تعرفه من أنت، فاننا ببلد سوء و مصر سوء». [108] . و قال لأحد أصحابه حينما أراد أن يصرح بامامته عليه‌السلام: «انما هو الكتمان أو القتل، فاتق الله علي نفسك»، و في رواية: «فابقوا علي أنفسكم». [109] . و بلغت درجة الحيطة لديه عليه‌السلام أنه أوصي بعض أصحابه أن لا يسلم عليه أو يدنو منه، فقد ترصده أصحابه يوما عند ركوبه الي دار الخلافة ليسلموا عليه، فخرج التوقيع منه عليه‌السلام اليهم: «ألا لا يسلمن علي أحد، و لا يشير الي بيده، و لا يومئ، فانكم لا تأمنون علي أنفسكم». [110] . و نادي عليه‌السلام يوما حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي، و قد أراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان و أحس منه خلوة،: «لا تدن مني، فان علي عيونا، و أنت أيضا خائف». [111] .

مواقف العباسيين

اشاره

لغرض استجلاء موقف السلطة من الامام لابد من استعراض موقف الحاكمين من بني العباس علي انفراد حسب التسلسل التاريخي، و قد ذكرنا أن الامام العسكري عليه‌السلام عاصر في سني امامته (254 - 260 ه) شطرا من خلافة المعتز و المهتدي و بعض سني خلافة المعتمد، لكنا سوف نذكر بعضا من مواقف [ صفحه 46] المتقدمين الذين عاصروا الامام العسكري عليه‌السلام منذ ولادته الي أن تسنم الامامة (232 - 254 ه) و مع كون هذه المدة تقع ضمن فترة امامة أبيه عليه‌السلام لكن الامام العسكري عليه‌السلام و اكب أحداثها و عاني من آثارها و عاش شتي الصعوبات و الظروف القاسية التي واجهت أباه من قبل؛ منذ استدعائه من المدينة الي سامراء حتي وفاته مرورا بالحصار و الاقامة و الاعتقال و محاولات الاغتيال. علي أنه لم ينقل لنا التاريخ تفاصيل العلاقة بين الامام عليه‌السلام و بين كل واحد من خلفاء عصره، عدا أخبار اعتقاله و تنبؤاته بموت بعضهم أو قتله، و موقف الخلفاء من الشيعة بشكل عام و الطالبيين بشكل خاص الذين طالهم السجن و التشريد و القتل صبرا علي يد أجهزة السلطة.

المتوكل

اشاره

(232 - 247 ه) و هو جعفر بن المعتصم بن الرشيد، بويع بعد وفاة أخيه الواثق في ذي الحجة سنة 232 ه، و كان عمر الامام العسكري عليه‌السلام نحو ثمانية أشهر و نصف، اذ ولد عليه‌السلام في الثامن من ربيع‌الآخر سنة 232. ان السمة الغالبة علي المتوكل هي النصب و التجاهر بالعداء لآل البيت عليهم‌السلام و الحقد السافر عليهم و علي من يمت لهم بصلة نسب أو ولاء، و قد أجمع علي هذا الأمر غالبية المؤرخين حتي: أولئك الذين اعتبروه ناصرا للسنة و شبهوه بالصديق و عمر بن عبد العزيز: قال السيوطي: «كان المتوكل معروفا بالتعصب». [112] . [ صفحه 47] و قال الذهبي: «كان المتوكل فيه نصب و انحراف». [113] . و قال ابن‌الأثير: «كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي‌طالب و لأهل بيته، و كان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولي عليا و أهله بأخذ المال و الدم، و كان من جملة ندمائه عبادة المخنث، و كان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة و يكشف رأسه و هو أصلح و يرقص بين يدي المتوكل، و المغنون يغنون؛ قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين، يحكي بذلك عليا عليه‌السلام و المتوكل يشرب و يضحك... و انما كان ينادمه و يجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب و البغض لعلي، منهم: علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي، و عمرو بن الفرج الرخجي، و أبو السمط من ولد مروان بن أبي‌حفصة من موالي بني‌امية، و عبدالله بن داود الهاشمي المعروف بابن اترجة، و كانوا يخوفونه من العلويين، و يشيرون عليه بابعادهم و الاعراض عنهم و الاساءة اليهم، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين، و لم يبرحوا به حتي ظهر منه ما كان...». [114] . و لا يمكن أن يجرأ أحد من هؤلاء الذين ذكرهم ابن الأثير علي النيل من أميرالمؤمنين عليه‌السلام و عموم أهل البيت أمام أحد سلاطين بني العباس، لولا علمهم المسبق بعداء ذلك (الخليفة) السافر لأهل البيت عليهم‌السلام و حقده المقيت عليهم، و حرصه علي تشجيع ثقافة النصب و البغض و افشائها في أوساط الناس عن طريق بعض المرتزقة من الشعراء و غيرهم. [ صفحه 48] روي أن أبا السمط مروان بن أبي الجنوب، قال: «أنشدت المتوكل شعرا ذكرت فيه الرافضة، فعقد لي علي البحرين و اليمامة، و خلع علي أربع خلع، و خلع علي المنتصر، و أمر لي المتوكل بثلاثة آلاف دينار، فنثرت علي، و أمر ابنه المنتصر و سعد الايتاخي أن يلتقطاها لي ففعلا، و الشعر الذي قلته: يرجو التراث بنو البنا ت و ما لهم فيها قلامه و الصهر ليس بوارث و البنت لا ترث الامامه ما للذين تنحلوا ميراثكم الا الندامه ليس التراث لغيركم لا والاله و لا كرامه قال: ثم نثر علي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعني عشرة آلاف درهم». [115] و من هنا كان زمان المتوكل ايذانا ببدء عهد الظلم و التعسف علي أهل البيت عليهم‌السلام و شيعتهم؛ لأن المتوكل أمعن في التنكيل بهم و أسرف في القتل و الحبس و الحصار و التشريد و صنوف الأذي و العنت، و فيما يلي نذكر بعض اجراءاته في هذا الاتجاه:

استدعاء الامام الهادي الي سامراء و ايذاؤه

اشاره

كان المتوكل حريصا علي محاصرة الامام الهادي عليه‌السلام و وضعه تحت الرقابة و عزله عن الجمهور المسلم الذي كان ينتفع به و يعظمه و عن شيعته و مواليه في المدينة، لهذا كتب باشخاصه مع أهل بيته و مواليه، من مدينة جده صلي الله عليه و آله يثرب الي عاصمة الملك العباسي آنذاك سامراء. [ صفحه 49]

اسباب الاستدعاء

انما ينطلق المتوكل في كل مواقفه مع الامام الهادي عليه‌السلام و شيعته من البغض الذي يكنه لأهل بيت النبوة، و فضلا عن ذلك فقد ذكر المؤرخون سببين مرتبطين دفعا المتوكل الي اشخاص الامام عليه‌السلام الي سامراء و هما: السبب الأول: هاجس الخوف الذي يراود المتوكل من انصراف الناس الي الامام عليه‌السلام لما علمه من التفاف الناس حوله في المدينة، نقل سبط ابن‌الجوزي عن علماء السير قولهم: «انما أشخصه المتوكل الي بغداد، لأن المتوكل كان يبغض عليا عليه‌السلام و ذريته، فبلغه مقام علي عليه‌السلام بالمدينة، و ميل الناس اليه فخاف منه» [116] . و عبر عن هذا المعني أيضا يزداد النصراني تلميذ بختيشوع طبيب البلاط، قال: «بلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه، لئلا تنصرف اليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس». [117] . و الامام عليه‌السلام لم يكن في موقع الدعوة الي الثورة ضد الخلافة العباسية، لأن الظروف الموجودة آنذاك لم تكن تسمح بمثل هذا العمل، و قد عرف الامام عليه‌السلام بعد استدعائه هواجس نفس المتوكل، فبين له أنه ليس همه استلام السلطة و لا تنزع نفسه الكريمة الي شي‌ء من هذا الحطام، و ذلك حينما استعرض المتوكل جيشه بحضور الامام عليه‌السلام و قد بلغ تسعين ألفا من الترك، فقال عليه‌السلام: «نحن [ صفحه 50] لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، و لا عليك مما تظن» [118] . السبب الثاني: الدور الذي مارسه بعض الحاقدين من عمال بني العباس في الوشاية بالامام الي المتوكل، و منهم عبدالله بن محمد بن داود الهاشمي، المعروف بابن اترجة أو بريحة [119] ، و كان يتولي ادارة الحرب و الصلاة في الحرمين. قال المسعودي: كتب بريحة... الي المتوكل: ان كان لك في الحرمين حاجة، فاخرج علي بن محمد منها، فانه قد دعا الناس الي نفسه و اتبعه خلق كثير؛ و تابع كتبه الي المتوكل بهذا المعني. [120] . و قال الشيخ المفيد: سعي بأبي الحسن عليه‌السلام الي المتوكل، و كان يقصده بالاذي. [121] . و قال اليعقوبي: كتب الي المتوكل يذكر أن قوما يقولون انه الامام. [122] . و مهما يكن فان أفعال الوشاة توقظ شكوك المتوكل و أحقاده و تثير توجسه الكامن في نفسه تجاه الامام عليه‌السلام.

كتاب الاستدعاء

ذكر الشيخ المفيد أنه لما بلغ أباالحسن عليه‌السلام سعاية عبدالله بن محمد به، كتب الي المتوكل يذكر تحامل عبدالله بن محمد عليه و يكذبه في ما وشي به اليه، فتقدم [ صفحه 51] المتوكل باجابة الامام عليه‌السلام بكتاب دعاه فيه الي حضور العسكر علي جميل الفعل و القول. [123] ثم أورد نسخة الكتاب. و كان جواب المتوكل الذي استدعي بموجبه الامام عليه‌السلام الي سامراء هادئا لينا، تظاهر فيه بتعظيم الامام عليه‌السلام و اكرامه، و وعده فيه باللطف و البر، و ذكر فيه براءته مما نسب اليه و اتهم به من التحرك ضد الدولة، و انه أمر بعزل الوالي الذي سعي به - و هو عبدالله بن محمد - عن منصبه و ولي محله محمد بن الفضل، و ادعي في آخر الكتاب أنه مشتاق الي الامام عليه‌السلام، ثم أفضي الي بيت القصيد و هو أن يشخص الامام عليه‌السلام الي سامراء مع من اختار من أهل بيته و مواليه، و أن يرافقه يحيي بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة علي رأس الجند. و لا يعدو كتاب المتوكل كونه مناورة حاول الالتفاف من خلالها علي الامام عليه‌السلام و احتواء نشاطه، أو قل هو صيغة دبلوماسية من قبيل ذر الرماد في العيون، اذ لم يكن المتوكل صادقا فيما وعد، فحينما دخل يحيي بن هرثمة المدينة فتش دار الامام عليه‌السلام حتي ضج أهل المدينة، و لما وصل ركب الامام عليه‌السلام، الي سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول، و نزل الامام عليه‌السلام في خان الصعاليك، و أمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة، و لم يمض مزيد من الوقت حتي عزل محمد بن الفضل و ولي مكانه محمد بن الفرج الرخجي المعروف بعدائه السافر لآل البيت عليهم‌السلام. [124] . [ صفحه 52] و يبدو أن المتوكل قد صاغ كتابه بصيغة الرجاء، و كأنه ترك للامام عليه‌السلام الخيار في الشخوص أو البقاء، غير أنه الاكراه بعينه، اذ أنه بعث الكتاب مع الجند و قادتهم الذي أرسلهم لأداء مهمة اشخاص الامام، ثم (ان الامام ان لم يذهب حيث أمره يكون قد أثبت تلك التهمة علي نفسه، و أعلن العصيان علي الخلافة، و كلاهما مما لا تقتضيه سياسة الامام عليه‌السلام). [125] . و لعل أوضح دليل علي الزام الامام عليه‌السلام بهذا الأمر هو تصريحه عليه‌السلام بذلك في حديث رواه المنصوري عن عم أبيه أبي‌موسي، قال: «قال لي يوما الامام علي بن محمد عليهماالسلام: يا أباموسي، اخرجت الي سر من رأي كرها...». [126] .

الامام العسكري يرافق أباه

رافق الامام العسكري أباه الامام الهادي عليهماالسلام في رحلته من المدينة الي سامراء مع أهل بيته و بعض مواليه، و قد اختلف في عمره عليه‌السلام حينذاك نظرا للاختلاف في تاريخ رحلة الامام عليه‌السلام. [ صفحه 53] ذكر المسعودي أنه شخص الامام الحسن العسكري بشخوص والده عليهماالسلام الي العراق في سنة 236 ه و له أربع سنين و شهور. [127] . و ذكر الطبري أنه قدم يحيي بن هرثمة بعلي بن محمد بن علي الرضا بن موسي ابن جعفر سنة 233 ه [128] ، و عليه يكون عمر الامام العسكري عليه‌السلام نحو سنة واحدة، و علي ضوئه ذكر ابن‌كثير أن مدة اقامة الامام الهادي عليه‌السلام في سامراء أكثر من عشرين سنة. قال في أحداث سنة 254 ه، و هي السنة التي توفي فيها الامام الهادي عليه‌السلام: نقله المتوكل الي سامراء، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر، و مات في هذه السنة [129] ، و كذلك ذكر ابن‌طولون أنه عليه‌السلام أقام في سامراء عشرين سنة و تسعة أشهر. [130] . أما الشيخ المفيد فقد ذكر نسخة كتاب الاستدعاء الذي كتبه المتوكل. و ورد في ذيله أن كاتبه ابراهيم بن العباس كتبه في سنة 243 ه [131] و أكد هذا التاريخ باعتبار أن مقام الامام الهادي عليه‌السلام في سامراء الي أن قبض عشر سنين و أشهرا. [132] و عليه يكون عمر الامام العسكري عليه‌السلام عندما غادر المدينة أحد عشر سنة و بضعة شهور. و يبدو أن الشيخ المفيد استفاد من رواية الكافي لنسخة كتاب المتوكل، [ صفحه 54] و التي ورد فيها اسم كاتب المتوكل (ابراهيم بن العباس) في ذيل الكتاب الا أنه يخلو من التاريخ، لكن جاء في أول رواية الكافي ما يلي: عن محمد بن يحيي، عن بعض أصحابنا، قال: أخذت نسخة كتاب المتوكل الي أبي الحسن الثالث من يحيي بن هرثمة في سنة 243 ه [133] ، و واضح أن هذا هو تاريخ أخذ نسخة الكتاب لا تاريخ كتابته، و يؤيده أن ابن‌هرثمة هو الذي أخد الكتاب الي المدينة لاستدعاء الامام عليه‌السلام الي سامراء، فكيف تؤخذ نسخة الكتاب منه قبل انهاء مهمته؟! و رجح السيد محمد الصدر أن تاريخ الرحلة كان سنة 234 ه، و اذا صح ذلك فسيكون عمر الامام العسكري عليه‌السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين، و ترجيحه مبنيا علي اعتبارين؛ الأول: ما ذكره ابن‌شهرآشوب من أن مدة مقام الامام الهادي عليه‌السلام في سامراء من حين دخوله الي وفاته عشرون سنة [134] ، فاذا كانت وفاته 254 ه، تكون سفرته سنة 234 ه، الثاني: كون هذا التاريخ أنسب بالاعتبار السياسي، لأنه بعد مجي‌ء المتوكل الي الخلافة بعامين، فيكون المتوكل قد طبق منهجه في الرقابة علي الامام عليه‌السلام في الأعوام الاولي من خلافته، بخلاف رواية المفيد التي تبعد بالتاريخ عن استخلاف المتوكل أحد عشر عاما. [135] . [ صفحه 55]

من المدينة الي سامراء

ذكر المسعودي «أن يحيي بن هرثمة قدم المدينة، فأوصل الكتاب الي بريحة، و ركبا جميعا الي أبي‌الحسن عليه‌السلام فأوصلا اليه كتاب المتوكل، فاستأجلهما ثلاثا، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيي الي داره فوجد الدواب مسرجة و الأثقال مشدودة قد فرغ منها، و خرج صلوات الله عليه متوجها نحو العراق، و أتبعه بريحة مشيعا، فلما صار في بعض الطريق، قال له بريحة: قد علمت وقوفك علي أني كنت السبب في حملك، و علي حلف بأيمان مغلظة لئن شكوتني الي أميرالمؤمنين أو الي أحد من خاصته و أبنائه، لأجمرن نخلك، و لأقتلن مواليك و لأعورن عيون ضيعتك، و لأفعلن و أصنعن. فالتفت اليه أبوالحسن عليه‌السلام فقال له: ان أقرب عرضي اياك علي الله البارحة، و ما كنت لأعرضنك عليه ثم لأشكونك الي غيره من خلقه. فانكب عليه بريحة و ضرع اليه و استعفاه. فقال له: قد عفوت عنك». [136] و هكذا تجد بريحة يهتز من كلام الامام عليه‌السلام فينكب عليه و يتضرع اليه، رغم أنه في موقع القوة، و هذه هي هيبة أولياء الله في قلوب أعدائه، و تلك هي أخلاقهم و سماحتهم لمن أساء اليهم. و نقل سبط ابن‌الجوزي عن علماء السير «أن المتوكل دعا يحيي بن هرثمة و قال: اذهب الي المدينة، و انظر حاله و أشخصه الينا، قال يحيي: فذهبت الي المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا علي علي، و قامت الدنيا علي ساق، لأنه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد، و لم يكن [ صفحه 56] عنده ميل الي الدنيا. قال يحيي: فجعلت اسكنهم و أحلف لهم أني لم اؤمر فيه بمكروه، و أنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد فيه الا مصاحف و أدعية و كتب العلم، فعظم في عيني، و توليت خدمته بنفسي، و أحسنت عشرته، فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاهري، و كان واليا علي بغداد فقال لي: يا يحيي، ان هذا الرجل قد ولده رسول الله صلي الله عليه و آله و المتوكل من تعلم، فان حرضته عليه قتله، و كان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له: و الله ما وقعت منه الا علي كل أمر جميل، ثم صرت به الي سر من رأي، فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله، فقال: و الله لئن سقط منه شعره و لا يطالب بها سواك، قال: فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق». [137] . هذا الخبر يدل علي الموقع الذي يشغله الامام الهادي عليه‌السلام في نفوس الناس و كسب ثقتهم و محبتهم علي اختلاف توجهاتهم، و ذلك من خلال احسانه اليهم و رعاية امورهم و تأثرهم بخصائص شخصيته الباهرة، مما جعله في موقع محبة الناس كلهم، فهرعوا في مظاهرة احتجاجية لم يسمع بمثلها خوفا علي حياة امامهم عليه‌السلام من بطش المتوكل الذي يعرفون توجهاته و ممارساته، لهذا حاول ابن هرثمة تهدئتهم بقسمه لهم أنه لم يؤمر فيه بمكروه، و تأثر ابن‌هرثمة بعظمة الامام عليه‌السلام أيضا فتولي خدمته بنفسه و أحسن عشرته، و هكذا امتدت محبة الامام عليه‌السلام و تعظيمه الي حاشية المتوكل في بغداد و سامراء. و تتجلي مظاهر الحب و التعظيم أيضا في تشوق الناس من أهالي بغداد الي [ صفحه 57] الامام الهادي عليه‌السلام و اجتماعهم لرؤيته، مما اضطرهم الي دخول البلد و مغادرته في الليل، فقد جاء في تاريخ اليعقوبي «أنه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك، و ركب اسحاق بن ابراهيم الطاهري لتلقيه، فرأي تشوق الناس اليه و اجتماعهم لرؤيته، فأقام الي الليل، و دخل به في الليل، فأقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ الي سر من رأي». [138] .

في سامراء

حينما وصل ركب الامام الهادي عليه‌السلام الي سامراء تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، و انزل في خان يعرف بخان الصعاليك [139] ، فأقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له، فانتقل اليها، فأقام أبوالحسن مدة مقامه بسر من رأي مكرما معظما مبجلا في ظاهر حاله، و المتوكل يبغي له الغوائل في باطن الأمر، و يجتهد في ايقاع حيلة به، و يعمل علي الوضع من قدره في عيون الناس، فلا يتمكن من ذلك و لم يقدره الله عليه. [140] . و الظاهر أن المتوكل أمر أولا بحجز الامام عليه‌السلام و فرض الاقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق، ثم أنه لما سمع الاطراء من قادة الجند الموكلين به، صار مضطرا الي اكرامه، نقل سبط ابن‌الجوزي عن علماء السير عن يحيي بن هرثمة أنه قال: «لما دخلت علي المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته و سلامة [ صفحه 58] طريقته و ورعه و زهادته، و أني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف و كتب العلم، و أن أهل المدينة خافوا عليه، فأكرمه المتوكل و أحسن جائزته و أجزل بره، و أنزله معه سر من رأي» [141] ، لتمرير مخططه القاضي بعزل الامام عليه‌السلام و مراقبته.

مداهمة دار الامام

تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الامام الهادي عليه‌السلام في سامراء، و علي رأسها الوشايات التي ترتفع الي المتوكل من النواصب المحيطين به، فتثير في نفسه كوامن الخوف و الشك و الحقد التي اشتملت علي كيانه و أحاطت جوانبه، فيأمر بكبس داره، و في كل حوادث الدهم التي تعرضت لها دار الامام يرجع المأمورون و بالتالي الوشاة بالخيبة و الفشل الذريعين، لأنهم لم يجدوا شيئا مريبا و لا أي نشاط غريب، و ليس ثمة الا الامام عليه‌السلام و هو يتلو القرآن أو يقيم الصلاة. عن ابراهيم بن محمد الطاهري - في حديث طويل - قال: «سعي البطحاني [142] بأبي الحسن عليه‌السلام الي المتوكل، و قال: عنده سلاح و أموال، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه، و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمله اليه. قال ابراهيم: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي [ صفحه 59] دار أبي الحسن بالليل، و معي سلم، فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل الي الدار، فناد اني أبوالحسن من الدار: يا سعيد، مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها، و سجادته علي حصير بين يديه، و هو مقبل علي القبلة. فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا...». [143] . و مرة اخري وشي بالامام عليه‌السلام الي المتوكل، فأرسل الأتراك علي حين غرة الي دار الامام، و قد أمرهم هذه المرة بحمله عليه‌السلام اليه حتي و ان لم يجدوا ما يثير الريبة و الاستغراب، ذلك لأنه كان عازما علي الاستخفاف بالامام عليه‌السلام بطرق اخري أمام ندمائه حينما لم يجد متسعا لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة، و ما كان يتوقع أن الامام عليه‌السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة علي أسماعه و أسماع ندمائه، لأنها تصور ما سيؤول اليه أمره و أمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء و الشهوات. روي المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد، قال: «قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد الي المتوكل، و قيل له: ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته، فوجه اليه ليلا من الاتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله علي غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه، و عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف [ صفحه 60] متوجها الي ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد، فأخذ علي ما هو عليه، و حمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس، فلما رآه أعظمه و أجلسه الي جنبه، و لم يكن في منزله شي‌ء مما قيل فيه و لا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما خامر لحمي و دمي قط فاعفني منه، فعفاه، و قال: انشدني شعرا استحسنه، فقال: اني قليل الرواية للأشعار. فقال: لابد أن تنشدني. فأنشده: باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل و استنزلوا بعد عز من معاقلهم و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أين الأسرة و التيجان و الحلل أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار و الكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا فأصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا [ صفحه 61] و طالما عمروا دورا لتحصنهم ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا و طالما كنزوا الأموال و ادخروا فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا أضحت منازلهم قفرا معطلة و ساكنوها الي الأجداث قد نزلوا قال: فأشفق كل من حضر علي علي، و ظن أن بادرة تبدر منه اليه، قال: و الله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته، و بكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أباالحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه ورده الي منزله من ساعته مكرما». [144] .

هدم قبر الامام الحسين

و الاجراء التعسفي الآخر الذي أقدم عليه المتوكل، فسود به وجه التاريخ الانساني، هو أنه أمر في سنة 236 ه بهدم قبر الامام السبط الشهيد الحسين عليه‌السلام، و قد بعث رجلا من أصحابه يقال له الديزج، و كان يهوديا فأسلم، الي قبر الحسين عليه‌السلام، و أمره بكرب القبر و محوه و اخراب كل ما حوله، فمضي لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء، و كرب ما حوله نحو مائتي جريب، [ صفحه 62] ثم أمر أن يبذر و يزرع، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، فلا يزوره زائر الا أخذوه و وجهوا به اليه، فقتل عدد كبير من زواره أو انهكوا عقوبة، و نودي بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيام حبسناه في المطبق. [145] . و جاء في بعض الأخبار: «أنه لما صار الماء فوق مكان القبر وقف و افترق فرقتين، يمينا و شمالا، و دار حتي التقي تحت المكان، و بقي الوسط خاليا من الماء، و الماء مستدير حوله، فسمي من ذلك اليوم بالحائر». [146] . و تألم المسلمون من ذلك و كتب أهل بغداد شتم المتوكل علي الحيطان و المساجد، و هجاه الشعراء، و منهم دعبل بن علي الخزاعي (ت 246) و البسامي [147] الذي يقول: تالله ان كانت امية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما فلقد أتي بنو أبيه بمثله هذا لعمري قبره مهدوما [ صفحه 63] أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما [148] . و لم يكتف المتوكل بالاعتداء علي المكان المقدس الذي شهد ملحمة البطولة بين معسكر الحق بقيادة سيد الشهدا عليه‌السلام و معسكر الباطل بقيادة يزيد ابن معاوية، بل اعتدي علي الزمان الذي بقي رمزا يختزن الشجاعة و التحدي للظلم و الطغيان علي مر الدهور، فجعل المتوكل العاشر من المحرم الحرام سنة 256 ه يوما لافتتاح مدينته التي بناها بالماحوزة، و نزوله في قصر الخلافة فيها الذي سماه اللؤلؤة، و كان يوما مشهودا يعج بأصحاب الملاهي و المطربين، فاعطي فيه و أطلق، و قيل: انه وهب فيه أكثر من ألفي ألف درهم. [149] .

حصار آل أبي‌طالب و ملاحقتهم

ذكرنا في الفصل الأول أن المتوكل فرض حصارا ظالما علي آل أبي‌طالب حتي أن الوالي الذي استعمله علي مكة و المدينة - و هو عمر بن الفرج الرخجي - قد منعهم من الاتصال و الارتباط بالناس و منع الناس من البر بهم، و بلغ في هذا الاتجاه مبلغا لم يبلغه أحد ممن سبقه. [150] . قال أبوالفرج الأصفهاني: كان المتوكل شديد الوطأة علي آل أبي‌طالب، غليظا علي جماعتهم، مهتما بأمورهم، شديد الغيظ و الحقد عليهم و سوء الظن و التهمة لهم، و اتفق له أن عبيدالله بن يحيي بن خاقان وزيره كان يسي‌ء الرأي فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم مالم يبلغه أحد من خلفاء [ صفحه 64] بني‌العباس قبله. [151] . و تعرض آل أبي‌طالب بشكل عام و العلويون بشكل خاص لصنوف الأذي و القسوة في زمان المتوكل، فتفرق رجالهم في النواحي، و اختفي بعض كبارهم، و تعرض بعضهم للمطاردة و الابعاد أو الاعتقال، أو التصفية الجسدية بدس السم و هم سجناء، و أجبر آخرون علي ارتداء السواد الذي يمثل شعار الدولة العباسية. و ممن قتل في زمان المتوكل القاسم بن عبدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي، و كان رجلا فاضلا، و قد حمله عمر بن الفرج الرخجي الي سر من رأي، فأمروه بلبس السواد فامتنع، فلم يزالوا به حتي لبس شيئا يشبه السواد فرضي منه بذلك. و روي أبوالفرج الأصفهاني عن أحمد بن سعيد، عن يحيي بن الحسن، عن ذوب مولاة زينب بنت عبدالله بن الحسين قالت: «اعتل مولاي القاسم بن عبدالله، فوجه اليه بطبيب يسأله عن خبره، وجهه اليه السلطان، فجس يده، فحين وضع الطبيب يده عليها يبست من غير علة، و جعل وجعها يزيد عليه حتي قتله، قالت: «سمعت أهله يقولون:انه دس اليه السم مع الطبيب». [152] . و تواري أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام مدة طويلة حتي توفي سنة 247 ه، و كان فاضلا عالما مقدما في أهله، معروفا فضله، و قد كتب الحديث و عمر، و كتب عنه، و روي عنه الحسين بن علوان روايات كثيرة، [ صفحه 65] و روي عنه محمد بن المنصور الراوي و نظراؤه. و تواري أيضا عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام منذ أيام المأمون و مات في أيام المتوكل. [153] . و روي أبوالفرج الأصفهاني بالأسناد عن محمد بن سليمان الزينبي قال: «نعي عبدالله بن موسي الي المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات، و نعي له أحمد ابن عيسي فاغتبط بوفاتهما و سر، و كان يخافهما خوفا شديدا، و يحذر حركتهما لما يعلم من فضلهما و استنصار الشيعة الزيدية بهما و طاعتهما لهما لو أرادوا الخروج عليه، فلما ماتا أمن و اطمأن، فما لبث بعدهما الا اسبوعا حتي قتل». [154] .

ملاحقة الشيعة و قتلهم

اشاره

أمعنت أجهزة المتوكل بمراقبة شيعة الامام و مواليه، فسامهم قتلا و اعتقالا و افقارا، فأمروا ببعضهم أن يلقي من جبل عال بتهمة موالاة الامام عليه‌السلام [155] ، و قطع المتوكل ارزاق بعضهم لملازمة الامام أبي‌الحسن الهادي عليه‌السلام [156] ، و حبس علي بن جعفر - وكيل الامام الهادي عليه‌السلام و هو من أهل همينيا - لمدة طويلة و تحت ظروف قاسية. [157] . و في كل ذلك يتوجه الأصحاب الي امامهم عليه‌السلام فيعينهم بالدعاء. عن [ صفحه 66] عبدالله بن سليمان الخلال، قال: «كتبت اليه عليه‌السلام أسأله الدعاء أن يفرج الله عنا في أسباب من قبل السلطان... الي أن قال: فرجع الجواب بالدعاء...». [158] .

قتل امام العربية يعقوب بن السكيت

روي المؤرخون أنه في سنة 244 ه قتل المتوكل يعقوب بن السكيت الامام في العربية، فانه ندبه الي تعليم أولاده، فنظر المتوكل يوما الي ولديه المعتز و المؤيد، فقال لابن السكيت: من أحب اليك: هما أو الحسن و الحسين؟ فقال: قنبر خادم علي خير منك و من ابنيك، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتي مات رحمه الله، و قيل: أمر بسل لسانه من قفاه فمات، و أرسل الي ابنه بديته. [159] .

دعاء المظلوم علي الظالم

بقي المتوكل يتوجس خيفة من نشاط الامام عليه‌السلام الذي لم تتضح له كامل أبعاده، ففرض عليه ملازمة داره و منعه من الركوب الي أي مكان [160] ، و من ثم أمر باعتقاله، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر [161] ، و قبل مقتل المتوكل بأيام أمره أن يترجل و يمشي بين يديه يوم الفطر: و كان يوما قائظا شديد الحر، فمشي عليه‌السلام مع بني‌هاشم حتي تفصد عرقا، و كان عليه‌السلام لا يستطيع السير الا متكأ لمرض ألم به، فما كان من الامام عليه‌السلام الا أن يتوجه الي الله سبحانه بدعاء طويل [ صفحه 67] يكشف عما يعانيه عليه‌السلام و شيعته من ظلم المتوكل و عدوانه و طغيانه، و عن احساسه عليه‌السلام العميق بمعاناة الامة من الحيرة و الضياع و الحدود المعطلة و الأحكام المهملة و غيرها من مظاهر التردي. روي المسعودي «أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل، أمر بني‌هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل له أبوالحسن عليه‌السلام، فترجل بنوهاشم، و ترجل عليه‌السلام فاتكأ علي رجل من مواليه، فاقبل عليه الهاشميون، فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم أبوالحسن عليه‌السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي الله من ناقة ثمود، لما عقرت و ضج الفصيل الي الله، فقال الله: (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب) [162] ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. و روي أنه عليه‌السلام قال و قد أجهده المشي: أما انه قد قطع رحمي، قطع الله أجله» [163] ، و هذا يوافق ما جاء في التاريخ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة 247 ه. و جاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلا في رواية قطب‌الدين الراوندي، و السيد ابن طاوس الذي رواه في أكثر من طريق، و تضمن الدعاء الطويل الذي سماه الامام عليه‌السلام (دعاء المظلوم علي الظالم) قال عليه‌السلام: «لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا، و هي أعز من الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله». [ صفحه 68] و فيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الامام عليه‌السلام: «اللهم انه قد كان في سابق علمك و قضائك، و ماضي حكمك و نافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم و شقيهم، و فاجرهم و برهم، أن جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها، و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه..، و تجبر علي بعلو حاله..، و غره املاؤك له، و أطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تعمدني بشر ضعفت علي احتماله، و لم أقدر علي الانتصار لضعفي، و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في أمره عليك، و تواعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن اخري، و لا انزجر عن ثانية باولي، و لكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه، جرأة عليك يا سيدي، و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن القوم الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين. فها أنا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعقابه، مغلوب مبغي علي، مقصود و جل خائف مروع مقهور، قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي اموري في رفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و أسلمني من تعلقت به من خلقك طرا، و استشرت نصيحي فأشار علي بالرغبة اليك، [ صفحه 69] و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك...». [164] .

