ذريعة النجاة: التاريخ الكامل لواقعه كربلاآ

اشارة

سرشناسه : گرمرودي، محمدرفيع بن قهرمان، - 1330؟ق

عنوان و نام پديدآور : ذريعه النجاه: التاريخ الكامل لواقعه كربلاآ/ تاليف محمدرفيع الگرمرودي التبريزي؛ تحقيق محمدحسين الرحيميان

مشخصات نشر : تهران: دار الكتب الاسلاميه، 1422ق. = 1380.

مشخصات ظاهري : ص 518

شابك : 964-440-138-7 ؛ 964-440-138-7

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ قبلي: بي نا، 1304

يادداشت : كتابنامه: ص. [499] - 501؛ همچنين به صورت زيرنويس

عنوان ديگر : التاريخ الكامل لواقعه كربلاآ

موضوع : واقعه كربلا، ق 61

موضوع : حسين بن علي(ع)، امام سوم، ق 61 - 4

شناسه افزوده : رحيميان، محمدحسين، 1345 - ، مصحح

رده بندي كنگره : BP41/5/گ 4ذ4 1380

رده بندي ديويي : 297/9534

شماره كتابشناسي ملي : م 80-12533

الاهداء

الي مولي الانس و الجان، قطب عالم الامكان، شريك القرآن، امام العصر و الزمان، المنتقم لدم جده الحسين عليه السلام و الآخذ بثأره. الذي يظهر ليملأ العالم المظلم نورا، ويقف في ظهوره بين الركن و المقام صارخا:ألا يا أهل العالم! أنا الامام القائم ألا يا أهل العالم! أنا الصمصام المنتقم ألا يا أهل العالم! ان جدي الحسين قتلوه عطشاناألا يا أهل العالم! ان جدي الحسين طرحوه عرياناألا يا أهل العالم! ان جدي الحسين سحقوه عريانا [1] . [ صفحه 6] بسم الله الرحمن الرحيم اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه و علي آبائه في هذه الساعة و في كل ساعة وليا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتي تسكنه ارضك طوعا و تمتعه فيها طويلا. [ صفحه 7]

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم انها مصيبة عظيمة و مؤلمة تتناهي الي الأسماع آهات شجية مقرحة للقلوب، لبطل استفردته الذئاب الضارية في صحراء نينوي... لا زالت أصوات البكاء و النحيب لأهل بيته و حريمه تشق حواجز الزمان و المكان لتستقر في سمع كل ذي رحمة و رأفة، و تنمي فيه الفطرة السليمة و الأحاسيس المرهفة.حقا أن المحبة و الود، الدموع و البكاء أكبر من الزمان و المكان، اذ ليس لهما سبيل الي وادي العشق هذا.شخصية يقف اليراع، و تقف البشرية عاجزين عن التعريف به فضلا عن درك مقامه الشامخ و وصفه.ان هكذا رجل ليس بمقدور أحد سوي الله خالقه و أنبيائه المرسلين و خاتمهم صلي الله عليه و آله و سلم و أوصيائه عليهم السلام، أن يعرفه حق معرفته.تري من هو؟و أي نور رباني هو؟و أي نجم ساطع في دنيا الظلام هذا؟و أية سفينة نجاة هو؟

[ صفحه 8] انه الحسين بن علي عليهماالسلام الذي يقول الله تعالي فيه مخاطبا نبيه صلي الله عليه و آله و سلم:يا محمد!... و جعلت حسينا خازن وحيي، و أكرمته بالشهادة، و أعطيته مواريث الأنبياء، فهو سيد الشهداء... [2] .و الذي يقول فيه جده المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم واصفا اياه:حسين مني و أنا من حسين... اسمه مكتوب عن يمين العرش: ان الحسين مصباح الهدي، و سفينة النجاة،... [3] .و هو الذي يقول فيه أبوه اميرالمؤمنين علي عليه السلام:بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة [4] .و الذي يقول فيه أخوه الحسن السبط عليه السلام مبينا عظم مصيبته:لا يوم كيومك يا أباعبدالله! [5] .نعم، انه المظلوم الذي يقول في حق نفسه:أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن الا بكي [6] .و يقول فيه ولده الامام السجاد عليه السلام:أنا ابن من قتل صبرا، و كفي بذلك فخرا. [7] . [ صفحه 9] و يقول فيه الامام الصادق عليه السلام:الحسين عليه السلام عبرة كل مؤمن [8] .و يقول فيه الامام الرضا عليه السلام واصفا يوم مصيبته:ان يوم الحسين عليه السلام أقرح جفوننا، و أسبل دموعنا، و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء، أورثتنا الكرب و البلاء الي يوم الانقضاء، فعلي مثل الحسين عليه السلام فليبك الباكون... [9] .و يقول فيه الآخذ بثأره و المنتقم ممن ظلمه، ولده الامام المنتظر - عجل الله تعالي فرجه - مخاطبا له عليه السلام:فلئن أخرتني الدهور، و عاقني عن نصرك المقدور، و لم أكن لمن حاربك محاربا، و لمن نصب لك العداوة مناصبا، فلأندبنك صباحا و مساء، و لأبكين لك بدل الدموع دما، حسرة عليك، و تأسفا علي ما دهاك و تلهفا، حتي أموت بلوعة المصاب، و غصة

الاكتياب. [10] .انه الشخصية التي بقيت عقول البشرية حائرة مبهوتة أمام شجاعته و مظلوميته، و أصبحت لا تملك سوي العواطف الجياشة، و ذرف الدموع، و البكاء علي مصابه الذي لم يشهد له التاريخ الانساني مثيلا.ان اقامة مجالس العزاء، البكاء، ضرب الصدور، و... و... انما تعبر عن العشق و المحبة لسبط النبي الكريم، الذي قص الله تعالي مصابه علي نبيه زكريا عليه السلام [ صفحه 10] حتي لم يتمالك نفسه لهول ما سمع؛ فانتفض باكيا منتحبا و قال:الهي! أتفجع خير جميع خلقك بولده؟...الهي! أتلبس عليا و فاطمة عليهماالسلام ثياب هذه المصيبة؟... [11] .الحسين عليه السلام هو الدم الذي يطالب به الله تعالي علي يد ولده الخلف الصالح و المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه لينتقم به ممن أراقه ظلما... ان شاء الله.و بالرغم من مرور أربعة عشر قرنا علي هذه المصيبة، لا زالت قوافل العزاء لعشاق هذا الامام تحث الخطي في هذا الوادي بكل اخلاص وبلا رياء، باقامة العزاء و التعبير عن عواطفهم و أحاسيسهم تجاه امامهم، كل بمقدار معرفته و عشقه له عليه السلام.و الذي تجدر الاشارة اليه في هذا الجانب هو دور أصحاب الأقلام و الكتاب الذين يرسمون الطريق الأصوب لهذه القوافل في تعبيرها عن حبها لامامها لتصب العبرة و تأخذ العبرة من خلال تصوير وقائع المصيبة لحظة بلحظة.و لقد أبلي علماء الامامية في هذا المضمار بلاء حسنا، حيث صوروا الواقعة تصويرا رائعا جسدوا من خلاله عظم الرزية و جلل المصاب، فكانت كتب: اللهوف للسيد ابن طاووس رحمه الله، و الارشاد للشيخ المفيد رحمه الله... و... و...و كان من جملة هؤلاء العلماء أيضا والذي عرف بولائه و عشقه و ذوبانه في الامام الحسين عليه السلام.. العالم و الخطيب الألمعي

المولي محمد رفيع بن قهرمان الگرمرودي التبريزي. فهو عالم قدير و خطيب شهير له علاقة خاصة بمولاه الحسين عليه السلام تري واضحة في مقدمته لهذا الكتاب، فهو بالاضافة الي وعظه [ صفحه 11] و ارشاده، كان مهتما جدا بابراز المعالم الواضحة لمدرسة الامام الحسين عليه السلام، و التأكيد عليها، و ما هذا الا أثر خالد له رحمه الله وضعه بين يدي سيده عليه السلام لينتفع به يوم لا ينفع مال و لا بنون.يقول الشيخ آقا بزرگ الطهراني في هذا العالم:الشيخ محمد رفيع التبريزي (... - قرب 1330) هو الشيخ المولي محمد رفيع بن قهرمان الخاتون آبادي الگرمرودي، خطيب كامل و فاضل أديب، كان من فضلاء عصره و خطبائه البارعين، له «ذريعة النجاة» مقتل فارسي أكثره مأخوذ من «الدمعة الساكبة» للمولي محمد باقر الدهدشتي، فلقد لخص جزئه الثاني خصوص قضايا الطف و رتبها مع نقلها و ترجمتها الي الفارسية، كما أشرنا اليه في «الذريعة» [12] ... و طبع في ايران، و توفي قرب سنة 1330 [13] .هذا الكتاب:الكتاب الذي بين يديك كتاب قيم جمع من كتب المقاتل المهمة، و قد سعي مؤلفه رحمه الله أن ينقل فيه عن كتب التاريخ المعتبرة، و يصوغه بهذه الحلة القشيبة ليضعه في متناول أيدي عشاق و محبي أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام، و يمكن القول: أنه كتاب قل نظيره في مقوله، و واحد من المصادر و المراجع في هذا الباب، و موضع اهتمام كبار العلماء.بعد فراغ المؤلف رحمته الله من تأليف هذا الكتاب القيم باللغة العربية، شرع [ صفحه 12] بترجمته الي اللغة الفارسية، فطبع باللغتين - الأصل العربي و ترجمته الفارسيد بين الأسطر - علي الحجر ثلاث مرات، في السنوات، 1300 ه،

1304 ه، و 1317 ه.و بتوفيق من الله تعالي و عناية أئمتنا المعصومين عليهم السلام و خاصة سيد الشهداء الحسين عليه السلام و صاحب الأمر و الزمان عجل الله تعالي فرجه و وفقنا لتحقيق هذا الأثر النفيس.آملين أن تكون آهات و عبرات عشاق و محبي أهل بيت العصمة و الطهارة مجموعة و مقرونة مع آهات و عبرات ولد الحسين عليه السلام الوحيد و الغريب و الطريد أعني قطب دائرة الامكان، امام العصر و الزمان عجل الله تعالي فرجه و أن نكون في ركابه للأخذ بثأر جده و أهل بيته، آمين رب العالمين.قم المقدسة - محرم الحرام 1422 همحمد حسين الرحيميان [ صفحه 13]

مقدمة المؤلف

اشاره

بسم الله الرحمن الرحيم أحمدك يا من جعل عبرات الباكين ذريعة للتائق في رياض رضوانه، وصير حزن الصالحين وسيلة للوصول الي روحه و ريحانه، حمدا يدوم بدوام الأعصار و الدهور، و يتكرر بتكرر الأنفاس في الصدور.و اصلي و اسلم علي نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم خير من مشي في ساحة الرسالة و الهداية، و أنار في ملك النبوة بكل اعجاز و آية، و علي آله و أولاده عليهم السلام خير آل و أولاد الذين هم تراجمة وحي الله، و حججه علي العباد.أما بعد؛ فاني طالما كنت أتمني أن افتلذ فرصة من الحدثان، و اختلس نهزة من الدهر الخوان، فأصرف شطرا من عمري، وسطرا من دهري في التصفح في كتب المقاتل و الأخبار، و أطلق عنان العين في ميدان دفاتر العلماء الأخيار، فأجمع نبذا من رزايا خامس أهل الكساء، حجة الله علي الوري، سيد الكونين، امام الثقلين، أبي عبدالله الحسين صلوات الله و سلامه عليه و أجعله ذخيرة لليوم الموعود، و قابذا الي

دار الخلود.فبينا أنا في هذا الحال اذ رأيت مؤلفا منيفا جامعا لدرر الأخبار في أحوال الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم مادام الليل و النهار، و مشتملا علي شطر من رزايا ثالث الأئمة الطاهرين الامام المظلوم، و الشهيد المغموم صلوات الله عليهم أجمعين و هو المجلد الثاني من كتاب «الدمعة الساكبة»، فوجدت هذا الشطر [ صفحه 14] مصداق ما طواه البال، و تردد فيه في كل حين و حال.و لكنه كان في النظم و الترتيب كعقد منفصم متناثر اللئالي، و بساط منشورة عليه الدراري، فنظمته بأحسن نظم و تأليف، و رصعته بأجمل ترصيع و ترصيف، و قنعت بواحد من الخبرين المتقاربي المفهوم و الدلالة، و طرحت ما لا يخل طرحه بالمقصود من المراثي و القصائد التي صدرت من أرباب السعادة، و أضفت جملة أخبار يسيرة و ما سنح لخاطري في بيان سر الشهادة.ثم بدالي أن اوشح الكلمات بوشاح الحركات و السكنات، و أذكر بيانات في حواشي الصفحات، و أكشف عن وجوه خرائدها الأستار، و اترجمها بلسان الفرس تحت الأسطار، كي يصير نفعه أعم لكل من يريد المؤانسة لفوائده، و المنافسة في شرف عوائده.فجاء بحمد الله تعالي و حسن توفيقه كبدر طالع من تحت السحاب، و مغنما جامعا من فرائده الفوائد للعجب العجاب، و سميته ب «ذريعة النجاة» سائلا من الله عزوجل أن يجعله وسيلة الي رفع الدرجات، و رتبته علي مقدمة و فصول و خاتمة. [ صفحه 15]

الحكمة في خروجه

ان قلت: ما الحكمة في خروجه صلوات الله عليه من المدينة الي مكة و منها قاصدا الي الكوفة و هو عليه السلام يعلم بعلم الامامة، و أخبار جده و أبيه صلوات الله عليهم في موارد كثيرة أنه عليه السلام

يقتله الفئة الباغية، كما أنبأ هو عليه السلام عن نفسه به، و هذا مما لا يغير به أثر الشك؟ كيف؟ و هم خزان الله علي علمه، و يعلمون علم ما كان و ما يكون الي قيام الساعة، و عندهم علم المنايا و البلايا، و مفاتيح العلم، و أبواب الحكم، و فصل الخطاب. فكيف اختار عليه السلام الخروج الي السيوف الباترة، و الوقوع في الفتن الثائرة، التي حملتها صدور الطغاة، و احرزتها نفوس العداة؟قلنا أولا: ان هذه المسألة من غوامض المسائل التي قدر ارتفعت عنا شوائب التكلف فيها و دواعي التكليف بها، فاللازم علي من تحري طريق الصواب و سبيل النجاة ارجاعها الي أنفسهم عليهم السلام.و ثانيا: انهم معصومون لا يصدر عنهم معصية - لا كبيرة و لا صغيرة - فكل ما يظهر منهم من الأقوال و الأفعال فهو محبوب و مرضي عند الله عزوجل.ثالثا: ان بني امية لعنهم الله لشدة عدواتهم و كثرة كفرهم و حسدهم كانوا [ صفحه 16] مترصدين بقتله عليه السلام بكل عيلة وحيلة، و هو عليه السلام يعلم أنهم لا يسالمونه و لا يتركونه أبدا في مكان، سواء المدينة أم غيرها، كما قال عليه السلام:«لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لا ستخرجوني منه و يقتلونني».و مع هذا كان يصدر من أهل الكوفة مكاتبات و مواثيق يدعونه اليهم، ففي خروجه عليه السلام اتمام للحجة عليهم.و رابعا: انه يصدر عنهم عليهم السلام في أوقات امور و معاجز تعجز طاقة البشر عنها و يمتنع وصول الأوهام اليها و في سائر الأوقات يعملون بطريق عرفنا و عادتنا، و الا لارتفعت الحكمة الالهية في بعث الله الهادي منا، كما يشهد به ما رواه الصدوق رحمه الله في «العلل» و «الاكمال» و الشيخ الطبرسي

رحمه الله في «الاحتجاج» عن محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني قال:كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن موسي القصري، فقام اليه رجل فقال: اريد أن أسألك عن شي ء؟فقال له: سل عما بدالك؟فقال له الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهماالسلام أهو ولي الله؟قال: نعم.قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟قال: نعم.قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه علي وليه؟فقال أبوالقاسم قدس الله روحه: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله عزوجل لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عزوجل بعث اليهم [ صفحه 17] رسولا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم.فلو بعث اليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم، فلما جاؤهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام، و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتي تأتونا بشي ء نعجز أن نأتي بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه.فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها:فمنهم من جاء بالطوفان بعد الاعذرا و الانذار فغرق جميع من طغي و تمرد؛و منهم من القي في النار فكانت عليه بردا و سلاما؛و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجري في ضرعها لبنا؛و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون، و جعل العصا اليابسة ثعبانا فتلقف ما يأفكون؛و منهم من أبرء الأكمه و الأبرص، و أحيي الموتي باذن الله عزوجل، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم؛و منهم من انشق له القمر و كلمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.فلما أتوا

بمثل المعجزات، و عجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين، و في اخري مغلوبين، و في حال قاهرين، و في حال مقهورين.و لو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين، لم يبتلهم و لم يمتحنهم لا تخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل، و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و المحن و الاختبار. [ صفحه 18] و لكنه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحول غيرهم، ليكونوا في أحوال المحنة و البلوي صابرين، و في حال العافية و الظهور علي الأعداء شاكرين، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين، غير شامخين و لا متجبرين.و ليعلم العباد أن لهم الها هو خالقهم و مدبرهم، فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة الله تعالي ثابتة علي من تجاوز الحد فيهم، وادعي لهم الربوبية، أو عاند و خالف و عصي و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة.قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت الي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في الغد و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا [14] يوم أمس من عند نفسه؟فابتدأني و قال: يا محمد بن ابراهيم! لأن أخر من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي في الريح في مكان سحيق [15] أحب الي من أن أقول في دين الله تعالي برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل، و مسموع من الحجة صلوات الله عليه و سلامه [16] . [ صفحه 19]

كلام للسيد المرتضي

قال

السيد علم الهدي رحمه الله في كتاب «تنزيه الأنبياء»:فان قيل: ما العذر في خروجه صلوات الله عليه من مكة بأهله و عياله الي الكوفة و المستولي عليها أعداؤه و المتأمر فيها من قبل يزيد اللعين يتسلط الأمر و النهي، و قد رأي صنع أهل الكوفة بأبيه و أخيه صلوات الله عليهما، و أنهم غدارون خوانون فكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج؟و ابن عباس رحمه الله يشير اليه بالعدول عن الخروج، و يقطع علي العطب فيه، و ابن عمر لما ودعه يقول له: أستودعك الله من قتيل، الي غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب.ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل عليه السلام و قد أنفذه رائدا له، كيف لم يرجع و يعلم بالغرور من القوم و يفطن بالحيلة و المكيدة؟ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل بجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة؟ثم لما عرض عليه ابن زياد لعنه الله الأمان و أن يبايع يزيد لعنه الله كيف لم يستجب حقنا لدمه و دماء من معه من أهله و شيعته و مواليه؟ و لم ألقي بيده الي التهلكة؟ و بدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر الي معاوية، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟الجواب؛ قلنا: قد علمنا أن الامام متي غلب علي ظنه أنه يصل الي حقه و القيام بما فوض اليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك، و ان كان بضرب من [ صفحه 20] المشقة يتحمل مثلها، تحملها، و سيدنا أبوعبدالله صلوات الله عليه لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم، و عهود و عقود، و بعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين و مبتدئين غير مجيبين.و قد كانت المكاتبة من وجوه أهل

الكوفة و أشرافها و قرائها تقدمت اليه في أيام معاوية، و بعد الصلح الواقع بينه و بين الحسن عليه السلام فدفعهم، و قال في الجواب ما وجب، ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام و معاوية لعنه الله موجود باق، فوعدهم و مناهم فكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.فلما مضي معاوية و أعادوا المكابتة و بذلوا الطاعة و كرروا الطلب و الرغبة و رأي عليه السلام من قوتهم علي من كان يليهم في الحال من قبل يزيد لعنه الله و تسلطهم عليه و ضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد و التسبب.و لم يكن في حسبانه أن القوم يغدر بعضهم، و يضعف أهل الحق عن نصرته، و يتفق ما اتفق من الامور الغريبة، فان مسلم بن عقيل عليه السلام لما دخل الكوفة أخذ البيعة علي أكثر أهلها.و لما وردها عبيدالله بن زياد لعنه الله و قد سمع بخبر مسلم عليه السلام و دخوله بالكوفة و حصوله في دار هاني ء بن عروة المرادي - علي ما شرح في السيرة - و حصل شريك بن الأعور بها، جاء ابن زياد لعنه الله عائدا، و كان شريك وافق مسلم بن عقيل عليه السلام علي قتل ابن زياد لعنه الله عند حضوره لعيادة شريك، و أمكنه ذلك، و تيسر له فما فعل و اعتذر بعد فوت الأمر الي شريك بأن ذلك فتك، و أن [ صفحه 21] النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: «ان الايمان قيد الفتك» [17] .و لو كان فعل مسلم عليه السلام من قتل ابن زياد ما تمكن منه و وافقه شريك عليه لبطل الأمر، و دخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع

عنها، و حسر كل أحد قناعة في نصرته، و اجتمع له كل من كان من قلبه نصرته، و ظاهره مع أعدائه.و قد كان مسلم بن عقيل عليه السلام أيضا لما جلس ابن زياد لعنه الله هانيا سار اليه في جماعة من أهل الكوفة حتي حصره في قصره، و أخذ بكظمه، و أغلق ابن زياد لعنه الله الأبواب دونه خوفا وجبنا، حتي بث الناس في كل وجه يرعبون الناس و يرهبونهم و يخذلونهم عن نصرة ابن عقيل عليه السلام فتقاعدوا و تفرق أكثرهم حتي أمسي في شرذمة، و انصرف و كان من أمره ما كان.و انما أردنا بذكر هذه الجملة؛ أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة، فان الاتفاق [18] عكس الأمر و قلبه [19] حتي تم فيه ما تم، و قد هم سيدنا أبوعبدالله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم بن عقيل عليه السلام و اشير اليه بالعود، فوثب اليه بنو عقيل و قالوا: و الله؛ لا ننصرف حتي ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أبونا.فقال عليه السلام: لا خير في العيش بعد هؤلاء.ثم لحقه الحر بن يزيد و من معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد و منعه من الانصراف و سامه أن يقدمه علي ابن زياد لعنه الله نازلا علي حكمه، فامتنع... الي أن قال:و أن عمر لعنه الله كتب الي عبيدالله بن زياد مما سئل فأبي عليه، و كاتبه [ صفحه 22] بالمناجزة بالبيت المعروف و هو قوله لعنه الله:الان قد علقت مخالبنا به يرجوا النجاة ولات حين مناص فلما رأي عليه السلام اقدام القوم عليه، و أن الدين منبوذ وراء ظهورهم، و علم أنه ان دخل تحت حكم ابن زياد لعنه الله تعجل الذل و العار، و آل من بعد الي القتل النجأ الي

المحاربة و المدافعة بنفسه و أهله و من صبر من شيعته و وهب دمه له، و وقاه بنفسه، و كان بين احدي الحسنيين: اما الظفر و ربما ظفر الضعيف القليل، أو الشهادة و الميتة الكريمة.و أما مخالفة ظنه ظن جميع من أشار اليه من الصحابة - كابن عباس و غيره - فالظنون انما تغلب بحسب الامارات، و قد تقوي عند واحدة و تضعف عند اخري، و لعل ابن عباس لم يقف علي ما كتب به عليه السلام من الكوفة، و ما تردد في ذلك من المكاتبات و المراسلات و العهود و المواثيق، و هذه امور تختلف أحوال الناس فيها و لا يمكن الاشارة الا الي جملتها دون تفصيلها.فأما السبب في أنه لم يرجع بعد قتل مسلم بن عقيل عليه السلام؛ فقد بينا و ذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك، فمنع منه وحيل بينه و بينه.فأما محاربة الكثير بالنفر القليل؛ فقد بينا أن الضرورة دعت اليها، و أن الدين و الحزم ما اقتضيا في تلك الحال الا ما فعل، و لم يبذل ابن زياد لعنه الله من الأمان ما يوثق بمثله، و انما أراد اذلاله و الغض من قدره بالنزول تحت أمره، ثم يفضي الأمر بعد الذل الي ما جري من اتلاف النفس.و لو أراد به عليه السلام الخير علي وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد، لكان قد مكنه من التوجه نحوه و استظهر عليه بمن ينفذه معه. [ صفحه 23] لكن الأضغان البدرية و الأحقاد النبوية ظهرت في هذه الأحوال و ليس يمتنع أن يكون في تلك الأحوال مجوزا أن يضي ء اليه قوم ممن بايعه و عاهده وقعد عنه، و يحملهم ما يرون من صبره و

استلامه [20] و قلة ناصره علي الرجوع الي الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك نفر منهم حتي قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء، و مثل هذا يطمع فيه و يتوقع في أيام [21] الشدة.فأما الجمع بين فعله و فعل أخيه الحسن عليه السلام فواضح صحيح، لأن أخاه سلم كفا للفتنة، و خوفا علي نفسه و أهله و شيعته، و احساسا بالغدر من أصحابه، و هذا عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وثق اليه، و رأي من أسباب قوة نصار الحق و ضعف نصار الباطل ما وجب عليه معه الطلب و الخروج.فلما انعكس ذلك و ظهرت أمارت الغدر فيه و سوء الاتفاق، رام الرجوع و المكافة و التسليم، كما فعل أخوه عليه السلام، فمنع من ذلك، و حيل بينه و بينه.فالحالان متفقان الا أن التسليم و المكافة عند ظهور أسباب الخوف لن يقبلا منه عليه السلام، و لم يجب الي الموادعة و طلبت نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتي مضي كريما الي جنة الله و رضوانه، و هذا واضح لمتأمله. [22] . [ صفحه 24]

كلام للعلامة المجلسي

قال المجلسي رحمه الله في «البحار»: قد مضي في كتاب الامامة، و كتاب الفتن أخبار كثيرة دالة علي أن كلا منهم عليهم السلام كان مأمورا بامور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهم كانوا يعملون بها، و لا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم علي أحكامنا.و بعد الاطلاع علي أحوال الأنبياء و أن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادي علي الوف من الكفرة، و يسبون آلهتهم، و يدعونهم الي دينهم، و لا يبالون بما ينالهم من المكاره و الضرب و الحبس و القتل و الالقاء

في النار و غير ذلك، لا ينبغي الاعتراض علي أئمة الدين في أمثال ذلك.مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين و النصوص المتواترة، لا مجال للاعتراض عليهم، بل يجب التسليم لهم في كل ما يصدر عنهم.علي أنك لو تأملت حق التأمل، علمت أنه عليه السلام فدي نفسه المقدسة دين جده، و لم يتزلزل أركان دولة بني أمية الا بعد شهادته عليه السلام، و لم يظهر للناس كفرهم و ضلالتهم الا عنده فوزه بسعادته عليه السلام.و لو كان عليه السلام يسالمهم و يوادعهم كان يقوي سلطانهم، و يشتبه علي الناس أمرهم، فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة، و آثار الهداية مندرسة.مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه عليه السلام هرب من المدينة خوفا من القتل الي مكة، و كذا خرج من مكة بعد ما غلب علي ظنه أنهم يريدون غيلته و قتله، حتي لم يتيسر له - فداه نفسي و أبي و امي [و ولدي]- أن يتم حجه، [ صفحه 25] فتحلل و خرج منها خائفا يترقب، و قد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار، و لم يتركوا له موضعا للفرار.قال: و لقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد لعنه الله أنفذ عمرو بن سعد بن العاص في عسكر عظيم، و ولاه أمر الموسم، و أمره علي الحاج كلهم، و كان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا و ان يتمكن منه بقتله غيلة، ثم انه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية، و أمرهم بقتل الحسين عليه السلام علي أي حال اتفق، فلما علم الحسين عليه السلام بذلك، حل من احرام الحج، و جعلها عمرة مفردة [23] .قال: و قد روي بأسانيد أنه عليه السلام لما منعه محمد

بن الحنفية عن الخروج الي الكوفة قال:و الله؛ يا أخي! لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض، لاستخرجوني حتي يقتلوني [24] .بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم و يبايعهم لا يتركونه، لشدة عدواتهم، و كثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة، و يدفعونه بكل وسيلة، و انما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا تري الي مروان لعنه الله كيف كان يشير الي والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه، و كان عبيدالله بن زياد عليه لعاين الله الي يوم التناد يقول: اعرضوا عليه فلينزل علي أمرنا، ثم نري فيه رأينا؟ [ صفحه 26] ألا تري كيف أمنوا مسلما رضي الله تعالي عنه ثم قتلوه.فأما معاوية لعنه الله فانه مع شدة عدواته و بغضه لأهل البيت عليهم السلام كان ذا دهاء [ونكراء] و حزم، و كان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه، و ذهاب ملكه و خروج الناس عليه، فكان يداريهم ظاهرا علي أي حال، و لذا صالحه الحسن عليه السلام و لم يتعرض له الحسين عليه السلام، و لذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين عليه السلام، لأنه كاني يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.أللهم العن كل من ظلم أهل بيت نبيك و قتلهم، و أعان عليهم و رضي بما جري عليهم من الظلم و الجور لعنا وبيلا، و عذبهم عذابا أليما، واجعلنا من خيار شيعة آل محمد صلوات الله عليه و آله و أنصارهم، و الطالبين بثارهم مع قائمهم صلوات الله تعالي و سلامه عليه و عليهم أجمعين. [25] . [ صفحه 29]

في ما جري عليه بالمدينة و كيفية خروجه منها الي مكة

موت معاوية و البيعة ليزيد

في «الأمالي» عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام:

لما حضرت معاوية الوفادة دعا ابنه يزيد لعنه الله و أجلسه بين يديه و قال له: يا بني! اني قد ذللت لك الرقاب الصعاب، و وطأت لك البلاد، و جعلت الملك و ما فيه لك طعمة، و اني أخشي عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم و هم: عبدالله بن عمر بن الخطاب، و عبدالله بن الزبير، و الحسين بن علي عليهماالسلام.فأما عبدالله بن عمر؛ فهو معك فألزمه و لا تدعه.و أما عبدالله بن الزبير؛ فقطعه ان ظفرت به اربا اربا، فانه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته، و يوار بك مواربة الثعلب للكلب.و أما الحسين بن علي عليهماالسلام؛ فقد عرفت حظه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو من لحم رسول الله و دمه، و قد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه اليهم، ثم يخذلونه و يضيعونه، فان ظفرت به فأعرف حقه و مزلته من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لا تؤاخذه بفعله، و مع ذلك فان لنابه خلطة و رحما، فاياك أن تناله بسوء أو يري منك مكروها، الحديث. [26] .قال المجلسي رحمه الله في «البحار»: و كان غرض معاوية لعنه الله من هذا [ صفحه 30] الكلام حفظ المملكة و السلطنة ليزيد لعنه الله، لأنه لدهائه يعلم أن يزيد لعنه الله لو أراد الحسين عليه السلام بسوء لم يستقل ملكه، و لا نحرفت الناس عنه، و لم يكن هذا القول منه تقربا الي الله و الي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و لا شفقة علي الحسين عليه السلام، لأنه لعنه الله كان زنديقا لا يعتقد برب و لا برسول. [27]

.في «البحار» روي الفاضل المجلسي رحمه الله و الشيخ المفيد في «الارشاد»، و السيد بن طاووس في «اللهوف» و غيرهم: أنه لما مات معاوية و ذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة تولي الأمر بعده ابنه يزيد لعنه الله فكتب الي الوليد بن [عتبة بن] أبي سفيان، و كان علي المدينة من قبل معاوية لعنه الله أن يأخذ البيعة له من أهل المدينة عامة، و خاصة علي الحسين عليه السلام، و لا يرخص له في التأخير عن ذلك، و ان أبي عليك، فاضرب عنقه، و ابعث الي برأسه.فأحضر الوليد مروان و استشاره في أمر الحسين عليه السلام فقال: انه لا يقبل، و لو كنت مكانك لضربت عنقه.فقال الوليد: ليتني لم أكن شيئا مذكورا [28] .و في «الارشاد» قال المفيد رحمه الله: فأنفذ الوليد الي الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعة من مواليه، و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم:ان الوليد رحمه الله قد استدعاني في هذا الوقت، و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا اجيبه اليه، و هو غير مأمون، فكونوا معي، فاذا دخلت عليه فاجلسوا [ صفحه 31] علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني.فصار الحسين عليه السلام الي الوليد بن عتبة، فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعي اليه الوليد معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام، ثم قرأ عليه كتاب يزيد لعنه الله و ما أمر فيه من أخذ البيعة منه [له].فقال الحسين عليه السلام: اني لا أراك تقنع بيعتي ليزيد لعنه الله سرا حتي ابايعه جهرا، فيعرف ذلك الناس.فقال له الوليد: أجل.فقال له الحسين عليه السلام: فتصبح و تري رأيك في ذلك.فقال له الوليد: انصرف علي اسم الله

تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس.فقال له مروان: [و الله] لئن فارقك الحسين عليه السلام الساعة و لم تبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه، احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه.فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك و قال: أنت يابن الزرقاء! تقتلني أم هو؟ كذبت و الله؛ و أثمت [29] .قال: قال ابن شهر آشوب: ان مروان جرد سيفه و قال: مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار، و دمه في عنقي، و ارتفعت الضجة عليه السلام فهجم تسعة عشر رجلا من أهل بيته و قد انتضوا خناجرهم، فخرج الحسين [30] معهم، و وصل الخبر الي يزيد، فعزل الوليد و ولاها مروان. [31] . [ صفحه 32] قال المفيد رحمه الله: و خرج عليه السلام يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله.فقال مروان للوليد: عصيتني لا و الله؛ لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا.فقال الوليد: ويح لغيرك يا مروان! انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي، و الله؛ ما احب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و اني قد قتلت حسينا، سبحان الله! أقتل حسينا لما أن قال لا ابايع، و الله؛ اني لأظن أن أمرءا يحاسب بدم الحسين عليه السلام لخفيف الميزان عندالله يوم القيامة.فقال [له] مروان: اذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا و هو غير الحامد له علي رأيه. [32] .و قال السيد رحمه الله: فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان بن الحكم لعنه الله فقال له: يا أباعبدالله! اني لك ناصح، فأطعني ترشد.[فقال

الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قال حتي أسمع.فقال مروان: اني آمرك ببيعة يزيد أميرالمؤمنين!! فانه خير لك في دينك و دنياك] [33] .فقال الحسين عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون، و علي الاسلام السلام، اذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول:الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان.و طال الحديث بينه و بين مروان لعنه الله حتي انصرف مروان، و هو غضبان. [34] . [ صفحه 33] و في «البحار»: قال محمد بن أبي طالب الموسوي:و خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة، و أقبل الي قبر جده صلي الله عليه و آله و سلم، فقال:ألسلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك، و سبطك الذي خلفتني في امتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني، و ضيعوني و لم يحفظوني، و هذه شكواي اليك حتي ألقاك.قال: ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا و ساجدا.قال: و أرسل الوليد الي منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا؟ فلم يصبه في منزله، فقال: ألحمد لله الذي خرج و لم يبتلني بدمه.قال: و رجع الحسين عليه السلام الي منزله عند الصبح. [35] . [ صفحه 34]

رؤياه النبي

فلما كانت الليلة الثانية، خرج الي القبر أيضا و صلي ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول:اللهم هذا قبر نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و أنا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الأمر قد علمت.اللهم اني احب المعروف و انكر المنكر، و أنا أسألك يا ذالجلال و الاكرام بحق القبرر و من فيه الا اخترت لي ما

هو لك رضي، و لرسولك رضي.قال: ثم جعل يبكي عند القبر حتي اذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه علي القبر فاغفي، فاذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه حتي ضم الحسين عليه السلام الي صدره و قبل بين عينيه، و قال:حبيبي يا حسين! كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بارض كرب و بلاء، من عصابة من امتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقي، و ظمآن لا تروي، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة، لا أنالهم الله شفاعتي.حبيبي يا حسين! ان أباك و امك و أخاك قدموا علي و هم مشتاقون اليك، و ان لك في الجنات لدرجات لن تنالها الا بالشهادة.قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر الي جده و يقول: يا جداه! لا حاجة لي في الرجوع الي الدنيا، فخذني اليك و أدخلني معك في قبرك.فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لابد لك من الرجوع الي الدنيا حتي ترزق [ صفحه 35] الشهادة، و ما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فانك و أباك و أخاك و عمك و عم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتي تدخلوا الجنة.قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا، فقص رؤياه علي أهل بيته و بني عبدالمطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق و لا مغرب قوم اشد غما من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لا أكثر باك و لا باكية منهم.

خروجه من المدينة المنورة

قال: و تهيأ الحسين عليه السلام للخروج من

المدينة، و مضي في جوف الليل الي قبر امه فودعها، ثم مضي الي قبر أخيه الحسن عليه السلام، ففعل كذلك.ثم رجع الي منزله وقت الصبح، فأقبل اليه أخوه محمد بن الحنفية، فقال: يا أخي! أنت احب الخلق الي و أعزهم علي، ولست و الله؛ أدخر النصيحة لأحد من الخلق، و ليس أحد أحق بها منك، لأنك مزاج مائي و نفسي و روحي و بصري و كبير أهل بيتي، و من وجبت طاعته في عنقي، لأن الله قد شرفك علي، و جعلك من سادات أهل الجنة.و ساق الحديث الي أن قال: تخرج الي مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك، و ان تكن الاخري خرجت الي بلاد اليمن، فانهم أنصار جدك و أبيك، و هم أرأف الناس [و أرقهم قلوبا، و أوسع الناس] بلادا، فان اطمأنت بك الدار، و الا لحقت بالرمال و شعوب الجبال، و جزت من بلد الي بلد، حتي تنظر ما يؤل اليه أمر الناس، و يحكم الله بيننا و بين القوم الفاسقين.قال: فقال الحسين عليه السلام: ألسلام يا أخي! و الله؛ لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوي لما بايعت يزيد بن معاوية. [ صفحه 36] فقطع محمد بن الحنفية الكلام و بكي، فبكي الحسين عليه السلام معه ساعة.ثم قال: يا أخي! جزاك الله خيرا، فقد نصحت و أشرت بالصواب، و أنا عازم علي الخروج الي مكة، و قد تهيأت لذلك أنا و اخوتي و بنو أخي و شيعتي، و أمرهم أمري، و رأيهم رأيي، و أما أنت يا أخي! فلا بأس عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا عليهم لا تخفي شئيا من امورهم.

وصيته لأخيه محمد بن الحنفية

ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة و بياض، و

كتب هذا الوصية لأخيه محمد:بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام الي أخيه محمد المعروف بابن الحنفية:ان الحسين يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، جاء بالحق من عند الحق، و أن الجنة حق، و النار حق، و ان الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور.و اني لم أخرج اشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي - صلي الله عليه و آله - اريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر، و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب - عليهماالسلام -.فمن قبلني بقول الحق فالله أولي بالحق، و من رد علي هذا اصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق و هو خير الحاكمين.و هذه وصيتي يا اخي اليك، و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه انيب. [ صفحه 37] ثم طوي الكتاب، و ختمه بخاتمه، و دفعه الي أخيه.ثم ودعه و خرج في جوف الليل. [36] .و فيه أيضا؛ قال الفاضل المجلسي رحمه الله: و روي القطب الراوندي:أنه لما عزم علي الخروج من المدينة اتته ام سلمة فقالت: يا بني! لا تحزني بخروجك الي العراق، فاني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها: «كربلاء»!فقال لها: يا اماه! و أنا و الله؛ أعلم ذلك، و اني مقتول لا محالة، و ليس لي من هذا بد، و اني و الله؛ لأعرف اليوم الذي اقتل فيه، و أعرف من يقتلني، و أعرف البقعة التي ادفن فيها، و

اني أعرف من يقتل معي من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي، و ان اردت يا اماه! اري حفرتي و مضجعي.ثم أشار عليه السلام الي جهة كربلاء، و انخفضت الأرض حتي أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره، و موقفه و مشهده، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا، و سلمت أمره الي الله تعالي.فقال لها: يا اماه! قد شاء الله تعالي أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا، و قد شآء ان يري حرمي و رهطي و نسائي مشردين، و أطفالي مذبوحين مظلومين، مأسورين مقيدين، و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا. [37] .و في «الارشاد» قال المفيد: فخرج عليه السلام من تحت ليلته - و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب - متوجها نحو مكة، و معه بنوه و بنو أخيه و اخوته، وجل [ صفحه 38] أهل بيته الا محمد بن الحنفية [38] .و روي المفيد رحمه الله «في الارشاد» أنه لما خرج الحسين عليه السلام من المدينة، فسار الي مكة و هو يقرأ: (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) [39] .و لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت [عن] الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير [لئلا] يلحقك الطلب.فقال: لا و الله؛ لا افارقه حتي يقضي الله ما هو قاض. [40] .

ملاقاته مع أفواج من الملائكة

و في «البحار» روي المجلسي رحمه الله من كتاب محمد بن أبي طالب عن المفيد رحمه الله باسناده عن الصادق عليه السلام أنه قال:لما سار أبوعبدالله عليه السلام من المدينة، لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب علي نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه و قالوا: يا حجة الله علي خلقه بعد جده و أبيه و أخيه! ان

الله عزوجل أمد جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في مواطن كثير، و ان الله أمدك بنا.فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي استشهد فيها و هي كربلاء، فاذا وردتها فأتوني.فقالوا: يا حجة الله! ان الله أمرنا أن نسمع لك و نطيع، فهل تخشي من عدو يلقاك فنكون معك؟ [ صفحه 39] فقال: لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة أو أصل الي بقعتي [41] .

ملاقاته مع أفواج مسلمي الجن

و أتته أفواج مسلمي الجن فقالوا: يا سيدنا! نحن شيعتك و أنصارك، فمرنا بأمرك و ما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك.فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا و قال لهم:أوما قرأتم كتاب الله المنزل علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة) [42] .و قال سبحانه تعالي: (لبرز الذين كتب عليهم القتل الي مضاجعهم) [43] ؟و اذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلي [44] هذا الخلق المتعوس؟ و بماذا يختبرون؟ و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ و قد اختارها الله لي يوم دحا الأرض، و جعلها معقلا لشيعتنا [و محبينا، تقبل أعمالهم و صلاتهم، و يجاب دعائهم و يسكن شيعتنا] [45] ، فتكون لهم أمانا في الدنيا و في الاخرة.و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل، و لا يبقي بعدي مطلوب من اهلي و نسبي و اخواني و اهل بيتي، و يسار برأسي الي يزيد بن معاوية لعنه الله.فقالت الجن: نحن والله؛ يا حبيب الله و ابن حبيبه! لو لا أن أمرك طاعة، [ صفحه 40] و أنه لا يجوز لنا مخالفتك [لخالفناك]

[46] و قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا اليك.فقال لهم: و نحن و الله؛ اقدر عليهم منكم، و لكن (ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة) [47] .

الامام الحسين في مكة

و قال المفيد في «الارشاد»: و لما دخل الحسين عليه السلام مكة، كان دخوله اياها يوم الجمعة، لثلاث مضين من شعبان، دخلها و هو يقرأ: (و لما توجه تلقاء مدين قال عسي أن يهديني ربي سواء السبيل) [48] .قم نزلها و أقبل أهلها يختلفون اليه، و من كان بها من المعتمرين و أهل الافاق، و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، و هو قائم يصلي عندها و يطوف، و يأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين، و يأتيه بين كل يوم يومين مرة، و هو عليه السلام أثقل خلق الله علي ابن الزبير [لأنه] [49] قد عرف أن [أهل] الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام في البلد، و أن الحسين عليه السلام أطوع الناس منه و أجل.و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية، فأرجفوا بيزيد لعنه الله، و عرفوا خبر الحسين عليه السلام و امتناعه من بيعته، و ما كان من أمر ابن الزبير في ذلك و خروجهما الي مكة [50] . [ صفحه 41]

كتابة أهل الكوفة الي الامام الحسين يدعونه بالتوجه اليهم

فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد فذكروا هلاك معاوية، فحمدوا الله و أثنوا عليه، فقال سليمان: ان معاوية قد هلك، و ان حسينا قد نقض [51] علي القوم ببيعته، و قد خرج الي مكة، و أنتم شيعته و شيعة أبيه، فان كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدوا عدوه، فاكتبوه اليه، و ان خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه.قالوا: لا؛ بل نقاتل عدوه، و نقتل أنفسنا دونه، فاكتبوا اليه فكتبوا اليه:بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي عليهماالسلام من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، و رفاعة بن شداد البجلي و حبيب بن مظاهر، و شيعته [من] المؤمنين و المسلمين من أهل

الكوفة.سلام عليك، فانا نحمد اليك الله الذي لا اله الا هو.أما بعد؛ فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزي علي هذه الامة فابتزها أمرها، و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضي منها، ثم قتل خيارها، و استبقي شرارها، و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود، انه ليس علينا امام، فأقبل لعل الله يجمعنا بك علي الحق.و النعمان بن بشير في قصر الامامرة، لسنا نجتمع معه في جمعة، و لا نخرج [ صفحه 42] معه الي عيد، و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت الينا أخرجناه حتي نلحقه بالشام، ان شاء الله تعالي.ثم سرحوا بالكتاب مع عبدالله بن مسمع الهمداني، و عبدالله بن وال و أمروهما بالنجاء [52] ، فخرجا مسرعين حتي قدما علي الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان.ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبدالرحمان بن عبدالله بن شداد الأرجي [53] و عمارة بن عبدالسلولي الي الحسين عليه السلام و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة [54] .و قال السيد رحمه الله: و هو مع ذلك يتأبي و لا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، و تواترت عليه الكتب حتي اجتمعت عنده منها في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.و قال المفيد رحمه الله: ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا اليه هاني بن هاني السبيعي [55] ، و سعيد بن عبدالله الحنفي، و كتبوا اليه:بسم الله الرحمن الرحيم الي الحسين بن علي عليهماالسلام من شيعته من المؤمنين و المسلمين. [ صفحه 43] أما بعد؛ فحي هلا [56] فان

الناس ينتظرونك، لا [رأي] لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، و السلام.و كتب شبث بن ربعي، و حجار بن أبجر، و يزيد بن الحارث بن رويم، و عروة بن قيس، و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و محمد بن عمر التيمي:أما بعد؛ فقد اخضر الجنات، و أينعت الثمار [و أعشبت الأرض، و أورقت الأشجار] [57] ، فاذا شئت فأقبل علي جند لك مجندة، و السلام.

كتابه لأهل الكوفة

و تلاقت الرسل كلها عنده، فقرأ الكتب و سئل الرسل عن الناس، ثم كتب مع هاني بن هاني، و سعيد بن عبدالله، و كانا آخر الرسل:بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الي الملاء من المؤمنين و المسلمين.أما بعد؛ فان هانئا و سعيدا قدما الي بكتبكم، و كانا آخر من قدم علي من رسلكم، و قد فهمت كل الذي قصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم أنه ليس علينا امام، فأقبل لعل الله [أن] يجمعنا بك علي الحق و الهدي.و انا باعث اليكم و ابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل، فان كتب الي أنه قد اجتمع رأي ملائكم، و اولي الحجي و الفضل منكم، علي مثل [ صفحه 44] ما قدمت به رسلكم و قرءت في كتبكم، فاني أقدم اليكم و شيكا، ان شاء الله. فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه علي ذلك لله، و السلام. [58] . [ صفحه 47]

في بيان ارسال الامام الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل الي الكوفة

ارسال الامام الحسين مسلم الي الكوفة

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: لما بلغت رسل أهل الغدر الي الغاية، و تجاوزت صحف ذوي المكر النهاية، دعا الحسين عليه السلام ابن عمه مسلم بن عقيل عليه السلام، و كان مبرزا من بين أقرانه بالشجاعة و السخاوة، و مميزا بمزيد العلم و وفور العقل و حسن التدبير، و أرسله الي الكوفة ليأخذ له البيعة عليهم [59] .قال المفيد رحمه الله: فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبدالله السلولي، و عبدالرحمان بن عبدالله الأزدي [60] ، و أمره بالتقوي [61] و كتمان أمره و اللطف فان رأي الناس مجتمعين مستوسقين عجل اليه بذلك.فأقبل مسلم عليه السلام حتي أتي المدينة، فصلي في مسجد رسول الله صلي

الله عليه و آله و سلم و ودع من أحب من أهله، و استأجر دليلين من قيس، فأقبلا به يتنكبان الطريق، فضلا عن الطريق، و أصابهما عطش شديد، فعجزا عن السير، فأومئا له علي سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك، فسلك مسلم عليه السلام ذلك السنن، و مات الدليلان عطشا.فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر: [ صفحه 48] أما بعد؛ فاني أقبلت من المدينة مع دليلين [لي] فحاذا عن الطريق فضلا، و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا، و أقبلنا حتي انتهينا الي الماء، فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا، و ذلك الماء بمكان يدعي: «المضيق» من بطن الخبت، و قد تطيرت من توجهي هذا، فان رأيت أعفيتني منه [62] و بعث غيري، و السلام.فكتب اليه الحسين عليه السلام:أما بعد؛ فقد خشيت [63] أن لا يكون حملك علي الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له الا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه، و السلام.فلما قرأ مسلم الكتاب قال: أما هذا فلست أتخوفه علي نفسي.فأقبل حتي مر بماء لطي، فنزل به، ثم ارتحل عنه، فاذا رجل يرمي الصيد، فنظر اليه قد رمي ظبيا حين أشرفت له فصرعه، فقال مسلم بن عقيل: نقتل عدونا، ان شاء الله تعالي. [ صفحه 49]

دخول مسلم الكوفة

ثم أقبل حتي دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة، و هي التي [تدعي] اليوم دار مسلم [64] بن المسيب، و أقبلت الشيعة تختلف اليه، فكلما اجتمع اليه منهم جماعة، قرء عليهم كتاب الحسين عليه السلام و هو يبكون، و بايعه الناس حتي بايعه منهم ثمانية عشر ألفا.فكتب مسلم رحمته الله الي الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية

عشر ألفا و يأمره بالقدوم، و جعلت الشيعة تختلف الي مسلم بن عقيل عليه السلام حتي علم بمكانه.فبلغ النعمان بن بشير ذلك - و كان واليا علي أهل الكوفة من قبل معاوية، فأقره يزيد عليها - فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم قال:أما بعد؛ فاتقوا الله - عباد الله - و لا تسارعوا الي الفتنة و الفرقة، فان فيها تهلك الرجال، و تسفك الدماء، و تغصب الأموال، اني لا اقاتل من لا يقاتلني، و لا آتي علي من لم يأت علي، و لا انبه نائمكم، و لا أتحرش بكم، و لا آخذ بالقرف، و لا الظنة، و لا التهمة، و لكنكم ان أبديتم صفحتكم لي، و نكثتم بيعتكم، و خالفتم امامكم، فوالله الذي لا اله الا هو، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، و لم يكن لي [منكم] ناصر، أما اني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.فقام اليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني امية، فقال له: انه [ صفحه 50] لت يصلح ما تري الا الغشم، و هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعف [65] .فقال له النعمان: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب الي من أن أكون من الأعزين في معصية الله، ثم نزل.و خرج عبدالله بن مسلم فكتب الي يزيد لعنه الله بن معاوية لعنهما الله كتابا: أما بعد؛ فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة و بايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فان يكن لك في الكوفة حاجة فأبعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك، و يعمل مثل عملك في عدوك، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف

أو [هو] يتضعف.ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه، ثم كتب اليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك.

ولاية يزيد لعبيدالله علي الكوفة

فلما وصلت الكتب اليه، دعا سرجون مولي معاوية فقال: ما رأيك؟ ان الحسين قد نفذ الي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له، و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيي، فمن تري أن أستعمل علي الكوفة؟ و كان يزيد عاتبا علي عبيدالله بن زياد.فقال له سرجون: أريت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت أخذا برأيه؟قال: بلي.قال: فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد لعنه الله علي الكوفة، و قال: هذا [ صفحه 51] رأي معاوية، مات و قد أمر بهذا الكتاب، فضم المصرين الي عبيدالله [بن زياد] فقال له يزيد لعنه الله: أفعل، ابعث بعهد عبيدالله بن زياد اليه.ثم دعا بمسلم بن عمرو الباهلي و كتب الي عبيدالله بن زياد لعنه الله [معه] :أما بعد؛ فانه كتب الي شيعتي من أهل الكوفة، يخبروني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرء كتبي هذا حتي تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتي تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه، و السلام.و سلم اليه عهده علي الكوفة، فخرج مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيدالله بالبصرة، فأوصل اليه العهد و الكتاب، فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ الي الكوفة من الغد.ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان، و أقبل ابن زياد لعنه الله الي الكوفة، و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك ابن الأعور الحارثي، و حشمه و أهل بيته، حتي دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم، و الناس قد بلغهم اقبال الحسين عليه السلام اليهم، فهم ينتظرون

قدومه، فظنوا حين رأوا عبيدالله لعنه الله أنه الحسين عليه السلام؛ فأخذ لا يمر علي جماعة من الناس الا سلموا عليه، و قالوا: مرحبا بك يابن رسول الله! قدمت خير مقدم، فرأي من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما سائه لعنه الله.فقال مسلم بن عمرو لما اكثروا: تأخروا، هذه الأمير عبيدالله بن زياد.و سار حتي وافي القصر في الليل، و معه جماعة قد التفوا به، لا يشكون أنه الحسين عليه السلام، فأغلق النعمان بن بشير عليه و علي خاصته، فناداه بعض من كان [ صفحه 52] معه ليفتح لهم الباب،فأطلع عليه النعمان و هو يظن أنه الحسين عليه السلام فقال: أنشدك الله الا تنحيت، و اله؛ ما أنا بمسلم اليك أمانتي، و مالي في قتالك من أرب، فجعل له يكلمه.ثم انه دني و تدلي النعمان من شرف القصر، فجعل يكلمه، فقال: افتح لا فتحت، فقد طال ليلك.و سمعها انسان خلفه، فنكص الي القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة علي أنه الحسين عليه السلام، فقال: يا قوم! ابن مرجانة، و الذي لا اله غيره.ففتح له النعمان، و دخل و ضربوا الباب في وجوه الناس و انفضوا.

خطبة ابن زياد لعنه الله و توبيخ أهل الكوفة

و أصبح و نادي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج اليهم، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال:أما بعد؛ فان اميرالمؤمنين!!! يزيد و لاني مصركم و ثغركم و فيئكم، و أمرني بانصاف مظلومكم، و اعطاء محرومكم، و الاحسان الي سامعكم و مطيعكم كالوالد البر، و سوطي و سيفي علي من ترك أمري و خالف عهدي، فليتق امرء علي نفسه؛ الصدق ينبي [66] عنك لا الوعيد. [ صفحه 53] ثم نزل و أخذ العرفاء [67] و الناس آخذا شديدا، فقال: اكتبوا الي العرفاء، و من فيكم من

طلبة أميرالمؤمنين!! و من فيكم من أهل الحرورية [68] و أهل الريب الذين شأنهم الخلاف و النفاق و الشقاق، فمن يجي ء لنا بهم فبري ء، و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف، و لا يبغي علينا منهم باغ، فمن لا يفعل برئت منه الذمة و حلال [لنا] دمه و ماله و أيما عريف وجد في عرافته من بغيه اميرالمؤمنين!! أحد لم يرفعه الينا، صلب علي باب داره، و ألغيت تلك العرافة من العطاء.

خروج مسلم من دار المختار و ذهابه الي دار هاني

و لما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله بمجي ء عبيدالله لعنه الله الي الكوفة، و مقالته التي قالها، و ما أخذ به العرفاء و الناس، خرج من دار المختار حتي انتهي الي دار هاني ء بن عروة فدخلها، و أخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني ء علي تستر و استخفاء من عبيدالله لعنه الله، و تواصوا بالكتمان.فدعا ابن زياد لعنه الله مولي له يقال له: معقل، فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم، و اطلب مسلم بن عقيل، و التمس أصحابه، فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، و قل [لهم]: استعينوا بها علي حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم، فانك لو قد أعطيتها اياهم لقد اطمأنوا اليك، و وثقوا بك، و لم يكتموك شيئا من امورهم و أخبارهم، ثم أغد عليهم ورح حتي تعرف مستقر [ صفحه 54] مسلم بن عقيل، و تدخل عليه.ففعل ذلك، و جاء حتي جلس الي جنب مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم، و هو يصلي فسمع قوما يقولون: هذا يبايع للحسين عليه السلام، فجاء و جلس الي جنبه حتي فرغ من صلاته.ثم قال: يا عبدالله! اني امرء من أهل

الشام، أنعم الله تعالي علي بحب أهل البيت و حب من أحبهم، و تباكي له، و قال: معي ثلاثة آلاف درهم، أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله، فكنت اريد لقاءه فلم أجدا أحدا يدلني عليه، و لا أعرف مكانه، فاني لجالس في المسجد الان، اذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، و اني أتيتك لتقبض مني المال، و تدخلني علي صاحبك، فاني أخ من اخوانك، و ثقة عليك، و ان شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.فقال له ابن عوسجة: أحمد الله علي لقائك [اياي] فقد سرني ذلك، لتنال الذي يحب، و لينصرن الله بك أهل بيته - عليه و عليهم السلام - و لقد ساءني معرفة الناس اياي بهذا الأمر قبل أن يتم، مخافة هذه الطاغية و سطوته.فقال له معقل: لا يكون الا خيرا، خذ البيعة علي.فأخذ بيعته و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به.ثم قال له: اختلف الي أياما في منزلي، فاني طالب لك الاذن علي صاحبك.فأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الاذن، فأذن له، فأخذ مسلم بن [ صفحه 55] عقيل رحمه الله بيعته، و أمر أباثمامة الصيداوي [69] بقبض المال منه، و هو الذي كان يقبض أموالهم، و ما يعين به بعضهم بعضا، و يشتري لهم به السلاح، و كان بصيرا و فارسا من فرسان العرب، و وجوه الشيعة.و أقبل ذلك الرجل يختلف اليهم، فهو أول داخل و آخر خارج، حتي فهم ما احتاج اليه ابن زياد لعنه الله من أمرهم، فكان يخبره به وقتا فوقتا [70] .

مسلم و شريك بن الأعور و قتل ابن زياد

و في «البحار» قال: قال ابن شهر

آشوب: لما دخل مسلم عليه السلام الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب، فبايعه اثني عشر ألف رجل، فلما دخل ابن زياد لعنه الله انتقل من دار سالم الي دار هاني ء في جوف الليل و دخل في أمانه، و كان يبايعه الناس حتي بايعه خمسة و عشرون ألف.رجل فعزم علي الخروج، فقال هاني ء: لا تعجل.و كان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيدالله بن زياد لعنه الله فمرض، فنزل دار هاني ء [أياما].[أياما] قال لمسلم: ان عبيدالله يعودني و اني مطاوله الحديث، فاخرج اليه بسفيك فاقتله، و علامتك أن أقول: اسقوني ماء، و نهاه هاني ء عن ذلك.فلما دخل عبيدالله علي شريك و سأله عن وجعه، و طال سؤاله و رأي أن أحدا لا يخرج، فخشي أن يفوته فأخذ يقول شعرا. [ صفحه 56] ما الانتظار بسلمي أن تجي ء بها [71] كأس المنية بالتعجيل اسقوهافتوهم ابن زياد لعنه الله و خرج، فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبدالله بن يقطر، فاذا فيه:للحسين بن علي عليهماالسلام، أما بعد؛ فاني اخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا، فاذا أتاك كتابي هذا فالعجل، العجل فان الناس كلهم معك، و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوي. فأمر ابن زياد لعنه الله بقتله [72] .و قال ابن نما: فلما خرج ابن زياد لعنه الله دخل مسلم، و السيف في كفه، فقال له شريك: ما منعك من الأمر؟قال سملم: هممت بالخروج فتعلقت بي أمرأته و قالت: نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا، و بكت في وجهي، فرميت السيف و جلست.قال هاني ء: يا ويلها! قتلتني و قتلت نفسها، و الذي فررت [منه] وقعت فيه [73] .و في

«البحار» قال: قال أبوالفرج: فلما خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله؟قال: خصلتان: أما احداهما؛ فكراهية هاني ء أن يقتل في داره، و أما الاخري؛ فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم:«ان الايمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن» [74] . [ صفحه 57] فقال له هاني ء: أما و الله؛ لو قتلت لقتلت فاسقا فاجرا كافرا [75] .

الجدال بين هاني و ابن زياد

و في «اللهوف» قال السيد رحمه الله: فلما علم ابن زياد لعنه الله أن مسلم بن عقيل رحمه الله في دار هاني ء دعا محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة و عمرو بن الحجاج و قال: ما يمنع هاني ء بن عروة من اتياننا؟فقالوا: ما ندري، و قد قيل: انه يشتكي.فقال: بلغني أنه قد برء و أنه يجلس كل عشية علي باب داره، و لو أعلم أنه شاك لعدته، فالقوه و مروه أن لا يدع ما يجب عليه من حقنا، فاني لا احب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.فأتوه حتي وقفوا عليه عشية علي بابه، فقالوا له: ما يمنعك من لقاء الأمير؟ فانه قد ذكرك، و قال: و لو أعلم أنه شاك لعدته.فقال لهم: الشكوي تمنعني.فقالوا له: قد بلغه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك، و قد استبطاك و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك، لأنك سيد في قومك و نحن نقسم عليك الا ركبت معنا [اليه] .فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلته فركبها، حتي اذا دني من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يابن أخي! اني و الله؛ لهذا الرجل لخائف، فما تري؟ [ صفحه 58] قال: و الله؛ يا عم! ما

أتخوف عليك شيئا، و لم تجعل علي نفسك سبيلا؟ و لم يك حسان يعلم في أي شي ء بعث اليه عبيدالله.فجاء هاني ء و القوم معه حتي دخلوا جميعا علي عبيدالله لعنه الله فلما رأي هانئا قال: أتتك بخائن [76] رجلاه تسعي.ثم التفت الي شريح القاضي، و كان جالسا عنده، و أشار الي هاني ء، و أنشد بيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي:اريد حياته و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مرادفقال له هاني ء: و ما ذاك أيها الأمير؟فقال: ايه [77] يا هاني! ما هذه الامور التي تتربص في دارك لأمير المؤمنين!! و عامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك، و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك، و ظننت أن ذلك يخفي علي؟فقال: ما فعلت.فقال ابن زياد لعنه الله: بلي قد فعلت.فقال: ما فعلت، أصلح الله الأمير.فقال ابن زياد لعنه الله: علي بمعقل مولاي - و كان معقل عينه علي أخبارهم، و قد عرف كثيرا من أسرارهم - فجاء معقل حتي وقف بين يديه.فلما رآه هاني ء عرف أنه كان عينا عليه. فقال: أصلح الله الأمير! و الله؛ ما [ صفحه 59] بعثت الي مسلم بن عقيل و لا دعوته، و لكن جائني مستجيرا فاستحييت من رده، و دخلني من ذلك ذمام فضيفته [78] ، فأما اذ قد علمت فخل سبيلي حتي أرجع اليه و آمره بالخروج من داري الي حيث شاء من الأرض لأخرج بذلك من ذمامه و جواره [79] .فقال له ابن زياد: و الله؛ لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به.فقال: و الله؛ لا أجيئك به أبدا، أجيئك بضيفي تقتله؟قال: و الله؛ لتأتيني به.قال: و الله؛ لا آتيك به.فلا كثر الكلام بينهما، قام مسلم بن عمر الباهلي،

فقال: أصلح الله الأمير، خلني و اياه حتي اكلمه، فاقم فخلا به ناحية، و هما بحيث يراهما ابن زياد لعنه الله و يستمع كلامهما اذا رفعا أصواتهما.فقال له مسلم: يا هاني ء انشدك الله أن لا تقتل نفسك، و أن لا تدخل البلاء علي عشيرتك، فوالله؛ اني لانفس [80] بك عن القتل، ان هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه اليه، فانه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة، و انما تدفعه الي السلطان.فقال هاني ء: و الله؛ ان علي بذلك الخزي و العار، أنا أدفع جاري وضيفي و رسول ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي عدوه، و أنا صحيح الساعدين [و] كثير الأعوان، والله؛ لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لا أدفعه حتي أموت دونه. [ صفحه 60] فأخذ يناشده، و هو يقول: و الله؛ لا أدفعه أبدا اليه.فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك، فقال: ادنوه مني، فأدني منه. فقال: و الله؛ لتأتيني به أو لأضربن عنقك.فقال هاني ء رحمه الله: اذا والله؛ تكثر البارقة [81] حول دارك.فقال ابن زياد: [و الهفاه عليك، أ] [82] بالبارقة تخوفني؟ و هاني ء يظن أن عشيرته يسمعونه.ثم قال: أدنوه مني.فأدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب [83] فلم يزل يضرب أنفه و جبينه و خذه حتي كسر أنفه، و سيل الدماء علي ثيابه، و نثر لحم خديه و جبينه علي لحيته، فانكسر القضيب.فضرب هاني ء يده الي قائم سيف شرطي، فجاذبه ذلك الرجل، فصاح ابن زياد لعنه الله: خذوه، فجروه حتي ألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه.فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به [84] .و في «المنتخب»: غضب ابن زياد لعنه الله فضربه هاني ء

بسيف كان عنده فقطع أطماره [85] و خرجه جرحا منكرا، فاعترضه معقل بالسيف، فجعل هاني ء [ صفحه 61] يضرب بهم يمينا و شمالا حتي قتل من القوم رجالا و هو يقول والله؛ لو كانت رجلي علي طفل من أطفال أهل البيت ما رفعتها حتي تقطع، فتكاثروا عليه الرجال، فأخذوه و واثقوه [86] .ثم قال السيد رحمه الله: فقام أسماء بن خارجة الي عبيدالله بن زياد لعنه الله - و قيل: ان القائم حسان بن أسماء [87] - فقال: أرسل غدر سائر اليوم [88] ، أيها الأمير! أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتي اذا جئناك به هشمت وجهه، و سيلت دمائه علي لحيته، و زعمت أنك تقتله؟فغضب ابن زياد من كلامه، و قال: [و] أنت هاهنا؟ ثم أمر به فضرب حتي ترك و قيد [و حبس]، و أجلس في ناحية من القصر، فقال: انا لله و انا اليه راجعون، الي نفسي أنعاك يا هاني ء.قال: و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل - و كانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني ء بن عروة - فأقبل عمرو في مذحج كافة حتي أحاط بالقصر، و نادي: أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة، و لم نفارق [89] جماعة، و قد بلغنا أن صاحبنا هانئا قد قتل.فعلم عبيدالله باجتماعهم و كلامهم، فأمر شريحا القاضي أن يدخل علي [ صفحه 62] هاني ء فيشاهده و يخبر قومه بسلامته من القتل، ففعل ذلك و أخبرهم فرضوا بقوله و انصرفوا [90] .

خروج مسلم لحرب عبيدالله بن زياد

وفي «اللهوف»: قال السيد قدس سره: لما بلغ مسلما خبر هاني ء و ما جري عليه خرج بمن بايعه الي عبيدالله بن زياد لعنه الله فتحصن منه

بقصر دار الامارة، و اقتتل أصحابه و أصحاب مسلم رضي الله عنه [91] .و في رواية المفيد رحمه الله: ليس مع ابن زياد في القصر الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته [... و تكلم كثير] حتي كادت المشس أن تجب [92] .ثم قال السيد رحمه الله: و جعل أصحاب عبيدالله بن زياد لعنه الله الذين معه في القصر يتشرفون منه و يحذرون أصحاب مسلم عليه السلام و يتوعدونهم بأخبار [93] الشام، فلم يزالوا كذلك حتي جاء الليل.فجعل أصحاب مسلم عليه السلام يتفرقون عنه، و يقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنة، و ينبغي أن نقعد في منازلنا و ندع هؤلاء القوم حتي يصلح الله ذات بينهم [94] . [ صفحه 63] و في رواية المفيد: كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف؛ الناس يكفونك، و يجي ء الرجل الي ابنه و أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف، فيذهب به فينصرف [95] .ثم قال السيد رحمه الله: فلم يبق معه سوي عشرة أنفس، فدخل مسلم عليه السلام المسلم ليصلي المغرب، فتفرق العشرة عنه، فلما رأي ذلك خرج وحيدا في دروب [96] الكوفة حتي وقف علي باب امرأة يقال لها: طوعة، فطلب منها ماءا، فسقته [97] .و في رواية المفيد: و أدخلت الاناء، ثم خرجت فقالت: يا عبدالله! ألم تشرب؟قال: بلي.قالت: فاذهب الي أهلك.فسكت، ثم أعادت مثل ذلك، فسكت، ثم قالت في الثالثة: سبحان الله! يا عبدالله! قم عافاك الله الي أهلك، فانه لا يصلح لك الوقوف علي بابي، و لا احله لك.فقام و قال: يا أمة الله! مالي في هذا المصر أهل و لا عشيرة،

فهل لك في أجر و معروف [98] ، و لعلي مكافئك بعد هذا اليوم؟قالت: يا عبدالله! و ما ذاك؟ [ صفحه 64] قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم، و غروني و أخرجوني.قالت: أنت مسلم؟!قال: نعم.قالت: ادخل.فدخل الي بيت دارها غير البيت التي تكون فيه، و فرشت له و عرضت عليه العشاء، و لم يتعش، و لم يكن بأسرع من أن جاءها ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه [99] .و في «المنتخب»: أنكر الولد شأن امه، و سألها عن ذلك، [فنهرته] فألح عليها في المسألة، فأخذت عليه العهد، فأخبرته فأمسك عنها و أسر ذلك في نفسه الي أن طلع الفجر، و اذا بالمرأة جائت الي مسلم عليه السلام بماء ليتوضأ، و قالت له: يا مولاي! ما رأيتك رقدت في هذه الليلة؟فقال لها: اعلمي أني رقدت رقدة، فرأيت في منامي عمي اميرالمؤمنين عليه السلام و هو يقول: ألوحا ألوحا، العجل العجل، و ما أظن الا أنه آخر أيامي من الدنيا [100] .ثم قال المفيد رحمه الله: و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل عليه السلام طال علي ابن زياد لعنه الله و جعل لا يسمع لاصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك، فقال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟فأشرفوا فلم يروا أحدا. [ صفحه 65] قال: فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم، فنزعوا تخاتج المسجد، و جعلوا يخفضون بشعل النيران في أيديهم و ينظرون، فكانت أحيانا تضي ء لهم و أحيانا لا تضي ء كما يردون، فدخلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال، ثم تجعل فيها النيران، ثم تدلي حتي تنتهي الي الأرض.ففعلوا ذلك في أقضي الظلال و أدناها و أوسطها حتي فعل ذلك

بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد لعنه الله بتفرق القوم.ففتح باب السدة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر، و خرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع، فنادي: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد.فلم يكن الا ساعة حتي أمتلأ المسجد من الناس.ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه، و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله، و صلي بالناس.ثم صعد المنبر فحمدالله و أثني عليه، ثم قال:أما بعد؛ فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتي ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، و من جاء به فله دينه، اتقوا الله عباد الله و ألزموا طاعتكم و بيعتكم، و لا تجعلوا علي أنفسكم سبيلا.يا حصين بن نمير! ثكلتك امك؛ ان ضاع باب سكة من سكك الكوفة، و خرج هذا الرجل و لم تأتني به، و قد سلطتك علي دور أهل الكوفة، فأبعث مراصد علي أهل السكك [101] و دورهم، و أصبح غدا فاستبرء الدور و جس خلالها [ صفحه 66] تأتيني بهذا الرجل.و كان الحصين بن نمير علي شرطه، و هو من بني تميم. ثم دخل ابن زياد القصر و قد عقد لعمرو بن حريث رأية، و أمره علي الناس.فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه، و أقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحبا بمن لا يستغش و لا يتهم، ثم أقعده الي جنبه.و أصبح ابن تلك العجوز فغدا الي عبدالرحمان بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عليه السلام عند امه، فأقبل عبدالرحمان حتي

أتي أباه و هو عند ابن زياد لعنه الله فساره، فعرف ابن زياد سراره، فقال له ابن زياد لعنه الله بالقضيب في جنبه: قم فأتني به الساعة.فقام و بعث معه قومه، لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل عليه السلام.

شجاعة مسلم

فبعث معه عبيدالله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس، حتي أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله، فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد اتي، فخرج اليهم بسيفه، و اقتحموا عليه الدار، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار.ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري بضربتين، فضرب بكر فم مسلم عليه السلام فقطع شفته العليا، و أسرع السيف في السفلي، و فصلت له ثنيتاه، و ضرب مسلم عليه السلام رأسه ضربة منكرة و ثناه بأخري [ صفحه 67] علي حبل العاتق، و كادت تطلع الي جوفه.فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت، و أخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أظنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت، فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه بالسكة [102] .في «البحار» قال الملجسي رحمه الله: روي في بعض كتب المناقب، عن علي بن أحمد [العاصمي، عن اسماعيل بن أحمد البيهقي، عن والده، عن أبي الحسين بن بشران، عن أبي عمرو بن السماك، عن حنبل] بن اسحاق، عن الحميدي، عن سفيان بن عينية، عن عمرو بن دينار قال:أرسل الحسين عليه السلام لمسلم بن عقيل عليه السلام الي الكوفة، و كان مثل الأسد.قال عمرو و غيره: لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده، فيرمي به فوق البيت [103] .و في «البحار» عن ابن شهر آشوب:

فحمل مسلم عليه السلام عليهم و هو يقول:هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع فأنت بكأس الموت لا شك جارع فصبر الأمر الله جل جلاله فحكم قضاء الله في الخلق ذائع فقتل منهم أحدا و أربعين رجلا [104] .و في «المنتخب»: فقتل منهم خلقا كثيرا: فلما نظر ابن الأشعث الي ذلك أنفذ الي ابن زياد لعنه الله يستمده بالخيل و الرجال.فأنفذ اليه ابن زياد لعنه الله يقول: ثكلتك امك! رجل واحد يقتل منكم هذه [ صفحه 68] المقتلة العظيمة؟ فيكف لو أرسلتك الي من هو أشد منه قوة و بأسا؟ يعني الحسين عليه السلام.فبعث بالجواب: عساك أرسلتني الي بقال من بقا قيل الكوفة؟ أو الي جرمقاني من جرامقة الحيرة؟ و انما أرسلتني الي سيف من أسياف محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم [105] .و في «البحار»: عن ابن شهر آشوب: أو لم تعلم أيها الأمير! أنك بعثتني الي أسد ضرغام، و سيف حسام [106] في كف بطل همام [107] ، من آل خير الأنام [108] .رجعنا الي رواية «المنتخب»: فلما بلغ ذلك ابن زياد لعنه الله امده بالعسكر الكثير، فلما رآي مسلم عليه السلام ذلك رجع الي الدار، و تهيأ و حمل عليهم حتي قتل كثيرا منهم، و صار جلده كالقنفذ من كثرة النبل.فبعث ابن الأشعث الي ابن زياد يستمده بالخيل و الرجال، فأرسل اليه بذلك، و قال لهم: ويلكم؟ أعطوه الأمان، و الا أفناكم عن آخركم [109] .قال المفيد رحمه الله: فقال محمد بن الأشعث: لك الأمان، لا تقتل نفسك، و هو يقاتلهم و يقول:أقسمت لا اقتل الا حرا و ان رأيت الموت شيئا نكراو يخلط البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقرا [ صفحه 69] كل امري يوما

ملاق شرا أخاف أن اكذب أو اغرافقال محمد بن الأشعث: انك لا تكذب و لا تغر، و لا تخدع، ان القوم بنو عمك، ليسوا بقاتليك، و لا ضائريك، و كان قد اثخن بالجراحة [110] و عجز عن القتال فانبهر [111] و أسند ظهره الي جنب تلك الدار.فأعاد ابن الأشعث عليه القول: لك الأمان.فقال: آمن أنا؟قال: نعم.فقال للقوم الذي معه: ألي الأمان؟قال القوم له: نعم، الا عبيدالله بن عباس السلمي، فانه قال: لا ناقة لي في هذا و لا جمل، ثم تنحي.فقال مسلم عليه السلام: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم [112] .و في «المنتخب» قال لهم: لا أمان لكم يا أعداء الله و أعداء رسوله!ثم انهم احتالوا عليه و حفروا له حفيرة عميقة و أخفوا رأسها بالدخل و التراب، ثم انطردوا بين يديه، فوقع فيها، و أحاطوا به، فضربه ابن الأشعث علي محاسن وجهه، فأوثقوه أسيرا [113] . [ صفحه 70]

محاورة مسلم مع ابن زياد بعد أن أخذ أسيرا

قال المفيد رحمه الله: فاتي ببلغة، فحمل عليها، و اجتمعوا حوله و نزعوا سيفه، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه، ثم قال: هذا أول الغدر.فقال محمد بن الأشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس.فقال: و ما هو الا الرجاء، فأين أمانكم؟ انا لله و انا اليه راجعون. و بكي.فقال له عبيدالله بن العباس [السلمي]: ان من يطلب مثل الذي طلبت اذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك.قال: والله؛ ما لنفسي بكيت، و لا لها من القتل أرثي، و ان كنت لا احب لها طرفة عين تلفا، و لكن أبكي لأهلي المقبلين الي، [اني] [114] أبكي للحسين عليه السلام و آل الحسين.ثم أقبل علي محمد بن الأشعث فقال: يا

عبدالله! اني أراك والله؛ ستعجز عن أماني، فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث رجلا من عندك علي لساني أن يبلغ حسينا عليه السلام؟ فاني لا أراه الا و قد خرج اليكم اليوم أو خارج غدا هو و أهل بيته، و يقول له:ان ابن عقيل بعثني اليك، و هو أسير في أيدي القوم، لا يري أنه يمسي حتي يقتل، و هو يقول لك: ارجع فداك أبي و امي بأهل بيتك، و لا يغررك أهل الكوفة، فانهم أصحاب أبيك الذين [كان] يتمني فراقهم بالموت أو القتل، ان أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي.فقال ابن الأشعث: والله؛ لأفعلن و لأعلمن ابن زياد اني قد آمنتك. [ صفحه 71] فأقبل ابن الأشعث بابن عقيل الي باب القصر، و استأذن [فأذن] له، فدخل علي عبيدالله بن زياد لعنه الله، فأخبره خبر ابن عقيل، و ضرب بكر اياه، و ما كان من أمانه له، فقال له عبيدالله: و ما أنت و الأمان؟! كأنا أرسلناك لتؤمنه، انا أرسلناك لتأتينا به.فسكت ابن الأشعث، و انتهي بابن عقيل الي باب القصر، و قد اشتد به العطش، و علي باب القصر ناس جلوس، ينتظرون الاذن، [فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، و عمرو بن حريث، و مسلم بن عمرو، و كثير بن شهاب] و اذا فلة باردة موضوعة علي الباب [فقال مسلم: اسقوفي من هذا الماء؟!] [115] .فقال له مسلم بن عمرو: أتراها؟ ما أبردها! لا والله؛ لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم في نار جهنم.فقال له ابن عقيل عليه السلام: ويلك من أنت؟فقال: أنا الذي عرف الحق اذ أنكرته، و نصح لامامه اذ عششته، و أطاعه اذ [عصبته] [116] و خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.فقال

ابن عقيل عليه السلام: لامك الثكل! ما أجفاك و أقطعك [117] و أقسي قلبك، أنت يابن باهلة! أولي بالحميم و الخلود في نار جهنم مني.ثم جلس فتساند الي حائط، و بعث عمرو غلاما له، فأتاه بقلة عليها منديل و قدح، فصب فيه ماء، فقال له: اشرب.فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه، فلا يقدر أن يشرب، ففعل ذلك [ صفحه 72] مرتين، فلما ذهب [في] الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح، فقال: الحمدلله، لو كان [لي] من الرزق المقسوم لشربته.فخرج رسول ابن زياد لعنه الله فأمر بادخاله [اليه] ، فلما دخل لم يسلم عليه بالأمرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم علي الأمير؟فقال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه.فقال له ابن زياد لعنه الله: لعمري لتقتلن.قال: كذلك.قال: نعم.

