اعلام الهداية الامام الحسن المجتبي (عليه السلام)

اشارة

عنوان : أعلام الهداية : الإمام الحسن المجتبي عليه السلام
پديدآورندگان : امام دوم حسن بن علي (ع)(توصيف گر)
حكيم، منذر، 1332-(پديدآور)
نوع : متن
جنس : كتاب
الكترونيكي
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان
توصيفگر : سرگذشت نامه هاي فردي
سيره ائمه اطهار ( ع )
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
ويرايش : -
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : ,ملزومات سيستم: ويندوز 98+ ؛ با پشتيباني متون عربي؛ + IE6شيوه دسترسي: شبكه جهاني وبعنوان از روي صفحه نمايش عنوانداده هاي الكترونيكي
شناسه : oai:tebyan.net/35858
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/11/22
تاريخ تغيير ركورد : -
تاريخ ثبت : 1389/7/4
قيمت شيء ديجيتال : رايگان

مقدمة المجمع العالمي لأهل البيت

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أعطي كلّ شيء خلقه ثم هدي، ثم الصلاة والسلام علي من اختارهم هداةً لعباده، لا سيما خاتم الأنبياء وسيّد الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفي محمد (صلي الله عليه وآله) وعلي آله الميامين النجباء.
لقد خلق الله الإنسان وزوّده بعنصري العقل والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ ويميّزه عن الباطل، وبالإرادة يختار ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه وأهدافه.
وقد جعل الله العقل المميِّز حجةً له علي خلقه، وأعانه بما أفاض علي العقول من معين هدايته؛ فإنّه هو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلي طريق كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي خلقه من أجلها، وجاء به إلي هذه الحياة الدنيا من أجل تحقيقها.
وأوضح القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم الهداية الربّانية وآفاقها ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن ثمارها ونتائجها من جهة اُخري.
قال تعالي:
(قُلْ إنّ هُدي الله هو الهُدي) [الانعام (6): 71].
(والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم) [البقرة (2): 213].
(والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل) [الاحزاب (33): 4].
(ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلي صراط مستقيم) [آل عمران (3): 101].
(قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلي الحق أحق أن يتَّبع أ مّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدي فمالكم كيف تحكمون) [يونس (10): 35].
(ويري الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلي صراط العزيز الحميد) [سبأ (34): 6].
(ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هديً من الله) [القصص (28): 50].
فالله تعالي هو مصدر الهداية. وهدايته هي الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان إلي الصراط المستقيم وإلي الحقّ القويم.
وهذه الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء ويخضعون لها بملء وجودهم.
ولقد أودع الله في فطرة الإنسان النزوع إلي الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده إلي الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة التعرّف علي طريق الكمال، ومن هنا قال تعالي: (وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاّ ليعبدونِ)[الذاريات (51): 56]. وحيث لا تتحقّق العبادة الحقيقية من دون المعرفة، كانت المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً وهدفاً وغايةً موصلةً إلي قمّة الكمال.
وبعد أن زوّد الله الانسان بطاقتي الغضب والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو الكمال؛ لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب والشهوة؛ والهوي الناشئ منهما، والملازم لهما فمن هنا احتاج الانسان ـ بالإضافة إلي عقله وسائر أدوات المعرفة ـ ما يضمن له سلامة البصيرة والرؤية؛ كي تتمّ عليه الحجّة، وتكمل نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء إرادته.
ومن هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن يُسند عقل الانسان عن طريق الوحي الإلهي، ومن خلال الهداة الذين اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل المعرفة وإعطاء الارشادات اللازمة لكلّ مرافق الحياة.
وقد حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية الربّانية منذ فجر التاريخ وعلي مدي العصور والقرون، ولم يترك الله عباده مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه، لئلاّ يكون للناس علي الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً: (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد)[الرعد (13): 7].
ويتولّي أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة المهديّون مهمّة الهداية بجميع مراتبها، والتي تتلخّص في:
1 ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه المرحلة تتطلّب الاستعداد التام لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم قائلاً:
(الله أعلم حيث يجعل رسالته)[الانعام (6): 124] و (الله يجتبي من رسله من يشاء) [آل عمران (3): 179].
2 ـ إبلاغ الرسالة الإلهية الي البشرية ولمن اُرسلوا إليه، ويتوّقف الإبلاغ علي الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب والإحاطة اللازمة» بتفاصيل الرسالة وأهدافها ومتطلّباتها، و «العصمة» عن الخطأ والانحراف معاً، قال تعالي: (كان الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختفلوا فيه)[البقرة (2): 213].
3 ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية، وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في الحياة، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية والتعليم، قال تعالي: (يزكّيهم ويعلّمهم الكتابَ والحكمة) [الجمعة (62): 2] والتزكية هي التربية باتجاه الكمال اللائق بالإنسان. وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة)[الاحزاب (33): 2.
4 ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية والنفسية، والتي تسمّي بالعصمة.
5 ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد وأركان المجتمعات البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة الربّانية، وتطبيق قوانين الدين الحنيف علي المجتمع البشري من خلال تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّي إدارة شؤون الاُمة علي أساس الرسالة الربّانية للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وصموداً كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية وقوانين الإدارة والتربية وسنن الحياة، ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك منحرف أو عمل خاطيء بإمكانه أن يؤثّر تأثيراً سلبيّاً علي مسيرة القيادة وانقياد الاُمة لها بحيث يتنافي مع أهداف الرسالة وأغراضها.
وقد سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم المصطفون طريق الهداية الدامي، واقتحموا سبيل التربية الشاقّ، وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة، ولم يتلكّأوا طرفة عين.
وقد توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ علي مدي العصور برسالة خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وحمّله الأمانة الكبري ومسؤولية الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات التغييرية والرسالات الثورية، وكانت حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين من الزمن ما يلي:
1 ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي علي عناصر الديمومة والبقاء.
2 ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ والانحراف.
3 ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة قانوناً للحياة.
4 ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة السماء.
5 ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة الربّانية الحكيمة المتمثّلة في قيادته (صلي الله عليه وآله).
ولتحقيق أهداف الرسالة بشكل كامل كان من الضروري:
أ ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين الذين يتربّصون بها الدوائر.
ب ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة باستمرار الأجيال؛ علي يد مربٍّ كفوء علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في الخلق والسلوك كالرسول (صلي الله عليه وآله)، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل حركاته وسكناته.
ومن هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم علي الرسول (صلي الله عليه وآله) إعداد الصفوة من أهل بيته، والتصريح بأسمائهم وأدوارهم؛ لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة والهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين، وتربية للأجيال علي قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها وذخائرها علي مرّ العصور، وحتي يرث الله الأرض ومن عليها.
وتجلّي هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه الرسول (صلي الله عليه وآله) بقوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي، وإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض».
وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرّفهم النبي الأكرم (صلي الله عليه وآله) بأمر من الله تعالي لقيادة الاُ مّة من بعده.
إنّ سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) تمثّل المسيرة الواقعية للاسلام بعد عصر الرسول (صلي الله عليه وآله)، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة الاسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه إلي أعماق الاُمة بعد أن أخذت طاقتها الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلي الله عليه وآله)، فأخذ الأئمة المعصومون (عليهم السلام) يعملون علي توعية الاُمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة ولحركة الرسول (صلي الله عليه وآله) وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك القيادة والاُمة جمعاء.
وتبلورت حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم علي نهج الرسول العظيم وانفتاح الاُمة عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم الأدلاّء علي الله وعلي مرضاته، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّته، والذائبين في الشوق اليه، والسابقين إلي تسلّق قمم الكمال الإنسانيّ المنشود.
وقد حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر علي طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّي ضربوا أعلي أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام الله تعالي، ثم اختاروا الشهادة مع العزّ علي الحياة مع الذلّ، حتي فازوا بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد كبير.
ولا يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر الدراسة والتحقيق، عسي الله أن ينفع بها إنّه وليّ التوفيق.
إنّ دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام) الرسالية تبدء برسول الإسلام وخاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (صلي الله عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء، محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه وأنار الأرض بعدله.
ويختصّ هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام الحسن بن علي المجتبي (عليه السلام) ثاني أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو المعصوم الرابع من أعلام الهداية، والذي تمثّلت في حياته كلّ جوانب الشريعة روحاً وعملاً وسلوكاً، إنه سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة وأَحد اثنين انحصرت بهما ذريّة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فكان مثلاً أعلي، ونبراساً مضيئاً، يشعُّ إيماناً وطهراً ونقاءً.
ولا بدَّ لنا من ذكر كلمة شكر لكلّ العاملين الذين بذلوا جهداً في إخراج هذا المشروع، لا سيما لجنة التأليف بإشراف سماحة السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالي.
وأخيراً نسأل الله تعالي أن يوفّقنا لإتمام الكتب الاُخري من هذه السلسلة، وهو حسبنا ونعم المولي ونعم النصير.
المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
قم المقدسة

الامام الحسن المجتبي في سطور

الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبي، ثاني أئمة أهل البيت بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين انحصرت بهما ذريّة رسول الله، وأحد الأربعة الذين باهي بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) نصاري نجران، ومن المطهّرين الذين أذهب الله عنهم الرجس، ومن القربي الذين أمر الله بموّدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوي.
- نشأ في أحضان جدّه رسول الله (عليه السلام) وتغذّي من معين رسالته وأخلاقه ويسره وسماحته، وظلّ معه في رعايته حتي اختار الله لنبيه دار خلده، بعد أن ورّثه هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، وأهّله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه، وقد صرّح بها جدّه في أكثر من مناسبة حينما قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهمّ إنّي اُحبّهما فأحبّ من يحبّهما».
- لقد اجتمع في هذا الإمام العظيم شرف النبوّة والإمامة، بالإضافة الي شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه حتي كان يذكّرهم بهما، فأحبّوه وعظّموه، وكان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة وما كان يستصعبهم من اُمور الدين، لا سيما بعد أن دخلت الاُ مّة الإسلامية حياة حافلة بالأحداث المريرة التي لم يعرفوا لها نظيراً من قبل.
- وكان الإمام الزكي المجتبي في جميع مواقفه ومراحل حياته مثالاً كريماً للخُلق الإسلامي النبوي الرفيع في تحمّل الأذي والمكروه في ذات الله، والتحلّي بالصبر الجميل والحلم الكبير، حتي اعترف له ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ بأنّ حلمه يوازي الجبال. كما اشتهر (عليه السلام) بالسماحة والكرم والجود والسخاء بنحو تميّز عن سائر الكرماء والأسخياء.
- وبقي الإمام المجتبي بعد جدّه في رعاية اُمّه الزهراء ـ الصدّيقة الطاهرة ـ وأبيه سيّد الوصيّين وإمام الغرّ المحجّلين، وهما في صراع دائم مع الذين صادروا خلافة جدّه (صلي الله عليه وآله) وما لبث أن طويت هذه الصفحة الثانية من حياته بوفاة اُمّه الزهراء (عليها السلام) وقد حفّت بأبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) النكبات، ولا زال يشاهد كلّ هذه المحن ويتجرّع مرارتها وهو في سن الطفولة، لكنّه كان يقوم بأكثر ممّا ينتظر من مثله، من حيث وعيه وإحساسه بالأوضاع العامة وتطوّراتها، ومن هنا كان يتمتّع بتقدير المسلمين واحترامهم له بعد ما شاهدوا مدي اهتمام نبيّهم به.
- وأشرف الإمام (عليه السلام) علي الشباب في خلافة عمر، وانصرف مع أبيه الي تعليم الناس وحلّ مشاكلهم.
- لقد وقف الإمام الحسن الزكي الي جانب أبيه (عليه السلام) في عهد عثمان، وعمل مخلصاً لأجل الإسلام، واشترك مع أبيه في وضع حدٍّ للفساد الذي أخذ يستشري في جسم الاُمّة والدولة الإسلامية أيام عثمان، ولقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) ـ كغيره من الصحابة ـ غير راض عن تصرفات عثمان وعمّاله، ولكنّه لم يكن راض بقتله، فوقف هو وابناه موقف المصلح الحكيم، ولكنّ بطانة عثمان أبت إلاّ التمادي في إفساد الأمر والتحريض غير المباشر علي قتله، بينما بقي الإمام يعالج الموقف في حدود ما أنزل الله تعالي.
- لقد كان الحسن بن عليٍّ السبط الي جانب أبيه (عليهما السلام) في كلّ ما يقول ويفعل، واشترك معه في جميع حروبه، وكان يتمنّي علي أبيه أن يسمح له بمواصلة القتال وخوض المعارك عندما يتأزّم الموقف، فيما كان أبوه شديد الحرص عليه وعلي أخيه الحسين (عليهما السلام) خشية أن ينقطع بقتلهما نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وبقي الحسن (عليه السلام) الي جانب والده إلي آخر لحظة، وكان يعاني ما يعانيه أبوه من أهل العراق، ويتألّم لآلامه وهو يري معاوية يبثّ دعاته ويغري القادة من جيش أبيه بالأموال والمناصب حتي فرّق أكثرهم، وأصبح الإمام عليّ (عليه السلام) يتمنّي فراقهم بالموت أو القتل، فاستُشهد (عليه السلام) وبقي الحسن ابن علي (عليهما السلام) بين تلك الأعاصير بين أهل الكوفة المتخاذلين وفلول الخوارج المارقين وتحدّيات أهل الشام القاسطين.
- وبعد أن نصّ أمير المؤمنين (عليه السلام) علي خلافة ابنه الحسن الزكي وسلّمه مواريث النبوّة؛ اجتمع عليه أهل الكوفة وجماعة المهاجرين والأنصار، وبايعوه بالخلافة، بعد أن طهّره الله من كلّ نقص ورجس، بالإضافة الي توفّر جميع متطلّبات الخلافة فيه من العلم والتقوي والحزم والجدارة، وتسابق الناس الي بيعته في الكوفة والبصرة، كما بايعه أهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي كانت تدين بالولاء والبيعة لأبيه (عليه السلام) وحين بلغ نبأ البيعة معاوية وأتباعه بدأوا يعملون بكلِّ ما لديهم من مكر وخداع لإفساد أمره والتشويش عليه.
- واستلمَ الإمام الحسن السلطة بعد أبيه، وقام بأفضل ما يمكن القيام به في ذلك الجوّ المشحون بالفتن والمؤامرات، فأمّر الولاة علي أعمالهم وأوصاهم بالعدل والإحسان ومحاربة البغي والعدوان، ومضي علي نهج أبيه (عليه السلام) الذي كان امتداداً لسيرة جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله).
- وبالرغم ممّا كان يعلمه الإمام الحسن من معاوية ونفاقه ودجله وعدائه لرسالة جدّه وسعيه لإحياء مظاهر جاهليته... بالرغم من ذلك كلّه فقد أبي أن يعلن الحرب عليه إلاّ بعد أن كتب اليه المرّة بعد المرّة يدعوه الي جمع الكلمة وتوحيد أمر المسلمين، فلم يُبقِ له في ذلك عذراً أو حجةً.
لقد راسل الإمام الحسن معاوية وهو يعلم أنه لا يستجيب لطلبه، وأنّه سيقف منه موقفاً أكثر وقاحةً من مواقفه السابقة مع أبيه أمير المؤمنين، لا سيما وقد حصد نجاحاً مؤقّتاً في مؤامراته ضدّ أبيه. إنّ الإمام (عليه السلام) كان يعلم أنّ معاوية سيقف موقف القوة إن لم يجد للمكر سبيلاً، ولكنّ الإمام المجتبي كان عليه أن يُظهر للعالم الإسلامي كلّ ما يضمره هذا البيت الاُموي تجاه النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من حقد وعداء وكيد للإسلام والمسلمين.
- واطمأنّ معاوية الي أنّ الاُمور ممهّدة له باعتبار علاقته المتينة مع أكثر قادة الإمام الحسن (عليه السلام)، كما حاول إغراء الإمام بالأموال والخلافة من بعده وتضليل الرأي العام، ولكنّ موقف الإمام لم يتغيّر لتهديده ووعوده، وأدرك معاوية صلابة الإمام (عليه السلام) علي موقفه المبدئي، فأعدّ العدّة لمحاربته، واطمأنّ معاوية الي أنّ المعركة ستكون لصالحه، وسيكون الحسن (عليه السلام) والمخلصون له من جنده بين قتيل وأسير، ولكنّ هذا الاستيلاء سوف يفقد الصيغة الشرعية التي كان يحاول أن يتظاهر بها لعامة المسلمين، ولذلك حرص معاوية علي أن لا يتورّط في الحرب مع الإمام الحسن (عليه السلام) معتمداً المكر والخداع والتمويه وشراء الضمائر وتفتيت جيش الإمام (عليه السلام)، ولم يكن للإمام بدّ من اختيار الصلح بعد أن تخاذل عامة جيشه وأكثر قادته، ولم يبقَ معه إلاّ فئة قليلة من أهل بيته والمخلصين من أصحابه، فتغاضي عن السلطة دفعاً للأفسد بالفاسد في ذلك الجوّ المحموم، فكان اختياره للصلح في منتهي الحكمة والحنكة السياسية الرشيدة تحقيقاً لمصالح الإسلام العليا وأهدافه المُثلي.
- وتعرّض الإمام الحسن السبط (عليه السلام) للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرّته الي تجنّب القتال واعتزال السلطة، كما أحسّ الكثير من أعيان المسلمين وقادتهم بصدمة عنيفة لهذا الحادث لِما تنطوي عليه نفوس الاُمويّين من حقد علي الإسلام ودعاته الأوفياء، وحرص علي إحياء ما أماته الإسلام من مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها.
- ولكنّ الإمام بصلحه المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية؟ ومن هنا كان الصلح نصراً ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.
ونجحت خطّة الإمام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة علي رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.
بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط عليٍّ (عليه السلام) وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه، ومارس الإمام (عليه السلام) مسؤولية الحفاظ علي سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف علي قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، ممّا كلّفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الي مخاوف معاوية من وجود الإمام (عليه السلام) كقوة معبّرة عن عواطف الاُ مّة ووعيها المتنامي، ولربّما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان تمهيداً واقعياً لثورة أخيه أبي عبدالله الحسين (عليه السلام).
وتوّج الإمام المجتبي (عليه السلام) جهاده العظيم هذا والذي فاق الجهاد بالسيف في تلك الظروف العصيبة، باستشهاده مسموماً علي يد ألدّ أعدائه، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيّاً.

انطباعات عن شخصية الإمام الحسن المجتبي

مكانة الإمام المجتبي في آيات الذكر الحكيم

لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم علي فضل أهل البيت وعلوّ مقامهم العلمي والروحي وانطوائهم علي مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانية أن تتحلّي بها.
ويعود هذا الاتّفاق الي جملة من الاُصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاص لأهل البيت (عليهم السلام) من خلال النصِّ علي تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربي الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانية جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله وخافوا عذاب الله وتحلّوا بخشية الله، فضمن لهم الجنّة والنجاة من عذابه.
والإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) هو أحد أهل البيت المطهّرين من الرجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله بنصِّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصاري نجران، وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث في سورة آل عمران في الآية 61 قوله تعالي:
(فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت الله علي الكاذبين) [1] .
وروي جمهور المحدِّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.
وتضمّن هذا الحدث تصريحاً من الرسول (صلي الله عليه وآله) بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم علي الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف اُسقف نجران أيضاً قائلاً: «إني لأري وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله» [2] .
وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية علي عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليتهم، وأنّهم أحبّ الخلق الي الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.
ولم ينصّ القرآن الكريم علي عصمة أحد غير النبي (صلي الله عليه وآله) من المسلمين سوي أهل البيت (عليهم السلام) الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً [3] ، ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت فإنهم لم يختلفوا في دخول عليٍّ والزهراء والحسنين في ما تقصده الآية المباركة [4] .
ومن هنا نستطيع أن نفهم السرَّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم، وترجيح حبّهم علي حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز [5] ، فإنّ عصمة أهل البيت (عليهم السلام) أدلّ دليل علي أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس كان دالاً علي النجاة وكان متّبعه ناجياً من الغرق.
ونصّ النبي (صلي الله عليه وآله) ـ كما عن ابن عباس ـ بأنّ آية المودّة في القربي حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت علي المسلمين طاعتهم قائلاً: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما [6] .
ولا يتركنا القرآن الحكيم حتي يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة الدهر التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوي عليه أهل البيت والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالي: (إنّما نُطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً- إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً- فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً- وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً) [7] .
لقد روي جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) بعدما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، وفاءً فيه أروع أنواع الايثار، حتي نزل قوله تعالي: (إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً- عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً- يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً.) [8] فشكر الله سعيهم علي هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة، وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتي يرث الأرض ومن عليها.

مكانة الامام لدي خاتم المرسلين

لقد خصّ الرسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين (عليها السلام) بأوصاف تنبئ عن عظيم منزلتهما لديه، فهما:
أ ـ ريحانتاه من الدنيا وريحانتاه من هذه الاُمّة [17] .
ب ـ وهما خير أهل الأرض [18] .
ج ـ وهما سيّدا شباب أهل الجنة [19] .
د ـ وهما إمامان قاما أو قعدا [20] .
هـ ـ وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن الي يوم القيامة، ولن تضلّ اُ مّةٌ تمسّكت بهما [13] .
و ـ وهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النجاة من الغرق [14] .
ز ـ وهما ممّن قال عنهم جدّهم: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف» [15] .
ح ـ وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرسول (صلي الله عليه وآله) أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين: «اللهمّ إنّك تعلم أنّي أُحبُّهما فأحبَّهما [16] ، وأحبّ من يحبّهما» [17] .
وعن سلمان أنّه سمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: «الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار» [18] .
ط ـ وعن أنس: أنّ رسول الله سئِل أيّ أهل بيتك أحبّ اليك؟ قال: «الحسن والحسين» وكان يقول لفاطمة: «اُدعي لي ابنيَّ فيشمّهما ويضمّهما اليه»! [19] .
ي ـ وروي أبو حازم عن أبي هريرة قوله: رأيت النبيّ (صلي الله عليه وآله) يمصّ لعاب الحسن والحسين كما يمصّ الرجل التمرة [20] .

مكانة الامام لدي معاصريه

أ ـ عن جابر عن النبي (صلي الله عليه وآله): «أنّ الله خلقني وخلق علياً نورين بين يدي العرش، نسبّح الله ونقدّسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلمّا خلق الله آدم أسكننا في صلبه، ثم نقلنا من صُلب طيّب وبطن طاهر حتي أسكننا في صلب إبراهيم، ثم نقلنا من صُلب إبراهيم الي صلب طيّب وبطن طاهر حتي أسكننا في صلب عبدالمطلّب، ثم افترق النور في عبدالمطّلب، فصار ثلثاه في عبدالله وثلثه في أبي طالب، ثم اجتمع النور منّي ومن عليّ في فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور ربّ العالمين» [21] .
ب ـ وقد قال معاوية لِجلسائه: من أكرم الناس أباً واُمّاً وجدّاً وجدّةً وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً؟ فقالوا: أمير المؤمنين أعلم، فأخذ بيد الحسن بن علي وقال: هذا أبوه علي بن أبي طالب، واُمّه فاطمة ابنة محمد، وجدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وجدّته خديجة، وعمّه جعفر، وعمّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمّد (صلي الله عليه وآله) وخالته زينب بنت محمّد (صلي الله عليه وآله) [22] .
ج ـ ولمعاوية اعتراف آخر أمام عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وزياد بن أبيه بعد أن أكثروا الفخر، وأراد أن يرغم اُنوفهم، فأحضر الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، ولمّا دحض مقالتهم التي أرادوا فيها تنقيص بني هاشم قال معاوية بعد أن خرج الإمام من عنده: أفاُفاخر رجلاً رسول الله (صلي الله عليه وآله) جدّه، وهو سيّد من مضي ومن بقي، واُمّه فاطمة سيّدة نساء العالمين؟ ثم قال لهم: والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنّه للسوءة السوداء... [23] .
د ـ ووفد مقدام الي معاوية، فقال معاوية: أعلمت أنّ الحسن بن علي توفّي؟ فرجّع المقدام [24] ، فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ فقال: ولِمَ لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله في حجره وقال: «هذا منِّي وحسين من عليّ رضي الله عنهما» [25] .
هـ ـ وقال عبدالله بن عمر: أهل العراق يسألون عن الذباب يقتله المحرم، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقال النبيّ (صلي الله عليه وآله): «هما ريحانتاي من الدنيا [26] أو ريحانتاي من هذه الاُ مّة» [27] .
و ـ وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت الحسن إلاّ فاضت عيناي، وذلك أني رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يدخل فمه في فمه ثم يقول: «اللهم إنّي اُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه» يقولها ثلاث مرّات [28] ، وقال: لا أزال اُحبّ هذا الرجل ـ يعني الحسن ـ بعد ما رأيت رسول الله يصنع به ما يصنع [29] .
ز ـ وحينما بادر ألدّ أعدائه ـ مروان بن الحكم ـ الي حمل جثمانه الطاهر واستغرب منه الحسين (عليه السلام) قائلاً له: أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟! قال مروان: كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال [30] .
ح ـ وقال عنه أبو الأسود الدؤلي: وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في غرّ لبابها وكريم محتدها وطيب عنصرها [31] .
ط ـ وقال عمرو بن اسحاق: ما تكلّم أحد أحبّ إليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قطّ [32] .
ي ـ وقال عبدالله بن الزبير: والله ما قامت النساء عن مثل الحسن بن علي (عليه السلام) في هيبته وسموِّ منزلته [33] .
ك ـ وعندما وقف أخوه محمد بن الحنفية علي قبره ليؤبّنه قال: لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمّن بدنك، وكيف لا تكون هكذا وأنت عقبة الهدي وخلف أهل التقوي وخامس أصحاب الكساء؟! غذّتك بالتقوي أكفّ الحق، وأرضعتك ثدي الايمان، ورُبّيت في حجر الإسلام، فطبت حيّاً وميّتاً، وإن كانت أنفسنا غير سخيّة بفراقك، رحمك الله أبا محمد [34] .
ل ـ وأبّنه أبو عبدالله الحسين بن علي (عليه السلام) قائلاً: «رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الرويّة، وتستشفّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقيّة الأسرّة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غَرْوَ فأنت ابن سلالة النبوّة، ورضيع لبان الحكمة، فإلي رَوْح وريحان وجنّةِ نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حُسن الأسي عنه» [35] .

مكانة الامام لدي العلماء والمؤرخين

أ ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ـ وهو من أعلام القرن الخامس ـ عن الإمام الحسن المجتبي: سيّد الشباب، والمصلح بين الأقارب والأحباب، شبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) وحبيبه، سليل الهدي، وحليف أهل التقي، خامس أهل الكساء، وابن سيّدة النساء، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما [36] .
ب ـ وقال ابن عبدالبرّ عنه: لا أسود ممّن سمّاه رسول الله (صلي الله عليه وآله) سيّداً، وكان رحمة الله عليه حليماً ورعاً فاضلاً، دعاه ورعه وفضله الي أن ترك الملك والدنيا رغبةً فيما عند الله، وقال: والله ما أحببت منذ علمت ما ينفعني وما يضرّني أن آلي أمر اُ مّة محمد (صلي الله عليه وآله) علي أن يهراق في ذلك محجمة دم [37] .
و ـ وقال الحافظ ابن كثير الدمشقي عنه: وقد كان الصدّيق يجلّه ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه وكذلك ابن الخطاب، وكان ابن عباس يأخذ الركاب للحسن والحسين إذا ركبا ويري هذا من النعم عليه، وكانا إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونها مما يزدحمون عليهما للسلام عليهما [38] .
د ـ وقال الحافظ ابن عساكر الشافعي عنه: هو سبط رسول الله وريحانته وأحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنة... [39] .
هـ ـ وقال الحافظ السيوطي: سبط رسول الله وريحانته وآخر الخلفاء بنصّه... وهو خامس أهل الكساء... [40] .
و ـ وعن محمد بن اسحاق: أنه ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ما بلغ الحسن [41] ، كان يبسط له علي باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرّ الناس، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشي، وحتي رأيت سعد بن أبي وقّاص يمشي [42] .
ز ـ وقال محمد بن طلحة الشافعي عنه: كان الله قد رزقه الفطرة الثاقبة في ايضاح مراشد ما يعانيه، ومنحه النظرة الصائبة لإصلاح قواعد الدين ومبانيه، وخصّه التي درّت لها أخلاق مادتها بصور العلم ومعانيه [43] .
ح ـ وقال سبط ابن الجوزي عنه: كان من كبار الأجواد، وله الخاطر الوقّاد، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يحبّه حبّاً شديداً [44] .
ط ـ وقال عنه ابن الأثير: وهو سيّد شباب أهل الجنة، وريحانة النبيّ (صلي الله عليه وآله) وشبيهه، سمّاه النبيّ الحسن... وهو خامس أهل الكساء [45] .

من فضائل الامام المجتبي و مظاهر شخصيته

عبادته

أ ـ روي المفضّل عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه: «أنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشي حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكي، وإذا ذكر القبر بكي، وإذا ذكر البعث والنشور بكي، وإذا ذكر الممرّ علي الصراط بكي، وإذا ذكر العرض علي الله ـ تعالي ذكره ـ شهق شهقةً يغشي عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّوجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم [46] وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزّوجل (يا أيّها الذين آمنوا) إلاّ قال: لبيّك اللهمّ لبيّك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً...» [47] .
ب ـ وكان (عليه السلام) إذا توضّأ؛ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك فقال: «حقٌ علي كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله».
ج ـ وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: «ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم» [48] .
د ـ وكان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتي تطلع الشمس وإن زحزح [49] .
هـ ـ وعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام): «أنّ الحسن (عليه السلام) قال: إنّي لأستحي من ربّي أن ألقاه ولم أمشِ الي بيته، فمشي عشرين مرّة من المدينة علي رجليه» [50] .
و ـ وعن علي بن جذعان: أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) خرج من ماله مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات، حتي أن كان ليعطي نعلاً، ويمسك نعلاً ويعطي خفّاً ويمسك خفّاً [51] .
وللإمام المجتبي (عليه السلام) أدعية شتّي رُويت عنه، وهي تتضمّن مجموعةً من المعارف والآداب، كما تحمل أدب التقديس لله تعالي والخضوع له والتذلّل بين يديه، ونشير الي نموذج منها:
قال (عليه السلام): «اللهمّ إنّك الخَلَفُ من جميع خَلقِك، وليس في خلقِكَ خَلَفٌ مثلُكَ، إلهِي من أحسنَ فبرحمتكَ، ومن أساء فبخطيئته، فلا الذي أحسنَ استغني عن رَدفك ومعونتك، ولا الذي أساء استبدل بك وخرج من قدرتك، الهي بك عرفتك، وبك اهتديتُ الي أمرك، ولو لا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ، فيا من هو هكذا ولا هكذا غيره صلّ علي محمد وآل محمد، وارزقني الإخلاص في عملي والسعة في رزقي، اللهمّ اجعل خير عملي آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيّامي يوم ألقاك، إلهي أطعتك ولك المنّة عليَّ في أحبّ الأشياء اليك: الإيمان بك والتصديق برسولك، ولم أعصك في أبغض الأشياء اليك: الشرك بك والتكذيب برسولك، فاغفر لي ما بينهما يا أرحم الراحمين» [52] .
وعن ابن كثير: أنّ الحسن كان يقرأ كلّ ليلة سورة الكهف في لوح مكتوب، يدور معه حيث دار من بيوت أزواجه قبل أن ينام وهو في الفراش [53] .
لقد تغذّي الإمام الحسن (عليه السلام) بلباب المعرفة وبجوهر الإيمان وبواقع الدين، وانطبعت مُثُلُه في دخائل نفسه وأعماق ذاته، فكان من أشدّ الناس إيماناً، ومن أكثرهم إخلاصاً وطاعةً لله [54] .

حلمه و عفوه

لقد عُرف الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) بعظيم حلمه، وأدلّ دليل علي ذلك هو تحمّله لتوابع صلحه مع معاوية الذي نازع علياً حقّه وتسلّق من خلال ذلك الي منصب الحكم بالباطل، وتحمّل (عليه السلام) بعد الصلح أشد أنواع التأنيب من خيرة أصحابه، فكان يواجههم بعفوه وأناته، ويتحمّل منهم أنواع الجفاء في ذات الله صابراً محتسباً.
وروي أنّ مروان بن الحكم خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فنال منه والحسن بن علي (عليهما السلام) جالس، فبلغ ذلك الحسين (عليه السلام) فجاء الي مروان فقال: يا ابن الزرقاء! أنت الواقع في عليّ؟!، ثم دخل علي الحسن (عليه السلام) فقال: تسمع هذا يسبّ أباك ولا تقول له شيئاً؟!، فقال: وما عسيتُ أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما يشاء.
وذُكر أنّ مروان بن الحكم شتم الحسن بن علي (عليه السلام)، فلمّا فرغ قال الحسن: إنّي والله لا أمحو عنك شيئاً، ولكن مهّدك الله، فلئن كنت صادقاً فجزاك الله بصدقك، ولئن كنت كاذباً فجزاك الله بكذبك، والله أشدّ نقمةً منِّي.
وروي أنّ غلاماً له (عليه السلام) جني جنايةً توجب العقاب، فأمر به أن يُضرب، فقال: يا مولاي «والعافين عن الناس)، قال: عفوت عنك، قال: يا مولاي «والله يحب المحسنين)، قال: أنت حرٌ لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك [55] .
وروي المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك، فقال: «أيها الشيخ! أظنّك غريباً؟ ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسَوْناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا الي وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً».
فلمّا سمع الرجل كلامه بكي، ثم قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ... [56] .

كرمه و جوده

إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلي مظاهرها وأسمي معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبي (عليه السلام) حتي لُقّب بكريم أهل البيت.
فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوي ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل «لا» قَطّ.
وقيل له: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً؟ فأجاب: «إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه علي الناس، فأخشي إن قطعت العادة أن يمنعني العادة» [57] .
واجتاز (عليه السلام) يوماً علي غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة اُخري، فقال له الإمام: ما حملك علي ذلك؟ فقال الغلام: إنّي لأستحي أن آكل ولا اُطعمه.
وهنا رأي الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه علي جميل صنعه، فقال له: لا تبرح من مكانك، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشتري الحائط (البستان) الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه [58] .
وروي أنّ جارية حيّته بطاقة من ريحان، فقال (عليه السلام) لها: أنت حرّة لوجه الله، فلامه أنس علي ذلك، فأجابه (عليه السلام): «أدّبنا الله فقال تعالي: (وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها) [59] وكان أحسن منها إعتاقها» [60] .
ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشتري من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه.
وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحي من ردّه، فقال (عليه السلام) له: إنّي أدلّك علي شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير يا ابن رسول الله ما هو؟ قال (عليه السلام): اذهب الي الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قال (عليه السلام): قل له: «الحمد لله الذي سترها بجلوسك علي قبرها، ولم يهتكها بجلوسها علي قبرك»، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء الي الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له: أكلامك هذا؟ فقال: لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة: صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة اُخري [61] .
لقد كان (عليه السلام) يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال [62] .

تواضعه و زهده

إنّ التواضع دليل علي كمال النفس وسموّها وشرفها، والتواضع لا يزيد العبد إلاّ رفعةً وعظمةً، وقد حذا الإمام الحسن (عليه السلام) حذو جدّه وأبيه في أخلاقه الكريمة، وقد أثبت التاريخ بوادر كثيرة تشير الي سموّ الإمام في هذا الخلق الرفيع، نشير الي شيء منها:
أ ـ اجتاز الإمام علي جماعة من الفقراء قد وضعوا علي الأرض كسيرات وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلمّ يابن بنت رسول الله الي الغذاء، فنزل (عليه السلام) وقال: «إنّ الله لا يحبّ المستكبرين»، وجعل يأكل معهم حتي اكتفوا والزاد علي حاله ببركته، ثم دعاهم الي ضيافته وأطعمهم وكساهم [63] .
ب ـ ومرّ (عليه السلام) علي صبيان يتناولون الطعام، فدعوه لمشاركتهم فأجابهم الي ذلك، ثم حملهم الي منزله فمنحهم برّه ومعروفه، وقال: «اليد لهم لأنّهم لم يجدوا غير ما أطعموني، ونحن نجد ما أعطيناهم» [64] .
ورفض الإمام جميع ملاذّ الحياة ومباهجها متّجهاً الي الدار الآخرة التي أعدّها الله للمتّقين من عباده، فمن أهمّ مظاهر زهده: زهده في الملك طلباً لمرضاة الله، ويتجلّي ذلك إذا لاحظنا مدي حرص معاوية علي الملك واستعماله لكلّ الأساليب اللاأخلاقية للوصول الي السلطة، بينما نجد الإمام الحسن (عليه السلام) يتنازل عن الملك حينما لا يراه يحقّق شيئاً سوي إراقة دماء المسلمين.
ومن جملة مظاهر زهده أيضاً: ما حدّث به مدرك بن زياد أنّه قال: كنّا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عبّاس وحسن وحسين فطافوا في تلك البساتين ثم جلسوا علي ضفاف بعض السواقي، فقال الحسن: يا مدرك! هل عندك غذاء؟ فقلت له: نعم، ثم انطلقت فجئته بخبز وشيء من الملح مع طاقتين من بقل، فأكل منه، وقال: يا مدرك! ما أطيب هذا؟، وجيء بعد ذلك بالطعام وكان في منتهي الحُسن، فالتفت (عليه السلام) الي مدرك وأمره بأن يجمع الغلمان ويقدّم لهم الطعام، فدعاهم مدرك فأكلوا منه ولم يأكل الإمام منه شيئاً، فقال له مدرك: لماذا لا تأكل منه؟ فقال (عليه السلام): «إنّ ذاك الطعام أحبّ عندي» [65] .

نشأة الإمام الحسن المجتبي

تاريخ ولادته

أصحّ ما قيل في ولادته أ نّه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وكان والده (عليه السلام) قد بني بالزهراء فاطمة (عليها السلام) وتزوّجها في ذي الحجة من السنة الثانية، وكان الحسن المجتبي (عليه السلام) أوّل أولادها [66] .

كيفية ولادته

عن جابر: لمّا حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسن فولدت كان النبي (صلي الله عليه وآله) قد أمرهم أن يلفّوه في خرقة بيضاء، فلفّوه في صفراء، وقالت فاطمة (عليها السلام): يا عليّ سمّه، فقال: ما كنت لأسبق بإسمه رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فجاء النبيّ (صلي الله عليه وآله) فأخذه وقبّله، وأدخل لسانه في فمه، فجعل الحسن (عليه السلام) يمصّه، ثم قال لهم رسول الله (صلي الله عليه وآله): ألم أتقدّم اليكم أن لا تلفّوه في خرقة صفراء؟! فدعا (صلي الله عليه وآله) بخرقة بيضاء فلفّه فيها ورمي الصفراء، وأذّن في اُذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم قال لعليّ (عليه السلام): ما سمّيته؟ قال: ما كنت لأسبقك بإسمه، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ما كنت لأسبق ربّي بإسمه، قال: فأوحي الله عزّ ذكره الي جبرئيل (عليه السلام) أنّه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط اليه فاقرأه السلام وهنّئه منيّ ومنك، وقل له: إنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسي فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل علي النبي وهنّأه من الله عزّوجلّ ومنه، ثم قال له: إنّ الله عزّوجل يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن [67] .
وعن جابر عن النبي: أنّه سمّي الحسن حسناً لأنّ بإحسان الله قامت السماوات والأرضون [68] .

سنن الولادة

وعقّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) بيده عن الحسن بكبش في اليوم السابع من ولادته، وقال: «بسم الله، عقيقة عن الحسن، اللهمّ عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره، اللهمّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله، وأعطي القابلة شيئاً، وقيل: رجل شاة، وأهدوا منها الي الجيران، وحلق رأسه ووزن شعره فتصدّق بوزنه فضة ورقاً [69] .

رضاعه

وجاء عن اُمّ الفضل زوجة العباس ـ عمّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) ـ أنّها قالت: قلت: يا رسول الله! رأيت في المنام كأنَّ عضواً من أعضائك في حجري، فقال (صلي الله عليه وآله): خيراً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فتكفلينه، فوضعت فاطمة الحسن (عليه السلام) فدفعه اليها النبيّ (صلي الله عليه وآله) فرضعته بلبن قُثَم بن العبّاس [70] .

كنيته و ألقابه

أما كنيته فهي: «أبو محمّد» لا غير.
وأما ألقابه فكثيرة، وهي: التقيّ والطيّب والزكيّ والسيّد والسبط والوليّ، كلّ ذلك كان يقال له ويطلق عليه، وأكثر هذه الألقاب شهرة «التقيّ» لكن أعلاها رتبة وأولاها به ما لقّبه به رسول الله (صلي الله عليه وآله)، حيث وصفه به وخصّه بأن جعله نعتاً له، فإنّه صحّ النقل عن النبي (صلي الله عليه وآله) فيما أورده الأئمة الأثبات والرواة الثقات أنّه قال: «إبني هذا سيّد»، فيكون اُولي ألقابه «السيّد».

نقش خاتمه

عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): ثم كان في خاتم الحسن والحسين (عليهما السلام): «حسبي الله».
وعن الرضا (عليه السلام): كان نقش خاتم الحسن (عليه السلام) «العزّة لله» [71] .

حليته و شمائله

عن جحيفة أنّه قال: رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وكان الحسن بن علي يشبهه.
وعن أنس أنّه قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلي الله عليه وآله) من الحسن بن عليّ (عليه السلام) [72] .
ومن هنا وُصِف الإمام الحسن بن علي بأنه كان أبيض مشرّباً حمرةً، أدعج العينين [73] ، سهل الخدّين، دقيق المسرُبَةِ [74] ، كثّ اللحية، ذا وفرة [75] كأنّ عنقه إبريق فضّة، عظيم الكراديس [76] ، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر [77] ، حسن البدن [78] .
لقد كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) خير الناس أباً واُمّاً وجدّاً وجدّة وعمّاً وعمّة وخالاً وخالةً، وتوفّرت له جميع عناصر التربية المثلي، وانطبعت حياته منذ ولادته ببصمات الوحي الإلهي والإعداد الربّاني علي يدي خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وسيدة النساء.
فالحسن ابن رسول الله جسماً ومعنيً، وتلميذه الفذّ، وربيب مدرسة الوحي التي شعّت علي الناس هديً ورحمة.

مراحل حياة الإمام المجتبي

تولّي الإمام الحسن السبط (عليه السلام) منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضي (عليه السلام) في الواحد والعشرين من رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك. وقد عاش خلال هذه المرحلة مع جدّه الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) ما يزيد علي سبع سنوات ومع أبيه المرتضي (عليه السلام) فترة إمامته البالغة ثلاثين سنة تقريباً. وعاصر خلالها كلاًّ من الخلفاء الثلاثة وشارك بشكل فاعل في ادارة دولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتي الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة 50 هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة [79] .
اذن تنقسم حياة هذا الإمام العظيم الي شطرين أساسيين:
الشطر الأول: حياته قبل إمامته (عليه السلام) وينقسم هذا الشطر الي ثلاث مراحل:
المرحلة الاُولي: حياته في عهد جدّه الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله).
المرحلة الثانية: حياته في عهد أبي بكر وعمر وعثمان.
المرحلة الثالثة: حياته في دولة أبيه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الشطر الثاني: حياته بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) وهو عصر امامته (عليه السلام). وينقسم هذا الشطر الي مرحلتين متميزتين:
المرحلة الاُولي: وتبدأ من البيعة له بالخلافة حتي الصلح.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما بعد الصلح حتي استشهاده (عليه السلام).
ونحن نبحث المراحل الثلاث الاُولي في الفصل الثاني من الباب الثاني، ونفرد البحث عن الشطر الثاني بباب مستقل، بعد أن نسلّط الأضواء الكافية علي طبيعة عصر الإمام (عليه السلام) ومميزاته وخصائصه؛ لنخرج برؤي موضوعية ومنطقية عن سلامة مواقف الإمام (عليه السلام) سواء قبل الصلح وبعده، ولنري ما حقّقه هذا الإمام الهمام والشجاع الصابر، ونلاحظ كيف استطاع أن يؤدي دوره الكبير في أخطر مرحلة من مراحل تأريخنا الإسلامي بمواقفه الرسالية ومنطلقاته المبدئية، وكيف استطاع أن يصل الي الأهداف الرسالية التي جعلها الله تعالي علي عاتقه كإمام معصوم يراد منه تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية الكبري.