مقتل المتوكل

لم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوي ثلاثة أيام حتي أهلكه الله تعالي و جعله عبرة لكل من طغي و تجبر، علي يد ابنه المنتصر و خمسة من القادة الترك. فقد كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر ثم المعتز ثم المؤيد، ثم انه أراد تقديم المعتز لمحبته لامه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد فأبي فكان يحضره مجلس العامة و يحط من منزلته و يهدده و يشتمه و يتوعده، و اتفق أن انحرف الترك عن المتوكل لامور، فاتفق الأتراك مع المنتصر علي قتل أبيه، فدخل عليه خمسة في جوف الليل و هو سكران ثمل في مجلس لهوه، فقتلوه هو و وزيره الفتح بن خاقان، و ذلك لاربع خلون من شوال سنة 247 ه. و ذكر المحدثون و المؤرخون أسبابا أخري دفعت المنتصر الي قتل أبيه تدل علي انتصاره لأهل البيت عليهم‌السلام، و منها مارواه الشيخ الطوسي عن ابن‌خشيش عن أبي‌الفضل، قال: «ان المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليهاالسلام فسأل رجلا من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، الا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر. فقال: ما أبالي اذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر، فقتله و عاش بعده سبعة أشهر». [165] . [ صفحه 70] و عن ابن‌الاثير: «أن عبادة المخنث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل و المغنون يغنون: قد أقبل الأصلع البطين... يحكي بذلك عليا عليه‌السلام، قد فعل ذلك يوما و المنتصر حاضر، فأومأ الي عبادة يتهدده فسكت خوفا منه. فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام و أخبره. فقال المنتصر: يا أميرالمؤمنين، ان الذي يحكيه هذا الكلب و يضحك منه الناس هو ابن عمك و شيخ أهل بيتك و به فخرك، فكل أنت لحمه اذا شئت، و لا تطعم هذا الكلب و أمثاله منه - و تلك كلمة حق أمام سلطان جائر... لكن المتوكل تمادي في طغيانه - فقال للمغنين: غنوا جميعا: غار الفتي لابن عمه رأس الفتي في حر أمه قال ابن‌الأثير: فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل». [166] . و جاء في رواية ابن‌الأثير: «أن المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها أربعة عشر رطلا، و هو مستمر في لهوه و سروره الي الليل بين الندماء و المغنين و الجواري». [167] . و انتهت بمقتل المتوكل صفحة سوادء من تاريخ الظلم و الجور، و كان قتله خزيا له في الدنيا (و لعذاب الآخرة أشق و ما لهم من الله من واق). [168] . [ صفحه 71]

المنتصر

(247 - 248 ه) هو محمد بن المتوكل بن المعتصم، بويع له بعد قتل أبيه في شوال سنة 247 ه، واعد كتابا قرأه أحمد بن الخصيب أن الفتح بن خاقان قد قتل المتوكل فقتلته به، فبايعه الناس، و استمرت خلافته ستة أشهر و يومين، و لم تشر هذه الفترة القليلة الي أي بادرة سوء من المنتصر تجاه الامام عليه‌السلام و شيعته. علي أنه كان المنتصر أولا لا يخرج عن اطار السياسة العامة التي انتهجها أبوه المتوكل في مواجهة أهل البيت عليهم‌السلام و شيعتهم، ققد مر بك أنه خلع علي أبي السمط الشاعر الناصبي لشعر قاله يناوئ فيه أهل البيت عليهم‌السلام، و ربما يكون هذا تقية من أبيه، و الا فقد ثبتت توبته، اذ خالف أباه المتوكل في كل شي‌ء، فقد خلع أخويه المعتز و المؤيد من ولاية العهد الذي عقده لهما المتوكل بعده [169] ، كما أحسن الي الطالبيين بشكل عام و العلويين بشكل خاص. قال أبوالفرج: «كان المنتصر يظهر الميل الي أهل هذا البيت، و يخالف أباه في أفعاله، فلم يجر منه علي أحد منهم قتل أو حبس و لا مكروه فيما بلغنا، و لله أعلم». [170] . و قال في موضع آخر ذكر فيه حصار المتوكل للطالبيين، ثم قال: «الي أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر علي العلويين و وجه بمال فرقه فيهم، و كان يؤثر [ صفحه 72] مخالفة أبيه في جميع أحواله و مضادة مذهبه طعنا عليه، و نصرة لفعله». [171] . و ذكر المؤرخون كثيرا من اجراءاته المخالفة لأبيه في الموقف من الطالبيين و العلويين؛ قال ابن‌الأثير: «أمر الناس بزيارة قبر علي و الحسين عليهماالسلام، و آمن العلويين و كانوا خائفين أيام أبيه، و أطلق وقوفهم، و أمر برد فدك الي ولد الحسن و الحسين ابني علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. و ذكر أن المنتصر لما ولي الخلافة كان أول ما أحدث أن عزل صالح بن علي عن المدينة، و استعمل عليها علي بن الحسن [172] بن اسماعيل بن العباس بن محمد، قال علي: فلما دخلت أودعه قال لي: يا علي، اني اوجهك الي لحمي و دمي، و مد ساعده و قال: الي هذا اوجهك، فانظر كيف تكون للقوم، و كيف تعاملهم - يعني آل أبي‌طالب - فقال: أرجو أن أمتثل أمر أميرالمؤمنين ان شاء الله، فقال: اذن تسعد عندي». [173] . و مات المنتصر في ربيع‌الآخر سنة 248 لعلة لم تمهله طويلا، و قيل: بل فصده الطبيب بمبضع مسموم فمات منه. [174] . [ صفحه 73]

المستعين

اشاره

(248 - 252 ه) و هو أحمد بن المعتصم، أخو الواثق و المتوكل، بويع سنة 248 ه، و قتل سنة 252 ه، و كان مستضعفا في رأيه و عقله و تدبيره، و كانت أيامه كثيرة الفتن، و دولته شديده الاضطراب حتي خلع ثم قتل. [175] . و نتيجة تردي الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية و ضعف سلطة الخلافة في زمان المستعين، ثار الكثير من العلويين مطالبين برفع الظلم عن كاهل أبناء الامة و داعين الي الرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله، منهم الشهيد يحيي بن عمر، و الحسن ابن زيد العلوي، و الحسين بن محمد بن حمزة، و محمد بن جعفر بن الحسن، و لم تحدثنا كتب التاريخ و الرواية عن أي شي‌ء من الوقائع بين المستعين و الامام الهادي عليه‌السلام لتدني سلطة الخلافة في عصره و استلام مقاليد الأمور بيد القادة الاتراك، غير أنه لا يخرج عن نهج الخلفاء العباسيين في حصار الامام عليه‌السلام و الاساءة الي شيعته بشكل عام و الطالبيين بوجه خاص، فقد ذكر المسعودي أن محمد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، حمله سعيد الحاجب من البصرة، فحبس حتي مات، و كان معه ابنه علي، فلمات مات الأب خلي عنه، و ذلك في أيام المستعين، و جعفر بن اسماعيل بن موسي بن جعفر عليه‌السلام، قتله ابن الأغلب بأرض المغرب، و الحسن بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب، قتله العباس بمكة. [176] . [ صفحه 74]

مقتل المستعين

في سنة 251 ه شغب الأتراك علي المستعين بعد قتل باغر التركي، فهرب المستعين الي بغداد مع وصيف و بغا الصغير، و نزل دار محمد بن عبدالله بن طاهر، فعاث الأتراك بغيا و فسادا في سامراء، و أخرجوا المعتز من سجن الجوسق و بايعوه بالخلافة، و صارت بغداد مسرحا للاقتتال و الخراب بين جيش المعتز و مؤيدي المستعين، حتي انتهي القتال بخلع المستعين لنفسه من الخلافة سنة 252 ه، و كان نتيجة ذلك القتال أن خربت الدور و الحوانيت والبساتين، و نهبت الأسواق و الأموال و تردت الأحوال الاقتصادية و الاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل علي ما بيناه في الفصل الأول. ثم ان المعتز سير المستعين الي واسط، فاقام بها نحو تسعة أشهر محبوسا موكلا به أمين، ثم ارسل المعتز الي أحمد بن طولون أن يذهب الي المستعين فيقتله فأبي، فندب له سعيد بن صالح الحاجب فحمله الي سامراء فذبحه و حمل اليه برأسه، فأمر لسعيد بخمسين ألف درهم و ولاه معونة البصرة. [177] .

المعتز

اشاره

(252 - 255 ه) و هو الزبير أو محمد بن المتوكل بن المعتصم، بويع له عند خلع المستعين سنة 252 ه، و له عشرون سنة أو دونها. [178] . [ صفحه 75]

مواقفه من الطالبيين

تعرض الطالبيون في زمان المعتز الي القتل و المطاردة و الحبس و الترحيل، فقد حمل في أيامه من الري علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد، و مات في حبسه. [179] . و في السنة التي بويع له فيها حمل جماعة من الطالبيين الي سامراء، منهم: أبو أحمد محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب، و أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري. [180] . و في أيامه أيضا قتل عبدالرحمن خليفة أبي الساج أحمد بن عبدالله بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي عليه‌السلام. و توفي في الحبس عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي ابن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب، كان أبوالساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك. و قتل بالري جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين،في وقعة كانت بين أحمد بن عيسي بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين عليه‌السلام و بين عبدالله بن عزيز عامل محمد بن طاهر بالري. و قتل ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن عبدالله بن العباس بن علي، قتله طاهر بن عبدالله في وقعة كانت بينه و بين الكوكبي بقزوين. و حبس أحمد ابن محمد بن يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي في دار مروان، حبسه [ صفحه 76] الحارث بن أسد عامل أبي الساج في المدينة فمات في محبسه. [181] .

شهادة الامام الهادي في زمان المعتز

في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة 254 ه [182] توفي الامام الهادي عليه‌السلام، و اكتظ الناس في موكب التشييع، و صلي عليه ابنه الامام أبومحمد الحسن العسكري عليه‌السلام [183] ، و روي أنه عليه‌السلام خرج في جنازته مشقوق القميص، فقيل له في ذلك، فقال: «قد شق موسي علي هارون». [184] . و عن اليعقوبي: أنه تمت الصلاة علي جنازته الشريفة في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد، فلما كثر الناس و اجتمعوا، كثر بكاؤهم و ضجتهم، فرد النعش الي داره فدفن فيها. [185] . و نقل كثير من المؤرخين و المحدثين أن الامام الهادي عليه‌السلام توفي مسموما، [ صفحه 77] منهم: المسعودي، و سبط ابن‌الجوزي، و الشبلنجي، و ابن‌الصباغ المالكي، و الشيخ أبوجعفر الطبري [186] ، و صرح الشيخ الكفعمي بأن الذي سمه هو المعتز [187] ، و نقل عن ابن‌بابويه أن الذي سمه هو المعتمد العباسي [188] ، فاما أن يكون مصحفا، أو أن المعتمد هو الذي دس السم بايعاز من المعتز، لأن المعتمد بويع بالملك في النصف من رجب سنة 256 ه بعد قتل المهتدي. و ليس بعيدا عن مثل المعتز اقتراف مثل هذه الجريمة النكراء، لأنه كان شابا متهورا لم يتحرج عن القتل، ففي سنة 252 ه خلع أخاه المؤيد من ولاية العهد و عذبه بضربه أربعين مقرعة ثم حبسه و دبر قتله في السجن بعد ذلك بخمسة عشر يوما، كما حبس أخاه أبا أحمد بن المتوكل سنة 253 ه و نفاه الي واسط ثم الي البصرة ثم رده الي بغداد [189] ، و مر بك أنه أمر سعيد الحاجب بقتل ابن عمه المستعين فقتله و أتاه برأسه. فهكذا كانت أفعاله مع اخوته و أبناء عمومته، أما مع الطالبيين، فكانت أشد و أقسي، و قد قدمنا نماذج منها.

ما فعله المعتز بالامام الحسن العسكري

اشاره

كانت سيرة المعتز مع الامام العسكري كسيرة أسلافه من ملوك بني‌العباس مع أهل البيت عليهم‌السلام، و مما يلحظ علي تلك السيرة أن المعتز قد وضع [ صفحه 78] الامام العسكري عليه‌السلام تحت الرقابة الشديدة، ولم يعد بامكانه الاتصال بأصحابه الا في ظروف خاصة، و تعرض الامام عليه‌السلام للاعتقال في زمانه و ضيق عليه في السجن، و كان عليه‌السلام لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فيصوم النهار و يقوم الليل. و أودع عليه‌السلام في سجن صالح بن وصيف [190] ، و كان العباسيون يوصونه بالتضييق عليه، و يدسون العيون في داخل السجن مع أصحابه. عن محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن موسي، قال: «دخل العباسيون علي صالح بن وصيف عند ما حبس أبومحمد عليه‌السلام، فقالوا له: ضيق عليه و لا توسع، فقال لهم صالح: ما أصنع به و قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صاروا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما: و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين». [191] . و عن أبي‌هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: «كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر أنا والحسن بن محمد العقيقي، و محمد بن ابراهيم [ صفحه 79] العمري و فلان و فلان، اذ ورد علينا أبومحمد الحسن عليه‌السلام و أخوه جعفر، فخففنا له، و كان المتولي لحبسه صالح بن وصيف، و كان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انه علوي، قال: فالتفت أبومحمد عليه‌السلام و قال: لولا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متي يفرج عنكم، و أومأ الي الجمحي أن يخرج فخرج. فقال أبومحمد عليه‌السلام: هذا الرجل ليس منكم فاحذروه، فان في ثيابه قصة قد كتبها الي السلطان يخبره بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة، يذكرنا فيها بكل عظيمة، و يعلمه أنا نريد أن ننقب الحبس و نهرب...» [192] . و حاول المعتز الفتك بالامام عليه‌السلام علي يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد أن حمله الي سامراء، فتناهت أنباء تلك المحاولة الي أسماع الشيعة، فكتب بعضهم الي الامام عليه‌السلام يتساءل عن ذلك، فطمأنه بالمصير الذي ينتظر المعتز قبل أن ينفذ عزمه. عن محمد بن بلبل قال: «تقدم المعتز الي سعيد الحاجب أن أخرج أبامحمد الي الكوفة، ثم اضرب عنقه في الطريق، فجاء توقيعه عليه‌السلام الينا: الذي سمعتموه تكفونه، فخلع المعتز بعد ثلاث و قتل». [193] . و عن المعلي بن محمد، قال أخبرني محمد بن عبدالله، قال: «لما امر سعيد الحاجب بحمل أبي‌محمد عليه‌السلام الي الكوفة، كتب أبوالهيثم بن سيابة اليه: جعلت [ صفحه 80] فداك، بلغنا خبر أقلقنا و بلغ منا كل مبلغ؟ فكتب عليه‌السلام: بعد ثلاث يأتيكم الفرج. فقتل الزبير - أي المعتز - يوم الثالث». [194] . و كان الامام عليه‌السلام قد توجه الي الله تعالي بالدعاء عليه، فقد روي عن محمد ابن علي الصيمري أنه قال: «دخلت علي أبي‌أحمد عبيدالله بن عبدالله و بين يديه رقعة أبي‌محمد عليه‌السلام فيها: اني نازلت الله في هذا الطاغي - يعني الزبير - و هو آخذه بعد ثلاث. فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل». [195] .

خلع المعتز و قتله

كان خلع المعتز في رجب سنة 255 ه، و كان سبب خلعه أن الجند و علي رأسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم، فلم يكن عنده ما يعطيهم، فسأل من امه أن تقرضه مالا يدفعهم عنه به، فلم تعطه و اظهرت أنه لا شي‌ء عندها، فاجتمع الأتراك علي خلعه و قتله، فدخل اليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه، و جروا برجله و أخرجوه و عليه قميص مخرق ملطخ بالدم، فأوقفوه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتي جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر، و جعل بعضهم يلطمه و هو يبكي و يقول له الضارب: اخلعها و الناس مجتمعون. ثم ادخلوه حجرة مضيقا عليه فيها، و ما زالوا عليه بأنواع العذاب حتي خلع نفسه من الخلافة و ولي بعده المهتدي بالله، ثم سلموه الي من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، و منع من الطعام و الشراب ثلاثة أيام حتي [ صفحه 81] جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سربا و جصصوا عليه، فأصبح ميتا، و أشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات و ليس به أثر. [196] .

ما قاله الامام العسكري بعد هلاك المعتز

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الامام العسكري عليه‌السلام يؤكد عزم المعتز علي قتل الامام عليه‌السلام قبل أن يولد له، و في ذلك دلالة واضحة علي اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمان عليه‌السلام الذي يقصم الجبارين و يقيم دولة الحق. عن أحمد بن محمد بن عبدالله، قال: «خرج عن أبي‌محمد عليه‌السلام حين قتل الزبيري: هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني و ليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟ و ولد له ولد سماه محمدا...». [197] .

المهتدي

اشاره

(255 - 256 ه) هو محمد بن الواثق بن المعتصم، بويع بالخلافة في رجب سنة 255 ه، و قد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهبا، و أجودهم طريقة، و أكثرهم ورعا و عبادة و زهادة، و أنه اطرح الغناء و الشراب، و منع أصحاب السلطان من الظلم، و كان يجلس للمظالم، و يتقلل في مأكوله و ملبوسه. [198] . [ صفحه 82] و هو بهذا التصرف استطاع الترفع علي سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف و الاسراف و المجون و معاقرة الخمور و غيرها من مظاهر الانحراف، لكن ثمة فرقا بين السيرة الصالحة التي تكون و اعزا للحق و العدل و الانصاف و تمنع صاحبها عن الظلم و الجور، و السيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم علي الخلفاء المتقدمين، و قد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبه بعمر بن عبدالعزيز [199] ، و التشبه غير التطبع. و نقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل، فقال: «اني فكرت في أنه كان في بني‌امية عمر بن عبدالعزيز، و كان من التقلل و التقشف علي ما بلغك، فغرت علي بني‌هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت». [200] . فالتزهد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة و فطرة سليمة، و بنوهاشم هنا خصوص بني‌العباس لا عمومهم، لأن فيهم من قال فيه تعالي: (و انك لعلي خلق عظيم) [201] و فيهم آل البيت المعصومون عليهم‌السلام، و يبين ذلك الخصوص في تصريحه بقول آخر: «أما تستحي بنوالعباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبدالعزيز؟!» [202] ، فكانوا يطلقون لفظ بني‌هاشم علي العباسيين في مقابل [ صفحه 83] بني‌أمية. و لو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الامام عليه‌السلام و أصحابه و شيعته، لكنه انتهج نفس أساليبهم، و كما يلي:

مواقفه من الطالبيين

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبرا أو الأسر أو السجن أو التشريد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقل من سنة واحدة، علي ما نقله أبوالفرج وحده. فقد قتل صبرا في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و طاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، و قتل أيضا الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام. و قتل أصحاب عبدالله بن عبدالعزيز، يحيي بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد، قتل بقرية من قري الري في ولاية عبدالله بن عبدالعزيز. و اسر محمد بن الحسن بن محمد بن ابراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، أسره الحارث بن أسد و حمله الي المدينة فتوفي بالصفراء، فقطع الحارث رجليه و أخذ قيدين كانا فيهما و رمي بهما. و قتل جعفر بن اسحاق بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، قتله سعيد الحاجب بالبصرة. [ صفحه 84] و قتل بالسم موسي بن عبدالله بن موسي بن عبيدالله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي‌طالب، و كان رجلا صالحا، راويا للحديث، قد روي عنه عمر ابن شبة، و محمد بن الحسن بن مسعود الزرقي، و يحيي بن الحسن بن جعفر العلوي و غيرهم. و كان سعيد الحاجب حمله و حمل ابنه ادريس و ابن أخيه محمد ابن يحيي بن عبدالله بن موسي، و أباالطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسي ابن زيد بن علي بن الحسين، الي العراق، فعارضه بنو فزارة بالحاجز، فأخذوهم من يده فمضوا بهم، و أبي موسي أن يقبل ذلك منهم، و رجع مع سعيد الحاجب، فلما كان بزبالة دس اليه سما فقتله [203] و أخذ رأسه و حمله الي المهتدي في المحرم سنة 256 ه. و أسر عيسي بن اسماعيل بن جعفر بن ابراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله ابن جعفر، أسره عبدالرحمن خليفة أبي‌الساج بالجار [204] ، و حمله فمات بالكوفة. و قتل محمد بن عبدالله بن اسماعيل بن ابراهيم بن محمد بن عبدالله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب، قتله عبدالله بن عزيز بين الري و قزوين. و مات في الحبس علي بن موسي بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب، حبسه عيسي بن محمد المخزومي بمكة، فمات في حبسه. و مات في الحبس أيضا محمد بن الحسين بن عبدالرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب، حمله عبدالله بن عبدالعزيز عامل طاهر [ صفحه 85] الي سر من رأي، و حمل معه علي بن موسي بن اسماعيل بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب عليهم‌السلام، فحبسا جميعا حتي ماتا في الحبس. و كذلك ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن موسي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، حبسه محمد بن أحمد بن عيسي بن المنصور عامل المهتدي علي المدينة، فمات في حبسه، و دفن في البقيع. و كذلك عبدالله بن محمد بن يوسف بن ابراهيم بن موسي بن عبدالله بن الحسن، حبسه أبوالساج بالمدينة، فبقي بالحبس الي ولاية محمد بن أحمد بن المنصور، ثم توفي في حبسه، فدفعه الي أحمد بن الحسين بن محمد بن عبدالله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع. [205] . و لم تكفه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الامام و النكاية بهم، بل كان مصداقا للحقد التقليدي الذي يكنه أسلافه العباسيون تجاههم، فقد ذكر السيوطي أنه نفي جعفر بن محمود الي بغداد، و كره مكانه، لأنه نسب عنده الي الرفض. [206] .

سيرة المهتدي مع الامام العسكري

اشاره

حاول (المهتدي) العباسي التضييق علي الامام العسكري عليه‌السلام بشتي الوسائل، و كان عازما علي قتل الامام عليه‌السلام، و هناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك: [ صفحه 86] عن أبي‌هاشم الجعفري، قال: «كنت محبوسا مع أبي‌محمد عليه‌السلام في حبس المهتدي، فقال لي: يا أباهاشم، ان هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة، و قد بتر الله عمره و جعله للمتولي بعده و ليس لي ولد، و سيرزقني الله ولدا بكرمه و لطفه، فلما أصبحنا شغبت الأتراك علي المهتدي و أعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال و القدر، فقتلوه و نصبوا مكانه المعتمد و بايعوا له، و كان المهتدي قد صحح العزم علي قتل أبي‌محمد عليه‌السلام، فشغله الله بنفسه حتي قتل و مضي الي أليم العذاب». [207] . و يبدو أن تاريخ اعتقال الامام عليه‌السلام في أول حكم المهتدي، لأنه عليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد و سيرزقه الله ولدا بكرمه و لطفه، و قد ولد الحجة عليه‌السلام في النصف من شعبان سنة 255 ه، و تولي المهتدي في أول رجب سنة 255 ه. و تتشابه أجواء هذا الحديث و تاريخه مع حديث عيسي بن صبيح [208] الذي اعتقل مع الامام عليه‌السلام قال: «دخل الحسن العسكري عليه‌السلام علينا الحبس، و كنت به عارفا... الي أن قال: قلت: ألك ولد؟ قال: اي والله، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا و عدلا، فأما الآن فلا» [209] فلعل الجملة المعترضة في حديث أبي‌هاشم الجعفري المتقدم «و ليس لي ولد...» هي جواب للامام عليه‌السلام عن سؤال [ صفحه 87] عيسي بن صبيح الذي كان معهم في السجن. و كان قبل ذلك قد تهدد الامام عليه‌السلام بالقتل و توعد شيعته، فكتب أحمد بن محمد الي الامام العسكري عليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: «يا سيدي، الحمد لله الذي شغله عنا، فقد بلغني أنه يتهددك و يقول: و الله لأجلينهم عن جديد الأرض. [210] فوقع عليه‌السلام بخطه: ذلك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، و يقتل في اليوم السادس بعد هوان و استخفاف يمر به، و كان كما قال عليه‌السلام». [211] .

هلاك المهتدي

لقد تنكر المهتدي للأتراك، و عزم علي تقديم الأبناء، فلما علموا بذلك استوحشوا منه و أظهروا الطعن عليه، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم، فاجتمع الأتراك و شغبوا، فخرج اليهم المهتدي في السلاح، و استنفر العامة، و أباحهم دماء الأتراك و أموالهم و نهب منازلهم، فتكاثر الأتراك عليه،، و افترقت العامة عنه حتي بقي وحده، فسار الي دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة، فلحقوه و أخذوه و حملوه علي بغل و جراحاته تنطف دما، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان، و قبل المهتدي يده مرارا عديدة، فدعوه الي أن يخلع نفسه فأبي، فقالوا: انه كتب بخطه رقعة لموسي بن بغا و بابكيال و جماعة من القواد أنه لا يغدر بهم و لا يغتالهم و لا يفتك بهم و لا يهم بذلك، و أنه متي فعل ذلك فهم في [ صفحه 88] حل من بيعته و الأمر اليهم يقعدون من شاءوا. فاستحلوا بذلك نقض أمره، فداسوا خصييه و صفعوه و قيل: خلعوا أصابع يديه من كفيه و رجليه من كعبيه حتي و رمت كفاه و قدماه و فعلوا به غير شي‌ء حتي مات في رجب سنة 256 ه [212] ، فكان تنكره للأتراك أقصر لعمره، و كان قتله بعد هوان و استخفاف كما قال الامام عليه‌السلام.

المعتمد

اشاره

(256 - 279 ه) و هو أحمد بن المتوكل بن المعتصم، بويع سنة 256 ه، و كان هو و أخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة، فله الخطبة و السكة و التسمي بامرة المؤمنين، و لأخيه طلحة الأمر و النهي و قيادة العساكر و محاربة الأعداء و ترتيب الوزراء و الامراء، و كان المعتمد مشغولا عن ذلك بلذاته. [213] .

مواقفه من الطالبيين

لم تخرج سياسة المعتمد عن اطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيت عليهم‌السلام و مطاردة شيعتهم و القسوة علي الطالبيين، ففي أيام المعتمد قتل علي بن ابراهيم بن الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي، قتل بسر من رأي علي باب جعفر بن المعتمد و لا يدري من قتله، و كذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي، ضرب عبدالعزيز ابن أبي دلف عنقه صبرا بآبة، و هي قرية بين قم و ساوة. و قتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله [ صفحه 89] ابن جعفر بن أبي‌طالب عليه‌السلام، قتله صلاب التركي صبرا و مثل به. و قتل في أيام المعتمد أيضا ابراهيم و محمد ابنا الحسن بن علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب، و الحسن بن محمد بن زيد بن عيسي بن زيد بن الحسين، و اسماعيل بن عبدالله بن الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي‌طالب. و توفي في السجن بسر من رأي محمد بن الحسين بن محمد بن عبدالرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي‌طالب، و توفي أيضا في السجن بسر من رأي موسي بن موسي بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي، و كان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي الي هذا الوقت ثم مات، و حمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسي بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي، و حمل ابنيه أحمد و عليا، فتوفي محمد و ابنه أحمد في الحبس. و حبس الحسين بن ابراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب علي نيسابور، ثم حمله معه حين خرج الي طبرستان، و توفي في الطريق رضي الله عنه. و توفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبدالله بن زيد بن عبيدالله بن زيد بن عبدالله بن الحسن بن زيد بن الحسن. [214] . و في سنة 258 ه أخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر الي المدينة، و وجه معهم من ينفذهم، و كان خروجهم في جمادي الآخرة، و تخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه الي المغرب، فأخذه أحمد بن طولون و ضربه مائة و خمسين [ صفحه 90] سوطا و أطافه بالفسطاط. [215] .

موقفه من الامام العسكري

في زمان المعتمد اعتقل الامام العسكري عليه‌السلام عدة مرات، فقد روي أنه سلم الي نحرير، و كان يضيق عليه و يؤذيه، فقالت له امرأته: ويلك اتقي الله، لا تدري من في منزلك! و عرفته صلاحه، و قالت: اني أخاف عليك منه. فقال: لأرمينه بين السباع، ثم فعل ذلك به، فرئي عليه‌السلام قائما يصلي و السباع حوله. [216] . و حبس عند علي بن جرين سنة 260 ه، و روي «أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت ام أبي‌محمد عليه‌السلام تخرج في الأحايين الي خارج المدينة و تجس الأخبار، حتي ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين، و حبس أخاه جعفرا معه، و كان المعتمد يسأل عليا عن أخباره في كل مكان و وقت، فيخبره أنه يصوم النهار و يصلي الليل، فسأله يوما من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك، فقال له: أمض الساعة اليه و أقرئه مني السلام، و قل له: انصرف الي منزلك...» الي آخر الرواية و فيها أنه عليه‌السلام أبي أن يخرج من السجن حتي أخرجوا أخاه معه [217] ، رغم أن جعفرا كان يسي‌ء اليه و يتربص به. و روي ابن‌حجر الهيتمي و غيره أنه عليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء، قال: «لما حبس عليه‌السلام قحط الناس بسر من رأي قحطا شديدا، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا، فخرج النصاري و معهم [ صفحه 91] راهب كلما مد يده الي السماء هطلت، ثم في اليوم الثاني كذلك، فشك بعض الجهلة و ارتد بعضهم، فشق ذلك علي المعتمد، فأمر باحضار الحسن الخالص عليه‌السلام و قال له: أدرك امة جدك رسول الله صلي الله عليه و آله قبل أن يهلكوا. فقال الحسن عليه‌السلام: يخرجون غدا و أنا أزيل الشك ان شاء الله، و كلم الخليفة في اطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم. فلما خرج الناس للاستسقاء، و رفع الراهب يده مع النصاري غيمت السماء، فأمر الحسن عليه‌السلام بالقبض علي يده، فاذا فيها عظم آدمي، فأخذه من يده و قال: استسق، فرفع يده فزال الغيم و طلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك، فقال المعتمد للحسن عليه‌السلام: ما هذا يا ابامحمد؟ فقال: هذا عظم نبي، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، و ما كشف من عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال، و زالت الشبهة عن الناس، و رجع الحسن عليه‌السلام الي داره». [218] . و هكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيت عليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل و توصد أمامهم الأبواب، يضطرون الي اللجوء نحو معدن العلم و ثاني الثقلين و باب حطة و سفينة نوح، يلتمسون النجاة مما يهدد عروشهم و يبدد عري دولتهم. لقد شدد المعتمد علي حصار الامام عليه‌السلام و اعتقاله، لأنه يعلم أنه الامام [ صفحه 92] الحادي عشر، و أن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي يقضي علي دعائم الظلم و الجور، و يطيح بدولة الظالمين، و ينشر العدل و القسط، لهذا أراد أن يطفي‌ء النور الثاني عشر، و لكن الله أبي الا أن يتم نوره. روي الصيمري بالاسناد عن المحمودي، قال: «رأيت بخط أبي‌محمد عليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون)». [219] . و ذكر نصر بن علي الجهضمي في (مواليد الأئمة عليهم‌السلام) أن الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسن عليه‌السلام: «زعمت الظلمة أنهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل، كيف رأوا قدرة القادر؟». [220] . و انتهت قصة صراع الامام العسكري عليه‌السلام مع خلفاء بني‌العباس بشهادته مسموما في الثامن من ربيع‌الأول سنة 260 ه، علي المشهور من الأقوال في وفاته [221] ، و هو في الثامنة و العشرين أو التاسعة و العشرين من عمره الشريف، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلا جديدا من المأساة الكبري علي يد المعتمد و جهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية و لن تزول الي أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمل و العدل المنتظر عليه‌السلام ليملأها قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا. [ صفحه 93]

الهوية الشخصية للامام العسكري

نسبه

هو أبومحمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين‌العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أميرالمؤمنين و سيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين. نسب عليه من شمس الضحي نور، و من فلق الصباح عمود

امه

ام ولد، يقال لها سوسن، و تكني ام الحسن، و تعرف بالجدة، أي جدة الامام صاحب الزمان عليه‌السلام، و لها أسماء اخري، فيقال لها: حديث، و حديثة، و سليل، و سمانة، و شكل النوبية و غيرها. [222] . [ صفحه 94] و رجح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل، حيث قال: «اسم امه عليه‌السلام - علي ما رواه أصحاب الحديث - سليل (رضي الله عنها) و قيل: حديث، و الصحيح سليل: و كانت من العارفات الصالحات». [223] . و لعل ذلك مبني علي الحديث الوارد عن المعصوم، و هو يشيد بفضلها و عفتها و صلاحها، رواه المسعودي عن العالم عليه‌السلام أنه قال: «لما ادخلت سليل ام أبي‌محمد علي أبي‌الحسن عليه‌السلام، قال: سليل مسلولة من الآفات و العاهات الأرجاس و الأنجاس». [224] . و بعثها الامام العسكري عليه‌السلام الي الحج سنة 259 ه، و أخبرها عما يناله سنة 60، فأظهرت الجزع و بكت، فقال عليه‌السلام: «لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي» و في صفر سنة 260 ه كانت في المدينة، فجعلت تخرج الي خارجها تتجسس الأخبار و قد أخذها الحزن و القلق. [225] . و حينما اتصل بها خبر شهادة الامام عليه‌السلام عادت الي سامراء، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته اياها بالميراث، و سعايته [ صفحه 95] بها الي السلطان، و كشف ما أمر الله عز و جل ستره. [226] . و توفيت في سامراء و كانت قد أوصت أن تدفن في الدار الي جنب ولدها الامام العسكري عليه‌السلام، فنازعهم جعفر و قال: الدار داري لا تدفن فيها. [227] .

ولادته

ولد الامام العسكري عليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع‌الآخر سنة 232 ه في مدينة جده رسول الله صلي الله عليه و آله، و هو القول المشهور في ولادته عليه‌السلام. [228] . و يؤيده ما رواه الطبري الامامي بالاسناد عن الامام العسكري عليه‌السلام، أنه قال: «كان مولدي في ربيع‌الآخر سنة 232 من الهجرة». [229] . و وقع اختلاف في تاريخ الولادة و مكانها، فقيل: سنة 230 ه، أو 231، أو 233، و قيل: في شهر رمضان من سنة 232 ه، و قيل: يوم الاثنين الرابع من [ صفحه 96] شهر ربيع‌الآخر، أو السادس، أو العاشر، من سنة 232 ه، و قيل: في السادس من شهر ربيع‌الأول، أو الثامن منه. [230] . و ذكر الشيخ الحر العاملي أهم هذه الأقوال في بيتين من منظومته، أشار فيهما الي المشهور من الأقوال، يقول: مولده شهر ربيع‌الآخر و ذاك في اليوم الشريف العاشر في يوم الاثنين و قيل الرابع و قيل في الثامن و هو الشائع [231] . هذا من حيث تاريخ الولادة، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولد عليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه [232] ، أو في ربيع‌الآخر سنة 232 ه، [233] ، و هذا لا يصح لأن الثابت في التاريخ أن المتوكل هو الذي استدعي الامام أباالحسن الهادي عليه‌السلام الي سامراء، و قد تولي المتوكل ملك بني‌العباس في ذي‌الحجة سنة [ صفحه 97] 232 ه، فكيف تكون ولادة الامام العسكري عليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه أو في ربيع‌الآخر سنة 232 ه، وكلا التاريخين في زمان الواثق، و هو عليه‌السلام لما يزل في المدينة. و يعارض هذا أيضا ما قدمناه في الفصل الثاني من أنه عليه‌السلام غادر المدينة مع أبيه عليه‌السلام سنة 236 ه علي رواية المسعودي، أو سنة 233 ه علي رواية الطبري، أو سنة 243 ه علي رواية الشيخ المفيد، أو سنة 234 ه علي ما حققه بعض الباحثين. و لدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي‌حمزة نصير الخادم [234] ، و حديث أحمد بن عيسي العلوي الذي يصحر برؤيته بصريا و هي قرية علي ثلاثة أميال من المدينة [235] ، كما نص المؤرخون و المحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته علي أنه عليه‌السلام ولد في المدينة و منهم: الشيخ المفيد، و الشيخ الطوسي، و ابن‌الفتال، و ابن‌الصباغ، و الشبلنجي، و الكنجي، و السويدي و غيرهم [236] ، و قال ياقوت: «ولد بالمدينة و نقل الي سامراء». [237] .