وصية مسلم

قال: فدعني اوصي الي بعض قومي.قال: أفعل، فنظر مسلم الي جلساء عبيدالله بن زياد، و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال: يا عمر! ان بيني و بينك قرابة، ولي اليك حاجة، و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر.فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيدالله بن زياد لعنه الله: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك.فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد لعنه الله فقال له - بعد الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الولاية لعلي عليه السلام، كما في «المنتخب» -:ان علي بالكوفة دينا استدنته منذ دخلت الكوفة سبعمائة درهم، فبع [ صفحه 73] سيفي و درعي فاقضها عني، و اذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، و أبعث الي الحسين عليه السلام من يرده، فاني قد كتبت اليه اعلمه أن الناس معه، و لا أراه الا مقبلا.فقال عمر لابن

زياد: أتدري أيها الأمير ما قال لي؟ انه ذكر كذا و كذا.فقال ابن زياد لعنه الله انه لا يخونك الأمين، و لكن قد يؤتمن الخائن! أما مالك؛ فهو لك، و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، و أما جثته؛ فاني لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها، و أما حسين؛ فان هو لم يردنا لم نرده.ثم قال ابن زياد: ايه يابن عقيل! أتيت الناس و هم جمع، فشتت بينهم، و فرقت كلمتهم، و حملت بعضهم علي بعض.قال: كلا؛ لست لذلك أتيت، و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، وسفك دمائهم، و عمل فيها أعمال كسري و قيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل، و ندعوا الي حكم الكتاب.فقال له ابن زياد لعنه الله: و ما أنت ذاك يا فاسق؟ لم لم تعمل فيهم بذلك اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟فقال مسلم عليه السلام: أنا أشرب الخمر!! أما و الله؛ ان الله ليعلم أنك غير صادق، و أنك قد قلت بغير علم، و اني لست كما ذكرت، و أنك أحق بشرب الخمر مني، و أولي بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، و يسفك الدم الذي حرم الله علي الغصب و العداوة، و سوء الظن، و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.فقال له ابن زياد لعنه الله: يا فاسق! ان نفسك منتك ما حال الله دونه، و لم [ صفحه 74] يرك الله له أهلا.فقال له مسلم عليه السلام: فمن أهله اذا لم نكن نحن أهله.فقال ابن زياد: أميرالمؤمنين!! يزيد.فقال له مسلم عليه السلام: ألحمد لله علي كل حال، رضينا بالله حكما بيننا و بينكم. فقال له ابن زياد: قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد

في الاسلام من الناس.فقال له مسلم: أما انك أحق أن تحدث في الاسلام ما لم يكن، و انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة [118] و خبث السيرة، و لؤم الغلبة، لا أحد من الناس أولي بها منك.فأقبل ابن زياد لعنه الله يشتمه و يشتم الحسين عليه السلام، و عليا عليه السلام [و عقيلا]، و أخذ مسلم رحمه الله لا يكلمه.

شهادة مسلم

ثم قال ابن زياد لعنه الله: اصعدوا به فوق القصر، فاضربوا عنقه، ثم أتبعوه جسده.فقال مسلم عليه السلام: والله؛ لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني.فقال ابن زياد لعنه الله: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟فدعي بكر بن حمران الأحمري، فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه. [ صفحه 75] فصعد به، و هو يكبر الله و يستغفر الله و يصلي علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و يقول:اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا.و أشرفوا به علي موضع الحذائين اليوم، فضرب عنقه، و أتبع رأسه جسده [119] ، انتهي.قال السيد - بعد أن ذكر بعض ما مر -: فضرب عنقه و نزل مذعورا، فقال له ابن زياد لعنه الله: ما شأنك؟فقال: أيها الأمير! رأيت ساعة قتله رجلا أسودا شني ء الوجه [120] حذاي عاضا علي أصبعه - أو قال: شفتيه - ففزعت منه فزعا لم أفزعه قط.فقال ابن زياد: لعلك دهشت [121] ، انتهي.و في رواية اخري: أنه لما شاهد ذلك قبل أن يقتله يبست يده، فلما اخبر ابن زياد بذلك دعاه و استعلم منه ذلك، فتبسم، و قال لما أردت أن تفعل خلاف عادتك دهشت، و تخيل لك ذلك، فأرسل ابن زياد لعنه الله رجلا غيره الي أعلي القصر، فلما

أراد قتله رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم قد تصور [122] له، فدهش و مات من ساعته، فأرسل ابن زياد لعنه الله الشامي الملعون فقتله، رواه المجلسي رحمه الله في «الجلاء» [123] . [ صفحه 76] و روي في «البحار» عن المسعودي قال: دعي ابن زياد لعنه الله بكر بن حمران الذي قتل مسلما، [فقال:] أقتلته؟قال: نعم.قال: فما كان يقول و أنتم تصعدون به لتقتلوه؟قال: كان يكبر و يسبح و يهلل، فلما أدنيناه لنضرب عنقه، قال:اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا ثم خذلونا فقتلونا.فقلت له: ألحمد لله الذي أقادني منك و ضربت ضربة لم تعمل شيئا.فقال لي: أو ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد؟قال ابن زياد لعنه الله: و فخرا عند الموت؟قال: و ضربته الثانية فقتلته [124] .

شهادة هاني

قال المفيد رحمه الله: فقام محمد بن الأشعث الي عبيدالله بن زياد، فكلمه في هاني ء بن عروة، فقال: انك قد عرفت منزلة هاني ء في المصر، و بيته في العشيرة، و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه اليك، فأنشدك الله لما وهبته لي، فاني أكره عداوة المصر و أهله، فوعده أن يفعل.ثم بدا [له]، فأمر بهاني ء في الحال فقال: أخرجوه الي السوق فاضربوا عنقه، فأخرج هاني ء حتي انتهي به مكانا من السوق كان يباع فيه الغنم، و هو مكتوف فجعل يقول: و امذحجاه! و لا مذحج لي اليوم، يا مذحجاه! يا مذحجاه! [ صفحه 77] و أين مذحج؟فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف، ثم قال: أما من عصا؟ أو من سكين، أو حجارة، أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه؟ و وثبوا اليه فشدوه وثاقا، ثم

قيل له: امدد عنقك؟فقال: ما أنا بها سخي، و ما أنا بمعينكم علي نفسي،فضربه به مولي لعبيدالله بن زياد - تركي، يقال له: رشيد - بالسيف فلم يصنع شيئا،فقال له هاني ء: الي الله المعاد، اللهم الي رحمتك و رضوانك، ثم ضربه أخري فقتله [125] .و في «تظلم الزهراء عليهاالسلام» عن «المناقب»: أمر ابن زياد لعنه الله بقتل هاني ء في محلة يباع فيها الغنم، ثم أمر بصلبه منكوسا [126] .و في «المنتخب»: ثم انهم أخذوا مسلما و هانئا يسحبونهما في الأسواق، فبلغ خبرهما الي مذحج، فركبوا خيولهم و قاتلوا القوم، و أخذوهما [فغسلوهما] [127] و دفنوهما، رحمة الله عليهما. [128] . [ صفحه 78]

ارسال رأسي مسلم و هاني الي يزيد

[و لما قتل مسلم بن عقيل عليه السلام و هاني ء بن عروة رحمه الله] بعث ابن زياد برأسيهما مع هاني ء بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الأروح التميمي الي يزيد بن معاوية لعنه الله و كتب اليه بخبرهما و بيان أحوالهما.ثم قال: قال المجلسي لعنه الله: فلما بلغه الكتاب مع الرأسين فرح فرحا شديدا، و أمر أن يصلبا علي باب دمشق، و أعاد الجواب يشكره علي فعاله و سطوته، و كتب اليه أيضا: أنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح [129] ، و احترس و احبس علي الظنة، و اقتل علي التهمة، و اكتب الي في كل يوم ما يحدث من خبر، ان شاء الله [130] .قال ابن نما رحمه الله: و كتب: قد بلغني أن حسينا قد سار الي الكوفة، و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، و بلدك من بين البلدان، و ابتليت به من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا، كما تعبد

العبيد [131] .قال المفيد رحمه الله: و كان خروج مسلم بن عقيل رحمه الله بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، و قتله رحمه الله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة. [132] . [ صفحه 81]

في خروج سيد الكونين أبي عبدالله الحسين من مكة الي نزوله بكربلاء

توجه الامام الحسين من مكة

روي الشيخ المفيد رحمه الله: و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة [133] - و هو يوم التروية - بعد مقامه بمكة بقية شعبان و [شهر] رمضان و شوالا و ذالقعدة و ثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين.و كان قد اجتمع الي الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، و نفر من أهل البصرة، انضافوا الي أهل بيته و مواليه.و لما أراد الحسين عليه السلام التوجه الي العراق، طاف بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة، و أحل من احرامه و جعلها عمرة، لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ الي يزيد بن معاوية، فخرج عليه السلام مبادرا بأهله و ولده و من انضم اليه من شيعته، و لم يكن خبر مسلم [قد] بلغه لخروجه يوم خروجه [134] .و في «المنتخب»: و ذلك لأن يزيد لعنه الله أنفذ عمر بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم و ولاه أمر الموسم، و أمره علي الحاج كله، و كان لعنه الله قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا، و ان لم يتمكن منه يقتله غيلة، ثم انه لعنه الله دس مع [ صفحه 82] الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية لعنهم الله و أمرهم بقتل الحسين عليه السلام علي كل حال [اتفق]، فلما علم بذلك حله من احرام الحج و جعلها

عمرة مفردة [135] .

خطبته أثناء توجهه الي العراق

قال السيد رحمه الله في «اللهوف»: روي أنه عليه السلام لما عزم علي الخروج الي العراق قام خطيبا فقال:الحمد لله، و ما شآء الله، و لا قوة الا بالله، و صلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة [136] علي جيد الفتاة، و ما أولهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه،كأني بأوصالي [137] تتقطعها عسلان الفلوات [138] ، بين النواويس و كربلا، فيملان مني أكراشا جوفا، و أجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم.رضي الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، و يوفينا أجر [139] الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس [140] يقربهم عينه، و ينجزبهم وعده. [ صفحه 83] من كان باذلا فينا مهجته [141] و موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فاني راحل مصبحا ان شاء الله. [142] .

معجزته قبل الخروج الي العراق

و فيه أيضا: روي أبوجعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب «دلائل الامامة» قال: حدثنا أبومحمد سفيان بن وكيع، عن الأعمش قال: قال أبومحمد الوافدي وزرارة بن صالح:لقين الحسين بن علي عليهماالسلام قبل أن يخرج الي العراق [بثلاثة] [143] ، فأخبرناه ضعف الناس [144] بالكوفة، و أن قلوبهم معه، و سيوفهم عليه.فأومأ بيده نحو السماء، ففتحت أبواب السماء، و نزلت الملائكة عددا لا يحصيهم الا الله عزوجل، فقال:لو لا تقارب الأشياء، و نزول الأجر [145] لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن أعلم علما يقينا [146] أن هناك مصرع أصحابي، و هناك مصارع اصحابي، لا ينجو فيهم [147] الا ولدي علي. [148] . [ صفحه 84]

معارضة محمد بن الحنفية خروج الامام الحسين الي العراق

قال: و رويت من كتاب أصل لأحمد بن داود القمي بالاسناد عن أبي عبدالله عليه السلام - و في «المنتخب» أيضا نظيرها، و الملخص أنه -:لما سمع محمد بن الحنفية أن الحسين عليه السلام أراد الخروج في صبيحة ليلته عن مكة، سار اليه و قد كان بين يديه طشت فيه ماء فجعل يتوضأ و هو يبكي بكاء شديدا حتي سمع و كف دموعه في الطشت مثل المطر.ثم انه صلي المغرب، ثم صار الي أخيه الحسين عليه السلام فقال له: يا أخي! ان أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فان رأيت أن تقيم فانك أعز من بالحرم و أمنعه.فقال: يا أخي! قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية لعنه الله في الحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت.فقال له ابن الحنفية: فان خفت ذلك فسر الي اليمن أو بعض نواحي البر، فانك أمنع الناس به، و لا يقدر عليك.فقال: أنظر فيما قلت.فلما كان السحر، ارتحل

الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه و أخذ بزمام ناقته التي ركبها، و قال: يا أخي! ألم تعدني النظر فيما سألتك؟قال: بلي.قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ [ صفحه 85] قال: أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد ما فارقتك، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: يا حسين! اخرج، فان الله شاء أن يراك قتيلا.فقال محمد بن الحنفية: انا لله و انا اليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك، و أنت تخرج علي مثل هذه الحال؟قال: فقال له: قد قال لي: ان الله قد شاء ان يراهن سبايا.و سلم عليه و مضي [149] .

كتابه الي بني هاشم

و فيه أيضا: باسناده عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله عليه السلام: قال ذكرنا خروج الحسين عليه السلام و تخلف ابن الحنفية عنه، فقال أبوعبدالله عليه السلام:يا حمزة! اني ساحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا: ان الحسين عليه السلام لما فصل [150] متوجها أمر بقرطاس و كتب:بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي عليه السلام الي بني هاشم أما بعد؛ فانه من تحول منكم استشهد [151] ، و من تخلف [عني] لم يبلغ الفتح، و السلام [152] . [ صفحه 86]

نصيحة ابن عباس و جوابه

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: و جاء عبدالله بن العباس، و عبدالله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك، فقال لهما:ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أمرني بأمر و أنا ماض فيه.قال: فخرج ابن العباس و هو يقول: و احسيناه!ثم جاء عبدالله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال، و حذره من القتل و القتال، فقال:يا أباعبدالرحمان! أما علمت أن من هوان الدنيا علي الله تعالي أن رأس يحيي بن زكريا اهدي الي بغي من بغايا [153] بني اسرائيل؟!أما تعلم أن بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا؟فلم يعجل الله عليهم، بل أخذهم أخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا أباعبدالرحمان! و لا تدع نصرتي [154] . [ صفحه 87]

لقاؤه مع الفرزدق

قال المفيد رحمه الله: و روي عن الفرزدق [الشاعر] أنه قال: حججت بامي سنة ستين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتي دخلت الحرم اذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة، معه أسيافه و تراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟فقيل: للحسين بن علي عليهماالسلام.فأتيته و سلمت عليه: و قلت له: أعطاك الله سؤلك و املك فيما تحب، بأبي أنت و امي يابن رسول الله! ما أعجلك عن الحج؟فقال: لو لم أعجل لاخذت.ثم قال لي: من أنت؟قلت: رجل من العرب، فلا و الله؛ ما فتشني عن أكثر من ذلك.ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟فقلت: الخبير سألت، قلوب الناس معك، و أسيافهم عليك، و القضاء ينزل من السماء، و الله يفعل ما يشاء.فقال: صدقت، لله الأمر من قبل [و من بعد]، و كل يوم [ربنا] هو في شأن، ان نزل القضاء

بما نحب؛ فنحمد الله علي نعمائه و هو المستعان علي أداء الشكر، و ان حال القضاء دون الرجاء؛ فلم يبعد من كان الحق نيته، و التقوي سيرته.فقلت له: أجل؛ بلغك الله تعالي ما تحب و كفاك ما تحذر، و سألته عن أشياء من نذور و مناسك، فأخبرني بها، و حرك راحلته و قال: السلام عليك، ثم افترقنا.و كان الحسين بن علي عليهماالسلام لما خرج من مكة اعترضه يحيي بن سعيد بن [ صفحه 88] العاص، و معه جماعة أرسلهم اليه عمرو بن سعيد [اليه]، فقالوا له: انصرف، الي أين تذهب؟فأبي عليهم و مضي، و تدافع الفريقان، و اضطربوا بالسياط، و امتنع الحسين عليه السلام و أصحابه منهم امتناعا قويا، و سار حتي أتي التنعيم [155] .و في رواية ابن نما رحمه الله هذه الزيادة أيضا: و مضي عليه السلام علي وجهه، فبادروه و قالوا: يا حسين! ألا تتقي الله!! تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الامة؟فقال عليه السلام: لي عملي، و لكم عملكم، أنتم بريئون مما اعمل، و أنا بري ء مما تعملون [156] ، انتهي.ثم قال المفيد رحمه الله: فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن، فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه، و قال لأصحابها:من أحب أن ينطلق معنا الي العراق و فيناه كراه و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه [157] علي قدر ما قطع من الطريق.

كتاب عبدالله بن جعفر مع ابنيه

فمضي معه قوم، و امتنع آخرون، و ألحقه [158] عبدالله بن جعفر رضي الله عنه بابنيه عون و محمد و كتب علي أيديهما كتابا يقول فيه: [ صفحه 89] أما بعد؛ فاني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا، فاني مشفق

علي من هذا الوجه الذي توجهت له، أن يكون فيه هلاكك و استيصال [159] أهل بيتك، و ان هلكت اليوم طفي نور الأرض، فانك علم المهتدين، و رجاء المؤمنين، و لا تعجل [160] بالسير، فاني في أثر كتابي، و السلام.و صار عبدالله بن جعفر الي عمرو بن سعيد و سأله أن يكتب الي الحسين عليه السلام أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه، فكتب اليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه [فيه] الصلة و يؤمنه علي نفسه، و أنفذه مع أخيه يحيي بن سعيد، فلحقه يحيي و عبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، و دفعا اليه الكتاب و جهدا به في الرجوع، فقال:اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، و أمرني بما أنا ماض له.فقالوا له: ما تلك الرؤيا؟فقال: ما حدثت أحدا بها، و لا أنا محدث بها أحدا حتي ألقي ربي عزوجل.فلما يئس منه عبدالله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه، و المسير معه، و الجهاد [161] دونه، و رجع مع يحيي بن سعيد الي مكة.و توجه الحسين عليه السلام الي العراق مغذا [162] لا يلوي علي شي ء حتي نزل ذات عرق [163] . [ صفحه 90]

لقاؤه مع بشر بن غالب

قال السيد رحمه الله: فلقي بشر بن غالب واردا من العراق، فسأله عن أهلها؟فقال: خلفت القلوب معك، و السيوف مع بني امية.فقال: صدق أخو بني أسد، ان الله يفعل ما يشاء، و يحكم ما يريد.

وصوله الي الثعلبية و ما شاهد في المنام

قال: ثم سار صلوات الله عليه [حتي أتي] الثعلبية وقت الظهيرة، فوضع رأسه، فرقد ثم استيقظ، فقال:قد رأيت هاتفا يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم الي الجنة.فقال له ابنه علي: يا أبه! أولسنا علي الحق.فقال: بلي يا بني، و الذي اليه مرجع العباد.فقال: يا أبه! اذا لا ابالي [164] بالموت.فقال [له] الحسين عليه السلام: جزاك الله يا بني! خير ما جزي ولدا عن والد.ثم بات عليه السلام في تلك الموضع، فلما أصبح، اذا [هو] برجل من الكوفة يكني أباهرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه، ثم قال: يابن رسول الله! ما الذي أخرجك عن حرم الله و حرم جدك محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟فقال الحسين عليه السلام: و يحك يا أباهرة! ان بني امية أخذوا مالي فصبرت، و شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، و أيم الله لتقتلني الفئة الباغية، [ صفحه 91] و ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و ليسلطن الله عليهم من يذلهم، حتي يكونوا أذل من قوم سبأ، اذ ملكتهم امرأة منهم، فحكمت في أموالهم و دمائهم [حتي أذلتهم] [165] .و في «امالي الصدوق»: روي باسناده عن علي بن الحسين عليهماالسلام انه قال: و سمع عبدالله بن عمر بخروجه فقدم راحلته و خدج خلفه مسرعا فادركه في بعض المنازل فقال: أين تريد يابن رسول الله؟قال: العراق.قال: مهلا [166] ، ارجع الي حرم جدك.فابي الحسين عليه السلام، فلما راي بن عمر اباه، قال: يا اباعبدالله! كشف لي عن الموضع الذي كان

رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقبله منك.فكشف الحسين عليه السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثا، و بكي و قال: استودعك الله يا اباعبدالله! فانك مقتول في وجهك هذا.فسار الحسين عليه السلام و اصحابه، فلما نزلوا ثعلبية ورد عليه دجل يقال له بشر بن غالب، فقال: يابن رسول الله! أخبرني عن قول الله تعالي عزوجل: (يوم ندعوا كل اناس بامامهم) [167] .قال عليه السلام: امام دعي الي هدي، فأجابوه اليه، و امام دعي الي ضلالة فأجابوه اليها، فهؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، و هو قول الله عزوجل: (فريق [ صفحه 92] في الجنة و فريق في السعير) [168] .ثم سار حتي نزل العذيب، فقال فيه قائله الظهيرة، ثم انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبه؟فقال: يا بني! انها ساعة لا نكذب الرؤيا فيها، و انه عرض في منامي عارض فقال: تسرعون السير [169] و المنايا تسير بكم الي الجنة.ثم سار حتي نزل الرهيمة [170] .و في «البحار»: عن الرياشي باسناده، عن راوي حديثه قال: حججت فتركت أصحابي و انطلقت [أتعسف الطريق وحدي، فبينما أنا أسير اذ رفعت طرفي الي أخيمة و فساطيط، فانطلقت] نحوها حتي أتيت أدناها، فقلت لمن هذه الأبنية؟قالوا: للحسين عليه السلام.قلت: ابن علي عليه السلام و ابن فاطمة عليهاالسلام؟قالوا: نعم.قلت: في أيها هو؟قال: في ذلك الفسطاط، فانطلقت نحوه، فاذا الحسين عليه السلام متك علي باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه، فسلمت، فرد علي.فقلت: يابن رسول الله! بأبي أنت و امي؛ ما أنزلك في هذه الأرض القفرآء التي ليس فيها ريف و لا منعة؟ [ صفحه 93] قال عليه السلام: ان هؤلاء أخافوني، و هذه كتب أهل الكوفة، و هم قاتلي، فاذا فعلوا ذلك

و لم يدعوا الله محرما الا انتهكوه، بعث الله اليهم من يقتلهم حتي يكونوا أذل من قوم الأمة [171] .

لقاؤه مع طرماح

و في «مثير الأحزان» قال ابن نما: رويته أن طرماح بن حكم قال:لقيت حسينا عليه السلام و قد امترت لأهلي ميرة، فقلت: اذكرك الله في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة، فوالله؛ لئن دخلتها لتقتلن، و اني أخاف لا تصل اليها، فان كنت مجمعا علي الحرب فأنزل أجأ [172] فانه جبل منيع، و الله؛ ما لنا فيه ذل قط، و عشيرتي يرون جميعا نصرك، فهم يمنعوك ما أقمت فيهم.فقال عليه السلام: ان بيني القوم موعدا أكره أن اخلفهم، فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا و كفي، و ان يكن ما لابد منه، ففوز و شهادة، ان شاء الله.ثم حملت الميرة الي أهلي و أوصيتهم بامورهم و خرجت اريد الحسين عليه السلام، فلقيني سماعة بن يزيد النبهاني، فأخبرني بقتله، فرجعت [173] .و في «البحار»: قال محمد بن أبي طالب الموسوي: واتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه الي العراق، فكتب الي ابن زياد لعنه الله:أما بعد؛ فان الحسين قد توجه الي العراق، و هو ابن فاطمة، و فاطمة بنت [ صفحه 94] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فحذر يابن زياد! أن تأني اليه بسوء، فتهيج علي نفسك و قومك أمرأ في هذه الدنيا لا يصده شي ء، و لا تنساه الخاصة و العامة أبدا ما دامت الدنيا.قال: فلم يلتفت ابن زياد لعنه الله الي كتاب الوليد [174] .

وصوله الي الحاجز و كتابه الي أهل الكوفة

و في «ارشاد المفيد»: و لما بلغ عبيدالله بن زياد اقبال الحسين عليه السلام من مكة الي الكوفة، بعث الحصين بن نمير صاحب شرطة حتي نزل القادسية و نظم الخيم [175] ما بين القادسية الي خفان، و ما بين القادسية الي القطقطانة [176] و قال للناس: هذا الحسين يريد

العراق.و لم بلغ عليه السلام الحاجز من بطن الرمة، بعث قيس بن مسهر الصيداوي - و يقال: انه بعث أخاه من الرضاعة عبدالله بن يقطر - الي أهل الكوفة، و لم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم بن عقيل رحمه الله، و كتب معه اليهم:بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الي اخوانه المؤمنين و المسلمين.سلام عليكم؛ فاني احمد الله الذي لا اله الا هو.أما بعد؛ فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر [ني] فيه بحسن رأيكم، و اجتماع ملائكم علي نصرنا و الطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، و أن يثيبكم علي ذلك أعظم الأجر، و قد شخصت اليكم من مكة [ صفحه 95] يوم الثلاثاء، لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فاذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا [177] في أمركم وجدوا، فاني قادم عليكم في أيامي هذه، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.و كان [مسلم عليه السلام] كتب اليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة، و كتب اليه أهل الكوفة.أن هاهنا مائة ألف سيف، فلا تتأخر.

ما جري لقيس بن مسهر حامل كتاب الامام الحسين

فأقبل قيس بن مسهر [الي الكوفة] بكتاب الحسين عليه السلام حتي [اذا] انتهي الي القادسية أخذه الحصين بن نمير، فبعث به الي عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله لعنه الله: اصعد فسب الكذاب الحسين بن علي. [178] .و قال السيد رحمه الله: فلما قارب دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج [قيس] الكتاب و مزقه، فحمله الحصين الي ابن زياد لعنه الله.فلما مثل بين يديه قال له: من أنت.قال: أنا رجل من شيعة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه عليهماالسلام.قال: فلماذا خرقت [179] الكتاب؟قال: لئلا تعلم ما فيه.قال: و ممن الكتاب؟ و الي من؟ [ صفحه

96] قال: من الحسين بن علي عليه السلام الي جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.فغضب ابن زياد لعنه الله فقال: والله؛ لا تفارقني حتي تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر و تلعن الحسين بن علي و أباه و أخاه، و الا قطعتك اربا اربا.فقال قيس: أما القوم؛ قفلا اخبرك بأسمائهم، و أما لعن الحسين و أبيه و أخيه فأفعل.فصعد المنبر و حمد الله تعالي، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و أكثر من الترحم علي علي عليه السلام و ولده صلوات الله عليهم، ثم لعن عبيدالله بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني امية عن آخرهم،ثم قال: أنا رسول الحسين عليه السلام اليكم [و] قد خلفته بموضع كذا، فأجيبوه [180] .قال المفيد رحمه الله: فأمر به عبيدالله ابن زياد لعنه الله أن يرمي به من فوق القصر، فرمي به فتقطع.و روي: أنه وقع الي الأرض مكتوفا، فتكسرت عظامه، و بقي به رمق، فأتاه رجل يقال له: عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه، فقيل له في ذلك و عيب عليه، فقال: أردت أن اريحه. [ صفحه 97]

لقاؤه مع عبدالله بن مطيع

ثم أقبل الحسين عليه السلام من الحاجز يسير نحو الكوفة [181] ، فانتهي الي ماء من مياه العرب، فاذا عليه عبدالله بن مطيع العدوي، و هو نازل به، فلما رأي الحسين عليه السلام قام اليه فقال: بأبي أنت و امي يابن رسول الله! ما أقدمك و احتمله و أنزله؟فقال له الحسين عليه السلام: كان من موت معاوية ما قد بلغك، فكتب الي أهل العراق يدعونني الي أنفسهم.فقال له عبدالله بن مطيع: اذكرك الله يابن رسول الله! و حرمة الاسلام أن تنهتك، انشدك الله في حرمة قريش، انشدك الله في حرمة

العرب، فوالله؛ لئن طلبت ما في أيدي بني امية ليقتلنك، و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا، والله؛ انها لحرمة الاسلام تنهتك، و حرمة قريش و حرمة العرب، فلا تغفل و لا تأت الكوفة، و لا تعرض [182] نفسك لبني امية أفأبي الحسين عليه السلام الا أن يمضي،و كان عبيدالله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة [183] الي طريق الشام، و الي طريق البصرة، فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج.و أقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشي ء حتي لقي الأعراب، فسألهم فقالوا: لا و الله؛ لا ندري، غير أنا لا نستطيع أن نلج و لا نخرج، فسار عليه السلام تلقاء وجهه. [ صفحه 98]

لقاؤه مع زهير بن القين

و حدث جماعة من فزارة و من بجيلة قالوا: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة، و كنا نسائر الحسين عليه السلام فلم يكن شي ء أبغض الينا من أن ننازله في منزل، فاذا سار الحسين عليه السلام، و نزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله، فنزل الحسين عليه السلام في جانب و نزلنا في جانب.فبينا نحن جلوس نتغدي [184] من طعام لنا، اذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتي سلم علينا، ثم دخل فقال: يا زهير بن القين! ان أباعبدالله عليه السلام بعثني اليك لتأتيه،فطرح كل انسان منا ما في يده، حتي كأنما علي رؤوسنا الطير.فقالت له امرأته [185] : سبحان الله! أيبعث اليك ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم لا تأتيه؟ لو أتيته فسمعت كلامه، ثم انصرفت.فأتاه زهير بن القين، فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله [و رحله] و متاعه، فقوض فحمل الي الحسين عليه السلام، ثم قال لامرأته: أنت

طالق! ألحقي بأهلك، فاني لا احب أن يصيبك بسببي الا خير [186] .و زاد السيد رحمه الله: و قد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي، و أقيه بنفسي، ثم أعطاها مالها و سلمها الي بعض بني عمها ليوصلها الي أهلها.فقامت اليه و بكت و ودعته و قالت: خار الله لك! أسألك أن تذكرني في [ صفحه 99] القيامة عند جد الحسين عليه السلام [187] .

ذكر زهير بن القين قصة سلمان

و قال المفيد رحمه الله: ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني و الا فهو آخر العهد، اني ساحدثكم حديثا: انا غزونا البحر [188] ، ففتح الله علينا و أصبنا غنائم، فقال لنا سلمان رحمه الله: أفرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم؟فقلنا: نعم.فقال: اذا أدركتم سيد شباب آل محمد عليهم السلام فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم، فأما أنا فاستودكم الله.قالوا: ثم والله؛ ما زال في القوم مع الحسين عليه السلام حتي قتل رحمه الله. [189] .

نزوله في الخزيمية

و في «البحار» عن «المناقب»: و لما نزل عليه السلام الخزيمية أقام بها يوما و ليلة، فلما أصبح أقبلت عليه اخته زينب عليهاالسلام فقالت: يا أخي! ألا اخبرك بشي ء سمعته البارحة [190] .فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ [ صفحه 100] فقالت: خرجت في بعض الليل لقضاء [حاجة]، فسمعت هاتفا يهتف [191] و هو يقول:ألا يا عين فاحتلفي بجهد [192] و من يبكي علي الشهداء بعدي علي قوم تسوقهم المنايا بمقدار الي انجاز وعدفقال لها [الحسين عليه السلام]: يا أختاه! كل الذي قضي فهو كائن، و لا حول و لا قوة الا بالله [193] .

وصول خبر مسلم اليه

قال المفيد رحمه الله في «الارشاد»: و روي عبدالله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان قالا: لما قضينا [حجنا] لم تكن لنا همة الا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق، لننظر ما يكون من أمره، فأقبلنا ترقل [194] بنا ناقتانا مسرعين، حتي لحقناه ب «زرود» [195] ، فلما دنونا منه اذا نحن برجل من أهل الكوفة و قد عدل عن الطريق حين رأي الحسين عليه السلام، فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده، ثم تركه و مضي، و مضينا نحوه.فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا الي هذا لنسأله، فان عنده خبر الكوفة.فمضينا [حتي انتهينا] اليه فقلنا: السلام عليك. [ صفحه 101] فقال: و عليكما السلام.قلنا: ممن الرجل؟قال: أسدي.قلنا له: و نحن أسديان، فمن أنت؟قال: أنابكر بن فلان.فانتسبنا له، ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك.قال: نعم؛ لم أخرج من الكوفة حتي قتل مسلم بن عقيل و هاني ء [بن عروة]، و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.فأقبلنا حتي لحقنا بالحسين عليه السلام فسايرناه، حتي نزل الثعلبية ممسيا، فجئناه حين نزل، فسلمنا عليه، فرد علينا السلام، فقلنا له: يرحمك الله تعالي؛

ان عندنا خبرا ان شئت حدثناك به علانية، و ان شئت سرا.فنظر الينا و الي أصحابه، ثم قال: مادون هؤلاء سر.فقلنا له: أرأيت الراكب الذي استقبلته عشية أمس؟فقال: نعم؛ و قد أردت مسألته.فقلنا: قد والله؛ استبرءنا لك خبره، و كفيناك مسألته، و هو امرء منا ذو رأي و صدق و عقل، و انه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتي قتل مسلم و هاني ء و رآهما يجران في السوق بأرجلهما.فقال عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون، رحمة الله عليهما.يردد ذلك مرارا.فقلنا له: ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا، فانه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك. [ صفحه 102] فنظر الي بني عقيل فقال: ما ترون؟ فقد قتل مسلم.فقالوا: و الله؛ لا نرجع حتي نصيب ثارنا أو نذوق ماذاق.فأقبل علينا [الحسين عليه السلام] و قال: لا خير في العيش بعد هؤلاء.فعلمنا أنه قد عزم رأيه علي المسير.فقلنا له: خار الله لك.فقال: يرحمكما الله تعالي.فقال له أصحابه: انك والله؛ ما أنت مثل مسلم بن عقيل رحمه الله، و لو قدمت الكوفة لكان الناس اليك اسرع [فسكت] [196] .و في رواية السيد رحمه الله [197] : أنه بعد ما جاء خبر مسلم لقيه الفرزدق، فسلم عليه ثم قال: يابن رسول الله! كيف تركن [198] الي أهل الكوفة و هم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته؟قال: فاستعبر الحسين عليه السلام باكيا، ثم قال:رحم الله مسلما، لقد صار الي روح الله و ريحانه، و تحيته و رضوانه، أما انه قد قضي ما عليه، و بقي ما علينا.ثم أنشأ يقول:فان تكن الدنيا تعد نفيسة فدار [199] ثواب الله

أعلا و أنبل و ان تكن الأبدان للموت انشئت فقتل امرء بالسيف في الله أفضل [ صفحه 103] و ان تكن الأرزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في السعي [200] أجمل و ان تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء [201] يبخل [202] .

وصوله الي منزل زبالة

قال المفيد رحمه الله: ثم انتظر حتي اذا كان وقت السحر، فقال لفتيانه و غلمانه: أكثروا من الماء، فاستسقوا [203] و أكثروا.ثم ارتحلوا فسار حتي انتهي الي «زبالة»، فأتاه خبر عبدالله بن يقطر.قال السيد رحمه الله: فاستعبر باكيا، ثم قال:اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر [من] رحمتك، انك علي كل شي ء قدير [204] .ثم قال المفيد رحمه الله: فأخرج للناس كتابا، فقرأه عليهم، [فاذا فيه:] بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛ فقد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، و هاني ء بن عروة، و عبدالله بن يقطر، و قد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف، فلينصرف في غير حرج، ليس عليه ذمام.فتفرق الناس عليه، و أخذوا يمينا و شمالا حتي بقي في أصحابه الذين. [ صفحه 104] جاؤوا معه من المدينة، و نفر يسير ممن انضموا اليه.و انما فعل عليه السلام ذلك، لأنه علم أن الأعراب الذين اتبعوه انما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه الا و هم يعلمون علي ما يقدمون [205] .

ترحمه لبنت مسلم

و في «المنتخب»: قيل: و كان لمسلم عليه السلام بنت عمرها أحد عشر سنة مع عيال الحسين عليه السلام، فلما قام من مجلسه جاء الي البنت و قربها من منزله، فحست البنت بالشر، و كان الحسين عليه السلام مسح علي رأسها و ناصيتها، كما يفعل بالأيتام.فقالت البنت: يا عم! ما رأيت قبل هذا اليوم تفعل بي مثل ذلك، أظن أنه قد استشهد والدي؟فلم يتمالك الحسين عليه السلام من البكاء، و قال لها: يا بنية! أنا أبوك، و بناتي أخواتك.فصاحت و نادت بالويل و الثبور، فسمع أولاد مسلم عليه السلام ذلك

الكلام، فتنفسوا الصعداء [206] ، و بكوا بكاء شديدا. [ صفحه 105]

نزوله في بطن العقبة

ثم قال المفيد رحمه الله: فلما كان السحر [207] أمر أصحابه فاستقوا [208] ماءا و أكثروا، ثم سار حتي مر ب «بطن العقبة»، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمر بن لوذان، قال له: أين تريد؟قال له الحسين عليه السلام: الكوفة.قال له الشيخ: انشدك الله؛ لما انصرفت، فوالله؛ ما تقدم الا علي الأسنة، و حد السيوف، و ان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال، و طأوا [209] لك الأشياء، فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا، فأما علي هذه الحال التي تذكر فاني لا أري لك أن تفعل.فقال له: يا عبدالله! ليس يخفي علي الرأي، و لكن الله تعالي لا يغلب علي أمره.ثم قال عليه السلام: والله؛ لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم، حتي يكونوا أذل فرق الامم [210] .و في «كامل الزيارات»: عن ابن قولويه باسناده، عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال:لما صعد الحسين بن علي عليهماالسلام علي عقبة البطن قال لأصحابه: ما أراني الا مقتولا. [ صفحه 106] قالوا: و ما ذاك يا أباعبدالله؟قال: رؤيا رأيتها في المقام.قالوا: و ما هي؟قال: رأيت كلابا تنهشني، أشدها علي كلب أبقع [211] .

التقاء الامام الحسين مع الحر و ما جري بينهما

قال المفيد رحمه الله: ثم سار من بطن العقبة حتي نزل «شراف» [212] ، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء، فأكثروا، ثم سار منها حتي انتصف النهار، فبينما هو يسير، اذ كبر رجل من أصحابه، فقال له الحسين عليه السلام: الله أكبر، لم كبرت؟قال: رأيت النخل.فقال له جماعة من أصحابه: والله؛ ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط.فقال له الحسين عليه السلام: فما ترونه؟قالوا: والله؛ نراه أسنة الرماح و آذان الخيل.فقال عليه السلام: و

أنا والله؛ أري ذلك.ثم قال عليه السلام: ما لنا ملجأ نلجأ اليه و نجعله في ظهورنا، و نستقبل القوم بوجه واحد.فقلنا له: بلي؛ هذا ذو جشم [213] الي جنبك، فمل اليه عن يسارك، فان سبقت اليه [فهو] كما تريد. [ صفحه 107] فأخذ اليه ذات اليسار، و ملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبيناها و عدلنا، فلما رأنا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا، كأن أسنتهم اليعاسيب، و كأن راياتهم أجنحة الطير.فاستبقنا الي ذي جشم فسبقناهم اليه، فأمر الحسين عليه السلام بأبنيته، فضربت، و جاء القوم زهاء [214] ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتي وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، و الحسين عليه السلام و أصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم.فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم و ارووهم من الماء، و رشفوا الخيل ترشيفا.ففعلوا و أقبلوا يملأون القصاع و الطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقوا آخر، حتي سقوها كلها عن آخرها.فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأي الحسين عليه السلام ما بي و بفرسي من العطش، قال: أنخ الرواية، و الرواية عندي السقاء.ثم قال: يابن أخي! أنخ الجمل.فأنخته، فقال: اشرب. فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء.فقال الحسين عليه السلام: اخنث السقاء - أي أعطفه، فلم أدر كيف أفعل، فقام فخنثه، فشربت و سقيت فرسي. [ صفحه 108] و كان مجي ء الحر بن يزيد من القادسية، و كان عبيدالله بن زياد لعنه الله بعث الحصين بن نمير و أمره ينزل القادسية، و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس

يستقبل بهم الحسين عليه السلام.

خطبته

فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسرور [215] أن يؤذن، فلما حضرت الاقامة خرج الحسين عليه السلام في ازار ورداء و نعلين، فحمد الله تعالي و أثني عليه، ثم قال:أيها الناس! اني لم آتكم حتي اتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم أن: «أقدم علينا، فانه ليس لنا امام، لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي و الحق»، فان كنتم علي ذلك، فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن اليه من عهودكم و مواثيقكم، و ان لم تفعلوا، و كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم، الي المكان الذي جئت منه اليكم.فسكتوا عنه و لم يتكلموا كلمة، فقال للمؤذن: أقم.فأقام الصلاة، فقال للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟قال الحر: لا، بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك.فصلي بهم الحسين عليه السلام، ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه، و انصرف الحر الي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع اليه خمسمائة من [ صفحه 109] أصحابه [216] و عاد الباقون الي صفهم الذي كانوا فيه [فأعادوه]، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها.فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيؤوا للرحيل، فرحلوا [217] ، ثم أمر مناديه فنادي بالعصر، و أقام، فاستقدم الحسين عليه السلام و قام فصلي بالقوم، ثم سلم و انصرف اليهم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال:أما بعد؛ أيها الناس! فانكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله، يكن أرضي لله عنكم و نحن أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم أولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، و السائرين فيكم بالجور و العدوان،

فان أبيتم الا الكراهة لنا و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الان غيرما اتتني به كتبكم، و قدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.فقال له الحر: أنا والله؛ ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر؟فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان! أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي.فأخرج خرجين مملوءين صحفا، فنثرت بين يديه.فقال له الحر: انا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، و قد امرنا اذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيدالله بن زياد.فقال له الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك.ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا. [ صفحه 110] فركبوا، و انتظر حتي ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه، انصرفوا.

منع الحر للحسين عن الانصراف

فلما ذهبوا لينصرفوا، حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك امك؛ ما تريد؟فقال الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي و هو علي مثل هذه الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان، و لكن والله؛ مالي الي ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه.فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟قال: اني اريد أن انطلق بك الي الأمير عبيدالله بن زياد.فقال: اذا والله؛ لا أتبعك.فقال: اذا والله، لا أدعك.فترادا القول ثلاث مرات، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: اني لم اؤمر بقتالك، انما امرت أن لا افارقك حتي اقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك الي المدينة، تكون بيني و بينك نصفا، حتي أكتب الي الأمير عبيدالله بن زياد، فلعل الله تعالي أن [يأتي بأمر] يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشي ء من أمرك، فخذ هاهنا.فتياسر عن طريق العذيب و القادسية،

و سار الحسين عليه السلام، و سار الحر في أصحابه يسايره، و هو يقول له: يا حسين! اني اذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن. [ صفحه 111] فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ و سأقول كما قال أخوا الأوس لابن عمه، و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فخوفه ابن عمه، و قال: أين تذهب فانك، مقتول؟ فقال:سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي اذا ما نوي حقا و جاهد مسلماو آسي الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و ودع [218] مجرمافان عشت لم أندم و ان مت لم ألم كفي بك ذلا أن تعيش و ترغما [219] .قال الفاضل المجلسي رحمه الله: و زاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت:اقدم نفسي لا اريد بقائها لتلقي خميسا في الوغي و عرمرماثم قال: ثم أقبل الحسين عليه السلام علي أصحابه و قال: هل فيكم أحد يعرف الطريق علي غير الجادة؟فقال الطرماح: نعم يابن رسول الله! أنا أخبر الطريق.فقال الحسين عليه السلام سر بين أيدينا.فسار الطرماح و أتبعه الحسين عليه السلام و أصحابه، و جعل الطرماح يرتجز و يقول:يا ناقتي لا تذعري من زجزي و امضي بنا قبل طلوع الفجربخير فتيان و خير سفر آل رسول الله [آل] الفخرالسادة البيض الوجوه الزهر الطاعنين بالرماح السمر [ صفحه 112] الضاربين بالسيوف البتر حتي تحلي بكريم الفخرالماجد الجد رحيب الصدر أصابه [220] لله لخير أمرعمره الله بقاء الدهر يا مالك النفع معا و الضرأيد حسينا سيدي بالنصر علي الطغاة من بغايا الكفرعلي اللعينين سليلي صخر يزيد لا زال حليف الخمرو ابن زياد العهر بن العهر

وصوله الي قصر بني مقاتل

ثم قال المفيد رحمه الله: فلما سمع الحر ذلك تنحي عنه، و كان يسير بأصحابه في ناحية و الحسين عليه السلام في ناحية اخري، حتي انتهوا الي «عذيب الهجانات»،ثم مضي الحسين عليه السلام حتي انتهي الي قصر بني مقاتل، فنزل به، فاذا هو بفسطاط مضروب فقال: لمن هذا؟فقيل: لعبيد الله بن الحر الجعفي.فقال: ادعوه الي.فلما أتاه الرسول قال له: هذا الحسين بن علي عليهماالسلام يدعوك.فقال عبيدالله: انا لله و انا اليه راجعون، والله؛ ما خرجت من الكوفة الا كراهية أن يدخلها الحسين، و أنا فيها، و الله؛ ما اريد أن أراه و لا يراني.فأتاه الرسول فأخبره، فقام الحسين عليه السلام فجاء حتي دخل عليه، فسلم و جلس، ثم دعاه الي الخروج معه، فأعاد عليه عبيدالله بن الحر تلك المقالة [ صفحه 113] و استقاله مما دعاه اليه.فقال له الحسين عليه السلام: فان لم تنصرنا فاتق الله تعالي أن تكون ممن يقاتلنا، فوالله؛ لا يسمع واعيتنا أحد فلا ينصرنا الا هلك.فقال له: أما هذا؛ فلا يكون أبدا، ان شاء الله تعالي.ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتي دخل رحله [221] .و في روايد الصدوق رحمه الله: فنظر الي فسطاط مضروب فقال عليه السلام: لمن هذا الفسطاط.فقيل: لعبدالله بن الحر الحنفي.فأرسل اليه الحسين عليه السلام فقال: أيها الرجل! أنت مذنب خاطي ء، و أن الله أخذك بما أنت صانع، ان لم تتب الي الله تبارك و تعالي في ساعتك هذه فتنصرني و يكون جدي شفيعك بين يدي الله تعالي.فقال: يابن رسول الله! و الله؛ لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك، و لكن هذا فرسي خذه اليك، فوالله؛ ما ركبته قط، و أنا أروم شيئا، الا بلغته، و لا أرادني أحد الا نجوت عليه،

فدونك فخذه.فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه، ثم قال:لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك، و لا كنت متخذ المضلين عضدا، و لكن فلا لنا و لا علينا، فانه من سمع واعيتنا أهل البيت، ثم لم يجبنا، كبه الله تعالي علي وجهه في نار جهنم [222] . [ صفحه 114]

رؤيا الامام الحسين بعد ارتحاله من قصر بني مقاتل

و في «عقاب الأعمال» عن الصدوق باسناده الي عمرو بن قيس المشرفي قال: دخلت علي الحسين عليه السلام أنا و ابن عم لي، و هو في قصر بني مقاتل، فسلمنا عليه فقال له ابن عمي: يا أباعبدالله! هذا الذي أري خضابا أو شعرك؟فقال: خضاب، و الشيب الينا بني هاشم يعجل.ثم أقبل علينا فقال: جئتما لنصرتي؟فقلت: اني رجل كبير السن، كثير الدين، كثير العيال، و في يدي بضائع للناس، و لا أدري ما يكون، و أكره أن اضيع أمانتي، و قال له ابن عمي مثل ذلك.قال لنا: فانطلقا فلا تسمعا لي واعية و لا تريا لي سوادا، فانه من سمع واعيتنا، أو رأي سوادنا فلم يجبنا و لم يعنا كان حقا علي الله عزوجل أن يكبه علي منخريه [223] في النار. [224] .ثم قال المفيد رحمه الله: و لما كان في آخر الليل أمر فتيانه بالاستقاء من الماء، ثم أمر بالرحيل من قصر بني مقاتل.فقال عقبة بن سمعان: فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام و هو علي ظهر فرسه خفقة، ثم انتبه و هو يقول: (انا لله و انا اليه راجعون)، و الحمد لله رب العالمين.ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين عليه السلام و هو علي فرس، فقال: مم حمدت الله و استرجعت؟ [ صفحه 115] فقال: يا بني! اني خفقت خفقة فعن لي فارس

علي فرس و هو يقول: القوم يسيرون، و المنايا تسير اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا.فقال له: يا أبت! لا أراك الله بسوء، ألسنا علي الحق؟قال: بلي، و الله الذي مرجع العباد اليه.قال: فاننا اذا لا نبالي أن نموت محقين.فقال له الحسين عليه السلام، جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن والده.

كتاب ابن زياد الي الحر

فلما أصبح نزل فصلي الغداة، ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم. فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه، فجعل اذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه، فارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتي انتهوا الي نينوي بالمكان الذي نزل فيه الحسين عليه السلام، فاذا راكب علي نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعا ينتظرونه.فلما انتهي اليهم سلم علي الحر و أصحابه، و لم يسلم علي الحسين عليه السلام و أصحابه، و دفع الي الحر كتابا من عبيدالله بن زياد لعنه الله فاذا فيه:أما بعد؛ فجعجع بالحسين [225] حين يبلغك كتابي هذا، و يقدم عليك رسولي، و لا تنزله الا بالعراء في غير خضر [226] و علي غير ماء، و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بانفاذك أمري، و السلام. [ صفحه 116] فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيدالله يأمرني أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه، و هذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتي انفذ أمره فيكم.

وصوله الي كربلاء

فنظر يزيد بن المهاجر الكندي - و كان مع الحسين عليه السلام - الي رسول ابن زياد لعنه الله فعرفه فقاله له: ثكلتك امك؛ ماذا جئت به؟قال: أطعت امامي، و وفيت ببيعتي!فقال له ابن المهاجر: بل عصيت ربك، و أطعت امامك في هلاك نفسك، و كسبت العار و النار، و بئس الامام امامك، قال الله تعالي: (و جعلناهم أئمة يدعون الي النار و يوم القيامة لا ينصرون) [227] فامامك منهم.و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان علي غير ماء و لا في قرية.فقال له الحسين عليه السلام: دعنا ويحك؛ ننزل في هذه القرية أو هذه - يعني

نينوا و الغاضرية - أو هذه - يعني شفينة - [228] .قال: لا والله؛ لا أستطيع ذلك، هذا رجل قد بعث الي عينا علي.فقال له زهير بن القين: اني والله؛ لا أري أن يكون بعدي الذي ترون الا أشد مما ترون، يابن رسول الله! ان قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. [ صفحه 117] فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لأبدأهم بالقتال.ثم نزل، و ذلك اليوم يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة احدي و ستين. [229] .

خطبته في أصحابه و جوابهم له

قال السيد رحمه الله: فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه، فحمدالله تعالي و أثني عليه و ذكر جده فصلي عليه، ثم قال:انه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها، و استمرت حدا [230] و لم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل.الا ترون الي الحق لا يعمل به؟ و الي الباطل لا يتناهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقائه محقا [231] ، فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا برما.فقام زهير بن القين و قال: قد سمعنا - هداك الله تعالي [232] يابن رسول الله! - مقالتك، و لو كانت الدنيا لنا باقية، و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك الي الاقامة فيها.قال: و وثب هلال بن نافع البجلي فقال: و الله؛ ما كرهنا لقاء ربنا، و انا علي [ صفحه 118] نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك.قال: و قام برير بن خضير فقال: و الله؛ يابن رسول الله!

لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة [233] .قال في «البحار» عن «المناقب»: قال له زهير بن القين: فسر بنا حتي ننزل بكربلاء، فانها علي شاطي الفرات، فنكون هنالك، فان قاتلونا قاتلناهم، و استعنا الله عليهم.قال: فدمعت عينا [234] الحسين عليه السلام ثم قال:اللهم اني أعوذ بك من الكرب و البلاء.و نزل الحسين عليه السلام في موضعه ذلك، و نزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس، و دعا الحسين عليه السلام بدواة و بياض، و كتب الي أشراف أهل الكوفة كتابا علي نهج ما مر.ثم قال عليه السلام: اللهم انا عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم و قد اخرجنا و طردنا و زعجنا عن حرم جدنا، و تعدت بنوامية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا، و انصرنا علي القوم الظالمين.قال: فرحل من موضعه حتي نزل في يوم الأربعاء، أو يوم الخميس بكربلاء، و ذلك في الثاني من المحرم سنة احدي و ستين.ثم أقبل علي أصحابه فقال عليه السلام:الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق علي ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، [ صفحه 119] فاذا محصورا بالبلاء قل الديانون.ثم قال عليه السلام: أهذه كربلاء؟فقالوا: نعم؛ يابن رسول الله!فقال: هذا موضع كرب و بلاء، هاهنا مناخ [235] ركابنا، و محط رحالنا، و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا [236] .و روي أبومخنف في مقتله: باسناده عن الكلبي أنه قال: و ساروا جميعا الي أن أتو الي أرض كربلاء، و ذلك في يوم الأربعاء فوقف فرس الحسين عليه السلام من تحته، فنزل عنها و ركب اخري، فلم ينبعث من تحته خطوة واحدة، و لم يزل يركب فرسا بعد فرس حتي ركب

سبعة أفراس، و هن علي هذا الحال.فلما رأي الامام صلوات الله عليه ذلك الأمر الغريب قال: يا قوم! ما يقال لهذا الأرض؟قالوا: أرض الغاضرية.قال: فهل لها اسم غير هذا؟قالوا: تسمي نينوي.قال: هل لها اسم غير هذا؟قالوا: تسمي بشاطي ء الفرات.قال: هل لها اسم غير هذا؟قالوا: تسمي كربلاء. [ صفحه 120] قال: فعند ذلك تنفس الصعداء و قال: ارض كرب و بلاء.ثم قال: قفوا و لا ترحلوا، فهاهنا والله؛ مناخ ركابنا [237] ، و هاهنا و الله؛ سفك دمائنا، و هاهنا و الله، هتك حريمنا، و هاهنا و الله؛ قتل رجالنا، و هاهنا و الله؛ ذبح اطفالنا، و هاهنا تزار قبورنا، و بهذه التربة وعدني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لا خلف لقوله.ثم انه نزل عن فرسه [238] .

كتاب ابن زياد لعنه الله للحسين

قال المجلسي رحمه الله: فنزل القوم، و أقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس، ثم كتب الي ابن زياد لعنه الله يخبره بنزول الحسين عليه السلام بكربلاء.و كتب ابن زياد لعنه الله الي الحسين عليه السلام:أما بعد؛ يا حسين! فقد بلغني نزولك بكربلاء، و قد كتب الي أميرالمؤمنين يزيد!!! أني لا أتوسد الوثير، و لا أشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير، أو ترجع الي حكمي و حكم يزيد بن معاوية، و السلام.فلما ورد كتابه علي الحسين عليه السلام و قرأه رماه من يده، ثم قال:لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.فقال له الرسول: جواب الكتاب؟ أباعبدالله!فقال: ماله عندي جواب، لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب. [ صفحه 121] فرجع الرسول اليه فخبره بذلك، فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب، و التفت الي عمر بن سعد لعنه الله و أمره بقتال الحسين

عليه السلام، و كان قد ولاه الري قبل ذلك، فاستعفي عمر من ذلك.فقال ابن زياد لعنه الله: فاردد علينا عهدنا، فاستمهله، ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل من ولاية الري [239] .

كتابه الي بني هاشم

و في «كامل الزيارات»: روي باسناده عن ميسر بن عبدالعزيز، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كتب الحسين بن علي عليهماالسلام الي محمد بن علي عليه السلام من كربلاء.بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الي محمد بن علي و من قبله من بني هاشم.أما بعد؛ فكان الدنيا لم تكن و كأن الاخرة لم تزل، و السلام [240] . [ صفحه 125]

في ما وقع بعد نزوله في كربلاء الي حين الواقعة

وصول عمر بن سعد الي كربلاء

قال السيد رحمه الله: و ندب عبيدالله بن زياد لعنه الله أصحابه الي قتال الحسين عليه السلام، فاتبعوه و استخف قومه فأطاعوه، و اشتري من عمر بن سعد لعنه الله آخرته بدنياه، و دعا الي ولاية الحرب فلباه، و خرج لقتال الحسين عليه السلام [241] .و قال المفيد رحمه الله: فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن [أبي] وقاص لعنه الله من الكوفة في أربعة آلاف فارس، فنزل بنينوي، و بعث الي الحسين عليه السلام عروة بن قيس الأحمسي فقال له: ائته فسله ما الذي جاء بك؟ و ماذا تريد؟و كان عروة ممن كتب الي الحسين عليه السلام، فاستحيي منه أن يأتيه، فعرض ذلك علي الرؤساء الذين كاتبوه، فكلهم أبي ذلك و كرهه.فقام اليه كثير بن عبدالله الشعبي، و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي ء فقال له: أنا أذهب اليه، و والله؛ لئن شئت لأفتكن به.فقال له عمر لعنه الله: ما اريد أن تفتك به، و لكن ائته، فسله ما الذي جاء به؟فأقبل كثير اليه، فلما رآه أبوثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله تعالي يا أباعبدالله! قد جاءك شر أهل الأرض و أجرأه علي دم و أفتكه. [ صفحه 126] و قام اليه فقال له: ضع سيفك.قال: لا، والله؛ و لا كرامة، انما أنا رسول،

فان سمعتم مني بلغتكم ما أرسلت به اليكم، و ان أبيتم انصرفت عنكم.قال: فاني آخذ بقائم سيفك، ثم تكلم بحاجتك.قال: لا، والله، لا تمسه.فقال له: أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك، و لا أدعك تدنو منه، فانك فاجر.فاستبا و انصرف الي عمر بن سعد لعنه الله فأخبره الخبر.فدعا عمر بن سعد لعنه الله قرة بن قيس الحنظلي فقال: ويحك يا قرة! الق حسينا فسله ما الذي جاء به؟ و ماذا يريد؟فأتاه قرة، فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال: أتعرفون هذا؟فقال له حبيب بن مظاهر: نعم؛ هذا رجل من حنظلة تميم، و هو ابن أختنا و قد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد.فجاء حتي سلم علي الحسين عليه السلام و أبلغه رسالة عمر بن سعد لعنه الله اليه.فقال له الحسين عليه السلام: كتب الي أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما اذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم.ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة! أين تذهب؟ الي قوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة.فقال له قرة: أرجع الي صاحبي بجواب رسالته، و أري رأيي. [ صفحه 127]

كتاب عمر بن سعد الي ابن زياد

فانصرف الي عمر بن سعد لعنه الله فأخبره الخبر، فقال عمر بن سعد لعنه الله: أرجو أن يعافيني الله تعالي من حربه و قتاله، و كتب الي عبيدالله بن زياد لعنه الله:بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد؛ فاني حين نزلت بالحسين بعثت اليه رسولي فسألته عما أقدمه، و ماذا يطلب؟ فقال: كتب الي أهل هذه البلاد، و أتتني رسلهم يسألوني القدوم، ففعلت، فأما اذا كرهتموني، و بدا لهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم.قال حسان بن قائد العبسي: و

كنت عند عبيدالله بن زياد لعنه الله حين أتاه الكتاب، فلما قرأه قال:الآن اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص و كتب الي عمر بن سعد لعنه الله:أما بعد؛ فقد بلغني كتابك، و فهمت ما ذكرت، فأعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه، فاذا فعل ذلك رأينا رأينا، و السلام.فلما ورد الجواب علي عمر بن سعد لعنه الله قال: قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد لعنه الله العافية [242] . [ صفحه 128]

خطبة ابن زياد لترغيب الناس علي حرب الامام الحسين

و روي الفاضل المجلسي رحمه الله عن محمد بن أبي طالب: أنه قال: فلم يعرض عمر بن سعد لعنه الله علي الحسين عليه السلام ما أرسل به ابن زياد لعنه الله لأنه علم أن الحسين عليه السلام لا يبايع يزيد لعنه الله أبدا.ثم جمع ابن زياد لعنه الله الناس في جامع الكوفة، ثم خرج فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس! انكم بلوتم آل أبي سفيان، فوجدتموهم كما تحبون، و هذا أميرالمؤمنين يزيد!! و قد عرفتموه حسن السيرة [243] ، محمود الطريقة، محسنا الي الرعية، يعطي العطاء في حقه، قد أمنت السبل علي عهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده، يكرم العباد و يغنيهم بالأموال، و يكرمهم، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني أن اوفرها عليكم، و أخرجكم الي حرب عدوه الحسين، فأسمعوا و أطيعوا.ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء، و أمرهم أن يخرجوا الي حرب الحسين عليه السلام، و يكونوا عونا لابن سعد لعنه الله علي حربه.

خروج شمر و... لحرب الحسين

فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في أربعة آلاف فصار ابن سعد لعنه الله في تسعة آلاف، ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين، و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و فلان المازني في ثلاثة آلاف، و نصر بن فلان [ صفحه 129] في ألفين فذلك عشرون ألفا.ثم أرسل الي شبث بن ربعي أن أقبل الينا، و أنا نريد أن نتوجه بك الي حرب الحسين، فتمارض شبث، و أراد أن يعفيه ابن زياد لعنه الله.فأرسل اليه: أما بعد؛ فان رسولي أخبرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الذين اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم

قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن، ان كنت في طاعتنا فأقبل الينا مسرعا.فأقبل اليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر الي وجهه، فلا يري عليه أثر العلة، فلما دخل رحب به و قرب مجلسه، و قال: احب أن تشخص الي قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه.فقال: أفعل أيها الأمير!فما زال يرسل اليه بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون ألفا مابين فارسل و راجل.ثم كتب اليه ابن زياد لعنه الله: أني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا امسي الا و خبرك عندي غدوة و عشية.و كان ابن زياد لعنه الله يستحث عمر بن سعد لعنه الله لستة أيام مضين من المحرم [244] .و قال أبومخنف رضي الله عنه: و أول راية سارت الي حرب الحسين عليه السلام راية عمر بن سعد لعنه الله، و تحتها ستة آلاف فارس، ثم دعي بشبث بن ربعي لعنه الله و عقد له راية، و ضم اليه أربعة آلاف فارس، و دعي بعروة بن قيس لعنه الله، و عقد له راية [ صفحه 130] علي أربعة آلاف فارس، ثم دعي بسنان بن أنس النخعي، و عقد له راية علي أربعة آلاف فارس.قال: فتكامل العسكر ثمانون ألف فارس من أهل الكوفة ليس فيهم شامي و لا حجازي، و ساروا حتي نزلوا قريبا من عسكر الحسين عليه السلام [245] .

استغاثة حبيب بن مظاهر بحي من بني أسد

ثم قال المجلسي رحمه الله: قال محمد بن أبي طالب:و أقبل حبيب بن مظاهر الي الحسين عليه السلام فقال: يابن رسول الله! هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا، أتأذن لي في المصير اليهم فأدعوهم الي نصرتك، فعسي الله أن يدفع بهم عنك؟قال: قد أذنت لك.فخرج حبيب اليهم في جوف الليل متنكرا حتي

أتي اليهم، فعرفوه أنه من بني أسد، فقالوا: ما حاجتك؟فقال: اني قد أتيتكم بخير ما أتي به وافد، علي قوم، أتيتكم أدعوكم الي نصر ابن بنت نبيكم، فانه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم خير من ألف رجل، لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا، و هذا عمر بن سعد لعنه الله قد أحاط به، و أنتم قومي و عشيرتي، و قد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الاخرة، فاني أقسم بالله؛ لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم في عليين. [ صفحه 131] قال: فوثب اليه رجل من بني أسد يقال له: عبدالله بن بشر، فقال: أنا أول من يجيب الي هذه الدعوة، ثم جعل يرتجز و يقول:قد علم القوم اذا تواكلوا و أحجم الفرسان اذ تثاقلواأني شجاع بطل مقاتل كأنني ليث عرين باسل ثم تبادر رجال الحي حتي التأم منهم تسعون رجلا، فأقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، و خرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتي صار الي عمر بن سعد لعنه الله فأخبره بالحال.فدعا ابن سعد لعنه الله برجل من أصحابه يقال له: الأزرق، فضم اليه أربع مائة فارس، و وجه نحو حي بني أسد.فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل، اذا استقبلهم خيل ابن سعد لعنه الله علي شاطي ء الفرات، و بينهم و بين عسكر الحسين عليه السلام اليسير، فناوش القوم بعضهم بعضا، و اقتتلوا قتالا شديدا.و صاح حبيب بن ظماهر بالأزرق: ويلك! مالك؟ و مالنا؟ انصرف عنا و دعنا يشقي بنا غيرك.فأبي الأزرق

أن يرجع، و علمت بنوأسد أنهم لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين الي حيهم، ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد لعنه الله أن يبيتهم.و رجع حبيب بن مظاهر الي الحسين عليه السلام فخبره بذلك، فقال عليه السلام: لا حول و لا قوة الا بالله. [ صفحه 132]

منع الامام الحسين و أصحابه عن الماء

قال: و رجعت خيل ابن سعد لعنه الله حتي نزلوا علي شاطي ء الفرات، فحالوا بين الحسين عليه السلام و أصحابه و بين الماء، و أضر العطش بالحسين عليه السلام و أصحابه.فأخذ الحسين عليه السلام فاسا [246] ، و جاء الي وراء خيمة النساء، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثم حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس بأجمعهم، و ملأوا أسقيتهم، ثم غارت العين فلم ير لها أثر.و بلغ ذلك ابن زياد لعنه الله، فأرسل الي عمر بن سعد لعنه الله: بلغني أن الحسين يحفر الابار، و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر اذا ورد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الابار ما استطعت وضيق عليهم، و لا تدعهم يذوقوا الماء، و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان.فعندها ضيق عمر بن سعد لعنه الله غاية التضييق [247] .و قال المفيد رحمه الله في «الارشاد»: فبعث عمر بن سعد لعنه الله في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة، و حالوا بين الحسين عليه السلام و أصحابه و بين الماء، و منعوهم أن يسقوا منه قطرة.و ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام، و نادي عبدالله بن الحصين الأزدي [ صفحه 133] - و كان عداده في بجيلة - بأعلي صوته: يا حسين! ألا تنظرون الي الماء كأنه كبد السماء،

والله؛ لا تذوقون منه قطرة واحدة حتي تموتوا عطشا.فقال الحسين عليه السلام: اللهم اقتله عطشا، و لا تغفر له أبدا.قال حميد بن مسلم: والله؛ لعدته في موضعه [248] بعد ذلك، فوالله الذي لا اله غيره، لقد رأيته يشرب الماء حتي يبغر [249] ثم يقيئه و يصيح: العطش العطش، ثم يعود و يشرب الماء حتي يبغر و يقيئه و يتلظي عطشا، فما زال ذلك دأبه حتي لفظ نفسه، لا رحم الله تعالي [250] .ثم قال المجلسي رحمه الله: قال محمد بن أبي طالب: فلما اشتد العطش بالحسين عليه السلام دعا بأخيه العباس عليه السلام، فضم اليه ثلاثين فارسا و عشرين راجلا [251] ، و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل حتي دنوا من الفرات.فقال عمرو بن الحجاج: من أنتم؟فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام - يقال له: هلال بن نافع البجلي -: ابن عم لك، جئت أشرب من هذا الماء.فقال عمرو: اشرب هنيئا.فقال هلال: ويحك! كيف تأمرني أن أشرب و الحسين بن علي عليهماالسلام و من معه يموتون عطشا؟فقال عمرو: صدقت، لكن أمرنا بأمر لابد أن ننتهي اليه. [ صفحه 134] فصاح هلال بن نافع بأصحابه، فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس، و اقتتلوا قتالا شديدا، فكان قوم يقاتلون و قوم يملأون حتي ملأوها، و لم يقتل من أصحاب الحسين عليه السلام أحد.ثم رجع القوم الي معسكرهم، فشرب الحسين عليه السلام و من كان معه، و لذلك سمي العباس عليه السلام سقاء.

كلام الامام الحسين مع عمر بن سعد

ثم أرسل الحسين عليه السلام الي عمر بن سعد لعنه الله: اني أريد أن اكلمك فألقني الليلة بين عسكري و عسكرك، فخرج اليه ابن سعد لعنه الله في عشرين، و خرج الحسين عليه السلام في مثل ذلك.فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه،

فتنحوا عنه، و بقي معه أخوه العباس عليه السلام و ابنه علي الأكبر عليه السلام، و أمر عمر بن سعد لعنه الله أصحابه، فتنحوا عنه، و بقي معه ابنه حفص و غلام له.فقال له الحسين عليه السلام: ويلك يابن سعد! أما تتقي الله الذي اليه معادك؟أتقاتلني و أنا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و كن معي، فانه أقرب لك الي الله.فقال عمر بن سعد لعنه الله: أخاف أن تهدم داري.فقال الحسين عليه السلام: أنا أبنيها لك.فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي.فقال الحسين عليه السلام: أنا اخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز.فقال: لي عيال، و أخاف عليهم. [ صفحه 135] ثم سكت و لم يجبه الي شي ء، فانصرف عنه الحسين عليه السلام، و هو يقول: مالك ذبحك الله تعالي علي فراشك عاجلا، و لا غفر لك يوم حشرك، فوالله؛ اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق الا يسيرا.فقال ابن سعد لعنه الله: في الشعير كفاية عن البر، مستهزئا بذلك القول [252] .فقال ابن سعد لعنه الله: في الشعير كفاية عن البر، مستهزئا بذلك القول [253] .

كتاب عمر بن سعد الي ابن زياد ثانيا

قال المفيد رحمه الله: ثم رجع عمر بن سعد لعنه الله الي مكانه و كتب الي عبيدالله بن زياد لعنه الله:أما بعد؛ فان الله تعالي قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة، و أصلح أمر الأمة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع الي المكان الذي منه أتي، أو أن يسير الي ثغر من الثغور، فيكون رجلا من المسلمين، له ما لهم، و عليه ما عليهم، أو أن يأتي أميرالمؤمنين يزيد!! فيضع يده في يده [254] ، فيري فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لك رضي و للأمة صلاح.

كتاب ابن زياد الي ابن سعد

فلما قرأ عبيدالله لعنه الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه، فقام اليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه، و قد نزل بأرضك و أتي [ صفحه 136] جنبك؟ والله؛ لئن رجل من بلادك و لم يضع يده في يدك، ليكونن أولي بالقوة، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فانها من الوهن، و ليكن لينزل علي حكمك هو و أصحابه، فان عاقبت فأنت أولي بالعقوبة، فان عفوت كان ذلك لك.فقال ابن زياد لعنه الله: نعم ما رأيت! الرأي رأيك، أخرج بهذا الكتاب الي عمر بن سعد فليعرض علي الحسين و أصحابه النزول علي حكمي، فان فعلوا فليبعث الي سلما، و ان هم أبوا فليقاتلهم، فان فعل فاسمع له و أطع، و ان أبي أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه وابعث الي برأسه.و كتب الي عمر بن سعد لعنه الله: اني لم أبعثك الي الحسين لتكف عنه، و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء، و لا لتعتذر عنه، و لا لتكون عندي شفيعا له، أنظر! فان نزل

حسين و أصحابه علي حكمي، و استسلموا، فابعث الي بهم سلما، و ان أبوا فازحف اليهم حتي تقتلهم و تمثل بهم، فانهم لذلك مستحقون.فان قتلت حسينا فأوطي ء الخيل صدره و ظهره، فانه عات ظلوم، و لست أري أن هذا يضر بعد الموت شيئا، و لكن علي قول قد قلته: لو قتلته لفعلت هذا به، فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع، و ان أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر، فانا قد أمرناه بأمرنا، و السلام. [ صفحه 137]

نهوض عمر بن سعد لقتال الامام الحسين

فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد الي عمر بن سعد لعنه الله، فلما قدم عليه و قرأه، قال له عمر: مالك ويلك! لا قرب الله دارك، و قبح الله ما قدمت به علي، والله؛ اني لأظنك نهيته عما كتبت به اليه، و أفسدت علينا أمرنا، قد كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله؛ حسين، و ان نفس أبيه لبين جنبيه.فقال له شمر لعنه الله: أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه؟ و الا فخل بيني و بينه، و بين الجند و العسكر.فقال: لا! و لا كرامة لك، و لكن أنا أتولي ذلك فدونك، فكن أنت علي الرجالة. [255] .و في «تظلم الزهراء عليهاالسلام» عن «المناقب»: و كان قد كتب لعمر لعنه الله منشورا بالري، فجعل يقول:فوالله ما أدري و اني لحائر [256] . أفكر في أمري علي خطرين ءأترك ملك الري و الري منيتي أم أرجع مذموما بقتل حسين؟ففي قتله النار التي ليس دونها حجاب و ملك الري قرة عيني [257] .و قد رأيت في «مقتل أبي مخنف» من تمام ما قاله

لعنه الله بعد الأبيات:حسين ابن عمي و الحوادث جمة لعمري ولي في الري قرة عين لعل اله العرش يغفر زلتي و لو كنت فيها أظلم الثقلين [ صفحه 138] ألا انما الدنيا بخير معجل و ما عاقل باع الوجود بدين يقولون: ان الله خالق جنة و نار و تعذيب و غل يدين فان صدقوا فيما يقولون انني أتوب الي الرحمان من سببين و ان كذبوا فزنا بري عظيمة و ملك عقيم [258] دائم الحجلين و اني سأختار التي ليس دونها حجاب و تعذيب و غل يدين [259] .قال المفيد رحمه الله: و نهض ابن سعد لعنه الله الي الحسين عليه السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، و جاء شمر لعنه الله حتي وقف علي أصحاب الحسين عليه السلام و قال: أين بنو أختنا [260] ؟فخرج [اليه] جعفر و العباس و [عبدالله و] عثمان بنو علي عليهم السلام فقالوا: ما تريد؟فقال: أنتم يا بني أختي آمنون.فقال الفتية [261] : لعنك الله، و لعن أمانك، أتؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له [262] ؟و في رواية السيد رحمه الله: فناداه العباس بن علي عليه السلام: تبت يداك، و لعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! أتأمرنا أن نترك أخانا و سيدنا الحسين بن علي عليهماالسلام [263] و ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء؟ [ صفحه 139] فرجع الشمر الي عسكره مغضبا [264] .ثم قال المفيد صلي الله عليه و آله و سلم: ثم نادي عمر: يا خيل الله!! اركبي، و بالجنة أبشري!! فركب الناس، ثم زحف نحوهم بعد العصر.و الحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتبي بسيفه، اذ خفق برأسه علي ركبتيه، و سمعت أخته الصيحة، فدنت من أخيها، و قالت: يا أخي! أما

تسمع هذه الأصوات؟ قد اقترب العدو [265] .

زينب و رؤيا الحسين

فرفع الحسين عليه السلام رأسه فقال: اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الساعة في المنام و هو يقول لي: انك تروح الينا.فلطمت أخته وجهها، و نادت بالويل.فقال لها الحسين عليه السلام: ليس لك الويل يا أخية [266] ! أسكتي رحمك الله [267] .و في رواية السيد رحمه الله قال: يا أختاه! اني رأيت الساعة جدي محمدا و أبي عليا و أمي الفاطمة و أخي الحسن عليهم السلام، و هم يقولون: يا حسين! انك رائح الينا [عن] قريب.و في بعض الروايات: غدا.قال: فلطمت زينب عليهاالسلام علي وجهها، و صاحت. [ صفحه 140] فقال لها الحسين عليه السلام: مهلا، لا تشمتي القوم بنا [268] .

ارسال العباس الي القوم لاستمهالهم

ثم قال المفيد رحمه الله: و قال له العباس بن علي عليهماالسلام: يا أخي! أتاك القوم.فنهض ثم قال: [اي عباس!] اركب - [بنفسي] أنت يا أخي - حتي تلقاهم و تقول لهم: ما لكم؟ و ما بدالكم؟ و تسألهم عما جاء بهم؟فأتاهم العباس عليه السلام في نحو من عشرين فارسا، فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس عليه السلام: ما بدالكم؟ و ما تريدون؟قالوا: قد جاء أمر الأمير أن تعرض عليكم أن تنزلوا علي حكمه أو نناجزكم.قال: فلا تعجلوا حتي أرجع الي أبي عبدالله عليه السلام فأعرض عليه ما ذكرتم.فوقفوا فقالوا: ألقه و أعمله، ثم القنا بما يقول لك.فانصرف العباس عليه السلام راجعا يركض الحسين عليه السلام يخبره الخبر، و وقف أصحابه يخاطبون القوم، و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين عليه السلام.فجاء العباس عليه السلام الي الحسين عليه السلام و أخبره بما قال القوم.فقال: ارجع [اليهم] فان استطعت أن تؤخرهم الي غد [269] ، و تدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة، و ندعوه و

نستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له، و تلاوة كتابه، و كثرة الدعاء و الاستغفار. [ صفحه 141] فمضي العباس الي القوم [270] .و زاد السيد: فسألهم العباس عليه السلام ذلك، فتوقف عمر بن سعد لعنه الله، فقال له عمر بن الحجاج الزبيدي: والله؛ لو أنهم من الترك و الديلم و سألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف و هم آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم [271] ؟قال المفيد رحمه الله: فرجع العباس عليه السلام من عندهم، و معه رسول من عمر بن سعد لعنه الله يقول: انا قد أجلناكم الي غد، فان استسلمتم سرحنا بكم الي عبيدالله بن زياد، و ان أبيتم فلسنا بتاركيكم، فانصرف [272] .و في «أمالي الصدوق»: أمر مناديه فنادي: انا قد أجلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم، فشق ذلك علي الحسين عليه السلام و علي أصحابه رضوان الله عليهم [273] .

ليلة عاشوراء و خطبته في أصحابه

و في «الارشاد» للمفيد رحمه الله: فجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء.قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: فدنوت لأسمع ما يقول لهم، و أنا اذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه:أثني علي الله أحسن الثناء، و أحمده علي السراء و الضراء.اللهم اني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، و علمتنا القرآن، و فهمتنا [274] في [ صفحه 142] الدين، و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.أما بعد؛ فاني لا أعلم أصحابنا أوفي [و لا أبر] [275] و لا خيرا من أصحابي، و لا أهل بيت أبر و أصل من أهل بيتي، فجزاكم الله تعالي عني خيرا.ألا و اني لا أظن يوما [276] لنا من هؤلاء.ألا و اني قد أذنت لكم، فانطلقوا عني جميعا في

حل ليس عليكم حرج مني و لا ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا [277] .و زاد الصدوق رحمه الله:و تفرقوا في سواده، فان القوم انما يطلبوني، و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري. [278] .

ما قاله اخوته و أقاربه و أصحابه بعد خطبته

قال المفيد رحمه الله: فقال له اخوته و أبناؤه و بنوأخيه و ابنا عبدالله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بهذا القول العباس بن علي عليهماالسلام، و أتبعته الجماعة عليه، فتكلموا بمثله و نحوه.فقال الحسين عليه السلام: يا بني عقيل! حسبم من القتل بمسلم بن عقيل، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم.فقالوا: سبحان الله! ما يقول الناس؟ نقول: انا تركنا شيخنا و سيدنا و بني [ صفحه 143] عمومتنا - خير الأعمام - و لم نرم معهم بسهم، و لم نطعن معهم برمح، و لم نضرب معهم بسيف، و لا ندري ما صنعوا؟لا والله؛ ما نفعل، و لكن نفديك بأنفسنا و أموالنا و أهلنا، و نقاتل معك حتي نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.و قام اليه مسلم بن عوسجة، و قال: أنحن نخلي عنك، و بما نعتذر الي الله في أداء حقك؟ لا والله؛ حتي أطعن في صدورهم برمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة.والله؛ لا نخليك حتي يعلم الله تعالي أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيك، أما والله؛ لو علمت أني أقتل ثم أحيي ثم أحرق حيا [279] ثم اذري، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتي ألقي حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك؟ و انما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة

التي لا انقضاء لها أبدا.و قام زهير بن القين فقال: [والله؛] لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي أقتل هكذا ألف مرة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا [و انصرف الي مضربه] [280] .و قال السيد رحمه الله: و قيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال: قد اسر ابنك بثغر الري. [ صفحه 144] فقال: عندالله أحتسبه و نفسي، ما [كنت] أحب أن يوسر، و أنا أبقي بعده، فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال: رحمك الله! أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك.فقال: أكلتي السباع حيا ان فارقتك.قال: فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه.فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار [281] .

حديث سكينة ليلة عاشوراء

و قال مؤلف كتاب «نور العيون»: باسناده عن سكينة بنت الحسين عليه السلام، انها قالت: كنت جالسة في ليلة مقمرة وسط الخيمة، و اذا أنا أسمع من خلفها بكاء و عويلا، فخشيت أن تفقه بي النساء، فخرجت أعثر بأذيالي، و اذا بأبي جالس و حوله أصحابه و هو يبكي، فسمعته يقول لهم:اعلموا انكم خرجتم معي لعلمكم أني أقدم علي قوم بايعوني بألسنتهم و قلوبهم، و قد انعكس الأمر، لأنهم استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، و الان ليس لهم مقصد الا قتلي، و قتل من يجاهد بين يدي، و سبي حريمي بعد سلبهم، و أخشي أن تكونوا ما تعلمون - أو تعلمون - [282] و تستحون، و الخدع عندنا أهل البيت محرم.فمن كره منكم ذلك فلينصرف، فان الليل ستير، و السبيل غير خطير، و

الوقت ليس بهجير. [ صفحه 145] و من واسانا بنفسه كان معنا غدا في الجنان، نجيا من غضب الرحمان.و قد قال جدي صلي الله عليه و آله و سلم: ولدي الحسين عليه السلام يقتل بأرض كربلاء غريبا وحيدا عطشانا فريدا، فمن نصره فقد نصرني، و نصره ولده القائم عليه السلام، و لو نصرنا بلسانه فهو في حزبنا يوم القيامة.قالت سكينة: فوالله؛ ما أتم كلامه حتي تفرق [283] القوم من عشرة و عشرين، فلم يبق معه الا واحد و سبعون رجلا، فنظرت الي أبي منكسا رأسه، فخنقتني العبرة، فخشيت أن يسمعني، و رفعت طرفي الي السماء و قلت:اللهم انهم خذلونا فاخذلهم، و لا تجعل لهم دعاءا مسموعا، و سلط عليهم الفقر، و لا ترزقهم شفاعة جدي يوم القيامة.و رجعت و دموعي تجري علي خدي، فرأتني عمتي أم كلثوم عليهاالسلام، فقالت: ما دهاك يا بنتاه؟فأخبرتها الخبر، فصاحت: وا جداه! وا علياه! وا حسناه! وا حسيناه! وا قلة ناصراه! أين الخلاص من الأعداء؟ ليتهم يقنعون بالفداء، تركت جوار جدك و سلكت بنا بعد المدي.فعلا منا البكاء و النحيب، فسمع أبي ذلك، فأتي الينا يعثر في أذياله و دموعه تجري، و قال: ما هذا البكاء؟فقالت: يا أخي! ردنا الي حرم جدنا.قال: يا أختاه! ليس لي الي ذلك سبيل.قالت: أجل؛ ذكرهم محل جدك و أبيك و أمك و أخيك عليهم السلام. [ صفحه 146] قال: ذكرتهم فلم يذكروا، و وعظتهم فلم يتعظوا، و لم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيل، و لابد أن تروني علي الثري جديلا، و لكن اوصيكن بتقوي الله رب البرية، والصبر علي البلية، و كظم نزول الرزية، و بهذا أوعد جدكم و لا خلف لما أوعد، ودعتكم الهي الفرد

الصمد.ثم تباكينا ساعة و الامام عليه السلام يقول: (و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون) [284] [285] .

