عز الامة الاسلامية و كرامتها في اهداف الثورة الحسينية‌

اشارة

عنوان : عز الامة الاسلامية و كرامتها في اهداف الثورة الحسينية
پديدآورندگان : آصفي، محمد مهدي، 1316-(پديدآور)
نوع : متن
جنس : مقاله
الكترونيكي
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان
توصيفگر : تاريخ اسلام
كلام ائمه ( ع )
خطابه
قيام عاشورا
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
ويرايش : -
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : ,ملزومات سيستم: ويندوز 98+ ؛ با پشتيباني متون عربي؛ + IE6شيوه دسترسي: شبكه جهاني وبعنوان از روي صفحه نمايش عنوانداده هاي الكترونيكي
شناسه : oai:tebyan.net/36299
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/11/26
تاريخ تغيير ركورد : -
تاريخ ثبت : 1389/7/4
قيمت شيء ديجيتال : رايگان

الثورة الحسينية رمز العزة و الكرامة للامة الاسلامية‌

كان الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) قد عقدا العزم علي إعلان الخروج علي سلطان بني اُمية، عندما تسمح الظروف بعد موت معاوية.وقد اظهرا ذلك لشيعتهم اكثر من مرة. وكانت خطة الإمامين الحسن و الحسين (عليهما السلام) في ذلك واحدة في الموقف من بني اُمية.ويضاف ان مجاميع من شيعة العراق كتبوا الي الحسين (ع)، بعد صلح الإمام الحسن (ع)، يدعونه للخروج علي معاوية و إعلان الثورة، رافضين موقف الإمام الحسن من الصلح، فكتب إليهم الحسين (ع):«صدق ابو محمد، فليكن كل رجل منكم حِلساً من احلاس بيته، مادام هذا الإنسان [معاوية] حياً».وشاء الله تعالي ان ينفذ غدر معاوية في الإمام، و يستشهد الإمام قبل هلاك معاوية، و تولّي الحسين (ع) الإمامة وقيادة المعارضة ومسؤولية‌الثورة و الحركة من بعد اخيه.فكان موقف الحسين (ع) بعد وفاة المجتبي هو استمرار موقف اخيه الحسن من قبل تجاه معاوية.فكتب إليه اهل العراق ان يخرج بهم علي معاوية فلم يستجب الإمام الحسين لرايهم و كتب إليهم:«اما اخي فارجو ان يكون الله قد وفّقه وسدّده فيما ياتي، و اما انا فليس رايي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالارض و اكمنوا في البيوت و احترسوا من الظنّة مادام معاوية حياً».إلاّ ان تحرّكاً سياسياً كان يجري في الحجاز في الكتمان في جوّ المعارضة يقوده الإمام الحسين (ع)، ويوجّهه لتاليب المسلمين ضدسلطان بني اُمية و تمهيد الاجواء للخروج عليهم بعد موت معاوية.فقد كان الإمام (ع) علي اتصال بوجوه المسلمين من العراق و الحجاز،يزورونه وياخذون برايه، ورغم ان هذه الاجتماعات كان يغلب عليها طابع السرية إلاّ انها كانت لا تغيب عن عيون بني اُمية و جواسيسهم؛فكتب مروان عامل معاوية علي المدينة الي معاوية:(ان‌ّ عمر بن عثمان ذكر ان رجالاً من اهل العراق و وجوه اهل الحجاز يختلفون الي الحسين بن علي، و انه لا يؤمن وثوبه، وقد بحثت عن هذا فبلغني انه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب إلي‌ّ برايك).فكتب إليه معاوية ان يتجنّب مواجهة الحسين ما امكنه ذلك.و مهما يكن من امر فقد كان الحسين (ع) قد عزم علي الخروج علي سلطان بني اُمية إذا مات معاوية وكانت الظروف مؤاتية، وكان قد اعدشيعته لذلك التفكير في إسقاط النظام و الاستيلاء علي السلطة.لا نشك في ان الإمام لم يكن يطلب في ثورته الشهيرة، وخروجه علي يزيد بن معاوية إسقاط النظام الاُموي عسكرياً، و الاستيلاء علي السلطة. فلم يكن للإمام من اعوان يعتمد عليهم في حركته و خروجه في غير العراق. فقد كانت مصروالحجاز بعيدتين كل البعد عن ظروف الثورة و الحركة، وكانت الشام القاعدة المتينة التي ينطلق منها يزيد بن معاوية،و يحتمي بها في حماية ملكه وسلطانه.ولم يكن هوي اهل العراق معه من غير شيعته؛ فقد كان الإمام يعلم جيداً ان‌ّ من غير الممكن الاعتماد علي الكثرة من اهل العراق، فهم مع‌الطرف المنتصر، و من الخير له و لثورته الا يلتحقوا بهم، فإنهم سوف ينفرطون عن جيشه كما انفرطوا من جيش اخيه الحسن من قبل، او اسرع و ايسر من ذلك، و يفتّون في عضده و عضد اصحابه و شيعته الذين ثبتوامن قبل في جيش اخيه الحسن (ع)، وهم قلّة لا يكوّنون قوة عسكرية تصمد امام جيوش الشام.و لقد صدقت نبوءة الفرزدق للإمام حين التقي به في الشقوق فاقبل علي الإمام و قبّل يده، فساله الإمام كيف خلّفت اهل الكوفة؟فقال: خلّفت الناس معك، وسيوفهم مع بني اُمية، فقال له الحسين (ع): «صدقت وبررت، إن‌ّ الامر لله يفعل ما يشاء».