القابه

أشهر ألقاب الامام أبي‌محمد عليه‌السلام هو العسكري، و قد اطلق عليه و علي [ صفحه 98] أبيه عليهماالسلام، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه، و هو اسم سر من رأي. [238] . و قيل: هو اسم محلة في سامراء، قال الشيخ الصدوق: سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: ان المحلة التي يسكنها الامامان علي بن محمد و الحسن ابن علي عليهماالسلام بسر من رأي كانت تسمي عسكر، فلذلك قيل لكل واحد منهما العسكري. [239] . و كان هو و أبوه و جده عليهم‌السلام يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا. [240] . و هناك ألقاب اخري تطلق علي الامام العسكري عليه‌السلام و في كل منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته، منها: الخالص، الشافي، الزكي، المرضي، الصامت، الهادي، الرفيق، النقي، المضي‌ء، المهتدي، السراج، و غيرها [241] ، من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه و خصائصه السامية و صفاته الزكية. [ صفحه 99]

كنيته

اشتهر الامام العسكري عليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين و المحدثين، هي أبومحمد، و ذكر الطبري الامامي أنه عليه‌السلام يكني أيضا أباالحسن [242] ، و لم أجده في غيره، بل هي كنية أبيه عليه‌السلام.

حليته

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي، و هو أحمد بن عبيدالله بن خاقان [243] بقوله: «انه أسمر أعين - أي واسع العين - حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، له جلالة و هيئة حسنة». [244] . و قال ابن‌الصباغ: «صفته بين السمرة و البياض». [245] . و جاء في صفة لباسه: «أنه كان يلبس ثيابا بيضاء ناعمة، و يلبس مسحا أسود خشنا علي جلده، و يقول: هذا لله، و هذا لكم». [246] . [ صفحه 100]

نقش خاتمه

كان نقش خاتمه: سبحان من له مقاليد السماوات و الأرض [247] و قيل: أنا لله شهيد [248] و في نسخة من البحار: ان الله شهيد [249] . و قال الطبري الامامي: «كان له خاتم فصه: الله وليي». [250] .

بوابه

المشهور أن بوابه هو وكيله الثقة الجليل، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه. و قيل: ابنه محمد بن عثمان. و قال ابن شهرآشوب: الحسين بن روح النوبختي، و قيل: محمد بن نصير، و رجح الطبري صحة الأول. [251] .

شاعره

قيل: هو أبوالحسن علي بن العباس، المعروف بابن الرومي (221 - 283 ه) [252] و لم أجد قصيدة لابن الرومي في الامام عليه‌السلام، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي‌الحسين يحيي بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي عليه‌السلام، [ صفحه 101] الذي ثار في أيام المتوكل و قتل في أيام المستعين (250 ه)، و ذكر في تلك القصيدة ظلم بني العباس لأهل البيت عليهم‌السلام، و قارن بين النهجين، و هي طويلة، يقول في مطلعها: امامك فانظر أي نهجيك تنهج طريقان شتي مستقيم و أعوج [253] .

عمره و مدة امامته

عمره يوم و افاه الأجل (28) عاما، فقد ولد في سنة 232 ه و استشهد سنة 260 ه، و هو بذلك يعد أصغر آبائه المعصومين عليهم‌السلام عمرا، و عاش 22 عاما في ظل أبيه الامام أبي‌الحسن الهادي عليه‌السلام الذي استشهد سنة 254 ه، و وصفه بقوله: «أبومحمد ابني أنصح آل محمد غريزة، و أوثقهم حجة، و هو الأكبر من ولدي، و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامها». [254] . و مدة امامته ست سنوات (254 - 260 ه) عاصر فيها من سلاطين بني‌العباس المعتز (251 - 255 ه) و المهتدي (255 - 256 ه) و المعتمد (256 - 279 ه). [255] . [ صفحه 102]

زوجته

و هي ام ولد يقال لها نرجس رضي الله عنه، و كان الامام أبوالحسن الهادي عليه‌السلام قد أعطاها الي اخته حكيمة بنت محمد الجواد عليه‌السلام و قال لها: «يا بنت رسول الله، اخرجيها الي منزلك، و علميها الفرائض و السنن، فانها زوجة أبي‌محمد و ام‌القائم». [256] . و كما اختلفت الروايات في اسم أم الامام العسكري عليه‌السلام كما مر، فقد اختلفت أيضا في اسم زوجته، و يستفاد من أخبار أسرها و جلبها الي بغداد و ابتياعها [257] ، أن اسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امها من ولد الحواريين، تنسب الي شمعون وصي المسيح عليه‌السلام، و لما اسرت سمت نفسها نرجس لئلا يعرف الشيخ الذي وقعت في سهمه من الغنيمة أنها من سلالة الملوك. و قد تعددت أسماؤها، فجاء في رواية: أنها ريحانة، و يقال لها نرجس و يقال لها صقيل، و يقال لها سوسن، الا أنه قيل لها بسبب الحمل صقيل. [258] . و يستفاد من الأخبار أنه بعد شهادة الامام العسكري عليه‌السلام هجم جند السلطان لتفتيش دار الامام عليه‌السلام طلبا للولد، و لما لم يعثروا علي شي‌ء وجه المعتمد بخدمه فقبضوا علي صقيل، و حملوها الي داره، فطالبوها بالولد فانكرته [ صفحه 103] و ادعت الحبل تغطية علي حاله، فجعلت نسوة و خدم المعتمد و الموفق و القاضي ابن أبي‌الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، الي أن دهمهم أمر يعقوب بن الليث الصفار، و صاحب الزنج، و موت عبيدالله بن يحيي بن خاقان، فشغلوا عنها، و خرجت عن أيديهم. [259] .

ولده

ذكر بعض النسابة و المؤرخين أنه عليه‌السلام لم يخلف ولدا غير الامام الحجة القائم المهدي عليه‌السلام. [260] . قال الشيخ المفيد: كان الامام بعد أبي‌محمد عليه‌السلام ابنه المسمي باسم رسول الله صلي الله عليه و آله المكني بكنيته، و لم يخلف ولدا غيره ظاهرا و لا باطنا، و خلفه غائبا مستترا، و كانت سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة و فصل الخطاب، و جعله آية للعالمين، و آتاه الحكمة كما آتاها يحيي صبيا، و جعله اماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسي بن مريم عليه‌السلام في المهد نبيا. [261] . و قال الطبرسي و غيره: خلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، و كان قد أخفي مولده لشدة طلب سلطان الوقت له، و اجتهاده في البحث عن أمره، [ صفحه 104] فم يره الا الخواص من شيعته. [262] . و قيل: ان للامام العسكري ذكرا و انثي [263] ، و جاء في رواية للشيخ الصدوق أن له ولدين هما محمد عليه‌السلام و موسي [264] ، وعد بعضهم سبعة أولاد للامام العسكري عليه‌السلام و هم: القائم عليه‌السلام و هو الامام بعد أبيه، و موسي، و جعفر، و ابراهيم، و عائشة، و فاطمة، و دلالة. [265] . و اذا سلمنا بصحة هذه الأقوال فلا بد أن نفترض كونهم ممن درجوا في حياة أبيهم عليه‌السلام، و يدل عليه ما رواه الشيخ الطوسي بالاسناد عن ابراهيم بن ادريس، قال: «وجه الي مولاي أبومحمد عليه‌السلام بكبش، ثم لقيته بعد ذلك فقال لي: المولود الذي ولد لي مات، ثم وجه الي بكبشين، و كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، عق هذين الكبشين عن مولاك، و كل هنأك الله، و اطعم اخوانك، ففعلت و لقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئا». [266] .

اخوته

ذكر المؤرخون أن له ثلاثة اخوة، و هم: محمد المتوفي في حياة أبيه، و الحسين، و جعفر المعروف بالكذاب، و قيل: ان له من الاخوة اثنين و حسب و هما: جعفر و ابراهيم، و هذا غلط واضح لشهرة السيد محمد بن الامام الهادي عليه‌السلام في كتب الانساب و التاريخ و الحديث. و له اخت واحدة مختلف في [ صفحه 105] اسمها، فقيل: حكيمة، أو عائشة، أو علية، أو عالية. و قيل: له اختان و هما: عائشة و دلالة. [267] .

السيد محمد

و هو أبوجعفر محمد بن الامام أبي‌الحسن الهادي، المتوفي نحو سنة 252 ه [268] ، قال السيد محسن الأمين: جليل القدر، عظيم الشأن، و كان أبوه خلفه بالمدينة طفلا لما اتي به الي العراق، ثم قدم عليه في سامراء، ثم أراد الرجوع الي الحجاز، فلما بلغ القرية التي يقال لها (بلد) علي تسعة فراسخ من سامراء، مرض و توفي و دفن قريبا منها، و مشهده هناك معروف مزور، و لما توفي شق أخوه أبومحمد ثوبه، و قال في جواب من لامه علي ذلك: «قد شق موسي علي أخيه هارون». [269] . و جاء في الرواية: «أن أباالحسن عليه‌السلام قد بسط له في صحن دار، يوم توفي محمد ابنه، و الناس جلوس حوله يعزونه، من آل أبي‌طالب و بني‌هاشم [ صفحه 106] و قريش و مواليه و من سائر الناس». [270] .

جعفر الكذاب

أما جعفر الكذاب، فكان صاحب فتنة و ضلالة، و قد أخبر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عنه قبل ولادته، و حذروا شيعتهم من فتنته، ففي حديث عن أبي‌خالد الكابلي «أنه سأل الامام علي بن الحسين صلوات الله عليه: من الحجة و الامام بعدك؟ فقال: ابني محمد، و اسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقرا، و هو الحجة و الامام بعدي، و من بعد محمد ابنه جعفر، و اسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له: يا سيدي، كيف صار اسمه الصادق، و كلكم صادقون؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه عليه‌السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال: اذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‌طالب، فسموه الصادق، فان للخامس من ولده ولدا اسمه جعفر يدعي الامامة اجتراء علي الله و كذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري علي الله عز و جل و المدعي لما ليس له بأهل، المخالف علي أبيه، و الحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عزوجل... ثم قال: كاني بجعفر الكذاب و قد حمل طاغية زمانه علي تفتيش أمر ولي الله، و المغيب في حفظ الله، و التوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، و حرصا علي قتله ان ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتي [ صفحه 107] يأخذه بغير حقه...». [271] . و حينما ولد جعفر فرح أهل الدار بولادته، و لم يروا أثرا للسرور علي أبي‌الحسن الهادي عليه‌السلام، فقيل له في ذلك، فقال: «يهون عليك أمره، فانه سيضل خلقا كثيرا». [272] . و قد تحقق ما قاله أهل البيت عليهم‌السلام عن فتنته و ضلالته، حيث كانت له بعد شهادة أخيه الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ثلاثة أدوار سيئة: 1 - ادعاء الامامة بعد أخيه الحسن عليه‌السلام كذبا و زورا، و لهذا خرجت عن الامام المهدي عليه‌السلام عدة تواقيع تنبه الشيعة علي بطلان ادعائه و كذبه و عصيانه و ظلمه، و جهله بالأحكام و تركه الواجبات، منها علي يد أحمد بن اسحاق الأشعري، و علي يد محمد بن عثمان العمري [273] ، فجفته الشيعة بعد أن بان كل ما ذكره عليه‌السلام، مما اضطره الي التوسل برجال الدولة و منهم الوزير عبيدالله بن يحيي ابن خاقان في أن يجعلوا له مرتبة أخيه فزبره بالقول «يا أحمق، السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك، فان كنت عند شيعة أبيك و أخيك اماما فلا حاجة لك الي السلطان ليرتبك [ صفحه 108] مراتبهم و لا غير السلطان، و ان لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا...». [274] . و حمل عشرين ألف دينار الي المعتمد، طالبا منه أن يجعل له مرتبة أخيه و منزلته. فأجابه بنحو جواب ابن‌خاقان. [275] . 2- ادعاؤه التركة و بالتالي حيازته اياها مناصفة مع ام العسكري عليه‌السلام باذن من السلطات الحاكمة. 3 - افشاء سر أخيه العسكري عليه‌السلام الي الدولة من خلال الايعاز لهم بولادة الامام المهدي عليه‌السلام، و من هنا بدأت سلسلة من المطاردات و الاعتقالات لعيال الامام عليه‌السلام، و لم يتمكنوا من العثور علي الامام المهدي عليه‌السلام، و بذلك يكون جعفر قد كشف ما أوجب الله تعالي ستره و كتمانه. و قد أجمل الشيخ المفيد رحمه الله جملة هذه الأدوار المشينة و غيرها التي قام بها جعفر الكذاب بعد شهادة أخيه الحسن عليه‌السلام بقوله: «تولي جعفر بن علي أخو أبي‌محمد عليه‌السلام أخذ تركته، و سعي في حبس جواري أبي‌محمد عليه‌السلام، و اعتقال حلائله، و شنع علي أصحابه بانتظارهم ولده و قطعهم بوجوده و القول بامامته، و أغري بالقوم حتي أخافهم و شردهم، و جري علي مخلفي أبي‌محمد عليه‌السلام بسبب ذلك كل عظيمة؛ من اعتقال و حبس و تهديد و تصغير و استخفاف و ذل، و لم يظفر السلطان منهم بطائل. و حاز جعفر ظاهر تركة أبي‌محمد عليه‌السلام، و اجتهد في القيام عند الشيعة [ صفحه 109] مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك، و لا اعتقده فيه، فصار الي سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، و بذل مالا جليلا، و تقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به، فلم ينتفع بشي‌ء من ذلك». [276] . و هكذا كان جعفر كاخوة يوسف الصديق عليه‌السلام يوم قالوا لأبيهم كذبا: (يا أبانا انا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب و ما أنت بمؤمن لنا و لو كنا صادقين). [277] . [ صفحه 111]

امامته

اشاره

قال الشيخ المفيد: كان الامام بعد أبي‌الحسن علي بن محمد عليه‌السلام ابنه أبامحمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه، و تقدمه علي كافة أهل عصره فيما يوجب له الامامة و يقتضي له الرئاسة، من العلم و الزهد و كمال العقل و العصمة و الشجاعة و الكرم و كثرة الأعمال المقربة الي الله، ثم لنص أبيه عليه‌السلام عليه و اشارته بالخلافة اليه [278] و فيما يلي نذكر طرفا من النصوص الواردة في امامته عليه‌السلام و كما يلي:

نص آبائه عليه

وردت المزيد من النصوص عن النبي صلي الله عليه و آله و الآل المعصومين عليهم‌السلام تصرح بتعيين أوصياء النبي صلي الله عليه و آله و خلفائه من عترته واحدا بعد واحد باسمائهم و أوصافهم، بشكل يجلو العمي عن البصائر و ينفي الشك عن القلوب، و سنذكر هنا حديثين عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام كنموذج علي تلك النصوص، و نحيل القارئ الي مظان بقيتها. [279] . [ صفحه 112] 1- عن عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: «سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: أنشدت مولاي الرضا علي بن موسي عليه‌السلام قصيدتي التي أولها: مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات فلما انتهيت الي قولي: خروج امام لا محالة خارج يقوم علي اسم الله و البركات يميز فينا كل حق و باطل و يجزي علي النعماء و النقمات بكي الرضا عليه‌السلام بكاء شديدا، ثم رفع رأسه الي فقال لي: يا خزاعي، نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الامام و متي يقوم؟ فقلت: لا يا مولاي، الا أني سمعت بخروج امام منكم يطهر الأرض من الفساد، و يملأها عدلا كما ملئت جورا. فقال: يا دعبل، الامام بعدي محمد ابني، و بعد محمد ابنه علي، و بعد علي ابنه الحسن، و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره،...». [280] . 2- و عن الصقر بن أبي‌دلف، قال: «سمعت أباجعفر محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يقول: ان الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي، و الامام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، [ صفحه 113] و طاعته طاعة أبيه...». [281] .

نص أبيه عليه

اشاره

فيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيه عليه‌السلام في النص عليه و الاشارة اليه بالامامة من بعده. 1- روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن يحيي بن يسار القنبري، قال: «أوصي أبوالحسن عليه‌السلام الي ابنه الحسن عليه‌السلام قبل مضيه بأربعة أشهر، و أشهدني علي ذلك و جماعة من الموالي». [282] . 2- و عن علي بن عمر النوفلي، قال: «كنت مع أبي‌الحسن عليه‌السلام في صحن داره، فمر بنا محمد ابنه، فقلت له: جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا، صاحبكم بعدي الحسن». [283] . 3- و عن عبدالله بن محمد الأصفهاني، قال: «قال أبوالحسن عليه‌السلام: صاحبكم بعدي الذي يصلي علي. قال: و لم نعرف أبامحمد قبل ذلك. قال: فخرج أبومحمد فصلي عليه». [284] . 4- و عن علي بن مهزيار، قال: «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام: ان كان كون - و أعوذ بالله - فالي من؟ قال: عهدي الي الأكبر من ولدي». [285] و كان الامام العسكري عليه‌السلام أكبر ولد الامام الهادي عليه‌السلام. [ صفحه 114] 5- و عن علي بن عمرو العطار، قال: «دخلت علي أبي‌الحسن العسكري عليه‌السلام أبوجعفر ابنه في الأحياء، و أنا أظن أنه هو، فقلت له: جعلت فداك، من أخص من ولدك؟ فقال: لا تخصوا أحدا حتي يخرج اليكم أمري. قال: فكتبت اليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب الي: في الكبير من ولدي. قال: و كان أبومحمد أكبر من أبي‌جعفر». [286] . 6- و عن أبي‌بكر الفهفكي قال: «كتب الي أبوالحسن عليه‌السلام: أبومحمد ابني انصح آل محمد غريزة، و أوثقهم حجة، و هو الأكبر من ولدي و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يحتاج اليه». [287] . 7- و عن داود بن القاسم، قال: «سمعت أباالحسن عليه‌السلام يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: و لم جعلني الله فداك؟ فقال: انكم لا ترون شخصه و لا يحل لكم ذكره باسمه». [288] . 8- و روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبدالعظيم الحسني قال: «دخلت علي سيدي علي بن محمد عليه‌السلام، فلما بصر بي قال لي: مرحبا بك يا أباالقاسم، أنت ولينا حقا. قال: فقلت له: يابن رسول الله، اني اريد أن أعرض عليك ديني فان كان مرضيا ثبت عليه حتي ألقي الله عز و جل. فقال: هات يا أباالقاسم، فقلت: اني أقول: ان الله تبارك و تعالي واحد ليس كمثله شي‌ء... و ان [ صفحه 115] محمدا صلي الله عليه و آله عبده و رسوله... و ان الامام و الخليفة و ولي الأمر بعده أميرالمؤمنين علي بن أبي‌طالب عليه‌السلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي. فقال عليه‌السلام: و من بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟ قال: فقلت: و كيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يري شخصه و لا يحل ذكره باسمه حتي يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما. قال: فقلت: أقررت». [289] . 9- و عن علي بن عبدالغفار، قال: ان الامام الهادي عليه‌السلام كتب الي شيعته: «الأمر لي مادمت حيا، فاذا نزلت بي مقادير الله عز و جل آتاكم الله الخلف مني، و أني لكم بالخلف بعد الخلف؟». [290] . 10- و عن الصقر بن أبي‌دلف قال: «سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام يقول: ان الامام بعدي الحسن ابني، و بعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما». [291] . 11- و روي شيخ الطائفة أبوجعفر الطوسي بالاسناد عن علي بن عمر النوفلي، قال: «كنت مع أبي‌الحسن العسكري عليه‌السلام في داره، فمر عليه أبوجعفر فقلت له: هذا صاحبنا؟ فقال: لا، صاحبكم الحسن» [292] . [ صفحه 116] 12- و عن أحمد بن محمد بن رجاء صاحب الترك، قال: «قال أبوالحسن عليه‌السلام: الحسن ابني القائم [أي بأمر الامامة] من بعدي». [293] . 13 - و عن أحمد بن عيسي العلوي من ولد علي بن جعفر، قال: «دخلت علي أبي الحسن عليه‌السلام بصريا فسلمنا عليه، فاذا نحن بأبي جعفر و أبي‌محمد قد دخلا، فقمنا الي أبي‌جعفر لنسلم عليه، فقال أبوالحسن عليه‌السلام: ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم، و أشار الي أبي‌محمد». [294] الي غير هذا من النصوص الكثيرة التي انتخبنا منها تلك الأحاديث.

مزاعم بعض المرتابين بامامة العسكري

أصر بعض المرتابين بامامة أبي‌محمد عليه‌السلام علي تبني اعتقادهم حتي بعد سماعهم النص عليه و وفاة أبي‌جعفر في حياة أبيه، فقالوا بامامة أبي‌جعفر المعروف بالسيد محمد بن الامام الهادي عليه‌السلام و توقفوا عنده، و اعتقد بعضهم بغيبته و هم المحمدية، و اعتقد آخرون بوفاته و امامة جعفر بن علي بعده. و هم لم يعتمدوا في ذلك سوي الأراجيف و الأباطيل التي كان يبثها ضعاف النفوس و المتربصين بالتشيع، و لم تكن لديهم في أقوالهم تلك أدني حجة أو برهان، و مما يدل علي فساد قولهم أمور عديدة، و هي: 1- عدم وجود النص الذي يثبت مدعاهم. 2- ثبوت النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام و ولده الامام المهدي عليه‌السلام، كما في الأحاديث التي قدمناها، و منها ما يصرح بالنص علي امامة الامام الحسن [ صفحه 117] العسكري عليه‌السلام في حياة أبي‌جعفر، و الملاحظ أن النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام كان في فترات تاريخية تستغرق معظم الاعوام الاثنين و العشرين التي قضاها مع أبيه، فقد نص عليه بصريا و لما يزل صغيرا في المدينة كما مر، و نص عليه بعد وفاة أبي‌جعفر أي نحو سنة 252 ه، كما تقدم في جملة من الأحاديث، و نص عليه قبل وفاته بأربعة أشهر كما في الحديث الأول، و أخبر بعض أصحابه أن الامام هو الذي يصلي عليه، فصلي عليه أبومحمد عليه‌السلام، و نحو هذا مما تقدم في أحاديث النص عليه بالامامة. 3- ثبوت موت أبي‌جعفر في حياة أبيه الامام الهادي عليه‌السلام موتا ظاهرا معروفا، و قد ورد خبر موته رضي الله عنه متواترا. [295] و من هنا قال شيخ الطائفة: و أما المحمدية الذين قالوا بامامة محمد بن علي العسكري و أنه حي لم يمت، فقولهم باطل لما دللنا به علي امامة أخيه الحسن بن علي أبي القائم عليه‌السلام، و أيضا فقد مات محمد في حياة أبيه عليه‌السلام موتا ظاهرا، كما مات أبوه و جده، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات [296] ، ثم أورد ما يدل علي وفاته من الحديث. 4- شهادة المخالفين بامامة أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام و اقرارهم بفضله، و منهم المعتمد الذي قصده جعفر الكذاب بعد وفاة أبيه عليه‌السلام ملتمسا دعم السلطة له في دعواه الامامة، فقال له المعتمد: «ان منزلة أخيك لم تكن بنا، انما كانت [ صفحه 118] بالله، و نحن كنا نجتهد في حط منزلته و الوضع منه، و كان الله يأبي الا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، و حسن السمت، و العلم و العبادة، فان كنت عند شيعة أخيك بمنزلته، فلا حاجة بك الينا، و ان لم تكن عندهم بمنزلته، و لم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نغن عنك في ذلك شيئا». [297] . و من رجال البلاط عبيدالله بن يحيي بن خاقان، الذي كان للامام العسكري عليه‌السلام مجلس معه، فتعجب ابنه أحمد بن عبيدالله لمظاهر الحفاوة و الاكرام و التبجيل التي حظي بها الامام عند أبيه عبيدالله فقال له: «يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبيك؟ فقال عبيدالله ابن خاقان: يا بني ذاك امام الرافضة، ذاك الحسن ابن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الامامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني‌هاشم غير هذا، و ان هذا ليستحقها في فضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه و لو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا. قال أحمد: فازددت قلقا و تفكرا و غيظا علي أبي و ما سمعت منه و استزدته في فعله و قوله فيه ما قال: فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره و البحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني‌هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس، الا وجدته عنده في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه، فعظم قدره [ صفحه 119] عندي، اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه...». [298] . 5- انقراض هذه الفرقة و كذلك تلك التي تفرعت عنها، في وقت متقدم من نشأتها، و في هذا دليل علي بطلانها، و في هذا قال الشيخ المفيد: «فلما توفي [الامام ابوالحسن عليه‌السلام] تفرقوا بعد ذلك، فقال الجمهور منهم بامامة أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام و نقلوا النص عليه و أثبتوه. و قال فريق منهم: ان الامام بعد أبي‌الحسن، محمد بن علي أخو أبي‌محمد عليه‌السلام، و زعموا أن أباه عليا عليه‌السلام نص عليه في حياته، و هذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه، فدفعت هذه الفرقة وفاته، و زعموا أنه لم يمت، و أنه حي، و هو الامام المنتظر. و قال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل: ان الامام بعد محمد بن علي ابن محمد بن علي بن موسي عليه‌السلام، أخوه جعفر بن علي، و زعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد، و أنه القائم بعد أبيه. فيقال للفرقة الاولي: لم زعمتم أن الامام بعد أبي الحسن عليه‌السلام ابنه محمد. و ما الدليل علي ذلك؟ فان ادعوا النص طولبوا بلفظه و الحجة عليه، و لن يجدوا لفظا يتعلقون به في ذلك، و لا تواتر يعتمدون عليه، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ و القلة علي حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد، مع أنهم قد انقرضوا و لا بقية لهم، و ذلك مبطل أيضا لما ادعوه. [ صفحه 120] و يقال لهم في ادعاء حياته، ما قيل للكيسانية و الناووسية و الواقفة، و يعارضون بما ذكرناه، و لا يجدون فصلا، فأما أصحاب جعفر فان أمرهم مبني علي امامة محمد، و اذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة علي صحته و قيامها علي امامة أبي‌محمد عليه‌السلام، فقد بان فساد ما ذهبوا اليه». [299] .

موقف الامام العسكري تجاه المدعيات الباطلة

اشاره

يمكن تلخيص موقف العسكري عليه‌السلام حيال تلك الشرذمة القليلة التي حاولت عبثا التشكيك بامامته، بأمرين و هما:

الرسائل و التوقيعات التوجيهية

بعث الامام العسكري عليه‌السلام عن طريقه وكلائه المزيد من الرسائل و الوصايا التوجيهية الي شيعته و مواليه في مختلف ديار الاسلام، و بعضها مفصلة نسبيا، و هي تحمل في طياتها الدعوة الي التمسك بمبادئ الاسلام و العمل بشريعته السامية، و التعلق بسبيل الحق المتمثل بولاية أهل البيت عليهم‌السلام، و اعتقاد امامته عليه‌السلام. [300] و كان لتلك الرسائل دور فاعل في ازالة شكوك من كان يبحث عن الحجة و البرهان من المرتابين في امامته عليه‌السلام، و حيثما التقوا بالحجة و البرهان في عمق بصيرتهم، انفتحوا علي نتائج الحقيقة، فزال شكهم، و التحقوا بركب التشيع العريض الواسع. عن أحمد بن اسحاق، قال: «دخلت علي مولانا أبي‌محمد الحسن بن علي [ صفحه 121] العسكري عليه‌السلام فقال: يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك و الارتياب؟ فقلت له: يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل و لا امرأة و لا غلام بلغ الفهم الا قال بالحق. فقال عليه‌السلام: أحمد الله علي ذلك يا أحمد، أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة، و أنا ذلك الحجة، أو قال: أنا الحجة». [301] .

اظهار الدلالة

فقد طالب بعض المشككين الامام عليه‌السلام بالدلالة، و كان عليه‌السلام يستجيب بما اوتي من الحكمة و فصل الخطاب، لمن يعتقد أنه يسكن اليها. و يدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي، قال: خرج توقيع من أبي‌محمد عليه‌السلام الي بعض بني أسباط، قال: «كتبت اليه عليه‌السلام أخبره عن اختلاف الموالي و أسأله اظهار دليل. فكتب الي: انما خاطب الله عز و جل العاقل، ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين و سيد المرسلين، فقالوا: ساحر و كاهن و كذاب، و هدي الله من اهتدي، غير أن الأدلة يسكن اليها كثير من الناس، ذلك أن الله عز و جل يأذن لنا فنتكلم، و يمنع فنصمت، و لو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين و منذرين، فصدعوا بالحق في حال الضعف و القوة، و ينطقون في أوقات ليقضي الله أمره و ينفذ حكمه». ثم أشار عليه‌السلام الي طبقات الناس في أخلاصهم له أو ابتعادهم عنه، مبينا أن بعضهم يعيش البصيرة في عقله و في قلبه و في روحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله، و هذا متمسك بهدي الامام و سبيله، و بعضهم أخذ العلم ممن [ صفحه 122] يملك مسؤولية العلم و عمقه و ممن لا يملكهما، أو ممن يملك تقوي الحقيقة و ممن لا يملكها، و هؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها و لا أرض يقفون عليها، و بعضهم استحوذ عليهم الشيطان فأعمي بصيرتهم، و ليس لهم شأن الا مواجهة أهل الحق. قال عليه‌السلام مواصلا كتابه الأول: «الناس في طبقات شتي، فالمستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل، غير شاك و لا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ، و طبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، و يسكن عند سكونه. و طبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد علي أهل الحق و دفع الحق بالباطل، حسدا من عند أنفسهم، فدع من ذهب يمينا و شمالا، فالراعي اذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي. ذكرت، ما اختلف فيه موالي، فاذا كانت الوصية و الكبر فلا ريب، و من جلس مجالس الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت، و اياك و الاذاعة و طلب الرئاسة، فانهما يدعوان الي الهلكة. ذكرت شخوصك الي فارس، فاشخص خار الله لك، و تدخل مصر ان شاء الله آمنا، و اقرأ من تثق به من موالي السلام، و مرهم بتقوي الله العظيم، و أداء الأمانة، و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت: و تدخل مصر ان شاء الله، لم أعرف معني ذلك، فقدمت الي بغداد، و عزيمتي الخروج الي فارس، فلم يتهيأ ذلك فخرجت الي مصر». [302] . [ صفحه 123] و هكذا كان عليه‌السلام يثبت امامته لبعض المشككين باظهار الدلالة، مما يسكن قلوبهم، و يكون له الأثر في هدايتهم الي سواء السبيل. روي علي بن جعفر عن الحلبي، قال: «اجتمعنا بالعسكر و ترصدنا لأبي محمد عليه‌السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن علي أحد، و لا يشير الي بيده و لا يومئ، فانكم لا تأمنون علي أنفسكم. قال: و الي جنبي شاب فقلت: من أين أنت؟ قال: من المدينة. قلت: ما تصنع هاهنا؟ قال: اختلفوا عندنا في أبي‌محمد عليه‌السلام فجئت لأراه و أسمع منه، أو أري منه دلالة ليسكن قلبي، و اني لولد أبي‌ذر الغفاري. فبينما نحن كذلك، اذا خرج أبومحمد عليه‌السلام مع خادم له، فلما حاذانا نظر الي الشاب الذي يجنبي. فقال: أغفاري أنت؟ قال: نعم. قال: ما فعلت امك حمدويه؟ فقال: صالحة، و مر. فقلت للشاب: أكنت رأيته قط و عرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال: لا. قلت: فينفعك هذا؟ قال: و دون هذا». [303] . و عن يحيي بن المرزبان، قال: «التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الامامة و القول في أبي‌محمد عليه‌السلام و غيره، فقلت: لا أقول به أو أري منه علامة، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبومحمد عليه‌السلام فقلت في نفسي متعنتا: ان مد يده الي رأسه، فكشفه ثم نظر الي ورده قلت به. فلما حاذاني مد يده الي رأسه فكشفه، ثم برق عينيه في ثم ردها، و قال: يا يحيي، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الامامة؟ فقلت: خلفته [ صفحه 124] صالحا. فقال: لا تنازعه، ثم مضي». [304] . كما كان عليه‌السلام يحذر من لا يعتقد بامامته الا ببرهان ثم يعطي ذلك و يبقي علي عناده بمصير وخيم يوم يفد علي الله فردا بلا ناصر أو معين. روي المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني، قال: حدثني ناصح البارودي، قال: «كتبت الي أبي‌محمد عليه‌السلام اعزيه بأبي الحسن عليه‌السلام و قلت في نفسي و أنا أكتب: لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيني، و كتب بعد ذلك: من سأل آية أو برهانا فاعطي، ثم رجع عمن طالب منه الآية، عذب ضعف العذاب، و من صبر أعطي التأييد من الله، و الناس مجبولون علي جبلة ايثار الكتب المنشرة، فاسأل السداد، فانما هو التسليم أو العطب، و لله عاقبة الأمور». [305] . [ صفحه 125]