حديث الامام السجاد ليلة عاشوراء

و روي الصدوق رحمه الله في «الأمالي» باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال:لما كانت الليلة العاشرة من المحرم أمر أبي بحفيرة، فحفرت حول عسكره شبه الخندق، و أمر فحشيت حطبا، و أرسل عليا ابنه عليهماالسلام في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء، و هم علي وجل شديد.ثم قال لأصحابه: قوموا فاشربوا من الماء، لكن آخر زادكم، و توضأوا و اغتسلوا، و أغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم [286] . [ صفحه 147]

تمثله بأبيات تدل علي شهادته و بكاء النساء لذلك

قال المفيد رحمه الله: قال علي بن الحسين عليهماالسلام: اني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها، و عندي عمتي زينب تمرضني، اذا اعتزل أبي في خباء له، و عنده فلان [287] مولي أبي ذر الغفاري، و هو يعالج سيفه و يصلح، و أبي يقول:يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق و الأصيل من صاحب أو طالب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل و انما الأمر الي الجليل و كل حي سالك سبيل فأعادها مرتين - أو ثلاثا - حتي فهمتها، و علمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها و لزمت السكوت، و علمت أن البلاء قد نزل.و أما عمتي؛ فلما سمعت ما سمعت و هي امرأة، و من شأن النساء الرقة و الجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها و هي حاسرة حتي انتهت اليه، [و] قالت:واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة، و أبي علي، و أخي الحسن عليهم السلام، يا خليفة الماضي، و ثمال الباقي.فنظر اليها الحسين عليه السلام و قال: يا أخية! لا يذهبن بحلمك الشيطان.[قالت: بأبي أنت و أمي يا أباعبدالله! استقتلت نفسي فداك؟! فرد غصته] [288] و ترقرقت عيناه بالدموع، و قال: لو ترك القطا [ليلا] لنام.

[ صفحه 148] فقالت: يا ويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي، و أشد علي نفسي.ثم لطمت وجهها، و أهوت الي جيبها فشقته و خرت مغشية عليها.فقام اليها الحسين عليه السلام، فصب علي وجهها الماء و قال لها:يا اختاه! اتقي الله و تعزي بعزاء الله، و اعلمي أن أهل الأرض يموتون، و أهل السماء لا يقون، و أن كل شي ء هالك الا وجه الله تعالي، الذي خلق الخلق بقدرته، و يبعث الخلق و يعودون، و هو فرد وحده، [جدي خير مني] [289] ، و أبي خير مني، و أمي خير مني، و أخي خير مني، [ولي] و لكل مسلم برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أسوة.فعزاها بهذا و نحوه، و قال لها: يا أختاه! اني أقسمت عليك، فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، و لا تخمشي علي وجها، و لا تدعي [علي] بالويل و الثبور اذا أنا أهلكت.ثم جاء بها حتي أجلسها عندي [290] .قال السيد رحمه الله: فلما سمعت زينب عليهاالسلام ذلك قالت: يا أخي! هذا كلام من أيقن بالقتل.فقال: نعم يا أختاه!فقالت زينب عليهاالسلام: واثكلاه! هذا الحسين ينعي الي نفسه [291] .قال: و بكت و بكي النسوة، و لطمن الخدود، و شققن الجيوب. [ صفحه 149] و جعلت ام كلثوم تنادي: وا محمداه! وا علياه! وا اماه! وا أخاه! واحسيناه!» و اضيعتنا بعدك يا أباعبدالله!قال: فعزي لها الحسين عليه السلام و قال: يا أختاه! تعزي بعزاء الله، فكان سكان السماوات يفنون، و أهل الأرض كلهم يموتون، و جميع البرية يهلكون.ثم قال عليه السلام: يا أختاه! يا أم كلثوم! و أنت يا زينب! [و أنت يا رقية!] و أنت يا فاطمة! و أنت يا رباب! انظرن اذا

أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا، و لا تخمشن علي وجها، و لا تقلن هجرا [292] .

عبادته ليلة عاشوراء

قال المفيد رحمه الله: ثم خرج الي أصحابه، فأمرهم أن يقرب بعض [293] بيوتهم من بعض، و أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، و أن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد، و البيوت من ورائهم، و عن أيمانهم و عن شمائلهم قد حفت بهم، الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم.و رجع عليه السلام الي مكانه، فقام ليلته كلها يصلي و يستغفر و يدعو و يتضرع، و قام أصحابه كذلك يصلون و يدعون و يستغفرون [294] . [ صفحه 150]

رؤياه في سحر ليلة عاشوراء

و في «البحار» عن «المناقب» قال: فلما كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة ثم استيقظ، فقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟فقالوا: و ما الذي رأيت يابن رسول الله؟فقال: رأيت كأن كلابا قد شدت علي لتنهشني، و فيها كلب أبقع، رأيته أشدها علي، و أظن أن الذي يتولي قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم.ثم اني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و معه جماعة من أصحابه، و هو يقول:يا بني! أنت شهيد آل محمد عليهم السلام، و قد استبشر بك أهل السماوات و أهل الصفيح الأعلي، فليكن افطارك عندي الليلة، عجل و لا تأخر، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.فهذا ما رأيت و قد أنف [295] الأمر، و اقترب الرحيل من هذه الدنيا لا شك في ذلك [296] .قال المفيد رحمه الله: قال الضحاك بن عبدالله: و مرت بنا خيل لابن سعد لعنه الله تحرسنا، و ان حسينا عليه السلام ليقرأ: (فلا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين - ما

كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب) [297] . [ صفحه 151] فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له: عبدالله بن سمير - و كان مضحاكا، و كان شجاعا بطلا فارسا [شريفا] فاتكا - فقال: نحن و رب الكعبة الطيبون، ميزنا بكم.فقال له برير بن خضير: يا فاسق! أنت يجعلك الله من الطيبين؟فقال له: من أنت ويلك؟فقال له: أنا برير بن خضير، فتسابا [298] .و في رواية السيد رحمه الله: فعبر اليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد لعنه الله اثنان و ثلاثون رجلا.فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاط، فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير، و جعل عندها [299] نورة، ثم دخل فيطلي.

برير الهمداني يضاحك عبدالرحمان الأنصاري في صبح يوم عاشوراء

فروي: أن برير بن خضير الهمداني و عبدالرحمان بن عبدربه الأنصاري وقفا علي باب الفسطاط ليطليا بعده، فجعل برير يضاحك عبدالرحمان.فقال له عبدالرحمان: يا برير! أتضحك؟ ما هذه ساعة [ضحك و لا] باطل.فقال برير: لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا، و انما أفعل ذلك استبشارا بما نصير اليه، فوالله؛ ما هو الا أن نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا [ صفحه 152] نعالجهم بها ساعة، ثم نعانق الحور العين [300] .و روي ابن قولويه في «الكامل» باسناده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان الحسين عليه السلام صلي بأصحابه يوم أصيبوا، ثم قال:أشهد أنه قد أذن لكم في قتلكم يا قوم، فاتقوا الله و اصبروا [301] .

تهيؤ الامام الحسين للقتال

قال صاحب «الأصل»: أقول: لما طلع الشمس في صبيحة عاشوراء جمع الحسين عليه السلام أصحابه وهم - علي ما روي السيد في «اللهوف» عن الباقر عليه السلام - كانوا خمسة و أربعين فارسا و مائة راجل [302] .و كذا قال ابن نما رحمه الله في «مثير الأحزان» [303] .و في «البحار» عن محمد بن أبي طالب: كانوا اثنين و ثلاثين فارسا و أربعين راجلا [304] .و قال المفيد قدس سره: و أصبح الحسين عليه السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة، و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، و أعطي رايته العباس بن علي عليهماالسلام أخاه. [ صفحه 153] و جعلوا البيوت في ظهورهم، و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.و أصبح عمر بن سعد لعنه الله في ذلك

اليوم - و هو يوم الجمعة، و قيل: يوم السبت - فعبأ أصحابه، و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه السلام، و كان علي ميمنته عمرو بن الحجاج، و علي ميسرته شمر بن ذي الجوشن، و علي الخيل عروة بن قيس، و علي الرجالة شبث بن ربعي، و أعطي الراية دريدا مولاه [305] .و في «البحار» عن محمد بن أبي طالب: و كانوا نيفا علي اثنين و عشرين ألفا.و في رواية عن الصادق عليه السلام: ثلاثين ألفا [306] .أقول: و قال أبومخنف في «مقتله»: انهم كانوا ثمانين ألف فارس من أهل الكوفة ليس فيهم شامي و لا حجازي.ثم ان عمر بن سعد لعنه الله جمع أصحابه و عبأ هم للحرب ميمنة و ميسرة، و جعل في الميمنة الشمر بن ذي الجوشن، و معه عشرون ألف فارس، و جعل في الميسرة خولي بن يزيد الأصبحي و معه عشرون ألف فارس، و وقف بباقي الجيش في القلب [307] . [ صفحه 154]

دعاء الامام الحسين في صبيحة يوم عاشوراء

قال المفيد رحمه الله: و روي عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنه قال: لما أصبحت الخيل تقبل علي الحسين عليه السلام رفع يديه و قال:اللهم أنت ثقتي في كل كرب، و رجائي في كل شدة، و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد، و تقل فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدو، أنزلته بك و شكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك، ففرجته و كشفته، فأنت ولي كل نعمة، و صاحب كل حسنة، و منتهي كل رغبة.قال: فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين عليه السلام، فيرون الخندق في ظهورهم و النار تضطرم في الحطب و

القصب الذي [كان] ألقي فيه، فنادي شمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة بأعلي صوته: يا حسين! أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة؟فقال الحسين عليه السلام: من هذا؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن لعنه الله.فقالوا: نعم.فقال له: يابن راعية المعزي! أنت أولي بها صليا.ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك، فقال له: دعني حتي أرميه، فانه الفاسق من أعداء الله و عظماء الجبارين، و قد أمكن الله منه.فقال له الحسين عليه السلام: لا ترمه، فاني أكره أن أبدءهم بقتال [308] . [ صفحه 155]

كلام برير مع القوم و وعظه

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: قال محمد بن أبي طالب: و ركب أصحاب عمر بن سعد لعنه الله فقرب الي الحسين عليه السلام فرسه، فاستوي عليه و تقدم نحو القوم في نفر من أصحابه، و بين يديه برير بن خضير، فقال له الحسين عليه السلام: كلم القوم.فتقدم برير، فقال: يا قوم! اتقوا الله، فان ثقل محمد صلي الله عليه و آله و سلم قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته و عترته و بناته و حرمه، فهاتوا ما عندكم، و ما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد، فيري رأيه فيهم.فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا الي المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة! أو نسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها و أشهدتم الله عليها؟ يا ويلكم! أدعوتم أهل بيت نبيكم و زعمتم أنكم تقلتون أنفسكم دونهم حتي اذا أتوكم أسلمتموهم الي ابن زياد لعنه الله و حلأتموهم عن ماء الفرات؟ بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته، مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة؟ فبئس القوم أنتم.فقال له نفر منهم: [يا هذا!] ما ندري ما تقول؟فقال برير: الحمد

لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم اني أبرء اليك من فعال هؤلاء القوم، اللهم ألق بأسهم بينهم، حتي يلقوك و أنت عليهم غضبان.فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير الي ورائه. [ صفحه 156]

خطبة الامام الحسين أمام عسكر ابن سعد

و تقدم الحسين عليه السلام حتي وقف بازاء القوم، فجعل ينظر الي صفوفهم كأنهم السيل، و نظر الي ابن سعد لعنه الله واقفا في صناديد الكوفة [309] .قال المفيد رحمه الله: فنادي بأعلي صوته: يا أهل العراق! - و جلهم يسمعون - فقال:أيها الناس! اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتي أعظكم بما يحق لكم علي و حتي أعذر عليكم، فان أطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، و ان لم تعطوني النصف من أنفسكم، فأجمعوا آرائكم [310] ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون (ان وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين) [311] .ثم حمد الله و أثني عليه و ذكر الله بما هو أهله، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و علي ملائكة الله و علي أنبيائه، فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه [312] .له من علي عليه السلام في الحروب شجاعة و من أحمد صلي الله عليه و آله و سلم عند الخطابة قيل قال: ثم قال:أما بعد؛ فأنسبوني فانظروني من أنا؟ ثم راجعوا [313] الي أنفسكم و عاتبوها، [ صفحه 157] فانظروا اهل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ و ابن وصيه؟ و ابن عمه؟ و أول مؤمن مصدق لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما جآء به من عند ربه؟أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي؟أو ليس جعفر الطيار

في الجنة بجنا حين عمي؟أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟فان صدقتموني بما أقول و هو الحق، والله؛ ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، و ان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم.اسألوا [314] جابر بن عبدالله الأنصاري، و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟فقال له الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله: هو يعبد الله علي حرف ان كان يدري ما تقول.فقال له حبيب بن مظاهر: والله؛ اني لأراك تعبد الله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما تقول: قد طبع الله علي قلبك.ثم قال لهم الحسين عليه السلام:فان كنتم في شك من هذا أفتشكون أني ابن بنت نبيكم؟ فوالله؛ ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم. [ صفحه 158] و يحكم! أتطلبوني بقتيل منكم فقتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟فأخذوا لا يكلمونه، ثم نادي:يا شبث بن ربعي! و يا حجار بن أبجر! و يا قيس بن الأشعث! و يا يزيد بن الحارث! ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار، و اخضرت الجنات، و انما تقدم علي جند لك مجند؟فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، و لكن أنزل علي حكم بني عمك، فانه لم يروك الا ما تحب.فقال لهم الحسين عليه السلام:لا والله؛ لا

أعطيكم بيدي اعطاء الذليل، و لا أفر فرار العبيد [315] .ثم نادي:يا عباد الله! اني عذت بربي و ربكم أن ترجمون، و أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.ثم انه عليه السلام أناخ راحلته، و أمر عقبة بن سمعان فعقلها، و أقبلوا يزحفون نحوه [316] .و قال أبوالفرج [يوسف بن] عبدالرحمان بن الجوزي في «تأريخه»: قال هشام بن محمد:لما رآهم الحسين عليه السلام مصرين علي قتله أخذ المصحف و نشره و جعله [ صفحه 159] علي رأسه و نادي:بيني و بينكم كتاب الله و جدي محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.يا قوم! بم تستحلون دمي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ ألم يبلغكم قول جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟فان لم تصدقوني فاسألوا جابرا و زيد بن أرقم و أباسعيد الخدري.أليس جعفر الطيار عمي؟فناداه الشمر لعنه الله: الساعة ترد الهاوية.فقال الحسين عليه السلام: الله أكبر أخبرني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: رأيت كأن كلبا ولغ في دماء أهل بيتي و ما اخالك الا اياه.فقال شمر لعنه الله: أنا أعبدالله علي حرف ان كنت أدري ما تقول [317] .و في «البحار»: و في «المناقب» روي باسناده عن محمد بن سليمان بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن عبدالله قال:لما عبأ عمر بن سعد لعنه الله أصحابه لمحاربة الحسين بن علي عليهماالسلام، و رتبهم مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبأ أصحاب الميمنة و الميسرة، فقال لأصحاب القلب: أثبتوا.و أحاطوا بالحسين عليه السلام من كل جانب حتي جعلوه في مثل الحلقة.فخرج عليه السلام حتي أتي

الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا حتي قال لهم:ويلكم! ما عليكم أن تنصتوا الي فتسمعوا قولي؟ و انما أدعوكم الي سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، و من عصاني كان من المهلكين، [ صفحه 160] و كلكم عاص لأمري غير مستمع قولي، فقد ملات بطونكم من الحرام، و طبع علي قلوبكم، ويلكم! ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟فتلاوم أصحاب عمر بن سعد لعنه الله بينهم، و قالوا: أنصتوا له.فقام الحسين عليه السلام ثم قال:تبا لكم أيتها الجماعة! و ترحا، أفحين استصرختمونا و لهين متحيرين فأصرخناكم [318] مؤدين مستعدين، سللتم علينا سيفا في رقابنا، و حششتم علينا نار الفتن جناها [319] عدوكم و عدونا [320] .فأصبحتم البا علي أوليائكم، ويدا عليهم لأعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، الا الحرام من الدنيا أنالوكم، و خسيس عيش طعمتم فيه، من غير حدث كان منا و لا رأي تفيل لنا.فهلا لكم الويلات! تركتمونا و السيف مشيم [321] ، فهلا لكم الويلات! اذ كرهتمونا و تركتمونا تجهزتمونا [322] ، والسيف لم يشهر، و الجاش طامن، و الرأي لم يستحصف.و لكن أسرعتم الينا كطيرة الذباب، و تداعيتم كتداعي الفراش، فقبحا لكم! فانما أنتم من طواغيت الأمة، و شذاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و نفثة الشيطان، و عصبة الاثام، و محر في الكتاب، و مطفي ء السنن، و قتلة أولاد [ صفحه 161] الأنبياء، و مبيري عترة الأوصياء، و ملحقي العهار بالنسب، و مؤذي المؤمنين، و مصرخي [323] أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين.و أنتم ابن حرب و أشياعه تعتمدون، و ايانا تخالون، أجل، والله؛ الخذل فيكم معروف، و شجت عليه عروقكم، و توارثته أصولكم و فروعكم، و ثبتت عليه قلوبكم،

و غشيت صدوركم، فكنتم أخبث ثمر شجي للناطور [324] و أكلة للغاصب.ألا لعنة الله علي الناكثين، الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها، و قد جعلتم الله عليكم كفيلا، فأنتم والله؛ هم.ألا ان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين القلة و الذلة، و هيهات ما آخذ الدنية، أبي الله ذلك و رسوله و المؤمنون [325] و جدود طابت، و حجور طهرت، و أنوف حمية، و نفوس أبية، لا تؤثر مصارع اللئام علي مصارع الكرام.ألاقد أعذرت و أنذرت، ألا اني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العتاد، و خذلة الأصحاب.ثم أنشأ يقول:فان نهزم فهزامون قدما و ان نهزم فغير مهزميناو ما ان طبنا جبن و لكن منايانا و دولة آخريناألا! ثم لا يلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، عهد عهده الي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثم كيدوني [ صفحه 162] جميعا فلا تنظرون، اني توكلت علي الله ربي و ربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم.اللهم احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف عليه السلام، و سلط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأسا مصبرة، و لا يدع فيهم أحدا الا قتله، قتلة بقتلة، و ضربة بضربة، ينتقم لي و لأوليائي و أهل بيتي و أشياعي منهم، فانهم غرونا و كذبونا و خذلونا، وأنت ربنا عليك توكلنا و اليك أنبنا و اليك المصير.

مكالمته مع ابن سعد

قال: ثم قال عليه السلام: أين عمر بن سعد لعنه الله؟ أدعو لي عمر.فدعي له، و كان كارها لا يحب أن يأتيه، فقال:يا عمر! أن تقتلني و تزعم أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري و جرجان؟ و الله؛ لا

تتهنأ بذلك أبدا، عهدا معهودا، فاصنع ما أنت صانع، فانك لا تفرح بدنيا و لا آخرة، و كأني برأسك علي قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان و يتخذونه غرضا بينهم.فاغتاظ عمر من كلامه، ثم صرف بوجهه عنه، و نادي بأصحابه: ما تنتظرون به؟ احملوا بأجمعكم انما هي اكلة واحدة.ثم ان الحسين عليه السلام دعا بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المرتجز، فركبه [326] .و في «أمالي الصدوق» باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: [ صفحه 163] و عبأ أصحابه تعبئة الحرب، و أمر بحفيرته التي حول عسكره، فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد.فأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد علي فرس له يقال له: ابن أبي جويرية المزني، فلما نظر الي النار تتقد صفق بيديه و نادي: يا حسين! و يا أصحاب الحسين! ابشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا.فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟فقالوا: ابن جويرية.فقال الحسين عليه السلام: اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا.فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار، فاحترق.ثم برز من عسكر ابن سعد لعنه الله رجل آخر يقال له: تميم بن حصين الفزاري، فنادي: يا حسين! و يا أصحاب الحسين! أما ترون الي ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات، والله؛ لا ذقتم منه قطرة حتي تذوقوا الموت جزعا.فقال الحسين عليه السلام: من الرجل؟فقيل له: تيمم بن حصين.فقال الحسين عليه السلام: هذا و أبوه من أهل النار، اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم.قال: فخنقه العطش حتي سقط عن فرسه، فوطئته الخيل بسنابكها، فمات.ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد لعنه الله يقال له: محمد بن أشعث بن قيس الكندي، فقال: يا حسين بن فاطمة! أية حرمة لك من رسول الله

ليست لغيرك؟ [ صفحه 164] فتلا الحسين عليه السلام هذه الاية: (ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين - ذرية بعضها من بعض) [327] .ثم قال: والله؛ ان محمدا صلي الله عليه و آله و سلم لمن آل ابراهيم، و ان العترة الهادية لمن آل محمد، من الرجل؟فقيل: محمد بن أشعث بن قيس الكندي.فرفع الحسين عليه السلام رأسه الي السماء فقال: اللهم أذل محمد بن الأشعث في هذا اليوم ذلا لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا.فعرض له عارض، فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغته، فمات بادي العورة.و بلغ العطش من الحسين عليه السلام و أصحابه [328] .و في «المنتخب»: فدعي بأخيه العباس عليه السلام و قال له: أجمع أهل بيتك واحفر بئرا، ففعلوا ذلك فطموها، ثم حفروا بئرا أخري فطموها، فتزايد العطش عليهم [329] .و في «مسند البتول» عن المفضل قال: قال أبوعبدالله عليه السلام:لما منع الحسين عليه السلام و أصحابه الماء نادي فيهم: من كان ظمئآن فليجي ء.فأتاه رجل رجل من أصحابه، و يجعل ابهامه في راحة واحدهم، فلم يزل يشربه الرجل بعد الرجل حتي ارتووا. [ صفحه 165] فقال بعضهم لبعض: والله؛ لقد شربنا شرابا ما شربه أحد من العالمين [330] .

كلام ابن الحصين الهمداني مع أهل الكوفة

قال الصدوق رحمه الله: فدخل عليه رجل من شيعته يقال له: يزيد بن الحصين الهمداني - قال ابراهيم بن عبدالله راوي الحديث: هو خال أبي اسحاق الهمداني - فقال: يابن رسول الله! أتاذن لي فأخرج اليهم و أكلمهم؟فأذن له، فخرج اليهم فقال: يا معشر الناس! ان الله عزوجل بعث محمدا بالحق بشيرا و نذيرا، و داعيا الي الله باذنه و سراجا منيرا، و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير

السواد و كلابها، و قد حيل بينه و بين ابنه.فقالوا له: يا يزيد! قد أكثرت الكلام فاكفف، فوالله؛ ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله.فقال الحسين عليه السلام: أقعد يا يزيد!

كلام الامام الحسين مع القوم

ثم وثب الحسين عليه السلام متوكيا علي سيفه، فنادي بأعلي صوته فقال:أنشدكم الله تعالي؛ هل تعرفون أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله تعالي؛ هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟قالوا: اللهم نعم. [ صفحه 166] قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب عليه السلام؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة اسلاما؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن جعفرا الطيار في الجنة عمي؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنا متقلده؟قالوا: نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنا لا بسها؟قالوا: اللهم نعم.قال: أنشدكم الله؛ هل تعلمون أن عليا عليه السلام كان أولهم اسلاما، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما، و هو ولي كل مؤمن و مؤمنة؟قالوا: اللهم نعم.قال: فبم تستحلون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء؛ و لواء الحمد في يد جدي يوم القيامة؟قالوا: قد علمنا ذلك كله، و نحن غير تاريك حتي تذوق الموت عطشا.فأخذ الحسين عليه السلام بطرف لحيته - و هو يومئذ ابن سبع وخمسين سنة - ثم قال: [ صفحه 167] اشتد

غضب الله علي اليهود حيث قالوا: عزير بن الله، و اشتد غضب الله علي النصاري حين قالوا: المسيح ابن الله، و اشتد غضب الله علي المجوس حين عبدوا النار من دون الله، و اشتد غضب الله علي قوم قتلوا نبيهم، و اشتد غضب الله علي هذه العصابة الذين يريدون قتل ابن نبيهم [331] .

بكاء أهل البيت بعد هذا الكلام

قال السيد رحمه الله: فلما خطب هذه الخطبة، و سمع بناته و أخته زينب عليهاالسلام كلامه بكين و ندبن و لطمن خدودهن، و ارتفعت أصواتهن، فوجه اليهن أخاه العباس عليه السلام و عليا ابنه عليه السلام، و قال لهما: سكتاهن، فلعمري ليكثرن بكاؤهن.قال: ثم قال عليه السلام: أما والله؛ لا أجيبهم الي شي ء مما يريدون حتي ألقي الله و أنا مخضب بدمي.و روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: سمعت أبي يقول:لما التقي الحسين عليه السلام و عمر بن سعد لعنه الله و قامت الحرب، أنزل الله النصر حتي رفرف علي رأس الحسين عليه السلام، ثم خير بين النصر علي عدوه و بين لقاء الله من غير أن ينقص من أجره شي ء، فاختار لقاء الله.قال: رواه أبوطاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب «معالم الدين» قال الراوي: ثم صاح عليه السلام:أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [332] ؟ [ صفحه 171]

في مقاتلة أصحابه و كيفية شهادتهم

تقدم عمر بن سعد ورمي اول سهم نحو عسكر الحسين

قال السيد رحمه الله: ثم ان الحسين عليه السلام دعي بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المرتجز، فركبه و عبأ أصحابه للقتال.قال: فتقدم عمر بن سعد لعنه الله، فرمي نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم، و قال: اشهدوا لي عند الأمير: أني أول من رمي، و أقبلت السهام من القوم كأنها القطر.فقال عليه السلام لأصحابه: قوموا رحمكم الله! الي الموت، [الي الموت] الذي لابد منه، فان هذه السهام رجل القوم اليكم.فاقتتلوا ساعة من النهار حملة و حملة، حتي قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة.قال: فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده علي لحيته، و جعل يقول:اشتد غضب الله علي اليهود اذ جعلوا له ولدا، و

اشتد غضب الله علي النصاري اذ جعلوه ثالث ثلاثة، و اشتد غضبه علي المجوس اذ عبدوا الشمس و القمر دونه، و اشتد غضبه علي قوم اتفقت كلمتهم علي قتل ابن بنت نبيهم [333] .و روي الفاضل المجلسي رحمه الله، عن محمد بن أبي طالب: أنه رمي أصحابه [ صفحه 172] كلهم، فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام الا أصابه من سهامهم.قيل: فلما رموهم هذه الرمية، قل أصحاب الحسين عليه السلام و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا [334] .و قال السيد رحمه الله: ثم صاح عليه السلام: أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذاب يذب عن حرم الله [335] ؟

موقف الحر و تردده في القتال

و قال الشيخ المفيد رحمه الله: فلما رأي الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا علي قتال الحسين عليه السلام قال لعمر بن سعد لعنه الله: أي عمر! أمقاتل أنت هذا الرجل؟قال: اي والله، قتالا شديدا، أيسره أن تسقط الرؤوس، و تطيح الأيدي.قال: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضي؟قال عمر لعنه الله: أما لو كان الأمر الي لفعلت، و لكن أميرك قد أبي.فأقبل الحر حتي وقف من الناس موقفا، و معه رجل من قومه يقال له: قرة بن قيس فقال له: يا قرة! هل سقيت فرسك اليوم؟قال: لا.قال: فما تريد أن تسقيه؟قال قرة: فظننت والله؛ انه يريد أن يتنحي، و لا يشهد القتال، فكره أن أراه حين يصنع [ذلك] . [ صفحه 173] فقلت [له]: لم أسقه و أنا منطق فأسقيه.فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه، فوالله؛ لو أنه أطلعني علي الذي يريد لخرجت معه الي الحسين عليه السلام [336] .أقول: و قال أبومخنف: ان الحر أقبل علي ابن عمه، فقال: يابن عم! أنتظر الي الحسين عليه السلام يستغيث

فلا يغاث؟ فهل لك أن تسير بنا اليه و نقاتل بين يديه؟ فان الناس عن هذه الدنيا راحلة، و كرامات الدنيا زائلة، فلعلنا نفوز بالشهادة، و نكون من أهل السعادة.فقال الولد: حبا و كرامة.ثم قال المفيد رحمه الله: فأخذ الحر يدنو من الحسين عليه السلام قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يابن الرياحي؟ أتريد أن تحمل؟فلم يجبه، فأخذه مثل الأفكل - و هي الرعدة -، فقال له المهاجر: ان أمرك لمريب، والله؛ ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا، و لو قيل له: من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أري منك؟فقال له الحر: اني والله؛ أخير نفسي بين الجنة و النار، فوالله؛ لا أختار علي الجنة شيئا، و لو قطعت و أحرقت، ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام [337] . [ صفحه 174]

رجوع الحر الي الامام الحسين

و قال السيد: ثم ضرب فرسه قاصدا الي الحسين عليه السلام و يده علي رأسه و هو يقول: اللهم [اني] اليك أنبت، فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيك [338] .ثم قال المفيد رحمه الله: فقال له:جعلت فداك؛ يابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، و سايرتك في الطريق، و جعجعت بك في هذا المكان، و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، و لا يبلغون منك هذه المنزلة، والله؛ لو علمت أنهم ينتهون بك علي ما أري ما ركبت مثل الذي ركبت، و أنا تائب الي الله مما صنعت، أفتري لي من ذلك توبة؟فقال له الحسين عليه السلام: نعم؛ يتوب الله عليك، فأنزل.فقال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم علي فرسي ساعة، و الي النزول ما يصير آخر

أمري. [339] .و قال ابن نما رحمه الله: و رويت باسنادي أنه قال للحسين عليه السلام: لما وجهني ابن زياد لعنه الله اليك خرجت من القصر، فنوديت من خلفي: أبشر يا حر بخير، فالتفت فلم أر أحدا.فقلت: والله؛ ما هذه بشارة، و أن أسير الي الحسين عليه السلام، و ما أحدث نفسي باتباعك. [ صفحه 175] فقال عليه السلام: لقد أصبت أجرا و خيرا [340] .قال أبومخنف: ثم ان الحر قال لولده: احمل يا بني! علي القوم الظالمين.قال: فحمل الغلام علي القوم، و لم يزل يقاتل حتي قتل سبعين فارسا، ثم قتل، رحمة الله عليه.قال: فلما رآه أبوه مقتولا فرح بذلك فرحا شديدا، و قال: الحمد لله الذي رزقك الشهادة بين يدي مولانا الحسين بن علي عليهماالسلام.ثم تقدم الحر الي الامام عليه السلام، و قال: يا مولاي! أريد أن تأذن لي بالبراز الي الميدان، فاني أول من خرج اليك، و أحب أن أقتل بين يديك.فقال له الحسين عليه السلام: ابرز بارك الله تعالي فيك [341] .

كلام الحر مع القوم و وعظه

و قال المفيد رحمه الله: فاستقدم أمام الحسين عليه السلام، فقال: يا أهل الكوفة! لأمكم الهبل [342] و العبر، أدعوتم هذا العبد الصالح حتي اذا أتاكم أسلمتموه؟ و زعمتم أنكم قاتلتم أنفسكم [343] دونه، ثم غدرتم [344] عليه لتقتلوه؟ و أمسكتم بنفسه، و أخذتم بكلكله [345] ، و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه الي بلاد الله [ صفحه 176] العريضة.فصار كالأسير في أيديكم، لا يملك لنفسه نفعا، و لا يدفع عنها ضرا، و جلأتموه [346] و نسائه و صبيته و أهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود و النصاري و المجوس، و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابهم، و هاهم قد صرعهم العطش.بئسما خلفتم

محمدا صلي الله عليه و آله و سلم في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ [الأكبر] .فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل، فأقبل حتي وقف أمام الحسين عليه السلام [347] .

مبارزة بعض أصحابه

ثم قال: و تبارزوا، فبرز يسار مولي زياد بن أبي سفيان، و برز اليه عبدالله بن عمير، فقال له يسار: من أنت؟ فانتسب له.فقال: لست أعرفك حتي يخرج الي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر.فقال له عبدالله بن عمير: يابن الفاعلة! و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس، ثم شد عليه، فضربه بسيفه حتي برد، و انه لمشغول بضربه اذ شد عليه سالم مولي عبيدالله بن زياد، فصاحوا به: قد رهقك العبد، فلم يشعر به حتي غشيه.فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسري فأطارت أصابع كفه، ثم شد عليه فضربه حتي قتله، و أقبل و قد قتلهما جميعا و هو يرتجز و يقول:ان تنكروني فأنا ابن الكلب اني امرء ذو مرة و عضب [ صفحه 177] و لست بالخوار عند النكب و حمل عمرو بن الحجاج علي ميمنة أصحاب الحسين عليه السلام فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دني من أصحاب الحسين عليه السلام جثوا له علي الركب و أشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم علي الرماح، فذهبت الخيل لترجع، فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل، فصرعوا منهم رجالا و جرحوا منهم آخرين. [348] .

مبارزة الحر و شهادته

و في «البحار» قال: قال محمد بن أبي طالب، و صاحب «المناقب» و ابن الأثير في «الكامل»، و رواياتهم متقاربه:ان الحر أتي الحسين عليه السلام، فقال: يابن رسول الله! كنت أول خارج عليك فأذن لي لأن أكون أول قتيل بين يديك، و أول من يصافح جدك غدا.و انما قال الحر: لأن أكون أول قتيل بين يديك، و المعني أول قتيل من المبارزين، و الا فان جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الأولي، كما ذكر.فكان أول من تقدم الي براز القوم، و جعل ينشد و يقول:اني

أنا الحر و مأوي الضيف أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بأرض الخيف أضربكم و لا أري من حيف [349] .قال: و روي: أن الحر [لما] لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم - يقال [ صفحه 178] له: يزيد بن سفيان -: أم والله؛ لو لحقته لا تبعته السنان، فبينما هو يقاتل و ان فرسه لمضروب علي اذنيه و حاجبيه، و ان الدماء لتسيل، اذ قال الحصين: يا يزيد! هذا الحر الذي كنت تتمناه؟قال: نعم؛ فخرج اليه فما لبث الحر أن قتله، و قتل أربعين فارسا و راجلا، فلم يزل يقاتل حتي عرقب فرسه، و بقي راجلا و هو يقول:اني أنا الحر و نجل الحر أشجع من ذي لبد هزبرو لست بالجبان عند الكر لكنني الوقاف عند الفرثم لم يزل يقاتل حتي قتل رحمة الله عليه فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتي وضعوه بين يدي الحسين عليه السلام و به رمق، فجعل الحسين عليه السلام يمسح وجهه، و هو يقول: أنت الحر كما سمتك أمك، و أنت الحر في الدنيا، و أنت الحر في الاخرة [350] .و قال الصدوق رحمه الله: و أتاه الحسين عليه السلام و دمه يشخب فقال: بخ بخ [351] لك يا حر! أنت حر كما سميت في الدنيا و الاخرة [352] .ثم أنشا الحسين عليه السلام يقول:لنعم الحر حر بني رياح صبور عند مختلف الرماح و نعم الحر نادي حسينا فجاد بنفسه عند الصياح [353] .قال المفيد رحمه الله: فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر من فرسان [ صفحه 179] أهل الكوفة [354] .و في «البحار»، قال: ثم قالوا: و كان كل من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام و قال: السلام عليك يابن رسول

الله، فيجيبه:و عليك السلام و نحن خلفك، و يقرء صلوات الله عليه: (فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا) [355] .

مبارزة برير الهمداني

ثم برز برير بن خضير الهمداني رضي الله عنه بعد الحر، و كان من عباد الله الصالحين، فبرز و هو يقول:أنا برير و أبي خضير ليث يروع الاسد عند الزئريعرف فينا الخير أهل الخير أضربكم و لا أري من ضيركذاك فعل الخير من برير و جعل يحمل علي القوم، و هو يقول: اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين! اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين! اقتربوا يا قتلة أولاد رسول رب العالمين و ذريته الباقين!و كان برير أقرء أهل زمانه، فلم يزل يقاتل حتي قتل ثلاثين رجلا، فبرز اليه رجل يقال له: يزيد بن معقل، فقال لبرير: أشهد أنك من المضلين.فقال له برير: هلم فلندع الله أن يلعن الكاذب منا، و أن يقتل المحق منا المبطل. [ صفحه 180] فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم تعمل شيئا، و ضربه برير ضربة قدت المغفر، و وصلت الي دماغه، فسقط قتيلا.قال: فحمل رجل من أصحاب ابن زياد لعنه الله فقتل برير، رحمة الله عليه، و كان يقاتل لقاتله: بحر بن أوس [الضبي] ، فجال في ميدان الحرب و جعل يقول:سلي تخبري عني و أنت ذميمة غداة حسين و الرماح شوارع ألم آت أقصي ما كرهت و لم يحل غداة الوغي و الروع ما أنا صانع معي مزني لم تحنه كعوبه و أبيض مشحوذ الغرارين قاطع فجردته في عصبة ليس دينهم كديني و اني بعد ذاك لقانع و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا [356] . و قد جالدوا لو أن ذلك نافع فأبلغ عبيدالله اذ ما لقيته بأني مطيع

للخليفة سامع قتلت بريرا ثم جلت بهمة غداة الوغي لما دعي من يقارع قال: ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين، و جاءه ابن عم له و قال: ويحك يا بحير، قتلت برير بن خضير، فبأي وجه تلقي ربك غدا؟قال: فندم الشقي، و أنشأ يقول:فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم و لا جعل النعماء عند ابن جائرلقد كان ذا عارا علي و سبه يعير بها الأبناء عند المعاشرفيا ليت أني كنت في الرحم حيضة و يوم حسين كنت ضمن المقابرفيا سوأتا ماذا أقول لخالقي؟ و ما حجتي يوم الحساب القماطر [357] ؟ [ صفحه 181]

خروج وهب بن حباب الكبي

قال الفاضل المجلسي عليه السلام: ثم برز من بعده وهب بن عبدالله بن حباب الكلبي، و قد كانت معه أمه يومئذ، فقالت: قم يا بني! فانصر ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فقال: أفعل يا أماه! و لا أقصر، فبرز و هو يقول:ان تنكروني فأنا ابن الكلب سوف تروني و ترون ضربي و حملتي و صولتي في الحرب ادرك ثأري بعد ثأر صحبي و أدفع الكرب أمام الكرب ليس جهادي في الوغي باللعب ثم حمل فلم يزل يقاتل حتي قتل منهم جماعة، فرجع الي امه و امرأته فوقف عليهما فقال: يا اماه! أرضيت؟فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.فقالت امرأته: بالله؛ لا تفجعني في نفسك.فقالت امه: يا بني! لا تقبل قولها و ارجع، فقاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي الله، فرجع قائلا:اني زعيم لك ام وهب بالطعن مني تارة و الضرب ضرب غلام مؤمن بالرب حتي يذيق القوم مر الحرب اني امرؤ

ذو مرة و عضب و لست بالخوار عند النكب حسبي الهي من عليم حسبي قال: فلم يزل يقاتل حتي قتل منهم تسعة عشر فارسا و اثني عشر راجلا، [ صفحه 182] ثم قطعت يداه، فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه و هي تقول: فداك أبي و امي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فأقبل كي يردها الي النساء، فأخذت بجانب ثوبه، و قالت: لن أعود أو أموت معك.فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيتي خيرا، ارجعي الي النساء رحمك الله، فانصرفت.و جعل يقاتل حتي قتل، رضوان الله عليه.قال: فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمر لعنه الله، فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه و قتلها، و هي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام.قال: و رأيت حديثا أن وهبا هذا كان نصرانيا، فأسلم هو و امه علي يدي الحسين عليه السلام، فقتل في المبارزة أربعة و عشرين راجلا و اثني عشر فارسا، ثم اخذ أسيرا فأتي به عمر بن سعد لعنه الله فقال: ما أشد صولتك! ثم أمر فضربت عنقه و رمي برأسه الي عسكر الحسين عليه السلام.فأخذت امه الرأس فقبلته، ثم رمت به الي عسكر ابن سعد لعنه الله فأصابت به رجلا، فقتلته، ثم شدت بعمود الفسطاط، فقتلت رجلين.فقال لها الحسين عليه السلام: ارجعي يا ام وهب! أنت و ابنك مع جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فان الجهاد مرفوع عن النساء.فرجعت و هي تقول: الهي لا تقطع رجائي.فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجائك يا أم وهب [358] . [ صفحه 183]

مبارزة عمرو بن خالد و ابنه

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: ثم برز من بعده عمرو بن

خالد الأزدي، و قاتل حتي قتل، رضوان الله عليه، ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو، و لم يزل يقاتل حتي قتل رحمة الله عليه [359] .

مبارزة سعد التميمي

و قال: قال محمد بن أبي طالب: ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي و هو يرتجز، ثم حمل و قاتل قتالا شديدا، ثم قتل، رضوان الله عليه.

خروج عمير المذحجي

و خرج من بعده عمير بن عبدالله المذحجي و هو يرتجز، ثم لم يزل يقاتل حتي قتله مسلم الضبابي و عبدالله البجلي.

مبارزة مسلم بن عوسجة و شهادته و وصيته لحبيب

ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة رحمه الله و هو يرتجز:ان تسألوا عني فاني ذو لبد من فرع قوم من ذري بني أسدفمن بغانا حائد عن الرشد و كافر بدين جبار صمدثم قاتل قتالا شديدا، فسقط الي الأرض وبه رمق، فمشي اليه الحسين عليه السلام [ صفحه 184] و معه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين عليه السلام: رحمك الله يا مسلم! (فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا) [360] .ثم دني منه حبيب فقال: يعز علي مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنة.فقال له قولا ضعيفا: بشرك الله بخير.فقال له حبيب: لولا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي الي بكل ما أهمك.فقال له مسلم: فاني أوصيك بهذا - و أشار الي الحسين عليه السلام - فقاتل دونه حتي تموت.فقال حبيب: لأنعمنك [361] عينا، ثم مات، رضوان الله عليه.قال: و صاحت جارية له: يا سيداه! يابن عوسجتاه!فنادي أصحاب ابن سعد لعنه الله مستبشرين: قد قتلنا مسلم بن عوسجة.فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله: ثكلتكم أمهاتكم! أما انكم تقتلون أنفسكم بأيديكم و تذلون عزكم، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة؟ أما و الذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتأم خيول المشركين [362] . [ صفحه 185]

مبارزة نافع بن هلال البجلي

قال: ثم برز من بعده نافع بن هلال البجلي، فقاتل قتالا شديدا، و هو يرتجز و يقول:أبي هلال البجلي أنا علي دين علي و دينه دين النبي فبرز اليه رجل من بني قطيعة.و قال المفيد رحمه الله: هو مزاحم بن حريث فقال: أنا علي دين عثمان.فقال له نافع: أنت علي دين الشيطان، فحمل عليه نافع، فقتله.فصاح عمرو بن

الحجاج بالناس: يا حمقي! أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر و أهل البصائر، و قوما مستميتين لا يبرز اليهم أحد منكم الا قتلوه علي قلتهم، والله؛ لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم.فقال عمر بن سعد لعنه الله: صدقت، الرأي ما رأيت، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم [363] ، و قال: لو خرجتم اليهم وحدانا لأتوا عليكم مبارزة.و دنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين عليه السلام فقال: يا أهل الكوفة! ألزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الامام.فقال الحسين عليه السلام: يابن الحجاج! أعلي تحرض الناس، أنحن مرقنا من الدين و أنتم ثبتم عليه؟ و الله؛ لتعلمن أينا المارق من الدين؟ و من هو أولي بصلي النار؟ [ صفحه 186]

حملة عمرو بن الحجاج و شمر في الميمنة و الميسرة

ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنة من نحو الفرات، فاضطربوا ساعة، فانصرف و أصحابه و انقطعت الغبرة [364] .و قال محمد بن أبي طالب: ثم حمل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في الميسرة، فثبتوا له، و طاعنونه، و حمل علي الحسين عليه السلام و أصحابه من كل جانب - كما في «الارشاد» [365] - و قاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالا شديدا، و انما هم اثنان و ثلاثون فارسا، فلا يحملون علي جانب من أهل الكوفة الا كشفوهم.فدعا عمر بن سعد لعنه الله بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتي دنوا من الحسين عليه السلام و أصحابه، فرشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، و قاتلوهم حتي انتصف النهار، و اشتد القتال، و لم يقدروا أن يأتوهم الا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم، و تقارب بعضها من بعض.فأرسل عمر

بن سعد لعنه الله الرجال ليقوضوها عن أيمانهم و شمائلهم، ليحيطوا بهم و أخذ الثلاثة و الأربعة من أصحاب الحسين عليه السلام يتخللون فيشدون علي الرجل يعرض و ينهب، فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه.فقال ابن سعد لعنه الله: احرقوها بالنار، فأضرموا فيها النار.فقال الحسين عليه السلام: دعوهم ليحرقوها، فانهم اذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم، فكان كما قال عليه السلام. [ صفحه 187] و قيل: أتاه شبث بن ربعي فقال: أفزعنا النساء ثكلتك أمك! فاستحيا و أخذوا لا يقاتلونهم الا من وجه واحد، فشدوا أصحاب زهير بن القين، فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر لعنه الله فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين عليه السلام الواحد و الاثنان، فبين ذلك فيهم، لقلتهم، و يقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين ذلك لكثرتهم.

صلاة الامام الحسين بأصحابه

فلما رأي ذلك أبوثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: يا أباعبدالله! نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، و لا والله؛ لا تقتل حتي أقتل دونك، و أحب أن ألقي الله ربي و قد صليت هذه الصلاة.فرفع الحسين عليه السلام رأسه الي السماء و قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين. نعم، هذا أول وقتها.ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي.فقال الحصين بن نمير: انها لا تقبل.فقال حبيب بن مظاهر: لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و تقبل منك يا ختار، فحمل عليه الحصين بن نيمر و حمل عليه حبيب، فضرب وجه فرسه فشب به الفرس، و وقع عنه الحصين، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه.فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين و سعيد بن عبدالله: تقدما أمامي حتي أصلي الظهر.فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتي صلي بهم صلاة الخوف. [ صفحه 188] و

روي: أن سعيد بن عبدالله الحنفي تقدم أمام الحسين عليه السلام، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، فكلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا و شمالا، قام بين يديه، فما زال يرمي به حتي سقط الي الأرض و هو يقول:اللهم العنهم لعن عاد و ثمود.اللهم أبلغ نبيك السلام عني، و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فاني أردت بذلك ذرية نبيك.ثم مات رحمة الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوي ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح [366] .قال ابن نما: و قيل: صلي الحسين عليه السلام و أصحابه فرادي بالايماء [367] .

تحريض الحسين أصحابه علي القتال

و قال أبومخنف: فلما فرغ من صلاته حرصهم علي القتال و قال:يا أصحابي! ان هذه الجنة قد فتحت أبوابها، و اتصلت أنهارها، و أينعت ثمارها، و زينت قصورها، و تألفت ولدانها و حورها، و هذا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الشهداء الذين قتلوا معه و أبي و أمي يتوقعون [368] قدومكم و يتباشرون بكم، و هم مشتاقون اليكم، فحاموا عن دين الله، و ذبوا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.قال: و خرجن النساء مهتكات الجيوب، و صحن:يا معشر المسلمين! و يا عصبة المؤمنين! حاموا عن دين الله، و ذبوا عن [ صفحه 189] حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عن امامكم ابن بنت نبيكم، فقد امتحنكم الله [تعالي بنا]، فأنتم جيراننا في جوار جدنا، و الكرام علينا، و أهل مودتنا، فدافعوا بارك الله فيكم عنا.قال: فلما سمعوا ذلك، ضجوا بالبكاء و النحيب، و قالوا: أنفسنا [369] دون أنفسكم، و دمائنا دون دمائكم، و أرواحنا لكم الفداء، والله؛ لا يصل اليكم أحد بمكروه

و فينا الحياة، و قد وهبنا للسيوف نفوسنا، و للطير أبداننا، فلعله تقيكم زلف الصفوف، و نشرب دونكم الحتوف، فقد فاز من كسب اليوم خيرا، و كان لكم من المنون [370] مجيرا [371] .

خروج عبدالرحمان اليزني

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: ثم خرج عبدالرحمان بن عبدالله اليزني و هو يقول:أنا ابن عبدالله من آل يزن ديني علي دين حسين و حسن أضربكم ضرب فتي من اليمن أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن ثم حمل فقاتل حتي قتل [372] . [ صفحه 190]

خروج عمرو الأنصاري

و قال السيد رحمه الله: فخرج عمرو بن قرطة [373] الأنصاري، فاستأذن الحسين عليه السلام، فأذن له، فقاتل قتال المشتاقين الي الجزاء، و بالغ في خدمة سلطان السماء، حتي قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد لعنه الله، و جمع بين سداد و جهاد، و كان لا يأتي الي الحسين عليه السلام سهم الا اتقاه بيده، و لا سيف الا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل الي السحين عليه السلام سوء، حتي أثخن بالجراح.فالتفت الي الحسين عليه السلام و قال: يابن رسول الله! أوفيت؟قال: نعم؛ أنت أمامي في الجنة، فاقرأ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مني السلام، و أعمله عني في الأثر.فقاتل حتي قتل، رضوان الله عليه.

خروج جون، مولي أبي ذر و مبارزته

قم برز جون مولي أبي ذر، و كان عبدا أسودا.فقال [له] الحسين عليه السلام: أنت في اذن مني، فانما تبعتنا طلبا للعافية، فلا تبتل بطريقتنا.فقال: يابن رسول الله! أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، و في الشدة أخذلكم، والله؛ ان ريحي لمنتن، و ان حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، ليطيب ريحي، و يشرف حسبي، و يبيض وجهي، لا والله؛ لا أفارقكم [ صفحه 191] حتي يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم [374] .و قال المجلسي رحمه الله: قال محمد بن أبي طالب: ثم برز للقتال، و هو [ينشد و] يقول:كيف تري الكفار ضرب الأسود بالسيف ضربا عن نبي محمدأذب عنهم باللسان واليد أرجو به الجنة يوم الموردثم قاتل حتي قتل، فوقف عليه الحسين عليه السلام، و قال:اللهم بيض وجهه، و طيب ريحه، و احشره مع الأبرار، و عرف بينه و بين محمد و آل محمد عليهم السلام.و روي عن الباقر عليه السلام، عن علي بن الحسين عليهماالسلام: أن الناس كانوا يحضرون المعركة [375] و يدفنون

القتلي، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك، رضوان الله عليه [376] .

خروج عمرو الصيداوي

قال السيد رحمه الله: ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي، فقال للحسين عليه السلام: يا أباعبدالله! جعلت فداك؛ قد هممت أن ألحق بأصحابي، و كرهت أن أتخلف فأراك وحيدا [فريدا] بين أهلك قتيلا.فقال الحسين عليه السلام: تقدم، فانا لاحقون بك عن ساعة.فتقدم و قاتل حتي قتل، رحمة الله عليه. [ صفحه 192]

خروج حنظلة الشامي و وعظه القوم

و جاء حنظلة بن سعد الشامي [377] فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام و الرماح و السيوف بوجهه و نحره.و أخذ ينادي: (يا قوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب - مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم و ما الله يريد ظلما للعباد - و يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد - يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم) [378] .يا قوم! لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب، و قد خاب من افتري [379] .قال المجلسي رحمه الله: قال صاحب «المناقب»: فقال له الحسين عليه السلام:يابن سعد! رحمك الله؛ انهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق، و نهضوا اليك يشتمونك و أصحابك، فكيف بهم الان و قد قتلوا اخوانك الصالحين؟قال: صدقت جعلت فداك؛ أفلا نروح الي ربنا، فنلحق باخواننا؟فقال: رح الي ما هو خير لك من الدنيا و ما فيها، و الي ملك لا يبلي.فقال: السلام عليك يابن رسول الله، صلي الله عليك و علي أهل بيتك، و جمع بيننا و بينك في جنته.قال عليه السلام: آمين آمين. [ صفحه 193] ثم استقدم، فقاتل قتالا شديدا، فحملوا عليه فقتلوه، رضوان الله عليه [380] .

خروج سويد بن عمرو

قال السيد رحمه الله: فتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع، و كان شريفا كثير الصلاة، فقاتل قتال الأسد الباسل، و بالغ في الصبر علي الخطب النازل، حتي سقط بين القتلي و قد أثخن بالجراح.فلم يزل كذلك و ليس به حراك، حتي سمعهم يقولون: قتل الحسين، فتحامل و أخرج سكينا من خفه، و جعل يقاتلهم بها حتي قتل، رضوان الله عليه [381] .

تسابق أصحاب الامام الحسين للقتال

قال: و جعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون الي القتل بين يديه، و كانوا كما قيل:قوم اذا نودوا لدفع ملمة و الخيل بين مدعس و مكردس لبسوا القلوب علي الدروع و أقبلوا يتهافتون علي ذهاب الأنفس [382] .

خروج يحيي المازني

قال صاحب «المناقب»: فخرج يحيي بن سليم المازني، و هو يرتجز، ثم حمل فقاتل حتي قتل رحمة الله عليه. [ صفحه 194] ثم خرج من بعده قرة بن أبي قرة، و هو يرتجز.قال: ثم حمل فقاتل حتي قتل رحمة الله عليه.و خرج من بعده مالك بن أنس المالكي، ثم حمل و قاتل حتي قتل رحمة الله عليه.و قال ابن نما: اسمه أنس بن حارث الكاهلي [383] .قال الصدوق رحمه الله: و قتل منهم ثمانية عشر رجلا. [384] .قال الفاضل: قال صاحب «المناقب»: ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي، ثم حمل فقاتل حتي قتل رحمة الله عليه.

خروج حجاج بن مسروق

قال محمد بن أبي طالب: ثم خرج الحجاج بن مسروق - و هو مؤذن الحسين عليه السلام - ثم حمل فقاتل حتي قتل، رضوان الله عليه.

مبارزة زهير بن القين

ثم خرج من بعده زهير بن القين، و هو يرتجز و يقول:أنا زهير و أنا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين ان حسينا أحد السبطين من عترة البر التقي الزين ذاك رسول الله غير مين أضربكم و لا أري من شين يا ليت نفسي قسمت قسمين [ صفحه 195] قال: فقاتل حتي قتل مائة و عشرين رجلا، فشد عليه كثير بن عبدالله الشعبي و مهاجر بن أوس التميمي فقتلاه [385] .و قال الصدوق رحمه الله: تسعة، و قتل منهم تسعة عشر رجلا، ثم صرع [386] .قال الفاضل: قال محمد بن أبي طالب: فقال الحسين عليه السلام حين صرع زهير: لا يبعدك الله يا زهير! و لعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة و خنازير.

مبارزة حبيب بن مظاهر

ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي، و قاتل قتالا شديدا، ثم حمل عليه رجل من بني تميم، فطعنه فذهب ليقوم، فضربه الحصين بن نمير لعنه الله علي رأسه بالسيف، فوقع و نزل التميمي فاجتز رأسه.فهد مقتله الحسين عليه السلام فقال: عند الله أحتسب نفسي، و حماة أصحابي.و قيل: بل قتله رجل يقال له: بديل بن صريم، و أخذ رأسه فعلقه في عنق فرسه، فلما دخل مكة [387] رآه ابن حبيب - و هو غلام غير مراهق - فوثب اليه، فقتله و أخذ رأسه.و قال محمد بن أبي طالب: فقتل اثنين و ستين رجلا، فقتله الحصين بن نمير و علق رأسه في عنق فرسه [388] . [ صفحه 196]

مبارزة هلال بن نافع البجلي

قال أبومخنف: و برز هلال بن نافع البجلي، و كان قد رباه أميرالمؤمنين عليه السلام، و كان راميا بالنبل، و كان يكتب اسمه علي النبلة و يرمي بها، فجعل في كبد قوسه نبلة و أنشأ يقول:أرمي بها معلمة أفواقها مسمومة تجري علي اخفاقهالأملأن الأرض من اطلاقها فالنفس لا ينفعها اشفاقهااذ المنايا حسرت عن ساقها لم يثنها الا الذي قد ساقهاقال: ثم حمل علي القوم فقتل رجالا و نكس أبطالا حتي قتل سبعين فارسا. [389] .و في «البحار»: فلم يزل يرميهم حتي فنيت سهامه، ثم ضرب يده الي سيفه فاستله، و جعل يقول:أنا الغلام اليمني البجلي ديني علي دين الحسين بن علي [390] .ان أقتل اليوم فهذا أملي فذاك رأيي و ألاقي عملي فقتل ثلاثة عشر رجلا، فكسروا عضديه، و أخذ أسيرا، فقام اليه شمر فضربه عنقه. [ صفحه 197]

خروج شباب قتل أبوه في المعركة

ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة و كان امه معه، فقالت له امه: اخرج يا بني! فقاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فخرج.فقال الحسين عليه السلام: هذا شاب قتل أبوه، و لعل أمه تكره خروجه.فقال الشاب: امي أمرتني بذلك، فبرز و هو يقول:أميري حسين و نعم الأمير سرور فؤاد البشير النذيرعلي و فاطمة والداه فهل تعلمون له من نظير؟له طلعة مثل شمس الضحي له غرة مثل بدر المنيرو قاتل حتي قتل، رحمة الله عليه، و جز رأسه، و رمي به الي عسكر الحسين عليه السلام، فحملت أمه رأسه، و قالت: يا بني! يا سرور قلبي! و قره عيني! ثم رمت برأس ابنها رجلا، فقتلته، و أخذت عمود خيمة و حملت عليهم و هي تقول:أنا عجوز سيدس ضعيفة خاوية بالية نحيفةأضربكم بضربة

عنيفة دون بني فاطمة الشريفةو ضربت رجلين، فقتلتهما، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها و دعا لها. [391] . [ صفحه 198]

مبارزة جابر بن عروة الغفاري

و في «شرح شافية أبي فراس في مناقب آل الرسول و مثالب بني العباس» باسناده عن «مقتل الخوارزمي»: ثم برز جابر بن عروة الغفاري، و كان شيخا كبيرا، و قد شهد مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بدرا و حنينا، فجعل يشد وسطه بعمامته، ثم شد حاجبيه بعصابة حتي رفعهما عن عينيه، و الحسين عليه السلام ينظر اليه، و هو يقول: شكر الله سعيك يا شيخ!فحمل و لم يزل يقاتل حتي قتل ستين رجلا و استشهد [رضي الله عنه].و قتل مالك بن داود خمسة عشر رجلا و استشهد.و قتل الطرماح بن عدي خلقا كثيرا، فوقعت به جراحات فكبي عن ظهر جواده، فلم يطق النهوض من بين القتلي [392] .

خروج جنادة الأنصاري و ابنه

و في «البحار» عن «المناقب»: ثم خرج جنادة بن الحارث الأنصاري، ثم حمل فلم يزل يقاتل حتي قتل.قال: ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة، فقاتل حتي قتل، ثم خرج عبدالرحمان بن عروة، و قاتل حتي قتل [393] . [ صفحه 199]

خروج عابس الشاكري و مولاه

و قال محمد بن أبي طالب: و جاء عابس بن [أبي] شبيب الشاكري و معه شوذب مولي شاكر، فقال: يا شوذب! ما في نفسك أن تصنع؟قال: ما أصنع؟ أقاتل حتي اقتل.قال: ذاك الظن بك، فتقدم بين يدي أبي عبدالله عليه السلام حتي يحتسبك كما احتسب غيرك، فان هذا يوم ينبغي أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه، فانه لا عمل بعد اليوم، و انما هو الحساب.تقدم علي الحسين عليه السلام و قال: يا أباعبدالله! أما والله؛ ما أمسي علي وجه الأرض قريب و لا بعيد أعز علي و لا أحب الي منك، و لو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشي ء أعز علي من نفسي و دمي لفعلت، السلام عليك يا أباعبدالله! اشهد أني علي هداك و هدي أبيك، ثم مضي بالسيف نحوهم.قال ربيع بن تميم: فلما رأيته مقبلا عرفته، و قد كنت شاهدته في المغازي و كان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس! هذا أسد الأسود، هذا ابن شبيب، لا يخرجن اليه أحد منكم.فاخذ ينادي: ألا رجل؟ ألا رجل؟فقال عمر بن سعد لعنه الله: أرضخوه [394] بالحجارة من كل جانب.فلما رأي ذلك ألقي درعه و مغفره، ثم شد علي الناس، فوالله؛ لقد رأيته [ صفحه 200] يطرد [395] أكثر من مائتين من الناس، ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل، رضوان الله عليه.فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته،

و الاخر يقول: كذلك.فقال عمر بن سعد لعنه الله، لا نختصموا هذا لم يقتله انسان واحد، حتي فرق بينهم بهذا القول [396] .

خروج عبدالله و عبدالرحمان الغفاريان

قال المجلسي رحمه الله: قال محمد بن أبي طالب: ثم جائه عبدالله و عبدالرحمان الغفاريان فقالا: يا أباعبدالله! السلام عليك، انا جئنا لنقتل بين يديك، و ندفع عنك.فقال: مرحبا بكما أدنوا مني.فدنوا منه و هما يبكيان، فقال: يا بني أخي! ما يبكيكما؟ فوالله؛ اني لأرجو أن تكونوا بعد ساعة قريري العين.فقالا: جعلنا فداك، والله؛ ما علي أنفسنا نبكي، و لكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك، و لا نقدر أن ننفعك.فقال: جزاكما الله يا بني أخي! بوجدكما من ذلك، و مواساتكما اياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين. [ صفحه 201] ثم استقدما و قالا: السلام عليك يابن رسول الله.فقال: و عليكما السلام و رحمة الله و بركاته، فقاتلا حتي قتلا.

خروج غلام تركي للامام

قال: ثم خرج غلام تركي كان للحسين عليه السلام و كان قاريا للقرآن، فجعل يقاتل و يرتجز و يقول:البحر من طعني و ضربي يصطلي و الجو من سهمي و نبلي يمتلي اذا حسامي في يميني ينجلي ينشق قلب الحاسد المبجل فقتل جماعة ثم سقط صريعا، فجاء الحسين عليه السلام فبكي و وضع خده علي خده، ففتح عينيه، فرأي الحسين عليه السلام فتبسم ثم صار الي ربه.

مبارزة يزيد بن زياد

قال: ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منهما بخمسة أسهم، و كان كلما رمي قال الحسين عليه السلام: «اللهم سد رميته، و اجعل ثوابه الجنة»، فحملوا عليه فقتلوه [397] .و قال ابن نما رحمه الله: حدث مهران مولي بني كاهل قال: شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام، فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل علي قوم الا كشفهم، ثم يرجع الي الحسين عليه السلام و يرتجز و يقول:أبشر هديت الرشد تلقي أحمدا في جنة الفردوس تعلو صعدا [ صفحه 202] فقلت: من هذا؟فقيل: أبوعمرو النهشلي - و قيل: الخثعمي - فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللات من ثعلبة، فقتله، و اجتز رأسه، و كان أبوعمر هذا متهجدا كثير الصلاة.

مبارزة يزيد بن مهاجر

و خرج يزيد بن مهاجر، فقتل خمسة من أصحاب عمر لعنه الله بالنشاب، و صار مع الحسين عليه السلام و هو يقول:أنا يزيد و أبي المهاجر كأنني ليث بغيل [398] خادريا رب اني للحسين ناصر و لابن سعد تارك و هاجرو كان يكني أبا الشعثاء [399] من بني بهدلة من كندة [400] .

خروج سيف و مالك ابني سريع الجابرين

ثم قال: و تقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع و مالك بن عبدالله بن سريع الجابريان - بطن من همدان يقال لهم: بنو جابر - أمام الحسين عليه السلام، ثم التقيا فقالا: عليك السلام يابن رسول الله.فقال: و عليكما السلام، ثم قاتلا حتي قتلا [401] .قال الفاضل المجلسي قدس سره: قال محمد بن أبي طالب و غيره: و كان يأتي [ صفحه 203] الحسين عليه السلام الرجل بعد الرجل فيقول: السلام عليك يابن رسول الله!فيجيبه الحسين عليه السلام و يقول: و عليك السلام و نحن خلفك، ثم يقرء عليه السلام: (فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر) [402] حتي قتلوا عن آخرهم رضوان الله تعالي عليهم، و لم يبق مع الحسين عليه السلام الا أهل بيته.و هكذا يكون المؤمن يؤثر دينه علي دنياه، و موته علي حياته في سبيل الله، [و] ينصر الحق و ان قتل، قال سبحانه: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [403] . [404] . [ صفحه 207]

في قتال أهل بيته و كيفية شهادتهم

مبارزة عبدالله بن مسلم

قال الفاضل رحمه الله: روي محمد بن أبي طالب و غيره:أنه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام و لم يبق الا أهل بيته، و هم ولد علي عليه السلام و ولد جعفر، و ولد عقيل و ولد الحسن، و ولده عليهم السلام اجتمعوا يودع بعضهم بعضا، و عزموا علي الحرب، فأول من برز من أهل بيته عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، و هو يرتجز و يقول:اليوم ألقي مسلما و هو أبي و فيتة بادوا علي دين النبي ليسوا بقوم عرفوا بالكذب لكن خيار و كرام النسب من هاشم السادات أهل الحسب فقاتل حتي قتل ثمانية وتسعين رجلا في ثلاث حملات [405] .قال المفيد رحمه

الله: ثم رماه عمرو بن صبيح الصيداوي بسهم، فوضع عبدالله يده علي جبهته ليتقيه، فأصاب السهم كفه و نفذ الي جبهته فسمرها به، فلم يستطع تحريكها، ثم انحني عليه آخر [برمحه] فطعنه في قلبه، فقتله [406] .قال الفاضل المجلسي رحمه الله: قال أبوالفرج: عبدالله بن مسلم امه رقية بنت [ صفحه 208] علي بن أبي طالب عليه السلام.

مبارزة محمد بن مسلم

ثم برز من بعده أخوه محمد بن مسلم بن عقيل كما روي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام و هو امه ام ولد، فقتل جماعة، ثم قتله أبوجرهم الأسدي [407] و لقيط بن اياس [408] الجهني [409] .قال محمد بن أبي طالب و غيره: ثم خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يرتجز و يقول:أنا الغلام الأبطحي الطالبي من معشر في هاشم و غالب و نحن حقا سادة الذوائب هذا حسين أطيب الأطائب من عترة البر [410] التقي العاقب فقتل خمسة عشر فارسا [411] .و قال ابن شهر آشوب: و قيل: قتل رجلين، ثم قتله بشر بن سوط الهمداني [412] .و قال أبوالفرج: امه ام الثغر بنت عامر العامري، قتله عروة الله بن عبدالله [ صفحه 209] الخثعمي [413] .

مبارزة عبدالرحمان بن عقيل

و قالوا: ثم خرج من بعده أخوه عبدالرحمان بن عقيل و هو يقول:أبي عقيل فاعرفوا مكاني من هاشم و هاشم اخواني كهول صدق سادة الأفران هذا حسين شامخ البنيان و سيد الشيب مع الشيبان فقتل سبعة عشر فارسا، ثم قتله عثمان بن خالد الجهني.

خروج عبدالله بن عقيل

و قال أبوالفرج: ثم برز أخوه عبدالله بن عقيل بن أبي طالب الأكبر و هو امه ام ولد، قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني و بشر بن حوط القباضي.[ثم قال:] و محمد بن أبي سعيد بن عقيل [بن أبي طالب] الأحول، و امه ام ولد، قتله لقيط بن ياسر الجهني، رماه بسهم.ثم قال: و ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل، و وصف أنه قد سمع أيضا من يذكر أنه قد قتل يوم الحرة [414] . [ صفحه 210] و قال: قال أبوالفرج: [و ما رأيت] في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابنا [415] يسمي جعفرا.و ذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة، عن عقيل بن عبدالله بن عقيل بن محمد بن عبدالله بن حمد بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أن علي بن عقيل - و امه ام ولد - قتل يومئذ [416] .

مبارزة محمد بن عبدالله بن جعفر

قال: ثم قالوا: و خرج من بعده محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب و هو يقول:نشكو الي الله من العدوان قتال قوم في الردي عميان [417] .قد تركوا معالم القرآن و محكم التنزيل و التبيان و أظهروا الكفر مع الطغيان ثم قاتل حتي قتل عشرة أنفس، ثم قتله عامر بن نهشل التميمي. [ صفحه 211]

مبارزة عون بن عبدالله بن جعفر

قال: ثم خرج من بعده عون بن عبدالله بن جعفر و هو يقول:ان تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهريطير فيها بجناح أخضر كفي بهذا شرفا في المحشرثم قاتل حتي قتل من القوم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر راجلا، ثم قتله عبدالله بن بطة الطائي [418] .ثم قال: قال أبوالفرج بعد ذكر قتل محمد و عون: و أن عونا قتله عبدالله بن قطنة التيهاني و عبيدالله بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قتل مع الحسين عليه السلام بالطف [419] .و في «المنتخب»: أنه لما قتل جميع أصحاب الحسين عليه السلام وقعت النوبة علي أولاد أخيه [420] .و قال أبومخنف: نظر الحسين عليه السلام يمينا و شمالا، فلم ير ناصرا و لا معينا، ثم نادي:و اغربتاه! واقلة ناصراه! أما من معين يعيننا! أما من ناصر ينصرنا! أما من خائف من عذاب الله فيذب عنا.فخرج اليه من الخيمة غلامان كأنهما قمران: أحدهما أحمد و الآخر القاسم ابنا الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و هما يقولان: لبيك لبيك يا سيدنا! [ صفحه 212] هانحن بين يديك، مرنا بأمرك صلي الله عليك.فقال لهما: يعز علي عمكما أن يقول لكما: أخرجا و حاميا عن حرم جدكما، فبرز القاسم [421] .

خروج القاسم بن الحسن

و قال الفاضل المجلسي رحمه الله: ثم قال أبوالفرج و محمد بن أبي طالب و غيرهما: ثم خرج من بعده عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب - و في أكثر الروايات أنه القاسم بن الحسن عليه السلام - و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم [422] .فلما نظر اليه الحسين عليه السلام قد برز اعتنقه و جعلا يبكيان حتي غشي عليهما.ثم استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة، فأبي الحسين عليه السلام أن يأذن له، فلم

يزل الغلام يقبل يديه و رجليه حتي أذن له [423] .و في «المنتخب» فقال له: يا ولدي! تمشي برجلك الي الموت؟قال: و كيف لا يا عم! و أنت بين الأعداء وحيد فريد، و لن تجد محاميا و لا صديقا، روحي لروحك الفداء، و نفسي لنفسك الوقاء.ثم ان الحسين عليه السلام شق أزياق القاسم عليه السلام و قطع عمامته نصفين، ثم أدلاها علي وجهه، ثم ألبسه ثيابه علي صورة الكفن، و شد سيفه بوسط القاسم عليه السلام، و أرسله الي المعركة [424] . [ صفحه 213]

مبارزة القاسم بن الحسن

قال الفاضل المجلسي رحمه الله: فخرج و دموعه تسيل علي خديه و هو يقول:ان تنكروني فأنا بن الحسن سبط النبي المصطفي و المؤتمن هذا حسين كالأسير المرتهن بين أناس لا سقوا صوب المزن و كان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالا شديدا حتي قتل علي صغره خمسة و ثلاثين رجلا [425] .قال في «المنتخب»: انه تقدم الي عمر بن سعد لعنه الله و قال: يا عمر! أما تخاف الله؟ أما تراقب الله؟ يا أعمي القلب! أما تراعي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فقال عمر بن سعد لعنه الله: أما كفاكم التجبر؟ أما تطيعون يزيد؟فقال القاسم عليه السلام: لا جزاك الله خيرا، تدعي الاسلام و آل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عطاشا ظمآء، قد اسودت الدنيا في أعينهم.قال الراوي: ثم طلب المبارزة فجاء اليه رجل يعد بألف فارس، فقتله القاسم عليه السلام، و كان له أربعة ألاد، فخرجوا الي مبارزة القاسم عليه السلام واحدا بعد واحد، فجعلهم مقتولين.فضرب القاسم عليه السلام فرسه بسوط، و عاد يقتل بالفرسان الي أن ضعفت قوته، فهم بالرجوع الي الخيمة، و اذا بالأزرق الشامي قد قطع عليه الطريق

و عارضه، فضربه القاسم عليه السلام علي أم رأسه فقتله، و سار القاسم عليه السلام الي الحسين عليه السلام و قال: يا عماه! العطش العطش! أدركني بشربة من الماء. [ صفحه 214] فصبره الحسين عليه السلام فأعطاه خاتمه و قال: حطه في فمك و مصه.قال: قال القاسم عليه السلام: فلما وضعته في فمي كأنه عين ماء، فارتويت و انقلبت الي الميدان، ثم جعل همته علي حامل اللواء و أراد قتله، فأحاطوا به بالنبل [426] .

شهادة القاسم بن الحسن

و قال الفاضل المتبحر المجلسي رحمه الله: قال حميد بن مسلم: كنت في عسكر عمر بن سعد لعنه الله، فكنت أنظر الي هذا الغلام عليه ازار و قميص و نعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسي أنه كان اليسري، فقال لي عمر بن سعد الأزدي: والله؛ لأشدن عليه.فقلت: سبحان الله! و ما تريد بذلك؟ والله؛ لو ضربني ما بسطت اليه يدي، يكفيك [427] هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه.قال: والله؛ لأفعلن، فشد عليه فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف، و وقع الغلام لوجهه [428] .و في «المنتخب»: و ضربة شيبة بن سعد الشامي بالرمح علي ظهره، فأخرجه من صدره، فوقع القاسم عليه السلام يخوز بدمه، و قال: يا عم! أدركني [429] .و في بعض الروايات: أنه كان عليه خمسة و ثلاثون سهما. [ صفحه 215] وفي رواية اخري: ثم ان سعيد بن عمرو شق بطنه، و يحيي بن وهب طعنه بالرمح.قال في «البحار»: فجاء الحسين عليه السلام كالصقر المنقض [430] فتخلل الصفوف، وشد شدة الليث الحرب، فضرب عمر قاتله بالسيف، فاتقاه بيده فأطنها من المرفق فصاح [صيحة سمعها أهل العسكر] [431] .ثم تنحي عنه، و حملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين عليه السلام، فاستقبلته بصدورها، و جرحته

بحوافرها، و وطئته حتي مات، و انجلت الغبرة و اذا بالحسين عليه السلام قائم علي رأس الغلام، و هو يفحص برجله.فقال الحسين عليه السلام: يعز والله؛ علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك، بعدا لقوم قتلوك.ثم احتمله علي صدره.قال حميد: فكأني أنظر الي رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد وضع صدره علي صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع به؟ فجاء به حتي ألقاه بين القتلي من أهل بيته.ثم قال: اللهم أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا، صبرا يا بني عمومتي! صبرا يا أهل بيتي! لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا. [ صفحه 216]

خروج أبي بكر بن الحسن

و فيه: ثم خرج من بعده أبوبكر بن الحسن عليه السلام، فقاتل حتي قتل جماعة، و امه ام ولد، ثم قتله عبدالله بن عقبة الغنوي [432] .

مبارزة أحمد بن الحسن

و قال أبومخنف: و برز من بعد القاسم عليه السلام أخوه أحمد بن الحسن عليه السلام، و له من العمر ستة عشر سنة، و حمل علي القوم و لم يزل يقاتل حتي قتل من القوم ثمانين فارسا، و رجع الي عمه و قد غارت عيناه في أم رأسه من شدة العطش و هو ينادي: يا عماه! هل شربة من الماء، أتقوي بها علي أعداء الله؟فقال عليه السلام له: اصبر قليلا حتي تلقي جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فيسقيك شربة من الماء لا تظمأ بعدها أبدا.فرجع الي القوم و حمل عليهم و أنشأ يقول:اصبر قليلا فالمنا بعد العطش فان روحي الجهاد تنكمش لا أرهب الموت اذالموت وحش و لم أكن عند اللقاء ذا رعش قال: ثم حمل علي القوم في أثر شعره، و أنشد بهذه الأبيات يقول:اليكم من بني المختار ضربا يشيب لهوله [433] رأس الرضيع يبيد معاشر الكفار جمعا بكل مهند عضب قطيع [ صفحه 217] قال: ثم حمل علي القوم، فقتل منهم ستين فارسا، ثم قتل. [434] .و في بعض الروايات: قتله هاني ء بن شبيب الخضرمي [435] فاسود وجهه لعنه الله [436] .

مبارزة أبي بكر بن علي

قال الفاضل المتبحر: روي أكثر الثقات أنه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام و أولاد عميه عقيل و جعفر و أولاد أخيه الحسن عليه السلام تقدمت اخوته عازمين علي أن يموتوا دونه.فأول من خرج منهم أبوبكر بن علي، و اسمه عبدالله، و امه ليلي بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمي، فتقدم و هو يرتجز و يقول:شيخي علي ذوالفخار الأطول من هاشم الصدق الكريم المفضل هذا حسين بن النبي المفضل عنه نحامي بالحسام المصقل نفديه نفسي من أخ مبجل فلم يزل يقاتل حتي قتله زجر [437]

بن بدر النخعي، و قيل: عبدالله بن عقبة الغنوي.و روي عن الباقر عليه السلام: أن رجلا من همدان قتله. [ صفحه 218] و ذكر المدائني: أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدري من قتله [438] .

مبارزة عمر بن علي

قالوا: ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي عليه السلام، و هو يرتجز و يقول:أضربكم و لا أري فيكم زجر ذاك الشقي بالنبي قد كفريا زجر! يا زجر! تداني من عمر لعلك اليوم تبوء من سقرشر مكان في حريق و سعر لأنك الجاحد يا شر البشر!ثم حمل علي قاتل أخيه، فقتله، و استقبل القوم و جعل يضرب بسيفه ضربا منكرا و هو يقول:خلوا عداة الله خلوا عن عمر خلوا عن الليث العبوس المكفهريضربكم بسيفه و لا يفر و ليس فيها كالجبان المنجحرفلم يزل يقاتل حتي قتل.قال: و لم يذكر أبوالفرج عمر بن علي عليه السلام في المقتولين [439] .

مبارزة عثمان بن علي

ثم برز من بعده أخوه عثمان بن علي عليه السلام، و أمه أم البنين عليهاالسلام بنت حزام بن خالد من بني كلاب و هو يقول:اني أنا عثمان ذو المفاخر شيخي علي ذو الفخار [440] الظاهر [ صفحه 219] و ابن عم للنبي الطاهر أخي حسين خيرة الأخايرو سيد الكبار و الأصاغر بعد الرسول و الوصي الناصرفرماه خولي بن يزيد الأصبحي علي جبينه، فسقط عن فرسه، و جز رأسه رجل من بني أبان بن حازم، و كان يومئذ ابن احدي و عشرين سنة [441] .

مبارزة جعفر بن علي

ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي عليه السلام، و امه ام البنين عليهاالسلام أيضا، و هو ابن تسعة عشر سنة، و هو يقول:اني أنا جعفر ذوالمعالي ابن علي الخير ذي النوال حسبي بعمي شرفا و خالي أحمي حسينا ذالندي المفضال ثم قاتل، فرماه خولي الأصبحي، فأصاب شقيقته، أو عينه [442] .

مبارزة عبدالله بن علي

و قال في «البحار»: ثم برز أخوه عبدالله بن علي عليه السلام و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له، فقال له العباس عليه السلام: يا أخي! تقدم بين يدي حتي أراك و أحتسب، فانه لا ولد لك.فتقدم بين يديه و هو يقول:أنا بن ذي النجدة و الافضال ذلك علي الخير ذوالأفعال [443] . [ صفحه 220] سيف رسول الله ذوالنكال في كل يوم ظاهر الأهوال فقتل جماعة، ثم قتله هاني ء بن شبيب الذي قتل أخاه [444] .