و لم تكن تجربة الإمام الحسن (ع) بعيدة عن الحسين، ولم يكن الإمام الحسين باقدر من اخيه في تجميع قوة عسكرية لضرب سلطان بني اُمية و إسقاط النظام. إن لم تكن ظروف الحسين (ع) اسوا من ظروف اخيه الحسن. فقد استقرّ لبني اُمية السلطان، و امتدّ نفوذهم، و عمل معاوية بدهائه المعروف في تحكيم اُصول حكم بني اُمية، و امتداد نفوذهم و شراء الضمائر ونشر الرعب والإرهاب في اجواء المعارضة، و اكتساح الاكثرية التي يتحكّم فيها الإرهاب والإغراء، ويميلون دائماً الي الجهة‌المنتصرة القوية في الساحة.فلم يكن حدَث حدث‌ٌ جديد في الساحة السياسية و العسكرية علي ما عرفناه في عهد الإمام الحسن (ع) غير امرين اثنين:احدهما: استحكام قواعد سلطان الاُمويين و امتداد نفوذهم في‌البلاد.و الثاني: انتشار الفساد في جهاز بني اُمية الي حد الاستهتار و الابتذال في حياة يزيد وحكومته.و الامر الاوّل: لم يكن لصالح الإمام في التفكير في تحرك عسكري لإسقاط النظام؛ فقد كانت تجربة الإمام الحسن بعد حيّة في نفوس الشيعة،حيث لم يستطع جيش العراق ان يقاوم سلطان بني اُمية بعد وفاة الإمام اميرالمؤمنين (ع).فما ظنّك بهذه القوة العسكرية، بعد ان استحكم لبني اُمية الحكم و السلطان، وامتدّ لهم النفوذ في البلاد واستتب‌ّ لهم الامر؟وامّا الامر الثاني: وإن كان ينفع في تحريك الاقلية المعارضة الواعية من الشيعة، إلاّ انه لم يكن ينفع ـ بالتاكيد ـ في تحريك الاكثرية التي الِفت هذاالفساد و استسلمت له، بل واعانت عليه.فلم يكن يصفو ـ إذن ـ للإمام الحسين من القوة العسكرية غير ما صفالاخيه الحسن (ع) من قبل، وهم الثابتون من شيعته و مواليه، ولا يمكن ان‌يفكّر الإمام ـ بكل تاكيد ـ ان يجازف بهذه القوة المحدودة لإسقاط النظام الاُموي الرهيب بعد ان اخفقت محاولة اخيه الإمام الحسن، في ظروف احسن من ظروفه، و بقوة عسكرية اقوي من الجيش الذي كان يعدّه له العراق بعد موت معاوية.و هذا التشخيص ليس مما نضيفه نحن من عندنا الي الظروف التي رافقت خروج الحسين (ع) وثورته، و إنما نجده عند كل الذين نصحوا الإمام بالإعراض عن الخروج الي العراق، ممن كان يعزّ عليهم ان يواجه الإمام تجربة اخيه الإمام الحسن مرة اُخري في العراق، كعبدالله بن عباس و عبدالله بن جعفربن ابي طالب وغيرهم.و نجد هذا التشخيص بالذات في كلمات الإمام الحسين (ع) بصورة مؤكدة ومتكررة قبل الخروج الي العراق وبعده.ونذكر هنا نموذجين فقط من خطب الإمام التي توحي بصورة قوية؛الي ان الإمام كان مُقْدِماً علي الشهادة والتضحية، ولم يكن يفكّر في عمل عسكري لإسقاط النظام عسكرياً.احدهما: في الحجاز قبل ان يفارق مكة الي العراق. والثاني: في كربلاء.اما الخطبة الاُولي: فهي يرويها ابن طاووس في اللهوف.قال: روي انه (ع)، لما عزم علي الخروج الي العراق، قام خطيباً فقال: «الحمدلله، وما شاء الله، ولا قوة إلاّ بالله، وصلّي الله علي رسوله. خُط‌ّ الموت علي ولد آدم، مخط‌ّ القلادة علي جيد الفتاة، وما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف. وخُيّر لي مصرع انا لاقيه، كاني باوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملان مني اكراشاً جوفاً و اجربة‌ً سغباً، لا محيص عن يوم خُط‌ّ بالقلم، رضي الله رضانا اهل البيت، نصبر علي بلائه، و يوفينا اجور الصابرين، لن تشذعن رسول الله لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بها عينه، و ينجز بهم وعده، فمن كان باذلاً فينا مهجته و موطّناً علي لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن‌شاء الله».ولسنا نحتاج الي التعليق علي هذه الخطبة فهي واضحة في ان الإمام (ع) كان يعدّ اصحابه لحركة ماساوية، قوامها التضحية والدم و الشهادة، ولا يطمح فيها الي اي نصر عاجل.فها هو يبدا خطابه مع اصحابه بالموت الذي يطوّق ابن آدم، كماتطوق القلادة جيد الفتاة.ثم يخبر عن مستقبل هذه الحركة الماساوية فيقول: «كاني باوصالي تقطّعها عسلان (ذئاب) الفلوات».ثم يطلب النصرة من المسلمين، ولكن بهذه الطريقة الفريدة: «فمن كان باذلاً فينا مهجته موطّناً علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا».إن‌ّ الإمام لا يشير في هذه الخطبة الي اي هدف عسكري بالمعني المعروف في الاعمال العسكرية، و إنّما يعد اصحابه لتضحية ماساوية دامية، و يطلب ممن يريد ان يرافقه ان يعدّوا انفسهم للقاء الله و لبذل المهج في سبيل‌الله.و الخطبة الثانية خطبها الحسين بذي‌حسم من منازل العراق فقال:«الا ترون الي الحق لا يعمل به والي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإني لا اري الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».ولما سار الإمام باصحابه من قصر بني مقاتل خفق خفقة ثم انتبه،و هو يقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فاقبل عليه ابنه علي بن الحسين علي‌فرس له فقال: «يا ابت‌ِ، جعلت فداك، مِم‌ّ حمدت الله و استرجعت؟ قال: يابني‌ّ إنّي خفقت براسي خفقة فعن‌ّ لي فارس علي فرس، فقال: القوم يسيرون و المنايا تسير إليهم. فعلمت انها انفسنا نُعيت إلينا.