نهضة الحسين علیه السلام

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الشهرستاني، هبة الدين الحسيني ، م 1967 - 1884

عنوان و نام پديدآور : نهضة الحسين/ بقلم هبة الدين الحسيني الشهرستاني

تفاصيل المنشور: بيروت : دارالكتاب العربي ، ق 14 = .م 19 = .13.

خصائص المظهر: ص 185

حالة الاستماع : القائمة السابقة

موضوع : حادثة كربلاء، ق 61

موضوع :عاشوراء

موضوع : الحسين بن علي (ع) الإمام الثالث، ق 61 - 4

ترتيب الكونجرس: BP41/5/ش 93ن 9

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 81-21137

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كلمه الدار

كتب سماحه الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء قدس الله روحه يقول:«كتاب: نهضه الحسين» الاثر الجليل الذي ما زلت انوه به و احث عليه منذ ان رايته قبل برهه.. لا رعايه لحقوق الصداقه و الاخوه.. بل عنايه بحقوق الحق و المروه... فانه من الاثار الخالده التي هي من كتب الدهر لا من كتب العصر...و من الجاريات مع الابد لا الساريات الي امد.. و مثل هذه الكتب هي التي تنضج الافكار، و تنشط العزائم، و تبعث في مطالعيها روح الهمه للتفاني علي الحق.. و التهالك علي الاباء وعزه النفس..»و نحن بهذه العبارات المشرقه ذات اللفظ القليل و المعني الجزيل نكتفي في مجال التعريف بالكتاب و تقريضه.اما مولفه فمن اشهر مشاهير الشرق، و ممن سري ذكرهم في الخافقين مشفوعا بالاجلال و الاكبار، من الافذاذ الذين رفعوا رووس امتهم عاليا في مواصله جهاده الديني و العلمي منذ نعومه اظفاره حتي آخر لحظه من حياته الغاليه المفعمه بالخير و البركه و العطاء البر الخالد و النتاج الضخم المفيد.

ص: 6

ان آثاره العلميه هي اروع و اعود جانب من جوانب حياته المثمره المتعدده الفوائد و العوائد، و الحق ان مولفاته القيمه قد سدت فراغا لا يستهان به في المكتبه العربيه الاسلاميه و قد طبع قسم منها كهذا الكتاب و كتاب «الهيئه و الاسلام» و «المعجزه الخالده» و غيرها، و لا تزال له آثار مخطوطه نفيسه و المكتبه الاسلاميه في حاجه اليها و لا يزال الشباب المتنوز بالفكر الاسلامي الاصيل ممن وفق لقراءه ما نشر له قدس الله روحه و نور ضريحه ينتظر بفارغ الصبر خروج هذا التراث الجليل الي عالم النور، و نحن بدورنا حيث اخذنا علي انفسنا القيام باداء رسالتنا الدينيه الاسلاميه كلنا رجاء و امل ان نوفق بالتعاون مع نجله الكريم السيد الجواد لتحقيق هذه الامنيه، اسهاما منها و منه في الخدمه العالمه، و خروجا من عهده المسووليه، و اداء منه لحق الابوه و البر بالوالدين علما بان الشبل من ذاك الاسد. سدد الله تعالي خطي الجميع و وفقنا لما يحب و يرضي انه سميع عليم غفور رحيم.

ص: 7

مقدمة المؤلف

اما بعد الحمد و الصلاه: فقد جدا بي الي تاليف كتابلي هذا غفله الجمهور عن تاريخ الحركه الحسينيه و اسرارها و مزايا آثارها- و هي النواه لحركات عالميه- حتي ان بعض الاغياراذ وجد هياج العالم، و حداد الامم، و مظاهرات العرب و العجم اندفع قائلا: «ما هذا؟ و لماذا؟ و هل الحسين الا رجل خرج علي خليفه عصره ثم لم ينجح؟». نعم! سنعرفه ما هذا؟ و لماذا؟ و من الحسين الناهض؟ و من المعارض؟ و ما هي عايات الفريقين؟ كل ذلك بهذا الكتاب الذي جمع المحاكمات التاريخيه الي النظرات الاجتماعيه و المرويات الموثقه من كتب التواريخ المولفه قبل الاربعمائه الهجريه مثل: (مروج الذهب) لعلي بن الحسين المسعودي المتوفي سنه 345. (و مقاتل الطالبيين) لابي الفرج علي بن الحسين الاموي المرواني الاصفهاني مولف (الاغاني) المتوفي سنه 336 ه. و (تاريخ الام مو الملوك) لحمد بن جرير الطبري المتوفي سنه 310 ه. و ( الارشاد) للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المتوفي سنه 413 ه.

ص: 8

و (العقد الفريد) لابن عبد ربه الغربي المتوفي قبل سنه 328 ه. و (الامامه و السياسه) لعبد الله بن مسلم الدينوري المعروف بابن قتيبه المتوفي سنه 276 ه. و كتابه الاخر «المعارف». و (الاخبار الطوال) لاحمد بن داود الدينوري المتوفي سنه 328 ه. و (الكافي) لحمد بن يعقوب الكييني البغدادي المتوفي سنه 328 ه. و ذلك باسلوب و جيز، موملا من المتاملين فيه و من قراء ماتم سيدنا الحسين ان يتقبلوه مني بقبول حسن. بغداد في 24 رمضان 1343 ه. هبه الدين الحسيني

ص: 9

النهضه الحسينيه

النهضه: قيام جماعه او فرد بما يقتضيه نظام الشرع او المصلحه العامه كالحركه التي قا بها الحسين بن علي عليهما السلام. (1) . و حقيقته النهضه سياله في الاشخاص و الامم و في. الازمنه و الامكنه، ولكن بتبدل الشكال و اختلاف غايات و مظاهر و ما تاريخ البشر سوي نهضات افراد

ص: 10


1- 1. الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) امه فاطمه الزهراء (ع) بنت محمد المصطفي (ص) من زوجته الكبري خديجه ام المومنين (ع). و هو احد السبطين الريحانتين، و خامس اهل الكساء، ولد في المدينه عام الخندق في السنه الرابعه للهجره في خامس شعبان الموافق شهر كانون لسنه 626 م، و عاش مع جده النبي (ص) ست سنوات و شهورا و بقي مع اخيه الحسن اعواما و شهورا و كان مجموع عمره سته و خمسين عاما، و كانت شهادته بعد الظهر من يوم الجمعه عاشر محرم الحرام سنه 61 ه الموافق سنه 680 م بحابر الطف من كربلاء في العراق. و اشترك في قتله شمر بي ذي الجوشن و سنان بن انس و خولي بن يزيد من قواد جيش عمر بن سعد الذي ارسله و الي الكوفه عبيدالله بن زياد بامر من اميرالشام يزيد بن معاويه ليحصروا الحسين و رجاله و يقتلوه و هم عطاشي. فقتلوه و رجاله و نهبوا رحاله و سبوا عياله مسفرين الي الكوفه ثم الي الشام فالمدينه. و ان اشتهار فضائل الحسين و الاثار المرويه فيه و منه و عنه فيكتب الحديث و التاريخ ليغني عن التوسع في ترجمته الشريفه.

و جماعات و حركات اقوام لغايات، فوقتا الخليل و نمرود، و حينا محمد صلي الله عليه ؤ اله و سلم و ابوسفيان (1) ، و يوما علي و معاويه. و لم تزل و لن تزال في الامم نهضات ائمه هدي تجاه ائمه جور: و نهضه الحسين من بين النهضات قد استحقت من النفوس اعجابا اكثر لا لمجرد ما فيها من مظاهر الفضائل و اقدام معارضيه علي الرذائل، بل لان الحسين (ع) في انكاره علي يزيد (2) كان يمثل شعور شعب حي (3) و يجهر بما تضمره امه مكتوفه اليد، مكمومه

ص: 11


1- 2. هو صخر بن حرب بن اميه بن عبد شمس. كان في الجاهليه بياع الزيت و الادم، ذميم الخلقه، و هو من كبار قريش حتي قامت به قيامه قريش علي الهاشميين قبيل الهجره فتراس في المحالفه القرشيه و اخذ علي عاثقه مناواه الاسلام و مقاتله المسلمين. و له في عام الهجره نحو سبع و خمسين سنه. و لم تقصر عنه اخته ام جميل العور في ايذاء رسول الله (ص) و سعيها بالنميمه و الفساد بين بني هاشم و القبائل، اذ كانت تحت ابي لهب والمقصود من آيه «و امراته حماله الحطب... الخ» و لم يبرح يثير الاقوام و يشكل الاحزاب ضد رسول الله (ص) كما في بدر الكبري و بدرالصغري و في احد و الاحزاب و في وقايعه الاخري. و لم يهدا ساعه عن معاداه النبي في السر و العلانيه و باثاره النفوس و الجبوش ضده. و يجاهد المسلمين جهده الي يوم فتح مكه حيث اسلم مع بقيه قريش. و اول مشاهد بني سفيان مع المسلمين كان في غزوه حنين فمنحه المصطفي (ص) مائه بعير من غنائم الحرب منوها به و بمكانته، ثم ترك ابوسفيان يوم الطائف فاصابته نبله في احد عينيه ففقئت و استعمل جابيا. ثم اشترك في واقعه اليرموك في السنه الثالثه عشره للهجره علي عهد ابي بكر فاصابت نبله عينيه الثانيه ففقاتها و اصبح اعمي. و مقالته فيها تنم عن ميله اللروم. و مات في دمشق عند ولده معاويه سنه احدي و ثلاثين هجريه عن ثماني و ثمانين سنه و دفن بها.
2- 3. يزيد بن معاويه امه ميسون الكلابيه ولد سنه خمس و عشرين فسماه ابوه باسم اخيه، و كان بدينا، مجدرا، رفيع الصوت، علي انفه قرحه، شديد السمره، و لعا بلعب النرد و الصيد بالفهد، شفوفا بمعاقره الخمور و الفجور بانواعها، متجاهرا بالفسق حتي في سفر الحج و في مدينه الرسول (ص) اخذ معاويه له بيعه الخلافه في حياته ثم استقرت له بعد وفاته في رجب سنه 60 ه و مات بذات الريه في منتصف ربيع الاول سنه اربع و ستين عن ثلاثه عشر ولدا اكبرهم معاويه بن يزيد.
3- 4. ان مشاهير الفضلاء يومئذ في الامه الاسلاميه- كسيدنا الحسين (ع) و سعد بن ابي وقاص، و عبدالله ابن عمر، و عبدالله بن الزبير، و عبدالرحمن بن ابي بكر- انكروا علي معاويه استخلافه ليزيد الخمور و الفجور، و قد توجس يزيد من مخالفه هولاء الوجوه خيفه ان يكون الراي العام في جانبهم، و اهتم في اضطهاد هولاء و ارغامهم، فثبت ان الحسين (ع) يومئذ كان يمثل في قيامه علي يزيد راي الجمهور و شعور الشعب الحي.

الفم، مرهقه بتاثير امراء ظالمين، فقام الحسين «ع» مقامهم في اثبات مرامهم، و فدي بكل غال و رخيص لديه باذلا في سبيل تحقيق امنيته و امته من الجهود ما لا يطيقه غيره فكانت نهضته المظهر الاتم للحق، حينما كان عمل معارضيه المظهر الاتم للقوه فقط من غير ما حق او شبهه حق.

ص: 12

ص: 13

خلافه يزيد و خلاف الحسين له

خلافه النبي «ص»: نيابه عنه في الولايه علي الامه في جميع شوونها، او جميع شوونه الا الوحي، فهي اخت النبوه و شريكتها في البيعه و العهد و الرياسه العامه و سمي المتولي لهذا العهد «اماما» يجب الاقتداء بافعاله و الاهتداء باقواله، لذلك اجمعت امه محمد صلي الله عليه و آله و سلم: علي اشتراط العداله فيه مع الفضل الديني كما نص عليه القرآن الحكيم في آيه ابراهيم: « اني جاعلك للناس اماما قال: و من ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين» كذلك اشترطوا في متن بيعته: العمل بكتاب الله و سنه رسوله خوفا من حصول سوء الاختيار او فسوق المختار. و لقد ثار المهاجرون و الانصار و مسلموا مصر و الامصار علي عثمان بن عفان حتي كان ما كان من امره و امر مروان، كل ذلك انكارا منهم لاحداث تخالف الكتاب و السنه، و لقد كان الاحري بالجمهور و اولياء الامور: ان يعتبروا بهذا الحادث و ياخذوا دروسا من الحوادث فلا يومروا الا من ائتمنوه علي الدين لكي يسير فيهم علي الهدي و الصلاح، لكن ابن هند و عصبته- المستخفه بالحق- لم يتبعوا سبيل المومنين يوم ملكوا رقاب المسلمين و اخضعوا امام قوتهم حتي المهاجرين. هذا «و لم يحس من الحسين بعد الحسن «عليهما السلام» موجه خلاف او رغبه

ص: 14

الخلافه، بل اقام مسيرته الهادئه برهنا ساطعا علي زهده عنها، اذ كان يفضل هدوه الشعب علي الشغب، و لكن علي شريطه حفظ الشرع و ظواهره و الدين و شعائره- و لو نوعا ما- اما ان يري يزيد ممثلا عن جده الامين و خليفته في المسلمين مع استهتاره و فسقه و فسق اعماله فشي ء لا يستطيع حمله صدر الحسين و امثاله! و بالرغم من صبر الحسين و احتسابه مده اربعين عاما من اماره معاويه مرت حوادث مره ضاق عنها صدر ابن علي الرحب و او غرت صدر يزيد من الجهه الخري اخص بالذكر منها حدثين بارزين استثار الواحد منهما حنق يزيد و كل ما في حفايظه من ضغائن و هو ما سنقصه عليك من امر ارينب بنت اسحاق سيده الجمال (1) كما استشار الحدث. الثاني من حسين الفتوه كل شهامه و مروه، و حول و قوه، و ذلك اهتمام ابن هند لاستخلاف ولده يزيد اماما للمسلمين و اميرا علي المومنين، اذ كان معاويه الدهاء يحاول ذلك من شتي الوجوه بين اجد و الهزل علي السنه المتزلفين اليه. تذاكر معاويه يوما مع الناس في بيعه يزيد و الاحنف بن قيس جالس لا يتكلم فقال: ما لك لا تقول يا ابابحر؟ قال: اخافك ان صدقت و اخاف الله ان كذبت. و رووا عن معاويه انه اظهر بعد موت زياد ابن ابيه كتابا مفتعلا عن خطهبتحويل الخلافه و ولايه عهدها الي يزيد. (2) . و عن الحسن البصري انه قال: «افسد امر هذه الامه اثنان: عمرو بن العاص في التحكيم و المغيره بن شعبه، فانه كان عامل معاويه علي الكوفه، فكتب اليه معاويه: اذا قرات كتابي معزولا. فابطا عنه، فلما ورد عليه قال: ما ابطا بك؟ قال امر كنت اوطوه و اهيوه. قال: ما هو: قال: البيعه اليزيد من بعدك. قال: او قد فعلت؟ قال: نعم. قال: فارجع الي عملك فلما خرج قال له اصحابه: ما وراوك؟ قال: و ضعت رجل معاويه في غرزغي لا يزال فيه الي يوم القيامه».

ص: 15


1- 5. عقد الفريد ج 2 ص 100.
2- 6. العقد الفريد.

ثم حج معاويه و في صحبته يزيد يقدمه الي المهاجرين كمرشح للخلافه بعده، فدخل عليه الحسين في المدنيه و هو علي ما هو عليه من التظاهر بالفحور و شرب الخمور فلم يسوه يومئذ الا التجاهر بانكار هذا العمل و انضم الي صوته اصواب ثلثه من اكابر الصحابه، و ابن صخر من ورائه ينثر الذهب و الفضه و يبث المواعيد حتي انحصرت اصوات المعارضين في اربعه، فحس ابن الرسول باول خذلان من امته في مدينه جده. و ما عاد ابن صخر الي الشام حتي راجت في المدينه و صايته بمبارات معارضيه الاربعه و لا سيما الحسين بن فاطمه، فهدات سوره ابن البتول اذ وجد امامه متسعا، و يري اثر هذه الصدمه في قلوب الامه و موجه الحركات العامه ان قضي طاغيه الشام نحبه، فدبر ابن علي امره حسبما تسمح له الظروف و تساعده الاحوال، الا انه فوجي ء من يزيد باخذه البيعه منه خاصه و من الناس عامه و صحت مكيده ابن هند في تخديره الاعصاب من وصيته بالحسين «ع» بينما كان ابن الرسول قالعا منهم بالسكوت عنه، لكنهم لم يقنعوا منه بالحيده و لا بالعزله و لا بالخروج الي الثغور او الي اقصي المعمور.

ص: 16

ص: 17

اهليه الحسين للخلافه

ربما اتخذوا استجابه الحسين عليه السلام لدعوه الكوفه و ارساله ابن عمه اليها لاخذ العهد منها دليلا علي انه رشح نفسه للخلافه. غير ان ذلك لا ينافي خطته الدفاعيه و لا يوجد نحوه مغمزا، حيث اجتمعت لنهضه الحسين وتلبيته لدعوه الكوفه اسباب اربعه لو تعلق كل رجل من المسلمين بواحد من تلكم الاسباب لاصبحت مقاومه يزيد عليه حتما و الزاما: اولا-: اهليه يزيد للمخالفه و عدم اهليته للخلافه. فقد امتلات بطون التوارخي عن سوء سيرته و سريرته: من شرب الخمر، و صيده بالنمر، و خلاعته في فجوره حتي بالمحارم. ثم انه لم ينل عهد ملكه بوصاياه او وراثه ممن اتحسقها من قبل، فقد ابتز ابوه الاماره بالمكر و الغدر، و اخذ البيعه له بالعنف و القهر. و بتهديد السنه الاسنه و الحراب، دون ادني حريه للمسلمين في الشوري و الانتخاب. فكان الواجب علي الامه خلع هذا الخليع الغاصب، و فيما صح عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قوله: (1) «سيد الشهداء عمي حمزه، و رجل قام في وجه امام جائر يامره و ينهاه ثم قتله» و قد ثم هذا التنبو في عمل الحسين قبل غيره.

ص: 18


1- 7. صححه الحاكم و الطبراني عن جابر و ( علي).

ثانيا-: علم ابن النبي من نفسه و من آثار جده و ابيه و اخيه: انه امام المسلمين دون سواه، و رشحته السنه المتجاهرين بالحق، و صدقته البقيه تحت ستار التقيه. فهل يكون لاحد من الوجوه مثل هذا ثم لا ينهض؟!. ثالثا-: تلوح من السيهر الحسينيه المثلي انه مسبوق العلم بانباء من جده و ابيه و امه و اخيه و حاشيته و ذويه بانه مقتول بسيف البغي- خضع او لم يخضع، و بايع او لم يبايع- فعلا يرسم العقل الناضج لمثل هذا الفتي المستميت خطه غير الخطه التي مشي عليها حسين الفضيله، قوامها الشرع و زمامها النبل و لسان حاله:مشناها خطي كتبت علينا و من كتبت عليه خطي مشاها رابعا: تواتر الكتب الي ابن النبي (ص) من العراق و خلاصه اكثرها: «اقدم علينا يا ابن رسول الله، فليس لنا امام غيرك، و يزيد فاسق فاجر ليس له بيعه في اعناقك، فجعل بالمسير الينا، و ان لم تفعل خاصمناك عند جدك يوم القيامه» فبماذا يكون- يا ليت شعري- جواب مثل الحسين لمثل هولاء؟ و هلا تراه ملوما لو لم يستجب دعوتهم؟!.

ص: 19

الحسين رمز الحق و الفضيله

لا عجب ان عدت نهضه الحسين «ع» المثل الاعلي بين اخواتها في التاريخ و حازت شهره و اهميه عظيمتين، فان الناهض بها الحسين رمز الحق و مثال الفضيله، و شان الحق ان يستمر، و شان الفضيله ان تشتهر. و قد طبع آل علي عليهم السلام علي الصدق حتي كانهم لا يعرفون غيره، و فطروا علي الحق فلا يتخطونه قيد شعره. و لا بدع فقد ثبت في ابيهم عن جدهم عن النبي «ص»: علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيتما دار» (1) فكان علي لا يراوغ اعداءه و لا يداهن رقباءه، و هو علي جانب عظيم من العلم و المقدره و تاريخه كتاريخ بنيه يشهد علي ذلك، فشعور التضحيه- ذلك الشعور الشريف- كان في علي و بنيه و من عرائزهم و لا سيما في الحسين بن علي «ع» و ما في الاباء ترثه الابناء. و قد تفادي علي لرسول الله «ص» بنفسه كرات عديده، كذلك الحسين تفادي لدين الرسول «ص» و امته، اذ قام بعمليه او ضحت اسرار بني اميه و مكائدهم و سوء نواياهم في نبي الاسلام و دينه و نواميسه.

ص: 20


1- 8. استدل الرازي في تفسيره بهذا الحديث و ثبوته المتواتر علي الجهر بالبسمله.

و في قضيه الحسين حجج بالغه برهنت علي انهم يقصدون التشفي منه و الانتقام، و اخذهم ثارات بدر و احقادها. و قد اعلن بذلك يزيدهم طغيانا- و هو عي مائده الخمر و نشوان بخمرتين خمره الكرم و خمره النصر- اذا تمثل بقول ابن الزبعري: (1) .ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل و اضاف عليها:لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزللست من خندف (2) ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل

ص: 21


1- 9. بكسر الزاي و فتح الباء و سكون العين و فتح الراء المهملتين:كنيه شاعر الحزب السفياني. [
2- 10. خندف: لقب ام مدركه بن الياس بن مضر جد قريش.

الحركات الاصلاحيه و الضروريه

اذا كان نجاح الامه علي يد القائد لزمامها، و اصلاحها يتوقف علي صلاح امامها فمن اسوه الخيانات و الجنايات ترشيح غير الافكاء لرياستها و رياسه اعمالها. و سيان في الميزان ان ترضي قتل امتك او ترضي برياسه من لا اهليه له عليها، و ايه امه اتخذت فاجرها اماما، و خونتها حكاما، و جهالها اعلاما، و جنباءها اجنادا و قوادا فسرعان من تنقرض و لا بد ان تنقرض. هذا خطر محدق بكل امه لو لم يتداركه ناهضون مصلحون و علماء مخلصون و السنه حتي تامر بالمعروف و تنهي عن المنكر فيضربون المتعدي علي يده، واو يوقفونه عند حده. و بتشريع هذا العلاج درا نبي الاسلام عن امته هذا الخطر الوبيل، ففرض علي الجميع الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد تهديده المعتدين و ضمانه للناهضين وصح عنه صلي الله عليه و آله و سلم: «كلكم راع و كلكم مسوول عن رعيته» ذلك لكي لا يسود علي امته من لا يصلح لها فيفسد امرها و تذهب مساعي الرسول و من معه ادراج الرياح. و قد كان هذا الشعور الشريف حيا في نفوس المسلمين حتي عصر سيدنا الحسن السبط «ع». و ناهيك ان اباحفص خطب يوما فقال: «ان زغت فقوموني» فقام احد

ص: 22

الحاضرين يهز في وجهه السيف و يقول: «ان لم تستقم قومناك بالسيف». غير ان امتداد السلطان لمعاويه بن ابي سفيان، و احداثه البدع، و امانته السنن، و ابادته الابرار (1) و الاحرار بالسيف و السم و النار (2) و غشه الافكار وبثه الاموال في وجوه الامه اخرست الالسن، و اغمدت السيوف، و كمت الافواه، و صمت الاذان، و حادت بالقلوب عن جاده الحق و الحقيقه و رجالهما فبمات او كاد ان يموت ذلك الشعور الاسلامي السامي. و او شك ان لا يحس احد بمسووليته عن مظلمه اخيه و لا يعترف بحق محاسبه آمريه او معارضه ظالميه. و كاد ان تحل قاعده: «قبلوا يدا تعجزون عن قطعها» محل آيه: «فقاتلوا التي تبغي حتي تفي ء الي امر الله».

ص: 23


1- 11. من سنه 40 ه الي سنه 60 بعد ما استعمل علي العراق المغيره بن شعبه و زياد بن سميه لاستيصال شافه الحزب العلوي و قتل صلحاء الصحابه التابعين- كحجر بن عدي و اصحابه- سرا و جهرا و غدرا و غيله او دفنا في التراب حبا و شق بطونهم و سمل عيونهم. عدا من قتلوا حربا او صلبا او نفيهم و قطع ارزاقهم او التعرض باعراضهم، كل ذلك ليحملوا الامه بكل وسيله علي سب ابي تراب و الترحم علي عثمان و تسويع المظالم.
2- 12. و قد افرط معاويه في قتل صلحاء الصحابه و التابعين بدس السم في ماكلهم- امثال ابن ابي وقاص، و الحسن بن علي، و مالك الاشتر النخعي- و قال ابوالفرج الاموي في مقاتله: و اراد معاويه البيعه لابنه يزيد فلم يكن شي ء اثقل عليه من امر الحسن بن علي و سعد بين ابي وقاص فدس اليهما سما فبماتا منه.. الخ.

اثار الحركه الحسينيه

كان مآل الاحوال السالفه محق الحق بالقوه، و سحق المعنويات بالماديات، و انقراض الائمه و ا لامه بانقراض الاخلاق و المعارف لو لا ان يقيض الرحمن لا نقاذ هذه الامه حسينا آيه للحق، و رايه للعدل، و رمزا للفضيله، و مثالا للاخلاص يوازن نفسه و نفوس الامه في ميزان الشهامه، فيجد الرجحان الكافي لكفه الامه فينهض مدافعا عن عقيدته، عن حجته، عن امته، عن شريعته، دفاع من لا ينبغي لقربانه مهرا، و لا يسالكم عليه اجرا، و دون ان تلوي لواءه لائمه عدو او لائمه صديق، و لا يصده عن قصده مال مطمع، او جاه مصطنع، او رافه باله، او مخافه علي عياله. هذا حسين التاريخ و الذي يصلح ان يكون المثل الاعلي لرجال الاصلاح و قلب حكم غاشم ظالم دون ان تاخذه في الله لومه لائم، و قذ بدت لنهضته آثار عامه النفع جليله الشان فانها: اولا-: اولدت حركه و بركه في رجال الاصلاح و المنكرين لكل امر منكر: حيث اقتفي بالحسين السبط ابناء الزبير، و المختار الثقفي، و ابن الاشتر، و جماعه التوابين، و زيد الشهيد، حتي عهد سميه الحسين بن علي شهيد فخ، و حتي عهدنا الحاضر ممن لا يحصون في مختلف الازمنه و الامكنه، فخابت آمال اميه فيه، اذ

ص: 24

ظنت انها قتلت حسينا فاماتت بشخصه شخصيته و ابادت روحه و دعوته. كلا! ثم كلا! لقد احيت حسينا في قتله و اوجدت من كل قطره دم منه حسينا ناهضا بدعوته داعيا الي نهضته. اجل! فان الحسين لم يكن الا هاتف الحق، و داعي الله، و نور الحق لا يخفي، و نار الله لا تطفي، و يابي الله الا ان يتم نوره و يعم ظهوره. ثانيا-: ان الحسين عليه السلام- بقيامه في وجه الجور و الفجور مقابلا و مقاتلا- احيا ذلك الشعور الاسلامي السامي الذي مات في حياه معاويه او كاد ان يموت، و نبه العامه الي حب الحياه، و رعايه الذات و اللذات، و التخوف علي الجاه و العائلات. لو كانت تبرر لاولياء الدين مصافات المعتدين لكان الحسين اقدر و اجدر من غيره، لكنه اعرض عنها اذ رآها تنافي الايمان و الوجدان، و تناقض الشهامه و الكرامه، فجددت نهضته في النفوس روح التدين الصادق و عزه في نفوس المومنين عن تحمل الضيم و الظلم و عن ان يعيشوا سوقه كالانعام و انتعشت احساسات تحرير الرقاب و الضمائر من اغلال المستبدين و اوهام المفسدين. ثالثا-: ان النهضه الحسينيه هزت القرائح و الجوارح نحو الاخلاص و التفادي، و اتبعت الصوائح بالنوائح لتلبيه دعاه الحق و استجابه حماه العدل في العالم الاسلامي و انعاش روح الصدق و هو راس الفضائل. و بوجه الاجمال عدت نهضه الحسين «ع» ينبوع حركات اجتماعيه باقيه الذكر و الخير في ممالك الاسلام، خففت ويلات المسلمين يتخفيف غلواء المعتدين، فاي خير كهذا الينبوع السيال و المثال السائر في بطون الاجيال.

ص: 25

الفضيله و الرذيله

الفضيله محبوبه الجميع و الرذيله مكروهه الا لدي صاحبها. و اذا عدت الفضائل فضيله، فضيله: من وفاء، و سخاء، و صدق، و صفاء، و شجاعه، و اباء، و علم، و عباده، و عفه و زهد، فحسين التاريخ رجل الفضيله بجميع مظاهرها، كما ان معارضيه رجال الرذائل بكل معانيها لا يتناهون عن منكر فعلوه. فاتت من اجل ذلك نهضه الحسين عليه السلام امثوله الحق و العدل، اذ بطل روايتها اقوي مثال للفضيله، و قد كانت حركه يزيد (1) . امثوله الباطل و الظلم، اذ

ص: 26


1- 13. طفحت مدونات التاريخ بمظالم يزيد و هتكه لحرمات الدين و الحرمين في ايامه القصيره، و يشترك معه- طبعا- في الاثم كل من ساعده عليه او ساعده علي استخلافه. كلامغيره بن شعبه الذي حمل معاويه علي استخلاف يزيد و قصته معروفه، فصار ابوه لا يتربث في ترشيحه للخلافه فولاه اماره الحج مرتين بعد ان استتب له الامر، و ولاه الصائفه تاريه و قياده الجيش اخري- و الصائفه غزوه الروم، لانهم كانوا يغزون صيفا، و صائفه القوم ميرتهم في الصيف- كما و اخذ له البيعه من المسلمين فيحياته طوعا و كرها غير مبال بمن خالفوه و شنعوا عليه حتي مات معاويه سنه ستين و نادي يزيد بنفسه ملكا علي المسلمين و خليفه عن اسلافه. و قد استمر ولايته ثلاث سنوات تقريبا فكان عمله في السنه الاولي قتل الحسين ريحانه النبي (ص) و البقيه من آله- علي الوجه المشروح في هذا الكتاب- و سبي ذراريه و عياله الي الشام باسوء من سبايا المشركين. و لم تقف سوء نيته عند هذا الحد حتي ثني الفاجعه الاولي بالاخري و تسمي « الحره» فاخاف مدينه الرسول و جبرانه سنه 63 ه لاجل انكارهم عليه منكرات اعماله المخالفه للشريعه، و في صحيح مسلم عنه (ص): «من اخاف اهل المدنيه اخافه الله و كانت عليه لعنه الله و الملائكه و الناس اجمعين» و امر يزيد باباحه حرم النبي (ص) لجيشه ثلاثه ايام فعبثوا بها سلبا و نهبا و قتلا و بغيا. حتي قيل في سفك دمائها و هتك نسائها ما يقشعر منه الانسان، فلم يبق بعدها بدري في العرب و اخذ منهم، بالقهرا اقرارهم علي انهم عبيده و اماوه لا يملكون في جنب اوامره مالا او عرضا او رقبه، و قتل كل ممتنع عن هذه البيعه القاسيه ما عدا علي بن الحسين (ع)، و ختم سني امرته بحصار الكعبه و رميها بالحجاره من المنجنيق المنصوب علي حبل ابي قبيس، و باستباحه القتل في البلد الحرام و في الشهر الحرام: اي محرم سنه اربع و ستين بغرض ارغام عبيدالله بن الزبير- المستجير هو و من معه بالمسجد الحرام- و رمي الكعبه بالنار يوم الست ثالث ربيع الاول فاجرق استارها و سقفها و قرني كبش اسماعيل فيها، و بقيت النار مضطرمه احد عشر يوما و في اثناء ذلك كان هلاك يزيد فيرابع عشر ربيع الاول الموافق لعاشر نوفمبر سنه 682 م.

بطل روايتها اقوي مثال للرذيله و الفجور. و ما حربهما الا تمثيلا لصراع الحق و الباطل. و الحق مهما قل مساعده و ذل ساعده في البدايه فان النصر و الفخر حليفاه عند النهايه «و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون».

