الولاء والبراءة في القرآن الكريم‌

اشارة

پديدآورندگان : آصفي، محمد مهدي، 1316-(پديدآور)
نوع : متن
جنس : مقاله
الكترونيكي
زبان : عربي
صاحب محتوا :موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان
توصيفگر : قرآن كريم
قيام عاشورا
تولي و تبري
حب اهل بيت (ع )
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
ويرايش : -
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : ,ملزومات سيستم: ويندوز 98+ ؛ با پشتيباني متون عربي؛ + IE6شيوه دسترسي: شبكه جهاني وبعنوان از روي صفحه نمايش عنوانداده هاي الكترونيكيمنشأ مقاله: الفكر الاسلامي، فروردين، ارديبهشت و خرداد 1378، شماره 21 و 22
شناسه : oai:tebyan.net/36313
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/11/26
تاريخ تغيير ركورد : -
تاريخ ثبت : 1389/7/4
قيمت شيء ديجيتال : رايگان

المقدمة‌

ليس الصراع من اجل استقطاب ولاء الناس بامر طاري او جديد في حياة البشرية وتاريخها الطويل، وإنّما هو من اقدم انماط الصراع إذ يتقابل فيه محوران:الاوّل: المحور الرباني وما له من امتدادات في حياة الإنسان.الثاني: محور الطاغوت؛ حيث يحاول ان يستقطب و لاء الناس لنفسه، و يعمل علي انتزاعه منهم بأساليب متعددة.ولكل‌ّ طاغوت محوره الخاص به، ولكن‌ّ هذه المحاور جميعها تقع في قبال المحور الرباني للولاية في حياة الإنسان.ومما يلفت النظر بقوّة في زيارة الإمام الحسين (ع) المعروفة بـ«زيارة وارث» هي حالة الارتباط بالمحور الرباني للولاية، والانفصال عن كل‌ّ المحاور التي يصطنعها الطاغوت من اجل استقطاب ولإ الناس‌لنفسه.والولاء من مقولة التوحيد دائماً، فلا يقبل معه الشرك مطلقاً،و توحيد الولاء من اهم‌ّ مقولات التوحيد.فليس للإنسان ان يحتفظ بولاء آخر إلي جانب و لاء الله تعالي، مهماكان نوع ذلك الولاء الآخر - غير ولاء الله - لابدّ وان يقع في مقابل و لاءالله لا محالة، وان‌ّ اكثر مصاديق الشرك الذي كان يحاربه الانبياء: والذي ينقله القرآن الكريم هي من شرك الولاء، وليست من الشرك في‌الخالق.فقليل من الناس مَن يشرك بالله، ويعتقد بوجود إله خالق غيره لهذا الكون، ولكن‌ّ الكثير منهم مَن يشرك بالله في الولاء فيشرك «غير الله» و«لغير الله» في ولائه، و يوزّع ولاءه وطاعته «لله» و «لغير الله» معاً، فيعطي‌للطاغوت حظّاً من ولائه ونصيباً من طاعته، و في الوقت الذي يجب ان‌لايكون للطاغوت أي‌ّ شي‌ء منها، ويجب ان يكون الولاء و الطاعة خالصَيْن لله تعالي وحده.ومن هنا، فإن‌ّ الطاغوت عندما يعمل علي تثبيت حالة محوريته في حياة الناس، فإنّه إنّما يعلن - بذلك - الحرب علي الله سبحانه و تعالي، لانّه يكون حينئذ قد تجاوز حدوده سبحانه، وتعدّي علي حق‌ّ الله و ولايته علي جميع الموجودات بما فيها الإنسان.. محاولاً انتزاع البشرية من دائرة الولاء لله تعالي و قطع صلتها به سبحانه.وقد كان صراع «التوحيد» و «الشرك» في حياة الانبياء (ع) في هذا الامر بالذات هو من اغلب الحالات، فقد كان الانبياء (ع) يعملون علي توحيد الولاء، و توحيد محور الولاية في حياة الإنسان.. حيث كانوا:يدعون البشرية إلي «ولاء الله و طاعته» و يأمرونهم برفض كل‌ّ و لاء آخر غير الولاء له سبحانه.ويشكّل صراع «الحق‌ّ» و «الباطل» في تاريخ الإنسان صوراً مختلفة لمعركة الولاء التي هي اعمق بكثير من كونها صراعاً سياسياً او عسكرياً، لانّها معركة عقائدية و حضارية في حقيقة الحال، وحتّي إذا سمّينا هذا الصراع ب «الصراع السياسي» فهو نمط خاص من انماط الصراع السياسي، وليس من قبيل ما الفه الناس من الحروب السياسية.فالمعركة هنا حول مسألة واحدة، وهي: حق‌ّ الحاكمية في حياة الإنسان.و حق‌ّ الحاكمية حق‌ّ واحد لا يتجزّأ ولا يتعدد، فامّا ان يكون «لله تعالي» فلا يقبل شريكاً و لا ندّاً، وامّا ان يكون «لغير الله» فيكون من‌الشرك بالله سبحانه.و تنشطر البشرية حول هذه المسألة إلي شطرين:احدهما: يوحّد الله تعالي بالولاء والطاعة، ولا يقبل لله سبحانه أي‌ّ شريك في الولاية و الحاكمية.و الآخر: يقبل في الحياة محاور اُخري للولاية وينقاد لها؛ فقد يكون الولاء للهوي، وقد يكون للطاغوت.و يُشكّل الصراع بين هذين الشطرين من البشرية كبري قضايا الإنسان، واهم‌ّ احداث تاريخ حياة الإنسان علي وجه الارض.و إذا جاز للإنسان ان يقف موقف اللاّمبالاة و المتفرج من كثير من‌القضايا، فلا يجوز له ان يقف موقف المتفرج من قضية الولاء، فهي مسألة جدّية وحقيقية في حياة الإنسان، تتطلب منه موقفاً محدّداً و صريحاً، و تتطلب منه ثباتاً علي الموقف مهما كلّفه ذلك من جهد وعمل‌ومهما احتاج إلي ضرائب و تضحيات.فليست مسألة الولاء في حياة الإنسان مسألة مساومة و لا مجاملة،و إنّما هي عنوان شخصية الإنسان وقيمته؛ حيث إن‌ّ الإنسان الذي ليس له و لاء معيّن ومحور ثابت يرتبط به في حياته، فإنّه لا يزيد علي ان يكون ريشة في مهب‌ّ الرياح السياسية والاهواء الذاتية والمتغيرات الاجتماعية.و الولاء لله هو الولاء الوحيد الذي يحدّد للإنسان معالم شخصيته و مسار تحرّكه، وهو الذي يعطي للإنسان قيمته الحقيقية التي تتمثل في خلافته لله تعالي علي وجه الارض، وهو الذي يحدّد له الموقف و المنطلق و المسار و الغاية.و المسألة التي تكون بهذه الدرجة من الاهمية في حياة الإنسان لايجوز للإنسان ان يتناولها بضعف، و يتعامل معها بتسامح وتساهل‌ومرونة؛ بل عليه ان يأخذها بقوّة، و يكون من امرها واضحاً وصريحاًوجادّاً و قويّاً!