الامام المجتبي في ظل جده و أبيه

الامام الحسن في عهد الرسول الأعظم

اشاره

ولد الإمام الحسن (عليه السلام) في حياة جدّه الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله) وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف، وكانت تلك السنوات علي قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول حتي ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له: «أشبهت خلقي وخلقي» [80] .
والرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) هو الذي تحمّل مسؤولية هداية ورعاية الاُمّة، و مسؤولية تبليغ الرسالة وتطبيقها وحماية مستقبلها وذلك بوضع الضمانات التي لا بدّ منها في هذا المجال، وهو المطّلع ـ عن طريق الوحي ـ علي ما ينتظر هذا الوليد الجديد من دور قيادي هامّ، والمأمور بالإعداد لهذا الدور، وذلك ببناء شخصية هذا الوليد بناءً فذّاً يتناسب مع المهام الجسام التي تؤهله للاضطلاع بها علي صعيد هداية الاُمّة وقيادتها.
إن كلمة الرسول (صلي الله عليه وآله) للإمام الحسن (عليه السلام): «أشبهت خَلقي وخُلقي» تعدّ وسام الجدارة والاستحقاق لذلك المنصب الإلهي الذي هو وراثة الرسالة وخلافة النبي (صلي الله عليه وآله) بعد خلافة وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وإنّ إحدي مهامّ الرسول (صلي الله عليه وآله) خلق المناخ الملائم لدي الاُ مّة التي يفترض فيها أن لا تستسلم لمحاولات الابتزاز لحقّها المشروع في الاحتفاظ بقيادتها الإلهية، وأن لا تتأثر بعمليات التمويه والتشويه لطمس الركائز التي تقوم عليها رؤيتها العقائدية والسياسية التي حاول الإسلام تعميقها وترسيخها في ضمير الاُمّة.
ومن هنا نعرف الهدف الذي كان يرمي اليه النبيّ (صلي الله عليه وآله) في تأكيداته المتكررة علي ذلك الدور الذي كان ينتظر الإمام الحسن وأخاه (عليهما السلام) منها قوله (صلي الله عليه وآله): «إنّهما إمامان قاما أو قعدا» [81] و«أنتما الإمامان، ولاُمّكما الشفاعة» [82] .
وقوله (صلي الله عليه وآله) للحسين (عليه السلام): «أنت سيّد، ابن سيّد، أخو سيّد، وأنت إمام، ابن إمام، أخو إمام، وأنت حجة، ابن حجة، أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة، تاسعهم قائمهم» [83] .
وقوله (صلي الله عليه وآله) في الإمام الحسن (عليه السلام): «هو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة الله علي الاُ مّة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي...» [84] .
ونلاحظ حرصه علي ربط قضاياهما بنفسه، إذ يقول: «أنا سِلمٌ لِمَن سالمتم، وحرب لِمَن حاربتم» [85] .
وجاء عن أنس بن مالك أنّه قال: دخل الحسن علي النبي (صلي الله عليه وآله) فأردت أن اُميطه عنه، فقال: «ويحك يا أنس! دع ابني وثمرة فؤادي، فإنّ من آذي هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله» [86] .
وكان الرسول (صلي الله عليه وآله) يُقَبّل الإمام الحسن (عليه السلام) في فمه ويُقَبّل الإمام الحسين (عليه السلام) في نحره، وكأنّه يريد إثارة قضية مهمة ترتبط بسبب استشهادهما (عليهما السلام) وإعلاماً منه عن تعاطفه معهما، وتأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما.
لقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) أحبّ الناس الي النبيّ (صلي الله عليه وآله) [87] ، بل لقد بلغ من حبّه له ولأخيه أنّه كان يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما.والكلّ يعلم أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله) لم ينطلق في مواقفه من منطلق الأهواء الشخصية، والنزعات والعواطف الذاتية، وإنّما كان ينبّه الاُمّة الي عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع.
وإنّ ما ذكر هو الذي يفسّر لنا السرّ في كثرة النصوص التي وردت عنه (صلي الله عليه وآله) حول الحسنين (عليهما السلام) مثل قوله (صلي الله عليه وآله) بالنسبة للإمام الحسن (عليه السلام): «اللّهمّ إنّ هذا ابني وأنا أُحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه» [88] ، وقوله (صلي الله عليه وآله): «أحبّ أهل بيتي إليّ الحسن والحسين...» [89] .

يوم المباهلة و مداليله

وفد بعض أساقفة نصاري نجران علي النبيّ (صلي الله عليه وآله) وناظروه في عيسي، فأقام عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم اتفقوا علي المباهلة [90] أمام الله علي أن يجعلوا لعنة الله الخالدة وعذابه المعجّل علي الكاذبين.
ولقد سجّل القرآن الكريم هذا الحادث العظيم في تاريخ الرسالة الإسلامية بقوله تعالي:
(إنّ مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون - الحقّ من ربِّك فلا تكن من الممترين- فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءناونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لّعنت الله علي الكاذبين) [91] .
فلمّا رجعوا الي منازلهم قال رؤساؤهم «السيّد والعاقب والأهتم»: إن باهَلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس نبيّاً، وإن باهَلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله، فإنه لا يُقدِم الي أهل بيته إلاّ وهو صادق، فخرج اليهم (صلي الله عليه وآله) ومعه عليّ وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) فسألوا عنهم، فقيل لهم: هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، ففرقوا فقالوا لرسول الله (صلي الله عليه وآله): نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي الجزية وانصرفوا [92] .
ولقد أجمع المفسّرون علي أنّ المراد بأبنائنا: الحسن والحسين [93] .
وقال الزمخشري: وفيه دليل ـ لا شيء أقوي منه ـ علي فضل أصحاب الكساء [94] .
ويمكننا استخلاص جملة من الاُمور من يوم المباهلة أهمها:
أوّلاً: الاُنموذج الحيّ:
إنّ إخراج الحسنين (عليهما السلام) في قضية المباهلة لم يكن أمراً عادياً، وإنّما كان مرتبطاً بمعاني ومداليل خطيرة، أهمها: أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) حينما يكون علي استعداد للتضحية بنفسه وبهؤلاء الذين يعتبرهم القمّة في النضج الرسالي، بالإضافة الي أنّهم أقرب الناس اليه فإنّه لا يمكن أن يكون كاذباً ـ والعياذ بالله ـ في دعواه، كما لاحظه وأقرّه رؤساء النصاري الذين جاءوا ليباهلوه، وكذلك يدل علي تفانيه في رسالته الإلهيّة وعلي ثقته بما يدعو اليه.
ثانياً: في خدمة الرسالة:
إنّ اعتبار الإمام الحسن وأخيه الحسين (عليهما السلام) في صباهما المثل الأعلي والاُنموذج المجسّد للإسلام وعي عقائدي سليم فرضته الأدلة والبراهين التي تؤكّد بشكل قاطع علي أن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) كانوا في حال طفولتهم في المستوي الرفيع الذي يؤهّلهم لتحمّل الأمانة الإلهية وقيادة الاُ مّة قيادة حكيمة وواعية، كما سَجَّل التاريخ ذلك بالنسبة لكل من الإمامين الجواد (عليه السلام) والمهدي «عجّل الله تعالي فرجه الشريف» حيث شاءت الإرادة الإلهية أن يتحمّلا مسؤولياتهما القيادية في السنين الاُولي من حياتهما، وهذا ليس بالغريب علي من أرادهم الله حملة لدينه ورعاة لبريته، فهذا عيسي بن مريم يتحدّث عنه القرآن الكريم بقوله: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيّاً - قال إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً...) [95] .
وكذلك كان يحيي (عليه السلام) الذي قال الله سبحانه عنه: «يا يحيي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيّا» [96] .
لقد كان الحسنان (عليهما السلام) في أيّام طفولتهما الاُولي أيضاً في مستويً من النضج والكمال الإنساني بحيث كانا يملكان كافة المؤهّلات التي تجعلهما محلاً للعناية الإلهية، وأهلاً للأوسمة الكثيرة التي منحها إيّاهما الإسلام علي لسان نبيّه العظيم (صلي الله عليه وآله) ممّا جعلهما قادرين علي تحمّل المسؤوليات الجسام، وحيث إنّ الحاضرين للمباهلة شركاء في الدعوي، إذن فعليّ وفاطمة والحسنان (عليهم السلام) شركاء في الدعوي، وفي الدعوة الي المباهلة لإثباتها.
وهذا من أفضل المناقب التي خصّ الله بها أهل بيت نبيّه [97] .
وقد استنتج علماء المسلمين الفضل للحسن والحسين (عليهما السلام) من المباهلة، ومنهم ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ حيث يقول: هذا يدل علي أنّ الحسن والحسين كانا مكلّفين في تلك الحال؛ لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين [98] .
ويؤيّد ذلك أيضاً، اشراكهما (عليهما السلام) في بيعة الرضوان، ثم شهادتهما للزهراء (عليها السلام) في قضية نزاعها مع أبي بكر حول فدك، الي غير ذلك من أقوال ومواقف للنبيّ (صلي الله عليه وآله) فيهما في المناسبات المختلفة.
وهذا كلّه يصبّ في المنهج الذي أراده النبيّ (صلي الله عليه وآله) في إعداد الناس نفسيّاً، وإفهامهم بأنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يمكنهم أن يتحمّلوا مهمة رسالية في قطعة زمنية من أعمارهم.
ثالثاً: سياسات لابدّ من مواجهتها:
هنالك مجموعة من الغايات التربوية والسياسية التي كانت تكمن وراء إشراك النبي (صلي الله عليه وآله) أهل بيته في المباهلة، منها:
أ ـ إنّ إخراج العنصر النسوي ممثّلاً بفاطمة الزهراء ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ والتي تعتبر الاُنموذج الأسمي للمرأة المسلمة في أمر ديني ومصيري كهذا كان من أجل محو ذلك المفهوم الجاهلي البغيض، الذي كان لا يري للمرأة أيّةَ قيمة أو شأن يذكر، بل كانوا يرون فيها مصدر شقاء وبلاء ومجلبة للعار ومظنّة للخيانة [99] ، فلم يكن يتصوّر أحد منهم أن يري المرأة تشارك في مسألة حساسة وفاصلة، بل ومقدّسة كهذه المسألة، فضلاً عن أن تعتبر شريكة في الدعوي، وفي الدعوة لإثباتها.
ب ـ إنّ إخراج الحسنين (عليهما السلام) الي المباهلة بعنوان أنهما أبناء الرسول الأكرم محمد (صلي الله عليه وآله) مع أنّهما ابنا ابنته الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) له دلالة هامة ومغزيً عميق، حيث إنّه «في الآية دلالة علي أنّ الحسن والحسين ـ وهما ابنا البنت ـ يصح أن يقال: إنّهما ابنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) لأنّه وعد أن يدعو أبناءه، ثم جاء بهما»، و بالإضافة الي ما اُشير اليه آنفاً كان يهدف الي إزالة المفهوم الجاهلي القائل بأنّ أبناء الأبناء هم الأبناء في الحقيقة دون أبناء البنات.
ومع كلّ ما قام به النبيّ (صلي الله عليه وآله) في يوم المباهلة لتصحيح هذا المفهوم الجاهلي تجد البعض يبقي متمسّكاً به، وقد ظهر هذا التمسّك في بعض الآراء الفقهية حول تفسير قوله تعالي: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الاُنثيين) حيث اعتبر الإرث مختصّاً بعقب الأبناء دون من عقبته البنات [100] .
وبالرغم من كون المنهج المناوئ لأهل البيت قد حظي بكثير من الدعم من قبل الحكام مجنِّدين كلّ الطاقات من أجل تأكيده وتثبيته، إلاّ أنّه كانت ثمة عقبة كَؤُود تواجههم وتعترض سبيل نجاحهم في تشويه الحقيقة وتزوير التأريخ، وهي وجود أهل البيت (عليهم السلام) الذين يملكون أقوي الحجج وأعظم الدلائل والشواهد من القرآن ومن الحديث المتواتر ومن المواقف النبويّة المتضافرة التي عرفها ورآها وسمعها عدد هائل من صحابة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) ثم انتقلت منهم الي الاُ مّة الإسلامية.
ولا بأس أن نذكر شيئاً من محاولات نفي بنوّة الحسنين (عليهما السلام) له (صلي الله عليه وآله):
1 ـ قال ذكوان مولي معاوية: قال معاوية: لا أعلمنّ أحداً سمّي هذين الغلامين ابني رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ولكن قولوا: ابني علي (عليه السلام)، قال ذكوان: فلمّا كان بعد ذلك أمرني أن أكتب بنيه في الشرف، قال: فكتبت بنيه وبني بنيه وتركت بني بناته، ثم أتيته بالكتاب فنظر فيه، فقال: ويحك، لقد أغفلت كُبْر بنيّ! فقلت: من؟ فقال: أما بنو فلانة ـ لابنته ـ بَنيَّ؟ قال: قلت: الله!! أيكون بنو بناتك بنيك، ولا يكون بنو فاطمة بني رسول الله (صلي الله عليه وآله)؟! قال: ما لك؟ قاتلك الله! لا يسمعنّ هذا أحد منك [101] .
2 ـ قال الإمام الحسن (عليه السلام) محتجّاً علي معاوية: «... فأخرج رسول الله (صلي الله عليه وآله) من الأنفس معه أبي، ومن البنين أنا وأخي، ومن النساء فاطمة اُمي من الناس جميعاً، فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه، ونحن منه وهو منّا» [102] .
3 ـ وقال الرازي في تفسير قوله تعالي: (ومن ذرّيته داود وسليمان وأيوب ويوسف ـ الي قوله ـ وزكريا ويحيي وعيسي) بعد أن ذكر دلالة الآية علي بنوّة الحسنين للنبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: «ويقال: إنّ أبا جعفر الباقر استدلّ بهذه الآية عند الحجّاج بن يوسف» [103] .
4 ـ وأرسل عمرو بن العاص الي أمير المؤمنين (عليه السلام) يعيبه بأشياء منها: أنّه يسمّي حسناً وحسيناً وَلَدَي رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال لرسوله: «قل للشانئ ابن الشانئ: لو لم يكونا ولديه لكان أبتر، كما زعم أبوك» [104] .
لقد صدع الإمام الحسن (عليه السلام) في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف، ولم يكن يكتفي بإظهار وإثبات بنوّته لرسول الله (صلي الله عليه وآله) فقط، وإنّما كان يؤكّد من خلالها أنّ حقّ الإمامة والخلافة له وحده، ولا يمكن أن يصل الي معاوية وأضرابه؛ لأنّ معاوية يفتقد المواصفات المؤهّلة للخلافة، بل يتّصف بما ينافيها.
ومن كلامه في جملة من المواقف وفي هذا الشأن بالخصوص:
1 ـ أنّه (عليه السلام) خطب فور وفاة أبيه (عليه السلام) فقال: «أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبيّ، وأنا ابن الوصيّ» [105] .
2 ـ إنّ معاوية طلب منه (عليه السلام) أن يصعد المنبر ويخطب، فصعد المنبر وخطب وصار يقول: أنا ابن، أنا ابن... الي أن قال: «لو طلبتم إبناً لنبيّكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي» [106] .

شهادة الحسنين علي كتاب لثقيف

لقد أشهد النبي (صلي الله عليه وآله) الحسنين (عليهما السلام) حينما كتب كتاباً لثقيف، وأثبت فيه شهادة عليّ والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم.
قال أبو عبيد: وفي هذا الحديث من الفقه إثباته شهادة الحسن والحسين، وقد كان يروي مثل هذا عن بعض التابعين: أنّ شهادة الصبيان تكتب ويستنسبون، فيستحسن ذلك، فهو الآن في سنّة النبيّ [107] .
نقول: ألم يجد النبيّ أحداً من الصحابة يستشهده علي ذلك الكتاب الخطير الذي كان يرتبط بمصير جماعة كبيرة سوي هذين الصبيّين؟! وهل كان وحيداً (صلي الله عليه وآله) حينما جاءه وفد ثقيف، وكتب لهم ذلك الكتاب حتي احتاج الي استشهاده ولَدَين صغيرين لم يبلغا الخمس سنوات؟.
إنّ أدني مراجعة للنصوص التاريخية لتبعد هذا الاحتمال كلّ البعد، حيث إنّها صريحة في أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد ضرب لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلّوا، وكان خالد بن سعيد بن العاص حاضراً، وكان خالد بن الوليد هو الكاتب، ومع ذلك لم يشهدا علي الكتاب [108] .
إنّنا نعي من ذلك ما أراد أن يشير اليه النبيّ (صلي الله عليه وآله) من فضل الحسنين، وأنّهما مؤهّلان لأن يتحمّلا المسؤوليات الجسام حتي في المعاهدات السياسية الخطيرة كهذه المعاهدة بالذات، والتي كانت مع ثقيف المعروفة بعدائها الشديد للإسلام والمسلمين.

حضور الحسنين بيعة الرضوان

لقد حضر الحسنان (عليهما السلام) بيعة الرضوان، واشتركا في البيعة مع رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وعرف ذلك عند المؤرّخين.
قال الشيخ المفيد (رحمه الله): «وكان من برهان كمالهما (عليهما السلام) وحجة اختصاص الله تعالي لهما بيعة رسول الله لهما، ولم يبايع صبياً في ظاهر الحال غيرهما» [109] .
ومن المعلوم أنّ البيعة تتضمّن إعطاء التزام وتعهّد للطرف الآخر بتحمّل مسؤوليات معينة ترتبط بمستقبل الدعوة والمجتمع الإسلامي، وحمايتهما من كثير من الأخطار التي ربّما يتعرّضان لها، ومعني ذلك أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قد رأي في الحسنين (عليهما السلام) ـ علي صغر سنهما ـ أهلية وقابلية لتحمّل تلك المسؤوليات الجسام، والوفاء بالالتزامات التي أخذا علي عاتقهما الوفاء بها.

الحسن و الحسين إمامان

روي عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أنّه قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» [110] . رغم أنّه لم يكن عمرهما حينئذ قد تجاوز الخمس سنوات، وبذا يكون للحديث أهميته وعمق دلالته في معناه، ونجد الإمام الحسن (عليه السلام) يستدلّ بهذا القول علي من يعترض عليه في صلحه مع معاوية [111] .

الامام الحسن في عهد الخلفاء

في عهد أبي بكر و عمر

اشاره

بوفاة الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) ينتهي عهد الرسالة ويبدأ عهد الإمامة، بدءً بإمامة علي بن أبي طالب (عليه السلام) والذي عيّنه الرسول الأمين ليتحمّل أعباء الثورة الإلهية المباركة والقيادة الربّانيّة للاُمّة الإسلامية، التي حباها الله بوافر لطفه، وأنقذها من براثن الجاهلية، لتنعم في ظلِّ الهداية الرشيدة إلي حيث الكمال والجلال.
لقد اجتاز الحسنان (عليهما السلام) مرحلة الصبا في حياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد عرفنا كيف أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله) لم يعاملهما معاملة الصبيان، بل كان يتعامل معهما كشخصيّتين إسلاميتين تنتظرهما مسؤوليات رياديّة كبري، كما أفصحت عن ذلك نصوص نبويّة وفيرة.
وبدأت مرحلة فتوّتهما في ظلّ إمامة أبيهما، وفي ظروف غير مستقرّة، لا للدولة الإسلامية ولا لأهل بيت النبوّة، حيث اُبعد عليّ (عليه السلام) عن القيادة السياسية، وتولّي الأمر رجال لم يجعل لهم نصيب في القيادة استئثاراً وحسداً، واستصغاراً لشأن عليّ (عليه السلام) وموقعه الرياديّ الإلهيّ.
ثم تعرّضت دار الزهراء (عليها السلام) للهجوم المباغت واقتيد عليّ (عليه السلام) ليبايع أبا بكر؛ كي تستقر الدولة المهدّدة بالأخطار.
وفي كلّ هذه الأحوال كان الحسنان يراقبان تطوّرات الأحداث، وكيف أصبحا بعد ذلك العزّ في عهد جدّهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) يُستذلاّن وتستذلّ العترة النبوية الطاهرة، وقد كانت للزهراء ولإبنيها مواقف شتي في هذه الفترة، وهي لا تخرج عن المخطّط الرسالي الذي خطّه لهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فيما يرتبط بالرسالة بعد وفاته. وسوف نشير باختصار إلي المواقف التي ترتبط بالإمام الحسن (عليه السلام) خاصّةً، أو به وبأخيه الحسين (عليه السلام).

الحسنان و فدك

لقد توفّي الرسول الأعظم محمد (صلي الله عليه وآله) وحدث بعده ما حدث من استئثار القوم بالأمر، وتنصيب أبي بكر خليفةً علي المسلمين، وإقصاء علي ابن أبي طالب (عليه السلام) عن محلّه الطبيعي الذي أهّله الله سبحانه وتعالي له، وتعرض فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت النبي الأعظم (صلي الله عليه وآله) لاغتصاب إرثها من أبيها، ومصادرة ما كان النبيّ قد ملّكها في حال حياته، وما دار بينها وبين أبي بكر من مساجلات واحتجاجات حول هذا الموضوع، حتي طلب منها أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدّعيه، فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام) وبالحسنين (عليهما السلام) وباُم أيمن (رضي الله عنها)، ولكنّ أبا بكر ردّ الشهود، ورفض إرجاع حقّها إليها.
إنّ استشهاد الزهراء البتول ـ صلوات الله وسلامه عليها ـ بالحسنين (عليهما السلام) ـ وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير ـ لم تكن لِتُصدِر ولا لِتورِدَ الاّ وفق أحكام الشرع الإسلامي الحنيف، وذلك بمرأيً وبمسمع من المسلمين، وبتأييد ورضيً من سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كلّ ذلك كان له دلالة تامة علي أهليتهما لأداء الشهادة في مناسبة كهذه، مع أنّهما كانا آنذاك لا يتجاوز عمرهما السبع السنوات.
إنّ إعطاءهما دوراً بارزاً في قضية كبيرة كهذه، لم يكن أمراً عفوياً، ولا منفصلاً عن الضوابط التي تنتظم مواقف أهل البيت (عليهم السلام)، وإنما كان امتداداً لمواقف النبي (صلي الله عليه وآله) منهما، في مجال إعدادهما، ووضعهما في مكانهما الطبيعي وعلي المستوي القيادي للاُمّة.

اعتراضه علي أبي بكر

وللحسن بن عليّ (عليهما السلام) موقف مع أبي بكر، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب علي المنبر، فقال له: انزل عن منبر أبي، فأجابه أبو بكر: صدقت والله، إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي [112] .

الامام الحسن و أسئلة الأعرابي

تقوم الإمامة علي ركنين رئيسين: أحدهما: الكفاءة التي تشمل العلم والعصمة وغيرهما، والآخر: النص، من هنا نجد الأئمة (عليهم السلام) كانوا يهتمّون بذكر هذه النصوص والتذكير بها والتركيز عليها باستمرار، وقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) قد أولي إهتماماً خاصّاً ـ وفي كثير من أقواله ومواقفه ـ لذكر هذه النصوص، ومن ذلك قوله: إنّهم هم الذين افترض الله طاعتهم، وإنّهم أحد الثقلين [113] .
وكذلك الحال بالنسبة إلي العلم، فإنّهم (عليهم السلام) ما فتئوا يؤكدون علي أنّهم هم ورثة علم رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وعندهم الجفر والجامعة وغير ذلك [114] .
وقد كان الإمام عليّ (عليه السلام) يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام الحسن (عليه السلام) منذ طفولته، لكي يطّلع المسلمون علي مدي علمه، فيكون دليلاً قاطعاً علي إمامته (عليه السلام)، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يهتم في إظهار ذلك لاُولئك الذين استأثروا بالأمر وأقصوا أصحاب الحقّ الحقيقيين عن حقّهم، وقد اتّبع (عليه السلام) في لفت الأنظار إلي الحسن (عليه السلام) اُسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس ويتندروا به في مجالسهم، إذ أنّ إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات علي أسئلة عويصة وغامضة لأمر يثير عجبهم ويستأثر باهتمامهم.
وذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار بإسناده عن عبادة بن الصامت: أنّ أعرابياً سأل أبا بكر، فقال: إنّي أصبت بيض نعام فشويته، وأكلته وأنا محرم، فما يجب عليّ؟ فقال له: يا أعرابي، أشكلت عليّ في قضيّتك، فدلّه علي عمر، ودلّه عمر علي عبد الرحمن بن عوف، فلمّا عجزوا قالوا: عليك بالأصلع، فقال أمير المؤمنين: «سل أيّ الغلامين شئت»، فقال الحسن: «يا أعرابي، ألك إبل؟» قال: نعم، قال: «فاعمد إلي ما أكلت من البيض نوقاً، فاضربهن بالفحول، فما فصل منها فأهده إلي بيت الله العتيق الذي حججت إليه»، فقال أمير المؤمنين: «إنّ من النوق السلوب، ومنها ما يزلق» [115] ، فقال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق، فإنّ من البيض ما يمرق [116] ، قال: فسمع صوت «أيّها الناس، إنّ الذي فهّم هذا الغلام هو الذي فهّمهما سليمان بن داود» [117] .

الامام الحسن في الشوري

بعد أن طعن عمر بن الخطاب، ورتّب قضية الشوري علي النحو المعروف قال للمرشحين: «وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار وليس لهم من أمركم شيء، وأحضروا معكم الحسن بن علي وعبدالله بن عباس، فإنّ لهما قرابة، وأرجو لكم البركة في حضورهما، وليس لهما من أمركم شيء. ويحضر عبدالله مستشاراً، وليس له من الأمر شيء» فحضر هؤلاء [118] .
وقد قبل الإمام الحسن حضور جلسات الشوري، وكان حضوره يعني انتزاع الاعتراف من عمر بأنّه ممّن يحقّ له المشاركة السياسية، حتي في أعظم وأخطر قضية تواجهها الاُمّة، وكذلك كي يفهم الناس هذا الأمر ولكي يتمكّن في المستقبل من إظهار رأيه في القضايا المصيرية، ولو لم يُقبل منه.

في عهد عثمان

الامام الحسن في وداع أبي ذر

«يا عمّاه! لو لا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع أن ينصرف؛ لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتي من القوم إليك ما تري، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتي تلقي نبيّك (صلي الله عليه وآله) وهو عنك راض» [119] .
تلك هي كلمات الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) وهو يودّع ـ مع أبيه وأخيه وعمّه عقيل وابن عمّه عبدالله بن جعفر وابن عبّاس ـ أبا ذرّ الصحابي الجليل الذي جاهد وناضل في سبيل الدين والحقّ وما لاقي من اضطهاد وإهانة وبلاء حتي قضي غريباً وحيداً في «الربذة» منفاه.
وهي كلمات ناطقة معبّرة عن موقف عميق تجاه تصرّفات وأعمال الخط الحاكم، وهو بكلماته هذه يساهم في تحقيق ما كان يرمي اليه أبو ذرّ من أهداف، حيث كان لا بدّ من إطلاق الصرخة لايقاظ الاُمّة من سباتها وتوعيتها علي حقيقة ما يجري وما يحدث، وإفهامها أنّ الحاكم لا يمكن أن يكون أبداً في منأيً عن المؤاخذة، ولا هو فوق القانون، وإنّما هو ذلك الحامي له والمدافع عنه، فإذا ما سوّلت له نفسه أن يرتكب أيّة مخالفة أو أن يستغلّ مركزه في خدمة أهوائه ومصالحه الشخصيّة؛ فبإمكان كلّ شخص من المسلمين بل من واجبه أن يعلن كلمة الحقّ، ويعمل علي رفع الظلم والانحراف.
ومن جهة اُخري فإنّه إذا كانت الظروف لا تسمح لأمير المؤمنين وسبطيه (عليهم السلام) وآخرين ممن ساروا علي خطّهم لأن يقفوا موقف أبي ذرّ؛ فإنّ عليهم ـ علي الأقل ـ أن يعلنوا رأيهم الذي هو رأي الإسلام فيه وفي مواقفه، فإنّ ذلك من شأنه أن يعطي موقفه العظيم ذلك بُعداً إعلاميّاً وعمقاً فكريّاً وسياسيّاً يحمي تلك المعطيات والنتائج التي ستنشأ عنه.
وإذا تأمّلنا في كلمات الإمام الحسن (عليه السلام) لأبي ذرّ في ذلك الموقف؛ فإنّنا نجدها تتضمّن عميق أسفه لما فعله القوم بأبي ذرّ، ثم تشجيعه وشدّ أزره في موقفه، ويعتبر أنّ فيه رضي النبيّ (صلي الله عليه وآله) ومن ثم رضي الله سبحانه وتعالي.
كما أنّه يحاول التخفيف عن أبي ذرّ، بعد إعطائه الرؤية الصحيحة التي من شأنها أن تخفّف من وَقْعِ المحنة عليه، وتسهّل عليه مواجهة البلايا التي تنتظره، وذلك حينما يأمره (عليه السلام) بأن يضع عنه الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها.

هل اشترك الإمام الحسن في الفتوح؟

قال بعض المؤرّخين: وفي سنة ثلاثين غزا سعيد بن العاص «طبرستان»، وكان أهلها في خلافة عمر قد صالحوا سويد بن مقرن علي مال بذلوه، ثم نقضوا فغزاهم سعيد بن العاص ومعه الحسن والحسين وابن عبّاس!.
ولمّا أراد المسلمون فتح أفريقية فإنّ عثمان جهّز العساكر من المدينة، وفيهم جماعة من الصحابة، منهم ابن عبّاس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين وابن الزبير، وساروا مع عبدالله ابن أبي سرح سنة ستٍّ وعشرين [120] .
وقد نوقش هذا الزعم ـ وهو اشتراك الحسنين (عليهما السلام) في الفتوحات ـ بمايلي:
أ ـ إنّ تلك الفتوحات لم تكن عموماً من أجل مصالح الإسلام العليا، حيث إنّ الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحاتهم وإشباع غرورهم، فقد أسالت الفتوحات لعابهم بما فيها من غنائم وبسط نفوذ، فصاروا يهتمّون بتقوية أمرهم وتثبيت سلطانهم، وهناك من الحكّام من كان الدين والإسلام بنظرهم مجرد شعار يخدم ملكهم ويقوّيه.
ونستطيع أن نورد كثيراً من الشواهد والأدلة علي مدي اهتمام الحكام وأعوانهم وكلّ من ينتسب إليهم بجمع الأموال والحصول علي الغنائم بحقّ أو بغير حقّ، ويكفي أن نذكر: أنّ زياداً بعث الحكم بن عمر الغفاري علي خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة فكتب اليه زياد: أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين كتب أن يصطفي له البيضاء والصفراء، ولا يقسّم بين المسلمين ذهباً ولا فضّةً، فرفض الحكم ذلك، وقسّمه بين المسلمين، فوجّه إليه معاوية من قيّده وحبسه فمات في قيوده، ودفن فيها، وقال: إنّي مخاصم [121] .
وقد بدأ التعذيب بالجزية في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب [122] ، بل لقد رأيناهم يوجبون الجزية حتي علي من أسلم من أهل الذمة، وذلك بحجة أنّ الجزية بمنزلة الضريبة علي العبد فلا يسقط إسلام العبد ضريبته، لكن عمر ابن عبد العزيز شذّ عن هذه السياسة وأسقطها عنهم، كما يذكرون [123] .
كما أنّ عمر بن الخطاب حاول أخذ الجزية من رجل أسلم علي اعتبار أنّه: إنّما أسلم متعوّذاً،فقال له ذلك الشخص: إنّ في الإسلام لمعاذاً، فقال عمر: صدقت، إنّ في الإسلام لمعاذاً [124] .
وأمّا مضاعفته الجزية علي نصاري تغلب فهي معروفة ومشهورة [125] .
وقال خالد بن الوليد يخاطب جنوده ويرغِّبهم بأرض السواد: ألا ترون الي الطعام كرفغ [126] التراب؟ وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله، والدعاء الي الله عزوجل، ولم يكن إلاّ المعاش؛ لكان الرأي أن نقارع علي هذا الريف، حتي نكون أولي به، ونولي الجوع والإقلال من تولّي، ممن اثّاقل عمّا أنتم عليه [127] .
وفي فتح «شاهرتا» يعطي بعض عبيد المسلمين أماناً لأهل المدينة، فلا يرضي المسلمون، وينتهي بهم الأمر الي أن يرفعوا ذلك الي عمر بن الخطّاب، فكتب: «إنّ العبد المسلم من المسلمين أمانه أمانهم، قال: ففاتنا ما كنّا أشرفنا عليه من غنائمهم...» [128] .
ولكن ما ذكره خالد بن الوليد آنفاً ليس هو كلّ الحقيقة، وذلك لأنّ ما كان يصل الطبقة المستضعفة من الجند لم يكن إلاّ أقلّ القليل، ممّا لا يكفي لسدّ خلّتهم ورفع خصاصتهم، بل كان محدوداً جداً، لا يلبث أن ينتهي ويتلاشي، مع أنّهم كانوا هم وقود تلك الحروب.
إذن فالحرب من أجل الغنائم والأموال كانت هي الصفة المميّزة لأكثر تلك الفتوحات.
ب ـ إنّ الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في مجال إرضاء طموحات الشباب وإشباع غرورهم، إذ كانوا بصدد تأهيلهم لمناصب عالية وإظهار شخصياتهم، فقد كان معاوية يجبر ولده يزيد علي قيادة جيش غازياً لبعض المناطق [129] .
ج ـ كان الحكام يستفيدون من الفتوحات في إبعاد المعترضين علي سياساتهم، والناقمين علي أعمالهم وتصرفاتهم، وكشاهد علي ذلك نذكر: أنّه لمّا تفاقت النقمة علي عثمان؛ استدعي بعض عماله ومستشاريه، وهم: معاوية وعمرو بن العاص وعبدالله بن عامر [130] .
واستشارهم فيما ينبغي له عمله لمواجهة نقمة الناس علي سياساته ومطالبتهم له بعزل عمّاله [131] ، واستبدالهم بمن هم خير منهم، فأشار عليه عبدالله بن عامر بقوله: «رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وأن تجمرهم في المغازي، حتي يذلّوا لك، فلا يكون همة أحدهم إلاّ نفسه، وما هو فيه منه دَبَرة دابته، وقَمَل فروه».
وأضاف في نصٍّ آخر قوله: «فردّ عثمان عمّاله علي أعمالهم، وأمرهم بالتضييق علي من قبلهم، وأمرهم بتجمير [132] الناس في البعوث، وعزم علي تحريم اُعطياتهم، ليطيعوه ويحتاجوا إليه...» [133] .
د ـ إنّ الجهاد الابتدائي يحتاج الي إذن الإمام العادل [134] ، وإنّ أئمة الحقّ كانوا لا يرون في الاشتراك في هذه الحروب مصلحة، بل لا يرون تلك الحروب خيراً، فقد روي: أنّ أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) قال لعبدالملك بن عمرو: يا عبدالملك! مالي لا أراك تخرج الي هذه المواضع التي يخرج اليها أهل بلادك؟ قال: قلت: وأين؟ قال: حدة، وعبادان، والمصيصة، وقزوين، فقلت: انتظاراً لأمركم، والاقتداء بكم؟ فقال: إي والله، لو كان خيراً ما سبقونا إليه [135] .
وثمّة عدّة روايات تدلّ علي أنّهم (عليهم السلام) كانوا لا يشجعون شيعتهم، بل ويمنعونهم من الاشتراك في تلك الحروب، ولا يوافقون حتي علي المرابطة في الثغور أيضاً، ولا يقبلون منهم حتي ببذل المال في هذا السبيل حتي ولو نذروا ذلك [136] .
أمّا لو دهم العدو أرض الإسلام فإنّ عليهم أن يقاتلوا دفاعاً عن بيضة الإسلام، لا عن اُولئك الحكّام [137] .
بل نجد روايةً عن عليّ (عليه السلام) تقول: «لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن علي الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزّوجل» [138] .
و يؤيّد ذلك: أنّ عثمان جمع يوماً أكابر الصحابة ـ وكان بينهم الإمام عليّ (عليه السلام) ـ في مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) واستشارهم في غزوة أفريقية، فرأوا في الأكثر أنّ المصلحة في أن لا تقع بأيدي أصحاب الأغراض والأهواء والمنحرفين [139] .
فالأئمة (عليهم السلام) وإن كانوا ـ ولا شك ـ يرغبون في توسعة رقعة الإسلام ونشره ليشمل الدنيا بأسرها ولكنّ الطريقة والاُسلوب الذي كان يتم به الفتح كان خطأً ومضرّاً ولا يحقق الأهداف المطلوبة [140] .
وعلي كلّ حال فإنّ جميع ما تقدّم ليكفي في أن يلقي ظلالاً ثقيلةً من الشك والريب فيما ينسب الي الإمامين الهمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) من الاشتراك في فتح جرجان أو في فتح أفريقية، مع أنّ عدداً من كتب التاريخ التي عدّدت أسماء كثيرة من الشخصيات المشتركة في فتح أفريقية لم تذكرهما، علماً بأنّهما من الشخصيات التي كان يهم السياسة الزمنية للخلفاء التأكيد علي ذكرها في مقامات كهذه.
هـ ـ ويؤيّد ذلك أيضاً: أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) منع ولديه في صفين والجمل من الخوض في المعركة، وقال ـ وقد رأي الحسن يتسرّع الي الحرب ـ: «أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنّني أنفّس بهذين الغلامين ـ يعني الحسنين (عليهما السلام) ـ علي الموت، لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله)» [141] .
وقد كان هذا منه (عليه السلام) في وقت كان له كثير من الأولاد، فكيف يسمح بخروجهما مع أمير اُموي أو غير اُموي، ولم يكن قد ولد له غيرهما من الأولاد بعد، أو كان ولكنّهم قليلون؟!.
إنّ جميع ما تقدم يجعلنا نطمئنّ إلي عدم صحة ما ينسب الي الحسنين (عليهما السلام) من الاشتراك في الغزوات آنئذ.

الامام الحسن و حصار عثمان

نقل بعض المؤرّخين: أنّه حينما حاصر الثائرون عثمان؛ بعث الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) للدفاع عنه، بل قالوا: إنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد جرح وخضّب بالدماء علي باب عثمان من جرّاء رمي الناس عثمان بالسهام، ثم تسوّر الثائرون الدار علي عثمان وقتلوه، وجاء الإمام علي (عليه السلام) كالواله الحزين، فلطم الحسن وضرب صدر الحسين (عليه السلام) وشتم آخرين، منكراً عليهم أن يُقتل عثمان وهم علي الباب [142] .
وقد استبعد مؤرّخون آخرون ذلك؛ إستناداً الي أنّ سيرة عثمان تبعد كلّ البعد عمّا نسب الي عليّ وولديه (عليهم السلام)، كما ويبعد منهم أن يتّخذوا موقفاً يخالف موقف البقية الصالحة من الصحابة، وينفصلوا عنهم. ويضيف هؤلاء المؤرّخون بخصوص دفاع الحسن عن عثمان، ولو فرض صحة ذلك، فإنّه لم يكن إلاّ لتبرير موقفه وموقف أبيه من الاشتراك في دمه، وأن لا يتّهمه المغرضون بشيء [143] .
ويشكّ السيّد الشريف المرتضي في إرسال أمير المؤمنين (عليه السلام) ولديه للدفاع عن عثمان، إذ يقول: «فإنّما أنفذهما ـ إن كان أنفذهما ـ ليمنعا من انتهاك حريمه وتعمّد قتله، ومنع حرمه ونسائه من الطعام والشراب، ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع» [144] .
وأما العلاّمة الحسني (رحمه الله) فيقول: «من المستبعد أن يزجّ بريحانتي رسول الله (صلي الله عليه وآله) في تلك المعركة للدفاع عن الظالمين، وهو الذي وهب نفسه وكلّ حياته للحقّ والعدالة وإنصاف المظلومين» [145] .
في حين يري باحث آخر: «أنّ الخليفة كان مستحقّاً للقتل بسوء فعله، كما أنّ قتلته أو الراضين بقتله هم جمهرة الصحابة الأخيار، ولا يعقل أن يقف الحسنان في وجه هؤلاء وصدهم» [146] .
وهنا نقدّم جملة من الملاحظات:
أ ـ إنّ ما ذكره هؤلاء من أنّ الصحابة الأخيار كانوا هم قتلة عثمان أو أنّهم الراضون بقتله فهذا صحيح، ولكن ممّا لا شك فيه هو أنّه كان من بينهم أيضاً من ثأر علي عثمان، من أمثال: عائشة والزبير وطلحة وغيرهم، لا لأجل الانتصار للحقّ وإنّما من أجل المكاسب الدنيوية، كما أثبتت ذلك مواقفهم من حكومة الإمام عليّ (عليه السلام) بعد أن بايعوه عقيب مقتل عثمان.
ب ـ وأمّا ما ذكر من أنّ عليّاً قد ضرب الحسن (عليه السلام) ودفع صدر الحسين فهذا ما لا اتّفاقَ عليه؛ لأنّ عليّاً (عليه السلام) قد كرّر وأكّد أنّ قتل عثمان لم يسره ولم يسؤه [147] ، كما أنّه لم يكن ليتّهم الحسنين (عليهما السلام) بالتواني في تنفيذ الأوامر التي يصدرها إليهما، وهما من الذين نصّ الله سبحانه وتعالي علي تطهيرهم، وأكّد النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي عظيم فضلهم وباسق مجدهم وعلي محبته العظيمة لهم.
ج ـ وأمّا بالنسبة للدفاع عن عثمان فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وإن كان لا يري خلافة عثمان شرعية من الأساس، وكان علي اطّلاع تامّ بالنسبة لجميع المخالفات والانتهاكات التي كانت تصدر عن الهيئة الحاكمة باستمرار إلاّ أنّه (عليه السلام) لم يكن يري أنّ علاج الأمر بهذا الاُسلوب الانفعالي هو الطريقة المثلي والفضلي، وقد نقل عنه (عليه السلام) قوله عن عثمان: «إنّه استأثر فأساء الإثرة، وجزعوا فأساءوا الجزع» [148] .
وما ذلك إلاّ لأنّ هذا الاُسلوب بالذات وقتل عثمان في تلك الظروف وعلي النحو الذي كان لم يكن يخدم قضية الإسلام، بل كان من شأنه أن يلحق بها ضرراً فادحاً وجسيماً، إذ أنّه سوف يعطي الفرصة لاُولئك المتربّصين من أصحاب المطامع والأهواء لاستغلال جهل الناس ورفع شعار الأخذ بثارات عثمان.
وإذا كان عليّ (عليه السلام) لا يرغب في قتل عثمان بالصورة التي حدثت؛ فإنّه لم يكن يريد أن يكون الدفاع والذبّ عن عثمان موجباً لفهم خاطيء لحقيقة رأيه في عثمان وفي مخالفته، فكان يذكر تلك المخالفات تصريحاً تارةً وتلويحاً اُخري، كما أنّه كان يجيب سائليه عن أمر عثمان بأجوبة صريحة أحياناً ومبهمة اُخري، أو علي الأقل بنحو لا تسمح بالتشبّث بها واستغلالها من قبل المغرضين والمستغلين [149] .
ولم يكن الإمام عليّ (عليه السلام) ليسكت عن تلك المخالفات الشنيعة التي كانت تصدر عن عثمان وأعوانه، بل كان (عليه السلام) وباستمرار يجهر بالحقيقة مرّةً بعد اُخري، وقد حاول إسداء النصيحة لعثمان في العديد من المناسبات حتي ضاق عثمان به ذرعاً، فأمره أن يخرج الي أرض ينبع [150] .
كما أنّ عثمان واجه الإمام الحسن (عليه السلام) وبصريح القول بأنّه لا يرغب بنصائح أبيه، وذلك لأنه «كان عليّ كلما اشتكي الناس إليه أمر عثمان؛ أرسل ابنه الحسن (عليه السلام) إليه، فلمّا أكثر عليه قال: إنّ أباك يري أنّ أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل، فكفّ عنّا! فلم يبعث علي (عليه السلام) ابنه في شيء بعد ذلك...» [151] .
وهكذا يتّضح أنّ نصرة الحسنين (عليهما السلام) لعثمان بأمر من أبيهما الإمام علي (عليه السلام) وقد كانت منسجمة كلّ الانسجام مع خطّهم (عليهم السلام) الذي هو خطّ الإسلام الصافي والصحيح، وهو يدخل في عداد تضحياتهما الجسام ـ وما أكثرها ـ في سبيل هذا الدين! كما أنّه دليل واضح علي بُعد النظر والدقّة والعمق.