ص: 27

سلسله عوامل النهضه

ينمي مورخه الغرب معارضه بني اميه لبني علي «ع» الي زمن ابعد مدي مما اشتهر، و الي قطيعه حدثيت بين هاشم و شقيقه عبد شمس ولدي عبد مناف القرشي. و كانت المعارضه اذ ذاك بينهما فقط، ثم تفشت بعد مائه عام بين حزبين قويين: حزب التوحيد و عميده المصطفي «ص». و حزب الشرك و اقطابه ابوسفيان و ابوجهل و الحكم و الوليد و خمسه عشر آخرون. و بقيت نار الجدال و القتال مستمره بين الحزبين 19 عاما حتي اذا جاء نصر الله و الفتح و دخل الناس في دين الله افواجا و دخل معهم هولاء طوعا او كرها، فخمدت تلك النار الموقده الا في الافئده بضعا و ثلاثين سنه حتي استثارها مروان في اماره عثمان و اثار مع الحفائظ نيران الفتن و الاحن. و عميد الحرب الهاشمي علي عليه السلام رجل الحق و في انصاره المهاجرون و ابطال مصر و العراقين و شعارهم الحق، و الفضيله، و حفظ الحرمات. كما اقام الجانب المعارض امره علي دعائم الغدر، و المكر، و طلب الملك، و الشهوات هم معاويه و زياد بن ابيه و عمر بن العاص و مروان و المغيره بن شعبه و اشباههم . فاستخدموا في سبيل الانتصار كل وسيله و حيله زهاء ربع قرن ملوه الفجايع و الفظايع حتي اجتجب الحق و تواري اهله، و فاز ابن ابي سفيان و اهلوه في كل منكر فعلوه حتي في اقامه الجمعه في غير يومها و حتي في استحلقاه زياد و استخلاف

ص: 28

يزيد (1) و حتي.. و حتي.. استنوقوا الجمل و ظنوا موت الحق، و لكن الحق حي لا يموت. هنالك دعي طغيان الغرور يزيد الجور و الفجور ان يطالب اباه باقتران ارينب «ام خالد» ربه الخدر و الجمال و هي مبتعله بزوجها عبدالله. قالوا: «ان يزيد بن معاويه كان يتحري اخبار الفتيات الحسان فبلغه من وصف ارينب بنت اسحاق القرشي و كمال جمالها ما استثار هواه و ظل يترقب فرصه اعلام ابيه برغبته اليها فيزوجها منه، فسمع يوما بزواجها من ابن عمها عبدالله بن سلام فشق عليه ذلك و ابلغ اباه معاويه بما هو فيه و انه مشرف علي الهلكه من خيبه الامل، فامره ابوه ان يكتم رغبته حتي يتمكن من استدارك ما فاته، ثم استدعي عبدالله بن سلام الي الشام و اكرم ضيافته و ارسل اليه ابا هريره ليرغبه الي مصاهره معاويه و تزويج اخت يزيد اياه، فرحب عبدالله برغبه معاويه وليي هذا الطلب بكل شكر و ثناء، فرجع ابوهريره بذلك الي معاويه، فقال معاويه: سر يا اباهريره الي ابنتي و اعلمها برغبتي الي زواجها، فان الاقدام علي ما فيه رضاوها احوط و اقرب الي رضاء الله تعالي. و كان معاويه قد بيت الكلام مع ابنته و علمها الذي تقوله في الجواب. و لما اتاها ابوهريره بمقاله ابيها معاويه و امتدح عندها عبدالله بن سلام اجابت بانها لا تابي ما اختاروا لها لو لا انها تخشي وجود زوجته «ارينب» فيدركها ما يدرك المراه من ضرتها مما يغضب الله و يغضب اباها، فخرج ابو هريره الي عبدالله بن سلام بالخبر و استقر رايهم علي طلاق ارينب فطلقها عبدالله بن سلام طمعا في مصاهره معاويه و جلاله ملكه، و بعد ما توثق معاويه من طلاق ارينب جهز اليها اباهريره ليخبرها بامر زوجها عبدالله و ان يزوجها من ابنه يزيد بما شاءت من صداق. و ظل ابن سلام يطالب معاويه بانجاز ما وعده و معاويه يماطله، حتي سمع بان

ص: 29


1- 14. قال الحسن البصري: «اربع خصال في معاويه لو لم تكن الا واحده منها لكانت موبقه: انتزاوه علي هذه الامه بالسيف حتي اخذ الامر من غير مشوره و فيهم بقايا الصحابه و ذووا الفضيله، و استخلافه من بعده سكيرا يلبس الحرير و يضرب بالطسنابر، و ادعاوه زيادا و قد قال رسول الله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». و قتله حجرا و اصحاب حجر و يا ويلا له من حجر و اصحاب حجر» الكامل لابن الاثير.

مخطوبته تكره قبوله زاعمه ان الذي يطلق ابنه عمه التي فاقت اقرانها مالا و جمالا و كمالا و شرفا لا يصعب عليه ان يطلق الثانيه يوما ما. و شاعت مكيده معاويه في الملاء و انه يبغي وراء حرمان عبدالله بن سلام من زوجته ارينب ان بزوجها من يزيد، و خرج ابن سلام من الشام غضبان اسفا. اما ابوهريره فمر بالحسين بن علي «ع» في طريقه فسلم عليه فاحتفل به الحسين « ع» و ساله عما جاء به من الشام فقص عليه خبره فنا شده الله ان يذكره عند ارينب عسي ان ترضي بالحسين زوجا لها، فقبل ذلك ابوهريره و جاء الي ارينب و اخبرها بما فعل زوجها عبدالله بن سلام.. بائنه فبكت ارينب و لما هدا روعها و استرجعت قال لها ابوهريره: «انك لا تعدمين طلابا خيرا من عبدالله بن سلام و قد رغب الي زواجك يزيد بن معاويه و الحسين بن علي «ع» و هما معرفان لديك باحسن ما تبتغينه في الرجال، و يبذلان لك ما تشائين من الصداق». ثم لما عاودها علي اختيار رايها في الرجلين قالت: «انك خير من استشيره في الامر فاختر لي» فقال ابوهريره: «لا اختار فم احد علي فم قبله رسول الله تضعين شفتيك في موضع شفتي رسول الله». قالت: «فلا اختار علي الحسين بن علي احدا وهو ريحانه النبي و سيد شباب اهل الجنه» فعقد عليها الحسين. و لما بلغ ذلك معاويه سخط سخطا شديدا و قال:انعمي ام خالد رب ساع لقاعد (1) . حنق يزيد علي الحسين بن علي حنقا لا مزيد عليه، و استهون الامر عبدالله بن سلام و خف عليه حزنه و جاء الي الحسين «ع» و طلب منه ان يسال ارينب رد امانته التي اودعها لديها عندما سافر الي الشام و هي خلاصه ما يملكه من دنياه. فجاء الحسين الي ارينب و قال لها: «ان زوجها عبدالله بن سلام يطالبها بوديعه اودعها لديها» فقالت: «صدق و ها هي وديعته» و اخرجت بدرا مختومه، فدعا الحسين عبدالله و قال له: «ادخل عليها و استلم وديعتك من يدها كما استلمتها من يدك». فدخل عبدالله و بكي و بكت معه و استملم الودايع منها سالمه ثم قال لهما

ص: 30


1- 15. النصائح الكافيه ص 97. وام خالد كانت كغبه ارينب.

الحسين: «ارجعا الي ما كنتما عليه، فاني اشهد الله انها طالقه و اني لم المسها و ما ادخلتها في بيتي و تحت نكاحي الا محافظه لها من يزيد و من كيد ابيه، فخذ بيدها و اذهبا حيث شئتما».فبكيا من الوجد طويلا و ارادت ارينب ان تعيد الي سيدها الحسين صداقها فوهبها الحسين قائلا: «ان الذي ارجوه من الله تعالي خير لي من ذلك» و لم يسترجع منها شيئا كرامه منه و احسانا.نعم دفعت سجيه الفضيله حسينها الي صيانه عرض عبدالله من عدو الله بعد ان عرف من سجاياه هتك الحرمات، و عرف من سجايا ابيه تبديل اثار جده و تبديد مجده، و تذكر بعد ذلك سم اخيه و سب ابيه، و ما فعلت هند بعمه، و اذي صخر لجده، و ان الذي اضمروه له و لاسرته- او بالاحري لامته- في مستقبل الزمن اسوء من ماضيه. كل هذه الذكريات دفعت حسين الشرف الي ابراز هذه المآثر التاريخيه المتلالئه في سماء الفضائل.لقد اثرت عمليه الحسين (ع) تاثيرها الحسن في نفوس بني الضاد رقاه الشرف و دعاه مكارم الاخلاق، كما انها اثارت من يزيد احقادا خمد نارها او كادت فوق ما ذكرته اند حار ابيه امام جدال الحسن، و قتال ابيه، و مصرع عتبه و شيبه و حنظله و سائر اشياخه، و الذل الذي لحق جده يوم عرض نصرته لعلي (ع)و يوم عرض اسلامه للنبي (ص) و عند استجارته بهما في المدنيه.. فصمم من فوره علي الانتقام من حسين الفضيله اشد الانتقام حينما اصبحت الامور له مستقه و الجماهير به مستوثقه و فيهم عبيدالله بن زياد ان لم يكن زياد.

ص: 31

مبادي قضيه الحسين

كان الذي دونوا قضيه الحسين «ع» اخذوا سلسلتها من اوساطها، اي من حين البيعه ليزيد. في حين ان القضيه- كما سبق- تبتدي ء من عهد ابي سفيان و محمد «ص»- ان لم نقل من قبل و من عهد هاشم (1) و عبد شمس- فان اباسفيان جد يزيد اذ راي محمد جد الحسين قد نهض في مكه سنه 610 م يدعو العرب الي توحيد المعبود و الاتحاد في طاعته، حسب انه سيهدم مجد عبد شمس و رئاستهم و يبني لبني هاشم (2) . بيت مجد مرصوص الاساس و يعم ظله الوارف عامه الناس. فاندفع بكل قواه الي معارضته ففعل ما فعل في مقاومه النبي «ص» و اهانته، و تفريق اعوانه، و تحشيد الجموع لمحاربته حتي كان في ايام بدر واحد

ص: 32


1- 16. هاشم و عبد شمس اخوان ابوهما عبد مناف بن قصي. قيل ولدا توامين متلاصفين بقطعه لحم في ظهريهما فالجات الحاله الي فصلهما بالسيف، فتطير المشتئمون من ذلك و استدلوا منه علي استمرار السيف بين ذراربهما فكان كما قالوه، و كان الامويون من بني عبد شمس و الهاشميون من بني عبدالمطلب طرفي الخصام في الجاهليه و الاسلام، و كان هاشم اسمه عمرو- و يقال له: عمور العلا- و لقب هاشما لكثره هشمه التريد لاضيافه و لزوار البيت الحرام.
2- 17. كان بنوهاشم صفوه قريش حينما كانت قريش صفوه العرب و وجوه ابناء الجزيره و امتاز بنوهاشم من بين القبائل كلها بالسماحه و الفصاحه و طلاقه الوجه و اللسان و اقراء الضيوف و نجده المظلوم و حسن السمه و شرف النفس و طيب المولد و طالما اعتدت عليهم قريش بسبب تمسكهم بالحقوق و زعايتهم للعهود و محاماتهم عن الحرم.

و الاحزاب و هما مثالان للحق و الباطل، و امر محمد «ص» يقوي انتشاره و مناره حتي رمي حزب ابي سفيان آخر نبله من كنانته و لم يفلح «يريدون ليطفوا نور الله بافواههم ولكن الله متم نوره و لو كره الكافرون»،و ذلك ان الله سبحانه فتح لنبيه مكه فتحا مبينا، و نصره علي قريش نصرا عزيزا. انتهت الحركه السفيانيه، ولكن في الظاهر.اما الحزب الخاسر المنكسر فقد كان يعمل ليلا و نهارا في تلافي خسرانه و ارجاع سلطانه، و لكن تحت الستار و باخفي من دبيب النمل علي الصفا، برسم الخطه للقيام بحركه و سيعه الدائره حتي اذا قضي النبي «ص» نحبه تنفس و انتهز الفرصه لاستعاده مجده.اجل! لقي محمد «ص» ربه و ابوسفيان حي يسمع الناعيه عليه، و لكن لا يسعه اظهار شي ء و كان العباس عم النبي «ص» يعرف من امره شيئا اذ كان صديقه الحميم في الجاهليه و الاسلام، فاشار علي (عليه السلام) ابن اخيه ابي طالب-و هو يغسل جنازه النبي «ص»- قائلا له: «يا علي مد يدك لا بايعك حتي يقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه، فلا يختلف عليك اثنان» فلم يسمع من ابن اخيه جوابا سوي كلمه: «يا عم اولها غيري» و قبل ان يدفن النبي «ص» نجم الخلاف حول خلافته بين المهاجرين و الانصار.لكن الذي نعلمه ان اباسفيان لم يكن من الانصار و لا من المهاجرين عند ما قالا: «منا امير و منكم امير» حتي يحسب لنفسه حسابا في التحيز الي طرف، و راي انضمامه الي اضعف الاحزاب- اي حزب علي «ع»- اقرب الي مقصده من ايجاد موازنه في القوي و خلق عراقيل تكاد تمنع من حسم الخلاف، فجاء عليا قائلا له: «لو شئت ملاتها ملاتها لك خيلا و رجالا» و علي «ع» يومئذ يطرق الابواب علي المهاجرين و الانصار يتمني ناصرا لقضيته، فلو كان ممن يضيع رشده بالمواعيد الخلابه لاغتنم من ابي سفيان هذا العرض، و لكن الامام عرف سوء قصده- و قصده الصيد في الماء العكر- فاجابه بالرد و الاستنكار قائلا له: «مه يا اباسفيان اجاهليه و اسلاما»

ص: 33

اي انك تتربص دوائر السوء بدين محمد «ص» في عهديك: الجاهليه و عهد الاسلام، و تفرس سوء مرامه من كلامه و انه انتهز فرصه الخلاف من حاشيه النبي «ص» و قصد احتلال مدينه الرسول عاصمه الاسلام بحجه نصره الضعيف او تسويه الخلاف، و ما جيوشه سوي مرده العرب من اهل النفاق، فاذا نزل هولاء في عاصمه التوحيد سادت منافقه العرب و عادت مبادي ء الجاهليه- و الناس حديثو عهد بالاسلام- فيكون الرجعيون اولي بالقوه و النصره و الموحدون اولي بالضعف و الذله «و يخرجن الاعز منها الاذل». قرا هذه الشروح و اكثر منها علي «ع» من كلمه ابي سفيان فرده ردا قارصا، لان عليا رجل الحق و بطل الايمان لا يضحي الدين او المصلحه العامه في سبيل نفع ذاتي او شهوه و انتقام.و لما عرف ابوسفيان ان عليا «ع» لا ينخدع و انه عند تداخل الاغيار ليصافح اخوانه

ص: 34

المسلمين و يتحد معهم لحفظ بيضه الدين- مهما كان ضدهم و كانوا اضداده- ندم ابوسفيان علي لفظته، و هرع الي الحزب الغالب، و انضم اليهم ليحفظ مركزه الاجتماعي قبل ان يخسر الطرفين و تاخرت منوياته الي حين- حينما بخضر عود اميه باماره معاويه علي الشام و عود سلطانهم.و بعد ما نبغ فيهم معاويه اخذ علي عاتقه القيام بنوايا اسلافه و معه يومئذ ابوه ينصب عليا (ع)- دون المسلمين- هدفا لسهامه الفتاكه، اذ عرفه الينبوع الوحيد لسيال و حي المطفي (ص)، و انه البطل المناوي ء لهم بكل قواه، و العميد القائم ببيت بني هاشم، و المركز القوي لاباده الحرمه السفيانيه، و ان عليا هو و ابوه نصبرا محمد (ص) حين لا ناصره له حتي انه فداه بنفسه ليله مبيته علي فراشه. و ضيع علي قريش هجرته، و نقض ما ابرموه عليه، و علي القاتل صناديد قريش و اركان حزبهم في بدر و غيرها، و لولاه لقضوا علي حياه رسول الله (ص) في بدر و احد و الخندق، و علي الفاتح قلوب اهل مكه في وجه محمد المصطفي اذ تلا عليهم سوره البراءه في الموقف العام العصيب بكل ثبات و جساره و اقدام- الامر الذي لم يكمن يقوم به احد من المسلمين- الي غير ذلك من مواقفه المهمه التي ضيع فيها. علي اميه مكايدها و كانت صدور اميه تغلي كلمرجل علي رجل الايمان.

ص: 35

دوافع يزيدا الانتقاميه

لقد تستر ابن هند و الحزب الاموي في اخفاء غرضه تحت مخابي ء السياسه المطليه بدهائهم، لكنما اخلافه- امثال يزيد و الوليد- كشفوا القناع بافعالهم و اقوالهم عن كل ما اجني و اخفي علي الملا، فتجلي، كالشمس انهم يبتغون التشفي و الانتقام من محمد و اهل بيته بكل معاني التشفي، اذ لم يسكت عن الحسين كما سكت عن ابن الزبير، و خالف في ذلك وصايه ابيه و برنامجه ثم لم يسالم الحسين كما سالمه و لم يقنع بخروجه عن مناطق نفوذه و حدود سلطانه- كما اقترح عليه الحسين نفسه- و لم يجالدوا ابن النبي مجالده عربي لعربي، بل ضيقوا عليه سبل الحياه، و منعوه من ورد الفرات، و حاصروه بنسائه و اطفاله في الفلاه، و مثلوا به و بصحبه بعد القتل شر مثله، و رجردوهم تاركين اشلاءهم عراه علي العراء تسفي عليهم الرياح، و قطعوا رووسهم و داروا بها علي فوق الرماح، و سبوا صبيه الحسين و نساءه يطاف بهن في الافاق و في الازقه و الاسواق، مربقين بالحبال كالاغنام و حولهم طبول و ابواق، يضع اميرهم الراس الشريف بين يديه و ينكت براس الخيز ران ثناياه و شفتيه و يقول شامتا:يا حبذا لونك يا حسين كحمره الورده في الخدين.. الخو يسبون الحسين و اباه و اخاه سرا وجهرا، و ينتحلون الاحاديث القادحه في

ص: 36

علي و صحابته، و يهتكون حرم الله و رسوله و حرمات الدين، و يفعل يزيدهم طغيانا في مدينه الرسول «ص» ما فعله فرعون، و يزيد يقتل ابناءهم و يستحيي نساءهم فرائت خيلهم في روضه النبي «ص» و استباح عسكره المدنيه ثلاثه ايام، و افتضت بها اثني عشر الف عذراء، و لم تسلم حره في واقعه الحره، الا من لذن ببيت السجاد علي بن الحسين- عليه السلام- و هن ستمائه من الهاشميات و غيرهن، فقد استثني يزيد بيته و شخصيه من الاضطهاد والاستعباد اذ امر قائده ان يجدد مبايعه اليثاربه له علي انهم عبيده ان شاء باعهم و ان شاء اعتقهم.و روي الجاحظ: انهم و سموا العباد، و وشموا الاجساد»- كما يفعل بالانعام و الكلاب- علامه انهم خول لبني اميه، وراوا انس بن مالك- خادم رسول الله و صاحبه- و في عنقه قلاده مختوم عليها بالرصاص علامه عبوديته لهم، و احرقوا ستار الكعبه، و رموها بالمنجينيق، و قتلوا الطائفين و العاكفين، و سفكوا الدم الحرام، في البلد الحرام، و في الشهر الحرام، و حولوا قبله واسط الي الشام.

ص: 37

معاويه و تعقيباته

ناصب معاويه و حزبه عليا و صحبه و كان ما كان من ايام البصره و صفين و النهروان و علي «ع» في كلها غير مخذول، و لا يزداد معاويه الا حقدا عليه و موجده، و تعقب الضغائن اثر الضغائن. و كان معاويه رجل الغدر و حليما الا علي علي «ع» و خاصته.فلما توفي علي «ع» سنه 40 بسيف ابن ملجم الخارجي ساجدا في محرابه، زال من بين عيني معاويه ذلك الشبح الرهيب الذي كان يخيفه في منامه و في خلواته، و قويت عزائمه و توجهت شطره اكثر النفوس التي كانت رهن سجايا علي «ع» و علومه و منقاده لصوته و سوطه وصيت شجاعته و سماحته، لا سيما و ان الاثار النبويه المشهوره فيه كانت لا تقاس كثره و شهره بما ورد في شان غيره، و الخدمات التي قام علي بها كانت قاطمه الالسن فضلا عن طول عهد الاماره لمعاويه و انتشار حزبه الفعال و توزيعه الاموال.هذه العوامل و غيرها ضيقت دائره النفوذ عل الحسن بن علي عليه السلام و خليفته و وسعت المجال لمعاويه و حزبه، فانتقم من علي بعد وفاته و سب عليا علي المنابر، و المنائر، و الالسن، و الكتب.و يا بوسها من حيله و وسيله الاستئصال مجد بني هاشم بثلب كبير هم و قد قال

ص: 38

ابن عباس: «انهم يريدون بسبب علي سب رسول الله» ثم لم يقنع بذلك فاخذ يتتبع خاصه علي عليه السلام بالسم و الاسل و يقول: «ان لله جنودا من عسل» يعني السم المعسول الي اعدائه، و لم يسع حمله احصاب علي و بنيه قط قدس سما ذريعا الي زوجه الحسن السبط فقتلته اغترارا بموعد زواجها من يزيد.

ص: 39

ص: 40

تاثرات الحسين الروحيه

هنا حري بنا ان ندرس حاله الحسين «عليه السلام» ذلك المتفاني في حب شقيقه الحسن ماذا يجري علي قلبه و هو يري احشاء اخيه مقذوفه في الطست من سم معاويه، ثم تمنع بدسيسه مروانيه جنازه اخيه من زياره جده- و هما ريحانتاه- و يسمع سب ابيه و اخيه في المعابر و علي المنابر، و تنعي اليه صحابه ابيه من فتك معاويه بهم، و سحق العهود الشريفه، و محق شعائر الاسلام، و تبديل سنن جده بالبدع، و تحويل الاسلام من روح دينيه عالميه الي روح قوميه ملكيه، و تمهيد اسس للرجعه الي الجاهليه.هذا كله عدا ما سبق من امر معاويه و علي «ع» في حروب و فتن اوجدها معاويه لاغراض ذاتيه، وقت في عضد الدين، و شئت بها شمل المسلمين. اضف عليها ما جري علي جده المصطفي «ص» من الحزب السفياني اثناء البعثه و بعد الهجره. فلا يكون بعد ذلك كله قلب الحسين دفترا ملوه المولمات؟! و لا بد و ان تكون هذه الموجدات في الحسين عليه السلام و في صدره بركانا قويا مشرفا علي الانجفار، و حسين الشهامه لم يكن بالذي يقيم علي الضيم لو لا ان الوصيه تتلوا الوصيه من اخيه و جده و ابيه و خاصه مواليه بالصبر «و الصبر امر من الصبر».

ص: 41

كيف يبايع الحسين

غريب و الله ان يزيد المشهور بالسفاسف و الفجور يريد التقمص بخلافه النبي محمد «ص» المبعوث لتكميل مكارم الاخلاق، و ذلك في حياه الحسين «ع» ابن ذاك النبي و حبيبه. فيزيد بعلم نفسيه الحسين و يعلم ان صدر الحسين «ع» اصبح بركانا قريب الانفجار، و مع ذلك لا يقنع بسكونه و سكوته عما هو فيه بل يريد منه فوق ذلك كله ان يعترف له بالخلافه عن الرسول، و هل ذاك الا رابع المستحيلات/ فان اعتراف الحسين «ع» بخلافه يزيد عباره اخري عن ان الحسين ليس بالحسين «اي ان معني قبوله البيعه ليزيد بيع دين جده، و كل مجده، و كل شعور شريف للعرب، و كل حق للمسلمين، و كل آمال لقومه يبيعها جمعاء برضي يزيد عليه» و هذا محال علي الحسين «ع» و علي كل ابطال الفضائل، فان قبوله بيعه يزيد عباره اخري عن اعترافه بتساوي الفضيله و الرذيله، و استواء العدل و الظلم، و اتحاد الحق و الباطل، و تماثل النور و الظلام، و ان العلم و الجهل مستويان، و ان الخفيف و الثقيل سيان في الميزان. فهل يسوغ بعد هذا كله سكوته و سكونه؟؟و قد يزعم البسطاء ان الحسين «ع» لو استعمل التقيه و صافح يزيد لا تقي ببيعته شر اميه، و نجا من مكرها، و صان حرمته، و حفظ مهجته، لكن ذلك و هم بعيد..

ص: 42

فان يزيد المتجاهر بالفسوق لا يقاس بمعاويه الداهيه المتحفظ، فبيعه مثل الحسين «ع» لمثل يزيد غير جائزه بظاهر الشريعه و لذلك تخلف عن بيعته سعد بن ابي وقاص، و عبدالرحمن بن ابي بكر، و عبدالله بن عمرو، و عبدالله بن الزبير ايضا فانكروا علي معاويه استخلاف يزيد و امتنعوا عن بيعته حتي فارقوا الحياه، و كان سيدنا الحسين «ع» اولي بهذا الامتناع و الانكار.و اما مع غض النظر عن التكليف الشريعي و مطالبه وجه غير التمسك بظواهر الكتاب و السنه فنقول: ان التحري في الوثائق التاريخيه و الكتب المعتبره يودي الي الاعتقاد بان سيدنا الحسين «ع» كان يعلم بانطواء خصومه علي نيه التشفي من قتله، و قد صرح في مواطن عده بان بني اميه غير تاركيه حتي لو كان في حجر ضب لا ستخرجوه و قتلوه، و قال عليه السلام للعكرمي في بطن، عقبه: «ليس يخفي علي الراي و لكنهم لا يدعونني حتي يخرجوا هذه العلقه من جوفي» و اكد ابن زياد نيه التشفي من قتل الحسين «ع» في كتابه لابن سعد قائلا: «حل بين الحسين و اصحابه و بين الماء فلا يذوقوا منه قطره، كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان». و اعلن يزيد نفسه بما يضمره من الانتقام من آل محمد كما قال:لست من خندف ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعلالي غير ذلك من الشواهد التي نستنتج منها ما قصده الامويون من الانتقام من آل الرسول «ص» علم ابن النبي صلي الله عليه و آله و سلم من كل هذا تصميم آل حرب علي انتقامهم من آل علي مهما تظاهر هولاء بمسالمتهم و مطاوعتهم و مهما تظاهر آل حرب لهم بالامان و الايمان، و قد اكد هذا العلم غدر ابن زياد يابن عمه مسلم و اعطاوه الامان حتي اذا خلع سلاحه قتله شر قتله، و اجلي من ذلك غدر معاويه باخيه الحسن «ع» و دسه السم الي من قتله بعد ان صالحه و صافحه و تنازل له عن خلافته المعقوده له. فهل تري ابن النبي «ص» بعد ذلك كله يعيد الامتحان و يجرب المجرب؟ كلا! اذن فالحسين و جد نفسه متقولا اذا لم يبايع و مقتولا اذا بايع، لكنه ان بايع اشتري مع قتله قتل مجده و قتل آثار جده اما اذا لم يبايع فانما هي قتله واحده تحيا بها آماله، و شعائر الدين، و الشرف الموبد.

ص: 43

البيعه ليزيد

صفا لمعاويه الجو و ملك نحو اربعين سنه ملكا قلما يسمح الزمان بمثله، و هو في خلال ذلك لا يفتر عن عمله ليله و نهاره، و فيستكثر اعوانه، و يعزز اخوانه، و يستحوذ علي من يشاء بما اوتي من مال ودهاء، و استمال الي اهوائه امثال زياد و ابن العاص و المغيره من الدهاه فمد اطناب حزبه ورواق ماربه، و انقادت اليه حتي آل هاشم. و لكن الرجل استحب دوام هذا السودد لبيته و من يخلفه في انفاذ نواياه، اذ عرف ان سلطانه وقتي و قسري- و ما كان بالقسر لا يدوم- فاذاد اثباته في بيته ما دام حيا لانه يخشي من موته انقلاب الامور علي بنيه. لا سيما و ابنه يزيد موضع نقمه الجمهور و في الناس من هو اقدم منه و اولي، فاخذ البيعه ليزيد حال حياته- بعد ان ذلل الصعاب و مهد السبل لغاياته- غير ان الاباه ابوا عليه البيعه ليزيد، و اتخذت عمليه معاويه هذه كمناوره يمتحن بها مخالفيه، ثم اوصي ولده يزيد بان لا يمس هولاء بسوء اذا ابوا عليه البيعه بعد موته الا ابن الزبير، و السر فيما ارتاه داهيه قريش هو ان البعض من هولاء ضعيف النفس مسبوق بغضاضه.و اما الحسين السبط فنفس ابيه بين جنبيه و يخشي علي البيت الاموي من التعرض له، و بما انه رجل الفضيله يومل فيه ان يستمر علي سكوته و سكونه اذا

ص: 44

عمل برغائبه و مداراته، و يخشي من قيامه ان يقوم الحجاز و العراقان معه حين لا معاويه لديه و لا ابن العاص.اما ابن الزبير فذو نفسيه حربيه مع اعدائه و ذو دهاء مع رقبائه و لكنه كابيه شحيح لامطمع فيه، فالعدو لا يامن منه و الصديق لا يامل فيه، فاستهان القضاء عليه من دون توقع محذور في معاداته. لكن يزيد لم يعمل بهذه الوصيه اذ انه عاش عيشه ترف قضاها في الصيد و السكر و اللهو، و مثل هذه التربيه تسوق صاحبها لعباده الهوي و الاغترار بسلطان الشهوات، فلا يحترم قديما، و لا يحتشم عظيما، و لا يحتفل بالدين، و لا برغائب الجمهور.و عليه فبما مات معاويه الا و الاوامر تتري من يزيد علي ابن عمه الوليد- و الي المدينه- باخذ البيعه له من الناس عامه و من الحسين و ابن الزبير خاصه فتلقي الوليد بن يزيد بن ابي سفيان اوامره بكل رهبه و احتياط، و كان يعرف سوء سمعه يزيد كما يعرف حسن شهره هولاء عند المسلمين عامه و عند اهل الحجاز خاصه، فادت سياسته الي اعلام هولاء بالامر بصوره وديه مع المداراه لرغائبهم و حركاتهم قبلما ياخذ البيعه العامه في مسجد النبي ليزيد كخليفه، فارسل الي الحسين و الي ابن الزبير ليحضرا لديه فجاءه الحسين «ع» و معه ثله من اقربائه، و لم يدخلوا معه فاستقبله الوليد بالترحاب و مروان (1) . جالس متغير و تكاد تقرا ما في

ص: 45


1- 18. هو مروان بن الحكم بن العاص بن اميه. ولد في السنه الثانيه للهجره و طرده النبي (ص) مع ابيه الي الطائف لان اباه الحكم اسلم مع ابي سفيان يوم الفتح كرها و نفاقا و كان يستهزي ء بالنبي (ص) اذا غاب عنه و يهجس الي المشركين باخباره، فدعا النبي (ص) عليه و طرده فاواهما عثمان في خلافته و اتخذ مروان كاتبا عنده، فنقم المسلمون ذلك عليه لا سيما بعد تزويره كتابا عن لسان الخليفه بامر فيه عامل مصر بقتل محمد بن ابي بكر و رسل المدنيه. و كان مثار الفتن يوم الدار و في الحروب التي اقامها معاويه ضد الامام علي- عليه السلام- و بايع الامام نفاقا كما اسلم ابوه نفاقا و سرعان ما نكث البيعه و خرج مع طلحه الي حرب البصره ثم رمي طلحه. و لما اسره الامام (ع)تشفع فيه الحسن (ع) فخلا سبيله. و لما تقدم ليجدد بيعته ابعده الامام قائلا:«لا حاجه لي في بيعته انها كف يهوديه، اما ان له امره كعلقه الكلب انفه. و هو ابوالاكبش الاربعه، و ستلقي الامه منهم يوما احمر». ثم هرب مروان الي معاويه اخرج الي صفين. و بعد صلح معاويه مع سيدنا الحسن (ع) تولي اماره المدنيه فالحجاز كله، و اخذ فدكا لنفسه، ثم اساء معاويه الظن فيه فعزله. و بعد موت معاويه بن يزيد تولي الخلافه ثم خنقته زوجته سنه 65 ه بالشام.

قلبه من سحنات وجهه. و ابتدا الوليد ينعي معاويه فاسترجع الحسين «ع» ثم قال الوليد: «ان استحب اقتراح عليك فبماذا تري؟» فاجابه الحسين: «ان البيعه تحسن من مثلي لمثل يزيد ان تكون علانيه و بملاء من الناس، فالاولي ان توجلها الي موعد اجتماع الناس في المسجد» فاجابه الوليد بكل لين و تساهل، غير ان مروان عكر صفوا السلم، و قال: «يا امير لا تدع حسينا يخرج من عندك بلا بيعه فيكون اولي منك بالقوه و تكون اولي منه بالضعف، فاحبسه حتي يبايع او تضرب عنقه» فوثب عندئذ حسين المجد قائلا: «يا ابن الزرقاء! انت تقتلني ام هو؟ كذبت و الله و لئمت» ثم انصرف هو و بنوهاشم.كان الوليد و مروان كلاهما يبغيان اخضاع الحسين «ع» ليزيد و لكن ذاك بالسياسه و هذا بالتهديد، و كان الوليد اراد ان يستميل قلب الحسين و يسترق من لسانه كلمه القبول- و لو سرا- لعلمه ان الحسين رجل الصدق و الثبات، فلا يعدل عن كلمته و ليس بذي لسانين، اسرار و جهار، و لا ذا وجهين محضر و مغيب.

ص: 46

اما مروان فكانه علم ان المسلمين اذا اجتمعوا في مسجد النبي بين قبره و منبره، و حضر لديهم ريحانه النبي و بنوهاشم وقوف و بنوالانصار جلوس- فان الموثرات المعنويه و الحسيه لا تسفر الا عن البيعه للحسين و خسران صفقه يزيد.و بالجمله فان مروان نقض علي الوليد امرا كان قد ابرمه، غير ان الخبر لم ينشر خارج المدنيه لمراقبه الوالي و فقد و سائل المخابرات. اما الحسين «ع» فقد عرف ان مروان سوف يخابر يزيد علي عزل الوالي او يحمل الوالي علي الوقيعه بالحسين و آله، و ان يزيد و حزبه ينقادون لارادات مروان بشخصيته البارزه في الحزب السفياني، و قديم عدائه للنبي و آله. و قد كان هو و ابوه طريدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ملعونين علي لسانه (1) فلا بد و ان ينتقم من ريحانه الرسول «ص» بالمثل او يزيد، فلم يجد الحسين «ع» بدا سوي الهجره سرا الي حرم الله.

ص: 47


1- 19. قال الجاحظ في رساله الفاخر: ان مروان بن الحكم كان هو و ابوه ملعونين علي لسان النبي (ص) و طريدته من المدينه مده حياته، ثم في عهد ابي بكر و عمر كلما تشفع عثمان فيهما و في ابوائهما لم يجد حتي ولي عثمان فاوي مروان الي المدينه علي كره المسلمين ذلك حتي كان هذا الامر احد اسباب قيام المسلمين علي عثمان و قتله».