كيف يكون الولاء؟

ويتجسّد الولاء لله سبحانه وتعالي عبر الارتباط به سبحانه من خلال:1 - الطاعة والانقياد والتسليم:فقال تعالي:أ - (إنّما كان قول‌َ المؤمنين إذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا و اطعنا و اُولئك هم المفلحون).ب - (.. و إن تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من اعمالكم شيئاً).ج - (و من يطع الله ورسوله يدخله جنّات تجري من تحتها الانّهار خالدين فيها).د - (قل اطيعوا الله والرسول...).ه - (و اطيعوا الله والرسول لعلّكم تُرحمون).و - (يا ايّها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول و اُولي الامر منكم...).ز - (قل اطيعوا الله واطيعوا الرسول...).وكما ان‌ّ الولاء لله يتطلّب الطاعة لله و للرسول و الانقياد و التسليم، فإنّه يتطلّب كذلك رفض الطاعة لغير الله.قال تعالي: (فاتقوا الله واطيعون، ولا تطيعوا امر المسرفين).2 - الحب والإخلاص لله سبحانه وتعالي:فقال تعالي:أ - (قل إن كان آباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وازواجكم و عشيرتكم و اموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب‌ّ إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربّصوا حتّي يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين).ب - (و من الناس مَن يتّخذ من دون الله انداداً يحبّونهم كحب‌ّ الله و الذين آمنوا اشدّ حُبّاً لله...).3 - النصرة لله و لرسوله و للمؤمنين:فقال تعالي:أ - (يا ايّها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصرْكم و يثبّت اقدامكم).ب - (ولينصرن‌ّ اللهُ مَن ينصره إن‌ّ الله لقوّي عزيز).ج (... والذين آووا و نصروا اُولئك بعضهم اولياءُ بعض..).د - (..والذين آووا و نصروا اُولئك هم المؤمنون حقّاً...)ه - (...فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي اُنزل معه اُولئك هم المفلحون).والولاء بهذا المعني الشامل يقوم باستقطاب كل‌ّ قدرات الإنسان و إمكاناته ومواهبه وميوله حول محور واحد، و يؤدّي إلي توجيه كافّة افعال الإنسان و تحرّكاته و رغباته في خدمة ذلك المحور... و بالتالي فإنّه -اي‌ّ الولاء - يفرض هيمنة شاملة لهذا المحور علي كل‌ّ الكينونة الإنسانية، فينقذ الإنسان من التشتّت و التمزّق والضياع الذي يعاني منه كثير من‌الناس حيث تتوزّعهم اُمور متباينة و عوامل مختلفة و جهات شتّي.فاوّل ما يصنع توحيد الولاء في كيان الإنسان هو انّه يجمع كل‌ّ كيانه الداخلي والخارجي حول نقطة واحدة.ثم يوجّه - ثانياً - هذه المجموعة المنسجمة من الإمكانات والطاقات من ميول ورغبات وافعال بإتجاه واحد، وهو الصراط المستقيم‌الذي يأمر به الله تعالي، فيتحوّل الإنسان حينئذ - من كائن ضعيف متشتّت‌البال والاحوال ومتوزّع القوي والقدرات إلي كائن قوي‌ّ فاعل في الاتجاه‌الذي يسير فيه، لا تتنازعه العوامل المختلفة ولا يصيبه الضعف او التردّداو الوهن، ولا يعاني من الحيرة في العمل ولا يلابسه لبس او غموض اوشك في التحرك.فيحرّره - ثالثاً - من جميع المحاور المختلفة والعوامل المتباينة التي‌تهدّد باحتواء حياة الإنسان وجهده وحركته، كالاهواء والانا والطاغوت‌والمال والمتاع.ويمنحه - رابعاً - الانسجام التام بين الجوارح و الجوانح، بين الظاهر و الباطن، بين الخارج والداخل، إذ ان‌ّ الولاء لا يفرض هيمنة قسرية علي جوارح الإنسان و عمله و تحرّكه، وإنّما يمنح الإنسان الانسجام النفسي مع‌الطاعة و الإقبال و الحب‌ّ و الرغبة؛ وذلك لانّه يشكّل هيمنة كاملة علي كل‌ّالكينونة الإنسانية، و يشكّل محوراً ثابتاً لكل‌ّ اهتمامات الإنسان و تحرّكاته و جميع ميوله النفسية و رغباته.و من اهم‌ّ خصائص هذه «الهيمنة» و «المحورية» هي انّها لا تأتي عن حشر و إرغام وقسر، وإنّما تصدر عن انسجام نفسي كامل للإنسان مع هذا المحور، و انجذاب شامل نحوه، حيث إن‌ّ حركة الجوارح يمكن ان تخضع للحشر والضغط، ولكن‌ّ الميول و الرغبات و الحب‌ّ و البغض لايمكن ان تخضع للعوامل الخارجية القاهرة.ولذلك، فإن‌ّ حب‌ّ الله والحب في الله هي من اهم‌ّ عناصر الولاء و مقوّماته، حيث إنّه هو الذي يمنح الإنسان هذا الانسجام مابين عمل‌جوارحه و توّجه جوانحه، وهو الذي يجعل طاعة الإنسان لله و انقياده له:و عبادته إياه تعالي تصدر عن رغبة و حب‌ّ و شوق.