هل جرح الإمام الحسن أثناء دفاعه عن عثمان؟

ويبقي أن نشير الي أنّنا نشكّ في صحة ما ذكرته الرواية من أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد جرح أثناء الدفاع عن عثمان؛ وذلك لإن الإمام عليّاً (عليه السلام) وإن كان يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان، وقد جاءا إليه وعرضا له المهمّة التي أوكلها إليهماأبوهما إلاّ أنّه يبدو أنّ عثمان قد ردّهما ولم يقبل منهما ذلك، وثمّة نصوص عديدة [152] توضّح ذلك نشير الي أحدها:
«ثم دعا عليّ بابنه الحسن، فقال: انطلق يا بنيّ الي عثمان فقل له: يقول لك أبي: أفتحبّ أن أنصرك؟ فأقبل الحسن الي عثمان برسالة أبيه، فقال عثمان: لا، ما اُريد ذلك، لأنّي قد رأيت رسول الله ـ الي أن قال ـ: فسكت الحسن، وانصرف الي أبيه، فأخبره بذلك» [153] .
نعم، ربّما يكون الإمام الحسن (عليه السلام) قد ساعد علي نجاة البعض من دون اشتراك في القتال، بل بما يحظي من احترام خاص في النفوس، ففي محاورة جرت بينه وبين مروان بن الحـكم، قال (عليه السلام) لمروان: «أفلا أرقت دم من وثب علي عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل، وأنت تثغو ثغاء النعجة، وتنادي بالويل والثبور، كالأمة اللكعاء؟ ألا دفعت عنه بيد أوناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصك، وغشي بصرك، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربّه، فأنجيتك من القتل ووضعتك منه، ثم تحثّ معاوية علي قتلي» [154] .

هل كان الإمام الحسن عثمانيا

هنالك جملة من الافتراءات ألحقها بعض كتّاب التاريخ بالحسن (عليه السلام)، ومن هذه الافتراءات: دعوي أنّ الامام الحسن (عليه السلام) «كان عثمانياً بالمعني الدقيق لهذه الكلمة»، قالوا: «وربما غلا في عثمانيّته، حتي قال لأبيه ذات يوم ما لا يحبّ، فقد روي الرواة: أنّ عليّاً مرّ بابنه الحسن وهو يتوضّأ، فقال له: أسبغ الوضوء يا حسن! فأجابه الحسن بهذه الكلمة المرة: «لقد قتلتم بالأمس رجلاً كان يسبغ الوضوء» فلم يزد علي أن قال: لقد أطال الله حزنك علي عثمان»، وفي نصٍّ آخر للبلاذري: «لقد قتلت رجلاً كان يسبغ الوضوء» [155] .
وفي قصّة اُخري يزعمون: «أ نّ الحسن بن علي قال لعليّ: يا أمير المؤمنين! إنّي لا أستطيع أن اُكلّمك، وبكي، فقال عليّ: تكلّم، ولا تحنّ حنين المرأة، فقال: إنّ الناس حصروا عثمان، فأمرتك أن تعتزلهم وتلحق بمكة، حتي تؤوب الي العرب عوازب أحلامها، فأبيت، ثم قتله الناس، فأمرتك أن تعتزل الناس ـ الي أن قال ـ: ثم أمرتك اليوم أن لا تقدم العراق فإنّي أخاف عليك أن تقتل بمضيعة...» [156] .
وثمة روايات اُخري تفيد هذا المعني [157] ، ونري بأنّ المتتبّع لهذه الروايات بعين الفحص والتمحيص يجد الارباك بادياً عليها فضلاً عن عدم جمعها لشرائط القبول والحجية فلا يمكن الاعتماد علي مثل هذه النصوص، علي أن بعض الباحثين قال: المشهور أن هذه المحاورة قد جرت بين أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن البصري حينما مرّ عليه بالبصرة وهو يتوضّأ [158] .
ونحتمل قويّاً أنّ لأيدي الوضّاعين دوراً كبيراً في خلق مثل هذه الروايات، ومن الملاحظات عليها:
أوّلاً: كيف يمكن أن نجمع بين ما قيل هنا وبين قولهم الآنف الذكر: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أرسل الإمام الحسن وأخاه (عليهما السلام) للدفاع عن عثمان، وإنّه لمّا علم بمصيره جاء كالواله الحزين، ولطم الحسن المخضّب بالدماء، ودفع في صدر الحسين (عليه السلام) بتخيّل أنّهما قد قصّرا في أداء مهمتهما...الخ؟!.
ثانياً: إن المتتبّع لجميع مواقف الإمام الحسن (عليه السلام) يجده باستمرار وبمزيد من الإصرار يشدّ أزر أبيه، ويدافع عن حقّه، ويهتمّ في دفع حجج خصومه، وقد خاض غمرات الحروب في الجمل وفي صفّين، معرّضاً نفسه للأخطار الجسام في سبيل الدفاع عنه (عليه السلام) وعن قضيّته، حتي لقد قال الإمام (عليه السلام): «أملكوا عني هذا الغلام لا يهدّني».
وبالنسبة لدفاعه عن قضية أهل البيت (عليهم السلام) وحقّهم في الخلافة فإنّنا لا نستطيع استقصاء جميع مواقفه وأقواله في هذا المجال، ونكتفي بذكر نماذج منها لأجل التدليل علي دفاعه عن مواقف أبيه (عليه السلام):
أ ـ قد جاء عنه (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أبا بكر وعمر عمدا الي هذا الأمر، وهو لنا كلّه، فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدّة، أما والله لتهمّنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا» [159] .
ب ـ ومن خطبة له (عليه السلام): «ولولا محمد (صلي الله عليه وآله) وأوصياؤه كنتم حياري لا تعرفون فرضاً من الفرائض...الخ» قال هذا بعد أن عدّد الفرائض، وكان منها الولاية لأهل البيت (عليه السلام) [160] .
ج ـ وقال (عليه السلام): فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عزّوجلّ ورسوله مقرونة، قال الله عزّوجل: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه الي الله والرسول...) [161] .
ثالثاً: إنّ تطهير الله سبحانه وتعالي للإمام الحسن (عليه السلام) كما نصت علي ذلك آية التطهير ونصوص النبيّ (صلي الله عليه وآله) في حقّه، ثم ما عرف عنه (عليه السلام) من أخلاق فاضلة وسجايا كريمة ليكذّب كلّ ما ينسب إليه (عليه السلام) من اُمور وكلمات تتنافي مع أبسط قواعد الأدب الإسلامي الرفيع والخلق الإنساني الفاضل، ولا سيّما مع أبيه الذي يعرف هو قبل غيره قول النبيّ (صلي الله عليه وآله) فيه:
«إنّه مع الحقّ، والحقّ معه، يدور معه حيث دار» [162] ، فكيف إذا كان ذلك الذي ينسب إليه ممّا يأباه حتي الرعاع من الناس، فضلاً عن خامس أصحاب الكساء، وأشبه الناس برسول الله خَلقاً وخُلقاً وهدياً وسلوكاً ومنطقاً؟!.
رابعاً: هل يعقل أن يكون الإمام الحسن (عليه السلام) ـ الذي عاش في كنف جدّه النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) وأبيه عليّ المرتضي (عليه السلام)، والذي كان بحراً من العلم لا ينزف، وقد أجاب منذ طفولته علي الأسئلة التي أحالها إليه جدّه، ثم أبوه بعد ذلك ـ أنّه لم يكن يحسن إسباغ الوضوء؟.
خامساً: إذا كان عثمانياً بالمعني الدقيق للكلمة فمعني ذلك قبوله لجميع تصرّفات عثمان وأعماله التي خالفت كتاب الله وسنّة نبيّه، وذلك ممّا لا يحتمل في حقّه (عليه السلام) وهو الذي يذكر في تعريفه للسياسة: «أنّ من جملة مراعاة حقوق الأحياء أن تخلص لولي الأمر ما أخلص لاُ مّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السويّ»، ومن الواضح أنّ عثمان وعمّاله قد كانوا من أجلي مصاديق كلمته هذه، كما قرّره اُولئك الذين زعموا أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان عثمانياً.
سادساً: وأمّا بخصوص الرواية التي تدّعي بأنّه أشار علي أبيه بترك المدينة فلم يكن ذلك بالرأي السديد إطلاقاً، فإنّ طلحة والزبير وغيرهما من الطامعين والمستأثرين كانوا ينتظرون فرصة كهذه، ثم إنّ الناس في تلك الظروف الحرجة لم يسمحوا لعليّ (عليه السلام) بترك المدينة، وهم الذين بقوا يلاحقونه أيّاماً من مكان لمكان حتي بايعوه.

الامام الحسن في عهد الدولة العلوية

البيعة لاميرالمؤمنين بالخلافة

لقد كان عامة المسلمين يتطلّعون بلهفة الي من سيخلف عثمان عندما تتمخّض الأحداث عن قتله أو اعتزاله، ولقد كان الطامعون فيها أكثر من واحد، ومن بين اُولئك من عمّق مجري الأحداث ووسّع دائرتها وأمدّ النار المتأجّجة بالوقود كطلحة والزبير وعائشة، وكان من أكثر الناس لهفة عليها طلحة، وبلغ به الحال أن سبق نتائج تلك الأحداث، وأخذ لنفسه المكان الذي قدّر أنّ الأيّام ستضعه فيه، فاستولي علي بيت المال، وأقام الصلاة بالناس وعثمان محصور في داره لا يزال علي قيد الحياة.
وبلا شك فإنّ الأربعة الباقين من الستّة أصحاب الشوري كانوا أوفر من سائر الناس حظّاً، وكان نصيب عليّ (عليه السلام) أوفر من نصيب الجميع، واليه تتّجه الجماهير في المدينة وخارجها، وحتي الثوار لم يعدلوا به أحداً، لأنّهم يعلمون بأنّه سيحقّق لهم الأهداف التي ثاروا من أجلها، ويعلمون في الوقت ذاته أنّ طلحة والزبير لم يغضبا للحقّ ولله، وأنّهما لا يختلفان عن عثمان وبطانته، وتأكّد ذلك لهم من موقفهما من عثمان خلال الأيام التي سبقت قتله.
وحدّث البلاذري في أنساب الأشراف: أنّ عليّاً (عليه السلام) لزم منزله بعد أن يئس من إصلاح الأمر بين الفريقين، فلما قتل عثمان وفرغ الناس من أمره وأدركوا أنّه لا بدّ لهم من إمام يجتمعون عليه؛ جاء الناس كلّهم إلي عليّ يهرعون، وهم يقولون: إنّ أميرنا عليّ بن أبي طالب، حتي دخلوا عليه الدار، وقالوا: امدُد يدك حتي نبايعك، فقال: ليس ذلك إليكم، إنّما ذلك لأهل بدر، فمن رضي به البدريون فهو الخليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلاّ أتي عليّاً فقالوا: ما نري أحداً أحقّ بها منك يا أبا الحسن [163] .
وقال الطبري في الجزء الثالث من تأريخه: إنّ أصحاب رسول الله جاؤوه بعد مقتل عثمان، فقالوا له: لا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك، فقال: لا تفعلوا فإنّي أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتي نبايعك، وما زالوا به حتي قبل بيعتهم، ولكنه أبي إلاّ أن تكون في المسجد ويرضي جميع الناس [164] .
وفي رواية ثالثة: أنّه أصرّ علي رفض البيعة بالرغم من الإلحاح الشديد عليه، فتوسّلوا بالأشتر لإقناعه وكان علي رأس وفد الكوفة، فقال له: أبسط يدك نبايعك، فرفضها، فألحّ عليه، وخوّفه الفتنة إن هو بقي علي موقفه، وما زال به حتي أقنعه، فبايعه الوجوه، ثم انثال عليه الناس من كلّ جانب، وقام الزبير فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: أيّها الناس! إنّ الله قد رضي لكم حكم الشوري، فأذهب به الهوي، وقد تشاورنا فرضينا علياً فبايعوه [165] .
وجاء في الإمامة والسياسة عن أبي ثور أنّه قال: لمّا كانت البيعة بعد مصرع عثمان؛ خرجت في أثر عليّ (عليه السلام) والناس حوله يبايعونه، فدخل حائطاً من حيطان بني مازن، فألجأوه إلي نخلة وحالوا بيني وبينه، فنظرت اليهم وقد أخذتْ أيدي الناس ذراعه تختلف أيديهم علي يده، ثم أقبلوا به الي المسجد الشريف، فكان أول من صعد المنبر في المسجد طلحة وبايعه بيده، وكانت أصابعه شلاّء، فتطيّر منها بعض من حضر وقال: لا يتمّ والله هذا الأمر! ثم بايعه الزبير وأصحاب النبيّ وجميع من في المدينة من المسلمين [166] .
وقد وصف هو ـ سلام الله عليه ـ موقف المسلمين منه وإصرارهم علي بيعته في خطبته المعروفة بالشقشقية، حيث قال: «فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع ينثالون عليّ من كلّ جانب مجتمعين حولي كربيضة الغنم، حتي لقد وطئ الحسنان وشُقَّ عِطفاي، فلمّا قمت بالأمر نكثت طائفة ومرقت اُخري وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين).
ومضي في خطبته هذه يصف موقفه من الخلافة فقال: أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لولا حـضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله علي العلماء أن لا يقارّوا علي كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز».
لقد تمّت البيعة لعليٍّ (عليه السلام) بعد ما رأي أن لا مفر له منها في ذلك الجوّ المشحون بالفتن والاختلافات؛ وذلك بعد وفاة عثمان بثلاثة أيّام أو خمسة، وبايعه جميع المهاجرين والأنصار وغيرهم ممن وفدوا علي المدينة من الأمصار الثلاثة، ولم يتخلّف عن بيعته من القرشيّين سوي أفراد قلائل، كان من بينهم مروان بن الحكم وسعد بن أبي وقّاص وعبدالله بن عمر [167] .
وليس بغريب علي مروان بن الحكم والاُمويين إذا هم تخلّفوا عن بيعة عليّ أو كرهوها، كما يبدو للمتتبّع في تاريخ البيت الاُموي مع الهاشميّين وغيرهم من أصحاب الرسالات.
وأمّا سعد بن أبي وقّاص فلقد كان يتمنّاها لنفسه، ولو وسعه العمل من أجلها لم يقصر، ولعله قد بدأ يفكّر فيها، فقد جعله ابن الخطاب أحد من تدور الخلافة في فلكهم وأعطاه أكثر مما يستحق، ولا أظنّه قبل ذلك كان يفكّر فيها، أو يتصوّر أنّ المسلمين سيجعلونه الي جانب عليٍّ في يوم من الأيام، ولكنّه بعد أن رأي انصراف الناس حتي عن طلحة والزبير وهما أبرز منه، ولهما مكانتهما بين صحابة الرسول في المصرين الكوفة والبصرة لم يتعرّض لها، واكتفي أن يعتزل ولا يبايع عليّاً (عليه السلام) تضامناً مع الاُمويين الذين تربطه بهم القرابة من قبل اُ مّه حمئة، وكان هواه معهم، ولم يقف منهم موقفاً معادياً حتي بعد أن عزله عثمان عن الكوفة وأعطاها لأخيه الوليد [168] ، وأميرالمؤمنين يعلم منه ذلك كما يعلم بموقف الاُمويين وبما سيؤول إليه أمر طلحة والزبير وأكثر القرشيّين، وقد وصف موقفهم منه بعد البيعة بقوله:
«اللهم إنّي أستعديك علي قريش، فإنّهم قطعوا رحمي وأكفأوا إنائي، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا ساعد إلا أهل بيتي».
وقال مرة اُخري: «ما لي ولقريش؟ والله قاتلتهم كافرين ولاُقاتلنّهم مفتونين، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم» [169] .
ومهما كان الحال فلمّا دعي سعد بن أبي وقّاص الي البيعة؛ تمنّع منها تضامناً مع الاُمويين، فتركه أميرالمؤمنين ولم يسمح للثائرين أن يستعملوا معه العنف، ولمّا دعي اليها عبدالله بن عمر بن الخطاب وامتنع منها؛ طلب منه كفيلاً بأن لا يشترك مع أحد في عمل ضدّه، ولمّا امتنع عن تقديم الكفيل تركه وقال للناس: خلّوه فأنا كفيله، ثم التفت اليه وقال: «اذهب فإنّي ما علمتك إلا سيّئ الخلق صغيراً وكبيراً».
ولمّا تمّت البيعة؛ انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ اليوم الأول يجنّد كلّ إمكانياته لإصلاح ما أفسدته بطانة عثمان في جميع شؤون الدولة، تلك البطانة التي تركت جميع الأجهزة تنخر بالفساد والانحلال، وكان يري أنّ الواجب يدعوه لمعالجة الأهمّ فالأهمّ من المشاكل المستعجلة التي يتضجّر منها الناس، وتأتي في طليعتها مشكلة الولاة التي أثارت تلك الضجّة علي الخليفة الراحل وأودت بحياته، حتي إذا فرغ منها اتّجه الي غيرها من المشاكل التي يراها أكثر إلحاحاً وأعمّ نفعاً، ولم يكن ذلك ليمنعه من أن يبسط للناس السياسة التي سينتهجها في عهده الجديد.
وبعد أيام قلائل من خلافته وقف علي المنبر ليعلن علي الملأ المحتشد من حوله إلغاء بعض الأنظمة التي اتّبعها أسلافه خلال عشرين عاماً أو تزيد، وكان علي ثقة بأنّ عمر بن الخطاب حينما قسّم الفيء حسب أقدار الناس وقدمهم في الإسلام قد استجاب لمصالحه الذاتّية أكثر مما استجاب لمبادئ الإسلام، وأنّ عثمان بن عفان حينما ترك أهله يعبثون به ويفسدون في الأرض قد استجاب للعنصرية الجاهلية وللروح الاُموية الحاقدة علي الإسلام الذي لا يعطي أحداً علي حساب أحد من الناس [170] .

استنجاد الامام علي بالكوفة

بينما كان الإمام عليّ (عليه السلام) يتهيّأ لمواجهة معاوية لمّا أعلن التمرّد علي حكومته ورفض بيعته، وبينما هو جادّ في تدبير الأمر إذ فاجأه الخبر عن هياج بعض أهل مكة للطلب بدم عثمان بتحريض من طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم من الاُمويين، فأشفق من انشقاق الكلمة واختلاف شمل المسلمين، ورأي أنّ خطرهم أقوي من خطر معاوية، وشرّهم أقوي من شرّه، وإذا لم يبادر لإخماد هذه الفتنة فإنّها يوشك أن تتّسع ويكثر التمرّد والاختلاف، فتجهّز للتحرك نحوهم، وشمّرت لنصرته البقية الصالحة من المهاجرين والأنصار، وخرجوا مسرعين ليلحقوا بهم قبل أن يدخلوا مصراً من الأمصار فيفسدوه، فلمّا بلغوا الربذة علموا بسبقهم الي البصرة وبالحوادث التي جرت فيها، فأقام الإمام (عليه السلام) بالربذة أيّاماً يحكّم أمره، وأرسل الي جماهير أهل الكوفة يستنجد بهم ويدعوهم الي نصرته والقيام معه لإخماد نار الفتنة، وأوفد لِلقياهم محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر، وزوّدهما برسالة جاء فيها: «أنّي اخترتكم علي الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث، فكونا لدين الله أعواناً وأنصاراً، وأيّدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح ما نريد لتعود الاُ مّة إخواناً، ومن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحق، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وأغمضه» [171] .
وعرض الرسولان رسالة الإمام عليّ (عليه السلام) علي أبي موسي الأشعريّ والي الكوفة، إلاّ أنّهما لم يجدا منه أيّة استجابة، وإنّما وجداه يثبّط العزائم ويمنع الناس من الاستجابة لنداء الخليفة، وبرّر عناده قائلاً: «والله إنّ بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بدّ من القتال لا نقاتل أحداً حتي يفرغ من قتلة عثمان...» [172] .
فأوفد الإمام عليّ (عليه السلام) لِلقيا الأشعري رسولاً ثالثاً هو هاشم المرقال، وزوّده برسالة جاء فيها: «أنّي وجّهت هاشماً لينهض بمن قبلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس، فإنّي لم اُولّك إلاّ لتكون من أعواني علي الحقّ».
إلاّ أنّ الأشعري أصرّ علي تمرّده، فأرسل هاشم الي الإمام رسالة يخبره فيها بفشله في مهمّته وإخفاقه في سفارته.

ايفاد الإمام الحسن

بعد أن عرف الإمام عليّ (عليه السلام) إصرار أبي موسي وعدم إفلاح الرسل معه؛ بعث إليه ولده الحسن ومعه عمار بن ياسر، وأرسل معه رسالة فيها عزل أبي موسي عن منصبه وتعيين قرضة بن كعب مكانه، وهذا نصّ رسالته: «أمّا بعد، فقد كنت أري أن تعزب عن هذا الأمر الذي لم يجعل الله لك نصيباً منه، يمنعك عن ردّ أمري وقد بعثت الحسن بن عليّ وعمار بن ياسر يستفزّان الناس، وبعثت قرضة بن كعب والياً علي المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك» [173] .
ووصل الإمام الحسن (عليه السلام) الي الكوفة فالتأم الناس حوله زمراً، وهم يعربون له عن انقيادهم وطاعتهم، ويظهرون له الولاء والإخلاص، وأعلن الإمام (عليه السلام) عزل الوالي المتمرّد عن منصبه، وتعيين قرضة محلّه، ولكنّ أبا موسي بقي مصرّاً علي موقفه، فأقبل علي عمار بن ياسر يحدّثه في أمر عثمان علّه أن يجد في حديثه فرجة، فيتّهمه بدم عثمان ليتّخذ من ذلك وسيلة الي خذلان الناس عن الإمام فقال له:
«يا أبا اليقظان! أعدوت فيمن عدا علي أميرالمؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار؟» فأجابه عمّار: «لم أفعل ولم تسؤني».
وعرف الإمام الحسن (عليه السلام) غايته، فقطع حبل الجدال، وقال له: «يا أبا موسي! لِمَ تثبّط عنّا الناس؟».
وأقبل الإمام يحدّثه برفق ولين لينزع روح الشرّ والعناد عن نفسه قائلاً: «يا أبا موسي! والله ما أردنا إلاّ الإصلاح، وليس مثل أمير المؤمنين يخاف علي شيء».
فقال أبو موسي: صدقت بأبي أنت واُمي، ولكنّ المستشار مؤتمن.
فأجابه الإمام (عليه السلام): «نعم».
فقال أبو موسي: سمعت رسول الله يقول: إنّها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، وقد جعلنا الله عزّوجلّ إخواناً، وحرّم علينا أموالنا ودماءنا، فقال: (يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إنّ الله كان بكم رحيماً) [174] ، وقال عزّوجل: (ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنّم) [175] .
فردّ عليه عمّار قائلاً: «أنت سمعت هذا من رسول الله؟».
قال: أبو موسي: «نعم، وهذه يدي بما قلت».
فالتفت عمّار الي الناس قائلاً: «إنّما عني رسول الله بذلك أبا موسي، فهو قاعد خير من قائم» [176] .
وخطب الإمام الحسن (عليه السلام) في الناس قائلاً: «أيّها الناس! قد كان في مسير أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ورؤوس العرب، وقد كان من طلحة والزبير بعد بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم، وتعلمون أنّ وهن النساء وضعف رأيهنّ الي التلاشي، ومن أجل ذلك جعل الله الرجال قوّامين علي النساء، وأيم الله لو لم ينصره منكم أحد لرجوت أن يكون فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار كفاية، فانصروا الله ينصركم» [177] .
وبقي أبو موسي مصرّاً علي موقفه يثبّط العزائم، ويدعو الناس الي القعود وعدم نصرة الإمام، فعنّفه الإمام الحسن (عليه السلام) قائلاً: «اعتزل عملنا أيّها الرجل، وتنحّ عن منبرنا لا اُمّ لك». وقام الإمام (عليه السلام) خطيباً بالناس فقال لهم:
«أيّها الناس! أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا الي إخوانكم، فإنه سيوجد الي هذا الأمر من ينفر إليه، والله لئن يليه اُولو النهي أمثل في العاجل والآجل وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا علي ما ابتلينا به وابتليتم، وأنّ أمير المؤمنين يقول: قد خرجت مخرجي هذا ظالماً أو مظلوماً، وأنّي أذكر الله رجلاً رعي حقّ الله إلاّ نفر، فإن كنت مظلوماً أعانني، وإن كنت ظالماً أخذ، والله إنّ طلحة والزبير لأول من بايعني، وأوّل من غدرا، فهل استأثرت بمال أو بدّلت حكماً؟ فانفروا وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر» [178] .
فأجابه الناس بالسمع والطاعة، ولكن مالك الأشتر رأي أنّ الأمر لا يتمّ إلاّ بإخراج أبي موسي مهان الجانب محطّم الكيان، فأقبل مع جماعة من قومه فأحاطوا بالقصر ثم أخرجوا الأشعري منه، وبعد أن استتبّ الأمر للإمام الحسن (عليه السلام)! أقبل يتحدّث الي الناس بالخروج للجهاد قائلاً: «أيّها الناس، إنّي غاد، فمن شاء منكم أن يخرج معي علي الظهر (أي علي الدوابّ) ومن شاء فليخرج في الماء» [179] .
واستجابت الجماهير لدعوة الإمام، فلمّا رأي ذلك قيس بن سعد غمرته الأفراح، وأنشأ يقول:

وقالوا عليّ خير حاف وناعل
رضينا به من ناقضي العهد من بدل [180] .

وعجّت الكوفة بالنفير ونزحت منها آلاف كثيرة، وقد بدا عليهم الرضا والقبول، وساروا وهم تحت قيادة الإمام الحسن (عليه السلام)، فانتهوا الي ذي قار [181] وقد التقوا بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كان مقيماً هناك، فسرّ بنجاح ولده، وشكر له جهوده ومساعيه.

التقاء الفريقين في البصرة و خطاب الامام الحسن

وتحرّكت كتائب الإمام من ذي قار حتي انتهت الي الزاوية [182] . وبعث (عليه السلام) الي عائشة يدعوها الي حقن الدماء وجمع كلمة المسلمين، كما بعث (عليه السلام) برسالة الي طلحة والزبير يدعوهما الي الوئام ونبذ الشقاق [183] إلاّ أنّهم جميعاً لم يستجيبوا لنداء الحقّ، وأصرّوا علي مقاومة الإمام ومناجزته.
وكان عبدالله بن الزبير من أشدّ المحرّضين علي الفتنة وإراقة الدماء، وقد أفسد جميع الوسائل التي صنعها أمير المؤمنين (عليه السلام) لتحقيق السلم، وقد خطب في جموع البصريين ودعاهم الي الحرب، وهذا نصّ خطابه: «أيّها الناس! إنّ علي بن أبي طالب قتل الخليفة بالحقّ عثمان، ثمّ جهّز الجيوش إليكم ليستولي عليكم، ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالاً تطلبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم، وقاتلوا عن نسائكم وذراريكم وأحسابكم وأنسابكم، أترضون لأهل الكوفة أن يردوا بلادكم؟ إغضبوا فقد غوضبتم، وقاتلوا فقد قوتلتم، ألا وإنّ عليّاً لا يري معه في هذا الأمر أحداً سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكنّ دينكم ودنياكم» [184] .
وبلغ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خطاب ابن الزبير، فأوعز الي ولده الإمام الحسن (عليه السلام) بالردّ عليه، فقام خطيباً، فحمد الله تعالي وأثني عليه، ثم قال: «قد بلغتنا مقالة ابن الزبير في أبي وقوله فيه: إنّه قتل عثمان، وأنتم يا معشر المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين، علمتم بقول الزبير في عثمان، وما كان اسمه عنده، وما كان يتجنّي عليه، وأنّ طلحة يومذاك ركز رايته علي بيت ماله وهو حيّ، فأنّي لهم أن يرموا أبي بقتله وينطقوا بذمّه؟! ولو شئنا القول فيهم لقلنا.
وأمّا قوله: إنّ علياً ابتزّ الناس أمرهم، فإنّ أعظم حجّة لأبيه زعم أنّه بايعه بيده ولم يبايعه بقلبه، فقد أقرّ بالبيعة وادّعي الوليجة، فليأت علي ما ادّعاه ببرهان وأنّي له ذلك؟ وأمّا تعجّبه من تورّد أهل الكوفة علي أهل البصرة فما عجبه من أهل حقٍّ تورّدوا علي أهل باطل! أمّا أنصار عثمان فليس لنا معهم حرب ولا قتال، ولكنّنا نحارب راكبة الجمل وأتباعها».

الامام علي في الكوفة بعد حرب الجمل

بعد أن وضعت حرب الجمل أوزارها توقَّف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) شهراً في البصرة، ثم غادرها متوجّهاً الي الكوفة، مخلّفاً عبدالله بن عباس عليها، وقد مكث أمير المؤمنين (عليه السلام) عدّة أشهر في الكوفة قبل أن يتحرك نحو صفّين لقتال القاسطين (أي معاوية وأنصاره)، وقد قام خلال هذه الفترة بتعيين وظائف ولاته وتنظيم الاُمور، كما وتبادل الرسائل مع معاوية وغيره من المتمرّدين علي خلافته (عليه السلام).

خطاب الإمام الحسن

نقل العلاّمة المجلسي ـ رضوان الله تعالي عليه، عن كتاب «العدد» ـ روايةً أشارت الي أنّ بعض أهل الكوفة اتّهموا الإمام الحسن (عليه السلام) بضعف الحجّة والعجز عن الخطابة، ولعلّ هذه الرواية متعلّقة بهذه الفترة [185] .
وعندما سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بتلك الاتهامات دعا ولده الإمام الحسن (عليه السلام) ليلقي في أهل الكوفة خطاباً، يفنّد فيه تلك المزاعم، وقد استجاب (عليه السلام) لدعوة أبيه (عليه السلام)، وألقي في حشود من الكوفيين خطاباً بليغاً، جاء فيه: «أيّها الناس! اعقلوا عن ربّكم، إنّ الله عزّوجلّ اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين، ذرّيّةً بعضها من بعض والله سميع عليم، فنحن الذرّيّة من آدم والاُسرة من نوح، والصفوة من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل من محمد (صلي الله عليه وآله) نحن فيكم كالسماء المرفوعة، والأرض المدحوّة، والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، لا شرقية ولا غربية، التي بورك زيتها، النبيّ أصلها، وعليّ فرعها، ونحن والله ثمرة تلك الشجرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلي النار هوي...».
وبعد أن انتهي الحسن (عليه السلام) من خطبته صعد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر وقال: «يا بن رسول الله! أثبَتَّ علي القوم حجّتَك، وأوجبْتَ عليهم طاعتك، فويلٌ لمن خالفك» [186] .

تهيؤ الإمام علي لجهاد معاوية

لمّا أخفقت جميع الوسائل التي سلكها الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) من أجل السلم بعد إصرار معاوية علي محاربة السلطة الشرعية والإطاحة بالخلافة الإسلامية وإعادة المثل الجاهلية وزحفه بجيشه الي صفين واحتلال الفرات، تهيّأ (عليه السلام) للحرب وقد استدعي المهاجرين والأنصار الذين خفّوا لنجدته، فقال لهم: «إنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقّ، مباركو الفعل والأمر، وقد أردنا المسير الي عدوّنا فأشيروا علينا برأيكم».
فانطلق عدد من كبار الشخصيات الإسلامية من أمثال: عمّار بن ياسر وسهل بن حنيف ومالك الأشتر وقيس بن سعد وعدي بن حاتم وهاشم بن عتبة، ليعربوا عن دعمهم لقرار الإمام (عليه السلام) في السير الي العدوّ ومواجهته [187] .
وكان قد خطب الإمام الحسن (عليه السلام) خطاباً هامّاً وقتذاك قال فيه: «الحمد لله لا إله غيره، وحده لا شريك له، واُثني عليه بما هو أهله، إنّ ممّا عظّم الله عليكم من حقّه وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصي ذكره، ولا يؤدّي شكره، ولا يبلغه صفة ولا قول، ونحن إنّما غضبنا لله ولكم، فإنّه منّ علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قولاً يصعد الي الله فيه الرضا، وتنتشر فيه عارفة الصدق، يصدق الله فيه قولنا، ونستوجب فيه المزيد من ربّنا، قولاً يزيد ولا يبيد، فإنّه لم يجتمع قوم قطّ علي أمر واحد إلاّ اشتد أمرهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوّكم معاوية وجنوده، فإنّه قد حضر، ولا تخاذلوا فإنّ الخذلان يقطع نياط القلب، وإنّ الإقدام علي الأسنّة نجدة وعصمة لأنّه لم يمتنع [188] قوم قطّ إلاّ رفع الله عنهم العلّة، وكفاهم جوائح [189] الذلّة، وهداهم معالم الملّة.
ثم أنشد:

والصلح تأخذ منه ما رضيت به
والحرب يكفيك من أنفساها جرع [190] .

لقد حفل خطابه البليغ بالدعوة إلي الوحدة والتعاون لمحاربة الطغاة البغاة، واستجاب الناس لدعوته فاسرعوا لنصرة الحق والدفاع عن الدين الحنيف.

في معركة صفين

احتشد الجيشان في صفيّن، وبَذَلَ الإمام علي (عليه السلام) العديد من المساعي لتفادي وقوع الحرب مع معاوية، إلاّ أنّها لم تفلح، ممّا اضطرّ الإمام عليّاً (عليه السلام) لخوض غمار حرب استمرت عدة أشهر، وراح خلالها ـ ضحيةً لسلطوية معاوية ـ الآلاف من المسلمين والمؤمنين.
وكان للإمام الحسن (عليه السلام) دور بارز في حرب صفّين، فقد نقل المؤرّخون: أنّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عندما نظّم صفوف جيشه جعل الميمنة بقيادة الإمام الحسن (عليه السلام) وأخيه الإمام الحسين (عليه السلام) وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل [191] ، وفي هذه الأثناء أراد معاوية أن يجسّ نبض الإمام الحسن (عليه السلام) فبعث اليه عبيدالله بن عمر يمنّيه بالخلافة ويخدعه حتي يترك أباه (عليه السلام) فانطلق عبيدالله، فقال له: لي إليك حاجة.
فقال له (عليه السلام): نعم، ما تريد؟
فقال له عبيدالله: «إنّ أباك قد وتر قريشاً أولاً وآخراً، وقد شنؤوه فهل لك أن تخلفه ونولّيك هذا الأمر؟» [192] .
فأجابه الإمام الحسن (عليه السلام) بكلّ حزم: «كلا والله لا يكون ذلك» [193] ، ثم أردف قائلاً: «لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك، أما إنّ الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتي أخرجك مخلقاً بالخلوق [194] وتري نساء أهل الشام موقفك، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً» [195] .
ورجع عبيدالله الي معاوية وهو خائب حسير قد أخفق في مهمته، وأخبره بحديث الإمام (عليه السلام) فقال معاوية: «إنّه ابن أبيه» [196] .
وخرج عبيدالله في ذلك اليوم الي ساحة الحرب يقاتل مع معاوية، فلقي حتفه سريعاً علي يد رجل من قبيلة همدان، واجتاز الإمام الحسن (عليه السلام) في ساحة المعركة، فرأي رجلاً قد توسّد رجلاً قتيلاً وقد ركز رمحه في عينه وربط فرسه في رجله، فقال الإمام (عليه السلام) لمن حوله: اُنظروا من هذا؟ فأخبروه أن الرجل من همدان وأنّ القتيل عبيدالله بن عمر [197] .
ومن الواضح أنّ هذا الحادث من كرامات الإمام الحسن (عليه السلام) حيث أخبر عن مصير عبيدالله قبل وقوعه، وأنبأه بنهايته الذليلة، وقد تحقّق ذلك بهذه السرعة.

املكوا عني هذا الغلام

لم تكن المواجهة في صفّين علي وتيرة واحدة، فكانت تارةً علي شكل مناوشات بين الفريقين، وتارة اُخري كانت بصورة التحام كامل بين الجيشين، وأول مواجهة حيث اتّخذت شكل الالتحام العام رأي الإمام عليّ (عليه السلام) ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) يستعدّ ليحمل علي صفوف أهل الشام، فقال لمن حوله: «إملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني [198] فإنّني أنفس [199] بهذين الغلامين ـ يعني الحسن والحسين ـ لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله» [200] .

الامام الحسن والتحكيم

بعد أن مضت عدّة أشهر علي المواجهة بين جيش الإمام عليّ (عليه السلام) وجيش معاوية، وبعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بالجانبين، أوشك جيش الحقّ بقيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) علي تحقيق النصر ووضع حدٍّ لهذا النزف الذي أوجده معاوية في جسم الاُمّة الإسلامية، إلاّ أنّ عمرو بن العاص أنقذ جيش معاوية من الهزيمة المؤكدة، عندما دعا هذا الجيش الي رفع المصاحف علي الرماح والمطالبة بتحكيم القرآن بين الجانبين.
واضطرّ الإمام عليّ (عليه السلام) لقبول التحكيم بعد أن مارس جمع من المقاتلة ضغوطاً كبيرة عليه، فقد انطلت عليهم خدعة ابن العاص بسبب جهلهم، كما وظّف المنافقون والانتهازيون القضية لتدعيم ضغوط الجهلة علي الإمام المظلوم (عليه السلام).
وبعد أن انخدع أبو موسي الأشعري ـ ممثّل العراقيّين ـ بحيلة عمرو بن العاص ـ ممثّل الشاميين ـ في قضيّة التحكيم؛ التفت الذين فرضوا التحكيم علي الإمام (عليه السلام) الي الخطأ الجسيم الذي وقعوا فيه، فتوجّهوا الي الإمام علي (عليه السلام) يطلبون منه أن ينقض تعهداته التي أمضاها استجابة لضغوطهم، وأن يستأنف الحرب مع معاوية، وفوق ذلك كلّه اعتبروا أنّ الإمام (عليه السلام) أخطأ بقبوله التحكيم، فرفعوا شعار «لا حكم إلاّ لله»، الأمر الذي بات ينذر باضطراب آخر وفاجعة جديدة في أوساط جيش الإمام عليّ (عليه السلام).
ومن هنا رأي الإمام (عليه السلام) ضرورة الحيلولة دون وقوع الفاجعة، وذلك بأن يدعو شخصاً يتمتّع بثقة الجميع واحترامهم ليلقي فيهم خطاباً يتضمّن إبطالاً لحكم أبي موسي الأشعري بالدليل والبرهان، ويبيّن لهم مشروعية القبول بأصل التحكيم، فاختار الإمام (عليه السلام) ابنه الإمام الحسن (عليه السلام)فقال له: قم يا بنيّ، فَقُل في هذين الرجلين عبدالله بن قيس (يعني: أبو موسي الأشعري) وعمرو بن العاص، فقام الإمام الحسن (عليه السلام) فاعتلي أعواد المنبر، وهو يقول: «أيّها الناس! قد أكثرتم في هذين الرجلين، وإنّما بعثا ليحكما بالكتاب علي الهوي، فحكما بالهوي علي الكتاب، ومن كان هكذا لم يسمّ حكماً ولكنّه محكوم عليه، وقد أخطأ عبدالله ابن قيس إذ جعلها لعبدالله بن عمر فأخطأ في ثلاث خصال: واحدة أنّه خالف أباه إذ لم يرضه لها ولا جعله من أهل الشوري، واُخري أنّه لم يستأمره في نفسه [201] ، وثالثها أنّه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمارة ويحكمون بها علي الناس.
وأمّا الحكومة فقد حكّم النبيّ (صلي الله عليه وآله) سعد بن معاذ في بني قريضة فحكم بما يرضي الله به، ولا شك لو خالف لم يرضه رسول الله (صلي الله عليه وآله)» [202] .
لقد عرض الإمام الحسن (عليه السلام) في خطابه الرائع أهم النقاط الحسّاسة التي هي محور النزاع ومصدر الفتنة، فأبان (عليه السلام) أنّ المختار للتحكيم إنّما يتبع قوله، ويكون رأيه فيصلاً للخصومة فيما إذا حكم بالحقّ، ولم يخضع للنزعات والأهواء الفاسدة، وأبو موسي لم يكن في تحكيمه خاضعاً للحقّ، وإنّما اتّبع هواه فرشّح عبدالله بن عمر للخلافة، مع أنّ أباه كان لا يراه أهلاً لها، مضافاً الي أنّ الشرط الأساسي في الانتخاب اجتماع المهاجرين والأنصار علي اختياره ولم يحصل ذلك له، كما أعرب (عليه السلام) في خطابه عن مشروعية التحكيم بالأمر الذي أنكرته الخوارج، مستدلاً عليه بتحكيم النبيّ (صلي الله عليه وآله) لسعد بن معاذ في بني قريضة.