نظره في هجره الحسين

يصف الواصفون لتاريخ الحسين «ع» اشد ليالي حياته عليه ليله مقتله في الطف، تلك الليله التي حوصر فيها هو و ذووه في بقعه جرداء و ضاقت عليه الارض بما رحبت، و منع حتي من شرب الماء المباح فلم تهجع عيناه حتي الصباح و لا يبعد ان يكون اشد ليالي الحسين ليله مرجعه من مجلس الوالي في المدينه و حيرته ي سيرته مع القوم الظالمين، اذ كان الحسين «ع» ليله مقتله علي بصيره من امره، و ان ليس بينه و بين الجنه سوي سويعات لكنما الحسين «ع» في ليله هجرته من مدينه جده كان في جهاد فكري و الم عقلي يفكر في متابعته ليزيد و كونها ضربا من المحلا، ثم يفكر في بقائه في حرم جده، لكن ذلك استسلام لمروان فيما يفعل به و باسرته من قتله المستلزم لقتال رجاله و ذبح اطفاله و نهب امواله و ارسال بناته مع راسه الي يزيد.كان مروان ممن يفعل ذلك و يزيد عليه تشفيا لنفسه و انتقاما لاميه و تزلقا ليزيد. و لم يكن ابن مرجانه باوتر منه و لا اشقي، اذن فبماذا يصنع الحسين «ع»؟ الا ان يهاجر الي مكه ابتغاء الابتعاد من المنطقه المروانيه، و لقاء وجوه المسلمين في الحج، و انتظار الفرج، ولكن كيف يهاجر باسرته الوفيره العدد بلاد عدد؟ و الهجره بالاهل ليس بالسهل، لا سيما في مسالك و عره غامضه الحال مبهمه الاستقبال. و في

ص: 48

النهايه اختار الحسين «ع» هذا الراي الاخير علي حراجته، و اوحي بذلك الي اخوانه و رجال اسرته و هم يلبونه فيما يرغب مهما كانوا كارهين مع التاهب لما يجب كما يجب الا محمد بن الحنفيه فانه سال اخاه البقاء في حرم جده بين انصاره، فاجابه الحسين «ع» بمبلغ عداوه يزيد معه و سوء نيته فيه و عف ثقته في ناصريه.فقال ابن الحنفيه: «ان كان و لا بد من ذلك فبما معني حملك السوه و الذريه؟» فلم يجد الحسين «ع» مقنعا لاخيه الا ان يقول له انه من فرط الحب المتبادل بينه و بينهن لا يستطيع فراقهن كما لا يرضين بفراقه، و لو جري عليهن ماشاءالله ان يجري. فقال ابن الحنفيه: «انك يا اخي احب الناس الي و اعزهم علي، و لست ادخر النصيحه لغيرك، تنح ببيعتك عن يزيد، ثم ابعث رسلك الي الناس، فان بايعوك حمدت الله و ان اجتمعوا علي غيرك لم ينقص دينك و لا فضلك و لم تذهب به مروتك» قال الحسين «ع»: «فاين اذهب يا اخي؟ قال: «انزل مكه فان اطمانت بك الدار فيها و الا لحقت بالرمال و الجبال، و من بلد الي بلد حتي تنظر ما يصير اليه الناس فلتكون اصوب رايا» فجزاه الحسين خيرا.و قد استيقاه اخوه لضروره وجود من يعتمد عيه في مركزه عمادا للبيت و محافظا لودايع اهله كما استبقي علي مثل ذلك ابن عمه عبدالله بن جعفر الطيار.و كان عبدالله بن جعفر ختن الحسين علي اخته و شقيقته زينب العقليه بنت علي «ع». و لما علم عبدالله بتوجه الحسين من مكه نحو العراق، الحقه بولديه عون و محمد (1) و كتب علي ايديهما اليه كتابا يقول فيه: «اما بعد، فاني اسالك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ان يكون فيه هلاكك و استيصال اهل بيتك، و ان هلكت اليوم طفي نور الارض، فانك علم المهتدين و رجاء المومنين، فلا تعجل بالمسير فاني في اثر كتابي و السلام».

ص: 49


1- 20. في مقائل الطالبين: «ان عون بن عبدالله بن جعفر امه زينب العقيله الي ان قال: و العقيله هي التي روي ابن عباس عنها كلام فاطمه (ع) في فدك فقال: «حدثني زينب بنت علي» اما ام محمد فهي الخوصاء.

و سار عبدالله الي عمور بن سعيد فساله ان يكتب للحسين «ع» امانا و يمنيه ليرجع عن وجهه. فكتب اليه عمرو بن سعيد و لحقه يحيي بن سعيد و عبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا اليه الكتاب و جهدا به في الرجوع فقال: «اني رايت رسول الله «ص» في المنام و امرني بما انا ماض له» فقالا: «فما تلك الرويا؟» قال: «ما حدثت احدا بها و لا انا محدث حتي القي ربي عز و جل» فلما آيس منه عبدالله بن جعفر امر ابنيه عونا و محمدا بملازمه الحسين و المسي معه و الجهاد دونه.لقد فشل ابن سعيد- و الي الحجاز بعد الوليد- في تدابيره لاقناع الحسين بالروجوع الي مكه كي يحصره فيها و في منطقه نفوذه، و قنع عبدالله بن جعفر الطيار عن الامام باجازه بقائه في وطنه و قنع الحسين عليه السلام منه بارسال شبابيه الباسلين، و قد كانا ناصريه بالنفس و النفيس و كانت امهما زينب نصيرته في نهضته، و خليفته علي صبيته، و سلوته من كل احزانه، و مديره امر عياله و بيوت اصحابه و رجاله، و لولاها لا نفرط عقد يتماه بعد قتله، و لولاها لانتشر نظام اهله بعد انتهاب رجله، ولولاها لقضي علي خلفه العليل و انقرض نسله الاصيل.

ص: 50

ص: 51

هجره الامام من مدينه جده

سار حسين النهضه من حرم جده و لم يقتصر في الوداع علي قبره الطاهر اذ المسافر يوادع من وطنه المحبوب كلما وقع نظره عليه من صحاب و احباب و غيرهما حتي الماء و التراب، اما ركب الحسين. «عليه السلام» فكانوا يوادعون الربوع وداع من لا يامل الرجوع.خرج الحسين من حرم جده «ص» خائفا يترقب يناجي ربه لينجيه من فراعنه مصره و نمارده عصره ذكراه رحمه ربه، و بمدوه خوف ربه، و غايته ببيت ربه. سائرا في المنهج الاكبر- اي الشارع السطاني- فقيل له: «لو تنكبت الطريق كما فعل ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب» فقال: «لا و الله لا افارق الطريق الاقوم حتي يقضي الله ما هو قاض» و نزل مكه يوم الجمعه ثالث شعبان و هو يتلو: «و لما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي ان يهديني سواء السبيل».

ص: 52

الهجره الحسينيه و انقلابات حول الستين

للحوادث اوار تتعاقب كالليل و النهار، و التاريخ يعيد نفسه باختلاف الاطوار،فبما اشبه هجره الحسين «ع» باهله من المدنيه الي مكه خوفا من آل ابي سفيان بهجره جده محمد «ص» باهله الي المدنيه من مكه خوفا من ابي سفيان و حزبه، و بين اليومين نحو ستين عاما، كذلك مجد اميه و ابي سفيان انقرض في فتح مكه علي يدي محمد بن عبدالله النبي الهاشمي صلي الله عليه و اله و سلم و انقرضت ثانيه دوله آل ابي سفيان بعد مقتل الحسين «ع» ببضع سنين، و بين اليومين نحو ستين عاما،. ثم بنيت علي انقاضها حكومت مروانيه عاشت نحو ستين عاما، ثم انقرضت هي و كلمجد لاميه علي يدي محمد بن عبدالله القائد الهاشمي.و اولو المبادي ء و الهمم و العلماء بمجاري الحركات في العالم لا تبرد عزائمهم مهما خابت مساعيهم و يواصلون المسعي بالمسعي و ان فشلوا و الدهر دوار، و للتاريخ تكرار، و للنوس اقبال و ادبار. فالناهض بفكره صالحه لا بد و ان يثابر علي نشرها و الدعوه اليها ثابت العزم راسخ القدم لا تزحزحه عواصف العواطف و لا تزلزله قواصف المخاوف. و لكن عليه ان يستخدم في سبيلها العبر و الغير و الاحوال، و بقاء الحال محال، حتي لو وجد محيطه بالغ الفساد غير صالح للاصلاح استبدل عن المكان بمكان، و عن الجيزان بجيران، تلك سنه الانبياء و المصلحين حتي اذا فاز

ص: 53

بهيئه صالحه و قوه مسلحه عاد الي مركزه- و العود احمد- كذلك محمد «ص» من مكه ثم اليها و ذيال موسي من مصره ثم اليه.و ليس حسين التاريخ بدعا من رسل الاصلاح اذا هاجر من موطنه خوفا علي مسلكه او املا بنهضته و كيف كان فقد سمعت الاسباب التي دعت حسينا ان يغادر يثرب خائفا يترقب فاسمع الان آثار هذه الهجره و حسن انعكاسها في العالم الاسلامي، و قد سبق ان المخابرات بين المدينه و المدن كانت تحت المراقبه و مفقوده الوسائل و الوسائط فصارت حركه الحسين عليه السلام قضيه ذات بال تناقلتها الحافل و القوافل و الناس بعد حلوله ام القري و من حولها سوابل جاريه الي الجهات. فانتشر الخبر باهميه لا ميزد عليها حتي صار حديث كل اثنين يجتمعان.س- ما وراك؟ج- هاجر الحسين «ع» من مدينه جده.س- لماذا؟ج- لان يزيد قصد ارغامه علي مبايعته.س- نعم! نعم ما صنع الحسين «ع» فانه لو بايع يزيد الجائر المتجاهر بفسقه فعلي الاسلام السلام، اذن ما تري ان يكون؟ج- ليس سوي اجتماع المسلمين حوله و نصبه خليفه كابيه علي عليه السلام ليحيي بعلمه معالم دين جده، و يحامي بغيرته الهاشميه عن مصالح المسلمين، و ينفذ بقوه ايمانه العلوي احكام القرآن النازل في بيته.هذه و امثالها كانت احاديث اكثر المجامع يومئذ في الحجاز اولا و في سائر الاقطار بعده. و ما فاز الحسين بهذه الاذاعه و الاشاعه الا بخروجه من المدنيه مظلوما و ناقما علي الظالمين.

ص: 54

الحسين و ابن الزبير

استوقت بحركه الحسين «ع» عزائم ابن الزبير، و جهر بخلاف يزيد، و رفض بيعته، و لازم مكه ام القري يسلك مسلك الحسن، الا ان غايته كانت الدعوه الي نفسه في حين ان الحسين- عليه السلام- لم يصرح بالدعاء الي شخصه و انما اجهر برفض بيعه يزيد فقط و بالتقيه من شر اميه راضيا بان يخلي له السرب كي ينفذ الي ثغر من الثغور، كذلك الشريعه تقضي علي المسلم اذا لم يسعه اظهار دينه في بلده ان يهاجر منها الي مامن لا يضطر الي التقيه، و سبط الرسول «ص» احري بالتزام شريعته. و كان يستع نطاق شيعته يوما فيوم لاخلاص الحسين «ع» في امره، و جلي فضله، و سمو شرفه، و كرم محتده.لكن حزب ابن الزبير- و ان كان صغيرا- قد نفع الحسين في تنفير العامه من بني اميه و كانت لابن الزبير و ابيه سابقه سوء مع علي عليه السلام في بدء خلافته بالرغم من القربي الماسه بينهم حتي قال عنهما علي: «لم يزل الزبير منا حتي نشا ابنه عبدالله» لكنما الغايه المشتركه من خوف و ضعف تجاه العدو القوي دعتهما الي تجديد عهود الولاء و نسيان سوالف البغضاء فصار يزور كل منهما الاخر عشيه و ضحاها و قد صار لمظهر اتحاد ابن الزبير مع الحسين اثر حسن و رهبه في نفوس من عاداهم و من عداهم، و ذهبت الرسل من الحرمين الي يزيد باخبار

ص: 55

مذعره و بصوره مكبره دعته الي التاهب عليهما بكل ما اوتي من قوه و مكيده. فارسل عمرو بن سعيد واليا علي المدنيه و اميرا علي الموسم مزدوا بالتعاليم و موعودا التاييد، فقدم كه ليله الترويه.

ص: 56

وضعيه الامام في مكه

حل الحسين في حرم الله مستجيرا به ممن يريدون ارغامه علي مبايعته لرجل الجور و الفجور، و قد استحسن المسلمون اعتصامه بالتقاليد المقدسه عند المسلمين فاخذ القادمون الي الحج يتهافتون عليه، و يهتفون بالدعوه اليه، و يطوفون حوله هذا يلتمس العلم و الحديث و ذاك يقتبس منه الحكم النافعه و الكلم الجامعه ليهتدي بانوارهما في ظلمات الحياه و الرجل بينهم مرآه الكرامه و الشهامه و مثال الحكمه و السلامه، فطارت في الاقطار اخباره و آثاره، و تواترت الكتب و الرسل و الوعود و الوفود لا سيما من كوفه العراق- عاصمه ابيه- من وجوه شيعته و مواليه اذا بلغهم هلاك معاويه فارجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين و امتناعه من بيعته و ما كان من امر ابن الزبير في ذلك و خروجهما الي مكه، فاجتمعت الشيعه بالكوفه في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا معاويه فحمد الله سليمان و اثني عليه ثم قال:«ان معاويه قد هلك و ان حسينا اعلن علي القوم خلافه و خرج الي مكه و انتم شيعته و شيعه ابيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا اليه، و ان خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه»قالوا: «لا، بل نقاتل عدوه و نقتل انفسنا دونه».كتبوا اليه في اواخر شعبان، و شذ ان تري في الكتب المرسله اليه كتابا

ص: 57

بامضاء الواحد و الاثنين، و انما هي رقاع «مضابط» موقعه باسماء آحاد و عشرات من وجهاء و روساء و شيوخ يعترفون بامامته و يتمنون قدومه اليهم. بالفاظ جذابه و لكنها كذابه، و مواعيد جلابه لكنها خلابه، المشهور احصوا عليه في ايام قلائل اثني عشر الف كتابا، فاختلفت عند ذلك الاشارت عليه من اصحابه و خاصته: فمنهم المشير عليه باقامه مكه و ارسال عماله و دعاته الي الجهات، و منهم المشير عليه بالذهاب الي اليمن منبت الاخلاص و الايمان و مهب الحكمه و العروبه. و قد سبق منهم لابيه و لاوهم الصادق منذ ولاه النبي «ص» عليهم- لو لا ان المتوجه الي اليمن ينقطع خط رجعته كما تنقطع مواصلاته مع الافاق- و منهم المشير عليه بالمسير الي العراق عاصمه ابيه، و موطن اصحابه و مواليه، و معدن الفروسيه و الفراسه، و منبت الاموال و الرجال- و هما قوام كل حكومه-

ص: 58

الحسين يختار الكوفه

كانت خطه الحسين «ع» الي حين تواتر الرسل و الكتب اليه خطه دفاع عن نفسه و الالتجاه من آثام ببعه يزيد الي ملجا حصين.غير ان صريخ البلاد و العباد و هتاف الانصار و الامصار به وله و اليه حولا فكره من دفاع محدود الي دفاع وسيع النطاق، رجاء نصره الدين و دفع عاديه الظلمه عن المسلمين، فاستخار الله و ندب الي العراق- بعد ما كتب اليهم- ليث بني عقيل مسلما بن عمه حتي اذا وجدهم علي ما كتبوا اليه توجه اليهم بنفسه و اهله.و كان مسلم كبقيه آل علي رجل الصدق و الصفاء و مثال الشجاعه و الايمان، فقام لامر صهره و سيده الحسين «ع» و ما قدم الكوفه الا و تكونت جماهير الروساء لاخذ يمينه يبايعونه نائبا عن الحسين و قد كان لال علي «ع» و في صدورهم عتاب مع اهل الكوفه في خذلانهم الحسن بن علي «ع» و اغترارهم بدراهم معاويه. الا ان حسن استقبالهم لمسلم محا كل عتاب و كفر كل ذنب، لا سيما و ان الكرام سريعو الرضا و المصلح لا يحفظ غلا او حقدا.فكتب مسلم الي الحسين (ع) باقبال العامه و اخلاص الخاصه، نادمين علي ما فرطوا في جنب البيت الهاشمي الذي كانه سلطان انفع لدينهم و دنياهم، وحث الحسين (ع) علي القدوم الي العراق ليجدد علي ربوعه معالم اسلامه.

ص: 59

بنو اميه و الخطر الحسيني

اخذت قضيه الحسين «ع» تحرك العزائم و تنبه المشاعر في الدوائر الامويه، و ساد القلق علي حلفائهم و اوليائهم و هم عالمون ان حسينا يضرب علي ايدي الجائرين و لا يولي فاسقا امر المسلمين، فغدت رجال الحكم الاموي السنه و عيونا و اقلاما و سيوفا ضد الحركه الحسينيه- لا سيما في مناطق العراق و الحجاز- و استفزوا قبل كل شي ء حكوم الشام و الهيئه المركزيه بالتاهب للخطر الهاشمي.فكتب عمر بن سعد و عماره بن عقبه و عبدالله بن مسلم و اضرابهم الي يزيد: «اما بعد، فان مسلم بن عقيل قدم الكوفه و بايعته الشيعه للحسين «ع» فان يكن لك حاجه فابعث اليها رجلا قويا ينفذ امرك و يعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير- و الي الكوفه- رجل ضعيف او يتضعف» و كانهم و رسلهم استلفتوا انظار حكومه الشام الي انه اذا رسخت اقدامه بين النهرين و اهلوهما شيعه ابيه و مدائن كسري تواليه- منذ وليها سلمان و تزوج بشاه زنان- فانوار مباديه تشع ربوع ايران فيكون له منهم انصار المال، و انصار الحرب، و انصار الراي و الاداره، و انصار لنشر معارف القرآن و علوم شرع جده الزاهر. فاذا توفق بهم علي تكوين حكومه راقيه صار اولي من اميه بالولايه علي الاقطار حتي الحجاز و الشام، لان المهيمن علي العراق يهدد الحرمين و خطوط مواصلات

ص: 60

الشام اليهما، و ربما يجدد العراق علي الشام حرب صفين حينما ارض الشام خاليه من الداهيتين معاويه و ابن العاص.اما يزيد فلم يكن منه بادي ء بدء سوي استشاره «سرجون» مولي ابيه معاويه في كتب القوم اليه، فاشار عليه باستعمال عبيدالله بن زياد علي العراق، و كانت بينه و بين يزيد بروده و ابرز سرجون ليزيد عهدا كان معاويه قد كتبه في هذا الشان قبيل وفاته حسب ما ذكره المورخون (1) فوافق يزيد علي ذلك و انهي الي ابن زياد عهده و كتب اليه: «اما بعد، فانه كتب الي شيعتي من اهل الكوفه يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرا كتابي هذا حتي تاتي الكوفه فتطلب ابن عقيل طلب الخرزه حتي تثقفها و توثقه او تقتله او تنفيه» فاخذ ابن زياد من كتاب يزيد و رسوله قوه و بصيره و صلاحيه واسعه في المال و بث المواعيد.رايت حكومه يزيد من الدهاء الحزم سكوتها عن ابن الزبير موقتا حق يحسم الزمان امر الحسين «ع» الذي اصبح يهدد كيان اميه اي تهديد، فاذا قضت اميه لبانتها من الحسين سهل امر ابن الزبير عليها لان الرعب يسود علي اضداد يزيد بعد الاجهاز علي الحركه الحسينيه، و لان موقع ابن الزبير في النفوس ليس كموقع الحسين منها، لا سيما و ابن الزبير شحيح- و لا يسود الا من بجود- و لان ابن الزبير لم يرتبط ببلاد ذات خيرات و بركات كالعراق حتي يستفيد من ميرتها و ذخيرتها لجيشه لوا انتضي له جيش. فلو فرض استمراره علي خلاف يزيد بعد الحسين فنجند اميه يحاصره في بلاد الحجاز القاحله بين الجبال و الرمال حق يسلم هو و جنده او يقاتل وحده و الوحيد مغلوب.

ص: 61


1- 21. كما في العقد الفريد ج 2 ص 306 و ارشاد المفيد ص 84.

الكوفه بنظر الحسين

شاغت مبايعه العراق للحسين «ع» بالامامه ففرح اولياوه و اهل الحرمين و تفاءلوا من ذلك بعود الحق الي اهله، عسي ان تموت البدع و تحيا السنن. لكن خاصه الحسين- بعد الاطلاع علي سفر مسلم الي العراق- كانوا بين محبذ و مخطي ء و يمثل الاخير عبدالله بن عباس فجاء الي الحسين «ع» يحذره من الرواح الي العراق و يذكره بخذلانهم اخاه و عصيانهم اباه في حين انهم لم يكونوا يحلمون بامام كابي الحسن «ع» اشرف الناس، و اذكاهم، افصحهم و اسخاهم، و اعلمهم، و اتقاهم يلبس الخشن و يكسوهم حلله، و يبيت طاويا و ينفق عليهم ماكله، و يكد من سعي و سقي، و تصدق علي الفقراء. و اذا شنت عليهم الغارات فهو في مقدمه المدافعين عنهم، يخوض بنفسه حومه الوغي حتي يهزم الجمع و يولون الدبر. فاي اما يكون لهم كعلي و كيف كافئوه و اهله في حياته و بعد وفاته؟!.نعم، ابن عباس كان حبر الامه و ولي الائمه، رباه اميرالمومنين «ع» و علمه و اسر اليه من صفوه معارفه، و كان راجح العقل و الفضل و الخلق، و كان من اعز اقارنه علي الحسين، فان عليا قام في سنوات اعتزاله الخلافه بتربيه غلمه في المدنيه من اسرته و احبته.لكن الامام لم ياخذ براي محذر اذ كان يحسب نفسه في واد و المحذر في واد.

ص: 62

فحسين الفتوه- و نفس ابيه بين جنبيه- لا يسعه الا ان يلبي المسغيث به و لا يطيق الصبر علي محق الدين و سحق الموحدين و لو ذاق في جهاده الامرين.ان غايه ما كان يراه «ع» في تحذير المحذرين ان العراق لا يفي بوعده و لا يقوم علي عهده فهب ان ذلك كذلك فبما ضر الامام ان يتم الحجه عليهم قبل ان يتموا الحجه عليه، فان ظفر بمطلبه من اباده الظالمين فبها و نعمت و الا سار عنهم الي الثغور القاصيه حتي يفتح الله عليه بالحق و هو خير الفاتحين، او ياتيه الموت فيلاقي ربه غير خاضع لاعدائه.اما رحل الحسين «ع» وفتيته فكانوا كلما ذكروا العراق تجلت لديهم ذكرياته الحسني، و تذكروا حنانه نحو الغريب و طلاوه الحديث الجذاب و العواطف الرقيقه، و ذكروا عذوبه مائه و طيب هوائه علاوه علي ذكر من لقوه بالكوفه ممن تبودلت بينه و بينهم الحقوق و النعم و العواطف و الحسنات.فكانت هذه و التي سبقت خواطر مهمه ادت الي المسير نحو العراق و قبول ما استدعاه وكيله مسلم في كتابه، غير ان الجميع واثقون من ان الرحيل الي العراق لو كان فانما يكون بعد فريضه الحج و بعد الاضحي.

ص: 63

خروج الحسين من مكه

كان الحسين «ع» اوسع علما و اقوي دينا ممن انتقدوا عليه الخروج من مكه قبل اكمال الحج مستبدلا حجه بعمره مفرده ليتسني له الخروج يوم الترويه (1) و مجاوزه حدود الحرم باقرب وقت ممكن اذ صار بين جاذب و دافع تجذبه ظاهرا انباء حجاج العراق بان ابن زياد تاهب للخروج من البصره نحو الكوفه، و الحسين يعرف مبلغ دهائه و ريائه و قه اقدامه و جسارته، و انه اذا سبق الحسين «ع» الي الكوفه قلب القلوب و قطع عليه الدروب و استعمل لخذلان مسلم كل وسيله و حيله. و ان مسلما بنفسيته الحربيه قد تخفي عليه الحركات السياسيه فلا ينجح مع ذلك الشيطان و هو رجل المروءه و الايمان. فخرج الي الكوفه مسرعا انقاذا لمسلم و للمسلمين.و اما دفاعه عن الحرم فعلمه بالمكايد المدبره من خصومه لحصره او اغتياله في مكه من حين تفرق الحاج منها. فيصبح اما مقتولا او مقاتلا و في كلا الامرين هتك للحرم اللمنوع فيه سفك الدماء، و قد بدت بوادر مناواته من قدوم عمرو بن سعيد عامل يزيد قبل الترويه بيوم، و تقدمه الي الصلاه بالمسلمين، و بثه العيون حول الحسين و حول ابن الزبير فصلي الامام و طاف و سعي و حل الاحرام ثم خرج.

ص: 64


1- 22. و قصه خروج مذكوره في ارشاد المفيد ص 198.

و بعد ما عرف عمرو بن سعيد صرخ بالناس قائلا: «اركبوا كل بعير بين السماء و الارض و اطلبوا حسينا» و لم يحتشم حرمه البلدا الامين و لا النبي الامين.بادر الحسين «ع» بمسيره قبل ان يبادر العدو الي صده و احصاره و اغتياله، و الجاته الضروره الي حركه غير منتظره و خارجه عن الحسبان، و اوجد بمسيره هذا ثوره فكريه اوجبت انتشار خبره بسرعه البرق، و حقا: اقول ان الحسين «ع» مجتهد في نيته و مستفرغ كل ما في وسعه لنشر دعوته في كل عصر و مصر شحت و سائل النشر فيها، فكان لخروجه في غير اوانه دوي يرن صداه في الداخل و الخارج و الناس يستاءلون عن نباه العظيم و عن ان الحسين هل حج و خرج؟ و لماذا؟ و متي؟ و كيف؟ و الي اين؟.هذا و الحسين «ع» يسير بموكبه الفخم و حوله اهله كهاله حول القمر كان موكبه داعيه من دعاته، فان الخارج يومئذ من ارض الحج و الناس متوجهون الي الحج لا بد ان يستلفت الي نفسه الانظار و ان كان راكبا واحدا فكيف بركب و موكب..! انه لامر مريب و غريب يستوقف الناظر و يستجوب كل عابر.و هذه ايضا عمليه من شانها شهره امر الامام و انتشار خبره الهام. و ممن كان قادما الي الحج و استجلب نظره الركب و الموكب الفرزدق الشاعر قال: «حججت بامي في سنه ستين فبينا انا اسوق بعيرها حين دخلت الحرم اذ لقيت الحسين بن علي- عليهماالسلام- خارجا من مكه مع اسيافه و ارتاسه فقلت: «لمن هذا القطار؟ قيل: «للحسين بن علي» فاتيته و سلمت عليه و قلت له: «اعطاك الله سولك بابي انت و امي يا ابن رسول الله، ما اعجلك عن الحج؟» فقال:: «لو لم اعجل لاخذت» ثم قال لي: «من انت؟» قلت: «امرو من العرب» فلا و الله ما فتشني عن اكثر من ذلك ثم قال لي: «اخبرني عن الناس خلفك» فقلت: «من الخبير سالت، قلوب الناس معك و اسيافهم عليك و القضاء ينزل من السماء» و سالته عن اشياء من نذور و مناسك فاخبرني بها و حرك راحلته و قال: «السلام عليك».و كان موكب الحسين «ع» يسير في بطون الفيافي و المفاوز و قوافل القلوب تشايعه من بعد بعيد و خفيف اللحاق من عشاقه مصمم علي الالتحاق بموكبه بعد

ص: 65

اداء فريضه الحج باقرب ساعه، لكن الامام يجد في مساره و القمر دليل الركب و رفيقه و لما بلغ بطن عقبه لقيه شيخ من بني عكرمه فساله.«اين تريد؟» فقال الامام: «الكوفه». فقال الشيخ: «اندشك الله لما انصرفت. فوالله ما تقدم الا علي الاسنه و حد السيوف. و ان هولاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مونه القتال و وطاوا لك الاشياء فقدمت عليه كان ذلك رايا»فقال له الامام: «ليس يخفي علي الراي (1) و لكن الله تعالي لا يغلب علي امره» ثم قال «ع»: «و الله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العقله من جوفي، فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتي يكونوا اذل فرق الامم».

ص: 66


1- 23. هنا حق الجواب عم اعترض علي حسين الشرف: و لماذا لم يصالح يزيد كصلح الحسن (ع) لمعاويه فيجو بنفسه و عياله من الهلكه؟. بلي حرب آل النبي غدر بني اميه عده مرات و لم ينجحوا، اذ تصالح الحكمان في دومه الجندل، و غدر ابن العاص مندوب معاويه بابي موسي الاشعري مندوب الامام (ع) و صالح سيدنا الحسن معاويه فغدره هذا في وعوده و عهوده و اخبرا دس اليه السم فقتله. ثم جردوا ابن عمه مسلما من سلاحه بالايمان و العهود و سرعان ما حنثوا و نكثوا و قتلوه. افبعد هذا كله يثق حسين العلاء بوعود هولاء او يظن في صلحهم السلامه؟ و من جرب المجرب حلت به الندامه. نعم علم الحسين (ع) انه مقتول اذا بايع و مقتول اذا لم يبايع و في حاله خطره كهذه لا يسوغ شرع او عقل اختيار قتله خسيسه علي قتله شريفه «فقتل امري ء في جانب الله افضل» لا سيما و في اعلانه الاخلاف ظن النضره و النجده و مظنه ارجاع مجده و احياء شعار شرع جده (ص).

ابن زياد علي الكوفه

اما عبيدالله بن زياد فقد ضم يزيد الكوفه اليه مع البصره فحسب ذلك ضربا من الرفعه لا سيما و قد اعطي سعه النفوذ و السلطه التامه العامه. فمهد امره في البصره و عهد بازمتها الي اخيه عثمان و الي اعوانه المجربين خوفا من الدعايه فيها لابن الزبير او الحسين «ع» و تاهب الي الكوفه و معه شريك الحارثي من حيث لم يعلم العامه امرهما، و سرعان ما قدمها بكل جساره و دخلها متنكرا و متلثما و عليه عمامه سوداء يوهم الناس انه الحسين بن علي عليهماالسلام (1) و صار من يصادفونه في خطط الكوفه و طرقاتها يزعمونه الحسين السبط فيسلمون عليه بالامامه، و يحيونه بكل كرمه، و يقبلون يديه و رجليه، و هو لا يكلم احدا فوق راحلته، حتي بلغ قصر الاماره، فطرق الباب علي واليها المحصور النعمان بن بشير، حتي اذا عرفه فتح الباب و دخل.عند ذلك فشي خبره، و انه ابن زياد فباتت الكوفه تلك الليله تغلي كالمرجل، و الناس بين مثبت و مثبط، و ابن زياد دخل البلده وحده و علي حين غره و لم ينزل الا في مركز الحلكم، و اخذ في قبضته المال و السلاح، و رتب في ليلته علي الدوائر المهمه من لم يتجاهروا بصحبه مسلم، و اصبح مناديه يجمع الناس لخطابته في الجامع

ص: 67


1- 24. كما في الاشاد ص 185.

الاعظم، فرقي المنبر بكل جساره- و جساره الخطيب تعطي لكلامه قوه و تاثيرا علي الاوهام - فصار يعد و يوعد لا عن الله و رسوله بل عن لسان اميره يزيد، فبلغهم سلامه و لكن الناس لم يردوا السلام عليه اولا حتي اخذ يطمع المطيع بمواعد جسام و يهدد مخالفيه بحد الحسام- و السيف مصلت بيده- فعند ذلك رد السلام عليه نفر قليل ثم اضحي مناديه يجمع الروساء و العرفاء اليه لاخذ المواثيق و انجاز المواعيد و توزيع العطايا و معاقبه المتخلفين عقوبه صارمه، فهرع لندائه خلق كثير و انقلبت القلوب و انحرفت الوجوه و تبدلت لهجات الاذنديه و نشرات الشيع.نعم! لا ينقضي العجب من خيبه الكوفه في نهضتها الا بعد التدبر في اسبابها و اسرارها، و اذ باغت ابن زياد الكوفيين بزي الحسين «ع» حتي استقر في دار الاماره بين حاميه مستعده، و قد كان الواجب علي اهل الكوفه بعد ما لبي الحسين دعوتهم و ارساله مسلما وكيلا عنه ان تجتمع احياؤها و يتحدث روساوها فيخرجوا عامل يزيد و حاشيته، و يسلموا دوائرها الي وكيل الحسين «ع»، و ان يقترحوا عليه من الاعمال المهمه ما هم ادري به و اعرف، و مسلم لم يقدم عليهم كوال مختار او مفوض مطلق ليستقل في اعماله و اعمالهم بالتصرف و المسووليه، و انما بعثه الحسين «ع» كمعتمد يشرف علي امرهم و يستطلع حقيقه خبرهم. لكن الكوفيين- يا للاسف- غروا مسلما و اغتروا، و لم يغتنموا صفاء جوهم و تواني عددهم الي ان دهمهم ابن زياد و فرق جمعهم بالوعد و الوعيد و سكن فورتهم بالطمع و التهديد، حتي اذا سكت الضجيج من حول مسلم نفي الرجال العالمين لمعونه مسلم من بلده، و زج في السجن من وجوه الشيعه- امثال المختار الثقفي، و المسيب بن نجبه، و سليمان، و رفاعه و غيرهم- ممن لم توثر عليهم التضييقات و لا اغتروا بباطل الوعد و استوظف آخرين، ثم اختفي بعد ذلك اكثر المتهوسين في زوايا البيوت.

ص: 68

مقتل مسلم و هاني ء

ان مسلما ز و هو الذي بايعه اكثر من ثلاثين الف مسلم- بقي وحيدا فريدا بعد القبض علي الوجوه من اوليائه، فلاذ بصديقه هاني ء- اكبر مشايخ الكوفه سنا و شانا و بصيره و عشيره- اذ كان معمرا فوق الثمانين و شيخ كنده اعظم ارباع الكوفه، و كان اذا صرخ لباه ثلاثون الف سيف، و كان هو و ابوه من احبه علي «ع» و انصاره في حروبه العراقيه الثلاث.فانزل هاني ء مسلما علي الرحب و السعه و الحفاظ حتي يفرج الله عنه، و تظاهر هاني ء بالتمارض مجامله مع ابن زياد في عدم اجابته لدعوته، لكن ابن زياد يطمع في هاني ء و سابقته معه ويري في جذب امثاله من المتنفذين معونه كبري لانقاذ مقاصده.و يروي آن هانئا (1) اقترح علي عميد آل عقيل و مندوب الحسين (مسلم) الفتك بابن زياد غيله و غفله لكن مسلما لم يجب بسوي كلمه: «انا اهل بيت نكره القدر».كلمه كبيره بعيده المرمي، فان آل علي «ع» من قوه تمسكهم بالحق

ص: 69


1- 25. كما في العقد الفريد ج 2 ص 306 و مقاتل الطالبيين و تاريخ الطبري و غيرها.