قال له: يا ابت‌ِ لا اراك الله سوءً، السنا علي الحق؟قال: بلي والذي إليه مرجع العباد.قال: يا ابت‌ِ، إذن لا نبالي، نموت محقين.فقال: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولداً عن والده».ولا يقتصر الامر علي هذه المنامات والخطب التي يرويها اصحاب السير كالطبري (وابن اعثم) (والسيد ابن طاووس) (والمفيد) وغيرهم‌بصورة متواترة، لا تقبل الشك. فإن كل‌ّ شي‌ء في حركة الحسين (ع) الي‌العراق يدل علي ان الإمام لم يكن بصدد حركة عسكرية بالمعني المفهوم من هذه الكلمة لإسقاط النظام الاُموي.إذن فإن الإمام لم يكن يفكّر، ولا يمكن ان يفكّر في حركة عسكرية، و إنما كان الإمام يُقدم عن علم ووعي علي تضحية ماساوية نادرة، بنفسه، و اهل بيته، و اصحابه، ليهزّ ضمير الاُمة الخامل، ويبعث في نفوسهم الحركة و روح التضحية والإقدام.و لعل في حديث الإمام مع اخيه محمد بن الحنفية؛ عندما اراد الخروج من مكة الي العراق ما يشير الي هذه الغاية. و الرواية يرويها السيد ابن طاووس في اللهوف.يقول السيد؛: إن‌ّ محمد بن الحنفية عندما علم بخروج الحسين من مكة اتاه فاخذ زمام ناقته التي ركبها فقال: يا اخي الم تعدني النظر فيماسالتك؟ و كان قد سال الإمام ان يسير الي اليمن. وينصرف عن العراق.قال: بلي. قال: فماحداك علي الخروج عاجلاً؟ فقال: اتاني رسول الله (في‌المنام) بعد ما فارقتك فقال: يا حسين اُخرج فإن‌ّ الله شاء ان يراك قتيلاً.فقال له ابن الحنفية: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، فما معني حملك هؤلاء النساء، وانت تخرج علي مثل هذه الحال؟ فقال له: إن‌ّ الله شاء ان يراهن‌ّسبايا. وسلّم عليه ومضي.إذن، فالنتيجة التي ننتهي إليها في‌هذه الجولة السريعة: ان الإمام الحسين كان يفكّر في الإقدام علي تضحية ماساوية دامية، ولم يكن يفكّرفي عمل عسكري علي الإطلاق لمواجهة سلطان بني اُمية، وهذان نحوان‌من الخروج، كل منهما يحقّق هدفاً محدوداً، و الخلط فيما بينهما يؤدي الي الوقوع في اخطاء تاريخية كبيرة، تشوّش علينا فهم الثورة الحسينية و غايتها و نتائجها.و الآن نتساءل عما كان يمكن ان يقصده الإمام من اهداف و غايات من وراء هذه التضحية الماساوية، التي اقدم عليها الإمام عن علم و وعي.

تحرير ارادة الامة‌

اشاره

يستخدم الطغاة عادة سلاحين مؤثرين في‌وجه تحرّك الاُمة و تمردها و رفضها للظلم.وهما سلاح (الإرهاب) و (الإفساد)، ومن خصائص هذين‌السلاحين، انهما يسلبان الاُمة الإرادة والقدرة علي التحرك و الوعي و الإدراك.ومن اولي مستلزمات كل حركة (الوعي) و(الإرادة)، وعندما يفقد الإنسان بصيرته و إرادته يفقد كل قدرة للتحرّك، ويستسلم للواقع الفاسد،و يتكيّف معه، وعند ذلك يسيطر الطاغية و فئته علي إرادة الاُمة و وعيهاو مصيرها، و حتي علي ذوقها و اخلاقها و اعرافها، و يتم مسخ شخصية الاُمة بصورة كاملة في كل ابعادها، ويتحكّم الطاغية في كل شي‌ء في حياة‌الاُمة، و لا تملك الاُمة تجاه الطاغية غير الطاعة و الانقياد و الاستسلام.و الي هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم في علاقة فرعون بقومه و علاقتهم بفرعون: (فَاسْتَخَف‌َّ قَوْمَه‌ُ فَأَطَاعُوه‌ُ إِنَّهُم‌ْ كَانُواْ قَوْماً فاسقِين‌َ).إن‌ّ فرعون تمكّن من ان يستخف‌ّ قومه، وان يسلبهم و عيهم و إرادتهم و قيمهم بالإرهاب والإفساد؛ وبذلك تمكّن من ان يمسخ شخصيتهم مسخاً كاملاً، واستاصل من نفوسهم كل قدرة علي الوعي‌والتفكير، فضلاً عن الإرادة و المقاومة و الرفض. وبهذه الصورة استطاع فرعون ان يكسب طاعتهم، (فاطاعوه).و هذه الطريقة هي الطريقة المفضّلة لائمة الضلال في اكتساب طاعة الناس وولائهم، ويقوم هذا الولاء و الطاعة عادة علي حطام شخصية الاُمة.عند ذلك يعيش الحكّام من ائمة الضلال في راحة تامة من ناحية الرعيّة، لايقلقهم شي‌ء من جانبهم، ويتحول الناس الي قطيع من المتملقين و المتزلفين و الراضخين، وينقلب في نفوسهم الوعي والإرادة‌الي الاتجاه الذي يطلبه الحكّام، فيحبّون ما احبّوا و يريدون ما ارادوا،وهكذا تتم عملية المسخ والانقلاب في شخصية الاُمة. و بهذه الصورة تتكون في الاُمة طبقتان:

طبقة المستكبرين‌

وهم الحكّام من ائمة الضلال ومن يرتبط بهم‌ومن ينتفع منهم من «الملا»، الذين يستعلون علي الناس، ويستكبرون‌في الارض، ويتحكّمون في حياة الناس و إرادتهم و مصيرهم، و حتي اذواقهم واخلاقهم، ويضعون انفسهم في مركز السيادة و الحاكمية من‌حياة الإنسان من دون الله، و يستعلون علي الناس ويفسدون في الارض،و هؤلاء هم الطاغوت، الذين يتجاوزون حدود العبودية و الطاعة لله تعالي الي الاستكبار و السيادة و الحاكمية من دون الله، و الإفساد في‌حياة الناس.