ضرورة الممارسة الفعلية للحاكمية‌

وهناك مسألة اساسية في الولاء لابدّ ان نشير إليها لكي نفهم معني الولاء، وندرك دوره وقيمته في حياة الإنسان المسلم.فيجب ان نعرف بان‌ّ الممارسة الفعلية للحاكمية ضرورة لابدّ من وجودها في حياة الاُمة المسلمة، وان حياة الاُمة و حركتها لا تنتظم من دون هذه الحاكمية و الممارسة القيادية.إذ ان‌ّ الإسلام شريعة قائدة في حياة الإنسان، تتولي تنظيم المجتمع و إدارة شؤونه و توجيه الناس باتّجاه تحقيق اهداف الدعوة و غاياتها، و لايمكن ان يتحقق شي‌ء من ذلك من دون وجود ممارسة فعلية للقيادة و الحاكمية في المجتمع المسلم، و هذه القيادة و الحاكمية هي التي يسميهاالقرآن الكريم ب «الإمامة» او «الخلافة»، و هي ليست نفس الجانب التشريعي من هذا الدين، وإنّما هي شي‌ء آخر يختلف عنه، حيث إن‌ّ الطاعة فيما يبلغ الناس من احكام الله و تشريعاته، إنّما هي طاعة لله تعالي،و امّا الانبياء (ع) فهم مبلِّغون لتلك الاحكام، ولا تمثل طاعة تلك الاحكام و التكاليف طاعة لهم: في حين انّنا نري بان‌ّ القرآن الكريم يصرّح‌بوجوب إطاعة الرسول (ص) و إطاعة اُولي الامر من بعد الرسول(ص) كامتداد لطاعة الله، حيث قال تعالي: (اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اُولي الامر منكم).فهذه الطاعة ليست هي طاعة الله في امتثال احكامه و الالتزام بالحلال والحرام، وإلاّ لما امر الله بها وجعلها شيئاً مستقلاّ يختلف عن طاعته تعالي، و لما كان هناك معني لطاعة الرسول واُولي الامر.فطاعة الرسول (ص) و اُولي الامر - إذن - هي غير طاعة الله - و إن كانت من امتدادها، وانّها تكون في دائرة الفراغ التي تتركه الشريعة السمحاء لاولياء اُمور المسلمين فيما تتطلبه مصلحة الإسلام و الاُمة المسلمة، ممالايمكن ضبطها في الشريعة باحكام ثابتة.ومن اجل ان يمارس هذا الدين دوره القيادي في حياة الإنسان، فإنّه لابدّ من وجود ممارسة فعلية للقيادة و الحاكمية في حياة الناس.ولكي يؤدّي الحاكم مهماته الصعبة ويتمكن من مواجهة التحديات و إزالة العقبات و الاستمرار بالاُمة في المسيرة الصعبة - مسيرة ذات الشوكة - فإنه:1 - لابدّ و ان يكون موضع نصرة المؤمنين.2 - لابدّ و ان يكون موضع حب‌ّ المؤمنين و تقديرهم و احترامهم.حيث إن‌ّ المهمات الكبيرة التي يجب علي الحاكم الإسلامي ان ّيحقّقها تتطلب انسجاماً كاملاً و تفاهماً تاماً بين الاُمة و الإمام، فمن دون‌ان تسود المحبّة و المودّة و الانسجام النفسي بين الرعية و الحاكم، فإن الحاكم لا يستطيع ان يوجّه المسيرة و يواجه العقبات.

معني البراءة‌

وليس ثمة شك‌ّ في ان‌ّ الطاغوت سوف يعمل بكل‌ّ جهده لعرقلة مسيرة هذا الدين وتطويقه وتلغيم دربه، وسوف يستنفذ كل‌ّ إمكاناته في‌الدس في هذا الدين و الدس في هذه الاُمة، لكي تفقد الاُمة اصالتها و صلابتها و مناعتها الفكرية وتتحوّل من اُمة رسالية تريد ان تؤدي‌رسالتها، إلي اُمّة تريد ان تعيش حياة هادئة وديعة بعيدة عن هموم الرسالة و متاعب الدعوة إليها.ولكي تستطيع الاُمّة ان تحفظ مناعتها و اصالتها في مواجهة المحاولات التي يبذلها اعداؤها لتمييع اصالتها وحرفها عن مسيرتها القويمة و مصادرة اهدافها ورسالاتها؛ لابدّ وان تتمتع بمناعة قويّة ضدّاي عنصر دخيل او فكر غير اصيل.وهذه المناعة هي الضمان الوحيد الذي يحمي الاُمّة من الانصهار و الميوعة والانحراف.ولا تتحقّق هذه المناعة ابداً، ما لم تكن المفاصلة بين المسلمين و الكفار كاملة، وما لم يكن الابتعاد عن ائمة الشرك ومنطقة نفوذه و تأثيره ابتعاداً تاماً.إذ ان هذه المفاصلة كفيلة بمصادرة كل‌ّ فرص التأثير السلبي علي هذه الاُمّة، وتجعل الاُمة في حصانة كاملة من كل‌ّ التأثيرات الانحرافية التي يريدها اعداء الإسلام بها، وتحمي اصالة الاُمة وعقيدتها من الانهيار،و تمنع رشدها الفكري و رسالتها المتينة من الانصهار والذوبان.و هذه المفاصلة بين المسلمين وبين المشركين و ائمة الكفر هي التي يصطلح عليها القرآن الكريم بـ «البراءة».(براءة‌ٌ من الله و رسوله إلي الذين عاهدتم من المشركين).(واذان من الله و رسوله إلي الناس يوم الحج الاكبر ان‌ّ الله بري من المشركين و رسولُه).ومن الطبيعي ان البراءة تجب في حالة مواجهة نوايا عدوانية من الطرف الآخر، وفي حالة تحصين الاُمّة ضد التأثيرات السلبية.ولكي تستطيع الاُمة ان تواجه العدوان و التحديات من قبل اعدائها،و تتمكّن من اجتياز العقبات، لابدّ لها من التماسك والترابط، ولابدّ لها من‌ان تكون كتلة متراصّة و صفّاً مرصوصاً كما يقول القرآن الكريم.

الولي والامام‌

لمّا كانت رسالة هذا الدين (الإسلام) رسالة عالمية، وكانت مهمّة الاُمّة هي إبلاغ هذه الرسالة إلي البشرية جميعاً، وتحرير الإنسان من الطاغوت و تعبيده لله الواحد الاحد، فإنّه - إذن - دين ذو طبيعة حركية و جهادية، و هذا يتطلب من الاُمة حالتين اساسيتين في الداخل والخارج،وهما:1 - التماسك و الترابط من الداخل:فقال تعالي:أ - (... والذين آووا و نصروا اُولئك بعضهم اولياء بعض...).ب - (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض...).وفي الحديث:أ - «مثل المؤمنين في توادّهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه‌عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر و الحمّي»ب - (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً)ج - (تواصلوا و تبارّوا وتراحموا و كونوا إخوة بررة كما امركم الله)فهذا كلّه من اجل ان تكون الاُمة جسماً متضامن الاعضاء والاطراف.2 - المفاصلة الكاملة مع اعداء الله ورسوله الذين يتربّصون بهذا الدين سوءاً و ينتظرون لهذه الاُمة إبادة.فقال تعالي:أ - (لا يتّخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين...)ب - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين...)ج - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصاري اولياء. بعضهم اولياء بعض و من يتولّهم منكم فإنّه منهم...)د - (يا ايّها الذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم اولياء إن استحبّوا الكفر علي الإيمان...)وهذه هي حالة البراءة من اعداء الله تعالي واعداء الرسول (ص) و اعداء الإسلام، وحالة تحريم مولاتهم و مودتهم والتحبب اليهم.و يتطلّب ذلك الترابط القوي‌ّ من الداخل، و هذه المفاصلة التامة من الخارج، وجود قيادة مركزية، تتولي قيادة مسيرة الاُمّة لمواجهة التحديات واجتياز العقبات، فتعمل علي ربط هذه الاُمة بعضها ببعض في كتلة مرصوصة واحدة من الداخل، و فصلها عن اعدائها الذين يريدون بهاسوءاً من الخارج ثم تقوم بتوجيه هذه الكتلة المجتمعة باتجاه تحقيق الاهداف الكبري لهذه الدعوة علي وجه الارض كلّها.وهذه القيادة التي لابدّ من وجودها في كيان هذه الاُمة، و هذا الحاكم الذي يمتلك من الاُمة الطاعة والنصرة والحب‌ّ (العناصر الثلاثة للولاء)،هو الذي يصطلح عليه القرآن الكريم اسم الإمام او الخليفة او الولي؛ حيث إنّه يتولّي اُمور المسلمين و يوجّههم إلي حيث يريد الله تعالي ويرضي.