و الصدق نبذوا الغدر و المكر حتي لدي الضروره، و اختاروا النصر لاجل بقوه الحق علي النصر العاجل بالخديعه، شنشنه فيهم معروفه عن اسلافهم و موروثه في اخلافهم، كانهم مخلوقون لاقامه حكومه الحق و الفضيله في قلوب العرفاء الاصفياء، و قد حفظ التاريخ لهم الكراسي في القلوب.و بالجمله، فقد دبر ابن مرجانه حيله الفتك بهاني ء فاحضره لديه بحجه مداوله الراي معه في الشوون الداخليه. غير ان هانئا بعد ما حضر لديه غدر به ابن زياد، و شتم عرضه، و هشم انفه، و قطع راسه.و كان لهذه الحادثه دوي في الرووس و في النفوس، و استولت بذلك دهشه علي الجمهور ادت الي تفرق الناس من حول مسلم، فامسي وحيدا حائرا بنفسه و مبيته، و اشرف في طريقه علي امراه صالحه في كنده- تسمي طوعه، و هي ام ولد حازت شرف التاريخ، اذ عرفت قيمه الفضيله، بينما قومها ضيغوا هذا الشرف الخالد و غرتهم المطامع- جالسه علي باب دارها فاستسقاها ماء فجاءته به و شرب ثم وقف يطيل النظر الي مبدء الشارع تاره و الي منفذه اخري- كانه يتوقف من يتطلبه- فتوسمت المراه فيه غربته و سالته فقال: «نعم انا مسلم بن عقيل، خذلني هولاء» فستعظمت طوعه ذلك و دعته الي بيتها لتخفيه حتي الصباح، و فزشت له في بيتها و عرضت عليه العشاء فلم ياكل، و لم يكن باسرع من ان جاء ابنها و قد كان مع الغوغاء، فاوهمه تردد امه الي البيت و قال لامه: «و الله ليريبني كثره دخولك هذا البيت» ثم الح عليها فاخذت عليه العهود كي لا يفشي سرها و سر مندوب الحسين «ع» و اخبرته بالامر بعد الايمان، ثم ان الغلام غدا عند الصباح الي ابن الاشعث و افشي له سر مسلم و مبيته، فابلغ بذلك ابن زياد فارسل الجموع للقبض عليه.بلي! ان ابطال صادقين كبني هاشم ان تاخروا في ميدان السياسه و الخداع فلهم قصب السبق في ميادين العلم و الدين و الجود و الشرف و مقارعه الكتائب.و كان ندب بني هاشم يتلو القرآن دبر صلاته اذ سمع وقع حوافر الخيل و همهمه الفرسان، فاوحت اليه نفسه بدونو الاجل، فبرز ليث بني عقيل من عرينه

ص: 70

مستقبلا باب الدار و العسكر- و عليهم محمد بن الاشعث- و انتهي امر المتقابلين الي النزال و نزيل الكوفه راجل و هم فرسان، لكن فحل بني عقيل شد عليهم شد الضرغام الانعام و هم يولونه الادبار، و يستنجدون بالحاميات، و قذائف النار ترمي عليه من السطوح.اضطر ابن الاشعث الي وعده مسلما بالامان اذا القي سلاحه فقال: «لا امان لكم»بعد ما كرروا عليه راي التسليم فريضه محافظه للنفس و حقنا للدماء فسلم اليهم نفسه و سلاحه ثم استولوا عليه فعرف انه مخدوع فندم و لات حين مندم.و لما ادخلوه علي ابن زياد لم يسلم عليه بالامره فقال له الحرس: «الا تسلم علي الامير؟». فقال: «ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟!» فقال له ابن زياد:«لعمري لتقتلن». قال: «فدعني اوصي بعض قومي». قال: «افعل».فنظر مسلم الي جلساء عبيدالله و فيهم عمر بن سعد بن ابي وقاص فقال: «يا عمران بيني و بينك قرابه ولي اليك حاجه و هي سر» فامتنع عمر ان يسمع منه. فقال له عبيدالله: «لم تمتنع ان تنظر في حاجه ابن عمك؟» فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد فقال له: «ان علي بالكوفه دينا استدنته منذ قدمت الكوفه و هي سبعمائه درهم، فبع سيفي و درعي فاقضها عني، و اذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و ابعث الي الحسين «ع» من يرده، فاني قد كتبت اليه و اعلمته ان الناس معه، و لا اراه الا مقلبلا، و معه تسعون انسانا بين رجل و امراه و طفل».فقال عمر لابن زياد: «اتدري ايها الامير ما قال لي؟» فقال له ابن زياد: «اكتم علي ابن عمك». قال: «هو اعظم من ذلك، انه ذكر كذا و كذا». فقال له ابن زياد» «انه لا يخونك الامين و لكن قد يوتمن الخائن. اما ماله فهو له ولسنا نمنعك ان تصنع به ما احببت، و اما جثته فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها، و اما الحسين فان هو لم يردنا لم نرده» ثم قال لعمر بن سعد: «اما و الله اذ دللت عليه لا يقاتله احد غيرك».ثم اقبل ابن زياد علي مسلم يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا و مسلم لا يكلمه،

ص: 71

ثم قال ابن زياد: «اصعدوا ه فوق القصر و اضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده» فصعدوا به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي علي رسوله و يقول: «اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا» فضربت عنقه و اتبع جسده.كان مقتل مسلم يوم الاربعاء لتسع مضين من ذي الحجه- يوم عرفه- سنه ستين من الهجره و قد كان خروجه في الكوفه يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجه- يوم الترويه- و هو اليوم الذي قتل فيه هاني ء و يوم خرج فيه الحسين «ع» من مكه يقصد الكوفه ملبيا دعوتها.اجل! قتل مسلم و قتل به امل كل مسلم و اسقطوا بجسمه من علي القصر- سقوط الجسم لا سقوط الاسم-.هذا، و عيون الناس تري هانئا في السوق و ابن عقيل، و ما جئه الرجلين بذلك المنظر الفظيع الا آيه انحراف الحزب السفياني عن سنن الدين، و موعظه و موقظه للغافلين، و في ذلك عبره لمن يعتبر، و في كوفه الخذلان ما اكثر العبر و اقل المعتبر.

ص: 72

حاله الحسين بعد مقتل مسلم

روي عبدالله بن سليمان و المنذر بن المشعل الاسديان قالا:لما قضينا حجنا لم تكن لنا همه الا اللحاق بالحسين «ع» في الطريق، للنظر ما يكون من امره، فاقبلنا ترفل بنا ناقتانا مسرعين حتي لحقناه بزرود، فلما دنونا منه اذا نحن برجل من اهل الكوفه قد عدل عن الطريق حين راي الحسين، فوقف الحسين «ع» كانه يريده، ثم تركه و مضي. فقال احدنا لصاحبه: «اذهب بنا الي هذا لنساله، فان عنده خبر الكوفه» فمضينا حيت انتهينا اليه فقلنا: «السلام عليك» فقال: «و عليكم السلام» قلنا «من الرجل»؟ قال: «اسدي». قلنا له: «و نحن اسديان، فمن انت؟» قال: انا بكر بن فلان» و انتسب و انتسبنا ثم قلنا له «اخبرنا عن الناس وراءك» قال:«نعم له اخرج من الكوفه حتي قتل مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروه، و رايتهما يجران من ارجلهما في السوق»فاقبلنا حتي لحقنا «الحسين فسايرناه حتي نزل الثعلبيه ممسيا فجئناه حين نزل،فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له: «رحمك الله ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك علانيه و ان شئت سرا». فنظر الينا و الي اصحابه ثم قل: «ما دون هولاء سر» فقلنا له: «رايت الراكب الذي استقبلته عشيه امس؟» قال: «نعم،

ص: 73

و قد اردت مسالته». فقلنا: «قد و الله استبر انا لك خبره و كفيناك مسالته، و هو امرو منا ذو راي و صدق و عقل، و انه حدثنا انه لم يخرج من الكوفه حتي قتل مسلم و هاني ء، و رآهما يجران في السوق بارجلهما». فقال: «انا لله و انا اليه راجعون، رحمه الله عليهما» يردد ذلك مرارا. فقلنا له: «ننشدك الله في نفسك و اهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا، فانه ليس لك بالكوفه ناصر و لا شيعه، بل نتخوف ان تكون عليك».فنظر الي بني عقيل فقال: «ما ترون؟ فقد قتل مسلم» فقالوا: «و الله لا نرجع حتي نصيب ثارنا او نذوق ما ذاق» فاقبل علينا الحسين «ع» و قال: «لا خير في العيش بعد هولاء» فعلمنا انه قد عزم رايه علي المسير. (1) .سمع الحسين «ع» حوالي «زرود» نعي عميد بيته و لكنه لم يتحول عن نيته، و لا غير وضيعته مع صحبه و اهله، و لا ابدي من مظاهر الحزن سوي الاسترجاع، و اخفي كل حزنه في اعماق قلبه، لان العيون لدي الشدائد شاخصه الي الزعيم، فان بدا عليه لا ئحه حزن عم الغم احباءه، و توهم كل منهم ماشاءالله ان يتوهم، و ارتبك علي الزعيم امر نظمه و حكمه. غير ان حسينا دخل خباه و طلب طفله مسلم و اجلسها في حجره يمسح علي راسها بيده يسلي بها نفسه و يسليها بذلك.نعم! حس الجميع و في مقدمتهم الحسين «ع» بالانكسار النهائي بعد ما جري علي مسلم و تبدل حاله الكوفه. و كانت آمال الحسين معقوده علي الكوفه و قد انقلبت و هي عليه و قتلت معتمد الحسين فبما معني التوجه اليها؟ و اي اعتماد بقي عليها؟ لكن ثبات الحسين علي سيرته و مسراه ضرب علي هذه الاوهام و صانها من التفرق.و شبل علي «ع» يري في توجهه الي الكوفه- بعد كل ذلك- ابلاغ الحجه، و الاعلام بانه اجاب دعوتهم و لبي صرختهم، و انه لم ينحرف عن نصرته و قتلهم مبعوثه مع شيعته- فان الامام يعامل الامه دون الاشخاص و الشخصيات، و هو

ص: 74


1- 26. الارشاد ص 201 و غيره.

يامل مع ذلك في مسلكه التحاق الانصار، و تلبيه الامصار، و انقلاب حاله الكوفه كره اخري.و لما شاع نعي مسلم في ركب الحسين «ع» و انقلاب الكوفه ضده بعد ان كانت الطمع الوحيد لتحقيق آمال اهله و صحبه، لا سيما بعد ما خطب فيهم الامام و حل عنهم البيعه و الذمام صار كثير من ذوي الطمع و ذباب المجتمع يتفرقون عنه سرا و جهارا ليلا و نهارا، و سلموا و لي نعمتهم حين الوثبه، و خذلوه عند النكبه، بعد ما كانوا يضيقون فسيح خوانه حتي علي اخوانه.لا ضير! فان خف رحل الحسين «ع» من القش و ذوي الغش فقد ملا فراغهم ابطال صدق ممن عشقوا الحسين «ع» فالتحقوا به لا خوفا من رجاله و لا طمعا في ماله، بل وجدوا من اختار نفسه و نفيسه فداء للاسلام ففدوه بكل ما عز و هان.

ص: 75

مقابله الحر للامام

بعد ما تمكن ابن زياد من ابطال الحركه الحسينيه في داخليه الكوفه، واستاصل جذورها، و اباد بذورها بالوعد و الوعيد و السجن و التبعيد و الفتك و الهتك و التخويف و التوظيف و استعماله السيف و الرغيف و مزاج الضرب بالضرب، و اطمان من داخليه الكوفه، و كسب الامنيه التامه عمد الي الخارج و تمسك بالوسائل الفعاله ضد الحسين «ع» حينما استخبر نزوله في ذات عرق و دخوله العراق- و بابه القادسيه «الرحبه»- فارسل اليها جيشا عليه الحصين ابن نمير- صاحب شرطه عبيدالله في الكوفه- ليقطع علي القادمين من الحجاز طريقهم، و يومن الضواحي و النواحي من الغارات و الثورات، و يحفظ خطوط المواصلات بين الكوفه و الشام. فامر ان توخذ الطرق بينها و بين واقصه الي البصره فلا يدعون احدا يخرج، و حصرها ينطاق جيشه الي جذعان «خفان» من جهه و الي القطقطانيه من الاخري، فاحتلها حصين بجيشه و حصنها. ثم ارسل الي العيون و الابار التي علي طول طريق الحجاز مفرزه من العسكر، اذ القوافل مهما حادث في مسيرها عن الطريق المعروفه فهي مضطره الي النزول علي الابار و العيون سقيا للراحله او ترويحا للسابله.و كان ممن ارسله الي حراسه البر الحر بن يزيد الرياحي، و قد تلقي ركب

ص: 76

الحسين «ع» بعد وصوله الي اشراف امره بالتزود من مائها فوق قدر الحاجه بكثير و لم يعرفوا سر ذلك، حتي اذا بلغوا ذي حسم كبر رجل من اصحابه تكبيره الاعجاب زاعما انه راي نخيل الكوفه، و بعد ان اجمعوا علي استبعاد رايه و تحققوا علموا انها رووس رماح و طليعه كفاح، فتحيز الحسين «ع» برحله الي هضاب ذي حسم قائلا: «نحط بالرحل وراءه لنلق القوم من وجه واحد».و اخذ الحسين الاحتياطات الحربيه ليلوذ رحله بالهضاب فيدفع الرماه من فوقها تامينا لخطه الدفاع عن النواميس بكل معانيها، و ما لبثوا حتي اسفرت الاثار عن الحر بن يزيد الرياحي و معه الف فارس ارسلته القياده العامه الامويه لحراسه البر، و لكي يقطعوا علي الحسين «ع» طريقه اينما صادفوه ثم لا يفارقونه الي ان ياتوا به الي اقرب مركز للحكومه حتي اذا اطمانوا من مسالمته و مبايعته ادخلوه علي ابن زياد.اما الحر و اصحابه فقيل ان يظهروا مهمتهم اظهروا بلسان الحال و المقال عطشهم المفرط، و انهم من طول جولاتهم في البر و الحر حيث لاماء و لا كلاء، و قد اشرفوا علي العطب فامر حسين الفتوه فتيانه و غلمانه بسقايه الاعداء و ارواء خيلهم. (1) .فعرف عندئذ صحب الحسين «ع» سر استعداده بالماء ليوم سماح او كفاح، و لما ستعبد الحر بالبر- و بالبر يستعبد الحر- ساله عن غايته، فاجاب علي استحياء بانه مرسول اليه ليوفده علي ابن زياد.و لما قال له الحسين: «قم الي اصحابك فصل بهم و نحن نصلي مع اصحابنا». اجباه الحر: «بل تقدم الي الصلاه يا ابن رسول الله و نحن نصلي بصلاتك». كانه يذكر الحاضرين ان الحسين: «ع» امام حق و ابن امام، و ان صلاه غيره بصلاته تصح و بصلاته تقام.ثم ان الحسين «ع» لم يسمعه- بعد ان راي من كتبوا اليه كتائب عليه- الا الذكري و الاحتجاج، فقال: «يا اهل الكوفه! انكم كتبتم الي و دعوتموني الي

ص: 77


1- 27. في الارشاد ص 203 و الطبري و غيرها.

العراق لانقاذكم من سلطه الجور و الفجور، فجئتكم ملبيا دعوتكم فان كنتم قد تغيرتم عما كنتم عليه فاتركوني ارجع من حيث اتيت».قال هذا و اخرج لهم الكتب اعتمادا علي شهامه الحر- و صدور الاحرار قبور الاسرار- و الاتمام الحجه علي الحاضرين من اصحابه فاعتذر الحر بانه ليس ممن كتب اليه.و لا ننسي ان الحر هاجت عليه في ذلك الموقف الرهيب افكار متضاربه لم تسمح له الظروف الحاضره ان يختار منها سوي طريقه و سطي عرضها علي الامام، و هي: ان يسلك من فجاج البر سبيلا وسطا لا يودي الي الشام و لا يدخله الكوفه حتي يكون بذلك نجاه الطرفين. فاستحسنه الحسين «ع» لانه يريد الاتقاء من الاشرار دون ان يبلغ احدا بسوء، و ظن الحر لنفسه في ذلك مناصا من مظلمه ايذاء العتره النبويه، و مقنعا لامراء اميه، فيدفع عن عراقهم نهضه الحسين «ع» و اراحهم منها بدون سفك مهج، و لا خوض لجج. فكتب بعد نزوله «اقساس» مالك كتابا الي ابن زياد يتضمن الراي و الروايه.

ص: 78

الكوفه تقاد الي الحرب

خضعت الكوفه لدهاء ابن زياد بعد مقتل مسلم، و انقادت اليه احياؤها و روساوها، و ذللت صعابها تذليلا لكنه لم يزل قلق البال لعلمه بمبلغ تاثير الدعوه الحسينيه في المجامع و المسامع و ماله في العراق من سابقه و لاء و اولياء. و كان ابن زياد محنكا قد درس هو و ابوه حاله العراق الروحيه و سرعه انقلاب هوائه و اهوائه، و ان لابنائه نائمه و قائمه، كم اغترت بهما اولياء الامور و الساسه، فجائز ان ياتيها الحسين «ع» بجنود لا قبل له بها، او يتمركز بالقادسيه فتلتف حوله قبائل باديه الشام و عشائر الفرات- ما بين الكوفه و البصره- او بحدث من اقترا به دوي ينعكس صداه في داخل الكوفه فيستفز الحسيات و النفسيات فيثورون عليه و يستخرجون من سجونه وجوه الشيعه و رووس القبائل، فلا يمسي ابن زياد الا قتيلا او اسيرا.و علي اي يتهدم كل ما بناه و لا يعود عليه التسامح الا بالخسران و عليه اندفع ابن زياد بجميع قواه الي تامين الخارج بعد تعزيز الامن في الداخل و تحشيده الكوفيين لحاربه الحجسين «ع»، فبادر الي احتلال القادسيه قبل ان يسبقه اليها الحسين و النقاط المهمه في الحدود علي خطوط سابله الحجاز، و ما لبث ان ورد عليه كتاب الحر الرياحي و اتته البشائر تتري علي ان الحسين «ع» ورد و ابعد عن

ص: 79

حدود الكوفه الي جهه الشمال الغربي مسافه قاصيه هو و نفر قليل من خاصته، بحيث لا يعود من الممكن ان يهيمن علي ضواحي الكوفه فضلا عما بينه و بين البصره، و ان جيش الحر الرياحي اصبح يراقبه في المسير و هو كاف لصده او رده.بات ابن زياد ليلته هادي ء البال، و كتب بذلك كله الي يزيد لتامين خواطر ميلان الحر و صلاته بجيشه مع الحسين «ع» و قال ابن رسول الله جذاب النفوس بهديه و مستملك القلوب بحديثه، فلا يبعد ان يعلن الحر في صحبته ولاءه و انضمامه اليه، و يسري نبا تمرده في امثاله من اركان القياده العسكريه، و يتسع الخرق علي الراقع، او يتمركز الحسين في الانبار فيحصر علي ابن زياد الميره و الذخيره، و لا يسع ابن زياد ان يحاصره بسبب شكل النهر، و موالاه عشائر البر، و قربه من مدائن كسري.و اينما حل سبط الرسول «ص» ناشرا دعوته الصالحه سواء العراق او ايران- فانها تصادف انتشارا و لا تعدم انصارا. فوثب ابن زياد يبث المواعيد ثانيه و يوزع الاموال بين الشعائر و الاكابر ليولف. منها اجنادا و قوادا.

ص: 80

ولايه ابن سعد و قياديه

كان التخوف من تسرب الدعوه الحسينيه الي وراء الفرات و حدود العجم لا يقصر عن التخوف من قدومه الكوفه، لان القطرين العراقي و الفارسي بينهما علائق متواصله و مصالح متبادله. حتي لقد كان اعزام عمر بن سعد الي حرب الحسين «ع» مع ترشحه لولايه الري بعض فصول هذه الروايه المحزنه، فان ولايه ايران لا تكاد تستقر لابن سعد و الحسين «ع» متوجه اليها بدعوه نافعه و حجه بالغه و عائله من لحمه النبي «ص» و بين الحسين و بين الفرس مصاهره في العائله المالكه المنقرضه.و كل هذه عوامل قويه لنفوذ الدعوه الحسينيه في بلاد كسري، فلم يجد و الي العراقين سبيلا الي اماته هذه الظنون خيرا من ترشيح عمر بن سعد لولايه الري،و قد ان ابوه سعد بن ابي وقاص من قواد حيشها الفاتح، فلهم من شهرته كل الرعب و له تمام الرغبه فيهم، اذ كانت ولايه جمه المنافع متنوعه المطامع، و ظاهر ان ولايتها يومئذ كانت ذات صله قويه بايقاف الحركه الحسينيه ليتسني لواليها حريه الاداره و الا اراده، لذلك لما راي من ابن سعد تزلفا اليه و الي يزيد، و نقمه علي نهضه الحسين «ع» يوم كتب الي يزيد بقوه امر مسلم في الكوفه، و يوم كتب الي يزيد بقوه امر مسلم في الكوفه، و يوم افشي الي ابن زياد سر ابن عقيل في وصيته اليه اقنع ابن زياد عمر باخذ التدابير اللازمه

ص: 81

لاخضاع حسين الشرف قبل التوجه الي مهمته الاولي في ايران.نعم! وجد ابن زياد عرم اصلح الناس لاخضاع الحسين «ع» سواء بغرض الاخضاع او الاقناع، اذ كان يومئذ امس الكوفيين رحما بالحسين «ع» و عليه مسحه شرف من قريش و نسبه الي الحرمين، فسرحه لمقابله الامام خداعا و استطماعا- و اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع-.اما ابن سعد فقد استمهل ابن زياد ليلته ليفكر مستعظما اقدامه الي مقابله الحسين «ع» لعلمه ان الحسين داعيه حق، و انه كابيه علي «ع» افضل من ان يخدع و اعقل من ان ينخدع و لا يسع ابن سعد اذا قابله ان يقاتله، بل يقضي عليه واجبه الديني و الرحمي ان ينضم اليه و ثاتل خصومه بين يديه. غير ان له في ملك الري قره عين، و يهجه نفس، و راحه عائله، و تامين مستقبل مديد فبات قلقا اراقا بين جاذب و دافع، يجبيل فكرته بين المضار و المنافع، و يردد ابياته المعروفه:فو الله ما ادري و اني لحائر افكر في امري علي خطرينااترك ملك الري و الري منيتي ام ارجع ماثوما بقتل حسينحسين ابن عمي و الحوادث جمه لعمري ولي في الري قره عينو ان اله العرش يغفر زلتي و لو كنت فيها اظلم الثقلينالا انما الدنيا بخير معجل و ما عاقل باع الوجود بدينيقولون ان الله خالق جنه و نار و تعذيب و غل يدينفان صدقوا فيما يقولون انني اتوب الي الرحمن من سنتينو ان كذبوا فزنا بدينا عظيمه و ملك عقيم دائم الحجلينو كان خاطره الاخير حدثه بانه: ان اظهر علي الحسين «ع» فبها، و الا فحسين الفتوه اكرم من ان يعاقبه او ينتقم منه.و بالجمله، فلم يشعر بنفسه الا قائدا جيشا كثيفا الي حرب الحسين «ع» في نينوي، اذ بها يتلقي الخط العراقي الايراني بالخط العراقي الحجازي و هي المرحله المشرقه عي نقطه الانبار، فبلغه نزول الحسين «ع» بكربلاء قبله بيوم مع قائد المغرزه الحر الرياحي.

ص: 82

منزل الحسين بكربلا

ان عوام الياس التي تبعت نعي مسلم و سوء صنيع الكوفه به لم توثر في عزيمه الحسين «ع»، و لا ما بلغه من فاحش فعلهم برسوليه عبدالله ابن يقطر و قيس بن مصهر الصيداوي، و لا ما رآه في ملتقاه بجيش الحر، لان داعي الحق لا يقنط من روح الله. و لكنما جيش الكوفه هو الذي صده عنها و عن كل آماله فيها فسلك ركبه و موكبه سبيلا وسطا لا يدرون الغايه و لا يعرفون النهايه. الحر يساير الامام كي يخرجه عن حدود اميره حتي يعود اليه ببشاره تومن باله و تطمن خياله.و يخيل للناظر في الحرمه الحسينيه ان في خلد الامام اين يعبر الفرات الي الانبار و المدائن عسي ان يجد لدعوته انصارا و شيعته و بيئه و سيعه، فبيناهم و الحر في تيامن و تياسر اذ لحقهم راكب متنكب قوسه فسلم علي الحر و اصحابه و دفع اليه كتاب ابن زياد، فقراه الحر علي الحسين «ع» و اذا فيه: «اما بعد فجفجع بالحسين حين يبلغك كتابي هذا، و لا تتركه الا بالعراء في غير خضر و علي غير ماء»فعرضوا عليه النزول فسال الحسين «ع» عن اسم الارض فقيل: كربلا فقال: «نعوذ بالله من الكرب و البلاء، هل لها اسم غير هذا؟» فقيل له: العقر فقال: «نعوذ بالله من العقر، ماشاءالله كائن» ثم قال للحر: «دعنا ننزل في هذه القريه- يعني نينوي- او هذه- يعني الغاضريه-، او هذه- يعني

ص: 83

الشفيثه-». فقال الحر: «هذا رجل قد بعث الي عينا علي». فقال زهير بن القين: «اني و الله لا اري ان يكون بعد الذي ترون الا اشد مما ترون، و ان قتال هولاء القوم الساعه اهون علينا من قتال من ياتينا من بعدهم، فلعمري لياتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به» فقال الحسين «ع»: «ما كنت لابداهم بالقتال» ثم نزل و ذلك يوم الخميس ثاني محرم.

ص: 84

جغرافيه كربلاء القديمه

ان لهذا البحث صله قويه بوضوح مقتل الحسين «ع» و حوادثه التاريخيه. و استيفاء هذا البحث يكلف صاحبه، اذ لا يجد المصادر الوافيه بالتفاصيل الجغرافيه عن كربلا القديمه في ايام قتل الحسين «ع». و اني اجتزي ء في اداء هذ الواجب بالمكن، بحسب ما اظنه.ان كربلاء اسم قديم ماثور في حديث الحسين و ابيه و جده- عليهم السلام- و مفسر بالكرب و البلاء، و ان كربلا منحوته من كلمه: كور بابل العربيه، بمعني مجموعه قري بابليه منها نينوي القريبه من اراضي سده الهنديه، ثم الغاضريه- و تسمي اليوم اراضي الحسينيه-، ثم كربله- بتفخيم الللام بعدها هاء- و تقرب اليوم من مدينه كربلاء جنوبا و شرقا ثم كربلاء او عقر بابل و هي قريبه من الشمال الغربي من الغاضريات و باطلالها آثار باقيه، ثم النواويس (1) و كانت

ص: 85


1- 28. «النواويس» جمع ناووس، و هو ظرف م خزف او من خشب. كان البابليون يضعون موتاهم فيها، يدفنوها، و النواويس مقبره في كور بابل. و قد جاء في خطبه الحسين (ع) المرويه في الارشاد: «و كان باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا... الخ.».

مقبره عامه قبل الفتح الاسلامي، ثم الحير و يسمي الحائر و هو اليوم موضع قبر الحسين «ع» الي حدود رواق روضته المشرقه او حدود الصحن. و كان لهذا الحائر و هذه فسيحه محدوده بسلسله تلال ممدوده (1) و ربواب تبدا من الشمال الشرقي متصله بموضع باب السدره في الشمال و هكذا الي موضع الباب الزينبي من جهه الغرب، ثم تنزل الي موضع الباب القبلي في جهه الجنوب، و كانت هذه التلال المتقاربه تشكل للناظرين نصف دائره مدخلها الجبهه الشرقيه حيث يتوجه منها الزائر الي مثوي سيدنا العباس بن علي- عليهماالسلام- و يجد المنقبون في اعماق البيوت المحدقه بقبر الحسين «ع» اثار ارتفاعها القديم في اراضي جهات الشمال و الغرب، و لا يجدون في الجهه الشرقيه سوي تربه رخوه و اطئه، الامر الذي يرشدنا الي وضعيه هذه البقعه و انها كانت في عصرها القديم واطئه من جهه الشرق (2) .و رابيه من جهتي الشمال و الغرب علي شكل هلالي، و في هذه الدائره الهلاليه حوصر ابن الزهراء «ع» في حربه حين قتل كما سياتي:و اما نهر الفرات فكان عموده الكبير ينحدر من اعاليه يسقي القري الي ضواحي الكوفه، و كذلك ينشق من عمود النهر «الشط» من شمالي المسيب نهر كفرع منه يسيل علي بطاح و وهاد شمالي شرقي كربلاء حتي ينتهي الي قرب مثوي سيدنا العباس- رضي الله تعالي عنه ثم الي نواحي الهنديه، ثم ينحدر فيقترن بعمود الفرات في شمال غربي قريه ذي الكفل و يسمي حتي اليوم العلقمي، و كان هذا الفرات الصغير من صدره الي مصبه يسمي العلقمي. و الطف اسم عام لاراضي نتحسر عنها مياه النهر و سيمت حوالي نهر العلقمي البارزه من شواطئه طفا لذلك، و سميت حادثه الحسين «ع» فيه بواقعه الطف.

ص: 86


1- 29. و يستنبط شكل الحائر علي هذه الوضعيه مما ثبت في تاريخ المتوكل العباسي عندما اجري الماء علي قبر الحسين لمحو مزاره و آثاره، فحار و استدار حول القبر و الماء بطبعه يجري علي الارض المنخفضه. و جوانب الحائر انت و لا تزال نواشر لا يعلوها الماء غير الجانب الشرقي مما يلي نهر الفرات يومئذ، حيث كان الفيضان يشكل فيه من المشرعه احوارا و آجاما، ثم يعود طفا ايام الفيضان.
2- 30. و يويد هذا ما رواه جعفر بن قولويه في كامل الزياره، و شيخه الكليني في الكافي، و المجلسي في مزار البحار ص 145 عن الامام الصادق جعفر بن محمد (ع): «ان زائر الحسين يغتسل علي نهر الفرات و يدخل من الجانب الشرقي الي القبر الخ».

الامام مصدود محصور

حل حرم الحسين «ع» حدود كربلاء في ثاني محرم سنه 61 ه، و انزل في بقعه منها جرداء بعيده عن الماو و كلاء و صار معكسره زاويه مثلث يقابله جيش الحر في الغاضريان و جيش ابن سعد في نينوي. و كان الحر يري مهمته المراقبه علي مسير الحسين «ع» فقط غير مهتم في اخضاعه و لا في اقناعه و لا في ارجاعه، حتي و افاه عمر بن سعد مهمتما في اقناعه و اخضاعه، فصار هو و الحسين «ع» يتبادلان الراي و الرسل ابتغاء الوصول الي حل مرضي.و كلف ابن سعد من بين حاشيته رجالا لمواجهه الامام فابوا معتذرين انهم ممن كتبوا اليه يدعونه، فعم يستاءلون؟ فارسل ابن سعد الي ابن الرسول «ص» رسوله الحنظلي، فجاء الي الامام و ساله علي لسان اميره عن موقفه و مسيره فاجابه الحسين: «قد كتب الي اهل مصركم يدعونني اليهم، اما اذا كرهتم ذلك فانا انصرف عنكم».قال حبيب بن مظاهر للرسول- و هو من اخواله-: «و يحك يا قره اين ترجع الي القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بابائه ايدك الله بالكرامه»فقال له الحنظلي: «ارع الي صاحبي بجواب رسالته و اري رايي»ثم انصرف الي عمر بن صعد و اخبره الخبر، فقال عمر: «ارجو ان يعافيني الله

ص: 87

من حربه و قتاله» ثم كتب الي ابن زياد ما جري بينه و بين الحسين «ع» و ان الامام مستعد للانصارف عن العراق و عن كل امل فيه.قال حسان العبسي: كنت عند ابن زياد حينما جاءه هذا الكتاب و قراه فقال:الان اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاه ولات حين مناص (1) .ثم اجتمع الحسين «ع» بعمر بن سعد تحريا منه للسلم و احتراما للدماء فتناجيا طويلا فكتب هذا الي ابن زياد:«اما بعد، فان الله قد اطفا النائره، و جمع الكلمه، و اصلح امر الامه، هذا حسين قد اعطاني عهدا ان يرجع الي المكان الذي اتي منه او يسير الي ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم».و لما تلاه ابن زياد قال: «هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه» يعني علي قريش، فقام شمر بن ذي الجوشن قائلا: «اتقبل هذا منه و قد نزل بارضك؟ و الله لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن، اولي بالقوه و لتكونن اولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزله، فانها من الوهن، و لكن لينزل علي حكمك هو و اصحابه، فان عاقبت فانت اولي بالعقوبه و ان عفوت كان ذلك لك». فلما راي ابن زياد في شمر التجاء الي قوته و تخزبا لحومته و استخفافا بعدوه الحسين و عصبته قال له: «نعم ما رايت و الراي رايك، اخرج بكتابي الي ابن سعد فان اعطاني فاطعه و الا فانت امير الجيش و اضرب عنقه». و كتب الي عمر كتابا يقول فيه: «اني لم ابعثك الي الحسين شفيعا، و لا لتمنيه السلامه، و لا لتعتذر عنه، فان نزل هو و اصحابه علي حكمي فابعث بهم الي و الا فازحف عليهم و اقتلهم و مثل بهم، فانهم بذلك مستحقون، و ان قتلت حسينا فاوطي ء الخيل صدره و ظهره، فانه علق ظلوم، و لست اري ان هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن علي قول قد قلته».

ص: 88


1- 31. و في الارشاد كتب الي ابن سعد «اما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض علي الحسين ان يبايع ليزيد هو و جميع اصحابه فاذا هو فعل ذلك راينا و السلام» فلما ورد الجواب علي ابن سعد قال قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافيه و ورد كتاب ابن زياد في الاثر الي ابن سعد «ان تحل بين الحسين (ع) و اصحابه و بين الماء فلا يذوقوا منه قطره كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان.».