وصية الامام أميرالمؤمنين إلي ابنه الحسن

ووجّه الإمام لدي عودته من صفّين بمنطقة يقال لها: «حاضرين» وصيةً مهمّة إلي ابنه الحسن (عليه السلام) وقد تضمّنت دروساً بليغة:
«من الوالد الفان، المقرّ للزمان [203] ، المدبر العمر، المستسلم للدنيا، الساكن مساكن الموتي، والظاعن [204] عنها غداً، الي المولود المؤمّل ما لا يُدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام [205] ، ورهينة [206] الأيام، ورميّة [207] المصائب... أمّا بعد: فإن فيما تبيّنت من إدبار الدنيا عنّي، وجموح الدهر [208] عليّ، وإقبال الآخرة إليّ، ما يَزَعُني [209] عن ذكر مَن سواي، والإهتمام بما ورائي [210] ، غير أني حيث تفرّد بي دون هموم الناس همّ نفسي، فصدفني [211] رأيي، وصرفني عن هواي، وصرّح لي محض أمري [212] ، فأفضي بي الي جِدّ لا يكون فيه لَعِب، وصِدق لا يشوبه كَذِب. ووجدتُك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتي كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي مستظهراً به [213] إن أنا بقيتُ لك أو فنيتُ.
فإني أوصيك بتقوي الله ـ أي بُني ـ ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟
أحي قلبك بالموعظة، وأمِته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوّره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرّره بالفناء [214] وبصّره فجائع الدنيا وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام، وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلك من الأوّلين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا، وأين حَلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم. فأصِلحْ مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تُكلّف.
وخُضِ الغمرات [215] للحقّ حيث كان، وتفقّه في الدّين، وعوّد نفسك التصبّر علي المكروه، ونِعْمَ الخُلُق التصبر في الحق، وألجئ نفسك في أمورك كلّها الي إلهك، فإنّك تلجئها الي كهف [216] حريز [217] ، ومانع عزيز.
فتفّهم يا بُنيّ وصيّتي، واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة، وأنّ الخالق هو المميت، وأنّ المفني هو المعيد، وأنّ المبتلي هو المُعافي، وأنّ الدنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ علي ما جعلها الله عليه من النعماء والإبتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء ممّا لا تعلم... فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسوّاك، وليكن له تعبّدك، وإليه رغبتك، ومنه شفقتك [218] .
واعلم يا بُني أنّ أحداً لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (صلي الله عليه وآله)فارضَ به رائداً، والي النجاة قائداً، فإنّي لم آلُك [219] نصيحة فإنّك لن تبلغ في النظر لنفسك ـ وإن اجتهدت ـ مبلغ نظري لك.
واعلم يا بني أنّه لو كان لربّك شريك لأَتَتْكَ رُسلُه، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنّه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضادّه في ملكه أحد، ولا يزول أبداً ولم يزل. أوّلٌ قبل الأشياء بلا أوّليّة، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية، عَظُمَ عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صِغَر خَطَره [220] وقلّة مقدرته وكثرة عجزه، وعظيم حاجته الي ربّه، في طلب طاعته، والخشية من عقوبته، والشفقة من سخطه، فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ولم ينهك إلاّ عن قبيح.
... يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلم كما لا تُحبّ أن تُظلم، وأحسن كما تحبّ أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
واعـلم أنّ الإعجـاب [221] ضـد الصـواب، وآفـة الألبـاب [222] ، فاسـعَ فـي كـدحك [223] ولا تكن خازناً لغيرك [224] ، وإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربّك.
... واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء، وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه.
... ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتي استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب [225] رحمته، فلا يُقنّطك [226] إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة علي قدر النيّة، وربّما أُخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء فلا تؤتاه، واُوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرف عنك لما هو خيرٌ لك، فلرُبّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو اُوتيته فلتكن مسألتك فيما يبقي لك جماله، ويُنفي عنك وباله، فالمال لا يبقي لك ولا تبقي له.
... يا بُني! أكثِر من ذكر الموت، وذكر ما تهجُم عليه، وتُفضي بعد الموت إليه حتي يأتيك وقد أخذت منه حذرك [227] وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك [228] ، وإيّاك أن تغترّ بما تري من إخلاد [229] أهل الدنيا إليها، وتكالبهم [230] عليها، فقد نبأك الله عنها، ونَعَتْ [231] هي لك عن نفسها، وتكشّفتْ لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلاب عاوية، وسباع ضارية [232] ، يهرّ [233] بعضها علي بعض، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها.
... واعلم يقيناً أنّك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنّك في سبيل من كان قبلك، فخفّض [234] في الطلب، وأجمل [235] في المكتسب، فإنّه رُبَّ طلب قد جرّ الي حَرَب [236] فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم، واكرِم نفسك عن كل دنيّة [237] وإن ساقتك الي الرغائب [238] ، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً [239] .
ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً، وما خيرُ خير لا يُنال إلاّ بشرّ، ويسر [240] لا يُنال إلاّ بعسر [241] ؟.
وإيّاك أن تُوجف [242] بك مطايا [243] الطمع، فتوردك مناهل [244] الهلكة [245] ، وإن استطعت ألاّ يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدركٌ قَسْمَكَ، وآخذ سهمك، وإنّ اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خَلْقِه وإن كان كلّ منه.
... ولا يكن أهلك أشقي الخلق بك، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك، ولا يكوننّ أخوك أقوي علي قطيعتك منك علي صلته، ولا تكوننّ علي الإساءة أقوي منك علي الإحسان، ولا يَكبُرنَّ عليك ظلم من ظلمك، فإنّه يسعي في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه.
واعلم يا بُنيّ! أنّ الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإنّ أنت لم تأته أتاك، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغني! إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك [246] وإن كنت جازعاً علي ما تفلّت [247] من يديك، فاجزع علي كلّ ما لم يصل إليك، استدل علي ما لم يكن بما قد كان، فإنّ الاُمور أشباه، ولا تكوننّ ممن لاتنفعه العِظَة إلاّ إذا بالغت في إيلامه، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب، والبهائم لا تتّعظ الاّ بالضرب.
... استَودِعِ الله دينك ودُنياك، واسألهُ خير القضاء لكَ في العاجلة والآجلة والدنيا والآخرة، والسلام.

النهروان و مؤامرة قتل أميرالمؤمنين

أدّي نفاق وتمرّد بعض الجهلاء والمتظاهرين بالتديّن الي أن تتمرّد مجموعة كبيرة من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) فترفض الانصياع لأوامره، بل ذهب هؤلاء المارقون إلي أبعد من ذلك عندما أصدروا حكماً بتكفير الإمام (عليه السلام).
وبعد الجرائم التي ارتكبها المارقون في العراق؛ اتّخذوا «النهروان» قاعدة لتمرّدهم، فاضطرّ الإمام (عليه السلام) الي التوجه نحوهم، وبعد أن تفاوض معهم وأتمّ الحجة عليهم؛ أعلن الحرب علي من أصرّ منهم علي انحرافه وعناده وكفره، فقضي عليهم كافة باستثناء أشخاص معدودين، وكان بين الأشخاص المعدودين الذين فرّوا في واقعة النهروان عبدالرحمن بن ملجم المرادي الذي كان يختزن في قلبه حقداً أعمي علي الإمام المظلوم، فخطّط سرّاً للتآمر علي حياة أميرالمؤمنين (عليه السلام) وفي نهاية المطاف وبعد أن نسّق عمله مع عدد من الخوارج والمنافقين من أهل الكوفة؛ استطاع في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في عام (40) للهجرة أن يغتال الإمام عليّاً (عليه السلام) وهو في محراب العبادة وفي بيت الله ـ مسجد الكوفة ـ لينطلق في الآفاق نداؤه الخالد: «فزت وربِّ الكعبة».

في ليلة استشهاد الامام أميرالمؤمنين

لما عزم الإمام عليّ (عليه السلام) علي الخروج من بيته ـ قبل أن تشرق أنوار الفجر ـ إلي مناجاة الله وعبادته في مسجد الكوفة صاحت في وجهه وزّ كانت قد اُهدِيَتْ الي الحسن، فتنبّأ (عليه السلام) من صياحهنّ وقوع الحادث العظيم والرزء القاصم، قائلاً: «لا حول ولا قوّة الاّ بالله، صوائح تتبعها نوائح».
وأقبل الإمام علي فتح الباب فعسر عليه فتحها وكانت من جذوع النخل فاقتلعها فانحلّ إزاره فشدّه وهو يقول:

ولا تجزع من الموت
إذا حلّ بواديكا

واضطرب الإمام الحسن (عليه السلام) من خروج أبيه في هذا الوقت الباكر فقال له: «ما أخرجك في هذا الوقت؟».
فأجابه (عليه السلام): «رؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني».
فقال له الإمام الحسن (عليه السلام): «خيراً رأيت، وخيراً يكون، قصّها عليّ». فأجابه الإمام علي (عليه السلام): «رأيت جبرئيل قد نزل من السماء علي جبل أبي قبيس، فتناول منه حجرين، ومضي بهما الي الكعبة، فضرب أحدهما بالآخر فصارا كالرميم، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت الاّ ودخله من ذلك الرماد شيء».
فسأله (عليه السلام): «ما تأويل هذه الرؤيا؟».
فقال (عليه السلام): «إن صدقت رؤياي، فإن أباك مقتول، ولا يبقي بمكة ولا بالمدينة إلاّ دخله الهمّ والحزن من أجلي».
فالتاع الحسن وذهل وانبري قائلاً بصوت خافت حزين النبرات: «متي يكون ذلك؟».
قال الإمام (عليه السلام): «إن الله تعالي يقول: (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأيّ أرض تموت) [248] «ولكن عهدهُ إليّ حبيبي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان، يقتلني عبدالرحمن بن ملجم».
فقال الإمام الحسن (عليه السلام): «إذا علمت ذلك فاقتله».
فقال الإمام علي (عليه السلام): «لا يجوز القصاص قبل الجناية والجناية لم تحصل منه».
وأقسم الإمام علي ولده الحسن أن يرجع الي فراشه، فلم يجد الحسن بدّاً من الامتثال [249] .

الامام الحسن بجوار والده الجريح

وصل أمير المؤمنين (عليه السلام) مسجد الكوفة ووقعت تلك الفاجعة العظمي علي يد أشقي الأشقياء، وسمع أهل الكوفة بالفاجعة، فهرعوا الي المسجد وخفّ أبناء الإمام (عليه السلام) مسرعين، وكان الإمام الحسن (عليه السلام) في مقدمة الذين وصلوا المسجد فوجد أباه (عليه السلام) صريعاً في محرابه وقد تخضّب وجهه ولحيته بدمه، وجماعة حافّين به يعالجونه للصلاة، ولمّا وقع نظره علي ولده الحسن (عليه السلام)؛ أمره أن يصلّي بالناس، وصلّي الإمام وهو جالس والدم ينزف منه.
ولمّا فرغ الحسن (عليه السلام) من صلاته؛ أخذ رأس أبيه فوضعه في حجره، وسأله: من فعل بك هذا؟ فأجابه قائلاً: عبدالرحمن بن ملجم، فقال الإمام الحسن (عليه السلام): من أيّ طريق مضي؟ فقال الإمام عليّ (عليه السلام): لا يمض أحد في طلبه إنّه سيطلع عليكم من هذا الباب، وأشار الي باب كندة، وما هي إلاّ فترة قصيرة وإذا بالناس يدخلون ابن ملجم من الباب نفسها، وقد جيء به مكتوفاً مكشوف الرأس، فأوقف بين يدي الإمام الحسن (عليه السلام) فقال له: يا ملعون! قتلت أمير المؤمنين وإمام المسلمين؟ هذا جزاؤه حين آواك وقرّبك حتي تجازيه بهذا الجزاء؟
وفتح أمير المؤمنين (عليه السلام) عينيه وقال له بصوت خافت: «لقد جئت شيئاً إدّاً وأمراً عظيماً، ألم أشفق عليك واُقدمك علي غيرك في العطاء؟ فلماذا تجازيني بهذا الجزاء؟».
وقال لولده الحسن (عليه السلام) يوصيه ببرّه والإحسان إليه: «يا بني! ارفق بأسيرك وارحمه وأشفق عليه».
فقال الإمام الحسن (عليه السلام): «يا أبتاه، قتلك هذا اللعين وفجعنا بك، وأنت تأمرنا بالرفق به».
فأجابه أمير المؤمنين: «يا بني نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة، أطعمه مما تأكل، واسقه مما تشرب، فإن أنا متّ فاقتص منه بأن تقتله، ولا تمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت فأنا أعلم ما أفعل به، وأنا أولي بالعفو، فنحن أهل البيت لا نزداد علي المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً» [250] .
ونظر الحسن إلي أبيه وقد حرق الهمّ والجزع قلبه فقال له:
«يا ابة، من لنا بعدك؟ إنّ مصابنا بك مثل مصابنا برسول الله» فضمّه الإمام وقال: مهدّئاً روعه:
«يا بني! أسكن الله قلبك بالصبر، وعظّم أجرك، وأجر إخوتك بقدر مصابكم بي».
وجمع الحسن لجنة من الأطباء لمعالجته وكان أبصرهم بالطبّ أثير بن عمرو السكوني [251] فاستدعي برئة شاة حارة فتتبع عِرقاً منها فاستخرجه فأدخله في جرح الإمام ثم نفخ العِرق فاستخرجه فإذا هو مكلّل ببياض الدماغ، لأنّ الضربة قد وصلت إلي دماغه الشريف فارتبك أثير والتفت إلي الإمام ـ واليأس في صوته ـ قائلاً: «يا أمير المؤمنين! اعهد عهدك، فإنّك ميت» [252] .
فالتفت الحسن إلي أبيه ودموعه تتبلور علي وجهه، وشظايا قلبه يلفظها بنبرات صوته قائلاً:
«أبة! كسرت ظهري، كيف أستطيع أن أراك بهذه الحالة؟» وبصر الإمام فرأي الأسي قد استوعب نفسه، فقال له برفق:
«يا بني! لا غمّ علي أبيك بعد هذا اليوم ولا جزع، اليوم ألقي جدّك محمد المصطفي، وجدّتك خديجة الكبري، واُمك الزهراء، وإنّ الحور العين ينتظرن أباك، ويترقّبن قدومه ساعةً بعد ساعة، فلا بأس عليك، يا بني لا تبك».
وتسمّم دم الإمام، ومال وجهه الشريف إلي الصفرة، وكان في تلك الحالة هادئ النفس قرير العين لا يفتر عن ذكر الله وتسبيحه وهو ينظر إلي آفاق السماء، ويبتهل إلي الله بالدعاء قائلاً:
«إلهي، أسألك مرافقة الأنبياء والأوصياء وأعلي درجات الجنة».
وغشي عليه فذاب قلب الحسن وجعل يبكي مهما ساعدته الجفون، فسقطت قطرات من دموعه علي وجه الإمام (عليه السلام) فأفاق، فلما رآه قال له: مهدّئاً روعه:
«يا بني! ما هذا البكاء؟ لا خوف ولا جزع علي أبيك بعد اليوم، يا بني! لا تبك، فأنت تقتل بالسم، ويقتل أخوك الحسين بالسيف».

آخر وصايا أميرالمؤمنين

وأخذ الإمام يوصي أولاده بمكارم الأخلاق، ويضع بين أيديهم المثل الرفيعة، ويلقي عليهم الدروس القيّمة، وقد وجه (عليه السلام) نصائحه الرفيعة أولاً لولديه الحسن والحسين، وثانياً لبقية أولاده وعموم المسلمين قائلاً:
«اُوصيكما بتقوي الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما [253] ولا تأسفا علي شيء منها زوي عنكما، وقولا للحقّ واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، أوصيكما، وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوي الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدكم (صلي الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم [254] ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتي ظننّا أنّه سيورثهم، والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم، والله الله في بيت ربّكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا [255] ، والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل [256] وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتولَّ عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم».
ثم قال (عليه السلام) مخاطباً لآله وذويه:
«يا بني عبد المطلب! لا ألفينكم [257] تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين، ألا لاتقتلن بي إلاّ قاتلي، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثّل بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور» [258] .
وأخذ (عليه السلام) يوصي ولده الحسن خاصة بمعالم الدين وإقامة شعائره قائلاً:
«اُوصيك، أي بني، بتقوي الله، وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلّها، وحسن الوضوء، فإنّه لا صلاة إلاّ بطهور، واُوصيك بغفر الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقّه في الدين، والتثبّت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش» [259] .
وفي اليوم العشرين من شهر رمضان ازدحمت الجماهير من الناس علي بيت الإمام طالبين الأذن لعيادته، فأذن لهم إذناً عاماً، فلمّا استقر بهم المجلس إلتفت لهم قائلاً:
«سلوني قبل أن تفقدوني، وخففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم».
فاشفق الناس أن يسألوه، نظراً لما ألمّ به من شدّة الألم والجرح [260] .

الامام علي ينص علي خلافة ابنه الحسن

ولمّا علم أمير المؤمنين أنّه مفارق لهذه الدنيا وأنّ لقاءه بربّه لقريب؛ عهد بالخلافة والإمامة لولده الحسن، فأقامه من بعده لترجع اليه الاُ مّة في شؤونها كافة، ولم تختلف كلمة الشيعة في ذلك، فقد ذكر ثقة الإسلام الكليني أنّ أمير المؤمنين أوصي إلي الحسن، وأشهد علي وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع اليه الكتب والسلاح، وقال له: «يا بني! أمرني رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن اُوصي اليك وأن أدفع اليك كتبي وسلاحي، كما أوصي إلي رسول الله ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلي أخيك الحسين».
وروي أيضاً أنّه قال له: «يا بني! أنت وليّ الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة» [261] .

الي الرفيق الاعلي

ولمّا فرغ الإمام أمير المؤمنين من وصاياه أخذ يعاني آلام الموت وشدّته، وهو يتلو آي الذكر الحكيم ويكثر من الدعاء والاستغفار، ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به قوله تعالي: (لمثل هذا فليعمل العاملون) ثم فاضت روحه الزكية إلي جنّة المأوي وسمت إلي الرفيق الأعلي، وارتفع ذلك اللطف الآلهي إلي مصدره، فهو النور الذي خلقه الله ليبدّد به غياهب الظلمات.
لقد مادت أركان العدل وانطمست معالم الدين، ومات عون الضعفاء وكهف الغرباء وأبو الأيتام.

تجهيزه الامام الشهيد و دفنه

وأخذ الحسن (عليه السلام) في تجهيز أبيه، فغسَّل الجسد الطاهر وطيَّبه بالحنوط، وأدرجه في أكفانه، ولمّا حل الهزيع الأخير من الليل خرج ومعه حفنة من آله وأصحابه يحملون الجثمان المقدّس إلي مقرّه الأخير فدفنه في النجف الأشرف حيث مقره الآن كعبة للوافدين ومقراً للمؤمنين والمتقين ومدرسة للمتعلمين، ورجع الإمام الحسن بعد أن واري أباه إلي بيته وقد استولي عليه الأسي والذهول وأحاط به الحزن [262] .

عصر الإمام الحسن المجتبي

إنّ الخوارج حينما خرجوا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وتمرّدوا عليه؛ لم يكن لحركتهم أيّة ميزة علي غيرهم من المتمرّدين عليه كطلحة والزبير ومعاوية وغيرهم، ولم يكن لهم هدف خاص كما كان لمعاوية وطلحة والزبير، وما ينسبه لهم المؤرّخون من الجدل حول التحكيم مع أنّهم من أنصاره في بداية الأمر ـ ونتائجه لم يلتزم بها أمير المؤمنين (عليه السلام) إن صحّ ـ يدلّ علي أنّهم كانوا في منتهي السذاجة والعفوية، وأنّهم كانوا ضحايا المتآمرين علي أمير المؤمنين بقصد إثارة الفتن في جيشه وإلهائه عن معاوية والرجوع لحربه، وكان لمقتلهم آثاره السيئة في نفوس الكثيرين من أصحابه، لأنّ القتلي كان أكثرهم ينتمي إلي عشائر الكوفة والبصرة، فليس بغريب إذا ترك قتلهم في نفوس من ينتمون اليهم ما يجده كلّ قريب لفقد قريبه.
ولمّا انتهي أمير المؤمنين منهم دبّ الوهن والتخاذل والخلاف بين أصحابه، فجعل يستحثّهم علي الخروج معه لحرب معاوية ويخطب فيهم المرّة تلو الاُخري فلا يجد منهم إلاّ التخاذل والخلاف عليه، فيقولون: لقد نفدت نبالنا وكلّت أذرعنا ونصلت أسنّة رماحنا وتقطعت سيوفنا، فأمهلنا لنستعد فإنّ ذلك أقوي لنا علي عدوّنا، واستمر علي ذلك مدّة من الزمن كان يدعوهم بين الحين والآخر للخروج إلي معسكرهم في النخيلة، فلا يخرج إلاّ القليل الذي لا يغني شيئاً [263] .
هذا والأشعث بن قيس وشبث بن ربعي وأمثالهما لا همَّ لهم إلاّ التخريب وبثّ روح التخاذل في النفوس، وراح يضع في أذهان الجيش أنّ عليّاً كان عليه أن يصنع مع أهل النهروان كما صنع عثمان ويتغاضي عنهم وهم قلّة لا يشكّلون خطراً عليه، لقد قال الأشعث ذلك ليحدث تصدّعاً في صفوف الجيش وليشحن نفوس من تربطهم باُولئك القتلي أنساب وقرابات بالكراهية والعداء لعليّ (عليه السلام).
وسرت مقالة الأشعث بين الناس فزادتهم تخاذلاً وتصدعاً [264] ، وأُتيح لمعاوية أن يتّصل بسراتهم ورؤسائهم أكثر من قبل، تحمل كتبه لهم الوعود والأماني، ويقدّم بين يدي الوعود والأماني العطايا والصلات يعجّل لهم ما يرغبون في عاجله وما يغري قليله المعجّل بكثيره الموعود، حتي اشتري ضمائرهم وأفسدهم علي إمامهم وجعلهم يعطونه الطاعة بأطراف ألسنتهم ويطوون قلوبهم علي المعصية والخذلان.
لقد استطاع المتآمرون من أهل العراق أن يحقّقوا لمعاوية كلّ أطماعه وأن يشلّوا حركة الإمام (عليه السلام) ويخلقوا له من المصاعب والمشاكل ما يشغله عن لقاء أهل الشام مرّة ثانية، فلم تنته معركة النهروان حتي ظهرت فُلولُهم في أكثر من ناحية في العراق، وتركت معركة النهروان في أهاليهم وقبائلهم أوتاراً لم يكن من السهل نسيانها، لا سيما وأنّ أيدي المتآمرين ممن كانوا علي صلة بمعاوية كانت تزوّدهم بالأموال والعتاد فيخرج الرجل ومعه المائة والمئتان، فيضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) إلي أن يرسل اليهم رجلاً من أصحابه ومعه طائفة من الجند فيقاتل المتمرّدين، حتي إذا قتلهم أو شرّدهم؛ عاد إلي الكوفة، وقبل أن يستقرّ يخرج آخر بجماعة من المتمرّدين.
وهكذا كانت الحالة بعد معركة النهروان حتي خرج الخريت بن راشد، وقد جاءه قبل خروجه، وقال له: والله إنّي لا اُطيعك ولا اُصلي خلفك لأنّك حكّمت الرجال وضعفت عن الحق، فقال له: إذن تعصي ربّك وتنكث عهدك ولا تضرّ إلاّ نفسك، ودعاه للمناظرة، فقال له: أعود اليك غداً، فقبل منه وأوصاه أن لا يؤذي أحداً من الناس ولا يعتدي علي الدماء والأموال والأعراض فخرج ولم يعد، وكان مطاعاً في قومه بني ناجية وخرج معه جماعة في ظلمة الليل والتقي في طريقه برجلين وكان أحدهما يهودياً والآخر مسلماً، فقتلوا المسلم، وعاد اليهودي إلي عامل عليّ علي السواد فأخبره بأمرهم فكتب العامل لأمير المؤمنين فأرسل اليهم جماعة من أصحابه وأمره بردّهم إلي الطاعة ومناجزتهم إن رفضوا ذلك، وحدثت بينه وبين الخريت وجماعته مناظرة لم تجد شيئاً، فطلب منهم أصحاب أمير المؤمنين أن يسلموهم قتلة المسلم فأبوا إلاّ الحرب، وكانت بين الطرفين معارك دامية، فأرسل اليهم أمير المؤمنين قوة اُخري، وكتب إلي عبدالله بن العباس وكان أميراً علي البصرة يأمره بملاحقتهم، والخريت مرّة يدّعي بأنّه يطلب بدم عثمان، واُخري ينكر علي عليّ (عليه السلام) التحكيم.
وأخيراً قتل الخريت وجماعة من أصحابه واُسر منهم خمسمائة قادوهم إلي الكوفة، فمرّ بهم الجيش علي مصقلة بن هبيرة الشيباني وكان عاملاً لعلي (عليه السلام) علي بعض المقاطعات فاستغاث به الأسري فرقّ لحالهم كما تزعم بعض الروايات، واشتراهم من القائد علي أن يسدّد أثمانهم أقساطاً وأعتقهم، وجعل يماطل في أداء ما عليه، ولمّا طالبه عبدالله بن عباس بأداء المبلغ أجابه: لو طلبت هذا المبلغ وأكثر منه من عثمان ما منعني إيّاه، ثم هرب إلي معاوية فاستقبله استقبال الفاتحين وأعطاه ما يريد.
وطمع مصقلة أن يستجلب أخاه نعيم بن هبيرة إلي جانب معاوية، فأرسل اليه رسالة مع رجل من نصاري تغلب كان يتجسّس لصالح معاوية، ولم يكد يبلغ الكوفة حتي ظهر أمره فأخذه أصحاب أمير المؤمنين وقطعوا يده.
إلي كثير من أمثال هذه الحوادث التي تدين المتمرّدين ومن كان يعاونهم بالتآمر وإشاعة الفوضي في جميع أطراف الدولة لاستنزاف قوة الإمام في الداخل وليكون في شغل عن معاوية وتصرفاته.
ومن غير البعيد أن يكون مصقلة الشيباني علي صلة بالمتمرّدين وأنّ حرصه علي تخليصهم من الأسر لقاء مبلغ من المال يعجز عن دفعه لم يكن بدافع إنساني كما يبدو ذلك لأول نظرة في حادثة من هذا النوع، بل كان بدافع الإحساس بمسؤوليته عن فئة كان يشترك معها في الهدف والغاية ويمنيها بالمساعدة عندما تدعو الحاجة، وقد لقي من معاوية هذا الترحيب لأنّه اشترك في الفساد والفوضي وساعد المخرّبين الذين جرّعوا عليّاً (عليه السلام) الغصص وأرهقوه من أمره عسراً وكانوا إلي ابن هند فرجاً ومخرجاً.
أمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يزد حين بلغه فرار مصقلة إلي الشام علي أن قال: ما له قاتله الله؟ فعل فعل الأحرار وفرّ فرار العبيد وأمر بداره فهدمت [265] .
وقد اُتيح لمعاوية في ذلك الجوّ الذي ساد العراق في الداخل أن يتحرك من ناحيته علي القري والمدن المتاخمة لحدود الشام فيقتل وينهب وينكّل بقوّات المخافر المرابطة علي الحدود بدون رادع من أحد ووازع من دين، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يدعو أهل العراق لنجدة إخوانهم وملاحقة المعتدين فلا يجد منهم ما يرضيه.
وأغارت قوات معاوية علي الحجاز واليمن بقيادة بسر بن أرطاة وأوصاه باستعمال كلّ ما من شأنه إشاعة الفوضي وبثّ الخوف والرعب في تلك البلاد، فمضي ابن أرطاة ينفّذ أمر معاوية فأسرف في الاستخفاف بالدماء والحرمات والأعراض والأموال في طريقه إلي المدينة، ولمّا بلغ المدينة قابل أهلها بكلّ أنواع الإساءة والقسوة فقتل فيها عدداً كبيراً واضطرّهم إلي بيعة معاوية، وكانت أخباره قد انتهت إلي اليمن فانتشر فيها الخوف والرعب، وفرّ منها عامل أمير المؤمنين عبيد الله بن العباس، ولمّا دخلها أسرف في القتل والنهب والتخريب، ووجد طفلين صغيرين لعبيد الله ابن العباس، فذبحهما في حضن اُمهما، فأصابها خلل في عقلها وظلّت تندبهما وتبكيهما حتي ماتت غماً وكمداً [266] .
وجهّز جيشاً آخر لغزو مصر ليحقّق لابن العاص اُمنيته الغالية، وولاّه قيادة ذلك الجيش، ولمّا بلغ أمير المؤمنين؛ ذلك دعا أهل الكوفة لنجدة إخوانهم في مصر فلم يستجيبوا لطلبه، وبعد أن ألحّ عليهم أجابه جماعة منهم وما لبث أن جاءته الأنباء بأنّ ابن العاص قد تغلّب عليها وقتل واليها محمد بن أبي بكر ومَثَّلَ به ثم أحرقه، فانتدب مالك بن الحرث الأشتر وولاّه عليها لإنقاذها من أيدي الغزاة، وكان كما يصفه المؤرّخون حازماً قوياً مخلصاً لأمير المؤمنين كما كان أمير المؤمنين لرسول الله علي حدّ وصف الإمام وغيره له.
ولمّا بلغ معاوية نبأ اختياره حاكماً في مصر اضطرب واشتدّ خوفه علي أنصاره وقواته المرابطة فيها، واستطاع بعد تفكير طويل أن يجد المخرج من تلك الأزمة التي أحاطت به، فأغري أحد أنصاره ممّن يسكنون الطريق التي لابدّ للأشتر من المرور عليها بالمال لقاء اغتياله، ولمّا بلغ الأشتر ذلك المكان ونزل فيه جاءه بعسل مسموم كان قد أعدّه له بناءً لتخطيط معاوية، فكانت به نهايته [267] ، وكان ناجحاً في التخلّص من خصومه بهذا الاُسلوب، فقد قتل ابن خاله محمد بن أبي حذيفة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والإمام أبا محمد الحسن (عليه السلام) بهذا الاُسلوب، وأحياناً كان يتباهي به ويقول: إنّ لله جنداً من العسل ينتقم به لأوليائه.
وتوالت الأحداث في داخل العراق والبلاد التي كانت تخضع لسلطة أميرالمؤمنين، فلم يكن يفرغ من تمرّد حتي يفاجأ بآخر ولا يسدّ ثغرة إلاّ فتحت له اُخري حتي طمع فيه معاوية إلي حدود الاستخفاف [268] ، هذا وأصحابه بالرغم مما يجري حولهم وعلي حدود بلادهم وفي خارجها من احتلال
لبعض المقاطعات وقتل ونهب ممعنون في خلافه مفرقون فيما أحبّوا من طلب العاقبة، إذا استنفرهم لا ينفرون وإذا دعاهم لا يجيبون، يتعللون بالأعذار الواهية كحر الصيف وبرد الشتاء، ولا يغضبون لحقّ أو دين ولا للمشرّدين والمستضعفين حتي كان يتمنّي فراقهم بالموت أو القتل ويبكي أحياناً علي من مضي من أنصاره ويقول: «متي يبعث أشقاها فيخضب هذه من هذا؟» مشيراً إلي رأسه الكريم ولحيته الشريفة، ويتمنّي لو أنّ معاوية صارفه فيهم صرف الدينار بالدرهم فأخذ منه عشرة وأعطاه واحداً من أهل الشام، ووطّن نفسه أخيراً أن يخرج لحرب معاوية بمن هم علي رأيه من أهله وعشيرته وأنصاره، فيقتل بهم حتي يلقي الله في سبيل الحقّ والعدل، وتحدّث اليهم حديثاً لا لبس فيه، وحمّلهم تبعات ما سينجم عن تخاذلهم [269] .
وكان ـ علي ما يبدو ـ لهذا الموقف الحازم منه أثره في نفوس القوم بعد أن أيقنوا بأنّه سيخرج بنفسه وأهله وخاصته إلي معاوية، وسيلحقهم بذلك الخزي والعار ويصبحون حديث الأجيال إذا هم تركوه يخرج علي هذه الحال، فردّ عليه زعماؤهم ردّاً جميلاً، وجمع كلّ رئيس منهم قومه وتداعوا للجهاد من كلّ جانب وتعاقدوا علي الموت معه، حتي أصبحت الحرب حديث الناس، وأرسل إلي عمّاله في مختلف المناطق يدعوهم للاشتراك معه بمن عندهم من الجيوش والمقاتلين.
وخرج الناس إلي معسكراتهم في النخيلة ينتظرون انسلاخ شهر رمضان من سنة أربعين لهجرة النبي (صلي الله عليه وآله)، وأرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) زياد بن حفصة في جماعة من أصحابه طليعة بين يديه، وبقي هو مع الجيش ينتظر انسلاخ الشهر المبارك، وإذا بالقدر ينقضّ عليه وعلي أهل العراق فيكمن له أشقي الأولين والآخرين في فجر اليوم التاسع عشر من ذلك الشهر وهو في بيت الله فيضربه علي رأسه الشريف وهو يصلّي لربّه، فيخرّ منها في محرابه وهو يقول: «فزت وربّ الكعبة» [270] .

مواقف الإمام و إنجازاته

من البيعة الي الصلح

خطبة الإمام الحسن يوم شهادة أبيه

تحدّث أغلب المؤرّخين عن أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) ألقي في صباح الليلة التي دَفَنَ فيها أباه (عليه السلام) خطبةً في الناس جاء فيها:
«أيّها الناس! في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رُفع عيسي بن مريم، وفي هذه الليلة قُتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين (عليه السلام)، والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلي الجنّة، ولا مَن يكون بعده، وإن كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) لَيبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادماً لأهله» [271] .
ونقل الشيخ المفيد في «الإرشاد» الخطبة بهذه الصورة:
«وروي أبو مخنف لوط بن يحيي، قال: حدّثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، قالوا: خطب الحسن بن عليّ (عليه السلام) في صبيحة الليلة التي قُبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم قال: «لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه، وكان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوجّهه برايته فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ولا يرجع حتي يفتح الله علي يديه.
ولقد توفّي (عليه السلام) في الليلة التي عُرِج فيها بعيسي بن مريم، وفيها قبض يوشع بن نون وصيّ موسي (عليه السلام) وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم، فَضُلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله».
ثم خنقته العَبرة فبكي وبكي الناس معه، ثم قال: «أنا ابن البشير أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلي الله بإذنه، أنا ابن السراج المنير، أنا من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، أنا من أهل بيت فرض الله مودّتهم في كتابه فقال تعالي: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربي ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حُسناً) [272] ، فالحسنة مودّتنا أهل البيت» [273] .

بيعة الإمام الحسن

ولمّا أنهي الإمام (عليه السلام) خطابه، انبري عبيد الله بن العباس فحفّز المسلمين إلي المبادرة لمبايعته قائلاً:
«معاشر الناس، هذا ابن نبيّكم، ووصيّ إمامكم فبايعوه». واستجاب الناس لهذه الدعوة المباركة، فهتفوا بالطاعة، وأعلنوا الرضا والانقياد قائلين:
«ما أحبّه الينا وأوجب حقّه علينا وأحقّه بالخلافة» [274] .
وتمّت البيعة له في يوم الجمعة المصادف الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة (40) للهجرة [275] .
وثم نزل الحسن عن المنبر فرتّب العمّال وأمّر الاُمراء ونظر في الاُمور، وأنفذ عبدالله بن العباس إلي البصرة [276] .
كان أوّل شيء أحدثه الحسن بن عليّ (عليه السلام) أنّه زاد المقاتلة مائة مائة، وقد كان أبوه فعل ذلك يوم الجمل، والحسن (عليه السلام) فعله علي حال الاستخلاف فتبعه الخلفاء بعد ذلك [277] .

الامام الحسن يقتص من قاتل أميرالمؤمنين

وفي اليوم الذي بايع الناس الإمام الحسن (عليه السلام) وبعد إتمام البيعة أمر بإحضار عبد الرحمن بن ملجم فلمّا مثل بين يديه قال له ابن ملجم: ما الذي أمرك به أبوك؟ فأجابه الامام (عليه السلام):
«أمرني أن لا أقتل غير قاتله، وأن اُشبع بطنك واُنعم وطأك» [278] .
ثم ضرب عنقه، ولم يمثِّل به.

جهاد الامام الحسن

يكشف النصّ التاريخي ـ الذي نقلناه سابقاً عن قيام الإمام (عليه السلام) بمضاعفة الاُجور التي كان يتقاضاها المقاتلة ـ عن موقف الإمام (عليه السلام) الجادِّ من الحرب وإصراره الأكيد في مجابهة معاوية كما يتّضح من عمله في إصلاح حال جيشه وبنائه له.
وقد أخذ الإمام (عليه السلام) جانب الحزم في موقفه من معاوية، حيث إنّ معاوية لمّا علم بوفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وبيعة الناس مع الإمام الحسن (عليه السلام) دسّ رجلاً من حمير إلي الكوفة ورجلاً من بني القين إلي البصرة ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا علي الإمام (عليه السلام) الاُمور، فعرف ذلك الإمام فأمر باستخراج الحميري من عند لحّام بالكوفة، فاُخرج وأمر بضرب عنقه وكتب إلي البصرة باستخراج القيني من بني سليم فأُخرج وضربت عنقه [279] .
ثم كتب الإمام (عليه السلام) إلي معاوية: «أمّا بعد، فإنّك دسست إليّ الرجال كأنّك تحبّ اللقاء، لا أشك في ذلك، فتوقعه إن شاء الله، وبلغني عنك أنّك شمتّ بما لم يشمت به ذوو الحجي وأنّما مثلك في ذلك كما قال الأول:

فقل للذي يبقي خلاف الذي مضي
تجهّز لاُخري مثلها فكأن قدِ» [280] .

لقد كانت هذه الحادثة إنذاراً لمعاوية بالحرب وتهديداً له وقطعاً لآماله بالاستيلاء علي الكوفة بسلام.
وفي كتاب آخر من الإمام (عليه السلام) لمعاوية جواباً علي رسالته التي لمّح فيها للصلح وطلب فيها من الإمام (عليه السلام) أن يبايعه علي أن يجعل له ولاية العهد، نلاحظ قوة موقف الإمام وعدم اهتمامه بمثل هذه العروض التي كان يحاول فيها معاوية استمالة جانب الإمام، يقول (عليه السلام):
«أمّا بعد، فقد وصل إليّ كتابك فتركت جوابك خشية البغي عليك، فاتبع الحقّ تعلم أنّي من أهله، والسلام» [281] .
ولم يتجاوز عدد الرسائل التي كانت بين الامام (عليه السلام) ومعاوية الخمس حسبما يذكر ذلك أبو الفرج وآخرون. والسبب في ذلك هو ما كان يحمله معاوية من نزعات جعلته من الذين لا يستجيبون للحقّ ولا يذعنون لأهله، بل إنّ تلك النزعات قد اشتدت بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قويت مطامعه بالخلافة التي كان يفتقد لأبسط مقوماتها وشروطها من وجهة نظر إسلاميّة.
وبالرغم من ذلك فإنّ الإمام الحسن (عليه السلام) واصل نهج والده (عليه السلام) كما كان يقتضيه التكليف الإلهي بإتمام الحجّة علي خصمه فأرسل اليه أكثر من رسالة في هذا الإطار، بالرغم ممّا كان يعرفه عنه من نزعات غير خيّرة، ننقل هنا أكثرها شمولية:
من الحسن بن عليّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإنّي أحمد اليك الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد فإنّ الله جلّ جلاله بعث محمداً رحمةً للعالمين، ومنّةً للمؤمنين، وكافّةً للناس أجمعين، (لينذر من كان حيّاً ويحقّ القول علي الكافرين)، فبلّغ رسالات الله، وقام بأمر الله حتي توفّاه الله غير مقصّر ولا وان، وبعد أن أظهر الله به الحقّ، ومحق به الشرك، وخصّ به قريشاً خاصة فقال له: (وإنّه لذكرٌ لك ولقومك)، فلمّا توفيّ تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته واُسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمد وحقّه، فرأت العرب أنّ القول ما قالت قريش، وأنّ الحجّة في ذلك لهم علي من نازعهم أمر محمد، فأنعمت لهم وسلّمت اليهم، ثم حاججنا قريشاً بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنّهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج، فلمّا صرنا أهل بيت محمد وأولياءه إلي محاجّتهم، وطلب النَّصَف منهم؛ باعدونا واستولوا بالإجماع علي ظُلمِنا ومَراغمتنا والعَنَت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الولي النصير.
ولقد كنّا تعجبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة علي الدين أن يجد المنافقون والأحزاب في ذلك مغمزاً يثلمون به، أو يكون لهم بذلك سببٌ إلي ما أرادوا من إفساده، فاليوم فليتعجّب المتعجّب من توثّبك يا معاوية علي أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدي قريش لرسول الله (صلي الله عليه وآله) ولكتابه، والله حسيبك، فستردُّ فتعلم لمن عقبي الدار، وبالله لتلقينَّ عن قليل ربّك، ثمّ ليجزينّك بما قدّمت يداك، وما الله بظلاّم للعبيد.
إنّ عليّاً لمّا مضي لسبيله ـ رحمة الله عليه ـ يوم قبض ويوم منّ الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيّاً ولاّني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله ألاّ يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة ممّا عنده من كرامة، وإنّما حملني علي الكتاب اليك الإعذار فيما بيني وبين الله عزّوجلّ في أمرك، ولك في ذلك إن فعلته الحظّ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدعِ التمادي في الباطل، وادخل فيما دخل فيه الناس مِن بيعتي، فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله وعند كلّ أوّاب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتّق الله ودعِ البغي واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقي الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومَن هو أحقّ به منك ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك سِرتُ اليك بالمسلمين فحاكمتك، حتي يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين [282] .
وجاء في جواب معاوية علي رسالة الإمام (عليه السلام) هذه:
«.. قد علمتَ أنّي أطول منك ولايةً، وأقدم منك بهذه الاُ مّة تجربةً، وأكبر منك سنّاً، فأنت أحقّ أن تجيبني إلي هذه المنزلة التي سألتني، فادخل في طاعتي، ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ، تحمله إلي حيث أحببت، ولك خراج أيّ كور في العراق شئت معونة لك علي نفقتك يجبيها أمينك ويحملها لك في كلّ سنة، ولك أن لا يستولي عليك بالإساءة، ولا تقضي دونك الاُمور، ولا تعصي في أمر أردت به طاعة الله...» [283] .
تُصوّر هذه الرسالة بوضوح كيف أنّ مقام الخلافة الإلهية المقدّسة ليس عند معاوية إلاّ سلعةً تُشتري ويُدفع ثمنها من بيت مال المسلمين وليس من مال معاوية الخاص، وهي كذلك تؤكّد تعدّيه أمر الرسول (صلي الله عليه وآله) وهو أمر الله تعالي له في استخلاف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ونصبهم للإمامة من بعده.

تحرك معاوية نحو العراق و موقف الإمام

وبدأ معاوية يعبّئ جيشه ويكتب لعمّاله بموافاته لغزو العراق، وفي بعض كتبه لعمّاله يذكر أنّ بعض أشراف الكوفة وقادتهم كتبوا اليه يلتمسون منه الأمان لأنفسهم وعشائرهم، وإن صح هذا فهو أول الخذلان الذي ارتكبه أهل الكوفة بحقّ الإمام الحسن (عليه السلام).
وجاء في مذكرة رفعها معاوية ذات مضمون واحد إلي جميع عمّاله وولاته: «.. أمّا بعد، فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوّكم وقتلة خليفتكم، إنّ الله بلطفه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرّقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فأقبلوا إليّ حين يأتيكم كتابي هذا بجهدكم وجندكم وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان..» [284] .
ولمّا وصلت هذه الرسالة إلي عمّاله وولاته قاموا بتحريض الناس وحثّهم علي الخروج والاستعداد لحرب ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وسبطه، وفي أقرب وقت التحقت به قويً كبيرة لا ينقصها شيء من العدّة والعدد.
ولمّا توفرت لمعاوية تلك القوة من المضلَّلين وأصحاب المطامع؛ زحف بهم نحو العراق وتولّي بنفسه قيادة الجيش، وأناب عنه في عاصمته الضحاك بن قيس الفهري، وقد كان عدد الجيش الذي نزح معه ستين ألفاً، وقيل أكثر من ذلك، ومهما كان عدده فقد كان مطيعاً لقوله، ممتثلاً لأمره، منفّذاً لرغباته... وطوي معاوية البيداء بجيشه الجرّار، فلمّا انتهي إلي جسر منبج [285] أقام فيه، وجعل يحكم أمره.. [286] .
وبدأ الإمام (عليه السلام) من جانبه يستنهض الكوفة للجهاد والسير لقتال معاوية بعد أن بلغه توجّهه نحو العراق، فبعث حجر بن عدي يأمر العمّال والناس بالتهيّؤ للمسير ونادي المنادي الصلاة جامعة فأقبل الناس يتوثّبون ويجتمعون «فقال الإمام الحسن (عليه السلام) للمنادي: «إذا رضيتَ جماعة الناس فأعلمني» وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال: اخرج فخرج الإمام الحسن (عليه السلام) فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال [287] :
«... أمّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد علي خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: (اصبروا إن الله مع الصابرين) فلستم ـ أيها الناس ـ نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر علي ما تكرهون، إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه أنّا كنّا أزمعنا المسير اليه فتحرّك لذلك، فاخرجوا رحمكم الله إلي معسكركم بالنخيلة..» فسكتوا [288] .