الولي امتداد للمحور الالهي‌

إلاّ ان هذا المحور (الولي) الذي يستقطب الطاعة و التأييد و النصر و الحب‌ّ من الاُمة لا يشكل محوراً آخر في قبال المحور الربّاني للولاية في هذا الكون، ولن يكون محوراً جديداً غير هذا المحور الإلهي؛ إذ ان اي‌ّ محور آخر لولاية في قبال المحور الإلهي هو طاغوت، تجب مكافحته و محاربته.فيكون الولي - إذن - امتداداً لهذا المحور الرباني ليس إلاّ، و تجب طاعته ونصره وحبه امتداداً لوجوب طاعة الله و نصره و حبه.فلن يكون الولي - إذن - محوراً جديداً، وإنّما هو امتداد للمحور الرباني للولاية علي العباد، وذلك لان‌ّ الولاية من اهم‌ّ مقولات التوحيد، فلايمكن ان تتعدد محاور الولاء ابداً.والولاء امّا ان يكون او لا يكون.فإذا كان الولاء لله فلابدّ وان يكون بوجهه الإيجابي و السلبي (الذي هو رفض الولاء لغير الله) ولا تقل‌ّ قيمة الوجه السلبي عن قيمة الوجه الإيجابي.فلا يتم‌ّ الولاء لله تعالي الاّ برفض اي‌ّ ولاء آخر مع ولاء الله فضلاً عن ان يكون من دونه، وان‌ّ قبول اي‌ّ ولاء آخر مع ولاء الله سبحانه - او من دونه - يعني الشرك بالله تعالي.

ضرورة توحيد الولاء

وبناءً علي ما تقدم فإن‌ّ مسألة توحيد الولاء - إذن - من اهم‌ّ خصائص الولاء، وقد سبق وان اشرنا إلي ان اكثر مصاديق الشرك في القرآن الكريم هي شرك في الولاء و ليست شركاً في الخالق.قال تعالي: (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً...).حيث يضرب الله سبحانه لنا مثلاً في «التوحيد» و «الشرك»،برجلين:احدهما: يتنازعه شركاء متشاكسون، لكل‌ّ واحد منهم ولاية عليه و سلطان، فهؤلاء الشركاء مختلفون فيما بينهم، وهو موزّع بينهم.والآخر: قد اسلم امره إلي رجل واحد فقط «و رجلاً سلماً لرجل» يطيعه في كل‌ّ شي‌ء وينقاد له في كل‌ّ أمر ويتقبّل ولايته و حاكميته في كل‌ّ شأن.و هكذا الامر بالنسبة للتوحيد و الشرك.فالموحّدون من الناس كالرجل الثاني الذي اسلم امره لرجل واحد،فهو في راحة من امره.و المشركون من الناس كالرجل الاوّل الذي يتنازعه شركاء متشاكسون.وواضح من هذا المثال ان‌ّ المقصود بالشرك والتوحيد هو: الشرك في‌الولاء والتوحيد في الولاء.وقال تعالي عن لسان يوسف (ع):(يا صاحبي السجن ءأرباب متفرّقون خير ام الله الواحد القهّار).إن‌ّ صاحبي يوسف (ع) في السجن لم يكونا ينكران الله الواحد القهّار،و إنّما كانا يشركان ارباباً متفرقين مع الله في الولاية و الحاكمية علي حياتهم فانكر يوسف (ع) عدم تسليم اُمورهما كلّها لله الواحد القهّار.ويقول امير المؤمنين (ع) في اسباب البعثة:«بعث الله محمّداً (ص) ليُخرج عباده من عبادة عباده إلي عبادته، و من عهود عباده إلي عهوده، ومن طاعة عباده إلي طاعته، و من ولاية عباده إلي ولايته».اللهتعالي وحده هو مصدر الولاية و الحاكمية والسلطان:فالولاية - إذن - محور ثابت لا يتعدّد ولا يتجزّأ ولا يتغيّر.. و هي لله سبحانه و تعالي، ولكن‌ّ الله سبحانه وتعالي يمنح هذه الولاية إلي مَن يشاء من عباده، و إلي مَن يرتضي من الناس.فلن تكون ثمة ولاية - إذن - في قبال ولاية الله.ولن تكون هناك اي‌ّ ولاية - ابداً - بغير إذن الله، و لا حاكمية من دون امره.حيث إن‌ّ الولاية المشروعة في حياة الاُمّة، لمّا كانت امتداداً لولاية الله، فإنّها لابدّ وان تكون بإذن الله وامره.وما لم يأذن الله لاحد من الناس بان يلي امر عباده لن يكون له الحق‌ّفي ان يتولّي شيئاً من اُمور الاُمة.وبمراجعة القرآن الكريم نجد هذه الحقيقة واضحة فيما يحكي الله تعالي لنا من تنصيب عباد له اولياء وائمة وخلفاء علي الناس، وانّه لم تتم‌ّلهم إمامة و لا ولاية علي الاُمّة لولا ان‌ّ الله تعالي قد خصّهم بذلك واناط إليهم هذا الامر.ففي قصّة إبراهيم (ع)، يقول تعالي:(قال إنّي جاعلك للناس إماماً قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)والإمامة - هنا - بمعني الولاية.. فقد جعله الله تعالي إماماً بعد ان كان نبيّاً.و في قصّة داود (ع)، يقول تعالي:(يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق..)والخلافة هنا بقرينة قوله تعالي: (فاحكم بين الناس بالحق) تعني الولاية والحاكمية.ويقول تعالي عن ذرية إبراهيم (ع) لمّا نجّاه الله تعالي من القوم الظالمين:(ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاّ جعلنا صالحين وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا و اوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)ولا نريد - هنا - ان نسهب في هذا القول، فله مجاله الخاص في‌البحث، و إنّما نريد - فقط - ان نشير إشارة سريعة إلي ان‌ّ مصدر الحاكمية و السلطان في حياة الإنسان هو الله تعالي وليس الاُمّة - كما تذهب الاتجاهات الديمقراطية إلي ذلك - وليس لاحد من دون إذن الله تعالي ان‌يتولّي امراً من اُمور المسلمين، كما ان الله تعالي لم يفوّض الاُمّة بهذه الصلاحية في اختيار مَن تراه هي اهلاً للولاية و الاُمة الإمامة.فالاصل في الامر هو ان‌ّ الله سبحانه وتعالي هو مصدر السلطة‌والحاكمية في حياة الناس، و ليس هناك في النصوص الشرعية ما يشير إلي ان‌ّ الله عزّ وجل‌ّ قد فوّض الاُمة بهذا الامر.فولاية الله تعالي - في حياة الناس لا يقتصر امرها - إذن - علي نفوذ الاحكام الشرعية المحدّدة من قبل الله تعالي في حق‌ّ عباده، و إنّما تعني الممارسة الفعلية للحاكمية و الامر والنهي في حياة الإنسان من خلال اُولئك الذين اتّخذهم الله اولياء له، و جعلهم ائمة للبشر وخلفاء علي الناس.