جاء شعر بكتابه الي ابن سعد- و الرجل السوء ياتي بالخبر السوء- فلما قرا ابن سعد كتاب اميره و تلقي اسوا التعاليم من نذيره تغير وجهه و قال: «لعنك الله يا شمر، لقد افسدت علينا امرا كنا نرجو اصلاحه» لكنما ابن سعد بعد ما حسب شمرا رقيبا عليه و مهددا له تجاهر اذ ذاك بلزوم اخضاع حسين العلاء، فتبدلت منه لهجته و فكرته و هيئته، فانتقل بجنوده الي مقربه من الحسين «ع» و ثلث جبهات الحرب فصار هو في القلب بين الحيره و النهر لصد الحسين من عبور النهر و من الورود منه، فاذا وجد الحسين «ع» سبل سيره مقطوعه و مشارع وروده ممنوعه اضطر الي النزال معهم او النزول علي حكمهم و هم واثقون من الغلبه عليه في الحالين.و لما راي الامام ذلك علم انه مقتول لا محاله اذ هو نازل بالعراء في منطقه جرداء لا ماء فيها و لا كلاء، فان انتظر قدوم الانصار من اقاصي الامصار هلكت صبيته و ما شيته و تفرقت حاشيته، و لقي من الجوع و العزش اشد مما يلقاه عدوه، و ان خضع للقوم و بايع اميه فقد باع الامه و الشريعه بعد ما انعقدت فيه الامال، و ان بدا بحربهم خالف خطته الدفاعيه حين لا مامل في الانتصار عليهم في ظاهر الحال- و الحر ان لم يستطع ان يعيش عزيزا فاحري به ان يموت كريما..

ص: 89

الحسين مستميت و مستميت من معه

في مكارم الاخلاق تتلالا خله التضحيه تلالو القمر البازغ بين النجوم الزواهر، فاذا شوهد في امرء شعور التضحيه الكتفي الناس بها عن اي مكرمه فيه او ايه ماثره له. و لا عجب، فان الصدق اذا عد اصل الفضائل فان شعور التضحيه هو من اجل مظاهر الصدق و المستميت يميت مع نفسه كل شبهه و شائبه من سمعه او رياء او مكر او دهاء.اذا فشعور شريف كهذا ينجم في تربه الصدق و يسقي بماء الاخلاص لابد و ان يثمر لاهل الحق بالخير الخالد، و اذا كان الموت ضربه لازب لا مهرب منه و لا محيد عنه فاشتر بهذا العمر القصير نفعا عاما و خيرا خالدا. هي هي و الله صفقه رابحه و تجاره لن تبور، فخير الموت الفداء، و افضل الاضاحي من امات هيكله البائد لاحياء نفع خالد.كذلك الشهداء في سبيل اصلاح الامه او تحريرها من اسر الظالمين، و سيد هولاء الشهداء الحسن بن علي «ع» الذي احيي- هو و الذي معه- مجد هاشم، و دين محمد «ص»، و معارف القرآن، و شعائر الاسلام، و اخلاق العرب في و ثباتهم ضد سلطله الجور و الفجور. فلم تختلف لهجته، و لا تختلفت سيرته، و لا و هنت عزيمته، و لا ضعفت حركته، و لا ضيع مصالح اعوانه لترضيه عدوانه. و نفس قويه و ابيه

ص: 90

مثل هذه اصحت كالمغناطيش جذابه اليها امثالها و من علي شاكلتها في الاخلاص و التضحيه- و شبه الشي ء مجذوب اليه- فالتف حول الحسين الحق من صحبه و آله من نسجوا علي منواله بتضحيه النفس و النفيس في سبيل الدين و صالح المومنين حتي انه يوم احس بالصد و الحصار بكربلاء و انه مقتول لا محاله عز عليه ان يقتل بسببه غيره (1) فاذن لاهله و صحبه بالتفرق عنه، حيث ان القوم لا يريدون غيره يدرا عنهم الموت، و يحل بيعته عن ذممهم، فخطب فيهم قائلا: «اثني علي الله احسن الثناء،و احمده علي السراء و الضراء، اللهم اني احمدك علي ان اكرمتنا بالنبوه، و علمتنا القرآن، و فقهتنا في الدين، و جعلت لنا اسماعا و ابصارا و افئده، فاجلعنا من الشاكرين اما بعد، فاني لا اعلم اصحابه او في و لا خيرا من اصحابي، و لا اهل بيت ابر و لا اوصل من اهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا، الا و اني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل من بيعتي، ليس عليكم حرج مني و لا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا» الخ.فقال له اخوانه و ابناوه و بنواخيه و ابناء عبدالله بن جعفر: «لم نفعل ذلك لنبقي بعدك، لا ارانا الله ذلك ابدا» فقال الحسين «ع»: «يا بني عقيل حسبكم من القتل ما صنع بمسلم، فاذهبوا انتم فقد اذنت لكم». قالوا: «سبحان الله! فما نقول للناس و يقولون لنا؟ انا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا و لم نرم معهم بسهم، و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا؟ و لا و الله لا نفعل، و لكن نفديك بانفسنا و اموالنا و اهلينا و نقاتل معك حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك».و قام اليه مسلم بن عوسجه فقال: «انحن نخلي عنك؟ و بم نعتذر الي الله في اداء حقك؟ حتي اطعن في صدورهم برمحي و اضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجاره، و الله لا نخليك حتي يعلم الله انا

ص: 91


1- 32. في العقد الفريد ج 2 قال «لما نزل ابن سعد بالحسين و ايقن انهم قاتلوه قام في اصحابه فحمد الله و اثني عليه ثم قال قد نزل بي ما ترون من الامر و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و ادبر معروفها و اشمازت فلم يبق منها الاصبابه كصبابه الاناء و خسيس عبش كالمرعي الوبيل الا ترون الحق لا يعمل به و الباطل لا ينهي عنه ليرغب المومن في لقاء الله فاني لا اري الموت الا سعاده و الحياه مع الظالمين الا ذلا و ندما». الخ.

قد حفظنا غيبه رسوله فيك، اما و الله لو قد علمت اني اقتل ثم احيي ثم احرق ثم احيي ثم اذري يفعل ذل بي سبعين مره ما فارقتك حتي القي حمامي دونك، و كيف لا افعل ذلك و انما هي قتله واحده، هي الكرامه التي لا نفاد لها ابدا». و قام زهير بن القين فقال: «و الله لودتت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي اقتل هكذا الف مره و ان الله عز و جل يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن نفس هولاء الفتيان من اهل بيتك».و تكلم جماعه من اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فجزاهم الحسين خيرا.و روي ان رجلا جاء حتي دخل عسكر الحسين «ع» فجاء الي رجل من اصحابه فقال له:«ان خبر ابنك فلان وافي ان الديلم اسروه فتنصرف معي حتي تسعي في فدائه». فقال: «حتي اصنع ماذا؟ عند الله احتسبه و فنسي» فقال له الحسين: «انصرف و انت في حل من بيعتي، انا اعطيك فداء ابنك». فقال: «هيهات ان افارقك ثم اسال الركبان عن خبرك، لا يكون و الله هذا ابدا و لا افارقك». (1) .

ص: 92


1- 33. انظر الارشاد و مقاتل الطالبين و غيرهما.

رسل السلام و نذير الحرب

قدم الي كربلاء شمر الخارجي شر مقدم- اذ كان نذير الحرب و حاملا من ابن زياد الي ابن سعد اسوا التعاليم القاسيه- و حسبه ابن سعد رقيبا عليه و مهددا له، فاقبلت فكرته اذ ذاك راسا علي عقب لكي يدرا عن نفسه تهمه الولاه للحسين (ع) طمعا بامره الري. فنقل معسكره الي مقربه من الحسين علي ضفاف العلقمي، و اوصد عليه باب الورود منه بمصرا عيه، و عهد بحراسه المشرعه الي عمر بن الحجاج- كما فعله معاويه بحيش اميرالمومنين (ع) في صفين- و اخذ بتظاهر علي الحسين (ع) تقربا الي ابن زياد، و يتشبه بغلاه الخوارج ارضاء لمن معه منهم، و لم يقنع بكل ما وقع حتي زحف بخاصته علي الحسين (ع) و تناول من دريد سهما و وضعه في كبد قوسه و رمي به الي معسكر الحسين (ع) قائلا: «اشهدوا لي عند الامير انني اول من رمي الحسين» و راي المتزلفون هذه اسهل وسيله الي نيل القربي مناولياء السلطه فتكاثرت السهام علي معسكر الحسين، فقال حسين الجد لاصحابه: «قوموا يا كرام فهذه رسل القوم اليكم» يعني ان الخصوم بدوونا بالنضال و النزال بدل النزول عل حكم الكتاب و السنه و لا يسعنا في هذه الحال سوي استمهالهم الي حين، حين تهدا فورتهم و ان ابوا امهالنا فلا بد من الدفاع عن مقدساتنا و الذب عن النواميس و الحرمات، اسوه بالكرام عند الياس من السلام.

ص: 93

حول معسكر الحسين

بعدما ايقن الحسين (ع) ان اعداءه لا يتناهون عن منكر في سبيل النكال و النكايه به اخذ يستعد لدفاع الطواري ء عن اهله و رحله و انتظار قتله، لكنما وجد، معسكره في اجرد الباقع عن مزايا الدفاع، و كان مع العدو رجاله سوء من اسقاط الكوفه تبعوا شمرا الضبابي لطمعهم في الجوائز المشاعه و جشعهم علي بقايا موائد الروساء و شوقا الي غنيمه بارده، و لا سلاح لدي هولاء سوي الحجاره و الجساره، فكان يخشي منهم علي معكسرالحسين (ع) من كل الوجوه، لا سيما و ان هولاء الاذناب لا يلتزمون بما تلتزم به روساء القبائل من آداب العرب، فخرج الحسين من معسكره بتخير موضعا مناسبا للدفاع.و بعد ما سبر غور الوهاد و الانجاد اشرف علي سلسله هضاب و روابي تليق حسب مزاياهم الطبيعيه ان تتخذ للحرم و الخيم، الروابي و التلال متدانيه علي شاكله الهلال و هو المسمي «الحير» او «الحائر» لكن هذا الحصن انما يفيد من استغني عن الخروج لطلب ماء او ذخيره او عتاد و اما من لا يجد القدر الكافي منها كالحسين (ع) فان تحصن في مثل الموضوع فكانه يبغي الانتحار او القاء اهله في التهلكه، لان عدوه يتمكن من حصاره من فرجه الجهه الشرقيه بكميه قليله و اهلاك المحصور جوعا و عطشا في زمن قصير المذي.

ص: 94

لكنما الحسين (ع) راي بجنب هذه و جنوبها رابيه مستطيله اصلح من اختها للتحصن، لان المحتمي بفنائها يكتنفه من الشمال و الغرب ربوات و تبقي من سمتي الشرق و الجنوب جوانب واسعه تحميلها اصحاب الحسين و رجاله، و منها يخرجون الي لقاء العدو او تلقي الركبان، فنقل الي هذا الموضع حرمه و معسكره و يعرف الان «بخيمكاه» اي «المخيم» فصارت محوطه الحير فاصله بينهم و بين معسكر الاعداء، و امر اصحابه ان يقربوا البيوت بعضها من بعض، و ان يضرموا النار في قصب و حطب كانا من وراء الخيم في خندق حفروه من شده الاحتياط، و اوجد في مخيمه مزايا الدفاع الممكنه، و هو ينتظر الفرج كلما ضاق المخرج.

ص: 95

عطاشي الحرب في الشريعه

لا يبرح البشر من احترام بعض الاداب في المحاربات مهما كان المحاربون و حوشا و كفره- كاجتنابهم قتل النساء و الابرياء و منع الماء و الطعام عنهما- و اصبحت حكومات اليوم تراعي هذه الاصول بعين الاحترام و تعد ارتكاب هذه الظالم من اقبح الجرائم، و قد نهي شرع الاسلام كبقيه الشرائع حصار الابرياء و التعرض بالنساء و منع الماء و الطعام عنهما او عن المرضي و الاسري و الاطفال، لانهم برآء مما قامت به رجالهم المحاربون، و قد منعت الشريعه العاطفه ذبح الحيوان عطشانا.اما الحزب السفياني فقد ارتكب كل هذه المظالم و الجرائم حنقا علي حسين الفضيله و آله.و لا ننسي ما حدث يوم الدار يوم ثار المهاجرون و الانصار فحاصروا الخليفه عثمان بن عفان و طالبوه ان يسلم اليهم ابن عمه (مروان) فاستغاث بعلي (ع) و شكا اليه العطش و غير العطش- و علي يومئذ قد اغلق بابه و لازم حياده- فارسل اليه مع ذلك و لديه الحسن و الحسين (ع) و مولاه قنبرا يحملون الماء و هو محصور، و يحامون عنه و عن بيته الجمهور، و تحملوا في سبيله الجروح و الحرائج. غير ان محمد ابن ابي نسور هو و من معه من وراء البيت و كان منهم ما كان.

ص: 96

اما معاويه الدهاء فقد شيع الامر في اهل الشام بالعكس مما كان بغرض بعثهم الي حرب اميرالمومنين، فنشر بينهم ان عثمان قتل عطشانا و ان عليا منع الماء عنه، لذلك سبق عليا في صفين الي استملاك المشرعه و منع اهل العراق من وردها،اما علي (ع) فارسل من ابطال العراق من فتحوها ثم تركها مباحه للجانبين، فابت نفسه الكريمه ان يقابلهم بالسوء قائلا: «كلا! لست امنع عنهم ماء احله الله عليهم» فجدد ابن زياد هذه البدعه و امر بمنع الماء عن الحسين و من معه، و روج اكذوبته فكتب الي ابن سعد: «حل بين الحسين و اصحابه و بين الماء، فلا يذوقوا منه قطره كما فعل بالتقي الزكي عثمان» الخ مع ان الحسين (ع) هو الذي حمل الماء الي عثمان يوم الدار و عاني في سبيله المشاق، و حاشا حسين الفضيله و علي الفتوه ان يرتكبا منع الماء علي ذي نفس، و لو فرض الامر كذلك فعلي م توخذ عشرات النساء و لفيف من الصبيه و الاطفال المرضي بذلك فيحرمون من الماء المباح؟ كلا! فالاسلاميه برئيه و الانسانيه ناقعه من هذ المظلمه الفاحشه.ترك ابن زياد ساقي الكوثر ممنوعا من الماء المباح ثلاثه ايام- هو و صحبه و آله و عشرات من نسوته و صبيته- يعانون هم و خيلهم العطش في شهر آب اللهاب بعراء لا ماء فيه و لا كلا، و الخيل تصهل طالبه الماء، و النسبوه تعج لحاجتها الي الماء، و الطبيه تضج و تنتظر الماء، و الرضيع يصرخ اذ جفت مراضعه، و الماء يلمح جاريا باعينهم و المانعون ينتحلون الاسلام. و كل هاتيك المظالم القاسيه من اجل ان الحسين (ع) لم يضع يده في ايدي الظالمين علي محو كتاب نبيه (ص). و قد كان لسان الحال من حسين العلاء: «ان في وسعكم- ايها الاعداء - ان تضيقوا علي الفضاء الوسيع، و ليس في وسعكم ان تضيقوا حدود مبدئي العالي و مقصدي العام، و كذا في وسعكم ان تقضوا علي حياتي و علي صحبي و علي صبيتي و لكن ليس في وسعكم قط ان تقضوا علي قضيتي و لا علي دعوتي و لا علي فكرتي ما دمت حبا و ما دام المسلمون احياء».

ص: 97

اهتمام الامام بالموعظه و النصيحه

سيره الحسين (ع) سلسله ادله علي حسن ظنه بالناس، و ان نفسه كانت مفعمه بآمال الخير فيهم لو لا استقباله المزعجات في نواحي الكوفه و شواهد التحول في حاله البذو و الحضر لادني طمع، حتي افشي من صميم الحقيقه سرها في كلمته الخالده: «الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق علي السنتهم، يحوطونه ما درت به معايشهم: فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون» لكنما المعهود من رسل الاصلاح و ائمه الهدايه اقامه الحج علي الهمج و السذج «ليهلك من هلك عن بينه و يحيا من حي عن بينه» و لئلا تبقي للعصاه عصاه. فلم يزل حسين الهدايه يبذل قصاري الجهد في تنوير افكارهم بالاحتجاجات و اقامه المظاهرات، و يستفرغ و سعه في انذارهم و و اخطارهم بالرسل و الخطب، في حين ان جمهور خصومه كانوا من سفله البشر وعبده الطاغوت- اولئك الذي لا يقيمون للحق و زنا و لا يرون لغير المال و القوه شانا- و عليه قام حسين الايمان بمظاهره باهره بعد الياس من سماح القوم له بالرجوع، فلبس عمامه رسول الله (ص) و رداءه و تقلد بسيف جده النبي و ركب ناقته او فرسه المعروفه و خرج الي العدو و بهيئه جده النبي (ع)و زيه، و قد كان هو في ملامحه شبيه جده و كانت هذه الهيئه وحدها كافيه لاعلان حقه في خلافه جده دون طاغيه الشام لو كانوا يعقلون، فعرف شياطين القوم ان هذه المظاهره تعود

ص: 98

علي الحسين (ع) بفائده، لا سيما لو وجد بحالا للالكام و ذكر الامعين بآيات من وحي جده، فولولوا بلغظ و ضجيج ليضيعوا علي السامعين كلام الله من فم ولي الله بهيئه نبي الله و هو ابن بنت رسول الله (ص).غير ان حسين انجد لم يضيع فرصته فاسنتصتهم فابوا ان ينصتوا له لجاجا و عنادا، فنادي فيهم، «ايها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتي اعظكم بواحده و حتي اعذر اليكم، فان اعطيتموني النصف كنتم بذلك سعداء و الا فاجمعوا رايكم ثم لا يكن امركم عليكم فمه ثم اقضوا الي و لا تنظرون، ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين».فلما ساد الصمت و هدا الضجيج خطبهم، فحمد الله و اثني عليه و نعت النبي فصلي عيه، فلم يسمع ابلغ منطقا منه ثم قال:«اما بعد، فانسبوني من انا؟ ثم راجعوا انفسكم و عاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي/ الست ابن بنت نبيكم/ و ابن وصيه و ابن عمه، و اول المومنين المصدق لرسول الله (ص) و بما جاء من عند ربه؟ او ليس حمزه سيد الشهداء عمي؟ او ليس جعفر الطيار في الجنه بجناحين عمي؟ او لم يبلغكم ما قال رسول الله (ص) لي و لاخي: «هذان سيدا شباب اهل الجنه» فان صدقتموني فيما اقول و هو الحق و الله ما تعمدت الكذب منذ علمت ان الله يمقت اهله، و ان كذبتموني فان فيكم من ان سالتموه عن ذلك اخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الانصاري، و اباسعيد الخدري، و سهل الساعدي، و زيد بن ارقم، و انس بن مالك يخبروكم انهم سمعوا هذه المقاله من رسول الله (ص) اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟ الي ان قال: فان كنتم في شك من ذلك او تشكون في اني ابن بنت نبيكم فوالله لا يوجد بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري، و يحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته او مال لكم استهلكه؟» ثم نادي: «يا شبث بن ربعي و يا حجار بن ابجر و يا قيس بن الاشعث و يا يزيد بن الحارث و يا عمرو بن الحجاج الم تكتبوا الي ان: «قد اينعت الثمار و اخضرت الجناب و انما تقدم علي جند لك مجند..» الخ.

ص: 99

لقد اسمعهم شبل علي (ع) خطابا قويم اللهجه قوي الحجه- لو كان ثمه منصف- لكنما القوم لم يقابلوه الا بكلمه جامده: «انا لا ندري ما تقول! انزل علي حكم بني عمك و الا فلسنا تاركيك» كلمه مره طليت بالقحه و تبطنت بالعجرقه و الانحراف نحو الزور و الغرور، فاجابهم حسين العلاء: «لا و الله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، و لا اقر لكم اقرار العبيد، يابي الله ذلك لنا و رسوله (ص) و حجور طابت و طهرت، فلا توثر طاعه اللئام علي مصارع الكرام» لكنما المظاهره باحتجاجه لم تذهب سدي و عبثا فبما مد الظلام رواقه حتي انجذب الي الحسين (ع) عديد من فرسالن ابن سعد من ذوي المروءه و الفتوه ثائبين عند المخيم الحسيني.

ص: 100

الحسين ينعي نفسه لاخته

لزينب (1) - اخت الحسين- شان مهم و دور كبير النطاق في قضيه الحسين (ع) و في نساء العرب نوادر امثالها ممن قمن في مساعده الرجال و شاركنهم في تاريخهم المجيد،و قد صحبت زينب اخاها في سفره الخطير صحبته من تقصد ان تشاطره في خدمه الدين و ترويج امره، فكانت تدير بيمناها ضيافه الرجال و باليسري حوائج الاطفال، و ذاك بنشاط لا يوصف.و المراه قد تقوم باعمال يعجز عنها الرجل و لكن ما دام منها القلب في ارتياح

ص: 101


1- 34. لاميرالمومنين (ص) بنتان بهذا الاسم و بكنيه ام كلثوم، و الكبري هي سيده الطف. و كان ابن عباس بنوه عنها بعقيله بني هاشم. و ولدتها الزهراء بعد شقيقها الحسين بسنتين، و تزوجها عبدالله بن عمها جعفر بعد وفاه اختها في خلافه عثمان او معاويه، و كانت قطب دائره العيال في الخيم الحسيني.و قد افرغ لسان الملك ترجمتها في مجلد بها من موسوعته «ناسخ التواريخ». و جاء في الخيرات الحسان و غيره: ان مجاعه اصابت المدنيه فرحل عنها باهله عبدالله بن جعفر الي الشالم في ضيعه له هناك، و قد خمت زوحته زينب منو عثاء السفر او ذكريات احزان و اشجان من عهد سبي يزيد لال الرسول (ص) ثم توفيت علي اثرها في نصف رجب سنه 65 ه و دفنت هنالك حيث المزار المشهور. و قال جماعه ان هذا لزينب الصغري- كما هو مرسوم علي. صخره القبر-. ان الكبري توفيت بمصر و دفنت عند قناطر السباع حيث المزار المشهور بالقاهره.».

و نشاط، اما لو تصدع قلبها او جرحت منها العواطف فتراها زجاجه او ارق و كسرها لا يجبر، و لذلك اوصي بهن النبي (ص) اذ قال: «ارفق بالقوارير» فجعلهن كزجاج القوارير تحتاج الي لطف المداراه.فكانت ابنه علي (ع) قائمه بمهمات رحل الحسين و اهله غير مباليه بما هنالك من ضائقه عدو او حصار او عطش، اذ كانت تنظر في وجه الحسين (ع) تراه هشا بشا فتزداد به املا- و كلما ازداد الاسنان املا ازداد نشاطا و عملا، و ان في بشاشه وجه الرئيس اثرا كبيرا في قوه آمال الاتباع و نشاط اعصابهم- غير ان زينب باغتت اخاها الحسين (ع) في خبائه ليله مقتله فوجدته يصقل سيفا له و يقول:يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق و الاصيلمن صاحب او طالب قتيل و الامر في ذاك الي الجليلو المعني: يا دهر كم لك من صاحب قتيل في ممر الاشراق و الاصيل، فاف لك من خليل.ذعرت زينب عند تمثل اخيها بهذه الابيات، و عرفت ان اخاها قد يئس من الحياه و من الصلح مع الاعداء، و انه قتيل لا محاله و اذا قتل فمن يكون لها؟ و العيال و الصبيه في عراء و غربه، و الد الاعداء محيط بهم و متربص لهم الدوائر. لهذه و لتلك صرخت اخت الحسين (ع)نادبه اخاها، و تمثل لديها ما يجري عليها و علي اهله و رحله بعد قتله و قالت: «اليوم مات جدي و ابي و امي و اخي». ثم خرجت مغشيه عليها اذ غابت عن نفسها و لم تعد تملك اختيارها، فاخذ اخوها الحسين (ع) راسها في حجره و سقط علي وجهها من مدامعه حتي افاقت و سعد بصرها بنظره من شقيقها الحسين، و اخذ يسليها- و بعض التسليه توريه- فقال: «يا اختاه ان اهل الارض يموتون، و اهل السماء لا يبقون، فلا يبقي الا وجهه، و قد مات جدي و ابي و امي و اخي و هم خير مني، فلا يذهبن بحلمك الشيطان» و لم يزل بها حتي اسكن بروحه روعها و نشف بطيب حديثه دمعها.و لكن في المقام سر مكتوم: فان زينبا- تلك التي لم تستطع ان تسمع اشاره من نعي اخيها و هو حي- كيف تجلدت في مذبح اخيها و اهلها بمشهد منها،

ص: 102

و رات راسه و رووسهم مرفوعه علي القنا و تلعب بها الصبيان، و ينكت ابن زياد و يزيد ثبايا اخيها بين الماء بالقضيب، الي غير ذلك من مصائب لا تطيق رويتها الاجانب فضلا عن انس الاقارب.فليت شعري! ما الذي حول ذلك القلب الرقيق الي قلب اصلد و اصلب من الصخر الاصم؟ نعم! كانت شقيقه الحسين (ع) اخته بتمام معاني الكلمه، فلا غرو ان شاطرت سيده الطف زينب اخاها الحسين (ع) في الكوارث و آلام الحوادث، فقد شاطرته في شرف الابوين و مواريث الوالدين خلقا و خلقا و منطقا.و عليه فانها علي رقه عواطفها و سرعه تاثرها تمكنت من تبديل حالتها، و الاستيلاء علي نفسها بنفسها، من حين ما اوحي اليها الحسين (ع) باسرار نهضته و آثار حركته و انه لا بد ان يتحمل اعباء الشهاده و ما يتبعها من مصائب و مصاعب في سبيل نصره المله و احياء شريعه جده و شعائر مجده- لكنه سيار بطوي السري الي حد مصرعه في كربلاء- ثم لا بد و ان تنوب هي عن اخيها عن انجاز مهمته و ابلاغ حجته في تحمل الخطوب و القاء الخطب و مكايده الالام من كربلاء الي الكوفه ثم الي الشام قائمه بوظيفته، محافظه علي اسرار نهضته، ناشره لدعوته في كل اين و ان، منتهزه سوانح الفرص، و هو معها اينما كانت يباريها لكنه- علي عواي الرماح خطيبا بلسان الحال كما هي الخطيبه بالسان المقال.

ص: 103

السباق الي الجنه

السباق الي النفع غريزه في الاحياء الا يحيحدون عنها و لا يلامون عليها، و قد يوول الي النزاع بين الاشخاص و الانواع و لكن التسابق الي الموت لا يري في العقلاء الا لغايات شريفه تبلغ في معتقدهم من الاهتمام مبلغا قصيا اسمي من الحياه الحاضره، كما اذا اعتقد الانسان في تسابقه الي الموت نيل سعادات و لذات هي ارقي و ابقي من جميع ما له في الحياه الحاضره.و لهذه نظائر في تواريخ الغزاه و المجاهدين ففي صحابه النبي (ص) رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه و تسابقوا الي القتال بين يديه، معتقدين ان ليس بينهم و بين جنان الخلد و الفردوس الاعلي سوي سويعات او تميرات ياكلونها او حملات يحملونها، و هذا من اشرف السباق، و موته اهنا موت، و شعاره اقوي دليل علي الفضيله و الايمان، و لم يعهد التارخ لجماعه بدارا نحو الموت و سباقا الي الجنه و الاسنه مثل ما عهدناه في صحب الحسين (ع).و قد عجم الحسين (ع) عودهم و اختبر حدودهم، و كسب منهم الثقه البليغه، و اسفرت امتحاناته كلها عن فوزه بصحب اوفياء و اصفياء، و اخوان صدق عند القاه،قل ما فاز او يفوز بامثالهم ناهض، فلا نجد ادني مبالغه في وصفه لهم عندما قال: «اما بعد! فاني لا اعلم اصحابا خيرا من اصحابي، و لا اهل بيت ابر.

ص: 104

و اوفي من اهل بيتي» و كان الفضل الابكر في هذا الانتقاء يعود الي حسن انتخاب الحسين (ع) و قيامه بكل و جائب الزعامه و الامامه- و قيام الرئيس بالواجب يقود اتباعه الي اداء الواجب، و اعتصام الزعيم بمبدثه القويم بيسوق من معه الي التمسك بالمبداء و المسلك و الغايه- فكان سرادق الحسين (ع) بما فيه من صحب و آل و نساء و اطفال كالماء الواحد لا يفترق بعضه عن بعض، فكان كل منهم مرآه سيده الحسين (ع) بحاله و فعاله و اقواله، و كانوا يفتدونه بانفسهم كما كان يتمني القتل لنفسه قبلهم، و اخيرا توفقوا الي ارضاء سيدهم بان يتقدموا الي جهاد ادبي في زي دفاع حربي واحدا بعد واحد يعلنون بالمبادي ء العلويه، و ينشرون الدعوه الحسينيه، ارشادا للجاهلين و عظه للجاحدين و ايقاظا للغافلين، لئلا يكون للناس علي الله ججه بعد الرسل حتي لو اثرت عظاتهم المتواتره، كفي الله المومنين القتال. و ان قتلوا فسبيلهم سبيل من قبلهم من الانبياء و المصلحين الي روح و ريحان و جنه و رضوان، فيستريحون من آلام الحياه الدنيا الفانيه. و يسعدون بحياه راقيه باقيه. فاذا كانت هذه الدنيا غير باقيه لحي و لا حي عليها يباق فالاحري ان يكون الهيكل الفاني قربان خير خالد و مهرا لحياه الامه.اجل! كانت جماعه الحسين (ع) كووس و رووسها مفعمه بشعور التضحيه حتي اذا اذن لهم بذلك لبسوا القلوب علي الدروع و اقبلوا يتهافتون كالفراش علي المصباح لتضحيه الارواح، فكلما اذن حجه الله لاحدهم وادعه و داع من لا يعود، و هم بليغه و حجج بالغه من شانها ازاحه الشبهات عن البعيد و القريب و عن الشاهد و الغائب. لكن المستمعين صم بكم عمي فهم لا يعقلون قد غشيت الاطماع ابصارهم و غضت المخاوف بصائرهم، فلا يفكرون بسوي دارهم ابن زياد و عصاه- من لا يهتم الا بالسيف و الرغيف فلا نصح يفيده و لا دليل يحيده-بلي انما تجدي العظات في ظل المطامع و الحجه تهدي تحت بارقه السلاح، لذلك لم يجد رسل الحسين (ع) من عداهم الجواب الا علي السنه الاسنه و الحراب و قتلوا تقتيلا «و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون» احياء بارواحهم ايحاء بتاريخهم المجيد، و لهم لسان صدق في الاخرين و اسوه بالاولين.

ص: 105

مقتل علي شبه النبي

لم يزل و لا يزال عرفاء الامم من عرب و عجم يعتقدون وارث السجايا و المزايا بالتناسل و التناسب، و ان الولد يرث من ابويه و والديهما مواهبهم العقليه او سجاياهم الاخلاقيه كما يرثهم اشكال الخلقه و طبائع الجسم و امراض الاعضاء، و قد اكد الفن و الحديث ذلك و ان التشابه في الخلقه لا ينفك عن التشابه الاخلاقي، فنجد العائله بعد فقدان اكبرها تجمع توجهاتها في اشبه افرادها بالفقد- توسما بقيام الشبيه مقام الفقيد في اعاده اثارها لاجماع الغرائز- علي ان الاعمال نتائج الاخلاق، و ان الطفل الشبيه بآبائه خلقا و خلقا يغلب ان يجدد ماثرهم و مفاخرم. و كان آل محمد (ص) في اسف مستمر علي فقدان النبي، و خساره كل مجد في فقده حتي ولد للحسين بن علي ولد اشبه الناس بجده محمد (ص) خلقا و خلقا و منطقا، فتمركزت فيه كل آمالهم و امانيهم، و صاروا كلما اشتاقوا الي زياره النبي (ص) شهدوا محضره و شاهدوا منظره، و سمي شبيه النبي فترعرع الصبي و ترعرع معه جمال النبي (ص) و نما فيه الكمال، و ازهرت حوله الامال و بلغ تصابي آل النبي (ص) فيه مبلغ الوله و العشق، فكان اذا تلا آيه او روي روايه مثل رسول الله (ص) في كلامه و مقامه، و اضاف علي شبه النبي (ص) في الجسم شبها بجده علي (ع) في الاسم كما شابهه في الشجاعه و في تعصبه للحق، حتي انه يوم قال الحسين (ع) اثناء مسيره: «كاني بفارس قد خطر علينا قائلا: القوم يسيرون

ص: 106

و المنايا تسير بهم». اتاه قائلا: «يا ابت او لسنا علي الحق؟» فقال له الحسين (ع): «اي و الذي اليه مرجع العباد» قال علي: «اذن لا تبالي بالموت» فكان في موكب الحسين (ع) مثل كوكب الفجر يزهو بجماله و انظار اهله دائره حوله.غير ان الحصار و الحزن ضيقا علي نفسه مجري النفس، فلم يجد مظنه للخلاص منهما الا في الموت، فجاء ليستاذن اباه لكنه منكسر الطرف، اذ يعلم مبلغ تاثبر الوالد من هذا الكلام. و قد شوهد سيد الطف في اقواله و احواله علي جانب عظيم من التجلد لكن قيام هذا الفتي ضيع جانبا من تجلده فصار كغيره لا يملك من التجلد شيئا فيما يقول في ولده او عن ولده. و ايم الله انه اذن له مثل من يريد ان يجرح عاطفه فتاه فاسرع علي نحو الاعداء، و عين ابيه تشيعه و ترسل دموعها الحاره مصحوبه بالزفرات، و النساء علي اثره تولول، و تعول امه بشجو فاقده الاصطبار اذ فقدت مركز آمالها و الامام ينادي باعلي صوته: «يا ابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، و لم تحفظ قرابتي من رسول الله».اما الغلام فقد تجلي علي القوم. بوجه رسول الله (ص) و عمامه رسول الله و اسلحه رسول الله و علي فرس رسول الله و نطق بمنطق رسول الله قائلا:انا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت الله اولي بالنبيتالله لا يحكم فينا ابن الدعي اي انا المثل الاعلي لرسول الله (ص) فيكم بصورتي و سيرتي و حسبي و نسبي، فانا تذكار جدي علي، و انا شبيه النبي، و ان ابي الحسين سبط النبي، و ان جدي عليا اخوالنبي و وصيه، فنحن جميعا اولو قرباه و اهل بيته- الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. فاولو الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله- فنحن اولي بخلافه جدنا النبي (ص) من الا جنبي، و بعد هذه البرهان الجلي لا يسوغ ان نسلم ازمه دين جدنا النبي (ص) الي ابن الدعي- و الدعي هو المنسوب الي غير ابيه الشرعي- و قد كان عبيدالله ابن مرجانه مستحلقا بزياد، كما ان زيادا صار مستلحقا بابي سفيان بخلاف حكم النبي (ص) القائل: «الولد للفراش و اللعاهر

ص: 107

الحجر». فهل يسوغ في شرع الشرف و دين العدل ان يخضع من يمثل النبي (ص) لدعي و ابن دعي؟بارز الغلام جيشي الكوفه و شد عليهم شده الليث بالاغنام، و بعد ما كر عليهم رجع الي ابيه قائلا: «العطش قد قتلني» فيقول له ابوه: «اصبر يا حبيبي، فانك لا تمسي حتي يسقيك رسول الله بكاسه الاوفي» و الغلام بكر الكره بعد الكره. فنظر اليه ابن مره العبدي فقال: «علي آثام العرب ان كرومربي لو لم اثكل امه»فبينا هو يشد عل الجموع و يرتجز اذ ضربه العبدي و صرعه فنادي: «يا ابتاه عليك من يالسلام، هذا جدي قد سقاني بكاسه الاوفي، و هو يقورك السلام و يقول لك العجل العجل» ثم شهق شهقه كانت فيها نفسه فانقض اليه الحسين (ع) قائلا: «يا بني! قتل الله قوما قتلوك، ما اجراهم علي الله و علي انتهاك حرمه الرسول؟! يا بني! علي الدنيا بعدك العفا» ثم قال لفتيانه: «احملوا اخاكم الي الخيم»اذ كان اول قتيل من جيش الحسين، و حاذر علي النساء و عقائل الرساله ان يخرجن الي مصرعه حاسرات (فانا لله و انا اليه راجعون).