منزلته و مكارم أخلاقه

منزلته

حظي الامام العسكري عليه‌السلام كسائر آبائه المعصومين عليهم‌السلام بمنزلة رفيعة و مكانة اجتماعية مرموقة، تتمثل بوافر من مظاهر التعظيم و التبجيل و الاحترام التي يكنها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه و ناوؤه و سجنوه، و ذلك للدرجات العالية من صفات الكمال و معالي الأخلاق التي يتحلي بها من العبادة و العلم و الحلم و الزهد و الكرم و الشجاعة و غيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم. و لو استعرضنا ما نقله كتاب سيرته عليه‌السلام يتبين لنا سمو مكانته في المجتمع الاسلامي آنذاك، و أن أعداءه و أصدقاءه أجمعوا علي تعظيمه و تقديره و اكباره، بما في ذلك الوزراء و القواد و القضاة و الفقهاء و طبقات المجتمع كلها. و هناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض أجواء و مظاهر ذلك التقدير و الاحترام و المكانة و الاجلال، صادرة من بعض رجال الدولة، و هو أحمد بن عبيدالله بن يحيي بن خاقان، عامل السلطان علي الضياع و الخراج في قم، و كان [ صفحه 126] أبوه وزير المعتمد [306] ، فقد جري يوما ذكر العلوية - أي المنتسبين الي الامام علي عليه‌السلام - و مذاهبهم، و كان شديد النصب و الانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام - و الفضل ما شهدت به الأعداء - فقال: «ما رأيت و لا عرفت بسر من رأي من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كبرته عند أهل بيته و بني‌هاشم كافة، و تقديمهم اياه علي ذوي السن منهم و الخطر، و كذلك كانت حاله عند القواد و الوزراء و عامة الناس». فأنت تري أن له عليه‌السلام امتدادا من التعظيم في مواقع المجتمع كلها، سواء الذين يدينون بامامته أو الذين يقفون ضدها، و هو أمر يستحق التأمل، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يحظي بالتقديم علي ذوي السن و الخطر؟ و أن يتمتع بهذه المنزلة العالية و المكانة الكبيرة عند القواد و الوزراء، و عامة الناس، و هو في خط مضاد لموقع الخلافة، بل و يزدحم حوله الذين ينصبون له و لآبائه عليهم‌السلام العداوة و يكنون لهم البغضاء؟ لقد فرض الامام عليه‌السلام نفسه علي الواقع كله، بسموه الروحي و الخلقي، و عناصر العظمة التي يختزنها في شخصه و نشاطه الحركي في أوساط الامة. و يتابع ابن‌خاقان حديثه فيقول: «فأذكر أنني كنت يوما قائما علي رأس أبي، و هو يوم مجلسه للناس، اذ دخل حجابه فقالوا: أبومحمد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال: ائذنوا له، فتعجبت مما سمعت منهم، و من جسارتهم [ صفحه 127] أن يكنوا رجلا بحضرة أبي، و لم يكن يكني عنده الا خليفة، أو ولي عهد، أو من أمر السلطان أن يكني» ذلك لأن ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم و الاجلال، فكيف يكني رجل بحضرة الوزير، و ليس هو خليفة و لا ولي عهد و لا ممن أمر السلطان بتكنيته؟ انه أمر ملفت للنظر و مثير للتعجب. و يواصل فيقول: «فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، جيد البدن، حديث السن، له جلالة و هيئة حسنة، فلما نظر اليه أبي قام فمشي اليه خطي، و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني‌هاشم و القواد، فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه و صدره، و أخذ بيده، و أجلسه علي مصلاه الذي كان عليه، و جلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه، و جعل يكلمه و يفديه بنفسه، و أنا متعجب مما أري منه، اذ دخل الحاجب فقال: الموفق - و هو أخو المعتمد العباسي - قد جاء، و كان الموفق اذا دخل علي أبي يقدمه حجابه و خاصه قواده، فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين الي أن يدخل و يخرج، فلم يزل أبي مقبلا علي أبي محمد يحدثه حتي نظر الي غلمان الخاصة فقال حينئذ له: اذا شئت جعلني الله فداك، ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا - يعني الموفق - فقام و قام أبي فعانقه و مضي. فقلت لحجاب أبي و غلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي، و فعل به أبي هذا الفعل؟ فقالوا: هذا علوي يقال له: الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا، فازددت تعجبا، و لم أزل يومي ذلك قلقا مفكرا في أمره و أمر أبي و ما رأيته منه حتي كان الليل، و كانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات - أي المراجعات - و ما يرفعه الي السلطان. [ صفحه 128] فلما صلي و جلس جئت فجلست بين يديه، و ليس عنده أحد، فقال لي: يا أحمد، ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبه، فان أذنت سألتك عنها، فقال: قد أذنت. قلت: يا أبه، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبويك؟ فقال: يا بني ذاك امام الرافضة الحسن بن علي، المعروف بابن الرضا، ثم سكت ساعة و أنا ساكت، ثم قال: يابني، لو زالت الامامة عن خلفائنا بني العباس، ما استحقها أحد من بني‌هاشم غيره، لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه، و لو رأيت أباه، رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا، فازددت قلقلا و تفكرا و غيظا علي أبي و ما سمعت منه فيه، و رأيت من فعله به، فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره و البحث عن أمره. فما سألت أحدا من بني‌هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس الا وجدته عنده في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه، فعظم قدره عندي، اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه...». [307] . و لسنا نريد من خلال شهادة أحد رجال الدولة أن ندخل في تقييم الامام لمجرد أن هذا الرجل شهد له، لأنه عليه‌السلام يختص من موقع امامته بالدرجة الرفيعة عند الله، و يتمتع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة و الروحانية و الصلاح [ صفحه 129] و الخلق الرفيع، و هي التي جعلت هذا الرجل و سواه يذعن لشخصيته عليه‌السلام و يظهر له الاكبار و الاحترام و الثناء. الذي نريد أن نقوله من خلال هذه الشهادة، أنه ليس ثمة شخصية كبيرة و فاعلة في المجتمع الا و هناك من يسي‌ء القول فيها، كما أن هناك من يحسن القول فيها، لكننا نجد أن الغالبية العظمي قد اتفقت علي تقدير الامام عليه‌السلام و احترامه و اجلاله، و علي حسن القول فيه، بحيث أخذ بمجامع قلوب و عقول الأعداء و الأصدقاء، هذا مع أنه عليه‌السلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خط ولايته، و يعمل علي محاصرته و يضيق عليه و يسعي الي أن ينقص من قدره. و تلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح و صولة السلطان، و لا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الامام عليه‌السلام، بل هي احدي مظاهر التسديد الالهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية الي الحط من منزلته و الوضع منه، الأمر الذي اعترف به رأس السلطة آنذاك. فقد روي الشيخ الصدوق و القطب الراوندي أنه ورد في رد الخليفة المعتمد علي جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة أخيه الامام عليه‌السلام يطلب مرتبته، قوله: «ان منزلة أخيك لم تكن بنا، انما كانت بالله، و نحن كنا نجتهد في حط منزلته و الوضع منه، و كان الله يأبي الا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة و حسن السمت و العلم و العبادة...». [308] . و يقع بعض النصاري في دائرة التقدير و الاحترام للامام عليه‌السلام، و منهم أحد رجال الدولة الذي كان يتولي الكتابة للسلطان، و اسمه أنوش النصراني، الذي [ صفحه 130] سأل السلطان أن يدعو الامام عليه‌السلام الي بيته ليشارك في مناسبة خاصة يدعو فيها لولديه بالسلامة و البقاء، فأرسل السلطان خادما جليل القدر الي دار الامام كي يدعوه الي حضور دار كاتبه أنوش، فأخبر الخادم الامام عليه‌السلام أن أنوش يقول: «نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة و الرسالة. فقال الامام عليه‌السلام: الحمد لله الذي جعل النصراني أعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال: اسرجوا لنا. فركب حتي ورد دار أنوش، فخرج اليه مكشوف الرأس، حافي القدمين، و حوله القسيسون و الشمامسة [309] و الرهبان، و علي صدره الانجيل، فتلقاه علي باب داره و قال: يا سيدنا، أتوسل اليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا الا غفرت لي ذنبي في عنائك. و حق المسيح عيسي بن مريم و ما جاء به من الانجيل من عند الله، ما سألت أميرالمؤمنين مسألتك [في] هذا الا لأنا وجدناكم في هذا الانجيل مثل المسيح عيسي بن مريم عند الله. فقال عليه‌السلام: الحمد لله...» [310] . و لعل أبرز و أصدق مظاهر التبجيل و التعظيم التي تعبر عن مكانة الامام عليه‌السلام عند سائر الناس، هو ازدحام الناس علي جنازته عليه‌السلام الي حد وصفه بعض الرواة بالقيامة، فقد قال أحمد بن عبيدالله ابن خاقان في حديثه الذي قدمناه: «لما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأي ضجة واحدة (مات ابن‌الرضا). و عطلت الاسواق، و ركب بنوهاشم و القواد و الكتاب و سائر الناس [ صفحه 131] الي جنازته، فكانت سر من رأي يومئذ شبيها بالقيامة». [311] .

هيبته

يحظي الامام العسكري عليه‌السلام بهيبة حقيقية فرضت نفسها علي الناس و سواهم من خلال اجتماع الملكات الروحانية و مقومات الصلاح و الاخلاص و الخلق الرفيع فيه عليه‌السلام. و قد جاء عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنه قال: «المؤمن يخشع له كل شي‌ء و يهابه كل شي‌ء» و قال صلي الله عليه و آله: «اذا كان مخلصا أخاف الله منه كل شي‌ء حتي هوام الأرض و السباع و طير الهواء». [312] فهذا حال المؤمن المخلص و درجته، فكيف اذا كان اماما معصوما و حجة علي الخلق؟ قال القطب الراوندي في صفة الامام العسكري: «... له بسالة تذل لها الملوك، و له هيبة تسخر له الحيوانات كما سخرت لآبائه عليهم‌السلام بتسخير الله لهم اياها، دلالة و علامة علي حجج الله، و له هيئة حسنة، تعظمه الخاصة و العامة اضطرارا، و يبجلونه و يقدرونه لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و صلاحه و اصلاحه...». [313] . من هنا فقد وصف أحد خدم الامام عليه‌السلام في حديث له، حضور الناس يوم ركوبه عليه‌السلام الي دار الخلافة في كل اثنين و خميس، بأن الشارع كان يغص [ صفحه 132] بالدواب و البغال و الحمير، بحيث لا يكون لأحد موضع قدم، و لا يستطيع أحد أن يدخل بينهم، فاذا جاء الامام عليه‌السلام هدأت الأصوات و سكنت الضجة و تفرقت البهائم و توسع له الطريق حين دخوله و خروجه. [314] . و قد امتدت آثار هيبته عليه‌السلام حتي الي ساجنيه، فكانوا يرتعدون خوفا و فزعا بمجرد أن ينظر اليهم، حيث قال بعض الاتراك الموكلون به في سجن صالح ابن وصيف: «ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، و لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا». [315] .

مكارم أخلاقه

اشاره

نأتي هنا الي ذكر مقومات تلك المنزلة و الهيبة التي تتمثل بالملكات القدسية و الخصال الروحانية التي اجتمعت في شخصه عليه‌السلام من العلم و العبادة و الزهد و الكرم و الشجاعة و غيرها من معالي الفضيلة و عناصر العظمة التي تحلي بها أهل هذا البيت عليهم‌السلام. و قد وصفه أبوه علي الهادي عليه‌السلام بقوله: «أبومحمد ابني أنصح آل محمد غريزة، و أوثقهم حجة... و هو الخلف، و اليه تنتهي عري الامامة و أحكامها». [316] . [ صفحه 133] و شهد له عليه‌السلام بخلال الفضل و معالي الأخلاق بعض المعاصرين له و غيرهم، و منهم وزير المعتمد عبيدالله بن يحيي بن خاقان (ت 263 ه) الذي وصفه فيما تقدم بالفضل و العفاف و الهدي و الزهد و العبادة و جميل الأخلاق و الصلاح و النبل. و ذكر ابن أبي‌الحديد عن أبي‌عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه) في تعداد صفاته و صفات آبائه المعصومين عليهم‌السلام قوله: «من الذي يعد من قريش أو من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق؛ كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك؟ فمنهم خلفاء، و منهم مرشحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا الي عشرة، و هم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام، و هذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب و لا من بيوت العجم». [317] . و ذلك لأنهم غرس النبي صلي الله عليه و آله و فرعه النامي، و منه استوحوا رساليته و روحانيته و أخلاقيته، و تجسدت فيهم شخصيته، فكانوا اختصارا لجميع عناصرها الأخلاقية، و الروحية و الانسانية، و صاروا رمزا للفضيلة و المروءة و قدوة صالحة للانسانية. قال قطب‌الدين الراوندي: «أما الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام، فقد كانت خلائقه كأخلاق رسول الله صلي الله عليه و آله... و كان جليلا نبيلا فاضلا كريما، يحتمل الأثقال و لا يتضعضع للنوائب... أخلاقه علي طريقة واحدة، خارقة [ صفحه 134] للعادة». [318] . و فيما يلي نذكر ما يسمح به المقام من مناقبه الفذة و خصاله الفريدة:

العلم

كان الامام العسكري عليه‌السلام أعلم أهل زمانه، و قد بدت عليه مظاهر العلم و المعرفة منذ حداثة سنه، فقد روي المؤرخون «أنه رآه بهلول [319] و هو صبي يبكي و الصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر علي ما في أيديهم، فقال: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال: ماللعب خلقنا. فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: للعلم و العبادة. فقال له: من أين لك هذا؟ قال: من قوله تعالي: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم الينا لا ترجعون) [320] ثم وعظه بأبيات من الشعر حتي خر مغشيا عليه». [321] . و شهد للامام عليه‌السلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع، و كان ألمع شخصية في علم الطب في عصره، فقد احتاج الامام عليه‌السلام الي طبيب فأرسل اليه [ صفحه 135] بختيشوع بعض تلامذته و أوصاه قائلا: «طلب مني ابن الرضا من يفصده، فصر اليه، و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به». [322] . و استطاع الامام عليه‌السلام بعلمه الذي لا يجاري و فكره الثاقب و نظره الصائب أن يكشف الحقائق و يظهر الدقائق، و من ذلك أن السلطة أخرجته من السجن بعد أن شك الناس في دينهم و صبوا الي دين النصرانية، لأن أحد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا، فكشف الامام عليه‌السلام عن حيلة الراهب الذي كان يخفي عظما لأحد الأنبياء عليهم‌السلام بين أصابعه، فأزال الشك عن قلوب الناس و هدأت الفتنة. [323] . قال الحر العاملي في ارجوزته: و في حديث الراهب النصراني معجزة من أوضح البرهان اذ كان في الحبس فصار جدب و كان سؤل المسلمين الخصب فخرجوا يدعون للاستسقا ثلاثة و الأرض ليس تسقي فخرج الراهب و النصاري يستمطرون الصيب المدرارا فجاءهم غيث غزير هاطل و كلما دعوا أجاب الوابل فافتتن الناس و راموا الردة لما رأوا من فرج و شدة فطلبوا الامام حتي خرجا ثم دعا الله فنال الفرجا و عندما أراد يدعو الراهب و قرب الغيث و فاز الطالب [ صفحه 136] أمر عبده الامام فأخذ من يده عظما فعندهما نبذ انقشع الغيم و زال المطر و زال عن دين الاله الخطر قال الامام انه عظم نبي فليس ما رأيتم بعجب اذ كلما أظهر للسماء أمطرت الغيث بلا دعاء [324] . و للامام عليه‌السلام رصيد علمي و عطاء معرفي علي صعيد ترسيخ أصول الاعتقاد و الأحكام و الشرائع، و التصدي لبعض الدعوات المنحرفة و الشبهات الباطلة، سنأتي الي ذكره في الفصل السادس باذن الله.

العبادة

كان دأب الامام العسكري عليه‌السلام التوجه الي الله تعالي و الانقطاع اليه في أحلك الظروف و أشدها، فقد كان يحيي الأيام التي أمضاها في السجن بالصيام و الصلاة و تلاوة القرآن علي رغم التضييق عليه. قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف: «أنه يصوم النهار و يقوم الليل كله لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة». [325] . و حينما أودع في سجن علي بن جرين، كان المعتمد يسأله عن أخباره في كل وقت، فيخبره أنه يصوم النهار و يصلي الليل. [326] . و كان عليه‌السلام معروفا بطول السجود، فقد روي عن أحد خدمه المعروف [ صفحه 137] بمحمد الشاكري أنه قال: «كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين و الهاشميين... كان يجلس في المحراب و يسجد، فأنام و انتبه و أنام و هو ساجد». [327] .

الزهد

كان الامام العسكري عليه‌السلام مثالا للزهد و الاعراض عن زخارف الدنيا و حطامها، و الرغبة فيما أعده الله له في دار الخلود من النعيم و الكرامة. قال كامل بن ابراهيم المدني، و هو أحد أصحابه عليه‌السلام: «لما دخلت علي سيدي أبي‌محمد عليه‌السلام نظرت الي ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: ولي الله و حجته يلبس الناعم من الثياب، و يأمرنا نحن بمواساة الاخوان و ينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسما: يا كامل - و حسر عن ذراعيه، فاذا مسح أسود خشن علي جلده - هذا لله و هذا لكم...». [328] . و جاء في حديث خادمه محمد الشاكري «أنه عليه‌السلام كان قليل الأكل، و كان يحضره التين و العنب و الخوخ و ما شاكله، فيأكل منه الواحدة و الثنتين، و يقول: شل هذا يا محمد الي صبيانك، فأقول: هذا كله؟ فيقول: خذه». [329] .

الكرم و السماحة

كان الامام العسكري عليه‌السلام معروفا بالسماحة و البذل، و هي خصلة بارزة في سيرته و سيرة آبائه المعصومين عليهم‌السلام. قال خادمه محمد الشاكري: «ما رأيت قط [ صفحه 138] اسدي منه». و قال الشيخ الطوسي: «كان عليه‌السلام مع امامته من أكرم الناس و أجودهم». [330] . و كان عليه‌السلام يحث أصحابه علي المعروف، فقد روي أبوهاشم الجعفري عنه عليه‌السلام أنه قال: «ان في الجنة بابا يقال له المعروف، لا يدخله الا أهل المعروف، قال: فحمدت الله تعالي في نفسي و فرحت بما أتكلف به من حوائج الناس، فنظر الي أبومحمد عليه‌السلام فقال: نعم فدم علي ما أنت عليه، فان أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أباهاشم و رحمك». [331] . و سجل الامام العسكري عليه‌السلام دورا بارزا في الانفاق و البذل في سبيل الله و اعانة المعوزين و الضعفاء من أبناء المجتمع الاسلامي آنذاك، رغم حالة الحصار و التضييق الذي مارسته السلطة ضده، و كان مصدر تلك العطاءات و المساعدات الاموال و الحقوق الشرعية التي تجلب اليه أو الي وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التي تحتوي علي قواعد شعبية تدين بامامته، و كان يسد بها حاجة ذوي الفاقة علي قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون اسراف في العطاء و البذل، فهو عليه‌السلام يقول: «ان للسخاء مقدارا، فان زاد عليه فهو سرف». [332] . و من جملة عطاءاته التي سجلتها كتب الحديث، أنه أعطي علي بن ابراهيم ابن موسي بن جعفر مائتي درهم للكسوة، و مائتي درهم للدين، و مائة درهم [ صفحه 139] للنفقة، و أعطي لابنه محمد بن علي بن ابراهيم مائة درهم في ثمن حمار، و مائة للكسوة، و مائة للنفقة. [333] . و شكا اليه أبوهاشم الجعفري الحاجة فأعطاه مرة خمسمائة دينار، و أرسل اليه مرة اخري مائة دينار حينما أخلي سبيله من السجن. [334] . و شكا اليه اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبدالله بن عباس الفاقة، و الحاجة، فأعطاه مائة دينار. [335] . و أعطي برذونه الكميت الي علي بن زيد بن علي بن الحسين بعد موت فرسه [336] ، و أكرمه مائة دينار في ثمن جارية بعد أن ماتت جاريته. [337] . و وهب حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين ثلاثمائة دينار، و كان مصابا بالشلل، علي رغم عدم قوله بامامته عليه‌السلام. [338] . و بعث الي عمرو بن أبي‌مسلم خمسين دينارا علي يد محمد بن سنان الصواف في ثمن جارية، [339] ، و غير ذلك كثير. [ صفحه 141]

عطاؤه العلمي

اشاره

علي رغم اقصاء الامام العسكري عليه‌السلام عن موقعه الريادي و القيادي، فقد استطاع أن ينهض بمهمته الرسالية، فكان له رصيد علمي و عطاء معرفي واسع، حيث واصل نشاط مدرسة آبائه المعصومين عليهم‌السلام من حيث المنهج و المصدر و المادة، و مهد لمدرسة الفقهاء و المحدثين من أصحابه التي سارت علي خطاها، فكان له دور بارز في رفد تلك المدرسة بالمادة العلمية اللازمة علي مختلف الأصعدة، سيما في مجال ترسيخ أصول الاعتقاد، و ايصال سنن جده المصطفي صلي الله عليه و آله الي الامة في أحلك الظروف و أقساها، و قد نسبت اليه بعض الآثار في هذا الاتجاه، كما أعد جيلا من الأصحاب الثقات الذين رفدوا الواقع الشيعي بمصادر يستقي منها العلم و مناهل تؤخذ منها المعرفة، و كان بعضها يعرض عليه لينال تصحيحه و توثيقه، و تصدي الامام عليه‌السلام لبعض الدعوات المنحرفة و الشبهات الباطلة التي تشكل موطن خطر علي الرسالة و بين زيفها و بطلانها، فأسهم في انقاذ الامة من حالة التعثر في مهاوي الضلال و الانحراف. و فيما يلي نقف عند بعض تلك العطاءات في المباحث التالية: [ صفحه 142]

دوره في ترسيخ العقائد الاسلامية

اشاره

نحاول هنا اثارة بعض الكلمات التي وردت عن الامام العسكري عليه‌السلام في شؤون العقيدة و الكلام، و ما يتصل بذلك من التمهيد لغيبة ولده الحجة المهدي عليه‌السلام، و ملاحظة بعض الأفكار المنحرفة لردها و تفنيدها، و كما يلي:

كلماته في التوحيد

ففي باب التوحيد لم يدع الامام عليه‌السلام مناسبة دون أن يوجه أصحابه الي التوحيد الخالص و التحذير من رواسب الشرك مهما دقت و صغرت، و من ذلك ما رواه أبوهاشم الجعفري قال: «سمعت أبامحمد عليه‌السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا اؤاخذ الا بهذا، فقلت في نفسي: ان هذا لهو الدقيق، ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شي‌ء». فكأن الامام عليه‌السلام عرف ما في نفسه، و هناك أحاديث كثيرة عنه و عن آبائه عليهم‌السلام تذكر أن بعض الناس كان يسمع الجواب من الامام و هو يفكر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث ان الملكة القدسية تجعله عليه‌السلام يعرف ما يضمرون من قبل أن يتحدثوا به. فقال عليه‌السلام: «يا أباهاشم، صدقت فالزم ما حدثت به نفسك، فان الاشراك في الناس أخفي من دبيب الذر علي الصفا في الليلة المظلمة، و من دبيب الذر علي المسح الأسود». [340] . و كان الجدل يدور في صفات الله تعالي منذ عهد الامام الباقر عليه‌السلام حتي عهد الامام العسكري عليه‌السلام، و لعل أبرز المسائل التي كانت مدار البحث و الجدل هي [ صفحه 143] مسألة الرؤية و التجسيم و التصوير، و كان منهج الائمة عليهم‌السلام هو أنهم يتحدثون بلغة القرآن و باسلوبه و بمفرداته في العقيدة، ليوجهوا الناس الي الأخذ بالعناوين الكبري في العقيدة من القرآن الكريم لا من غيره. فعن يعقوب بن اسحاق، قال: «كتبت الي أبي‌محمد عليه‌السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه؟ فوقع عليه‌السلام: يا أبايوسف، جل سيدي و مولاي و المنعم علي و علي آبائي أن يري». قال: و سألته: «هل رأي رسول الله صلي الله عليه و آله ربه؟ فوقع عليه‌السلام: ان الله تبارك و تعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب». [341] . و عن سهل بن زياد، قال: «كتب الي أبي‌محمد عليه‌السلام سنة خمس و خمسين و مائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد» و هذا يدل علي أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتي في أوساط اتباع أهل البيت عليهم‌السلام «فمنهم من يقول هو جسم، و منهم من يقول: هو صورة، فان رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه، فعلت متطولا علي عبدك؟» و العبودية هنا من باب التواضع. «فوقع بخطه عليه‌السلام: سألت عن التوحيد، و هذا منكم معزول، الله واحد أحد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، خالق و ليس بمخلوق، يخلق تبارك و تعالي ما يشاء من الأجسام و غير ذلك و ليس بجسم، و يصور ما يشاء و ليس بصورة جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو [ صفحه 144] لا غيره، ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير». [342] . فلقد أراد عليه‌السلام أن يقول للسائل بأن لا يستغرق في الجدل الكلامي عندما يتحدث عن الله سبحانه و تعالي، و لكن طلب اليه أن يقرأ كتاب الله فيما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها؛ لأن المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربه الا ما عرفه ربه، و الا فلا يمكن للعقل أن يدرك صفاته جل جلاله ذاتيا، فهو ليس بجسم لأنه خالق الأجسام، و هو ليس بصورة لأنه خالق الصورة و مبدعها. و عن أبي‌هاشم الجعفري، قال: «سأل محمد بن صالح الأرمني أبامحمد عليه‌السلام عن قول الله تعالي: (يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب) [343] فقال: هل يمحو الا ما كان، و هل يثبت الا ما لم يكن. فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول هشام: انه لا يعلم الشي‌ء حتي يكون. فنظر الي أبومحمد عليه‌السلام فقال: تعالي الجبار العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق اذ لا مخلوق، و الرب اذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه، فقلت: أشهد أنك ولي الله و حجته و القائم بقسطه، و أنك علي منهاج أميرالمؤمنين» [344] ، فلقد أكد أن المخلوقين يحتاجون الي معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أما الله سبحانه فهو الذي [ صفحه 145] يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.

كلماته في الامامة

أكد الامام العسكري عليه‌السلام في الكثير من كلماته علي فرض الولاية لأهل البيت عليهم‌السلام و ضرورة معرفتهم و التصديق بهم و التمسك بهديهم و أداء حقوقهم التي جعلها الله لهم، و لولا ذلك لا يستكمل المرء خصال الايمان. و من ذلك ما جاء في كتاب له عليه‌السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري: «... ان الله بمنه و رحمته لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم، بل برحمة منه - لا اله الا هو - عليكم، ليميز الخبيث من الطيب، و ليبتلي ما في صدوركم، و ليمحص ما في قلوبكم، لتسابقوا الي رحمة الله، و لتتفاضل منازلكم في جنته. ففرض عليكم الحج و العمرة و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة و الصوم و الولاية، و جعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض، و مفتاحا الي سبيله، لولا محمد صلي الله عليه و آله و الأوصياء من ولده لكنتم حياري كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض، و هل تدخل مدينة الا من بابها، فلما من عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم، قال الله في كتابه: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [345] و فرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم و أموالكم و مآكلكم و مشاربكم، قال الله تعالي: (قل لا أسألكم [ صفحه 146] عليه أجرا الا المودة في القربي) [346] [347] . و في حديث أبي‌هاشم الجعفري: «أن الامام العسكري عليه‌السلام قال له مبينا منزلة أهل البيت عليهم‌السلام:... ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله، و من أنكرهم أنكر الله، و لا يكون مؤمنا حتي يكون لولايتهم مصدقا، و بمعرفتهم موقنا». [348] . قال أبوهاشم: «و قلت في نفسي: اللهم اجعلني في حزبك و في زمرتك. فأقبل علي أبومحمد عليه‌السلام فقال: أنت في حزبه و في زمرته ان كنت بالله مؤمنا و لرسوله مصدقا، و بأوليائه عارفا، و لهم تابعا، فابشر ثم أبشر» [349] ، فالانتماء الي حزب الله ليس مجرد دعوي، بل هو ارتباط عقائدي و منهج سلوكي يقتضي الايمان بالله و التصديق برسوله صلي الله عليه و آله و معرفة أوليائه، و بذلك حدد عليه‌السلام مبدأ الولاية لله و للرسول صلي الله عليه و آله و لعترته الطاهرة. و في حديث آخر عن الحسن بن ظريف بين فيه الامام العسكري عليه‌السلام المصداق البارز لحزب الله عند اختلاف الكلمة، قال: «كتبت الي أبي‌محمد عليه‌السلام أسأله: ما معني قول رسول الله صلي الله عليه و اله لأميرالمؤمنين عليه‌السلام: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أراد بذلك أن جعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة». [350] . [ صفحه 147] و جاء في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان عنه عليه‌السلام في هذا السياق ما يؤكد فضل أهل البيت عليهم‌السلام و وجوب ولايتهم، قال: «روي أنه وجد بخط مولانا أبي محمد العسكري عليه‌السلام:... فنحن السنام الأعظم، و فينا النبوة و الولاية و الكرم، و نحن منار الهدي و العروة الوثقي، و الأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا، و يقتفون آثارنا، و سيظهر حجة الله علي الخلق بالسيف المسلول لاظهار الحق...». [351] . و في كتاب آخر له عليه‌السلام الي محمد بن الحسن بن شمون: «... نحن كهف لمن التجأ الينا، و نور لمن استبصر بنا، و عصمة لمن اعتصم بنا، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلي، و من انحرف عنا فالي النار». [352] .

التمهيد لغيبة ولده الحجة

اشاره

سار الامام العسكري عليه‌السلام علي خطي أبيه عليه‌السلام في التخطيط لمستقبل الامامة و التحضير لزمان الغيبة بتهيئة المقدمات الضرورية للانتقال من مرحلة الامامة الظاهرة الي الامامة الغائبة، و تعويد الشيعة علي ذلك فكرا و سلوكا. و كانت المهمة التي نهض بها الامام العسكري عليه‌السلام في هذا السبيل صعبة للغاية؛ ذلك لأنه والد الامام الثاني عشر عليه‌السلام و يقع عليه العب‌ء الأكبر في ترسيخ مبدأ الغيبة التي بدأت تباشيرها و أوشك زمانها في وقت عصيب عملت فيه السلطة الحاكمة علي عزل الامام عليه‌السلام عن أصحابه و مواليه و شددت الرقابة عليه، و وقفت ضده و ضد فكرة الغيبة بالذات، سيما و أنهم يدركون أنه قد آن [ صفحه 148] أوانها و أن الامام الثاني عشر علي و شك الولادة، مما يهدد كيانهم و يقض مضاجعهم، فالتبليغ في هذا الاتجاه يعتبر في منطق السلطة خروجا و تحديا يستحق أقصي العقاب. لكن مع ذلك استطاع امامنا الممتحن الصابر عليه‌السلام أن ينهض بهذه المهمة العسيرة بكل جدارة و قوة، فعمل علي تأصيل هذا المبدأ العقائدي الذي هو من صميم الدين و ضرورياته في نفوس أصحابه، للحفاظ علي خطهم الرسالي من الضياع و الانهيار و التحذير من الاختلاف و الفرقة و غيرها من التداعيات المحتملة للفترة الانتقالية من الظهور الي الغيبة، كما استطاع أن يتخذ تدابير الحيطة و السرية للحفاظ علي حياة ولده الحجة عليه‌السلام من براثن السلطة و أدوات رقابتها و قمعها. من هنا يمكن تلخيص نشاط الامام العسكري عليه‌السلام في هذا الاتجاه بما يلي:

التمهيد العملي للغيبة

من البديهي أنه لوغاب الامام الحجة عليه‌السلام عن شيعته، و أوكل ادارة امورهم ابتداء الي القيم أو السفير الذي يعينه لأداء هذه المهمة، لكان ذلك مدعاة للاستغراب، و لتولد عنه مضاعفات و نتائج غير محمودة. من هنا فقد اتخذ الامام العسكري عليه‌السلام و من قبله أبوه عليه‌السلام اسلوبا شبيها بمنهج الامام المهدي عليه‌السلام في الاحتجاب عن الناس و ايكال أمر تبليغ الأحكام و قبض الحقوق المالية و ايصال التواقيع الصادرة عن الامام الي الوكلاء الذين يختارهم من خاصة أصحابه، لغرض تهيئة الذهنية العامة كي تستسيغ هذا الاسلوب و يحسن تقبلها له. [ صفحه 149] قال المسعودي في أواخر (اثبات الوصية): «روي أن أباالحسن صاحب العسكر عليه‌السلام احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه، فلما أفضي الأمر الي أبي‌محمد عليه‌السلام كان يكلم شيعته الخواص و غيرهم من وراء الستر الا في الأوقات التي يركب فيها الي دار السلطان، و ان ذلك انما كان منه و من أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان عليه‌السلام لتألف الشيعة ذلك، و لا تنكر الغيبة، و تجري العادة بالاحتجاب و الاستتار». [353] . و حينما يطغي اسلوب الاحتجاب علي معظم حياة الامام عليه‌السلام، يكون اتخاذ نظام الوكلاء ألزم و أقرب، و كان هذا النظام - أي نظام الوكلاء - معمولا به حتي قبل الامامين العسكريين عليهماالسلام لأنه يحقق ارتباط الأئمة عليهم‌السلام بالبلاد البعيدة ذات القواعد الموالية لهم عليهم‌السلام، لكنه أصبح ظاهرة ملموسة تمارسها حتي القواعد القريبة خلال امامة العسكريين عليهماالسلام. و كان من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الامام العسكري عليه‌السلام للنهوض بهذا الأمر: ابراهيم بن عبدة النيسابوري، و أحمد بن اسحاق الأشعري، و أيوب بن نوح بن دراج، و جعفر بن سهيل الصيقل، و حفص بن عمرو العمري، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري، و علي بن جعفر الهماني، و القاسم بن العلاء الهمداني، و محمد بن أحمد بن جعفر القمي، و أبوجعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، و محمد بن صالح بن محمد الهمداني و غيرهم. و يمكن القول ان وكالة عثمان بن سعيد للامام العسكري عليه‌السلام كانت بمثابة التمهيد للسفارة المهدوية؛ لأن عثمان بن سعيد كان السفير الأول للامام [ صفحه 150] الحجة عليه‌السلام، و ذلك مما يزيد من ثقة الشيعة به، سيما و انه منصوص علي ثقته و أمانته و عدالته و صلاحه لهذا الأمر من قبل الامامين العسكريين عليهماالسلام. [354] . و كانت أداة الامام عليه‌السلام في الاتصال بشيعته هي المكاتبات و التواقيع التي يتحمل الوكيل العب‌ء الأكبر في ايصالها من والي الامام، فكان الأصحاب يكتبون الي الامام عليه‌السلام بعض المسائل التي تشكل عليهم في امور دينهم و دنياهم، و الامام عليه‌السلام يجيب عليها عن طريق التواقيع. و قد تفشي هذا الاسلوب حتي اتخذت المكاتبات و التواقيع حيزا واسعا في تراث الامامين العسكريين، و بلغت من الكثرة بحيث أصبحت مادة للجمع و التأليف من قبل بعض الأصحاب المعاصرين للعسكريين عليهماالسلام، و منهم: عبدالله بن جعفر الحميري، الذي صنف (مسائل الرجال و مكاتباتهم أباالحسن الثالث عليه‌السلام) و (مسائل لأبي محمد الحسن عليه‌السلام علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل أبي‌محمد و توقيعاته) [355] و علي بن جعفر الهماني البرمكي، و له (مسائل لأبي الحسن عليه‌السلام) [356] ، و محمد بن الحسن الصفار ت 290 ه، و له (مسائل كتب بها الي أبي‌محمد الحسن العسكري عليه‌السلام) [357] ، و محمد بن الريان بن الصلت الأشعري، و له (مسائل لأبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام) [358] ، و محمد بن سليمان ابن الحسن الزراري، و له (مسائل و جوابات لأبي محمد الحسن [ صفحه 151] العسكري عليه‌السلام) [359] ، و محمد بن علي بن عيسي القمي، و له (مسائل لأبي محمد العسكري عليه‌السلام) [360] و غيرهم. و صفوة القول ان الامام العسكري عليه‌السلام استطاع من خلال التخطيط للارتباط به عن طريق الوكلاء، أن يمهد لنفس الأسلوب الذي اعتمده ولده الامام المهدي عليه‌السلام خلال غيبته الصغري (260 - 329 ه) و بذلك اعتاد الشيعة هذا الأمر و تقبلوه بشكل تدريجي يزيح معه كل عوامل الارتياب و الشك، و هكذا كانت غيبة الامام الصغري أيضا تمهيدا للغيبة الكبري التي أمر الامام عليه‌السلام شيعته بالرجوع الي رواة حديثهم و اتباع الفقهاء العدول من أتباع مدرستهم.