خروج محمد بن علي

في «البحار»: ثم برز محمد بن علي الأصغر و امه ام ولد، فشد عليه رجل من تميم من بني أبان بن دارم فقتله.قال: و قد ذكر محمد بن علي بن حمزة: أنه قتل يومئذ ابراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام و امه ام ولد، و ما سمعت بهذا من غيره، و لا رأيت لابراهيم في شي ء من كتب الأنساب ذكرا.و ذكر يحيي بن الحسن: أن أبابكر بن عبيدالله الطلحي حدثه عن أبيه: أن عبيدالله بن علي عليه السلام قتل مع الحسين عليه السلام، و هذا خطأ، و انما قتل عبيدالله يوم الدار [445] قتله أصحاب المختار، و قد رأيته بالمذار [446] .

خروج العباس بن علي

في «البحار»: فلما قتل اخوة العباس عليه السلام خرج يطلب الرخصة من الحسين عليه السلام، و كان يكني أباالفضل، و امه ام البنين عليهاالسلام و هو أكبر ولدها، و هو آخر من قتل من اخوته.و كان يقال له: السقاء، و كان رجلا و سيما جميلا، يركب الفرس المطهم [ صفحه 221] و رجلاه يخطان في الأرض.و كان يقال له: قمر بني هاشم، [و كان شابا أمرد و بين عينيه أثر السجود] [447] ، و كان لواء الحسين عليه السلام معه عليه السلام.فلما رأي وحدة أخيه أتي اليه و قال: يا أخي! هل من رخصة؟فبكي الحسين عليه السلام بكاء شديدا، ثم قال: يا أخي! أنت صاحب لوائي و اذا مضيت تفرق عسكري.فقال العباس عليه السلام: قد ضاق صدري و سئمت من الحياة، و أريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين.فقال الحسين عليه السلام: فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء.

مبارزة العباس بن علي

فذهب العباس عليه السلام الي القوم، فوعظهم و حذرهم، فلم ينفعهم، فرجع الي أخيه فأخبره، فسمع الأطفال ينادون: العطش! العطش! فركب فرسه و أخذ رمحه و القربة و قصد نحو الفرات.قال: فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات، و رموه بالنبال و قتل منهم -علي ما روي - ثمانين رجلا حتي دخل الماء.فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين عليه السلام و أهل بيته، فرمي الماء من يده، و ملأ القربة وحملها علي كتفه الأيمن، و توجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق، فحملوا عليه و أحاطوا به من كل جانب، و حمل عليهم [ صفحه 222] و حاربهم و هو يقول:لا أرهب الموت اذ الموت رقا حتي اواري في المصاليت لقي نفسي لنفس المصطفي الطهر وقا اني أنا العباس أغدوا بالسقاو لا أخاف الشر يوم

الملتقي ففرقهم، فكمن له زيد بن ورقاء من [وراء] نخلة، و عاونه حكيم بن الطفيل السنبسي، فضربه علي يمينه، فأخذ بشماله، و حمل و هو يرتجز و يقول:والله ان قطعتم يميني اني أحامي أبدا عن ديني و عن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين فقاتل حتي ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة، فضربه علي شماله فقال:يا نفس! لا تخشي من الكفار و أبشري برحمة الجبارمع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري فأصلهم يا رب حر النار [448] .

شهادة العباس بن علي

قال: فحمل القربة بأسنانه و جعل يركض ليوصل الماء الي عطاشا أهل البيت عليهم السلام، فجائه سهم فأصاب القربة و أريق ماءها، ثم جاء سهم آخر فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه، و صاح الي أخيه الحسين عليه السلام: أدركني! [449] . [ صفحه 223] فخر للأرض مقطوع اليدين له من كل مجد يمين غير منخذم و في رواية اخري: فضربه ملعون بعمود من حديد، فقتله.فلما رآه الحسين عليه السلام صريعا علي الشاطي ء الفرات بكي بكاء شديدا، و حمله الي الخيمة و أنشأ يقول:تعديتم يا شر قوم ببغيكم و خالفتم دين النبي محمدأما كان خير الرسل أوصاكم بنا؟ أمانحن من نسل النبي المسدد؟أما كانت الزهراء أمي ويلكم؟ أما كان من خير البرية أحمد؟لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتم فسوف تلاقوا حر نار توقدثم قال الحسين عليه السلام: ألان انكسر ظهري، و قلت حيلتي [450] .قال صاحب الأصل: و في بعض الكتب المعتبرة: أن من كثرة الجراحات الواردة علي العباس عليه السلام لم يقدر الحسين عليه السلام أن يحمله الي محل الشهداء، فترك جسده في محل قتله، و رجع باكيا حزينا الي الخيام [451] .

خروج علي بن الحسين

و في «المنتخب»: روي أنه لما قتل العباس بن علي عليهماالسلام تدافعت الرجال علي أصحاب الحسين عليه السلام، فلما نظر ذلك نادي:يا قوم! أما من مغيث يغيثنا؟أما من طالب حق فينصرنا؟ [ صفحه 224] أما من خائف [من النار] فيذب عنا؟أما من أحد فيأتينا بشربة من الماء لهذا الطفل فانه لا يطيق الظمأ؟فقام اليه ولده الأكبر، و كان له من العمر سبعة عشر سنة، فقال له: أنا آتيك بالماء يا سيدي![فقال: امض بارك الله فيك] قال: فأخذ الركوة بيده، ثم اقتحم الشريعة و ملأ الركوة، و أقبل بها نحو أبيه

و قال: يا أبتاه! الماء لمن طلب، فاسق أخي و ان بقي شي ء فصبه علي فاني و الله؛ عطشان.فبكي الحسين عليه السلام و أخذ ولده الطفل و أجلسه علي فخذه، و أخذ الركوة و قربها الي فيه، فلما هم الطفل أن يشرب أتاه سهم مسموم، فوقع في حلق الطفل فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئا.فبكي الحسين عليه السلام، ورمي الركوة من يده، و نظر بطرفه الي السماء [452] ... الي آخر ما يجي ء.و فيه غرابة.و في «البحار» قال: قال أبوالفرج: علي بن الحسين عليهماالسلام هذا هو الأكبر و لا عقب له، و يكني أباالحسن، و امه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، و هو أول من قتل في الوقعة. [453] .قال صاحب «الأصل»: و في بعض مؤلفات أصحابنا روي: أنه لما قتل [ صفحه 225] العباس و حبيب بن مظاهر رضي الله عنهما بان الانسكار في وجه الحسين عليه السلام، فجلس مهموما مغموما و دموعه تجري علي خديه.فأتي اليه ولده علي الأصغر - المعروف بالأكبر - و قال: يا أبتاه! قتل عمي العباس عليه السلام فلا خير لي في الحياة بعده، فقد ضاق صدري لفراقه، فهل من رخصة؟فبكي الحسين عليه السلام و قال: يا بني! يعز علي والله؛ فراقك.فقال: كيف يا أبتاه! و أنت وحيد بين الأعداء فريد لا ناصر لك و لا معين، روحي لروحك الفداء، و نفسي لنفسك الوقاء [454] .و في كتاب «مهيج الأحزان»: ان علي بن الحسين عليه السلام لما توجه الي الحرب اجتمعت النساء حوله كالحلقة، و قلن: ارحم غربتنا، و لا تستعجل الي القتال، فانه ليس لنا طاقة في فراقك.قال: فلم يزل يجهد و يبالغ في طلب الاذن من أبيه حتي أذن

له، ثم تودع من أبيه و الحرم، ثم توجه نحو الميدان [455] .و في «البحار» قال: قال محمد بن أبي طالب: و هو يومئذ ابن ثمانية عشر سنة.و قال: قال ابن شهر آشوب: و يقال ابن خمس و عشرين سنة.قال السيد رحمه الله: ثم نظر اليه الحسين عليه السلام نظر آيس منه و أرخي عينيه بالدموع و بكي [456] . [ صفحه 226] و في «البحار» قالوا: و رفع شيبته [457] نحو السماء، و قال:اللهم اشهد علي هؤلاء القوم، فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك، و كنا اذا اشتقنا الي نبيك نظرنا الي وجهه.اللهم امنعهم بركات الأرض، و فرقهم تفريقا، و مزقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا.ثم صاح الحسين عليه السلام بعمر بن سعد لعنه الله: مالك قطع الله رحمك! و لا بارك الله لك في أمرك! و سلط عليك من يذبحك بعدي علي فراشك! كما قطعت رحمي و لم تحفظ قرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.ثم رفع الحسين عليه السلام صوته و تلي: (ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين - ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) [458] .

مبارزة علي بن الحسين

ثم حمل علي بن الحسين عليهماالسلام و هو يقول:أنا علي بن الحسين بن علي من عصبة جد أبيهم النبي والله؛ لا يحكم فينا ابن الدعي أطعنكم بالرمح حتي ينثني أضربكم بالسيف أحمي عن أبي ضرب غلام هاشمي علوي [ صفحه 227] فلم يزل يقاتل حتي ضج الناس من كثرة من قتل منهم [459] .و عن كتاب «فوادح القوادح»: فلما

بارز و طلب المبارز فدعي ابن سعد طارق بن كثير و قال له: تأخذ ما تأخذ من ابن زياد لعنه الله، فاخرج الي هذا الغلام، و جئني برأسه.فقال له: أنت تأخذ ملك الري و أنا أخرج اليه، فان تضمن لي علي الأمير امارة الموصل أخرج اليه، فضمن له.فخرج و قاتل قتالا شديدا الي أن ضربه علي بن الحسين عليهماالسلام ضربة منكرة قتل منها.فخرج أخوه، فضربه علي عينه، فقتله، فخرج ابنه، فقتله، فلم يخرج اليه أحد الي أن نادي عمر لعنه الله: ألا رجل يخرج اليه؟فنادي بكر بن غانم للخروج اليه، فقال: هذا غلام و أنا يقاتلونني بألفين، لكن لما قلت: ألا رجل أخرج اليه.فخرج اليه - كما قيل - فتغير لون الحسين عليه السلام فقالت امه ليلي: و لعل قد أصابه شي ء.قال: لا، و لكن قد خرج اليه من أخاف عليه منه، فادعي الله تعالي له، فاني سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول:«دعاء الوالدة يستجاب لولدها».فدخلت الخيمة و جردت رأسها ودعت له و قالت: يا من رد يوسف علي يعقوب و رجع اليه بصره أردد علي ولدي و احفظه من بكر بن غانم، و لعنت عليه. [ صفحه 228] الي أن جري بينهما ضربات و اختلفا بطعنات و صار بينهما مجادلة عظيمة شديدة الي أن التفت عي الي تحت ابطه و اذا درعه قد انخرق من تحت ابطه فضربه ضربة صار بها نصفين و عجل الله بروحه الي النار.و روي: أنه قتل علي عطشه مائة و عشرين رجلا، ثم رجع الي أبيه و قد أصابه جراحات كثيرة، فقال:يا أبه! العطش قد قتلني و ثقل الحديد قد أجهدني، فهل الي شربة ماء من

سبيل أتقوي بها علي جهاد الأعداء؟و في «مهيج الأحزان» عن حميد بن مسلم فقال: يا أباه! أثقلني الحديد و أخنقني العطش.فبكي الحسين عليه السلام و قال: واغوثاه يا بني! اصبر قليلا يسقيك جدك شربة لا ظمأ بعدها [460] .و في «البحار» قال: [يا بني! يعز علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي علي بن أبي طالب عليه السلام و علي أن تدعوهم فلا يجيبوك و تستغيث بهم فلا يغيثوك] يا بني! هات لسانك، فأخذ بلسانه، فمصه و دفع اليه خاتمه و قال: أمسكه في فيك و ارجع الي قتال عدوك، فاني أرجوا أنك لا تمسي حتي يسقيك جدك بكاسه الأوفي شربة لا تظمأ بعدها أبدا.فرجع الي القتال و هو يقول:الحرب قد بانت لها الحقائق و ظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش؛ لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق [ صفحه 229] فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المائتين [461] .و قال المفيد رحمه الله في «ارشاده»:ان أهل الكوفة يتقون قتله، فبصربه [مرة] بن منقذ العبدي لعنه الله فقال: علي آثام العرب لئن مر بي هذا الغلام يفعل مثل ما فعل ان لم أثكله أباه، فمر يشد علي الناس فاعترضه مرة بن منقذ و طعنه [462] .و في رواية اخري في «البحار»: يكر كرة بعد كرة حتي رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه [463] .

شهادة علي بن الحسين

و فيه أيضا: ضربه منقذ بن مرة العبدي علي مفرق رأسه ضربة صرعته و ضربه الناس بأسيافهم، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس الي عسكر الأعداء فقطعوه اربا اربا.فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته:يا أبتاه! هذا جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد سقاني بكأسه الأوفي شربة

لا أظمأ بعدها أبدا! و هو يقول: العجل العجل فان لك كأسا مذخورة حتي تشربها الساعة [464] .قال السيد رحمه الله: ثم شهق فمات، فجاء الحسين عليه السلام حتي وقف عليه و وضع [ صفحه 230] خدع علي خده و قال:قتل الله قوما قتلوك يا بني! ما أجراهم علي الرحمان و علي انتهاك حرمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.و انهملت عيناه بالدموع، ثم قال عليه السلام: علي الدنيا بعدك العفاء [465] .و قال أبومخنف: ثم انه صلوات الله عليه وضع رأسه في حجره، و جعل يمسح الدم عن ثناياه و جعل يلثمه و يقول:يا ولدي! أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا و غمها و شدائدها، و صرت الي روح و ريحان، و قد بقي أبوك و ما أسرع اللحوق بك.ثم قال: قال عمارة بن واقد: كأني أنظر الي امرأة خرجت من فسطاط الحسين عليه السلام كأنها البدر الطالع و هي تنادي:وا ولداه! وا قتيلاه! وا قلة ناصراه! وا غريباه! وا مهجة قلباه! ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء، ليتني و سدت الثري [466] .و في «البحار»: قال حميد بن مسلم: فكأني أنظر الي امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل و الثبور و تقول:يا حبيباه! يا ثمرة فؤاداه! يا نور عيناه!فسألت عنها، فقيل: هي زينب بنت علي عليهماالسلام، و جاءت و انكبت عليه، فجاء الحسين عليه السلام فأخذ بيدها فردها الي الفسطاط، و أقبل بفتيانه و قال: أحملوا أخاكم. [ صفحه 231] فحملوه من مصرعه، و جاؤا به حتي وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه [467] .و في بعض الكتب المعتبرة عن المفيد رحمه الله باسناده الي جابر بن عبدالله قال: لما

قتل علي بن الحسين عليه السلام دخل الحسين عليه السلام الي الفساط باكيا حزينا آيسا من نفسه، فقالت سكينة: مالي أراك تنعي نفسك و تدير طرفك؟ أين أخي علي؟فقال لها: قتلوه اللئام.فلما سمعت بذلك صاحت: وا أخاه! وا مهجة قلباه!فأرادت أن تخرج من الفسطاط، فجاء الحسين عليه السلام و منعها و قال لها: يا سكينة! اتقي الله و استعملي الصبر.فقالت: يا أبتاه! كيف يصبر من قتل أخوها و شرد أبوها؟فقال الامام عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون [468] .و في «البحار» قال: و خرج غلام من تلك الأبنية، و في أذنيه درتان و هو مذعور فجعل يلتفت يمينا و شمالا، و قرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هاني بن بعيث لعنه الله فقتله، فصارت أمه شهربانو تنظر اليه و لا تتكلم كالمدهوشة [469] . [ صفحه 235]

في المصيبة العظمي و الواقعة الكبري و مقاتلته بنفسه الشريفة و شهادته

بقاء الامام الحسين وحيدا، و نداؤه بطلب الناصر و المعين

قد رأيت في كثير من الكتب: أنه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام و اخوته و أقاربه و ولده علي التفت عن يمينه و شماله فلم ير حوله أحدا من أصحابه، و لا من أولاد أخيه، و لا من أقاربه رفع رأسه الي السماء و قال:اللهم انك تري ما يصنع بولد نبيك.ثم جعل ينادي:هل من راحم يرحم آل رسول المختار؟ هل من ناصر ينصر ذرية الأطهار؟ هل من مجير لأبناء البتول؟ هل من ذاب يذب عن حرم الرسول؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟فارتفعت أصوات النساء بالعويل.فخر علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام و كان مريضا لا يقدر أن يفل [470] سيفه و أم كلثوم عليهاالسلام تنادي خلفه: يا بني! ارجع.فقال: يا عمتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فقال الحسين

عليه السلام: يا أم كلثوم! خذيه لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد [471] . [ صفحه 236]

شهادة علي الأصغر

و في «اللهوف»: فتقدم الي باب الخيمة و قال لزينب عليهاالسلام: ناوليني ولدي الصغير حتي أودعه [472] .و في «الارشاد»: فأتي بابنه عبدالله، و هو طفل، فأجلسه في حجره [473] .و في «البحار»: فجعل يقبله و هو يقول:ويل لهؤلاء القوم اذا كان جدك محمد المصطفي خصمهم، و الصبي في حجره. [474] .و في بعض الكتب: أن زينب اخته عليه السلام أخرجت الصبي و قالت: يا أخي! هذا ولدك له ثلاثة أيام ما ذاق الماء فاطلب له من الناس شربة ماء.فأخذه علي يديه، و قال:يا قوم! قد قتلتم شيعتي و أهل بيتي، و قد بقي هذا الطفل، ويلكم! أسقوا هذا الرضيع، أما ترونه يتلظي عطشا من غير ذنب أتاه اليكم.قال: فبينما هو يخاطبهم، اذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم، فذبحه في حجر الحسين عليه السلام، فتلقي الحسين عليه السلام دمه حتي امتلأت كفه، ثم رمي به الي السماء [475] . [ صفحه 237] قال السيد رحمه الله: ثم قال: و هون علي ما نزل بي أنه بعين الله [476] .و في «تظلم الزهراء عليهاالسلام»: ثم وضع كفيه تحت نحر الصبي حتي امتلأتا دما و قال: يا نفس! اصبري و احتسبي فيما أصابك.ثم قال:الهي تري ما حل بنا في العاجل، فاجعل ذلك ذخيرة لنا في الاجل [477] .قال الباقر عليه السلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الي الأرض [478] .و في «الارشاد»: ثم قال: يا رب! ان تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه، و انتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين.ثم حمله حتي وضعه مع قتلي

أهله [479] .و في «البحار»: ثم قال: لا يكون أهون عليك من فصيل [480] .و في «المنتخب»: و نظر بطرفه الي السماء و قال:اللهم أنت الشاهد علي قوم قتلوا أشبه الناس بنبيك و حبيبك و رسولك محمد صلي الله عليه و آله و سلم.قال في «الاحتجاج»: فنزل الحسين عليه السلام عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه و رمله بدمه و دفنه، ثم وثب قائما، و أنشد الأبيات التي تجي ء [481] . [ صفحه 238]

وداع الامام الحسين

و في «المنتخب»: ان الحسين عليه السلام لما نظر الي اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعي فالتفت الي الخيمه و نادي:يا سكينة! يا فاطمة! يا زينب! يا ام كلثوم! عليكن مني السلام.فنادته سكينة! يا أبة! استسلمت للموت؟قال: كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين.فقال: يا أبة! ردنا الي حرم جدنا.فقال: هيهات! لو ترك القطا لنام.فتصارخن النساء، فسكتهن الحسين عليه السلام [482] .و فيه أيضا: فدعي ببردة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و التحف بها و أفرغ عليه درعه الفاضل، و تقلد بسيفه، و استوي علي متن جواده، و هو غائص في الحديد، فأقبل علي أم كلثوم فقال لها:أوصيك يا أخية! بنفسك خيرا و اني بارز الي هؤلاء القوم.فأقبلت سكينة عليهاالسلام، و هي صارخة و كان يحبها حبا شديدا، فضمها الي صدره و مسح دموعها بكمه و قال:سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء اذ الحمام [483] دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني [484] . [ صفحه 239] فاذا قتلت فأنت أولي بالذي تأتينه يا خيرة النسوان و فيه أيضا: و قال لاخته: يا أختاه! ايتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد

من الناس، أجعله تحت ثيابي، لأن لا أجرد بعد قتلي.قال: فارتفعت أصوات النساء بالبكاء و النحيب [485] .و في بعض الكتب: فقال لهن الحسين عليه السلام: مهلا؛ فان البكاء أمامكن [486] .و في «المنتخب»: ثم اوتي بثوب عتيق، فخرقه و مزقه من أطرافه، و جعله تحت ثيابه، و كان له سروال جديد فخرقه أيضا لئلا يسلب منه.فلما قتل عمد اليه رجل فسلبهما منه و تركه عريانا بالعراء، مجردا علي الرمضاء، فشلت يداه في الحال و حل به العذاب و النكال.قال: فلما لبس الحسين عليه السلام ذل الثوب المخرق، ودع أهله و أولاده وداع مفارق لا يعود [487] .

وداعه مع ابنه الامام السجاد

و قال المجلسي رحمه الله: ثم دعي الحسين عليه السلام بزين العابدين عليه السلام و أودعه أسرار الامامة و الخلافة و أوصي اليه، و لما كان الحسين عليه السلام عالما بشهادته قبل توجهه الي العراق، فأودع ام سلمة زوجة النبي صلي الله عليه و آله و سلم كتب الأنبياء والأوصياء و سائر ودائعهم لتسلمها الي علي زين العابدين عليه السلام بعد مراجعته من العراق.و لما كان علي بن الحسين عليه السلام مريضا جعل الحسين عليه السلام وصية و أودعها [ صفحه 240] عند ابنته فاطمة عليهاالسلام حتي تسلمها الي أخيها [488] .كما في «الكافي» باسناده الي أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال:ان الحسين بن علي عليه السلام لما حضره الذي حضره دعي ابنته الكبري فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع اليها كتابا ملفوفا و وصية ظاهرة، و كان علي بن الحسين عليه السلام مبطونا معهم لا يرون الا أنه لما به، فدفعت فاطمة عليهاالسلام الكتاب الي علي بن الحسين عليه السلام، ثم صار والله؛ ذلك الكتاب الينا بازدياد [489] .قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟قال: فيه والله؛ ما يحتاج

ولد آدم منذ خلق الله تعالي آدم الي أن تفني الدنيا، الحديث [490] .

مبارزة الامام الحسين و شجاعته

و في «البحار»: ثم قال الحسين عليه السلام و ركب فرسه و تقدم عليه السلام الي القتال و هو يقول:كفر القوم و قدما [491] رغبوا عن الثواب الله رب العالمين [492] .قتلوا القوم عليا و ابنه حسن الخير كريم الأبوين حنقا منهم و قالوا اجمعوا و احشروا الناس الي حرب الحسين [ صفحه 241] يا لقوم من أناس رذل جمعوا الجمع لأهل الحرمين ثم صاروا [493] و تواصوا كلهم باجتياجي لرضاء الملحدين لم يخافوا الله من سفك دمي لعبيدالله نسل الكافرين و ابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف [494] الهاطلين لا لشي ء كان مني قبل ذا غير فخري بضياء النيرين بعلي الخير من بعد النبي و النبي القرشي الوالدين خيرة [495] الله من الخلق أبي ثم امي فأنا ابن الخيرتين فضة قد خلصت من ذهب فأنا الفضة و ابن الذهبين من له جد كجدي في الوري أو كشيخي فأنا ابن العلمين فاطم الزهراء أمي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين عبدالله غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين يعبدون اللات و العزي معا و علي كان صلي القبلتين فأبي شمس و أمي قمر و أنا الكوكب بين [496] القمرين و له في يوم احد وقعة شفت الغل بفض العسكرين ثم في الأحزاب و الفتح معا كان فيها حتف أهل الفيلقين في سبيل الله ماذا صنعت أمة السوء معا بالعترتين عترة البر النبي المصطفي و علي الورد يوم الحجفلين [ صفحه 242] و فيه أيضا: ثم وقف قبالة القوم و سيفه عليه السلام مصلت في يده آيسا من الحياة عازما علي الموت و هو عليه الصلاة و السلام يقول:أنا ابن علي الطهر من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخرو جدي رسول

الله أكرم من مشي [497] . و نحن سراج الله في الأرض نزهرو فاطم أمي من سلالة أحمد و عمي يدعي ذاالجناحين جعفرو فينا كتاب [الله انزل صادقا و فينا الهدي و الوحي بالخير يذكر][و نحن أمان الله] للناس كلهم نسر بهذا في الأنام و نجهرو نحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا بكاس رسول الله ما ليس ينكرو شيعتنا في الناس أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر[و طوبي لعبد زارنا بعد موتنا بجنة عدن صفوها لا يكدر] [498] [499] .و في «أمالي الصدوق»: باسناده عن أبان بن تغلب قال: قال أبوعبدالله الصادق عليه السلام:ان أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليهماالسلام، فلم يأذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان، و هبطوا و قد قتل الحسين عليه السلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه الي يوم القيامة، و رئيسهم ملك يقال له: منصور [500] .و في «المنتخب»: نقل أن الحسين عليه السلام لما كان في موقف كربلاء أتته أفواج من الجن الطيارة و قالوا له: يا حسين! نحن أنصارك فمرنا بما تشاء، فلو [ صفحه 243] أمرتنا بقتل كل عدو لكم لفعلنا.فجزاهم خيرا، و قال لهم:اني لا أخالف جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث أمرني بالقدوم عاجلا، و أني قد رقدت ساعة، فرأيت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد ضمني الي صدره و قبل ما بين عيني، و قال لي:يا حسين! ان الله عزوجل قد شاء أن يراك مقتولا ملطخا بدمائك، مذبوحا من قفاك، و قد شاء الله أن يري حرمك سبايا علي أقتاب المطايا.و اني والله؛ سأصبر حتي يحكم الله بأمره و هو خير

الحاكمين [501] .و في خبر أبي مخنف قال: ثم زلف نحو القوم و قال:يا ويلكم! علي م تقاتلوني؟ علي حق تركته؟ أم علي سنة غيرتها؟ أم علي شريعة بدلتها؟فقالوا: بل نقاتلك بغضا و عنادا منا لأبيك، و ما فعل بأشياخنا يوم بدر و حنين.فلما سمع كلامهم صلوات الله عليه بكي بكاء شديدا، و جعل ينظر يمينا و شمالا فلم ير أحدا من أنصاره الا من صافح التراب جبينه... الي أن قال:ثم حمل علي القوم بمهجته الشريفة روحي و روح العالمين له الفداء، فحمل عليهم حملة منكرة، و فرقهم و قتل منهم في حملته ألفا و خسمائة فارس [502] .و في «المنتخب»: ثم ان الحسين عليه السلام أقبل الي عمر بن سعد لعنه الله و قال: [ صفحه 244] أخيرك في ثلاث خصال:قال: و ما هي؟قال: تتركني حتي أرجع الي المدينة الي حرم جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.قال: مالي الي ذلك سبيل.قال: اسقوني شربة من الماء، فقد نشفت [503] كبدي من [شدة] [504] الظماء.فقال: و لا الي الثانية من سبيل.قال: و ان كان لابد من قتلي فليبرز الي رجل [بعد] رجل.فقال: ذلك لك [505] .و في «البحار»: انه دعي الناس الي البراز، فلم يزل يقتل كل من دني منه من عيون الرجال حتي قتل منهم مقتلة عظيمة [506] .و في «اللهوف»: و هو في ذلك يقول:القتل أولي من ركوب العار و العار أولي من دخول النار [507] .و في «البحار»: ثم حمل علي الميمنة، و هو يقول: الموت خير من ركوب العار.ثم حمل علي الميسرة و هو يقول:أنا الحسين بن علي آليت أن لا أنثني [ صفحه 245] أحمي عيالات أبي أمضي علي

دين النبي [508] .و في «اللهوف»: قال بعض الرواة: فوالله؛ ما رأيت مكسورا [509] قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جاشا منه، و ان الرجل كانت لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف منه انكشاف المعزي اذا شد فيها الذئب.و لقد كان يحمل عليهم، و قد تكملوا ثلاثين ألفا، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع الي مركزه و هو يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم [510] .و في «المعدن»: عن حميد بن مسلم قال: والله؛ لقد رأيت شيبته مخضوبة بالدم، و درعه بان عليه بنيانا، و ليس يري للناظرين، و هو اذا شد عليهم انكشفوا من بين يديه انكشاف الغنم اذا شد عليها الذئب [511] .و في «البحار»: و لم يزل يقاتل حتي قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوي المجروحين [512] .و في «المنتخب»: ثم انه عليه السلام لم يزل يحمل علي القوم و يقاتلهم حتي قتل من القوم ألوفا، فلما نظر الشمر لعنه الله الي ذلك قال لعمر بن سعد لعنه الله: أيها الأمير! والله؛ لو برز الي الحسين عليه السلام أهل الأرض لأفناهم عن آخرهم، فالرأي أن نفترق عليه و نملأ الأرض بالفرسان و الرماح و النبل و نحيط به من كل جانب. [ صفحه 246] و قد فعلوا ذلك و جعل الحسين عليه السلام يحمل مرة علي الميمنة و اخري علي الميسرة حتي قتل - علي ما نقل - ما يزيد علي عشرة آلاف فارس و لا يبين النقص فيهم لكثرتهم [513] .قال صاحب «الاصل»: أقول: و يؤيده ما نقل أن بعد وقعة كربلاء نسي الناس مقاتل أميرالمؤمنين عليه السلام و يذكرون جلادة

الحسين عليه السلام في ذلك اليوم.قال صاحب «الاصل»: و في بعض الكتب المعتبرة:أنه لما نظر القوم ما فعل بهم الحسين عليه السلام قال رجل من القوم - و قيل: انه عمر ابن سعد لعنه الله كما في «البحار» -: الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتال العرب، فأحملوا عليه من كل جانب، و كانت الرماة أربعة آلاف فرموه بالسهام فحالوا بينه و بين رحله [514] .ثم قال في «البحار»: قال ابن أبي طالب و صاحب «المناقب» و السيد رحمه الله: فصاح بهم:ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، و ارجعوا الي أحسابكم ان كنتم عربا [515] .فناداه شمر لعنه الله فقال: ما تقول يابن فاطمة؟قال: أقول: أنا الذي اقاتلكم، و تقاتلوني، و النساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عنانكم [516] عن التعرض لحرمي ما دمت حيا. [ صفحه 247] فقال شمر: لك هذا.ثم صاح شمر لعنه الله: اليكم عن حريم الرجل، فاقصدوه بنفسه، فلعمري هو كفو كريم.قال: فقصده القوم و هو في ذلك يطلب شربة من الماء، و كلما حمل بفرسه علي الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتي خلوه [517] عنه [518] .و في «المعدن»: عن كتاب «أنساب النواصب» عن كتاب «فتوحات القدس» ما مضمونة:ان الحسين عليه السلام لما اشتد به العطش جاءه رجل سياح و معه آنية من الخشب مملوة من الماء، فناولها اياه.فأخذها الحسين عليه السلام من يده وصبه علي الأرض و قال: أيها السياح! أتزعم أنا لا نقدر علي الماء، أنظر!فلما نظر رآي أنهارا جارية، فملأ الحسين عليه السلام آنيته من الحصا [و ناوله اياها]، فاذا الحصا قد انقلب بالجواهر الفريدة [519] .و قال

في «البحار»: قال ابن شهر اشوب: روي أبومخنف عن الجلودي:أن الحسين عليه السلام حمل علي الأعور السلمي و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و كانا في أربعة آلاف رجل علي الشريعة، و أقحم الفرس في الفرات، فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال عليه السلام:أنت عطشان و أنا عطشان والله؛ لا ذقت الماء حتي تشرب. [ صفحه 248] فلما سمع الفرس كلام الحسين عليه السلام شال رأسه و لم يشرب، كأنه فهم الكلام.فقال الحسين عليه السلام: اشرب فأنا أشرب، فمد الحسين عليه السلام يده فغرف من الماء غرفة.فقال فارس من القوم: يا أباعبدالله! تتلذذ بشرب الماء و قد هتك حرمك.فنفض الماء من يده و حمل علي القوم، فكشفهم فاذا الخيمة سالمة [520] .و في نقل آخر: ان الحسين عليه السلام لما هم ليشرب رماه الحصين بن نمير لعنه الله بسهم في فخذه [521] فنزع السهم و تلقي الدم بيده و رمي به نحو السماء و قال:يا رب! اليك المشتكي من قوم أراقوا دمي، و منعوني من شرب الماء.ثم انه هم ليشرب ثانيا فنادي عمر بن سعد لعنه الله: و حق بيعة يزيد بن معاوية [لئن شرب الحسين من الماء ليفنيكم عن آخركم.فنادي خولي بن يزيد الاصبحي:] يا حسين! ألحق خيم الحرم فقد احترقت بالنار و أنت حر. [522] .

الوداع الأخير لأبي عبدالله الحسين

فنفص الماء من يده و رجع الي الخيم، فوجدها سالمة، فعلم أنها كانت مكيدة و حيلة منهم لعنهم الله تعالي.قال: و أقبل اليه النساء و الأطفال قاصدين الماء، فلما رأينه مخضبا بدم الجراح صحن و لطمن وجوههن و قامت الضجة بينهن. [ صفحه 249] فقال لهم الحسين عليه السلام: مهلا فان البكاء أمامكن [523] .و في «المعدن»: فنادي في تلك الحالة: يا زينب! يا ام كلثوم!

يا سكينة! يا رقية! يا فاطمة! عليكن مني السلام.فأقبلت زينب فقالت: يا أخي! أيقنت [524] بالقتل.فقال: كيف لا أيقن و ليس لي معين و لا نصير.فقالت: يا أخي! ردنا الي حرم جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فقال: هيهات لو تركت ما ألقيت نفسي المهلكة، و كأنكم غير بعيد كالعبيد يسوقونكم أمام الركاب، و يسومونكم سوء العذاب.فلما سمعت زينب عليهاالسلام بكت و جري الدمع من عينيها و نادت: وا وحدتاه! وا قلة ناصراه! وا سوء منقلباه! وا شؤم صباحاه!فشقت ثوبها و نشرت شعرها، و لطمت علي وجهها.فقال عليه السلام لها: مهلا يا بنت المرتضي! ان البكاء طويل.فأراد أن يخرج من الخيمة فتعلقت به [525] زينب عليهاالسلام و قالت: مهلا يا أخي! توقف حتي أزود من نظري، و أودعك وداع مفارق لا تلاقي بعده.فمهلا أخي قبل الممات هنيئة [526] . لتبرد مني لوعة و غليل فجعلت تقبل يديه و رجليه، و أحطن به سائر النسوان و يقبلن يده [ صفحه 250] و رجله [527] .قال صاحب «الأصل»: قد رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا:أنه لما ضاق الأمر بالحسين عليه السلام و بقي وحيدا فريدا التفت الي خيم بني أبيه، فرآها خالية منهم.ثم التفت الي خيم أصحابه فلم ير منهم أحدا، فجعل يكثر من قول: «لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم» [528] .

في وداعه مع الامام السجاد

ثم ذهب الي خيم النساء فجاء الي خيمة ولده علي زين العابدين عليه السلام فرآه ملقي علي نطع [529] من الأديم، فدخل عليه و عنده زينب عليهاالسلام تمرضه، فلما نظر علي بن الحسين عليه السلام أراد النهوض فلم يتمكن من شدة المرض، فقال [لعمته]: سنديني الي صدرك فهذا ابن رسول الله صلي الله عليه و

آله و سلم قد أقبل.فجلست زينب عليهاالسلام خلفه و أسندته الي صدرها، فجعل الحسين عليه السلام يسأل ولده عن مرضه، و هو يحمد الله تعالي.ثم قال: يا أبتاه! ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟فقال له الحسين عليه السلام: يا ولدي! [قد] استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله و قد شب الحرب بيننا و بينهم حتي فاضت الأرض بالدم منا و منهم.فقال علي عليه السلام: يا أبتاه! و أين عمي العباس عليه السلام؟ [ صفحه 251] فلما سأله عن عمه اختنقت زينب عليهاالسلام بعبرتها و جعلت تنظر الي أخيها كيف يجيبه، لأنه يخبره بشهادة عمه العباس عليه السلام خوفا لأن يشتد مرضه.فقال له: يا بني! ان عمك قد قتل، قطعوا يديه علي شاطي ء الفرات.فبكي علي بن الحسين عليه السلام بكاء شديدا حتي غشي عليه، فلما أفاق من غشيته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته، و الحسين عليه السلام يقول له: قتل.فقال: و أين أخي علي، و حبيب بن مظاهر، و مسلم بن عوسجة، و زهير بن قين؟فقال له: يا بني! اعلم أنه ليس للخيام رجل حي الا أنا و أنت، و أما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعي علي وجه الثري.فبكي علي بن الحسين عليهماالسلام بكاء شديدا، ثم قال لعمته زينب عليهاالسلام: يا عمتاه! علي بالسيف و العصا.فقال له أبوه: و ما تصنع بهما؟فقال: أما العصا؛ فأتوكأ عليها، و أما السيف، فأذب به بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فانه لا خير في الحياة بعده.فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك و ضمه الي صدره و قال له:يا ولدي! أنت أطيب ذريتي، و أفضل عترتي، و أنت خليفتي علي هؤلاء العيال و الأطفال، فانهم غرباء مخذولون قد شملتهم

الذلة و اليتم، و شماتة الأعداء و نوائب الزمان، سكتهم اذا صرخوا، و آنسهم اذا استوحشوا، وسل خواطرهم بلين الكلام، فانهم ما بقي من رجالهم مما يستأنسون به غيرك، و لا أحد عندهم يشكون اليه حزنهم سواك، دعهم يشموك و تشمهم، و يبكوا عليك وتبك عليهم. [ صفحه 252] ثم لزمه بيده صلوات الله عليه وصاح باعلي صوته:يا زينب! و يا ام كلثوم! و يا سكينة! و يا رقية! و يا فاطمة! اسمعن كلامي و اعلمن ان ابني هذا خليفتي عليكم و هو امام مفترضة الطاعة.ثم قال له: يا ولدي! بلغ شيعتي عني السلام، فقل لهم: ان ابي مات غريبا فاندبوه، و مضي شهيدا فابكوه [530] .

كلامه مع اهل بيته

و قال المجلسي رحمه الله في ترجمة «الجلاء»: ثم ودع اهل بيته و امرهم بالصبر، و وعدهم الثواب و الأجر، و أمرهم بلبس أزرهم و قال لهم:استعدوا للبلاء، و اعلموا أن الله تعالي حافظكم و حاميكم و سينجيكم من شر الاعداء، و يجعل عاقبة امركم الي خيركم، و يعذب اعاديكم بانواع البلاء و يعوضكم الله عن هذه البلية بانواع النعم و الكرامة، فلا تشكوا و لا تقولوا بالسنتكم ما ينقص قدركم.ثم توجه الي قتال أعدائه [531] .

قتال الامام الحسين

و في «البحار»: و جعل الحسين عليه السلام يطلب الماء و شمر لعنه الله يقول: و الله؛ لا ترده أو ترد النار. [ صفحه 253] فقال له رجل: ألا تري الي الفرات يا حسين! كأنه بطون الحيات؛ [والله؛] لا تذوقه أو تموت عطشا.فقال الحسين عليه السلام: اللهم أمته عطشا.قال: والله، لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني بماء، فيؤتي بماء فيشرب حتي يخرج من فيه، ثم يقول: اسقوني قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتي مات.فقالوا: ثم رماه رجل من القوم يكني أبا الحتوف الجعفي لعنه الله بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزع السهم من جبهته، فسالت الدماء علي وجهه ولحيته فقال:اللهم انك تري ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة:اللهم أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر علي وجه الأرض منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا.ثم حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم [أحدا] الا بعجه [532] بسيفه فقتله، و السهام تأخذه من كل ناحية و هو يتقيها بنحره و صدره و يقول:يا أمة السوء! بئسما خلفتم محمدا صلي الله عليه و آله و سلم في عترته، أما انكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عبادالله فتهابوا قتله، بل

يهون عليكم عند قتلكم اياي، و أيم الله! اني لأرجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.فصاح به الحصين بن مالك السكوني فقال: يابن فاطمة! و بماذا ينتقم لك منا؟ [ صفحه 254] قال: يلقي بأسكم بينكم و يسفك دمائكم ثم يصب عليكم العذاب الأليم.ثم لم يزل يقاتل حتي أصابته جراحات عظيمة [...] حتي قيل: ألف و تسعمائة جراحة [533] .و في كتاب «عين الحياة»: قال المجلسي رحمه الله: و في رواية: أنه أصابه أربعة آلاف جراحة من السهام و أربعة و ثمانون من السيوف و السنان [534] .و في «البحار»: قال ابن شهر آشوب: قال أبومخنف: عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام قال: وجدنا بالحسين عليه السلام ثلاثا و ثلاثين طعنة، و أربعا و ثلاثين ضربة.و قال الباقر عليه السلام: اصيب الحسين عليه السلام و وجد ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح، و ضربة بسيف و رمية بسهم.و روي: ثلاثمائة و ستون جراحة.و قيل: ثلاث و ثلاثون ضربة سهوي السهام.وقيل: ألف و تسعمائة جراحة، و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ.و روي: أنها كانت كلها في مقدمه عليه السلام.قالوا: فوقف يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره - و في بعض الروايات: علي قلبه - [ صفحه 255] فقال الحسين عليه السلام:بسم الله و بالله و علي ملة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.و رفع رأسه الي السماء و قال: الهي! انك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس علي وجه الأرض ابن

نبي غيره.ثم أخذ السهم، فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده تحت الجرح، فلما امتلأت رمي به الي السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، و ما عرفت الحمرة في السماء حتي رمي الحسين عليه السلام بدمه الي السماء.ثم رفع [535] يده ثانيا، فلما امتلأت لطخ [بها] رأسه و لحيته و قال:هكذا أكون حتي ألقي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أنا مخضوب بدمي، و أقول: يا رسول الله! قتلني فلان و فلان.ثم ضعف عن القتال فوقف، فكلما أتاه رجل و انتهي اليه انصرف عنه [536] .

خروج عبدالله بن الحسن

قال المفيد في «ارشاده»، و السيد في «اللهوف»:فخرج عبدالله بن الحسين بن علي عليهماالسلام - و هو غلام لم يراهق - من عند النساء فشد حتي وقف الي جنب عمه الحسين عليه السلام، فلحقته زينب بنت علي عليهماالسلام لتحبسه.فقال لها الحسين عليه السلام: احبسيه يا اختي! [ صفحه 256] فأبي و امتنع عليها امتناعا شديدا و قال: والله؛ لا أفارق عمي.و أهوي أبجر بن كعب - و قيل: حرمة بن كاهل - الي الحسين عليه السلام بالسيف.فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة! أتقتل عمي؟فضربه [أبجر] بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها الي الجلدة فاذا هي معلقة، فنادي الغلام: يا عماه! [537] .فأخذه الحسين عليه السلام فضمه اليه.و قال: يابن أخي! اصبر علي ما نزل [بك] و احتسب في ذلك الجزاء [538] ، فان الله تعالي يلحقك بآبائك الصالحين [539] .و في «المنتخب»: فبينما هو يخاطبه اذ رماه حرملة بن كاهل بسهم، فذبحه في حجر عمه الحسين عليه السلام، فصاحت زينب: وا ابن أخاه! ليت الموت أعدمني الحياة، ليت السماء أطبقت علي الأرض، وليت الجبال تدكدت علي السهل [540] .و

في «الارشاد»: ثم رفع الحسين عليه السلام يديه، و قال:اللهم فان متهتهم الي حين ففرقهم فرقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فانهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا [541] .في «البحار»: جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن النسر [542] لعنه الله، فشتم [ صفحه 257] الحسين عليه السلام و ضربه بالسيف علي رأسه، و عليه برنس فامتلأ دما.فقال له الحسين عليه السلام: لا أكلت بها و لا شربت و حشرك الله مع الظالمين.ثم ألقي البرنس، و لبس قلنسوة و اعتم عليها و قد أعيا، و جاء الكندي و أخذ البرنس و كان من خز.فلما قدم بعد الوقعة علي امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته: أتدخل بيتي بسلب [543] ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ أخرج عني حشي الله قبر نارا، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال، و يبست يداه، و كان في الشتاء ينضحان دما، و في الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان [544] .و في «المنتخب»: بعد ما أقبل الكندي بالبرنس الي منزله فقال لزوجته: هذا برنس الحسين عليه السلام فاغسليه من الدم.فبكت و قالت له: ويلك! قتلت الحسين عليه السلام و سلبت برنسه، والله؛ لا صحبتك أبدا.فوثب اليها ليلطمها، فانحرفت عن اللطمة فأصابت يده الباب التي في الدار، فدخل مسمار في يده، فعلمت عليه حتي قطعت من وقته، و لم يزل فقيرا حتي مات، لا رضي الله عنه.و في «البحار» عن صاحب «المناقب» و محمد بن أبي طالب:و لما ضعف الحسين عليه السلام نادي شمر لعنه الله: ما وقوفكم؟ و ما تنتظرون بالرجل قد أثخنته الجراح و السهام؟ احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم! [ صفحه 258] فحملوا عليه

من كل جانب، فرماه الحصين بن نمير [545] في فيه [546] .- و زاد في «المعدن» عن «المناقب» - و أبوأيوب الغنوي بسهم مسموم في حلقه، فقال عليه السلام:بسم الله و بالله، و لا حول و لا قوة الا بالله، و هذا قتيل في رضاء الله.و ضربة زرعة بن شريك التميمي في كتفه الأيسر، و عمر بن خليفة الجعفي [ضرب] علي حبل عاتقه، و كان قد رماه سنان بن أنس النخعي في صدره [547] .و في «اللهوف»: قال الراوي: و لما أثخن [548] الحسين عليه السلام بالجراح، و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني علي خاصرته طعنة، فسقط عليه السلام عن فرسه الي الأرض علي خده الأيمن و هو يقول:بسم الله و بالله، و علي ملة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.و في «البحار»: ثم استوي جالسا و نزع السهم من خلفه، ثم دني عمر بن سعد لعنه الله من الحسين عليه السلام.

زينب بين القتلي

قال حميد بن مسلم: و خرجت زينب بنت علي عليهماالسلام و قرطاها يجولان بين اذنيها [549] . [ صفحه 259] و في «اللهوف»: و هي تنادي: وا أخاه! وا سيداه! وا أهل بيتاه! ليت السماء أطبقت علي الأرض! و ليت الجبال تدكدكت علي السهل [550] .و في «البحار»: قالت: يا عمر بن سعد! أيقتل أبوعبدالله و أنت تنظر اليه؟ودموع عمر تسيل علي خديه [ولحيته]!! و هو يصرف وجهه عنها، و الحسين عليه السلام جالس و عليه جبة خز، و قد تحاماه الناس [551] .و قال المفيد في ارشاده: قفلم يجبها عمر بشي ء [552] .

شهادته

و في «اللهوف» قال: و صاح الشمر بأصحابه: ما تنتظرون بالرجل؟قال: فحملوا عليه من كل جانب.فضربه زرعة بن شريك علي كتفه اليسري، و ضرب الحسين عليه السلام زرعة، فصرعه.و ضربه آخر علي عاتقه المقدس بالسيف ضربة كب بها لوجهه، و كان عليه السلام قد أعيا و جعل يقوم و يكب.فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح، فطعنه في بواقي صدره.ثم رماه سنان أيضا بسهم، فوقع السهم في نحره، فسقط عليه السلام و جلس قاعدا، فنزع السهم من نحره، و قرن كفيه جميعا، فكلما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته و هو يقول: هكذا ألقي الله مخضبا [بدمي] مغصوبا علي [ صفحه 260] حقي [553] .و في خبر أبي مخنف: وخر صريعا مغشيا عليه، فلما أفاق من غشيته و ثب ليقوم للقتال فلم يقدر، فبكي بكاء عاليا و نادي:وا جداه! وا محمداه! وا أبتاه! وا علياه!ثم غشي عليه [فبقي مكبوبا علي وجهه] [554] ثلاث ساعات من النهار و القوم في حيرة في قتله خوفا أنه حي أو مات [555] .و في «البحار»

عن صاحب «المناقب» و محمد بن أبي طالب: فنادي شمر لعنه الله: ويلكم ما تنتظرون به؟ أقتلوه ثكلتكم امهاتكم.فضربه زرعة بن شريك فأبان كفه اليسري، ثم ضربه علي عاتقه ثم انصرفوا عنه، و هو يكبو مرة و يقوم اخري.فحمل عليه سنان في تلك الحال، فطعنه بالرمح فصرعه، و قال لخولي بن يزيد: اجتز رأسه! فضعف و ارتعدت يده فقال له سنان: فت الله عضدك، و أبان يدك [556] .و قال أبومخنف: و بقي الحسين عليه السلام مكبوبا علي الأرض ملطخا بدمه ثلاث ساعات من النهار رامقا بطرفه الي السماء، و يقول:صبرا علي قضائك يا رب، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين.فابتدر اليه أربعون رجلا كل منهم يريد جز رأسه الشريف، و عمر بن سعد [ صفحه 261] لعنه الله يقول: ويلكم عجلوا عليه.و كان أول من ابتدر اليه شبث بن ربعي، و بيده سيف محدد، فدني منه ليجتز رأسه الشريف، فرمقه بطرفه الشريف، فرمي السيف من يده و ولي هاربا [557] .قال صاحب «الأصل»: قد اختلف علماؤنا رضوان الله عليهم في قاتله صلوات الله عليه، و روح العالمين فداه.ففي «مجالس الصدوق» باسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال:و أقبل عدو الله سنان الأيادي و شمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله تعالي في رجال من أهل الشام حتي وقفوا علي رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل.فنزل سنان بن أنس الأيادي لعنه الله و أخذ بلحية الحسين عليه السلام و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول: و الله؛ لأحتز رأسك، و أنا أعلم أنك ابن رسول الله، و خير الناس أبا و اما!! [558] .و قال السيد رحمه الله: فنز اليه سنان

بن أنس النخعي لعنه الله و ضرب بالسيف في حلقه الشريف و هو يقول: والله؛ اني لأجتز رأسك، و أعلم أنك ابن رسول الله، و خير الناس أبا و أما!!!ثم احتز رأسه المقدس المعظم صلوات الله و سلامه عليه، و في ذلك يقول الشاعر: [ صفحه 262] فأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان ثم قال: و روي: أن سنانا هذا أخذه المختار، فقطع أنامله أنملة أنملة، ثم قطع يديه و رجليه و أغلي له قدرا فيه زيت، و رماه فيها و هو يضطرب.قال: و ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة، فيها ريح حمراء، لا يري فيها عين و لا أثر، حتي ظن القوم أن العذاب قد جاءهم، فلبثوا كذلك ساعة، ثم انجلت عنهم [559] .و في «المنتخب»: بعد ما أقبل لعنه الله الي الحسين عليه السلام و كان قد غشي عليه، فدني اليه و برك علي صدره، فحس به عليه السلام و قال: يولك! من أنت فقد ارتقيت مرتقا عظيما؟فقال: انا الشمر.فقال له: ويلك من أنا؟فقال: أنت الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء، وجدك محمد المصطفي.فقال الحسين عليه السلام: يا ويلك! اذا عرفت هذا حسبي ونسبي فلم تقتلني؟فقال الشمر لعنه الله: ان لم أقتلك فمن يأخذ الجائزة من يزيد؟فقال: أيما أحب اليك الجائزة من يزيد، أو شفاعة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب الي منك و من جدك.فقال الحسين عليه السلام: اذا كان لابد من قتلي فاسقني شربة من الماء.فقال اللعين: هيهات! والله؛ لا ذقت قطرة من الماء حتي تذوق الموت غصة بعد غصة. [ صفحه 263] فقال له الحسين عليه السلام: اكشف عن وجهك و

بطنك.فكشف له: فاذا هو أبقع أبرص، له صورة تشبه الكلاب و الخنازير!فقال الحسين عليه السلام: صدق جدي صلي الله عليه و آله و سلم فيما قال.فقال اللعين: و ما قال جدك؟قال: كان يقول لأبي: يا علي! يقتل ولدك هذا رجل أبقع أبرص أشبه الخلق بالكلاب و الخنازير.فغضب الشمر لعنه الله من ذلك، و قال: تشبهني بالكلاب و الخنازير، فوالله؛ لأذبحنك من قفاك، ثم قلبه علي وجهه، و جعل اللعهين لعنه الله تعالي يقطع أوداجه روحي له الفداء [560] .قال أبومخنف رحمه الله: و هو لعنه الله يقول:أقتلك اليوم و نفسي تعلم علما يقينا ليس فيه مزعم [561] .أن أباك خير من تكلم بعد النبي المصطفي المعظم أقتلك اليوم و سوف أندم و ان مثواي غدا جهنم قال: و كلما قطع منه عضوا نادي: وا محمداه! وا جداه! وا أبتاه! وا حسناه! وا جعفراه! وا عقيلاه! وا عباساه! وا قتيلاه! وا قلة ناصراه! [وا غربتاه!] [562] .و في «المنتخب»: أقتل [563] عطشانا وجدي محمد المصطفي، أذبح [564] عطشانا و أبي علي المرتضي، و امي فاطمة الزهراء. [ صفحه 264] فلما اجتز الملعون رأسه عليه السلام شاله في قناة فكبر، و كبر العسكر معه!! [565] .و في خبر أبي مخنف: و كبر العسكر ثلاث تكبيرات، و تزلزت الأرض و أظلم الشرق و الغرب، و أخذت الناس الرجفة و الصواعق، و أمطرت السماء دما عبيطا، و نادي مناد من السماء:قتل والله؛ الامام بن الامام، أخو الامام أبوالأئمة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام [566] .و في «البحار» عن «تاريخ النبوي» [567] قال: قال أبوقبيل:لما قتل الحسين بن علي عليهماالسلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتي ظننا أنها هي [568] [569] .

سلب الحسين بعد قتله

قال

السيد رحمه الله في «اللهوف»: ثم أقبلوا علي سلب الحسين عليه السلام،فأخذ قميصه اسحاق بن حوية الحضرمي لعنه الله فلبسه فصار أبرص، وامتعط شعره.و في بعض الكتب: أخذه الأشعث بن قيس.و في «اللهوف»: و روي أنه وجد في قميصه مائة و بضع عشرة ما بين رمية و طعنة و ضربة. [ صفحه 265] و قال الصادق عليه السلام: «وجد بالحسين عليه السلام ثلاث و ثلاثون طعنة و أربع و ثلاثون ضربة».و أخذ سراويله بحر [570] بن كعب التيمي لعنه الله.و روي: أنه صار زمنا مقعدا من رجليه.و أخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي لعنه الله.و قيل: جابر بن يزيد الأودي لعنه الله، فاعتم بها فصار معتوها، انتهي.و في اخري: صار مجذوما، و أخذ درعه مالك بن بشير الكندي، فصار معتوها.فقال السيد رحمه الله: و أخذ نعليه الأسود بن خالد.و أخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي، فقطع اصبعه عليه السلام مع الخاتم.و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه، و تركه يتشحط في دمه حتي هلك.و أخذ قطيفة له عليه السلام و كانت من خز؛ قيس بن الأشعث لعنه الله.و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد لعنه الله، فلما قتل عمر بن سعد لعنه الله وهبها المختار لأبي عمرة قاتله.و أخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي، و يقال: رجل من [بني] تميم يقال له: الأسود بن حنظلة لعنه الله.و في رواية ابن أبي سعيد: أنه أخذ سيفه الفلافس النهشلي.و زاد محمد بن زكريا: أنه وقع بعد ذلك الي بنت حبيب بن بديل. [ صفحه 266] و هذ السيف المنهوب ليس بذي الفقار، فان ذلك كان مذخورا [و مصونا مع أمثاله] من ذخائر النبوة و الامامة [571] .

فرس الحسين يركض نحو خيمة النساء

و في بعض

الكتب المعتبرة - و يمكن أن يستشم هذا المضمون من المنتخب -: أنه لما قتل الحسين عليه السلام جعل فرس الحسين عليه السلام يصهل و يحمحم و يتخطي القتلي في المعركة قتيلا بعد قتيل، حتي وقف علي الجسد الشريف فوجده جسدا بلا رأس، فجعل يدور حوله و يمرغ عرفه و ناصيته بدم الحسين عليه السلام و يصهل صهيلا عالية.فنظر اليه عمر بن سعد لعنه الله و صاح بالرجال و قال: ويلكم! دونكم فرس الحسين خذوه و اتوني به.و كان من جياد خيل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فتراكضت الفرسان اليه، فلما أحس الجواد بهم جعل يمانع عن نفسه و يكدم [572] بفيه و يرمح بيديه و رجليه، فيثب علي الفارس فيخبطه [573] عن فرسه و يدوسحه حتي قتل أربعين رجلا و عشرين من رؤوس الخيل، و لم يقدروا عليه.فصاح ابن سعد لعنه الله: ويلكم! تباعدوا عنه حتي ننظر ما يصنع؟فتابعدوا عنه، فلما خف الناس من حوله و أمن من الطلب جعل يتخطي القتلي، و يطلب الحسين عليه السلام حتي اذا وصل اليه جعل يشم رائحته، و يمرغ ناصيته بدمه، و يقبل بعينيه و هو مع ذلك يصهل صهيلا عاليا، و يبكي بكاء الثكلي، حتي [ صفحه 267] أعجب كل من حضر.قال: فلما سمعت زينب بنت علي عليه السلام صهيله أقبلت علي سكينة و قالت لها: قد جاء أبوك بالماء.فخرجت سكينة فرحانة بذكر أبيها و الماء، فرأت الجواد عاريا، و السرج خاليا من راكبه، فهتكت خمارها و نادت:وا قتيلاه! وا أبتاه! وا حسناه! وا حسيناه! وا غربتاه! وا بعد سفراه! وا طول كربتاه! هذا الحسين بالعراء، مسلوب العمامة و الرداء، قد أخذ منه الخاتم و الحذاء.بأبي من رأسه

بأرض و جثته بأخري؛بأبي من رأسه الي الشام يهدي؛بأبي من أصبحت حريمة مهتوكة بين الأعداء؛بأبي من عسكره يوم الاثنين مضي.ثم بكت بكاء عاليا و أنشأت تقول:مات الفخار و مات الجود و الكرم وا غبرت الأرض و الافاق و الحرم و أغلق الله أبواب السماء فلا ترقي لهم دعوة تجلي بها الهمم [574] . [ صفحه 268] يا أخت قومي انظري هذا الجواد أتي ينبئك أن ابن خير الخلق مخترم [575] .مات الحسين فيالهفي لمصرعه و صار يعلو ضياء الامة الظلم ياموت هل من فدي؟ ياموت هل عوض؟ الله ربي من الفجار ينتقم قال: فلما سمع باقي الحرم شعرها خرجن فنظرن الي الفرس عاريا و السرج خاليا، فجعل يلطمن الخدود، و يشققن الجيوب، و ينادين و يقلن:وا محمداه! وا علياه! وا حسناه! وا حسيناه! اليوم مات محمد المصطفي، اليوم مات علي المرتضي، اليوم ماتت فاطمة الزهراء.ثم بكت ام كلثوم و أو مأت الي اختها زينب عليهاالسلام و أنشأت تقول الي آخر الأبيات في محله [576] .قال عبدالله بن قيس: فنظرت الي الجواد قد رجع من الخيمة و قصد الفرات و رمي بنفسه فيه، و ذكر أنه يظهر عند صاحب الزمان عجل الله فرجه [577] .و في «البحار»: عن صاحب «المناقب» و محمد بن أبي طالب قالا: و أقبل فرس الحسين عليه السلام و قد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه السلام، ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء، و هو يصهل و يضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتي مات. [ صفحه 269] فلما نظر أخوات الحسين عليه السلام و بناته و أهله الي الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهن بالبكاء و العويل، و وضعت أم كلثوم يدها علي أم

رأسها و نادت:وا محمداه! وا جداه! وا نبياه! وا أبا القاسماه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! وا حسناه! هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة و الرداء.[ثم غشي عليها] [578] . [ صفحه 271]

في ما جري علي أهل بيته بعد قتله من احراق خيامه، و نهب أمواله

اشاره

في ما جري علي أهل بيته بعد قتله من احراق خيامه، و نهب أمواله، و ما وقع في ذلك الأيام من رض الخيل لعنه الله جسده الشريف و غيره مما يذكر في هذا الفصل [ صفحه 273]

نهب أهل البيت

روي السيد بن طاووس رحمه الله: أنه لما قتل الحسين عليه السلام جاءت جارية من ناحية خيم الحسين عليه السلام فقال لها رجل: يا أمة الله! ان سيدك الحسين عليه السلام قتل.قالت الجارية: فأسرعت الي سيداتي، و أنا أصيح، فقمن النساء في وجهي و صحن.قال: و تسابق القوم علي نهب [بيوت] آل الرسول، و قرة عين الزهراء البتول، حتي جعلوا ينزعون ملحفة [579] المرأة عن ظهرها، و خرجن بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و حريمه يتساعدن علي البكاء، و يندبن لفراق الحماة و الأحباء.و روي حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بكر بن وائل - كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد لعنه الله - فلما رأت القوم قد اقتحموا علي نساء الحسين عليه السلام و فسطاطهن، و هم يسلبونهن، أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط و قالت: يا آل بكر بن وائل! أتسلب بنات رسول الله؟! لا حكم الا لله بثارات [580] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأخذها زوجها وردها الي رحله. [581] .و في «أمالي الصدوق»: باسناده عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت: [ صفحه 274] دخلت العامة [582] علينا الفسطاط، و أنا جارية صغيرة و في رجلي خلخالان من ذهب، فجعل رجل يقفض الخلخالين من رجلي و هو يبكي.فقلت: ما يبكيك يا عدو الله؟!فقال: كيف لا [أبكي] و أنا أسلب ابنة رسول الله؟!فقلت: لا تسلبني.فقال: أخاف أن

يجي ء غيري فيأخذه.قالت: و انتهبوا ما في الأبنية حتي كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا [583] .و في «البحار»: عن صاحب «المناقب» و محمد بن أبي طالب:فأقبل الأعداء لعنهم الله حتي أحدقوا بالخيمة، و معهم شمر لعنه الله فقال: أدخلوا فاسلبوا بزتهن.فدخل القوم لعنهم الله فأخذوا ما كان في الخيمة حتي أفضوا الي قرط كان في أذن ام كلثوم عليهاالسلام اخت الحسين عليه السلام، فأخذوه و خرموا أذنها، حتي كانت المرأة لتنازع ثوبها علي ظهرها حتي تغلب عليه، [...] ثم مال الناس علي الورس [584] و الحلي [585] و الحلل و الابل فانتهبوها [586] . [ صفحه 275]

احراق خيامه

قال أبومخنف: فلما ارتفع صياح النساء صاح ابن سعد لعنه الله: يا ويلكم! اكبسوا عليهن الخيام، و أضرموها نارا، فأحرقوها و ما فيها.فقال رجل منهم: يا ويلك يابن سعد! أما كفاك قتل الحسين عليه السلام و أهل بيته و أنصاره عن حرق أطفاله و نسائه؟ لقد أردت أن يخسف الله بنا الأرض، فتبادروا الي نهب النساء الطاهرات.قالت زينب بنت أميرالمؤمنين عليهماالسلام: كنت في ذلك الوقت واقفة في الخيمة، اذ دخل رجل أزرق العينين، فأخذ ما كان في الخيمة، و نظر الي علي بن الحسين عليه السلام و هو علي نطع من الأديم و كان مريضا، فجذب النطع من تحته و رماه الي الأرض، والتفت الي و أخذ القناع من رأسي، و نظر الي قرطين كانا في أذني فجعل يعالجهما و هو يبكي حتي نزعهما.فقلت: تسلبني و أنت تبكي؟!فقال: أبكي لمصابكم أهل البيت.فقلت له: قطع الله تعالي يديك و رجليك، و أحرقك بنار الدنيا قبل الاخرة [587] .و في «المعدن»: و هم شمر لعنه الله بقتل ابن الحسين عليه السلام و هو مريض، فخرجت اليه زينب

بنت علي بن أبي طالب عليهماالسلام، فوقعت عليه و قالت: والله؛ لا يقتل حتي أقتل، فكف عنه. [ صفحه 276] و في «الارشاد»: قال حميد بن مسلم: فوالله؛ لقد كنت أري المرأة من نسائه و أهله و بناته تنازع ثوبها عن ظهرها حتي تغلب عليه فيذهب به منها، ثم انتهينا الي علي بن الحسين عليه السلام و هو منبسط علي فراش، و هو شديد المرض، و مع الشمر جماعة من الرجالة فقالوا له: ألا نقتل هذا العليل؟فقلت: سبحان الله! أيقتل الصبيان؟ انما هذا صبي و انه لما به، فلم أزل حتي دفعتهم عنه.و جاء عمر بن سعد لعنه الله فصاحت النساء في وجهه، و بكين فقال لأصحابه: لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء و لا تعرضوا لهذا الغلام المريض.فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به، فقال: من أخذ من متاعهن شيئا فليرده عليهن.فوالله؛ ما رد أحد منهم شيئا، فوكل بالفسطاط و البيوت و النساء و علي بن الحسين عليه السلام جماعة مما كان معه، و قال: احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد، و لا سيئن اليهم [588] .و في «المنتخب»: عن فاطمة الصغري قالت: كنت واقفه بباب الخيمة، و أنا أنظر [الي] أبي و أصحابه مجزورين كالأضاحي علي وجه الرمال، و الخيول علي أجسادهم يحول، و أنا افكر ما يصدر علينا بعد أبي من بني امية أيقتلوننا؟! أو يأسروننا؟!و اذا برجل علي ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، و هن يلذن [ صفحه 277] بعضهن ببعض، و قد أخذ ما عليهن من أسورة و أخمرة و هن يصحن:وا جداه! وا أبتاه! وا علياه! وا قلة ناصراه! وا حسناه! أما من مجير يجيرنا؟! أما من ذائد يذود عنا؟!قالت:

فطار فؤادي، و ارتعدت فرائصي، و جعلت أجيل بطرفي يمينا و شمالا علي عمتي ام كلثوم عليهاالسلام خشية منه أن يأتيني، فبينما علي هذه الحالة و اذا به قد قصدني فقلت: مالي الا البر.ففرت منهزمة، و أنا أظن أسلم منه، و اذا به قد تبعني فذهلت خشية منه، و اذا بكعب الرمح بين كتفي، فسقطت علي وجهي، فخرم اذني و أخذ قرطي، و أخذ مقنعتي عن رأسي، و ترك الدماء تسيل علي خدي و رأسي تصهره الشمس.و ولي راجعا الي الخيم و أنا مغشي علي، و اذا بعمتي عندي تبكي و تقول: قومي نمضي ما أعلم ما صدر علي البنات و أخيك العليل.فقلت: يا عمتاه! هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار؟!فقالت: يا بنتاه! و عمتك مثلك.و اذا برأسها مشكوف و متنها قد اسودت من الضرب، فما رجعنا الي الخيمة الا و قد نهبت و ما فيها و أخي علي بن الحسين عليهماالسلام مكبوب علي وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش، فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا [589] .و في «البحار»: مسندا عن جميل بن مرة قال: أصابوا ابلا في عسكر الحسين عليه السلام يوم قتل، فنحروها و طبخوها فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسوفوا منها شيئا [590] . [ صفحه 278] و قد قيل: كان أبوعبدالله عليه السلام أعد جملا لنفسه يحمل عليه خيمته و ثقله، و هي راحلته التي ركبها و وعظ ابن سعد لعنه الله و قومه، و كان يوم الواقعة قريبا من المخيم.فلما صارت الصيحة، و سمع وقع حوافر الخيل و زعفات الرجال أقبل يمشي الي أن صار بين القتلي، فوقف هناك فجعل تارة ينظرهم و تارة ينظر ميمنة

و ميسرة، فقصد ثلاثة فوارس ثم ساقوه فتوجه الي منازل الخيم، و كلما أرادوا منعه عن ذلك الوجه لم يقدروا فتبعوه.فلما وصل الي مكان خيمة أبي عبدالله الحسين عليه السلام فلم يرها التفت الي جهاته، ثم شم تلك البقعة، و جعل يرغو رغاء عظيما، و كلما و كزوه لم ينبعث و زاد رغائه.ثم برك في موضعه، و كأنه عرف أن الخيمة نهبت، فجعل يضرب برأسه الأرض و يعض بأسنانه صفحتيه و ظهره حتي أدماها.فلما ضعف عن النهوض نحروه في مكانه و اقتسموا لحمه.و قيل: وضعوا علي ظهره الخيمة فطاوعهم، ثم جعلوا طريقه علي مصرع الحسين عليه السلام لينظروه ما يفعل.فلما نظر الي الحسين عليه السلام مطروحا قصده و وقف عليه و جعل يشمه و يرغو، فلما رآه لم ينهض و لم يتحرك برك الي جنبه مظللا له، فلما ضعف من عظم ما لحقه من رغائه و ضرب رأسه علي الأرض نحروه في مكانه و اقتسموا لحمه و طبخوه فلم ينضج.و قيل: انه صار شعلة فاحترق القدر بما فيه. [ صفحه 279]

داسوا ظهر الامام الحسين بالخيل

قال السيد بن طاووس رحمه الله: ثم نادي عمر بن سعد لعنه الله في أصحابه: من ينتدب للحسين عليه السلام فيوطي ء الخيل ظهره و صدره؟فانتدب منهم عشرة فوارس و هم: اسحاق بن حوية لعنه الله الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، و أخنس بن مرثد، و حكيم بن طفيل السنبسي، و عمر بن صبيح الصيداوي، و رجاء بن منقذ العبدي، و سالم بن خيثمة الجعفي، و صالح بن وهب الجعفي، و واحظ بن ناعم، و هاني بن ثبيث الحضرمي، و أسيد بن مالك لعنهم الله، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتي رضوا ظهره و صدره.قال: و جاء هؤلاء العشرة

حتي وقفوا علي ابن زياد لعنه الله فقال أسيد بن مالك، أحد العشرة:نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسرفقال ابن زياد لعنه الله: من أنتم؟قالوا: نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتي طحنا حناجر صدره.قال: فأذن لهم بجائزة يسيرة.قال أبوعمر الزاهد: فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم [جميعا] أولاد زنا.و هؤلاء أخذهم المختار، فشد أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتي هلكوا لعنهم الله تعالي [591] . [ صفحه 280]

ما وقع علي الطيور يوم مقتله

في «العوالم» و «المنتخب» و «البحار»: روي عن طريق أهل البيت عليهم السلام أنه لما استشهد الحسين عليه السلام بقي في طف كربلاء صريعا و دمه علي الأرض مسفوحا، و اذا بطائر أبيض قد أتي و تمسح بدمه و طار و الدم يقطر منه، فرأي طيورا تحت الظلال علي الغصون و الأشجار، و كل منهم يذكر الحب و العلف و الماء.فقال لهم ذلك الطير و الملطخ بالدم: يا ويلكم! أتشتغلون بالملاهي و ذكر الدنيا و المناهي، و الحسين عليه السلام في أرض كربلاء في هذا الحر ملقي علي الرمضاء ظامي مذبوح و دمه مسفوح؟فعادت الطيور كل منهم قاصدا كربلاء فرأوا سيدنا الحسين عليه السلام ملقي في الأرض جثة بلا رأس و لا غسل و لا كفن، قد سفت عليه السوافي و بدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها، زواره و حوش الفلا و القفار، و ندبته جن السهول و الأوعار، قد أضاء التراب من أنواره، و أزهر الجو من أزهاره.فلما رأته الطيور تصايحن و أعلن بالبكاء و الثبور، و تواقعن علي دمه يتمرغن فيه، و طار كل واحد منهم الي ناحية يعلم أهلها عن قتل أبي عبدالله [الحسين عليه السلام] .فمن القضاء و القدر أن طيرا من هذه الطيور

قصد مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و جاء يرفرف والدم يتقاطر من أجنحته، و دار حول قبر سيدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يعلن بالنداء: ألا قتل الحسين عليه السلام بكربلاء، ألا ذبح [الحسين عليه السلام] بكربلاء.فاجتمعت الطيور عليه و هم يبكون عليه و ينوحون. [ صفحه 281] فلما نظر أهل المدينة من الطيور ذلك النوح، و شاهدوا الدم يتقاطر من الطير لم يعلموا ما الخبر حتي انقضت مدة من الزمان، و جاء خبر مقتل الحسين عليه السلام علموا أن ذلك الطير كان يخبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بقتل ابن فاطمة البتول و قرة عين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.و قد نقل أنه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطير الي المدينة كان في المدينة رجل يهودي و له بنت عمياء زمناء طرشاء [592] مشلولة، و الجذام قد أحاط ببدنها، فجاء ذلك الطير و الدم يتقاطر منه و وقع علي شجرة ينوح و يبكي طول ليلته.و كان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة الي خارج المدينة الي بستان و تركها في البستان الذي جاء الطير، و وقع فيه.فمن القضاء و القدر أن تلك الليلة عرض لليهودي عارض فدخل المدينة لقضاء حاجته فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة الي البستان التي فيها ابنته المعلولة، و النبت [و البنت لما نظر أباها لم يأتها تلك الليلة] لم يأتها نوم لوحدتها، لأن أباها كان يحدثها و يسليها حتي تنام.فسمعت عند السحر بكاء الطير و حنينه، فبقيت تتقلب علي وجه الأرض الي أن صارت تحت الشجرة التي عليها الطير فصارت كلما حن ذلك الطير تجاوبه من قلب

محزون، فبينما هي كذلك اذ وقعت قطرة من الدم فوقعت علي عينها ففتحت ثم قطرته اخري علي عينها الاخري فبرئت.ثم قطرت علي يديها فعوفيت، ثم علي رجليها فبرءت، و عادت كلما قطرت قطرة من الدم تلطخ بها جسدها فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحسين عليه السلام. [ صفحه 282] فلما أصبحت أقبل أبوها الي البستان فرآي بنتا تدور و لم يعلم أنها ابنته فسألها أنه كان لي [في البستان] ابنة عليلة لم تقدر أن تتحرك.فقالت ابنته: والله؛ أنا ابنتك.فلما سمع كلامها وقع مغشيا عليه، فلما أفاق قام علي قدميه فأتت به الي ذلك الطير، فرآه واكرا علي الشجرة يئن من قلب حزين محترق مما رآي مما فعل بالحسين عليه السلام.فقال له اليهودي: أقسمت عليك بالذي خلقك أيها الطير؛ أن تكلمني بقدرة الله تعالي.فنطق الطير مستعبرا، ثم قال: اني كنت واكرا علي بعض الأشجار مع جملة الطيور عند الظهيرة، و اذا بطير ساقط علينا و هو يقول: أيها الطيور! تأكلون و تتنعمون و الحسين عليه السلام في أرض كربلاء في هذا الحر علي الرمضاء طريحا ظامئا و النحر دام، و رأسه مقطوع، علي الرمح مرفوع، و نسائه سبايا، حفاة عرايا.فلما سمعن بذلك تطايرن الي كربلاء، فرأيناه في ذلك الوادي طريحا الغسل من دمه و الكفن الرمل السافي عليه.فوقعنا كلنا عليه ننوح و نتمرغ بدمه الشريف، و كان كل منا طار الي ناحية، فوقعت أنا في هذا المكان.فلما سمع اليهودي ذلك تعجب، و قال: لولم يكن الحسين عليه السلام ذا قدر رفيع عند الله تعالي ما كان دمه شفاء من كل داء، ثم أسلم اليهودي و أسلمت البنت [و أسلم خمسمائة من قومه] [593] . [ صفحه 283]

ارسال رأس الامام الحسين الي ابن زياد

فال السيد بن طاووس رحمه الله في «اللهوف» و الشيخ ابن نما في «مثير الأحزان» و اللفظ للسيد رحمه الله:ان عمر بن سعد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام في ذلك اليوم - و هو يوم عاشوراء - مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي الي عبيدالله بن زياد لعنه الله.و أمر برؤوس الباقين من أصحابه، و أهل بيته، فنظفت [594] و سرح [بها] مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج لعنهم الله، فأقبلوا حتي قدموا بها الكوفة.و أقام بقية يومه و اليوم الثاني الي زوال الشمس. ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام و حمل نساءه عليه السلام علي أحلاس أقتاب [الجمال] بغير وطاء [و لا غطاء] مكشفات الوجوه بين الأعداء، و هن ودائع خير الأنبياء، و ساقوهن كما يساق سبي الترك و الروم في أشد [595] المصائب و الهموم [596] .قال السيد رحمه الله: و روي أن رؤوس أصحاب الحسين عليه السلام كانت ثمانية و سبعين رأسا، فاقتسمتها القبائل، لتتقرب بذلك الي عبيدالله بن زياد لعنه الله و الي يزيد بن معاوية لعنه الله. [ صفحه 284] فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا، و صاحبهم قيس بن الأشعث لعنه الله.و جاءت هوازن باثني عشر رأسا، و صاحبهم شمر بن ذي الجوشن.و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا.و جاءت بنوأسد بستة عشر رأسا.و جاءت مذحج بسبعة عشر رأسا.و جاء باقي الناس بثلاثة عشر رأسا [597] .و في «العوالم» عن صاحب «المناقب» و ابن نما رحمه الله و أبي مخنف:أن عمر بن سعد لعنه الله لما دفع الرأس الي خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله ليحمله الي ابن زياد لعنه الله أقبل

به خولي لعنه الله [ليلا] فوجد باب القصر مغلقا، فأتي به منزله، و له امرأتان: امرأة من بني أسد، و أخري حضرمية يقال لها: النوار، فآوي الي فراشها، فقالت له: ما الخبر؟فقال لها: جئتك بالذهب، هذا رأس الحسين معك في الدار.فقالت: ويلك! جاء الناس بالذهب و الفضة، و جئت برأس ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، والله؛ لا يجمع رأسي و رأسك و سادة أبدا.قالت: فقمت من فراشي و خرجت الي الدار، و دعا بالأسدية، فأدخلها عليه، فما زالت والله؛ أنظر الي نور مثل العمود يصعد من الاجانة التي فيها رأس الحسين عليه السلام الي السماء، و رأيت طيورا بيضا ترفرف حولها و حول الرأس [598] .و في كتاب «التبر المذاب» قال الواقدي: لما حمل الشمر لعنه الله رأس [ صفحه 285] الحسين عليه السلام جعله في مخلاة، و ذهب به الي منزله، فوضعه علي التراب و جعله علي اجانة.فخرجت امرأته ليلا فرأت نورا ساطعا عند الرأس الي عنان السماء [599] ، فجاءت الي الاجانة، فسمعت أنينا تحتها، فجاءت الي شمر لعنه الله و قالت: رأيت كذا و كذا فأي شي ء تحت الاجانة؟قال: رأس خارجي قتله، و أريد أذهب به الي يزيد ليعطيني عليه مالا كثيرا.قالت: و من يكون؟قال: الحسين بن علي.فصاحت و خرت مغشية عليها، فلما أفاقت قالت: يا شر المجوس! ما خفت من اله الأرض و السماء؟ثم خرجت من عنده باكية، و رفعت الرأس و قبلته و وضعته في حجرها، ودعت نساء يساعدنها بالبكاء عليه، و قالت: لعن الله تعالي قاتلك.فلما جن الليل غلبها النوم، فرأت كأن الحائط قد انشق بنصفين و غشي البيت نور، و جاءت سحابة [600] فاذا فيها امرأتان،

فأخذتا الرأس فسألت عنهما؟فقيل: انهما خديجة و فاطمة عليهماالسلام.ثم رأت رجالا و في وسطهم انسان وجهه كالقمر ليلة تمامه، فسألت عنه.فقيل: محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و عن يمينه حمزة و جعفر و أصحابه، فبكوا و قبلوا [ صفحه 286] الرأس.ثم جاءت خديجة و فاطمة عليهماالسلام الي امرأة الشمر و قالتا لها: تمني ما شئت، فان لك عندنا منة [ويدا] بما فعلت، فان أردت أن تكوني من رفقائنا في الجنة فأصلحي أمرك فانا منتظروك.فانتبهت من النوم و رأس الحسين عليه السلام في حجرها، فجاء الشمر لعنه الله لطلب الرأس، فلم تدفعه اليه و قالت له: يا عدو الله! طلقني فانك يهودي، والله؛ لا أكون معك أبدا.فطلقها، فقالت: والله؛ لا أدفع اليك هذا الرأس أو تقتلني، فضربها ضربة كانت منيتها فيها، و عجل الله بروحها الجنة [601] .و في خبر أبي مخنف: قال الطرماح بن عدي: كنت في القتلي، و قد وقعت في جراحات، و لو حلفت لكنت صادقا اني كنت غير نائم اذ أقبل عشرون فارسا و عليهم ثياب بيض، يفوح منها المسك و العنبر، [فقلت في نفسي: هذا عبيدالله بن زياد لعنه الله قد أقبل يطلب جثة الحسين عليه السلام ليمثل بها] [602] .فجاؤا حتي صاروا قريبا منه [603] ، فتقدم رجل الي جثة الحسين عليه السلام [604] و أجلسه قريبا منه، فأومي بيده الي الكوفة، و اذا بالرأس قد أقبل فركبه علي الجسد، فعاد مثل ما كان بقدرة الله تعالي و هو يقول: [ صفحه 287] يا ولدي! قتلوك [أتراهم ما عرفوك] [605] ، و من شرب الماء منعوك، [و] [606] ما أشد جرأتهم علي الله تعالي.ثم التفت الي من كان عنده فقال: يا

أبي آدم! و يا أبي ابراهيم! و يا أبي اسماعيل! و يا أخي موسي! و يا أخي عيسي! أما ترون ما صنعت الطغاة بولدي؟! لا أنالهم الله شفاعتي [يوم القيامة] [607] .فتأملته، فاذا هو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [608] .و زاد السيد رحمه الله في «أنواره»: فجعلوا يبكون و يعزون النبي صلي الله عليه و آله و سلم زمانا طويلا، و هو يحثوا التراب علي رأسه و شيبته الطاهرة، و الحسين عليه السلام يقص عليه ما صدر و ما عملوه فيه، حتي غشي عليه من البكاء، و أنا أسمعهم و أشاهدهم، ففارقوه و انطرح كما كان أولا ميتا [609] .