ص: 108

توبه الحر و شهادته

من يدرس احوال البشر من وجهتها النفسيه و يسبر غورها يجد الاخيار صنفين: صنف يتطلب مصالحه الشخصيه في ظل احياء عقيدته و احترامها- و هولاء الكثر الاخيار - ثم ارقي منه صنف يقدم احياء تقيدته حتي علي حياته الشخصيه. و قد كانت و ضعيه الحر الرياحي بادي ء بدء تنزل منزله من يحب احترام مصالحه الذاتيه في ضمن احترامه لعقيدته في الحسين بن فاطمه (ع)، زعما منه ان الحسين لا بد و ان سيصالح اميه القويه او يسامحونه بمغادرته بلادهعم، فيكون الحر حينئذ غير آثم بقتال الحسين، و غير خاسر جوائر الولايه و ترفيعاتهم. و عليه فقد كان يساير الحسين بالسماح و التساهل و يصاحبه بتادب و احترام. غير ان المظاهرات القاسيه التي قام بها جيش الكوفه من جهه و المظاهرات الدينيه الاخلاقيه التي قام بها حسين الفضيله من جهه اخري انارتا فكرته و اثارتا عاطفته، فارتقي في استكمال نفسه الي العلو او الغلو في حب السعاده و الشهاده، فجاء الي ابن سعد قائلا: «امقاتل انت هذا الرجل؟». فاجابه: «نعم قتالا ايسره ان تسقط الروس و تطيح الايدي» فقال الحر: «افما لكم فيما عرضه عليكم رضي؟» فاجابه. «اما لو ان الامر الي لفعلت و لكن اميرك قد ابي». فرجع الحر و هو يتمايل و يرتعد، و اخذه مثل الافكل، اذ شعر بانه كان السبب لحصر الامام.

ص: 109

فقال له من يجاوره و هو يحاوره: «ان امرك لمريب! فو الله لو سئلت عن اشجع اهل العراق لما عدوتك. فماذا اصابك يا ابن يزيد؟» فاجابه الحر: «و يحك! اني اري نفسي بين الجنه و النار، و والله لا اختار علي الجنه شيئا، و ان قطعت و حرقت». قال هذا و ضرب بجواده الي الحسين (ع).و صادف قره بن قيس فقال له: «يا قره هل سقيت فرسك؟» قال قره: قلت له: «لا» و ظننت انه يريد ان ينتحي القتال، كراهه ان يشهده، فو الله لو اطلعني علي الذي يريد لخرجت معه الي الحسين...اخذ يدنو الحر من الحسين رويدا رويدا-. گان ذلك منه خجلا لا وجلا- حتي وقف قريبا منه فقال: «جعلت فداك يا ابن رسول الله، انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و جعجعت بك في هذا المكان، و ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، و الله لو علمت انهم ينتهون بك الي ما اري ما ركبت مثل الذي ركبت، و اني تائب الي الله مما صنعت، فهل تري لي من توبه؟». فاجابه الحسين: «نعم يتوب الله عليك فانزل» فقال الحر: «انا لك فارسا خير مني لك راجلا، اقاتلهم علي فرسي ساعه و يصير النزول آخر امري». فقال له الحسين: «فاصنع يرحمك الله ما بدا لك».قابل الحر بعدئذ جيش ابن سعد و صاح بهم: «يا اهل الكوفه! لامكم الهبل! دعوتم هذا العبد الصالح لتنصروه حتي اذا جاءكم اسلمتموه، و كتبتم اليه انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه تقاتلونه، و املكتم بنفسه و اخذتم بكظمه و احطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضه. فصار كلالاسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا، و حلا تموه و نساءه و صبيته عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود و النصاري و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابه، فهاهم قد صرعهم العطش، بئس ما خلفتم محمدا في ذريته،لا سقاكم الله يوم الظما» فساد القوم السكوت كان علي رووسهم الطير، ثم لم يحيبوه سوي النبال فحمل عليهم و هو يرتجز و يقول:اني انا الحر و ماوي الضيف اضربكم و لا اري من حيف

ص: 110

و قاتلهم قتالا شديدا حتي عقروا فرسه و تكاثروا عليه، فلم يزل يحاربهم و هو راجل حتي اثخنوه بالجراح و صرعوه فنادي: «السلام عليك يا ابا عبدالله» و قد ابنه الامام (ع) عند مصرعه بقوله: «انت كما سمتك امك حر في الدنيا و سعيد في الاخره» فطوبي له و حسن مآب.

ص: 111

اصدق المظاهر الدينيه

ليس في التعبير عن الحسين (ع) بايه الحق او رمز السلام او نحوهما مبالغه ما اذ كان- و الحق يقال- مثال الحق و الاسلام في كل احواله و افعاله و اعماله، فلم تكن المرآه المواجهه للمشس اصدق حكايه عنها من الامام (ع) عن الاسلام. و لا بدع فان الناهض حقا بحقيقه يجب ان يمثلها بكل اطواره و ادواره، و الحسين ابن علي غدا في نهضته امثوله الحث الصراح و حاكيه عنه حكايه الزجاجه عن المصباح، فاظهر الحقيقه في كتبه و خطبه و اقواله و احواله، فقدم خطوره الدين علي خطوره السكن و الوطن، و قدم حرمه حرم الله و حرم رسوله (ص) علي حرمه نفسه و حرمه، و اجاب دعوه من لا يوثق بولائهم و دعائهم، و خسر في سبيل امته صفوه احبته و نخبه عشيرته. و ضايق نفسه حفظا لظواهر الدين، و استفرغ وسعه و قواه في نصحيه اعداء الدين و بذل النفس و النفيس في سبيل مصلحه الدين.كل ذلك و غيره ليذكرهم الله و يستهديهم بكتاب الله حتي حانت ساعه القيام باصدق المظاهرات الدينيه- و هي ساعه الصلاه و الشمس في الهاجره من ظهيره اليوم العاشر من المحرم- و لم يكن الحسين (ع) ممن ينسي او يتناسي الصلاه المرقوته- و لو في احرج ساعاته- قدوه بابيه علي (ع) رجل الايمان، فانه لم يوخر صلاته المفورضه في احرج ساعات الوغي ليله الهرير في صفين، فصف قدميه

ص: 112

لوجه الله مصليا و الحرب ثائره من حوله و دائره، و لما لاموه اجاب: «السنا تحارب لاقامه الصلاه؟»كذلك ابنه الحسين (ع)- و الشبل من ذاك الاسد- فاهتم بها عندما صاح موذنه ابو تمامه الصيداوي، و صلي باصحابه ولكن صلاه الخوف قصرا و سهام الاعداء تتري عليه بالرغم من استمهالهم.ايخشي الامام (ع) قتله في الصلاه و قد مضي ابوه قتيلا في محرابه؟ ام يخشي الموت صحبه و هم يتسابقون اليه تسابق الجياع الي القصاع و يجبذون الموت بوجه الله و في سبيله مع ابن رسوله (ص)؟و لكن كانت صلاه الحسين (ع) من اصدق مظاهر اخلاصه لله و تمسكه بالشريعه، و بعيده عن كل شبهه او شائبه، و اذا كانت المظاهرات الحسينيه تكشف مساوي ء اخلاق اعدائه و مبلغ حرمانهم من الانسانيه فان مظاهره صلاه الخوف بين اولئك المعارضين برهنت علي سوء نيه العدو و استهانته بشريعه الاسلام. فهي ان لم تبطل سحر العدو في اعين الناظرين فقد ابلغت حجه الحسين (ع) الي مسامع الغائبين، حيث ان العدو كان متذرعا بحبائل الدين ضد الدعوه الحسينيه، يوهم البسطاء و الحمقاء ان يزيد خليفه النبي بمبايعه من اكثر المسلمين و ان حسينا خارج علي امام زمانه لغايات دينويه فيجب اعدامه او ارغامه- و اسم الدين قد يغش العامه و لو كان يقصد محو الدين- و لكم تذرع المبطلون باسلحه الحق ضد اهل الحق فخدعوا بذلك العامه- كما انخدع الخوارج ضد اميرالمومنين بشبهه رفع المصاحف و مخالفته للدين و اي دين؟ اهو ذلك الدين الذي قام و استقام بخدمات علي (ع) و معاركه و معارفه؟- و كان شمر الخارجي و اشباهه من بقايا الخوارج قائمين بحركات اسلافهم في تمويه حقائق الدين بالظواهر الخداعه مستعملين اسم الاسلام آله الاجراء لنوياثهم في الحسين (ع) و لكن اقامه الامام (ع) صلاه الخوف في احرج المواقف و المواقيت بين الاسنه و الحرب بين العدي و الردي كانت اقوي آله فعاله في ابطال سحرهم و مكرهم، فانهم لم يمهلوا الحسين (ع) و صحبه ان يتعبدوا لله في حين ان الدين يفرض امهال المتعبدين و العباده شعار الموحدين، فبما عذرهم عند رسول الله (ص) في موقفه بعد موقفهم هذا؟ افلم يروا ريحانته يصلي الي قبله

ص: 113

الاسلام مع صحبه المسلمين؟ افلا تحترم الصلاه و هي حرم الله؟ او لم يسمعوا كلام الله: «و لا تقولوا لمن القي الكيم السلم لست مومنا» و صحب الحسين (ع) القوا السلاح، و اظهروا السلام و الاسلام، و استمهلوا للصلاه، و استامنوهم لذكر الله فهل تري مظهرا للدين و الحق اصدق من هذا؟ لكن اعداء الحسين (ع) قست قلوبهم فهي كالحجاره او اشد قسوه، فلم تعد توثر فيهم مظاهر اسلاميه او عواطف انسانيه سوي السيف المخيف او الرغيف، و قد كانا يومئذ في يد اعداء الهدي «و ما الله بغافل عما يعمل الظالمون».

ص: 114

الطفل الذبيح

اذا وصف القرآن قربان ابراهيم بالذبح العظيم نظرا لاثاره الباقيه في الحج و الاسلام، فان المظاهره الخيره التي قام بها الحسين (ع) اثرت تاثيرا عظيما من بين مجاهداته الادبيه في كشف حقائق النزعه الامويه، و هذه الحادثه الاليمه بالرغم من استحقاقها التوسع فانني لا استطيع فيها سوي الايجاز، فالحسين (ع) بعد ما خلي رحله من الماء و طال علي اهله الظما- حتي جفت المراضع و شحت المدامع- تناول طفله الرضيع- واسعه علي او عبدالله- ليقدمه الي العدو وسيله لرفع الحجر من الماء، فاشرف علي الاعداء بتلك البنينه المعصومه من ايه جانحه او جارحه قائلا: «يا قوم! ان كنا في زعمكم مذنبين فما ذنب هذا الرضيع؟ و قد ترونه يتلظي عطشا، و هو طفل لا يعرف الغايه و لم يات بجنايه، و يكلم اسقوه شربه ماء فقد جفت محالب امه». فتلاوم القوم بينهم بين قائلا: «لا بد من اجابه الحسين (ع) فان اوامر ابن زياد بمنع الماء خصت الكبار دون الصغار- و الصغير استثنته الشرائع و العواطف من كل جريمه و انتقام، حتي لو كان من ذراري الكفار» و قائل: «ان الحسين قد بلغ الغايه من الظما و الضروره، فان صبرتم عن سقايته سويعه اسلم امره اليكم و تنازل لكم». فخشي ابن سعد من طول المقام و المقال ان يتمرد عليه حيشه المطيع فقال

ص: 115

لحرمله: «اقطع نزاع القوم» و كان من الرماه القساه، و فعرف غرض ابن سعد فرمي الرضيع بسهم نحره به، و صار الحسين (ع) ياخذ دمه بكفه و كلما امتلات كفه دما رمي به الي السماء قائلا: «اللهم لا يكونن اهون عليك من فصيل» بمعني فصيل ناقه صالح.و لما احس الرضيع بحراره الحديد و المه فتح عينيه في وجه ابيه و صار يرفرف كالطبر المذبوح، و طارت روحه رافعه شكايه الحال الي العدل المتعال، و ترك القلوب داميه من مصيبته المفتته للاكباد. و قد بلغ امر الرضيع الذبيح مبلغا من قوه الدلاله علي انحراف قلوب القوم عن سنن الانسانيه، و علي سفاله اخلاقهم بحيث يئس الحسين عند ذلك من رشدهم و عد عنهم خائبا، و ربما كانت مصيبته في خيبته اعظم عليه من مصيبته في الرضيع، فاستقبلته صبيه قائله: «يا اباه لعلك سقيت اخي ماء؟» فاجابها: «هاك اخاك ذبيحا» ثم حفر الارض بسيفه و دفن الرضيع و دفن معه كل آماله.و كان حسين الحق لم يدخر في وسعه اي قوه و لم يضيع اي فرصه في افشاء سرائر الحزب السفياني، فان قتل الذراري و ذبح الاطفال كانت الشرائع و العادات تمنع عنه اشد المنع، و قد روي المحدثون ان النبي (ص) بعث سريه فقتلوا النساء و الصبيان فانرك النبي (ص) ذلك عليهم انكارا شديدا، فقالوا: «يا رسول الله انهم ذراري المشركين». فقال: «اوليس خياركم ذراري المشركين». و ان خالد بن الوليد لما قتل بالعميصاء الاطفال رفع النبي (ص) يديه حتي راي المسلمون بياض ابطيه و قال: «اللهم اني ابرا اليك مما صنع خالد» ثم بعث عليا (ع) فوادهم، فلم يعهد ذبح الاطفال بعد ما ذلك الا ما كان من معاويه في قتله اطفال المسلمين في الانبار و في اليمن علي يد عامله بسر بن ارطاه، و كان فيمن قتلهم ولدان لعبيد الله ابن عباس، و كررت ذلك اشياعه في الطف فربحوا من الصبيه و الاطفال ما ظهروا عليهم و ظفروا بهم بغير رحمه منهم و دون ادني رقه او رافه، الامر الذي برهن علي غلوهم في القسوه و الفسوق عن الدين، و اوضح بلا مراء و لا خفاء ان قصد التشفي و الانتقام بلغ بهم الي العزم علي استئصال ذريعه الرسول (ص) و قطع نسله و محو اصله.

ص: 116

اما علي بن الحسين العلبل فلم يفز بالنجاه من ايديهم العاديه لا لصغر سنه، و لا بتعلق عمته به قائلا: «لا يقتل الا و اقتل معه» و لا بشفاعه حميد بن مسلم و اشباهه فيه بل انما نجا من حد الحديد لشده مرضه و قوه علته و ضعف املهم بحباته، و نجا الحسن بن الحسن باختفائه و هو جريح طريح وفاء من الله بوعده و حفظه لنسل نبي الرحمه باكثار المصلحين في الامه و هدايتها بعلوم الائمه.

ص: 117

العطش و مقتل العباس

يقف العقل حائرا كلما فكر في النظام العالئلي او الداخلي الاسره الحسين (ع) و حسن تربيته لاله و عياله، فكانوا- حتي في الشدائد- اتبع له من ظلاله و اطوع من خياله، و لا نهض بامر الجماعه مثل حسن الطاعه و لست مغليا في قولي «طاعه الزعيم فيما تكره و لا عصيانه فيما تحب» فالانكسار كان ابعد شي ء من مثل هذه الجماعه لو لم تصبهم فاقه جوع او عطش. فلا تري شمرا مبالغا في قوله لقومه عن الحسين (ع) و اهله: «انهم اذا وصلهم الماء ابادوكم عن اخركم» فكان منع جيش الحسين (ع) عن الماء اقوي اسلحه عدوه عليه- و من عد الصبر علي الجوع متعسرا يعد الصبر علي العطش متعذرا- لا سيما من فحوله هاشم و سيوفهم في ايمانهم و الماء في اعينهم، و يسمعون بآذانهم ضجه صبيتهم عطاشي و مرضي و نخص من بينهم الفتي الباسال اباالفضل العباس- رضي الله تعالي عنه- فقد اثرت عليه الحاله و اثارت عواطفه، فتقدم الي اخيه الحسين (ع) يستمحيه رخصه الدفاع معتذرا بان صدره قد ضاق من الحياه و يكره البقاء.نعم! لا شي ء اشهي من الحياه و اطيب، لكنما الحي انما يحبها ما دامت منطويه علي مسرات و لذات اما اذا خلت من تلكما الحسنيين و امست ظرف الام لا تطاق استحالت الحياه الحلوه كاسا مره، غير ان اقوياء النفوس لو افضي الزمان بهم الي

ص: 118

مثل هذه الحاله العصبيه و عجزوا عن سلوان انفسهم بمهل التاريخ فانهم يختارون الموت في سبيل دفع الموت، و يفضلونه علي الموت في سبيل انتظار الموت. اجل! ان الموت في سبيل دفاعه افضل و احوط من الموت في سبيل انتظاره، و قد كان الحسين (ع) مستميتا و مستميتا كل من كان معه، و كانت انفسهم الشريفه متشربه من كاس التضحيه و ريانه من معين التفادي. و في مقدمه هولاء ابوالفضل اكبر اخوه الحسين (ع) الممتاز في الكمال و الجمال، و قمر بني هاشم،و حامل رايه الحسين، و عقيد آماله في الحافظه علي رحله و عياله. لذلك شق علي الحسين ان ياذن له بالبراز الي الاعداء، فير انه يامل في مبارزه القوم ابلاغ الحجه و احياء الذريه، و ان يعين علي ايحاه العائله بالسقايه و الروايه- كما سبق منه ذلك- و الذلك صارت له درجه تغبطه عليه الشهداء، و ان اخبث روساه جيش العدو (شمر الكلابي) و هو علي شقائه امن لعباس و اشقائه- لنسبه بينه و بين ام العباس ام البنين- و لان عباس الفتوه اذا عهدت اليه السقايه يعود منها يعودته الي الحسين (ع) فمن هذا و ذاك و ذياك كان جوابه لاخيه العباس: «اذن فاطلب من القوم لهولاء الاطفال جرعه من الماء».فتوجه العباس بن علي (ع) نحو الجيوش المرابطه حول الشرائع، فاخذوا يمانعوه عن الماء و يستنهض بعضهم بعضا علي معارضته و مقاتلته خشيه ان يصل الماء الي عتره النبي (ص). و لم زيل العباس يقارعهم و يقاتلهم و يقلب فئه علي فئه، و يفل العصابه تلو العصابه حتي كمنوا له وراء نخله من الغاضريه فقطعوا يمناه، فتلقي السيف بيسراه مثابرا علي الدفاع غير مكترث بما اصابه، و هو بتلوا الاراجيز، و يذكر القوم بمآثر اهل البيت و سحبهم و نسبهم من رسول الله (ع) فكمنوا له ثانيه من وراء نخله و ضربوه بالسيف علي يساره فقطعوه، فاضحي كعمه جعفر الطيار (رض) يدافع عن نفسه و هو مقطوع اليدين، و كان القوم قطعوا بيديه يدي الحسين (ع) فعند ذلك تقدم اليه دار مي غير هياب له و ضربه بعمود من حديد فخر صريعا و صارخا: «يا اخاه ادرك اخاك». و لم يدارك الحسين (ع) ظهيره و نصيره الا بعد اختراق الجموع و الجنود، و في آخر لحظه منه نادبا له و قائلا: «الان انكسر ظهري، و قلت حيلتي، و شمت بي عدوي».

ص: 119

الشجاعه الحسينيه

كانت هيئه الحسين (ع) و صحبه تجاه عداه دفاعيه و سلسله تحفظات و تحوطات عن سفك الدم او هتك الحرم، مثل هجرته عن حرم الله و رسوله (ص)، ثم مصافاته مع الحر و المحايده عن طرق الكوفه، ثم تقديمه ابن سعد لدي ابن زياد للكفاف عنه حتي يعود من حيث اتي او يغادر الي ثغور العجم و الديلم، ثم طلبه الافراج عن حصاره ليذهب بنفسه الي يزيد يذاكره في مصيره و مسيره، ثم تحصنه خلف الروابي و الهضاب سترا علي العائله من العاديه، ثم مطالبته السقايه و الروايه بواسطه رجاله، و التشفع لديهم باطفاله، و ايفاد رسل النصح و السلام اليهم، و القاء الخطب عليهم.. الي غيرها من شواهد مسلكه الدفاعي الشريف. غير ان عداه تناهوا في خطط الاعتداء عليه في جميع المشاهد و المواقف، و برهنوا للملا الاسلامي انهم لا يقصدون به سوي التشفي و الانتقام بكل قسوه و فظاعه، و كانت خاتمه مدافعاته عند اذود عن حياض شرفه بالسلاح حينما يئس و لم يبق له في هدايتهم مطمع و غدت ابواب رجاء الحياه و آمالها موصده في وجهه، و راي بعينيه مصارع صحبه و آله من جهه و من الجهه الاخري مصرع العباس اخيه و ذخيرته الوحيده لنائبات الزمان، و ايقن بتصميم القوم علي ممانعه المائه عنه و عن صبيته بكل جهد وجد حتي يميتوها و يميتوه عطشا، فجاهد جهاد الابطال و نكس فرسانا

ص: 120

علي رجال عندما عاد من مصرع اخيه، و حال القوم بينه و بين مخيمه، و لم بر مكثور قط قتل ولده و اخوانه و من معه اربط جاشا و امضي جنانا من الحسين (ع)، و انه كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها ثم تنكشف عنه انكشاف المعزي اذا شد عليها الليث و يفرون من بين يديه كانهم الجراد المنتشر و هو يقول:انا الحسين بن علي آليت ان لا انثنيفذكرهم ايام ابيه في صفين و الجمل، و رددت اندبه الاخبار ذكري الشجاعه الحسينيه بكل اعجاب و استغراب، اذ حفت بحالته حالات شذ ان يصادف بطل واحده منها: من عطش مفرط، و حرم مهدد، و افتجاع بجمهور الاحبه و الارحام، و تفرده غريبا بين الوف الماقتلين، ولكن شبل علي (ع) لم يحسب لجمهرتهم اي حساب و لم تبد منه في مثل هذه الحاله الرهيبه افعصيبه ما ينافي الشرف و لا يخالف الدين و لا ما يحاشي الانسانيه. هي و الله معجزه البشر و انها لاحدي الكبر و ينشد في كراته:اذا كانت الابدان للموت انشئت فقتل امري ء في الله اولي و افضلو لم يزل يدافعهم في متسع من الارض فئه بعد فئه حتي ادت الافكار و الاحوال الي فكره حصاره اثناء الكر و الفر في دائره تلال الحائر، و سدوا في وجهه منافذ خروجه، و افترقوا عليه اربع فرق من جهاته الاربع: فرقه بالسيوف و هم الادنون منه، و فرقه بالرماح و هم الحواله حوله، و فرقه بالنبال و هم الرماه من اعالي التلال، و فرقه بالحجاره و هم الرجاله المنبثه حوالي الخياله. و اثخنوا جثمان سبط النبي (ص) بالجروح الداميه و اكثرها في مقاديمه، و اضحي جلده كالقنفذ، و كلما تمايل ليهوي الي الارض توازن معه فرسه- و كان من الجياد الاصائل- حتي اذا ضعفت هي ايضا بما اصابها من الجروح خر من سرجه علي وجهه، و اقبل فرسه نحو مخيمه يصهل و يحمحم، فخرجت زينب من فسطاطها واضعه اصابعها علي راسها قائله: «ليت السماء اطبقت علي الارض، و ليت الجلال تدكدكت علي السهل» ثم صاحت بابن سعد قائله: «يا عمر ايقتل ابوعبدالله و انت تنظر اليه؟». فدمعت عينا عمر و سالت دموعه علي لحيته لكنه صرف بوجهه عنها، ثم

ص: 121

اقبل شمر علي الحسين (ع) يحرض الجيش عليه، و الحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه و هو يقول: «اعلي قتلي تجتمعون؟ و ايم الله اني ارجو ان يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون. اما و الله لو قتلتموني لالقي الله باسكم بينكم ثم لا يرضي بذلك حتي يضاعف لكم العذاب الاليم» و لم يزل يدافع عن نفسه و يقاتلهم راجلا قتال الفارس المغوار يتقي الرميه و يتقرض العوار لكنه يقوم و يكبو و الرجاله تفر من بين يديه ثم تكر عليه.

ص: 122

مصرع الامام و مقتله

لقد توالت علي ابن النبي (ص) جروح داميه من مطارده الابطال و مضاربه الفرسان، و اثناء مناصرته لانصاره و مكاشفه الجيش عن اهل بيته، و عندما بلغ السناه رمي ابن نمير بسهم فجرح ما بين فمه و حنكه و ملا كفيه دما فحمد الله و قال: «اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تبق منهم احدا، و لا ترض الولاه عنهم ابدا». ثم ضربه كندي علي راسه بالسيف فقطع البرنس و ادمي راسه و امتلا البرنس دما فقال الحسين: «لا اكلت بيمينك و حشرك الله مع الظالمين» و القي البرنس و ليس القلنسوه، ثم شج جبينه ابو الحتوف الخارجي بالحجاره، فسالت الدماء علي وجهه و افضت الاصابات و العصابات الي هويه نحو مصرعه، و اقبل شمر برجاله يحول بين الحسين (ع) و رحاله، و اغتنمت رجاله الجيش عندئذ فرصه مصرعه لاغتنام ما في رحله، و ما علي اهله- اولئك الذين فقدوا في تلك الساعه الرهيبه حامي حماهم- فاستفزت ضجتهم مشاعر الحسين الهادئه، فرفع راسه و بصره و اذا باجلاف القوم زاحفون من سفح التلال نحو مخيمه للسلب و النهب، فاثارت الغيره في حسين المجد روحا جديده، فنهض زاحفا علي ركبتيه قائلا: «يا شيعه آل ابي سفيان: ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا احرارا في دنياكم و راجعوا احسابكم و انسابكم ان كنتم عربا».

ص: 123

فصاح شمر: «مال تقول يا ابن فاطمه؟» قال الامام: «اقول انا الذي اقاتلكم و تقاتلوني، و النساء ليس عليهن جناح، فارجعوا بطغاتكم و جهالكم عن التعرض لحرمي» فقالوا: ذلك لك و رجعوا.و مكث الامام (ع) صريعا يعالج جروحه الداميه و الناس يتقون قتله و كل يرغب في ان يكفيه غيره. فصرخ بهم شمر قائلا: «و يحكم ماذا تنتظرون بالرجل، اقتلوه ثكلتكم امهاتكم» فهاجوا علي الحسين و احتوشوه فضربه زرعه علي عاتفه بالسيف.و اقبل عندئذ غلام من اهله و قام الي جنبه- و قد هوي ابن كعب بسيفه- فصلاح به الغلام: «يا ابن الخبيثه اتقتل عمي؟» و اتقي السيف بيده فاطنها و تعلقت بالجلده فنادي الغلام: «يا اماه» فاعتنقه الحسين قائلا: «صبرا يا ابن اخي علي ما نزل بك. فان الله سيلحقك بآبائك الطاهرين الصالحين، برسول الله و بعلي و بالحسن» ثم قال: «اللهم امسك عنهم قطر السماء، و امنعهم بركات الارض،اللهم ابن متعتهم الي حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، و لا ترضي عنهم الولاه ابدا، فانهم دعونا لينصرونا فغدوا علينا يقتلونا».ثم تضاعفت الرجاله و الخياله علي الحسين عليه السلام و طعنه سنان برمحه و قال لخولي: «احتز الراس» فضعف هذا و ارعد، فقال له سنان: «فت الله عضدك» و نزل و ذبح الامام و دفع راسه الي خولي. و سلبوا ما علي الحسين (ع)- حتي سراويله و نعليه- ثم تمايل الناس الي رحله و ثقله و ما علي اهله، حتي ان الحره كانت لتجاذب علي قناعها و خمارها، و المراه تنتزع ثوبها من ظهرها فيوخذ منها، و الفتاه تعالج علي سلب قرطها و سوارها، و المريض يجتذب الاديم من تحته.ثم نادي ابن سعد في اصحابه: «من ينتذب الي الحسين فيوطي ء الخيل صدره و ظهره؟» فانتدب عشره فوارس، و داسوا بحوافر خيلهم جنازه الامام، و رضوا جناجن صدره. و صلي ابن سعد علي قتلي جيشه و دفنهم، و ترك الشهداء الصالحين علي العراء «و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون».

ص: 124

بعد مقتل الحسين

قتل الظالمون حسين الفضيله و فرحوا بمقتله فرحا عظيما، اذ حسبوا انهم قتلوا به شخصيته و دعوته و صرعوا به كلمته، و حسبوا انهم اخذوا به ثار اسلافهم و انتقام اشياخهم، داسوا بخيلهم جنجن صدر الحسين (ع) و سحقوا جثمانه، و زعموا انهم سحقوا به كلمه الحسين و محقوا دعوته.تركوا جسد الحسين و اجساد من معه عراه علي العراء بلا غسل و لا كفن و لا صلاه عليها و لا دفن، زاعمين انهم اهملوا بذلك شخصيه الحسين و اهميه الحق و الايمان، مثلوا بجثه الحسين- و قد منع الاسلام عن المثله- زاعمين انهم جعلوا داعيه العدل و آيه الحق اثموله الخيبه و الفشل، و انه سيضرب به المثل،لعبوا براسه علي القنا و برووس آله و صحبه اما العباد و البلاد، زاعمين انهم سيلعبون بعده بعقائد العباد و مصالح البلاد ما داموا و دامت، و سلبوه و سلبوا اهله و نهبوا رحله و احرقوا خيمه و ابادوا حرمه، زاعمين انها هي الضربه القاضيه، فلن تري بعدئذ من باقيه.ظن ذلك القوم و ايدتهم كل شواهد الاحوال يومئذ حتي دفن ابن سعد جميع قتلي جنده في يومه، و دفن معهم كل خشسيه او خيبه كانت تحول في واهمته، و رحل عن كربلاء برحل الحسين (ع) و اهله و الرووس الي ابن زياد، و ترك اشلاء

ص: 125

حاميه الحق و داعيه العدل جرداء في العراء بين لهيب الشمس و الرمضاء و عرضه للنسور و العقبان و مما يثير الشجون و الاحزان ان علي الايمان حارب البغاه من اقطاب الحركه الامويه في صفين و الجمل، و بعد قتلهم اجري عليهم سنن التجهيز و الدفن مرا عيا حرمه الاسلام و حشمه الشهادتين، اما المنتقمون من حسين الحق و صحبه فلم يحترموا فيه اي شعار ديني او ادب قومي، قنعوا منهم بدمائهم عن التغسيل و بالترب عن التحنيط و ينسج الرياح عن التجهيز.و ليت شعري! ماذا يصنع اولياء الحق بصلاه اولياء الشيطان؟ و جسبهم منهم ان صلت علي جسومهم سيوفهم، و شيعت اجسادهم نبالهم، و الحدث اشلاءهم العوادي و العاديات، فعليهم و اليهم صلوات الله و الصالحين و دعوات طلاب العدل و عشاق الحق ما لا حت الاصباح و روحت الرياح.هذا و ما عتمت عشيه الثاني عشر من محر الا و عادت الي ارياف كربلاء عشائرها الظاعنه عنها بمناسبه القتال و قطان نينوي و الغاضريات من بني اسد- و فيهم كثير من اولياء الحسين (ع) و قليل ممن اختلطوا برجاله جيش الكوفه- فتاملوا في اجساد زكيه تركها ابن سعد في السفوح و علي البطاح تسفي عليها الرياح، و تساءلوا عن اخبارها العرفاء فبما مرت الايام و الاعوام الا و المزارات قائمه، و عليها الخيرات جاريه، و المدائح تتلي، و الحفلات تتوالي، و وجوه العظماء علي ابوابها، و تيجان الملوك علي اعتابها. و امتدت جاذبيه الحسين (ع) و صحبه من حضيره الحائر الي تخوم الهند و الصين اعماق العجم و ما وراء الترك و الديلم و الي اقصي من مصر و الجزيره و المغرب الاقصي يرددون ذكري فاجعته بممر الساعات و الايام، و يقيمون ماتمه في رثائه و مواكب عزائه، و يجدون في احياء قضيته في عامه الانام، و يمثلون واقعته في ممر الاعوام. هذا بعض ما فاز به حسين النهضه من النصر الاجل و النجا في المتقبل «و يابي الله الا ان يتم نوره و لو كره المبطلون».اما الحزب السفياني فقد خاب فيما خاله و خسرت صفقته و ذاق الامرين بعد مقتل الحسن (ع) في سبيل تهدئه الخواطر و اخماد النوائر حتي صار يعالج الفاسد بالافسد و يستجير من امرمضاء بالنار، كقيامه باستباحه مدينه الرسول (ص)

ص: 126

و اخافه اهلها، و قتله ابن الزبير في مكه حرم الله و البلد الامين، حق حاصروه و رموه بالمنجنيق، و فطعوا سبل الحج علي المسلمين، و هتكوا معظم شعائر الدين.و نهض الخمتار الثقفي و زعماء التوابين العراقيين طالبين ثار الحسين (ع) فقلتوا ابن زياد و ابن سعد و اشياعهما شر قتله، و اهلكوا شمرا بكل عذاب، و احرقوا حرمله حيا، و تتبعوا قتله الحسين (ع) و محاربيه في كل دير و دار، و قتلوه تحت كل حجر و مدر، و اصلوهم الحميم و الجحيم، و استجاب الله دعوه الحسين (ع) يوم عاشوراء اذ قال: «وسلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كاسا مصبره». و لم تزل عليهم ثائره اثر ثائره. و نائره حرب تلو نائره حتي اذن الله سبحانه بزوال ملك اميه و سقوط دوله بني مروان علي يدي السفاح الهاشمي ابي العباس بن عبدالله العباسي و اخوته و اعمامه، و القائد الباسل ابي مسلم الخراساني، و ثله، من فحلوه هاشم، فثلت عروش تلك الدوله الجائره، و دكت اركان حكومتها الغداره، و استاصلوا شافتهم و ابادوهم رجالا و نساء حتي لم يبق منهم آخذ ثار و لا نافخ نار، و احرقوا من اثارهم حتي الرميم المنبوش، و لعنوا حيثما ذكروا، و قتلوا اينما ثقفوا. فتجد حتي اليوم قبر يزيد الجور في عاصمه ملكه كومه احجار و مسبه الماره، لا يذكر في شرق الارض و غربها الا بكل خزي و عار.هذه عاقبه الجائر الفاجر و تلك عقبي المجاهد الناصح. «و ان الارض لله يورثها عباده الصالحين».