طبقة المستضعفين‌

الذين يستخفّهم الطاغوت (يسلبهم ثقلهم في‌موازين الإنسانية)، و يستضعفهم (يسلبهم القدرات والإمكانات والكفاءات التي منحهم الله تعالي لهم)، و تتحول هذه الطبقة الواسعة الي‌طبقة تابعة، ومنقادة، ومستسلمة للامر الواقع، وتفقد خصائصها و قيمها الإنسانية كافة، وتتحول الي اداة طيّعة لتنفيذ كل ما يمليه عليها الطاغوت.و اوّل ما تفقد هذه الطبقة وعيها وإرادتها، ومن ثم تفقد كل شي‌ء في حياتها مما منحها الله تعالي من القيم و الكفاءات.(خَتَم‌َ اللَّه‌ُ عَلَي قُلُوبِهِم‌ْ وَعَلَي سَمْعِهِم‌ْ وَعَلَي أَبْصَارِهِم‌ْ غِشَاوَة‌ٌ).ولإنقاذ هؤلاء لابد من تحرير وعيهم وإرادتهم من اسر الطاغوت، إن الطاغوت يسلبهم (الوعي) و(الإرادة) عن طريق (الإرهاب)و(الإفساد)، و لإ نقاذهم من قبضة الطاغوت واسره لابدّ من إعادة (الوعي) و (الإرادة) إليهم قبل كل شي‌ء، حتي ينظروا الي الاُمور و الاشخاص بوعيهم الذي اعطاهم الله، لا من خلال ما يحبّه الطاغوت و يكرهه، و حتي يتمكّنوا من ان ياخذوا القرار لانفسهم بانفسهم، لا ان يتخذ الطاغوت‌القرار بالنيابة عنهم ولهم.ولقد واجه الحسين (ع) واقعاً اجتماعياً وسياسياً سيّئاً من مثل هذا الواقع، تمكن فيه بنو اُمية من مسخ شخصية الاُمة مسخاً كاملاً، و مصادرة قيمها و قدراتها و وعيها وإرادتها. واسوا ما كان في هذا المسخ و التحويل ان القدرة و القوّة التي منحهم الإسلام إيّاها تحوّلت في نفوس هؤلاء، وبفعل بني اُمية الي قوة للقضاء علي الإسلام، و السيف الذي سلّحهم به‌رسول الله لقتال اعداء الإسلام، تحوّل في ايديهم إلي اداة لمحاربة ابناء رسول الله و اوليائهم دون اعدائهم.و كان هذا هو جوهر المسخ الحضاري، الذي تم‌ّ علي يد بني اُمية في حياة هذه الاُمة.و الي هذا المعني يشير الإمام الحسين (ع) في خطبته الثانية يوم عاشوراء امام جمهور جيش ابن سعد:«سللتم علينا سيفاً لنا في ايمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها علي عدوّنا و عدوّكم، فاصبحتم الباً لاعدائكم علي اوليائكم بغير عدل افشوه فيكم و لا امل اصبح لكم فيهم».فكيف جرت ـ ياتري ـ هذه الانتكاسة الخطيرة في نفوس هؤلاء الناس، حتي عادت سيوفهم التي مكّنهم الإسلام منها لمحاربة البغاة الظالمين في وجه ابن رسول الله (ص)، الزكي الطاهر الامين، و لصالح سلطان ابن معاوية الفاسق السكّير، الذي كان لا يشك في فجوره و فسقه و شربه و فحشه احد من المسلمين؟وكيف جرت ـ ياتري ـ هذه الانتكاسة الخطيرة في حياة الناس، حتي تخالفت قلوب هؤلاء الناس وسيوفهم، كما قال الفرزدق الشاعر؛ للحسين (ع): (إن قلوبهم معك و سيوفهم عليك)؟ ثم توافقت قلوبهم‌وسيوفهم علي ابن رسول الله، و اهل بيته و اصحابه المقيمين للصلاة،و الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر.و كيف تحوّلت هذه القوة التي منحهم الإسلام إيّاها، والمركزية و السيادة، والموقع الممتاز الذي اكتسبوه بالإسلام، الي قوة ضاربة لصالح اعدائهم ضد اوليائهم؟فقد جعل منهم الإسلام قوة كبري بين الاُمم، و منحهم موقعاً ممتازاً علي وجه الارض، واخرجهم من دائرة الخمول، و سلّط عليهم الضوء.ولكن لست ادري ماذا حل‌ّ بهذه الاُمة من سوء حتي تحوّلت هذه القوة و المركزية، كلها لصالح اعدائهم علي اوليائهم؟ وعاد من جديد اُولئك الذين كانوا يحاربون هذا الدين الي مراكزهم القيادية في المجتمع،مستفيدين من كل هذه القوة، و المركزية و النفوذ، والسلطان، الذي جاء به الإسلام، و اصبح دعاة هذا الدين وقادته، الذين حملوا هذا الدين في‌موضع الاتهام و المحاربة من قبل الاُمة، تقاتلهم بالسيف الذي وضعه الإسلام في ايديهم.و ما اروع تعبير الإمام و اصدقه بهذا الصدد «سللتم علينا سيفاً لنا في ايمانكم!».و ذلك كلّه من غير ان ينقلب هؤلاء الذين كانوا يحاربون الإسلام في‌الامس القريب، عن مواقعهم العدائية من الإسلام ومن هذه الاُمة. فلا زالوايحملون بين جنبيهم روح الجاهلية، و يمارسون اخلاقها و عاداتها و يعملون علي استئصال القيم الإسلامية، في هذه الاُمة الناشئة، ونشر الظلم‌والرعب و الفساد في اوساطها «بغير عدل افشوه فيكم، ولا امل اصبح لكم‌فيهم».و كانت هذه الاُمة في جاهليتها ضعيفة، خاملة الذكر، منسيّة، راكدة، لاتكاد تجد في حياتها حركة او عزماً او قوّة علي المواجهة، فاستثار الإسلام كوامن الحركة، و القوة، و العزم، و الانطلاق والبناء في نفوس هؤلاء الناس،واستخرج الإسلام كنوز القدرة و الحركة و الثورة في نفوسهم.