دور الولاية و اهميتها في حياة الامة‌

هناك بعض النصوص الإسلامية التي وردت في اهميّة الولاية و قيمتها في حياة الاُمة، و موقعها في هذا الدين الحنيف، و منها:عن ابي جعفر (ع) انّه قال: «بُنِي الإسلام علي خمس: علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج‌ّ و الولاية، و لم يناد بشي‌ء كما نودي بالولاية».و عن مجلان بن صالح قال: قلت لابي عبدالله (ع) اوقفني علي حدود الإيمان، فقال (ع): شهادة ان لا إله إلاّ الله وان‌ّ محمّداً رسول الله والإقرار بماجاء من عند الله و صلاة الخمس واداء الزكاة وصوم شهر رمضان و حج‌ّالبيت و ولاية وليّنا و عداوة عدوّنا و الدخول مع الصادقين.و عن ابي جعفر (ع) انّه قال: بُنِي الإسلام علي خمسة اشياء: علي الصلاة والزكاة والصوم والحج‌ّ و الولاية، قال زرارة (راوي الحديث)فقلت، واي‌ّ شي‌ء من ذلك افضل؟ قال (ع): الولاية افضل لانّها مفتاحهن،والوالي هو الدليل عليهن‌ّ... ثم قال (ع): ذروة الامر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء، ورضي الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته ان‌ّ الله عزّ وجل‌ّ يقول : (مَن يُطع الرسول فقد اطاع الله ومَن تولي فما ارسلناك عليهم حفيظاً)، امّا لو ان‌ّرجلاً قام ليله و صام نهاره وتصدّق بجميع ماله و حج‌ّ جميع دهره ولم‌يعرف ولاية ولي‌ّ الله فيواليه، وتكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان له علي الله حق‌ّ في ثوابه، ولا كان من اهل الإيمان. ثم قال (ع): اُولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته)و هذا الحديث يتوقّف الإنسان للتأمّل فيه طويلاً، فمن قام ليله و صام نهاره، ولم يعرف ولاية الله ماكان له علي الله حق‌ّ في ثوابه، ولا كان من‌اهل الإيمان، و ذلك لان‌ّ جوهر الدين ليس عبارة عن مجموعة تعليمات من العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات، و إنّما هو الارتباط بالله ورسوله واوليائه.و عن طريق هذا الارتباط يتم‌ّ للإنسان المؤمن تحديد معالم دينه.و قد امر الرسول (ص) اُمته من بعده بالارتباط باهل بيته: بعد كتاب‌الله لتحديد معالم دينهم.يقول رسول الله (ص): «الا ايّها الناس، فإنّما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربي‌فاجيب، وانا تارك فيكم ثقلين؛ اولهما: كتاب الله، فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب اللهواستمسكوا به، فحث‌ّ علي كتاب الله و رغّب فيه. ثم قال (ص): واهل بيتي، اُذكركّم الله في اهل بيتي، اُذكّركم الله في اهل بيتي، اُذكّركم الله في اهل بيتي».وعن طريق هذا الارتباط يتم‌ّ تنظيم المجتمع و تحريك الاُمّة و توجيهها و قيادتها باتجاه تحرير الإنسان من عبودية الهوي و الطاغوت،و تعبيده لله الواحد الاحد وترسيخ الدعوة إلي الله علي وجه الارض.فمسألة الولاية - إذن - مسألة اساسية في هذا الدين، و لا يستطيع هذا الدين ان يؤدّي دوره الاساسي في ربط الإنسان بالله تعالي، وفي قيادة الإنسان إلي تحقيق اهداف هذا الدين في الحياة، وتعبيد الإنسان لله، و إزالة الحواجز التي يزرعها الطاغوت في طريق هذه الدعوة. من دون«الولاية».وهذه الحقيقة تقرّر حتمية الصراع بين محوري «الولاية» و «الطاغوت»، بشكل دائم في تاريخ الإنسان.

الانسان بين محوري الولاية و الطاغوت‌

إن‌ّ هذين المحورين يعملان باتجاهين متعاكسين في حياة الإنسان،و كل‌ّ منهما يعمل لاستقطاب ولاء الإنسان حول محوره، و يحاول فصل الإنسان عن المحور الآخر.فرسالة محور الولاية هي:1 - استقطاب ولاء الاُمّة حول محور الولاية، و إنقاذ الاُمة من التشتّت و الضياع و الاختلاف.2 - توجيه الاُمّة وتوحيد حركتها باتّجاه إسقاط محور الطاغوت و تحرير الإنسان من عبودية الطاغوت والهوي.3 - إسقاط الطاغوت وإزالة العقبات من امام طريق الإنسان إلي الله تعالي.4 - ربط الإنسان بالله و تعبيده لله تعالي.وفي قبال هذا المحور الرباني، يعمل محور الطاغوت علي استقطاب و لاء الناس، ويحاول وضع الحواجز والعقبات في طريق الناس إلي الله تعالي، ويحاول استعباد الإنسان و إخراجه من النور إلي الظلمات.وإلي هذا الصراع بين محوري «الولاية» و «الطاغوت» تشير الآية الكريمة: (الله ولي‌ُّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلي النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلي الظلمات اُولئك اصحاب النار هم فيها خالدون).و لمّا كانت هذه المهمّة التي يتولّي امرها الطاغوت، لا تتحقق إلاّ من خلال استضعاف الإنسان و إذلاله، فإن الطاغوت يتّبع اساليب كثيرة في استضعاف الإنسان و سلب ثقته من نفسه، وتعميته و تمييع اصالته وقوته‌الفكرية. وعند ذلك - فقط - يتيسر للطاغوت ان يكسب ولاء الإنسان و طاعته و انقياده.يقول تعالي عن فرعون: (فاستخف‌ّ قومه فأطاعوه إنّهم كانوا قوماً فاسقين).و مهما يكن من امر فإن‌ّ الصراع بين هذين المحورين: محور الولاية و محور الطاغوت، هو من كبريات قضايا التاريخ، و من اهم‌ّ العوامل المحرّكة لعجلة التاريخ.و من خلال فهم هذا الصراع نستطيع ان نفهم الكثير من احداث التاريخ و قضاياه الكبري ومنعطفاته و ثوابته و متغيراته.