قصة الجمال

و في «البحار» و «المنتخب» عن سعيد بن المسيب قال: لما استشهد سيدي و مولاي الحسين عليه السلام، و حج الناس من قابل دخلت علي علي بن الحسين عليه السلام فقلت له: يا مولاي! قد قرب الحج فماذا تأمرني؟فقال عليه السلام: امض علي نيتك و حج.فحججت فبينما أطوف بالكعبة و اذا برجل مقطوع اليدين و وجهه كقطع [610] . [ صفحه 288] الليل المظلم، و هو متعلق بأستار الكعبة، و هو يقول: اللهم رب هذا البيت الحرام، اغفر لي، و ما أحسب أن تفعل، و لو تشفع في سكان سماواتك و أرضك، و جميع ما خلقت، لعظم جرمي.قال سعيد بن المسيب: فشغلت و شغل الناس عن الطواف حتي حف به الناس و اجتمعنا عليه فقلنا: يا ويلك! لو كنت ابليس ما كان ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله تعالي، فمن أنت؟ و ما ذنبك؟فبكي، و قال، يا قوم! أنا أعرف بذنبي و نفسي و ما جنيت.فقلنا له: تذكره لنا؟فقال: أنا كنت جمالا لأبي عبدالله الحسين

عليه السلام لما خرج من المدينة الي العراق، و كنت أراه اذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي، فأري تكته تغشي الأبصار بحسن اشراقها، و كنت أتمناها تكون لي، حتي صرنا بكربلاء، و قتل الحسين عليه السلام، و هي معه، فدفنت نفسي في مكان من الأرض.فلما جن الليل، خرجت من مكاني فرأيت من تلك المعركة نورا لا ظلمة، و نهارا لا ليلا، و القتلي مطرحين علي وجه الأرض، فذكرت لخيبتي و شقائي التكة فقلت: والله؛ لأطلبن الحسين، و أرجو أن تكن التكة في سراويله فآخذها.و لم أزل أنظر في وجوه القتلي حتي أتيت الي الحسين عليه السلام، فوجدته مكبوبا علي وجهه و هو جثة بلا رأس، و نوره مشرق مرمل بدمائه، و الرياح سافية عليه.فقلت: هذا والله؛ الحسين عليه السلام، فنظرت الي سراويله كما كنت أراها، [ صفحه 289] فدنوت منه، و ضربت بيدي الي التكة [لآخذها]، فاذا هو قد عقدها عقدا كثيرة، فلم أزل احلها حتي حللت عقدة منها.فمد يده اليمني و قبض علي التكة، فلم أقدر علي أخذ يده عنها و لا أصل اليها، فدعتني نفسي الملعونة الي أن أطلب شئيا أقطع به يديه، فوجدت قطعة سيف مطروح، فأخذتها، و انتكيت [611] علي يديه، و لم أزل أحزها حتي فصلتها عن زنده.ثم نحيتها عن التكة [و مددت يدي الي التكة] [612] لاحلها، فمد يده اليسري، فقبض عليها فلم أقدر علي أخذها، فأخذت قطعة السيف.و لم أزل أحزها حتي فصلتها عن التكة، و مددت يدي الي التكة لآخذها، فاذا الأرض ترجف و السماء تهز، و اذا بغلبة عظيمة، و بكاء و نداء و قائل يقول:وا ابناه! وا مقتولاه! وا ذبيحاه! وا حسيناه! وا غريباه! يا بني قتلوك و

ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك.فلمار أيت ذلك صعقت و رميت نفسي بين القتلي، و اذا بثلاث نفر و امرأة و حولهم خلائق وقوف، و قد امتلأ الأرض بصور الناس و أجنحة الملائكة، و اذا بواحد منهم يقول:يا ابناه! يا حسين! فداك جدك [و أبوك] [613] و أمك و أخوك.و اذا بالحسين عليه السلام قد جلس و رأسه علي بدنه و هو يقول:لبيك يا جداه! يا رسول الله! و يا أبتاه يا أميرالمؤمنين! و يا أماه يا فاطمة [ صفحه 290] الزهراء! و يا أخا المقتول بالسم! عليكم مني السلام.ثم انه بكي و قال: يا جداه! قتلوا والله؛ رجالنا، يا جداه! سلبوا والله؛ نساءنا، يا جداه [قتلوا والله؛ أطفالنا، يا جداه!] [614] يعز [والله؛] [615] عليك أن تري حالنا، و ما فعل الكفار بنا.و اذا هم جلسوا يبكون حوله علي ما أصابه، و فاطمة عليهاالسلام تقول:يا أباه! يا رسول الله! أما تري ما فعلت امتك بولدي؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه و أخضب به ناصيتي، و ألقي الله عزوجل و أنا مختضبة بدم ولدي الحسين عليه السلام؟فقال لها: خذي، و نأخذ يا فاطمة!فرأيتهم يأخذون من دم شيبه و تمسح به فاطمة عليهاالسلام ناصيتها و النبي صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و الحسن عليه السلام يمسحون به نحورهم و صدورهم و أيديهم الي المرافق.و سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: فديتك يا حسين! يعز والله؛ علي أن أراك مقطوع الرأس، مرمل الجبينين، دامي النحر، مكبوبا علي قفاك، قد كساك الذاري من الرمول، و أنت طريح مقتول، مقطوع الكفين.يا بني! من قطع يدك اليمني، و ثني باليسري؟فقال:

يا جداه! كان معي جمال من المدينة، و كان يراني اذا وضعت سراويلي للوضوء فيتمني أن تكون تكتي له، فما منعني أن أدفعها اليه الا لعلمي أنه صاحب هذا الفعل، فلما قتلت خرج يطلبني بين القتلي، فوجدني جثة بلا رأس فتفقد سراويلي فرآي التكة و قد كنت عقدتها عقدا كثيرة، فضرب بيده الي التكة فحل عقدة منها. [ صفحه 291] فمددت يدي اليمني، فقضبت علي التكة، فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور، فقطع به يميني، ثم حل عقدة اخري، فقبضت علي التكة بيدي اليسري، لئلا [616] يحلها، فتنكشف عورتي، فحز يدي اليسري، فلما أراد حل التكة حس بك فرمي بنفسه بين القتلي.فلما سمع النبي صلي الله عليه و آله و سلم [كلام الحسين عليه السلام] بكي بكاء شديدا، و أتي الي بين القتلي الي أن وقف نحوي، فقال:مالي و مالك يا جمال؟! تقطع يدين طال ما قبلهما جبرئيل و ملائكة الله أجمعون، و تباركت بهما أهل السماوات و الأرضين؟!أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذل و الهوان، هتكوا نساءه من بعد الخدور، و انسدال الستور؟سود الله وجهك يا جمال في الدنيا و الاخرة، و قطع الله يديك و رجليك، و جعلك في حزب من سفك دمائنا و تجرء علي الله تعالي.فما استتم دعائه صلوات الله عليه و آله حتي شلت يداي، و حسست بوجهي كأنه ألبس قطعا من الليل مظلما، و بقيت علي هذه الحالة، فجئت الي هذا البيت أستشفع، و أنا أعلم أنه لا يغفر لي أبدا.فلم يبق في مكة أحد الا و سمع حديثه، و تقرب الي الله تعالي بلعنته، و كل يقول: حسبك ما جنيت يا لعين! (و سيعلم الذين ظلموا

أي منقلب ينقلبون) [617] . [ صفحه 292]

دفن قوم من بني أسد الحسين و أهل بيته و أصحابه

قال المفيد رحمه الله: و لما ارتحل ابن سعد لعنه الله خرج قوم من بني اسد كانوا نزولا بالغاضرية الي الحسين عليه السلام و أصحابه [رحمهم الله] فصلوا عليهم و دفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الان، و دفنوا ابنه علي بن الحسين عليه السلام الاصغر عند رجليه.و حفروا للشهداء من أهل بيته و أصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام و جمعوهم و دفنوهم جميعا معا.و دفنوا العباس بن علي عليهماالسلام في موضعه الذي قتل فيه علي طريق الغاضريه حيث قبره الآن [618] .و في «البحار» قال: قال ابن شهر اشوب: و كانوا يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضا [619] ، انتهي.و في بعض الكتب المعتبرة عن كتاب «أسرار الشهادات» روي: أنه لما ارتحل عمر بن سعد لعنه الله من كربلاء و ساروا بالسبايا و الرؤوس الي الكوفة، نزل بنوأسد مكانهم و بنوا بيوتهم، و ذهبت نساظؤهم الي الماء اذا هن رأين جثثا حول المسناة، و جثثا يائية عن الفرات، و بينهن جثة قد جللتهم بانوارها و عطرتهم بطيبها، فتصارخن النساء و قلن: هذا و الله؛ جسد الحسين عليه السلام و أهل بيته.فرجعن الي بيوتهن صارخات و قلين: يا بني أسد! أنتم جلوس في بيوتكم [ صفحه 293] و هذا الحسين عليه السلام و أهل بيته و أصحابه مجزوزون كالأضاحي علي الرمال، و تسفي عليهم الرياح، فان كنتم علي ما نعهده فيكم من المحبة و الموالات فقوموا و ادفنوا هذه الجثث، فان لم تدفنوها نتولي دفنها بأنفسنا.فقال بعضهم لبعض: انا نخشي من ابن زياد و ابن سعد لعنهما الله أن تصبحنا خيلهم، فينهبوننا أو يقتلون أحدنا.فقال كبيرهم: الرأي أن نجعل لنا عينا

تنظر الي طريق الكوفة، و نحن نتولي دفنهم.فقالوا: [ان] هذا الرأي لسديد.ثم انهم وضعوا لهم عينا، و أقبلوا الي جسد الحسين عليه السلام، و صار لهم بكاء و عويل، ثم انهم اجتهدوا علي أن يحركوه من مكانه فيشقوا له ضريحا فلم يقدروا أن يحركوا عضوا من أعضائه.فقال كبيرهم: ما ترون؟قالوا: الرأي أن نجتهد أولا في دفن أهل بيته، ثم نري رأينا فيه.فقال كبيرهم: كيف يكون لكم؟ و ما فيكم من يعرف من هذا و من هذا، و هم كما ترون جثث بلا رؤوس قد غيرتهم الشمس و التراب من الريح، فلربما نسئل عنهم فما الجواب.فبينما هم في الكلام، اذ طلع عليهم أعرابي علي متن جواده، فلما رأوه انكمشوا [620] عن تلك الجثث الزواكي.قال: و أقبل الأعرابي و نزل عن ظهر جواده الي الأرض و صار منحنيا كهيئة الراكع حتي أتي و رمي بنفسه علي جسد الأرض، و جعل يقبله تارة و يشمه [ صفحه 294] اخري، و قد بل لثامه من دموع عينيه.ثم رفع رأسه و نظر الينا فقال: ما كان وقوفكم حول هذه الجثث؟فقالوا: أتينا لنتفرج عليها.فقال: ما كان هذا قصدكم.فقالوا: نعم؛ يا أخا العرب! ألان نطلعك علي ما في ضمائرنا، أتينا لندفن جسد الحسين عليه السلام، فلم نقدر أن نحرك عضوا من أعضائه.ثم اجتهدنا في دفن أهل بيته و ما فينا من يعرف من هذا؟ و من هذا؟ و هم كما تري جثث بلا رؤوس قد غيرتهم الشمس و التراب، فبينما نحن في الكلام اذ طلعت علينا، فخشينا أنك من أصحاب ابن زياد، فانكشفنا عن تلك الجثث.قال: فقام فخط لنا خطا و قال: احفروا هاهنا، ففعلنا فيها.فقال: قدموا هذا و أخروا هذا، فوضعنا سبعة عشر جثة

بلا رأس.ثم خط لنا خطا فقال: احفروا هاهنا.ففعلنا فوضعنا فيها باقي الجثث، و استثني منها جثة واحدة، و أمرنا أن نشق لها ضريحا مما يلي الرأس الشريف، ففعلنا فدفناها.ثم أقبلنا عليه لنعينه علي جسد الحسين عليه السلام، و اذا هو يقول لنا بخضوع و خشوع: أنا أكفيكم أمره.فقلنا له: يا أخا العرب! كيف تكفينا أمره و كلما قد اجتهدنا علي أن نحرك عضوا من أعضائه فلم نقدر عليه؟فبكي بكاء شديدا فقال: معي من يعينني.ثم انه بسط كفيه تحت ظهره الشريف و قال: [ صفحه 295] بسم الله و بالله، و في سبيل الله، و علي ملة رسول الله، هذا ما وعدنا الله و رسوله، و صدق الله و رسوله، ما شاء الله لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.ثم أنزله وحده و لم يشرك معه أحدا منا، ثم وضع خده بنحره الشريف و هو يبكي فسمعنا يقول:طوبي لأرض تضمنت جسدك الشريف، أما الدنيا؛ فبعدك مظلمة، و الاخرة فبنورك مشرقة، أما الحزن فسرمد، والليل فمسهد حتي يختار الله لي دارك التي أنت مقيم بها، فعليك مني السلام يابن رسول الله و رحمة الله و بركاته.ثم شرج عليه اللبن، و أهال عليه التراب، ثم وضع كفه علي الأرض، و خطه بأنامله و كتب:هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام الذي قتلوه عطشانا غريبا.ثم التفت الينا و قال: أنظروا هل بقي أحد؟قالوا: نعم؛ يا أخا العرب! قد بقي بطل مطروح حول المسناة، و حوله جثتان و كلما قد حملنا جانبا منه سقط الاخر لكثرة ضرب السيوف و السهام.فقال: امضوا بنا اليه.فمضينا اليه، فلما رآه انكب عليه يقبله و يبكي و يقول:علي الدنيا بعدك العفا يا قمر

بني هاشم! فعليك مني السلام من شهيد محتسب و رحمة الله و بركاته.ثم أمرنا أن نشق له ضريحا، ففعلنا، ثم أنزله وحده و لم يشرك معه أحدا منا، ثم شرج عليه اللبن، و أهال عليه التراب، ثم أمرنا بدفن الجثتين حوله، ففعلنا. [ صفحه 296] ثم مضي الي جواده، فتبعناه و درنا عليه لنسأله عن نفسه، و اذا به يقول:أما ضريح الحسين عليه السلام فقد علمتم.و أما الحفيرة الأولي؛ ففيها أهل بيته و الأقرب اليه ولده علي الأكبر عليه السلام.و أما الحفيرة الثانية؛ ففيها أصحابه.و أما القبر المفرد؛ فهو حامل لواء الحسين عليه السلام حبيب بن مظاهر.و أما البطل المطروح حول المسناة؛ فهو العباس بن أميرالمؤمنين عليهماالسلام.و أما الجثتان؛ فهما من أولاد أميرالمؤمنين عليه السلام، فاذا سألكم سائل فاعلموه.فقلنا له: يا أخا العرب! نسألك بحق الجسد الذي واريته بنفسك، و ما أشركت معك أحدا منا من أنت؟فبكي بكاء شديدا، و قال: أنه امامكم علي بن الحسين عليه السلام.فقلنا له: أنت علي؟فقال: نعم، فغاب عن أبصارنا [621] .

عبور أهل البيت علي مصارع آل الرسول

و في «تظلم الزهراء عليهاالسلام» عن «المنتخب» و كذا في «المعدن» روي:ان المنافقين من بني امية تركوا الحسين عليه السلام علي وجه الأرض ملقي بغير دفن و كذلك أصحابه، و جاؤوا بالنساء قصدا و عنادا و عبروهن علي مصارع آل الرسول. [ صفحه 297] فلما رأت ام كلثوم أخاها الحسين عليه السلام و هو مطروح علي الأرض تسفوا عليه الرياح و هو مكبوب مسلوب وقعت من أعلي البعير الي الأرض، و حضنت أخاها الحسين عليه السلام و هي تقول ببكاء و عويل:يا رسول الله! أنظر الي جسد ولدك ملقي علي الأرض بغير غسل، و كفنه الرمل السافي عليه، و غسله الدم الجاري من وريده، و هؤلاء أهل بيته يساقون

سبايا [622] في سبي الذل، ليس لهم محام يمانع عنهم، و رؤوس أولاده مع رأسه الشريف علي الرماح كالأقمار [623] .

شكوي زينب للامام الحسين بصوت حزين

و في «اللهوف»: فلما نظر [ت] النسوة الي القتلي صحن و ضربن وجوههن.قال: فوالله؛ لا أنسي زينب بنت علي عليهماالسلام و هي تندب الحسين عليه السلام و تنادي بصوت حزين و قلب كئيب:يا محمداه! صلي عليك مليك السماء، هذا حسين [بالعراء]، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء [واثكلاه!]، و بناتك سبايا، الي الله المشتكي، و الي محمد المصطفي، و الي علي المرتضي، [و الي فاطمة الزهراء]، و الي حمزة سيد الشهداء.وا محمداه! هذا حسين بالعراء، يسفي عليه [ريح] الصباء، قتيل أولاد البغايا. [ صفحه 298] وا حزناه! وا كرباه [عليك يا أباعبدالله]! اليوم مات جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.يا أصحاب محمداه! هؤلاء ذرية المصطفي يساقون سوق السبايا.و في بعض الروايات: يا محمداه! بناتك سبايا، و ذريتك مقتلة، تسفي عليهم ريح الصبا.و هذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة و الرداء.بأبي من [أضحي] عسكره في يوم الاثنين نهبا؛بأبي من فسطاطه مقطع العري؛بأبي من لا هو غائب فيرتجي، و لا جريح فيداوي؛بأبي من نفسي له الفداء؛بأبي المهموم حتي قضي؛بأبي العطشان حتي مضي؛بأبي من شيبته تقطر بالدماء؛بأبي من جسمه طرح بالعراء؛بأبي من جده رسول اله السماء؛بأبي من هو سبط نبي الهدي؛بأبي محمد المصطفي؛بأبي خديجة الكبري؛بأبي علي المرتضي؛بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء؛بأبي من ردت عليه الشمس حتي صلي. [ صفحه 299] قال الراوي: فأبكت والله؛ كل عدو و صديق [624] .و في «المنتخب»: نادت زينب بنت علي عليهماالسلام:[صلي عليك مليك السماء، هذا حسين بالعراءه مرمل بالدماء معفر بالتراب، مقطع الأعظاء] يا محمداه! بناتك في العسكر

سبايا، و ذريتك مقتولة، تسفي عليهم الصبا، هذا ابنك مجزوز الرأس من القفا، لا هو غائب فيرجي، و لا جريح فيداوي.فما زالت تقول حتي أبكت كل صديق و عدو [625] .و في «المنتخب»: حتي رأينا دموع الخيل تنحدر علي حوافرها [626] .

سكينة اعتنقت جسد أبيها

ثم قال السيد رحمه الله: ثم ان سكينة عليهاالسلام اعتنقت جسد أبيها الحسين عليه السلام، فاجتمع عدة من الأعراب حتي جروها عنه [627] .و في نقل آخر: انها بكت علي جسده الشريف، و شهقت شهقات حتي غشي عليها.قالت سكينة بنت الحسين عليهماالسلام: فسمعته في غشوتي يقول:شيعتي ما ان شربتم ماء عذب فاذكروني أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني [ صفحه 300] و أنا السبط الذي من غير جرم قتلوني و بجرد الخيل بعد القتل عمدا سحقوني ليتكم في يوم عاشورا جميعا تنظروني كيف أستسقي لطفي فأبوا أن يرحموني و سقوه سهم بغي عوض الماء المعين يا لرزء و مصاب هد أركان الحجون ويلهم! قد جرحوا قلب رسول الثقلين فالعنوهم ما استطعتم شيعتي في كل حين قال: فانتهبت حزينة، و هي تلطم [خدها] و تنوح، فاجتمعت عدة من الرجال [حتي] جروها عنه [628] .و نقل عن ابن رياح أنه قال: شهدت وقعة كربلاء، فلما قتل سيدي و مولاي الحسين عليه السلام أتته امرأة و هي تعثر بأذيالها حتي سقطت علي الأرض، ثم قامت و هي مسفرة وجهها، و اذا هي كبزعة الشمس و تنادي:وا حسيناه! وا اماماه! وا قتيلاه! وا أخاه!ثم انها أتت الي جسده الشريف و هو جثة بلا رأس، فلما رأته اعتنقته و نامت بطوله، و شهقته شهقات متتابعات، حتي أبكت كل من كان حاضرا.فسألت عنها، فقالوا: هذه زينب بنت أميرالمؤمنين صلوات الله عليهما. [629] . [ صفحه 303]

في ما وقع علي أهل البيت من دخولهم الكوفة الي خروجهم منها الي الشام...

بكاء أهل الكوفة علي سبايا آل الرسول

قال السيد ابن طاووس رحمه الله في كتاب «اللهوف علي قتلي الطفوف»:و سار ابن سعد لعنه الله بالسبي المشار اليه، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر اليهن.قال: فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت: من أي الأساري أنتن؟فقلن: نحن اساري آل محمد عليهم السلام.فنزلت من سطحها و جمعت ملاء [630] و ازرا [631] و مقانع [632] ، فأعطتهن فتغطين.قال: و كان مع النساء علي بن الحسين عليهماالسلام قد نهكته العلة، و الحسن [بن] الحسن المثني، و كان قد واسي عمه و امامه في الصبر علي الرماح، و انما ارتث و قد أثخن بالجراح، و كان معهم أيضا زيد و عمرو ولدا الحسن السبط عليه السلام.فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.فقال علي بن الحسين عليه السلام: أتنوحون و تبكون من أجلنا؟ فمن الذي قتلنا؟ [633] . [ صفحه 304]

خطبة زينب عند دخولها الكوفة

و في «الاحتجاج»: عن جذلم بن بشير الأسدي [634] قال: لما أتي علي بن الحسين زين العابدين عليهماالسلام بالنسوة من كربلاء، و كان مريضا و اذا نساء أهل الكوفة [ينتدبن] مشققات الجيوب، و الرجال معهن يبكون.فقال زين العابدين عليه السلام بصوت ضئيل [و] قد نهكته العلة: ان هؤلاء يبكون علينا، فمن قتلنا غيرهم؟فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام الي الناس بالسكوت.قال حذام الأسدي: لم أر والله؛ خفرة قط أنطق منها، كأنما تنطق و تفرغ علي لسان أميرالمؤمنين عليه السلام، و قد أشارت الي الناس أن أنصتوا، فارتدت الأنفاص و سكنت الأجراس.ثم قالت بعد حمد الله و الصلاة علي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم:أما بعد؛ يا أهل الكوفة! يا أهل الختر و الغدر و الختل [635] و المكر! ألا فلا رقأت العبرة، و لا هدأت الزفرة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من

بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم.ألا و هل فيكم الا الصلف و العجب، و الشنف [636] و الكذب، و ملق الاماء و غمز [ صفحه 305] الأعداء، أو كمرعي علي دمنة [637] ، أو كفضة علي ملحودة؟ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم و في العذاب أنتم خالدون.أتبكون أخي! أجل والله؛ فابكوا، فانكم والله؛ أحرياء بالبكاء، فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا، فقد بليتم بعارها، و منيتم بشنارها [638] ، و لن ترحضوها [639] أبدا، و أني ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، و معدن الرسالة، و سيد شباب أهل الجنة، و ملاذ حربكم، و معاذ حزبكم، و مقر سلمكم، و آسي كلمكم، و مفزغ نازلتكم، و المرجع اليه عند مقالتكم، و مدرة محججكم، و منار حجتكم؟!ألا ساء ما قدمتم لأنفسكم [640] ، و ساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعسا تعسا و نكسا نكسا، و لقد خاب السعي، و تبت الأيدي، و خسرت الصفقة، و بؤتم بغضب من الله و ضربت عليكم الذلة و المسكنة.أتدرون ويلكم! أي كبد لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم فريتم [641] ؟و أي عهد نكثتم؟و أي كريمة له أبرزتم؟و أي حرمة له هتكتم؟ [ صفحه 306] و أي دم سفكتم؟لقد جئتم شيئا ادا، تكاد السماوات يتفطرن منه، و تنشق الأرض، و تخر الجبال هدا، لقد جئتم بها شوهآء [صلعاء، عنقاء، سوداء، فقماء] [642] خرقاء، طلاع الأرض [643] و [مل ء] [644] السماء.أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟ و لعذاب الاخرة أخزي، و هم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه عزوجل لا يخفزه البدار، و لا يخشي عليه فوت النار، كلا ان ربك لنا و لهم لبالمرصاد.ثم أنشأت تقول:ماذا

تقولون اذ قال النبي لكم ماذا صنعتم و أنتم آخر الأمم؟بأهل بيتي و أولادي و مكرمتي [645] . منهم اساري و منهم ضرجوا بدم؟ما كان هذا [646] جزائي اذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم اني لأخشي عليكم أن يحل بكم مثل العذاب الذي أودي علي ارم ثم ولت عنهم.قال حزام: فرأيت الناس حياري قد ردوا أيديهم في أفواهم، فالتفت الي شيخ الي جانبي يبكي، و قد اخضلت لحيته بالبكاء، و يده مرفوعة الي السماء و هو يقول: بأبي [و امي]! كهولكم خير الكهول، و شبابكم خير شباب، و نسلكم [ صفحه 307] خير نسل، و فضلكم [647] فضل عظيم، ثم أنشد يقول:كهولكم خير الكهول و نسلهم اذا عد نسل لا يبور و لا يخزي فقال علي بن الحسين عليه السلام:يا عمة! اسكتي ففي الباقي عن الماضي اعتبار، و أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة، ان البكاء والحزن لا يردان من قد أباده الدهر.فسكتت، ثم نزل عليه السلام و ضرب فسطاطه و أنزل نساءه، و دخل الفسطاط [648] .

خطبة فاطمة الصغري في أهل الكوفة.

و فيه أيضا: عن زيد بن موسي بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: خطبت فاطمة الصغري عليهاالسلام بعد أن ردت من كربلاء، فقالت:الحمد لله عدد الرمل و الحصي، وزنة العرش الي الثري، أحمده و أومن به و أتوكل عليه، و أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و أن جمع الطغاة ذبحوا أولاده بشط الفرات من غير ذحل و لا تراث.اللهم اني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، و أن أقول خلاف ما أنزلت عليه من أخذ

العهود لوصيه علي بن أبي طالب عليه السلام، المسلوب حقه، المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، و بها معشر مسلمة بألسنتهم. [ صفحه 308] تعسا لرؤسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته، و لا عند مماته حتي قبضته اليك محمود النقيبة، طيب الضريبة [649] ، معروف المناقب، مشهور المذاهب لم تأخذه فيك لومة لائم، و لا عذل عاذل، هديته يا رب للاسلام صغيرا، و حمدت مناقبه كبيرا، و لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلوات الله عليه و آله حتي قبضته اليك زاهدا لك في الدنيا غير حريص عليها، راغبا في الاخرة، مجاهدا لك في سبيلك، رضيته فاخترته و هديته الي صراط مستقيم.أما بعد؛ يا أهل الكوفة! يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء! [650] ، انا أهل بيت ابتلانا الله تعالي بكم، و ابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، و جعل علمه عندنا و فهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، وعاء فهمه، [و نحن تراجمة وحي الله] [651] و حكمته، و حجته في الأرض في بلاده [لعباده] .أكرمنا الله بكرامته، و فضلنا بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم علي كثير من خلقه تفضيلا، فكذبتمونا، و كفرتمونا، و رأيتم قتالنا حلالا، و أموالنا نهبا، كأنا أولاد ترك أو كابل.[كما] قتلتم جدنا بالأمس، و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت بذلك عيونكم [و فرحت به قلوبكم] اجتراء منكم علي الله، و مكرا مكرتم، و الله خير الماكرين.و لا تدعونكم أنفسكم الي الجذل [652] بما أصبتم من دمائنا، و نالت أيديكم من [ صفحه 309] أموالنا، فان ما أصابنا من المصائب الجليلة، و الرزايا العظيمة (في كتاب الله من

قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير - لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كلض مختال فخور) [653] .تبا لكم! فانتظروا اللعنة و العذاب، فكأن قد حلت بكم، و تواترت من السماء نقمات [654] فيسحتكم بما كسبتم، و يذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله علي الظالمين.ويلكم! أتدرون أية يد طاعنتنا منكم؟و أية نفس نزعت الي قتالنا؟أم بأية رجل مشيتم الينا، تبتغون محاربتنا؟قست قلوبكم، و غلظت أكبادكم، و طبع علي أفئدتكم، و ختم علي سمعكم و بصركم، و سول لكم الشيطان، و أملي لكم، و جعل علي بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون.تبا لكم يا أهل الكوفة! كم تراث لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبلكم؟ و ذحول له لديكم؟ ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدي و بينه عترة النبي الطاهرين الأخيار، فافتخر بذلك مفتخر فقال:قد [655] قتلنا عليا و بني علي بسيوف هندية و رماح و سبينا نساءهم سبي ترك و نطحناهم [656] أي نطاح [ صفحه 310] فقالت: بفيك أيها القائل! الكثكث [657] ، و لك الأثلب [658] أفتخرت بقتل قوم زكاهم الله، و طهرهم و أذهب عنهم الرجس، فاكظم واقع كما أقعي أبوك، و انما لك امرء ما قدمت يداه، حسدتمونا، ويلالكم علي ما فضلنا الله تعالي.فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا و بحرك ساج لايواري الدعامصا [659] .(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) [660] (و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور) [661] .قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء، و قالوا: حسبك يا بنت الطيبين! فقد أحرقت قلوبنا، و أنضجت نحورها،

و أضرمت أجوافنا، فسكتت، عليها و علي أبيها وجدها الصلاة و السلام [662] .

خطبة ام كلثوم في أهل الكوفة

و في كتاب «اللهوف علي قتلي الطفوف» قال: و خطبت ام كلثوم [بنت علي عليهماالسلام] في ذلك اليوم من وراء كلتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:يا أهل الكوفة! سوءة لكم، مالكم خذلتم حسينا، و قتلتموه، و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه و بكيتموه؟ [663] فتبا لكم و سحقا. [ صفحه 311] ويلكم! أتدرون أي دواه دهتكم؟و أي وزر عي ظهوركم حملتم؟و أي دماء سفكتموها؟و أي كريمة أصبتموها؟و أي صبية سلبتموها؟و أي أموال انتهبتموها [664] ؟قلتم خير رجالات بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و نزعت الرحمة من قلوبكم، ألا ان حزب الله هم الفائزون [665] ، و حزب الشيطان هم الخاسرون.ثم قالت:قتلتم أخي صبرا فويل لامكم ستجزون نارا حرها يتوقدسفكتم دماء حرم الله سفكها و حرمها القرآن ثم محمدألا فابشروا بالنار انكم غدا لفي سقر حقا يقينا تخلدواو اني لأبكي في حياتي علي أخي علي خير من بعد النبي سيولدبدمع غزير مستهل مكفكف علي الخد مني دائما [666] ليس يجمدقال: فضج الناس بالبكاء، و الحنين [667] و النوح، و نشرت النساء شعورهن و وضعن التراب علي رؤوسهن، و خمشن [668] وجوههن، و ضربن خدورهن [669] ، [ صفحه 312] و دعون بالويل و الثبور، وبكي الرجال و نتفوا لحاهم [670] ، فلم ير باكية و لا باك أكثر من ذلك اليوم [671] .

خطبة الامام السجاد في أهل الكوفة

و في «الاحتجاج» قال حذام بن بشير [672] : خرج زين العابدين عليه السلام الي الناس، و أومي اليهم أن اسكتوا! فسكتوا و هو قائم، فحمدالله و أثني عليه و صلي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، ثم قال:أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا

علي بن الحسين [بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم] [673] المذبوح بشط الفرات من غير ذحل و لا تراث.أنا ابن من انتهك حريمه، و سلب نعيمه، و انتهب ماله، و سبي عياله.أنا ابن من قتل صبرا، فكفي بذلك فخرا.أيها الناس! ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم الي أبي و خدعتموه، و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة و قتلتموه؟ [674] .فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم، و سوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اذ يقول لكم: قتلتم عترتي و انتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي؟ [ صفحه 313] قال: فارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و يدعوا بعضهم بعضا: هلكتم و ما تعلمون؟فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: رحم الله تعالي امرءا قبل نصيحتي، و حفظ وصيتي في الله، و في [رسوله، و في] أهل بيتي، فان لنا في رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أسوة حسنة.فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يابن رسول الله! سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، و لا راغبين عنك، فمرنا بأمرك رحمك الله، فانا حرب لحربك، و سلم لسلمك، لنأخذن ترتك و ترتنا [675] ممن ظلمك و ظلمنا.فقال علي بن الحسين عليهماالسلام:هيهات! هيهات! أيتها الغدرة المكرة! حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا الي كما أتيتم الي آبائي من قبل؟كلا و رب الراقصات الي مني [676] ، فان الجرح لما يندمل!! قتل أبي بالأمس و أهل بيته معه، فلم ينسني ثكل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ثكل أبي و بني أبي، و وجده بين لهازمي و مرارته بين حناجري و حلقي، و غصصه

تجري علي فراش صدري، و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لا علينا.ثم انه عليه السلام أنشأ يقول:لا غرو أن قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرمافلا تفرحوا يا آل كوفان بالذي أصيب حسين كان ذلك أعظما [ صفحه 314] قتيل بشط النهر نفسي فداؤه جزاء الذي أرداه نار جهنما [677] .

اهل البيت و اهل الكوفة

و في بعض الكتب: عن سهل بن سعيد الشهرزوري، عن جديلة الأسدي قال: قال لي: يا أخي! كنت بالكوفة سنة احدي و ستين حين منصرف الناس من كربلاء، فرأيت نساء مهتكات الجيوب، لا طمات الخدود، فقلت لشيخ من أهل الكوفة: ماذا أصاب؟قال: أولا تري رأس الحسين عليه السلام؟! فبينما يقص علي ذلك و اذا بامرأة كأنها التبر المذاب علي سنام بعير أدبر من غير وطاء و لا حجاب، فسألت عنها.فقيل لي: هذه ام كلثوم عليهاالسلام.و اذا خلفها ولد قد أضر به الوجع، علي سنام بعير أعجف، و رأسه مكشوف، و الدم يسيل من ساقيه، فسألته: من هذا الولد؟فقال: علي بن الحسين عليه السلام.فخنقتني العبرة، و اذا بنساء أهل الكوفة تناول الأطفال الذين في حجور النساء من خمس تمرات، و قطعة رغيف.فصاحت بهن ام كلثوم عليهاالسلام: علي من يتصدق علينا أهل البيت، فان الصدقة علينا حرام.و جعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم، و ترمي به الي الأرض، فضج الناس بالبكاء و النحيب، فشقوا الجيوب، و نادوا: و ابن بنت نبياه! وا حسناه! وا حسيناه! [ صفحه 315] و اذا بامرأة مشكوفة الرأس، منشورة الشعر علي المتنين، تستر وجهها بكفيها، اذ لم يكن عندها خرقة تستر وجهها، فقلت: من هذه؟فقال: سكينة عليهاالسلام.و اذا علي سنام جمل أدبر ثلاث بنات كأنهن الأقمار، مسلبات الأطمار، منشورة

الشعر علي الأكتاف، و لا لهن ستر و لا لحاف، فقلت: من هذه البنات؟فقالوا: رقية و صفية و فاطمة الصغري عليهم السلام.فعميت عيناي من البكاء، و اذا بامرأة تبكي و تصيح: أما تغضون أبصاركم عن حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فضج الناس بالبكاء و العويل، فقلت: من هذه؟فقال: زينب عليهاالسلام.فضربت علي وجهي و بكيت، فرفعت رأسها ام كلثوم عليهاالسلام، و قالت:صه؛ يا أهل الكوفة؛ تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم، و ما لنا؟ و مالكم؟ بيننا و بينكم الله وقت فصل القضاء.يا أهل الجدل و الصلف! لقد تعديتم عدوانا مبينا، أما علمتم أي كبد لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فريتم؟ أم أي رحم له قطعتم؟ أم أي بناء له هدمتم؟ لقد جئتم و الله؛ شيئا ادا [678] .و في «المنتخب»: روي مرسلا عن مسلم الجصاص قال: دعاني ابن زياد لعنه الله لاصلاح دار الامارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب، و اذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت الي خادم كان يعمل معنا، [ صفحه 316] فقلت: مالي أري الكوفة تضج؟فقال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج علي يزيد بن معاوية.فقلت: و من هذا الخارجي؟فقال: الحسين بن علي عليهماالسلام.قال: فتركت الخادم حتي خرج، فلطمت علي وجهي حتي خشيت علي عيني أن يذهب، و غسلت يدي من الجص، و خرجت من ظهر القصر، و أتيت الي الكناس.فبينما أنا واقف و الناس يتوقعون وصول السبايا [679] و الرؤوس، اذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل علي أربعين جملا، فيها الحرم و النساء و أولاد فاطمة عليهاالسلام، و اذا بعلي بن الحسين عليهماالسلام علي بعير بغير وطاء، فأوداجه تشخب دما، و هو مع ذلك يبكي

و هو يقول:يا أمة السوء لا سقيا لربعكم يا أمة لم تراع جدنا فينالو أننا و رسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا؟تسيرونا علي الأقتاب عارية كأننا لم نشيد فيكم دينابني امية ما هذا الوقوف علي تلك المصائب لا تلبون داعيناتصفقون علينا كفكم فرحا و أنتم في فجاج الأرض تؤذونا [680] .أليس جدي رسول الله ويلكم؟ أهدي البرية من سبيل المضلينايا وقعة الطف! قد أورثتني كمدا [681] . [و] الله يهتك أستار المسيئينا [ صفحه 317] قال: و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين علي المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم ام كلثوم عليهاالسلام و قالت:يا أهل الكوفة! ان الصدقة علينا حرام.و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي بهم الي الأرض.قال: و الناس يبكون علي ما أصابهم.ثم ان ام كلثوم عليهاالسلام أطلعت رأسها من المحمل، و قالت لهم:صه، يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم، فالحاكم بيننا و بينكم الله يوم فصل القضاء.

ما قالته زينب عند مشاهدتها لرأس الحسين

فبينما هي تخاطبهم اذا بضجة قد ارتفعت، و اذا هم قد أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام، و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لحيته كسواد السبج [682] ، قد انتصل [683] بها الخضاب، و وجهه [داره] قمر طالع، و الريح تلعب بها يمينا و شمالا.فالتفتت زينب عليهاالسلام فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتي رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، و أو مات اليه بخرقة، و جعلت تقول:يا هلالا لما استتم كمالا غالبه خسفه فأبدي غروباما توهمت يا شفيق فؤادي كان هذا مقدرا مكتوبا [ صفحه 318] يا أخي! فاطم الصغيرة كلمها فقد كاد

قلبها أن يذوبايا أخي! قلبك الشفيق علينا ما له قد قسي و صار صليبا؟يا أخي! لو تري عليا لدي الأسر مع اليتم [684] لا يطيق وجوباكلما أوجعوه بالضرب ناداك بذل يفيض [685] دمعا سكوبايا أخي! ضمه اليك و قربه و سكن فؤاده المرعوباما أذل اليتيم حين ينادي بأبيه و لا يراه مجيبا [686] .و في كتاب آخر مما ألفه الشيخ حسن بن الشيخ علي الملقب بأبي قطفان سقي ثراه صوب الرضوان: روي مرسلا عن رجل من الشيعة قال:أخطأت خطيئة، و جنيت جناية لو لم تغفر لي لما شككت أني من أهل النار، و هي أني كنت في الكوفة، و ليس لي علم بما جري علي الحسين عليه السلام و عياله.فبينما أنا جالس في سوق الكوفة و نفسي مستوحشة مما أراه من تغير الليل و النهار، و أري جدران الكوفة كأنها مطلية بدم عبيط، و الافاق مسودة، و الجهات [687] مغبرة [688] ، و كل انسان أراه كأن ثيابه و وجهه مطليان بالدم، و الناس في حيرة شديدة، و دهشة عظيمة، و لا أعلم ما سبب ذلك.فبينما أنا علي تلك الحالة، و اذا بتكبير و تهليل و أصوات عالية، و رجة [ صفحه 319] عظيمة، فقمت لأنظر ماذا، و اذا برؤوس مرفوعة علي الرماح، و نساء علي الجمال من غير غطاء و لا وطاء، و بين تلك النساء بنات صغار وجوهن كالقناديل، و كل واحدة علي جمل أدبر أعجف، و شعورهن منشورة، و رؤوسهن منكة حياء من الناس.و بينهن ولد راكب علي جمل، و هو مفيد من تحت بطن الناقة، و فخذاه يشخبان دما، و هو مكشوف الرأس عار من الثياب.و بين الحاملين للرؤوس رجل علي رمحه

رأس أزهر من تلك الرؤوس و لم ير عليه آثار القتل، و هو يتحمس و يقول:أنا صاحب الرمح الطويل أنا صاحب السيف الصقيل أنا قاتل ذي الدين الأصيل ثم سكت لعنه الله، فقالت له امرأة من تلك النساء: فقل - يا ويلك! -:و من ناغاه في المهد جبرئيل، و من بعض خدامه ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل، و من عتقائه صلصائيل، و من اهتز لقتله عرش الجليل.و قل - يا ويلك! -: أنا اقتل محمد المصطفي، و علي المرتضي، و فاطمة الزهراء، و الحسن المجتبي [689] ، و أئمة الهدي، و ملائكة السماء و الأنبياء و الأوصياء.فدنوت لواحدة من النساء لأسألها، فقلت لها:ما هذه الرؤوس؟ و ما هذه السبايا؟فصاحت بي صيحة خلت أنها صاعقة أصابت فؤادي و هي تقول: أما [ صفحه 320] تستحي من الله تنظر الينا؟فسقطت علي وجهي مغشيا علي، فلما أفقت من غشوتي، و قمت رأيتهم قد بعدوا عني، فلطمت علي وجهي و قلت: هلكت و رب الكعبة.فقمت أعدو حتي وصلت قريبا منها، فتأدبت بين يديها و أطرقت رأسي حياء منها، و أنا أبكي و هي مشغولة بالبكاء، و أنا أسائرها و لم أتجرأ علي مسألتها، فالتفتت الي، و قالت: ما يبكيك يا رجل؟!قلت: عليكم يا سيدتي، و علي ما جري عليكم، لكن أخبريني من أنتم؟ و ما هذه الرؤوس المشالة علي الرماح؟ فاني أري لكم هيبة و شأنا جليلا، و أري فؤادي يتصدع [690] من رؤيتكم، و عيني تدمع من حزني عليكم، و ما رأيت سبيا كسبيكم، و لا مقتولا تجري عليه المدامع مثل مقتولكم، و لم أعرف من أين أنتم؟فنكست رأسها حياء مني و قالت:أنا زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام،

و هذه السبايا بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بنات علي و فاطمة الزهراء عليهاالسلام، و ذلك الرأس الأزهر المتقدم علي الرؤوس رأس أخي الحسين عليه السلام الذي ذبحوه في أرض كربلاء، و ذبحواه أولاده و بني أخيه و أصحابه عن آخرهم، و هذه رؤوسهم، و ذلك الصبي المقيد من تحت بطن الناقة علي بن الحسين عليهماالسلام امام العصر بعد أبيه.فلما سمعت كلامها ضربت رأسي بحجر حتي كسرته، و مزقت ثيابي، و لطمت وجهي، و قلت: يا سيدتي! قلع الله عينا تنظر اليكم بخيانة، فأنا محبكم و مواليكم و عزيز علي ما نالكم، و ما نزل بكم، فيا لهفتاه! عيكم و يا طول تأسفي [ صفحه 321] علي ما أصابكم.فقالت: اذا كنت محبنا فلم لا نصرتنا و حاميت عنا؟قلت: يا سيدتي! سوء حظي أخرني عن نصرتكم.فأدخلوهم قصر الامارة و جري ما جري عليهم [691] .و قال أبومخنف: قال الشهرزوري: أقبلت في تلك السنة من الحج، فدخلت الكوفة فرأيت الأسواق معطلة و الدكاكين مقفلة، و الناس بين باك و ضاحك، فدنوت الي شيخ منهم و قلت: مالي أري الناس بين باك و ضاحك؟ ألكم عيد لست أعرفه.فأخذ بيدي و عدل بي عن الناس، ثم بكي الشيخ بكاء عاليا، و قال: سيدي! ما لنا عيد، و لكن بكاؤهم والله؛ من أجل عسكرين: أحدهما ظافر، و الاخر مقتول.فقلت: و من هذين العسكرين؟فقال: عسكر الحسين عليه السلام مقتول، و عسكر ابن زياد لعنه الله ظافر.ثم قال: وا حر قلباه! و في هذه الساعة يدخل عليكم كرائم الحسين عليه السلام.قال: فما استتم كلامه حتي سمعت البوقات تضرب، و الرايات تخفق، و اذا بالعسكر قد دخل الكوفة، و سمعت صيحة

عظيمة، و اذا برأس الحسين عليه السلام، و النور يسطع منه، فخنقتني العبرة لما رأيته، ثم أقبلت السبايا يقدمهم علي بن الحسين عليهماالسلام، ثم أقبلت من بعده ام كلثوم عليهاالسلام و عليها برقع خز أدكن، و هي تنادي: [ صفحه 322] يا أهل الكوفة! غضوا أبصاركم عنا، أما تستحون من الله و رسوله أن تنظروا الي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هن عرايا؟قال: فوقفوا بباب بني خزيمة، و الرأس علي قناة طويلة، و هو يقرء سورة الكهف الي أن بلغ (أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [692] .قال سهل: فبكيت، و قلت: يابن رسول الله! رأسك أعجب، ثم وقعت مغشيا علي فم افق حتي ختم السورة [693] .

دخول السبايا علي ابن زياد

قال المفيد رحمه الله: و لما وصل رأس الحسين عليه السلام و وصل ابن سعد لعنه الله من غد يوم وصوله و معه بنات الحسين عليه السلام و أهله، جلس ابن زياد لعنه الله للناس في قصر الامارة، و أذن للناس اذنا عاما، و أمر بالحضار الرأس الشريف، فأحضر [694] بين يديه، فجعل ينظر اليه و يتبسم، و بيده قضيب يضرب به ثناياه عليه السلام [695] .و روي الصدوق رحمه الله في «أماليه»: باسناده الي حاجب عبيدالله بن زياد:أنه لما جي ء برأس الحسين عليه السلام أمر فوضع بين يديه في طشت من ذهب، و جعل يضرب بقضيب في يده علي ثناياه، و يقول: لقد أسرع الشيب اليك يا أباعبدالله! [ صفحه 323] فقال رجل من القوم: مه! فاني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يلثم [696] حيث تضع قضيبك.فقال: يوم بيوم بدر [697] .

اعتراض زيد بن أرقم - صاحب رسول الله - علي ابن زياد

قال المفيد رحمه الله: و كان الي جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم - و هو شيخ كبير - فلما رآه يضرب بالقضيب بثناياه قال له: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا اله غيره؛ لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما لا أحصيه كثرة تقبلهما، ثم انتحب باكيا.فقال له ابن زياد لعنه الله: أبكي الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ و الله؛ لولا أنك شيخ كبير قد خرفت [698] و ذهب عقلك لضربت عنقك.فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار الي منزله [699] .و في «التبر المذاب»: فنهض زيد و هو يقول:أيها الناس! أنتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة عليهاالسلام و أمرتم ابن مرجانة لعنه الله، والله؛

ليقتلن خياركم، و ليستعبدن شراركم، فتبا [700] لمن يرضي الذل و العار. [ صفحه 324] ثم قال: يابن زياد! لاحدثنك حديثا هو أغلظ عليك من هذا:رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أقعد حسنا عليه السلام علي فخذه اليمني، و الحسين عليه السلام علي اليسري، ثم وضع يده علي يافوخهما و قال:اللهم أستودعك اياهما و صالح المؤمنين.فكيف كانت ودائع [701] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عندك يابن زياد؟! [702] .

زينب امام ابن زياد، السلطان الجائر

قال المفيد رحمه الله: و أدخل عيال الحسين عليه السلام علي ابن زياد لعنه الله فدخلت زينب عليهاالسلام أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة، و عليها أرذل ثيابها، فمضت حتي جلست ناحية من القصر و حفت بها اماءها.فقال ابن زياد لعنه الله: من هذه التي انحازت فجلست ناحية و معها نساها؟فلم تجبه زينب عليه السلام، فأعاد ثانية و ثالثة يسأل عنها.فقال له بعض اماها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فأقبل عليها ابن زياد لعنه الله فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم، و أكذب أحدوثتكم.فقالت زينب عليهاالسلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و طهرنا من الرجس تطهيرا، انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر، و هو غيرنا و الحمد لله.فقال ابن زياد لعنه الله: كيف رأيت صنع الله تعالي بأهل بيتك؟ [ صفحه 325] قالت: كتب الله عليهم القتل الي مضاجعهم، [فبرزوا الي مضاجعهم] [703] و سيجمع الله بينك و بينهم، فيتحاجون اليه و يختصمون عنده.فغضب ابن زياد، و استشاط، فقال عمرو بن حريث: أيها الأمير! انها امرأة، و المرأة لا تؤاخذ بشي ء من منطقها، و لا تذم علي خطائها [704] .فقال

لها ابن زياد: لقد شفي الله نفسي من طاغيتك و العصاة من أهل بيتك.فرقت زينب عليهاالسلام وبكت و قالت له: لعمري لقد قتلت كهلي، و أبرت [705] أهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فان يشفك هذا فقد استشفيت.فقال ابن زياد لعنه الله: هذه سجاعة، و [لعمري] لقد كان أبوها سجاعا شاعرا.فقالت: ما للمرأة و السجاعة، ان لي عن السجاعة لشغلا، و لكن صدري نفث بما قلت.

محاورة الامام السجاد مع ابن زياد و عزم ابن زياد علي قتله

و عرض عليه علي بن الحسين عليهماالسلام فقال له: من أنت؟قال: أنا علي بن الحسين.فقال له: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟فقال له علي عليه السلام: قد كان لي أخ يسمي عليا، قتله الناس.فقال ابن زياد لعنه الله: بل الله قتله. [ صفحه 326] فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: (الله يتوفي الأنفس حين موتها) [706] .فغضب ابن زياد لعنه الله فقال: وبك جرأة لجوابي؟ و فيك بقية للرد علي؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه [707] .قال السيد رحمه الله: فسمعت به عمته زينب عليهاالسلام فقالت: يابن زياد! انك لم تبق منا أحدا غير هذا الصبي، فان كنت عزمت علي قتله فاقتلني معه.فقال علي عليه السلام لعمته: أسكتي يا عمة! حتي أكلمه، ثم أقبل عليه السلام فقال:أبالقتل تهددني يابن زياد؟! أما علمت أن القتل لنا عادة، و كرامتنا الشهادة [708] .قال المفيد رحمه الله: فتعلقت به زينب عليهاالسلام عمته و قالت: يابن زياد! حسبك من دمائنا؟ و اعتنقته و قالت: لا والله؛ لا أفارقه، فان قتلته فاقتلني معه.فنظر ابن زياد لعنه الله اليها و اليه ساعة، ثم قال: عجبا للرحم! والله؛ اني لأظنها ودت اني أقتلها معه دعوه، فاني أراه لما به.ثم قام من مجلسه حتي خرج من القصر [709] .و في «المنتخب»: قال من حضر: رأيت

نارا قد خرجت من القصر كادت تحرقه فقام ابن زياد لعنه الله عن سريره هاربا، و دخل بعض بيوته و رآي كل ذلك و لم يرتدع اللعين عن غيه و شقاوته [710] . [ صفحه 327]

تكلم الرأس الشريف بصوت فصيح

و في «شرح الشافية»: عن أبي مخنف: حدثني من حضر اليوم الذي ورد فيه رأس الحسين عليه السلام علي ابن زياد لعنه الله قال: رأيت نارا قد خرجت من القصر، فقام عبيدالله بن زياد لعنه الله هاربا من سريره الي أن دخل بعض البيوت، و تكلم الرأس الشريف بصوت فصيح جمهوري يسمعه ابن زياد لعنه الله و من كان معه:الي أين تهرب من النار يا ملعون!! لقد عجزت عنك في الدنيا، فانها في الاخرة مثواك و مصيرك.قال: فوقع أهل القصر سجدا لما رأوا من رأس الحسين عليه السلام، فلما ارتفعت النار سكت رأس الحسين عليه السلام.و قال أبومخنف: ثم دعي لعنه الله بخولي الأصبحي و قال: خذ هذا الرأس حتي أسألك عنه.فأخذه و انطلق الي منزله، و كان له زوجتان احداهما: مضرية، و الأخري: تغلبيه، فدخل [به] علي المضرية، فقالت له: ما هذا الرأس؟فقال: هذا رأس الحسين.فقالت: ارجع به، ثم انها أخذت عمودا و أوجعته ضربا، و قالت: والله؛ ما أنا لك بزوجة، و ما أنت لي ببعل.فانصرف عنها و مضي الي التغلبية، و قال لها: خذي هذا الرأس.فقالت له: و ما اسمه؟ فأبي أن يعلمها ثم تركه تحت طشت و بات عندها. [ صفحه 328] قالت امرأته: سمعت الرأس الشريف يقرء الي طلوع الفجر، و كان آخر قرائته: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [711] .ثم سمعت حوله دويا كدوي الرعد، فعلمت أنه تسبيح الملائكة [712] .

اهل البيت في السجن

و في رواية الصدوق بعد ما نقلناه:ثم أمر بعلي بن الحسين عليه السلام فغل و حمل مع النسوة و السبايا الي السجن، و كنت معهم، فما مررنا بزقاق الا وجدناه مملوا رجالا و نساءا يضربون وجوههم و يبكون، فحبسوا في سجن، و ضيق

باب السجن عليهم.ثم ان ابن زياد لعنه الله دعي بعلي بن الحسين عليهماالسلام و أحضروا رأس الحسين عليه السلام، و كانت زينب ابنة علي عليهماالسلام فيهم، فقال ابن زياد لعنه الله: الحمد لله الذي فضحكم و قتلكم... الي قوله: فأمر ابن زياد لعنه الله بردهم الي السجن الخبر [713] .و قال السيد رحمه الله: ثم أمر ابن زياد لعنه الله بعلي بن الحسين عليهماالسلام و أهله فحملوا، الي دار الي جنب المسجد الأعظم.فقالت زينب بنت علي عليهماالسلام: لا يدخلن علينا عربية الا أم ولد أو مملوكة، فانهن سبين و قد سبينا. [ صفحه 329] ثم أمر ابن زياد لعنه الله برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة [714] .

قراءة رأس الحسين سورة الكهف

قال المفيد رحمه الله: و لما أصبح عبيدالله بن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة كلها و قبائلها.فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مر به علي و هو علي رمح و أنا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرء: (أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [715] .فقف والله، شعري، و ناديت: رأسك والله؛ يابن رسول الله! أعجب و أعجب [716] .و في «تظلم الزهراء عليهاالسلام» عن «مسند السيدة البتول عليهاالسلام» باسناده عن الحارث بن وكيدة، قال:كنت فيمن حمل رأس الحسين عليه السلام، فسمعته يقرء سورة الكهف، فجعلت أشك في نفسي و أنا أسمع نغمة [717] أبي عبدالله عليه السلام، فقال لي:يابن وكيدة! أما علمت أنا معاشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق؟قال: فقلت في نفسي: أسرق رأسه.فنادي: يابن وكيدة! ليس لك الي ذلك سبيل، سفكهم دمي أعظم عندالله [ صفحه 330] تعالي من تيسيرهم رأسي، فذرهم فسوف يعلمون، اذ الأغلال في أعناقهم و

السلاسل يسحبون في الحميم.و في «العوالم» عن ابن شهر آشوب: عن أبي مخنف، عن الشعبي: أنه لما صلب رأس الحسين عليه السلام بالصيارف في الكوفة، فتنحنح الرأس و قرء سورة الكهف الي قوله تعالي: (انهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدي) [718] فلم يزدهم ذلك الا ضلالا.و في أثر: أنهم لما صلبوا رأسه علي الشجر سمع منه: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [719] .

خطبة ابن زياد و اعتراض عبدالله بن عفيف عليه

قال السيد رحمه الله: ثم ان ابن زياد لعنه الله صعد المنبر، فحمد الله و أثني و قال في [بعض] كلامه: الحمد لله الذي أظهر الحق و أهله و نصر أميرالمؤمنين!! و أشياعه، و قتل الكذاب ابن الكذاب!!!فما زاد علي هذا الكلام شيئا، حتي قام اليه عبدالله بن عفيف الأزدي - و كان من خيار الشيعة و زهادها، و كانت عينه اليسري [قد ] ذهبت في يوم الجمل و الأخري في يوم صفين، و كان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه الي الليل - فقال: يابن مرجانة! ان الكذاب أنت و أبوك، و من استعملك و أبوه، يا عدو الله! أتقتلون أولاد النبيين و تتكلمون بهذا الكلام علي منابر المؤمنين؟ [ صفحه 331] قال: فغضب ابن زياد، و قال: من هذا المتكلم؟فقال: أنا المتكلم يا عدو الله! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب [الله] عنها الرجس؟ و تزعم أنك علي دين الاسلام؟واغوثاه! أين أولاد المهاجرين و الأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين بن اللعين علي لسان محمد رسول رب العالمين؟قال: فازداد غضب ابن زياد لعنه الله حتي انتفخت أوداجه، و قال: علي به.فتبادرت اليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمه، فخلصوه من أيدي الجلاوزة و أخرجوه من باب المسجد، و

انطلقوا به الي منزله.فقال ابن زياد لعنه الله: اذهبوا الي هذا الأعمي، أعمي الأزد - أعمي الله قلبه، كما أعمي عينه - فأتوني به.فانطلقوا، فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا و اجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم.

مقتل عبدالله بن عفيف

قال: و بلغ ذلك ابن زياد لعنه الله فجمع قبائل مضر و ضمهم الي محمد بن الأشعث، فأمرهم بقتال القوم.قال: فاقتتلوا قتالا شديدا، حتي قال بينهم جماعة من العرب.قال: و وصل أصحاب ابن زياد لعنه الله الي دار عبدالله بن عفيف فكسروا الباب و اقتحموا عليه. [ صفحه 332] فصاحت ابنته: أتاك القوم من حيث تحذر.فقال: لا عليك، ناوليني سيفي.قال: فناولته اياه، فجعل يذب عن نفسه، و يقول:أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي و ابن أم عامركم دارع من جمعكم و حاسر و بطل جدلته مغادرقال: و جعلت ابنته تقول: يا أبة! ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة، قاتلي العترة البررة.قال: و جعل القوم يدورون عليه من كل جهة، و هو يذب عن نفسه، فليس يقدر عليه أحد، [و] كلما جاؤوه من جهة، قالت ابنته: يا أبة! جاؤوك من جهة كذا، حتي تكاثروا عليه و أحاطوا به.فقالت ابنته: وا ذلاه! يحاط بأبي و ليس له ناصر يستعين به.فجعل يدير سيفه و هو يقول:أقسم لو يفسح [720] لي عن بصري ضاق عليكم موردي و مصدري قال: فما زالوا به حتي أخذوه، ثم حمل فأدخل علي ابن زياد لعنه الله، فلما رآه قال: الحمد لله الذي أخزاك.فقال له عبدالله بن عفيف: يا عدو الله! و بماذا أخزاني الله تعالي؟!والله؛ لو يفسح لي عن بصري ضاق عليك موردي و مصدري فقال ابن زياد لعنه الله: يا عدو الله! ما تقول في عثمان بن عفان؟قال:

يا عبد بني علاج! يابن مرجانة! - و شتمه - ما أنت و عثمان بن [ صفحه 333] عفان؟! أساء أم أحسن؟ و أصلح أم أفسد؟ والله تبارك و تعالي ولي خلقه، يقضي بينهم و بين عثمان بالعدل و الحق، و لكن سلني عن أبيك و عنك و عن يزيد و أبيه.فقال ابن زياد لعنه الله: والله؛ لا سألتك عن شي ء أو تذوق الموت [غصة بعد غصة].فقال عبدالله بن عفيف: الحمد لله رب العالمين، أما اني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمك، و سألت الله أن يجعل ذلك علي يدي ألعن خلقه و أبغضهم اليه، فلما كف بصري يئست من الشهادة، و الان فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس [منها ] و عرفني الجابة [بمنه] في قديم دعائي.فقال ابن زياد لعنه الله: اضربوا عنقه، فضرب عنقه و صلب في السبخة [721] .

استرجاع حكم ولاية الري من عمر بن سعد و ندامته

و في «المنتخب»: حكي أنه لما فرغ عمر بن سعد لعنه الله من حرب الحسين عليه السلام، و أدخلت الرؤوس و الأساري علي عبيدالله بن زياد لعنه الله تعالي، و جاء عمر بن سعد لعنه الله و دخل علي ابن زياد لعنه الله يريد منه أن يمكنه من ملك الري.فقال ابن زياد لعنه الله: ايتيني بالكتاب الذي كتبته لك في معني قتل الحسين عليه السلام و ملك الري.فقال له عمر بن سعد لعنه الله: والله؛ انه قد ضاع مني، و لا أعلم أين هو؟فقال ابن زياد لعنه الله: لابد أن تجيئني به في هذا اليوم، و ان لم تأتني به [ صفحه 334] فليس لك عندي جائزة أبدا، لأني كنت أراك مستحيا معتذرا في أيام الحرب من عجائز قريش، ألست أنت القائل:فوالله؛ ما أدري

و اني لصادق افكر في أمري علي خطرين ءأترك ملك الري و الري منيتي أم أرجع مأثوما بقتل حسين و هذا كلام معتذر مستحي متردد في رأيه.فقال عمر بن سعد لعنه الله: والله؛ يا أمير! لقد نصحتك في حرب الحسين [نصيحة صادقة لو ندبني اليها أبي سعد لما كنت أديت حقه كما أديت حقك في حرب الحسين].فقال له عبيدالله بن زياد لعنه الله: كذبت يا لكع!فقال عثمان بن زياد - أخو عبيدالله بن زياد -: والله؛ يا أخي! لقد صدق عمر بن سعد في مقالته، و اني لوددت أنه ليس من بني زياد رجل الا و في أنفه خزامة الي يوم القيامة، و ان حسينا لم يقتل أبدا.فقال عمر بن سعد لعنه الله: فوالله؛ يابن زياد! ما رجع أحد من قتلة الحسين بشر مما رجعت به أنا.فقال له: و كيف ذلك؟فقال: لأني عصيت الله و أطعت عبيدالله و خذلت الحسين بن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و نصرت أعداء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بعد ذلك قطعت رحمي و وصلت خصمي و خالفت ربي، فيا عظم ذنبي! و يا طول كربي في الدنيا و الاخرة!ثم نهض من مجلسه و خرج مغضبا مغموما، و هو يقول: ذلك هو الخسران المبين [722] . [ صفحه 337]

في كيفية شهادة ولدي مسلم بن عقيل

شهادة ولدي مسلم بن عقيل

روي الصدوق رحمه الله في «أماليه» باسناده عن حمران بن أعين، عن أبي محمد شيخ لأهل الكوفة قال: لما قتل الحسين بن علي عليهماالسلام اسر عن عسكره غلامان صغيران، فاتي بهما عبيدالله بن زياد لعنه الله، فدعا سجانا له فقال: خذ هذين الغلامين، فمن طيب [723] الطعام فلا تطعمهما، و من الماء البارد فلا تسقهما، و

ضيق عليهما سجنهما.و كان الغلامان يصومان النهار، فاذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير، و كوز من ماء القراح.فلما طال بالغلامين المكث حتي صار في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي! قد طال مكثنا، يوشك أن تفني أعمارنا، و تبلي أبداننا، فاذا جاء الشيخ فاعلمه بمكاننا، و تقرب اليه بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم لعله يوسع علينا في طعامنا، و يزيدنا في شرابنا.فلما جن بهما الليل أقبل الشيخ اليهما بقرصين من شعير، و كوز من ماء القراح.فقال له الغلام الصغير: يا شيخ! أتعرف محمدا صلي الله عليه و آله و سلم؟ [ صفحه 338] قال: و كيف لا أعرف محمدا و هو نبيي.قال: أتعرف جعفر بن أبي طالب؟قال: و كيف لا أعرف جعفرا، و قد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء؟قال: أفتعرف علي بن أبي طالب عليه السلام؟قال: و كيف لا أعرف عليا و هو ابن عم نبيي و أخو نبيي.قال: يا شيخ! فنحن من عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و نحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام بيدك اساري، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، و من بارد الشراب فلا تسقينا، و قد ضيقت علينا سجننا.فانكب الشيخ علي أقدامهما يقبلهما و يقول: نفسي لنفسكما الفداء، و روحي لروحكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفي! هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما.فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من الشعرين، و كوز من ماء القراح و أوفقهما علي الطريق، و قال لهما: سيرايا حبيبي الليل، و اكمنا النهار حتي يجعل الله تعالي لكما من أمركما فرجا و مخرجا.ففعل الغلامان ذلك، فلما جنهما الليل

انتهيا الي عجوز علي باب فقالا لها: يا عجوز! انا غلامان صغيران غريبان حدثان، غير خبيرين بالطريق، و هذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فاذا أصبحنا لزمنا الطريق.فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي! فقد شممت الروائح كلها فما شممت رائحة هي أطيب من رايحتكما؟ [ صفحه 339] فقال لها: يا عجوز! نحن من عترة نبيك المصطفي، هربنا من سجن عبيدالله بن زياد لعنه الله من القتل.قالت العجوز: يا حبيبي! ان لي ختنا فاسقا قد شهد الوقعة مع عبيدالله بن زياد لعنه الله، أتخوف أن يصيبكما هنا فيقتلكما.قالا: سواد ليلتنا هذه، فاذا أصبحنا لزمنا الطريق.قالت: سآتيكما بطعام، فأتتهما بطعام فأكلا و شربا، فلما و لجا الفراش قال الصغير للكبير: يا أخي! انا نرجو أن يكون قد أمنا ليلتنا هذه، فتعال حتي أعانقك و تعانقني، و أشم رايحتك، و تشم رايحتي قبل أن يفرق الموت بيننا.ففعل الغلامان ذلك و اعتنقا و ناما، فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتي قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟فقال: أنا فلان.قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة، و ليس هذا لك بوقت؟قال: ويحك! افتحي الباب قبل أن يطير عقلي، و تنشق مرارتي في جوفي من جهد بلاء قد نزل بي.قالت: ويحك! ما الذي نزل بك؟قال: هرب غلامان صغيران من عسكر عبيدالله بن زياد لعنه الله، فنادي الأمير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما، فله ألف درهم، و من جاء برأسيهما فله ألفا درهم، و قد أتعبت فرسي و تعبت و لم يصل في يدي شي ء.فقالت العجوز: احذر يا ختني! أن يكون محمد صلي الله عليه و آله و سلم خصمك في يوم القيامة. [

صفحه 340] قال لها: ويحك! ان الدنيا محرص عليها.قالت: و ما تصنع بالدنيا، و ليس لها آخرة؟قال: اني لأراك تحامين عنهما كأن عندك من طلب الأمير شي ء فقومي فان الأمير يدعوك.قالت: و ما يصنع الأمير بي، و انما أنا عجوز في هذه البرية.قال: انما لي الطلب افتحي لي الباب حتي أريح و أستريح، فاذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما.ففتحت الباب، و أتته بطعام و شراب، فأكل و شرب، فلما كان في بعض الليل سمع غطيط الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، و يخور كما يخور الثور، و يلمس [بكفه] جدار البيت حتي وقعت يداه علي جنب الغلام الصغير فقال له: من هنا؟قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟فأقبل الصغير يحرك الكبير و يقول: قم يا حبيبي! فقد والله؛ وقعنا فيما كنا نحاذره.قال لهما: فمن أنتما؟قالا له: يا شيخ! ان نحن صدقناك فلنا الأمان؟قال: نعم.قالا: أمان الله و أمان رسوله، و ذمة الله و ذمة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم؟قال: نعم.قالا: و محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم من الشاهدين؟ [ صفحه 341] قال: نعم.قالا: والله علي ما نقول وكيل و شهيد؟قال: نعم.قالا له: يا شيخ! فنحن من عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، هربنا من سجن عبيدالله بن زياد لعنه الله من القتل.فقال لهما: من الموت هربتما، و الي الموت وقعتما، الحمد الله الذي أظفرني بكما، و قام الي الغلامين فشد أكتافهما، فقام الغلامان ليلتهما مكتفين.فلما انفجر عمود الصبح دعا غلاما له أسود يقال له: فليح، فقال: خذ هذين الغلامين فانطلق بهما الي شاطي ء الفرات فاضرب أعناقهما

و ائتني برؤوسهما لأنطلق بهما الي عبيدالله بن زياد لعنه الله و آخذ جائزة ألفي درهم.فحمل الغلام السيف و مشي أمام الغلامين فما مضي الا غير بعيد حتي قال أحد الغلامين: يا أسود! ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.قال: ان مولاي قد أمرني بقتلكما فمن أنتما؟قالا له: يا أسود! نحن من عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، هربنا من سجن عبيدالله بن زياد لعنه الله من القتل، و أضافتنا عجوزكم هذه، و يريد مولاك قتلنا.فانكب الأسود علي أقدامهما يقبلهما و يقول: نفسي لنفسكما الفداء، و وجهي لوجهما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفي! والله؛ لا يكون محمد صلي الله عليه و آله و سلم خصمي في القيامة.ثم عدا فرمي بالسيف من يده ناحية و طرح نفسه في الفرات و عبر الي الجانب فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني؟ [ صفحه 342] فقال: يا مولاي! انما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فاذا عصيت الله فأنا منك بري ء في الدنيا و الاخرة.فدعي ابنه فقال: يا بني! انما أجمع الدنيا حلالها و حرامها لك، و الدنيا محرص عليها، فخذ هذين الغلامين اليك فانطلق بهما الي شاطي ء الفرات فاضرب أعناقهما و ائتني برؤوسهما لأنطلق بهما الي عبيدالله بن زياد، و آخذ جائزة ألفي درهم.فأخذ الغلام السيف، و مشي أمام الغلامين فما مضيا الا غير بعيد حتي قال له أحد الغلامين: يا شاب! ما أخوفني علي شبابك هذا من نار جهنم.فقال: يا حبيبي! فمن أنتما؟قالا: من عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، يريد والدك قتلنا.فانكب الغلام علي أقدامهما و يقبلهما و يقول

لهما مقالة الأسود، ورمي بالسيف ناحية و طرح نفسه في الفرات و عبر، فصاح به أبوه: يا بني! عصيتني؟قال: لأن أطيع الله تعالي و أعصيك أحب الي من أن أعصي الله تعالي و أطيعك.قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري، و أخذ السيف و مشي أمامهما، فلما صار الي شاطي ء الفرات سل السيف عن جفنه.فلما نظر الغلامان الي السيف مسلولا اغرورقت عينهما و قالا له: يا شيخ! انطلق بنا الي السوق و استمتمع بأثماننا؛ و لا ترد أن يكون محمد صلي الله عليه و آله و سلم خصمك في القيامة.فقال: لا، و لكن أقتلكما و أذهب برأسكما الي عبيدالله بن زياد و آخذ جائزة ألفين. [ صفحه 343] فقالا له: يا شيخ! أما تحفظ قرابتنا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟قال: ما لكما من رسول الله قرابة.فقالا له: يا شيخ! فأت الي عبيدالله بن زياد حتي يحكم فينا بأمره.قال: ما الي ذلك من سبيل الا التقرب اليه بدمكما.قالا له: يا شيخ! أما ترحم صغر سننا؟قال: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا.قالا له: يا شيخ! ان كان و لابد فدعنا نصل ركعات.قال: فصليا ما شئتما ان نفعتكما الصلاة.فصلي الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما الي السماء و ناديا: يا حي يا حكيم، يا أحكم الحاكمين! أحكم بيننا و بينه بالحق.فقام الي الأكبر فضرب عنقه و أخذ برأسه و وضعه في المخلاة، و أقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه و هو يقول: حتي ألقي رسول الله و أنا مخضب بدم أخي.فقال: لا عليك، سوف ألحقك بأخيك، ثم قام الي الغلام الصغير فضرب عنقه و أخذ رأسه و وضعه في

المخلاة، و رمي ببدنهما في الماء، و هما يقطران دما و مر حتي أتي بهما الي عبيدالله بن زياد، و هو قاعد علي كرسي له و بيده قضيب خيزران [724] ، فوضع الرأسين بين يديه.فلما نظر اليهما قام، ثم قعد، ثم قام، ثم قعد ثلاثا ثم قال: ألويل لك أين ظفرت بهما؟ [ صفحه 344] قال: أضافتهما عجوز لنا.قال: فما عرفت لهما حق الضيافة؟قال: لا.قال: فأي شي ء قالا لك؟قال: قالا: يا شيخ! اذهب بنا الي السوق فبعنا و انتفع بأثماننا، و لا ترد أن يكون خصمك محمدا صلي الله عليه و آله و سلم في القيامة.قال: و أي شي ء قلت لهما؟قال: قلت: لا، و لكني أقتلكما و أنطلق برؤوسكما الي عبيدالله بن زياد و آخذ جائزة ألفي درهم.قال: فأي شي ء قالا لك؟قال: قالا: ائت بنا الي عبيدالله بن زياد حتي يحكم فينا بأمره.قال: فأي شي ء قلت؟قال: قلت: ليس الي ذلك سبيل الا التقرب اليه بدمكما.قال: أفلا جئتني بهما حيين؟ فكنت أضعف لك الجائزة، و أجعلها أربعة آلاف درهم.قال: ما رأيت الي ذلك سبيلا الا التقرب اليك بدمهما.قال: فأي شي ء قالا لك أيضا؟قال: قالا لي: يا شيخ! احفظ قرابتنا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.قال: فأي شي ء قلت لهما؟قال: قلت: مالكما من رسول الله قرابة. [ صفحه 345] قال: ويل لك! فاي شي ء قالا لك أيضا؟قال: قالا: يا شيخ! ارحم صغر سننا.قال: فما رحمتهما؟قال: قلت: ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا.قال: ويلك! فأي شي ء قالا لك أيضا؟قال: قالا: دعنا نصل ركعات.فقلت: فصليا ما شئتما ان نفعتكما الصلاة، فصلي الغلامان أربع ركعات.قال: فأي شي ء قالا في آخر صلاتهما؟قال: رفعا طرفيهما

الي السماء و قالا: يا حي يا حكيم، يا أحكم الحاكمين أحكم بيننا و بينه بالحق.قال عبيدالله بن زياد لعنه الله: فأحكم الحاكمين قد حكم بينكم، من للفاسق؟قال: فانتدب اليه رجل من أهل الشام فقال له: أنا.قال: فانطلق به الي الموضع الذي قتل فيه الغلامين، فاضرب عنقه، و لا تترك أن يختلط دمه بدمهما، و عجل برأسه.ففعل الرجل ذلك، و جاء برأسه فنصبه علي قناة، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل و الحجارة، و هم يقولون: قاتل ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [725] . [ صفحه 346]

شهادة ولدي مسلم بن عقيل برواية اخري

قال المجلسي رحمه الله في «البحار»: روي في «المناقب القديم» هذه القصة مع تغيير قال: أخبرنا سعد الأئمة سعيد بن محمد بن أبي بكر الفقيمي، عن محمد بن عبدالله البرخنكي [726] ، عن أحمد بن يعقوب، عن طاهر بن محمد الحدادي، عن محمد بن علي بن نعيم، عن محمد بن الحسين بن علي، عن محمد بن يحيي الذهلي قال:لما قتل الحسين بن علي عليهماالسلام بكربلاء هرب غلامان من عسكر عبيدالله بن زياد لعنه الله أحدهما يقال له: ابراهيم، و الاخر يقال له: محمد، و كانا من ولد جعفر الطيار [727] ، فاذا هما بامرأة تستقي فنظرت الي الغلامين و الي حسنهما و جمالهما.فقالت لهما: من أنتما؟فقال: نحن من ولد جعفر الطيار في الجنة، هربنا من عسكر عبيدالله بن زياد لعنه الله.فقالت المرأة: ان زوجي في عسكر عبيدالله بن زياد، و لو لا أن أخشي أن يجي ء الليلة و الا ضيفتكما و أحسنت ضيافتكما.فقال لها: أيتها المرأة! انطلقي بنا، فنزجوا أن لا يأتينا زوجك الليلة، فانطلقت المرأة و الغلامان حتي انتهيا الي منزلها، فأتتهما بطعام فقالا:

ما لنا في الطعام من حاجة ايتينا بمصلي نقضي فوائتنا. [ صفحه 347] فصليا فانطلقا الي مضجعهما، فقال الأصغر للأكبر: يا أخي! و يابن أمي! التزمني و استنشق من رائحتي، فاني أظن أنها آخر ليلتي، لا نصبح بعدها.و ساق الحديث نحو ما مر.. الي أن قال: ثم هز السيف و ضرب عنق الأكبر و رمي ببدنه في الفرات و قال الأصغر: سألتك بالله أن تركتني حتي أتمرغ بدم أخي ساعة.قال: و ما ينفعك ذلك؟قال: هكذا أحب، فتمرغ بدم أخيه ابراهيم ساعة.ثم قال له: قم، فلم يقم فوضع السيف علي قفاه فضرب عنقه من قبل القفا و رمي ببدنه الي الفرات، فكان بدن الأول علي وجه الفرات ساعة حتي قدف الثاني، فأقبل بدن الأول راجعا يشق الماء شقا حتي التزم بدن أخيه و مضيا في الماء.و سمع هذا الملعون صوتا من بينهما و هما في الماء: رب! تعلم و تري ما فعل بنا هذا الملعون، فاستوف لنا حقنا منه يوم القيامة.ثم [قال:] فدعا عبيدالله بن زياد لعنه الله بغلام له أسود يقال له: نادر، فقال له: يا نادر! دونك هذا الشيخ المعلون، فشد كتفيه، فانطلق به الي الموضع الذي قتل الغلامين فيه، فاضرب عنقه و سلبه لك، و لك عشرة آلاف درهم، و أنت حر لوجه الله.فانطلق الغلام به الي الموضع الذي ضرب أعناقهما فيه فقال له: يا نادر! لابد لك من قتلي؟قال: نعم، فضرب عنقه فرمي بجيفته الي الماء فلم يقبل الماء، ورمي به [ صفحه 348] الي الشط، و أمر عبيدالله بن زياد لعنه الله أن يحرق بالنار، ففعل به ذلك،و صار الي عذاب الله تعالي [728] .و في «المنتخب» مثل ما مر بأدني

تغيير مع زيادة و هي: ثم ان ابن زياد لعنه الله نظر الي ندمائه و كان فيهم محب لأهل البيت عليهم السلام و قال له: خذ هذا المعلون و سر به الي موضع قتل فيه الغلامين و اضرب عنقه، و لا تدع أن يختلط دمه بدمهما، و خذ هذين الرأسين وارمهما في موضع رمي فيه أبدانهما.قال: فأخذه و سار به و هو يقول: والله؛ لو أعطاني ابن زياد لعنه الله جميع سلطنته ما قابلت هذه العطية، و كان كلما مر بقبيلة أراهم الرأسين و حكي لهم بالقصة، و ما يريد يفعل بذلك اللعين.ثم سار به الي موضع قتل فيه الغلامين فقتله بعد أن عذبه بقلع عينيه، و قطع أذنيه و يديه و رجليه، ورمي بالرأسين في الفرات.قال: فخرجت الأبدان و ركبت الرؤوس عليها بقدرة الله تعالي، ثم تخاضا [729] و غاصا في الفرات.ثم ان ذلك الرجل المحب أتي برأس ذلك اللعين، فنصبه علي قناة و جعل الصبيان يرجمونه بالحجارة [730] . [ صفحه 351]

في ما وقع علي أهل البيت من الكوفة الي الشام

بعث ابن زياد رأس الحسين و رؤوس بقية الشهداء الي يزيد

قال المفيد رحمه الله: دفع ابن زياد لعنه الله رأس الحسين عليه السلام الي زحر بن قيس و دفع اليه رؤوس أصحابه عليه السلام، و سرحه الي يزيد بن معاوية [عليهم لعائن الله و لعنة اللاعنين في السماوات و الأرضين] و أنفذ معه أبابردة بن عوف الأزدي و طارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة [731] .ثم قال: ثم ان عبيدالله بن زياد لعنه الله بعد انفاذه برأس الحسين عليه السلام أمر بنسائه و صبيانه فجهزوا، و أمر بعلي بن الحسين عليه السلام فغل بغل في عنقه، ثم سرح بهم في أثر الرأس مع مخفر [732] بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن، فانطلقوا بهم حتي

لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس [733] .و في «المنتخب»: ان اللعين دعا بالشمهر و خولي و شبث بن ربعي، و ضم اليهم ألف فارس [و زودهم] و أمرهم بأخذ السبايا و الرؤوس الي دمشق عند يزيد لعنه الله و أمرهم أن يشهروهم في كل بلدة يدخلونها [734] . [ صفحه 352]

مسير السبايا الي دمشق

و في «التبر المذاب»: ذكر هشام في كتاب «السير» باسناده الي أبي محمد عبدالملك بن هشام النحوي البصري قال:لما أنفذ ابن زياد لعنه الله رأس الحسين عليه السلام الي يزيد بن معاوية لعنه الله مع الاساري موثقين في الحبال مع نساء و صبيان من بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي أقتاب الجمال مكشفات الوجوه و الرؤوس، و كانوا كلما نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من صندوق أعدوه له، فوضعوه علي رمح، و حرسوه الي حين الرحيل، ثم يعيدوه الي الصندوق و ترحلوا [735] .و في «المنتخب» فساروا علي الفرات و أخذوا علي أول منزل فنزلوا، و كان المنزل خرابا، فوضعوا الرأس بين أيديهم و السبايا معه [736] و اذا بكف خارج من الحائط و قلم يكتب بدم هكذا:أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب فلا والله؛ ليس لهم شفيع و هم يوم القيامة في العذاب قال: ففزعوا من ذلك و ارتاعوا و رحلوا من ذلك المنزل [737] .قال أبومخنف: فلما نزلوا القادسية أنشأت أم كلثوم عليهاالسلام تقول:ماتت رجالي و أفني الدهر ساداتي و زادني حسرات بعد لوعات صال اللئام علينا بعد ما علموا انا بنات رسول بالهدي آت [ صفحه 353] يسيرونا علي الأقتاب عارية كأننا بينهم بعض الغنيمات يعز عليك رسول الله ما صنعوا بأهل بيتك يا خير البريات كفرتم برسول الله ويلكم هداكم من سلوك

في الضلالات [738] .