و تحوّلت هذه الاُمة الراكدة الي حركة حضارية علي وجه الارض في‌التاريخ، تحرق الجبابرة والطغاة، ولكن ما اسرع ما انتكست هذه الاُمة؛فتحوّلت هذه الحركة، والقوة، والانطلاقة التي استثارها الإسلام باتّجاه عكسي تماماً، للقضاء علي حَمَلة هذا الدين، ودعاته، واوليائه، ولصالح‌الطبقة المترفة التي كانت تحارب هذا الدين بالامس القريب، و تحمل حتي اليوم، معها الي الإسلام رواسب الجاهلية، و افكارها، و عاداتها،و سلوكها!«وحششتم علينا ناراً اقتـدحناها علي عدوّنا و عدوّكم».ولا نعرف فيما يصيب الاُمم من المآسي، ماساة آلم و افجع من ان ينقلب الإنسان علي نفسه؛ فيؤثر ضرّه علي نفعه، وفساده علي صلاحه،ويحارب اولياءه و يتحبّب الي اعدائه.ولقد اصاب المسلمين في هذه الفترة ماساة من مثل هذه الماساة.والإمام يعبّر عن المه العميق بهذه الكلمة المشجية:«وَيْحَكم! اهؤلاء تعضدون، و عنّا تتخاذلون؟»إنّنا لا نشك في ان الاُمة قد تعرّضت في هذه الفترة لردّة‌ٍ حضارية عجيبة، من قبيل ما يقول تعالي: (أَفَإن مَّات‌َ أَوْ قُتِل‌َ انقَلَبْتُم‌ْ عَلَي أَعْقَابِكُم‌ْ).و آية هذه الردّة الحضارية التي تنتكس فيها الاُمة هو ان يتحول الاولياء في حياة الاُمة الي موضع الاعداء، و يتحوّل الاعداء الي موضع الاولياء.و عندما يتبادل هذان القطبان: (الولاية و البراءة) في حياة الناس مواضعهما، و ياخذ كل منهما موضع الآخر، فإن هذه الاُمة تواجه امراًيختلف عن اي امر آخر، و هذا الامر هو الانقلاب الحضاري الشامل (اوالردّة الحضارية إذا كان هذا الانقلاب باتّجاه رجعي).و الاُمة في هذه تتنكر لنفسها وتنقلب عمّا هي عليه الي شي‌ء آخر؛فإن هوية الاُمة و شخصيتها بالولاء والبراءة، وعندما يتحول الولاء الي موضع البراءة والبراءة الي موضع الولاء؛ فإن هذه الاُمة تواجه حالة انتكاسة خطيرة.و هذا هو ما يشير إليه الإمام في خطابه لجيش بني اُمية يوم عاشوراء:«فاصبحتم الباً لاعدائكم علي اوليائكم».وهذه الحالة التي يصح ان نعبّر عنها بان‌ّ الإنسان يتنكّر فيها لنفسه، اويعادي نفسه. فإن الإنسان عندما يتودّد الي عدوّه، و يساعده و يعينه فإنما يعينه علي نفسه، ولا يمكن ان يقدم الإنسان علي مثل ذلك، إلا إذا تنكّر لنفسه و نسي نفسه.والتعبير القرآني بهذا الصدد دقيق و معبّر:(وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِين‌َ نَسُوا اللَّه‌َ فَأَنسَاهُم‌ْ أَنفُسَهُم‌ْ).إن‌ّ الذي ينسي الله يُنسيه نفسه، والذي يتنكّر لله ينكر الله نفسه عليه.والإنسان في هذه الحالة، من السقوط و التردّي، إنّما يخسر نفسه،و شر انواع الخسارة ان يخسر الإنسان نفسه. فإذا خسر الإنسان نفسه يفقدكل راس ماله، و لا يبقي له شي‌ء بعد ذلك يرجو منه خيراً.يقول تعالي: (وَمَن خَفَّت‌ْ مَوَازِينُه‌ُ فَأوْلَئك‌َ الَّذِين‌َ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِـَآيَاتِنَا يَظْلِمُون‌َ).ويقول عزّ شانه: (قُل‌ْ إِن‌َّ الْخَاسِرِين‌َ الَّذِين‌َ خَسِرُوا أَنفُسَهُم‌ْ وَ أَهْلِيهِم‌ْ يَوْم َالْقِيَامَة‌ِ).وخسارة النفس تختلف عن ايّة خسارة اُخري، فإن الربح و الخسارة هما الزيادة والنقصان فيما يملك الإنسان مع بقاء المحور: (الانا). فكلما يكتسب الإنسان من فائدة مادية او معنوية يدخل في حساب (الربح)،وكلما يفقد الإنسان من المواهب المادية و المعنوية التي آتاه الله تعالي‌يدخل في حساب (الخسارة)، وتزيد الخسارة كلما تهبط درجة الخسارة اكثر تحت الصفر.ولكن في‌هذه الاحوال جميعاً يحتفظ الإنسان بـ (الانا) الذي هو المحور الذي تدور حوله الارباح و الخسائر.فإذا خسر الإنسان هذا المحور اي: خسر نفسه، لا ما يملك من مواهب مادية و معنوية، وسقط هذا المحور كان هو الخسران الاكبر، الذي لا تشبهه خسارة اُخري.والي هذا المعني من الخسارة يشير القرآن الكريم بكلمة (وخَسِرُوا أَنفُسَهُم‌ْ) في اكثر من آية ونلتقي في القرآن تعبيراً آخر عن هؤلاء الناس الذين يخسرون انفسهم في الحياة الدنيا وهو (ظلم النفس).و قد يستغرب الإنسان من هذه الكلمة، فهل يمكن ان يعادي الإنسان نفسه ويظلمها ويعتدي عليها؟ يجيب القرآن علي هذا السؤال بالإيجاب: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم‌ْ يَظْلِمُون‌َ).والذين يعاقبهم الله بظلمهم، لم يظلمهم الله، وإنّما كانوا هم الذين اقدموا علي ظلم انفسهم: (وَمَا ظَلَمْناهُم‌ْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم‌ْ يَظْلِمُون‌َ).