استنكار الموقف المتخاذل

وهكذا وقف أهل الكوفة هذا الموقف المتخاذل من قائدهم وإمامهم، إذ سكتوا حيث طلب منهم الإجابة علي ندائه بالخروج إلي معسكرهم في النخيلة، فتحوّلت أعينهم وهلعت قلوبهم، فلمّا رأي ذلك عدي بن حاتم الطائي قام فقال:
«أنا ابن حاتم، سبحان الله! ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم؟ أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جَدّ الجدّ فروّاغون كالثعالب؟ أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها».
ثم استقبل الإمام الحسن بوجهه، فقال:
«أصاب الله بك المراشد وجنّبك المكاره ووفّقك لما تحمد ورده وصدره، قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلي أمرك وسمعنا لك وأطعنا فيما قلت ورأيت وهذا وجهي إلي معسكري، فمن أحبّ أن يوافيني فليواف» ثمّ مضي لوجهه، فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضي إلي النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، وكان عدي بن حاتم أول الناس عسكراً [289] .
وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد ابن صعصعة التيمي فأنّبوا الناس ولاموهم وحرّضوهم وكلّموا الإمام الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول، فقال لهم الإمام الحسن (عليه السلام): «صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النيّة والوفاء والقبول والمودّة الصحيحة فجزاكم الله خيراً» [290] ، ثم نزل وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج، وخرج الإمام الحسن (عليه السلام) إلي المعسكر واستخلف علي الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم اليه، فجعل يستحثّهم ويخرجهم حتي يلتئم العسكر وسار الإمام (عليه السلام) في عسكر عظيم وعدّة حسنة حتي انتهي إلي النخيلة.
وهكذا بدأت المسيرة، ولكن دون أن يكون دافع الحركة اختيارياً بتثاقل وإكراه تفرضه طبيعة الموقف المتخاذل، ولولا الصفوة الخيّرة والثلّة المؤمنة؛ لانقلب ميزان الموقف وانتصرت عوامل الضعف عاجلاً، ولكن موقف هؤلاء المتصلّب المنطلق من إيمانهم الجاد بحكمة القائد ولزوم اتباعه وأحقّيته بالخلافة، كان من أقوي الأسباب التي حفظت للجيش تماسكه وانقياده وبعث النشاط والحماس فيه.

الاتجاهات المتضادة في جيش الإمام

كان جيش الإمام (عليه السلام) يتكوّن من خليط غريب، فقد تجمّعت فيه عدّة اتجاهات مختلفة وعناصر متضادة، ويمكن بالنظرة الاُولي تصنيفه إلي فئات:
أ ـ الخوارج: وهم الذين خرجوا عن طاعة الإمام عليّ (عليه السلام) وحاربوه وناوؤه ونصبوا له العداوة، فكانوا قد وجدوا من الإمام الحسن (عليه السلام) حلاًّ وسطاً، فانضموا اليه لمحاربة معاوية، وهؤلاء اُناس تستثيرهم أدني شبهة عارضة فيتعجّلون الحكم عليها، وسنري أنّهم كيف وثبوا علي الإمام الحسن (عليه السلام) فيما بعد.
ب ـ الفئة الممالئة للحكم الاُموي، وهي علي قسمين:
1 ـ وهم الذين لم يجدوا في حكومة الكوفة ما يشبع نهمهم ويروي من ظمئهم فيما يحلمون به من مطامع يطمحون اليها، فأضمروا ولاءهم للشام مترقّبين سنوح الفرصة للوثوب علي الحكم وتسليم الأمر لمعاوية.
2 ـ وهم الذين حقدوا علي حكومة الكوفة لضغائن في نفوسهم أورثتها العهود السالفة أو حسابات شخصية.
وسنري فيما بعد خيانة هؤلاء وكتابتهم لمعاوية تزلّفاً وطمعاً في الحظوة عنده.
ج ـ الفئة المتأرجحة، التي ليس لها مسلك معيّن أو جهة خاصة مستقلّة، وإنّما هدفها ضمان السلامة وبعض المطامع عند الجهة التي ينعقد لها النصر، فهي تترقّب عن كثب إلي أيّ جهة تنقلب الاُمور ليميلوا معها.
د ـ الفئة التي تثيرها بعض العصبيات القبلية أو الإقليمية.
هـ ـ الغوغاء، وهي الفئة التي لا تستند في موقفها إلي أساس متين.
و ـ الفئة المؤمنة المخلصة، وهي القلّة الخيّرة التي يذوب صوتها في زحام الأصوات الاُخري المعاكسة لها والمتناحرة فيما بينها.
فجيش الإمام (عليه السلام) خليط لا يربط بين فئاته هدف واحد، وهو معرض للانقسام والتفكّك لدي أيّ بادرة للانقسام من شأنها أن تفسد أيّ خطة مهما كانت حنكة القائد الذي وضع تلك الخطة، وقد شعر الإمام (عليه السلام) بخطورة هذا الموقف بين هذا الخليط الذي يحمل عوامل الانقسام علي نفسه.
وذكر السيد ابن طاووس ـ رضوان الله تعالي عليه ـ في «الملاحم والفتن» كلاماً يؤثر عنه (عليه السلام) يعبّر عن ضعف ثقته بجيشه، وكان من أبلغ ما أفضي به في هذا الصدد، وذلك في خطابه الذي خاطب به جيشه في المدائن قائلاً:
«.. وكنتم في مسيركم إلي صفّين، ودينكم أمام دنياكم، وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، وأنتم بين قتيلين: قتيل بصفّين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون منّا بثأره، وأمّا الباقي فخاذل، وأمّا الباكي فثائر» [291] .
وكان معاوية قد عرف نقاط الضعف التي ابتلي بها جيش الإمام (عليه السلام)، فرسم للموقف خطة حاسمة ابتكرتها له الظروف الموضوعية من شأنها أن تحسم الأمر بينه وبين الإمام، وذلك بدعوته للصلح والتظاهر بإعطائه الشروط التي يريد، فإن يقبل بذلك فإنّ أَحبولته التي حاكها حول قادة الإمام ورؤساء جيشه كافية لأن تمنع الالتحام بين المعسكرين، وتدفع بالإمام الحسن (عليه السلام) إلي الرضا بالأمر الواقع.

طلائع جيش الإمام الحسن

انتهي الإمام الحسن (عليه السلام) بجيشه إلي النخيلة، فأقام فيها ونظّم الجيش، ثمّ ارتحل عنها وسار حتي انتهي إلي «دير عبد الرحمن» فأقام به ثلاثة أيام ليلتحق به المتخلّفون من جنده، وأرسل مقدمة جيشه للاستطلاع علي حال العدو وإيقافه في محلّه، واختار إلي مقدّمته خلّص أصحابه وخيرة عناصر جيشه، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، وأعطي القيادة العامة إلي ابن عمّه عبيد الله بن العباس، وقد زوّده قبل تحرّكه بهذه الوصية القيّمة وهي:
«يابن العمّ! إنّي باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم، وألِن لَهُم جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، فإنّهم بقية ثقات أمير المؤمنين، وسر بهم علي شطّ الفرات، ثمّ امضِ حتي تستقبل بهم معاوية، فإن أنت لقيته فاحتبسه حتي آتيك، فإنّي علي أثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين ـ قيس بن سعد وسعيد بن قيس ـ إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتي يقاتلك فإن فعل فقاتله، وإن اُصبت فقيس بن سعد علي الناس، فإن أُصيب فسعيد بن قيس علي الناس» [292] .

خيانة قائد الجيش

وصل عبيد الله بن العباس إلي «مسكن» [293] فعسكر فيها، وقابل العدوّ وجهاً لوجه، وعندها بدأت تظهر بوادر الفتنة بوضوح، وانطلقت دسائس معاوية تشقّ طريقها إلي المعسكر حيث تجد المجال الخصب بوجود المنافقين ومن يؤثرون العافية، وكانت الشائعة الكاذبة «أنّ الحسن يكاتب معاوية علي الصلح فلِمَ تقتلون أنفسكم؟» [294] .
وارتبك الموقف أمام قائد الجيش وسرت همهمة في الجيش عن صدق الشائعة أو كذبها، فبين مصدّق لها وبين مكذّب، وبين من يحاول إثباتها علي أيّ حال، ولم يحاول القائد عبيد الله أن يتأكّد من كذب هذه الشائعة وبُعدها عن الواقع، لأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) كان مشغولاً في تلك الأثناء ببعث الرسل إلي الأطراف وتهيئة الكتائب اللاحقة بالطلائع ومكاتبة معاوية بالحرب وبعث الحماس بخطبه اللاهبة المحرضة علي القتال، ولم يكتب في صلح ولم يكن من رأيه آنذاك أبداً.
فَسَرَتْ الحيرة في نفس قائد الجيش ممّا دفعه للانطواء، فأخذ يفكّر في مصيره، وكان قد بلغه تخاذل الكوفيين عن التحرّك نحو المعركة وتباطؤهم عن تلبية نداء الجهاد، فبدت في نفسه بعض التصورات من أنّه في موقف لا يغبط عليه، وأنّ هذه الطلائع من جيش الكوفة والتي تقف في مواجهة جيش الشام المكتظ لا يمكن أن تقاوم تلك الجموع الحاشدة أو تلتحم معها في معركة مع فقدان توازن القوي بينها.
وبينا هو يعيش هذه الحيرة وتلك الأوهام وصلته رسائل معاوية وهي تحمل في طيّاتها عوامل الإغراء التي تمسّ الوتر الحسّاس في نفس ابن عباس من حبّه للتعاظم وتطلّعه للسبق، وكان معاوية قد خبر نقاط الضعف التي يحملها عبيد الله هذا.
وكانت رسالة معاوية تحمل: «أنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلِّم الأمر إليّ، فإن دخلت في طاعتي كنت متبوعاً، وإلاّ دخلت وأنت تابع» وجعل له فيها ألف ألف درهم [295] .
وكان أسلوب معاوية في حربه مع أعدائه هو استغلال نقاط الضعف في خصومه، واستغلال كلّ ما من شأنه أن يوهن العزيمة ويشلّ القوي فيهم.
وهكذا انكفأ عبيد الله بن عباس علي نفسه واستجاب لداعي الخيانة، ملتمساً لعدوّه الذي وتره بابنيه، مخلّفاً وراءه لعنة التاريخ، وقد شاء لنفسه أن ينحدر إلي هذا المستوي الساقط فيدخل حمي معاوية ليلاً دخول المهزوم المخذول، الذي يأباه كلّ حرٍّ ينبض عنده الضمير.
وينبلج الصبح عن افتقاد المعسكر قائده، فترقص قلوب المنافقين والمسالمين، وتدمي عيون المخلصين، هذا والحسن (عليه السلام) لا يزال في موقفه الصلب بضرورة مقاتلة معاوية.
ويكاد الأمر ينتقض علي الإمام (عليه السلام) في مسكن، ولكنّ القائد الشرعي ـ وهو الرجل المؤمن الصامد قيس بن سعد بن عبادة الذي جعله الإمام (عليه السلام) خلفاً لعبيد الله بن العباس إذا غاب عن القيادة ـ حاول جاداً في أن يحافظ علي البقية الباقية من معنويات الجيش المنهارة بانهزام القائد وإقرار التماسك بين فرقِهِ وأفراده، فقام فيهم خطيباً وقال:
«أيّها الناس! لا يهولنّكم ولا يعظمنّ عليكم ما صنع هذا الرجل المولَّه، إنّ هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قطّ، إنّ أباه عمّ رسول الله خرج يقاتله ببدر، فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري، فأتي به رسول الله فأخذ فداءه فقسّمه بين المسلمين، وإنّ أخاه ولاّه علي البصرة فسرق ماله ومال المسلمين، فاشتري به الجواري وزعم أنّ ذلك له حلال، وإنّ هذا ولاّه علي اليمن فهرب من بسر بن أرطاة، وترك ولده حتي قتلوا، وصنع الآن هذا الذي صنع» [296] .
وهكذا اندفع قيس الصامد في موقفه، المؤمن بهدفه، يودّع سلفه بهذه الكلمات الساخرة اللاذعة التي تكشف عن الماضي الهزيل له، وعن نفسيته الساقطة التي دفعته للتردّي في هذا المنحدر السحيق.
وقد فعل قيس في نفوس سامعيه ما أراد، فانطلقت الحناجر بحماس وتوثّب تنادي: «الحمد لله الذي أخرجه من بيننا» [297] فصنع قيس حالة من الشدّ والعزيمة في ذلك الموقف الذي كان للانهيار المؤلم الوشيك عرضة، وعاد النظام يسيطر علي عناصر الجيش، واطمأنّ الناس لقائدهم الجديد.

توالي الخيانات في جيش الإمام

وصلت أنباء استسلام عبيد الله لعدوّه إلي المدائن، وشاع جوّ من المحنة في النفوس، وشعر الإمام (عليه السلام) بالطعنة في الصميم تأتيه من أقرب الناس اليه وأخصّهم به، وتسرّبت اليه أنباء عن مكاتبة بعض رؤساء الأجناد والقوّاد لمعاوية وطلبهم الأمان لأنفسهم وعشائرهم، ومكاتبة معاوية لبعضهم بالأمان والمواعيد [298] .
وممّا يذكر: «أنّ معاوية دسّ إلي عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيساً أفرد كلّ واحد منهم بعين من عيونه: أنّك إذا قتلت الحسن فلك مائة ألف درهم، وجندٌ من أجناد الشام، وبنتٌ من بناتي».
فبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك فاستلأم ولبس درعاً وسترها، وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة إلاّ كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة [299] .
وهكذا توالت الخيانات في جيش الإمام، ومن ذلك: «أنّ الحسن بعث إلي معاوية قائداً من كندة في أربعة آلاف، فلمّا نزل الأنبار بعث اليه معاوية بخمسمائة ألف درهم، ووعده بولاية بعض كور الشام والجزيرة، فصار اليه في مائتين من خاصّته، ثم بعث رجلاً من مراد ففعل كالأول بعدما حلف الأيمان التي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل، وأخبرهم الحسن أنّه سيفعل كصاحبه» [300] .
ويقف الإمام الحسن (عليه السلام) أمام هذه النكبات والمحن المتتالية، متطامناً علي نفسه ناظراً في أمره، وإلي أين ستنتهي به هذه المسيرة.
والذي يظهر لنا من بعض النصوص أنّ ابن عباس لم يفرَّ وحده، بل خرج معه عدد وفير من الزعماء والقوّاد والجند، وهو أمر يمكن أن يساعد عليه الجوّ المشحون بالتشاؤم واليأس من توقّع انتصار الإمام (عليه السلام) علي عدوّه.
وهكذا أخذت الأنباء تتوارد علي الإمام في المدائن بفرار الخاصة من القواد والزعماء، وقدتبع انهزام هؤلاء فرار كثير من الجند، حيث كان انهزامهم سبباً لحدوث تمرّد وفوضي شاملة في الجيش.
وقد ارتفعت أرقام الفارّين إلي معاوية بعد فرار عبيد الله وخاصّته إلي ثمانية آلاف، كما يذكر اليعقوبي في تاريخه فيقول: «إنّه ـ يعني معاوية ـ أرسل إلي عبيد الله بن عباس، وجعل له ألف ألف درهم، فصار اليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس بن سعد علي محاربته» [301] .
واذا أخذنا في اعتبارنا أنّ الجيش الذي كان في «مسكن» إثنا عشر ألفاً فستكون نسبة الفارّين منه إلي معاوية وهي ثلثا الجيش نسبة كبيرة، في حين كان الجيش الذي يقوده معاوية لمواجهة الحسن (عليه السلام) ستين ألفاً تضاف اليه آلاف الفارّين من جيش الحسن (عليه السلام).
وحقّاً أنّها لصدمة رهيبة ومحنة حادّة تتداعي أمامها القوي، وتنفرج بها أنياب الكارثة عن مأساة مرعبة يتحمّل جزءً كبيراً من مسؤوليّتها عبيد الله بن العباس أمام الله والتاريخ.
والشيء الذي يمكن فهمه من هذا الفرار الجماعي هو وجود تآمر علي الخيانة في أوساط جملة من الزعماء والوجوه، وإلاّ فبأيّ قاعدة منطقية يمكن تفسير فرار ثمانية آلاف مقاتل من جيش يستعد للقتال في فترة قصيرة، وهل يكون ذلك إلاّ عن سابق تفكير وإحكام لخطة خائنة؟!.
ويقف الإمام (عليه السلام) باحثاً عن المخرج من هذا المأزق الذي تداعت به معنويات جيشه في «مسكن» وتزلزلت منه قوي جيشه في المدائن، خاصة إذا نظر بعين الموازنة بين جيشه وجيش عدوه من حيث العدد.
فكان جيشه يتألف من عشرين ألفاً فقط كما أجمعت عليه المصادر التاريخية [302] بينما يتألف جيش عدّوه من ستين ألفاً، وبعد لحاظ الآلاف الثمانية التي التحقت بمعاوية في «مسكن» بعد خيانة عبيد الله يصبح جيش الحسن (عليه السلام) خمس جيش عدوه، وهذا انهيار كبير حسب الموازين والحسابات العسكرية، هذا فضلاً عمّا تقوله بعض المصادر بخصوص فرار بعض أفراد الجيش في المدائن ممّن استهوتهم المطامع بالاستيلاء علي المغانم وجاؤوا رغبة فيها إذا قدِّر الانتصار لجيش الإمام الحسن (عليه السلام)، فواكبوا مسيرة الجيش، ثم فرّوا بعد أن أحسّوا تفوّق الطرف الآخر عسكرياً في العدَّة والعدد.
وممّا زاد في انهيار الموقف حرب الإشاعات الكاذبة التي شنّها معاوية للقضاء علي البقية الباقية من معنويات الجيش في مسكن والمدائن، ونذكر هنا بعض هذه الشائعات ومدي تأثيرها علي المعنويات العامة في جيش الإمام الحسن (عليه السلام) بكلا شقّيه في المدائن ومسكن.
وقد عمل معاوية بكلّ ما أمكنه من خبث ومكر من أجل الوقيعة بالجيش الكوفي وتفتيت قواه، وكان اختياره للأكاذيب ينمّ عن خبرة دقيقة في حبكها وانتقائها، فأرسل من يدسّ في معسكر المدائن: «... بأنّ قيس ابن سعد وهو قائد مسكن بعد فرار ابن عباس قد صالح معاوية وصار معه...» [303] .
«ويوجّه إلي عسكر قيس في مسكن من يتحدّث أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه...» [304] .
ثم ينشر في المدائن إشاعةً هي: «.. ألا إنّ قيس بن سعد قد قتل فانفروا، فنفروا بسرادق الحسن فنهبوا متاعه فنازعوه بساطاً تحته، فازداد لهم بغضاً ومنهم ذعراً، ودخل المقصورة البيضاء في المدائن...» [305] .
وهكذا طوّقت موجة الشائعات المتدفّقة بمكر معاوية وخبثة جناحي الجيش في المدائن ومسكن، وفَصَمَتْ ما تبقّي فيه من تماسك، وكانت سبباً في زلزلة فئات كثيرة من غوغاء الناس المتأرجحين بين الطاعة والعصيان ومحبّي الفتن والاضطرابات.
وما الذي ينتظر أن تفعله الشائعات في جيش كجيش المدائن الذي سبق وأنّه علم بخيانة قائد «مسكن» الذي لم يكن قيس بمنزلته في نظره، فلِمَ لا يصدق خيانة قائدها الثاني أو خبر قتله؟ وليس جيش مسكن بأقلّ حظّـاً من تأثّره بهذه الشائعات، وقد سبق وأنّه اُصيب بخيانة قائده من قبل.
وفي غمرة هذه الأحداث جاء وفد يمثّل أهل الشام مؤلّف من المغيرة ابن شعبة وعبدالله بن كريز وعبد الرحمن بن الحكم وهو يحمل كتب أهل العراق ليُطلع الإمام الحسن (عليه السلام) عليها وما تكنّه ضمائر بعض أصحابه من السوء، وأنّهم تطوّعوا في صفوف جيشه لإذكاء نار الفتنة عندما يحين موعدها المرتقب، وتُنشر الكتب بين يدي الإمام (عليه السلام) ولم تكن لتزيده يقيناً علي ما يعرف من أصحابها من دخيلة السوء وحبّ الفتنة، وكانت خطوطهم وتواقيعهم واضحة لديه وصريحة.
وعُرض الصلح علي الإمام بالشروط التي يراها مناسبة، ولكنّ الإمام لم يشأ أن يعطيهم من نفسه ما يرضي به طموح معاوية، وكان دقيقاً في جوابه، بحيث لم يشعرهم فيه بقبول الصلح أو ما يشير إلي ذلك، بل اندفع يعظهم ويدعوهم إلي الله عزوجل وما فيه نصح لهم وللاُمّة ويذكّرهم بما هم مسؤولون به أمام الله ورسوله في حقّه.
وحين رأي المغيرة ورفاقه أنّ الدور الأول من الرواية التي حاولها مكر معاوية قد فشلت في إقناع الإمام (عليه السلام) بالصلح بل بقي موقفه صامداً أمام هذه المؤثرات القوية انتقلوا لتنفيذ حلقة ثانية من سلسلة المحاولات المعدّة من قبل معاوية وإن آتت اُكلها لاحقاً، فلا أقل من أنّها ستترك أثراً سيّئاً يزيد موقف الإمام حراجةً وإن لم يتحقّق منها إقناع الإمام بالصُلح.
وغادر الوفد مقصورة الإمام مستعرضاً مضارب الجيش الذي كان يترقّب نتائج المفاوضات، فرفع أحد أفراد الوفد صوته ليسمعه الناس: «إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكّن الفتنة وأجاب إلي الصلح...» [306] .
وهكذا مثّلوا دورهم أروع تمثيل، وخلقوا جوّاً لاهباً من المأساة تدهور علي أثرها الموقف، وتفجّرت كوامن الفتنة واضطرب تماسك الجيش ولاحت في الاُفق بوادر المحنة، فأيّ غائلة هذه التي ألهب نارها المغيرة ورفاقه؟.

محاولات اغتيال الإمام

ولم تقف محنة الإمام (عليه السلام) في جيشه إلي هذا الحدّ، فقد أقدم المرتشون والخوارج علي قتله، وجرت ثلاث محاولات لاغتياله (عليه السلام) وسلم منها، وهي كما يلي:
1 ـ إنّه (عليه السلام) كان يصلّي فرماه شخص بسهم فلم يؤثّر شيئاً فيه [307] .
2 ـ طعنه الجرّاح بن سنان في فخذه، وقال الشيخ المفيد: «إنّ الحسن أراد أن يمتحن أصحابه ليري طاعتهم له وليكون علي بصيرة من أمره، فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فلمّا اجتمع الناس قام خطيباً فقال:
«... أمّا بعد، فإنّي والله لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً علي مسلم ضغينة، ولامريداً له بسوء ولا غائلة، وأنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة، وأ نّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردّوا عليّ رأيي، غفر الله لي ولكم، وأرشدني وإيّاكم لما فيه المحبّة والرضا».
ونظر الناس بعضهم إلي بعض وهم يقولون ما ترونه يريد؟ واندفع بعضهم يقول: والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر اليه، فقالوا: كفر والله الرجل.
ثم شدّوا علي فسطاطه وانتهبوه حتي أخذوا مصلاّه من تحته، ثم شدَّ عليه عبد الرحمن بن عبدالله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالساً متقلّداً السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته ومنعوا منه من أراده، فقال: ادعوا إليّ ربيعة وهمدان، فدعوا فأطافوا به ودفعوا الناس عنه (عليه السلام) وسار ومعه شعوب من غيرهم، فلمّا مرّ في مظالم ساباط بَدَرَ اليه رجل من بني أسد يقال له «الجراح بن سنان» فأخذ بلجام بغلته وبيده مغول وقال: الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه في فخذه فشقّه حتّي بلغ العظم، ثم اعتنقه الحسن (عليه السلام) وخرّا جميعاً إلي الأرض، فوثب اليه رجل من شيعة الحسن (عليه السلام) يقال له «عبدالله ابن خطل الطائي» فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه فأكبّ عليه آخر يقال له «ظبيان بن عمارة» فقطع أنفه فهلك من ذلك، واُخذ آخر كان معه فقتل وحمل الحسن (عليه السلام) علي سرير إلي المدائن...» [308] .
3 ـ طعنه بخنجر في أثناء الصلاة [309] .

موقف الإمام الحسن

قال الشيخ المفيد: «.. ونظر (الإمام الحسن (عليه السلام)) في اُمورهم (أي في اُمور الناس) فازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيّات المحكِّمة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوايله إلاّ خاصّته من شيعة أبيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام، فكتب اليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ اليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه اليه، فاشترط له علي نفسه في إجابته إلي صلحه شروطاً كثيرة، وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الحسن (عليه السلام) وعلم باحتياله بذلك واغتياله، غير أنّه لم يجد بدّاً من إجابته إلي ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه من ضعف البصائر في حقّه والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوي عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلي خصمه وما كان من خذلان ابن عمّه له ومصيره إلي عدوّه وميل الجمهور منهم إلي العاجلة وزهدهم في الآجلة...» [310] .

في الصلح و أسبابه و نتائجه

اشاره

تعتبر المرحلة التي صالح فيها الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياته (عليه السلام) وأكثرها تعقيداً وحسّاسية وأشدها إيلاماً، بل إنّها كذلك وعلي مدي حياة أهل بيت رسول الله (عليه السلام)، وقد أصبح صلح الإمام (عليه السلام) من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي بما تستبطنه من موقف بطولي للإمام المعصوم (عليه السلام)، وبما أدّي اليه من تطورات واعتراضات وتفسيرات مختلفة طوال القرون السالفة وحتي عصرنا الحاضر، وألّف الباحثون المسلمون في توضيح وتحليل الصلح كتباً عديدة، وأصدر الأعداء والأصدقاء أحكامهم بشأنه.
وقد انبري باحثون معاصرون من الطراز الممتاز مثل المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ راضي آل ياسين والشيخ باقر شريف القرشي للكتابة عن الإمام (عليه السلام) وصلحه الذي قام به من أجل الإسلام.
وسنبدأ بالحديث عمّا ورد عن هذا الصلح تأريخياً، ثم ننقل كلمات الإمام (عليه السلام) في الأسباب الكامنة وراء قبوله بالصلح، وبعد ذلك نقوم بالتحليل.

اتمام الحجة

ذكر المؤرّخون: أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) بعد أن رأي خيانات جيشه والمحيطين به ونفاقهم، مع أنّه لم يبق له ثمّة أمل في ثباتهم وصمودهم في مواجهة العدو، ومع انكشاف ما تنطوي عليه تلك الضمائر من رغبات، لكنّه (عليه السلام) ولكي يتمّ الحجة ألقي فيهم الخطاب الآتي:
«ويلكم! والله إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظنّ إن وضعتُ يدي في يده فأسلمه لم يتركني أدين بدين جَدّي، وإنّي اَقدِرُ أن أعبدَ الله عزوجلّ وحدي، ولكن كأنّي أنظر إلي أبنائكم واقفين علي أبواب أبنائهم يستسقونهم ويطعمونهم بما جعل الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون» [311] .
ومرّةً اُخري، وقبل أن يقبل باقتراح معاوية للصلح قام الإمام (عليه السلام) بإتمام الحجّة، من خلال خطاب يتضمّن استطلاعاً لآراء أصحابه، واستخباراً لنيّاتهم، فقد قال (عليه السلام) بعد أن حمد الله تعالي وأثني عليه:
«أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فَشيب السلام بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجَّهون معنا ودينُكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثمّ أصبحتم تصدّون قتيلَين: قتيلاً بصفّين تبكون عليهم، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأمّا الباكي فخاذل، وأمّا الطالب فثائر» [312] .
وبعد ذلك عرض عليهم اقتراح معاوية الصلح، فقال (عليه السلام):
«وإنّ معاوية قد دعا إلي أمر ليس فيه عزٌّ ولا نَصَفَةٌ، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا علي القذي، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلي الله؟» [313] .
وأضاف الراوي: «فنادي القوم بأجمعهم: بل البقيةُ والحياة» [314] .

القبول بالصلح

لم يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام) سبيلٌ غير القبول بالصلح، وترك أمر الحكم لمعاوية فترةً من الزمن، ويتبيّن من خلال التمعّن في بنود معاهدة الصلح أنّ الإمام (عليه السلام) لم يقدّم أيّ امتياز لمعاوية، وأنّه (عليه السلام) لم يعترف به رسمياً باعتباره خليفةً وحاكماً للمسلمين، بل إنّما اعتبر الحكم القيادة حقّه الشرعي، مثبتاً بطلان ادعاءات معاوية بهذا الصدد.

بنود معاهدة الصلح

لم تذكر المصادر التأريخية نصّاً صريحاً لكتاب الصلح، الذي يعتبر الوثيقة التأريخية لنهاية مرحلة من أهم مراحل التأريخ الإسلامي، وبخاصة في عصوره الاُوَل، ولا نعرف سبباً وجيهاً لهذا الإهمال.
وقد اشتملت المصادر المختلفة علي ذكر بعض النصوص مع إهمال البعض الآخر، ويمكن أن تؤلف من مجموعها صورة الشروط التي أخذها الإمام (عليه السلام) علي معاوية في الصلح، وقد نسّقها بعض الباحثين وأوردها علي صورة مواد خمس، ونحن نوردها هنا كما جاءت، ونهمل ذكر المصادر التي ذكرها في الهامش اعتماداً عليه [315] .
وهي كما يلي:
1 ـ تسليم الأمر إلي معاوية علي أن يعمل بكتاب الله وبسنّة رسوله (صلي الله عليه وآله) وبسيرة الخلفاء الصالحين.
2 ـ أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد إلي أحد.
3 ـ أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر عليّاً إلاّ بخير.
4 ـ استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف، فلا يشمله تسليم الأمر، وعلي معاوية أن يحمل إلي الحسن ألفي ألف درهم، وأن يُفضّل بني هاشم في العطاء والصِلات علي بني عبد شمس، وأن يفرِّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل، وأولاد من قتل معه بصفّين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجر.
5 ـ علي أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضي، ولا يأخذ أهل العراق بإحنة.
وعلي أمان أصحاب عليّ حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة عليّ بمكروه، وأنّ أصحاب عليّ وشيعته آمنون علي أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلي كلّ ذي حقّ حقّه، وعلي ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا.
وعلي أن لا يبغي للحسن بن عليّ ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة، سرّاً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في اُفق من الآفاق.
وقد اعتبر بعض الباحثين المادة الرابعة من موضوعات الاُمويين أو العباسيين لتشويه صورة أهل البيت (عليهم السلام) وبخاصة الإمام الحسن (عليه السلام)، باعتبار أنّ هذه المادة لا تتناسب وشأن الإمام الحسن (عليه السلام) ومقامه [316] . والله أعلم.
هذه إذن هي المواد الخمس التي أوصلها لنا التاريخ كاُسس للصلح بين الحسن ومعاوية، أو علي الأقلّ أنّها تمثل طبيعة الشروط التي أملاها الإمام (عليه السلام) علي معاوية.

اسباب الصلح كما تصورها النصوص عن الإمام الحسن

1 ـ روي الشيخ الصدوق في «علل الشرايع» بسنده عن أبي سعيد عقيصا الذي سأل الإمام الحسن (عليه السلام) عن السبب الذي دفعه إلي الصلح مع معاوية من أنّه (عليه السلام) يعلم أنّه علي الحقّ وأنّ معاوية ضالّ وظالم، فأجابه الإمام (عليه السلام): «يا أبا سعيد، ألستُ حجّة الله تعالي ذكره علي خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي (عليه السلام)؟ قلتُ: بلي، قال: ألستُ الذي قال رسولُ الله (صلي الله عليه وآله) لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلتُ: بلي، قال: فأنا إذن إمام لو قمتُ، وأنا إمام إذا قعدتُ، يا أبا سعيد عِلّةُ مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لبني ضُمْرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، اُولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالي ذكره لم يجب أن يُسَفَّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مُلتبساً، ألا تري الخضر (عليه السلام) لمَّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسي (عليه السلام) فعله؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتي أخبره فرضي. هكذا أنا، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولو لا ما أتيت لما ترك من شيعتنا علي وجه الأرض أحدٌ إلاّ قُتِل» [317] .
ونقل الطبرسي في «الاحتجاج» [318] شبيه هذا السبب عن الإمام الحسن (عليه السلام).
2 ـ ذكر زيد بن وهب الجهني أنّه بعد أن جُرح الإمام (عليه السلام) في المدائن، سألته عن موقفه الذي سيتّخذه في هذه الظروف، فأجاب (عليه السلام): «أري والله معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنّهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمَن به في أهلي خيرٌ من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتي يدفعوني اليه سِلْماً، فو الله لإن اُسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسيره أو يَمُنّ عليّ فتكون سُبّةً علي بني هاشم إلي آخر الدّهر، ومعاوية لا يزال يَمُنُّ بها وعقبه علي الحيّ منّا والميت...» [319] .
3 ـ وذكر سليم بن قيس الهلالي أنه عندما جاء معاوية إلي الكوفة؛ صعد الإمام الحسن (عليه السلام) المنبر بحضوره، وبعد أن حمد الله تعالي وأثني عليه، قال: «أيّها الناس إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أولي الناس بالناس في كتاب الله وعلي لسان نبيّ الله، فاُقسم بالله لو أنّ الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قَطْرَها، والأرضُ بركتها، ولما طمعتَ فيها يا معاوية، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ما ولّت اُ مّة أمرها رجلاً قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرُهم يذهب سِفالاً، حتي يرجعوا إلي ملّة عبدةِ العجل...» [320] .
4 ـ وعن سبب الصلح روي العلاّمة القندوزي في «ينابيع المودة» أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) ألقي في الناس خطاباً جاء فيه: «أيّها الناس قد علمتم أنّ الله ـ جلّ ذكره وعزّ اسمه ـ هداكم بجدَّي وأنقذكم من الضلالة، وخلّصكم من الجهالة، وأعزّكم به بعد الذلّة، وكثّركم به بعد القلّة، وأنّ معاوية نازعني حقّاً هو لي دونه، فنظرت لصلاح الاُ مّة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني علي أن تُسالموا من سالمني وتحاربوا مَن حاربني، فرأيتُ أن اُسالم معاوية وأضعَ الحرب بيني وبينه، وقد صالحته ورأيتُ أنّ حقن الدماء خيرٌ من سفكها، ولم أرد بذلك إلاّ صلاحكم وبقاءكم (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلي حين)» [321] .
5 ـ في رواية نقلها السيد المرتضي ـ رحمة الله عليه ـ أنّ حجر بن عدي اعترض علي الإمام (عليه السلام) بعد موافقته علي الصلح وقال له: «سوّدت وجوه المؤمنين» فأجابه الإمام (عليه السلام): «ما كلُّ أحد يحبُّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإنّما فعلتُ ما فعلتُ إبقاءً عليكم».
وبعد ذلك أشار إلي أنّ شيعة الإمام (عليه السلام) اعترضوا علي الصلح وأعربوا عن تأسّفهم لقرار الإمام (عليه السلام)، ومن بينهم سليمان بن صرد الخزاعي الذي قال للإمام: «ما ينقضي تعجّبنا من بيعتك معاوية، ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة، كلّهم يأخذ العطاء، وهم علي أبواب منازلهم، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم، سوي شيعتك من أهل البصرة والحجاز، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد، ولا حظّـاً من العطيّة، فلو كنت إذ فعلتَ ما فعلتَ أشهدت علي معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب، وكتبت عليه كتاباً بأنّ الأمر لك بعده، كان الأمر علينا أيسر، ولكنّه أعطاك شيئاً بينك وبينه لم يفِ به، ثم لم يلبث أن قال علي رؤوس الأشهاد: «إنّي كنتُ شرطتُ شروطاً ووعدتُ عداة إرادة لإطفاء نار الحرب، ومداراةً لقطع الفتنة، فلمّا أن جمع الله لنا الكَلِم والألفة فإنّ ذلك تحت قدمي» والله ما عني بذلك غيرك، وما أراد إلاّ ما كان بينك وبينه، وقد نقض، فإذا شئت فأعِد، الحرب خدعة، وائذن لي في تقدّمك الي الكوفة، فاُخرج عنها عاملَه واُظهر خلعه وتنبذ اليه علي سواء، إنّ الله لا يحبّ الخائنين، وتكلّم الباقون بمثل كلام سليمان.
فأجابه الإمام (عليه السلام): «أنتم شيعتنا وأهل مودّتنا، فلو كنتُ بالحزم في أمر الدنيا أعمل، ولسلطانها أركض وأنصب، ما كان معاوية بأبأس منّي بأساً، ولا أشدّ شكيمة ولا أمضي عزيمةً، ولكنّي أري غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلتُ إلاّ حقن الدماء فارضوا بقضاء الله، وسلّموا لأمره والزموا بيوتكم وأمسكوا» [322] .

تحليلان لأسباب الصلح

التحليل الأوّل:
لقد حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنّه رجل مسالم يدعو إلي السلام والصلح، وذلك عبر رسائله إلي الإمام الحسن (عليه السلام) التي يدعوه فيها إلي الصلح مهما كانت شروط الإمام (عليه السلام)، وقد اعتبر الباحثون أنّ الخطاب السلمي لمعاوية كان أخطر حيلة فتّت عضد الإمام (عليه السلام)، الأمر الذي أزّم ظروفه (عليه السلام) ولم يكن للإمام خيار غير القبول بالصلح.
وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء: «... فوجد ـ أي الإمام الحسن (عليه السلام) ـ أنّه لو رفض الصلح وأصرّ علي الحرب فلا يخلو:
إمّا أن يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب، وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل، ولكن فليكن بالفرض هو الواقع، ولكن هل مغبة ذلك إلاّ تظلّم الناس لبني اُمية؟ وظهورهم بأوجع مظاهر المظلومية؟ فماذا يكون موقف الحسن إذاً لو افترضناه هو الغالب؟
أمّا لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كلّ متكلم: إنّ الحسن هو الذي ألقي بنفسه إلي التهلكة، فإنّ معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبي وبغي، وعلي الباغي تدور الدوائر، وحينئذ يتمّ لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلي جاهليتهم الاُولي وعبادة اللاّت والعزي، ولا يُبقي معاوية من أهل البيت نافخ ضرمة، بل كان نظر الإمام الحسن (عليه السلام) في قبول الصلح أدقّ من هذا وذاك، أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله، وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالباً أو مغلوباً، وبدون أن يزجّ الناس في حرب، ويحملهم علي ما يكرهون من إراقة الدماء».
إنّ معاوية المسلم ظاهراً العدّو للإسلام حقيقة وواقعاً، كان يخدع الناس بغشاء رقيق من الدين خوفاً من رغبة الناس إلي الحسن وأبيه من قبل، فأراد الحسن أن يخلّي له الميدان، حتي يُظهِر ما يُبطِن، وهكذا فعل.
وفور إبرام الصلح؛ صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين، وقال: «إنّي ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا...»!!.
اُنظر ما صنع الإمام الحسن بمعاوية في صلحه، وكيف هدّ جميع مساعيه وهدم كلّ مبانيه حتي ظهر الحقّ وزهق الباطل، وخسر هنالك المبطلون، فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب المتعيّن علي الحسن، كما أنّ الثورة علي «يزيد» في تلك الظروف كان هو الواجب المتعيّن علي أخيه الإمام الحسين، كلّ ذلك للتفاوت بين الزمانين، والاختلاف بين الرجلين (أي: معاوية وابنه).
ولو لا صلح الإمام الحسن ـ الذي فضح معاوية وشهادة الإمام الحسين (عليه السلام) التي قضت علي يزيد وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت ـ لذهبت جهود جدّهما بطرفة عين، ولصار الدين دين آل أبي سفيان، دين الغدر والفسق والفجور، دين إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين.
ولو قيل: لماذا لم ينتهج الإمام الحسن (عليه السلام) سبيل الشهادة كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنَّ الحسين (عليه السلام) أيضاً كان يعلم أنّه لن يستطيع تحقيق النصر العسكري علي يزيد؟
فالجواب:
1 ـ إنّ معاوية كان يُظهر الإسلام، ويزيد كان يتجاهر بالفسق والفجور، فضلاً عن دهاء الأب وبلادة الابن.
2 ـ مثّلت خيانة الكوفيين بالنسبة إلي الحسين (عليه السلام) خطوته الموفّقة في التمهيد لنجاحه المطّرد في التاريخ، ولكنّها كانت بالنسبة إلي أخيه الحسن (عليه السلام) (يوم مسكن والمدائن) عقبته الكؤود عن تطبيق عملية الجهاد، فإنّ حوادث نقض بيعة الحسين كانت قد سبقت تعبئته للحرب، فجاء جيشه الصغير يوم وقف به للقتال، منخولاً من كلّ شائبة تضيره كجيش إمام له أهدافه المثلي [323] .
التحليل الثاني:
إن معاوية كان قد نشط في عهد الخليفتين الثاني والثالث بإمارته علي الشام عشرين سنة، تمكّن بها في أجهزة الدولة، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في الشام كلّها من أعوانه، وعظم خطره في الإسلام، وعرف في سائر الأقطار بكونه من قريش اُسرة النبي (صلي الله عليه وآله) وأنّه من أصحابه، حتي كان في هذه أشهر من كثير من السابقين الأولين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، كأبي ذرّ وعمّار والمقداد وأضرابهم.
هكذا نشأت «الاُموية» مرّةً اُخري، تغالب الهاشمية باسم الهاشمية في علنها، وتكيد لها كيدها في سرّها، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامة بدهائها، وتشتري الخاصة بما تغدقه عليهم من أموال الاُ مّة، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها الله للخونة من أمثالهم، تستغل مظاهر الفتح وإحراز الرضا من الخلفاء، حتي إذا استتبّ أمر «الاُموية» بدهاء معاوية؛ انسلّت إلي أحكام الدين انسلال الشياطين، تدسّ فيها دسّها، وتفسد إفسادها، راجعة بالحياة إلي جاهلية تبعث الاستهتار والزندقة وفق نهج جاهلي وخطة نفعية ترجوها «الاُموية» لاستيفاء منافعها، وتسخّرها لحفظ امتيازاتها [324] .
والناس عامة لا يفطنون لشيء من هذا، فإنّ القاعدة المعمول بها في الإسلام ـ أعني قولهم: الإسلام يجبّ ما قبله ـ ألقت علي فظائع «الاُموية» ستراً حجبها، ولا سيما بعد أن عفا عنها رسول الله وتألّفها، وبعد أن قرّبها الخلفاء منهم، واصطفوها بالولايات علي المسلمين، وأعطوها من الصلاحيات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم، فسارت في الشام سيرتها عشرين عاماً لا يتناهون عن منكر فعلوه ولا ينهون.
وقد كان الخليفة الثاني عظيم المراقبة لبعض عمّاله دقيق المحاسبة لهم دون بعض، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع أصلاً، تَعْتَعَ بخالد بن الوليد عامله علي «قنسرين» إذ بلغه أنّه أعطي الأشعث عشرة آلاف، فأمر به فعقله «بلال الحبشي» بعمامته، وأوقفه بين يديه علي رِجل واحدة مكشوف الرأس علي رؤوس الأشهاد من رجال الدولة ووجوه الشعب في المسجد الجامع بحمص، يسأله عن العشرة آلاف أهي من ماله أم من مال الاُ مّة؟ فإن كانت من ماله فهو الإسراف والله لا يحبّ المسرفين، وإن كانت من مال الاُ مّة فهي الخيانة والله لا يحب الخائنين، ثم عزله فلم يولّه بعد حتي مات.
وكم لعمر مع بعض عمّاله من أمثال ما فعله بخالد وأبي هريرة يعرفها المتتبّعون! لكنّ معاوية كان أثيره وخلّصه، علي ما كان من التناقض في سيرتيهما، ما كفّ يده عن شيء ولا ناقشه الحساب في شيء، وربّما قال له: «لا آمرك ولا أنهاك»، يفوّض له العمل برأيه، فشدّة مراقبة الخليفة الثاني ودقّة محاسبته كانت من نصيب بعض عمّاله، ولم تشمل الجميع علي حدّ سواء، إذ أنّ معاوية ـ وهو عامله علي الشام ـ كان طليق اليدين يفعل ما تشاء أهواؤه وما تبغيه شهواته.
وهذا ما أطغي معاوية، وأرهف عزمه علي تنفيذ خططه «الاُموية» وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطر فظيع، يهدّد الإسلام باسم الإسلام، ويطغي علي نور الحقّ باسم الحقّ، فكانا في دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما: إمّا المقاومة وإمّا المسالمة، وقد رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلي فناء هذا الصفّ المدافع عن الدين وأهله، والهادي إلي الله عزّوجل وإلي صراطه المستقيم.
ومن هنا رأي الحسن (عليه السلام) أن يترك معاوية لطغيانه، ويمتحنه بما يصبو اليه من الملك، لكن أخذ عليه في عقد الصلح أن لا يعدو الكتاب والسنّة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه، وأن لا يطلب أحداً من الشيعة بذنب أذنبه مع الاُموية، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين، وأن، وأن، وأن، إلي غير ذلك من الشروط التي كان الإمام الحسن عالماً بأنّ معاوية لا يفي له بشيء منها وأنّه سيقوم بنقائضها.
هذا ما أعدَّه (عليه السلام) لرفع الغطاء عن الوجه «الاُموي» المموّه، ولصهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائغة، ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال «الاُموية» كما هم جاهليّون لم تخفق صدورهم بروح الإسلام لحظة، ثأريّون لم تنسهم مواهب الإسلام ومراحمه شيئاً من أحقاد بدر واُحد والأحزاب.
وبالجملة: فإنّ هذه الخطّة ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بدّ، أملاه ظرف الإمام الحسن (عليه السلام)، إذ التبس الحقّ بالباطل، وتسنّي للطغيان فيه سيطرة مسلّحة ضارية، ما كان الحسن (عليه السلام) ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها، بل أخذها فيما أخذه من إرثه، وتركها مع ما تركه من ميراثه، فهو كغيره من أئمة هذا البيت (عليهم السلام) يسترشد الرسالة في إقدامه وإحجامه، امتحن بهذه الخطّة فرضخ لها صابراً محتسباً وخرج منها ظافراً طاهراً.
تهيّأ للحسن (عليه السلام) بهذا الصلح أن يفرش في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه، وتسنّي له أن يلغم نصر الاُموية ببارود الاُموية نفسها، فيجعل نصرها جفاءً وريحَها هباءً.
لم يطل الوقت حتي انفجرت اُولي القنابل المغروسة في شروط الصلح، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره، إذ انضمّ جيش العراق إلي لوائه في النخيلة، فقال ـ وقد قام خطيباً فيهم ـ: «يا أهل العراق! إنّي والله لم اُقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتزكّوا، ولا لتحجّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن ابن علي جعلته تحت قدميّ هاتين» [325] .
ثمّ تتابعت سياسة معاوية، تتفجر بكلّ ما يخالف الكتاب والسنّة من كلّ منكر في الإسلام، قتلاً للأبرار وهتكاً للأعراض وسلباً للأموال وسجناً للأحرار، ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعه المهتوك علي رقاب المسلمين، يعيث في دينهم ودنياهم، فكان من خليعه ما كان يوم الطفّ، ويوم الحرّة، ويوم مكة إذ نصب عليهم العرّادات والمجانيق.
ومهما يكن من أمر فالمهمّ أنّ الحوادث جاءت تفسّر خطّة الإمام الحسن وتجلوها، وكان أهمّ ما يرمي اليه سلام الله عليه أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة، ليحول بينهم وبين ما يبيّتون لرسالة جدّه من الكيد، وقد تمّ له كلّ ما أراد، حتي برح الخفاء وآذن أمر الاُموية بالجلاء، والحمد لله رب العالمين.
وبهذا استتبّ لصنوه سيد الشهداء أن يثور ثورته التي أوضح الله بها الكتاب، وجعله فيها عبرة لاُولي الألباب.
وقد كانا (عليهما السلام) وجهين لرسالة واحدة، كلّ وجه منهما في موضعه منها، وفي زمانه من مراحلها، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها، فالحسن (عليه السلام) لم يبخل بنفسه، ولم يكن الحسين (عليه السلام) أسخي منه بها في سبيل الله، وإنّما صان نفسه يجنّدها في جهاد صامت، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة قبل أن تكون حسينيّة. وكان يوم ساباط أعرق بمعاني التضحية من يوم الطفّ لدي اُولي الألباب ممّن تعمّق، لأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) اُعطي من البطولة دور الصابر علي احتمال المكاره في صورة مستكين قاعد، وكانت شهادة الطفِّ حسنيّة أولاً وحسينيّة ثانياً؛ لأنّ الحسن أنضج نتائجها ومهّد أسبابها.
وقد وقف الناس ـ بعد حادثتي ساباط والطفّ ـ يمعنون في الأحداث؛ فيرون في هؤلاء الاُمويين عصبة جاهلية منكرة، بحيث لو مثلت العصبيات الجلفة النذلة الظلوم لم تكن غيرهم، بل تكون دونهم في الخطر علي الإسلام وأهله... [326] .