وصول السبايا و الرؤوس الي تكريت

ثم قال أبومخنف: و ساروا [بالسبايا و] الرؤوس الي شرقي الجصاصة، ثم عبروا علي «تكريت» [739] و كتبوا الي عاملها بأن تتلقانا بالزاد و العلوفة فان معنا رأس الحسين [740] .فلما قرأ الكتاب أمر بالأعلام فنشرت، و البوقات فضربت، و المدينة فزينت، و أتت الناس من كل جانب و مكان، ثم خرج الوالي فتلقاهم، و كان كل من سألهم قالوا: هذا رأس خارجي خرج علي يزيد بن معاوية بأرض العراق، فقتله عبيدالله بن زياد لعنه الله و قد أنفذ برأسه الي يزيد بن معاوية.فقال لهم رجل نصراني: يا قوم! اني كنت بالكوفة، و قد قدم هذا الرأس و ليس هو رأس خارجي، بل هو رأس الحسين بن علي وجده محمد المصطفي و أمه فاطمة الزهراء.فلما سمعوا النصاري بذلك عمدوا الي النواقيس فضربوها، و جمع الرهبان اليهم من البيع اعظاما له، و قالوا: انا برئنا من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم.فبلغهم ذلك فلم يدخلوها، ثم رحلوا من «تكريت» و أخذوا علي البرية، [ صفحه 354] ثم علي الأعمي، ثم علي دير عروة ثم علي ملينا ثم علي وادي النخلة فنزلوا فيها ليلا و باتوا.

نوح الجن علي الامام الحسين

قال: فسمعوا نساء الجن يندبن الحسين عليه السلام و ينشدن هذه الأبيات و يقلن:نساء الجن أسعدن نساء الهاشميات بنات المصطفي أحمد يبكين شجيات يولولن و يندبن بدور الفاطميات و يلبسن ثياب السود من عظم المصيبات و يلطمن خدودا كالدنانير نقيات و يندبن حسينا عظمت تلك الزيات

وصول السبايا و الرؤوس الي لينا

قال: ثم رحلوا من وادي النخلة و أخذوا علي لينا [741] و كانت عامرة بالناس فخرجت المخدرات و الكهول و الشبان ينظرون الي رأس الحسين عليه السلام، و يصلون عليه و علي جده و أبيه، و يلعنون من قتله و يقولون: يا قتلة أولاد الأنبياء! أخرجوا من بلدنا.فأخذوا علي الكحيل و أتوا جهينة، و أنفذوا الي عامل «الموصل» أن تتلقانا، فان معنا رأس الحسين. [ صفحه 355] فلما قرأ الكتاب أمر بالأعلام و المدينة فرينت، و تداعت الناس من كل جانب و مكان، و خرج الوالي فتلقاهم علي ستة أميال، فقال بعض القوم: ما الخبر؟فقالوا: رأس خارجي خرج بأرض العراق قتله [عبيدالله] بن زياد لعنه الله و بعث برأسه الي يزيد لعنه الله.فقال رجل منهم: يا قوم! هذا رأس الحسين عليه السلام.فلما تحققوا ذلك اجتمعوا في أربعين ألف فارس من الأوس و الخزرج، و تحالفوا أن يقتلوهم و يأخذوا منهم رأس الامام عليه السلام، و يدفنون عندهم ليكون فخرا لهم الي يوم القيامة.

وصول السبايا و الرؤوس الي نصيبين

فلما سمعوا ذلك لم يدخلوها و أخذوها و أخذوا علي تل أعفر، ثم علي جبل سنجار، فوصلوا الي «نصيبين» فنزلوا بها فشهروا الرؤوس و السبايا.قال: فلما رأت زينب أخيها عليهماالسلام [بكت] و أنشأت تقول:أنشهر ما بين البرية عنوة و والدنا أوحي اليه جليل كفرتم برب العرش ثم نبيه كأن لم يجئكم في الزمان رسول نحاكم اله العرش يا شر أمة! لكم في لظي يوم المعاد عويل [ صفحه 356]

وصول السبايا و الرؤوس الي عين الوردة

قال أبومخنف: و جعلوا يسيرون الي عين الوردة، و أتوا الي قريب دعوات و كتبوا الي صاحب دعوات أن تلقانا، لأن معنا رأس الحسين عليه السلام.قال: فلما قرأ الكتاب أمر بضر البوقات، و خرج فتلقاهم، و شهروا الرأس و أدخلوه من باب الأربعين، و نصبوه في الرحبة من زوال الظهر الي وقت العصر، و أهلها طائفة يبكون و طائفة يضحكون، و ينادون: هذا خارجي خرج علي يزيد بن معاوية.قال: و تلك الرحبة التي نصب فيها رأس الحسين عليه السلام لا يجتاز فيها أحد و تقضي [742] حاجته الي يوم القيامة.و باتوا ثملين من الخمور الي الصباح، و ارتحلوا من الغد، فعند ذلك بكي علي بن الحسين عليه السلام و أنشأ يقول:ليت شعري هل عاقل في الدياجي بات من فجعة الزمان يناجي أنا نجل الامام ما بال حقي ضائع بين عصبة الأعلاج [743] .قال: و أتوا الي «قنسرين» و كانت عامرة بأهلها، فلما بلغهم ذلك أغلقوا الأبواب و جعلوا يلعنونهم و يرمونهم بالحجارة و يقولون: يا فجرة! و يا قتلة أولاد الأنبياء! والله؛ لا دخلتم بلدنا، و لو قتلنا عن آخرنا.فلما سمعوا ذلك لم يدخلوها، فرحلوا عنهم. [ صفحه 357] قال: فبكت أم كلثوم سلام الله عليها، و أنشأت تقول:كم تنصبون لنا الأقتاب

عارية كأننا من بنات الروم في البلدأليس جدي رسول الله؟ ويلكم! هو الذي دلكم قصدا الي الرشديا أمة السوء! لا سقيا لربعكم الا عذابا كما أحني علي البلد [744] .

رأس الامام الحسين بدير النصراني

و في «البحار»: عن النطنزي في «الخصائص»: لما جاؤوا برأس الحسين عليه السلام و نزلوا منزلا يقال له «قنسرين» اطلع راهب من صومعته الي الرأس، فرآي نورا ساطعا يخرج من فيه، و يصعد الي السماء.فأتاهم بعشرة آلاف درهم، و أخذ الرأس و أدخله صومعته، فسمع صوتا و لم ير شخصا قال: طوبي لك! و طوبي لمن عرف حرمته!فرفع الراهب رأسه، و قال: يا رب! بحق عيسي فأمر [745] هذا الرأس بالتكلم معي.

تكلم الرأس الشريف مع النصراني

فتكلم الرأس، و قال: يا راهب! أي شي ء تريد؟قال: من أنت؟قال: أنا ابن محمد المصطفي، و أنا بن عي المرتضي، و أنا ابن فاطمة [ صفحه 358] الزهراء، و أنا المقتول بكربلاء، أنا المظلوم، أنا العطشان.فسكت فوضع الراهب وجهه علي وجهه، فقال: لا أرفع وجهي عن وجهك حتي تقول: أنا شفيعك يوم القيامة.فتكلم الرأس و قال: ارجع الي دين جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم.فقال الراهب: أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقبل له الشفاعة.فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس و الدراهم، فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة [746] .

وصولهم الي معرة النعمان

قال أبومخنف: و أتوا الي «معرة النعمان» [747] و استقبلوهم و فتحوا لهم الأبواب، و قدموا لهم الأكل و الشراب، و بقوا بقية يومهم.و رحلوا منها و نزلوا «شيزر» [748] و كان فيها شيخ كبير، فقال: يا قوم! هذا رأس الحسين عليه السلام، فتحالفوا أن لا يجوزوا في بلدهم.فلما عاينوا ذلك منهم لا يدخلوها، و ساروا الي «كفر طاب»، و كان حصنا صغيرا، فغلقوا عليهم الأبواب، فتقدم اليهم خولي لعنه الله فقال: ألستم في طاعتنا؟ فاسقونا الماء.فقالوا: لا نسقيكم قطرة واحدة، و أنتم منعتم الحسين عليه السلام و أصحابه الماء. [ صفحه 359]

السبايا و أهل سيبور

فرحلوا منه و أتوا «سيبور»، فأنشأ علي بن الحسين عليهماالسلام يقول:ساد العلوج فما ترضي بذا العرب و صار يقدم رأس الأمة الذنب يا للرجال و ما يأتي الزمان به من العجيب الذي ما مثله عجب آل الرسول علي الأقتاب عارية و آل سفيان [749] تسري تحتهم نجب قال: و كان فيهم شيخ كبير - قد شهد عثمان بن عفان - فجمع أهل «سيبور» المشائخ و الشبان فقال: يا قوم! هذا رأس الحسين بن علي عليهماالسلام قتله هؤلاء الملاعين.فقالوا: والله؛ لا يجوز في مدينتنا.فقال المشائخ: يا قوم! ان الله تعالي كره الفتنة، و قد مر هذا الرأس في جميع البلدان و لم يعارضه أحد، فدعوه يجوز في بلدكم.فقال الشبان: [والله؛] لا كان ذلك أبدا، ثم عمدوا الي القنطرة فقطعوها، فخرجوا عليهم شاكين في السلاح.فقال لهم خولي لعنه الله: اليكم عنا، فحملوا عليه و أصحابه، فقاتلوهم قتالا شديدا، فقتلوا من أصحاب خولي لعنه الله ستمائة فارس، و قتل من الشبان خمس فوارس.فقالت أم لثوم سلام الله عليها: ما يقال لهذه المدينة؟فقالوا: «سيبور». [ صفحه 360] فقالت: أعذب الله

شرابهم، و أرخص [الله] أسعارهم، و رفع أيدي الظلمة عنهم.قال أبومخنف: فلو أن الدنيا مملوءة ظلما و جورا، لما نالهم الا قسطا و عدلا.

السبايا و أهل حماة

ثم ساروا حتي و صلوا «حماة» [750] فغلقوا الأبواب في وجوههم، و ركبوا السور [751] ، و قالوا: والله؛ لا تدخلون بلدنا هذا و لو قتلنا عن آخرنا.

وصولهم الي حمص

فلما سمعوا ذلك ارتحلوا و ساروا الي «حمص» و كتبوا الي صاحبها: أن معنا رأس الحسين.و كان أميرها خالد بن النشيط، فلما قرأ الكتاب أمر بالأعلام فنشرت، و المدينة فزينت، و تداعي الناس من كل جانب [و مكان].و خرج فتلقاهم علي حد مسير ثلاثة أميال، و أشهروا الرأس، و ساروا حتي أتوا «حمص» فدخلوا الباب، فازد حمت الناس بالباب، فرموهم بالحجارة حتي قتل بالباب ستة و عشرون فارسا، و أغلقوا الباب في وجوههم فقالوا: يا قوم! أكفر بعد ايمان؟ أم ضلال بعد هدي؟ [ صفحه 361] فخرجوا و وقفوا عند كنيسة قسيس و هي دار لخالد بن النشيط، فتحالفوا أن يقتلوا خوليا لعنه الله، و يأخذوا منه الرأس ليكون فخرا لهم الي يوم القيامة.

وصولهم الي بعلبك

فبلغهم ذلك؛ فرحلوا عنهم خائفين، و أتوا «بعلبك» و كتبوا الي صاحبها أن معنا رأس الحسين، فأمر بالجوار و بأيديهم [752] الدفوف، و نشرت الأعلام، و ضربت البوقات، و أخذوا الخلوق و السكر و السويق، و باتوا ثملين.فقالت أم كلثوم عليهاالسلام: ما يقال لهذا البلد؟فقالوا: بعلبك.فقالت: أباد الله تعالي خضراتهم، و لا أعذب الله شرابهم، و لا رفع أيدي الظلمة عنهم.قال أبومخنف: فلو أن الدنيا مملوءة عدلا و قسطا، لما نالهم الا ظلما و جورا.

السبايا عند صومعة راهب

و باتوا تلك الليلة، و رحلوا منه و أدركهم المساء عند صومعة راهب، فأنشأ علي بن الحسين عليهماالسلام يقول:هو الزمان فما تفني عجائبه عن الكرام و لا تهدي مصائبه فليت شعري الي كم ذا تجاذبنا صروفه و الي كم ذا نجاذبه [ صفحه 362] يسيرونا علي الأقتاب عارية و سائق العيس [753] يحمي [754] عنه عازبه [755] .كأننا من أساري الروم بينهم أو كلما قال المختار كاذبه كفرتم برسول الله ويلكم! يا أمة السوء قد ضاقت مذاهبه [756] .قال: فلما جن عليهم الليل رفعوا الرأس علي قناة طويلة الي جانب الصومعة، فلما عسعس الليل سمع الراهب للرأس دويا كدوي الرعد و تسبيحا و تقديسا، و استأنس أنوارا ساطعة، فأطلع الراهب رأسه من الصومعة، فنظر الي الرأس و اذا هو يسطع نورا بعنان السماء [757] و نظر كتائب الي باب قد فتح من السماء و الملائكة ينزلون كتائب كتائب و يقولون: السلام عليك يابن رسول الله، السلام عليك يا أباعبدالله.فجزع الراهب جزعا شديدا.فلا أصبحوا هموا بالرحيل فأشرف الراهب عليهم، و نادي: من زعيم القوم؟فقالوا: خولي بن يزيد الأصبحي.فقال الراهب له: و ما الذي معكم؟فقالوا: رأس خارجي خرج بأرض العراق، قتله عبيدالله بن زياد لعنه

الله.فقال: ما اسمه؟ [ صفحه 363] فقالوا: اسمه الحسين بن علي بن أبي طالب، و أمه فاطمة الزهراء، و جده محمد المصطفي، صلي الله عليه و عليهم أجمعين.فقال الراهب: تبا لكم و ترحا! [758] و لما جئتم به في طاعته، فقد صدقت الأخبار في قولها: انه اذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دما عبيطا، و لا يكون هذا الا في قتل نبي أو وصي نبي.ثم قال: أريد أن تدفعوا الي هذا الرأس ساعة واحدة و أرده عليكم.فقال خولي لعنه الله: ما كنت بالذي أكشفه الا عند يزيد بن معاوية، [و] آخذ [منه] الجائزة.فقال الراهب: و كم جائزتك؟فقال: بدرة فيها عشرة آلاف درهم.فقال الراهب: أنا أعطيك البدرة.فقال: أحضر ما ذكرت.

الرأس الشريف عند الراهب

فأحضر الراهب الدراهم، و دفعها اليهم، فدفعوا الي الراهب الرأس و هو علي القناة.[فأخذه الراهب] و جعل يقبله و يبكي و يقول: يعز والله؛ علي يا أباعبدالله! أن لا أواسيك بنفسي، و لكن يا أباعبدالله؛ اذا لقيت جدك محمدا المصطفي فاشهد لي أني اشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمد رسول الله، و أشهد أن عليا ولي الله. [ صفحه 364] و دفع الرأس اليهم، فجعلوا يقسمون الدراهم و اذا هي بأيديهم خزف مكتوب عليها: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [759] .فقال خولي لعنه الله لأصحابه: اكتموا هذا الخبر، يا ويلكم عن الخزي بين الناس!

هاتف من الجن ينشد هذه الأبيات

قال سهل: فهتف هاتف ينشد بهذه الأبيات يقول:أترجوا أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب و قد غضبوا الاله و خالفوه و لم يخشوه من يوم المآب ألا لعن الاله بني زياد و أسكنهم جهنم في العذاب قال: فلما سمعوا ذلك، دهشت عقولهم، و جدوا في السير [760] .و في «المنتخب»: فسمعوا هاتفا يقول:والله؛ ما جئتكم حتي بصرت به بالطف منعفر الخدين منحوراو حوله فتية تدمي نحورهم مثل المصابيح يغشون الدجي نوراكان الحسين سراجا يستضاء به الله يعلم أني لم أقل زورافقالت ام كلثوم عليهاالسلام: من أنت يرحمك الله؟قال: أنا ملك من الجن، أتيت أنا و قومي لننصر الحسين عليه السلام فصادفناه و قد قتل. [ صفحه 365] قال: فلما سمعوا بذلك رعبت [761] قلوبهم، و قالوا: انا علمنا أننا من أهل النار بلا شك [762] .و في بعض الكتب القديمة: قد روي مرسلا عن بعض الثقات، عن أبي سعيد الشامي قال:كنت يوما مع الكفرة اللئام الذين حملوا الرؤوس و السبايا الي دمشق، فلما و صلوا الي دير

النصاري، وقع بينهم أن نصر الخزاعي قد جمع عسكرا، و يريد أن يهجم عليهم نصف الليل، و يقيل الأبطال، و يجدل الشجعان، و يأخذ الرأس و السبايا.فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم: الي الدير و نجعله كهفا لنا، لأن الدير كان محكما لا يقدر أن يتسلط عليه العدو.فوقف الشمر لعنه الله و أصحابه علي باب الدير [و صاح بأعلي صوته: يا أهل الدير].فجاء القسيس الأكبر: فلما رآي العسكر، قال لهم: من أنتم؟ و ما تريدون.فقال الشمر لعنه الله: نحن من عسكر عبيدالله بن زياد، و نحن سائرون [من العراق] الي الشام.قال القسيس: لأي غرض؟قال: كان شخص في العراق قد تباغي، و خرج الي يزيد بن معاوية، و جمع [ صفحه 366] العساكر فبعث [763] عسكرا عظيما، فقتلوهم، و هذه رؤوسهم، و هذه النسوة [سباياهم].قال: فلما نظر القسيس الي رأس الحسين عليه السلام، و اذا بالنور ساطع منه، الي عنان السماء، فوقع في قلبه هيبة منه.فقال القسيس: ديرنا ما يسعكم، بل أدخلوا الرؤوس و السبايا الي الدير، و حيطوا بادير من خارج.فاستحسنوا كلام القسيس، و قالوا: هذا هو الرأي، فحطوا رأس الحسين عليه السلام في صندوق وقفلوه، و أدخلوا الي [داخل] الدير هو و النساء و زين العابدين عليه السلام، و جعلوهم [764] في مكان يليق بهم.قال: ثم ان صاحب الدير أراد أن يري الرأس الشريف، و جعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق، و كان له روزنة، فحط رأسه فيها، فرآي البيت يشرق نورا، و رآي أن سقف البيت قد انشق، و نزل من السماء تخت عظيم [و النور يسطع من جوانبه].و اذا بأمرأة أحسن من الحور، جالسة علي التخت، و اذا بشخص يصيح: أطرقوا و لا تنظروا.و اذا

قد خرج من ذلك البيت نساء، و اذا هن حوا و صفية و ام اسماعيل، و راجيل [765] و ام يوسف، و ام موسي، و آسية و مريم، و نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم.قال: فأخرجن الرأس من الصندوق، و كل من تلك النساء واحدة بعد [ صفحه 367] واحدة، يقبلن الرأس الشريف، فلما وقعت النوبة لمولاتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام غشي عليها، و غشي علي [بصر] صاحب الدير، و عادلا ينظر بالعين، بل يسمع الكلام، و اذا بفاطمة [766] تقول:السلام عليك يا قتيل الأم، السلام عليك يا مظلوم الأم، السلام عليك يا شهيد الأم، لا يتداخلك هم و لا غم، و ان الله سيفرج عني و عنك [و يأخذلي بثأرك] يا بني! من ذا الذي سبي حريمك؟يا بني! من ذا الذي أيتم أطفالك؟ثم انها بكت بكاء شديدا، فلما سمع الديراني ذلك، اندهش و وقع مغشيا عليه، فلما أفاق نزل الي البيت، و كسر الصندوق، و استخرج الرأس الشريف و غسله و حنطه بالكافور و المسك و الزعفران و وضعه في قبلته و هو يبكي و يقول:يا رأس من رؤوس بني آدم! و يا كريم، و يا عظيم جميع من في العالم! أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة و الانجيل، و أنت الذي أعطاك فضل التأويل، لأن خواتين سادات بني آدم في الدنيا و الآخرة يبكون عليك و يندبونك، أما أريد أن أعرفك باسمك و نعتك؟فنطق الرأس بقدرة الله تعالي و قال:أنا المظلوم، أنا المهموم، أنا المغموم، أنا الذي بسيف العدوان و الظلم قتلت، أنا الذي بحرب أهل البغي ظلمت، أنا الذين علي غير جرم نهبت، أنا الذي من الماء منعت، أنا الذي عن الأهل و

الأوطان بعدت. [ صفحه 368] فقال صاحب الدير: بالله عليك أيها الرأس! زدني.فقال [الرأس]: ان كنت تسأل عن حسبي و نسبي، فأنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبري، أنا ابن العروة الوثقي.أنا شهيد كربلاء، أنا قتيل كربلاء، أنا مظلوم كربلاء، أنا عطشان [كربلاء]، أنا ظمئان كربلاء، أنا غريب كربلاء، أنا وحيد كربلاء، أنا سليب كربلاء، أنا الذي خذلوني الكفرة بأرض كربلاء.

رأس الامام الحسين و اسلام النصاري

قال: فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسين عليه السلام ذلك جمع تلامذته [و مريديه] و حكي لهم الحكاية - و كانوا سبعين رجلا - فضجوا بالبكاء و العويل، و رموا العمائم عن رؤوسهم، و شقوا أزياقهم.و جاؤوا الي سيدنا زين العابدين عليه السلام، و قد قطعوا الزنار [767] و كسروا الناقوس، و اجتنبوا فعل اليهود و النصاري، و أسلموا علي يديه، و قالوا: يابن رسول الله! مرنا أن نخرج الي هؤلاء الكفار و نقاتلهم، و نجلي صداء قلوبنا بهم، و نأخذ بثار سيدنا و مولانا الحسين عليه السلام.فقال لهم الامام عليه السلام: لا تفعلوا ذلك، فانهم عن قريب ينتقم الله منهم، و يأخذهم عزيز مقتدر [768] . [ صفحه 369]

وصولهم الي قرب دمشق

و في «المنتخب» قال: ثم ساروا الي أن قربوا من دمشق، و اذا بهاتف يقول:رأس ابن بنت محمد و وصيه يا للرجل علي قناة يرفع و المسلمون بمنظر و بمسمع [769] لا جازع منهم [770] و لا متوجع كحلت بمنظرنا الجفون عماءها و أصم رزءك كل أذن تسمع ما روضة الا تمنت أنها لك تربة و لحظ جنبك مضجع منعوا زلال الماء آل محمد و غدت ذئاب البر فيه تكرع عين علاها الكحل فيه تفرقت و يد تصافح في البرية تقطع [771] .قال السيد رحمه الله: فلما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم عليهاالسلام من شمر لعنه الله - و كان في جملتهم - فقالت له: لي اليك حاجة.فقال: ما حاجتك؟فقالت: اذا دخلت بنا البلد، فاحملنا في درب قليل النظارة، و تقدم اليهم أني خرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، و ينحونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر الينا، و نحن في هذه الحال.فأمر في جواب سؤالها: أن تجعل الرؤوس علي الرماح في أوساط

المحامل - بغيا منه و كفرا - و سلك بهم بين النظارة علي تلك الصفة، حتي أتي بهم الي دمشق. [772] . [ صفحه 370]

تذييلات

في ما وقع من الكرامات بين الكوفة و الشام

1- في «البحار» قال صاحب «المناقب» و السيد رحمه الله - و اللفظ لصاحب «المناقب» -: روي ابن لهيعة و غيره حديثا أخذنا منه موضع الحاجة قال: كنت أطوف بالبيت فاذا [أنا] برجل يقنول: اللهم اغفر لي، و ما أراك فاعلا.فقلت له: يا عبدالله! اتق الله، و لا تقل مثل هذا، فان ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار، و ورق الأشجار، و استغفرت الله غفرها لك، فانه غفور رحيم.فقال لي: تعال حتي أخبرك بقصتي، فأتيته، فقال: اعلم أننا كنا خمسين نفرا ممن سار مع رأس الحسين عليه السلام الي الشام، و كنا اذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت، و شربنا الخمر حول التابوت، فشرب أصحابي ليلة حتي سكروا، و لم أشرب معهم.فلما جن الليل سمعت رعدا، و رأيت برقا، فاذا أبواب السماء قد فتحت و نزل آدم، و نوح، و ابراهيم، و اسماعيل، و اسحاق، و نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم و معهم جبرئيل عليه السلام و خلق من الملائكة.فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمه الي نفسه و قبله، ثم كذلك فعل الأنبياء كلهم، و بكي النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي رأس الحسين عليه السلام، فعزاه الأنبياء.فقال له جبرئيل: يا محمد! ان الله تعالي أمرني أن أطيعك في أمتك، فان أمرتني زلزلت بهم الأرض، و جعلت عاليها سافلها، كما فعلت بقوم لوط.فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لا، يا جبرئيل! فان لهم معي موقفا بين يدتي الله تعالي يوم القيامة.

[ صفحه 371] قال: ثم صلوا عليه، ثم أتي قوم من الملائكة، و قالوا: ان الله تبارك و تعالي أمرنا بقتل الخمسين.فقال لهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم: شأنكم بهم، فجعلوا يضربون بالحربات ثم قصدني واحد منهم بحربته ليضربني، فقلت: الأمان الأمان يا رسول الله!فقال: اذهب فلا غفر الله لك.فلما أصبحت رأيت أصحابي كلهم جاثمين رمادا [773] .2- قال صاحب «الأصل»: في بعض الكتب القديمة عن الشيخ المفيد رحمه الله قال: لما رحلوا بالسبايا و الرؤوس الي دمشق، و عدل بهم الطريق الي قصر بني مقاتل، و كان ذلك يوما شديد الحر، و كانت القربة التي معهم نزفت [774] و أريق مائها.فاشتد بهم العطش و أمر ابن سعد لعنه الله عدة من قومه في طلب الماء، و أمر بفسطاط فضرب علي أربعين ذراعا، فجلس هو و أصحابه.و رموا بالسبايا و الأطفال علي وجه الأرض تصهرهم الشمس، فأتت زينب عليهاالسلام الي ظل جمل هناك، و في حضنها علي بن الحسين عليهماالسلام، و قد أشرف علي الهلاك من شدة العطش، و بيدها مروحة تروحه بها من الحر و هي تقول:يعز علي أن أراك بهذا الحال يابن أخي!ثم ذهبت سكينة عليهاالسلام الي شجرة هناك و عملت لها و سادة من التراب و نامت عليها، فما كان الا قليل، و اذا القوم قد رحلوا. [ صفحه 372] قال: و كان عديلتها علي الجمل اختها فاطمة الصغري عليهاالسلام، فقالت للحادي: أين أختي سكينة؟ والله؛ لا أركب حتي تأتي بأختي.فقال لها: و أين هي؟قالت: لا أدري أين ذهبت.فصاح السائق اللعين بأعلي صوته: هلمي و اركبي مع النساء يا سكينة!فلم تنتبه من التعب، و بقيت نائمة، فلما أضر بها الحر

انتبهت و جعلت تمشي خلفهم و تصيح اخته فاطمة عليهاالسلام: ألست عديلتك في المحمل، و أنت علي الجمل، و أنا حافية؟فعطفت عليها أختها، و قالت للحادي: والله؛ لئن لم تأتني باختي لأرمين نفسي عن هذا الجمل، و أطالبك بدمي عند جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم القيامة.فقال لها: من تكون أختك؟قالت: سكينة التي كان يحبها [الحسين عليه السلام] حبا شديدا.قال: التي كان يقول فيها: [لعمرك] اني لأحب دارا تحل فيها سكينة و الرباب؟قالت له: نعم.فرق لها الحادي و أركبها مع أختها.رق لها الشامت مما بها ما حال من رق لهاالشامت [775] .3- فيه أيضا: في الكتاب السابق ذكره: نقل أنه لما و صل الرؤوس و السبي [ صفحه 373] الي «عسقلان» أمر رئيسها أن تزين البلد، و أمر أصحاب اللهو و الزهو أن يلعبوا و يضربوا الطبول و العود و عملوا اللهو، و جلسوا في القصور باللهو و الطرب.و كان في تلك البدر رجل تاجر اسمه زرير الخزاعي، و كان واقفا بالسوق، فلما رأي الناس فرحين، و كل منهم يقول للاخر: أيام مباركة عليك.قال لبعضهم: ان هذا الفرح و السرور ما سببه؟ و ما سبب تزيين الأسواق؟فقالوا له: كأنك غريب؟قال: نعم.فقالوا له: اعلم يا هذا! أنه كان في العراق جماعة مخالفون ليزيد و لم يبايعوه، فبعث اليهم عسكرا، فقتلوهم فهذه رؤوسهم، و هذا السبي لهم.فقال زرير: أهولاء كانوا كفرة أم مسلمين؟فقيل له: انهم كانوا سادات الزمان!فقال: ما كان سبب خروجهم علي يزيد؟فقالوا: ان مقدمهم كان يقول: أنا ابن رسول الله، و أنا بالخلافة أحق.فقال: من كان أبوه؟ و من كان أمه؟ و ما اسمه؟فقيل له: يا زرير! كان اسمه الحسين، و اسم

أخيه الحسن، و أمه فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفي، و أبوه علي المرتضي عليهم السلام.فلما سمع هذا الكلام اسودت في عينيه الدنيا، و ضاقت مع رحبها [عليه]، فجاء قريبا من السبي، فلما وقعت عينه علي مولاي زين العابدين عليه السلام [بكي بكاءا شديدا، و أن أنة عظيمة، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام:] مالي أراك يا هذا تبكي و جميع أهل البلد في فرح و سرور؟ [ صفحه 374] فقال زرير: يا مولاي! أنا رجل غريب، و قد وقعت اليوم في هذا البلد المشؤوم، و أنا تاجر، و قد سألت أهل البلد عن فرحهم و سرورهم، فأجابوني: باغ تباغي علي يزيد فقتله و بعث رأسه الي الشام و نساوه سبايا، فلما سألتهم عن اسمه و اسم أبيه، قالوا: الحسين بن علي بن أبي طالب، و جده محمد المصطفي عليهم السلام، فقلت: من كان أحق منه بالخلافة، فخمدوا.فقال مولاي زين العابدين عليه السلام: أري منك أيها التاجر المعرفة، و ريح المحبة، جزاك الله خيرا.فقال: يا سيدي! مرني لأخدمك.فقال عليه السلام: قل للذي هو حامل رأس أبي أن يتقدم علي النساء، و يعتزل عنهن ليتم للنساء حجابهن، و يشتغلوا بالرأس عن النظر الي النساء.فمضي زرير من وقته، و أعطي حامل الرأس خمسين مثقالا من الذهب و الفضة، و قال له: أريد أن تتقدم الي قدام و لا تكون بين النساء.فاعتزل حامل الرأس و استراحت النساء من مد النظر اليهن، و عاد الناس يتفرجون علي الرؤوس.ثم قال زرير: يا سيدي! هل لك حاجة؟فقال عليه السلام: ان كان في رحلك ثياب زائدة فأتني بها.فمضي زرير، و جاء لكل واحدة من النساء بثوب، و أتي لزين العابدين عليه السلام بعمامة.قال زرير: فبينما نحن في هذا الحال، و اذا قدم قام

زعقات و صياح في السوق، فتأملت ذلك و اذا هو الشمر لعنه الله فأخذتني الحمية. [ صفحه 375] فجئت اليه فلعنته و شتمته و مسكت بلجام فرسه، و قلت: لعنك الله تعالي يا شمر! رأس من الذي وضعته علي الرمح؟ و هؤلاء النساء [و الأطفال] الذين سلبتهم و سبيتهم أؤلاد من يكونون حتي أركبتهم الجمال بغير وطاء؟ قطع الله يديك و رجليك و أعمي قلبك و عينيك.فصاح الشمر لعنه الله في عسكره: أن اضربوه، فحاطوا به فضربوه و طعنوه، و اجتمع عليه أهل البلد و رموه بالحجارة حتي وقع مغشيا عليه، فظنوا أنه قد قتل فتركوه و مضوا.فلما كان نصف الليل قام زرير ورد روعه اليه، و عاد مرة يحبو و مرة يتمرغ علي الأرض علي ظهره و بطنه من شدة الجراح، و وصل الي مسجد سليمان النبي عليه السلام و اذا هو باناس [776] رؤوسهم مكشوفة، و أزياقهم مشقوقة، و أعينهم باكية، و قلوبهم محترقة.فقال لهم زرير: ما بالكم باكين و الناس في هذا البلد فرحون مسرورون؟فقال: أيها [القادم] علينا من فوج الخوارج! فان كنت من المحبين المؤمنين فاجلس و شاركنا في المصيبة.فقال زرير: حاشا لله أن أكون من أهل الشقاوة، و الان قد قتلت في محبة الحسين عليه السلام و أهل بيته و ما جري عليهم و علي نسائهم، و لكن الله الحافظ حفظني، و أراهم الطعن في بدنه، فاشتغلوا بالبكاء و اقامة العزاء [777] .4- روي القطب الراوندي في «الخرائج» باسناده الي سليمان بن مهران [ صفحه 376] الأعمش قال: بينما أنا في الطواف بالموسم، اذا رأيت رجلا يدعو و هو يقول: اللهم اغفر لي، و أنا أعلم أنك لا تغفر.قال: فارتعدت لذلك فدنوت

منه و قلت: يا هذا! أنت في حرم الله [778] و حرم رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، و هذه أيام حرم [779] في شهر عظيم، فلم تيأس من مغفرة الله؟قال: يا هذا! ذنبي عظيم.قلت: أعظم من جبل تهامة [780] ؟قال: نعم.قلت: يوازن الجبال الرواسي؟قال: نعم فان شئت أخبرتك.قلت: أخبرني.قال: أخرج بنا عن الحرم، فخرجنا منه فقال لي: أنا أحد من كان في عسكر المشوم [781] - عسكر عمر بن سعد لعنه الله حين قتل الحسين عليه السلام، و كنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس الي يزيد لعنه الله من الكوفة.فلما حملناه علي طريق الشام نزلن علي دير النصاري، و كان الرأس معنا مركوزا علي رمح، و معه الأحراس، فوضعنا الطعام و جلسنا لنأكل، فاذا بكف في حائط الدير تكتب: [ صفحه 377] أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب قال: فجزعنا من ذلك جزعا شديدا، و أهوي بعضنا الي الكف ليأخذها، فغابت، ثم عاد أصحابي الي الطعام، فاذا الكف قد عادت تكتب [مثل الأول]:فلا والله ليس لهم شفيع و هو يوم القيامة في العذاب فقام أصحابنا اليها: فغابت، ثم عادوا الي الطعام، فعادت تكتب:و قد قتلوا الحسين بحكم جور و خالف حكمهم حكم الكتاب فامتنعت [عن الطعام] و ما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهب من الدير، فرآي نورا ساطعا من فوق الرأس، فأشرف فرآي عسكرا.فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟قالوا: من العراق، حاربنا الحسين.فقال الراهب: ابن فاطمة بنت نبيكم؟ و ابن ابن عم نبيكم؟قالوا: نعم.قال: تبا لكم! والله؛ لو كان لعيسي بن مريم ابن لحملناه علي أحداقنا، و لكن لي اليكم حاجة.قالوا: و ما هي؟قال: قولوا لرئيسكم: [عندي] عشرة آلاف درهم [782] ورثتها من

آبائي، يأخذها مني و يعطيني هذا الرأس، يكون عندي الي وقت الرحيل، فاذا رحل رددته اليه.فأخبروا عمر بن سعد لعنه الله بذلك، فقال: خذوا منه الدنانير، و اعطوه الي [ صفحه 378] وقت الرحيل.أفجاؤوا الي الراهب فقالوا: هات المال حتي نعطيك الرأس.فأدلي اليهم جرابين في كل جراب خمس آلاف درهم [783] فدعي عمر لعنه الله بالناقد و الوزان، فانتقدها و وزنها، و دفعها الي خازن له، و أمر أن يعطي الرأس.فأخذ الراهب الرأس، فغسله و نظفه، وحشاه بمسك و كافور كان عنده، ثم جعله في حريرة، و وضعه في حجره، و لم يزل ينوح و يبكي حتي نادوه و طلبوا منه الرأس فقال: يا رأس! والله؛ لا أملك الا نفسي، فاذا كان غدا فاشهد لي عند جدك محمد صلي الله عليه و آله و سلم أني أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا عبده و رسوله، أسلمت علي يديك، و أنا مولاك.و قال لهم: اني أحتاج أن اكلم رئيسكم بكلمة، و أعطيه الرأس.فدعا عمر بن سعد لعنه الله فقال: سألتك بالله تعالي، و بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم أن لا تعود الي ما كنت تفعله بهذا الرأس، و لا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق.فقال له: أفعل، فأعطاه الرأس، و نزل من الدير يلحق ببعض الجبال يعبد الله تعالي.و مضي عمر بن سعد لعنه الله ففعل بالرأس مثل ما كاني يفعل في الأول.فلما دنا من دمشق، قال لأصحابه: انزلوا، و طلب من خادمه [784] الجرابين، فأحضرت بين يديه، فنظر الي خاتمه، ثم أمر أن يفتح، فاذا الدنانير قد تحولت خزفة، فنظر الي سكتها [785] فاذا علي جانبها مكتوب: (لاع

تحسبن الله غافلا عما [ صفحه 379] يعمل الظالمون) [786] و علي الجانب الاخر مكتوب: (و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [787] .فقال: انا لله و انا اليه راجعون، خسرت الدنيا و الاخرة.ثم قال لغلمانه: اطرحوها في النهر، فطرحت.و دخل الي دمشق من الغد... الي قوله: و أمر يزيد لعنه الله فأدخل الرأس القبة [788] التي [بازاء المجلس الذي] يشرب فيها، و وكلنا بالرأس، و كل ذلك كان في قلبي، فلم يحملني النوم في تلك القبة، فلما دخل الليل و كلنا أيضا بالرأس.فلما مضي وهن من الليل، سمعت دويا من السماء، فاذا مناد ينادي: يا آدم! اهبط، فهبط أبوالبشر و معه [خلق] كثير من الملائكة.ثم سمعت مناديا ينادي: يا ابراهيم! اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة.ثم سمعت مناديا ينادي: يا موسي! اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة.ثم سمعت مناديا ينادي: يا عيسي! اهبط، فهبط و معه كثير من الملائكة.ثم سمعت دويا عظيما و مناديا ينادي: يا محمد! اهبط، فهبط و معه خلق كثير، فأحدق الملائكة بالقبة، ثم ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم دخل القبة و أخذ الرأس منها.قال: و في رواية: أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم قعد تحت الرأس. فانحني الرمح، و وقع الرأس في حجره، فأخذه و جاء به الي آدم عليه السلام فقال: يا أبي [يا آدم]! ما تري ما فعلت أمتي بولدي من بعدي؟فاقشعر لذلك جلدي، ثم قال جبرئيل: يا محمد! أن صاحب الزلازل، [ صفحه 380] فأمرني لأزلزل بهم الأرض، و أصيح بهم صيحة واحدة يهلكون منها.فقال: لا.قال: يا محمد! دعني و هؤلاء الأربعين الموكلين بالرأس.قال: فدونك، فجعل ينفخ بواحد واحد

[فيهلك]، فدني مني، فقال: [أ] تسمع و تري؟فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: دعوه، دعوه، لا يغفر الله له، فتركني و أخذوا الرأس و ولوا.فافتقد الرأس من تلك الليلة، فما عرف له خبر.و لحق عمر بن سعد لعنه الله بالري فما لحق بسلطانه، و محق الله عمره، فأهلك بالطريق.فقال سليمان الأعمش: قلت للرجل: تنح عني، لا تحرقني بذلك [789] .و وليت و لا أدري بعد ذلك ما كان من خبره [790] . [ صفحه 383]

ورودهم سلام الله عليهم الي الشام

السبايا و الرؤوس في أسواق الشام

اعلم أن ما ذكر أبومخنف في هذا المقام هو قوله: وجدوا في السير حتي دخلوا دمشق، فرأيت الأسواق معطلة و الناس كأنهم سكاري، فأقبل رجل الي يزيد بن معاوية و قال له: أقر الله عينيك أيها الخليفة!فقال: بماذا؟فقال: برأس الحسين.فقال يزيد لعنه الله [791] : لا أقر الله تعالي عينيك، ثم أمر بحبسه، و أمر بمائة و عشرين راية، و أمرهم أن يستقبلوا رأس الحسين عليه السلام، فأقبلت الرايات و من تحتها التكبير و التهليل، و اذا بهاتف ينشد و يقول:جاؤوا برأسك يابن بنت محمد! مترملا بدمائه ترميلالا يوم أعظم حسرة من يومه واراه رهنا للمنون قتيلافكأنما بك يابن بنت محمد! قتلوا جهارا عامدين رسولاو يكبرون بأن قتلت و انما قتلوا بك التكبير و التهليلاقال سهل: و دخل الناس من باب الخيزران، فدخلت في جملتهم، و اذا قد [ صفحه 384] أقبل ثمانية عشر رأسا و اذا بالسبايا علي المطايا من غير وطاء [792] و رأس الحسين عليه السلام بيد الشمر لعنه الله و هو يقول:أنا صاحب الرمح الطويل أنا قاتل الدين [793] الأصيل أنا قتلت ابن سيد الوصيين و أتيت برأسه الي يزيد أميرالمؤمنين فقالت له ام كلثوم عليهاالسلام: كذبت

يا لعين ابن اللعين! ألا لعنة الله علي القوم الظالمين، يا ويلك! تفتخر عند يزيد الملعون ابن المعلون بقتل من ناغاه جبرئيل و ميكائيل، و من اسمه مكتوب علي سرادق عرش رب العالمين، و من ختم الله تعالي بجده المرسلين، و قمع بأبيه المشركين، فمن أين مثل جدي محمد المصطفي، و أبي علي المرتضي، و أمي فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم.فأقبل عليها خولي لعنه الله فقال لها: تأبين الشجاعة، و أنت بنت الشجاع.[قال:] و أقبل من بعده رأس الحر بن يزيد الرياحي لعنه الله: و أقبل من بعده رأس العباس عليه السلام يحمله قشعم الجعفي، و أقبل من بعد رأس عون يحمله سنان بن أنس النخعي لعنه الله، و أقبلت الرؤوس علي أثرهم.قال سهل: فأقبلت جارية علي بعير مهزول بغير [غطاء و لا] وطاء و علي وجهها برقع خز أدكن، و هي تنادي:وا محمداه! وا جداه! وا علياه! [وا أبتاه!] وا حسناه! وا حسيناه! وا عقيلاه! وا عباساه! وا بعد سفراه! وا سوء صباحاه!قال سهل: فأقبلت اليها فصاحت علي، فوقعت مغشيا علي، فلما أفقت [ صفحه 385] من غشوتي دنوت منها، و قلت لها: يا سيدتي! لم تصيحين علي؟فقالت: أما تستحيي من الله تعالي و رسوله أن تنظر الي حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فقلت: والله؛ ما نظرت اليكم بريبة.فقالت لي: من أنت؟

اهل البيت و اهل الشام

فقلت: أنا سهل بن سعيد الشهرزوري، و أنا من مواليكم و محبيكم.ثم أقبلت علي علي بن الحسين عليه السلام و قلت: يا مولاي! هل لك حاجة؟فقال لي: هل لك من الدراهم شي ء؟فقلت: ألف دينار و ألف ورقة.فقال عليه السلام: خذ منها شيئا و ادفعه الي حامل الرأس، و أمره أن يبعده

عن النساء حتي يشتغل الناس بالنظر اليه عن النساء.قال سهل: ففعلت ذلك، و رجعت اليه، و قلت: يا مولاي! فعلت الذي أمرتني به.فقال لي: حشرك معنا يوم القيامة، ثم ان علي بن السحين عليه السلام أنشأ يقول:أقاد ذليلا في دمشق كأنني من الزنج عبد غاب عنه نصيرو جدي رسول الله في كل مشهد و شيخي أميرالمؤمنين أمير [ صفحه 386] فياليت لم أدخل دمشق و لم يكن يراني يزيد في البلاد أسير [794] .قال سهل: و رأيت روشنا عاليا، فيه خمس نسوة و معهن عجوز محدودبة الظهر، فلما صارت بازاء رأس الحسين عليه السلام و ثبت العجوز لعنه الله و أخذت حجرا و ضربت به ثنايا الحسين عليه السلام، فلما رأيت ذلك من هذه الملعونة قلت: اللهم أهلكها و أهلكهن معها بحق محمد و آله أجمعين.قال: فما استتم كلامي الا و سقط الروشن و هلكت الملعونة، و هلكن معها، انتهي [795] .و في رواية اخري: فلما و صلوا الي ذلك الروشن و جدوا فيه عجوزا ملعونة يقال لها: ام هجام، و معها جواريها، فلما رأت رأس الحسين عليه السلام و هو علي قناة طويلة و شيبته مخضوبة بالدماء قالت: ما هذا الرأس المتقدم؟ و ما هذه الرؤوس التي خلفه؟فقالوا لها: هذا رأس الحسين بن علي عليهماالسلام، و هذه رؤوس أصحابه.ففرحت فرحا عظيما، و قالت لجواريها: ناولوني حجرا لأضرب رأس الحسين، فان أباه أباه قتل أبي و بعلي.فناولها بعض الجواري حجرا، فضربت به وجه الحسين عليه السلام، فأدمته و سال الدم علي شبيته.فالتفتت اليه ام كلثوم عليهاالسلام فرأت الدم سائلا علي وجهه و شيبته، فلطمت وجهها و شقت أزيانها، و نادت: وا غوثاه! وا مصيبتاه! وا محمداه! وا علياه! وا حسناه! وا

حسيناه! [ صفحه 387] ثم غشي عليها، فلما أفاقت قالت: من فعل هذا الفعل بأخي و نور عيني؟فقيل لها: هذه العجوز.فقالت: اللهم اهجم عليها قصرها، و احرقها بنار الدنيا قبل نار الاخرة.قال: فوالله ما استتم كلامها الا و سقط عليها قصرها، و أضرمت النار فيه، فماتوا و احترقوا من ساعتهم، لا رحمهم الله.في كتاب «الاقبال»: رأيت في كتاب «المصابيح» باسناده الي جعفر بن محمد عليه السلام قال: قال لي أبي محمد بن علي عليهماالسلام: سألت أبي علي بن الحسين عليهماالسلام عن حمل يزيد لعنه الله له؟فقال: حملني علي بعير يطلع بغير وطاء، و رأس الحسين عليه السلام علي علم، و نسوتنا خلفني علي بغال واكفة، و الفارطة [796] خلفنا و حولنا بالرماح، ان دمعت من أحدنا عين قرع رأسه بالرمح، حتي اذا دخلنا دمشق صاح صائح: يا أهل الشام! هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون [797] .و في «أمالي الصدوق»: و قالوا: فلما دخلنا دمشق أدخل بالنساء، و السبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟فقالت سكينة بنت الحسين عليهماالسلام: نحن سبايا آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم. [ صفحه 388] و أقيموا علي درج باب المسجد حيث تقام السبايا، و فيهم علي بن الحسين عليهماالسلام و هو يومئذ فتي شاب [798] .

مكالمة الامام السجاد مع شيخ من أهل الشام

و قال السيد رحمه الله: فجاء شيخ، فدنا من نساء الحسين عليه السلام و عياله و هم في ذلك الموضع، فقال: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم، و أراح البلاد من رجالكم، و أمكن أميرالمؤمنين منكم!!!فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام: [يا شيخ!] هل قرأت القرآن؟قال: نعم.قال: فهل عرفت هذه الاية: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا

المودة في القربي) [799] ؟فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.فقال علي بن الحسين عليه السلام: فنحن القربي يا شيخ! فهل قرأت في بني اسرائيل: (و آت ذاالقربي حقه) [800] ؟فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: فنحن القربي يا شيخ!فهل قرأت هذه الاية: (و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فان لله خمسه [ صفحه 389] و للرسول ولذي القربي) [801] ؟قال الشيخ: نعم.فقال له علي عليه السلام: فنحن القربي يا شيخ! و لكن هل قرأت هذه الاية: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [802] ؟قال الشيخ: قد قرأت ذلك.فقال عليه السلام: فنحن أهل البيت الذين خصنا الله تعالي بآية الطهارة يا شيخ!قال: فبقي [الشيخ ساكتا] نادما علي ما تكلم به، و قال: بالله؛ انكم هم؟فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: تا لله؛ لنحن هم [من غير شك، و حق جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انا لنحن هم].فبكي الشيخ ورمي عمامته، ثم رفع رأسه الي السماء و قال: اللهم اني أبرء اليك من عدو آل محمد عليهم السلام من الجن و الأنس.ثم قال: هل لي من توبة؟فقال له: نعم؛ ان تبت تاب الله عليك و أنت معنا.فقال: أنا تائب.فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقتل [803] ، انتهي.و في «أمالي الصدوق رحمه الله»: هذه الرواية، و لكن لم يذكر فيه قتل الشيخ.و فيه: ثم قال الشيخ: اللهم اني أتوب اليك - ثلاث مرات - اللهم اني أبرء اليك من عدو آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد عليهم السلام، قرأت القرآن فما شعرت [ صفحه 390] بهذا قبل اليوم [804] .

رأس الحسين و قراءته سورة الكهف في الشام

و في «الخرائج»: عن المنهال بن عمرو فقال:

أنا والله؛ رأيت رأس الحسين عليه السلام حين حمل و أنا بدمشق وبين يديه رجل يقرء الكهف حتي بلغ قوله: (أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجبا) [805] .فأنطلق الله تعالي الرأس بلسان ذرب ذلق فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي و حملي [806] .

استبشار بني امية بقتل الحسين و سبي أهله

ذكر الشيخ فخرالدين طريح النجفي في «المنتخب» قال:فلما وردوا الي دمشق جاء البريد الي يزيد لعنه الله و هو معصب الرأس و يداه و رجلاه في طشت من ماء حار، و بين يده طبيب يعالجه و عنده جماعة من بني امية يجادثونه، فحين رآه قال له: أقر الله عينيك بورود رأس الحسين.فنظره شزرا و قال له: لا أقر الله تعالي عينيك.ثم قال للطبيب: أسرع و اعمل ما تريد أن تعمل.قال: فخرج الطبيب عنه، و قد أصلح جميع ما أراد أن يصلحه، ثم انه أخذ كتابا بعثه اليه ابن زياد لعنه الله، فلما انتهي الي آخره عض علي أنامله حتي كاد أن [ صفحه 391] يقطعها، ثم قال: انا لله و انا اليه راجعون، و دفعه الي من كان حاضرا، فلما قرؤه قال بعضهم لبعض: هذا ما كسبت أيديكم [807] .و قال المفيد رحمه الله: روي عبدالله بن ربيعة الحميري قال: اني لعند يزيد بن معاوية لعنه الله بدمشق اذ أقبل زحر بن قيس حتي دخل عليه، فقال له يزيد: ويلك! ما ورائك؟ و ما عندك؟قال: أبشر يا أميرالمؤمنين! بفتح الله و نصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر رجلا من أهل بيته و ستين من شيعته، فسرنا اليهم فسألناهم أن يستسلموا و ينزلوا علي حكم الأمير عبيدالله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال علي الاستسلام، فغدونا عليهم

مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتي اذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون الي غير وزر [808] و يلوذون منا بالاكام [809] و الحفر لواذا، كما لاذ الحمام من الصقر.فوالله؛ يا أميرالمؤمنين! فما كان الا جزر جزور أو نومة قائل، حتي أتينا علي آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، و ثيابهم مرملة، و خدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، و تسفي عليهم الرياح، زوارهم العقبان [810] و الرخم [811] .فأطرق يزيد هنيئة [812] ، ثم رفع رأسه و قال: قد كنت أرضي من طاعتكم [ صفحه 392] بدون قتل الحسين، أما لو أني صاحبه لعفوت عنه [813] !!

الرأس الشريف في باب الساعات

قال أبومخنف: و أقبلوا بالرأس الشريف الي باب الساعات، و أوقفوا هناك ثلاث ساعات، ثم أتوا به الي يزيد لعنه الله و كان مروان بن الحكم لعنه الله جالسا الي جنبه، فسألهم كيف فعلتم به؟فقالوا: جاءنا في ثمانية عشر من أهل بيته و نيف [814] و خمسين من أنصاره، فقتلناهم عن آخرهم و هذه رؤوسهم، و السبايا علي المطايا.فجعل مروان بن الحكم لعنه الله يهز أعطافه و أنشأ يقول:يا حبذا بردك في اليدين ولونك الأحمر في الخدين شفيت نفسي من دم الحسين أخذت ثاري و قضيت ديني

وضع يزيد رأس الحسين بين يديه

قال سهل: فدخلت فيمن دخل لأنظر مايصنع يزيد لعنه الله [بهم] فأمر بحط الرأس عن الرمح و أن يوضع في طشت ذهب، و يغطي بمنديل ديبقي، و يدخل به عليه، ففعل ذلك، فلما وضع بين يديه سمع غرابا ينعق فأنشأ يزيد لعنه الله يقول:يا غراب البين! ما شئت فقل انما تندب أمرا قد فعل كل ملك و نعيم زائل و بنات الدهر يلعبن بكل [ صفحه 393] ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا و استهلوا فرحا ثم قالوا! يا يزيد! لا تشل لست من خندف ان لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل قد أخذنا من علي ثارنا و قتلنا الفارس الليث البطل و قتلنا القرم من ساداتهم و عدلناهم ببدر فاعتدل [815] .قال ابن نما: و نقلت من تاريخ دمشق عن ربيعة عمر الجرشي [816] قال: أنا عند يزيد اذ سمعت صوت مخفر يقول: هذا مخفر بن ثعلبة أتي أميرالمؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه يزيد لعنه الله: ما ولت أم مخفر [أ] شر و ألأم [817] .و في رواية المفيد رحمه الله:

فأجابه علي بن الحسين عليه السلام: ما ولدت أم مخفر أشر و ألأم [818] .

مكالمة يزيد مع زوجته

قال أبومخنف بعد نقل كلام من قص ليزيد لعنه الله قضايا يوم الطف و أخبره بها،و نقل كلام يزيد لعنه الله: كنت أرضي من طاعتكم بدون قتل الحسين، قال: فسمعته بنت عبدالله زوجة يزدي لعنه الله و كان يزيد مشعوفا بها - قال: فدع برداء [ صفحه 394] و تردت بها، و وقفت من وراء الستر، و قالت ليزيد: هل عندك من أحد؟قال: أجل، فأمر من كان عنده بالانصراف، و قال: أدخلي، فدخلت.قال: فنظرت الي رأس الحسين عليه السلام فصرخت، و قالت: ما هذا الذي معك؟فقال: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام.قال: فبكت و قالت: يعز والله علي فاطمة عليهاالسلام أن تري رأس ولدها بين يديك، و انك يا يزيد! لقد فعلت فعلا استوجبت به اللعن من الله و رسوله، والله؛ ما أنا لك بزوجة و لا أنت لي ببعل.فقال لها: ما أنت و فاطمة.فقالت: بأبيها و بعلها و بنيها هدانا الله و ألبسنا هذا القميص، ويلك يا يزيد! بأي وجه تلقي الله و رسوله.فقال لها: يا هند! دعي هذا الكلام فما اخترت من قتله، فخرجت باكية.

دخول شمر مجلس يزيد

و دخل عليه المشر لعنه الله تعالي و جعل يقول:املأ ركابي فضة أو ذهبا اني قتلت السيد المهذباقتلت خير الناس أما و أبا و أكرم الناس جميعا حسباسيد أهل الحرمين و الوري و من علي الخلق معا منتصباطعنته بالرمح حتي انقلبا ضربته بالسيف كانت عجباقال: فنظر اليه يزيد شزرا، و قال له: اذا علمت أنه خير الناس أما و أبا فلم قتلته؟ أملأ الله ركابك نارا و حطبا. [ صفحه 395] قال: أطلب بذلك الجائزة من عندك، فلكزه يزيد لعنه الله بذباب سيفه، و قال: لا جائزة لك

عندي، فولي هاربا.قال المفيد رحمه الله: و لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد لعنه الله و فيها رأس الحسين عليه السلام قال يزيد لعنه الله:نفلق هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعق و أظلمافقال يحيي بن الحكم - أخو مروان بن الحكم - و كان جالسا مع يزيد:لهام بأني الطف أدني قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل [819] .سمية أمسي نسلها عدد الحصي و بنت رسول الله ليس لها نسل فضرب يزيد لعنه الله في صدر يحيي بن الحكم يده و قال: أسكت [820] .

يزيد ينكت ثنايا الحسين و يتمثل بأبيات

قال أبومخنف: فجعل يزيد لعنه الله ينكت [821] ثنايا الحسين عليه السلام و هو ينشد بهذه الأبيات و يقول:نفلق هاما من رجال أعزة علينا و هم كانوا أعف و أصبراو أكرم عند الله منا محلة و أفضل في كل الامور و أفخراعدونا و ما العدوان الا ضلالة عليهم و من يعدوا علي الحق يخسرافان تعدلوا فالعدل ألقاه آخرا اذا ضمنا يوم القيامة محشرا [ صفحه 396] و لكننا فزنا بملك معجل و ان كان في العقبي نار تشعرا [822] .و في بعض نسخ كتاب أبي مخنف ذكر هذه الأبيات، و هي قوله:يا حسنه يلمع باليدين يلمع في طشت من اللجين كأنما حف بوردتين كيف رأيت الضرب يا حسين شفيت قلبي من دم الحسين أخذت ثاري و قضيت ديني يا ليت من شاهد في حنين يرون فعلي اليوم بالحسين و لم يزل يفتخر في فرح و سرور و شرب خمر.و في «البحار» عن المفيد رحمه الله: ثم أقبل يزيد لعنه الله علي أهل مجلسه فقال: ان هذا كان يفخر علي و يقول: أبي خير من أب يزيد، و أمي خير من أمه، و جدي خير من

جده، و أنا خير منه، فهذا الذي قتله.فأما قوله بأن أبي خير من أب يزيد فلقد حاج أبي أباه، فقضي الله لأبي علي أبيه.و أما قوله بأن امي خير من أم يزيد فلعمري لقد صدق، ان فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خير من امي.و أما قوله: جدي خير من جده؛ فليس لأحد يؤمن بالله و اليوم الاخر يقول بأنه خير من محمد صلي الله عليه و آله و سلم.و أما قوله بأنه خير مني، فلعله لم يقرء هذه الاية: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء) [823] [824] . [ صفحه 397] و في «التبر المذاب»: ذكر عين القضاة أبوالقاسم علي بن محمد السماني في تاريخه قال: لما وضع رأس الحسين بن علي عليه السلام بين يزيد لعنه الله فكان بيده قضيب فكشف عن شفتيه و ثناياه و نكتهما بالقضيب، و تمثل بالأبيات المشهورة: ليت أشياخي ببدر شهدوا.فرآي تغير وجوه أهل الشام مما شاهدوا منه، و ثقل عليهم ما جري علي أهل البيت عليهم السلام خاف مما شاهد من الناس عند ذلك، فقال: أتدرون من أين دهي أبوعبدالله عليه السلام؟فقالوا: لا.قال: انما دهي من حيث الفقه كأني به، و قد قال: أنا خير من يزيد، و أبي خير من أبيه، و امي خير من أمه، وجدتي خير من جده، و عمي خير من عمه، و خالي خير من خاله، و أنا فقد رآني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و وضعني في حجره و حملني علي ظهره، و جعلني ريحانته، و شهد لي بأني سيد شباب أهل الجنة، و دعا لي و لنسلي بالبركة

فأنا أحق بهذا الأمر من يزيد لعنه الله، و لكن ما لحظ قوله تعالي: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء) [825] .فسري عن وجوه أهل الشام ما كانوا فيه، لما سمعوا منه، و ظنوا أن الأمر كما قال، و ليس تأويل الاية كما ذكر، و لا أراد الله تعالي ما ذهب الجاهل اليه.و انما أراد الباري سبحانه بالملك الذي أضافه اليه، انما هو الملك بالحق و الاستحقاق و العدل ويعز من يشاء بالطاعة التي يطاع بها في الدنيا و في الاخرة [ صفحه 398] بالجنة و الثواب، و يذل من يشاء بالمعصية، و قيام الحد اليه في الدنيا و في الاخرة عذاب النار.و أما التغلب علي الملك و أخذه بغير استحقاق فلا يقال: انه داخل في الاية الشريفة، و قد انتقم الله عزوجل في الدنيا من كل من أعان علي قتل الحسين عليه السلام، و خرج عليه علي يد المختار بن أبي عبيدة الثقفي آخذ كل من شهد بقتل الحسين عليه السلام بأقبح المثلات [826] و أشنعها.و فيه: في ذيل خبر سهل بن الساعدي: فأمر يزيد لعنه الله بوضعه علي طبق من ذهب، ثم دعا بالشراب، فشرب، ثم صب جراعة منه علي الرأس الشريف، و قال: كيف رأيت يا حسين! أتزعم أن أباك ساق علي الحوض، فاذا مررت عليه يومئذ فلا يسقني، و تقول: ان جدك حرم آنية الذهب و الفضة علي الأمة ها رأسك علي الذهب، و يفتخر أبوك بأنه قتل الأقران يوم بدر هذا بذاك، ثم أنشد ارتجالا يقول:هلال بدا و هلال أفل كذلك تجري صروف الدول لئن سائنا أن جيشا مضي

لقد سرنا أن جيشا قتل [827] .قال: قال أهل العلم: صب الجرعة من الخمر علي رأس الحسين عليه السلام و استهزائه بأن عليا ساق علي الحوض، و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم حرم الذهب و الفضة، [ صفحه 399] و شعره في الانتقام من بني أحمد واترا عن شيوخه الكفرة المقتولين يوم بدر ان صح عنه ذلك فهو كافر، لأنه ما فعل ذلك الا و هو منكر لما جاء به النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عدم التصديق به كفر.و فيه أيضا: قال أبوالفرج بن الجوزي في كتاب «الرد علي المتعصب العنيد في تصويب فعل يزيد لعنه الله»: ليس العجب من قتال ابن زياد لعنه الله الحسين عليه السلام و تسليطه عمر بن سعد لعنه الله علي قتله و الشمر و حمل الرؤوس اليه، و انما العجب صب الخمر علي رأس الحسين عليه السلام و ضربه بالقصيب ثناياه، و أمر ابن زياد لعنه الله بحمل آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سبايا علي أقتاب الجمال، و عزمه علي دفع فاطمة بنت الحسين عليه السلام للرجل الذي طلبها منه، و انشاده لعنه الله:ليت أشياخي ببدر شهدوا.أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج؟ أليس باجماع المسلمين أن قتلي المسلمين يكفنون و يصلي عليهم و يدفنون؟و قول يزيد لعنه الله لفاطمة بنت الحسين عليه السلام: لي أن أسبيكم لما طلبها الرجل؟و هذا قول لا يقنع لقائله و فاعله باللعنة، و لو يكن في قلبه أحقاد جاهلية و أضغان بدرية لاحترم الرأس لما وصل اليه، و لم يضربه بالقضيب، و لا صب عليه جرعة الخمر، و لكفنه و دفنه و أحسن الي آل رسول الله صلي

الله عليه و آله و سلم.و الدليل علي صحة ذلك أنه استدعي ابن زياد لعنه الله و شكره علي فعله، و أعطاه أموالا جزيلة و تحفا كثيرة من بيت مال المسلمين، و قرب مجلسه، و رفع [ صفحه 400] منزلته، و أدخله علي نسائه، و جعله نديمه و سهر [828] ليله، فقال للمغني غن، ثم أنشد بديها:اسقني شربة فرو فؤادي ثم املي ء فاسق ابن زيادصاحب السر و الأمانة عندي و لتسديد مغنمي و جهادي قاتل الخارجي أعني حسينا و مبيد الأعداء و الأضداد [829] .

وصف الامام الرضا مجلس يزيد

و روي الصدوق رحمه الله في «العيون» باسناده عن الفضل بن شاذان، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول:لما حمل رأس الحسين عليه السلام الي الشام أمر يزيد لعنه الله فوضع في طشت تحت سريره، و بسط عليه رقعة الشطرنج، و جلس يزيد لعنه الله يلعب بالشطرنج، و يذكر الحسين عليه السلام و أباه وجدة - صلوات الله عليهم - و يستهزي بذكرهم، فمتي قمر صاحبه تناول الفقاع، فشربه ثلاث مرات، ثم صب فضلته مما يلي الطشت من الأرض.فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع، و اللعب بالشطرنج، و من نظر الي الفقاع و الي الشطرنج فليذكر الحسين عليه السلام و ليلعن يزيد و آل زياد لعنهم يمحو الله بذكل ذنوبه و لو كانت كعدد النجوم. [830] . [ صفحه 401]

كيفية دخول أهل البيت في مجلس يزيد

و في «المنتخب» عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: لما وفدنا [831] علي يزيد بن معاوية لعنه الله أتونا بحبال و ربقونا [832] مثل الأغنام، و كان الحبل بعنقي و عنق ام كلثوم عليهاالسلام و بكتف زينب عليهاالسلام و سكينة عليهاالسلام و البنات و ساقونا، و كلما قصرنا عن المشي ضربونا حتي وقفونا بين يدي يزيد لعنه الله، فتقدمت اليه و هو علي سرير مملكته [833] .و في كتاب «الأنوار النعمانية» روي: أن الحريم لما أدخلن في السبي علي يزيد بن معاوية كان يطلع فيهن و يسأل عن كل واحدة منهن بعينها، و هن مربقات بحبل طويل، و زجر بن قيس لعنه الله يجرهن حتي أقبلت امرأة كانت تستر وجههاه بزندها، لأنه لم يكن لها خرقة تستر بها وجهها.فقال: من هذه التي ليس لها ستر؟قالوا: سكينة بنت الحسين عليه السلام.قال: أنت سكينة؟فسالت دموعها علي خدها، و اختنقت بعبرتها،

فسكت عنها حتي كادت أن تطلع روحها من البكاء.فقال لها: و ما يبكيك؟ [ صفحه 402] قالت: كيف لا تبكي من ليس لها ستر تستر به وجهها و رأسها عنك و عن جلسائك؟فبكي يزيد لعنه الله و أهل مجلسه، ثم قال: لعن الله تعالي ابن مرجانة عبيدالله بن زياد ما أقسي قلبه علي آل الرسول [834] .و في «المنتخب»: نقل أن الحريم لما أدخلن علي يزيد بن معاوية، كان ينظر اليهن و يسأل عن كل واحدة بعينها و هن مربقات [835] بحبل طويل، فقيل: هذه ام كلثوم الكبري، و هذه ام كلثوم الصغري، و هذه صفية، و هذه ام هاني، و هذه رقية من بنات علي، و هذه سكينة، و هذه فاطمة بنت الحسين.فالتفت اللعين الي سكينة عليهاالسلام، و قال: يا سكينة! أبوك الذي كفر حقي، و قطع رحمي، و نازعني في ملكي.فبكت سكينة عليهاالسلام و قالت: لا تفرح بقتل أبي، فانه كان مطيعا لله و لرسوله دعاه اليه فأجابه و سعد بذلك، و أن لك يا يزيد! بين يدي الله مقاما يسألك عنه، فاستعد للمسائلة جوابا، و أني لك الجواب؟قال لها: أسكتي يا سكينة! فما كان لأبيك عندي حق [836] .قال أبومخنف: فنظر الي ام كلثوم عليهاالسلام و قال لها: يا ام كلثوم! كيف رأيت ما صنع الله بكم؟ [ صفحه 403] فقالت: يابن الطلقاء [837] هذه حرمك و امائك من وراء الستور و بنات الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي الأقتاب بغير وطاء ينظر اليهن البر و الفاجر، و يتصدق عليهن اليهود و النصاري.فنظر اليها يزيد شزرا، فقال له بعض جلسائه: انها حرمة لم تؤاخذ، فسكن غيظه [838] .و في «فصول المهمة» لعلي بن محمد المالكي:

أنه لما أدخل نساء الحسين عليه السلام و الرأس الشريف بين يدي يزيد لعنه الله فجعلت سكينة و فاطمة عليهماالسلام تتطاولان لتنظرا الي الرأس الشريف، و جعل يزيد لعنه الله يستره عنهما، فلما رأينه صحن و أعلن بالبكاء، فبكت لبكائهن نساء يزيد لعنه الله و بنات معاوية، فولولن و أعلن أصواتهن.قالت فاطمة عليهاالسلام: بنات رسول الله سبايا.و كانت سكينة عليهاالسلام أحسن شبابا. فقالت: يا يزيد! أيسرك هذا؟فقال لهما: والله؛ ما سرني و اني [لهذا] لكاره، و ما أتي عليكن أعظم مما أجد منكن [839] .و قال السيد رحمه الله: ثم أدخل ثقل [840] الحسين عليه السلام و نساؤه و من تخلف من أهله علي يزيد لعنه الله و هم مقرنون في الحبال [841] . [ صفحه 404] فلما وقفوا بين يديه و هم علي تلك الحال قال له علي بن الحسين عليه السلام: أنشدك الله تعالي [يا يزيد!] ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو رآنا علي هذه الصفة؟فأمر يزيد لعنه الله بالحبال، فقطعت، ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه، و أجلس النساء خلفه، لئلا ينظرن اليه، فرآه علي بن الحسين عليه السلام، فلم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا [842] .

الامام السجاد في مجلس يزيد

و قال ابن نما: قال علي بن الحسين عليه السلام: أدخلنا علي يزيد لعنه الله و نحن اثنا عشر رجلا مغللون، فلما وقفتنا بين يديه قلت: ناشدتك الله تعالي يا يزيد! ما ظنك برسول الله لو رآنا علي هذه الحالة؟و قالت [فاطمة] بنت الحسين عليه السلام: يا يزيد! بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سبايا؟فبكي الناس و بكي أهل داره حتي علت الأصوات.فقال علي بن الحسين عليه السلام: - و أنا مغلول

- فقلت: أتأذن لي في الكلام؟فقال: قل و لا تقل هجرا.قلت: لقد وقفت موقفا لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنك برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو رآني في الغل؟فقال لمن حوله، حلوه [843] . [ صفحه 405] و قال علي بن ابراهيم في «تفسيره»: و قال الصادق عليه السلام:لما أدخل رأس الحسين عليه السلام [علي يزيد لعنه الله، و أدخل عليه علي بن الحسين عليهماالسلام و بنات أميرالمؤمنين عليه و عليهم السلام]، و كان علي بن الحسين عليهماالسلام مقيدا مغلولا، فقال يزيد: يا علي بن الحسين! الحمد لله الذي قتل أباك.فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: لعن الله من قتل أبي.فغضب يزيد لعنه الله و أمر بضرب عنقه.فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: فاذا قتلتني فبنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من يردهم الي منازلهم، و ليس لهم محرم غيري؟فقال: أنت تردهم الي منازلهم.ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة عن عنقه بيده، ثم قال: يا علي بن الحسين! أتدري ما الذي أريد بذلك؟قال: بلي تريد أن لا يكون لأحد علي منة غيرك.فقال يزيد لعنه الله: هذا والله؛ ما أردت.ثم قال يزيد لعنه الله: يا علي بن الحسين! ما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم.فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: كلا، ما هذه فينا نزلت، انما نزلت فينا: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها) [844] فنحن الذين لا نأسي علي ما فاتنا و لا نفرح بما أتانا منها [845] . [ صفحه 406]

ما قالته زينب عند مشاهدتها لرأس الامام الحسين

قال السيد رحمه الله: و أما زينب عليهاالسلام؛ فانها لما رأته أهوت الي جيبها فشقته، ثم

نادت بصوت حزين يقرح القلوب:يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يابن مكة و مني! يابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يابن بنت المصطفي!قال: فأبكت والله؛ كل من كان في المجلس، و يزيد لعنه الله ساكت.ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد لعنه الله تندب علي الحسين عليه السلام و تنادي: يا حبيباه! [يا سيداه!] يا سيد أهل بيتاه! يابن محمداه! يا ربيع الأرامل و اليتامي! يا قتيل أولاد الأنبياء!قال: فأبكت كل من سمعها.

اعتراض ابوبرزة الأسلمي علي يزيد

ثم دعا [يزيد] بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام.فأقبل عليه أبوبرزة الأسلمي و قال: ويحك يا يزيد! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة عليهماالسلام؟ أشهد لقد رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يرشف [846] ثناياه و ثنايا أخيه الحسين عليه السلام و يقول:أنتما سيدا شباب أهل الجنة، فقتل الله قاتليكما، و لعنه و أعد له جهنم و ساءت مصيرا. [ صفحه 407] قال: فغضب يزيد لعنه الله و أمر باخراجه، فأخرج سحبا [847] .

خطبة زينب في ملجس يزيد

في «الاحتجاج»: فقامت اليه زينب عليهاالسلام بنت علي بن أبي طالب عليه السلام و امها فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:الحمد لله رب العاليمن، و الصلاة علي جدي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوي ء أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤون).أظننت يا يزيد! حيث أخذت علينا أقطار الأرض، و ضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في اسار [848] الذل، نساق اليك سوقا في قطار [849] ، و أنت علينا ذو اقتدار، أن بنا علي الله هوانا، و عليك منه كرامة و امتنانا، و أن ذلك لعظم خطرك و جلالة قدرك.فشمخت بأنفك و نظرت الي عطفك تضرب أصدريك فرحا [850] ، و تنفض مذرويك مرحا [851] حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، و الامور لديك متسقة، [ صفحه 408] و حين صفي لك ملكنا، و خلص لك سلطانا؟فمهلا مهلا! أنسيت قول الله عزوجل: (و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) [852] .و قال عزمن قائل: (و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم

ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين) [853] .أمن العدل يابن الطلقاء! تخذيرك حرائرك و امائك، و سوقك بنات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سبايا؟ قد هتكت ستورهن، و أبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد الي بلد، و يستشرفهن أهل المناقل، و يبرزن لأهل المناهل، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد، و الغائب و الشهيد، و الشريف و الوضيع، و الدني و الرفيع.ليس معهن من رجالهن، و لا من حماتهن حميم، عتوا منك علي الله، و جحودا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من عند الله.و لا غر و منك، و لا عجب من فعلك، و أني يرتجي [مراقبة] ممن لفظ فوه أكباد الشهداء، و نبت لحمه بدماء السعداء، و نصب الحرب لسيد الأوصياء، و جمع الأحزاب، و شهر الحراب، و هز السيوف في وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.أشد العرب لله جحودا، و أنكرهم له رسولا، و أظهرهم له عدوانا، و أعتاهم علي الرب كفرا و طغيانا. [ صفحه 409] ألا انها نتيجة خلال الكفر، و صب يجرجر في الصدر لقتلي يوم بدر، فلا يستبطي في بغضنا أهل البيت، من كان نظره الينا شنئا و شنئآنا [854] و أحنا [855] و أضغانا يظهر كفره برسوله، و يفصح ذلك بلسانه، و هو يقول فرحا بقتل ولده، و سبي ذريته غير متحور [856] و لا مستعظم يهتف بأشياخه:لأهلوا، و استحلوا فرحا و لقالوا: يا يزيد لا تشل منحنيا علي ثنايا أبي عبدالله عليه السلام، و كان مقبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ينكتها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه.لعمري لقد نكأت القرحة [857] و استأصلت

الشافة [858] باراقتك دم سيد شباب أهل الجنة، و ابن يعسوب الدين والعرب، و شمس آل عبدالمطلب.و هتفت بأشياخك، و تقربت بدمه الي الكفرة من أسلافك، ثم صرخت بندائك.[و] لعمري لقد ناديتهم لو شهدوك، [و] شيكا تشهدهم، و لن يشهدوك، و لتودن يمينك كما زعمت شلت منك عن مرفقها وجذت، و أحببت أمك لم [ صفحه 410] تحملك، و أباك لم يلدك، حين تصير الي سخط الله تعالي، و مخاصمك [و مخاصم أبيك] رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.اللهم خذ بحقنا، و انتقم لنا ممن ظلمنا، و أحلل غضبك علي ما سفك دماءنا، و نقص ذمارنا [859] و قتل حماتنا، و هتك عنا سدولنا.و فعلت فعلتك [التي فعلت] و ما فريت الا جلدك، و ما جزرت الا لحمك، و سترد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما تحملت من دم ذريته، و انتهكت من حرمته، و سفكت من دماء عترته و لحمته، حيث يجمع به شملهم، و يلم شعثهم [860] ، و ينتقم من ظالمهم، و يأخذ لهم بحقهم من أعدائهم.فلا يستفزنك الفرح بقتلهم، (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون - فرحين بما آتاهم الله من فضله) [861] .و حسبك بالله وليا و حاكما، و برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خصيما، و بجبرئل ظهيرا، و سيعلم من بوأك و مكنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، و أنكم شر مكانا و أضل سبيلا.و ما استصغاري قدرك، و لا استعظامي تقريعك، توهما لانتجاع الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين عبري، و صدورهم عند ذلك حري،

فتلك قلوب قاسية، و نفوس طاغية، و أجسام محشوة بسخط الله و لعنة الرسول قد عشش فيها الشيطان و فرخ، و من هناك مثلك ما درج و نهض.فالعجب كل العجب! لقتل الأتقياء، و أولاد الأنبياء [و سليل الأوصياء] [ صفحه 411] بأيدي الطلقاء الخبيثة، و نسل العهجرة الفجرة، تنطف أكفهم من دمائنا، و تتحلب أفواههم من لحومنا، و للجثث الزاكية علي الجبوب [862] الضاحية، تنتابها العواسل، و تعفرها الفراعل.فلئن اتخذتنا مغنما لتجد بنا [863] و شيكا مغرما، حين لا تجد الا ما قدمت يداك، و ما الله بظلام للعبيد، فالي الله المشتكي و المعول، و اليه الملجأ و المؤمل.ثم كد كيدك، و اجهد جهدك، فوالذي شرفنا بالوحي و الكتاب، و النبوة و الانتخاب [864] ، لا تدرك أمدنا، و لا تبلغ غايتنا، و لا تمحو ذكرنا، و لا ترحض عنك عارنا.و هل رأيك الا فند [865] ، و أيامك الا عدد، و جمعك الابدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعن الظالم العادي.و الحمد لله الذي ختم لأوليائه بالسعادة، و حكم لأصفيائه ببلوغ الارادة، و نقلهم الي الرحمة و الرأفة، و الرضوان و المغفرة، و لم يشق بهم غيرك، و لا ابتلي بهم سواك.و نسأله أن يكمل لهم الأجر، و يجزل لهم الثواب و الذخر.و نسأله حسن الخلافة، و جميل الانابة، انه رحيم ودود. [ صفحه 412] فقال يزيد لعنه الله مجيبا لها:يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون الموت علي النوائح ثم أمر بردهم [866] .