النص علي ولده المهدي و عرضه علي أصحابه

اشاره

و هذا الأمر يتطلب المزيد من الحذر و الحزم و الموازنة بين نقيضين؛ الأول يتطلب عرض الامام المهدي عليه‌السلام علي أصحابه للتأكد من ولادته و الاشهاد عليها و اثبات النص عليه، و الثاني يتطلب اخفاء ولادته و التكتم علس شخصه خشية من السلطة التي كانت مستعدة لبذل مختلف وسائل الاغراء و التهديد في سبيل القبض عليه. و قد استطاع الامام العسكري عليه‌السلام الموازنة بين الأمرين متحريا الحيطة و الدقة، متبعا أقصي درجات السرية و الكتمان، حيث حدثت الولادة المباركة في النصف من شعبان سنة 255 ه، و جهد الامام العسكري عليه‌السلام خلال السنوات [ صفحه 152] الخمس التي قضاها مع ابنه المهدي عليه‌السلام من أجل اخفاء ولادته و اسمه و مكانه و سائر اموره عن أسماع السلطة و مراقبة عيونها. فمن أساليب الكتمان أنه عليه‌السلام لم يعق عن ابنه عليه‌السلام في داره، بل أوصي أحد أصحابه لأداء هذه المهمة، و قد روي أنه أمر أباعمرو عثمان بن سعيد أن يعق عنه بكذا و كذا شاة [361] ، كما روي أنه عليه‌السلام وجه الي ابراهيم بن ادريس بكبشين، و كتب اليه «عق هذين الكبشين عن مولاك، و كل هنأك الله، و أطعم اخوانك». [362] . أما من حيث تبليغ أصحابه بالولادة أو النص، فمن الطبيعي أنهم يختلفون في مقدار ضبطهم و صمودهم أمام وسائل الاغراء و التهديد من قبل الجهاز الحاكم، لهذا اختار الامام العسكري عليه‌السلام من أصحابه الأشخاص الذين يتوقع منهم صلابة الارادة و قوة الايمان و عمق الاخلاص، و حملهم أمانة الوصية و مسؤولية النص علي ولده الحجة عليه‌السلام بعد عرضه عليهم. ورد في الحديث أنه عليه‌السلام كان يتخير لهذه المهمة الأقرب لقرابته و الأولي لولايته و ذوي الكرامة عندالله سبحانه، و مع ذلك يأخذ عليهم بالكتمان و يوصيهم بالستر و السرية. ففي كتاب له عليه‌السلام بخطه بعثه الي أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري، جاء فيه: «ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورا، و عن جميع الناس مكتوما، فانا [ صفحه 153] لم نظهر عليه الا الأقرب لقرابته و الولي لولايته...». [363] . و جاء في حديث آخر: «يا أحمد بن اسحاق، لولا كرامتك علي الله عز و جل و علي حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، انه سمي رسول الله صلي الله عليه و آله و كنيه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما». الي أن قال: «يا أحمد بن اسحاق هذا أمر من أمر الله، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك و اكتمه، و كن من الشاكرين تكن معنا في عليين». [364] . و يمكن القول ان اسلوب الاحتجاب الذي اعتمده الامام عليه‌السلام ساعد كثيرا علي اخفاء الولادة المباركة، فضلا عن انشغال الدولة آنذاك بحوادث كبري أشرنا اليها في الفصل الأول، كان علي رأسها ثورة صاحب الزنج و حركات يعقوب بن الليث الصفار و بعض الخوارج الشراة و غيرهم، مما شغل الدولة عن الالتفات الي الولادة، و فوق ذلك كله القدرة علي الاستتار عن الانظار التي حباها الله لوليه الحجة بن الحسن عليه‌السلام، فكان مثله في هذه الامة مثل الخضر عليه‌السلام و مثل ذي القرنين، كما جاء في كثير من الروايات التي تحدثت عن صفة القائم المهدي عليه‌السلام. كل ذلك جعل السلطة تسقط اسم الحجة عليه‌السلام من حسابها القانوني علي الأقل، كما ورد علي لسان أوثق أصحاب الامام عليه‌السلام، و هو أبوعمرو عثمان [ صفحه 154] ابن سعيد العمري حينما سأله عبدالله بن جعفر الحميري عن اسم الامام عليه‌السلام فقال: «اياك أن تبحث عن هذا، فان عند القوم أن هذا النسل قد انقطع». [365] . و في حديث آخر عنه أيضال قال الحميري: «قلت: فالاسم؟ قال العمري: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، و لا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل و لا احرم، و لكن عنه عليه‌السلام، فان الأمر عند السلطان أن أبامحمد عليه‌السلام مضي و لم يخلف ولدا، و قسم ميراثه، و أخذه من لا حق له فيه، و هو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف اليهم أو ينيلهم شيئا، و اذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله و أمسكوا عن ذلك». [366] . و تحريم السؤال عن الاسم الوارد في هذا الحديث هو من أساليب الكتمان التي انتهجها الامام العسكري عليه‌السلام لاخفاء ولده، لأن الاسم يدل علي المسمي، فاذا أشير الي المسمي وقع الطلب عليه، و لعل التحريم كان للتقية و يقتصر علي تلك الفترة التي اشتد الطلب بها علي الامام الثاني عشر عليه‌السلام و كثر السؤال عنه، كما ذكر بعض الأعلام، [367] . [ صفحه 155] و الا فانه عليه‌السلام معلوم الاسم و الكنية منذ زمن الرسول صلي الله عليه و آله و أصحابه. ثم ان اشارة العمري رضي الله عنه الي تقسيم الميراث، هي دلالة واضحة علي أن السلطة قد غضت النظر عن الامام الحجة عليه‌السلام و لو في حساباتها القانونية الآنية، و ثبت ذلك عند القاضي، كما جاء في حديث أحمد بن عبيدالله بن خاقان، و هو من رجال السلطة، قال: «فلما دفن - أي الامام العسكري عليه‌السلام - و تفرق الناس، اضطرب السلطان و أصحابه في طلب ولده، و كثر التفتيش في المنازل و الدور، و توقفوا علي قسمة ميراثه، و لم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتي تبين لهم بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين امه و أخيه جعفر، و ادعت امه وصيته، و ثبت ذلك عند القاضي...». [368] . علي أن السلطة لم تغض النظر علي المدي البعيد، بل يبقي هاجس الخوف يساورها الي ما بعد 18 سنة من شهادة الامام العسكري عليه‌السلام، كما جاء في مجلس أحمد بن عبيدالله بن خاقان الذي عقده في شعبان سنة 278 ه حينما كان عاملا من قبل السلطان علي الخراج و الضياع في قم، و جاء في آخر المجلس: «والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليه‌السلام حتي اليوم» [369] و قوي الشر الي اليوم ما انفكت تخشي من اسم المهدي و من حكومته الموعودة في يوم الخلاص و الانعتاق من الظلم و الجور الذي غطي أنحاء الأرض. و مهما يكن فان الامام العسكري عليه‌السلام استطاع أداء التكليف المتعلق به، و هو التبليغ لولده الحجة عليه‌السلام بعرضه علي أصحابه و الاشهاد علي ولادته و النص [ صفحه 156] عليه، بالقدر الذي تقوم به الحجة علي الناس مع الضمان الكامل لنجاته من تطلب الجهاز الحاكم، و فيما يلي نقتصر علي ذكر الأشخاص الذين حملهم الامام العسكري عليه‌السلام مسؤولية حفظ النص علي ولده بالامامة، أو اولئك الذين أثبت عليم الحجة قولا و عملا بعرض ولده المهدي عليه‌السلام عليهم، دون أن نذكر الأحاديث بلفظها كي لا يطول بنا المقام.

رواة النص عن الامام العسكري

لابد من الاشارة أولا الي أن النص علي ظهور الامام المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان جاء في تراث المسلمين متواترا عن النبي صلي الله عليه و آله و قد أثبته مؤلفو الصحاح و المسانيد [370] ، كما روي النص علي الامام المهدي عليه‌السلام و كونه ابن الحسن العسكري عليه‌السلام و أنه الثاني عشر من أئمة أهل البيت المعصومين، جملة أصحاب الأئمة عليهم‌السلام جيلا بعد جيل حتي أصبح الاعتقاد بالغيبة من ضروريات مذهب التشيع، فكان كل واحد من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام يؤدي دوره الكافي في هذا الاطار، لتوعية الناس و ارشادهم الي هذه العقيدة الكبري، كما صرحوا بصفات الامام الغائب قبل ولادته، فأخبروا عن كونه ابن سيدة الاماء، و أنه خفي الولادة معروف النسب، و أن الناس لا يرون شخصه و لا يحل لهم ذكره باسمه، و أخبروا عن غيبته قبل وقوعها، و أن له غيبتين احداهما أطول من الأخري، و أنه الامام المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطا [ صفحه 157] و عدلا كما ملئت جورا و ظلما [371] ، الي غير ذلك من الصفات التي لا تنطبق الا علي الامام محمد بن الحسن المهدي عليه‌السلام. و جاء دور الامام العسكري عليه‌السلام ليقع عليه العب‌ء الأكبر في هذا المجال،، باعتباره الوالد المباشر للامام الحجة عليه‌السلام، فصرح لبعض أصحابه كما ذكرنا، و في فترات متفاوتة من أول الولادة المباركة حتي قبل مضيه بأيام قلائل، بكون ولده محمد عليه‌السلام هو الامام من بعده و الخليفة علي أصحابه، و من بين الذين سمعوا النص عنه عليه‌السلام: أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري، و أحمد بن محمد بن عبدالله، و أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري، و عمرو الأهوازي، و أبوغانم الخادم، و محمد بن أيوب بن نوح، و محمد بن عثمان العمري، و محمد بن علي بن بلال، و معاوية بن حكيم، و موسي بن جعفر بن [ صفحه 158] و هب، و يعقوب بن منقوش و غيرهم. [372] .

الذين رأوا الامام المهدي في حياة أبيه

و عرض الامام العسكري عليه‌السلام ولده علي بعض أصحابه الذين تقدم ذكرهم و غيرهم من خدم الدار، ليكون أبلغ في تأكيد الحجة و تبليغ النص، فتشرف بعضهم برؤيته في يومه الأول، و بعضهم في اليوم الثالث، و بعضهم حينما بلغ السنة الثالثة أو الخامسة من عمره الشريف، و كان من بينهم: أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري الذي رآه في سنته الثالثة، و حكيمة ابنة الامام محمد الجواد عليه‌السلام و هي عمة أبيه الامام الحسن العسكري عليه‌السلام و كانت قابلته، و حمزة بن أبي الفتح، و حمزة بن نصر غلام أبي‌الحسن عليه‌السلام، و أبونصر ظريف الخادم، و جارية أبي‌علي الخيزراني، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري، و عمرو الأهوازي، و أبوغانم الخادم، و كامل بن ابراهيم المدني، و مارية و نسيم و كانتا [ صفحه 159] من خدم الدار، و يعقوب بن منقوش رآه حينما كان خماسيا. [373] . و عرضه عليه‌السلام قبل مضية بأيام قلائل علي أربعين من أصحابه منهم: معاوية ابن حكيم، و محمد بن أيوب بن نوح، و محمد بن عثمان العمري، قائلا لهم: «هذا امامكم من بعدي و خليفتي عليكم، أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما انكم لا ترونه بعد يومكم هذا...». [374] .

بيان التكليف في زمان الغيبة

سبق عن النبي المصطفي صلي الله عليه و آله و أهل بيته المعصومين عليهم‌السلام في أحاديث كثيرة [375] التأكيد علي الغيبة و حتمية تحققها و ضرورة الايمان بها، و كونها سببا للابتلاء و التمحيص و الحيرة، مما يتطلب مستوي عاليا من الصبر و انتظار الفرج، للثبات علي الدين، و تقوية نوازع الاخلاص و الاستقامة و قوة الارادة رجاء اليوم الموعود بظهور المصلح و الاستخلاف في الأرض و تأسيس دولة الحق في آخر الزمان. [ صفحه 160] و سار الامام العسكري عليه‌السلام في ذلك علي خطي آبائه عليهم‌السلام، و يمكن تلخيص دوره في هذا الاتجاه بالنقاط التالية: أ) معرفة الحجة رغم طول الغيبة و الحيرة، ففي حديث محمد بن عثمان العمري، قال: «سمعت أبي يقول: سئل أبومحمد الحسن بن علي عليه‌السلام و أنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم‌السلام: أن الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه الي يوم القيامة، و أن من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. فقال عليه‌السلام: ان هذا حق كما أن النهار حق. فقيل له: يابن رسول الله، فمن الحجة و الامام بعدك؟ فقال: ابني محمد، هو الامام و الحجة بعدي من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما ان له غيبة يحار فيها الجاهلون، و يهلك فيها المبطلون، و يكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر الي الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة». [376] . و في حديث الحسن بن محمد بن صالح البزاز، قال: «سمعت الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام يقول: ان ابني هو القائم من بعدي، و هو الذي تجري فيه سنن الأنبياء عليهم‌السلام بالتعمير و الغيبة حتي تقسو القلوب لطول الأمد، فلا يثبت علي القول به الا من كتب الله عز و جل في قلبه الايمان و أيده بروح منه». [377] . ب) التحذير من الاختلاف و الشك و الدعوة الي الثبات علي الدين، كما جاء في الحديث الذي قدمناه آنفا «و لا تتفرقوا من بعدي في أديانكم [ صفحه 161] فتهلكوا». [378] . و حذر الامام العسكري عليه‌السلام في أكثر من مناسبة أصحابه من أن تميل بهم الأهواء أو تعصف بقلوبهم الفتن لطول الغيبة و شدة الريبة، و أكد علي ضرورة التمسك بالامام من بعده و طاعته، كما ورد في حديث موسي بن جعفر بن وهب البغدادي، قال: «سمعت أبامحمد الحسن بن علي عليه‌السلام يقول: كأني بكم و قد اختلفتم بعدي في الخلف مني، أما ان المقر بالأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله المنكر لولدي، كمن أقر بجميع أنبياء الله و رسله ثم أنكر نبوة رسول الله صلي الله عليه و آله، و المنكر لرسول الله صلي الله عليه و آله كمن أنكر جميع أنبياء الله؛ لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا، و المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا، أما ان لولدي غيبة يرتاب فيها الناس الا من عصمه الله عز و جل». [379] . و رغم هذا فقد اختلف ذوي الريب بعد شهادة الامام العسكري عليه‌السلام كما ورد في أول الحديث، و لم يثبت علي الحق الا ثلة مؤيدة برحمة الله و لطفه و عنايته، كان لها الأثر في حفظ الدين و سلامة المنهج، و توقع الامام العسكري عليه‌السلام ذلك حتي أنه حدد تاريخه بالضبط، كما في حديث أبي غانم، قال: «سمعت أبامحمد الحسن بن علي عليه‌السلام يقول: في سنة مائتين و ستين تفترق شيعتي. قال: ففيها قبض أبومحمد عليه‌السلام و تفرقت الشيعة و أنصاره، فمنهم من انتمي الي جعفر، و منهم من تاه، و منهم من شك، و منهم من وقف علي تحيره، [ صفحه 162] و منهم من ثبت علي دينه بتوفيق الله عز و جل» [380] فكان لتحذير الامام عليه‌السلام من الفرقة و تأكيده علي التمسك بولاية الحجة عليه‌السلام، دور فاعل في حفظ الدين و سلامة العقيدة من الزيغ. ج) التأكيد علي الصبر و انتظار الفرج في أيام الغيبة لربط الامة بقائدها المنتظر حتي يأذن الله بظهور دولته و انطلاق دعوته، و من ذلك ما كتبه الامام العسكري عليه‌السلام الي أبي‌الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي: «عليك بالصبر و انتظار الفرج، قال النبي صلي الله عليه و آله: أفضل أعمال امتي انتظار الفرج، و لا تزال شيعتنا في حزن حتي يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، فاصبر يا شيخي يا أباالحسن علي، و أمر جميع شيعتي بالصبر، فان لأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين...». [381] .

رد الشبهات و ملاحقة الأفكار المنحرفة

هناك الكثير من الأخبار التي تدل علي أن الامام العسكري عليه‌السلام كان يتابع بدقة ما يجري علي الساحة الفكرية، فيلاحق الأفكار المنحرفة و الشبهات التي تطرح هنا و هناك في مواجهة الفكر الاسلامي الأصيل، خصوصا تلك التي تعمد الي تهديم الاسس الاسلامية علي المستوي العقائدي أو الفقهي، فكان يواجهها بالحجة و الاسلوب العلمي و الجدل الموضوعي. [ صفحه 163] أ - من ذلك ما نقله ابن‌شهرآشوب عن أبي‌القاسم الكوفي في كتاب التبديل: أن اسحاق الكندي [382] ، كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن، و شغل نفسه بذلك، و تفرد به في منزله، فسلط الامام عليه‌السلام عليه أحد طلابه بكلام قاله له، مما جعله يتوب و يحرق أوراقه. و ملخص الفكرة التي أبداها الامام عليه‌السلام للتلميذ، هي احتمال أن يكون المراد بالآيات القرآنية غير المعاني التي فهمها و ذهب اليها، باعتبار أن اللغة العربية مرنة متحركة، فقد يفهم بعض الناس الكلام علي أنه الحقيقة و هو من المجاز، و قد يفهم أن المراد هو المعني اللغوي و المقصود هو المعني الكنائي. و طلب الامام عليه‌السلام من تلميذ الكندي أن يتلطف في مؤانسة استاذه قبل القاء الاحتمال، و وصفه عليه‌السلام بقوله: «انه رجل يفهم اذا سمع». فصار التلميذ الي الكندي، و ألقي اليه ذلك الاحتمال، فتفكر في نفسه، و رأي أن ذلك محتمل في اللغة، و سائغ في النظر. فقال: «أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك هذا؟ فقال: انه شي‌ء عرض بقلبي فأوردته عليك. فقال: كلا، ما مثلك من اهتدي الي هذا، و لا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبومحمد. فقال: الآن جئت به، و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت. ثم انه دعا بالنار و أحرق [ صفحه 164] جميع ما كان ألفه» [383] . و في هذا الخبر دلالات مهمة جديرة بالذكر: 1- ان الامام الحسن العسكري عليه‌السلام كان يتابع حركة الثقافة في زمانه، و كان يتحرك علي كل الاتجاهات المضادة التي تنطلق في مواجهة الاسلام، فلم يكن خارج نطاق الواقع الثقافي، و هذا ينطلق من مسؤولية الامام عن تصحيح المسار الاسلامي في كل ما يمكن أن يعرض عليه من الانحرافات. 2- يستوحي من هذه القصة أنك عندما تريد أن تحاور انسانا و تجادله، فلا يكن العنف سبيلك الي ذلك، و لا يكن القلب القاسي و سيلتك الي الانفتاح عليه، بل حاول أن تتلطف به أولا و أن تؤانسه ثانيا، حاول أن تربح قلبه قبل أن تخاطب عقله، لأن أقرب طريق الي عقل الانسان هو قلبه. 3- الاسلوب الذي اتبعه الامام عليه‌السلام في مخاطبة هذا العالم هو الانفتاح علي علمه و تفكيره، حيث ألقي اليه الفكرة علي سبيل الاحتمال ليدفعه الي التأمل. 4- ان قول الكندي «لقد علمت أنه لا يخرج هذا الا من أهل هذا البيت» يدل علي الثقة العلمية العالية التي كان يحملها الفلاسفة و المثقفون في علم أهل البيت عليهم‌السلام، مما يوحي أنهم كانوا قد بلغوا القمة في العلم حتي خضع الآخرون لعلمهم، و انحنوا لهذا المستوي الكبير من الثقافة. ب - و هناك حديث آخر يحاول الامام العسكري عليه‌السلام أن يرد فيه بعض الشبهات، رواه ثقة الاسلام الكليني باسناده عن اسحاق بن محمد النخعي، قال: «سأل الفهفكي أبامحمد عليه‌السلام: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما [ صفحه 165] واحدا و يأخذ الرجل سهمين؟ فقال أبومحمد عليه‌السلام: ان المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا عليها معقلة، انما ذلك علي الرجال، فقلت في نفسي: قد كان قيل لي: ان ابن أبي‌العوجاء سأل أباعبدالله عليه‌السلام عن هذة المسألة، فأجابه بهذا الجواب، فأقبل أبومحمد عليه‌السلام علي. فقال: نعم، هذه المسألة مسألة ابن أبي‌العوجاء، و الجواب منا واحد اذا كان معني المسألة واحدا، جري لآخرنا ماجري لأولنا، و أولنا و آخرنا في العلم سواء، و لرسول الله صلي الله عليه و آله و أميرالمؤمنين عليه‌السلام فضلهما». [384] . ج - لقد اثيرث مسألة خلق القرآن منذ زمان المأمون، و انقسم العلماء فيها الي قسمين، فمنهم من قال بقدم كلام الله سبحانه، و منهم من قال بحدوثه، مما أدي الي خلق فتنة و محنة راح ضحيتها الكثير من الأعلام، و كان جواب الأئمة عليهم‌السلام المعاصرين لتلك المحنة واضحا، يقوم علي أساس التفريق بين كلام الله تعالي و بين علمه، فكلامه تعالي محدث و ليس بقديم، قال تعالي: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) [385] ، و أما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة، و هو من الصفات التي هي عين ذاته. و نري بعض امتدادات هذه المسألة في زمان الامام العسكري عليه‌السلام، فقد روي عن أبي‌هاشم الجعفري أنه قال: «فكرت في نفسي، فقلت: أشتهي أن أعلم ما يقول أبومحمد عليه‌السلام في القرآن؟ فبدأني و قال: الله خالق كل شي‌ء، و ما [ صفحه 166] سواه و فهو مخلوق». [386] . د - تقدمت الاشارة الي أن الامام العسكري عليه‌السلام تصدي لكشف واحد من أهم وسائل التموية و التلبيس علي أذهان العامة، حين حاول أحد الرهبان تضليل العقول الضعيفة و تشكيكهم في دينهم، فكشف الامام عليه‌السلام زيف ذلك الراهب و كذبه و بين وسائل تمويهه، و ذلك في حادثة الاستسقاء الشهيرة التي تواطأت علي نقلها الكثير من المصادر. [387] . ه - تصدي الامام العسكري عليه‌السلام لبعض الاتجاهات العقائدية المنحرفة و الفرق الضالة و منهم الغلاة الذين كانوا في زمانه، و هم الذين خرجوا عن الجادة و وصفوا الأئمة عليهم‌السلام بصفات الالوهية، فتبرأ أهل البيت عليهم‌السلام منهم و لعنوهم و حاربوا مقالاتهم الباطلة. و من هؤلاء ادريس بن زياد الكفر توثائي، قال: «كنت أقول فيهم قولا عظيما، فخرجت الي العسكر للقاء أبي‌محمد عليه‌السلام، فقدمت و علي أثر السفر و وعثاؤه، فألقيت نفسي علي دكان حمام فذهب بي النوم، فما انتبهت الا بمقرعة أبي‌محمد عليه‌السلام قد قرعني بها حتي استيقظت، فعرفته فقمت قائما اقبل قدميه و فخده و هو راكب و الغلمان من حوله، فكان أول ما تلقاني به أن قال: يا ادريس (بل عباد مكرمون - لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون) [388] فقلت: حسبي يا مولاي، و انما جئت أسألك عن هذا. قال: [ صفحه 167] فتركني و مضي». [389] . و يبدو من بعض الأخبار أن الامام العسكري عليه‌السلام كان لا يترحم علي الغلاة و لو كانوا من الوالدين، و ذلك لكي يؤدب أصحابه للوقوف بشدة ضد هذه النزعة الهدامة، فقد نقل الحميري في الدلائل عن أبي‌سهل البلخي، قال: «كتب رجل الي أبي‌محمد يسأله الدعاء، لوالديه، و كانت الام غالية، و الأب مؤمنا، فوقع عليه‌السلام: رحم الله والدك». [390] . و من هؤلاء أيضا الواقفة، و هم الذين وقفوا علي الامام الكاظم عليه‌السلام بسبب بعض النوازع المادية، حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المالية في وقت كان فيه الامام عليه‌السلام في سجن الرشيد، فطمعوا فيها و ادعوا بعد شهادة الامام عليه‌السلام أنه حي لم يمت، و اصبح الوقف تيارا فكريا يتبناه بعض من لم تترسخ لديه مبادئ العقيدة الحقة، فيقف عند بعض الأئمة عليهم‌السلام. و قد صرح الامام العسكري عليه‌السلام بالبراءة منهم، و دعا أصحابه الي أن لا يعودوا مرضاهم و لا يشهدوا جنائزهم و لا يصلوا عليهم. و منه ما رواه الاربلي و القطب الراوندي بالاسناد عن أحمد بن محمد بن مطهر، قال: «كتب بعض أصحابنا الي أبي‌محمد عليه‌السلام من أهل الجبل، يسأله عمن وقف علي أبي‌الحسن موسي عليه‌السلام أتولاهم أم أتبرأ منهم؟ فكتب عليه‌السلام: أتترحم علي عمك؟ لا رحم الله عمك. و تبرأ منه، أنا الي الله منهم بري‌ء، فلا تتولاهم، و لا تعد مرضاهم، و لا تشهد جنائزهم، و لا تصل علي أحد منهم [ صفحه 168] مات أبدا. من جحد اماما من الله، أو زاد اماما ليست امامته من الله، كان كمن قال ان الله ثالث ثلاثة، ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا، و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا...». [391] . و روي الكشي بالاسناد عن ابراهيم بن عقبة، قال: «كتبت الي العسكري عليه‌السلام: جعلت فداك، قد عرفت هؤلاء الممطورة، فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال عليه‌السلام: نعم، اقنت عليهم في صلاتك». [392] . و تصدي الامام عليه‌السلام لمقالات الثنوية، فقد روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن الربيع الشائي، قال: «ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز، ثم قدمت سر من رأي و قد علق بقلبي شي‌ء من مقالته، فاني لجالس علي باب أحمد بن الخضيب اذ أقبل أبومحمد عليه‌السلام من دار العامة يوم الموكب، فنظر الي و أشار بسبابته: أحد أحد فرد، فسقطت مغشيا علي». [393] . و أدب أصحابه علي عدم الترحم عليهم و لو كانوا ذوي قربي، فقد نقل الاربلي عن دلائل الحميري بالاسناد عن أبي‌سهل البلخي، قال: «كتب رجل يسأل الدعاء لوالديه، و كانت الأم مؤمنة، و الأب ثنويا، فوقع: رحم الله والدتك، والتاء، منقوطة». [394] . [ صفحه 169] و وقف الامام العسكري عليه‌السلام بوجه بعض الوضاعين و الصوفية المتصنعين، و عرف أصحابه بسوء نواياهم، و أمرهم بالبراءة منهم لئلا يفسدوا عقائدهم، و منهم عروة بن يحيي الدهقان الذي كان يكذب علي الامام عليه‌السلام و علي أبيه من قبله، و يختلس الأموال التي ترد علي الامام عليه‌السلام. روي الكشي بالاسناد عن محمد بن موسي الهمداني، قال: «ان عروة بن يحيي البغدادي المعروف بالدهقان (لعنه الله) كان يكذب علي أبي‌الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليه‌السلام و علي أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام بعده، و كان يقتطع أمواله لنفسه دونه، و يكذب عليه حتي لعنه أبومحمد عليه‌السلام و أمر شيعته بلعنه، و دعا عليه بقطع الأموال لعنه الله». [395] . و في المناقب لابن شهرآشوب: «كان عروة الدهقان كذب علي علي بن محمد ابن الرضا، و علي أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري بعده، ثم أنه أخذ بعض أمواله فلعنه أبومحمد عليه‌السلام، فما أمهل يومه ذلك و ليلته حتي قبض الي النار». [396] . و منهم أحمد بن هلال العبرتائي، الذي عده الشيخ الطوسي من الوكلاء المذمومين [397] ، و كان يتظاهر بالتدين و الورع و الزهد، و يخفي الانحراف في العقيدة و العمل و سوء الطوية، فأطلق عليه الامام عليه‌السلام لفظ (الصوفي المتصنع) و كتب الي أصحابه يحذرهم اياه و يبين سوء سيرته و فساد مذهبه في أكثر من توقيع. قال الشيخ الطوسي: «روي محمد بن يعقوب، قال: خرج الي العمري في [ صفحه 170] توقيع طويل اختصرناه: و نحن نبرأ الي الله تعالي من ابن‌هلال لارحمه الله، و ممن لايبرأ منه، فأعلم الاسحاقي و أهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر، و جميع من كان سألك و يسألك عنه» [398] . و روي الكشي بالاسناد عن أبي‌حامد أحمد بن ابراهيم المراغي، قال: «ورد علي القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن‌هلال، و كان ابتداء ذلك أن كتب عليه‌السلام الي قوامه بالعراق: احذروا الصوفي المتصنع. قال: و كان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان حج أربعا و خمسين حجة، عشرون منها علي قدميه، قال: و كان رواة أصحابنا بالعراق لقوه و كتبوا منه، فأنكروا ما ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلاء علي أن يراجع في أمره، فخرج اليه: قد كان أمرنا نفذ اليك في المتصنع ابن‌هلال لارحمه الله بما قد علمت، لم يزل - لا غفر الله له ذنبه و لا أقاله عثرته - يداخل في أمرنا بلا اذن منا و لا رضئ، يستبد برأيه، فيتحامي من ديوننا، لا يمضي من أمرنا اياه الا بما يهواه و يريد، أرداه الله في نار جهنم، فصبرنا عليه حتي بتر الله عمره بدعوتنا، و كنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا، في أيامه، لا رحمه الله، و أمرناهم بالقاء ذلك الي الخاص من موالينا و نحن نبرأ الي الله من ابن‌هلال لا رحمه الله و من لا يبرأ منه... الي أن يقول عليه‌السلام: فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يؤديه عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم سرنا و نحمله اياه اليهم...» الي آخر التوقيع [399] . [ صفحه 171]

دوره في التصنيف و التشريع

الكتب و الرسائل و الوصايا

اشاره

نسبت الي الامام العسكري عليه‌السلام عدة كتب و نسخ و مسائل في مجال الأحكام و الشرائع و التفسير و غيرها، كما وصلتنا العديد من كتبه و رسائله و مواعظه و وصاياه مدونة في مصادر الحديث و الرجال المعتبرة، نذكرها كما يلي:

المصنفات المنسوبة اليه

1 كتاب عمل، و لعله يشبه الرسائل العملية في أحكام العبادات و المعاملات. روي النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن عبدالله بن مهران بن خانبه الكرخي، بالاسناد عن الصفواني، قال: «حدثنا الحسن بن محمد بن الوجناء، أبومحمد النصيبي، قال: كتبنا الي أبي‌محمد عليه‌السلام، نسأله أن يكتب أو يخرج الينا كتابا نعمل به (يعمل به) فأخرج الينا كتاب عمل. قال الصفواني: نسخته، فقابل به كتاب ابن‌خانبه زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة» [400] . 2 كتاب المقنعة، قال ابن‌شهر آشوب: «خرج من عند أبي‌محمد عليه‌السلام في سنة خمس و خمسين و مائتين كتاب ترجمة في جهة [401] رسالة المقنعة، يشتمل علي أكثر علم الحلال و الحرام، و أوله: أخبرني علي بن محمد بن موسي. و ذكر الحميري في كتاب سماه (مكاتبات الرجال عن العسكريين عليهماالسلام) من قطعه و من [ صفحه 172] أحكام الدين» [402] . و سماه الشيخ آقا بزرك كتاب المنقبة، قال: «كتاب المنقبة، المشتمل علي أكثر الأحكام و مسائل الحلال و الحرام، عن المناقب ابن‌شهر آشوب، و الصراط المستقيم للبياضي أنه تصنيف الامام أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام، حكاه الميرزا محمد هاشم في آخر رسالته في (فقه الرضا عليه‌السلام) و جعل الاحتمال الخامس اتحاده مع هذا الكتاب» [403] . و في (اقبال الأعمال) للسيد ابن‌طاوس عند ذكره اسناد أكثر الأدعية اختصارا، و هو دعاء و جده يدعي به بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان، قال: «علي بن عبدالواحد باسناده الي رجاء بن يحيي بن سامان، قال: خرج الينا من دار سيدنا أبي‌محمد الحسن بن علي صاحب العسكر سنة خمس و خمسين و مائتين، فذكر الرسالة المقنعة بأسرها...» [404] . و ذكرها النجاشي بنفس العنوان في ترجمة رجاء بن يحيي غير أنه يوحي أنها للامام الهادي عليه‌السلام، قال: «رجاء بن يحيي بن سامان، أبوالحسين العبرتائي الكاتب، روي عن أبي‌الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليه‌السلام، و قيل: ان سبب وصلته كنت به: أن يحيي بن سامان و كل برفع خبر أبي‌الحسن عليه‌السلام، و كان اماميا فحظيت منزلته، و روي رجاء رسالة تسمي المقنعة في أبواب [ صفحه 173] الشريعة، رواها عنه أبوالمفضل الشيباني» [405] . 3- مسائل و جوابات، رواها عنه محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الزراري، المولود سنة 237 ه، و المتوفي سنة 301 ه [406] . 4- مسائل رواها عنه عليه‌السلام محمد بن علي بن عيسي القمي [407] . 5- نسخة رواها عنه عليه‌السلام عبدان بن محمد الجويني، أبومعاذ [408] . 6- مسائل له عليه‌السلام علي يد محمد بن عثمان العمري، جمعها عبدالله بن جعفر الحميري. [409] . 7- مسائل و توقيعات له عليه‌السلام، جمعها أيضا عبدالله بن جعفر الحميري [410] . 8- مسائل الكتب بها اليه عليه‌السلام محمد بن الحسن الصفار القمي [411] . 9- التفسير المنسوب الي الامام العسكري عليه‌السلام، و هو يحتوي علي تفسير سورتي الحمد و البقرة مع استطرادات كثيرة، و قد طبع في طهران مستقلا سنة 1268 ه ش، و اخري سنة 1315 ه ش في حواشي تفسير علي بن ابراهيم القمي، و طبع في قم محققا سنة 1409 ه، بالاعتماد علي نسخ أقدمها المؤرخة سنة 886 ه. قيل: ان الرجلين اللذين يرويان التفسير عن الامام عليه‌السلام مجهولا الحال، [ صفحه 174] و أن في سنده اضطرابا، و في متنه خلط و تعارض و تهافت لا يصح نسبتها الي المعصوم عليه‌السلام. من هنا اختلفت كلمة العلماء في صحة صدوره و اعتباره و حجيته نفيا و اثباتا، و قد ألف الشيخ محمد جواد البلاغي ت 1352 ه رسالة في نسبة هذا التفسير، فصل فيها أوجه الاضطراب و الخلط، و خلص الي كونه موضوعا مكذوبا علي الامام عليه‌السلام. و جمع الشيخ رضا استادي أقوال العلماء جميعا حول هذا الكتاب سندا و متنا في مجلة (نور علم) [412] .