زبدة المخض

إذن تتلخّص أسباب الصلح فيما يلي:
1 ـ ضعف أنصار الإمام وتخاذلهم وعدم انصياعهم لأوامره بعد تأثير دسائس معاوية فيهم، وبهذا سوف لا تجدي المقاومة بل سوف تتحتّم الانتكاسة للخط الرسالي أمام مكر معاوية، وعلي الإمام أن يحافظ علي بقاء هذا الخط وتناميه في مجتمع يسوده مكر معاوية وخدائعه.
2 ـ ويترتّب علي انتكاسة جيش الإمام الحسن (عليه السلام) استشهاده مع الخلَّص من أهل بيته وأصحابه أو أسرهم وبقاؤهم أحياءً في سجن معاوية أو إطلاق سراحهم مع بقائهم في موقع الضعف بعد الامتنان عليهم بالحرّية، وكل هذه النتائج غير محمودة.
فإنّ الاستشهاد إذا لم يترتّب عليه أثر مشروع عاجل أو آجل فلا مبرّر له، ولا سيما إذا اقترن بتصفية الخط الإمامي وإبادته الشاملة.
3 ـ صيانة الثلّة المؤمنة بحقّانية أهل البيت (عليهم السلام) وحفظهم من التصفية والإبادة الاُموية الشاملة بعد إحراز بقاء الحقد الاُموي لبني هاشم ومن يحذو حذوهم، كما أثبتته حوادث التاريخ الإسلامي الدامي.
4 ـ حقن دماء المسلمين حيث لا تجدي الحرب مع الفئة الباغية.
5 ـ كشف واقع المخطّط الاُموي الجاهلي وتحصين الاُ مّة الإسلامية ضدّه بعد أن مهّدت الخلافة لسيطرة صبيان بني اُمية علي زمام قيادة الاُ مّة المسلمة والتلاعب بمصير الكيان الإسلامي ومصادرة الثورة النبويّة المباركة.
6 ـ ضرورة تهيئة الظروف الملائمة لمقارعة الكفر والنفاق المستتر من موقع القوّة.
لقد خفيت الأسباب الحقيقية التي كانت تكمن وراء الموقف الإلهي الذي اتّخذّه الإمام المعصوم علي كثير من الناس المعاصرين للحدث وعلي بعض اللاحقين من أصحاب الرؤي السطحية أو المُضَلَّلين الذين وقعوا تحت تأثير التزييف للحقائق، لكن الأحداث التي أعقبت الصلح والسياسات العدوانية التي انتهجها معاوية وبقية الحكام الاُمويين والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالإسلام والمسلمين كشفت عن بعض أسرار موقف الإمام الحسن (عليه السلام).

ما بعد الصلح حتي الشهادة

الاجتماع في الكوفة

بعد توقيع الصلح بين الإمام الحسن (عليه السلام) ومعاوية اتّفقا علي مكان يلتقيان به، ليكون هذا اللقاء تطبيقاً عملياً للصلح، وليعترف كلّ منهماعلي سمع من الناس بما أعطي صاحبه من نفسه وبما يلتزم له من الوفاء بعهوده، فاختارا الكوفة فقصدا اليها، وقصدت معهما سيول من الناس غصّت بهم العاصمة الكبري، وكان أكثر الحاضرين جند الفريقين، تركوا معسكريهما وحفّوا لليوم التاريخي الذي كتب علي طالع الكوفة النحس أن تشهده راغمة أو راغبة.
ونودي في الناس إلي المسجد الجامع، ليستمعوا هناك إلي الخطيبين الموقِّعَيْنِ علي معاهدة الصلح، وكان لا بدّ لمعاوية أن يستبق إلي المنبر، فسبق اليه وجلس عليه [327] ، وخطب في الناس خطبته الطويلة التي لم ترو المصادر منها إلاّ فقراتها البارزة فقط.
منها: «أمّا بعد، ذلكم فإنّه لم تختلف اُ مّة بعد نبيّها إلاّ غلب باطلها حقّها!!». قال الراوي: وانتبه معاوية لما وقع فيه، فقال: إلاّ ما كان من هذه الاُ مّة، فإنّ حقّها غلب باطلها [328] .
ومنها: «يا أهل الكوفة! أترونني قاتلتكم علي الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون؟ ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وألي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون! ألا إنّ كلّ دم اُصيب في هذه الفتنة مطلول، وكلّ شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين!!...» [329] .
وروي أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب ابن أبي ثابت مسنداً: أنه ذكر في هذه الخطبة عليّاً فنال منه، ثمّ نال من الحسن [330] .
ثمّ قام الإمام الحسن (عليه السلام) فخطب في هذا الموقف الدقيق خطبته البليغة الطويلة التي جاءت من أروع الوثائق عن الوضع القائم بين الناس وبين أهل البيت (عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ووعظ ونصح ودعا المسلمين ـ في أوّلها ـ إلي المحبّة والرضا والاجتماع، وذكّرهم ـ في أواسطها ـ مواقف أهله بل مواقف الأنبياء، ثم ردّ علي معاوية ـ في آخرها ـ دون أن يناله بسبٍّ أو شتم، ولكنّه كان باُسلوبه البليغ أوجع شاتم وسابٍّ.
وكان ممّا قاله (عليه السلام) [331] : «أيّها الذاكر عليّاً! أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، واُمي فاطمة واُمك هند، وجدّي رسول الله وجدّك عتبة بن ربيعة، وجدّتي خديجة، وجدّتك فُتَيْلَة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قديماً وحديثاً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً».

المعارضون للصلح

قيس بن سعد بن عبادة

اشتهر قيس بموالاة أهل البيت (عليهم السلام) وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عيّنه والياً علي مصر في أوائل خلافته وعندما سمع قيس بن سعد نبأ التوقيع علي الصلح بين الإمام (عليه السلام) ومعاوية غشيته سحب من الأحزان، واستولت عليه موجة من الهموم، لكنّه عاد إلي الكوفة في نهاية المطاف.
وكان معاوية بعد أن خدع عبيد الله بن العباس؛ قد بعث رسالة إلي قيس يمنّيه ويتوعّده، فأجابه قيس: «لا والله لا تلقاني إلاّ بيني وبينك السيف أو الرمح...» [332] ، فغضب معاوية لهذا الجواب القاطع فأرسل اليه رسالة يشتمه فيها ويتوعّده وجاء فيها: «أمّا بعد، فإنّك يهودي تشقي نفسك، وتقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحبّ الفريقين اليك نبذك وغدرك، وإن ظهر أبغضهم اليك نكّل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمي غير غرضه، فأكثر الجذ، وأخطأ المفصل، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران غريباً، والسلام» [333] .
فأجابه قيس: «أمّا بعد، فإنّما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت فيه خرقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، لم تزل حرباً لله ولرسوله، وحزباً من أحزاب المشركين، وعدوّاً لله ولنبيّه وللمؤمنين من عباده، وذكرت أبي فلعمري ما أوتر إلاّ قوسه، ولا رمي إلاّ غرضه، فشغب عليه من لا تشقّ غباره، ولا تبلغ كعبه، وزعمت أنّي يهوديّ ابن يهودي وقد علمت وعلم الناس أنّي وأبي أعداء الدين الذي خرجت منه ـ يعني الشرك ـ وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت اليه، والسلام» [334] .
ولمّا علم معاوية بعودة قيس إلي الكوفة دعاه الي الحضور لمبايعته، لكن قيس رفض لأنّه كان قد عاهد الله أن لا يجتمع معه إلاّ وبينهما السيف أو الرمح، فأمر معاوية بإحضار سيف ورمح ليجعل بينهما حتي يبرّ قيس بيمينه ولا يحنث، ووقتذاك حضر قيس الاجتماع وبايع معاوية [335] .

حجر بن عدي

وهو من كبار صحابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن أبدال عصره، وحسب ابن الأثير الجزري في «اُسد الغابة» وغيره، أنّه وصل مقاماً في القرب إلي الله تعالي بحيث أصبح مستجاب الدعوة، وقد قتل شهيداً في «مرج عذراء» وهي إحدي قري الشام، بأمر معاوية وبواسطة أزلامه، وقد اندلعت إثر شهادته موجة من الاحتجاجات علي سياسات معاوية وحتي ندّدت عائشة وآخرون بالجريمة [336] .
وبالرغم من الحبّ والولاء اللذين يكنهما «حجر» للإمام الحسن وأبيه (عليهما السلام)، إلاّ أنّ الانفعالات دفعت به إلي ظلمات اليأس والقنوط في اللحظات التي تمّ فيها قرار الصلح، من هنا خاطب الإمام (عليه السلام) وفي حضور معاوية بقوله: «أما والله لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك، ولم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا».
وحسب المدائني أنّ كلام «حجر» ترك في نفس الإمام بالغ الأسي والحزن، فانبري (عليه السلام) وبعد أن فرغ المسجد مبيّناً له العلّة التي صالح من أجلها قائلاً: «يا حجر! قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلتُ إلاّ إبقاءً عليكم، والله تعالي كلّ يوم هو في شأن» [337] .

عدي بن حاتم

وعدي من الشجعان والمخلصين لأهل البيت (عليهم السلام)، وقد نقل أ نّه قال للإمام وقد ذابت حشاه من الحزن والمصاب: «يابن رسول الله! لوددت أنّي متّ قبل ما رأيت، أخرجتنا من العدل إلي الجور، فتركنا الحقّ الذي كنّا عليه، ودخلنا في الباطل الذي كنّا نهرب منه، وأعطينا الدنيّة من أنفسنا، وقبلنا الخسيس التي لم تلق بنا»، فأجابه الإمام (عليه السلام): «يا عدي! إنّي رأيت هوي معظم الناس في الصلح وكرهوا الحرب، فلم اُحبّ أن أحملهم علي ما يكرهون، فرأيتُ دفع هذه الحروب إلي يوم ما، فإنّ الله كلّ يوم هو في شأن» [338] .

المسيب بن نجبة و سليمان بن صرد

وعرفا بالولاء والإخلاص لأهل البيت (عليهم السلام)، وقد تألّما من الصلح فأقبلا إلي الإمام وهما محزونا النفس فقالا: ما ينقضي تعجّبنا منك! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوي أهل البصرة والحجاز»، فقال الإمام للمسيّب: «ما تري؟» قال: والله أري أن ترجع لأنّه نقض العهد، فأجابه الإمام: «إنّ الغدر لا خير فيه ولو أردت لما فعلت...» [339] .
وجاء في رواية اُخري أنّ الإمام (عليه السلام) أجابه: «يا مسيّب! إنّي لو أردت ـ بما فعلت ـ الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء ولا أثبت عند الحرب منّي، ولكن أردت صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض» [340] .

الي يثرب

بقي الإمام الحسن (عليه السلام) في الكوفة أياماً، ثمّ عزم علي مغادرة العراق، والشخوص إلي مدينة جدّه، وقد أظهر عزمه ونيّته إلي أصحابه، ولمّا اُذيع ذلك دخل عليه المسيّب بن نجبة الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودّعاه، فالتفت لهما قائلاً: «الحمد لله الغالب علي أمره، لو أجمع الخلق جميعاً علي أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا.. إنّه والله ما يكبر علينا هذا الأمر إلاّ أن تضاموا وتنتقصوا، فأمّا نحن فإنّهم سيطلبون مودّتنا بكلّ ما قدروا عليه».
وطلب منه المسيّب وظبيان المكث في الكوفة فامتنع (عليه السلام) من إجابتهم قائلاً: «ليس إلي ذلك من سبيل» [341] .
ولدي توجّهه (عليه السلام) وأهل بيته إلي عاصمة جدّه (صلي الله عليه وآله)؛ خرج أهل الكوفة بجميع طبقاتهم إلي توديعه وهم ما بين باك وآسف [342] .
وسار موكب الإمام ولكنّه لم يبعد كثيراً عن الكوفة حتي أدركه رسول معاوية يريد أن يردّه إلي الكوفة ليقاتل طائفة من الخوارج قد خرجت عليه، فأبي (عليه السلام) أن يعود وكتب إلي معاوية: «ولو آثرت أن اُقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإنّي تركتك لصلاح الاُ مّة وحقن دمائها» [343] .
وانتهت قافلة الإمام إلي يثرب، فلمّا علم أهلها بتشريفه (عليه السلام) خفّوا جميعاً لاستقباله، فقد أقبل اليهم الخير وحلّت في ديارهم السعادة والرحمة، وعاودهم الخير الذي انقطع عنهم منذ أن نزح أمير المؤمنين (عليه السلام) عنهم.
جاء الحسن (عليه السلام) مع إخوته وأهل بيته إلي يثرب، فاستقام فيها عشر سنين، فملأ رباعها بعطفه المستفيض ورقيق حنانه وحلمه، ونقدّم عرضاً موجزاً لبعض أعماله وشؤونه فيها.

مرجعية الإمام الحسن العلمية والدينية

اشاره

وتمثّلت في تربيته لكوكبة من طلاّب المعرفة، وتصدّيه للانحرافات الدينية التي كانت تؤدي إلي مسخ الشريعة، كما تصدّي لمؤامرة مسخ السنّة النبويّة الشريفة التي كان يخطّط لها معاوية بن أبي سفيان من خلال تنشيط وضع الأحاديث والمنع من تدوين الحديث النبويّ.

مدرسة الإمام و نشاطه العلمي

أنشأ الإمام مدرسته الكبري في يثرب، وراح يعمل مجدّاً في نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وقد انتمي لمدرسته كبار العلماء وعظماء المحدّثين والرواة، ووجد بهم خير عون لأداء رسالته الإصلاحية الخالدة التي بلورت عقلية المجتمع. وأيقظته بعد الغفلة والجمود، وقد ذكر المؤرّخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه وهم:
ابنه الحسن المثني، والمسيّب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد الرحمن، والشعبي، ومبيرة بن بركم، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن خلد، وأبو الجوزا، وعيسي بن مأمون بن زرارة، ونفالة بن المأموم، وأبو يحيي عمير ابن سعيد النخعي، وأبو مريم قيس الثقفي، وطحرب العجلي، واسحاق بن يسار والد محمد بن اسحاق، وعبد الرحمن بن عوف، وسفين بن الليل، وعمرو بن قيس الكوفيون [344] ، وقد ازدهرت يثرب بهذه الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الاسلامية علماً وأدباً وثقافة.
وكما كان يتولّي نشر العلم في يثرب كان يدعو الناس إلي مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتأدّب بسنّة النبي (صلي الله عليه وآله)، وقد رفع (عليه السلام) منار الأخلاق التي جاء بها جدّه الرسول لإصلاح المجتمع وتهذيبهم، فمن سموّ أخلاقه أنّه كان يصنع المعروف والإحسان حتي مع أعدائه ومناوئيه، وقد بلغه أنّ الوليد بن عقبة قد ألمّ به السقم فمضي لعيادته مع ما عُرف به الوليد من البغض والعداء لآل البيت، فلمّا استقرّ المجلس بالإمام انبري اليه الوليد قائلاً: «إنّي أتوب إلي الله تعالي ممّا كان بيني وبين جميع الناس إلاّ ما كان بيني وبين أبيك فإنّي لا أتوب منه» [345] .
وأعرض الإمام عنه ولم يقابله بالمثل، ولعلّه أوصله ببعض ألطافه وهداياه [346] .

مرجعيته الاجتماعية

اشاره

والتي تمثّلت في عطفه علي الفقراء وإحسانه وبذله المعروف، وتجلّت في استجارة المستجيرين به للتخلّص من ظلم الاُمويين وأذاهم.

عطفه علي الفقراء

وأخذ (عليه السلام) يفيض الخير والبرّ علي الفقراء والبائسين، ينفق جميع ما عنده عليهم، وقد ملأ قلوبهم سروراً بإحسانه ومعروفه، ومن كرمه أنّه جاءه رجل في حاجة فقال له: «اُكتب حاجتك في رقعة وادفعها الينا»، فكتبها ذلك الشخص ورفعها اليه، فأمر (عليه السلام) بضعفها له، قال بعض الحاضرين: ما كان أعظم بركة هذه الرقعة عليه يابن رسول الله؟!، فأجابه (عليه السلام): «بركتها علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً، أما علمت أنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة، فأمّا من أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه، وعسي أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من حاجته، أبكآبة أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد، وقلبه خائف يخفق، فإن قضيت له حاجته فيما بذلك من وجهه فإنّ ذلك أعظم ممّا نال من معروفك».
لقد كان موئلاً للفقراء والمحرومين، وملجأً للأرامل والأيتام، وقد تقدّمت بعض بوادر جوده ومعروفه التي كان بها مضرب المثل للكرم والسخاء.

الاستجارة به

كان (عليه السلام) في عاصمة جدّه (صلي الله عليه وآله) كهفاً منيعاً لمن يلجأ اليه، وملاذاً حصيناً لمن يلوذ به، قد كرّس أوقاته في قضاء حوائج الناس، ودفع الضيم والظلم عنهم، وقد استجار به سعيد بن أبي سرح من زياد فأجاره، فقد ذكر الرواة أنّه كان معروفاً بالولاء لأهل البيت (عليهم السلام) فطلبه زياد من أجل ذلك فهرب إلي يثرب مستجيراً بالإمام، ولمّا علم زياد ذلك عمد إلي أخيه وولده وزوجه فحبسهم، ونقض داره، وصادر أمواله، وحينما علم الإمام الحسن ذلك شقّ عليه الأمر، فكتب رسالة إلي زياد يأمره فيها بأن يعطيه الأمان، ويخلّي سبيل عياله وأطفاله، ويشيّد داره، ويردّ عليه أمواله [347] .

مرجعيته السياسية

لقد صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية من موقع القوّة، كما نصّت المعاهدة علي أن يكون الأمر من بعده للحسن ولا يبغي له الغوائل والمكائد.
إذن من الطبيعي أن يكون الإمام محور المعارضة والشوكة التي تنغّص علي بني اُمية ومعاوية ملكهم وتكدّر صفوهم، ونجد في أدعية الإمام ولقاءاته بالحاكمين وبطانتهم ورسائله وخطبه نشاطاً سياسياً واضحاً تمثّل في:
أ ـ مراقبته للأحداث ومتابعتها ومراقبة سلوك الحاكمين وعمّالهم، وأمرهم بالمعروف وردعهم عن المنكر، كما لاحظنا في مراسلته لزياد لرفع الضغط عن سعيد بن أبي سرح، ولومه لحبيب بن مسلمة وهو في الطواف علي إطاعته لمعاوية [348] .
ب ـ النشاط السياسي المنظَّم والذي كان يتمثّل في استقباله لوفود المعارضة، وتوجيههم ودعوتهم إلي الصبر، وأخذ الحزم وانتظار أوامر الإمام التي ستصدر في الفرصة المناسبة، كما تمثّل في تأكيده المستمرّ علي الدور القيادي لأهل البيت (عليهم السلام) واستحقاقه للخلافة والإمامة.
ويري الدكتور طه حسين أنّ الإمام قد شكّل حزباً سياسياً حين مكثه في المدينة، وتولّي هو رئاسته وتوجيهه الوجهة المناسبة لتلك الظروف.
ج ـ عدم تعاطفه مع أركان النظام الحاكم بالرغم من محاولاتهم لكسب عطف الإمام أو تغطية نشاطاته أو إدانتها، وقد تمثّل هذا الجانب في رفضه لمصاهرة الاُمويين وفضحه لخططهم وكشفه لواقعهم المنحرف وعدم استحقاق معاوية للخلافة، وتجلّي بوضوح في مناظراته مع معاوية وبطانته في المدينة ودمشق علي حدّ سواء، ونكتفي بالإشارة إلي بعض مواقفه.

رفض الامام مصاهرة الامويين

ورام معاوية أن يصاهر بني هاشم ليحوز بذلك الشرف والمجد، فكتب إلي عامله علي المدينة مروان بن الحكم أن يخطب ليزيد زينب بنت عبدالله ابن جعفر علي حكم أبيها في الصداق، وقضاء دينه بالغاً ما بلغ، وعلي صلح الحيّين بني هاشم وبني اُمية، فبعث مروان خلف عبدالله، فلمّا حضر عنده فاوضه في أمر كريمته، فأجابه عبدالله: إنّ أمر نسائنا بيد الحسن بن علي فاخطب منه، فأقبل مروان إلي الإمام فخطب منه ابنة عبدالله، فقال (عليه السلام): «اجمع مَن أردت» فانطلق مروان فجمع الهاشميّين والاُمويّين في صعيد واحد وقام فيهم خطيباً، وبيّن أمر معاوية له.
فردّ الإمام (عليه السلام) عليه، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: «أمّا ما ذكرت من حكم أبيها في الصداق فإنّا لم نكن لنرغب عن سنّة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في أهله وبناته [349] ، وأمّا قضاء دين أبيها فمتي قضت نساؤنا ديون آبائهن؟ وأمّا صلح الحيّين فإنّا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا...».
وفي ختام كلمته قال الإمام (عليه السلام): «وقد رأينا أن نزّوجها (يعني زينب) من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد زوّجتها منه، وجعلت مهرها ضيعتي التي لي بالمدينة، وقد أعطاني معاوية بها عشرة آلاف دينار».
ورفع مروان رسالة إلي معاوية أخبره بما حصل، فلمّا وصلت اليه قال: «خطبنا اليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا إلينا لما رددناهم» [350] .

من مواقف الإمام الحسن مع معاوية و بطانته

مع معاوية في المدينة

روي الخوارزمي أنّ معاوية سافر إلي يثرب فرأي تكريم الناس وحفاوتهم بالإمام وإكبارهم له ممّا ساءه ذلك، فاستدعي أبا الأسود الدؤلي والضحّاك بن قيس الفهري، فاستشارهم في أمر الحسن وأنّه بماذا يوصمه ليتّخذ من ذلك وسيلة للحطّ من شأنه والتقليل من أهميّته أمام الجماهير، فأشار عليه أبو الأسود بالترك قائلاً:
«رأي أمير المؤمنين أفضل، وأري ألاّ يفعل فإنّ أمير المؤمنين لن يقول فيه قولاً إلاّ أنزله سامعوه منه به حسداً، ورفعوا به صعداً، والحسن يا أمير المؤمنين معتدل شبابه، أحضر ما هو كائن جوابه، فأخاف أن يرد عليك كلامك بنوافذ تردع سهامك، فيقرع بذلك ظنوبك [351] ، ويبدي به عيوبك، فإنّ كلامك فيه صار له فضلاً، وعليك كلاً، إلاّ أن تكون تعرف له عيباً في أدب، أو وقيعة في حسب، وإنّه لهو المهذّب، قد أصبح من صريح العرب في عزّ لُبابها، وكريم محتدها، وطيب عنصرها، فلا تفعل يا أمير المؤمنين».
وقد أشار عليه أبو الأسود بالصواب، ومنحه النصيحة، فأيّ نقص أو عيب في الإمام حتي يوصمه به، وهو المطهّر من كلّ رجس ونقص كما نطق بذلك الذكر الحكيم؟ ولكنّ الضحّاك بن قيس قد أشار علي معاوية بعكس ذلك فحبّذ له أن ينال من الإمام ويتطاول عليه قائلاً:
«امضِ يا أمير المؤمنين فيه برأيك ولا تنصرف عنه بدائك، فإنّك لو رميته بقوارص كلامك ومحكم جوابك لذلّ لك كما يذلّ البعير الشارف [352] من الإبل».
واستجاب معاوية لرأي الضحّاك، فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي نبيّه، ثم ذكر أمير المؤمنين وسيّد المسلمين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فانتقصه، ثم قال:
«أيّها الناس! إنّ صبية من قريش ذوي سفه وطيش وتكدّر من عيش أتعبتهم المقادير، فاتّخذ الشيطان رؤوسهم مقاعد، وألسنتهم مبارد، فأباض وفرخ في صدورهم، ودرج في نحورهم، فركب بهم الزلل، وزيّن لهم الخطل، وأعمي عليهم السُبل، وأرشدهم إلي البغي والعدوان والزور والبهتان، فهم له شركاء وهو لهم قرين (ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً)وكفي لهم مؤدّباً، والمستعان الله».
فوثب اليه الإمام الحسن مندفعاً كالسيل رادّاً عليه افتراءه وأباطيله قائلاً:
«أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب، أنا ابن نبيّ الله، أنا ابن من جعلت له الأرضُ مسجداً وطهوراً، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن خاتم النبيّين، وسيّد المرسلين، وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين، أنا ابن من بعث إلي الجنّ والإنس، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين».
وشقّ علي معاوية كلام الإمام فبادر إلي قطعه قائلاً: «يا حسن! عليك بصفة الرطب»، فقال (عليه السلام): «الريح تلقحه والحرّ ينضجه، والليل يبرده ويطيبه، علي رغم أنفك يا معاوية» ثم استرسل (عليه السلام) في تعريف نفسه قائلاً:
«أنا ابن مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب، ويقرع باب الجنّة، أنا ابن من قاتلت الملائكة معه ولم تقاتل مع نبيّ قبله، أنا ابن من نصر علي الأحزاب، أنا ابن من ذلّت له قريش رَغماً».
وغضب معاوية واندفع يصيح: «أما أنّك تحدّث نفسك بالخلافة».
فأجابه الإمام (عليه السلام) عمّن هو أهل للخلافة قائلاً: «أمّا الخلافة فلمن عمل بكتاب الله وسنَّة نبيّه، وليست الخلافة لمن خالف كتاب الله وعطّل السنّة، إنّما مثل ذلك مثل رجل أصاب ملكاً فتمتّع به، وكأنّه انقطع عنه وبقيت تبعاته عليه».
وراوغ معاوية، وانحط كبرياؤه فقال: «ما في قريش رجل إلاّ ولنا عنده نِعَم جزيلة ويد جميلة».
فردّ (عليه السلام) قائلاً: «بلي، من تعزّزت به بعد الذلّة، وتكثّرت به بعد القلّة».
فقال معاوية: «من اُولئك يا حسن؟»، فأجابه الإمام (عليه السلام): «من يلهيك عن معرفتهم».
ثم استمر (عليه السلام) في تعريف نفسه إلي المجتمع فقال:
«أنا ابن من ساد قريشاً شاباً وكهلاً، أنا ابن من ساد الوري كرماً ونبلاً، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالجود الصادق، والفرع الباسق، والفضل السابق، أنا ابن من رضاه رضي الله، وسخطه سخطه، فهل لك أن تساميه يا معاوية؟»، فقال معاوية: أقول لا تصديقاً لقولك، فقال الحسن: «الحق أبلج، والباطل لجلج، ولم يندم من ركب الحقّ، وقد خاب من ركب الباطل (والحقّ يعرفه ذوو الألباب)» فقال معاوية علي عادته من المراوغة: لا مرحباً بمن ساءك [353] .

في دمشق

اتفق جمهور المؤرّخين علي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد وفد علي معاوية في دمشق، واختلفوا في أنّ وفادته كانت مرةً واحدةً أو أكثر، وإطالة الكلام في تحقيق هذه الجهة لا تغنينا شيئاً، وإنّما المهم البحث عن سرّ سفره، فالذي نذهب اليه أنّ المقصود منه ليس إلاّ نشر مبدأ أهل البيت (عليهم السلام) وإبراز الواقع الاُموي أمام ذلك المجتمع الذي ضلّله معاوية وحرّفه عن الطريق القويم، أمّا الاستدلال عليه فإنّه يظهر من مواقفه ومناظراته مع معاوية، فإنّه قد هتك بها حجابه.
أمّا الذاهبون إلي أنّ سفره كان لأخذ العطاء فقد استندوا إلي احدي الروايات الموضوعة فيما نحسب، وهذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها؛ لأنّ الإمام قد عرف بالعزّة والإباء والشمم، علي أنّه كان في غنيً عن صلات معاوية؛ لأنّ له ضياعاً كبيرة في يثرب كانت تدرّ عليه بالأموال الطائلة، مضافاً إلي ما كان يصله من الحقوق التي كان يدفعها خيار المسلمين وصلحاؤهم.
علي أنّ الأموال التي كان يصله بها معاوية علي القول بذلك لم يكن ينفقها علي نفسه وعياله، فقد ورد أنّه لم يكن يأخذ منها مقدار ما تحمله الدابة بفيها [354] .
وروي الإمام موسي بن جعفر (عليهما السلام): «أنّ الحسن والحسين كانا لا يقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان» [355] .
وضاق معاوية ذرعاً بالإمام الحسن (عليه السلام) حينما كان في دمشق بعد الذي رآه من إقبال الناس واحتفائهم به، فعقد مجالس حشدها بالقوي المنحرفة عن أهل البيت (عليهم السلام) والمعادية لهم مثل: ابن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وزياد بن أبيه وعبدالله بن الزبير، وأوعز لهم بالتطاول علي ريحانة رسول الله (صلي الله عليه وآله) والنيل منه، ليزهد الناس فيه، ويشفي نفسه من ابن فاتح مكة ومحطّم أوثان قريش، وقد قابله هؤلاء الأوغاد بمرارة القول وبذاءة الكلام، وكان (عليه السلام) يسدِّد لهم سهاماً من منطقه الفيّاض فيسكتهم.
ولقد كان الإمام في جميع تلك المناظرات هو الظافر المنتصر، وخصومه الضعفاء قد اعترتهم الاستكانة والهزيمة والذهول.
المناظرة الاُولي:
أقبل معاوية علي الإمام (عليه السلام) فقال له: «يا حسن أنا خير منك!» فقال له الإمام (عليه السلام): «وكيف ذاك يابن هند؟»، فقال معاوية: لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ، ولم يجمعوا عليك.
فقال له الإمام (عليه السلام): «هيهات، لشرّ ما علوت يابن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رجلان: بين مطيع ومكره، فالطائع لك عاص لله، والمكره معذور بكتاب الله، وحاشا لله أن أقول أنا خير منك لأنّك لا خير فيك، فإنّ الله قد برّأني من الرذائل كما برأك من الفضائل» [356] .
المناظرة الثانية:
وهناك موقف آخر، ولعلّه من أروع ما نقله التأريخ من مواقف الإمام (عليه السلام)، فقد اجتمع لدي معاوية أربعة من أعمدة حكمه ومروّجي جاهليّته، وهم: عمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة، وطلبوا منه إحضار الإمام (عليه السلام) لكي يعيبوه وينالوا منه، بعدما ساءهم إلتفاف الناس حوله يلتمسون منه عطاء العلم والدين.
ويقال: إنّ معاوية رفض أن يرسل اليه، وقال: «لا تفعلوا، فوالله ما رأيته قطّ جالساً عندي إلاّ خفت مقامه وعيبه لي، وقال: إنّه ألسن بني هاشم» فعزموا عليه بأن يرسل اليه.
فقال: إن بعثت اليه لأنصفنّه منكم، فقال ابن العاص: أتخشي أن يأتي باطله علي حقّنا؟! قال معاوية: أما إنّي إن بعثت اليه لآمرنه أن يتكلّم بلسانه كلّه، واعلموا أنّهم أهل بيت، لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار، ولكن اقذفوه بحجره، تقولون له: إنّ أباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء قبله.
ثم أرسل إلي الامام من يدعوه، فحضر فأكرمه معاوية وأعظمه، وقال له: إنّي كرهت أن أدعوك، ولكن هؤلاء حملوني علي ذلك، وإنّ لك منهم النصف ومنّي، وإنّا دعوناك لنقرّرك أنّ عثمان قتل مظلوماً، وأنّ أباك قتله، فأجبهم، ولا تمنعك وحدتك واجتماعهم أن تتكلّم بكلّ لسانك.
فتكلّم عمرو بن العاص، فذكر عليّاً، وتجاوز في سبّه وشتمه، ثم ثنّي بالحسن وعابه وأغرق في الخدشة، وممّا قاله:
«... يا حسن، تحدّث نفسك أنّ الخلافة صائرة اليك، وليس عندك عقل ذلك ولا لبّه وإنّما دعوناك لنسبّك أنت وأباك...».
ثم تكلّم الوليد بن عقبة فشنّع وأبان عن عنصريته، ونال من بني هاشم.
ثم تكلّم عتبة بن أبي سفيان، فأفصح عن حقده ولؤمه، وممّا قال:
«... يا حسن، كان أبوك شرّ قريش لقريش، أسفكه لدمائها، وأقطعه لأرحامها، طويل السيف واللسان، يقتل الحيّ ويصيب الميّت، وأمّا رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادماً، ولا في ميزانها راجحاً».
ثم تكلّم المغيرة بن شعبة، فشتم عليّاً وقال: «والله ما أعيبه في قضية بخون، ولا في حكم بميل، ولكنّه قتل عثمان.
ثم سكتوا، فتكلّم الإمام (عليه السلام)، وممّا قال:
«أمّا بعد يا معاوية، فما هؤلاء شتموني، ولكنّك شتمتني، فحشاً ألفته، وسوء رأي عرفت به، وخُلقاً سيئاً ثبتّ عليه، وبغياً علينا عداوة لمحمد وآله، ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولنّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم».
ثم أخذ في المقارنة بين مواقف أبيه ومواقف معاوية وأبيه، فقال:
«اُنشدكم الله، هل تعلمون أ نّه أول الناس إيماناً، وأ نّك يا معاوية وأباك من المؤلّفة قلوبهم، تسرّون الكفر، وتظهرون الإسلام، وتستمالون بالأموال.
وإنّه كان صاحب راية رسول الله (صلي الله عليه وآله) يوم بدر، وإنّ راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه، ثم لقيكم يوم اُحد ويوم الأحزاب، ومعه راية رسول الله (صلي الله عليه وآله)، ومعك ومع أبيك راية الشرك، وفي كلّ ذلك يفتح الله له، ويفلج حجّته، وينصر دعوته، ويصدق حديثه، ورسول الله (صلي الله عليه وآله) في تلك المواطن كلّها عنه راض، وعليك وعلي أبيك ساخط».
وأخذ (عليه السلام) في تعداد فضائل أبيه وما ورد فيه من الأحاديث علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومواقفه العظيمة التي نصر بها الدين وأذلّ بها المشركين، ثم قال: «وجاء أبوك علي جمل أحمر يوم الأحزاب يحرّض الناس وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده، فرآكم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فلعن الراكب والقائد والسائق، وأنت يا معاوية، دعا عليك رسول الله لمّا أراد أن يكتب كتاباً إلي بني خزيمة فبعث اليك، فنهمك إلي يوم القيامة فقال: اللّهمّ لا تشبعه».
ثم أخذ في بيان بعض مواقف أبيه مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمواطن السبعة التي لعن فيها النبيّ (صلي الله عليه وآله) أبا سفيان، وبعد أن أنهي خطابه لمعاوية، التفت إلي عمرو بن العاص فقال:
وأمّا انت يابن النابغة، فادّعاك خمسة من قريش، غلب عليك الأمهم حسباً وأخبثهم منصباً، وولدت علي فراش مشترك، ثم قام أبوك فقال: أنا شانئ محمد الأبتر، فأنزل الله فيه (إنّ شانئك هو الأبتر) وقاتلت رسول الله في جميع المشاهد وهجوته، وآذيته في مكة وكدته، وكنت من أشدّ الناس له تكذيباً وعداوة.
ثمّ خرجت تريد النجاشي، لتأتي بجعفر وأصحابه، فلمّا أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائباً، وأكذبك واشياً، جعلت حدّك علي صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلي النجاشي، ففضحك الله، وفضح صاحبك، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام.
وهجوت رسول الله (صلي الله عليه وآله) بسبعين بيتاً من الشعر، فقال: اللهمّ إنّي لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللّهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة.
وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعّرت عليه الدنيا ناراً، ثم لحقت بفلسطين، فلمّا أتاك قتله، قلت: أنا أبو عبدالله إذا نكأت قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك إلي معاوية وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك علي بغض، ولا نعاتبك علي ودّ، وبالله ما نصرت عثمان حباً، ولا غضبت له مقتولاً...».
والتفت (عليه السلام) إلي الوليد فقال له:
«فوالله ما ألومك علي بغض عليٍّ وقد قتل أباك بين يدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) صبراً، وجلدك ثمانين في الخمر لمّا صليت بالمسلمين سكران، وسمّاك الله في كتابه فاسقاً، وسمّي أمير المؤمنين مؤمناً، حيث تفاخرتما...».
ثم التفت إلي عتبة بن أبي سفيان، وقال له:
«وأمّا أنت يا عتبة، فوالله ما أنت بحصيف فاُجيبك، ولا عاقل فاُحاورك واُعاتبك، وما عندك خير يرجي، ولا شرّ يتقي، وما عقلك وعقل أمتك إلاّ سواء، وما يضرّ عليّاً لو سببته علي رؤوس الأشهاد، وأمّا وعيدك إيّاي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته علي فراشك... وكيف ألومك علي بغض عليّ؟ وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر، وشرك حمزة في قتل جدّك عتبة، وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد».
ثم التفت إلي المغيرة بن شعبة، وقال له:
«وأمّا أنت يا مغيرة، فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه.. والله... لا يشقّ علينا كلامك وإنَّ حدَّ الله عليك في الزنا لثابت، ولقد درأ عمر عنك حقاً، الله سائله عنه، ولقد سألت رسول الله (صلي الله عليه وآله) هل ينظر الرجل إلي المرأة يريد أن يتزوّجها، فقال: لا بأس بذلك يا مغيرة، ما لم ينو الزنا، لعلمه بأنّك زان.
وأمّا فخركم علينا بالإمارة، فإنّ الله تعالي يقول: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُتْرَفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميراً)» [357] .
ثمّ قام الحسن (عليه السلام) فنفض ثوبه وانصرف، فتعلّق عمرو بثوبه وقال: يا أمير المؤمنين، قد شهدت قوله فيّ، وأنا مطالب له بحدّ القذف، فقال معاوية: خلّ عنه، لا جزاك الله خيراً... فتركه.
فقال معاوية: قد أنبأتكم أنّه ممّن لا تطاق عارضته، ونهيتكم أن تسبّوه فعصيتموني، والله ما قام حتي أظلم عليَّ البيت قوموا عنّي، فلقد فضحكم الله، وأخزاكم بترككم الحزم، وعدولكم عن رأي الناصح المشفق [358] .
وينتهي هنا الحوار الفريد الذي ذكرناه بطوله رغم اختصارنا له، واحتفاظنا بالنقاط الأساسية التي يهمّنا أن نضعها بين يدي القارئ، ليتعرّف علي الملامح الواقعية لتلك الزمرة المتسلّطة التي تنكّرت لكلّ القيم الأخلاقية، وسلكت طريق الشيطان.
وبهذا الحوار أعطي الإمام (عليه السلام) للمعارضة زخماً جديداً وفاعليةً كبيرةً، حيث كشف للاُمّة عن الواقع المرير الذي اكتنف الحكم الإسلامي بتسلّط هذه النماذج المنحرفة في اُصولها، والمنفعلة برواسبها الجاهلية، والتي لا يمثّل عندها الإسلام إلاّ الوسيلة الفريدة للتسلّط علي رقاب الناس، وتلافي النقائص الذاتية التي قدّر لهم أن يرزحوا تحت عبئها البغيض.
وأثبت الإمام (عليه السلام) أنّه ما يزال يقف في موقفه الصامد الذي انطلق منه في صراعه مع الجاهليّة الاُموية. وإن ألجأته ظروف المحنة إلي وضع السيف في غمده وتخطّي مرحلة الحرب؛ فإنّ كلمة الحقّ الصارخة التي تصمّ آذان الباطل لا يمكن أن يدعها تموت في زحام أراجيف الضلال.
وهكذا ينطلق الإمام في خطاه الرسالية ـ التي هي امتداد لخطي جدّه الرسول الأعظم (صلي الله عليه وآله) ـ وعليه تقع مسؤولية حفظ المبادئ الأصيلة التي جاءت من أجلها الرسالة؛ لترتفع كلمة الله في الأرض.