محاورة زينب مع يزيد

في «المنتخب»: نقل أنه لما دعا يزيد عليهاالسلام بسبي الحسين عليه السلام، و عرضوا عليه قالت له زينب بنت علي عليه السلام:يا يزيد! أما تخاف الله من قتل الحسين عليه السلام؟أما كفاك حتي تستحث

حرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من العراق الي الشام؟ و ما كفاك انتهاك حرمتهن حتي تسوقنا اليك، كما تساق الاماء علي المطايا بغير وطاء من بلد الي بلد؟فقال لها يزيد لعنه الله: ان أخاك قال: أنا خير من يزيد، و أبي خير من أبيه، و امي خير من امه، و جدي خير من جده، فقد صدق في بعض، و لحن [867] في بعض، أما جده رسول الله؛ فهو خير البرية، و أما أن امه خير من امي، و أباه خير من أبي، كيف ذلك و قد حاكم أبوه أبي، ثم قرأ: (قل اللهم مالك الملك) الاية [868] .فقالت: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند [ صفحه 413] ربهم يرزقون - فرحين بما آتاهم الله من فضله) [869] .ثم قالت: يا يزيد! ما قتل الحسين عليه السلام غيرك؟ و لولاك لكان ابن مرجانة أقل و أذل، أما خشيت من الله بقتله؟ و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيه و في أخيه: الحسن و الحسين عليهماالسلام سيدا شباب أهل الجنة؟ فان قلت: لا، فقد كذبت، و ان قلت: نعم، فقد خصمت [870] نفسك.فقال يزيد لعنه الله: ذرية بعضها من بعض، و بقي خجلان، و هو مع ذلك لا يرتدع عن غيه، و بيده قضيب ينكت ثنايا الحسين عليه السلام [871] .

اعتراض جارية يزيد، و أمره لعنه الله بضرب عنقها

قال أبومخنف: قال سهل: فخرجت جارية من قصر يزيد لعنه الله فرأته ينكت ثنايا الامام عليه السلام، فقالت: قطع الله يديك و رجليك! أتنكت ثنايا طال ما قبلها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فقال لها: قطع الله رأسك ما هذا

الكلام؟فقالت له: اعلم يا يزيد! اني كنت بين النوم و اليقظة، اذ نظرت الي باب من المساء و قد فتح، و اذا أنا بسلم من نور قد نزل من السماء الي الأرض، و اذا بغلامين أمردين عليهما ثياب خضر، و هما ينزلان علي ذلك السلم، و قد بسط لهما في ذلك الحال بساط من زبرجد الجنة، و قد أخذ نور ذلك البساط من المشرق الي المغرب. [ صفحه 414] و اذا برجل رفيع القامة، مدور الهامة، قد أقبل يسعي حتي جلس في وسط ذلك البساط، و نادي: يا أبي آدم! اهبط.فهبط رجل دري اللون طويل.ثم نادي: يا أبي سام! اهبط، فهبط.ثم نادي: يا أبي ابراهيم! اهبط، فهبط.ثم نادي: يا أبي اسماعيل! اهبط، فهبط.ثم نادي: يا أخي موسي! اهبط، فهبط.ثم نادي: يا أخي عيسي! اهبط، فهبط.ثم رأيت امرأة واقفة و قد نشرت شعرها و هي تنادي: يا امي حوا! اهبطي، يا امي خديجة! اهبطي، يا امي هاجر! اهبطي، و يا اختي سارة! اهبطي، و يا اختي مريم! اهبطي.و اذا هاتف من الجو يقول: هذه فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، زوجة علي المرتضي، ام سيد الشهداء المقتول بكربلاء.ثم انها نادت: يا أبتاه! أما تري الي ما فعلت أمتك بولدي الحسين؟فبكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا أبي آدم! ألا تري الي ما فعلت الطغاة بولدي؟فبكي آدم عليه السلام بكاء شديدا، و بكي كل من كان حاضرا حتي بكت الملائكة لبكائهم.ثم [اني] رأيت رجالا كثيرة حول الرأس و قائلا يقول: خذوا صاحب الدار و أحرقوه بالنار. [ صفحه 415] فخرجت [872] يا يزيد من الدار، و أنت تقول: النار

النار! أين المفر من النار.فأمر بضرب عنقها، فقالت: ألا لعنة الله علي الظالمين. [873] .و في بعض نسخ كتاب أبي مخنف: فأقبل عليها، و قال: يا ويلك! ما هذا الكلام أردت أن تخجليني بين أهل مملكتي.فأمر بضرب عنقها، رضي الله تعالي عنها.

محاورة الامام السجاد مع يزيد

ثم أقبل يزيد لعنه الله علي علي بن الحسين عليهماالسلام، و قال: يا غلام! أنت الذي أراد أبوك خلافتي و ملكي؟ و الحمد لله الذي سفك دمه.فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام: يا يزيد! من كان أحق بالخلافة من أبي؟ و هو ابن بنت نبيكم، و لكن جرت الأشياء بتقدير الله عزوجل، أما سمعت قول الله تعالي: (ما أصابكم من مصيبة في الأرض - الي قوله تعالي - والله لا يحب كل مختال فخور) [874] .و كان يزيد لعنه الله يلبس النعل من الذهب الصرار، و الثياب الفاخرة، و يختال في مشية، فلذلك قرأ زين العابدين عليه السلام هذه. [ صفحه 416]

يزيد يأمر بضرب عنق الامام السجاد

فغضب يزيد لعنه الله و قال: خذوه و اضربوا عنقه.فبكي علي بن الحسين عليه السلام، و نظر الي السماء و أنشأ يقول:أناديك يا جداه! يا خير مرسل! حبيبك مقتول و نسلك ضائع أقاد ذليلا في دمشق مكبلا و مالي من بين الخلائق شافع لقد حكموا فينا اللئام و شتتوا لنا شملنا من بعد ما كان جامع قال: فتعلقن به عماته.فقالت ام كلثوم عليهاالسلام: ويلك يا يزيد! ما كفاك ما فعلت بنا، و قد أرويت الأرض من دم أهل البيت، و قد بقي هذا الطفل؟ أتريد أن تقطع نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟فقال: فانكب كل من كان حاضرا.فقال له بعض جلسائه: سألتك بالله يا يزيد! الا ما عفوت عنه، فانه صغير السن، و لا يجب عليه القتل، فأمر بتخليته.ثم ان علي بن الحسين عليهماالسلام أقبل علي يزيد لعنه الله و قال له: سألتك بالله تعالي يا يزيد! اذا كان لابد من قتلي فابعث مع هؤلاء النسوة من يوصلهن الي حرم جدهن رسول الله صلي الله

عليه و آله و سلم.قال: فضجت الناس بالبكاء و النحيب، فخشي يزيد لعنه الله الفتنة، فقال: يا غلام! طب نفسا، وقر [875] عينا والله؛ لا يوصلهن سواك. [ صفحه 417]

يزيد يأمر الخطيب بسب الامام علي المنبر و اعتراض سكينة عليه

ثم ان يزيد أمر رجلا من أصحابه ذرب اللسان [876] قوي الجنان، و قال له: اصعد المنبر و سب عليا و الحسن و الحسين، و لا تدع شيئا من المساوي الا تذكره فيهم.ففعل ذلك فأقبلت عليه سكينة عليهاالسلام و قالت: ويلك يا يزيد! و أي مساو لأبي، و جدي؟فقال لها: أسكتي يا ابنة الخارجي.قالت: يا يزيد! ما أقل حيائك! و أصلب وجهك، أيما أحق بالملك أنت أم أبي و أبوه علي بن أبي طالب و امه فاطمة الزهراء عليهاالسلام و جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟قال لها: أنا أحق من أبيك بالخلافة، فانها ميراث لي من أبي.

محاورة الامام السجاد مع يزيد

و قال المفيد رحمه الله: ثم قال لعلي بن الحسين عليه السلام: يابن الحسين! أبوك قطع زحمي و جهل حقي، و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت.فقال علي بن الحسين عليه السلام: (ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك علي الله يسير) [877] .فقال يزيد لعنه الله لابنه خالد: أردد عليه، فلم يدر خالد ما يرد عليه. [ صفحه 418] فقال له يزيد لعنه الله قل: (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير) [878] [879] .و في «البحار» عن صاحب «المناقب» بعد ذلك: فقال علي بن الحسين عليهماالسلام:يابن معاوية و هند و صخر! لم تزل النبوة و الامرة [880] لابائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدي علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم بدر و أحد و الأحزاب في يده راية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبوك وجدك في أيديهما رايات

الكفار.ثم جعل علي بن الحسين عليهماالسلام يقول:ماذا تقولون اذ قال النبي لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم؟بعترتي و بأهلي عند مفتقدي منهم أساري و منهم ضرجوا بدم ثم قال علي بن الحسين عليهماالسلام:ويلك يا يزيد! لو تدري ماذا صنعت؟ و ما الذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي و أخي و عمومتي؟ اذا لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل و الثبور، أن يكون رأس أبي [881] الحسين عليه السلام ابن فاطمة و علي عليهماالسلام منصوبا علي باب مدينتكم، و هو وديعة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيكم، فابشروا بالخزي و الندامة غدا اذا اجتمع الناس ليوم القيامة. [ صفحه 419] و قال المفيد رحمه الله: ثم دعا بالنساء و الصبيان فاجلسوا بين يديه، فرآي هيئة قبيحة، فقال: قبح الله ابن مرجانة! لو كانت بينكم و بينه قرابة و رحم ما فعل هذا بكم، و لا بعث بكم علي هذا الحال [882] .

شامي طلب من يزيد فاطمة بنت الحسين

فقالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: فلما جلسنا بين يدي يزيد لعنه الله رق لنا، فقام اليه رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أميرالمؤمنين! هب لي هذه الجارية يعنيني.و كنت جارية وضيئة، فأرعدت و ظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب عليهاالسلام و كانت تعلم أن ذلك لا يكون [883] .و في رواية السيد رحمه الله: قلت: يا عمتاه! اوتمت و أستخدم؟فقالت عمتي للشامي: كذبت والله؛ و لؤمت، والله؛ ما ذلك لك و لا له.فغضب يزيد و قال: كذبت [والله؛] أن ذلك لي، و لو شئت أن أفعل لفعلت.قالت: كلا، والله؛ ما جعل الله لك ذلك، الا أن تخرج عن ملتنا، و تدين بغيرها.فاستطار يزيد لعنه الله

غضبا، و قال: اياي تستقبلين بهذا؟ انما خرج من الدين أبوك و أخوك.قالت زينب عليهاالسلام: بدين الله و دين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك [ صفحه 420] و جدك، ان كنت مسلما.قال: كذبت يا عدوة الله.قالت له: أنت أمير تستم ظالما، و تقهر بسلطانك، فكأنه استحيا و سكت.فعاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية.فقال له يزيد: اعزب وهب الله حتفا قاضيا [884] .و في «المنتخب»: فقالت ام كلثوم عليهاالسلام لذلك الرجل: أسكت يا لكع [885] الرجال! قطع الله لسانك، و أعمي عينيك، و أيبس يديك، و جعل النار مثواك، ان أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء.قال: فوالله؛ ما استتم كلامها حتي أجاب الله تعالي دعاءها في ذلك الرجل.فقالت: الحمد لله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الاخرة، فهذه جزاء من يتعرض لحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [886] .و في رواية السيد رحمه الله: قال الشامي: من هذه الجارية؟فقال يزيد لعنه الله: هذه فاطمة بنت الحسين، و تلك [عمتها] زينب بنت علي.قال الشامي: الحسين بن فاطمة و علي بن أبي طالب؟!قال: نعم.فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد! أتقتل عترة نبيك و تسبي ذريته، والله، ما [ صفحه 421] توهمت الا أنهم سبي الروم.فقال يزيد عليهاالسلام: والله؛ لألحقنك بهم، فأمر به، فضرب عنقه.

اعتراض الامام السجاد للخاطب

قال: و دعي يزيد بالخاطب و أمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه صلوات الله عليهما، فصعد و بالغ في ذم أميرالمؤمنين [علي بن أبي طالب] و الحسين الشهيد صلوات الله عليهم، و المدح لمعاوية و يزيد لعنهما الله.فصاح بن علي بن الحسين عليهماالسلام: ويلك أيها الخاطب! اشتريت مرضات المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار.و

لقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أميرالمؤمنين صلوات الله [و سلامه] عليه [و أولاده] بقوله:أعلي المنابر تعلنون بسبه و بسيفه نصبت لكم أعوادهاقال: و وعد يزيد لعنه الله لعلي بن الحسين عليهماالسلام في ذلك اليوم أن يقضي له ثلاث حاجات، ثم أمر بهم الي منزل لا يكنهم من حر و لا برد، فأقاموا به حتي تقشرت وجوههم، و كانوا مدة مقامهم في البلد المشار اليه ينوحون علي الحسين عليه السلام [887] .و في «أمالي الصدوق» باسناده عن فاطمة بنت علي عليه السلام قالت: ثم ان يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام، فحبس مع علي بن الحسين عليهماالسلام في مجلس لا يكنهم من حر و لا برد حتي تقشرت وجوههم، الخبر. [ صفحه 422] و فيه أيضا: ثم أمر برأس الحسين عليه السلام، فنصب علي باب مسجد دمشق.و في «البحار»: قال صاحب «المناقب»: و ذكر أبومخنف و غيره:أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس علي باب داره، فلما دخلت النسوة دار يزيد، لم يبق من آل معاوية و لا آل أبي سفيان أحد الا استقبلهن بالبكاء و الصراخ و النياحة علي الحسين عليه السلام، و ألقين ما عليهن من الثياب و الحي، و أقمن المأتم عليه ثلاثة أيام.و خرجت هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز امرأة يزيد لعنه الله، و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام حتي شقت الستر، و هي حاسرة، فوثبت الي يزيد لعنه الله و هو في مجلس عام، فقالت: يا يزيد! أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مصلوب علي فناء داري؟فوثب اليها يزيد، فغطاها، و قال: نعم، فاعولي عليه [888] يا هند! و ابكي علي

ابن بنت رسول الله، و صريخة قريش، عجل عليه ابن زياد فقتله، قتله الله تعالي.ثم ان يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة، فما كان يتغدي و لا يتعشي حتي يحضر علي بن الحسين عليهماالسلام [889] !!و في «البحار» قال المدائني: لما انتسب السجاد عليه السلام الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال يزيد لعنه الله لجوازه [890] : أدخله في هذا البستان و اقتله و ادفنه فيه.فدخل به الي البستان، و جعل يحفر و السجاد عليه السلام يصلي، فلما هم بقتله [ صفحه 423] ضربته يد من الهواء فخر لوجهه و شهق [891] و دهش [892] .فرآه خالد بن يزيد لعنه الله و ليس لوجهه بقية، فانقلب الي أبيه، و قص عليه، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة و اطلاقه، و موضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد [893] .و في «البحار» و «العوالم»: قال صاحب «المناقب» و غيره روي:أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر و خطيب ليخبر الناس بسماوي الحسين و علي عليهم السلام، و ما فعلا، فصعد [الخطيب] المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم أكثر الوقيعة في علي و الحسين عليهماالسلام، و أطنب في تقريظ معاوية و يزيد لعنهما الله فذكرهما بكل جميل.قال: فصاح به علي بن الحسين عليهماالسلام: ويلك أيها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوء مقعدك من النار.ثم قال علي بن الحسين عليهماالسلام: يا يزيد! أتأذن لي حتي أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلام فيه لله رضي، و لهؤلاء الجلساء فيه أجر و ثواب؟قال: فأبي يزيد لعنه الله عليه ذلك.فقال الناس: ياأميرالمؤمنين! ائذن له فليصعد المنبر، فلعلنا نسمع منه شيئا.فقال: انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان.فقيل

له: يا أميرالمؤمنين! و ما قدر ما يحسن هذا.فقال: انه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا. [ صفحه 424]

خطبة السجاد في مجلس يزيد

قال: فلم يزالوا به حتي أذن له فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، ثم خطب خطبة أبكي منها العيون، و أوجل منها القلوب، ثم قال:أيها الناس! أعطينا ستا و فضلنا بسيبع: أعطينا العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبة في قلوب المؤمنين.و فضلنا بأن منا النبي المختار محمدا صلي الله عليه و آله و سلم و منا الصديق، و منا الطيار، و منا أسد الله و أسد رسوله، و منا سبطا الأمة، و منا مهدي هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني أبنائه بحسبي و نسبي.أيها الناس! أنا ابن مكة و مني، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر و ارتدي، أنا ابن خير من انعل و احتفي، أنا بن خير من طاف و سعي، أنا ابن خير من حج و لبي.أنا بن من حمل علي البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الي سدرة المنتهي، أنا ابن من دني فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني.أنا ابن صلي بملائكة السماء، أنا ابن من أوحي اليه الجليل ما أؤحي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي.أنا ابن مضرب خراطيم الخلق حتي قالوا: لا اله الا الله.أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر

و حنين، و لم يكفر بالله طرفة عين. [ صفحه 425] أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكائين، و أصبر الصابرين، و أفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين.أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفخر من مشي من قريش أجمعين.و أول من أجاب و استجباب لله و لرسوله من المؤمنين، و أول السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم من مرامي الله علي المنافقين، و لسان حكمة رب العالمين.و ناصر دين الله، و ولي أمر الله، و بستان حكمة الله، و عيبة علمه، سمح [894] سخي، [بهي] بهلول [895] ، زكي، أبطحي، رضي، مقدام، همام، صابر، [صوام] مهذب، قوام، قاطع الأصلاب، و مفرق الأحزاب.أربطهم عنانا [896] ، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم [897] في الحروب، اذا ازدلفت الأسنة، و قربت الأعنة، طحن الرحا، و يذروهم فيها ذرو الريح الهشيم.ليث الحجاز، و كبش العراق، مكي مدني حنفي [خيفي]، عقبي، بدري، [ صفحه 426] [أحدي] شجري مهاجري.من العرب سيدها، و من الوغي ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين الحسن و الحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب.ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء.فلم يزل يقول: أنا أنا حتي ضج الناس بالبكاء و النحيب، و خشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة، فأمر المؤذن، فقطع عليه الكلام، فلما قال المؤذن: الله أكبر [الله أكبر].قال علي عليه السلام: لا شي ء أكبر من الله تعالي.فلمأ قال: أشهد

أن لا اله الا الله.قال علي بن الحسين عليه السلام: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي.فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.التفت عليه السلام من فوق المنبر الي يزيد لعنه الله فقال: محمد هذا؛ جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟قال: و فرغ المؤذن من الأذان و الاقامة، و تقدم يزيد لعنه الله فصلي صلاة الظهر [898] .و في رواية أبي مخنف: و أمر رجلا يصعد المنبر و يسب الحسين عليه السلام، ففعل ذلك لعنه الله تعالي.فقال علي بن الحسين عليه السلام للرجل: بالله عليك الا ما أذنت لي أن أصعد [ صفحه 427] المنبر و أتكلم بكلام فيه رضي الله و رسوله.فقال له: اصعد المنبر يا غلام! و قل ما بدا لك، و اعتذر الرجل اليه.قال: فصعد عليه السلام فجعل يتكلم بكلام الأنبياء بعذوبة لسان، و فصاحة و بلاغة، فأقبل اليه الناس من كل مكان، و قال:أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، فأنا علي بن الحسين بن علي المرتضي صلوات الله و سلامه عليهما.أنا ابن من حج ولبي، أنا ابن من طاف وسعي، أنا ابن زمزم و الصفا.أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن المذبوح من القنا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن من منعوه من الماء و أحلوه علي سائر الوري.أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن من راحت أنصاره تحت الثري، أنا ابن من غدت حريمه أسري، أنا ابن من ذبحت أنصاره [899] من غير سوي ء، أنا ابن من أضرم الأعداء في خيمته

لظي، أنا ابن من أضحي صريعا بالعري.أنا ابن من لا غسل و لا كفن يري، أنا ابن من رفع رأسه علي القنا، أنا ابن من هتك حريمه بأرض كربلا، أنا ابن من جسمه بأرض و رأسه بأخري، أنا ابن من لا يري حوله غير الأعداء، أنا ابن من سبيت حريمه الي الشام تهدي، أنا ابن من لا له ناصر و لا حمي.ثم انه صلوات الله عليه انتحب و بكي، ثم قال:أيها الناس! فضلنا الله تعالي بخمس خصال: فينا والله؛ مختلف الملائكة، [ صفحه 428] و معدن الرسالة، و فينا نزلت الايات، و نحن قدنا العالمين للهدي، و فينا الشجاعة فلم نخف بأسا، و البراعة و الفصاحة اذا افتخر الفصحاء.و فينا الهدي الي سواء السبيل، و العلم لمن أراد أن يستفيد علما، و المحبة في قلوب المؤمنين من الوري، و لنا الشأن الأعلي في الأرض و السماء.لو لا نا ما خلق الدنيا، و كل فخر دون فخرنا يهوي، و محبنا يسقي، و باغضنا يوم القيامة يشقي.قال: فلما سمع الناس كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب و علت الأصوات في الجامع، فخاف يزيد لعنه الله الفتنة و خشي أن تميل قلوب الناس اليه، فأمر المؤذن أن يقطع عليه خطبته، فصعد المؤذن و قال: الله أكبر.فقال علي عليه السلام: كبرت كبيرا، و عظمت عظيما، و قلت حقا.فقال المؤذن: أشهد أن لا اله الا الله.فقال عليه السلام: أشهد بها مع كل شاهد، و أتحملها [900] مع كل جاحد.فقال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فبكي علي بن الحسين عليه السلام و علا منه الصياح، و قال: سألتك بالله يا يزيد! محمد جدي أم جدك؟فقال: جدك.فقال عليه السلام: فلم قتلت

أهل بيته، و قتلت أبي، و أيتمتني علي صغر سني.فلم يرد عليه جوابا و دخل داره، و قال: لا حاجة لي بالصلاة.قال: فقام المنهال [بن عمر] الي علي بن الحسين عليه السلام فقال: كيف أصبحت يابن رسول الله؟ [ صفحه 429] فقال له الامام عليه السلام: كيف حال من أصبح و قد قتل أبوه، و قل ناصره، و ينظر الي حرم من حوله أساري، قد فقدوا الستر و الغطاء، و قد أعدموا الكافل و الحمي، فهل تراني الا أسيرا ذليلا قد عدمت الناصر و الكفيل، قد كسيت أنا و أهل بيتي ثياب الأسي، و قد عدمت [901] علينا جديد العري، فان تسأل فها أنا كما تري قد شمت [902] فينا الأعداء، و نترقب الموت صباحا و مساء.ثم قال: قد أصبحت العرب تفتخر علي العجم، بأن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم منهم، و أصبحت قريش تفتخر علي سائر الناس، بأن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم منهم، و نحن أهل بيته أصبحنا مقتولين مظلومين، قد حلت بنا الرزيات، نساق سبايا، و نجلب هدايا، كأن حسبنا من أسقط الحسب، و منتسبنا من أرذل النسب، كأن لم نكن هام المجد [و] رقينا، و علي بساط الجليل سعينا، و أصبح الملك ليزيد لعنه الله و جنوده، و أضحت بنو المصطفي من أدني عبيده.قال: فعلت الأصوات من كل جانب بالبكاء و النحيب، لما أتي به من الكلام الغريب، و قد نطق بالحق المصيب.قال: فخشي يزيد لعنه الله الفتنة، لأن جميع الناس أصغت الي ما قاله، و انغرست محبتهم له في قلوبهم.فقال يزيد لعنه الله للذي أصعده المنبر: لم أصعدت هذا الغلام المنبر، انما أردت بصعوده زوال ملكي

[903] .فقال المؤذن: والله؛ ما علمت أن هذا الغلام يتكلم بمثل هذا الكلام. [ صفحه 430] فقال يزيد لعنه الله: أما علمت أن هذا من أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة.فقال له المؤذن: [اذا كان كذلك] فلم قتلت أباه، و أيتمته علي صغر سنه؟قال: فأمر يزيد لعنه الله بضرب عنق المؤذن [904] .

اعتراض رسول ملك الروم علي يزيد عند مشاهدته رأس الحسين

و روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال: لما أتي برأس الحسين عليه السلام الي يزيد لعنه الله كان يتخذ مجالس الشرب، و يأتي برأس الحسين صلوات الله و سلامه عليه و يضعه بين يديه و يشرب عليه.فحضر في مجلسه ذات يوم رسول ملك الروم، و كان من أشراف الروم و عظمائهم، فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟فقال له يزيد لعنه الله: مالك و لهذا الرأس؟فقال: اني اذا رجعت الي ملكنا يسألني عن كل شي ء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه، حتي يشاركك في الفرج و السرور.فقال له يزيد لعنه الله: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب.فقال الرومي: و من أمه؟فقال: فاطمة بنت محمد رسول الله.فقال النصراني: أف لك ولدينك، لي دين أحسن من دينكم، ان أبي من حوافد داود عليه السلام و بيني و بينه آباء كثيرة، و النصاري يعظموني، و يأخذون من [ صفحه 431] تراب قدمي تبركا بي بأني [905] من حوافد داود، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم، و ما بينه و بين نبيكم الا أم واحدة؟ قبح الله تعالي دينكم [906] .ثم قال ليزيد لعنه الله: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟فقال له: قل حتي أسمع.فقال: بين عمان [907] و الصين لجزيرة مسيرة سنة [908] ليس فيها عمران الا بلدة واحداة في وسط الماء، طولها ثمانون

فرسخا في ثمانين فرسخا، ما علي وجه الأرض بلدة أكبر منها، و منها يحمل الكافور و الياقوت، و أشجارها العود و العنبر.و هي في أيدي النصاري لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم، و في تلك البلدة كنايس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة من ذهب معلقة، فيها حافر يقولون: ان هذا حافر حمار كان يركبه عيسي عليه السلام.و قد زينوا حول الحقة بالذهب و الديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصاري، و يطوفون حولها و يقبلون أركانها [909] ، و يرفعون حواجهم الي الله تعالي عندها.هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسي عليه السلام نبيهم، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم؟ فلا بارك الله تعالي فيكم و لا في دينكم. [ صفحه 432] فقال يزيد لعنه الله: اقتلوا هذا النصراني، لئلا يفضحني [910] في بلاده.فلما أحس النصراني بذلك، قال له: أتريد أن تقتلني؟قال: نعم.قال: اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول: يا نصراني! أنت من أهل الجنة.فتعجبت من كلامه، و أنا أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.ثم وثب الي رأس الحسين عليه السلام، فضمه الي صدره، و جعل يقبله و يبكي حتي قتل [911] .روي الشيخ في «المنتخب» مرسلا: أن نصرانيا أتي رسولا من ملك الروم الي يزيد لعنه الله و قد حضر في مجلسه الذي أتي اليه فيه رأس الحسين عليه السلام.فلما رأي النصراني رأس الحسين عليه السلام بكي وصاح و ناح حتي ابتليت لحيته بالدموع.ثم قال: اعلم يا يزيد! أني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قد

أردت أن آتيه بهدية، فسألت من أصحابه أي شي ء أحب اليه من الهدايا؟فقالوا: الطيب أحب اليه من كل شي ء، و ان له رغبة فيه.قا: فحملت من المسك فارتين و قدرا من العنبر الأشهب، و جئت بها اليه و هو يومئذ في بيت زوجته ام سلمة رضي الله عنها.فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من جماله نور ساطع، و زادني منه [ صفحه 433] سرورا، و قد تعلق قلبي بمحبته، فسلمت عليه و وضعت العطر بين يديه، فقال: ما هذا؟فقلت: هدية محقرة أتيت بها الي حضرتك.فقال لي: ما اسمك؟فقلت: اسمي عبدالشمس.فقال لي: بدل اسمك، فأنا أسميك عبدالوهاب، ان قبلت مني الاسلام قبلت الهدية.قال: فنظرته و تأملته، فعلمت أنه نبي، و هو النبي الذي أخبرنا عنه عيسي عليه السلام حيث قال: اني ابشركم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فاعتقدت ذلك و أسلمت علي يده في تلك الساعة.و رجعت الي الروم، و أنا أخفي الاسلام ولي مدة من السنين، و أنا مسلم مع خمس من البنين و أربع من البنات، و أنا اليوم وزير ملك الروم، و ليس لأحد من النصاري اطلاع علي حالنا.و اعلم يا يزيد! أني كنت يوما في حضرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو في بيت أم سلمة رأيت هذا العزيز الذي وضع رأسه بين يديك مهينا حقيرا، فدخل علي جده من باب الحجرة، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاتح باعه ليتناوله، و هو يقول: مرحبا بك يا حبيبي!حتي أنه تناوله و أجلسه في حجره، و جعل يقبل شفتيه، و يرشف ثناياه، و هو يقول:بعد عن رحمة الله من قتلك، لعن الله من قتلك يا حسين! و أعان علي

قتلك.و النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع ذلك يبكي، فلما كان اليوم الثاني كنت مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم في [ صفحه 434] مسجده، اذ أتاه الحسين عليه السلام مع أخيه الحسن عليه السلام، و قال: يا جداه! قد تصارعت مع أخي الحسن عليه السلام و لم يغلب أحدنا الاخر، و انما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الاخر.فقال لهما النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا حبيبي! يا مهجتي! ان التصارع لا يليق لكما، و لكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطه أحسن كذلك يكون قوته أكثر.قال: فمضيا و كتب كل واحد منهما سطرا و أتيا الي جدهما النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأعطياه اللوح ليقضي بينهما.فنظر النبي صلي الله عليه و آله و سلم اليهما ساعة، و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما، فقال لهما: يا حبيبي! اني نبي أمي لا أعرف الخط اذهبا الي أبيكما ليحكم بينكما و ينظر أيكما أحسن خطا.قال: فمضيا اليه و قام النبي صلي الله عليه و آله و سلم أيضا معهما، و دخلوا جميعا الي منزل فاطمة عليهاالسلام، فما كان الا ساعة، و اذا النبي صلي الله عليه و آله و سلم مقبل و سلمان [الفارسي] رضي الله عنه معه، و كان بيني و بين سلمان رضي الله عنه صداقة و مودة، فسألته كيف حكم لهما أبوهما و خط أيهما أحسن؟قال سلمان رضي الله عنه: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يجبهما بشي ء، فانه تأمل أمرهما، و قال: لو قلت: خط الحسن عليه السلام أحسن كان يغتم الحسين، و لو قلت: خط الحسين أحسن كان

يغتم الحسن عليهماالسلام، فوجههما الي أبيهما.فقلت له: يا سلمان! بحق الصداقة و الأخوة التي بيني و بينك، و بحق دين الاسلام الا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟فقال: لما أتيا الي أبيهما و تأمل حالهما رق لهما و لم يرد أن يكسر قلب [ صفحه 435] أحدهما، قال لهما: امضيا الي امكما فهي تحكم بينكما.فأتيا الي امهما و عرضا عليها ما كتبا في اللوح و قالا: يا أماه! ان جدنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطة أحسن فتكون قوته أكثر، فتكاتبنا و جئنا اليه، فوجهنا الي أبينا و وجهنا اليك.فتفكرت فاطمة عليهاالسلام بأن جدهما و أباهما ما أرادا كسر خاطرهما أنا ماذا أصنع؟ و كيف أحكم بينهما؟ فقالت: يا قرتي عيني! اني أقطع قلادتي علي رأسكما، فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر ان خطه أحسن و تكون قوته أكثر.قال: و كان في قلادتها سبع لؤلؤات، ثم انها قامت فقطعت قلادتها علي رأسها فالتقط الحسن عليه السلام ثلاث لؤلؤات، و التقط الحسين عليه السلام ثلاث لؤلؤات و بقيت الأخري، فأراد كل منهما تناولها، فأمر الله تعالي جبرئيل بنزوله الي الأرض و أن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة، و يقدها نصفين ليأخذ كل واحد منهما نصفها، لئلا يغتم قلب أحدهما.فنزل جبرئيل عليه السلام كطرفة عين وقد اللؤلؤة نصفين، فأخذ كل منهما نصفا.فانظر يا يزيد! كيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يدخل علي أحدهما ألم ترجيح الكتابة، و لم يرد كسر قلب أحدهما؟ و كذلك أميرالمؤمنين و فاطمة عليهماالسلام، و كذلك رب العزة لم يرد كسر قلب أحدهما، بل أمر من قسم اللؤلؤة نصفين بينهما لجبر قلبهما، و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله صلي الله

عليه و آله و سلم؟ أف لك ولدينك يا يزيد!ثم ان النصراني نهض الي رأس الحسين عليه السلام و احتضنه و جعل يقبله و هو يبكي و يقول: يا حسين! اشهد لي عند جدك محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و عند أبيك [ صفحه 436] علي المرتضي، و عند أمك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين [912] .

المنهال بن عمرو مع الامام السجاد

و في كتاب «الأنوار النعمانية» عن المنهال بن عمرو قال: بينما أنا أتمشي في السوق من دمشق و اذا أنا بعلي بن الحسين عليه السلام يتوكأ علي عصا، و رجلاه كأنهما قصبتان و الدم يسيل من ساقيه، و الصفرة قد زادت عليه، فخنقتني العبرة فاعترضته، و قلت: كيف أصبحت يابن رسول الله؟قال: فبكي، و قال: كيف حال من أصبح أسيرا ليزيد بن معاوية لعنه الله، و نسائي الي الان ما شبعن بطونهن، و لا كسين رؤوسهن، نائحات الليل و النهار.و نحن يا منهال! كمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبنائهم، و يستحيون نسائهم أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا نبي عربي، و أمست القريش تفتخر علي العرب بأن محمدا منهم، و أمسينا معشر أهل البيت مغصوبين مقتولين مشردين ما يدعونا يزيد الي مرة الا و نظن القتل، انا لله و إنا اليه راجعون.قلت: يا سيدي! و الي أين تريد؟قال: المجلس الذي نحن فيه ليس له سقف، و الشمس تصهرنا به و لا نري الهوا، فأفر منه سويعة لضعف بدني، و أرجع خشية علي النساء.فبينما هو يخاطبني و أخاطبه، و اذا بامرأة تناديه.فتركني و رجع اليها، فحققت النظر اليها و اذ هي زينب بنت علي عليهماالسلام [ صفحه 437] تدعوه. الي أين نمضي يا قرة

عيني؟فرجع اليها و ما تحرقت عنه و لم أزل أذكره و أبكي [913] .قال السيد رحمه الله: و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهماالسلام و عمرو بن الحسن عليه السلام و كان عمرو صغيرا يقال: ان عمره احدي عشر سنة، فقال له: أتصارع ابني هذا [يعني ابنه] خالدا؟فقال عمرو: لا، و لكن أعطني سكينا، و أعطه سكينا، ثم أقاتله.فقال يزيد لعنه الله:شنشنة أعرفها من أخزم هل تلد الحية الا الحية؟ [914] [915] .و في ذيل رواية «الاحتجاح»: فلما انصرف يزيد لعنه الله الي منزله، دعا بعلي بن الحسين عليه السلام، فقال: يا علي! أتصارع ابني خالدا؟قال عليه السلام: و ما تصنع بمصارعتي اياه أعطني سكينا و أعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا.فضمه عليه السلام يزيد لعنه الله الي صدره، ثم قال: لا تلد الحية الا الحية، أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب عليه السلام. [ صفحه 438] ثم قال له علي بن الحسين عليه السلام: يا يزيد! بلغني أنك تريد قتلي، فان كنت لابد قاتلي فوجه مع هؤلاء النسوة من يردهن [916] الي حرم جدهن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فقال له يزيد لعنه الله: لا يردهن [917] غيرك، لعن الله ابن مرجانة، فو الله؛ ما أمراته بقتل أبيك، و لو كنت متوليا لقتاله ما قتله. [918] .و في «البحار» عن «المناقب» روي: أنه لعنه الله قال لزينب عليهاالسلام: تكلمي، فقالت: هو المتكلم، فأنشأ السجاد عليه السلام:لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم و أن نكف الأذي عنكم و تؤذوناو الله يعلم أنا لا نحبكم و لا نلومكم أن لا تحبونافقال: صدقت يا غلام! و لكن أراد أبوك وجدك أن يكونا أميرين، و الحمد لله الذي قتلهما، و سفك دمائهما.فقال عليه السلام: لم

تزل النبوة و الامرة لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد [919] .و في «البحار» عن «دعوات الراوندي»: أنه لما حمل علي بن الحسين عليه السلام الي يزيد لعنه الله هم بضرب عنقه، فوقفه بين يديه و هو يكلمه ليتنطقه بكلمة يوجب بها قتله.و علي عليه السلام يجيبه حسبما يكلمه، و في يده سبحة صغيرة يديرها بأصابعه و هو يتكلم، فقال له يزيد لعنه الله: أكلمك و أنت تجيبني و تدير أصابعك بسبحة في يدك فكيف يجوز لك؟ [ صفحه 439] فقال: حدثني أبي عن جدي أنه كان اذا صلي الغداة، و انفتل لا يتكلم حتي يأخذ سبحة بين يديه فيقول:«اللهم اني أصبحت أسبحك، و أحمدك و أمجدك و أهللك بعدد ما أدير به سبحتي».و يأخذ السبحة و يديرها، و هو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح، و ذكر أن ذلك محتسب له و هو حرز الي أن يأوي الي فراشه.فاذا آوي الي فراشه قال مثل ذلك القول، و وضع سبحته تحت رأسه فهو محسبوبة له من الوقت الي الوقت، ففعلت هذا اقتداء بجدي.فقال له يزيد لعنه الله: لست اكلم أحدا منكم الا و يجيبني بما يعود [920] به وعفا عنه و وصله و أمر باطلاقه [921] . [ صفحه 443]

في بيان بعض المنامات و المحاورات و الامور التي صارت سببا لاطلاق يزيد أهل البيت السلام زائدا

اعتراض جاثليق النصاري علي يزيد و اسلامه

قال أبومخنف في بعض نسخ كتابه: قال سهل: فبينما يزيد جالس و رأس الحسين عليه السلام بين يديه و هو ينكت ثناياه بالقضيب، اذ دخل عليه جاثليق النصراني و عليه ثياب سود و علي رأسه برنس [922] و بيده عكازة [923] ، و كان شيخنا كبيرا، فنظر الي رأس الحسين عليه السلام فقال: يا يزيد! هذا رأس من؟قال: رأس خارجي خرج علينا بأرض العراق.فقال: و

ما اسمه؟قال: الحسين بن علي بن أبي طالب.قال: و من امه؟قال: فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم.فقال [له] الجاثليق: بم استوجب القتل؟قال: لأن أهل العراق دعوه و كتبوا اليه و أرادوا أن يجعلوه خليفة، فقتله عاملي عبيدالله بن زياد، و بعث الي برأسه.قال الجاثليق: يا يزيد! ارفعه من بين يديك، و الا هلكت. [ صفحه 444] اعلم! أني كنت نائما فسمعت هدة عظيمة من قبل السماء، و رأيت رجلا قد نزل من السماء كأنه القمر و النور يشرق من وجهه، و معه رجال كثيرة، فقلت لبعضهم: من هذا؟فقيل: محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، و هؤلاء الملائكة قد نزلوا من السماء يعزونه بولده، فقد قتلته امته من بعده، لا أنالهم الله شفاعته يوم القيامة.قال يزيد لعنه الله: ويلك! أتيت تخبرنا بأحلامك الكاذبة، والله؛ لأضربن عنقك.ثم أمر أن يضربوه بالسياط حتي ألموه و أوجعوه، فقال: يا أباعبدالله! اشهد لي عند جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أني أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله.فغضب يزيد لعنه الله من اسلامه، و قال: اضربوه، فجعلوا يضربونه حتي رضوا جسده.فقال له: يا يزيد! ان شئت تضرب، و ان شئت لا تضرب، فهذا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم واقف بازائي و بيده قميص من نور و تاج من نور، و هو يقول:هنيئا لك يا هذا بالجنة، و خير خروجك من الدنيا نلبسك هذا التاج و القميص، و تكون معنا في الجنة.قال سهل، فتعجبت من كلامه، فما استتم كلامه حتي هلك، رحمة الله عليه [924] .

[ صفحه 445]

رؤيا سكينة

في كتاب «الأنوار النعمانية»: ان الحريم لما أدخلن في السبي علي يزيد بن معاوية لعنهما الله كان يطلع فيهن، و يسأل عن كل واحدة بعينها... الي أن قال: فقال يزيد لعنه الله لسكينة عليهاالسلام: ارجعي مع النسوة حتي آمركن بأمري.فقالت: يا يزيد! ان بكائي أكثره من طيف رأيته الليلة.قال: قصيه علي.فأمر السائق في الوقوف، فقالت: اني لم أنم منذ قتل أبي الحسين عليه السلام، لأني لم أتمكن من الركوب علي ظهر جمل أدبر أعجف هذا، و كلما عثر بي يقهرني هذا زجر بن قيس لعنه الله، و يوشحني بالسوط، فلم أر من يخلصني منه.فلعنه يزيد لعنه الله و جلسائه.ثم قالت: رقدت الليلة و اذا أنا أري قصرا من نور شرائفه الياقوت، و أركانه من الزبرجد، و أبوابه من العود القماري.فبينما أنظر اليه و اذا ببابه قد فتحت، فخرج منها خمس مشايخ، و يقدمهم و صيف، فتقدمت اليه، فقلت: لمن هذا القصر؟فقال: لأبيك الحسين عليه السلام.فقلت: و من هؤلاء المشايخ؟فقال: هذا آدم، و هذا نوح، و هذا ابراهيم، و هذا موسي و عيسي عليهم السلام.فبينما أنا أنظر كلامه و الي القصر اذ أقبل رجل قابض علي لحيته حزينا كئيبا، فقلت: و من هذا؟ [ صفحه 446] قال: أو ما تعرفينه؟قلت: لا.قال: هذا جدك محمد المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم.فدنوت منه و قلت: يا جداه! لو رأيتنا علي الأقتاب بغير و طاء و لا غطاء و لا حجاب، ينظر الينا البر و الفاجر، لرأيت أمرا عظيما و خطبا جسيما.فانحني علي و ضمني الي صدره، و بكي بكاء شديدا، و أنا أحاكيه بهذا و أمثاله.فقال يحيي عليه السلام: كفي عنك و غضي من صدتك يا

بنت الصفوة! فقد أوجعت قلوبنا، و قلب سيدنا و أبكيته و أبكيتنا.فأخذ الوصيف بيدي و أدخلني الي القصر، و اذا بخمسة نسوة و بينهن امرأة ناشرة شعرها علي وجهها، و عليها ثياب سود، و بيدها ثوب ملطخ بالدم، اذا قامت قمن معها، و اذا جلست جلسن معها لجلوسها، لاطمة خدها، جارية دمعها، و هي تنوح، و النساء تجيبها بذلك.فقلت للوصيف: من هذه النسوة؟فقال: يا سكينة! هذه حواء، و هذه مريم، و التي عندها آسية بنت مزاحم، و هذه ام موسي، و هذه خديجة الكبري.فقلت: و صاحب القميص المضرج بالدماء؟قالت: هذه جدتك فاطمة الزهراء عليهاالسلام.فدنوت منها، و قلت: السلام عليك يا جدتاه.فرفعت رأسها، و قالت: سكينة؟ [ صفحه 447] قلت: نعم.فقامت لاطمة معولة، فقالت: ادن [925] مني، فضمتني الي صدرها، فقلت: يا جدتي! علي صغر سني امتمت.فقالت: وا ويلتاه! وا مهجة قلباه! من أحني عليكن بعد القتل؟ من جمعكن عن الشتات بين الرجال؟ بشريني يا سكينة! عن حال العليل.فقلت: يا جدتاه! مرارا كثيرا أرادوا قتله، فدفعتم عنه علته، لأنه مكبوب علي وجهه، و قد سلبوه ثيابه، فلا يطيق النهوض، و لو تراه عينك حين أركبوه علي ظهر أعجف أدبر، و قيدوا عنقه بقيد ثقيل.فبكي، فقلنا له: ما يبكيك؟فقال: اذا رأيت قيدي هذا ذكرت أغلال أهل النار.فسألناهم فكه، فقيدوا أيضا رجليه من تحت بطن الناقة، فاذا فخذه يسيل دما وقيحا، باكيا نهاره و ليله، ان نظر الي رأس أبيه و رؤوس الأنصار مشهرين، و ان نظر الينا عاريات مكشفات، فكلما رآي ذلك ازداد بالبكاء.فلطمت علي وجهها و نادت: وا ولداه! وا ضيعتاه! هكذا صدر عليكم من بعدنا.ثم انها قالت: و جسد القتيل من غسله؟ من كفنه؟ من صلي

عليه؟ من دفنه؟ من زاره؟فقلت: ليس له غسل غير دموعنا، و كفنه السوافي من رمالها، و رحلنا [926] [ صفحه 448] عنه و زواره الطيور و الوحش.فنادت: وا حسيناه! وا ولداه! وا قلة ناصراه!هذا و النساء باكيات معولات لاعوالها.ثم نظرن الي و قلن لي: مهلا؛ يا بنت الصفوة! لقد أهلكت سيدتنا و أهلكتنا.فانتبهت من رقدتي هذه و يزيد لعنه الله و جلسائه و أمراء بني امية يبكون، فأمرهم بالانصراف، فانصرفن [927] .و في «المنتخب» قال: فلما سمع يزيد لعنه الله ذلك لطم علي وجهه، و بكي و قا: مالي و لقتل الحسين؟!

رؤيا هند زوجة يزيد

و فيه أيضا: نقل عن هند زوجة يزيد لعنه الله قالت: كنت أخذت مضجعي فرأيت بابا من السماء و قد فتحت و الملائكة ينزلون كتائب كتائب الي رأس الحسين عليه السلام، و هم يقولون:السلام عليك يا أباعبدالله، السلام عليك يابن رسول الله.فبينما أنا كذلك اذ نظرت الي سحابة قد نزلت من السماء، و فيها رجال كثيرون، و فيهم رجل دري اللون، قمري الوجه، فأقبل يسعي حتي انكبت علي ثنايا الحسين عليه السلام يقبلهما، و هو يقول:يا ولدي! قتلوك، أتراهم ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك. [ صفحه 449] يا ولدي! أنا جدك رسول الله، و هذا أبوك علي المرتضي، و هذا أخوك الحسن، و هذا عمك جعفر، و هذا عقيل، و هذان حمزة و العباس.ثم جعل يعدد أهل بيته واحدا بعد واحد.قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة و اذا بنور قد انتشر علي رأس الحسين عليه السلام، فجعلت أطلب يزيد لعنه الله، و اذا هو قد دخل الي بيت مظلم و قد دار وجهه الي الحائط و هو يقول: مالي و للحسين؟!و قد وقعت عليه

الهمومات، فقصصت عليه المنام، و هو منكس الرأس [928] .

نوح آل الرسول في دمشق

قال: [فلما أصبح استدعي بحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال لهن: أيما أحب اليكن المقام عندي أو الرجوع الي المدينة و لكن الجائزة السنية؟قالوا: نحب أولا أن ننوح علي الحسين عليه السلام.قال:] [929] فعلوا ما بدا لكم، ثم أخليت لهن الحجر [930] و البيوت في دمشق و لم يبق هاشمية و لا قرشية الا و لبست السواد علي الحسين عليهماالسلام، و ندبوه - علي ما نقل - سبعة أيام [931] . [ صفحه 450]

رؤيا رقية أباها في الشام

و فيه أيضا: روي أنه لما قدم آل الله و آل رسوله علي يزيد لعنه الله في الشام أفرد لهم دارا، و كانوا مشغولين باقامة العزاء، و أنه كان لمولانا الحسين عليه السلام بنت عمرها ثلاث سنوات، و من يوم أستشهد الحسين عليه السلام ما بقيت تراه، فعظم ذلك عليها و استوحشت لأبيها.و كانت اذا طلبت أباها يقولون لها: غدا يأتي و معه ما تطلبين، الي أن كانت ليلة من الليالي رأت أباها بنومها، فلما انتبهت صاحت و بكت و انزعجت، فهجعوها، و قالوا: ما هذا البكاء و العويل؟فقالت: ائتوني بوالدي و قرة عيني.و كلما هجعوها ازدادت حزنا و بكاء، فعظم ذلك علي أهل البيت عليهم السلام، فضجوا بالبكاء و جددوا الأحزان، و لطموا الخدود، و حثوا علي رؤوسهم التراب، و نشروا الشعور، و قام الصياح.فسمع يزيد لعنه الله صيحتهم و بكائهم، فقال: ما الخبر؟فقالوا: ان بنت الحسين الصغيرة رأت أباها في منامها، فانتبهت و هي تطلبه و تبكي و تصيح.فلما سمع يزيد لعنه الله بذلك قال: ارفعوا رأس أبيها، و حطوه بين يديها لتنظر اليه و تتسلي به. [ صفحه 451]

الرأس الشريف يكلم مع رقية

فجاؤوا بالرأس الشريف اليها مغطي بمنديل ديبقي، فوضع بين يديها و كشف الغطاء عنه، فقالت: ما هذا الرأس؟فقالوا لها: رأس أبيك.فرقعته من الطشت حاضنة له، و هي تقول:يا أبتاه! من ذا الذي خضبك بدمائك؟يا أبتاه! من ذا الذي قطع وريديك؟يا أبتاه! من ذا الذي أيتمني علي صغر سني؟يا أبتاه! من بقي بعدك نرجوه؟يا أبتاه! من لليتيمة حتي تكبر؟[يا أبتاه!] من للنساء الحاسرات؟يا أبتاه! من للأرامل المسبيات؟يا أبتاه! من للعيون الباكيات؟يا أبتاه! من للغريبات الضائعات؟يا أبتاه! من للشعور المنشورات؟يا أبتاه! من بعدك؟ وا خيبتاه!يا أبتاه! من

بعدك؟ وا غربتاه!يا أبتاه! ليتني كنت لك الفداء.يا أبتاه! ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء. [ صفحه 452] يا أبتاه! ليتني و سدت الثري، و لا أري شيبك مخضبا بالدماء.ثم انها عليهاالسلام وضعت فمها علي فمه الشريف، و بكت بكاء شديدا حتي غشي عليها، فلما حركوها فاذا هي قدر فارقت روحها الدنيا.فلما رآي أهل البيت عليهم السلام ما جري عليها أعلنوا البكاء، وجددوا العزاء، و كذلك كل من حضر من أهل دمشق، فلم ير في ذلك اليوم الا باك و باكية، انتهي [932] .قد مضي سابقا ما نقلناه عن علي بن أحمد المالكي أنه لما أدخل نساء الحسين عليه السلام و الرأس بين يدي يزيد لعنه الله فجعلت فاطمة و سكينة عليهماالسلام تتطاولان لتنظرا الي الرأس و جعل يزيد لعنه الله يستره عنهما.. الي أن قال:ثم أدخلوا بهن الي الحرم، فلما أدخلوا علي حرمه لم يبق من آل يزيد الا أتتهن و أظهرن التوجع و الحزن علي ما أصابهن، و علي ما نزل بهن، و أضعفن لهن جميع ما أخذ منهن من الحلي و الثياب بزيادة كثيرة [933] .

مناظرة ام كلثوم مع زوجة يزيد

و في كتاب «اكسير العبادات في أسرار الشهادات»: و كان ليزيد لعنه الله أخت اسمها هند - غير زوجته - فلما رأتهن و ثبت قائمة علي قدميها، ثم قالت: أيكن ام كلثوم اخت الحسين؟قالت ام كلثوم عليهاالسلام: ها أنا - ويلك! - ابنة الامام الزكي، و الهمام التقي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، من قرن الله طاعته بطاعته، و عقابه بمعصيته، و من فرص الله الولاية علي البدو و الحضر، مبيد الأقرن، المتوج [ صفحه 453] بالنصر، مكسر اللات و العزي و الهبل [934] .فأقبلت عليها اخت يزيد لعنه الله

و قالت: يا ام كلثوم! و لأجل ذلك أخذتم، و بمثله طلبتم و هونتم، يا بني عبدالمطلب! أمثل ربيعة و عتبة و أبي جهل و أحزابهم تسفك دمائهم؟ أنسنا أباك يوم بدر و ما قتل من رجالنا؟فقالت ام كلثوم عليهاالسلام: يا ام من خبث من الأولاد! و يا ابنة آكلة الأكباد! لسنا كنسائكم المشهورات بالزنا، و لا رجالنا كرجالكم العاكفين علي اللات و العزي.أليس جدك أباسفيان الذي حزب علي الرسول الأحزاب؟أليس أمك هند الباذلة نفسها لوحشي، و الاكلة كبد حمزة جهرا؟أو ليس أبوك الضارب في وجه امامه بالسيف؟أو ليس أخوك القاتل أخي ظلما، و هو سيد شباب أهل الجنة، و أهل الكتاب و السنة؟ و ابن بنت الرسول المخدوم بجبرئيل و ميكائيل، و كثير مما ملكتموه في الدنيا، فانه في الاخرة قليل.قال الشعبي: فلم تجبها هند جوابا.

مناظرة سكينة مع بنت يزيد

ثم وثبت من بعدها عاتكة ابنة يزيد لعنه الله قائمة علي قدميها، ثم نادت: أيتكن سكينة بنت الحسين؟فقالت عليهاالسلام: ها أنا المظلومة بثار بدر و حنين، ويلكم! أنتم بنا مستهزؤون؟ و بما أنزل الله بنا شامتون؟ فنحن من أهل بيت المصائب، و أبونا علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن أنت يا ويلك؟ [ صفحه 454] قالت: أنا عاتكة ابنة يزيد، صاحب العز الشامخ، و الذكر الباذخ، أهل الحق والديانة.فقالت لها سكينة عليهاالسلام: ويلك! مهلا ان الله تعالي جعل الدنيا دار بلوي، و جعل الاخرة لمن ناوي ء الدنيا، و لستم يا ويلك! مثلنا،أليس أبوك المفتخر بقتل آل محمد عليهم السلام ظلما، و امك المعتكفة لعبدها، فعليك و عليها لعنة الله.و أما نحن فأهل بيت الأحقاف، و رجالنا أهل الأعراف، و الصفوة من عبدمناف.فلم تحبها حينئذ عاتكة، و قد ألقمت حجرا.

مناظرة شهربانو مع زوجة يزيد

قال الشعبي: ثم و ثبت من بعدها ام حبيب امرأة يزيد لعنه الله و قالت: أيكن شهربانو [935] ابنة كسري أنوشيروان؟فقالت عليهاالسلام: ها أنا بنت الملك، و من جمع لها فخر الدنيا و الاخرة، في المملكة درجت، و في الامامة هديت، و أنا زوجة ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المقتول ظلما، و ابن الوصي المرتضي عليه السلام، من أنت يا ويلك؟قالت: أنا ام حبيب زوجة يزيد، صاحب العز و الفخار، و من خضعت [936] لطاعته أهل الأمصار. [ صفحه 455] قال الشعبي: فأقبلت عليها زوجة الحسين عليه السلام و نادت:وا عجباه! أين البعير من الفرس؟ و أين ضوء الشمس من الغلس؟ و نحن ملوك الأمصار، و رجالنا السادة الأطهار، و أنتم بنوأمية أخس كلاب النار.ثم قالت: (و كان الكافر علي ربه ظهيرا).ويلك! فبأجدادكم الجاهلية، و أولادكم

تفتخرون؟ أم بقهركم لنا تصولون؟!قال: فسكتت و لم تتكلم.

رؤيا جارية زوجة يزيد و اعتراضها

و كان لها جارية كانت نائمة فانتبهت من نومها، و لطمت وجهها، و مزقت ما كان عليها من الثياب الفاخرة، و قالت: شاهت وجوهكم، و تعست [937] جدودكم يا أولاد الشجرة الملعونة في القرآن، و نسل الرجس و الطغيان!يا آل أبي سفيان المتهمين في أنسابكم، و المعروفين بقبائح أحسابكم حيث لم يصح اسلامكم، و لم يثبت عندالله ايمانكم!ويلكم! هؤلاء أولاد اليعسوب الزكي، و البر التقي أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم أنشأت تقول:وجوه نورها يزهو كنور البدر و الشمس رسول الله و الطهر خيار الجن و الانس حسين السبط مقتول بسيف الفاسق الرجس [ صفحه 456] قال الشعبي: ثم خرجت الي يزيد لعنه الله منشورة الشعر، فقالت: ويلك يا يزيد! كف عن أولاد فاطمة الزهراء عليهاالسلام، فاني كنت الساعة نائمة، فرأيت في منامي كأن أبواب السماء قد فتحت، و رأيت أربعة من الملائكة قد أحاطوا بقصرك، و هم يقولون: أحرقوا هذه الدار، و قط سخط علي أهلها الملك الجبار.قال سهل: و كانت هذه المرأة زوجة ليزيد لعنه الله فقال لها: ويلك و ترثين لأولاد فاطمة الزهراء، والله؛ لأقتلنك أشر قتلة.قالت له: و ما ينجيني من القتل؟قال: تقومين علي قدميك، و تسبين علي بن أبي طالب و عترته، فانك تنجين من القتل.قالت: نعم؛ أفعل ذلك ان أنت أحضرت من يسمع مقالتي.فأمر باحضار الناس، فلما اجتمعوا قامت قائمة علي قدميها و قالت: يا معشر من حضر! ان هذا يزيد بن معاوية لعنهما الله قد أمرني أن أسب علي بن أبي طالب عليه السلام و عترته، ألا فانصتوا لما أقول: ألا لعنة الله و لعنة اللاعنين و الملائكة و الناس أجمعين علي يزيد و أبيه و جده أبي سفيان

و حزبه و أتباعه الي يوم الدين.قال: فلما سمع الناس كلامها غضب يزيد لعنه الله غضبا شديدا، و قال: من يكفيني أمرها؟فقام اليها رجل من الشام، فضربها ضربة جدلها [938] صريعة، فانتقلت الي رحمة الله تعالي [939] . [ صفحه 457]

نوح أهل الشام لأهل العباء و اعتراضهم علي يزيد

في خبر أبي مخنف: ثم ان أهل الشام كأنهم نيام فانتهبوا، فعطلوا الأسواق، و جددوا العزاء، و أظهروا المصيبة لأهل العباء، و قالوا: والله؛ ما علمنا أنه رأس الحسين عليه السلام، و انما قيل: رأس خارجي خرج بأرض العراق.فلما سمع يزيد لعنه الله ذلك، فاستعمل لهم الأجزاء من القرآن! و فرقها في المسجد، فكانوا اذا صلوا و فرغوا من صلاتهم وضعوها بين أيديهم ليشتغلوا [940] بها عن ذكر الحسين بن علي عليه السلام.فلم يشغلهم عن ذكره شيئا، فأمر يزيد لعنه الله باحضارهم و قام خطيبا و قال: يا أهل الشام! أنتم تقولون: اني قتلت الحسين عليه السلام أو أمرت بقتله؟ و انما قتله ابن مرجانة.ثم دعي بالذين حضروا قتل الحسين عليه السلام فحضروا بين يديه، فالتفت الي شبث بن ربعي لعنه الله و قال له: يا ويلك! أنت قتلت الحسين؟ أو أنا أمرتك بقتله؟فقال شبث: أنا والله؛ ما قتلته، و لعن الله من قتله.قال: من قتله؟قال: قتله مصابر بن وهيبة.فالتفت اليه يزيد المعلون، و قال له: ءأنت الحسين عليه السلام؟ أو أنا أمرتك بقتله؟قال: لا والله؛ ما قتلته، و لعن الله من قتله. [ صفحه 458] قال: من قتله؟قال: قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله.فالتفت اليه، و قال له: يا ويلك! ءأنت قتلته؟ أو أمرتك بقتله؟قال: لا والله؛ ما قتلته.قال لعنه الله: فمن قتله؟قال: قتله سنان بن أنس النخعي لعنه الله [941] .قال له: أنت قتلته؟قال: لا.قال: من

قتله؟قال: خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله.قال: أنت قتلته؟قال: لا، و لعن الله من قتله.قال: ويلكم! يحيل بعضكم علي بعض، و أري ينظر بعضكم بعضا.قالوا: قتله قيس بن ربيع.قال له: أنت قتلت الحسين؟قال: ما قتلته.قال: ألا فمن قتله يا ويلكم؟قال قيس: أقول لك يا يزيد! من قتله، ولي الأمان؟قال: قل، و لك الأمان. [ صفحه 459] قال: والله؛ ما قتل الحسين عليه السلام و أهل بيته الا من عقد الرايات، و صب المال علي الأنطاع، و سير الجويش جيشا بعد جيش.فقال يزيد لعنه الله: و من ذاك؟فقال: أنت والله؛ يا يزيد!فغضب يزيد لعنه الله من قوله، و نهض [942] و دخل داره، و وضع الرأس في طشت، و غطاه بمنديل ديبقي، و وضعه في حجره و جعل يلطم خده، و هو يقول: مالي مالي و قتل الحسين [943] .هذا؛ و قد نقل جمع من أصحاب المقاتل، منهم السيد رحمه الله في كتاب «اللهوف» و ابن نما في «مثير الأحزان»:أن يزيد لعنه الله قال لعلي بن الحسين عليه السلام: أذكر حاجاتك الثلاث التي وعدك بقضائهن.فقال له: الأولي: أن تريني وجه سيدي و مولاي أبي الحسين عليه السلام، فأتزود منه و أنظر اليه و أودعه.و الثانية: أن ترد علينا ما أخذ منا.و الثالثة: ان كنت عزمت علي قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن الي حرم جدهن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.فقال: أما وجه أبيك فلن تراه أبدا، و أما قتلك فقد عفوت عنك، و أما النساء فما يردهن الي المدينة غيرك، و أما ما أخذ منكم فأنا اعوضكم عنه أضعاف قيمته. [ صفحه 460] فقال عليه السلام: أما مالك [944] فلا نريده، و هو موفر عليك، فانم

طلبت ما أخذ منا، لأن فيه مغزل فاطمة عليهاالسلام بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و مقنعتها و قلادتها و قميصها.فأمر برد ذلك، و زاد فيه من عنده مأتي دينار.فأخذها زين العابدين عليه السلام و فرقها في الفقراء و المساكين.ثم أمر برد الاساري و سبايا البتول عليهاالسلام الي أوطانهم بمدينة الرسول [945] .

تكلم الرأس الشريف مع الامام السجاد

و في «شرح شافية أبي فراس» و غيره: أنه لما قال علي بن الحسين عليهماالسلام: يا يزيد! أريد أن تريني وجه أبي و سيدي الحسين عليه السلام، و قال له: لن تراه أبدا، كأن الرأس الشريف في طشت من العسجد مغطي بمنديل ديبقي، فاذا بالمنديل ارتفع و ناداه: [السلام عليك يا ولداه] السلام عليك يا علي!فصاح علي بن الحسين عليه السلام: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا أبتاه! أيتمتني علي صغر سني، و ذهبت يا أبتاه! عني، و فرق بيني و بينك، فها أنا راجع الي حرم جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أودعتك الله تعالي و أسترعيك و أقرء عليك السلام.فضج المجلس بالبكاء و العويل حتي ارتجت الأرض، فخشي يزيد لعنه الله من انقلاب الناس عليه، فقام و دخل منزله [946] . [ صفحه 461]

خروج أهل اليبت من الشام

في «المنتخب»: لما كان اليوم الثامن من الأيام التي ناحوا فيها علي الحسين عليه السلام دعاهن يزيد لعنه الله و عرض عليهن المقام، فأبين و أردن الرجوع الي المدينة، فأحضر لهم المحامل و زينها و أمر بالأنطاع الأبريسم [947] ، و صب عليها الأموال، و قال: يا ام كلثوم! خذوا هذا المال عوض ما أصابكم.فقالت ام كلثوم عليهاالسلام: يا يزيد! ما أقل حيائك؟! و أصلب [948] وجهك؟! [أ] تقتل أخي و أهل بيتي، و تعطيني عوضهم مالا؟! والله؛ لا كان ذلك أبدا [949] .و قال أبومخنف: فأعطاهم مالا كثيرة، و أخلف علي كل واحدة منهن و منهم ما أخذ منه، و زاد عليه من الحلي و الثياب و الأثاث، ثم دعا بالجمال فأبركوها فوطأها لهم بأحسن و طاء و أجمله، فدعي بقواد من قواده، و ضم اليه

خمسمائة فارس، و أمر بالمسير الي المدينة.و لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين عليه السلام، فاستخلا به، ثم قال له: لعن الله بن مرجانة، أما والله؛ لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة [950] أبدا الا أعطيته اياها، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت، و لكن الله قضي ما رأيت، كاتبني من المدينة، و أنه [951] كل حاجة تكون لك. [ صفحه 462] و تقدم بكسوته و كسوة أهله، و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم اليه [952] أن يسير بهم في الليل، و يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه، اذا نزلوا تنحي عنهم، و تفرق هو و أصحابه حولهم، كهيئة الحرس لهم، و ينزل منهم حيث أراد انسان من جماعتهم وضوءا و قضي حاجة لم يحتشم.فصار معهم في جملة النعمان و لم يزل يسايرهم في الطريق و يرفق [953] بهم، كما وصاه يزيد لعنه الله [954] .

صلة أهل البيت للنعمان

و في «فصول المهمة»: فقالت فاطمة بنت الحسين عليهاالسلام لاختها: لقد أحسن هذا الرجل الينا فهل لك أن تصله بشي ء؟فقالت: والله؛ ما معنا ما نصله به الا ما كان من هذه الحلي.قالت: فافعلي، فأخرجت له سوارين و دملجين [955] ، و بعثتا بهما اليه.فردهما، و قال: لو كان الذي صنعته رغبة في الدنيا لكان في هذا مقنع بزيادة كثيرة، و لكني والله؛ ما فعلته الا لله و لقرابتكم من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [956] . [ صفحه 463]

وصول أهل البيت الي العراق و ذهابهم الي كربلاء

و في «المنتخب»: فقلن النساء له: بحق الله عليك الا ما عرجت [957] بنا الي طريق كربلاء.ففعل ذلك حين و صل الي تلك، و كان قدومهم الي ذلك المصرع في يوم العشرين من صفر، فوجدوا هناك جابر بن عبدالله الأنصاري و جماعة من نساء بني هاشم.و تلاقوا في وقت واحد، فأخذوا بالنوح و البكاء و اقامة المآتم الي ثلاثة أيام [958] .قال صاحب «الأصل» ناقلا عن بعض الكتب القديمة:فلما بلغوا أرض كربلاء نزلوا في موضع مصرعه، و وجدوا جماعة من بني هاشم و غيرهم قد وردوا الي زيارة الحسين عليه السلام، فتلاقوا في وقت واحد، و أخذوا بالبكاء و النحيب و اللطم، و أقاموا العزاء الي مدة ثلاثة أيام.و اجتمع اليهم نساء أهل السواد، فخرجت زينب عليهاالسلام في الجمع، و أهوت الي جيبها، فشقته و نادت بصوت حزين يقرح [959] القلوب:وا أخاه! وا حسيناه! وا حبيب رسول الله! و ابن مكة و مني! و ابن فاطمة الزهراء! و ابن علي المرتضي! آه ثم آه.و وقعت مغشية عليها، و خرجت ام كلثوم عليهاالسلام لاطمة الخدين تنادي برفيع الصوت: [ صفحه 464] اليوم مات محمد المصطفي، اليوم مات علي المرتضي،

اليوم ماتت فاطمة الزهراء.و باقي النساء لا طمات ناعيات نائحات قائلات: وا مصيبتاه! وا حسناه! وا حسيناه!فلما رأست سكينة عليهاالسلام ما حل بالنساء رفعت صوتها تنادي:وا محمداه! وا جداه! يعز عليك ما فعلوا بأهل بيتك ما بين مسلوب و جريح، و مسحوب و ذبيح، وا حزناه! وا أسفاه!

وداع أهل البيت بكربلاء

ثم أمر علي بن الحسين عليه السلام بشد رحاله، فشدوها فصاحت سكينة عليهاالسلام بالنساء لتوديع قبر أبيها، فدارت حوله فحضنت القبر الشريف، و بكت بكاء شديدا، و حنت و أنت و أنشأت تقول:ألا يا كربلا! نودعك جسما بلا كفن و لا غسل دفيناألا يا كربلا! نودعك روحا لأحمد و الوصي مع الأمينا [960] .

وصول أهل البيت الي المدينة

قال السيد رحمه الله: ثم انفصلوا من كربلاء طالين المدينة. [ صفحه 465] قال بشر بن خزام [961] : فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهماالسلام فحط رحله و ضرب فسطاطه و أنزل نسائه.و قال: يا بشر! رحم الله أباك، لقد كان شاعرا، فهل تقدر علي شي ء منه؟قلت: بلي يابن رسول الله! اني لشاعر.قال: فادخل المدينة، وانع أباعبدالله الحسين عليه السلام.

بشر ينعي الامام الحسين في المدينة

قال بشر: فركبت فرسي، و ركضت حتي دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلي الله عليه و آله و سلم رفعت صوتي بالبكاء، و أنشأت أقول:يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرارالجسم منه بكربلاء مضرج و الرأس منه علي القناة [962] يدارقال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين عليهماالسلام مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم، و نزلوا بفنائكم، و أنا رسوله اليكم أعرفكم مكانه.قال: فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجوبة الا برزن من خدورهن مشكوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل و الثبور.فلم أرباكيا و لا باكية أكثر من ذلك اليوم، و لا يوما أمر علي المسلمين منه [بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم]. [ صفحه 466] و سمعت جارية تنوح علي الحسين عليه السلام و تقول:نعي سيدي ناع نعاه فأوجعا و أمرضني ناع نعاه فأفجعافعيني جودا بالدموع و أسكبا و جودا بدمع بل بدمعكما معاعلي من دهي عرش الجليل فزعزعا فأصبح أنف المجد و الدين أجدعاعلي ابن نبي الله و ابن وصيه و ان كان عنا شاحط الدار أشسعاثم قالت: أيها الناعي! جددت علينا حزننا بأبي عبدالله عليه السلام، و خدشت منا قروحا لما تندمل، فمن أنت يرحمك الله؟فقلت: أنا بشر بن

خزام، وجهني مولاي علي بن الحسين عليهماالسلام، و هو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبدالله الحسين عليه السلام و نسائه.قال: فتركوني مكاني و بادروا، فضربت فرسي حتي رجعت اليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق و المواضع.

خطبة الامام السجاد في مدخل المدينة

فنزلت [عن فرسي] و تخطيت رقاب الناس حتي قربت من باب الفسطاط، و كان علي بن الحسين عليهماالسلام داخلا، فخرج و معه خرقة يمسح بها دموعه، و خلفه خادم معه كرسي، فوضعه له و جلس عليه، و هو لا يتمالك من العبرة، و ارتفعت أصوات الناس بالبكاء، و حنين الجواري و النساء.و الناس من كل ناحية يعزونه، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة.فأومأ بيده الي الناس أن اسكتوا، فسكتت فورتهم، فقال عليه السلام:الحمد لله رب العالمين [الرحمان الرحيم]، مالك يوم الدين، باري ء الخلائق [ صفحه 467] أجمعين، الذي بعد فارتقع في السماوات العلي، و قرب فشهد النجوي، نحمده علي عظائم الامور، و فجائع الدهور، و ألم الفجائع، و مضاضة [963] اللواذع، و جليل الرزء، و عظيم المصائب، القاطعة الكاظمة، الفادحة [964] الجائحة.أيها الناس! ان الله تعالي - و له الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، و ثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبوعبدالله عليه السلام و عرته، و سبي نساؤه و صبيته، و داروا برأسه في البلدان فوق عالي السنان [965] ، و هذه الرزية التي لا مثلها رزية.أيها الناس! فأي رجالات منكم يسرون بقتله؟ أم أية عين [منكم] تحبس دمعها و تضن عن انهمالها؟قلقد بكت السبع الشداد لقتله، و بكت البحار بأمواجها، و السماوات بأركانها، و الأرض بأرجائها، و الأشجار بأغصانها، و الحيتان في لجج البحار، و الملائكة المقربون، و أهل السماوات أجمعون.أيها الناس! أي قلب لا يتصدع لقتله؟ أم أي

فؤاد لا يحن اليه؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام [و لا يصم]؟أيها الناس! أصبحنا مطرودين مشردين [مذودين] شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك و كابل، من غير جرم اجترمناه، و لا مكروه ارتكبناه، و لا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ان هذا الا اختلاق. [ صفحه 468] فوالله؛ لو أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم تقدم اليهم [في قتالنا كما تقدم اليهم] [966] في الوصاية بنا لما زادوا علي ما فعلوا بنا، فانا لله و انا اليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، و أوجعها و أفجعها، و أكظها، و أقطعها [967] ، و أمرها و أفدحها، فعند الله نحتسبه فيما أصابنا، و ما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام.قال: فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان - و كان زمنا - فاعتذر اليه صلوات الله عليه بما عنده من زمانة رجلية، فأجابه بقبول معذرته، و حسن الظن فيه، و شكر له و ترحم علي أبيه، انتهي [968] .

محمد بن الحنفية و اخباره بوصول أهل البيت

و في ذيل ما نقله صاحب الأصل عن بعض الكتب القديمة عن بشر بن حزام قال: و لم يكن لمحمد بن الحنفية علم بذلك الخبر الشنيع، فسمع أصواتا عالية، و رجة عظيمة، فقال: والله؛ ما رأيت مثل هذه الزلزلة الا يوم مات فيه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما هذه الصيحة؟فلم يقدر أحد أن يخبره بسوء، لخوفهم عليه من الموت، لأنه قد أنحله المرض، فلج عليهم بالسؤال.فتقدم [اليه] من غلمانه و قال، جعلت فداك؛ يابن أميرالمؤمنين! ان أخاك الحسين عليه السلام قد أتي أهل الكوفة و غدروا به، و قتلوا ابن عمه

مسلم بن عقيل، فرجع عنهم و أتي بأهله و أصحابه سالمين. [ صفحه 469] فقال له: و لم لا يدخل علي أخي؟قالوا: ينتظر قدومك اليه.ثم نهض، فوقع فتارة يقوم و تارة يسقط، ثم يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، فحس قلبه بالشي ء [969] ، فقال: ان فيها والله؛ مصائب آل يعقوب عليه السلام.ثم قال: أين أخي؟ أين ثمرة فؤادي؟ أين الحسين عليه السلام؟ و لم يعلم بقتله.فقالوا: يا مولانا! أخوك بالموضع الفلاني.ثم أركبوه جواده، و نسج عليه حلة عظيمة، ثم أتت خدامه أمامه حتي خرج من المدينة، فلم ير الا أعلاما سودا، فقال: ما هذه الأعلام السود؟ والله؛ قتل الحسين عليه السلام بنوا امية لعنهم الله.فصاح صيحة عظيمة، و خر عن جواده الي الأرض مغشيا عليه.فركض الخادم الي زين العابدين عليه السلام، و قال: يا مولاي! أدرك عمك قبل أن تفارق روحه الدنيا.فخرج الامام عليه السلام و بيده خرقة سوداء يمسح بها دموعه، الي أن أتي الي عمه، فأخذ رأسه و وضعه في حجره.فلما أفاق قال: يابن أخي! أين أخي؟ أين قرة عيني؟ أين نور بصري؟ أين أبوك؟ [أين خليفة أبي] أين أخي الحسين؟فقال علي عليه السلام: يا عماه! أتيتك يتيما ليس معي الا نساء حاسرات في الذيول، عاثرات باكيات نادبات، و للمحامي فاقدات.يا عما! لو تنظر الي أخيك و هو يستغيث، فلا يغاث، و يستجير فلا يجار، [ صفحه 470] مات عطشانا والمآء يشربه كل حيوان.فصرخ محمد بن الحنفية حتي غشي عليه، فلما أفاق من غشوته قال: قص علي يابن أخي! ما أصابكم.فجعل يقص عليه القصة، و الامام عليه السلام عيناه كأنهما ميزاب و بيده خرقة يمسح بها دموعه، فل يزل يخبره حتي لم يبق له قوة أبدا،

فما كان الا ساعة الا و قد أتت نساء أهل المدينة، فتلقاهن نساء الحسين عليه السلام بلطم يكاد الصخر يتصدع له [970] .

رثاء ام كلثوم حين توجهت الي المدينة

و في «المنتخب»: و أما ام كلثوم عليهاالسلام؛ فانها حين توجهت الي المدينة جعلت تبكي و تقول:مدينة جدنا لا تقبلينا فبالسحرات و الأحزان جئناألا فاخبر رسول الله عنا بأنا قد فجعنا في أخيناو ان رجالنا بالطف صرعي بلا رؤوس و قد ذبحوا البنيناو أخبر جدنا أنا اسرنا و بعد الأسر يا جدا سبيناو رهطك يا رسول الله! أضحوا عرايا بالطفوف مسلبيناو قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا جناب يا رسول الله! فينافلو نظرت عيونك للاساري علي أقتاب الجمال محملينارسول الله! بعد الصون صارت عيون الناس ناظرة الينا [ صفحه 471] و كنت تحوطنا حتي تولت عيونك ثارت الاعداء عليناأفاطم! لو نظرت الي السبايا بناتك في البلاد مشتتيناأفاطم! لو نظرت الي الحياري و لو أبصرت زين العابديناأفاطم! لو رأيتينا سهاري و من سهر الليالي قد عميناأفاطم! ما لقيت من عداك و لا قيراط مما قد لقينافلو دامت حياتك لم تزالي الي يوم القيامة تندبيناو عرج بالبقيع وقف و ناد أيا ابن حبيب رب العالميناو قل يا عم! يا الحسن الزكي عيال أخيك أضحوا ضائعيناأيا عماه! ان أخاك أضحي بعيدا عنك بالرمضا رهينابلا رأس تنوح عليه جهرا طيور و الوحوش الموحشيناو لو عاينت يا مولاي! ساقوا حريما لا يجدن لهم معيناعلي متن النياق بلا وطاء و شاهدت العيال مكشفينامدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات و الأحزان جئناخرجنا منك بالأهلين جمعا رجعنا لا رجال و لا بنيناو كنا في الخروج بجمع شمل رجعنا حاسرين مسلبيناو كنا في أمان الله جهرا رجعنا بالقطيعة خائفيناو مولانا الحسين لنا أنيس رجعنا و

الحسين بن رهينافنحن الضائعات بلا كفيل و نحن النائحات علي أخيناو نحن السائرات علي المطايا نشال علي جمال المبغضيناو نحن بنات يس و طه و نحن الباكيات علي أبينا [ صفحه 472] و نحن الطاهرات بلا خفاء و نحن المخلصون المصطفوناو نحن الصابرات علي البلايا و نحن الصادقون الناصحوناألا يا جدنا! قتلوا حسينا و لم يرعوا جناب الله فيناألا يا جدنا بلغت عدانا مناها و اشتفي الأعداء فينالقد هتكوا النساء و حملونا علي الأقتاب قهرا أجمعيناو زينب أخرجوها من خباها و فاطم و اله تبدي الأنيناسكينة تشتكي من حر وجد تنادي: الغوث رب العالميناو زين العابدين بقيد ذل و راموا قتله أهل الخؤونافبعدهم علي الدنيا تراب فكأس الموت فيها قد سقيناو هذي قصتي مع شرح حالي ألا يا سامعون ابكوا علينا [971] .