واخيراً إن مآل الخير والشر هو النفس، وإن‌ّ الذي يهتدي فإنما يهتدي لنفسه، والذي يضل‌ّ فإنّما يضل‌ّ علي نفسه.(فَمَن‌ِ اهْتَدَي فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِه‌ِ وَ مَن ضَل‌َّ فَإِنَّمَا يَضِل‌ُّ عَلَيْهَا).اي يستقرّ الضلال و الغي‌ّ علي نفسه، هؤلاء يضلّون علي انفسهم،ويضل‌ّ سعيهم و عملهم و تحركهم.ذلك هو الخسارة و الضياع الكبير: ان يضل‌ّ الإنسان علي نفسه،و يضل‌ّ سعيه و عمله: (الَّذِين‌َ ضَل‌َّ سَعْيُهُم‌ْ فِي الْحَياة‌ِ الدُّنْيَا).(وَ الَّذِين‌َ كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُم‌ْ وَأَضَل‌َّ أَعْمَالَهُم).فإن الإنسان إذا تنكّر لنفسه و ظلمها و عاداها خسرها، و عندما يخسر الإنسان نفسه يضل‌ّ سعيه و عمله، و يذهب هباءً كل جهدٍ وعمل‌ٍ له.و الي هذه الخسارة يشير الإمام الحسين (ع) في‌خطابه الذي وجّهه الي اصحاب الحرّ في منزل البيضة:«فانا الحسين بن علي‌واُمي فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع انفسكم، و اهلي مع اهلكم، ولكم في‌َّ اُسوة... وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من اعناقكم فحظّكم اخطاتم ونصيبكم ضيّعتم، و من نكث فإنما ينكث علي نفسه وسيغني‌اللهعنكم».إن‌ّ هذه الظاهرة من اغرب ما يلتقيه الإنسان من ظواهر غريبة في‌حياته علي ظهر الارض.إن‌ّ الإنسان بهذا التحوّل الذي يشرح خطواته و مراحله القرآن الكريم يظلم نفسه، ويتنكر لها، فيخسرها، ويعود شيئاً آخر يختلف اختلافاً كلياً عمّا كان عليه، يمشي ويتحرّك بين الناس، ولكن من دون إرادة ووعي،بل بما يُملي عليه و يراد منه.يتحرك لا بإرادته، و إنما بإرادة الطاغوت الذي يستعبده ويحرّكه، لابالاتجاه الذي ينفعه و يخدمه، و إنما بالاتجاه الذي يخدم عدوّه.هؤلاء هم الذين تنتكس قلوبهم و يختم الله عليها، و صدق الله تعالي:(وَنُقَلِّب‌ُ أَفئدَتَهُم‌ْ).(خَتَم‌َ اللَّه‌ُ عَلَي قُلُوبِهِم‌ْ).ولن تعود لهم إرادة، و وعي، و فهم، و نور يتحركون به في الناس.و عندما يفقد الإنسان الوعي، و النور، و الإرادة، و العزم في حياته ينقلب الي اداة طيّعة وسهلة بيد الطاغوت، يستخدمه في تحقيق اطماعه بالشكل الذي يريد، و يوجّهه الي ضرب اوليائه باعدائه، وهذا التحول العجيب في‌حياة الناس هو الذي حدث في هذه الفترة من التاريخ علي يدحكّام بني اُمية في هذه الاُمة و واجهه الحسين (ع) بمرارة والم.لقد جري ـ بالتاكيد ـ تحوّل خطير في نفوس هؤلاء الناس؛ حتي عاداسفلهم اعلاهم، واعلاهم اسفلهم، في انتكاسة رهيبة يقل نظيرها في‌التاريخ، حتي يخرج ثلاثون الفاً منهم او اكثر من الكوفة عاصمة اميرالمؤمنين لمحاربة سيد شباب اهل الجنة، و ابن رسول الله (ص)، و نجل اميرالمؤمنين (ع).و التفسير الوحيد الذي يستطيع ان يفسر لنا سر هذه الانتكاسة و المسخ الحضاري في شخصية الاُمة ـ او طائفة كبيرة من الاُمة علي اقل التقادير ـ، يكمن في الجهد البليغ الذي بذله بنو اُمية في إرهاب الناس و إفسادهم لغرض سيطرتهم علي المسلمين، ومسخ معالم شخصيتهم؛حتي عادت ضمائرهم و إدراكاتهم و إراداتهم في قبضة بني اُمية،يتحكّمون فيها بالطريقة التي تعجبهم، و تخدم اهدافهم.و كان لابدّ من هزة قوية عنيفة لضمير الاُمة تعيد إليها وعيها،و إرادتها، و قيمها، و تشعرها بعمق الكارثة التي حلّت بها، و تبعث الندم في نفوسهم، وحتي لو لم تكن هذه الهزة تنفع هذا الجيل، فقدكانت تعتبر ضرورة من ضرورات المرحلة لإنقاذ الجيل الذي ياتي من بعد هذا الجيل؛ لئلا يسري إليه هذا الانحطاط الحضاري الذي لزم هذا الجيل.وكانت تضحية الإمام الحسين (ع) و تحرّكه الماساوي يكوّن في وجدان الاُمة هذه الهزة العميقة، كالتي كانت تتطلبها ضرورات الساحة و الحالة الاجتماعية.لقد نبّهت شهادة الحسين و اهل بيته و اصحابه بالطريقة المفجعة التي تمّت بها ضمائر المسلمين، و اشعرتهم بالندم، و مكّنتهم من ان يستعيدوا وعيهم و إرادتهم من جديد، فيفكّروا و يقرّروا مصيرهم بانفسهم.لقد شعروا ـ بعد الانتباه ـ بالكابوس الرهيب الذي كان يلقي بثقله علي صدورهم، و قلوبهم، و عقولهم، و عادت إليهم إرادتهم و حريتهم و وعيهم.فقد هزّت تضحية الإمام الحسين (ع) ضمائر المسلمين، هزة عنيفة،و اشعرتهم بفداحة الإثم، و ضخامة الجريمة، وعمق الردّة و الانتكاسة في نفوسهم و حياتهم؛ فكانت هذه التضحية الماساوية مبدا و منطلقاً لحركات كثيرة في التاريخ الإسلامي، ومصدراً كبيراً للتحريك في التاريخ الإسلامي.