رسائله و وصاياه و مواعظه

نقل المحدثون مزيدا من الرسائل و الوصايا و الأدعية و الحكم و المواعظ التربوية و البيانات التفصيلية في تفسير القرآن و غيرها، و قد خاطب بها الامام العسكري عليه‌السلام أصحابه في مختلف ديار الاسلام، موجها الي الأخلاق الحميدة و الصفات الكريمة، مبينا مفاهيم الاسلام و تعاليمه السامية و عقائده الحقة، حاثا علي العمل بها، موضحا أحكام الشريعة ومسائل الحلال و الحرام، و فيما يلي نذكر نماذج منها، أو نكتفي بذكرها مع الاشارة الي مظانها. 1 - قصار الحكم و المواعظ، و هي تجري مجري مواعظ آبائه عليهم‌السلام في جزالة ألفاظها و متانة اسلوبها و عمق محتواها، و قد وصف ابن أبي‌الحديد باب الحكم و المواعظ من نهج‌البلاغة بقوله: «اعلم أن هذا الباب من كتابنا كالروح من البدن، و السواد من العين، و هو الدرة المكنونة التي سائر الكتاب صدفها» [413] . [ صفحه 175] و من مواعظ الامام العسكري عليه‌السلام قوله: «لاتمار فيذهب بهاؤك، و لا تمازح فيجترأ عليك. ليست العبادة كثرة الصيام و الصلاة، و انما العبادة كثرة التفكر في أمر الله. بئس العبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه شاهدا، و يأكله، غائبا، ان اعطي حسده، و ان ابتلي خانه. الغضب مفتاح كل شر. أقل الناس راحة الحقود. الاشراك في الناس أخفي من دبيب النمل علي المسح الأسود في الليلة المظلمة. أورع الناس من وقف عند الشبهة. أعبد الناس من أقام علي الفرائض. أزهد الناس من ترك الحرام. أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب. انكم في آجال منقوصة و أيام معدودة، و الموت يأتي بغتة. قلب الأحمق في فمه، و فم الحكيم في قلبه. لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض. ما ترك الحق عزيز الا ذل، و لا أخذ به ذليل الا عز. جرأة الولد علي والده في صغره تدعو الي العقوق في كبره. من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظه علانية فقد شانه. ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلة! أضعف الأعداء كيدا من أظهر عداوته. لا يعرف النعم الا الشاكر، و لا يشكر النعمة الا العارف. حسن الصورة جمال ظاهر، و حسن العقل جمال باطن. اذا نشطت القلوب فأودعوها، و اذا نفرت فودعوها. من ركب ظهر الباطل نزل به دارالندامة. السهر ألذ للمنام، و الجوع أزيد في طيب الطعام. ان الوصول الي الله عزوجل سفر لا يدرك الا بامتطاء الليل. من لم يحسن أن يمنع لم يحسن أن يعطي...» [414] و غيرها من الحكم البليغة و المواعظ الحكيمة التي تجري علي هذا المنوال. [ صفحه 176] 2 - كتب اليه عليه‌السلام بعض بني‌أسباط كتابا يعرفه اختلاف الشيعة في امامته، فأجابه بكتاب بين فيه طبقات الناس في الاعتقاد بامامته عليه‌السلام، و دعاه الي أن يدع من ذهب يمينا و شمالا من أهل الباطل، و حذره من الاذاعة و طلب الرئاسة، و أمر أصحابه بتقوي الله و أداء الامانة [415] . 3- كتابه عليه‌السلام الي أهل قم و آبة، أوصاهم فيه بالسير علي هدي أسلافهم في التمسك بمودة أهل البيت عليهم‌السلام، باعتبارها منهاج الصدق و سبيل الرشاد و مورد الفائزين [416] . 4- كتابه عليه‌السلام الي أبي‌الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي، أوصاه فيه بالصبر و انتظار الفرج في زمان غيبة ولده الحجة عليه‌السلام [417] ، و قد تقدم بعضه في المبحث الأول من هذا الفصل. 5- كتاب طويل كتبه عليه‌السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، يحتوي علي جملة وصايا عقائدية و أخلاقية، أوصي فيه شيعته بطاعة الله و رسوله و اولي الأمر من عترة النبي المعصومين عليهم‌السلام، و بين فيه فرائض الدين، و بعض الأوامر و النواهي الي وكلائه عليه‌السلام [418] . 6- كتاب الي شيعته، فيه وصايا مهمة، نذكره بنصه لما فيه من جوامع الكلم و جملة مبادئ الاسلام، قال عليه‌السلام: «اوصيكم بتقوي الله، و الورع في [ صفحه 177] دينكم، و الاجتهاد لله، و صدق الحديث، و أداء الأمانة الي من ائتمنكم من بر أو فاجر، و طول السجود، و حسن الجوار، فبهذا جاء محمد صلي الله عليه و آله. صلوا في عشائرهم، و اشهدوا جنائزهم، و عودوا مرضاهم، و أدوا حقوقهم، فان الرجل منكم اذا ورع في دينه، و صدق في حديثه، و أدي الأمانة، و حسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك. اتقوا الله، و كونوا زينا، و لا تكونوا شينا، جروا الينا كل مودة، و ادفعوا عنا كل قبيح، فانه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، و ما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حق في كتاب الله، و قرابة من رسول الله صلي الله عليه و آله و تطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا الا كذاب. أكثروا ذكر الله، و ذكر الموت، و تلاوة القرآن، و الصلاة علي النبي صلي الله عليه و آله، فان للصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و آله عشر حسنات، احفظوا ما وصيتكم به، و أستودكم الله، و أقرأ عليكم السلام» [419] . 7 - الصلوات علي النبي و الآل عليهم‌السلام، و هي طويلة، رواها الشيخ الطوسي بالاسناد عن أبي‌محمد عبدالله بن محمد العابد، قال: «سألت مولاي أبامحمد الحسن بن علي عليه‌السلام في منزله بسر من رأي، سنة خمس و خمسين و مائتين، أن يملي علي من الصلاة علي النبي و أوصيائه عليه و عليهم‌السلام، و أحضرت معي قرطاسا كثيرا، فأملي علي لفظا من غير كتاب...» [420] . 8- الأدعية و الزيارات، و هي كثيرة، و منها: دعاؤه عليه‌السلام قبل اصفرار [ صفحه 178] الشمس [421] ، و دعاؤه عندالصباح [422] ، و دعاؤه في القنوت [423] ، و دعاؤه علي موسي بن بغا حينما شكاه أهل قم [424] ، و دعاؤه عقيب كل نافلة من نوافل شهر رمضان [425] ، و دعاؤه عند دخول المسجد [426] ، و دعاؤه للحوائج، رواه عنه عليه‌السلام عبدالله بن جعفر الحميري، و هو دعاء طويل كتبه الي أحد أصحابه، و كان قد أرسل اليه عليه‌السلام رقعة من الحبس يذكر فيها ثقل الحديد و سوء الحال و تحامل السلطان [427] ، و زيارة أميرالمؤمنين عليه‌السلام في يوم الغدير [428] ، و الدعاء في يوم ولادة الامام الحسين عليه‌السلام، خرج في توقيع منه عليه‌السلام الي القاسم بن العلاء الهمداني [429] ، و غيرها كثير.

دوره في التشريع‌

اشاره

لا ريب أن دور الأئمة عليهم‌السلام في تبليغ أحكام الشريعة و التحديث و الافتاء يختلف بحسب الظروف السياسية المحيطة بهم، و مقدار الحرية المتاحة لهم، و قد [ صفحه 179] ذكرنا أن امامنا العسكري عليه‌السلام كان رهينة بيد السلطة التي مارست معه أعلي حالات التغييب و الاقصاء، فضلا عن أنه عليه‌السلام كان محكوما بحالة الاحتجاب التي يهي‌ء من خلالها شيعته لزمان الغيبة. و رغم هذا و ذاك استطاع امامنا الممتحن عليه‌السلام أن يقدم اسهامات جادة علي طريق الحفاظ علي أصول الشريعة و قيم الرسالة، و ايصال سنن جده المصطفي و آبائه الكرام (صلوات الله عليهم) الي قطاعات واسعة من الامة، و ذلك علي يد ثلة من أصحابه و وكلائه و طلاب مدرسته الفقهاء الرواة المنتشرين في طول البلاد و عرضها، الذين حرصوا علي تبليغ رسالته عليه‌السلام و ايصال كتبه و رسائله، و هي تحمل أحكام الشريعة و فكرها الأصيل، الي قواعده في مختلف ديار الاسلام. و يمكن أن نتلمس دور الامام عليه‌السلام في تبليغ أحكام الشريعة من خلال النقاط التالية: اولا: الرسائل و المسائل التي رواها عنه عليه‌السلام أصحابه أو أخرجها اليهم، سيما التي تخص أحكام الدين و علم الحلال و الحرام، و قد ذكرناها في أول هذا المبحث... ثانيا: ما روي عنه عليه‌السلام مكاتبة أو مشافهة في مجال الأحكام و السنن، و قد بلغت أكثر من مئة حديث كما في مسنده عليه‌السلام [430] ، و هي موزعة علي أبواب الفقه و موضوعاته المختلفة. و روي عنه العامة حديثا في تحريم الخمر و اعتمدوه في بعض مصنفاتهم، [ صفحه 180] قال سبط ابن‌الجوزي في ترجمة الامام عليه‌السلام: «كان عالما ثقة، روي الحديث عن أبيه عن جده... و من جملة مسانيده حديث في الخمر عزيز، ذكره جدي أبوالفرج في كتابه المسمي (تحرير الخمر) و نقلته من خطه و سمعته يقول» ثم أورد الاسناد من جده الي أحمد بن عبدالله السبيعي، عن الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام، عن آبائه عليهم‌السلام، عن رسول الله صلي الله عليه و آله، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن اسرافيل، عن اللوح المحفوظ، و لفظ الحديث «شارب الخمر كعابد الوثن.» قال: «و لما روي جدي هذا الحديث في كتاب (تحريم الخمر) قال: قال أبونعيم الفضل بن دكين: هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة، و رواه جماعة عن رسول الله صلي الله عليه و آله منهم: ابن‌عباس، و أبوهريرة، و أنس، و عبدالله بن أبي‌أوفي الأسلمي في آخرين» [431] . ثالثا: تنشئة جيل من أصحابه الرواة و الفقهاء و المؤلفين، و لا ريب أن دور الامام عليه‌السلام و ملامح عمله تنكشف من خلال عمل أتباعه المعتمدين، و يتعمق ذلك بمقدار اشتداد الظروف الداعية الي السرية و الاحتجاب. و قد حرص الامام العسكري عليه‌السلام علي الاتصال بأقطاب مدرسة آبائه عليهم‌السلام من خلال ممثليه من القيمين و الوكلاء المنتشرين في البلدان، باتباع اسلوب المكاتبة و المراسلة، و كان عليه‌السلام يتبع مختلف الوسائل لاضفاء طابع السرية علي الاتصال بهم، حتي ورد أنه عليه‌السلام كان يضع الكتب في خشبة كأنها رجل باب مدورة طويلة مل‌ء الكف، و يدفعها الي أحد الخدم ليوصلها الي العمري، كما [ صفحه 181] ورد في رواية دواد بن الأسود [432] . و بالمقابل كان أصحابه يتفانون لأجل اللقاء به، فاذا حظي أحدهم بذلك، لم تطب نفسه أن يفوته حديثه و لو أضناه العطش، روي ابن‌شهر آشوب عن أبي‌العباس محمد بن القاسم، قال: «عطشت عند أبي‌محمد عليه‌السلام، و لم تطب نفسي أن يفوتني حديثه، و صبرت علي العطش و هو يتحدث، فقطع الكلام و قال: يا غلام اسق أباالعباس ماء» [433] . و كانوا يدققون في معرفة خطه عليه‌السلام لتفادي حالة الوضع و التزوير، فيطلبون منه عليه‌السلام أن يكتب لهم نموذجا من خطه، و منهم أحمد بن اسحاق الأشعري القمي، و كان من خاصته و ثقاته، و موفد القميين الي الامام عليه‌السلام، قال: «دخلت علي أبي‌محمد عليه‌السلام فسألته أن يكتب لأنظر الي خطه فأعرفه اذا ورد، فقال: نعم، ثم قال: يا أحمد، ان الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ و القلم الدقيق فلا تشكن، ثم دعا بالدواة...» [434] . و كانوا يدفعون كتبهم و ما يجب عليهم من الأموال الي الوكلاء الذين يغطون علي عملهم بمختلف الوسائل، فكان أبوعمر و عثمان بن سعيد العمري يجعلها في جراب السمن و زقاقه و يحملها الي الامام العسكري عليه‌السلام تقية و خوفا، و قد قيل له السمان لأنه كان يتجر في السمن تغطيه علي هذا الأمر [435] . [ صفحه 182] و كان بعضهم يكاتب الامام عليه‌السلام عن طريق الخدم، فقد كتب جعفر بن محمد القلانسي كتابا الي الامام العسكري عليه‌السلام يسأله عن مسائل كثيرة، و دفعه مع محمد بن عبدالجبار الخادم ليوصله اليه عليه‌السلام... [436] . و مارس الامام عليه‌السلام دور التربية و التوجيه و الاعداد لخاصة أصحابه و قاعدته المؤمنة بمرجعيته الفكرية و الروحية، لتحصينهم من الانحراف العقائدي و الفكري، و تسليحهم بالفقه و المعرفة، و نظرة واحدة الي رسائله و وصاياه التي قدمناه بعضها، تعتبر خير دليل علي متابعة الامام عليه‌السلام لأصحابه و اشرافه علي مختلف شؤونهم. و كان من نتائج ذلك الاشراف و التواصل بين الامام عليه‌السلام و قاعدته أن اكتملت في عصره عليه‌السلام معالم مدرسة الفقهاء الرواة الذين كانوا يعيشون في أوساط الناس، و ينقلون اليهم الأحكام و السنن و العقائد، و استوفت تلك المدرسة كل متطلبات المدرسة العلمية من حيث المنهج و المصدر و المادة، و مهدت بذلك لعهد الغيبة الصغري حيث انبثقت عنها مدرسة الفقهاء المحدثين [437] . و لغرض الاطلاع علي سعة تلك المدرسة و امتداد مرجعية الامام العسكري عليه‌السلام و مكانته العلمية و دروه في التشريع، نذكر بعض أقطاب تلك المدرسة الثقات و المؤلفين و كما يلي: [ صفحه 183]

الثقات من أصحابه

استطاعت شريحة واسعة من عشاق مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام التواصل مع الامام العسكري عليه‌السلام بشتي الوسائل، فتحملوا الرواية عنه، و بلغوا الفتاوي و الأحكام الصادرة عنه، و أسهموا في نشر مبادئ تلك المدرسة. و بلغ عدد الرواة عن الامام أبي‌محمد العسكري عليه‌السلام (103) كما في رجال الشيخ الطوسي [438] ،و اذا ضممنا اليهم ما ورد في رجال البرقي و مناقب ابن‌شهر آشوب و مسند الامام العسكري، و ما وقعوا في اسناد الأخبار و التواقيع و المكاتبات، يكون العدد (216) من غير تكرار، و هو عدد كبير يدل علي سعة الدور العلمي البارز الذي اضطلع به اصحاب الامام العسكري مع قسوة الظروف المحيطة بعملهم، و يدل علي سمو المقام المعرفي و المكانة العلمية التي يمثلها الامام العسكري عليه‌السلام، لأن الرواة كانوا يمثلون أساتذة المجتمع أنذاك و ليسوا مجرد أشخاص يسألون و يروون. و من الطبيعي أن هذا العدد من الرواة، لم يكونوا علي نمط واحد في العلم و المعرفة و الثقة، بل هم درجات متفاوتة، و فما يلي نقتصر علي ذكر الثقات منهم، و هم: ابراهيم بن أبي‌حفص الكاتب، ابراهيم بن عبدة النيسابوري، أحمد بن ادريس القمي، أحمد بن اسحاق بن عبدالله الأشعري، أحمد بن الحسن ابن‌علي بن فضال، اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، اسحاق بن الربيع الكوفي، الحسن بن ظريف، الحسن بن علي بن النعمان، الحسين بن اشكيب المروزي، الحسين بن مالك القمي، حمدان بن سليمان النيسابوري، داود بن أبي‌زيد [ صفحه 184] النيسابوري، داود بن القاسم الجعفري، الريان بن الصلت، السندي بن الربيع، علي بن جعفر و كليه عليه‌السلام، عبدالله بن جعفر الحميري، عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي، عثمان بن سعيد العمري و كليه عليه‌السلام، علي بن بلال، الفضل بن شاذان النيسابوري، محمد بن أحمد بن جعفر القمي، محمد بن بلال، محمد بن الحسن الصفار، محمد بن الحسين بن أبي‌الخطاب، محمد بن الريان بن الصلت، محمد بن أبي‌الصهبان، محمد بن عثمان العمري، محمد بن علي بن بلال، محمد بن علي بن محبوب الأشعري القمي، محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، هارون بن مسلم ابن‌سعدان... هؤلاء هم الذين ورد فيهم التوثيق من علماء الرجال، و لو أردنا أن نذكر كل من ورد فيه مدح من أصحاب الامام العسكري عليه‌السلام لطال بنا المقام.

المؤلفون من أصحابه

و من بين الرواة من أصحابه عليه‌السلام من اشتغل بالتصنيف في مجال الأحكام و السنن و العقائد و غيرها، و قد صارت كتبهم منذ ذلك الوقت مصادر يستقي منها العلم، و مناهل تؤخذ منها المعرفة، و اصولا لمجاميع الحديث التالية لها، و لا يزال بعضها متداولا الي اليوم كبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار. و فيما يلي نذكر أسماء المؤلفين من أصحاب الامام العسكري، و من أراد التوسع في معرفة مؤلفاتهم فليرجمع الي كتب الرجال، و هم: أبواسحاق ابراهيم ابن أبي‌حفص الكاتب، ابراهيم بن مهزيار الأهوازي، أحمد بن ابراهيم بن اسماعيل الكاتب النديم، أحمد بن ادريس القمي، أحمد بن اسحاق بن عبدالله الأشعري، أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، أحمد بن محمد بن سيار السياري، [ صفحه 185] أيوب بن نوح بن دراج النخعي، الحسن بن ظريف، الحسن بن علي بن النعمان، الحسن بن موسي الخشاب، الحسين بن اشكيب المروزي، داود بن أبي‌زيد النيسابوري، دواد بن القاسم الجعفري، رجاء بن يحيي بن سامان العبرتائي، سعد بن عبدالله الأشعري القمي، أبوسعيد سهل بن زياد الآدمي، أبويحيي سهيل بن زياد الواسطي، صالح بن أبي‌حماد الرازي، عبدالله بن جعفر الحميري، عبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي الكوفي، عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، علي بن بلال، علي بن الحسن بن فضال الكوفي، علي بن الريان بن الصلت الأشعري القمي، الفضل بن شاذان، محمد بن الحسن بن شمون، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، محمد بن الحسين بن أبي‌الخطاب، محمد بن عبدالحميد ابن‌سالم العطار، محمد بن علي بن عيسي الأشعري القمي، محمد بن علي بن محبوب، محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، موسي بن جعفر البغدادي، هارون ابن‌مسلم بن سعدان الكاتب. رابعا: تصحيح اصول الحديث وقف الامام العسكري عليه‌السلام علي بعض الأصول الحديثية التي عرضت عليه، فنظر فيها و تصفحها، أو قرئت عليه، فقال فيها كلمته، و منها كتاب يوم و ليلة ليونس بن عبدالرحمن، و كتاب الفضل بن شاذان. روي النجاشي بالاسناد عن أبي‌هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: «عرضت علي أبي‌محمد صاحب العسكر عليه‌السلام كتاب يوم و ليلة ليونس، فقال لي: تصنيف من هذا؟ فقلت: تصنيف يونس مولي آل يقطين. فقال: أعطاه الله [ صفحه 186] بكل حرف نورا يوم القيامة» [439] وفي هذا الكلام مالا يخفي من الحث علي سلامة التصنيف في الحديث. و عن بورق البوشنجاني، و كان معروفا بالصدق و الصلاح و الورع و الخير، قال: «خرجت الي سر من رأي، و معي كتاب يوم و ليلة، فدخلت علي أبي‌محمد عليه‌السلام و أريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك، ان رأيت أن تنظر فيه، فلما نظر فيه و تصفحه و رقة ورقة، قال: هذا صحيح ينبغي أن يعمل به» [440] . و ذكر الكشي أن الفضل بن شاذان عرض كتابه علي الامام العسكري عليه‌السلام، فتناوله منه و نظر فيه، فترحم عليه و قال: «أغبط أهل خراسان لمكان الفضل ابن‌شاذان، و كونه بين أظهرهم» [441] . و عن الحسين بن روح رضي الله عنه: أن أبامحمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما، قد سئل عن كتب بني فضال، فقالوا: كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها ملأي؟ فقال صلوات الله عليه: «خذوا بما رووا، و ذروا ما رأوا» [442] .

هداية الخلق الي الخالق‌

و هذا عطاء فكري آخر، لكنه يدخل في اطار التأثر بالسيرة العملية للامام العسكري عليه‌السلام المتمثلة بسمو الاخلاق و حسن السمت و الهدي و الصلاح، مما له الأثر في هداية و استبصار المترددين و المخالفين، و اخراجهم من ظلمات الجهل [ صفحه 187] و الضلال الي نور العلم و صراط الهداية. فقد جاء في الأخبار أن أباالعلاء صاعد ابن‌مخلد النصراني [443] ، وزير المعتمد، أسلم علي يد الامام العسكري عليه‌السلام بعد أن رأي دلالاته و هديه و مكارمه [444] . كما أسلم علي يده راهب دير العاقول، ورد أن الامام العسكري عليه‌السلام أراد مرة أن يفتصد، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا أن يرسل اليه أخص أصحابه عنده ليفصده، فبعث اليه أعلم تلامذته، و قال له: «قد طلب مني ابن‌الرضا من يفصده، فصر اليه و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به» فوصف له الامام عليه‌السلام طريقة في الفصد لم يألفها في الطب، ففصده و قدم له تخت ثياب و خمسين دينارا، و قال عليه‌السلام: «خذ هذا و اعذرنا و انصرف» فتحير الطالب و استاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه‌السلام في الفصد، فبعث بختيشوع تلميذه و معه كتاب الي راهب دير العاقول، و كان أعلم النصاري في الطب، في ذلك الوقت، فلما قرأ الكتاب طلب منه أن يوافي معه الي سامراء، فوصلوا الي دار الامام عليه‌السلام و قد بقي من الليل ثلثه، و مكث عنده عليه‌السلام الي الصباح، ثم خرج الراهب و قد رمي بثياب الرهبانية، و لبس ثيابا بيضا و قد أسلم، فقال: «خذ بي الآن الي دار استاذك،قال: فصرنا الي دار بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو اليه، ثم قال: ما الذي أزالك عن دينك؟ [ صفحه 188] قال: وجدت المسيح فأسلمت علي يده. قال: وجدت المسيح؟ قال: أو نظيره، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العام الا المسيح، و هذا نظيره في آياته و براهينه، ثم انصرف اليه و لزم خدمته الي أن مات» [445] . و ذكرنا في الفصل الثاني أن الامام العسكري عليه‌السلام حبس أكثر من مرة، و نقلت لنا الأخبار كيف كان تأثيره في محيط السجن، بحيث انقلب المتصدون لسجنه من بغضه و الحقد عليه الي حبه و الاخلاص له، ذلك لأن الانسان في السجن يعيش حالة نفسية صعبة، لكنهم و جدوه عليه‌السلام في أعلي درجات الارتباط بالله سبحانه و في أعمق مواقع الاخلاص له تعالي. روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي، قال: «حبس أبومحمد عليه‌السلام عند علي بن نارمش، و هو أنصب الناس، و أشدهم علي آل أبي‌طالب، و قيل له: افعل به و فعل، فما أقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له، و كان لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، فخرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم فيه قولا» [446] . و هكذا يستسلم السجان للسجين الذي لا يملك حولا و لا قوة غير تأثيره الروحي، فيضع خديه له متذللا خاضعا، و لا يرفع بصره اجلالا و هيبة، لأنه استطاع أن يقلب تفكيره و وجدانه و سلوكه، فتحول من عدو شديد العداوة الي صديق شديد الصداقة، بل تحول الي داعية الي الامام عليه‌السلام. [ صفحه 189] و في رواية بهذا الاتجاه عن علي بن عبدالغفار، قال: «دخل العباسيون علي صالح بن وصيف، عندما حبس أبامحمد عليه‌السلام، فقالوا له: ضيق عليه و لا توسع. فقال لهم صالح: و ما أصنع به؟! قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما: و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا، و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خاسئين.» [447] . اذن فالامام عليه‌السلام استطاع أن يؤثر فيهما بقوة شخصيته الرحبة، و بالجو الروحاني الذي لم يجدا مثله، الأمر الذي جعل صالح بن وصيف المتولي لسجن الامام قد أعيته الحيل و الوسائل كلها في التأثير علي الامام عليه‌السلام. و امتدت آثار الامام الروحية الي قاعدة واسعة من الناس، بما فيهم عوائل المتولين للسجن، فقد روي الشيخ الكليني بالاسناد عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، قال: «سلم أبومحمد عليه‌السلام الي نحرير، فكان يضيق عليه و يؤذيه، قال: فقالت له امرأته، ويلك اتق الله، لا تدري من في منزلك؟ و عرفته صلاحه و قالت: اني أخاف عليك منه...» [448] . هذه هي بعض آثار الامام العسكري عليه‌السلام في مخالفيه، فعلينا أن ننفتح عليها لنزداد هديا من هديه، و علما من علمه، ووعيا مما يعطينا من عناصر الوعي. [ صفحه 191]

شهادة الامام العسكري

الامام العسكري ينعي نفسه

ذكرنا أن الامام العسكري عليه‌السلام كان بصدد تهيئة شيعته لعصر الغيبة، و كان من جملة أفعالة في هذا الاتجاه أنه نعي نفسه المقدسة لأصحابه في أكثر من مناسبة، و كتب كتبا لهم قبل ليلة من وفاته، كي لا يفجأهم الأمر و لا يهولهم الاختلاف الحاصل بسبب الانتقال من الامامة الظاهرة الي عصر الامامة الغائبة. فقد ورد عن المسعودي: «أنه أمر أبومحمد عليه‌السلام والدته بالحج في سنة 259، و عرفها ما يناله في سنة (260)، و أحضر الصاحب عليه‌السلام فأوصي اليه، و سلم الاسم الأعظم و المواريث و السلاح اليه، و خرجت ام أبي‌محمد مع الصاحب جميعا الي مكة، و قبض عليه‌السلام في شهر ربيع الآخر سنة 260 ه» [449] . و عن محمد بن أبي‌الزعفران، عن ام أبي‌محمد عليه‌السلام قالت: قال لي أبومحمد يوما من الأيام: تصيبني في سنة ستين حزازة أخاف أن أنكب فيها نكبة، [ صفحه 192] فان سلمت فالي سنة سبعين، قالت: فأظهرت الجزع و بكيت، فقال: لابد لي من وقوع أمر الله فلا تجزعي» [450] . و عن أبي‌غانم، قال: «سمعت أبامحمد الحسن بن علي عليه‌السلام يقول: في سنة مائتين و ستين تفترق شيعتي. ففيها قبض أبومحمد و تفرقت الشيعة و أنصاره...» [451] . و قال الشيخ الصدوق: «وجدت مثبتا في بعض الكتب المصنفة في التواريخ و لم أسمعه الا عن محمد بن الحسين بن عباد أنه قال: مات أبومحمد الحسن بن علي عليهماالسلام يوم جمعة مع صلاة الغداة، و كان في تلك الليلة قد كتب بيده كتبا كثيرة الي المدينة، و ذلك في شهر ربيع الأول لثمان خلون منه سنة ستين و مائتين من الهجرة، و لم يحضره في ذلك الوقت الا صقيل الجارية، و عقيد الخادم و من علم الله عزوجل غيرهما...» [452] .

تاريخ شهادته

قال الشيخ المفيد: مرض أبومحمد الحسن عليه‌السلام في أول شهر ربيع الأول سنة 260 ه، و مات يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة [453] و قد اتفق المؤرخون علي أن شهادة الامام العسكري عليه‌السلام كانت في سنة 260 ه، [454] . [ صفحه 193] و ذلك بعد مضي نحو أربع سنوات من خلافة المعتمد، و أنه دفن الي جنب أبيه عليه‌السلام في داره بسر من رأي، غير أنهم اختلفوا في اليوم و الشهر الذي استشهد فيه علي عدة أقوال: 1- يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول، و هو القول المشهور [455] . 2- يوم الأحد الثامن من ربيع الأول [456] . 3- اليوم الأول من ربيع الأول [457] . [ صفحه 194] 4- يوم الجمعة السادس من ربيع الأول [458] . 5- في ربيع الآخر [459] . 6- في الثامن من جمادي الاولي [460] .

مقدار عمره

استشهد الامام العسكري عليه‌السلام و هو في شرخ الشباب، حيث كان له من العمر يوم شهادته 28 عاما [461] ، و قيل: 29 عاما [462] ، بحسب الاختلاف الذي مضي في تاريخ ولادته عليه‌السلام.

سبب شهادته

ان دراسة الأخبار الواصلة الينا عن المدة القصيرة من امامة الامام العسكري عليه‌السلام (254 - 260 ه) تقودنا الي الاعتقاد بأن السلطة العباسية كانت منذ زمن المعتز (252 - 255 ه) بصدد الفتك بالامام قبل أن يولد له، ذلك لأنها تعتقد أن المولود هو المهدي الموعود خاتم أئمة الاثني عشر الذي يقصم [ صفحه 195] الجبارين، و يبدد دول الظالمين، و يرسي دعائم دولة الحق، و ينشر العدل و القسط، و قد حاول المعتز تنفيذ تلك السياسة، حيث أمر سعيد بن صالح الحاجب أن يحمل الامام العسكري عليه‌السلام الي الكوفة و يضرب عنقه في الطريق، فاجتهد الامام عليه‌السلام بالدعاء عليه، فقتل قبل أن ينفذ عزمه [463] . و روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن أحمد بن محمد بن عبدالله، قال: «خرج عن أبي‌محمد عليه‌السلام حين قتل الزبيري: هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني و ليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟ و ولد له ولد سماه محمدا» [464] . و حاول المهتدي العباسي (255 - 256 ه) تنفيذ هذه السياسة، فهدد الامام عليه‌السلام بالقتل قائلا: «و الله لأجلينهم عن جديد الأرض» غير أنه قتل قبل تنفيذ هذا الغرض [465] . و لم يخرج المعتمد (256 - 279 ه) عن هذا الاطار، فتعرض الامام العسكري عليه‌السلام في زمانه لشتي أنواع التحديات و الضغوط، و حاول قتل الامام عليه‌السلام لنفس السبب الذي قدمناه، و هو الاطمئنان لانقطاع الامامة دون [ صفحه 196] نسل، علي الرغم من حدوث الولادة في زمان المعتمد، لأن الدولة علي المستوي الرسمي لم تكن مطلعة عليها، بسبب اجراءات الامام عليه‌السلام القائمة علي أساس الكتمان و السرية في هذا الأمر، و أبي الله سبحانه الا أن يتم نوره، فأخفي وليه الذي ينتظره العالم كله ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سعد بن عبدالله، قال: حدثني موسي ابن‌جعفر بن وهب البغدادي، أنه خرج من أبي‌محمد عليه‌السلام توقيع: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذب الله عزوجل قولهم و الحمدلله» [466] و تكذيب قولهم كان بحدوث الولادة المباركة و حفظه مع أبيه عليهماالسلام من تحديات السلطة. و مما تقدم يتبين أن واقع الحال يشير الي أن المعتمد متهم بقبل الامام عليه‌السلام، فضلا عن أنه ورد التصريح بموت الامام عليه‌السلام مسموما عن كثير من محدثي الشيعة و غيرهم. قال أمين الاسلام الطبرسي: «ذهب كثير من أصحابنا الي أنه عليه‌السلام مضي مسموما، و كذلك أبوه وجده و جميع الأئمة عليهم‌السلام خرجوا من الدنيا بالشهادة، و استدلوا علي ذلك بما روي عن الصادق عليه‌السلام من قوله: مامنا الا مقتول شهيد. و الله أعلم بحقيقة ذلك» [467] . [ صفحه 197] بناء علي ذلك فان جميع الأئمة عليهم‌السلام خرجوا من الدنيا بالقتل، و ليس فيهم من يموت حتف أنفه، و قاتلهم دائما هو الحاكم الذي يحذر نشاطهم و يتوجس منهم خيفة، لأنهم يمثلون جبهة المعارضة ضد الانحراف الذي يمثله الحاكم [468] . و صرح بعض أعلام الشيعة في أرجازهم بموت الامام عليه‌السلام مسموما من قبل المعتمد، مؤكدين علي ما يقوي هذا الاحتمال و هو كون الامام عليه‌السلام في سن الشباب، و أوج الصحة و القوة و العنفوان. قال الحر العاملي في ارجوزته: قتله بسمه المعتمد بقوة يرق منها الجلمد و عمره تسع و عشرون و قد قيل ثمان بعد عشرين فقد و عاش من بعد أبيه خمسا و قيل ستا ثم حل الرمسا [469] . و قال الشيخ محمد حسين الاصفهاني: حتي قضي العمر بما يقاسي فسمه المعتمد العباسي قضي علي شبابه مسموما مضطهدا محتسبا مظلوما فناحت الحور علي شبابه و صبت الدموع في مصابه [ صفحه 198] و انصدعت لرزئه الجبال كأنه الساعة و الأهوال [470] .