خصائص الصراع بين محوري الولاية و الطاغوت‌

و من خصائص هذا الصراع التاريخي، والمعركة الممتدّة بين‌محوري الولاية و الطاغوت (الحق‌ّ و الباطل):1 - إن‌ّ المعركة بينهما معركة عقائدية في جوهرها، حيث إن‌ّ جوهر الصراع بينهما يتمثل في صراع عقائدي قوي يدور حول «التوحيد» و «الشرك».وقد وردت اكثر الفاظ «الشرك» و «التوحيد» في القرآن الكريم،لتدل‌ّ علي الشرك في الولاء، و التوحيد في الولاء.2 - إنّها معركة حضارية وليست شخصية؛ لانّها تشكّل صداماً بين حضارتين، لكل منهما خصائصها التي تميّزها عن الاُخري، و هما «الحضارة الربانية» و «الحضارة الجاهلية».إذ ان الانتماء إلي اي‌ّ من المحورين ليس - فقط - انتماءً سياسياً إلي محاور القوّة و السيادة، وإنّما هو - ايضاً - انتماء حضاري تستتبعه‌خصائص وميزات حضارية في اُسلوب التفكير و الاخلاق والعمل و العلاقة مع الله تعالي و مع النفس و مع الآخرين و مع الاشياء.فالصراع بين هذين المحورين - إذن - يعني الصراع بين حضارتين بكل‌ّ دقة.3 - إنّها معركة سياسية علي مراكز القوي من المال و القوة العسكرية وثقة الناس و وسائل التوجيه و الثقافة و الإعلام.فلا شك في ان كُلاّ من هذين المحورين يعمل للاستيلاء علي مراكز القوي في المجتمع، ويُعْمِل استخدام هذه المراكز في تمكين محوره و خطّه.4 - إنّها معركة حتمية تدخل ضمن حتميات التاريخ الكبري، و لايمكن للإنسان ان يتخلّص منها او يتجنّب آثارها بأي‌ّ حال من الاحوال.حيث إن‌ّ طبيعة تعاكس تلك المحاور و الخطوط تستدعي حتمية هذه المعركة في كل‌ّ زمان و مكان.فمحور الهداية و الولاية الإلهية يعمل علي مصادرة كل‌ّ مصالح الطاغوت و مراكزه و مواقعه ووجوده، ولكن‌ّ الطاغوت لا يتخلّي عن دوره في الإفساد علي وجه الارض دون مقاومة، فيخوض هو و جنده صراعاً مريراً مع محور الولاية وجنوده.ولذا، فإن اي‌ّ عصر من العصور لم يخل من هذا الصراع؛ فهو قائم بين المحورين منذ ان خلق الله تعالي الإنسان - بهذه التركيبة الخاصة - علي وجه الارض، و حتّي يومنا الحاضر.وقد قرّر القرآن الكريم حتمية هذا الصراع بين المحورين بشكل جازم، حيث قال تعالي:(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت،فقاتلوا اولياء الشيطان إن‌ّ كيد الشيطان كان ضعيفا).5 - إنّها معركة مصيرية قد تطول او تدوم؛ حيث إن‌ّ كل‌ّ محور من المحورين يعمل علي استئصال المحور الآخر من علي وجه الارض،و إنهائه و تصفية مراكزه و مواقعه و وجوده بشكل عام.فهي ليست معركة من اجل ارض او مياه و هي ليست معركة من اجل حدود برّية او بحرية.. وهي ليست معركة من اجل بئر نفط او منجم ذهب او فضة.. و إنّما هي معركة من اجل الوجود و الكيان.. ولا يرضي كل ّمن الطرفين إلاّ بتصفية الطرف الآخر تصفية كاملة.قال تعالي: (وَلَن‌ْ تَرْضَي عَنك‌َ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـرَي حَتَّي تَتَّبِع‌َ مِلَّتَهُم‌ْ).وقال سبحانه: (وَقَاتِلُوهُم‌ْ حَتَّي لاَتَكُون‌َ فِتْنَة‌ٌ وَيَكُون‌َ الدِّين‌ُ كُلُّه‌ُ لِلَّه‌ِ فَإِن‌ِ انتَهَوْاْ فَإِن‌َّ اللَّه‌َ بِمَا يَعْمَلُون‌َ بَصِيرٌ - وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَن‌َّ اللَّه‌َ مَوْلاكُم‌ْ نِعْم‌َ الْمَوْلَي وَ نِعْم‌َ النَّصِيرُ).فهذه المعركة تستمر حتي الاستئصال الكامل للكفر والجاهلية و القضاء المبرم علي الفتنة من علي وجه الارض، وانهاء حالة التمرّد علي‌الله و رسوله انهاءً تاماً.ولذا فان‌ّ هذه المعركة معركة شرسة و حرباً ضارية لا يعرف التاريخ‌نظيراً لها في الشراسة و القسوة و الحدّية.و لذلك فإن التفكير في اللقاء و التفاهم والحلول النصفية مع الكفر و الطاغوت، هو تفكير فيه كثير من الفجاجة و الضعف و الهزيمة النفسية التي تؤدي الي الخسران، إذ ان الهزيمة النفسية هي بداية كل هزيمة ميدانية، وان بداية الهزيمة النفسية هو التفكير في امكان اللقاء و التفاهم مع الطاغوت وانهاء الصراع معه، و الجلوس امامه علي موائد الصلح.