مصير شروط الصلح و شهادة الإمام الحسن

اخلال معاوية بالشروط

كان الشرط الأول ـ وكما مرّ علينا ـ هو أن يسلّم الإمام الأمر لمعاوية علي أن يعمل بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الخلفاء الصالحين.
وقد وقف الإمام الحسن (عليه السلام) عند عهده رغم الضغوط الكثيرة من أصحابه ومخلصيه، مع أنّ الإمام كان في حلّ من شرطه لو أراد؛ لأنّ التسليم كان مشروطاً، ولم يف معاوية بأيّ واحد من الشروط التي أخذت عليه.
أمّا معاوية فلم يلتزم بالشرط الأول، وأمّا عن الشرط الثاني ـ وهو أن يكون الأمر من بعده للحسن ثم للحسين وأن لا يعهد إلي أحد من بعده ـ فقد أجمع المؤرّخون علي أنّ معاوية لم يف بشرطه هذا، بل نقضه بجعل الولاية لابنه يزيد من بعده [359] .
وفيما يتعلّق بالشرط الثالث ـ وهو رفع السبّ عن الإمام عليّ (عليه السلام) مطلقاً أو في حضور الإمام الحسن خاصة ـ فقد عزّ علي معاوية الوفاء به، لأنّ سبّ عليّ يمثّل لديه الأساس القوي الذي يعتمده في إبعاد الناس عن بني هاشم، وقد ركّز معاوية بعناد وقوة علي لزوم اتّباع طريقته في سبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصاياه وكتبه لعمّاله [360] .
وبخصوص الشرط الرابع فقد قيل: إنّ أهل البصرة حالوا بين الإمام الحسن وبين خراج أبجر، وقالوا: فيئنا [361] ، وكان منعهم بأمر من معاوية لهم [362] .
وأما الشرط الخامس ـ وهو العهد بالأمان العام، والأمان لشيعة عليّ علي الخصوص، وأن لا يبغي للحسنين (عليهما السلام) وأهل بيتهما غائلة سرّاً ولا جهراً ـ وللمؤرّخين فيما يرجع إلي موضوع هذا الشرط نصوص كثيرة، بعضها وصف للكوارث الداجية التي جوبه بها الشيعة من الحكّام الاُمويين في عهد معاوية، وبعضها قضايا فردية فيما نكب به معاوية الشخصيات الممتازة من أصحاب أمير المؤمنين، وبعضها خيانته تجاه الحسن والحسين خاصة [363] .
وأكّد جميع المؤرخين أنّ الصلح بشروطه الخمسة لم يلق من معاوية أيّة رعاية تناسب تلك العهود والمواثيق والأَيْمان التي قطعها علي نفسه، ولكنّه طالع المسلمين بشكل عام بالأوليات البكر والأفاعيل النكراء من بوائقه، وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاص، فكان أول رأس يُطاف به في الإسلام منهم ـ أي من الشيعة ـ وبأمره يُطاف به، وكان أول إنسان يدفن حيّاً في الإسلام منهم، وبأمره يفعل به ذلك.
وكانت أول امرأة تسجن في الإسلام منهم، وهو الآمر بسجنها، وكانت أول مجموعة من الشهداء يقتلون صبراً في الإسلام منهم، وهو الذي قتلهم، واستقصي معاوية بنود المعاهدة كلّها بالخلف، فاستقصي أيْمانه المغلّظة بالحنث، ومواثيقه المؤكّدة التي واثق الله تعالي عليها بالنقض، فأين هي الخلافة الدينية يا تري؟! [364] .
وبقي آخر شقٍّ من الشروط وهو الأدقّ والأكثر حساسيةً، وكان عليه إذا أساء الصنيع بهذا الشقّ أن يتحدّي القرآن صراحة ورسول الله (صلي الله عليه وآله) مباشرة، فصبر عليه ثماني سنين، ثم ضاق به ذرعاً، وثارت به اُمويّته التي جعلته ابن أبي سفيان حقاً بما جاء به من فعلته التي أنست الناس الرزايا قبلها.
وهي أول ذلٍّ دخل علي العرب، وكانت بطبيعتها أبعد مواد الصلح عن الخيانة، كما كانت بظروفها وملابساتها أجدرها بالرعاية، وكانت بعد نزع السلاح والالتزام من الخصم بالوفاء، أفظع جريمة في تاريخ معاوية الحافل بالجرائم.

تآمر معاوية علي الإمام الحسن

لقد حاول معاوية أن يجعل الخلافة ملكاً عضوضاً وراثة في أبنائه، وقد بذل جميع جهوده وصرف الأموال الطائلة لذلك، فوجد أنّه لا يظفر بما يريد والحسن بن عليّ (عليه السلام) حيّ ينتظر المسلمون حكمه العادل وخيره العميم، ومن هنا قرّر اغتيال الإمام المجتبي (صلي الله عليه وآله) بما اغتال به من قبل مالك الأشتر وسعد بن أبي وقاص وغيرهما.
فأرسل الي الإمام غير مرّة سمّاً فاتكاً حين كان في دمشق فلم ينجح حتي راسل ملك الروم وطلب منه بإصرار أن يرسل له سمّاً فاتكاً، وحصل عليه بعد امتناعه حين أفهمه أنّه يريد قتل ابن من خرج بأرض تهامة لتحطيم عروش الشرك والكفر والجاهلية وهدّد سلطان أهل الكتاب.
إنّ بائقة الأب هذه كانت هي السبب الذي بعث روح القدوة في طموح الابن ليشتركا ـ متضامنين ـ في إنجاز أعظم جريمة في تاريخ الإسلام، تلك هي قتل سيّدي شباب أهل الجنة اللذين لا ثالث لهما، وليتعاونا معاً علي قطع «الواسطة الوحيدة» التي انحصر بها نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والجريمة ـ بهذا المعني ـ قتل مباشر لحياة رسول الله (صلي الله عليه وآله) بامتدادها التأريخي.
نعم، والقاتلان ـ مع ذلك ـ هما الخليفتان في الإسلام!!!
فواضَيْعَةَ الإسلام إن كان خلفاؤه من هذه النماذج!!!
وكان الدهاء المزعوم لمعاوية هو الذي زيّن له اُسلوباً من القتل قصّر عنه ابنه يزيد، فكان هذا «الشابّ المغرور» وكان ذاك «الداهية المحنّك في تصريف الاُمور»!!! ولو تنفس العمر بأبي سفيان إلي عهد ولديه هذين لأيقن أنّهما قد أجادا اللعبة التي كان يتمناها لبني اُمية.

كيف استشهد الإمام الحسن

لقد دعا معاوية مروان بن الحكم إلي إقناع جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ـ وكانت من زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) ـ بأن تسقي الحسن السمّ وكان شربة من العسل بماء رومة [365] ، فإن هو قضي نحبه زوّجها بيزيد، وأعطاها مائة ألف درهم.
وكانت جعدة هذه بحكم بنوّتها للأشعث بن قيس ـ المنافق المعروف الذي أسلم مرتين بينهما ردّة منكرة ـ أقرب الناس روحاً إلي قبول هذه المعاملة النكراء.
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «إنّ الأشعث شرك في دم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وابنته جعدة سمّت الحسن،وابنه محمّد شرك في دم الحسين (عليه السلام)» [366] .
وهكذا تمّ لمعاوية ما أراد، وكانت شهادته (عليه السلام) بالمدينة يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة أو تسع وأربعين.
وحكم معاوية بفعلته هذه علي مصير اُمة بكاملها، فأغرقها بالنكبات وأغرق نفسه وبنيه بالذحول والحروب والانقلابات، وتمّ له بذلك نقض المعاهدة إلي آخر سطر فيها.
وقال الإمام الحسن (عليه السلام) وقد حضرته الوفاة: «لقد حاقت شربته، وبلغ اُمنيته، والله ما وفي بما وعد، ولا صدق فيما قال» [367] .
وورد بريد مروان إلي معاوية بتنفيذ الخطّة المسمومة فلم يملك نفسه من إظهار السرور بموت الإمام الحسن (عليه السلام)، «وكان بالخضراء فكبّر وكبّر معه أهل الخضراء، ثم كبّر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف] زوج معاوية [من خوخة [368] لها، فقالت: سرّك الله يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي بلغك فسررت به؟ قال: موت الحسن بن عليّ، فقالت: إنّا لله وإنّا اليه راجعون، ثم بكت وقالت: مات سيّد المسلمين وابن بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله)» [369] .
والنصوص علي اغتيال معاوية للإمام الحسن (عليه السلام) بالسمّ متضافرة كأوضح قضية في التاريخ [370] .

وصاياه الأخيرة

أ ـ وصيّته لجنادة:
دخل جنادة بن أبي أُميّة ـ الصحابيّ الجليل ـ علي الإمام عائداً له، فالتفت إلي الإمام قائلاً: عظني يابن رسول الله.
فأجاب (عليه السلام) طلبته وهو في أشدّ الأحوال حراجةً، وأقساها ألماً ومحنةً، فأتحفه بهذه الكلمات الذهبية التي هي أغلي وأثمن من الجوهر وقد كشفت عن اسرار إمامته، قائلاً:
«يا جنادة! استعد لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همَّ يومك الذي لم يأت علي يومك الّذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازناً لغيرك، واعلم أنّ الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العقاب فالعقاب يسير، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلي عزّ طاعة الله عزّوجلّ، وإذا نازعتك إلي صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا أخذت منه صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك وإن قُلتَ صَدَّق قولك، وإن صُلتَ شَدَّ صولَتَك، وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها، وإن رأي منك حسنة عدّها، وإن سألت أعطاك، وإن سكت عنه إبتدأك، وإن نزلت بك إحدي الملمّات واساك من لا تأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منقسماً آثرك» [371] .
ويشتدّ الوجع بالإمام (عليه السلام) ويسعر عليه الألم فيجزع، فيلتفت اليه بعض عوّاده قائلاً له: يابن رسول الله، لِمَ هذا الجزع؟ أليس الجدّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) والأب علي والاُمّ فاطمة، وأنت سيّد شباب أهل الجنة؟!.
فأجابه بصوت خافت: «أبكي لخصلتين: هول المطلع، وفراق الأحبّة» [372] .
ب ـ وصيّته للإمام الحسين (عليه السلام):
ولمّا ازداد ألمه وثقل حاله استدعي أخاه سيّد الشهداء فأوصاه بوصيّته وعهد اليه بعهده، وهذا نصّه:
«هذا ما أوصي به الحسن بن عليّ إلي أخيه الحسين، أوصي أنّه يشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حقّ عبادته، لا شريك له في الملك، ولا وليّ له من الذلّ، وأنّه خلق كلّ شيء فقدّره تقديراً، وأنّه أولي من عبده، وأحقّ من حمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوي، ومن تاب اليه اهتدي، فإنّي اُوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك، أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً، وأن تدفنني مع رسول الله (صلي الله عليه وآله) فإنّي أحقّ به وببيته، فإن أبوا عليك فأُنشدك الله وبالقرابة التي قرّب الله منك والرحم الماسّة من رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن لا يهراق من أمري محجمة من دم حتي تلقي رسول الله فتخصمهم وتخبره بما كان من أمر الناس إلينا» [373] .
ج ـ وصيّته لمحمد بن الحنفية:
وأمر الإمام (عليه السلام) قنبراً أن يحضر أخاه محمد بن الحنفية، فمضي اليه مسرعاً فلمّا رآه محمد ذُعر فقال: هل حدث إلاّ خير؟، فأجابه بصوت خافت: «أجب أبا محمد».
فذهل محمّد واندهش وخرج يعدو حتي أنّه لم يسوِّ شسع نعله من كثرة ذهوله، فدخل علي أخيه وهو مصفرّ الوجه قد مشت الرعدة بأوصاله فالتفت (عليه السلام) له:
«إجلس يا محمد، فليس يغيب مثلك عن سماع كلام تحيي به الأموات وتموت به الأحياء. كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجي؛ فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أنّ الله عزّوجلّ جعل ولد إبراهيم أئمة، وفضّل بعضهم علي بعض، وآتي داود زبوراً؟ وقد علمت بما استأثر الله به محمداً (صلي الله عليه وآله)، يا محمد بن علي إنّي لا أخاف عليك الحسد، وإنمّا وصف الله به الكافرين، فقال تعالي: (كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً. يا محمد بن علي! ألا اُخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟».
قال محمد: بلي، فأجابه الامام (عليه السلام): «سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمداً. يا محمد بن علي! لو شئت أن اُخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك. يا محمد بن علي! أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسدي إمام بعدي، وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبيّ (صلي الله عليه وآله) أصابها في وراثة أبيه واُمه؟ علم الله أنّكم خير خلقه فاصطفي منكم محمداً، واختار محمد علياً، واختارني عليّ للإمامة، واخترت أنا الحسين».
فانبري اليه محمّد مظهراً له الطاعة والانقياد [374] .

الي الرفيق الأعلي

وثقل حال الإمام (عليه السلام) واشتدّ به الوجع فأخذ يعاني آلام الإحتضار، فعلم أنّه لم يبق من حياته الغالية إلاّ بضع دقائق فالتفت إلي أهله قائلاً:
«أخرجوني إلي صحن الدار أنظر في ملكوت السماء».
فحملوه إلي صحن الدار، فلمّا استقرّ به رفع رأسه إلي السماء وأخذ يناجي ربّة ويتضرع اليه قائلاً:
«اللّهم إنّي احتسب عندك نفسي، فإنّها أعزّ الأنفس عليَّ لم أصب بمثلها، اللّهم آنس صرعتي، وآنس في القبر وحدتي».
ثم حضر في ذهنه غدر معاوية به، ونكثه للعهود، واغتياله إيّاه فقال:
«لقد حاقت شربته، والله ما وفي بما وعد، ولا صدق فيما قال» [375] .
وأخذ يتلو آي الذكر الحكيم ويبتهل إلي الله ويناجيه حتي فاضت نفسه الزكية إلي جنّة المأوي، وسمت إلي الرفيق الأعلي، تلك النفس الكريمة التي لم يخلق لها نظير فيما مضي من سالف الزمن وما هو آت حلماً وسخاءً وعلماً وعطفاً وحناناً وبرّاً علي الناس جميعاً.
لقد مات حليم المسلمين، وسيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة الرسول وقرّة عينه، فأظلمت الدنيا لفقده، وأشرقت الآخرة بقدومه [376] .
وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميّين، وعلا الصراخ والعويل من بيوت يثرب، وهرع أبو هريرة وهو باكي العين مذهول اللبّ إلي مسجد رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهو ينادي بأعلي صوته:
«يا أيّها الناس! مات اليوم حبّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) فابكوا» [377] .
وصدعت كلماته القلوب، وتركت الأسي يحزّ في النفوس، وهرع من في يثرب نحو ثوي الإمام وهم ما بين واجم وصائح ومشدوه ونائح قد نخب الحزن قلوبهم علي فقد الراحل العظيم الذي كان ملاذاً لهم وملجأً ومفزعاً إن نزلت بهم كارثة أو حلّت بهم مصيبة.

تجهيز الإمام و تشييعه

وأخذ سيد الشهداء في تجهيز أخيه، وقد أعانه علي ذلك عبدالله بن عباس وعبد الرحمن بن جعفر وعلي بن عبدالله بن عباس وأخواه محمد بن الحنفية وأبو الفضل العباس، فغسّله وكفّنه وحنّطه وهو يذرف من الدموع مهما ساعدته الجفون، وبعد الفراغ من تجهيزه؛ أمر (عليه السلام) بحمل الجثمان المقدّس إلي مسجد الرسول لأجل الصلاة عليه [378] .
وكان تشييع الإمام تشييعاً حافلاً لم تشهد نظيره عاصمة الرسول، فقد بعث الهاشميّون إلي العوالي والقري المحيطة بيثرب من يعلمهم بموت الإمام، فنزحوا جميعاً إلي يثرب ليفوزوا بتشييع الجثمان العظيم [379] وقد حدّث ثعلبة ابن مالك عن كثرة المشيعين فقال:
«شهدت الحسن يوم مات، ودفن في البقيع، ولو طرحت فيه إبرة لما وقعت إلاّ علي رأس إنسان» [380] .
وقد بلغ من ضخامة التشييع أنّ البقيع ما كان يسع أحداً من كثرة الناس.

دفن الإمام و فتنة عائشة

ولم يشكَّ مروان ومن معه من بني اُمية أنّهم سَيَدْفُنونَه عند رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فتجمَّعوا لذلك ولبسوا السلاح، فلمّا توجّه به الحسين (عليه السلام) إلي قبر جدّه رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليجدّد به عهداً؛ أقبلوا اليهم في جمعهم، ولحقتهم عائشة علي بغل وهي تقول: ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا اُحبّ، وجعل مروان يقول: يا رُبَّ هيجا هي خير مِن دَعَة، اَيُدْفَنُ عثمانُ في أقصي المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟! لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف.
وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني اُمية فبادر ابن عباس إلي مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ثم نردّه إلي جدّته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان أوصي بدفنه مع النبي (صلي الله عليه وآله) لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك، لكنّه (عليه السلام) كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً، كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير إذنه.
ثم أقبل علي عائشة وقال لها: وا سوأتاه! يوماً علي بغل ويوماً علي جمل، تريدين أن تطفِئي نور الله وتقاتلي أولياء الله، ارجعي فقد كُفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين والله منتصر لأهل البيت ولو بعد حين.
وقال الحسين (عليه السلام): «والله لو لا عهد الحسن بحقن الدماء وأن لا اُهريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا».
ومضوا بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها [381] .
ووقف الإمام الحسين (عليه السلام) علي حافة القبر، وأخذ يؤبّن أخاه قائلاً: «رحمك الله يا أبا محمد، إن كنت لتباصر الحقّ مظانّه، وتؤثر الله عند التداحض في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عليها يداً طاهرة الأطراف، نقية الأسرة، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك، ولا غرو فأنت ابن سلالة النبوّة ورضيع لبان الحكمة، فإلي رَوْح ورَيْحان، وجنّة ونعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم حسن الأسي عنه» [382] .

تراث الإمام المجتبي

نظرة عامة في تراث الإمام المجتبي

الإمام المجتبي (عليه السلام) كأبيه المرتضي وجدّه المصطفي قائد مبدئي تتلخّص مهمّاته القيادية في كلمة موجزة ذات معنيً واسع وأبعاد شتي هي: «الهداية بأمر الله تعالي» انطلاقاً من قوله تعالي: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [383] .
والهداية بأمر الله سبحانه تتجلّي في تبيان الشريعة وتقديم تفاصيل الأحكام العامة أو المطلقة التي نصّ عليها القرآن الكريم والرسول العظيم، كما تتجلّي في تفسير القرآن الحكيم وايضاح مقاصد الرسول الكريم.
وتتجلّي الهداية في تطبيق أحكام الله تعالي علي الاُ مّة المسلمة وصيانة الشريعة والنصوص الإلهية من أيّ تحريف أو تحوير يتصدّي له الضالّون المضلّون.
والثورة التي فجّرها الإسلام العظيم هي ثورة ثقافية قبل أن تكون ثورة اجتماعية أو اقتصادية، فلا غرو أن تجد الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) يفرّغون أنفسهم لتربية الاُ مّة وتثقيفها علي مفاهيم الرسالة وقيمها، وهم يرون أنّ مهمّتهم الاُولي هي التربية والتثقيف انطلاقاً من النصّ القرآني الصريح في بيان أهداف الرسالة والرسول الذي يري الإمام نفسه استمراراً له وقيّماً علي ما أثمرته جهود الرسول (صلي الله عليه وآله) من «رسالة» و «اُ مّة» و «دولة»، قال تعالي مفصِّلاً لأهداف الرسالة ومهمّات الرسول: (يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة) [384] .
ولئن غضّ الإمام المجتبي الطرف عن الخلافة لأسباب دينية ومبدئية؛ فهو لم يترك الساحة ومواريث الرسول (صلي الله عليه وآله) لتنهب بأيدي الجاهلييّن، بل نجده قد تصدّي لتربية القاعدة التي علي أساسها تقوم الدولة وعليها تطبّق أحكام الشريعة.
وقد خلّف الإمام المجتبي تراثاً فكرياً وعلمياً ثرّاً من خلال ما قدّمه من نصوص للاُمّة الإسلامية علي شكل خطب أو وصايا أو احتجاجات أو رسائل أو أحاديث وصلتنا في فروع المعرفة المختلفة، ممّا يكشف عن تنوّع اهتمامات الإمام الحسن وسعة علمه وإحاطته بمتطلّبات المرحلة التي كانت تعيشها الاُ مّة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والدواهي التي قلّ فيها من كان يعي طبيعة المرحلة ومتطلباتها إلاّ أن يكون محفوفاً برعاية الله وتسديده.
ونستعرض صوراً من اهتمامات الإمام العلمية، ونلتقط شيئاً من المفاهيم والقيم المُثلي التي ظهرت علي لسانه وعبّر عنها ببليغ بيانه، أو تجلّت في تربيته لتلامذته وأصحابه.

في رحاب العلم والعقل

أ ـ قال (عليه السلام) في الحثّ علي طلب العلم وكيفية طلبه واُسلوب تنميته:
1 ـ «تعلّموا العلم، فإنّكم صغار في القوم، وكبارهم غداً، ومن لم يحفظ منكم فليكتب» [385] .
2 ـ «حُسن السؤال نصف العلم» [386] .
3 ـ «علّم الناس، وتعلَّم عِلمَ غيرك، فتكون قد أتقنت علمك وعلمتَ ما لمَ تَعلم» [387] .
4 ـ «قَطعَ العلم عُذر المتعلّمين».
5 ـ «اليقين معاذ السلامة».
6 ـ «أوصيكم بتقوي الله وإدامة التفكّر، فإنّ التفكّر أبو كلّ خير واُمّه» [388] .
ب ـ إنّ العقل أساس العلم، ومن هنا فقد عرّف العقل من خلال لوازمه وآثاره العلمية ومدي أهميته ودوره في كمال الإنسان بقوله:
1 ـ «العقل حفظ القلب كلّ ما استرعيته» [389] .
2 ـ «لا أدب لمن لا عقل له، ولا مودّة لمن لا همّة له، ولا حياء لمن لا دين له، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك سعادة الدارين، ومن حرم العقل حرمهما جميعاً».
3 ـ «لا يغشّ العقل من استنصحه».

في رحاب القرآن الكريم

أ ـ قال (عليه السلام) في بيان حقيقة القرآن ورسالته وأهدافه وفضله وكيفية الارتواء من معينه الثرّ:
1 ـ «إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور، فليُجل جال بضوئه وليُلجم الصفة قلبَه؛ فإنّ التفكير حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» [390] .
2 ـ «ما بقي من هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتّخذوه إماماً، وإنّ أحقّ الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم عنه مَن لم يعمل به وإن كان يقرؤه» [391] .
3 ـ «.. واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقي حتي تعرفوا صفة الهدي، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتي تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك؛ عرفتم البدع والتكلّف ورأيتم الفرية علي الله ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدي بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل» [392] .
4 ـ «.. كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوَّل عليه في كلّ شيء، لا يخطئنا تأويله، بل نتيقنّ حقائقه، فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول واُولي الأمر مقرونة..».
ب ـ وروي المؤرّخون نماذج من تفسير الإمام المجتبي للقرآن الكريم، وإليك نموذجاً واحداً منها:
«جاء رجل إلي مسجد الرسول (صلي الله عليه وآله) ليسأل عن تفسير قوله تعالي: (وشاهد ومشهود) فرأي ثلاثة أشخاص قد احتفّ بكلّ واحد منهم جمع من الناس يحدّثهم عمّا سمعه من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فسأل أحدهم عن الشاهد والمشهود فقال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، ثم سأل الآخر فقال له: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر، ثم سأل الثالث فأجابه: الشاهد رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمشهود يوم القيامة لقوله تعالي: (يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً)، وقوله تعالي عن يوم القيامة: (ذلك يوم مشهود)، فسأل عن الأول فقيل له: عبدالله بن عباس، وسأل عن الثاني فقيل له: عبدالله بن عمر، وسأل عن الثالث فقيل له: الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) [393] .
إنّ المتتبّع لخُطب الإمام ومواعظه يلمس فيها الاستدلال والاستشهاد الدقيق بآيات الذكر الحكيم، ممّا يفيدنا مدي إحاطته صلوات الله عليه بمقاصد القرآن وأسراره وبواطن آياته، وسوف تلاحظ نماذج من ذلك فيما سيأتي من كلامه.

في رحاب الحديث النبوي والسيرة الشريفة

لقد اهتمّ الإمام الحسن المجتبي بنشر حديث النبيّ (صلي الله عليه وآله) وسيرته ومكارم أخلاقه، ونختار من الأحاديث التي رواها عن جدّه (صلي الله عليه وآله) ما يلي:
1 ـ «إنّ من واجب المغفرة إدخالك السرور علي أخيك المسلم..».
2 ـ «يا مسلم! اضمن لي ثلاثاً أضمن لك الجنّة: إن أنت عملت بما افترض عليك في القرآن فأنت أعبد الناس،وإن قنعت بما رُزِقت فأنت أغني الناس،وإن اجتنبت ما حرّم الله فأنت أورع الناس...».
3 ـ «من صلّي الفجر فجلس في مصلاّه إلي طلوع الشمس ستره الله من النار».
4 ـ «حيثما كنتم فصلّوا عليَّ، فإنّ صلاتكم تبلغني».
5 ـ «جاءت امرأة إلي النبي (صلي الله عليه وآله) ومعها ابناها فسألته فأعطاها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحد منهما تمرةً فأكلاها، ثم نظرا إلي اُمّهما فشقّت التمرة اثنتين فأعطت كلّ واحدة منهما شقّ تمرة، فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله): رحمها الله برحمتها ابنيها».
6 ـ «ودعا (صلي الله عليه وآله) بهذا الدعاء: اللهم أقلني عثرتي، وآمن روعتي، واكفني من بغي عليّ، وانصرني علي من ظلمني، وأرني ثأري منه...».
وأمّا ما يخصّ سيرة النبيّ (صلي الله عليه وآله) ومكارم أخلاقه فقد اهتمّ السبط المجتبي بنشرها تارةً عن خاله هند بن أبي هالة التميمي ربيبِ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأخِ الزهراء من اُمّها؛ إذ كان دقيقاً في وصفه لحلية النبيّ (صلي الله عليه وآله) ومكارم أخلاقه، وممّا جاء في وصفه لمنطق الرسول (صلي الله عليه وآله) قوله:
«كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداق [394] ، ويتكلّم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا المهين، يعظم المنّة وإن دقّت، لا يذمّ منها شيئاً، ولا يذّم ذوّاقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، ولم يستقم لغضبه شيء حتي ينتصر له، إذا أشار بكفّه أشار بكفه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث اتّصل بها فضرب براحته اليمني باطن ابهامه اليُسري، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حبّ الغمام...».
واعتني الإمام المجتبي بهذه السيرة المباركة أيّما اعتناء، فسأل أباه المرتضي الذي كان ربيب الرسول وتلميذه وصهره وأخاه وشريكه في حمل أعباء الرسالة، وهو الذي لازمه من قبل بعثته حتي رحلته، وطلب منه أن يصف له سيرة رسول الله فأجابه أمير المؤمنين إجابةً تتضمن منهاجاً كاملاً للإنسان المسلم الذي يريد الاقتداء بسيرته (صلي الله عليه وآله).
قال الإمام عليّ صلوات الله عليه: «كان النبيّ (صلي الله عليه وآله) إذا أوي إلي منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزء لله جل ثناؤه، وجزء لأهله، وجزء لنفسه، ثمّ جزّأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك علي العامة بالخاصة ولا يدّخر عنهم شيئاً، وكان من سيرته في جزء الاُ مّة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسّمه علي قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والاُمّة من مسألتهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وابلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فإنّ من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلاّ ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون رواداً ولا يفترقون إلاّ عن ذواق، ويخرجون أدلة..».
قال الإمام الحسن (عليه السلام): «فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟» فقال:
«كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يخزن لسانه إلاّ ممّا يعينهم، ويؤلّفهم ولا يفرّقهم، أو قال: ينفرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويوليه عليهم ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقّد أصحابه، ويسأل عمّا في الناس، فيحسن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حال عنده عتاب، لا يقصّر عن الحقّ ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة..».
قال الإمام الحسن (عليه السلام): «فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) لا يجلس ولا يقوم إلاّ علي ذكر الله ولا يوطن الأماكن، وينهي عن إيطانها، وإذا انتهي إلي قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كلاًّ من جلسائه نصيبه، فلا يحسب جليسه أنّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه أو قارنه في حاجة صابره حتي يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلاّ بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع عنده الأصوات، ولا تؤبّن فيه الحرم، ولا تُثني فلتاته، تري جلاّسه متعادلين، يتفاضلون فيه بالتقوي، متواضعين يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب..».
قال الإمام الحسن (عليه السلام): «قلت له: كيف سيرته في جلسائه؟ قال (عليه السلام): كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) دائم السرور، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، ولا يؤيس منه، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً، ولا يعيّره ولا يطلب عثرته، ولا يتكلم إلاّ فيما رجا ثوابه، وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما علي رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده، من تكلّم أنصتوا له حتي يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك ممّا يضحكون منه، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه، ويصبر للغريب علي الجفوة في منطقه ومسألته، حتي أن كان أصحابه ليستجلبوا منهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ، ولا يقطع علي أحد حديثه حتي يجوّزه فيقطعه بنهي أو قيام..».
قال الإمام الحسن (عليه السلام): «كيف كان سكوته؟ قال (عليه السلام): كان سكوت رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي أربع: الحكم، والحذر، والتقدير، والتفكير.
فأمّا تقديره ففي تسويته للنظر بين الناس واستماعه منهم.
وأمّا تفكيره ففيما يبقي ويفني.
وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يعصيه شيء ولا يستقرّه.
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح اُ مّته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة...» [395] .

في رحاب العقيدة

1 ـ التوحيد: أمر الإمام عليّ المرتضي (عليه السلام) نجله المجتبي (عليه السلام) ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال:
«الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، والموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديماً في القدم، ردعت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر علي قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدابير اُمورها، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير...» [396] .
وجاء اليه رجل فقال له: يابن رسول الله! صف لي ربّك كأنّي اُنظر اليه، فأطرق الحسن مليّاً ثم رفع رأسه فأجابه: «الحمد لله الذي لم يكن له أوّل معلوم ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك ولا بعد محدود ولا أمد بحتّي، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهي، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها، صفته فيقول: متي، ولا بدئ ممّا، ولا ظاهر علي ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد، ذلك الله ربّ العالمين» [397] .
2 ـ إبطال الجبر: رفع أهالي البصرة اليه (عليه السلام) رسالةً يطالبون منه رأيه في مسألة الجبر فأجابهم (عليه السلام): «من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه علي ربّه فقد فجر، إنّ الله لا يُطاع استكراهاً ولا يُعصي لغلبة؛ لأنّه المليك لما ملّكهم، والقادر علي ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، فليس هو الذي أجبرهم علي ذلك، فلو أجبر الله الخلق علي الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم علي المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجّة عليهم» [398] .
3 ـ تفسير صفاته تعالي: وسأله رجل عن معني الجواد فقال: «... وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطي، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطي عبداً أعطاه ما ليس له، وإن منع منع ما ليس له» [399] .

في رحاب ولاية أهل البيت

1 ـ قال (عليه السلام) مبيّناً لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما من الآخر:
«... واعلموا علماً يقيناً أ نّكم لن تعرفوا التقي حتي تعرفوا صفة الهدي، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتي تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتي تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية علي الله، ورأيتم كيف يهوي من يهوي، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدي بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من الله سابقة، ومضي فيهم من الله حكم: (إنّ في ذلك لذكري للذاكرين)» [400] .
2 ـ «أيّها الناس، اعقلوا عن ربّكم، إنّ الله عزّوجلّ اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين، ذرّيةً بعضها من بعض والله سميع عليم، فنحن الذرّيّة من آدم والاُسرة من نوح والصفوة من إبراهيم والسلالة من اسماعيل وآل محمد (صلي الله عليه وآله)، نحن فيكم كالسماء المرفوعة والأرض المدحوّة والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها، النبيّ أصلها وعليّ فرعها، ونحن والله ثمر تلك الشجرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلي النار هوي...» [401] .
3 ـ وخطب قائلاً بعد حمد الله والثناء عليه: «إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ لا ينتقص من حقّنا أهل البيت أحد إلاّ نقصه الله من عمله مثله، ولا يكون علينا دولة إلاّ وتكون لنا العاقبة، (ولتعلمنّ نبأه بعد حين)» [402] .
4 ـ وقال (عليه السلام): «نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله (صلي الله عليه وآله) الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيّبون، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) والثاني كتاب الله... فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول واُولي الأمر مقرونة...» [403] .
5 ـ وخطب (عليه السلام) فتحدّث عن فلسفة التشريع وعن ارتباط الأحكام بولاية أهل البيت، ثمّ قال: «ولو لا محمد (صلي الله عليه وآله) وأوصياؤه كنتم حياري، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلاّ من بابها».
وبعد أن استدلّ (عليه السلام) علي كمال الدين وإتمام النعمة وأشار إلي حقوق أولياء الله ودور أداء هذه الحقوق في سلامة الحياة ونمائها وأنّ البخيل هو من يبخل بالمودة بالقربي... قال: «سمعت جدّي (صلي الله عليه وآله) يقول: خلقتُ أنا من نور الله، وخُلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّوهم من نورهم، وسائر الناس من الناس» [404] .

البشارة بالإمام المهدي المنتظر

1 ـ قال (عليه السلام) بعد أن صالح معاوية ودخل عليه الناس ولامه بعضهم علي بيعته: «.... أما عَلِمتم أنّه ما مِّنا من أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسي بن مريم خلفه، فإنّ الله يخفي ولادته ويُغيِّب شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين، ابن سيّدة الإماء، يطيلُ الله عُمَره في غيبته ثم يُظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة...» [405] .
2 ـ وروي (عليه السلام) حديثاً عن أبيه (عليه السلام) أخبره فيه عن ولاية بني اُمية وبِدَعِهِم وفتكهم بأعدائهم حتي قال: «... حتي يبعث الله رجلاً في آخر الزمان وكَلَب من الدهر وجَهل من الناس، يؤيّده الله بملائكته، ويَعصِم أنصاره وينصُرُه بآياته، ويُظهره علي أهل الأرض حتي يَدينوا طوعاً وكرهاً، يملؤها قسطاً وعدلاً ونوراً وبرهاناً، يدين له عَرض البلاد وطولها، لا يبقي كافرٌ إلاّ آمن به، ولا طالح إلاّ صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتُخرِج الأرض نبتها، وتُنزل السماءُ بركتها، وتظهر له الكنوز، يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً، فطوبي لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه» [406] .

في رحاب الأخلاق والتربية

عن جابر (رضي الله عنه) قال: سمعت الحسن (عليه السلام) يقول: «مكارم الأخلاق عشرة: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، والتذمّم علي الجار [407] ، ومعرفة الحقّ للصاحب، وقري الضيف، ورأسهنّ الحياء» [408] .
وعرّف الإمام المجتبي (عليه السلام) مجموعة من (مكارم الأخلاق) في إجابته علي أسئلة أبيه المرتضي (عليه السلام) نختار منها ما يلي:
1 ـ السداد: دفع المنكر بالمعروف.
2 ـ الشرف: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة (موافقة الإخوان) [409] .
3 ـ المروءة: العفاف وإصلاح المرء ماله (إصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه علي ماله، وإفشاء السلام والتحبّب إلي الناس) [410] .
4 ـ السماحة: البذل في العسر واليسر.
5 ـ الإخاء: الوفاء في الشدّة والرخاء.
6 ـ الغنيمة: الرغبة في التقوي والزهادة في الدنيا.
7 ـ الحلم: كظم الغيظ وملك النفس.
8 ـ الغني: رضي النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغني غني النفس.
9 ـ المنعة: شدّة البأس ومقارعة أشد الناس.
10 ـ الصمت: ستر العيب وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه آمن [411] .
11 ـ المجد: أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم.
12 ـ العقل: حفظ القلب كلّ ما استرعيته (استوعيته) أو حفظ القلب لكلّ ما استتر فيه [412] .
13 ـ الثناء: إتيان الجميل وترك القبيح.
14 ـ الحزم: طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الناس.
15 ـ الكرم: العطيّة قبل السؤال والتبرع بالمعروف والإطعام في المحلّ [413] .
16 ـ النجدة: الذبّ عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد [414] .
وأجاب الإمام بكل استرسال وعدم تكلّف علي مجموعة اُخري من أسئلة أبيه فيما يخصّ (مساوئ الأخلاق) ونختار منها ما يلي:
1 ـ الدنيئة: النظر في اليسير ومنع الحقير.
2 ـ اللؤم: احتراز المرء نفسه (ماله) وبذله عرسه (عرضه) [415] .
3 ـ الشحّ: أن تري ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
4 ـ الجبن: الجرأة علي الصديق والنكول عن العدوّ.
5 ـ الفقر: شره النفس في كلّ شيء.
6 ـ الجرأة: موافقة الأقران.
7 ـ الكلفة: كلامك فيما لا يعنيك.
8 ـ الخُرْق: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
9 ـ السفه: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة.
10 ـ الغفلة: تركك المسجد وطاعتك المُفسِد.
11 ـ الحرمان: تركك حظّك وقد عرض عليك [416] .
12 ـ شرّ الناس: من لا يعيش في عيشه أحد [417] .
وتحدّث الإمام عن اُصول الجرائم الأخلاقية واُمّهات الرذائل قائلاً: هلاك الناس في ثلاث: الكبر، الحرص، الحسد.
الكبر: به هلاك الدين وبه لُعِن ابليس.
الحرص: عدو النفس وبه اُخرج آدم من الجنّة.
الحسد: رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل [418] .

في رحاب المواعظ الحكيمة

1 ـ قال (عليه السلام) في تعريف التقوي والحثّ عليها: «إنّ الله لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سديً، كتب آجالكم، وقسم بينكم معائشكم ليعرف كلُّ ذي منزلة منزلته، وإنّ ما قدّر له أصابه، وما صُرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم علي الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوي، وجعل التقوي منتهي رضاه، والتقوي بابُ كلِّ توبة ورأسُ كلِّ حكمة وشرفُ كلِّ عمل، بالتقوي فاز من فاز من المتقين، قال الله تبارك وتعالي: (إنّ للمتقين مفازاً) وقال: (وينجّي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسّهم السوء ولا هم يحزنون)، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من يتّقِ الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويُهيّئ له رشده، ويُفلجه بحجّته، ويُبيّض وجهه، ويُعطهِ رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن اُولئك رفيقاً» [419] .
2 ـ وجاءه رجل من الأثرياء فقال له: يابن رسول الله! إنّي أخاف من الموت، فقال له (عليه السلام): «ذاك لأنّك أخّرت مالك، ولو قدّمته لسرّك أن تلحق به» [420] .
3 ـ وقال (عليه السلام) عن طلب الرزق: «لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تشكل علي القدر إشكال المستسلم؛ فإنّ ابتغاء الفضل من السُنّة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإنّ الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم» [421] .
4 ـ وقال في الحثّ علي الالتزام بالمساجد: «من أدام الاختلاف إلي المسجد أصاب ثمان خصال: آيةً محكمةً، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدل علي هديً، أو تردعه عن رديً، وترك الذنوب حياءً، أو خشيةً» [422] .
5 ـ وحدّد السياسة تحديداً جامعاً ودقيقاً بقوله (عليه السلام): «هي أن ترعي حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الأموات.
فأمّا حقوق الله: فأداء ما طلب والاجتناب عمّا نهي.
وأمّا حقوق الأحياء: فهي أن تقوم بواجبك نحو إخوانك، ولا تتأخّر عن خدمة اُمتك، وأن تخلص لوليّ الأمر ما أخلص لاُ مّته، وأن ترفع عقيرتك في وجهه إذا حاد عن الطريق السوي.
وأمّا حقوق الأموات: فهي أن تذكر خيراتهم، وتتغاضي عن مساوئهم، فإنّ لهم ربّاً يحاسبهم» [423] .
ومن قصار كلماته الحكيمة وغرر حكمه الثمينة:
1 ـ إنّ من طلب العبادة تزكّي لها.
2 ـ المصائب مفاتيح الأجر.
3 ـ النعمة محنة فإن شكرت كانت كنزاً وإن كفرت كانت نقمة.
4 ـ أشدّ من المصيبة سوء الخُلق.
5 ـ من تذكّر بُعد السفر اعتدّ.
6 ـ العار أهون من النار.
7 ـ خير المال ما وُقِيَ به العرض.
8 ـ الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود.
9 ـ المسؤول حرٌّ حتي يعد ومسترقٌّ بالوعد حتي ينجز.
10 ـ فضح الموتُ الدنيا، اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك.
11 ـ فوت الحاجة خير من طلبها إلي غير أهلها.

في رحاب الفقه و أحكام الشريعة

1 ـ عن عاصم بن ضمرة قال: كنت أسير مع الحسن بن عليّ علي شاطئ الفرات وذلك بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري علي رضراض [424] والماء صاف ونحن عطاش، فقال الحسن بن علي (عليهما السلام): «لو كان معي مئزر لدخلت الماء» قلت: إزاري اُعطيكه، قال: «فما تلبس أنت؟» قلت: أدخل كما أنا، قال: «فذاك الذي أكره، إنّي سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: إنّ للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم إذا دخلتم عليهم الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر» [425] .
2 ـ وقال: «أمرنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن نضحّي بأسمن ما نجد، البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة، وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار» [426] .
3 ـ وقال: «علّمني رسول الله (صلي الله عليه وآله) قنوت الوتر: ربّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يُقضي عليك، إنّه لا يذل من واليت (تباركت ربّنا وتعاليت)» [427] .
4 ـ وقال (عليه السلام): «إذا أضرّت النوافل بالفريضة فاتركوها» [428] .
5 ـ وقال (عليه السلام): «لا طلاق إلاّ من بعد نكاح» [429] .