تصرف السلطة

ورد في حديث طويل عن أحد أقطاب السلطة ما يبين موقف السلطة قبل شهادة الامام عليه‌السلام و بعدها، و يستعرض موقف جعفر بن علي أخي الامام عليه‌السلام الذي كان يتربص الفرصة لاحتلال موقع الامامة كذبا و بهتانا علي الله سبحانه، و الحديث بمجموعه يشير الي تأكيد تهمة السلطة بدم الامام عليه‌السلام. قال أحمد بن عبيدالله بن خاقان في مجلس له بتاريخ شعبان سنة 278، يصف موقف جعفر بعد وفاة أخيه الامام الحسن العسكري عليه‌السلام، قال: «و لله لقد ورد علي السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليه‌السلام ما تعجبت منه، و ما ظننت أنه يكون، و ذلك أنه لما اعتل بعث الي أبي أن ابن‌الرضا قد اعتل، فركب من ساعته مبادرا الي دارالخلافة، ثم رجع مستعجلا و معه خمسة نفر من خدام أميرالمؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته، فمنهم نحرير، و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي عليه‌السلام و تعرف خبره و حاله، و بعث الي نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف اليه و تعاهده صباحا و مساء، فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنه قد ضعف، فركب حتي بكر اليه، ثم أمر المتطببين بلزومه، و بعث الي القضاء فأحضره مجلسه، و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه، فأحضرهم فبعث بهم الي دار الحسن عليه‌السلام و أمرهم بلزوم داره ليلا و نهارا، فلم يزالوا هناك حتي توفي عليه‌السلام لأيام مضت من شهر ربيع [ صفحه 199] الأول من سنة ستين و مائتين، فصارت سر من رأي ضجة واحدة: مات ابن‌الرضا. و بعث السلطان الي داره من يفتشها و يفتش حجرها، و ختم علي جميع ما فيها، و طلبوا أثر ولده، و جاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن علي جواريه فنظرن اليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فأمر بها فجعلت في حجرة، و وكل بها نحرير الخادم و أصحابه و نسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، و عطلت الأسواق، و ركب أبي و بنوهاشم و القواد و الكتاب و سائر الناس الي جنازته عليه‌السلام، فكانت سر من رأي يومئذ شبيها بالقيامة. فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبوعيسي منها، فكشف عن وجهه فعرضه علي بني‌هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و المعدلين، و قال: هذا الحسن بن علي بن محمد، ابن‌الرضا، مات حتف أنفه عل فراشه، حضره من خدم أميرالمؤمنين و ثقاته فلان و فلان، و من المتطببين فلان و فلان، و من القضاة فلان و فلان، ثم غطي وجهه و قام فصلي عليه و كبر عليه خمسا، و أمر بحمله فحمل من وسط داره، و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه‌السلام. فلما دفن و تفرق الناس اضطرب السلطان و أصحابه في طلب ولده، و كثر التفتيش في المنازل و الدور، و توقفوا علي قسمة ميراثه، و لم يزل الذين و كلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتي تبين بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين امه و أخيه جعفر،و ادعت امه وصيته، و ثبت ذلك عند [ صفحه 200] القاضي، و السلطان علي ذلك يطلب أثر ولده...» [471] . فهذا الخبر يدل علي أن المعتمد لم يكن بريئا من دم الامام عليه‌السلام لذلك أراد من خلال تلك الاجراءات المذكورة في الخبر أن يدفع التهمة عن نفسه و يبقي ثوبه نقيا منها علي المستوي العام الذي يشير اليه باصبع الاتهام، و ذلك بادعاء موته عليه‌السلام حتف أنفه مع الاشهاد علي ذلك، و لو لم يكن ضالعا في تلك الجريمة النكراء، لما طلب من أول و فد أرسله الي دار الامام بملازمته و تعرف خبره و حاله، لأنه في ذلك يجزم بموت الامام عليه‌السلام و لا يبدي أدني احتمال في شفائه، سيما و أنه شاب قوي البنية لا تؤثر في مثله الأمراض عادة، كما أنه عين جماعة يترقبون موته لكشف السر الذي لازال يحتفظ به الامام عليه‌السلام منذ خمسة أعوام، و هو المهدي عليه‌السلام الذي أخفي مولده و ستر أمره، لصعوبة الوقت و شدة طلب السلطان له و اجتهاده في البحث عنه، من هنا فقد أمر السلطان قبل كل شي‌ء أن تفتش داره و يختم علي محتوياتها، و أن يطلب أثر الولد، و حينما تعييهم الوسائل يقبضون علي أم الامام المهدي عليه‌السلام (صقيل) و لم تنج من قبضتهم الا بعد سنتين أو أكثر لجملة أحداث شغلتهم عنها. روي الشيخ الصدوق و الطبري الامامي عن محمد بن الحسين بن عباد، قال: «قدمت ام أبي‌محمد عليه‌السلام من المدينة و اسمها (حديث) حين اتصل بها الخبر الي سر من رأي، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر و مطالبته اياها بميراثه و سعايته الي السلطان و كشفه ما أمر الله عزوجل بستره، فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل، فحملت الي دار المعتمد، فجعل نساء المعتمد و خدمه [ صفحه 201] و نساء الموفق و خدمه و نساء القاضي ابن أبي‌الشوراب [472] يتعاهدون أمرها في كل وقت، و يراعون الي أن دهمهم أمر الصفار [473] و موت عبيدالله بن يحيي بن خاقان بغتة، و خروجهم من سر من رأي، و أمر صاحب الزنج بالبصرة و غير ذلك، فشغلهم ذلك عنها» [474] .

الصلاة علي الامام

أشارت بعض المصادر الي أن هناك صلاة اخري غير تلك التي ذكرها ابن‌خاقان في حديثه المتقدم، و لعل تلك الصلاة كانت علي المستوي الرسمي، أما الصلاة الاخري التي أشارت اليها المصادر فقد قام بها جعفر بن علي أخو الامام العسكري عليه‌السلام، الذي اجتهد في المقام مقامه و أثار السلطة علي عائلته، و لعله أراد بتلك الصلاة الخاصة أن يظهر أنه الوريث الشرعي للامام عليه‌السلام، فيستقطب بذلك الرأي الشيعي العام، و يحوز علي ميراثه و علي الأموال التي تحمل اليه من أطراف البلاد. و اذا كان جعفر قد حصل - و لو علي المستوي الرسمي - علي ارث [ صفحه 202] الامام عليه‌السلام فانه فشل في الوصول الي الأهداف المهمة التي يبتغيها، و لعل تلك الصلاة الخاصة كانت عنوان الفشل. فقد روي عن أحد خدم الامام العسكري أنه قال في حديث طويل يصف فيه تلك الصلاة:: «فلما هم (جعفر) بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ [475] برداء جعفر بن علي، و قال: تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة علي أبي، فتأخر جعفر و قد اربد وجهه و اصفر» [476] . و لم يستطع جعفر أن يقنع الرأي العام الشيعي بامامته حتي اضطر أخيرا الي التوسل بالسلطان و رجال البلاط فنهروه و طردوه، لأن أفعاله تنافي الامامة، كما أنه خالي الوفاض من العلم و الدلالة، فضلا عن أن الشيعة يعتقدون بأن الامامة لا تجتمع في أخوين بعد الحسن و الحسين عليهماالسلام علي ما ورد عن أئمتهم عليهم‌السلام الذين لقبوا جعفرا بالكذاب و تبرءوا منه و من دعوته، و هكذا فعل خلص شيعتهم بعد رحيل الامام العسكري عليه‌السلام. و هناك حديث آخر يصف لنا صلاة الامام المهدي عليه‌السلام علي أبيه لم يرد فيه ذكر عمه جعفر، رواه الشيخ الطوسي عن أحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس، قال: «حضرت دار أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام بسر من رأي يوم توفي، و اخرجت جنازته و وضعت، و نحن تسعة و ثلاثون رجلا قعود ننتظر حتي خرج الينا غلام عشاري [477] حاف عليه رداء قد تقنع به، فلما أن خرج قمنا [ صفحه 203] هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم و قام الناس فاصطفوا خلفه فصلي، ومشي فدخل بيتا غير الذي خرج منه» [478] . قال الشيخ محمد علي اليعقوبي يرثي الامام العسكري عليه‌السلام و يشير الي حضور الامام الحجة لجنازته: افديه مضطهدا تجرع من بني ال عباس صاب الظلم و العدوان بأبي الذي ختمت رزايا أهله فيه فليس لرزئه من ثان بأبي الذي خفت حلوم اولي النهي لمصابه و بكي له الثقلان و قضي قصي الدار لم ير حوله أحدا من الأنصار و الأعوان بأبي الذي حضر المغيب عنده سرا و لم تر شخصه عينان [479] .

فضل بقعته و زيارته

عن الحسين بن روح، قال: «قال أبوالحسن عليه‌السلام: قبري بسر من رأي أمان لأهل الخافقين» [480] . و عن أبي‌هاشم الجعفري، قال: «قال لي أبومحمد الحسن بن علي عليه‌السلام: قبري بسر من رأي أمان لأهل الجانبين» [481] . و ذكر محمد بن الحسن بن الوليد رحمه‌الله هذه الزيارة للامامين العسكريين عليهماالسلام [ صفحه 204] فقال: «اذا أردت زيارة قبريهما تغتسل و تتنظف، و البس ثوبيك الطاهرين، فان وصلت اليها و الا أومأت من الباب الذي علي الشارع و تقول: السلام عليكما يا وليي الله، السلام عليكما يا حجتي الله، السلام عليكما يا نوري الله في ظلمات الأرض، السلام عليكما يا من بدا لله فيكما، أتيتكما عارفا بحقكما، معاديا لأعدائكما، مواليا لأوليائكما، مؤمنا بما آمنتما به، كافرا بما كفرتما به، محققا لما حققتما، مبطلا لما أبطلتما، أسأل الله ربي و ربكما أن يجعل حظي من زيارتكما الصلاة علي محمد و أهل بيته، و أن يرزقني مرافقتكما في الجنان مع آبائكما الصالحين، و أسأله أن يعتق رقبتي من النار، و يرزقني شفاعتكما و مصاحبتكما، و لا يفرق بيني و بينكما، و لا يسلبني حبكما و حب آبائكما الصالحين، و لا يجعله آخر العهد منكما و من زيارتكما، و أن يحشرني معكما في الجنة برحمته. اللهم ارزقني حبهما، و توفني علي ملتهما، و العن ظالمي آل محمد حقهم و انتقم منهم، اللهم العن الأولين منهم و الآخرين، و ضاعف عليهم العذاب الأليم انك علي كل شي‌ء قدير، اللهم عجل فرج وليك و ابن‌نبيك، و اجعل فرجنا مع فرجهم يا أرحم الراحمين. و تجتهد أن تصلي عند قبريهما ركعتين، و الا دخلت بعض المساجد و صليت و دعوت بما أحببت ان الله قريب مجيب» [482] . و صلي الله علي الامام الحسن العسكري عليه‌السلام و علي آبائه عليهم‌السلام و علي ولده عليه‌السلام حجة الله في الأرض، سائلين الله أن ينفعنا ببركته و بركة آبائه، و أن يرزقنا شفاعتهم يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي بقلب سليم. انتهي الكتاب بفضل الله و منه