إن‌ّ المعركة مع الطاغوت ـ إذن ـ معركة وجود وليست معركة حدود،و انها لم تنشا عن اختلاف في الاعتبار حتي يمكن التفاهم و التصافي و التعايش بسلام و تطبيع العلاقات.6 ـ آنهاتتطلب من الاُمّة المؤمنة ان تقف مواقف واضحة وحدّية و حاسمة في مسالة اعلان «الولاء» و «البراءة».. اعلان الولاء لله ولرسوله و لاولياء اُمور المسلمين، و اعلان البراءة من اعداء الله و رسوله و اوليائه..و ذلك لما مرّ من انها معركة مصيرية صارمة و حرب دائمة ضارية.فلابد ـ إذن ـ من موقف.. ولابد وان يكون الموقف واضحاً وحدّياً ومعلناً...فإن‌ّ المعركة مع ائمة الكفر جدّ لا هزل فيها اومراء.. وانها لقائمة لا انتظار لها او استدعاء...وانّها لضارية لا تردد فيها او استرخاء... وانّها شرسة لا هدوء فيها او اطفاء...فلا يكفي ان يضمر الإنسان الحب لله ولرسوله و لاوليائه من دون ان‌يكون له موقف، و من دون ان يعرف الناس عنه ذلك...و لا يكفي ان يكون قلب الإنسان مع الله و رسوله و اوليائه و يكون سيفه وحرابه عليهم.ولا يكفي ان يعطي المرء لله و رسوله و اوليائه بعضاً من نفسه وماله،ليعطي البعض الآخر منها للطاغوت.ولا يكفي ان يعطي نفسه كلّها لله تعالي، ولكنّه يجامل الطاغوت او يحتفظ لنفسه ببعض جسور العودة.ذلك، لان‌ّ الولاء كل‌ّ لا يتجزأ؛ فامّا ان يكون كلّه لله تعالي، وامّا ان لايكون لله منه شي‌ء، فإن‌ّ الله غني‌ّ عن العالمين.فالولاء - إذن - يتطلّب الموقف المحدّد الثابت، والإشهار بالموقف في مسألة «الانتماء» و «الانفصال».. في الحب والبغض، في المودة والمعاداة، في التولّي و التبري، في السلام و الحرب.7 - إن‌ّ «الولاء» و «البراءة» وجهان لحقيقة واحدة في هذه المعركة التاريخية وما تتطلبه من مواقف.فلا ينفع «ولاء» من دون «براءة»، ولا يؤدّي الولاء دوره الفاعل و المؤثّر في حياة الاُمّة ما لم يقترن بالبراءة من اعداء الله ورسوله واوليائه.فالموقف هذا لا يتكوّن من «الولاء» وحده، و إنّما له و جهان: وجه‌موجب ووجه سالب، سلم وحرب، رحمة وقسوة، انتماء وانفصال، حب‌ّ و بغض.وما لم يجتمع هذان الوجهان في موقف الإنسان، فإن‌ّ الموقف لن‌يكون موقفاً حقيقياً، وإنّما يكون شعبة من شعب النفاق و طوراً من اطوار المجاملة السياسية واللعب علي الحبال.قال تعالي: (.. اشدّاء علي الكفار رحماء بينهم)8 - وكما ان‌ّ محور الولاية هو مركز واحد وخط‌ّ واحد وامتداد واحدعلي طول التاريخ، فإن محور الطاغوت - ايضاً - هو خط واحد و حضارة واحدة وامتداد واحد. و نحن لا نفرّق في الولاء بين انبياء الله و اوليائه القريب منهم من عصرنا والبعيد منهم عن عصرنا، فكلّهم يحملون رسالة الله و يبلّغون دين الله، وآتاهم الله من لدنه النبوّة و الإمامة و الولاية علي عباده، فنحن نواليهم جميعاً و نؤمن بما انزل الله معهم، ولا نفرّق بين احدمنهم.قال تعالي: (قولوا آمنا بالله وما اُنزل إلينا و ما اُنزل إلي إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الاسباط و ما اُوتي موسي و عيسي و ما اُوتي النبيون من ربّهم لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون)و قال سبحانه: (آمن الرسول بما انزل اليه من ربّه والمؤمنون كل‌ّ آمن بالله و ملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين احد من رسله و قالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربّنا و إليك المصير).و كما نوالي اولياء الله جميعاً، يجب‌ّ ان نتبرّأ من أعدائهم جميعاً.و كما ان الولاء امر واحد، فإن البراءة امر واحد ايضاً.فيجب‌ّ ان نتبرّأ من فرعون ونمرود كما نتبرّأ من أبي جهل ويزيد،وكما نبرأ من طغاة عصرنا وجلاوزته.وذلك، لان‌ّ نفس السبب الذي يدعونا للبراءة من طغاة عصرنا و يدفعنا للعنهم، يدعونا ايضاً للبراءة من فرعون ونمرود وأبي جهل‌و يزيد و الحجّاج و قابيل، و يدفعنا للعنهم.فلمّا كانت المعركة بين محوري «الحق‌ّ» و «الباطل».. «الهدي» و «الضلال».. «الولاية» و «الطاغوت»، ليست معركة شخصية وإنّما هي‌معركة حضارية، و ان‌ّ لكل‌ّ من الجبهتين امتدادها التاريخي وجذورهاالحضارية في اعماق الهدي او الضلال، وان‌ّ المعركة في جوهرها هي‌معركة واحدة في كل‌ّ مراحلها التاريخية، فإن‌ّ الولاء يكون ولاءً واحداً،وتكون البراءة براءة واحدة، في كل‌ّ مراحل المعركة و ازمنة الصراع.