سلب الشرعية من النظام‌

رغم فداحة الخسائر التي لحقت بالمسلمين و الانحراف و الانحطاط الذي لزمهم في هذه الفترة من حكم بني اُمية، فقد كان هناك خطر اكبربكثير من كل ذلك يلحق الإسلام مباشرة وليس المسلمين فقط، و هو ان ينسحب هذا الانحراف علي الإسلام نفسه، و يتعرض الإسلام لما تعرض‌له المسلمون من تحريف.وذلك ان هذا الانحراف كان ينحدر من موقع الخلافة الإسلامية، التي‌كانت تمتلك في نفوس المسلمين رصيداً كبيراً من الشرعية و القدسية،وقد كان بنواُمية يعتمدون كثيراً عنصر الشريعة في موقعهم السياسي و الاجتماعي، وكانوا يوحون الي الناس بطريق او آخر ان موقع الخلافة اقوي من موقع الرسالة، فيقول قائلهم: (إن‌ّ خليفة احدكم افضل من رسول‌الله).و كانوا يرون في هذا الموقع اداة‌ً لتنفيذ طموحاتهم و رغباتهم، بايسرالطرق، و اسهلها؛ فلذلك داب معاوية علي تحكيم هذا الموقع الشرعي‌لنفسه و لابنه يزيد من بعده.و كان هذا الموقع الشرعي الذي حرص عليه حكّام بني اُمية يكوّن اكبر الاخطار التي تلحق الإسلام من جانب حكومة بني اُمية، فقد كان الانحراف ينحدر الي الناس من قصور الخلفاء في إطار من الشرعية.و كان هناك في قصور الخلفاء من يبرّر و يوجّه هذا الانحراف،و يعطيه الصبغة الشرعية من علماء البلاط، و بالتالي كان هذا الانحراف ينعكس وينسحب علي الإسلام، و يفقد الإسلام اصالته و نقاءه علي اوسع صعيد و هو وسط الاُمة.و قد حرص الإمام (ع) في حركته علي كسر هذا الإطار الشرعي، الذي كان يحتمي به حكام بني اُمية، وسلب صفة الشرعية من حكومة بني‌اُمية،و تجريدها عن القدسية و الشرعية التي كان يحرص عليها بنواُمية كل‌الحرص، و بالتالي تفويت الفرصة علي الحكم الاُموي في تحريف الإسلام.و قد كان الإمام يجهر بهذه الحقيقة إجهاراً، ويعلن عن رايه في يزيد،و عدم اهليّته للخلافة، وينال منه كلّما واتته فرصة.و قد اعلن رايه هذا في يزيد عندما دعاه الوليد بن عتبة للبيعة،و مروان حاضر، قال (ع) له بعد كلام طويل، و هو يريد ان يسمع مروان‌رايه في يزيد و موقفه من البيعة:«ايّها الامير إنّا اهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة و مختلف الملائكة، ومهبط‌الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، و يزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل نفس، معلن بالفسق، فمثلي لا يبايع مثله».و قد كان لخروج الإمام علي يزيد، و محاربته لجيش ابن زياد بعدرفض البيعة ليزيد، و استشهاده هو و اهل بيته و اصحابه بتلك الصورة‌المفجعة علي يد جيش الخلافة؛ كان لذلك كله اثر كبير في اسقاط شرعية‌الخلافة، و تجريدها عن الشرعية و القدسية التي كانت الخلافة تتمتع بها.لقد اثار استشهاد الإمام الحسين، بالصورة المفجعة التي حدثت في كربلاء مشاعر المسلمين جميعاً، (من الجيل الذي تعقّب جيل القتلة في كربلاء)، و في جيل القتلة علي صعيد واسع، واستشعروا جسامة الجريمة‌وبشاعتها في وجدانهم و ضمائرهم، ونقموا علي يزيد، ومن لحقه من‌خلفاء بني اُمية الذين خلّفوا يزيد علي السلطان و الحكم. وسقطت القيمة الشرعية للخلافة، ولم تعد الخلافة تكوّن موقعاً شرعياً، يمتلك رصيداً من الشرعية و القدسية في نفوس المسلمين.وكيف يمكن ان يتمتع هذا الموقع الرسمي بنفس القدسية و الشرعية و قد تلوّث اصحابه بهذه الجريمة النكراء التي يقل نظيرها في التاريخ؛ حيث اقدموا علي قتل ابن رسول الله، و سيد شباب اهل الجنة،و الكوكبة المؤمنة الصالحة من اهل بيته واصحابه المقيمين للصلاة،و الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟و لا يمكن ان يشك احد في ان هذه الجريمة التي اقترفها جهاز الخلافة الاُموية في عهد يزيد في العراق تركت اثراً عميقاً في ضمائر المسلمين جميعاً (إن لم يكن في نفس الجيل، ففي الجيل الذي تعقّب هذاالجيل مباشرة)، واسقطت مكانة الخلافة الاُموية في نفوس المسلمين،و عادت الخلافة الاُموية موقعاً سلطوياً يمتلكه الاقوي، كما في سائر المواقع التي يمتلكها اصحاب السلطة في‌دنيا الناس.