پاورقي

[1] ينابيع المودة / 30: 120.
[2] تذكرة الخواص / سبط ابن‌الجوزي: 322 - مؤسسة أهل البيت عليهم‌السلام - بيروت.
[3] اكمال‌الدين / الشيخ الصدوق: 43 - المقدمة - جماعة المدرسين - قم.
[4] اكمال‌الدين: 41 - المقدمة.
[5] اكمال‌الدين: 407 - باب 38.
[6] راجع: المناقب / ابن‌شهرآشوب 4: 457 - دار الأضواء - بيروت - 1421 ه.
[7] راجع: تاريخ الخلفاء / السيوطي: 267 - 282 - دار الكتاب العربي - 1422 ه، تاريخ اليعقوبي 2: 484 - 507 - دار صادر - 1415 ه، اعلام الوري / الطبرسي 2: 111 و 131 - مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لاحياء التراث - 1417 ه، الجوهر الثمين / ابن دقماق 1: 146 - 157 - عالم الكتب - 1405 ه، دلائل الامامة / الطبري: 409 و 324 - مؤسسة البعثة - 1413 ه، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام / تاج‌الدين العاملي: 137 و 142 - مؤسسة البعثة - 1412 ه.
[8] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 259، معجم البلدان / ياقوت الحموي - المجلد الثالث: 10 - 13 - (مدينة سامراء) دار احياء التراث العربي - بيروت - 1417 ه.
[9] الفخري في الآداب السلطانية / ابن‌الطقطا: 243، نشر الشريف الرضي، قم. [
[10] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 278.
[11] تاريخ اليعقوبي 2: 504، سير أعلام النبلاء / الذهبي 12: 535 - مؤسسة الرسالة - بيروت - 1419 ه.
[12] سير أعلام النبلاء 12: 41.
[13] الكامل في التاريخ / ابن‌الأثير 6: 154 - دار الكتب العلمية - 1415 ه، البداية و النهاية / ابن‌كثير 11: 3 - مكتبة المعارف - 1414 ه.
[14] الكامل في التاريخ 6: 166، البداية و النهاية 11: 7.
[15] تاريخ الطبري 9: 395 بتحقيق محمد أبوالفضل ابراهيم - بيروت، الكامل في التاريخ 6: 202، البداية و النهاية 11: 17، تاريخ الخلفاء / السيوطي: 280.
[16] البداية و النهاية 11: 2.
[17] سير أعلام النبلاء12: 94 - 95.
[18] سير أعلام النبلاء 12: 552.
[19] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 270.
[20] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 270.
[21] الأغاني / ابوالفرج الاصفهاني 14: 193 - دار احياء التراث العربي.
[22] الأغاني 14: 199.
[23] الأغاني 14: 193 - 194.
[24] مروج الذهب / المسعودي 4: 388 - دار احياء التراث العربي - 1422 ه، سير أعلام النبلاء 12: 40.
[25] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 271، سير أعلام النبلاء 12: 40.
[26] تاريخ اليعقوبي 2: 491.
[27] سير أعلام النبلاء 12: 40، و راجع: معجم البلدان / ياقوت 2: 60 - دار احياء التراث العربي - عند ترجمة الجعفري، و تاريخ اليعقوبي 2: 492، و البداية و النهاية 10: 346، و الكامل في التاريخ 6: 130.
[28] البداية و النهاية: 11: 17.
[29] سير أعلام النبلاء 12: 46.
[30] تاريخ الطبري 9: 396، الكامل في التاريخ 6: 203، البداية و النهاية 11: 18.
[31] البداية و النهاية 11: 3.
[32] سير أعلام النبلاء 12: 552.
[33] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282، سير أعلام النبلاء 12: 540.
[34] مقاتل الطالبيين / ابوالفرج الاصفهاني: 421 - المكتبة الحيدرية - النجف.
[35] الكامل في التاريخ 6: 157.
[36] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 268.
[37] الكامل في التاريخ 6: 181، البداية و النهاية 11: 10.
[38] البداية و النهاية 11: 9.
[39] تاريخ اليعقوبي 2: 499.
[40] تاريخ الطبري 9: 510، الكامل في التاريخ 6: 248، سير أعلام النبلاء 12: 543، البداية و النهاية 11: 31.
[41] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282.
[42] البداية و النهاية 11: 30، الكامل في التاريخ 6: 238.
[43] تاريخ اليعقوبي 2: 510.
[44] سير أعلام النبلاء 8: 260 - 263.
[45] الكامل في التاريخ 6: 66 و 89 و 102 و 126 و 132 و 155.
[46] الكامل في التاريخ 6: 195 و 213 و 227 و 238، و سير أعلام النبلاء 13:94 / 53.
[47] تاريخ اليعقوبي 2: 504، الكامل في التاريخ 6: 114 و 151 و 193 و 197 و 232 و 242 و 246، سير أعلام النبلاء 12: 513 / 191.
[48] تاريخ الطبري 9: 271، و مروج الذهب 4: 410 و 426 و 431 و 542، و الكامل في التاريخ 6: 158 و 204 و 227 و 233 و 238 و 246 و 336، البداية و النهاية 11: 6 و 15 و 24 و 30.
[49] الكامل في التاريخ 6: 100 و 104، البداية و النهاية 10: 312.
[50] تاريخ اليعقوبي 2: 489، الكامل في التاريخ 6: 116.
[51] تاريخ اليعقوبي 2: 489.
[52] البداية و النهاية 11: 24 و 29.
[53] تاريخ الطبري 9: 502، الكامل في التاريخ 6: 244، البداية و النهاية 11: 31.
[54] راجع في ذلك: تاريخ الطبري 9: 509 و 511، و تاريخ اليعقوبي 2: 488، و الكامل في التاريخ 6: 117 و 131 و 245، و البداية و النهاية 10: 317 و 324 و 342 و 11: 31، و تاريخ الخلفاء / السيوطي: 283 269.
[55] الكامل في التاريخ 6: 90، البداية و النهاية 10: 308.
[56] الكامل في التاريخ 6: 111، البداية و النهاية 10: 315.
[57] الكامل في التاريخ 6: 120 و 122 و 151 و 161، البداية و النهاية 10 و 319 و 323 و 11: 2 و 6، تاريخ اليعقوبي 2: 490 و 495.
[58] الكامل في التاريخ 6:150 و 154، البداية و النهاية 11: 2.
[59] الكامل في التاريخ 6: 153 و 201 و 203، البداية و النهاية 11: 3 و 17 و 18.
[60] الكامل في التاريخ 6: 191 و 247.
[61] مقاتل الطالبيين: 396.
[62] راجع أسماء الثائرين (الثمانية عشر) علي بني العباس في تلك الفترة في تاريخ الطبري 6: 158 و 204 و 227 و 238 و 246 و 336، و تاريخ اليعقوبي 2: 497 و 506، و مروج الذهب 4: 406 - 410 و 424 و 428 - 429، و مقاتل الطالبيين: 397 و 406 و 419 - 424 و 429 - 432 و 435، و الفخري في الآداب السلطانية: 240، و الكامل في التاريخ 6: 107 و 156 - 158 و 161 و 179 - 181 و 192 و 213 و 226 - 227 و 242، و البداية و النهاية 10: 314 و 11: 5 - 6 و 9 و 12 و 15 - 16 و 24 و 30.
[63] راجع أخبار ثورة الزنج في: مروج الذهب / المسعودي 4: 438، تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282، تاريخ اليعقوبي 2: 507، الفخري في الآداب السلطانية: 250، البداية و النهاية 11: 18 و ما بعدها، و أحداث سنة 255 - 270 في تاريخ الطبري و الكامل و سائر التواريخ.
[64] المناقب / ابن‌شهرآشوب 4: 462 - دار الأضواء - بيروت - ط 1 - 1421 ه.
[65] راجع حركة الخوارج تلك في: تاريخ اليعقوبي 2: 497 و 502، و الكامل في التاريخ 6: 186 و 190 و 195 و 205 و 212 و 219، و 234 و 272 و 345 و 346، و البداية و النهاية 11: 22 و 30.
[66] المناقب لابن شهرآشوب 4: 466، الغيبة / الشيخ الطوسي: 179 / 215.
[67] الغيبة للشيخ الطوسي: 174 / 206 - مؤسسة المعارف الاسلامية - قم 1417 ه، بحارالأنوار 50: 276 / 50.
[68] راجع الرواية في مناقب ابن‌شهرآشوب 4: 460.
[69] المناقب لابن شهرآشوب 4: 466، بحارالأنوار 50: 286.
[70] الغيبة للطوسي: 354 / 314.
[71] راجع المجلد الثاني من كتاب (معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة عليهم‌السلام) للمولي محمد علم الهدي ابن‌الفيض الكاشاني، المتوفي سنة 1115 ه، مكتبة الصدوق - طهران - و بالنظر لكثرة التواقيع و المكاتبات فقد اتخذت مادة للتأليف، فألف عبدالله بن جعفر الحميري كتاب (مسائل الرجال و مكاتباتهم أباالحسن الثالث عليه‌السلام) و كتاب (مسائل لأبي الحسن علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل أبي‌محمد و توقيعات). و ألف علي بن جعفر الهماني مسائل لأبي الحسن عليه‌السلام. راجع: رجال النجاشي: 220 / 573 ترجمة محمد بن جعفر الحميري، نشر جماعة المدرسين - قم - 1416 ه و معجم رجال الحديث للسيد الخوئي 11: 293 / 7968 - ترجمة علي بن جعفر الهماني - دار الزهراء - بيروت - 1403 ه.
[72] معجم رجال الحديث 1: 250 / 205.
[73] رجال النجاشي: 102 / 254.
[74] معجم رجال الحديث 4: 73 / 2169.
[75] معجم رجال الحديث 6: 144 / 3800.
[76] معجم رجال الحديث 11: 293 / 7968.
[77] راجع: مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: 826 - أعمال شعبان - بيروت - مؤسسة فقه الشيعة - 1411 ه.
[78] الغيبة للشيخ الطوسي: 360 / 322.
[79] معجم رجال الحديث 14: 318 / 10080.
[80] معجم رجال الحديث 16: 184 / 10967.
[81] في بعض المصادر: بارمش أو نارمش.
[82] راجع: أصول الكافي / للشيخ الكليني 1: 508 / 8 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة - دار الأضواء - بيروت - 1405 ه، الارشاد للشيخ المفيد 2: 329 - مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام - قم - 1413 ه، المناقب لابن شهرآشوب 4: 462.
[83] راجع: أصول الكافي 1: 513 / 26 من الباب السابق، الارشاد 2: 334.
[84] اثبات الوصية / المسعودي: 253 - انصاريان - قم - 1417 ه، مهج‌الدعوات / السيد ابن طاووس: 343، بحارالأنوار 50: 314.
[85] أصول الكافي 1: 512 / 23 من الباب السابق، الارشاد 2: 334، المناقب لابن شهرآشوب 4: 462.
[86] المناقب لابن شهرآشوب 4: 470، اعلام الوري 2: 141، الخرائج و الجرائح لقطب الدين الراوندي 2: 682 / 1 و 2 - مدرسة الامام المهدي عليه‌السلام - قم، بحارالأنوار 50: 54 / 10 و 312 / 10.
[87] بحارالأنوار 50: 304 / 80 عن عيون المعجزات.
[88] الكافي 1: 512 / 23 من الباب السابق، الارشاد 2: 334.
[89] الكافي 1: 508 / 8 من الباب المتقدم، الارشاد 2: 329.
[90] الكافي 1: 512/ 23 من الباب المتقدم، الارشاد 2: 334.
[91] أصول الكافي 1: 505 / 1 من الباب المتقدم، الارشاد 2: 324.
[92] تاريخ الطبري 9: 381، الكامل في التاريخ 6: 196. حوادث سنة 254 ه.
[93] راجع: أصول الكافي 1: 508 / 10 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام - من كتاب الحجة.
[94] المناقب لابن شهرآشوب 4: 466.
[95] المناقب لابن شهرآشوب 4: 468، كشف الغمة / الاربلي 3: 314 - دار الأضواء - بيروت، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي 2: 1083 - دار الحديث - قم - 1422 ه، بحارالأنوار 50: 292 / 66.
[96] المناقب لابن شهرآشوب 4: 460 بحارالأنوار 50: 282 / 59.
[97] مهج الدعوات: 67، بحارالأنوار 85: 230.
[98] الفصول المهمة 2: 1091.
[99] راجع الغيبة للشيخ الطوسي: 227 / 194، الفصول المهمة 2: 1084، بحارالأنوار 50: 306 / 2 و 312 / 10. [
[100] راجع: الارشاد 2: 336.
[101] بحارالأنوار / المجلسي 102: 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي - المكتبة الاسلامية.
[102] الابن: جمع ابنة، الحقد و العداوة و العيب.
[103] قد يقال: ان الخلفاء في هذا العصر خصوصا المتوكل قد فرضوا قيودا صارمة علي أهل الذمة، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنهم يشكلون جزءا مهما من جيوش الخلافة، و بعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش، منهم أبوالعباس الوارثي النصراني، الذي وجهه بغا الي أرمينية. راجع: الكامل في التاريخ: 116، و منهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق و وزير المعتمد. راجع: سير أعلام النبلاء 13: 326 / 149.
[104] مهج‌الدعوات لابن طاوس: 67 - طهران - 1323 ه، بحارالأنوار 85: 229 / 1.
[105] راجع: أصول الكافي 1: 506 / 3 و 507 / 10 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام - من كتاب الحجة، بحارالأنوار 50: 294 / 69.
[106] كشف الغمة 3: 295، بحارالأنوار 50: 298 / 72.
[107] كشف الغمة 3: 293، بحارالأنوار 50: 296 - 297.
[108] المناقب لابن شهرآشوب 4: 461.
[109] اثبات الوصية 251، كشف الغمة 3: 302، بحارالأنوار 50: 290 / 63.
[110] الخرائج و الجرائح 1: 439 / 20، بحارالأنوار 50: 269 / 24.
[111] الثاقب في المناقب / لأبي جعفر محمد بن علي الطوسي: 573 / 520 - دار الزهراء - 1411.
[112] تاريخ الخلفاء: 268. و الظاهر أن أصل عبارة السيوطي (بالنصب).
[113] سير أعلام النبلاء 12: 35.
[114] الكامل في التاريخ 6: 108 - 109.
[115] تاريخ الطبري 9: 230، الكامل في التاريخ 6: 140.
[116] تذكرة الخواص 322.
[117] دلائل الامامة / الطبري: 419 / 382 - مؤسسة البعثة - قم - 1413 ه، نوادر المعجزات / الطبري: 188 / 7 - مؤسسة الامام المهدي عليه‌السلام - قم - 1410 ه.
[118] الخرائج و الجرائح 1: 414 / 19، الثاقب في المناقب: 557، كشف الغمة 3: 185، بحارالأنوار 50: 155 / 44.
[119] أو بريهة، راجع: الكامل في التاريخ 6: 245.
[120] اثبات الوصية، 233.
[121] الارشاد 2: 309.
[122] تاريخ اليعقوبي 2: 484.
[123] الارشاد 2: 309، و راجع نسخة كتاب المتوكل أيضا في أصول الكافي1: 501 / 7، و الفصول المهمة 2: 1069.
[124] قال ابن‌كثير: كان المتوكل لا يولي أحدا الا بعد مشورة الامام أحمد، البداية و النهاية 10: 316، فان كان ذلك حقا، فلا أدري كيف يوافق الامام أحمد علي تولية أمثال: محمد بن الفرج الرخجي، والديزج الذي هدم قبر الحسين عليه‌السلام، و أبي السمط مروان بن أبي الجنوب الذي ولاه علي اليمامة و البحرين، و ابن اترجة الذي ولاه الحرب و الصلاة في الحرمين و غيرهم من النواصب؟! فان أراد المبالغة في مدح المتوكل الناصبي فقد عرض بالامام أحمد و أساء اليه، و ان كان قوله حقا فعلي أمثال الامام أحمد العفا.
[125] تاريخ الغيبة الصغري للسيد محمد الصدر: 107 - دار التعارف - بيروت - 1412 ه.
[126] المناقب لابن شهرآشوب 4: 449، بحارالأنوار 50: 129 / 8.
[127] اثبات الوصية / المسعودي: 244.
[128] تاريخ الطبري 9: 163 - حوادث سنة 233 ه.
[129] البداية و النهاية 11: 15 - حوادث سنة 254 ه.
[130] الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام / لابن طولون: 109 و 113 - بيروت - دار صادر.
[131] الارشاد 2: 310.
[132] الارشاد 2: 312.
[133] أصول الكافي 1: 501 / 7 - باب مولد أبي‌الحسن علي بن محمد عليهماالسلام من كتاب الحجة.
[134] المناقب لابن شهرآشوب 4: 433.
[135] تاريخ الغيبة الصغري 2: 107 - 108.
[136] اثبات الوصية: 233.
[137] تذكرة الخواص: 322، مروج الذهب 4: 422 نحوه.
[138] تاريخ اليعقوبي 2: 484.
[139] راجع أصول الكافي 1: 498 / 2 باب مولد ابي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام من - كتاب الحجة، بصائر الدرجات / للصفار: 426 / 7 و 427 / 11 - مؤسسة الأعلمي - طهران، الخرائج و الجرائح / للقطب الراوندي 2: 680 / 10.
[140] الارشاد 2: 311، الفصول المهمة 2: 1070، اعلام الوري 2: 126.
[141] تذكرة الخواص: 322، و نحوه في مروج الذهب 4: 422.
[142] في الكافي: البطحائي العلوي: و هو يشير الي أن الدولة تستعمل الضد النوعي للتجسس علي الامام، الامر الذي تمارسه حكومات الطغيان و الاستبداد في هذا الزمان.
[143] أصول الكافي 1: 499 / 4 باب مولد أبي‌الحسن علي بن محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 303، الخرائج و الجرائح 1: 676 / 8.
[144] مروج الذهب 4: 367 - 368، و راجع أيضا: تذكرة الخواص / سبط ابن‌الجوزي 322 - مؤسسة أهل البيت - بيروت - 1401 ه، البداية و النهاية 11: 15، و فيات الأعيان / لابن خلكان 3: 272 - منشورات الرضي - قم، الائمة الاثنا عشر عليهم‌السلام لابن طولون: 107 - منشورات الرضي - قم.
[145] راجع: مقاتل الطالبيين: 395، الكامل في التاريخ 6: 108، تاريخ ابن‌الوردي 1: 216 - المطبعة الحيدرية - النجف، البداية و النهاية 315:10، تاريخ الخلفاء / السيوطي 268.
[146] بحارالأنوار 45: 403، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام / للسيد تاج‌الدين العاملي: 137.
[147] هو أبوالحسن، علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسام، المعروف بالبسامي، أو ابن‌بسام، الشاعر المشهور في زمن المقتدر العباسي، و قد هجا الخلفاء و الوزراء، توفي سنة 302 ه. سير أعلام النبلاء 14: 112 / 56.
[148] سير أعلام النبلاء 12: 35، تاريخ الخلفاء / للسيوطي: 269.
[149] راجع: البداية و النهاية: 10: 347، الكامل في التاريخ 6: 130.
[150] راجع: مقاتل الطالبيين: 396.
[151] مقاتل الطالبيين 406.
[152] مقاتل الطالبيين: 407.
[153] مقاتل الطالبيين: 408.
[154] مقاتل الطالبيين: 417.
[155] الثاقب في المناقب: 543، المناقب لابن شهرآشوب 4: 448.
[156] المناقب لابن شهرآشوب 4: 442، بحارالأنوار 50: 127 / 5.
[157] رجال الكشي: 2: 866 / 1129، بحارالأنوار 50: 183 / 58.
[158] الثاقب في المناقب: 548 / 490.
[159] الكامل في التاريخ 6: 133، تاريخ الخلفاء: 269، تاريخ ابن‌الوردي 1: 313.
[160] راجع: الخرائج و الجرائح 1: 396 / 3، بحارالأنوار 50: 144 / 28.
[161] راجع: المناقب لابن شهرآشوب 4: 439، الثاقب في المناقب: 536، اعلام الوري 2: 123.
[162] سورة هود: 11 / 65.
[163] اثبات الوصية: 240.
[164] مهج الدعوات: 330 - 337، بحارالأنوار 95: 234 - 240 / 30.
[165] الأمالي: 328 / 655.
[166] الكامل في التاريخ 6: 109.
[167] الكامل في التاريخ 6: 136 - 141، تاريخ الخلفاء / للسيوطي: 271، البداية و النهاية 10: 349.
[168] سورة الرعد: 13 / 34.
[169] راجع: الكامل في التاريخ 6: 146 حوادث سنة 248، تاريخ الخلفاء / السيوطي: 277.
[170] مقاتل الطالبيين 419.
[171] مقاتل الطالبيين: 396.
[172] في تاريخ الطبري 9: 254 (الحسين).
[173] الكامل في التاريخ 6: 149 حوادث سنة 248، و راجع أيضا: تاريخ ابن الوردي 1: 315، سير أعلام النبلاء 12: 42 - 44، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 276.
[174] الكامل في التاريخ 148:6.
[175] الفخري في الآداب السلطانية: 241.
[176] مروج الذهب 4: 429.
[177] راجع: مروج الذهب 4: 417، الكامل في التاريخ 6: 185، البداية و النهاية 11: 11، تاريخ ابن‌الوردي 1: 316.
[178] سير أعلام النبلاء 12: 532.
[179] مروج الذهب 4: 429.
[180] الكامل في التاريخ 6: 187.
[181] مقاتل الطالبيين: 433.
[182] و قيل: لثلاث أو أربع أو خمس بقين من جمادي الآخرة سنة 254، راجع: الكافي 1: 497. باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة، دلائل الامامة: 409، تاج المواليد / الطبرسي: 132 - ضمن مجموعة نفيسة - مكتبة السيد المرعشي - قم، المناقب لابن شهرآشوب 4: 433، كشف الغمة 3: 165 و 174، البداية و النهاية 11: 14 - 15، الفصول المهمة، 2: 1074، اعلام الوري 2: 109، تاريخ اليعقوبي 2: 503.
[183] الكافي 1: 326 / 3 - باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 315، اعلام الوري 2: 133.
[184] رجال الكشي، بشرح الداماد: 842 - 843، المناقب / ابن‌شهرآشوب 4: 467، وسائل الشيعة 3: 274 / 3634 - 3636.
[185] تاريخ اليعقوبي 2: 503.
[186] مروج الذهب 4: 423، تذكرة الخواص: 324، نور الأبصار / الشبلنجي: 337 - دار الجيل - بيروت، الفصول المهمة 2: 1076، دلائل الامامة: 409.
[187] بحارالأنوار 50: 117 عن مصباح الكفعمي.
[188] المناقب لابن شهرآشوب 4: 433، عن ابن‌بابوبه.
[189] الكامل في التاريخ 6: 185 و 192، تاريخ الخلفاء / للسيوطي: 279، البداية و النهاية: 11: 11 و 12.
[190] كان رئيس الامراء الترك في زمان المعتز و المهتدي، و قتل في خلافة المهتدي سنة 256 ه، راجع الكامل في التاريخ 6: 214.
[191] الكافي 1: 512 / 23 - باب مولد أبي‌محمد الحسن العسكري عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 334.
[192] الثاقب في المناقب: 577 / 526، الخرائج و الجرائح 2: 682 / 1 و 2، نورالأبصار: 183، المناقب لابن شهرآشوب 4: 470، اعلام الوري 2: 141.
[193] المناقب لابن شهرآشوب 4: 464.
[194] الغيبة للطوسي: 208 / 177، الخرائج و الجرائح 1: 451 / 36، مهج‌الدعوات: 274،دلائل الامامة: 427 / 391، الثاقب في المناقب، 576 / 523.
[195] كشف الغمة 295:3، بحارالأنوار 50: 297 / 72.
[196] الكامل في التاريخ 6: 200، الفخري في الآداب السلطانية 243، البداية و النهاية، 11: 16 سير أعلام النبلاء، 12: 533.
[197] أصول الكافي 1: 329 / 5 - باب الاشارة و النص الي صاحب الدار عليه‌السلام، اكمال الدين:430 / 3 - باب 42.
[198] راجع: تاريخ الخلفاء / السيوطي: 281، الكامل في التاريخ 6: 223 - 224، البداية و النهاية 11: 23، سير أعلام النبلاء 12: 535، الفخري في الآداب السلطانية: 246.
[199] الفخري في الآداب السلطانية: 246.
[200] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 281.
[201] سورة القلم: 68 / 4.
[202] الكامل في التاريخ 6: 224.
[203] ذكر ذلك المسعودي أيضا في مروج الذهب 4: 429 و جعله في زمان المعتز.
[204] الجار: بلدة علي البحر الأحمر.
[205] مقاتل الطالبيين: 435 - 439.
[206] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 281.
[207] اثبات الوصية: 252، مهج‌الدعوات: 343، بحارالأنوار 50: 313، و نحوه في المناقب لابن شهرآشوب 4: 463، الغيبة للشيخ الطوسي، 205 / 173 و 223 / 187، بحارالأنوار 50: 303 / 79.
[208] في الفصول المهمة: عيسي بن الفتح.
[209] الفصول المهمة 2: 1087، بحارالأنوار 50: 275 / 48 عن الخرائج و الجرائح.
[210] جديد الأرض: وجهها.
[211] أصول الكافي 1: 510 / 16، الارشاد، 2: 333، اعلام الوري 2: 144، بحارالأنوار 50: 308 / 5.
[212] راجع: تاريخ اليعقوبي 2: 506، الكامل في التاريخ 6:221 - 223.
[213] الفخري في الآداب السلطانية: 250.
[214] مقاتل الطالبيين: 440 - 443.
[215] تاريخ اليعقوبي 2: 150.
[216] أصول الكافي 1: 513 / 26 - باب مولد أبي‌محمد الحسن العسكري عليه‌السلام من كتاب الحجة، بحارالأنوار 50: 309 / 7.
[217] اثبات الوصية: 253، مهج‌الدعوات: 343، بحارالأنوار 50: 313 - 314 و 330 / 2.
[218] الصواعق المحرقة / ابن‌حجر الهيتمي 124 - مكتبة القاهرة - مصر - 1385 ه، الفصول المهمة 2: 1085 - 1087، نورالأبصار: 337، و أخرجه في احقاق الحق 12: 464 و 19: 620 و 625 و 29: 64 عن عدة مصادر، و راجع: الخرائج و الجرائح 1: 441 / 23، المناقب لابن شهرآشوب 4: 458، بحارالأنوار 50: 270 / 37.
[219] مهج‌الدعوات: 344، اثبات الوصية: 255، بحارالأنوار 50: 314، و الآية من سورة الصف: 61 / 8.
[220] مهج‌الدعوات: 344.
[221] سنأتي علي ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا الكتاب.
[222] راجع: أصول الكافي 1: 503 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، التهذيب / الشيخ الطوسي 6: 92 - باب 42 من كتاب المزار، الارشاد 2: 313، اكمال الدين: 307 آخر باب 27 خبر اللوح، اثبات الوصية: 244، دلائل الامامة: 424، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، روضةالواعظين 251، تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام / ابن‌الخشاب: 199 - مطبوع ضمن مجموعة نفيسة - مكتبة السيد المرعشي - قم، الفصول المهمة 2: 1080، تذكرة الخواص: 324، كشف الغمة 3: 271، اعلام الوري 2: 131، تاج المواليد: 133، بحارالأنوار 50: 235 / 2، 236 / 5 و 7، 238 / 11.
[223] بحارالأنوار 50: 238 / 11.
[224] اثبات الوصية: 244.
[225] راجع: اثبات الوصية: 253، مهج‌الدعوات: 343، بحارالأنوار 50: 313، 330 / 2.
[226] اكمال‌الدين: 474 / 25، بحارالأنوار 50: 331 / 3.
[227] اكمال‌الدين: 442 / 15.
[228] اعلام الوري 2: 131، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، الفصول المهمة 2: 1079، نورالأبصار: 338، روضةالواعظين / ابن‌الفتال: 251 - منشورات الرضي - قم، و ذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية: اصول الكافي 1: 503 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، و الارشاد 2: 313، و التهذيب للشيخ الطوسي، 6: 92 - باب 42 من كتاب المزار - دار الكتب الاسلامية - طهران، و اقتصر كثيرون علي ذكر السنة، و منهم ابن‌الأثير في الكامل 6: 250 - آخر حوادث سنة 260 ه، و ابن‌خلكان في الوفيات 2: 94 - منشورات الرضي - قم، و ابن‌حجر في الصواعق المحرقة: 124، و السويدي في سبائك الذهب: 342 - دار الكتب العلمية - بيروت.
[229] دلائل الامامة: 423 / 384.
[230] راجع اصول الكافي 1: 503 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، دلائل الامامة: 423، الهداية الكبري / الخصيبي: 327 - مؤسسة البلاغ - بيروت - 1406 ه، روضة الواعظين: 251، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون: 113، مصباح الكفعمي: 523 - طبعة اسماعيليان - قم، المنتظم / ابن‌الجوزي 12: 158 - دار الكتب العلمية - بيروت، تذكرة الخواص: 324، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين و المؤرخين: 87 - مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام - 1410 ه، الانساب / للسمعاني 4: 194 - دار الجنان - بيروت، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي 29: 59 عن تاريخ الأحمدي، بحارالأنوار 50: 236 - 238.
[231] الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي: 250 - نشر الشريف الرضي - قم.
[232] تذكرة الخواص: 324.
[233] روضة الواعظين: 251، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، بحارالأنوار 50: 236 / 5.
[234] أصول الكافي 1: 509 / 11 - باب ميلاد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 331، اثبات الوصية: 251، الخرائج و الجرائح 1: 436/ 814، اعلام الوري 1: 145، بحارالأنوار 50: 268 / 28.
[235] الغيبة / الشيخ الطوسي: 199 / 165.
[236] راجع: احقاق الحق 12: 458، 19: 619، 29: 59 عن عدة مصادر.
[237] معجم البلدان - المجلد الثالث: 328 - عسكر سامراء.
[238] راجع: الانساب / للسمعاني 4: 194 - 196، معجم البلدان - المجلد الثالث: 328، القاموس المحيط / الفيروزآبادي - عسكر - 2: 92 - دار الجيل - بيروت، الائمة الاثناعشر / لابن طولون: 113.
[239] علل الشرائع / الصدوق 1: 230 - باب 176، معاني الأخبار / الصدوق: 65، بحارالأنوار 50: 113 / 1 و 235 / 1.
[240] المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، الفصول المهمة 2: 1080، اعلام الوري 2: 131.
[241] دلائل الامامة: 423 - 424، اعلام الوري 2: 131، مناقب ابن شهرآشوب 4: 455، الفصول المهمة 2: 1080، اكمال‌الدين: 307 باب 27، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 142، بحارالأنوار 50: 238.
[242] دلائل الامامة: 424.
[243] ترجم له النجاشي في رجاله:87 / 213 و قال: ذكره أصحابنا في المصنفين، و أن له كتابا يصف فيه سيدنا أبامحمد عليه‌السلام، و لم أر هذا الكتاب، و قال الشيخ الطوسي: له مجلس يصف فيه أبامحمد الحسن بن علي عليه‌السلام، أخبرنا به ابن أبي‌جيد، عن ابن‌الوليد، عن عبدالله بن جعفر الحميري، الفهرست: 81 / 102 - مكتبة المحقق الطباطبائي - قم - 1420 ه.
[244] أصول الكافي 1: 503 / 1 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 321، اكمال‌الدين 1: 40 مقدمة المصنف، اعلام الوري 2: 147، الخرائج و الجرائح 2: 901.
[245] الفصول المهمة 2: 1081، نورالأبصار: 338.
[246] الغيبة / للشيخ الطوسي: 247 / 216.
[247] الفصول المهمة 2: 1081، نورالأبصار: 338، بحارالأنوار 50: 238 / 9.
[248] مصباح الكفعمي: 523، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 142.
[249] بحارالأنوار 50: 238 / 12.
[250] دلائل الامامة: 425.
[251] راجع: تاريخ الأئمة لابن أبي‌الثلج: 33 - مكتبة السيد المرعشي - قم - ضمن مجموعة نفيسة، مصباح الكفعمي: 523، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، دلائل الامامة: 425، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 143.
[252] الفصول المهمة 2: 1081، نورالأبصار: 338.
[253] ديوان ابن‌الرومي 2: 492 / 365 تحقيق الدكتور حسين نصار، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
[254] أصول الكافي:327 / 11 - باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[255] راجع: تاج المواليد: 134، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، دلائل الامامة: 423، اعلام الوري 2: 31، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 142، بحارالأنوار 50: 236 / 5 و 238 / 8.
[256] اكمال‌الدين: 423 / 1 - باب 41.
[257] راجع: اكمال‌الدين: 417 / 1 - باب 41، المناقب لابن شهرآشوب 4: 472، الغيبة للشيخ الطوسي: 208 / 178، روضةالواعظين: 252، دلائل الامامة: 489 / 488.
[258] اكمال‌الدين: 432 / 12 - باب 42، الغيبة للشيخ الطوسي: 393 / 362.
[259] راجع: اكمال‌الدين: 43 - مقدمة المصنف، 476 / 36 باب 42، دلائل الامامة: 425، بحارالأنوار 50: 331 / 3.
[260] راجع: المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، كفاية الطالب / الكنجي: 458 - دار احياء تراث أهل البيت - طهران - 1404 ه، دلائل الامامة: 425، نورالأبصار: 341.
[261] الارشاد 2: 339.
[262] اعلام الوري 2: 151، المناقب لابن شهرآشوب 4: 455.
[263] مصباح الكفعمي: 523.
[264] راجع: اكمال‌الدين: 446 / 19 باب 43 و 467 / 21 من نفس الباب.
[265] التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 143.
[266] الغيبة للشيخ الطوسي: 245 - 246 / 214.
[267] راجع: الارشاد 2: 312، المناقب لابن شهرآشوب 4: 433، دلائل الامامة: 412، اعلام الوري 2: 127، الفصول المهمة 2: 1076، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 138.
[268] ورد في حديث أن عمر الامام العسكري عليه‌السلام يوم وفاة أخيه السيد محمد نحو عشرين سنة، و بما أنه عليه‌السلام ولد سنة 232، فتكون وفاة السيد محمد نحو سنة 252 ه. راجع: أصول الكافي 1: 327 / 8 - باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[269] أعيان الشيعة 14: 291 - دار التعارف للمطبوعات.
[270] أصول الكافي 1: 326 / 8 باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[271] علل الشرائع / الصدوق 1: 234 / 1 - المطبعة الحيدرية - النجف - 1385 ه، اكمال‌الدين: 319 / 2 باب 31.
[272] اكمال‌الدين: 321 / آخر الحديث 2 باب 31، الغيبة / للشيخ الطوسي: 226 / 193.
[273] راجع: اكمال‌الدين: 483 / 4 - باب 45، الغيبة / للشيخ الطوسي: 290 / 247، بحارالأنوار 50: 230 / 3 عن احتجاج الطبرسي: 162 - 163.
[274] أصول الكافي 1: 505 / 1 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 324.
[275] راجع: اكمال‌الدين: 479، الخرائج و الجرائح 3: 1109.
[276] الارشاد 2: 336 - 337، و نحوه في المناقب لابن شهرآشوب 4: 455، اعلام الوري 2: 152 - 151، الفصول المهمة 2: 1093.
[277] سورة يوسف: 12 / 17.
[278] الارشاد 2: 313.
[279] راجع: أصول الكافي 1: 286 - باب ما نص الله عز و جل و رسوله صلي الله عليه و آله علي الأئمة عليهم‌السلام واحدا فواحدا، اكمال‌الدين: 250 - 378 - الأبواب 23 - 36، بحارالأنوار 36: 192 - 418 - باب 40 - 48.
[280] اكمال‌الدين: 372 / 6 باب 35.
[281] اكمال الدين: 378 / 3 باب 36.
[282] أصول الكافي 1: 325 / 1 - باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[283] أصول الكافي 1: 325 / 2 من نفس الباب المتقدم.
[284] أصول الكافي 1: 326 / 3 من نفس الباب المتقدم.
[285] أصول الكافي 1: 326 / 6 من نفس الباب المتقدم.
[286] أصول الكافي 1: 326 / 7 من نفس الباب المتقدم.
[287] أصول الكافي 1: 327 / 11 من نفس الباب المتقدم.
[288] أصول الكافي 1: 328 / 13 من نفس الباب المتقدم.
[289] اكمال‌الدين: 379 / 1 - باب 37.
[290] اكمال‌الدين: 382 / 8 - باب 37.
[291] اكمال‌الدين 383 / 10 - باب 37.
[292] كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 138 / 163.
[293] كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 199 / 164.
[294] كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 199 / 165.
[295] راجع علي سبيل المثال:: أصول الكافي 1: 326 - 328 الأحاديث رقم 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 12 باب الاشارة و النص علي أبي‌محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة، و اكمال‌الدين: 382 / 8 باب 37، و كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 203 / 107 و غيرها كثير.
[296] الغيبة / الشيخ الطوسي: 198 و 200، و راجع ص: 83.
[297] اكمال‌الدين: 479 - آخر باب 43، الخرائج و الجرائح 3: 1109.
[298] أصول الكافي 1: 504 / 1 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، اكمال‌الدين: 42 مقدمة المؤلف، الارشاد 2: 322، روضة الواعظين: 250، إعلام الوري 2: 147.
[299] الفصول المختارة / السيد المرتضي: 317، دار المفيد - 1414 ه.
[300] راجع: تحف العقول: 358 و ما بعدها، المناقب لابن شهرآشوب 4: 458 - 459، بحارالأنوار 78: 370 باب 29.
[301] اكمال‌الدين 222 / 9 باب 22.
[302] اثبات الوصية: الخرائج و الجرائح 1: 448 / 35، بحارالأنوار 50: 296 / 70.
[303] الخرائج و الجرائح 1: 439 / 20، بحارالأنوار 52: 269 / 24.
[304] الخرائج و الجرائح 1: 440 / 21، بحارالأنوار 50: 270 / 25.
[305] اثبات الوصية: 247، تحف العقول: 360 مختصرا.
[306] و هو عبيدالله بن يحيي بن خاقان التركي، ولد سنة 209 ه، و استوزره المتوكل و المعتمد، و استمر في الوزارة الي أن توفي سنة 263 ه، و كان عاقلا سمحا جوادا حازما. سير أعلام النبلاء 13: 9 / 5، أعلام الزركلي 4: 198.
[307] أصول الكافي 1: 503 / 1 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، اكمال‌الدين: 40 - مقدمة المصنف، الارشاد 2: 321، روضة الواعظين: 249، اعلام الوري 2: 147.
[308] اكمال‌الدين: 479 - آخر باب 43، الخرائج و الجرائح 3: 1109.
[309] الشمامسة: جمع شماس، و هو خادم الكنيسة بالسريانية.
[310] مدينة المعاجز / السيد هاشم البحراني 7: 670 / 2655 عن الهداية الكبري للخصيبي.
[311] أصول الكافي 1: 505 / 1 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، اكمال‌الدين: 43 - المقدمة، الارشاد 2: 324.
[312] الدعوات / الراوندي: 227.
[313] الخرائج و الجرائح 2: 901.
[314] راجع الحديث في غيبة الشيخ الطوسي: 215 / 179.
[315] أصول الكافي 1: 512 / 23 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 334.
[316] أصول الكافي 1: 327 / 11 - باب الاشارة و النص علي أبي محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[317] شرح نهج‌البلاغة 15: 278.
[318] الخرائج و الجرائح 2: 901.
[319] لعل المراد به بهلول بن اسحاق بن بهلول (204 - 298 ه) أو أخوه المعروف بابن بهلول، و هو أحمد بن اسحاق بن بهلول (231 - 318 ه) وكلاهما من العلماء المعاصرين له عليه‌السلام. راجع: سير أعلام النبلاء 13: 535/ 268 و 14: 497 / 281، أعلام الزركلي 1: 95.
[320] سورة المؤمنون: 23 / 115.
[321] راجع: احقاق الحق 12: 473 و 19: 620 و 29: 65 عن عدة مصادر منها: الصواعق المحرقة لابن حجر، و نور الأبصار للشبلنجي، و وسيلة المآل للحضرمي، و روض الرياحين لعفيف الدين اليافعي و غيرها.
[322] الخرائج و الجرائح 1: 422 / 3، بحارالأنوار 50: 260 / 21.
[323] راجع تخريجات الحادثة في آخر الفصل الثاني.
[324] احقاق الحق 12: 462 - 463.
[325] أصول الكافي 1: 512 / 23 - باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 334.
[326] اثبات الوصية: 252، مهج الدعوات: 343، بحارالأنوار 50: 314.
[327] الغيبة / الشيخ الطوسي: 217 / 179، بحارالأنوار 50: 253.
[328] الغيبة / الشيخ الطوسي: 247 / 216.
[329] الغيبة / الشيخ الطوسي: 217 / 179.
[330] الغيبة / الشيخ الطوسي: 217.
[331] المناقب / لابن شهرآشوب 4: 464، الفصول المهمة 2: 1082.
[332] بحارالأنوار 78: 377 / 3.
[333] أصول الكافي 1: 506 / 3 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[334] أصول الكافي 1: 507 / 5 و 508 / 10 من الباب المتقدم.
[335] أصول الكافي 1: 509 / 14 من الباب المتقدم.
[336] أصول الكافي 1: 510 / 15 من الباب المتقدم.
[337] بحارالأنوار 50: 264 / 23.
[338] الثاقب في المناقب: 573 / 520.
[339] بحارالأنوار 50: 282 / 58، عن فرج المهموم لابن طاوس.
[340] الغيبة / الشيخ الطوسي: 207 / 176، الثاقب في المناقب: 567 / 509، اثبات الوصية: 249، الخرائج و الجرائح 2: 688 / 11.
[341] أصول الكافي 1: 95 / 1 - باب ابطال الرؤية من كتاب التوحيد، التوحيد / الشيخ الصدوق: 108 / 2 - باب ما جاء في الرؤية.
[342] أصول الكافي 1: 103 / 10 - باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالي من كتاب التوحيد، التوحيد / الشيخ الصدوق: 101 / 14 - باب أنه عز و جل ليس بجسم و لا صورة.
[343] سورة الرعد: 13 / 39.
[344] اثبات الوصية: 249، الغيبة / الشيخ الطوسي: 430 / 421،الثاقب في المناقب: 566 / 507، الخرائج و الجرائح 2: 687 / 10.
[345] سورة المائدة: 5 / 3.
[346] سورة الشوري: 42 / 23.
[347] تحف العقول: 358، علل الشرائع / الشيخ الصدوق 1: 291 / 6 باب 182 علل الشرائع و اصول الاسلام.
[348] الثاقب في المناقب: 567 / 508، اثبات الوصية: 249.
[349] اعلام الوري 2: 143.
[350] كشف الغمة / الاربلي 3: 303، بحارالأنوار 50: 290 / 50.
[351] بحارالأنوار 26: 264 / 49.
[352] كشف الغمة / الاربلي 3: 300 بحارالأنوار 50: 299.
[353] اثبات الوصية: 272.
[354] راجع: كتاب الغيبة / للشيخ الطوسي: 354 / حديث 315 و ما بعده.
[355] رجال النجاشي: 220 / 573.
[356] رجال النجاشي 280 / 740.
[357] الفهرست / للشيخ الطوسي: 408 / 622.
[358] رجال النجاشي: 307 / 1009.
[359] رجال النجاشي: 347 / 937.
[360] رجال النجاشي، 371 / 1010.
[361] اكمال‌الدين: 431 / 6 باب 42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله ابن الحسن عليه‌السلام.
[362] اثبات الوصية: 260: غيبة الطوسي: 246 / 214.
[363] اكمال الدين: 433 / 16 باب 42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن عليه‌السلام.
[364] اكمال‌الدين: 384 / 1 باب 38 ما روي عن أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه‌السلام.
[365] اكمال‌الدين: 442 / 14 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه‌السلام و رآه و كلمه.
[366] أصول الكافي 1: 330 / 1 باب في تسمية من رآه.
[367] و قد تعارضت الأخبار في هذه المسألة بين مانع و مجوز للتسمية، و تعارف عند الشيعة ذكره عليه‌السلام بالقابه كالحجة و القائم و الخلف و صاحب الدار و الناحية و الغلام و الغريم و غيرها، و للسيد محسن الأمين رأي يجمع بين الأخبار خلاصته أن التصريح بالاسم مكروه مطلقا، و التسمية تصريحا و كناية محرمة في زمان الخوف. راجع: المجالس السنية / السيد محسن الأمين 5: 678 - دار التعارف - بيروت، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم‌السلام / السيد محسن الامين - القسم الخامس: 5 - 6 - دار التعارف - بيروت.
[368] اكمال‌الدين: 43 - المقدمة.
[369] اكمال‌الدين: 43 - المقدمة - و المجلس يبدأ من ص 40 - 43.
[370] راجع: المهدي المنتظر عليه‌السلام في الفكر الاسلامي / السيد ثامر العميدي - الاصدار الأول من اصدارات مركز الرسالة.
[371] راجع: اكمال‌الدين: 256 / من باب 24 - ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله في النص علي القائم عليه‌السلام و أنه الثاني عشر من الأئمة عليهم‌السلام - الي باب 38 ص 384 - ما روي عن أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه‌السلام و أنه الثاني عشر من الأئمة عليهم‌السلام، اثبات الوصية: 262، أصول الكافي 1: 332 - 343 باب في النهي عن الاسم، و باب نادر في حال الغيبة، و باب في الغيبة، الارشاد 2: 345 - باب ما جاء من النص علي امامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة صلوات الله عليهم في مجمل و مفصل علي البيان، دلائل الامامة: 529 - معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة، اعلام الوري 2: 223 - الباب الثاني - في ذكر النصوص الدالة علي امامته عليه‌السلام من آبائه، الي غير ذلك من المصادر و هي كثيرة و لعل أهمهما غيبة النعماني و غيبة الطوسي.
[372] راجع: أصول الكافي 1: 328 - باب الاشارة و النص الي صاحب الدار عليه‌السلام من كتاب الحجة، اكمال‌الدين: 384 / 1 - 9 باب 38 ما روي عن أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه‌السلام و أنه الثاني عشر من الأئمة عليهم‌السلام، و ص 424 / 1 - 16 باب 42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن بن علي...، و ص 434 / 1 - 26 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه‌السلام و رآه و كلمه، غيبة الشيخ الطوسي: 229 - 251 - فصل 2، الارشاد 2: 348 - باب ما جاء من النص علي امامة صاحب الزمان عليه‌السلام...، اعلام الوري 2: 248 - الفصل 3 في ذكر النصوص عليه (صلوات الله عليه) من جهة أبيه الحسن ابن علي عليه‌السلام خاصة، بحارالأنوار 51: 158 / باب 9 نص العسكريين (صلوات الله عليهما) علي القائم عليه‌السلام.
[373] راجع المصادر المتقدمة، و أصول الكافي 1: 329 - باب في تسمية من رآه عليه‌السلام من كتاب الحجة، اثبات الوصية: 257، الارشاد 2: 351 - باب ذكر من رأي الامام الثاني عشر عليه‌السلام، دلائل الامامة، 505 معرفة من شاهده في حياة أبيه عليه‌السلام، اعلام الوري 2: 214 فصل 2 في ذكر مولده عليه‌السلام و اسم امه، و ص (218) الفصل 3 في ذكر من رآه عليه‌السلام، بحارالأنوار 52: 1 - باب 18 ذكر من رآه (صلوات الله عليه).
[374] اكمال‌الدين: 2 / 435 باب 43، غيبة الشيخ الطوسي: 357 / 319.
[375] راجع: أصول الكافي 1: 333 - باب نادر في حال الغيبة و ص 335 باب في الغيبة من كتاب الحجة، و دلائل الامامة: 529 معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة.
[376] اكمال‌الدين: 409 / 9 - باب 38.
[377] اكمال‌الدين: 542 / 4 باب 46 ما جاء في التعمير.
[378] اكمال‌الدين: 435 / 2 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه‌السلام و رآه و كلمه.
[379] اكمال‌الدين: 409 / 8 باب 38 ما روي عن أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم.
[380] اكمال‌الدين: 408 / 6 باب 38 ما روي عن أبي‌محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم.
[381] المناقب / لابن شهرآشوب 4: 459، بحارالأنوار 50: 317 / 14.
[382] كذا، و اسم الكندي اذا أريد به فيلسوف العراق فهو يعقوب بن اسحاق، و كان معاصرا للامام عليه‌السلام حيث توفي سنة 260 ه، و قيل: انه هم بأن يعمل شيئا مثل القرآن، ثم أذعن بالعجز... راجع: سير أعلام النبلاء 12: 337 / 134، الاعلام للزركلي 8: 195.
[383] المناقب / لابن شهرآشوب 4: 457.
[384] الكافي 7: 85 / 2 - باب علة كيف صار للذكر سهمان و للانثي سهم، من كتاب المواريث.
[385] سورة الأنبياء: 21 / 2.
[386] الثاقب في المناقب: 568 / 511، الخرائج و الجرائح 2: 686 / 6.
[387] راجع آخر الفصل الثاني من هذا الكتاب.
[388] سورة الأنبياء: 21 / 26 - 27.
[389] المناقب / لابن شهرآشوب 4: 461.
[390] كشف الغمة 3: 306، بحارالأنوار 50: 294 / 69.
[391] كشف الغمة 3: 312، بحارالأنوار 50: 274 / 46 عن الخرائج و الجرائح.
[392] رجال الكشي 2: 762 / 875.
[393] أصول الكافي 1: 511 / 20 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[394] أصول الكافي 1: 511 / 20 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[395] رجال الكشي 2: 842 / 1086.
[396] المناقب 4: 467.
[397] راجع: الغيبة: 353 / 313.
[398] الغيبة 353 / 313.
[399] رجال الكشي 2: 816 / 1020.
[400] رجال النجاشي: 346 / 935.
[401] كذا.
[402] كذا، و الظاهر: منه قطعة في أحكام الدين. راجع المناقب 4: 457.
[403] الذريعة / آقا بزرك 23: 149 / 8450.
[404] اقبا الأعمال: 282 و - الباب التاسع - ادعية عقيب كل نافلة من شهر رمضان - مؤسسة الأعلمي - لبنان.
[405] رجال النجاشي: 166 / 439.
[406] رجال النجاشي: 347 / 937.
[407] رجال النجاشي: 371 / 1010.
[408] رجال النجاشي: 304 / 831.
[409] رجال النجاشي: 220 / 573.
[410] رجال النجاشي: 220 / 573.
[411] الفهرست / الطوسي: 408 / 622.
[412] العدد 1- السنة الثانية ص 118 - 151.
[413] شرح ابن أبي‌الحديد 18: 81.
[414] تحف العقول: 360 - 363، بحارالأنوار 78: 370 - 380 - باب 29.
[415] تحف العقول: 360، بحارالأنوار 50: 296 / 70 عن كشف الغمة 3: 293.
[416] مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 458.
[417] مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 458.
[418] تحف العقول: 358، رجال الكشي 2: 844 / 1088، بحارالأنوار 50: 319 / 16.
[419] تحف العقول: 361.
[420] مصباح المتهجد: 399 - أعمال الجمعة - مؤسسة فقه الشيعة -بيروت.
[421] مصباح المتهجد: 517 - أدعية الساعات.
[422] مهج الدعوات: 277.
[423] مهج الدعوات: 62، بحارالأنوار 85: 228.
[424] مهج الدعوات: 67، بحارالأنوار 85: 229 / 1.
[425] اقبال الأعمال: 282 - الباب التاسع - أدعية عقيب كل نافلة من نوافل شهر رمضان.
[426] بحارالأنوار 84: 27 / 21 عن جمال الاسبوع للسيد ابن‌طاوس مسندا عنه عليه‌السلام.
[427] بحارالأنوار 102: 238 / 5.
[428] بحارالأنوار 100: 359 / 6.
[429] مصباح المتهجد: 826 - شعبان.
[430] راجع: مسند الامام العسكري عليه‌السلام / العطاردي: 239 - 280.
[431] تذكرة الخواص: 324.
[432] مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 460.
[433] مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 472.
[434] مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 466.
[435] راجع: غيبة الشيخ الطوسي: 354.
[436] كشف الغمة 3: 296، بحارالأنوار 50: 298.
[437] راجع تاريخ التشريع الاسلامي / د. عبدالهادي الفضلي: 194 و مابعدها - دار الكتاب الاسلامي - 1414 ه.
[438] راجع: رجال الشيخ: 395 - 403.
[439] رجال النجاشي: 447 / 1208 ترجمة يونس بن عبدالرحمن.
[440] رجال الكشي 2: 817 / 1023، وسائل الشيعة 27: 100 / 33321.
[441] رجال الكشي 2: 820 / 1027، وسائل الشيعة 27: 101 / 33322.
[442] غيبة الشيخ الطوسي: 390 / 355.
[443] قال الذهبي في ترجمته: الوزير الكبير، أبوالعلاء الكاتب، أسلم، و كتب للموفق، ثم وزر للمعتمد، و هو من نصاري كسكر، و له صدقات و بر و قيام ليل، توفي سنة 276 ه. سير أعلام النبلاء 13: 326 / 149.
[444] بحارالأنوار 50: 281 / 57 عن فرج المهموم لابن طاوس.
[445] الخرائج و الجرائح 1: 422، بحارالأنوار 50: 260 / 21.
[446] أصول الكافي 1: 508 / 8 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة.
[447] أصول الكافي 1: 512 / 23 - من نفس الباب المتقدم، الارشاد 2: 334.
[448] أصول الكافي 1: 513 / 26 - من نفس الباب المتقدم.
[449] اثبات الوصية: 255 - 256، بحارالأنوار 50: 336 / 13 عن عيون المعجزات مسندا عن أحمد بن اسحاق بن مصقلة.».
[450] بحارالأنوار 50: 330، عن بصائر الدرجات: 482.
[451] اكمال الدين: 408 / 6 باب 38.
[452] اكمال الدين: 473 / 25 - باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه‌السلام ورآه و كلمه.
[453] الارشاد 2: 336.
[454] راجع: مروج الذهب 4: 442، الكامل في التاريخ 6: 249، تذكرة الخواص: 324، مرآة الجنان / اليافعي 2: 172 مؤسسة الأعلمي - بيروت، شذرات الذهب / ابن‌العماد 2: 141، المنتظم / ابن‌الجوزي 12: 158 - دارالكتب العلمية، الانساب / السمعاني 4: 194.
[455] راجع: أصول كافي 1: 503 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام، الارشاد 2: 313 و 336، التهذيب 6: 92 - كتاب المزار - باب 42، دلائل الامامة، 424، مناقب ابن‌شهر آشوب 4: 455، روضة الواعظين: 251، تاريخ بغداد 7: 266 و زاد: و قيل يوم الاربعاء، الفصول المهمة، 2: 1089، مرآة الجنان 2: 172 علي أحد قوليه، مصباح الكفعمي: 510 علي أحد قوليه، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام: 144، اعلام الوري 2: 131 و 151، الائمة الاثنا عشر لابن طولون: 13 و زاد: أو يوم الاربعاء، بحارالأنوار 50: 335 / 8 و 10، 336 / 7 عن كشف الغمة 3: 272.
[456] الدروس / للشهيد الأول: 154 - نشر صادقي - قم، بحارالأنوار 50: 335 / 9 عنه.
[457] مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي: 791، توضيح المقاصد / بهاءالدين العاملي: 519 ضمن مجموعة نفيسة - بصيرتي - قم، مصباح الكفعمي: 510 علي أحد قوليه، بحارالأنوار 50: 335 / 12 عنه.
[458] مرآة الجنان 2: 172 علي أحد قوليه.
[459] اثبات الوصية / المسعودي: 256، بحارالأنوار 50: 336 / 13 عن عيون المعجزات، المنتظم 12: 158.
[460] وفيات الأعيان 2: 94، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون: 113.
[461] أصول الكافي 1: 503 - باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام الارشاد 2: 313، روضة الواعظين: 251، الصواعق المحرقة: 206 - القاهرة، الفصول المهمة 2: 109، اعلام الوري 2: 131.
[462] مروج الذهب 4: 442، دلائل الامامة: 423، اثبات الوصية 256، تذكرة الخواص: 324، بحارالأنوار 50: 236 / 7 عن كشف الغمة 3: 272.
[463] راجع: المناقب لابن شهر آشوب 4: 464، غيبة الطوسي: 208 / 177، الخرائج و الجرائح 1: 451 / 36، دلائل الامامة: 427 / 391.
[464] أصول الكافي 1: 329 / 5 باب الاشارة و النص صاحب الدار، اكمال الدين: 430 / 3 باب 42.
[465] أصول الكافي 1: 510 / 16 باب مولد أبي‌محمد الحسن بن علي عليه‌السلام الارشاد 2: 333، و راجع: اثبات الوصية: 245، مهج الدعوات: 343، المناقب لابن شهر آشوب 4: 463، غيبة الطوسي: 173 / 205 و 233 / 187.
[466] اكمال الدين: 3 / 407 باب 38.
[467] أعلام الوري 2: 131، و ورد التصريح بموت الامام العسكري عليه‌السلام مسموما في عدة مصادر اخري، منها: الفصول المهمة 2: 1093، مصباح الكفعمي: 510 و قال: سمه المعتمد، دلائل الامامة 424، الصواعق المحرقة: 206، بحارالأنوار 50: 335 / 12، احقاق الحق 12: 474 عن ينابيع المودة 3: 113 و 12: 475 عن أئمة الهدي ص 138 تأليف: محمد عبدالغفار الهاشمي الحنفي، و قال فيه: دس له المعتمد العباسي سما، فتوفي منه.
[468] راجع بحثا مفصلا حول هذا الموضوع في تاريخ الغيبة الصغري / للسسيد محمد صادق الصدر: 229.
[469] احقاق الحق 12: 462، عن نزهة الجليس للسيد عباس المكي 2: 121.
[470] الأنوار القدسية / الشيخ محمد حسين الأصفهاني: 109 - مؤسسة الوفاء - بيروت.
[471] اكمال الدين - المقدمة: 42 - 43.
[472] هو قاضي القضاة أبومحمد الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي‌الشوارب الأموي، ولي قضاء المعتمد، و قد ناب في قضاء سامراء منذ سنة 240 ه، مات بمكة سنة 261 ه. سير أعلام النبلاء 12: 518 / 193.
[473] هو يعقوب بن الليث الصفار، مؤسس الدولة الصفارية منذ سنة (247 ه) كانت له حرب طاحنة مع جيش الدولة العباسية في زمان المعتمد، حينما أراد أن يستولي علي بغداد، و توفي سنة 265 ه. سير أعلام النبلاء 12: 513 / 191، أعلام الزركلي 8: 201.
[474] اكمال الدين: 474، دلائل الامامة: 424 نحوه.
[475] أي جذب، علي القلب.
[476] اكمال الدين: 475 / 25 باب 43.
[477] قيل: المراد عشاري السن، أي كأن له عشر سنين مع أن عمره نحو خمس سنين (255 - 260) و ذلك من حيث أنه عليه‌السلام كان حسيما اسرائيلي القد علي ما ورد في الروايات. راجع: بحارالأنوار 52: 5 - 6 / 4.
[478] غيبة الشيخ الطوسي: 258 / 226.
[479] الذخائر: 66 - المطبعة الحيدرية - النجف.
[480] المناقب لابن شهر آشوب 4: 459.
[481] التهذيب 6: 93 - كتاب المزار باب 43 فضل زيارة أبي‌الحسن و أبي‌محمد عليهماالسلام.
[482] التهذيب 6: 94 - 95 / باب 44 - زيارتهما عليهماالسلام.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.