في رحاب أدعية الإمام المجتبي

وللإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنواع من الأدعية والابتهالات تدلّ علي مدي اتّصاله بالله ومدي تعلّقه به وانقطاعه اليه، واليك بعض نماذجها:
1 ـ كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء الشريف في قنوته، وكان يبدو عليه الخضوع والخشوع أمام الله، وهذا نصه:
«يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيئتك، وتمّت كلمتك، وأنت علي كلّ شيء قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيب وعالم كلّ سر وملجأ كلّ مضطرّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، أنت الله الحيّ القيوم، الدائم الديّوم، قد تري ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم، وأنت القادر علي كشفه، والعون علي كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمر، كما عن مشيئتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم، وأخفيت سرائر آخرين، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليك فيه، وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة، وإنّك أنت السميع العليم، الأحد البصير، وأنت الله المستعان، وعليك التوكّل، وأنت وليّ من تولّيت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال، وتعلم الاختلال، وتري تخاذل أهل الخبال، وجنوحهم إلي ما جنحوا إليه من عاجل فان، وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتد.. وخلوي من النصار وانفرادي عن الظهار، وبك اعتصم، وبحبلك استمسك، وعليك أتوكّل.
اللهمّ فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي، ولا منعت وجدي، حتي انفلّ حدّي، وبقيت وحدي، فاتبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية وتسكين الطاغية عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنت ككظمهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم، وبميسهم أتّسم حتي يأتي نصرك، وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإن بعد المدي عن المرتاد، ونأي الوقت عن إفناء الأضداد، اللهمّ صلِ علي محمّد وآل محمّد، وامزجهم مع النصاب في سرمد العذاب، وأعم عن الرشد أبصارهم، وسكعهم في غمرات لذاتهم حتي تأخذهم البغتة وهم غافلون، وسحرة وهم نائمون، بالحقّ الذي تظهره، واليد (التي) تبطش بها، والعلم الذي تبديه، إنّك كريم عليم...» [430] .
ويلمس في الفقرات الأخيرة من دعائه الآلام المرهقة التي كان يعانيها من الحكم الاُموي، وقد دعا الله أن يأخذ الاُمويين أخذ عزيز مقتدر علي انتهاكهم لحرمته وحرمات رسوله.
2 ـ وكان يدعو بهذا الدعاء علي الظالمين له والمعتدين عليه، ويطلب من الله أن يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم:
«اللهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزاً وبرزخاً، وحجراً محجوراً، يا ذا القوة والسلطان، يا عليّ المكان، كيف أخاف وأنت أملي، وكيف أضام وعليك متكلي، فغطّني من أعدائك بسترك، وأظهرني علي أعدائي بأمرك، وأيّدني بنصرك، إليك ألجأ ونحوك الملتجأ، فاجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من أصحاب الفيل، والمرسِل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجّيل، إرمِ من عاداني بالتنكيل.
اللهمّ إنّي أسألك الشفاء من كلّ داء، والنصر علي الأعداء، والتوفيق لما تحبّ وترضي، يا إله السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثري، بك استشفي، وبك استعفي، وعليك أتوكّل فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم» [431] .

في رحاب أدب الإمام المجتبي

كتب الحسن البصري ـ وهو من أبرز الشخصيات المعاصرة للإمام ـ معرّفاً بأدب الإمام (عليه السلام) وثقافته:
«أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة والأعلام النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون، كتبتُ اليك يابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّ مِن علم الله علمَكم وأنتم شهداء علي الناس والله الشاهد عليكم (ذرّيّةً بعضها من بعض والله سميع عليم) [432] .
كما تتجلّي لنا مقدرة الإمام الفنّيّة والبلاغيّة من خلال محاولة معاوية لأن يقاطع ذات يوم خطاب الإمام (عليه السلام) حتي لا يفتتن الجمهور ببلاغته بعد أن اقترح ابن العاص علي معاوية أن يخطب الحسن (عليه السلام) ليظهر عدم مقدرته [433] .
وقد أسهم الإمام الحسن (عليه السلام) في صياغة الخطب العسكرية في عهد أبيه وبعده، كما مرّ علينا، وقد لاحظنا إحكام البناء والتطعيم بالعنصر الإيقاعي والصوري بشكل واضح.
وتميّزت رسائل الإمام ومكاتباته بالاقتصاد اللغوي وبتكثيف عنصر (الإشارة الدالّة) أي العبارة المنطوية علي شفرات دلالية، وهذا ما نجده مثلاً في رسالته إلي معاوية ورسالته إلي زياد بن أبيه، حيث لم تتجاوز كلٌّ منهما السطرين، فالأوّل ـ وهو معاوية ـ بعث رجلين يتجسّسان، فكتب (عليه السلام):
«أمّا بعد، فإنّك دسست الرجال كأنّك تحبّ اللقاء، لا أشكّ في ذلك، فتوقّعه إن شاء الله، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما لم تشمت به ذوو الحجي» [434] .
وأمّا الرسالة الاُخري فقد بعثها إلي زياد حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبه (عليه السلام) بالكفّ عن ذلك، فردّ زياد برسالة إلي الحسن (عليه السلام) جاء فيها:
«من زياد بن أبي سفيان إلي الحسن بن فاطمة: أمّا بعد، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان» [435] .
واضح أنّ هذه الرسالة من زياد تعبير عن إحساسه المَرَضيّ بعقدة الحقارة والنقص، فهو ينسب نفسه إلي أبي سفيان، وينسب الحسن (عليه السلام) إلي فاطمة (عليها السلام)، إلاّ أنّ الحسن (عليه السلام) أجابه بسطرين، نحسب أنّهما مزّقاه كلّ التمزيق، حيث كتب (عليه السلام):
«من الحسن بن فاطمة إلي زياد بن سميّة، أمّا بعد، فإنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: الولد للفراش، وللعاهر الحجر» [436] .
من أدبه (عليه السلام) المنظوم:
1 ـ قال (عليه السلام) في التذكير بالموت:

قل للمقيم بغير دار إقامةٍ
حان الرحيل فودع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم
صاروا جميعاً في القبور ترابا

2 ـ وقال (عليه السلام) في الزهد في الدنيا:

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني
وشربة من قراح الماء تكفيني

وطمرة من رقيق الثوب تسترني
حياً وإن متّ تكفيني لتكفيني [437] .

3 ـ وله (عليه السلام) في السخاء:

إنّ السخاء علي العباد فريضة
لله يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه
وأعدّ للبخلاء نار جهنّمِ

من كان لا تندي يداه بنائلٍ
للراغبيل فليس ذاك بمسلم [438] .

4 ـ وبلغه (عليه السلام) سبّ ابن العاص له في مجلس معاوية، فقال (عليه السلام):

أتأمر يا معاويَ عبد سهم
بشتمي والملا منّا شهودُ؟

إذا أخذت مجالسها قريش
فقد علمت قريش ما تريدُ

أأنت تظل تشتمني سفاهاً
لضغنٍ ما يزول وما يبيدُ؟

فهل لك من أب كأبي تسامي
به من قد تسامي أو تكيدُ؟

ولاجدٌّ كجدي يا ابن حربٍ
رسول الله إن ذُكر الجدودُ

ولا اُمّ كاُمّي في قريش
إذا ما حصّل الحسب التليدُ

فما مثلي تهكّم يا ابن حرب
ولا مثلي ينهنهه الوعيدُ

فمهلاً لا تهيّج بنا اُمورا
شيب لهولها الطفل الوليدُ [439] .

5 ـ وله (عليه السلام) في الاستغناء عن الناس:

أغنَ عن المخلوق بالخالقِ
تغنَ عن الكاذب والصادق

واسترزقِ الرحمن من فضله
فليس غير الله بالرازقِ

من ظنّ أن الناس يغنونه
فليس بالرحمن بالواثق

من ظنّ أنّ الرزق من كسبه
زلّت به النعلان من حالقِ [440] .

پاورقي

[1] آل عمران (3): 61.
[2] نور الأبصار: 122 ـ 123 وراجع تفاسير الجلالين وروح البيان والكشّاف والبيضاوي والرازي، وصحيح الترمذي: 2 / 166، وسنن البيهقي: 7 / 63، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد: 1 / 85، ومصابيح السنة: 2 / 201.
[3] الأحزاب (33): 33.
[4] راجع التفسير الكبير للفخر الرازي، وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم: 2 / 33، وخصائص النسائي: 4، ومسند أحمد: 4 / 107، وسنن البيهقي: 2 / 150، ومشكل الآثار: 1 / 334، ومستدرك الحاكم: 2 / 416، واُسد الغابة: 5 / 521.
[5] قال تعالي في سورة الشوري الآية 23 مخاطباً رسوله الكريم: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي).وقال في سورة سبأ الآية 47: (ما سألتكم من أجر فهو لكم).
[6] راجع التفسير الكبير والطبري والدرّ المنثور في تفسير آية المودّة.
[7] الإنسان (76): 9 ـ 12.
[8] الإنسان (76): 5 ـ 7.
[9] صحيح البخاري: 2 / 188، وسنن الترمذي: 539.
[10] عيون أخبار الرضا: 1 / 67.
[11] سنن ابن ماجة: 1 / 56، والترمذي: 539.
[12] المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 163 نقلاً عن مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهم.
[13] جامع الترمذي: 541، ومستدرك الحاكم: 3 / 109.
[14] حلية الأولياء: 4 / 306.
[15] مستدرك الحاكم: 3 / 149.
[16] خصائص النسائي: 26.
[17] سنن الترمذي: 539.
[18] مستدرك الحاكم: 3 / 166.
[19] سنن الترمذي: 540.
[20] المناقب لابن شهر آشوب 3: 156.
[21] نزهة المجالس: 2 / 206.
[22] العقد الفريد: 3 / 283.
[23] المحاسن والأضداد: 90، طبعة مصر 1324 هـ.
[24] أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
[25] مسند أحمد: 4 / 132، طبعة مصر 1313 هـ.
[26] صحيح البخاري: 2 / 188.
[27] سنن الترمذي: 539.
[28] مختصر تأريخ دمشق لابن عساكر: 7 / 10، طبعة دار الفكر 1405 هـ.
[29] نور الأبصار: 171.
[30] تهذيب التهذيب: 2 / 298.
[31] حياة الإمام الحسن: 2 / 247.
[32] بحار الأنوار: 43 / 358.
[33] البداية والنهاية: 8 / 37.
[34] مروج الذهب: 3 / 7.
[35] حياة الإمام الحسن: 2 / 440.
[36] أخبار إصبهان: 1 / 44، طبعة ليدن سنة 1931.
[37] الاستيعاب: 1 / 385، طبعة مصر 1380.
إنّ الملك والحكم إذا كان لإقامة حكم الله في الأرض فلا يكون تركه زهداً وورعاً، وإنما تنازل الإمام عن الملك لأنّ مسؤولية الإمام الشرعية كانت تتطلب ذلك في تلك الظروف..
[38] البداية والنهاية: 8 / 37 طبعة مصر ـ 135.
[39] مختصر تاريخ دمشق: 7 / 5.
[40] تاريخ الخلفاء: 73.
[41] راجع المناقب لابن شهرآشوب: 2 / 148.
[42] الحسن المجتبي: 139 نقلاً عن المناقب: 2 / 148.
[43] مطالب السؤول: 65.
[44] تذكرة الخواص: 111.
[45] أسد الغابة: 2 / 9.
[46] اضطراب السليم من لسعة العقرب.
[47] راجع الأمالي للصدوق: 150، وبحار الأنوار: 43 / 331.
[48] المناقب: 3 / 180، والبحار: 43 / 339.
[49] بحار الأنوار: 43 / 339، وأخبار إصبهان: 1 / 44.
[50] المناقب: 3 / 180، وبحار الأنوار: 43 / 339.
[51] المصدر السابق.
[52] مهج الدعوات: 144.
[53] راجع البداية والنهاية: 8 / 42، طبعة دار إحياء التراث العربي 1408 هـ.
[54] حياة الإمام الحسن: 1 / 326.
[55] بحار الأنوار: 43 / 352.
[56] العوالم (الإمام الحسن): 121 نقلاً عن المناقب: 3 / 184.
[57] حياة الإمام الحسن: 1 / 316 ـ 317 عن أنساب الأشراف: 1 / 319، والطبقات الكبري: 1 / 23.
[58] راجع البداية والنهاية: 8 / 38.
[59] النساء (4): 86.
[60] المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 23، وحياة الإمام الحسن: 1 / 322 عن الخوارزمي.
[61] نور الأبصار: 135 ـ 136.
[62] المصدر السابق: 325، وحياة الإمام الحسن: 1 / 325.
[63] عوالم العلوم (الإمام الحسن): 123 عن المناقب: 3 / 187.
[64] حياة الإمام الحسن: 1 / 313 عن الصبان علي هامش نور الأبصار: 196.
[65] مختصر تاريخ دمشق: 7 / 21، طبعة دار الفكر.
[66] راجع كشف الغمة: 1 / 514، والبحار: 44 / 136، والعوالم (الإمام الحسن): 13.
[67] راجع معاني الأخبار: 57 وعلل
الشرائع: 138 وبحار الأنوار: 43 /240 الحديث 8.
[68] المناقب: 3 / 166.
[69] العوالم: 20 ـ 22 نقلاً عن الكافي:6 / 33 وعن عيون أخبار الرضا: 2 / 45 أنّ الزهراء أعطت القابلة رِجل شاة وديناراً.
[70] العوالم: 23 عن البحار: 43 / 242 و 255، والعدد القوية (مخطوط): 5، وكشف الغمّة: 1 / 523.
[71] راجع الكافي: 6 / 473 و474، والبحار: 43 / 258، والعوالم: 29.
[72] راجع كشف الغمة: 1 / 522، والمناقب: 3 / 165 نقلاً عن صحيح الترمذي.
[73] شديدتي السواد مع سعتهما.
[74] الشعر وسط الصدر الي البطن.
[75] الشعر الي شحمة الاذن.
[76] رؤوس المفاصل.
[77] ضد السبط والاسترسال.
[78] راجع كشف الغمة: 1 / 525 والعوالم: 30.
[79] الإرشاد: 1 / 15.
[80] حياة الإمام الحسن: 1 / 67، وسيرة الأئمة الإثني عشر للحسني: 1 / 513، وصلح الإمام الحسن لفضل الله ـ 15 عن الغزالي في إحياء العلوم.وحول شبهه (عليه السلام) بجدّه راجع: تاريخ اليعقوبي: 2 / 226 ط.صادر، والبحار ج10، وأعيان الشيعة ج4، وذكر ذلك العلاّمة المحقّق الأحمدي عن كشف الغمة: 154، والفصول المهمة للمالكي، والإصابة: 1 / 328، وكفاية الطالب 267، وتهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 /
202، وينابيع المودة: 137، وتاريخ الخلفاء: 126 ـ 127، والتنبيه والاشراف: 261.
[81] راجع كتاب أهل البيت تأليف توفيق أبو علم: 307، والارشاد للمفيد 220،وكشف الغمة للأربلي:2 / 159، وعلل الشرائع: 1 / 211،والمناقب لابن شهر آشوب: 3 / 367 وعبر عنه بالخبر المشهور.
[82] اثبات الهداة: 5 / 52، والإتحاف بحب الأشراف: 129.
[83] ينابيع المودة: 168، وإثبات الهداة: 5 / 129.
[84] فرائد السمطين: 2 / 35، وأمالي الصدوق: 101.وحول ما يثبت إمامة الإمام الحسن (عليه السلام) راجع: ينابيع المودة: ص441 و442 و443 و487 عن المناقب، وفرائد السمطين: 2 / 140 ـ 134 ـ153 ـ 259 وفي هوامشه عن المصادر التالية: غاية المرام: 39، وكفاية الأثر المطبوع في آخر الخرائج والجرائح: 289، وعيون أخبار الرضا: باب 6 ص 32، وبحار الأنوار: 3 / 303 و 36 / 283 و43 / 248.
[85] راجع سنن الترمذي: 5 / 699، وسنن ابن ماجة: 1 / 52، وينابيع المودة: 165 و230 و261 و370 عن جامع الاصول وغيره.
[86] أهل البيت تأليف توفيق أبو علم:274، وراجع سنن ابن ماجة: 1 / 51.
[87] نسب قريش لمصعب الزبيري: ص 23 ـ 25.
[88] تهذيب تاريخ ابن عساكر: 4 / 205 و206 و207، والغدير: 7 / 124.
[89] راجع الكثير من هذه النصوص في المصدرين السابقين، وسيرتنا وسنتنا: 11 ـ 15، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة، وفرائد السمطين، وترجمة الحسن وترجمة الحسين من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي، والفصول المهمة للمالكي، وترجمة الإمام الحسن من أنساب الأشراف، ونور الأبصار.
[90] من البهلة: وهي اللعنة، ثم كثراستعمال الابتهال في المسألة والدعاء إذا كان بإلحاح.
[91] آل عمران (3): 59 ـ 61.
[92] راجع تفسير القمي: 1 / 104، والقرشي: 1 / 88 ـ 91.وقد روي قضية المباهلة بأهل الكساء ـ بالاختصار تارة وبالتفصيل اُخري ـ جم غفير من الحفاظ والمفسّرين، راجع الحياة السياسية للإمام الحسن: ص18 ـ 19، وراجع الميزان في تفسير القرآن: 3 / 368 طبعة الأعلمي.
[93] مجمع البيان: 2 / 452، وراجع التبيان: 2 / 485، وتفسير الرازي: 8 /80، وحقائق التأويل 114 وفيه: أجمع العلماء...الخ.
[94] الكشاف: 1 / 370، وراجع الصواعق المحرقة: ص153 عنه، وراجع الإرشاد للمفيد: ص99، وتفسير الميزان: 3 / 238.
[95] مريم (19): 29 ـ 30.
[96] مريم (19): 12.
[97] راجع تفسير الميزان: 3 / 224، و دلائل الصدق: 3 / قسم1 ص84.
[98] نقله عنه أبو حيّان في «البحر المحيط» في تفسير آية المباهلة.
[99] راجع: الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم (صلي الله عليه وآله): 1 / 45 ـ 47.
[100] تفسير الرازي: 8 / 81، وفتح القدير: 1 / 347، وتفسير النيسابوري
بهامش تفسير الطبري: 3 / 214، والتبيان: 2 / 485 عن أبي بكر الرازي (وهو غير الفخر الرازي)، ومجمع البيان: 2 / 452، والغدير: 7 / 122 عنه وعن تفسير القرطبي: 4 / 104.
[101] راجع: الحياة السياسية للإمام
الحسن: 27 ـ 28.
[102] ينابيع المودة: 479 عن الزرندي المدني وص482 و52، وتفسير البرهان: 1 / 286.
[103] تفسير الرازي: 13 / 66، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة: 1 / 247 عنه.
[104] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20 / 334.
[105] مستدرك الحاكم: 3 / 172، وذخائر العقبي 138 عن الدولابي.
[106] المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 12 عن العقد الفريد والمدائني.
[107] الأموال: ص279 ـ 280، وراجع التراتيب الادارية: 1 / 274.
[108] الحياة السياسية للإمام الحسن، للعاملي: 44.
[109] الإرشاد: 219، وفدك للقزويني هامش: 16 عنه.
[110] راجع علل الشرائع: 1 / 211.
[111] راجع علل الشرائع: 1 / 211.
[112] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 80، الصواعق المحرقة: 175.
[113] الغدير: 1 / 198.
[114] راجع مكاتيب الرسول (صلي الله عليه وآله): 1 / 59 ـ 89.
[115] الناقة السلوب: التي مات ولدها، أو ألقته لغير تمام.
[116] مرقت البيضة: فسدت.
[117] المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 10.
[118] الإمامة والسياسة: 1 / 28.
[119] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 8 / 253، والغدير: 8 / 301، وروضة الكافي: 8 / 207.
[120] العبر (تاريخ ابن خلدون): 1 / 128.
[121] مستدرك الحاكم: 3 / 442 ـ 443.
[122] المصنف لعبد الرزاق: 11 / 245 فما بعدها.
[123] تاريخ الدولة العربية: 235، وتاريخ التمدن الإسلامي: 1 / 273 ـ 274.
[124] المصنف: 6 / 94.
[125] سنن البيهقي: 9 / 216.
[126] الرفغ: الأرض الكثيرة التراب.
[127] العراق في العصر الاُموي 11 عن الطبري: 4 / 9.
[128] المصنف: 5 / 222 و 223.
[129] المحاسن والمساوي: 2 / 222.
[130] يلاحظ أنّ هؤلاء قد كانوا عمّاله باستثناء عمرو بن العاص، فإنّه كان معزولاً آنئذ.
[131] من الطريف أن يستشير عثمان نفس اُولئك الذين يطالب الناس بعزلهم في أمر الغزو.
[132] التجمير: حبس الجيش في أرض العدو.
[133] تاريخ الطبري: 3 / 373 ـ 374.
[134] الوسائل 11: 32 فصاعداً، والكافي: 5 / 20.
[135] التهذيب: 6 / 127، والكافي: 5 / 19، والوسائل: 11 / 32.
[136] الوسائل: 11 / 21 ـ 22 عن قرب الاسناد ص150، والتهذيب: 6 / 134، والكافي: 5 / 21.
[137] الوسائل: 11 / 22، والكافي: 5 /21، والتهذيب: 6 / 125.
[138] الوسائل: 11 / 34.
[139] الفتوح لابن أعثم، الترجمة الفارسية: 126.
[140] والبحث يحتاج الي تحقيق أعمق وأوسع لا يتناسب مع هذا الكتاب.
[141] نهج البلاغة بشرح محمد عبده: 2 /212، وتاريخ الطبري: حوادث سنة 37:4 / 44.
[142] راجع الصواعق المحرقة: 115 ـ 116، ومروج الذهب: 2 / 344 ـ 345، والإمامة والسياسة: 1 / 44 و 42 و 43، وأنساب الأشراف: 5 / 69 و 70 و 74 و93 و95، والبدء والتاريخ: 5 / 206، وتاريخ مختصر الدول 105.
[143] راجع: حياة الإمام الحسن (عليه السلام) للقرشي: 1 / 115 ـ 116.
[144] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 8.
[145] سيرة الأئمة الإثني عشر: 1 / 428.
[146] صلح الإمام الحسن لآل ياسين: 50ـ 51.
[147] الغدير: 9 / 69 ـ 77 عن مصادر كثيرة.
[148] نهج البلاغة: 1 / 72 بشرح عبده، الخطبة رقم 29.
[149] راجع هذه الأجوبة في كتاب الغدير: 9 / 70.
[150] نهج البلاغة بشرح عبده: 2 / 261، والغدير: 9 / 60.
[151] نهج البلاغة بشرح عبده: 2 / 261، والغدير: 9 / 60.
[152] الحياة السياسية للإمام الحسن: 150 ـ 151.
[153] الفتوح لابن أعثم: 2 / 228.
[154] المحاسن والمساوي: 1 / 135.
[155] الفتنة الكبري قسم: علي وبنوه 176، وأنساب الأشراف: 3 / 12 بتحقيق المحمودي.
[156] أنساب الأشراف: 2 / 216 ـ 217، وتاريخ الطبري: 3 / 474.
[157] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر: 1 / 542 ـ 544 وغير ذلك.
[158] أنساب الاشراف، بتحقيق المحمودي ترجمة الإمام الحسن: 12 الطبعة الاُولي، دارالتعارف ـ بيروت.
[159] أمالي المفيد: 49.
[160] ينابيع المودة: 48 وعن الأمالي للطوسي: 56.
[161] ينابيع المودة: 21.
[162] كشف الغمة للاربلي: 1 / 143 ـ 148.
[163] أنساب الأشراف: بيعة الإمام عليّ بن أبي طالب: 205 ـ 219، تحقيق المحمودي.
[164] تأريخ الطبري: 3 / 450، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
[165] اليعقوبي: 2 / 75.
[166] الفتوح: 1 ـ 2 / 436، الاُمم والملوك: 3 / 456.
[167] راجع الكامل: 3 / 98 ـ 99، واليعقوبي: 2 / 75، الفتوح: 1 ـ 2 / 436.
[168] حياة الإمام الحسن: 1 / 384 عن الفتوح: 2 / 258 ـ 259.
[169] نهج البلاغة: 336، طبعة صبحي الصالح، رقم 217، الخطبة 33.
[170] راجع سيرة الأ ئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني: 1 / 390 ـ 393.
[171] الطبري: 3 / 393 و 394.
[172] الطبري: 3 / 393 و 394.
[173] حياة الإمام الحسن للقرشي: 1 / 434.
[174] النساء (4): 29.
[175] النساء (4): 93.
[176] حياة الإمام الحسن للقرشي: 1 / 434 ـ 435.
[177] حياة الإمام الحسن: 1 / 436.
[178] حياة الإمام الحسن: 1 / 437.
[179] حياة الإمام الحسن: 1 / 438.
[180] الغدير: 2 / 76.
[181] ذي قار: ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة يقع بينها وبين واسط.معجم البلدان: 7 / 8.
[182] الزاوية: موضع قريب من البصرة
.معجم البلدان: 4 / 37.
[183] حياة الإمام الحسن للقرشي: 1 / 442 ـ 443.
[184] حياة الإمام الحسن: 1 / 444.
[185] زندگاني إمام حسن مجتبي، للسيد هاشم رسولي: 138.
[186] بحار الأنوار: 43 / 358.
[187] زندگاني أمير المؤمنين: 2 / 52 ـ 57 فقد نقل كلمات التأييد التي اُلقيت آنذاك.
[188] الامتناع: العزّة والقوة.
[189] الجوائح: جمع، مفردها جائحة وهي الدواهي والشدائد.
[190] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 / 283.
[191] مناقب ابن شهرآشوب: 3 / 168.
[192] حياة الإمام الحسن: 1 / 492.
[193] المصدر السابق: 492 ـ 493.
[194] الخلوق: الطيب.
[195] حياة الإمام الحسن: 492 ـ 493.
[196] حياة الإمام الحسن: 492 ـ 493.
[197] حياة الإمام الحسن: 492 ـ 493.
[198] يهدّني: أي يهلكني.
[199] أنفس: أبخل.
[200] حياة الإمام الحسن: 1 / 497.
[201] وفي رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 1 / 144 «أنه لم يستأمر الرجل في نفسه ولا علم ما عنده من رد أو قبول».
[202] حياة الإمام الحسن: 1 / 530 ـ 532.
[203] المقر للزمان: المعترف له بالشدة.
[204] الراحل.
[205] غرض الأسقام: هدف الأمراض ترمي إليه سهامها.
[206] الرهينة: المرهونة.
[207] ما أصاب السهم.
[208] جموح الدهر: استقصاؤه وتغلّبه.
[209] يزعني: يكفّني ويصدني.
[210] ما ورائي: كناية عن أمر الآخرة.
[211] صدفه: صرفه.
[212] محض الأمر: خالصه.
[213] مستظهراً به: مستعيناً به.
[214] قرره بالفناء: اطلب منه بالإقرار بالفناء.
[215] الغمرات: الشدائد.
[216] الكهف: الملجأ.
[217] حريز: الحافظ.
[218] شفقتك: خوفك.
[219] لم آلك النصيحة: أي لم أقصّر في نصيحتك.
[220] خطره: أي قدره.
[221] استحسان ما يصدر عن النفس مطلقاً.
[222] آفة: علّة.
[223] الكدح: أشد السعي.
[224] خازناً لغيرك: تجمع المال ليأخذه الوارثون بعدك.
[225] شآبيب: جمع الشؤبوب ـ بالضم ـ وهو الدفعة من المطر، وما أشبه رحمة الله بالمطر ينزل علي الأرض الموات فيحييها.
[226] القنوط: اليأس.
[227] الحِذر ـ بالكسر ـ: الاحتراز والاحتراس.
[228] بهر ـ كمنع ـ: غلب، أي يغلبك
علي أمرك.
[229] إخلاد أهل الدنيا: سكونهم اليها.
[230] التكالب: التواثب.
[231] نعاه: أخبر بموته.والدنيا بحالها عن فنائها.
[232] ضارية: مولعة بالافتراس.
[233] يهرّ ـ بكسر الهاء ـ: يعوي وينبح وأصلها هرير الكلب وهو صوته دون حاجة من قلة صبره علي البرد فقد شبه الإمام أهل الدنيا بالكلاب العاوية.
[234] خفّض: أمر من خفّض ـ بالتشديد ـ: أي ارفق.
[235] أجمل في كسبه: أي سعي سعياً جميلاً لا يحرص فيمنع الحق ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق.
[236] حَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال.
[237] الدنيّة: الشيء الحقير المبتذل.
[238] الرغائب: جمع رغيبة، وهي ما يرغب في اقتنائه من مال وغيره.
[239] عِوضاً: بدلاً.
[240] اليُسر: السهولة، والمراد سعة العيش.
[241] العُسر: الصعوبة، والمراد ضيق العيش.
[242] توجف: تسرع.
[243] المطايا: جمع مطية، وهي ما يركب ويمتطي من الدواب ونحوها.
[244] المناهل: ما ترده الإبل ونحوها للشرب.
[245] الهلكة: الهلاك والموت.
[246] مثواك: مُقامك، من ثوي يثوي: أقام يقيم، والمراد هنا منزلتك من الكرامة.
[247] تفلّت ـ بتشديد اللام ـ: أي تملّص من اليد فلم تحفظه.
[248] لقمان (31): 34.
[249] حياة الإمام الحسن: 1 / 557 ـ 558.
[250] جميع النصوص التي وردت تحت عنوان «بجوار والده (عليه السلام) الجريح» نقلت عن: زندگاني امام حسن مجتبي (عليه السلام) 153 ـ 154.
[251] أثير بن عمرو السكوني، كان أحد الأطباء الماهرين يعالج الجراحات الصعبة، وكان صاحب كرسي، وله تنسب صحراء أثير.
[252] الاستيعاب: 2 / 62.
[253] المعني: لا تطلبا الدنيا، وإن طلبتكما.
[254] لا تغبوا أفواههم: أي لا تقطعوا صلتكم عنهم وصلوا أفواههم بالطعام دوماً.
[255] لم تناظروا، مبني للمجهول: أي يتعجّل الانتقام منكم.شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: 17 / 11.
[256] التباذل: العطاء.
[257] لا ألفينكم: أي لأجدنكم تخوضون دماء المسلمين بالسفك انتقاماً منهم بقتلي.
[258] شرح نهج البلاغة محمد عبده: 3 / 85.
[259] تاريخ ابن الأثير: 3 / 170.
[260] حياة الإمام الحسن: 1 / 563 ـ 566.
[261] اُصول الكافي: 1 / 297 ـ 298.
[262] حياة الإمام الحسن: 1 / 568 ـ 569.
[263] راجع أعيان الشيعة: 1 / 524 طبعة دار التعارف سيرة المؤمنين (مبحث الخوارج) عن ابن الأثير.
[264] راجع أعيان الشيعة: 1 / 524 طبعة دار التعارف سيرة المؤمنين (مبحث الخوارج) عن ابن الأثير.
[265] راجع أعيان الشيعة: 1 / 525 ـ 526.
[266] تأريخ اليعقوبي: 2 / 195 ـ 199.
[267] تأريخ اليعقوبي: 2 / 193 ـ 194.
[268] راجع اعيان الشيعة: 1 / 528 ـ 530، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 195 ـ 200.
[269] نهج البلاغة الخطبة 177، طبعة محمد عبده.
[270] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر: 1 / 446 ـ 451.
[271] الأمالي: 192.
[272] الشوري (23): 33.
[273] علاوة علي الإرشاد، نُقلت الرواية في أمالي الطوسي وتفسير فرات، كما أنّ الكثير من كتب أهل السنة نقلت ما يماثل الروايتين، راجع «ملحقات إحقاق الحق»: 11 / 182 ـ 193.
[274] مقاتل الطالبيين: 34.
[275] الإرشاد: 4 / 15.
[276] أعيان الشيعة: 4 / 14.
[277] مقاتل الطالبيين: 35 طبعة المكتبة الحيدرية ـ النجف 1385.
[278] تاريخ اليعقوبي: 2 / 191، وتاريخ الطبري: 6 / 86، ومقاتل الطالبيين: 16، وتاريخ ابن الاثير: 3 / 170.
[279] مقاتل الطالبيين: 33.
[280] مقاتل الطالبيين: 33.
[281] مقاتل الطالبيين: 83.
[282] مقاتل الطالبيين: 56 ـ 55.
[283] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 13.
[284] مقاتل الطالبيين: 38 ـ 39.
[285] جسر منبج: بلد قديم، المسافة بينه وبين حلب يومان.
[286] حياة الإمام الحسن: 2 / 71.
[287] صلح الإمام الحسن: 65، دار الغدير للطباعة والنشر ـ بيروت ـ ط. 1973.
[288] أعيان الشيعة: 4 / 19.
[289] أعيان الشيعة: 4 / 19 ـ 20.
[290] المصدر السابق.
[291] صلح الإمام الحسن: 70.
[292] حياة الإمام الحسن: 2 / 76.
[293] موضع قريب من «أوانا» علي نهر الدجيل، وبها كانت الواقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير سنة / 72 هـ.
[294] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 42.
[295] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 42.
[296] مقاتل الطالبيين: 35.
[297] مقاتل الطالبيين: 35.
[298] أعيان الشيعة: 4 / 22.
[299] أعيان الشيعة: 4 / 22.
[300] المصدر السابق.
[301] صلح الإمام الحسن (عليه السلام): 80.
[302] صلح الإمام الحسن (عليه السلام): 81.
[303] تأريخ اليعقوبي: 2 / 191.
[304] تأريخ اليعقوبي: 2 / 191.
[305] تأريخ ابن الأثير: 3 / 203.
[306] تأريخ اليعقوبي: 2 / 191.
[307] حياة الإمام الحسن: 2 / 106.
[308] الإرشاد: 190.
[309] ينابيع المودة: 292.
[310] الإرشاد: 190 ـ 191.
[311] تاريخ الطبري: 4 / 122، وتذكرة الخواص لابن الجوزي: 112.
[312] بحار الأنوار: 44 / 21.
[313] بحار الأنوار: 44 / 21.
[314] بحار الأنوار: 44 / 21.
[315] يراجع صلح الحسن، لآل ياسين: ص259، وقد اعتمد في نقله علي اُمهات الكتب والمصادر التاريخية كالطبري وابن الاثير وابن قتيبة والمقاتل وغيرها.
[316] زندگاني امام حسن: 223.
[317] علل الشرايع: 200.
[318] بحار الأنوار: 44 / 19.
[319] الاحتجاج للطبرسي: 148.
[320] بحار الأنوار: 44 / 22.
[321] ينابيع المودة: 293.
[322] بحار الأنوار: 44 / 21 ـ 28.
[323] صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين: 371 ـ 372.
[324] للتعرّف علي عداء معاوية وموبقاته التي تمثّلت في تعطيله الحدود الإلهية وتحريف الأحكام الشرعية وشرائه لأديان الناس وضمائرهم وخلاعته ومجونه وافتعاله للحديث وغيرها من المنكرات الفظيعة، راجع حياة الإمام الحسن: 2 / 145 ـ 210.
[325] صلح الإمام الحسن: 285 عن المدائني، وراجع أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 16، وتأريخ اليعقوبي: 2 / 192.
[326] راجع مقدمة صلح الإمام الحسن للشيخ راضي آل ياسين.
[327] قال جابر بن سمرة: «ما رأيت رسول الله يخطب إلاّ وهو قائم، فمن حدّثك أنّه خطب وهو جالس فكذّبه» رواه الجزائري في آيات الأحكام: 75، والظاهر أن معاوية أول من خطب وهو جالس.
[328] تاريخ اليعقوبي: 2 / 192.
[329] صلح الإمام الحسن: 285 عن المدائني.
[330] شرح نهج البلاغة: 4 / 16.
[331] نقل نص الخطاب الشيخ آل ياسين في «صلح الإمام الحسن»: 286 ـ 289.
[332] حياة الإمام الحسن: 2 / 267.
[333] نفس المصدر: 2 / 267 ـ 268.
[334] نفس المصدر: 268.
[335] راجع لمزيد من التفصيل مقاتل الطالبيين.وحياة الإمام الحسن.
[336] اُسد الغابة: 1 / 386.
[337] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16 / 15.
[338] حياة الإمام الحسن: 2 / 274.
[339] مناقب ابن شهر آشوب: 4 / 35، طبعة قم.
[340] حياة الإمام الحسن: 2 / 277.
[341] حياة الإمام الحسن: 2 / 285 ـ 286.
[342] تحفة الأنام للفاخوري: 67.
[343] حياة الإمام الحسن: 2 / 287.
[344] تاريخ ابن عساكر: ج12، صورة فوتوغرافية في مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
[345] شرح ابن أبي الحديد: 1 / 364.
[346] حياة الإمام الحسن: 2 / 288 ـ 289.
[347] حياة الإمام الحسن: 2 / 289 ـ 290.
[348] راجع حياة الإمام الحسن: 2 / 293.
[349] كانت سنّة رسول الله (صلي الله عليه وآله) في مهر أزواجه وبناته أربعمائة درهم.
[350] مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 124.
[351] الظنوب: العظم اليابس من الساق.
[352] البعير الشارف: المسنّ الهرم.
[353] راجع حياة الإمام الحسن: 2 / 297 ـ 299 عن الخوارزمي.
[354] جامع أسرار العلماء، مخطوط بمكتبة كاشف الغطاء العامة.
[355] حياة الإمام الحسن: 2 / 303 ـ 304.
[356] حياة الإمام الحسن: 2 / 306، عن روضة الواعظين للنيسابوري.
[357] الإسراء (17): 16.
[358] أعيان الشيعة: 4 / 35، وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أيضاً: 2 / 101.
[359] صلح الإمام الحسن: 142.
[360] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3 / 15.
[361] صلح الإمام الحسن: 154.
[362] الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 162.
[363] راجع: صلح الإمام الحسن: 317، في فصل الوفاء بالشروط، وحياة الإمام الحسن: 2 / 356 ـ 423.
[364] صلح الإمام الحسن: 362.
[365] صلح الإمام الحسن: 365. وقد اشتهرت كلمة معاوية: «إنّ لله جنوداً من عسل».
[366] صلح الإمام الحسن: 365.
[367] المسعودي، بهامش ابن الأثير: 6 / 55.
[368] هي الكوة التي تؤدي الضوء إلي البيت، والباب الصغير في الباب الكبير.
[369] صلح الإمام الحسن: 365 ـ 366.
[370] راجع طبقات ابن سعد ومقاتل الطالبيين ومستدرك الحاكم وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 / 17، وتذكرة الخواص: 222، والاستيعاب: 1 / 374، وكلّها مصادر غير إمامية.
[371] أعيان الشيعة: 4 / 85.
[372] أمالي الصدوق: 133.
[373] أعيان الشيعة: 4 / 79.
[374] حياة الإمام الحسن: 2 / 487 ـ 489.
[375] تذكرة الخواص: 23، وتاريخ ابن عساكر: 4 / 226، وحلية الأولياء: 2 / 38، وصفوة الصفوة: 1 / 320.
[376] اختلف المؤرّخون في السنة التي توفّي فيها الإمام فقيل: سنة 49 هـ، ذهب إلي ذلك ابن الأثير وابن حجر في تهذيب التهذيب، وقيل: سنة 51 هـ، ذهب إلي ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه وابن قتيبة في الإمامة والسياسة، وقيل غير ذلك، وأمّا الشهر الذي استشهد فيه فقد اختلف فيه أيضاً، فقيل: في ربيع الأول لخمس بقين منه، وقيل: في صفر لليلتين بقيتا منه، وقيل: يوم العاشر من المحرم يوم الأحد سنة 45 من الهجرة كما في المسامرات (ص26)، وثمّة قول آخر: إنّه استشهد (عليه السلام) في السابع من صفر.
[377] تهذيب التهذيب: 2 / 301، وتاريخ ابن عساكر: 4 / 227.
[378] أعيان الشيعة: 4 / 80.
[379] تاريخ ابن عساكر: 8 / 228.
[380] الإصابة: 1 / 330.
[381] حياة الإمام الحسن: 2 / 499 عن كفاية الطالب: 268.
[382] حياة الإمام الحسن: 2 / 500-22».
[383] الانبياء (21): 73.
[384] الجمعة (62): 2.
[385] عن الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 142.
[386] نور الأبصار: 110.
[387] الأئمة الاثنا عشر: 37.
[388] حياة الإمام الحسن: 1 / 343، 346.
[389] حياة الإمام الحسن: 1 / 357.
[390] حياة الإمام الحسن دراسة وتحليل: 1 / 346 ـ 347 عن كشف الغمة وإرشاد القلوب.
[391] حياة الإمام الحسن دراسة وتحليل: 1/ 346 ـ 347 عن كشف الغمة وإرشاد القلوب.
[392] المصدر السابق: 1 / 360 عن تحف العقول.
[393] حياة الإمام الحسن: 1 / 362 عن الفصول المهمة لابن الصبّاغ المالكي: 160.
[394] الأشدق: البليغ المفوّه.
[395] راجع الموفقيات: 354 ـ 359، أنساب الأشراف: 1 / 390 والمختصر في الشمائل المحمدية للترمذي: 39.
[396] بحار الأنوار: 43 / 351.
[397] حياة الإمام الحسن: 1 / 335 ـ 340 عن توحيد الصدوق.
[398] رسائل جمهرة العرب: 2 / 25.
[399] مجمع البحرين: «مادة جود».
[400] حياة الإمام الحسن: 1 / 360، عن تحف العقول.
[401] جلاء العيون: 1 / 328.
[402] مروج الذهب: 2 / 306.
[403] حياة الإمام الحسن: 1 / 363.
[404] حياة الإمام الحسن: 1 / 365، نقلاً عن ينابيع المودّة: 3 / 151.
[405] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): 3 / 165 لتقف علي مصادر هذا الحديث.
[406] معجم أحاديث الإمام المهدي: 3 / 167.
[407] أي: أخذه تحت حمايته.
[408] راجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 206.
[409] حياة الإمام الحسن: 1 / 343.
[410] الجواب الثاني كان علي سؤال معاوية، راجع تاريخ اليعقوبي: 202.
[411] الإمام المجتبي (حسن المصطفوي): 245 عن مطالب السؤول.
[412] راجع حياة الإمام الحسن: 1 / 343.
[413] المصدر السابق: 1 / 344 ـ 345.
[414] المصدر السابق: 1 / 344 ـ 345.
[415] المصدر السابق: 1 / 341 وأجاب في نص آخر عن الذلّ واللؤم قائلاً: «من لا يغضب من الحقوة ولا يشكر علي النعمة».
[416] حياة الإمام الحسن: 1 / 341 ـ 344، عن تاريخ ابن كثير: 8 / 39.
[417] تاريخ اليعقوبي: 2 / 202.
[418] حياة الإمام الحسن: 1 / 345، عن نور الأبصار: 110.
[419] تحف العقول: 55.
[420] تاريخ اليعقوبي: 2 / 202.
[421] تحف العقول: 55.
[422] عيون الاخبار لابن قتيبة: 3 / 3.
[423] حياة الإمام الحسن: 1 / 351.
[424] رضراض: ما صغر من الحصي.
[425] رجال إصبهان: 1 / 331.
[426] مستدرك الحاكم: 4 / 230.
[427] التهذيب لابن عساكر: 4 / 199.
[428] حياة الإمام الحسن: 1 / 368.
[429] سنن البيهقي: 7 / 320.
[430] مهج الدعوات: 47.
[431] مهج الدعوات: 297.
[432] تحف العقول: 231.
[433] راجع حياة الإمام الحسن: 2 / 298ـ 300.
[434] الإرشاد للمفيد: 189.
[435] جمهرة الرسائل: 2 / 3.
[436] المصدر نفسه: 37.
[437] أعيان الشيعة: 4 ق 1.
[438] بحار الأنوار: 10 / 95.
[439] حياة الإمام الحسن: 2 / 260.
[440] نور الأبصار: 175.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.