و علاقة الناس بهذا الموقع لم تعد كما كانت علاقة دينية خالصة نابعة من إيمان الناس بشرعية هذا الموقع.و لذلك فلم يعد للانحرافات التي يرتكبها جهاز الخلافة الاُموية تاثير تحريفي علي الإسلام.و سلم الإسلام من تحريفات الحكّام بنسبة كبيرة، و اصبح المسلمون بعد هذا التاريخ يرجعون في اُمور دينهم الي طبقة اُخري غير طبقة الحكّام، الذين يُرجع إليهم في اُمور دنياهم بحكم الضرورة و الاضطرار.و من هذا التاريخ بدا يتكوّن في المجتمع خط آخر غير خط الخلافة،و هو خط الفقهاء و العلماء الذين يضع المسلمون ثقتهم الدينية فيهم،و بقدر ما كان يبتعد هؤلاء الفقهاء و العلماء عن الحكّام و السلاطين كانت تزداد ثقة المسلمين بهم.والذي يواكب قراءة التاريخ الإسلامي يجد فارقاً نوعياً واضحاً في‌موقع الخلافة قبل موقعة الطف وبعدها، وجوهر هذا الفرق هو افتقادالخلافة بعد معركة كربلاء للصيغة الشرعية والإطار الديني الذي كانت‌تمتلكه من قبل.وبهذه الطريقة نستطيع ان نفهم كيف ان قيام الإمام الحسن (ع)بالحرب كان يؤدي الي نتائج معاكسة تماماً لما ادّي إليه قيام الإمام‌الحسين (ع).فقد ذكرنا ان مواصلة الإمام الحسن للحرب كان يؤدي الي انتصار عسكري ساحق في جيش بني اُمية، وإثارة نقمة بني اُمية علي شيعة اهل‌البيت، و يحملهم علي القيام بتصفية واسعة في صفوف الشيعة و إنهاء البقية الباقية من هذا الخط الإسلامي، الذي استعصي علي عوامل الانحراف والخضوع لسلطان بني اُمية.امّا قيام الحسين (ع) فقد كان له اثر معكوس تماماً؛ فقد اثار سخط المسلمين ضد سلطان بني اُمية ودفع الناس للخروج علي سلطان بني اُمية،و وسّع دائرة المعارضة.وذلك لاختلاف طبيعة ظروف الإمام الحسن عن الإمام الحسين (ع)،واختلاف نوع وطبيعة قتال الإمام الحسن عن قتال الإمام الحسين.فقد كان الإمام الحسن في مواجهة عسكرية مع معاوية، وقد تخلّي‌عنه اكثر جيشه، ولم يبق معه إلاّ شيعته الذين كانوا يعدون جزءاً ضئيلاً من‌جيش العراق، وكانت نتيجة هذا القتال هزيمة عسكرية، تتيح الفرصة‌لمعاوية للقضاء علي البقية الباقية من شيعة الإمام.بينما كان قتال الحسين (ع) ليزيد (خروجاً) وليس (مواجهة عسكرية)، تستهدف إسقاط النظام، وكان كل شي‌ء من اوضاع العراق و الشام يؤكد هذا المعني، ولم يكن يفكّر الحسين ان بإمكان العراق ان يقاوم الشام، و لا ان يصفو له العراق، ولا ان يقاوم اهل العراق إرهاب بني اُمية وإغراءهم، فما كانوا ليصفو في احسن الاحوال للإمام من العراق غير قلّة قليلة من شيعته يخرج بهم علي يزيد.إذن لم يكن الإمام يطلب فتحاً عسكرياً، و إنما كان يطلب في خروجه تحريك ضمائر المسلمين، و إثارة الضمائر و النفوس و العواطف و العقول بقوة بفعل الماساة المفجعة، التي‌واجهها الحسين (ع) علي يدجيش بني‌اُمية في كربلاء. وكانت غاية الإمام الحسين في هذه الماساة الدامية والمفجعة هي تحريك المسلمين ضد سلطان بني اُمية، و النيل من شرعية جهاز الخلافة الاُموية، وعزلهم سياسياً و اجتماعياً في اوساط العالم الإسلامي، سيما في الحجاز و العراق اللذين كانا يعتبران حينذاك قلب العالم الإسلامي، و تجريدهم من الشرعية التي كانوا يحرصون عليها كثيراًكل ذلك يتم‌ّ نتيجة اختلاف موقع الإمامين، و ظروفهما واختلاف ظرف معاوية من يزيد.فلم يكن معاوية قد اسقط الاقنعة كلها عن وجهه كما اسقطها يزيد،و لم يكن معاوية قد كشف عن سرّه و نيّته، واسفر عن وجهه كما فعل يزيد.و بالتالي فقد كان تحريك المسلمين ضد سلطان بني اُمية، و محاولة النيل من شرعية الخلافة الاُموية في عهد يزيد امراً ممكناً، و بالطريقة التي‌اقدم عليها الحسين (ع)، بينما لم تكن هذه الظروف متوفّرة للإمام الحسن (ع) في الصورة التي توفّرت في عهد يزيد.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.