ص: 127

زينب في عاصمه ابيها

ان كان ابوحفص اول من اختط الكوفه للجند و الموونه فابو الحسن عليه السلام اول من مصرها و عمرها و مدتها و اتخذها عاصمه لحومته (1) فصارت في ايامه مشهد القضاء و الخطابه، و معهد العلم و العباده، و كانت ابنته زينب اميره الكوفه حينما كان ابوها اميرالمومنين، و معزز مجدها اخوتها الامجاد، و زوجها سيد الاجواد عبدالله ابن عمها جعفر الطيار- الذي اشتهر بالجود- حتي انه اقرض شخصا واحدا- و هو الزبير- الف الف درهم ثم وهب الصك لابن الزبير.و بيت زينب في الكوفه ملجا الفقراء و الامراء، حتي كان ابوها يضيف عندها احينا- كما روي ذلك عنه في ليه مقتله-. فالي مثل هذا البلد او الي مقر عزها و عاصمه ابيها كان سبي زينب الخطوب و عقيله بني هاشم، و تدخلها بحلمه ربائب الخدر من آل الرسول، و حولها يتامي و ذراري ابيها علي، علي محامل غير مجلله بالغطاء، و هن لا يملكن من السواتر غير الحياء، يسوقهن الجيش المنتصر امام الركاب كالاماء، و اهل الكوفه في عبره و عبره من هذا المشهد الغريب، يضجون

ص: 128


1- 35. روي ذلك القرماني في اواخر الدول.

و يعجون مما جري علي آل الرسول، و فيهم من يناولون الاطفال بعض الخبز و الثمر رافه و رحمه.فحري بالحره الهاشميه سليله الرسول ان تصرخ بهم و تقول: «ان الصدقه محرمه علينا اهل البيت» و نساء الازقه و السطوح باكبات علي هولاء.قال خزيمه الاسدي: «دخلت الكوفه فصادفت منصرف عي بن الحسين بالذريه من كربلاء الي ابن زياد، و رايت نساء الكوفه يومئذ قياما يندبن، متهتكات الجيوب، و سمعت علي بن الحسين و هو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شده المرض: «يا اهل الكوفه! انكم تبكون علنا فمن قتلنا غيركم؟!» و رايت زينب بنت علي (ع)فلم ار و الله خفره انطق منها كانما تفرغ عن لسان اميرالمومنين، فاومات الي الناس ان اسكتوا، فسكتت الانفاس و هدات الاجراس فقالت:«الحمد لله و الصلاه علي محمد و اله الطيبين الاخيار، اما بعد: يا اهل الكوفه، يا اهل الختل و الغدر، اتبكون؟ فلا رقات الدمعه، و لا هدات الرنه. انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوه انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم. الا و هل فيكم الا الصلف النطف، و الصدر الشنف، و ملق الاماء، و غمز الاعداء او كمرعي علي دمنه، او كفضه علي ملحوده. «الا ساء ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم و في العذاب انتم خالدون».اتبكون و تنتحبون؟ اي و الله! فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها و شنارها و لن ترحضوها بغسل ابدا. و اني ترحضون قتل سليل خاتم النبوه، و سيد شباب اهل الجنه، و ملاذ خبرتكم و مفزع نازلتكم، و منار حجتكم،و مذره سنتكم. الا ساء ما تزرون و بعدا لكم و سحقا، فلقد خاب السعي، و تبت الايدي، و خسرت الصفقه، و بوتم بغضب من الله، و ضربت عليكم الذله و المسكنه.و يكلم يا اهل الكوفه! اتدرون اي كبد لرسول الله فريتم، و اي كريمه له ابرزتم، و اي دم له سفكتم، و اي حرمه له انتهكتم؟ و لقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الارض او ملا السماء افجعجبتم ان مطرت السماء دما و لعذاب الاخره و انتم لا تنصرون.

ص: 129

فلا يستخفنكم المهل فانه لا يخفره البدار، و لا يخاف قوه الثار، و ان ربكم لبالمرصاد».بقول راوي هذه الخطبه: «فوالله لقد رايت الناس يومئذ حياري يبكون، و قد وضعوا ايديهم في افواههم. و رايت شيخا واقفا الي جنبي يبكي حتي اخضلت لهيته و هو يقول: بابي انتم و امي، كهولكم خير الكهول، و شبابكم خير الشباب، و نساوكم خير النساء، و نسلكم خير نسل لا يخزي و لا ينزي».

ص: 130

السبي النبوي في قصر الاماره

نزولا بالسبايا في قصر الاماره علي عبيدالله و قد سبقها راس الحسين (ع) لان ابن سعد ساعه ما قتل الحسين ارسل راسه الي ابن زياد مع خولي الاصبحي، فبات في بيته و اصبح عنده في طست بين يديه- و مجلسه مكتظ بالشيوخ و روساء الاحياء- فصار يبتسم من عظيم سروره و ابتهاجه، و ينكت راس الحسين بقضيب في يده و يضرب شفتيه، غير مكترث و لا محتشم لاحد، و لا احد ينكر عليه فعلته هذه الا الصحابي العظيم زيد بن ارقم، صرخ قائلا: «ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فقد و الله رايت رسول الله يضع شفتيه علي هاتين و يقبلهما» ثم بكي. فسبه ابن زياد و قال له: «ابكي الله عينيك، فلولا انك شيخ كبير قد كبرت و خرفت لضربت عنقك» فخرج زيد يقول للناس: «انتم يا معشر العرب عبيد بعد اليوم،تقتلون ابن فاطمه و تومرون ابن مرجانه».و لما ادخلوا سبايا الحسين (ع) علي ابن زياد تنكرت اخته زينب بين النساء و حفت بها جواريها لكي لا تعرف، فقال ابن زياد: «من هذه المنتكره المتكبره؟». فلم تجبه ثم كررها ثلاثا و هي لا تكمله، فقالت له احدي الجوازي: «هذه زينب بنت فاطمه». فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم و اكدب احدوثتكم!!فقالت زينب: «الحمد لله الذي كرمنا بمحمد و طهرنا تطهيرا لا كما

ص: 131

تقول، و انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا». فقال ابن زياد: «كيف رايت صنع الله باهل بيتك؟». فقالت: «هولاء كتب الله عليهم القتل فبرزوا الي مضاجعهم. و سيجمع الله بينك و بينهم فتختصمون عنده فتنظر لمن الفلج».فغضب ابن زياد و استشاط، فقال له عمر بن حريث: «يا امير انها امراه، و المراه لا تواخذ بشي ء من منطقها». فقال ابن زياد لزينب: «شفي الله غيظي من طاغيتك و العصاه المراده من اهل بيتك». فقالت: «لعمري لقد قتلت كهلي، و ابرزت اهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت اصلي، فان يشفك فقد اشتفيت». قال ابن زياد لجلسائه: «هذه سجاعه و قد كان ابوها اسجع منها».ثم التفت الي علي بن الحسين قائلا: «ما اسمك؟» قال: «علي بن الحسين». قال: «او ليس الله قد قتل عليا؟» قال: «كان لي اخ يسمي عليا قتله الناس». قال ابن زياد: «بل قتله الله». قال علي: «الله يتوفي الا نفس حين موتها، و ما كان لنفس ان تموت الا باذن الله». فغضب ابن زياد و امر بقتله، فتعلقت به عمته زينب قائله: «حسبك يا ابن زياد من دمائنا! اما رويت و اشتفيت، و هل ابقيت منا احدا؟ اسالك بالله ان كنت مومنا ان تقتلني معه ان كنت قاتله». فنظر ابن زياد اليهما طويلا ثم قال: «عجبا للرحم، تود ان تقتل دون، دعوا الغلام ينطلق مع نسائه».ثم كثر الزحام علي ابن زياد من الطامعين و الطامحين، اذا ازفت ساعه الوفاء بالوعود و تاديه اجور العاملين. لكن ابن مرجانه راي ان الخزانه لا تفي بمصرف الجنود فضلا عن الوفاء بالوعود، و انما اغراهم بالمواعيد دهاء و مكرا.و طبيعه الكوفه انها تنصب رقابها سلما لرقبائها قبل ابرام الوثائق، فتمسي و لها الوزر و لغيرها الاجر. فغدر ابن زياد بهم بعد مقتل الامام، و حرم الكثير منهم حتي عن القليل باقل بادره و ادين حجه، و نكث عهد ابن سعد بولايه الري.و لما جاءها سنان بن انس قائلا:املاء ركابي فضه و ذهبا اني قتلت السيد المحجباقتلت خير الناس اما و ابا و خبرهم اذ ينسبون النسبا

ص: 132

رده عبيدالله قائلا: «فلم قتلته لو تعرفه كذلك؟»و احال ابن زياد قسما من هولاء العامله الي اميره يزيد في الشام ليستوفوا الجوائز هناك. و جهز معهم سباياالحسين، و قائد الركب زجر و قائد الجند المحافظ لهم شمر، و معهم كافه الرووس، و ذلك لانه عرف ان الكوفه سريعه التبدل، و شعر ببوادر انقلاب القلوب مما ذكرناه فبقاء آل الرسول في الكوفه خطر، و السجون مشحونه بشيوخ القبائل.و ليس ابن زياد كيزيد يلهو بالحاله الحاضره عما وراءها و يضيع الفرص علي نفسه، فستعجل بارسال اهل الحسين الي الشام، فضلوا يعانون مشاق السفر حتي و صلوا دمشق الشام في اوائل شهر صفر.

ص: 133

في الشام عاصمه اميه

الحوادث في النهضه الحسينيه سلسله مصائب توخذ بدايتها في الاكثر من مدنيه الرسول (ص) و تنطفي شعله الختام في الشام. الا ان المتامل في فصولها يعسر عليه في اكثر الاحيان ربط الحلقات و تعليل الحوادث و معرفه الموثرات، فيقف التاريخ بالقاري ء غالبا وقفه الحائر واضعا سبابته علي شفتيه بدل ان يضعها علي جمله تاريخيه كهيئه المشير الي السبب، و كيف لا تستولي عليه الحيره و حوله ما يدهش اللب و يقضي بالعجب، اذ عن اليمين فضائل جمه تمركزت في شخصيه الحسين (ع) هي ذي مآثر فضلي تسوجب اكرام صاحبها- قام او قعد-، بينما عن يسار المتامل صحيفه سوداء، للخصوم هي ذي مآثم تستدعي احتقار صابحها و لعنه- اينما سار او وقف-، و اما المتامل فجائع و فضائع و ما لا يستحله عدد من الد اعدائه: من ايذاء صبيه، و ذبح ذريه، و سبي نساء، و قتل ابرياء، و ضرب المرضي، و سب الموتي و احصار الضعفاء علي ظما، و مثله باشلاء الي غيرها مما تقشعر منه الجلود.فهل هذا كله لاحقاد اورثتها الجدود للاحفاد؟ حينما نري الخصومات تنتهي في العرب و غير العرب في ساعه الغلب، فلا يبقي بعد ذلك في المنظر اثر حقد علي المنكسر، بل يصون منه الحرمه، و تتحول فيه النقمه الي الرحمه.لكنما الموسف كل الاسف ان يزيد لم يعامل خصومه من آل الرسول (ص)

ص: 134

معامله خصوم العرش و التاج، و لا وقفت مظالمه فيهم عند حد الغلب و السلب، حتي اسر النسوه بكل قسوه و سيرها عشرات المنازل من كربلاء الي الشام سبايا علي اقتاب المطايا، و اوقفهن بين يديه كالاماء شعث الشعور متربه الوجوه ممزقه الثياب، الامر الذي يدعو الي الاعتقاد بان القضيه فضيه الاحقاد لا قضيه العرش و التاج، و لا سيما عندما اظهر التشفي حين نكت بخيز رانه في يديه ثغر الحسين و شفيته قائلا: «يوم بيوم بدر» فانكر عليه ابو برده الاسلمي قائلا: «و يحك يا يزيد! اتنكت ثغر الحسين ابن فاطمه؟! اشهد لقد رايت النبي يرشف ثناياه و ثنايا اخيه الحسن و يقول: انتما سيدا شباب اهل الجنه، فقتل الله قاتلكما و لعنه». فغضب يزيد و امر باخراجه سحبا، ثم تمثل بابيات ابن الزبعري المعروفه: «ليت اشياخي ببدر شهدوا... الخ» و زاد عليها- كما في روايه الشعبي و غيره- ابياتا منها هذا البيت:لست من خندف ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعلثم صارت فاطمه بنت الحسين من ورائه تطاول راسها لتري راس ابيها و يزيد يطاول براسه لئلا تراه، و صار يتمثل بابيات الحصين المري:نفلق هاما من رجال اعزه علينا و قد كانوا اعق و اظلمافصاح علي بن الحسين- و كان مغلول اليدين-: «يا يزيد! ما ظنك برسول الله او رآنا علي هذه الحاله؟» فامر يزيد باطلاق يديه و قال: «ابوك قطع رحمي و جهل حقي و نازعني في سلطاني فصنع الله به ما قد رايت». فاجابه علي: «ما اصابكم من مصيبه في الارض و لا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبراها- الي قوله تعالي- ان الله لا يحب كل مختال فخور».و قام شامي احمر و اشار الي فاطمه بنت الحسين قائلا: «يا امير هب لي هذه الجاريه» فارتعدت فاطمه و تعلقت بعمتها زينب، فصاحت زينب الفصاحه: «مه! ليس ذلك لك و لا لاميرك». فغضب يزيد و قال: «ان ذلك لي و لو شئت لفعلت». فاجابته زينب: «كذبت و الله، ليس ذلك لك الا ان تخرج عن ملتنا و تدين بغير ديننا». فاستطار يزيد غضبا و قال: «اياي تستقبلين بهذا؟ انما خرج

ص: 135

عن الدين ابوك و اخوك». فقالت: «بدين الله و دين ابي اهتديت انت و ابوك ان كنت مسلما. و انما انت امير تشتم ظالما و تقهر بسلطانك».ثم لم تقنع بنت اميرالمومنين في تلك القاعه الرهيبه التي لا تقصر مهابه عن ميادين الوغي، بل عمدت الي كشف القناع عن مخازي القوم و بيان صلاتها بصميم الاسلام. فقامت مصليه علي رسول الله قائله:«الحمد لله رب العالمين، و صلي الله علي رسوله و آله اجمعين.صدق الله: ثم كان عاقبه الذين اساوا السوءي ان كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزءون».اظننت يا يزيد! حيث اخذت علينا اقطار الارض و آفاق السماء. فاصحبنا نساق كما تساق الاساري ان بنا علي الله هوانا و بك عليه كرامه، و ان ذلك لعظم خطرك. فشمخت بانفك، و نظرت في عطفك، جذلان مسرورا حين رايت الدنيا لك مستوسقه و الامور متسقه، و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا.مهلا مهلا! انسيت قول الله تعالي: «و لا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم. انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين»؟!امن العدل يا ابن الطلقاء! تخديرك حرائرك و اماءك. و سوقك بنات رسول الله سبايا، فد هتكت ستورهن، و ابديت وجوههن، تحدو بهن الاعداء من بلد الي بلد، و يستشرف وجوههن اهل المناهل و المعاقل، و يتصفح و جوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف، ليس معهن من رجالهن ولي و لا من حماتهن حمي.و كيف يرتحي مراقبه من لفظ فوه اكباد الازكياء، و نبت لحمه من دماء الشهداء؟و كيف يستبطي ء في بغضنا- اهل البيت- من نظر الينا بالشف و الشنآن و الاحن و الاضغان؟!.ثم تقول- غير متاثم و لا مستعظم:لاهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشلمنحنيا علي ثنايا ابي عبدالله سيد شباب اهل الجنه تنكتها بمحضرتك، و كيف لا تقول ذلك و قد نكات القرحه و استاصلت الشاقه باراقتك دماء ذريه

ص: 136

محمد- صلي الله عليه و آله و سلم- و نجوم الارض من آل عبدالمطلب، و تهتف باشياخك زعمت انك تناديهم، فلتردن و شكيا موردهم، و لتودن انك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت و لعلت ما فعلت.اللهم خذ بحقنا، و انتقم من ظالمنا، و احلل غضبك بمن سفك دماءنا، و قتل حماتنا.فوالله ما فريت الا جلدك، و لا حززت الا لحمك، و لتردن علي رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته و انتهكت من حرمته في عترته و لحمته، حيث يجمع الله شملهم، و يلم شعثهم، و ياخذ بحقهم.«و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون».حسبك بالله حاكما، و بمحمد خصيما، و بجبريل ظهيرا. و سيعلم من سول لك و مكنك من رقاب المسلمين، بئس للظالمين بدلا، و ايكم شر مكانا و اضعف جندا. و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لا ستصغر قدرك، و استعظم تقريعك، و استكبر توبيخك، لكن العيون عبري، و الصدور حرا.الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباه بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الايدي تنطف من دمائنا، و الافواه تتحلب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، و تعفوها امهات الفراعل، و لئن اتخذتنا مغنما لتجدن و شيكا مغرما، حين لا تجد الا ما قدمت، و ما ربك بظلام للعبيد، فالي الله المشتكي و عليه المعول.فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، و لا تميت و حينا، و لا تدرك امدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رايك الا فند، و ايامك الا عدد، و جمعك الا بدد، يوم ينايد المنادي: الا لعنه الله علي الظالمين.فالحمد لله الذي ختم لاولنا بالسعاده، و لاخرنا بالشهاده و الرحمه، و نسال الله ان يكمل لهم الثواب، و يوجب.

ص: 137

طلائع الانتباه

لقد كان لخطبه زبنب في تلك الحفله الرهيبه- التي كانت تضم بين جنبيها عددا كبيرا من مختلف الناس- صدي عظيم، بحيث نبهت الناس و ايقظتهم من نومتهم، كانهم كانوا في سبات عميق ذهبت بعقولهم و مشاعرهم.ازاحت ربه الخدر حجب الشبهات عن عيون اعيان الشام الذين كانوا يزعمون ان هولاء من سبي الروم و التتر، حتي كان احدهم يطالب يزيد احدي بنات رسول الله (ص) تكون امه له و خادمه في بيته، فانكشفت لاعيان الشام حقيقه السبي و انه من العنصر الهاشمي الزكي و البيت النبوي الطاهر، فعند ما امر يزيد بالحبال فقطعت من اعناقهن و ايديهن، و توجه بالحنان الي زين العابدين و طلب منه ان يصعد المنبر و يعتذر ليزيد من امر اليه الحسين (ع)، فرقي ابن الخيرتين المنبر فحمد الله و اثني عليه و ذكر الرسول فصلي عليه ثم قال (1) .«... ايها الناس اعطينا ستا و فضلنا بسبع: اعطينا العلم، و الحلم، و السماحه، و الفصاحه، و الشجاعه، و المحبه في قلوب المومنين. و فضلنا بان منا النبي المختار

ص: 138


1- 36. ان هذه الخطبه العظيمه التي القيت علي مسامع اهل الشام كانت مفصله جدا راينا اختصارها بمقتضي هذا الكتاب و انتخبينا منها بعض الجمل و الفصلول فقط. و تفصيل هذه الخطبه مذكور في كتاب بحار الانوار ج 10.

محمدا، و منا الصديق، و منا الطيار، و منا اسد الله و اسد رسوله و منا سبطا هذه الامه و منا مهدي هذه الامه. من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني انباته بحسبي و نسبي:.. انا ابن محمد المصطفي. انا ابن علي المرتضي... انا ابن فاطمه الزهراء انا ابن سيده النساء...». و هكذا لم يزل يقول انا ابن، انا ابن حتي ضج الناس بالكباء و خشي يزيد ان تحدث فتنه و انقلاب، فامر الموذن ان يوذن حتي ينقطع- كلام الامام فجعل الموذن يوذن حتي قال: «اشهد ان محمدا رسول الله» التفت العليل من فوق المنبر الي يزيد و قال: «محمد هذا جدي ام جدك يا يزيد؟! فان زعمت انه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته؟!».بهذه الخطيه الرنانه تمكن علي بن الحسين (ع) ان يوجه نحوه وجوه اهل الشام- كما اثرت من قبل خطبه عمته زينب في اعيان الشام-.و مما مضي نعلم ان النهضه الحسينيه- التي دار محورها حول تنبيه الامه علي سيآت بني اميه- لم ينقطع سيرها بانقطاع حياه الحسين في طف كربلاء- كما قلنا ذلك في الفصل السابق- بل قامت مقامه شقيقته زينب و ازالت الستار عن مخازي بني اميه الجور حتي في عاصمتهم، و في نوادي ابن زياد و يزيد، و كذا قام بدوره علي شبل الحسين السبط في هذه المواضع الرهيبه منبها للغافلين، و ناقما علي الظالمين، و مبشرا بمابدي ء حدي الامين- ليهلك من هلك عن بينه، و يحيي من حي عن بينه-.عند ذلك قلب يزيد ظهر المجن، و اظهر الندم من قتل الحسين قائلا: «لعن الله ابن مرجانه، لقد كنت اكتفي منه عن الحسين باقل من هذا» و طلب من علي ابن الحسين ان يعرض عليه حاجته، فقال له: «اريد منك ان تريني وجه ابي، و ان تعيد علي النساء ما اخذ منهن، ففيها مواريث الاباء و الامهات، و اذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يودي بهن الي المدينه» فاجابه بقوله: «اما وجه ابيك فلن تره،و اما ما اخذ منكم فيرد اليكم، و اما النسوه فلا يردهن غيرك، و قد عفوت عن قتلك».هنا و في هذه الساعه انطفات جذوقه الانتقام- التي كان لهيبا يستعر في صدر يزيد من قبل-، و هنا خاتمه المصائب.

ص: 139

هنا اذن يزيد لاهل البيت النبوي اقامه العزاء لفقد سيدهم ليالي و اياما، و علت من بيوت يزيد و نسوته اصوات البكاء و العويل- كحمامات الدوح يتجا و بن النوح مع النوادب من آل الرسول علي سيد شباب اهل الجنه-.ثم امر يزيد الخنا النعمان بن بشير ان يسير بآل الرسول الي المدنيه المنوره في العشرين من صفر، و ينزل بعيدا عنهم، و يسير كذلك و لا ينزل الا بامرهم و لا يرحل الا بمثله و ان يراعي في حسن خدمتهم كل ما في وسعه من عطف و رافه.بلغ السبي النبوي المدينه و لكن بايه حاله؟! تعرف مبلغ التاثير في اهل البيت مما خاطبت زينب المدنيه قائله:مدينه جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الاحزان جيناخرجنا منك بالاهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنيناو كنا في الخروج بجمع شمل رجعنا حاسرين مسلبيناو كنا في امسان الله جهرا رجعنا بالقطيعه خائفيناو مولانا الحسين لنا انيس رجعنا و الحسين به رهينافنحن الضائعات بلا كفيل و نحن النائحات علي اخيناو نحن السائرات علي المطايا نشال علي جمال المبغضيناثم اخذت بعضادتي باب مسجد النبي (ص) و قالت بلهفه: «يا جداه! اني ناعيه اليك اخي الحسين» و لا زالت بعد ذلك لا تجف لها عبره، و لا تفتر من البكاء و النحيب. و كلما نظرت الي علي بن الحسين (ع) تجدد احزانها و زاد وجدها.

ص: 140

محرم... و تاريخ العزاء الحسيني

في التاريخ مصارع كثيره... و فجائع مثيره يذهل الفكر امامها حائرا.. و لكن فاجعه «كربلاء» قد اجمع المورخون بانها من اشد الفجائع اثرا في النفوس..، و اقسي المصارع وقعا علي القلوب.. ذلك لما وقع لعي ساحه الطف في كربلاء بالعراق من مجزره بآل النبي و اصحابهم يوم العاشر من محرم سنه احدي و ستين للهجره الموافق لسنه 85 ميلاديه. حيث حوصر فيها الامام ابو عبديالله الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام هو و اله وفتيه من بني هاشم و جمله من اصحابه من اهل العراق و الحجاز.. و استشهدوا جميعا من قبل الجيش الاموي بقياده عمر بن سعد بن ابي وقاص و بامر من عبيدالله بن زياد عامل يزيد علي الكوفه.. لا لذنب سوي تمسكهم القوي بمبادئهم القويمه.. و احساسهم القوي بالمسووليه الملقاه علي عواتقهم ازاء السياسه الامويه القائمه..لذلك كلما بدت طلعه العام الهجري (1) تذكر المسلمون ببالغ الاسي و عظيم

ص: 141


1- 37. يعقتد فريق من المسلمين ضروره الاحتفال بهلال محرم الحرام باعتباره مفتتح العام الهجري،. و انه يلزم ان يكون موضع فرح و سرور ساعه حلوله.. و ان يتخذ له مظاهر الانس و الابتهاج اسوه بسائر الاقوام التي اتخدت من مفتتح اعوامها ابهج يوم او اعظم عيد.. و لذلك بدات بعض الاقطار الاسلاميه تاييد هذا التقليد باقامه مباهج الاحتفاء و مجالس التكريم بهذه المناسبه ليله الاول من شهر محرم و يومه باعتبار هذا اليوم يوم الهجره النبويه.. و يحلق المتحدثون تحت هذا العنوان... غامدين علي اتخاذه عيدا دونما احتفال بمشاعر الاخرين.. و تقام علي هذا الاساس مظاهر الزينه و معالم الافراح في بعض الاقطار العربيه.. و تتبادل النهاني (بيوم الهجره) او «بعيد الهجره»! في حين ان يوم الهجره النبويه كان باجماع المورخين دونما اختلاف في يوم الاثنين من مطلع شهر ربيع الاول من سنه 622 ميلاديه و ان الرسول صلوات الله عليه ترك مكه ليلا و هاجر مع صاحبه «ابي بكر» الي المدينه و ترك ابن عمه عليا في فراشه تلك الليله.. و ليس هناك من رابط بين هذه الهجره و اول شهر محرم و لم يرد في التاريخ الاسلامي ذكر للاحتفال بهذه المناسبه في مطلع شهر محرم.. و انما في عهد «عمر» جري الاتفاق علي اعتبار هجره الرسول بدايه لتدوين التاريخ الاسلامي.. و اعتبار اول محرم كما كان المعتاد بدايه للعام الهجري لغرض الحساب.. و اما الاحتفال به كعيد لراس السنه الهجريه و عطله رسميه.. فهي فكره حديثه و من محدثات السنين الاخبره.

التاثر مصارع آل الرسول و اهل بيته و ما امعنه الجيش الاموي فيهم من القتل و التنكيل و التمثيل.. و تذكروا كيف دكت حوافر خيول هذا الجيش جناجن صدورهم و ظهورهم بشكل لم يشهد التاريخ نظيرها فظاعه و بشاعه.. و كيف ساروا برووس القتلي علي الرماح مع نساء الرسول سبايا الي الكوفه فالشام باسم سبايا الروم ثم الي مدنيه جدهم يثرب عاريات في احزن منظر (1) .كل هذا والدين الحنيف في اول عهده.. و الاسلام في ربيع حياته..لذلك حين يحل هذا التاريخ من كل عام.. و يهل هلال محرم الحرام يستعد المسلمون في معظم انحاء المعموره للتعبير عن شعورهم ازاء هذه الذكري الداميه و خاصه في يوم العاشر من محرم.. المعروف بيوم «عاشوراء» حيث يحتفل المسلمون فيه بهذه المناسبه الاليمه متذكرين مصارع آل النبي في كربلا في حزن عميق و شجن عظيم.. يستغرضون مواقف الامام الحسين و من استشهد معه مما يناسيها من الاشاده و التكريم.. و منهم من يبالغ في اظهار شعائر الحزن و الاسي حسبما يتصوره و يرتاح اليه حسب تاثره و معتقده تجاه هذه الفاجعه الداميه.. التي اثرت في العالم الاسلامي تاثيرا بالغا ما ظل ملازما له منذ ذلك الحين اي قبل الف و قرون الي يومنا هذا.. و الي ماشاءالله من ايام الدهر..

ص: 142


1- 38. و قد استقبلهم بنوهاشم بصوره لا ينساها المسلمون و العلويون من حيث الروعه و البلكاء و العويل.. و قد انشدت بنت عقيل بن ابي طالب هذه الابيات تصف بها الحاله: ماذا تقولون ان قال النبي لكم؟ ماذا فعلتم و انتم آخر الامم بعترتي و باهلي بعد مفتقدي منهم اساري و صرعي ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي اذ نضحت لكم ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي - تاريخ العلويين- محمد غالب الطويل.

و قد يتصور البعض ان هذه الشعائر و المظاهر التي تقام في العشره الاولي من محرم الحرام من كل عام من قب المسلمين في مختلف انحاء الارض و يختلف اشكالها انما هي من محدثات العصور الاخيره في حين ان هذا التعبير عن شعور التاثر و التالم تجاه مصرع الامام الحسين (1) انما يرقي تاريخه الي عهد قديم في الاسلام او هو قريب العهد من الصحابه و التابعين لهم باحسان.. غير انه كان في اول امره محدودا جدا و صغير الحجم يقام بمحضر اخص الناس بالحسين كالاعلام من ذريته... للتسليه و المواساه و للتخفيف عن لوعه المصيبه.

ص: 143


1- 39. لقد كان مصرع الحسين اعظم مصيبه نزلت في الاسلام. فلقد قتل من قبل عمرو عثمان و علي.. و قتل في وقعتي الجمل و صفين جموع غفيره من المسلمين و لكن ذلك لم يوثر علي المسلمين مثل ما اثرت شهاده الحسين. و قد ادت هذه المحنه الي تفرقتهم و لا يزالون الي هذا اليوم متفرقين.. و قد انقرضت دوله الامويين باسم الانتقام لهذا الحادث و انقرض العباسيون باسم اعاده الحقوق المغتصبه في الحادث نفسه. و قتل تيمور لنك اهل الشام انتقاما لدم الحسين..- تاريخ العلويين-.

مظاهر العزاء لال البيت في العصر الاموي

و ما كانت الافاق العربيه يومها تردد صدي هذه الفاجعه المولمه.. (1) و قسوه ما اقترفه الامويون بآل الرسول في كربلاء.. كانت العائله النبويه تجدد ذاكرها

ص: 144


1- 40. مر سليمان بن قته العدوي بكربلاء بعد مقتل الحسين (ع) بثلاث فنظر الي مصارعهم و اتكا علي فرس له عربيه و انشا يقول: مررت علي ابيات آل محمد فلم ارها امثالها يوم حلت الم تر ان الشمس اضحت مريضه لفقد حين و البلاد افشعرت و كانوا رجاء ثم اضحوا رزيه لقفد عظمت تلك الرزايا و جلت و تالنا قيس فنعطي فقيرها و تغتابنا قيس اذا النعل زلت و عند غني قطره من دمائنا سنطلبهم يوما بها حيث حلت فلا يبعد الله الديار و اهلهلا و ان اصبحت منهم برغمي تخلت و ان قتيل الطف من آل هاشم اذل رقاب المسلمين فذلت و قد اعولت تبكي السماء لفقده و انجمها ناحت عليه و صلت و مر ابن الهباربه الشاعر بعده بكربلاء فجلس يبكي علي الحسين (ع) واهله و قال بديها: احين و المبعوث جدك بالهدي قسما يكون الحق عنه مسائلي لو كنت شاهد كربلاء لبذلت في تنفيس كربك جهد يذل الباذل و سقيت حسد السيف من اعدائكم عللا و حد السمهري الذابل لكنني اخرت عنك لشقوتي فبلابلي بين الغري و بابل هبني حرمت النصر من اعدائكم فاقل من حزن و دمع سائل و يقال نام مكانه فراي النبي (ص) فقال له: جزاك الله عني خيرا. ابشر فان الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين (ع) عن المجالس السنيه للسيد العاملي ج 1 ص 43 -42.