نوح أهل البيت في المدينة

قال أبومخنف: فسمعت ام لقمان صراخ [972] زينب، و ام كلثوم، و عاتكة، و صفية و رقية، و سكينة [و باقي النساء] عليهن السلام، فخرجت حاسرة الرأس و معها أترابها، و ام هاني و رملة و أسماء بنات علي من أبي طالب عليه السلام، فجعلن يبكين و يندبن الحسين عليه السلام.قال: و كان دخولهم المدينة يوم الجمعة، و الخاطب يخطب الناس، فذكروا الحسين صلوات الله عليه و ما جري عليه، فتجددت الأحزان، و اشتملت عليهم المصائب، و صاروا ما بين باك و ناحب، و اقبلت أهل المدينة بأسرها، و كان أشبه [ صفحه 473] الأيام بموت النبي صلي الله عليه و آله و سلم.ثم قال: و أقبلت ام كلثوم عليهاالسلام الي مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم باكية العين، حزينة القلب، فقالت: ألسلام عليك يا جداه! اني ناعية اليك ولدك الحسين عليه السلام.قال: فحن القبر حنينا عاليا،

و ضجت الناس بالبكاء و النحيب [973] .قال الراوي: و أما زينب عليهاالسلام؛ فأخذت بعضادتي [974] باب المسجد، و نادت:يا جداه! اني ناعية اليك أخي الحسين عليه السلام.و هي مع ذلك لا تجف لها عبرة، و لا تفتر [975] بالبكاء و النحيب، و كلما نظرت الي علي بن لاحسين عليه السلام تجدد حزنها، و زاد وجدها [976] .و في الأصل: ناقلا عن بعض الكتب المعتبرة قال الراوي: فخرجت ام سلمة من الحجرة الطاهرة، و في احدي يديها القارورة، و قد صارت التربة فيها دما، و قد أخذت بالاخري يد فاطمة العللية بنت الحسين صلوات الله عليه.فلما رآي أهل البيت ام المؤمنين و التربة المنقلبة بالدم ضاعف بكائهم، فتعانقوا مع ام المؤمنين، و سألوا عن فاطمة العليلة، فأمرت ام سلمة لهم بالصبر.و قال أبومخنف: ثم أقبل علي بن الحسين عليه السلام الي قبر جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و مرغ خديه، و بكي.ثم خرج من عند قبر جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دخل علي عمه محمد بن الحنفية، فأخبره بقتل أبيه، فبكي حتي غشي عليه. [ صفحه 474] فلما أفاق من غشيته قام و تدرع بدرعه، و تقلد بسيفه، و ركب جواده، و صعد الجبل، و الناس يشاهدونه و غاب، و ما ظهر الا في وقت ظهر فيه المختار، و أقامت الرجال و النساء يندبون الحسين عليه السلام خمسة عشر يوما [977] . [ صفحه 475]

خاتمة في امور

في عدد المقتولين معه من أهل بيته

روي المجلسي رحمه الله عن ابن شهر آشوب، و صاحب «المناقب»، و محمد بن أبي طالب: أنه اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت عليهم السلام، فالأكثرون علي أنهم كانوا سبعة و عشرين:سبعة من بني عقيل: مسلم المقتول بالكوفة،

و جعفر، و عبدالرحمان ابنا عقيل، و محمد بن مسلم، و عبدالله بن مسلم، و جعفر بن محمد بن عقيل، و محمد بن أبي سعيد بن عقيل.و زاد ابن شهر آشوب: عونا و محمدا ابني عقيل.و ثلاثة من ولد جعفر بن أبي طالب: محمد بن عبدالله بن جعفر، و عون الأكبر بن عبدالله، و عبيدالله بن عبدالله.و من ولد علي عليه السلام تسعة: الحسين عليه السلام، و العباس عليه السلام - و يقال: و ابنه محمد بن العباس - و عمر بن علي عليه السلام، و عثمان بن علي عليه السلام، و جعفر بن علي عليه السلام، و ابراهيم بن علي عليه السلام، و عبدالله بن الأصغر عليه السلام، و محمد بن علي الأصغر عليه السلام، و أبوبكر، شك في قتله. [ صفحه 476] و أربعة من بني الحسن عليه السلام: أبوبكر، و عبدالله، و القاسم عليه السلام، و قيل: بشير، و قيل: عمر، و كان صغيرا.و ستة من بني الحسين عليه السلام - مع اختلاف فيه -: علي الأكبر عليه السلام، و عبدالله، و ابراهيم، و محمد، و حمزة، و علي، و جعفر، و عمر، و زيد، و ذبح عبدالله في حجره [978] .قال الفاضل المجلسي رحمه الله: و لم يذكر صاحب «المناقب» الا عليا، و عبدالله، و أسقط ابن أبي طالب حمزة و ابراهيم و زيدا و عمر [979] .قال ابن شهر آشوب: و يقال: لم يقتل محمد الاصغر بن علي عليه السلام لمرضه و يقال: رماه رجل من بني دارم، فقتله [980] .و قال: قال أبوالفرج: جميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوي من يختلف في أمره اثنان و عشرون رجلا [981] .و قال ابن نما رحمه الله: قالت الرواة: كنا اذا ذكرنا عند محمد بن علي الباقر عليه السلام

قتل الحسين صلوات الله عليهم قال: قتلوا سبعة عشر انسانا كلهم ارتكض في بطن فاطمة عليهاالسلام، يعني بنت أسد ام علي عليه السلام. [982] . [ صفحه 477]

في عدد أولاده

و قال المفيد رحمه الله في ارشاده: و كان للحسين عليه السلام ستة أؤلاد: علي بن الحسين الأكبر عليهماالسلام، كنيته أبومحمد، و امه شاه زنان بنت كسري يزدجرد.و علي بن الحسين الأصغر عليهماالسلام، قتل مع أبيه بالطف، و قد تقدم ذكره فيما سلف، و امه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية.و جعفر بن الحسين عليه السلام، لا بقية له، و امه قضاعية، و كانت وفاته في حياة الحسين عليه السلام.و عبدالله بن الحسين عليه السلام، قتل مع أبيه صغيرا، جاءه سهم و هو في حجر أبيه، فذبحه [و قد تقدم ذكره فيما مضي] [983] .و سكينة بنت الحسين عليه السلام، و امها الرباب بنت امري القيس بن عدي، كلبية معدية [984] ، و هي ام عبدالله بن الحسين عليه السلام.و فاطمة بنت الحسين عليه السلام، و امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبدالله تميمية [985] .و في «البحار» و «العوالم»: عن ابن شهر آشوب في «المناقب»:أبناءه: علي الأكبر عليه السلام الشهيد، امه برة بنت عروة بن مسعود الثقفي.و علي الامام و هو علي الأوسط عليه السلام، و علي الأصغر عليه السلام و هما من شهر بانويه. [ صفحه 478] و محمد و عبدالله الشهيد من ام الرباب بنت امري القيس، و جعفر و امه قضاعية.و بناته: سكينة عليهاالسلام امها رباب بنت امري القيس الكندية، و فاطمة عليهاالسلام امها ام اسحاق بنت طلحة بن عبدالله، و زينب عليهاالسلام.و أعقب الحسين عليه السلام من ابن واحد، و هو زين العابدين عليه السلام، و ابنتين، و بابه رشيد الهجري [986] . [ صفحه 479]

في مدة عمره الشريف

في «مطالب السؤال» قال كمال الدين: قد تقدم القول في ولادته عليه السلام أنها كانت في سنة أربع من الهجرة، [و كان انتقاله الي الدار الاخرة في سنة

احدي و ستين من الهجرة،] فتكون مدة عمره ستا و خمسين سنة و أشهرا.كان منها مع جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ست سنين و أشهرا.و كان مع أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم.و كان مع أخيه الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه عشر سنين، و بقي بعد وفاة أخيه الي وقت مقتله عشر سنين...و قال أبوالفرج عبدالرحمان بن الجوزي في تأريخه: و اختلفوا في سنه عليه السلام علي أقوال:أحدها: ست و خمسون سنة، قاله الواقدي، لأنه ولد سنة أربع من الهجرة.و الثاني: خمس و خمسون، قاله السدي.و الثالث: ثمان و خمسون.ثم قال: و كان مقتله يوم الجمعة ما بين الظهر و العصر، لأنه عليه السلام صلي صلاة الخوف بأصحابه [987] .و قال المفيد رحمه الله في ارشاده: و مضي الحسين في يوم السبت العاشر من المحرم سنة احدي و ستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه، قتيلا مظلوما، ظمئان صابرا محتسبا، علي ما شرحناه. [ صفحه 480] و سنه يومئذ ثمان و خمسون سنة، أقام منها مع جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سبع سنين، و مع أبيه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثلاثين سنة، و مع أخيه الحسين عليه السلام عشر سنين.و كانت خلافته بعد أخيه احدي عشر سنة، و كان عليه يخضب بالحناء و الكتم، و قتل عليه السلام و قد نصل الخضاب من عارضيه [988] . [ صفحه 481]

في فضل زيارته

و فيه أيضا: و قد جائت روايات كثيرة في فضل زيارته عليه السلام، بل في وجوبها.فروي عن الصادق عليه السلام [أنه] قال:زيارة الحسين عليه السلام واجبة علي كل من يقر

للحسين عليه السلام بالامامة من الله عزوجل.و قال عليه السلام: زيارة الحسين عليه السلام تعدل مائة حجة مبرورة، و مائة عمرة متقبلة.و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: من زار الحسين بعد موته فله الجنة.و الأخبار في هذا [الباب] كثيرة، و قد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف ب «مناسك المزار» [989] ، انتهي كلامه رفع في الخلد مقامه. [ صفحه 482]

في فضل البكاء عليه

في «المنتخب»: عن الصادق عليه السلام أنه قال: من ذكرنا عنده ففاض من عينيه و لو مثل رأس الذبابة غفر الله تعالي ذنوبه، و لو كانت مثل زبد البحر [990] .و فيه أيضا: باسناده عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبدالله عليه السلام، و نحن جماعة من الكوفيين، اذ دخل جعفر بن عفان علي أبي عبدالله عليه السلام، فقربه و أدناه، ثم قال: يا جعفر!فقال: لبيك جعلني الله فداك.قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيد.قال: نعم؛ جعلني الله فداك.قال عليه السلام: قل، فأنشده فبكي عليه السلام [991] و من حوله حتي صارت له الدموع علي وجهه ولحيته.ثم قال عليه السلام: يا جعفر! والله؛ لقد شهد الملائكة المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام، و لقد بكوا كما بكينا أو أكثر، و لقد أوجب الله لك يا جعفر! في ساعته الجنة بأسرها، و غفر لك.و قال أيضا: يا جعفر! ألا أزيدك؟قال: نعم؛ يا سيدي!قال: ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعرا فبكي وأبكي به، الا أوجب الله [ صفحه 483] تعالي له الجنة و غفر له و عنه [992] .قال: اذا كان يوم العاشر من المحرم تنزل الملائكة من السماء، و مع كل ملك قارورة من البلور [993] الأبيض، و يدورون في كل بيت

و مجلس يبكون فيه علي الحسين عليه السلام، فيجمعون دموعهم في تلك القوارير.فاذا كان يوم القيامة فتلتهب نار جهنم فيضربون من تلك الدموع علي النار، فتهرب النار عن الباكي علي الحسين عليه السلام مسيرة ستين ألف فرسخ [994] .قال مؤلف الأوراق؛ محمد رفيع بن قهرمان الگرمرودي مولدا، و التبريزي مسكنا، و الغروي مدفنا ان شاء الله تعالي: قد سرني الله عزوجل، اتمام تأليفها و تسويدها، و ترجمتها في اليوم الثالث من شهر[...] سنة اثنين و ثلاثمائة بعد الألف، مبتهلا الي الله تعالي أن يقرئه برضاه، و يخلصه من شوب سواه، و يغفر لي و لوالدي و لجميع من تمسك بولاية ولاة الحق في كل غرب و شرق.اللهم صل و سلم علي أشرف الأنبياء محمد و آله المعصومين الطاهرين، و العن علي أعاديهم و ظالميهم و غاصبي حقوقهم أجمعين.

پاورقي

[1] الزام الناصب: 282 / 2.

[2] مثير الأحزان: 4.

[3] البحار: 205 / 36 ح 8.

[4] مثير الأحزان: 4.

[5] البحار: 218 / 45.

[6] البحار: 279 / 44 ح 5.

[7] مثير الأحزان: 4.

[8] البحار: 280 / 44 ح 11.

[9] البحار: 283 / 44 ح 17. [

[10] الصحيفة المباركة المهدية: 430.

[11] البحار: 223 / 44 ح 1.

[12] الذريعة: 32 / 10.

[13] نقباء البشر: 788.

[14] في البحار: ذكر ما ذكر لنا.

[15] السحيق: البعيد، «منه رحمه الله».

[16] علل الشرائع: 230 / 1 ح 1، كمال الدين: 184 / 2، الاحتجاج: 285 / 2، البحار: 273 / 44 ح 1.

[17] مسند أحمد بن حنبل: 270 / 1 ح 1429، سنن أبي داود: 87 / 3 ح 2769، مع اختلاف يسير.

[18] في المصدر و البحار: الاتفاق السيي.

[19] لم ترد في البحار من قوله: و قلبه... الي قوله:

يحملهم.

[20] في البحار: و استسلامه.

[21] في البحار: في أحوال.

[22] تنزيه الأنبياء: 178 - 175، البحار: 96 / 45.

[23] لاحظ! المنتخب: 424.

[24] البحار: 99 / 45، المنتخب: 424.

[25] الحبار: 100 - 98 / 45.

[26] أمالي الصدوق، 215 ح 239 المجلس 30، البحار: 310 / 44 ح 1، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[27] البحار: 100 / 45، جلاء العيون: 510، مع اختلاف.

[28] الارشاد: 32 / 2، اللهوف: 96 و 97، البحار: 324 / 44 ضمن ح 2، مع اختلاف.

[29] الارشاد: 2 / 32 و 33، البحار: 324 / 44.

[30] في المصدر: الصيحة.

[31] المناقب: 88 / 4.

[32] الارشاد: 33 / 2، البحار: 326 - 325 / 44.

[33] أثبتناه من المصدر و البحار.

[34] اللهوف: 98 و 99، البحار: 326 / 4.

[35] البحار: 44 / 327 و 328.

[36] البحار: 330 - 327 / 44.

[37] البحار: 331 / 44.

[38] الارشاد: 34 / 2، البحار: 326 / 44.

[39] القصص: 18.

[40] الارشاد: 35 / 2، البحار: 332 / 44 مع اختلاف يسير.

[41] البحار: 330 / 44.

[42] النساء: 78.

[43] آل عمران: 154.

[44] يمتحن، خ ل.

[45] ما بين المعقوفتين لم ترد في البحار.

[46] لم ترد في البحار.

[47] البحار: 44 /330 و 331.

[48] القصص: 22.

[49] من البحار.

[50] الارشاد: 35/2 و 36.

[51] في بعض النسخ: يقص: يعني يقص عليهم بيعته حتي يبايعونه «منه رحمه الله». و في المصدر: تقبض، و هو الأصح، لأنه لم يبايع يزيد حتي نقضه، بل امتنع.

[52] النجاء: السرعة.

[53] في المصدر: عبدالله بن شداد الأرحبي، و في البحار: عبدالله و عبدالرحمان ابني عبدالله بن زياد الأرحبي.

[54] الارشاد: 38 - 36 / 2.

[55] السبيع: أبوبطن من همدان، و محلة بالكوفة منسوبة اليهم أيضا، «منه رحمه

الله».

[56] حي هلا؛ يقال حي هلا الثريد، فتحت يائه لاجتماع الساكنين و بنيت حي مع هل اسما واحدا مثل خمسة عشر، سمي به الفعل، و اذا وقفت عليه قلت: حي هلا. «الصحاح». حي علي الصلاة - بفتح الياء - أي هلم و أقبل... و معناه أسرع عند ذكره... «منه رحمه الله»

[57] من البحار.

[58] الارشاد: 2 / 38 و 39، البحار: 334 - 332 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[59] جلاء اليعون: 520.

[60] في الارشاد: الأرحبي.

[61] فيه: بتقوي الله.

[62] عنه، خ ل.

[63] في البحار: حسبت.

[64] في الارشاد: سلم.

[65] في الارشاد و البحار: المستضعفين.

[66].

[67] عرفاء كرؤساء: جمع عريف و هو دون الرئس، «منه رحمه الله».

[68] حروراء و قد يقصر: بلد بالكوفة، كذا في «القاموس»، و في «الصحاح» نسبت اليها الحرورية، من الخوارج كان أول مجتمعهم بها و تحكيمهم بها. «منه رحمه الله».

[69] في الارشاد و البحار: الصائدي.

[70] الارشاد 46 - 40 / 2، البحار: 343 - 335 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[71] في البحار: أن تحييها.

[72] البحار: 343 / 44.

[73] مثير الأحزان: 29.

[74] مسند أحمد بن حنبل: 270 / 1 ح 1429.

[75] البحار: 344 / 44.

[76].

[77] ايه - بكسر الهمزة و بفتح الهاء، أو مكسورا منونا -: كلمة استزادة و استنطاق، و سكون الهاء زجر، أي: حسبك، «منه رحمه الله».

[78] في المصدر: فآوتيه.

[79] ذمام - بالسكر - و جوار - بالسكر -: أن تعطي الرجل ذمة، فيكون بها جارك فتجير، «منه رحمه الله».

[80] انفس من التنفيس؛ يقال: نفسه فرجه، «منه رحمه الله».

[81] البارقة: السيوف.

[82] أثبتناه من المصدر.

[83] قضبه يقضبه قطعه...: ضربه بالقصب، و القضب: كل شجرة طالت و بسطت أغصانها... قضبان - بالضم و

الكسر -: و اللطيف من السيوف... «منه رحمه الله».

[84] اللهوف: 118 - 116. و روي العلامة المجلسي رحمه الله في البحار: 347 - 344 / 44 عن الارشاد (نحوه).

[85] أطمار - جمع طمر بالكسر -: و هو الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف، «منه رحمه الله».

[86] المنتخب: 415.

[87] كما في البحار: 347 / 44.

[88] سائر من السؤر: و هو البقية و الفضلة، قال في «القاموس»: و أغير علي قوم فاستصرفوا بني عمهم، فأبطأوا عنهم حتي أسروا و ذهب بهم ثم جاؤوا يسألون عنهم، فقال لهم المسئول: أسائر اليوم و قد زال الظهر، أي: يطمعون فيما بعد، و قد تبين لكم اليأس، لأن من كانت حاجة اليوم بأسره و قد زال الظهر، وجب أن ييأس كما ييأس منها بالغروب، «منه رحمه الله».

[89] في المصدر: لم تخلع... و لم تفارق.

[90] البحار: 347 - 346 / 44 عن الارشاد (نحوه).

[91] اللهوف: 119.

[92] الارشاد: 2 / 52 و 53.

[93] في المصدر: بجنود.

[94] اللهوف: 119.

[95] الارشاد: 54 / 2، عنه البحار: 350 / 44.

[96] في المصدر: في سكك.

[97] اللهوف: 119.

[98] المعروف: العرف، «منه رحمه الله».

[99] الارشاد: 2 / 54 و 55، عنه البحار: 350 / 44. [

[100] المنتخب: 415.

[101] في البحار: علي أهل الكوفة.

[102] الارشاد: 58 - 56 / 2، البحار: 352 - 347 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[103] البحار: 354 / 44.

[104] البحار: 354 / 44.

[105] المنتخب: 416.

[106] حسام - كغراب -: السيف القاطع: «منه رحمه الله».

[107] همام - كغراب -: الملك العظيم الهمة و السيد الشجاع، «منه رحمه الله».

[108] المناقب: 93 / 4، عنه البحار: 354 / 44.

[109] المنتخب: 416.

[110] في الارشاد و البحار:

الحجارة.

[111] انبهر أي: انقطع نفسه من شدة السعي و القتال، و في البحار: فانتهز.

[112] الارشاد: 2 / 85 و 59، البحار: 352 / 44.

[113] المنتخب: 416.

[114] من البحار.

[115] أثبتناه من الارشاد و البحار.

[116] لم ترد في الارشاد و البحار.

[117] في الارشاد: و أفظك.

[118] المثلة: العقوبة و قتلة، «منه رحمه الله».

[119] الارشاد: 63 - 59 / 2، المنتخب: 416 و 417، البحار: 357 - 350 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ بين المصادر.

[120] في بعض نسخ المصدر و البحار: سيي ء الوجه.

[121] اللهوف: 122، البحار: 357 / 44.

[122] تصورت الشي ء: توهمت صورة فتصور لي، «منه رحمه الله».

[123] جلاء العيون: 531 و 532.

[124] البحار: 358 / 44.

[125] الارشاد: 2 / 63 و 64، البحار: 358 / 44.

[126] تظلم الزهراء عليهاالسلام: 145.

[127] لم ترد في المصدر.

[128] المنتخب: 417 و 418.

[129] المسالح: جمع سلحة، بفتح الميم: الحدود و الأطراف من البلاد يترتب فيها أصحاب السلاح كالثغور يوقون العدو، و مسالح الرجال: مقدمة الجيش، «منه رحمه الله».

[130] البحار: 359 / 44، مع اختلاف يسير.

[131] مثير الأحزان: 41، 40، عنه البحار: 360 / 44.

[132] الارشاد: 66 / 2، عنه البحار: 363 / 44.

[133] في الارشاد و البحار: من مكة الي العراق في يوم خروج مسلم عليه السلام بالكوفة.

[134] الارشاد: 2 / 66 و 67، عنه البحار: 363 / 44.

[135] المنتخب: 424.

[136] القلادة - بالكسر - ما جعل في العنق.

[137] الأوصال: المفاصل الي مجتمع العظام، «منه رحمه الله».

[138] الفلوات جمع الفلات: المفازة، «منه رحمه الله».

[139] في المصدر و البحار: أجور.

[140] حظيرة القدس: الجنة، «منه رحمه الله».

[141] المهجة - بالضم - الدم، أو دم القلب له الروح، «منه رحمه الله».

[142] اللهوف: 126 و 127،

عنه البحار: 44 / 366 و 367.

[143] أثبتناه من اللهوف.

[144] في البحار: بهوي الناس.

[145] في اللهوف: و حضور الأجل و في البحار: و هبوط الأجر.

[146] في اللهوف: و لكني أعلم يقينا.

[147] في اللهوف: منهم.

[148] اللهوف: 126 - 124، دلائل الامامة: 182 ح 98، عنه البحار: 364 / 44، مع اختلاف يسير.

[149] اللهوف: 127 و 128، البحار: 364 / 44، المنتخب: 424.

[150] فصل من الناحية أي: خرج، «منه رحمه الله».

[151] استشهد فلان - علي بناء المجهول -: اذا قتل في سبيل الله، «منه رحمه الله» و في اللهوف: من لحق بي منكم....

[152] اللهوف: 129، دلائل الامامة: 187 ح 107، البحار: 330 / 44، مع اختلاف يسير.

[153] بغايا - بفتح الباء جمع بغي - هي: المرأة الزانية، «منه رحمه الله».

[154] البحار: 44 / 364 و 365.

[155] التنعيم: موضع معروف علي ثلاثة أميال أو أربعة من مكة، «منه رحمه الله».

[156] الارشاد: 2 / 67 و 68، مثير الأحزان: 39، عنهما البحار: 369، 368 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[157] الكراء - بكسرها -: أجر المستأجر، «منه رحمه الله».

[158] النسخة كذا، و الظاهر لحقه أو ابنيه، «منه رحمه الله».

[159] استأصل الشي ء: اذا قطعه من أصله. «منه رحمه الله».

[160] عجل عجلا؛ من باب تعب: أسرع، مجمع، «منه رحمه الله».

[161] الجهاد - بالكسر - القتال مع العدوان، «منه رحمه الله».

[162] أغذ في السير: أسرع، «منه رحمه الله».

[163] الارشاد: 2 / 68 و 69، عنه البحار: 366، 365 / 44.

[164] في اللهوف و البحار: لا نبالي.

[165] اللهوف: 131 و 132، عنه البحار: 368، 367 / 44.

[166] المهل - و يحرك - و المهلة - بالضم -: السكينة و الرفق، «منه رحمه

الله».

[167] الاسراء: 71.

[168] الشوري: 7.

[169] يقال: أسرع في السير أي: سرع، «منه رحمه الله».

[170] أمالي الصدوق: 318، 317 ضمن ح 239 المجلس 30.

[171] البحار: 368 / 44.

[172] اسم جبل لطي ء.

[173] مثير الأحزان: 39 و 40، عنه البحار: 369 / 44.

[174] البحار: 368 / 44.

[175] في الارشاد و البحار: الخيل.

[176] موضع قرب الكوفة.

[177] أي: أسرعوا.

[178] الارشاد: 2 / 70 و 71، عنه البحار: 44 / 369 و 370.

[179] في المصدر: مزقت.

[180] اللهوف: 135 و 136.

[181] في البحار: العراق.

[182] عرضت له الشي ء - من باب التفعيل - أي: أظهرته له و أبرزته اليه، «منه رحمه الله».

[183] واقصة: موضع في طريق مكة الي العراق.

[184] تغدي: أكل أول النهار، «منه رحمه الله».

[185] و هي ديلم بنت عمرو، كما قال السيد رحمه الله.

[186] الارشاد: 2 / 72 و 73، عنه البحار: 372 - 370 / 44.

[187] اللهوف: 133، عنه البحار: 372 / 44.

[188] كذا، و في تاريخ الطبري: «بلنجر» و هي مدينة ببلاد الروم (هامش الارشاد).

[189] الارشاد: 73 / 2، عنه البحار: 372 / 44.

[190] البارحة: أقرب ليلة مضت، «منه رحمه الله».

[191] الهتف: الصوت تهف، «منه رحمه الله».

[192] الجهد: الطاقة و يضم؛ المشقة، «منه رحمه الله».

[193] المناقب: 95 / 4، مع اختلاف يسير، عنه البحار: 372 / 44.

[194] أرقل: أسرع، كذا في القاموس، «منه رحمه الله».

[195]، والظاهر أنه علي فعول، «منه رحمه الله».

[196] الارشاد: 75 - 73 / 2، عنه البحار: 373، 372 / 44.

[197] قال صاحب الأصل: قد مضي هذا في رواية المفيد رحمه الله من ملاقاته عليه السلام الفرزدق عنه الحرم، فلعله بعد ما قضي مناسكه تعقب عليه السلام، فلحق به في بعض المنازل، «منه رحمه الله».

[198] ركن اليه ركونا:

مال و سكن، «منه رحمه الله».

[199] في اللهوف: فان.

[200] في البحار: في الرزق.

[201] في البحار: في الحر.

[202] اللهوف: 134 و 135، عنه البحار: 44 / 374، مع اختلاف يسير.

[203] في البحار: فاستقوا.

[204] اللهوف: 136، عنه البحار: 374 / 44.

[205] الارشاد: 2 / 75 و 76، مع اختلاف يسير.

[206] صعداء - بضم الصاد و فتح العين -: تنفس طويل، «منه رحمه الله».

[207] السحر: قبيل الصبح، «منه رحمه الله».

[208] استقيت من البئر و استقيت في القربة...، «منه رحمه الله».

[209] و طأه: اذا هيأه، «منه رحمه الله».

[210] الارشاد: 76 / 2، عنه البحار: 375 / 44.

[211] كامل الزيارات: 156 ح 194، عنه البحار: 87 / 45 ح 24.

[212] ماء، «منه رحمه الله».

[213] ذو خشب، خ ل، و في الارشاد: ذو حسمي، و الظاهر أنه الأصح.

[214] زهاء - بالضم -: قدره، «منه رحمه الله».

[215] في البحار: الحجاج بن مسروق.

[216] في الارشاد: جماعة من أصحابه.

[217] في الارشاد و البحار: ففعلوا.

[218] في الارشاد: و باعد.

[219] الارشاد: 81 - 76 / 2، عنه البحار: 378 - 374 / 44.

[220] في البحار: أثابه.

[221] الارشاد: 82، 81، عنه البحار: 379، 377 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[222] أمالي الصدوق: 219 ضمن ح 239 المجلس 30.

[223] منخر - بفتح الميم و الخاء و كسرهما و ضمهما -: ثقب الأنف، «منه رحمه الله».

[224] عقاب الأعمال: 308 ح 1.

[225] جعجع بالحسين: احبسه و ضيق عليه (هامش الارشاد).

[226] في الارشاد: في غير حصن.

[227] القصص: 41.

[228] في البحار: شفية.

[229] الارشاد: 84 - 82 / 2، عنه البحار: 381 - 380 / 44.

[230] في اللهوف: جذاء.

[231] في اللهوف: في لقاء ربه، و في البحار: في لقاء ربه حقا حقا.

[232]

في اللهوف: هدانا الله بك.

[233] اللهوف: 138 و 139، عنه البحار: 381 / 44.

[234] دمعت العين دمعا: سال دمعها، «منه رحمه الله».

[235] مناخ - بالضم -: برك الابل، «منه رحمه الله».

[236] البحار: 383 - 381 / 44.

[237] ركاب - ككتاب -: الابل التي يسار عليها الواحدة راحلة، «منه رحمه الله».

[238] الدمعة الساكبة: 256 / 4.

[239] البحار: 384 - 383 / 44.

[240] كامل الزيارات: 157 ح 196.

[241] اللهوف: 145.

[242] الارشاد: 86 - 84 / 2، عنه البحار: 385، 384 / 44.

[243] السيرة - بالكسر - السنة و الطريقة، «منه رحمه الله».

[244] البحار: 386، 385 / 44.

[245] الدمعة الساكبة: 261 / 4.

[246] الفأس، و قد يترك همزها: آلة ذات هراوة قصيرة، يقطع بها الخشب.

[247] البحار: 388 - 386 / 44.

[248] في الارشاد و البحار: في مرضه.

[249] بغر البعير بغرا: شرب فلم يرو.

[250] الارشاد: 2 / 86 و 87، عنه البحار: 389 / 44.

[251] في البحار: راكبا.

[252] البحار: 389، 388 / 44.

[253] البحار: 389، 388 / 44.

[254] قال سبط ابن الجوزي في ذيل هذا الكلام: و لا يصح ذلك عنه، فان عقبة بن السمان قال: صحبت الحسين عليه السلام من المدينة الي العراق و لم أزل معه الي أن قتل، والله ما سمعته قال ذلك، (هامش البحار).

[255] الارشاد: 89 - 86 / 2، عنه البحار: 391 - 389 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[256] في المصدر: لواقف.

[257] تظلم الزهراء عليهاالسلام: 174.

[258] في المصدر: عظيم.

[259] الدمعة الساكبة: 4 / 266 و 267.

[260] لا يخفي أن ام البنين عليهاالسلام ام العباس عليه السلام و اخوانه؛ كانت من قبيلة كلاب؛ و شمر بن ذي الجوشن لعنه الله أيضا كلابي، و لذا لعنه الله أخذ من

ابن زياد لعنه الله أمانا لهم و خاطب بهذا الخطاب.

[261] في الارشاد: فقالت له الفتية، و في البحار: فقال له الفئة.

[262] الارشاد: 89 / 2، عنه البحار: 391 / 44.

[263] في اللهوف: الحسين بن فاطمة عليهماالسلام.

[264] اللهوف: 150.

[265] في الارشاد و البحار: قد اقتربت.

[266] في البحار: يا اخته، و هو مخفف يا اختاه.

[267] الارشاد: 2 / 89 و 90، عنه البحار: 391 / 44.

[268] اللهوف: 150 و 151، عنه البحار: 391 / 44.

[269] في الارشاد: الي الغدوة.

[270] الارشاد: 2 / 90 و 91، عنه البحار: 392، 391 / 44، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[271] اللهوف: 150، مع اختلاف يسير.

[272] الارشاد: 91 / 2، عنه البحار: 392 / 44.

[273] أمالي الصدوق: 220 المجلس 30.

[274] في المصدر و البحار: وفقهتنا.

[275] لم ترد في الارشاد و البحار.

[276] في الارشاد: لأظن أنه آخر يوم، و في البحار: لأظن يوما.

[277] الارشاد: 91 / 2، عنه البحار: 393، 392 / 44.

[278] أمالي الصدوق: 220 المجلس 30.

[279] في الارشاد و البحار: ثم احرق، ثم احيي.

[280] الارشاد: 93 - 91 / 2، عنه البحار: 394، 393 / 44.

[281] اللهوف: 153 و 154، مع اختلاف يسير، عنه البحار: 393 / 44.

[282] لم ترد في المصدر: أو تعلمون.

[283] و فيه: الا و تفرق.

[284] البقرة: 57.

[285] الدمعة الساكبة: 4 / 271 و272.

[286] أمالي الصدوق: 221 المجلس 30.

[287] في المصدر: جوين.

[288] ما بين المعقوفتين أثبتناه من مقتل الحسين عليه السلام: 111.

[289] ما بين المعقوفتين لم ترد في الارشاد و البحار.

[290] الارشاد: 2 / 93 و 94، عنه البحار: 3 - 1 / 45، مع اختلاف يسير.

[291] في اللهوف: ينعي الي الحسين نفسه.

[292] اللهوف: 140 و 141، مع اختلاف يسير.

[293]

في الارشاد: أن يقرب بعضهم، و في البحار: أن يقرن بعضهم... و أن يدخلوا.

[294] الارشاد: 94 / 2، عنه البحار: 3 / 45.

[295] في البحار: أزف.

[296] البحار: 3 / 45.

[297] آل عمران: 179، 178.

[298] الارشاد: 95 / 2، عنه البحار: 45 / 3 و 4.

[299] في اللهوف و البحار: فيها.

[300] اللهوف: 154 و 155، عنه البحار: 394 / 44 و 1 / 45.

[301] كامل الزيارات: 152 ح 187.

[302] اللهوف: 158، عنه البحار: 4 / 45.

[303] مثير الأحزان: 54، عنه البحار: 4 / 45.

[304] البحار: 4 / 45.

[305] الارشاد: 2 / 95 و 96، عنه البحار: 4 / 45.

[306] البحار: 4 / 45.

[307] مقتل الحسين عليه السلام: 114 مع اختلاف في الألفاظ.

[308] الارشاد: 96 / 2، مع اختلاف يسير، عنه البحار: 45 / 4 و 5.

[309] البحار: 5 / 45.

[310] في الارشاد و البحار: رأيكم.

[311] الأعراف: 196.

[312] الارشاد: 97 / 2، عنه البحار: 6 / 45.

[313] في الارشاد: ثم ارجعوا.

[314] في الارشاد: سلوا.

[315] في البحار: و لا اقر لكم اقرار العبيد.

[316] الارشاد: 2 / 97 و 98، عنه البحار: 7، 4 / 45، مع اختلاف يسير.

[317] الدمعة الساكبة: 4 / 282 و 283، البحار: 7، 6 / 45 (نحوه).

[318] في البحار: فأصرختكم.

[319] في البحار: خباها.

[320] في نسخة هكذا: اقتدحناها علي عدوكم و عدونا، «منه رحمه الله».

[321] قال العلامة المجلسي رحمه الله: يقال: شمت السيف: أغمدته، و شمته: سللته، و هو من الأضداد.

[322] في البحار: تجهزتموها.

[323] في البحار: و صراخ.

[324] في البحار: فكنتم أخبث شي ء سنخا للناصب.

[325] لم ترد في البحار: المؤمنون.

[326] البحار: 10 - 8 / 45.

[327] آل عمران: 34، 33.

[328] أمالي الصدوق: 222، 221، المجلس 30.

[329]

المنتخب: 430.

[330] الدمعة الساكبة: 286 / 4.

[331] أمالي الصدوق: 222 المجلس 30.

[332] اللهوف: 158 و 159، عنه البحار: 12 / 45 مع اختلاف يسير.

[333] اللهوف: 158، عنه البحار: 12، 10 / 45.

[334] البحار: 12 / 45.

[335] اللهوف: 159، عنه البحار: 12 / 45.

[336] الارشاد: 99 / 2، عنه البحار: 10 / 45.

[337] الارشاد: 99 / 2، عنه البحار: 11 / 45.

[338] اللهوف: 160.

[339] الارشاد: 2 / 99 و 100، عنه البحار: 11 / 45.

[340] مثير الأحزان: 60، 59، عنه البحار: 15 / 45.

[341] الدمعة الساكبة: 293 / 4.

[342] الهبل - بالتحريك -: مصدر قولك: هبلته امه أي: ثكلته، (قاله المجلسي رحمه الله).

[343] في الارشاد و البحار: قاتلو أنفسكم.

[344] في الارشاد و البحار: عدوتم.

[345] في الارشاد: بكظمه، قال العلامة المجلسي رحمه الله: الكلكل: الصدر، و في بعض النسخ: بكظمه، و هو بالتحريك: مخرج النفس، و هو أظهر.

[346] في الارشاد و البحار: و حلأتموه، و حلأه عن الماء: طرده و لم يدعه يشرب. (الصحاح: 45 / 1).

[347] الارشاد: 2 / 100 و 101.

[348] الارشاد: 2 / 101 و 102، عنه البحار: 13 - 11 / 45.

[349] البحار: 14، 13 / 45.

[350] البحار: 14 / 45.

[351] بخ بخ: هو كلمة يقال عند المدح والرضا بالشي ء، و يكرر للمبالغة، و هي مبنية علي السكون فان و صلت جررت ونونت، فقلت بخ بخ، و ربما شددت، كذا نقل عن النهاية، «منه رحمه الله».

[352] أمالي الصدوق: 223 المجلس 30.

[353] و قيل: بل رثاه علي بن الحسين عليهماالسلام.

[354] الارشاد: 104 / 2، عنه البحار: 15، 14 / 45.

[355] الأحزاب: 23.

[356] حسر جمع حاسر: الذي لا مغفر عليه و لا درع.

[357] البحار: 16، 15 /

45.

[358] البحار: 17، 16 / 45.

[359] البحار: 18 / 45.

[360] الأحزاب:23.

[361] في البحار: لأنعمتك.

[362] البحار: 20 - 18 / 45، و فيه: خيول المسلمين.

[363] الارشاد: 103 / 2.

[364] البحار: 20، 19 / 45، مع اختلاف يسير.

[365] الارشاد: 104 / 2.

[366] البحار: 21 - 20 / 45.

[367] مثير الأحزان: 65، عنه البحار: 22 / 45.

[368] لم ترد في الدمعة الساكبة: و امي.

[369] في الدمعة الساكبة: نفوسنا.

[370]، و ان لم يذكر في الترجمة، «منه رحمه الله».

[371] الدمعة الساكبه: 302 / 4.

[372] البحار: 22 / 45.

[373] في اللهوف و البحار: قرظة.

[374] اللهوف: 162 و 163، عنه البحار: 22 / 45.

[375] المعركة - بفتح الراء و تضم -: موضع القتال، «منه رحمه الله».

[376] البحار: 23، 22 / 45.

[377] في اللهوف و البحار: الشبامي، و الظاهر أنه الصواب.

[378] المؤمن: 33 - 30.

[379] اللهوف: 164 و 165، عنه البحار: 23 / 45.

[380] البحار: 24، 23 / 45.

[381] البحار: 24 / 45.

[382] اللهوف: 165 و 167.

[383] مثير الأحزان: 63، عنه البحار: 25 / 45.

[384] أمالي الصدوق: 225 المجلس 30.

[385] البحار: 45 / 25 و 26.

[386] أمالي الصدوق: 224 المجلس 30.

[387] كذا في الأصل و البحار، و الظاهر أنه: الكوفة.

[388] البحار: 45 / 26 و 27.

[389] الدمعة الساكبة: 307 / 4.

[390] في البحار: ديني علي دين حسين و علي عليهماالسلام.

[391] البحار: 28، 27 / 45.

[392] الدمعة الساكبة: 308 / 4.

[393] البحار: 28 / 45.

[394] أرضخ فلانا: راماه بالحجارة، «منه رحمه الله».

[395] الطرد: الاربعاد، «منه رحمه الله».

[396] البحار: 29، 28 / 45.

[397] البحار: 30، 29 / 45.

[398] الغيل: الأجمة موضع الأسد.

[399] في البحار: أبا الشعشاء.

[400] مثير الأحزان: 61، 57، عنه البحار: 31، 30 /

45.

[401] مثير الأحزان: 66، عنه البحار: 31 / 45.

[402] الأحزاب: 23.

[403] آل عمران: 169.

[404] البحار: 31 / 45.

[405] البحار: 32 / 45.

[406] الارشاد: 107 / 3، عنه البحار: 44 / 45.

[407] في البحار: الأزدي.

[408] اياس: الظاهر أنه ككتاب، قال في «القاموس»: اياس - ككتاب -: سبعة عشر صحابيا و محدثون، «منه رحمه الله».

[409] مقاتل الطالبين: 97 و 98، عنه البحار: 32 / 4.

[410] البر - بالفتح - الصادق، و الكثير البر، «منه رحمه الله».

[411] البحار: 33، 32 / 45.

[412] البحار: 33 / 45.

[413] البحار: 33 / 45.

[414] الحرة - بالفتح و التشديد -: أرض ذات حجار سود، و منه حرة المدينة، و الجمع: حرار، مثل كلبة و كلاب، و يوم الحرة معروف و هو يوم قاتل عسكر يزيد بن معاوية لعنهما الله أهل المدينة، و نهبهم، و كان المتأمر عليهم مسلم بن عقبة، و عقيبها هلك يزيد لعنه الله، قتل فيه خلق كثير من المهاجرين و الأنصار، و كان ذلك في الحجة من سنة ثلاث و ستين من الهجرة، «منه رحمه الله».

[415]، والظاهر: ابن، بالرفع، «منه رحمه الله».

[416] مقاتل الطالبين: 98، عنه البحار: 33 / 45، و ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر و البحار.

[417] عميان - بضم العين -: أعمي، كأحمر حمران، «منه رحمه الله».

[418] البحار: 34 / 45.

[419] مقاتل الطالبين: 95، عنه البحار: 34 / 45.

[420] المنتخب: 365.

[421] الدمعة الساكبة: 315 / 4.

[422] الحلم - بالضم - و الاحتلام: الجماع في النوم، و الاسم الحلم بالضمتين، «منه رحمه الله».

[423] البحار: 34 / 45.

[424] المنتخب: 366.

[425] البحار: 35، 34 / 45.

[426] المنتخب: 366.

[427] في البحار: يكفيه.

[428] البحار: 35 / 45.

[429] المنتخب: 366.

[430] النقض: الطائر

اذا هوي في طيرانه، «منه رحمه الله».

[431] لم ترد في البحار.

[432] البحار: 36، 35 / 45.

[433] في الدمعة الساكبة: لوقعه.

[434] الدمعة الساكبة: 318 / 4.

[435] في البحار: ثبيت الحضرمي.

[436] البحار: 36 / 45.

[437] في البحار: زحر، و كذا ما بعده.

[438] البحار: 37، 36 / 45.

[439] البحار: 38، 36 / 45.

[440] في البحار: ذوالفعال.

[441] البحار: 37 / 45.

[442] البحار، 38 / 45.

[443] في البحار: ذوالفعال.

[444] البحار: 38 / 45، مع اختلاف يسير.

[445] في البحار: يوم المذار، و المذار - كسحاب -: بلد بين واسط و البصرة، (هامش البحار).

[446] البحار: 39 / 45، مع اختلاف يسير.

[447] ما بين المعقوفتين لم ترد في البحار.

[448] البحار: 40 / 45.

[449] البحار: 45 / 40 و 41.

[450] البحار: 42، 41 / 45، مع اختلاف في الألفاظ.

[451] الدمعة الساكبة: 324 / 4.

[452] المنتخب: 431 و 432.

[453] مقاتل الطالبيين: 96، عنه البحار: 45 / 45.

[454] الدمعة الساكبة: 4 / 328 و 329.

[455] الدمعة الساكبة: 329 / 4.

[456] البحار: 42 / 45.

[457] في الدمعة الساكبة و البحار: سبابته.

[458] آل عمران: 34، 33.

[459] الدمعة الساكبة: 329 / 4: البحار: 43 / 45.

[460] البحار: 43 / 45.

[461] البحار: 44، 43 / 45.

[462] الارشاد: 106 / 2.

[463] البحار: 45 / 45.

[464] البحار: 44 / 45.

[465] البحار: 44 / 45، (نحوه).

[466] الدمعة الساكبة: 4 / 331 و 332.

[467] البحار: 44 / 45.

[468] الدمعة الساكبة: 332 / 4.

[469] البحار: 45 / 45 و 46، مع اختلاف يسير.

[470] في الدمعة الساكبة: أن يقل.

[471] الدمعة الساكبة: 334 / 4، البحار: 46، 45 / 45 (نحوه).

[472] اللهوف: 168، البحار: 46 / 45.

[473] الارشاد: 108 / 2.

[474] البحار: 46 / 45.

[475] البحار: 46

/ 45 (نحوه).

[476] اللهوف: 169، عنه البحار: 46 / 45.

[477] تظلم الزهراء عليهاالسلام: 203.

[478] البحار: 46 / 45.

[479] الارشاد: 108 / 2.

[480] البحار: 47 / 45.

[481] الاحتجاج: 25 / 2، عنه البحار: 49 / 45.

[482] المنتخب: 440، البحار: 47 / 45.

[483] الحمام - ككتاب -: قضاء الموت، «منه رحمه الله».

[484] جثمان، جسمان كلاهما بالضم بمعني الجسم، «منه رحمه الله».

[485] المنتخب: 439، 438.

[486] المنتخب: 423.

[487] المنتخب: 439.

[488] جلاء العيون: 575.

[489] في الكافي و البحار: يا زياد.

[490] الكافي: 303 / 1 ح 1، البحار: 18 / 46 ح 5.

[491] قدم - كعنب -: ضد الحدوث، «منه رحمه الله».

[492] في البحار: الثقلين.

[493] في البحار: ساروا.

[494] كف البيت يكف و كفاء... قطر،«منه رحمه الله».

[495] خيرة - بكسر الخاء، و الياء و الراء المفتوحتين -: المختار، المنتخب، «منه رحمه الله».

[496] في البحار: و ابن.

[497] في البحار: مضي.

[498] ما بين المعقوفتين لم ترد في البحار.

[499] البحار: 49 - 47 / 45.

[500] أمالي الصدوق: 737 ح 1005، و فيه: فلم يؤذن.

[501] المنتخب: 450.

[502] الدمعة الساكبة: 4 / 340 و 341.

[503] نشف - كنصر -: ذهب و هلك، «منه رحمه الله».

[504] لم ترد في المنتخب.

[505] المنتخب: 439.

[506] البحار: 49 / 45.

[507] اللهوف: 170.

[508] البحار: 49 / 45، مع اختلاف يسير.

[509] في المصدر و البحار: مكثورا، و المكثور: المغلوب: و هو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه.

[510] اللهوف: 170 و 171، البحار: 50 / 45.

[511] نقل عنه في الدمعة الساكبة: 342 / 4.

[512] البحار: 50 / 45.

[513] المنتخب: 450، مع اختلاف يسير.

[514] البحار: 51، 50 / 45.

[515] في البحار: اذ كنتم أعرابا.

[516] في البحار: عتانكم.

[517] في البحار: أحلوه.

[518] البحار: 51 / 45.

[519] الدمعة الساكبة: 344

/ 4.

[520] البحار: 51 / 45، مع اختلاف يسير.

[521] فخذ - ككتف -: ما بين الساقين، «منه رحمه الله».

[522] في الدمعة الساكبة: و أنت حي.

[523] الدمعة الساكبة: 4 / 344 و 345.

[524] يقن الأمر - كفرح - يقينا...: علمه و تحققه، «منه رحمه الله».

[525] في الدمعة الساكبة: فلصقت به.

[526] هنيئة: بضم الهاء و فتح النون و تشديد الياء المثناة التحتانية، «منه رحمه الله».

[527] الدمعة الساكبه: 4 / 345 و 346.

[528] الدمعة الساكبة: 351 / 4.

[529] النطع - بالكسر و الفتح و بالتحريك، و كعنب -: بساط من الأيدم، «منه رحمه الله».

[530] الدمعة الساكبة: 4 / 351 و 352.

[531] جلاء العيون: 576.

[532] بعجه - كمنعه -: شقه، «منه رحمه الله».

[533] البحار: 52 - 51 / 45.

[534] عين الحياة: 527.

[535] في البحار: وضع.

[536] البحار: 53، 52 / 45.

[537] في الارشاد: يا امتاه! و في البحار: يا اماه!.

[538] في الارشاد و البحار: الخير.

[539] الارشاد: 110 / 2، اللهوف: 173؛ عنهما البحار: 45 / 53 و 54.

[540] المنتخب: 439.

[541] الارشاد: 2 / 110 و 111.

[542] في البحار: اليسر.

[543] السلب - بالتحريك -: ما يسلب، جمع: أسلاب، «منه رحمه الله».

[544] البحار: 53 / 45.

[545] في البحار: الحصين بن تميم.

[546] البحار: 55 / 45.

[547] الدمعة الساكبة: 349 / 4 و البحار: 55 / 45 (نحوه).

[548] أثخن - مبنيا للمفعول - أثخنته الجراحة أي: أثقلته، «منه رحمه الله».

[549] البحرا: 55 / 45.

[550] اللهوف: 175، البحار: 54 / 45.

[551] البحار: 55 / 45.

[552] الارشاد: 112 / 2.

[553] اللهوف: 175 و 176، البحار: 55 - 54 / 45 مع اختلاف.

[554] ليس في المصدر.

[555] مقتل الحسين عليه السلام: 141.

[556] البحار: 56 - 5 / 45.

[557] مقتل

الحسين عليه السلام: 143 - 142.

[558] أمالي الصدوق: 226 المجلس 30.

[559] اللخوف: 176 و 177، الدمعة الساكبة: 4 / 356 و 357.

[560] المنتخب: 452 - 451.

[561] في المصدر: مغرم.

[562] مقتل الحسين عليه السلام: 147 - 146، البحار: 56 / 45 (نحوه).

[563] في المصدر: أاقتل.

[564] في المصدر: أاقتل.

[565] المنتخب: 452.

[566] مقتل الحسين عليه السلام: 147.

[567] في البحار: النسوي.

[568] قال العلامة المجلسي رحمه الله: «أنها هي» أي القيامة.

[569] البحار: 216 / 45 ذ ح 39.

[570] في البحار: أبجر.

[571] اللهوف: 180 - 178، البحار: 45 / 57 و 58، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[572] كدمه، يكدمه: عضه بأدني فمه، «منه رحمه الله».

[573] خبطه، يخبطه: ضربه شديدا، «منه رحمه الله».

[574] جلي الهم عنه: أذهب، الهم: الحزن، جمع: الهموم، «منه رحمه الله».

[575] اخترم فلان عنا: مات، و اخترمته المنية: أخذته، «منه رحمه الله».

[576] راجع! مقتل الحسين عليه السلام: 151.

[577] لا حظ! المنتخب: 453 - 452، و أورد نحوه في مقتل الحسين عليه السلام: 152 - 149.

[578] البحار: 60 / 45.

[579] الملحفة - بالسكر -: اللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد و غيره «منه رحمه الله».

[580] في اللهوف: يا لثارات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و في البحار: يا ثارات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

[581] اللهوف: 180، البحار: 58 / 45 مع اختلاف يسير.

[582] في المصدر: الغاغة أي: الكثير المختلط من الناس.

[583] أمالي الصدوق: 228 ح 241.

[584] ورس - كفلس - قال في «مجمع البحرين»: في الحديث: و حلية ملحفة ورس، و فيه أيضا: ملحفة مورسة، الورس: صبغ يتخذ من الحمرة الوجه، و هو نبات كالسمسم، «منه رحمه الله».

[585] الحلي - بضم الحاء و تشديد الياء -

جمع حلي - بفتح الحاء و خفة الياء -: اسم لكل ما يتزين به من الذهب و الفضة، «منه رحمه الله».

[586] البحار: 60 / 45.

[587] مقتل الحسين عليه السلام: 155 - 154.

[588] الارشاد: 2 / 112 و 113، عنه البحار: 61 / 45 مع اختلاف يسير.

[589] لم أعثر عليه في المنتخب، و أورد العلامة المجلسي رحمه الله في البحار: 60 / 45 و 61 (نحوه).

[590] البحار: 309 / 45.

[591] اللهوف: 182 و 183.

[592] أي: الأصم الذي تعطلت آلات سمعه.

[593] المنتخب: 107 - 105، البحار: 193 - 191 / 45 مع اختلاف يسير، العوالم: 493 / 17 ح 10، و ما بين المعقوفتين أثبتناه من البحار.

[594] في المصدر: فقطعت.

[595] و فيه: في أسر.

[596] اللهوف: 190، عنه البحار: 107 / 45، مثير الأحزان: 84.

[597] اللهوف: 190، البحار: 62 / 45 (نحوه).

[598] البحار: 125 / 45، العوالم: 368 / 17، مثير الأحزان: 85، مع اختلاف يسير، المناقب: 217 / 3.

[599] عنان السماء - بالكسر - ما بدالك منها اذا نظرتها، «منه رحمه الله».

[600] في الدمعة الساكبة: وعش في البيت نسور.

[601] الدمعة الساكبة: 4 / 384 و 385.

[602] ليس في المصدر.

[603] في المصدر: من جسد الحسين عليه السلام.

[604] في المصدر: رجل اليه.

[605] ليس في المصدر.

[606] ليس في المصدر.

[607] ليس في المصدر.

[608] مقتل الحسين عليه السلام: 157.

[609] الأنوار النعمانية: 254 - 253 / 3.

[610] القطع - بالكسر -: ظلمة آخر الليل، أو القطعة منه، «منه رحمه الله».

[611] في البحار: و اتكيت.

[612] من البحار.

[613] من البحار.

[614] من البحار.

[615] من البحار.

[616] في البحار: كي لا.

[617] المنتخب: 92 - 90، البحار: 319 - 316 / 45.

[618] الارشاد 114 / 2.

[619] البحار: 62 / 45.

[620] في الدمعة

الساكبة: انكشفوا.

[621] الدمعة الساكبة: 14 - 11 / 5.

[622] في تظلم الزهراء عليهاالسلام: أساري.

[623] تظلم الزهراء عليهاالسلام: 225.

[624] اللهوف: 180 و 181، عنه البحار: 59 - 58 / 45.

[625] المنتخب: 457 - 456.

[626] المنتخب: 457 - 456.

[627] اللهوف: 181، عنه البحار: 59 / 45.

[628] الدمعة الساكبة: 4 / 374 و 375.

[629] الدمعة الساكبة: 375 / 4.

[630] جمع ملاءة، أي: الريضة ذات لفقين.

[631] جمع ازار.

[632] جمع مقنع: ما تقنع به المرأة رأسها.

[633] اللهوف: 191 - 190، عنه البحار: 108 / 45، مع اختلاف يسير.

[634] حذام، خ ل، و في كتاب «الاحتجاج» عن حذام، و كتب فوق الحذام، حذلم، خ ل «منه رحمه الله» و الظاهر أن الصواب: حذيم، كما في الاحتجاج و البحار، وعده الشيخ رحمه الله في رجاله: (88) من أصحاب الامام السجاد عليه السلام.

[635] الختل: الخداع.

[636] البغض بغير حق.

[637] الدمنة: المزبلة.

[638] الشنار - بالفتح - أقبح العيب و العار، «منه رحمه الله».

[639] رحضه: غسله، «منه رحمه الله».

[640] في المصدر و البحار: قدمت لكم أنفسكم.

[641] فراه: شقه، «منه رحمه الله».

[642] من المصدر و البحار.

[643] طلاع الأرض: مل ءها.

[644] من المصدر.

[645] مكرمة - بالضم -: واحدة المكارم، و يحتمل أن يكون بصيفه اسم المفعول، أي: ذرية و أولاد مكرمة، «منه رحمه الله».

[646] في المصدر و البحار: ذاك.

[647] في المصدر و البحار: كهولهم... و شبابهم. - و نسلهم نسل كريم، و فضلهم.

[648] الاحتجاج: 31 - 29 / 2، عنه البحار: 164 - 162 / 45، مع اختلاف يسير.

[649] في البحار: العريكة.

[650] الخيلاء - بالضم و الكسر -: الكبر، «منه رحمه الله».

[651] ليس في المصدر و البحار.

[652] الجذل: الفرح.

[653] الحديد: 22 و 23.

[654] نقمات - ككلمات - جمع نقمة -

بالكسر و الفتح: و هي المكانات بالعقوبة، «منه رحمه الله».

[655] في المصدر و البحار: نحن.

[656] نطحه: أصابه بقرنه، «منه رحمه الله».

[657] الكثكت - كجعفر و زبرج -: التراب... «منه رحمه الله».

[658] الأثلب، و يكسر: التراب و الحجارة، «منه رحمه الله».

[659] الدعامص - جمع دعموص -: و هو دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء، و البيت للأعنشي.

[660] الجمعة: 4.

[661] النور: 40.

[662] الاحتجاج: 29 - 27 / 2، البحار: 112 - 110 / 45، مع اختلاف يسير.

[663] في المصدر: و نكبتموه.

[664] في المصدر: نهبتموها.

[665] في المصدر: الغالبون.

[666] في البحار: ذائبا.

[667] في المصدر: و النحيب.

[668] خمش وجهه: خدشه، و لطمه و ضربه، و قطع عضوا منه، «منه رحمه الله».

[669] في المصدر: و لطمن خدودهن.

[670] لم ترد في البحار: و نتفوا لحاهم.

[671] اللهوف: 198 و 199، عنه البحار: 112 / 45.

[672] في المصدر و البحار: حذيم بن شريك الأسدي.

[673] من البحار.

[674] في المصدر و البحار: ثم قاتلتموه و خذلتموه.

[675] في البحار: لنأخذن يزيد و نبرأ.

[676] لم ترد في البحار: الي مني.

[677] الاحتجاج: 2 / 31 و 32.

[678] الدمعة الساكبة: 5 / 43 و 44.

[679] السبايا - بالفتح - جمع سبي بمعني الأسير، «منه رحمه الله».

[680] في المصدر و البحار: تسبونا.

[681] كمد - كفلس و بالتحريك -: شدة الحزن،«منه رحمه الله»، و في البحار: حزنا.

[682] السبج: الخرز الأسود، فارسي معرب، «منه رحمه الله».

[683] الانتصال: خروج اللحية من الخضاب.

[684] اليتم - بالضم -: الانفراد، و فقدان الأب، و يحرك، «منه رحمه الله».

[685] في البحار: يغيض.

[686] المنتخب: 465 - 463، البحار: 115 - 114 / 45، مع اختلاف يسير.

[687] الجهة - بالكسر و الضم -: الناحية، كالوجه و الوجهة، جمع: جهات، «منه

رحمه الله».

[688] في الدمعة الساكبة: مغيرة.

[689] في الدمعة الساكبة: المزكي.

[690] في الدمعة الساكبة: ينصدع.

[691] في الدمعة الساكبة: 47 - 45 / 5.

[692] الكهف: 9.

[693] في الدمعة الساكبة: 5 / 47 و 48.

[694] في المصدر: فوضع.

[695] الارشاد: 114 / 2.

[696] لثم فاها: قبلها، «منه رحمه الله».

[697] عنه البحار: 154 / 45.

[698] خرف - ككتف -: فسد عقد، «منه رحمه الله».

[699] الارشاد: 115 - 114 / 2، عنه البحار: 116 / 45.

[700] في الدمعة الساكبة: فبعدا.

[701] في الدمعة الساكبة: وديعة.

[702] في الدمعة الساكبة: 5 / 49 و 50، البحار: 45 / 117 و 118 (نحوه).

[703] من المصدر.

[704] في المصدر: خطابها.

[705] في المصدر: و أبدت، و في بعض نسخة: و أبرزت.

[706] الزمر: 42.

[707] الارشاد: 116 - 115 / 2.

[708] البحار: 118 - 117 / 45.

[709] الارشاد: 116 / 2، البحار: 118 - 117 / 45.

[710] المنتخب: 466.

[711] الشعراء: 227.

[712] مقتل الحسين عليه السلام: 169 - 168.

[713] أمالي الصدوق: 229 ح 242، عنه البحار: 154 / 45.

[714] اللهوف: 202 و 203.

[715] الكهف: 9.

[716] الارشاد: 117 / 2، عنه البحار: 121 / 45.

[717] النغمة - بالفتح -: الكلام الخفي: «منه رحمه الله».

[718] الكهف: 13.

[719] الشعراء: 227.

[720] الفسحة: الوسعة، «منه رحمه الله».

[721] اللهوف: 207 - 203، عنه البار: 121 - 119 / 45.

[722] المنتخب: 324 - 323 و ما بين المعقوفتين من المصدر.

[723] الطيب - بالكسر -: الأفضل من كل شي ء، «منه رحمه الله».

[724] خيزران - بضم الرازي -: شجر هندي، «منه رحمه الله».

[725] عنه البار: 105 - 100 / 45.

[726] في البحار: السرختكي.

[727] الظاهر أنه من أحفاد جعفر الطيار.

[728] البحار: 107 - 105 / 45، مع اختلاف يسير.

[729] كذا في نسخة

الحديث، و الظاهر أنه تخاوضا، بالواو، «منه رحمه الله».

[730] المنتخب: 376 - 372.

[731] الارشاد: 118 / 2.

[732] في المصدر: مجفر.

[733] الارشاد: 119 / 2.

[734] المنتخب: 466.

[735] الدمعة الساكبة: 5 / 62 و 63.

[736] في المصدر: و السبايا قريبا منه.

[737] المنتخب: 467، 466.

[738] مقتل الحسين عليه السلام: 176، مع اختلاف يسير.

[739] تكريت - بفتح أوله -: بلد، «منه رحمه الله».

[740] في المصدر: أن تلقانا، فان معنا رأس خارجي.

[741] لينا: قال في «القاموس»: اللين: قريد بين الموصل و نصيبين، «منه رحمه الله».

[742] كذا في نسخة الحديث، و الظاهر أنه سقط كلمة... الا و تقضي، «منه رحمه الله».

[743] الأعلاج: جمع العلاج - بكسر العين -: و هو الرجل من الكفار، «منه رحمه الله».

[744] مقتل الحسين عليه السلام: 185 - 180، مع اختلاف.

[745] في البحار: تأمر.

[746] البحار: 304 - 303 / 45.

[747] معرة: بلد بين حماة و حلب، و تضاف الي النعمان، «منه رحمه الله».

[748] شيزر - كحيدر -: بلد قرب حماة، «منه رحمه الله».

[749] في المصدر: آل مروان.

[750] في المصدر: حما.

[751] في المصدر: الستور.

[752] في المصدر: أن يضربن.

[753] في المصدر: العيش.

[754] حمي الشي ء، يحميه، حميا، و حماية - بالكسر -: منعه...، «منه رحمه الله».

[755] العازب: الكلاء البعيد، «منه رحمه الله».

[756] فكنتم مثل من ضلت مذاهبه، «منه رحمه الله».

[757] عنان السماء - بالكسر -: ما بدالك منها اذا نظرتها، «منه رحمه الله».

[758] ترحا - محركة -: الهم، و كفلس: الفقر، «منه رحمه الله».

[759] الشعراء: 227.

[760] مقتل الحسين عليه السلام: 193 - 185، مع اختلاف.

[761] رعبت كمنع: خاف، «منه رحمه الله».

[762] المنتخب: 468، البحار: 240 - 239 / 45 (نحوه).

[763] في مدينة المعاجز: فعقد يزيد.

[764] في مدينة المعاجز: و صاحب الدير حطهم.

[765] في

مدينة المعاجز: و راحيل.

[766] في مدينة المعاجز: قائله.

[767] هكذا في النسخة، و لكن الظاهر أنه الزنانير، «منه رحمه الله».

[768] مدينة المعاجز: 126 / 4 الحديث 1133.

[769] في المصدر: و بمشهد.

[770] في المصدر: فيهم.

[771] المنتخب: 469، مع اختلاف يسير، البحار: 255 / 45 (نحوه).

[772] اللهوف: 210، عنه البحار: 127 / 45.

[773] البحار: 45 / 125 و 126.

[774] نزفت فلان دمه... اذا سال حتي يفرط، فهو منزوف و نزيف، «منه رحمه الله».

[775] الدمعة الساكبة: 5 / 75 و 76.

[776] الاناس - بالضم -: لغة في ناس، انس و اناس: آدميان، «منه رحمه الله».

[777] الدمعة الساكبة: 5 / 76 و 78.

[778] الحرم - محركة -: حرم مكة، و هو حرم الله و حرم رسوله، «منه رحمه الله».

[779] الحرم - بالضم - الأحرام، «منه رحمه الله».

[780] تهامة - بالكسر -: مكة شرفها الله تعالي، «منه رحمه الله».

[781] ميشوم؛ الصيحيح أنه علي وزن مقول من المشام، و لكن نسخ الحديث التي رأيتها بالياء بعد الميم، «منه رحمه الله»، و في المصدر: المشؤوم، و في البحار: الميشوم.

[782] في المصدر: دينار.

[783] في المصدر: دينار.

[784] في المصدر و البحار: من الجارية، و في العوالم: من خازنه.

[785] في المصدر و البحار: فنظروا في سكتها.

[786] ابراهيم: 42.

[787] الشعراء: 227.

[788] القبة - بالضم و التشديد -: البناء من شعر و نحوه، «منه رحمه الله».

[789] في المصدر و البحار: بنارك.

[790] الخرائج: 582 - 578 / 2، البحار: 188 - 184 / 45، و رواه البحراني رحمه الله في العوالم: 398 / 17 ح 2، و ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

[791] في المصدر: فقال له ولد الزنا.

[792] وطاء - بكسر الواو -: خلاف الغطاء، «منه رحمه الله».

[793]

في المصدر: ذي الدين.

[794] في المصدر: فياليت امي لم تلدني و لم أكن يزيد يراني في البلاد أسير.

[795] مقتل الحسين عليه السلام: 197 - 193، مع اختلاف يسير، مدينة المعاجز: 110 - 108 / 4 (نحوه).

[796] قال العلامة المجلسي رحمه الله: واكفة: أي: كانت البغال باكاف أي: برذعة من غير سرج، و فرط سبق، و في الأمر قصر به وضيعه و عليه في القول أسرف، و فرط القوم تقدمهم الي الورد لاصلاح الحوض، و الفرط - بضمتين -: الظلم و الاعتداء، و للأمر المجاوز فيه الحد و لعل فيه أيضا تصحيفا، (البحار: 154 / 45 ذ ح 2).

[797] عنه البحار: 154 / 45 ح 2.

[798] عنه البحار: 155 / 45.

[799] الشوري: 33.

[800] الأسراء: 26.

[801] الأنفال 41.

[802] الأحزاب: 33.

[803] اللهوف: 213 - 211، البحار: 129 / 45.

[804] أمالي الصدوق: 230 ضمن ح 242، عنه البحار: 155 / 45.

[805] الكهف: 9.

[806] الخرائج: 577 / 2 ح 1، عنه البحار: 188 / 45 ح 32.

[807] المنتخب: 469.

[808] الوزر - محركة -: الجبل المنيع و كل معقل و الملجاء و المعتصم، «منه رحمه الله».

[809] الأكمة - محركة -: التل... من حجارة واحدة، أو هي دون الجبال...، «منه رحمه الله».

[810] عقبان: الظاهر أنه بالكسر، جمع عقاب بالضم، «منه رحمه الله».

[811] الرخم - محركة -: طائر معروف، «منه رحمه الله».

[812] في الارشاد: هنيهة.

[813] الارشاد: 2 / 118 و 119، عنه البحار: 130 - 129 / 45.

[814] النيف - ككيس - و قد تخفف الزيادة أصله نيوف، يقال: عشرة و نيف، و كل مازاد علي العقد فينف الي أن يبلغ العقد الثاني، «منه رحمه الله».

[815] مقتل الحسين عليه السلام: 199 - 197، مع اختلاف

في الألفاظ.

[816] في المصدر و البحار: عمرو الجرشي، و الجرشي: يحتمل أن يكون بالتحريك، قال في «القاموس»: الجرش - بالتحريك -: بلد بالاردن، «منه رحمه الله».

[817] مثير الأحزان: 98، البحار: 131 / 45.

[818] الارشاد: 119 / 2، و فيه: أم مجفر.

[819] الوغل - كفلس -: الضعيف، الساقط، «منه رحمه الله».

[820] الارشاد: 2 / 119 و 120، البحار: 131 - 130 / 45 (نحوه).

[821] النكت: أن تضرب في الأرض بقضيب، فيؤثر فيها، «منه رحمه الله».

[822] مقتل الحسين عليه السلام: 202 - 200، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[823] آل عمران: 26.

[824] البحار: 131 / 45.

[825] آل عمران: 26.

[826] مثل به مثلا أي: نكل به، و الاسم المثلة - بالضم - و المثلة - بفتح الميم و ضم التاء -: العقوبة، و الجمع: المثلاث (صحاح) قوله تعالي: (قد خلت من قبلهم المثلات)، «منه رحمه الله».

[827] القتل - بالضم، و بضمتين - جمع قتول لكثير القتل، «القاموس»، و يحتمل أن يكون فعلا مبنيا للمفعول أو المعلوم، فعلي الأول فالمراد من الجيش الامام المظلوم صلوات الله عليه، و علي الثاني جيش يزيد لعنه الله، «منه رحمه الله».

[828] في الدمعة الساكبة: و سكر.

[829] الدمعة الساكبة: 100 / 5.

[830] عيون الأخبار: 22 / 2 ح 50، عنه البحار: 176 / 45.

[831] وفد عليه يفد: قدم، «منه رحمه الله».

[832] في المصدر: و ربطونا.

[833] المنتخب: 473.

[834] في الأنوار النعمانية: 254 / 3.

[835] في المصدر: مربطات.

[836] المنتخب: 472 و 473، مع اختلاف يسير.

[837] الطلقاء - بالضم و فتح اللام و المد -: هم الذين خلي عنهم يوم فتح مكة و أطلقهم و لم يسترقهم، واحدهم: طليق، «منه رحمه الله».

[838] مقتل الحسين عليه السلام: 208، مع اختلاف يسير.

[839] الدمعة

الساكبة: 5 / 103 و 104.

[840] الثقل - محركة -: متاع المسافر و حشمه، «منه رحمه الله».

[841] قوله تعالي: (مقرنين في الأصفاد) هو من قرنت الشي ء بالشي ء وصلته و قرنت الاساري في الحبال...، و فيه أيضا: القرن - بفتحتين -: الحبل، قال التعالبي نقلا عنه: لا يقال للحبل حتي يقرن فيه، «منه رحمه الله».

[842] اللهوف: 213، البحار: 132 - 131 / 45.

[843] مثير الأحزان: 99 - 98، عنه البحار: 132 / 45.

[844] الحديد: 22.

[845] تفسير القمي: 352 / 2، البحار: 168 / 45 ح 14.

[846] رشفه يرشفه، رشفا: مصه، «منه رحمه الله».

[847] اللهوف: 213 و 214، عنه البحار: 133 - 132 / 45.

[848] الاسار - بالكسر -: القد، كانوا يشدون الأسير بالقد فسمي كل أخيذ أسيرا، و ان لم يؤسر به، يقال: أسرت الرجل أسرا و اسارا، كذا في «مجمع البحرين» (74 / 1)، «منه رحمه الله».

[849] جاءت الابل قطارا - بالكسر - أي: مقطورة، «منه رحمه الله».

[850] قولهم: جاء فلان يضرب أسدريه و أصدريه أي: عطفيه و منكبيه اذا جاء فارغا ليس بيده شي ء و لم يفض طلبته، و ربما قالوا: أزدريه بالزاء (صحاح) و الهمزة فيهن مفتوحة، و هذا المعني لا يناسب المقام، فرخ - بكسر الراء - كما في قوله تعالي: (ان الله لا يحب الفرحين) «منه رحمه الله».

[851] المذروان - بالكسر -: أطراف الألية... و من الرأس ناحيتاه، و جاء ينفض مذرويه: باغيا متهدرا «القاموس»، مرح - كفرح -: أشر و بطر و اختال و نشط و تبختر... قوله تعالي: (و لا تمش في الأرض مرحا) «منه رحمه الله».

[852] ابراهيم: 42.

[853] آل عمران: 178.

[854] شناء، شنآءه... و شنئانا: أبغضه، قوله تعالي:

(شنئان قوم) محركه أي: بغضاء قوم، و سكون النون: بغض قوم...، «منه رحمه الله».

[855] أحسن الرجل...: أظهر العداوة.

[856] في البحار: متحوب، و فلان يتحوب من كذا أي: يتأثم، و التحوب أيضا: التوجع و التحزن، (قاله الملجسي رحمه الله).

[857] القرحة - هي بفتح القاف و سكون الراء واحدة القرح و القروح -: و هي حبة تخرج في البدن «منه رحمه الله».

[858] الشأفة: هي بالهمزة قرحة تخرج في أسفل القدم فتقطع و تكوي فتذهب (مجمع البحرين)، قال في «القاموس»: الشافة: قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوي فتذهب، و اذا قطعت مات صاحبها، «منه رحمه الله».

[859] في البحار: ذمامنا.

[860] الشعث - محركه -: انتشار الأمر، «منه رحمه الله».

[861] آل عمران: 170 - 169.

[862] الجبوب - بالفتح -: الأرض، أو وجهها، أو غليظها، أو التراب، «منه رحمه الله».

[863] في البحار: لتتخذنا.

[864] في البحار: و الانتجاب.

[865] الفند - بالتحريك -: الخطاء في القول و الرأي و الكذب، «منه رحمه الله».

[866] الاحتجاج: 37 - 35 / 2، عنه البحار: 160 - 157 / 45، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[867] اللحن: الخطاء في القرائه، «منه رحمه الله».

[868] آل عمران: 26.

[869] آل عمران: 170 - 169.

[870] الخصومة: الجدل، خاصمة مخاصمة و خصومة... غلبة...، «منه رحمه الله».

[871] المنتخب: 479، مع اختلاف يسير.

[872] و يحتمل أن يكون التاء للخطاب ليزيد لعنه الله، «منه رحمه الله».

[873] مقتل الحسين عليه السلام: 207 - 206، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[874] الحديد: 23 - 22.

[875] قرت عينه تقر - بالكسر و الفتح - قرة - و يضم - و قرورا: بردت و انقطع بكائها و رأت ما كانت متشوقة اليه، «منه رحمه الله».

[876] لسان ذرب أي: فصيح، و لسان ذرب أيضا

أي: فاحش «منه رحمه الله».

[877] الحديد22.

[878] الشوري: 30.

[879] الارشاد: 120 / 2، البحار: 135 / 45.

[880] أمر علينا - مثلثة -: اذا ولي، و الاسم الامرة بالكسر، و قول الجوهري: مصدر؛ و هم «منه رحمه الله».

[881] قوله: «أن يكون رأس أبي» فيما رأيته من النسخ هكذا، فعلي هذا يمكن أن يتعلق ب «دعوت» بتقدير لام التعليل، أو يقدر فعل مع أدات الاستفهام من: أيجوز؟ أو: أيحق؟ «منه رحمه الله».

[882] في المصدر: علي هذه الصورة.

[883] الارشاد: 2 / 120 و 121.

[884] البحار: 136 - 135 / 45.

[885] اللكع - كصرد -: اللئيم و العبد و الأحمق من لا يتجه لمنطق و لا غيره، «منه رحمه الله».

[886] المنتخب: 472، البحار: 137 / 45.

[887] اللهوف: 218 و 219، البحار: 137 / 45.

[888] أعول: رفع صوته بالبكاء و الصياح، «منه رحمه الله».

[889] البحار: 143 - 142 / 45.

[890] الجواز - بالكسر -: الشرطي... «منه رحمه الله».

[891] شهق:... تردد البكاء في صدره، «منه رحمه الله».

[892] دهش:... تحره أو ذهب عقله...، «منه رحمه الله».

[893] البحار: 176 / 45.

[894] الظاهر أنه عليه السلام تغير الاسلوب من قوله عليه السلام: «سمح سخي» الي آخر الفقرات، و كون أبوالسبطين بالرفع دليل عليه، «منه رحمه الله».

[895] البهلول - كسر سور -: الضحاك و السيد الجامع لكل خير، «منه رحمه الله».

[896] عنان - لكتاب -:... اللجام، الجنان - بالفتح -: القلب الذي تمسك به الدابة، جمع أعنة و عنن، «منه رحمه الله».

[897] طحن البر كمنع، و طحنته: جعله دقيقا «منه رحمه الله».

[898] البحار: 139 - 137 / 45، مع اختلاف يسير في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من البحار.

[899] في المصدر: أطفاله.

[900] في المصدر: و اقربها.

[901] في المصدر:

حرم.

[902] شمت - كفرح - شماتا و شماتة: فرخح ببلية العدو، «منه رحمه الله».

[903] في المصدر: ويحك! أردت بصعوده زوال ملكي.

[904] مقتل الحسين عليه السلام: 218 - 213، مع اختلاف في الألفاظ، و ما بين المعقوفتين من المصدر.

[905] في البحار: تبركا بأبي.

[906] في البحار: فأي دين دينكم؟.

[907] عمان - كغراب -: بلد باليمن، و لصرف، و كشداد: بلد بالشام، «منه رحمه الله».

[908] في البحار: فأي دين دينكم؟

[909] في البحار: يقبلونها.

[910] فضحه - كمنعه -: كشف مساويه، «منه رحمه الله».

[911] البحار: 142 - 141 / 45.

[912] الدمعة الساكبة: 133 - 130 / 5.

[913] البحار: 45 / 143 و 175 (نحوه).

[914] شطر بيت لأبي أخزم الطائي، و هو جد حاتم - أو جد جده - مات ابنه أخزم و ترك بنين، فوثبوا يوما علي جدهم فأدموه فقال: ان بني رملوني بالدم من يلق آساد الرجال يكلم و من يكن درء به يقوم شنشة أعرفها من أخزم يعني أن هؤلاء اشتهوا أباهم في العقوق، و الشنشة: الطبيعة (هامش البحار).

[915] اللهوف: 223 و 224، البحار: 143 / 45.

[916] في المصدر: يؤديهن.

[917] في المصدر: يؤديهن.

[918] الاحتجاج: 2 / 39 و 40، البحار: 175 / 45 (نحوه).

[919] البحار: 45 / 175 و 176.

[920]: يعود، «منه رحمه الله».

[921] البحار: 200 / 45.

[922] البرنس - بالضم كبرنس -: قلنسوة طويلة كان العباد يلبوسنها في صدر الاسلام، «منه رحمه الله».

[923] العكازة: و زان التفاحة و رمانة: الغزة و هي رمح بين العصا و الرمح، فيها زج، «منه رحمه الله».

[924] الدمعة الساكبة: 5 / 133 و 134.

[925] كذا في النسخة، و الصحيح: ادني - بالياء - «منه رحمه الله».

[926] رحل - كمنع -: انتقل، «منه رحمه

الله».

[927] البحار: 196 - 194 / 45 (نحوه).

[928] المنتخب: 482، البحار: 196 / 45، مع اختلاف يسير.

[929] ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

[930] الحجر - كصرد -: جمع الحجرة: الغرفة، «منه رحمه الله».

[931] المنتخب: 482.

[932] الدمعة الساكبة: 5 / 141 و 142.

[933] الدمعة الساكبة: 142 / 5.

[934] الهبل - كصرد -: صنم كان في الكعبة، «منه رحمه الله».

[935] في الدمعة الساكبة: شهزنان.

[936] خضع - كمنع -: تواصع... «منه رحمه الله».

[937] التعس - محركة -: الهلاك و العثار و السقوط و الشر و البعد و الانحاط...، «منه رحمه الله».

[938] جدله فانجدل و تجدل: صرعه علي الجدالة كجدله، «منه رحمه الله».

[939] نقل عنه في الدمعة الساكبة: 145 - 142 / 5، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[940] الشغل: ضد الفراغ... «منه رحمه الله».

[941] النخع - محركة -: قبيلة باليمن «منه رحمه الله».

[942] نهض - كمنع -: قام، «منه رحمه الله».

[943] مقتل الحسين عليه السلام: 220 - 128، مع اختلاف في الألفاظ.

[944] يحتمل أن يكون اللام جارة، «منه رحمه الله».

[945] اللهوف: 224 و 225، البحار: 144 / 45.

[946] نقل عنه في الدمعة الساكبة: 5 / 147 و 148.

[947] الأبريسم - بفتح السين و ضمها -: الحرير، معرب، «منه رحمه الله».

[948] في المنتخب: و أصلف.

[949] المنتخب: 482 و 483، انظر! البحار: 197 - 196 / 45.

[950] الخصلة - بالفتح -: الخلة و الفضيلة، «منه رحمه الله».

[951] أنه: أمر من الافعال بمعني: أبلغ، «منه رحمه الله».

[952] تقدم اليه في كذا: أمره و أوصاه، «منه رحمه الله».

[953] الرفق - بالكسر -: ما استعين به و اللطف، رفق به و عليه مثلثة، «منه رحمه الله».

[954] مقتل الحسين عليه السلام: 231، مع اختلاف و اختصار، البحار:

146 - 145 / 45 (نحوه).

[955] الدملج - بضم الدال و اللام و اسكان الميم كقنفذ -: شي ء كالسوار تلبسه المرأة في عضدها، و الدملوج كعصفور مثله، «منه رحمه الله».

[956] الدمعة الساكبة: 155 / 5، البحار: 146 / 45 (نحوه).

[957] عرج: تعريجا: ميل، «منه رحمه الله».

[958] البحار: 146 / 45، مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[959] يقرح - كيمنع -: يجرح، «منه رحمه الله».

[960] الدمعة الساكبة: 5 / 162 و 163.

[961]، «منه رحمه الله».

[962] القناة - بالفتح -: الرمح، «منه رحمه الله».

[963] المضاضة - بفتح الميم -: وجع المصيبة، «منه رحمه الله».

[964] في المصدر: المصائب الفاظعة، الكاظة الفادحة، و في البحار: المصائب الفاضعة، الكاظة الفادحة.

[965] في المصدر: من فوق عامل السنان.

[966] من المصدر و البحار.

[967] في المصدر و البحار: و أفظها.

[968] اللهوف: 230 - 226، عنه البحار: 149 - 147 / 45.

[969] في الدمعة الساكبة: بالشر.

[970] الدمعة الساكبة: 165 - 162 / 5.

[971] المنتخب: 486 - 484، البحار: 198 - 197 / 45.

[972] صراخ: الصوت أو شديدة، «منه رحمه الله».

[973] مقتل الحسين عليه السلام: 224 و 226، مع اختلاف في الألفاظ.

[974] عضادة الباب: خشبتاه من الجانبين، «منه رحمه الله».

[975] فتر يفتر، فتورا و فتارا: سكن بعد حدد، و لان بعد شدة، «منه رحمه الله».

[976] البحار: 198 / 45.

[977] مقتل الحسين عليه السلام: 227، مع اختصار.

[978] المناقب: 360 / 3، البحار: 63 - 62 / 45.

[979] البحار: 62 / 45.

[980] المناقب: 260 / 3، البحار: 63 / 45.

[981] مقاتل الطالبيين: 62، البحار: 63 / 45.

[982] البحار: 63 / 45.

[983] من الارشاد.

[984] لم ترد في المصدر: معدية.

[985] الارشاد: 135 / 2، عنه البحار: 329 / 45 ح 1، و فيهما:

تيمية.

[986] المناقب: 48 / 4، البحار: 330 / 45 ح 4.

[987] الدمعة الساكبة: 5 / 23 و 24.

[988] الارشاد: 133 / 2.

[989] الارشاد: 2 / 133 و 134.

[990] المنتخب: 28 و 29.

[991] نسخة الحديث هكذا، و لكن الظاهر أنه سقط المعطوف عليه الضمير أي: فبي هو عليه السلام و من حوله، «منه رحمه الله».

[992] البحار: 282 / 44 ح 16.

[993] البلور - كتنور... -: جوهر معروف، «منه رحمه الله».

[994] تظلم الزهراء عليهاالسلام: 45.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.