صباحا و مساء في حزن عميق و شجن عظيم.. و تبكي عليه رجالا و نساء.. و كلما راوا الماء تذكروا عطش قتلاهم.. فلم يهتاوا بطعام و لا ينام.. (1) .و كان وجوه المسلمين و الموالون لال البيت يفدون علي بيوت آل النبي صلي الله عليه ؤ اله و سلم بالمدنيه معزين و مواسين و كان الواحد منهم يعبر عن مشاعره و احزانه بابلغ ما اوتي من روعه القول و قوه البيان و حسن المواساه لهذه المصيبه.. حتي تركوا ثروه ادبيه رائعه في ادب التسليه و المواساه..و بقيت بيوت ال البيت مجلله بالحزن و السواد و لا توقد فيها النيران.. حتي نهضت في العراق ثله من فتيانه الاشاوس و من زعماء العرب الاقحاح امثال المختار الثقفي و ابراهيم بن مالك الاشتر النخعي و سليمان الخزاعي و المسيب الفزاري و غيرهم حيث اخذوا ثار الحسين و قتلوا جميع قتله الحسين امثال ابن زياد و ابن سعد و سنان و شمر و حرمله و غيرهم (2) فخفت من ذلك لوعه الاشجان في بني

ص: 145


1- 41. قالت فاطمه بنت علي بن ابي طالب «ع» ما تحنات امراه منا و لا اجالت في عينها مرودا و لا امتشطت حتي بعث المختار براس ابن زياد الي علي بن الحسين «ع». و قال الامام الصادق ما اكتحلت هاشميه و لا اختضيت و لا روي في دار هاشمي دخان حتي قتل عبيدالله بن زياد.. و كان الامام علي بن الحسين «السجاد» شديد الجزع كثير البكاء علي شهداء الطف يتذكر قتلاهم في حزن عظيم.. فواساه يوما مولاه ان يقلل من البكاء فاجاب: و يحك ان يعقوب بن اسحاق كان نبيا و ابن نبي له اثنا عشر و لدا.. فغيب الله واحدا منهم فشاب راسه من الحزن وا حدودب ظهره من الغم و ذهب بصره من البكاء و ابنه حي في دار الدنيا. و اذا رايت ابي و اخي و سبعه عشر من اهل بيتي صرعي مقتولين ثم رووسهم عي القنا.. فكيف ينقص حزني و يقل بكائي. المجالسي السنيه للسيد محسن العاملي ج 1.
2- 42. روي ابن الاثير في الكامل عن الترمذي في جامعه انه «لما وضع راس ابن زياد امام المختار جاءت حيه صغيره فتخللت الرووس حتي دخلت في فم عبيدالله بن زياد ثم خرجت من منخره و دخلت منخره و خرجت من فيه.. فعلت هذا مرارا.. ثم بعث المختار براس عبيدالله بن زياد الي علي بن الحسين (ع) و كان يومئذ بمكه فادخل عليه و هو يتغذي فسجد لله شاكرا و قال: الحمد لله الذي ادرك لي ثاري من عدوي. و جزي الله المختار خيرا.. لقد ادخلت علي ابن زياد و هو يتغذي و راي ابي بين يديه.. فقلت اللهم لا تمتني حتي ترني راس ابن زياد.. و كان قتل ابن زياد و اشياعه في يوم عشاوراء في اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع) و لم يقتل من اهل الشام بعد وقعه صفين مثلما قتل في هذه الوقعه.. حيث قتل المختار منهم سبعين الفا. المجالس السنيه للسيد العاملي ج 1.

هاشم.. و هدا منهج نشيج الزفرات و نزيف العبارت.. فصارت الماتم منهم و فيهم تقام في السنه مره بعد ما كانت مستمره..ففي ذلك العهد- عهد السلف الصالح- يدثنا التاريخ الاسلامي عن اعلام اهل البيت النبوي، انهم كانوا يستشعرون الحزن كلما هل هلال محرم.. و تفد عليهم و فود من شعراء العرب (1) لتجديد ذكري الحسين عليه السلام لدي ابنائه الا ماجد.و قد القو روائع في فن الرثاء و التسليه و التذكير باسلوب ساحر اخاذ ما ظل شعرهم خالدا رغم كر العصور.فقد كان الشاعر العربي «الكميت بن زيد الاسدي» من شعراء العصر الاموي و المتوفي سنه 126 للهجره قد جعل معظ قصائده في مدح بني هاشم و ذكر مصائب آل الرسول عليهم السلام.. حتي سميت قصائده «بالهاشميات» و كان بنشد معظمها في مجالس الامام الصادق و ابيه الباقر محمد وجده علي بن الحسين عليهم السلام. و و من تلك القصائد التي القاها بين يديه الامام علي بن الحسين السجاد قصيدته المشهور التي مطلعها:

ص: 146


1- 43. و ذكر السيد الامين في كتابه المجالس السنيه ج 1 فقال: قال الامام الصادق لالبي عماره المنشد يا اباعماره انشدني في الحسين بن علي قال فانشدته فبكي ثم انشدته فبكي و ما زلت انشده و يبكي حتي سمعت البكاء من الدار فقال: يا اباعماره من انشد شعرا في الحسين بن علي عليهماالسلام فابكي فله الجنه.. و دخل جعفر بن عفان علي الصادق (ع) فقربه و ادناه ثم قال يا جعفر بلغني انك تقول الشعر في الحسين (ع) و نحبيد فقال نعم جعلني الله فداك.. قال قل: فانشده: ليبك علي الاسلام من ان باكيا فقد ضيعت احكامه و استخلت غداه حين للرماح دريئه و قد نهلت منه اليوف و علت و غودر في الصحراء لحما مبددا عليه عتاق الطير باتت و ظلت فما نصرته امه السوء اذ دعا لقد طاشت الاحلام منها و ضلت الا بل محوا انوارهم باكفهم فلا سلمت تلك الاكف و شلت و ناداهم جهدا بحق محمد فان ابنه من نفه حيث حلت فما حفظوا قرب النبي و لا رعوا و زلت بهم اقدامهم و استزلت اذاقته حر القتل امه جده هفت نعلها في كربلاء و زلت فلا قدس الرحمن امه جده و ان هي صامت للاله و صلت كما فجعت بنت النبي بنلها و كانوا كماه الحرب حسين استقلت. فبكي الامام الصادق و من حوله حتي انتشرت الدموع علي وجه و لحيته ثم قال: يا جعفر و الله لقد شهدت ملائكه الله المقربين ها هنا يسمعون قولك في الحسين (ع) و لقد بكوا كما بكينا و اكثر و لقد اوجب الله تعالي لك يا جعفر في ساعتك هذه الجنه.. و غفرلك.. يا جعفر الا ازيدك.. قال نعم يا سيدي.. قال ما من احد قال في الحسين (ع) شعرا فبكي و ابكي به الا اوجب الله له لجنه و غفر له.

من لقلب متيم مستهام غير ما صبوه و لا احلامو قتيل بالطف غودر عنه بسين غوغاء امه و طغانمقتلوا يوم ذاك اذ قتلوه حاكما لا كائر الحكامقتل الادعياء اذ قتلوه اكرم الشاربين صوب الغمامو لهت نفسي الطروب اليهم و لهما حال دون طعم الطعامفما بلغ آخرها حتي قال السجاد عليه السلام له «ثوابك نعجز عنه.. و لكن الله لا يعجز عن مكافاتك..» فقال الكميت: سيدي ان اردت ان تحسن الي فادفع لي بعض ثباك التي تلي جسدك اتبرك بها.. فنزع الامام ثيابه و دفعها اليه. و دعا له..و من تلك القصائد قصيدته التي القاها في مجلس الامام الصادق و التي مطلعها:طربت و ما شوقا الي البيض اطرب و لا لعبا مني و ذو الشيب يلعبو لكن الي اهل الفضائل و النهي و خير بني حواء و الخير يطلبالي ان يقول:و من اكبر الاحداث كانت مصيبه علينا قتيل الادعايء الملحبقتيل بجنب الطف من آل هاشم فيا لك لحما ليس عنه مذببو منعفر الخدين من آل هاشم الا حبذا ذاك الجبين المتربو قد نال هذا الشاعر الجوائز الكثيره من ائمه آل البيت عليهم السلام حتي ان الامام الصادق اكرمه مره علي قصيده الف دينار و كسوه فقال الكميت و الله ما احببتكم للدنيا.. و لو اردت الدنيا لاتيت من هي في يديه.. و لكني احببتكم للاخره.. اما الكسوه فاقبلها لبركتها و اما المال فلا اقبله.و مثله الشاعر السيد اسماعيل الحميري احد الشعراء المشهورين في العصر الاموي فقد جعل معظم قصائده في آل البيت و في هذا المصاب.. و قد دخل علي

ص: 147

الامام الصادق مره يستاذنه ان ينشد له من شعره فاذن الامام له فانشد:امرر علي جدث الحسين و قل لاعظمه الزكيهيا اعظما ما زلت من و طفاء، ساكبه رويهو اذا مررت بقبره فاطل به وقف المطيهو ابك المطهر للمطهر و المطهره النقيهكبكاء معموله اتت يوما لواحدها المنيهفما بلغ هذا الحد حتي اخذت الدموع من الامام تنحدر علي خديه و ارتفع الصراخ من داره.. فامره الامام بالامساك فامسك.. ثم اوصله بهديه ثمنيه..و هكذا كان لاشعراء يقصدون مجالس آل البيت النبوي و سائر مجالس الهاشميين في هذا الموسم لالقاء خيره ما نظموه حول هذا الموضوع علي سبيل العزاء.. من مديح و رثاء.. و ينالون عليه خير العطاء.

ص: 148

مظاهر عزاء الحسين في العصر العباسي

لقد كانت لمجالس الهاشميين دورها الفعال في جمه صفوفهم من الطالبين و العلوبين و العباسيين و انصارهم الموتورين من الحكم الاموي القائم.. و تنظيم الحمله ضدهم و انطلقت الالسنه باعاده الحكم لال هاشم و تقاضي الحكم الجائر.. و قد حدثنا التاريخ الاسلامي.. ان تاسيس الدوله العباسيه كان قائما علي دعوه الهاشميين علي اساس الثار النهائي لقتلي الطف و الانتقام للعلويين بالقضاء علي الامويين.. و كان الشعراء لم يدعوا فرصه تفلت او مناسبه تمر الا و ذكروا بهذا الثار، الي ان هيا الله لهم ذلك و مكنهم من الامر و قضوا علي الحكم الاموي و تربع ابوالعباس السفاح علي الحكم كاول خليفه هاشمي.. يذكرنا التاريخ بوليمته المشهوره التي حضرها ثمانون رجلا من عيون الامويين و هم علي سمط الطعام فدخل شبل مولي بني هاشم علي السفاح فانشد في الحال قصيدته المهشوره و الغيظ قد اخذه:اصبح الملك ثابت الاساس بالبهاليل من بني العباسانت مهدي هاشم و هداها كم اناس رجوك بعد اناسطلبوا و تر هاشم فشفوها بعبد ميل من الزمان و ياسلا تقيلن عبدشمس عثارا وارمها بالمنون و ياسلا تقيلن عبدشمس عثارا وارمها بالمنون و الاتعباسو اذكرن مصرع الحسين و زيدا و قتيلا بحانب المهراس

ص: 149

فقام السفاح في الحال مغتاضا و قتلهم جميعا ثم اباد المويين عن آخرهم.. و هكذا اتسع المجال امام الشعراء في رثاء آل البيت النبوي و ذكر مصابهم في قتلي الطفوف.و من هولاء الشاعران المشهوران دعبل بن علي الخزاعي و ابراهيم بن العباس اللذان قصدا من بخراسان.. فقدم الاولي علي الامام الرضا (1) علي بن موسي بن جعفر ايام ولايه عهده في خلافه المامون العباسي 203 للهجره فانشد قصيدته المشهوره التي يقول في مطلعها (2) .تجاوبن بالاناه و ازفرات.. الي ان يقول:مدارس ايات خلت من تلاوه و منزل وحي مقفر العرصاتافاطم لو خلت الحسين مجدلا و قد مات عطشانا بشط فراتاذن للطمت الخد فاطمه عنده و اجريت دمع العين بالوجناتافاطم قوم ييا ابنه الخبر و اندبي نجوم سماوات بارض فلاتديار رسول الله اصبحن بلقعا و آل زياد تكن الحجرات.. الخو قد اجازه الامام الرضا- بعد ان بكي هو و اهله- بعشره الالف درهم من المسكوك باسمه الكريم، و خلع عليه جبته.. فكان هذا خير رمز للتقدير

ص: 150


1- 44. قال الامام الرضا «ع» كان ابي اذا دخل شهر المحرم لا يري ضاحكا.. و كانت الكابه تغلب عليه حتي تمضي العشره الاولي من محرم فاذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه.. عن المجالس السنيه للسيد العاملي رحمه الله- ج 1-.
2- 45. قال دعبل الخزاعي دخلت علي سيدي و مولاي علي بن موسي الرضا (ع) في ايام عشر المحرم فرايته جالسا جلسه الحزين الكئيب و اصحابه من حوله فلما رآني مقبلا قال لي «مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده و لسانه.. ثم انه وسع لي في مجلسه.. و اجلسني الي جانبه ثم قال لي يا دعبل احب ان تنشدني شعرا فان هذه الايام ايام حزن كانت علينا اهل البيت و ايام سرور كانت علي اعدائنا خصوصا بني اميه.. با دعبل من بكي او ابكي علي مصابنا كان اجره علي الله.. يا دعبل من ذرفت عيناه علي مصاب جدي الحسين عليه السلام غفر الله له ذنوبه.. ثم نهض (ع) ثم التفت الي و قال لي يا دعبل ارث الحسين فانت ناصرنا ما دمت حيا قال دعبل فاستعبرت و سالت عبرتي و انشات اقول: افاطم لو خلت الحسين مجدلا و قد مات عطشانا بشط فرات.

و الاعجاب.. و قد اشتري القموين «الجبه» من دعبل اثناء عودته الي العراق بالف دينار.و هكذا زميله الشاعر ابراهيم بن العباس (1) فقد انشد الامام الرضا (ع) قصيدته الداليه المشهوره التي يقول في مطلعها:ازال عزاء القلب بعد التجلد مصارع اولاء النبي محمدفاكرمه الامام بمثل ما اكرم به زميله الخزاعي.و كانت جوائز ائمه آل البيت النبوي في هذا لامجال مشهوره بالسخاء و البركه حتي ذهبت مثلا «ما بلغت صره من موسي بن جعفر لاحد الا استغني» لذلك كان الشعراء يتنفنون في هذا الباب الي جانب تاثرهم بروعه فاجعه الطف و فظاعه وقعها.. و كذلك تاثروا باقوال ائمه اهل بيت النبي في شان من يرثي الحسين.. و ماله من فضيله عند الله سبحانه.. فقد قال الامام جعفر الصادق لجعفر ابن عفان: «ما من احد قال في الحسين عليه السلام شعرا فبكي و ابكي به الا اوجب الله له الجنه و غفر له..»و هكذا كان الشعراء يتبارون في الرثاء و المواساه و الابداع فيهما بهذه المناسبه. في مجالس آل البيت النبوي و مجالس الطالبين. و ما من شك ان هذا العزاء كان فيه العزاء لكل مظلوم و كل ذي حق مهضوم باعظم السلوان تاسيا بالحسين عليه السلام.و كما كان في هذا العزاء عرض لتلك الماساه فانه لم يخل من قرض لجور الحاكمين و تعريض لضروب الظلم الذي اصاب آل البيت النبوي منهم و تهديد

ص: 151


1- 46. روي الصدوق في «العيون» عن البيهقي عن الاصولي عن هاورن بن عبدالله المهلي: انه لما وصل ابراهيم بن العباس و دعبل بن علي الخزاعي الي الرضا (ع) و قد بويع له بولايه عهده انشده دعبل: مدارس ايات خلت من تلاوه.. الخ و انشد ابراهيم بن العباس قصيدته «ازال عزاء القلب بعد التجلد، الخ» فوهب لهما عشرني الف درهم من الدارهم التي عليها اسمه و كان المامون قد امر يضربها في ذلك الوقت.. دعبل ذهب بالعشره الاف التي حصته الي قم فباع كل درهم بعشره دراهم، فحصلت له مائه الف درهم. و اماه ابراهيم فلم تزل عنده بعد ان اهدي بعضها و فرق بعضها علي هله الي ان توفي رحمه الله عليه.. فكان كفنه و جهازه منها- مجله المرشد.

الظالمين بالعاقبه الوخيمه لفتكها باعلام بيت النبوه.. و ما ناله الظالمون من سوء المنقلب كل ذلك علي لسان الشعراء و الخطباء و في اروع اسلوب مما كان اثره في جذب النفوس و تقويه القلوب.. حتي قال احد الشعراء:تالله ما صنعت اميه فيكم معاشر ما صنعت بنوالعباسو كانت السلطات الحاكمه يومها و في فتره من الزمن وراء هذه المجالس تطارد الملقين و تفتك بالحاضرين و لقي الموالون لال البيت من الشده ضروب العذاب.. و اتلفت معظم تلك القصائد و الاشعار و غيرها من الاثار ذات العلاقه بالامام الحسين عليه السلام. و لو كانت بايه لكانت ثروه ادبيه رائعه عن تلك الفترهو قد وصف ابن الاثير حوادث دمويه مسببه عن ذكري عزاء الحسين عليه السلام جرت بصوره فظيعه بين الحزب المتشيع لال البيت و بين الحزب المخالف له ببغداد عاصمه الهاشميين يوم ذاك.. كانت تتسع و تتقلص حسب لون السياسه الحاكمه و اجتهاد الحكام ذهبت بسببها ضحايا كثيره لا لشي ء سوي التعصب الممقوت. و بسبب الجهل بمكانه آل البيت من الرسول.. و عدم تقديرهم لشاعئر الود و المحبه لصاحب الرساله و اهل بيته.و كان «عزاء الحسين» رغم جميع هذه الاحوال قائما كل عام في موسمه من محرم الحرام و انما يختلف تقلصا و اتساعا حسب الشروف و لكنه في جميع الاحوال كان يداد تمكنا في النفوس و استقرارا في القلوب.. و كان للشعراء الفضل الاكبر في تقويه هذا العزاء و جذب القلوب اليه.. بقصائدهم الغر في تصويري مصاب الحسين و اهل بيته.. حتي ان غالبيه الموالين لال البيت كانوا لا يحفلون بقسوه الحكام قدر اهتمامهم للحضور الي مجالس العزاء كائنا ما يكون المصير...@.

ص: 152

مجالس النياحه لعزاء الحسين

و لما توسع التشيع و خفت وطاه السلطات المعاديه التي اتلفت معظم تلك القصائد و الاثار.. صار الموالي لال الرسول (ص) يقيم ذلك العزاء باسم «النياحه» او الرثاء بمشاهد الائمه من عترته او بمحضر من يوثق بتشيعه و موالاته.. و مما يجدر ذكره انه لم يكن في القرن الاولي اي القرن الذي قتل فيه الحسين اثر و لا عين من جماعه اهل العزاء سوي الراثين و النائحين في بيوت اهل البيت النبوي فقط و كذا الحال في القرن الثاني.. الي ان ظهر في القرن الثالث اسم النائح علما لمن يرثي الحسين و يقرا الشعر علي حسابه.. و يقيم اليناحه علي من امثال دعبل الخزاعي الي الناشي ء الاصغر..فاصحبت المجتمعات تتعقد باسم «النياحه علي الحسين» علي ما هم فيه من التستر فيبكون علي مصاب الحسين و ينوحون عليه بقريض ينشوه او ينشده الناشد و يسمي «النائح» و يذكر المورخان الشهيران ياقوت الحموي في معجمه (1) و ابن خلكان في و فياته قضيه الناشي ء الاصغر علي الشاعر المشهور. مجالس النياحه

ص: 153


1- 47. جاء في ترجمه علي بن عبدالله الناشي ء «حدثني الخالع قال كنت مع الدي في سنه 246 ه و انا صبي في مجلس الكبوذي في المسجد بين الوارقين و الصاغه.. و هو غاص بالناس و اذا برجل قد وافي و عليه مرقعه و في يديه سطحيه و ركوه و معه عكاز و هو شعث. فسلم علي الجماعه بصوت مرتفع و قال: انا رسول فاسطمه الزهراء صلوات الله عليها.. فقالوا مرحبا بك واهلا و رفعوه فقال: اتعرفون لي احمد النائح؟ قالوا ما هو جالس.. فقال: رايت مولاتنا عليهاالسلام في النوم فقالت امض الي بغداد و اطلبه و قل له نح علي ابني شعر الناشي ء الذي يقوله فيه: بني احمد قلبي لكم يقطع بمثل مصابي فيكم ليس يمع و كان الناشي ء حاضرا فلطم لطما عظيما علي وجهه و تبعه المزوق و الناس كلهم..و كان اشد الناس و ذلك الناشي ء ثم المزوق ثم ناحوا بهذه القصيده في ذلك اليوم الي ان صلي الناس الظهر و تقوص المجلس و جهدوا بالرجل ان يقبل منهم شيوا فقال: و الله لو اعطيت الدنيا ما اخذتها. فانني لا اري ان اكون رسول مولاتي عليهاالسلام، ثم آخذ عن ذلك عوضا و انصرف و لم يقبل شيئا.. قال و من هذه القصيده و هي بضعه عشر بينا.. عجبت لكم تفنون قتلا بسيفكم و يسيطو عليكم من لكم كان يخضع كان رسول الله اوصي بقتلكم و اجسامكم في كل ارض توزع قال: و حدثني الخالع قال اجتزت بالناشي ء يوما و هو جالس في السراجين فقال لي قد عملت قصيده و قد طلبت و اريد ان تكتبها بخطك حي اخرجها فقلت امضي في حامه واعود. و قصدت المان الذي اردته. و جلست فيه قحملتني عيني. فرايت في منامي اباالقاسم عبدالعزيز الشطرنجي النائح فقال احب ان تقوم فتكتب قصيده الناشي ء البائيه. فانا قد نحنا بها البارحه بالمشهد... و كان هذا الرجل قد توفي و هو عاهد من الزياره.. فقمت و رجعت اليه و قلت هات البائيه حتي اكتبها.. فقال الناشي ء و من اين علمت فنها بائيه و ما ذاكرت بها بها احدا فحدثته بالمنام فبكي و قال لا شك ان الوقت قد دنا فكتبتها و كان مطلعها: رجائي بعيئد و الممات فريب و بخطي ء طني و المون نصيب - عن مجله المرشد-.

علي الحسين.. و فيها ما يدل علي ان هذه المجتمعات كانت تتعقد في ذلك الزمن باسم «النياحه علي الحسين». و ليس هذا في العراق فحسب بل في الحجاز بلاد فارس. و مصر..ثم تطورت مجالس العزاء عقب النياحه بقراءه المقاتل لابن نما و ابن طاووس و نحوهما فسموا بالقرآء او قاري ء الحسين لا يزالون يعرفون حتي اليوم بهذا الاسم في بلاد العرب.

ص: 154

بدء المواكب و الحسينيات

و قد سجل التاريخ اهتمام معز الدوله البويهي و سائر الملوك البويهيين في الدوله العباسيه ببغداد عام 352 هجريه بشان اقامه مآتم الحسين و ابرازها في هيئه مواكب خارج البيوت.. فكانت النساء يخرجن ليلا و يخرج الرجال نهارا..حاسري الرووس حفاه الاقدام.. تحيتهم التعزيه و المواساه بماساه الحسين (ع) و لا تزال هذه العاده الي الان في مدن العتبات المقدسه في العراق و ايران. و بعد ما دالت الايايم بالدوله الي آل محمد و ابتاعهم سواء في حكومه الفاطميين في مصر ايام المعز لدين الله الفاطمي او في حكومه الحمدانيين في حلب ايام سيف الدوله الحمداني او في حكومه الصفويين في ايران او ملوك في ممالك اخري من بلاد الترك و الهند. انشي ء للنياحه بيوت احزان في كل مكان لتعازي الحسين سميت عند العرب «بالحسينيات» كما سميت عند الهنود ب «امام بان» (1) و عند الفرس و الترك «بماتم سراي» كما كانت تسمي هاتيك المجالس «بالمئآتم» او «تعازي الحسين» و خصصت لها اوقات و صدقات جاريه لا يستهان بها و بارابحها الوفيره..فاخذ العزاء الحسين يدورا متسع النطاق في ظل عنايه الهيئات الحاكمه.. و نال الموالون لال البيت كل حريتهم في اظهار رغباتهم و شعائرهم.

ص: 155


1- 48. الدلائل و المسائل ج 1 للسيد هبه الدين الحسيني الشهر ستاني جواب عن تاريخ العزاء الحسيني.

فالناظر اليها لاول و هله لخالها تشكيلات تولدت من عهد الملوك الصفويه او هي من متسحدثات الاعاجم.. لكنما المتصفح لكتب التاريخ و الاثار يجد لهذا الامر ادوارا او اطوارا في عصور سابقه علي العصر الصفوي.. و في امم لا مساس لها بالعجم.. بل هي من غروس العراق الديمه و اشجارها الصلبه التي نبعت في ضفاف الرافدين قبل ايه امه اخري.. ثم تسربت و امتدت الي الامم الاخري..و كل من جاب عواصم الامم الاسلاميه و غير الاسلاميه يري في الكثير منها ان لم يكن فيها كلها سيما المجتمعات المواليه لال بيت الرسول.. المباني الضخمه التي خصصت لاقامه هذه المجالس في هذا الموسم لاحياء ذكري شهيد الحق الامام الحسين عليه السلام.

ص: 156

اهتمام الاقطار الاسلاميه بعزاء الحسين

و هكذا اصبح المسلمون في اليوم العاشر من محرم كل عام يختفلون بذكري «عاشوراء» احياء لذكري شهيد الطفوف الامام الحسين عليه السلام في جميع الاقطار الاسلاميه.. و يعتبر هذا اليوم عطله رسميه لدي معظم هذه الدول و يشترك كثير من روساء الدول الاسلاميه في مرا سيمه.و حين تمر هذه الذكري بالمسلمين سواء في العشره الاولي من محرم او في اليوم العاشر منه فانها تغمر غالبيه العالم الاسلامي بموجه من الاسي و بخيم عليه سحاب من الحزن، كان الامام الحسين قد قتل حديثا و كان اشلاء آله و انصاره.. لا تزال علي منظرها المولم فوق تلك الترب و كان دم اولئك الضحايا من الشهداء لم يزل يفور علي تلك الارض.. فيثير في نفوس المسلمين كل تلك المشاعر و الاحزان.. ما جعلت معظم الحكومات العربيه و الاسلاميه ان تحافظ علي حرمه هذه المناسبه.. و تلاحظ شعور المسلمين نحوها.. و من اجل ذل تصدر اوامرها بغلق دور اللهو و اللعب و حانات الخمور و الشرب و المسارح و امثالها مما تحمل طابع اللهو و الطرب.. كما تقلص علي غرارها ما في برامج الاذاعه و التلفزيون خلال العشره الاولي من محرم ببرامج تتسم بالطابع الديني و الروحي و العلمي مجردا من كل اسبات اللهو و الطرب.. كل ذلك رعايه لشعور المسلمين و احتراما لمكانه هذ الذكري. كما هو

ص: 157

الحال في العراق و ايران و في الهند و الباكستان و عديد من الدول الاسلاميه الاخري.و المسلمون اذ يختفلون بهذه الذكري الداميه ببالغ الاسي و عظيم الالم.. انما يشيدون فيها علي موقف الامام الحسين في ساحه الطف و يمجدون مواقف اله و اصحابه و ما قدموه في ذلك الموقف من جسيم التضحيه و عظيم البساله التي ادهشت الاجيال و اذهلت التاريخ..ثم اذ يعبرون في احيائهم لهذه الذكري الداميه عن شعورهم نحو الامام الشيهد فانهم يختلفون في هذا التعبير حسب معتقداتهم في و في حركته و استشهاده.. و باختلاف مداركهم و عاداتهم.فمنهم من يعتبره عيدا مجيدا لان الفضيله فيه قد انتصرت علي الرذيله و ان الامام الحسين بموقفه ذاك من يزيد قد اسند تعاليم جده سيد الرسل.. و جدد مجد شريعته السمحاء.. كما هو الحال لدي المسلمين في الشمال الا فريقي و المغرب العربي الذين يعتزون بهذه الذكري.و منهم من يندفع مع العاطفه الي ايلام نفسه و ايذائها بمختلف الوسائل و الاساليب كضرب نفسه بالسلاسل او بالتطبير ظنا منه ان هذا النحو من الايذاء لمن دلائل المواساه او الاقتداء باولئك الشهداء.. كما هو الحال في بعض انحاء العراق و ايران و الهند و الباكستان..

ص: 158

عزاء الحسين في امريكا الوسطي

و منهم من يحصرها في هودج كبير ضخم كما هو الحال في (1) امريكا الوسطي و في مدنيه بورت او اسباين عاصمه في جزيره تر بينداد الواقعه في البحر الكاربي من شمال امريكا الجنوبيه حيث يزين المسلمون هذا الهودج باذهب و الفضه و بايهي الالوان الوهاجه و احلالها و يشترك المسيحيون و الهنود مع المسلمين في احتفالاتهم العظيمه بيوم عاشوراء في مسيره عظيمه في طليعتها هذا الهودج الفخم.. و تسير الجماهير وراءه تحف بها الطبول و الات الموسيقي بانغامها الحزينه تطوف شوارع العاصمه و بين تعالي العويل و الهتاف بحياه الحسين عليه السلام سيد الشهداء في ذكري مصرعه يلقي بالهودج الي البحر الصاخب فتحمله الامواج الي الاعماق الزرقاء المجهوله.. و يعود الجميع الي مجالس العزاء بذكري الحسين عليه السلام.. و اغلب الظن ان هذه الظاهره انتقلت الي هذه الجزيره مع الهنود المسلمين.. حيث يمارسون علي غرارها في الهند تعبيرا عن عواطفهم نحو هذه الذكري.. و علي هذا النحو في معظم الاقطار الافريقيه و الاسيويه يعبر المسلمون عن مشاعرهم حسب تصورهم و معتقداتهم في هذه المناسبه..

ص: 159


1- 49. من مجله الاسبوع العربي في عدد هي 515 من السنه العاشره بتاريخ 1969 -4 -31 بقلم بهجت منصور.

و منهم من يحو بها كعرض لذلك المسرح الحزين يوم الطف بالمنطق الرزين.. و بارق الاساليب الاخاذه بالمشاعر مستوحيت من قدسيه ذلك اليوم التاريخي العبر و انواع البطوله و الايمان بالحق.. فينتزعون من ذكراه اورع الصور و ابلغ الدروس، و اسمي العظات. و ان كانت منهم مجرد سرد و ترديد..

ص: 160

عزاء الحسين في مدن العتبات المقدسه

و الي جانب ما تقدم تلبس مدن العتبات المدقسه في العراق ايران و المساجد المهمه و الاماكن المتبركه في الهند و الباكستان و غيرها من الاقطار و المناطق التي يتعصب اهلها في الحب و الولاء لال البيت النبوي حله من السواد كشعار للحزن و الحداد..و تبتعد عن مظاهر الزينه و البهرجه و مباعث الانس و الانشراح..هذه هي الحاله في العشره الاولي من شهر محرم الحرام عند المسلمين بالنسبه لهذه الذكري ان لم يكن الشهر كله من كل عام و من الاقطار الاسلاميه كالعراق و ايران و الهند و الباكستان الي ما بعد العشرين من صفر حيث تستكمل هذه الذكري يومها الاربعين. و لها زيارتها الخاصه و مرا سيمها المختصه في كربلاء بالعراق.. وحيث يومها اكثر من مليون زائر في يوم واحد لزياره قبر الحسين و الطواف حول ضريحه في ذكري اربعينه.. و تطوف المواكب الزاخره حول مشهده لليمن و البركه.

ص: 161

هذا و تواصل مجالس العزاء الحسيني خلال شهري محرم و صفر (1) .و منهم من يتخذ يوم عاشوراء يوم عيد و فرح و سرور.. و انها لسنه امويه و قد اتبعها جهلا بالجال.. و الا فلا يظن بمسلم ان يفرح في يوم قتل فيه ابن بنت نبيه الذي لو كان حيا لكان هو المعزي به و الباكي عليه..@ في مدن العتبات المقدسه و غيرها حيث تجذب هذه المجالس الي ساحتها كالمغناطيس شتات المسلمين اخوانا علي سرر مقتابلين تصف اجنحتها حول منبر يرتقي عليه الخطيب فيفتتح الكلام بآي من الذكر الحكيم و تفسير علومها من احاديث الرسول الكريم.. ثم يتلوا ذلك بفصول من التاريخ الاسلامي او تواريخ الرسل السالفين.. و يختم كلامه بتاريخ الحسين و ما جري عليه علي آل بيت المصطفي صلوات الله عليهم (2) . و لا بد ان يتخلل هذه الخطابه و عظ و انذار و تلطيف القرائح بلطيف الاشعار مما يجعل مجلسهم هذا اشبه بمدرسه علم او مجمع تهذيب.. و دروسها ما يهم المسلمين من امور الدنيا و الدين.. اللهم الا بغض الجاهلين ممن يتولون الخطابه بغير علم و لا هدي و ممن لا يجتنبون قول الزور فيذهبون بذلك الي سرد احاديث ما انزل الله بها من سلطان بغيه اثاره الاشجان في نفوس المستمعين لمصاب الحسين «ع» استرارا للاكف و استجلاء للمنافع..و هكذا الحق بهذا العذاء و ضمن تطوراته طوال السنين كثير من الغرائب شان كل قضيه فازت بفوه النمو في منبت خصيب و تربه صالحه.. مما يحتم علي اهل العلم ان ينظروا الي تعديله او اجراء اصلاح فيه.. خاصه و نحن اقرب الامم الي حادثه الطف مكانا و شانا.. و اوفر حريه من غيرنا و اقدر.. لذلك يلزم علي اعلامنا ائمه الهدي و شيبنا و شبابنا رسم الخطه الصالحه لاقامه هذه الذكري الكريمه خاليه من الشوائب و مما يسي ء او يشين.. و ان نسير بها علي احسن وجه و نهج.. خدمه للامه و توجيها للجيل.. و عسي ان تحذوا حذونا شعوب مسلمه اخري فتنال اجزل النفع.. و لعلنا بهذا نتحقق بعض آمال الحسين من نهضته و تضحيته..و الله المستعان علي ما نبتغي و نريد..بغداد 13 محرم الحرام 13891 نيسان 1969جواد هبه الدين الحسيني الشهرستاني

ص: 162


1- 50. و تقام مجالس العزاء الحسيني اضافه علي شهري محرم و صفر في شهر رمضان و ذلك في لياليه و في سائر ايام السنه علي سبيل النيه و النذر لحاجه من الحاجات قضاها الله فيقيم صاحبها مجلس عزاء ليوم واحدا و لثلاثه ايام او اكثر حسب ما نوي و توزع فيها الخيرات للفقراء و المساكين و كثيرا ما ترافق مجالس العزاء الحسيني طعام او خيرات للحاضرين اليها.
2- 51. و منهم من يتخذ يوم عاشوراء يوم عيد و فرح و سرور.. و انها لسنه امويه و قد اتبعها جهلا بالجال.. و الا فلا يظن بمسلم ان يفرح في يوم قتل فيه ابن بنت نبيه الذي لو كان حيا لكان هو المعزي به و الباكي عليه...

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.