واقعة الطف محك لمعدني الولاء و البراءة‌

تعتبر وقعة كربلاء - منذ القدم - مسرحاً من اهم‌ّ مسارح الولاء و البراءة؛ لانّها وقعة متميزة من بين الكثير من احداث التاريخ الكبري،و مشاهد الصراع بين الحق‌ّ و الباطل.و لذلك، فإن‌ّ ولاء المؤمنين وبراءتهم يتجلّي علي صعيد قضية كربلاء اكثر من كثير من القضايا التي تستثير الولاء والبراءة.و يتجسّد «الولاء» و «البراءة» في هذه الوقعة ضمن مظاهر كثيرة: من إقامة مجالس العزاء، والبكاء، والزيارات، والسلام علي الحسين (ع)واهل بيته واصحابه، واللعن علي اعدائهم، ومسيرات العزاء، والوفود إلي كربلاء لزيارة الإمام الحسين (ع)، و الادب و الخطابة، وغير ذلك من‌المشاهد الكثيرة التي تعبّر عن ولاء المؤمنين للحسين (ع) و اهل بيته و اصحابه وبراءتهم من اعدائهم.إن‌ّ وقعة الطف من المواقع العقائدية والحضارية الكبري المؤثّرة في التاريخ، والتي تفرض نفسها علي الإنسان، فلا يملك ان يمرّ عليها مروراً عابراً، او يقف عندها وقوف المتفرّج او يقرأ سطورها بلا مبالاة‌وعدم اكتراث.فبالرغم من مرور اكثر من الف وثلثمائة سنة علي هذه الواقعة المفجعة، فإنّها لا تزال تملك تأثيراً فوق العادة علي النفوس و القلوب و العقول، و تفرض نفسها علي كل‌ّ مَن آتاه الله بصيرة ووعياً في دينه.ولا تزال الاجيال تتلقّف قضية كربلاء بحرارة و حماس، و تتفاعل معها في الإيجاب والسلب، في الولاء والبراءة، فما هو السرّ الكامن في هذه الحقيقة؟وما الذي جعل منها مرآة للولاء والبراءة، عبر هذا التاريخ الطويل؟إن‌ّ وقعة الطف تتميّز بالوضوح الكامل الذي لا يبقي شكّاً لاحد في طرفي هذه المعركة.فلم يكن هناك التباس في امر المعركة التي حدثت علي ارض الطف،ولم يكن هناك احد من المسلمين يشك‌ّ في ان الحسين (ع) كان يدعو إلي‌الله ورسوله، وإلي الاستقامة وسلوك صراط الله القويم، ولم يكن هناك من‌احد يشك‌ّ في ان يزيد بن معاوية قد تجاوز حدود الله تعالي، واعلن‌الحرب علي الله ورسوله وجاهر في الفسق والفجور، و هو يجلس مجلس رسول الله(ص).فلم يكن بين المسلمين يومئذ من يتردّد لحظة واحدة - و هو يقف علي ساحة الصراع بين ابي عبدالله الحسين (ع) ويزيد بن معاوية - في الحكم بان‌ّ الحسين (ع) علي هدي وان‌ّ يزيد علي ضلال.و عليه، فلم يكن في امر هذه المعركة خفاء او لبس، فمن وقف مع الحسين (ع) وقف عن بينة، ومن وقف مع يزيد وقف عن بينة.وقليل من مشاهد الصراع بين الحق‌ّ والباطل، تمتلك كل‌ّ هذا الوضوح الذي تمتلكه وقعة الطف.فقد وقف الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء بين الصفّين و قال مخاطباً جيش بني زياد: «ايّها الناس، انسبوني من انا ثم ارجعوا إلي انفسكم و عاتبوها،و انظروا هل يحل‌ّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟.. الست‌ُ ابن بنت نبيكم؟ وابن وصيّه و ابن عمّه و اوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ اوليس حمزة سيّد الشهداء عم‌ّ ابي؟ اوليس جعفر الطيار عمّي؟، او لم يبلغكم قول رسول الله (ص) لي ولاخي: هذان سيّدا شباب اهل الجنة فإن صدّقتموني بما اقول و هو الحق‌ّ، والله ماتعمدت الكذب منذ علمت ان‌ّ الله يمقت عليه اهله و يضرّ به من اختلقه، و إن كذّبتموني فإن‌ّ فيكم مَن إن سألتموه اخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الانصاري، و ابا سعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، وزيد بن ارقم، و انس بن مالك، يخبرونكم انّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لاخي. اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟فقال الشمر: هو يعبد الله علي حرف إن كان يدري ما تقول.فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي اراك تعبد الله علي سبعين حرفاً،و انا اشهد انّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله علي قلبك.و عندما حاول الوليد - عامل يزيد علي المدينة - ان يجبر الإمام الحسين (ع) علي البيعة ليزيد والرضوخ له، قال الإمام (ع): «ايّها الامير، إنّااهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة، بنا فتح الله و بنا يختم، ويزيد رجل‌شارب الخمور وقاتل النفس المحرّمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله».لقد كانت الجبهتان المتصارعتان في كربلاء متميّزتين في انتمائهما لمحور الولاية الإلهية و الطاغوت، ولم يكن الامر يخفي علي احد.فقد امضي اصحاب الحسين (ع) ليلة العاشر ولهم دوي كدوي‌ّ النحل بين قائم و قاعد و راكع و ساجد..سمة العبيد من الخشوع عليهم‌لله إن ضمّتهم الاسحاروإذا ترجلت الضحي شهدت لهم‌بيض القواضب انّهم احرارتقول فاطمة بنت الحسين (ع): «واما عمّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث إلي ربّها، والله فما هدأت لنا عين و لا سكنت لنارنّة»فهكذا كان الامر في معسكر الحسين (ع).. شوقاً إلي لقاء الله، و إقبالاً علي الله، وإعراضاً عن الدنيا و زخرفها، و انقطاعاً عن الدنيا إلي الله تعالي،حتّي ان‌ّ بعضهم كان يداعب اصحابه ويمازحهم في ليلة العاشر، فقد هازل‌َبرير عبدالرحمن الانصاري عليهما الرحمة، فقال له عبدالرحمن: ما هذه ساعة باطل، فقال برير: لقد علم قومي ما احببت الباطل كهلاً ولا شاباً،ولكن‌ّ مستبشراً بما نحن لاقون، والله ما بيننا وبين الحور العين إلاّ ان يميل‌علينا هؤلاء بأسيافهم، و لوددت انّهم مالوا علينا الساعة.وامّا الطرف الآخر من هذه المعركة (معسكر يزيد) فقد كان همّه هو ما يصيبه من الذهب والفضة والامارة والجائزة، في قتال ابن بنت‌رسول الله(ص).فقد تولّي عمر بن سعد امر قتال ابن بنت رسول الله(ص) طمعاً في إمارة الري.يقول اليافعي: و وعد الامير المذكور (عمر بن سعد) ان يملّكه مدينة الري‌ّ، فباع الفاسق الرشد بالغي.و فيه يقول:أأترك ملك الري‌ّ والري‌ّ بغيتي او ارجع مأثوماً بقتل حسين‌ثم يقول:وحزّ رأس الحسين بعض الفجرة الفاسقين وحمله إلي ابن زياد،ودخل به عليه وهو يقول:املا ركابي فضّة وذهباً إني قتلت السيّد المحجّباقتلت خير الناس اُماً وأباً وخيرهم إذ يذكرون النسبافغضب ابن زياد من قوله وقال: إذا علمت انّه كذلك فلم قتلته؟، والله لا نلت مني خيراً ابداً ولالحقنّك به.و يتبجح الاخنس بن مرثد الحضرمي‌ّ من رضّهم للاجساد الطاهرة بعد استشهادهم، وهو يعلم انّه يعصي الله تعالي في طاعة اميره، فيقول -كما يروي الخوارزمي:نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكل يعبوب شديد الاسرحتّي عصينا الله رب‌ّ الامر بصنعنا مع الحسين الطهرففي الوقت الذي كان فيه هم‌ّ الحسين (ع) واصحابه في كربلاء هومرضاة الله تعالي، وشوقهم إلي لقاء الله، فإن‌ّ هم‌ّ جُند ابن زياد كان ما يدفع لهم الامير من جائزة ذهب او فضة او إمارة.فلم يكن في الامر - بالنسبة لكلا المعسكرين - اي‌ّ خفاء، و إن‌ّ جميع الذين عاصروا المعركة او شاهدوها، او وقفوا عليها من قريب او بعيد.كانوا يعرفون الحق‌ّ و الباطل فيها، و يميزون دعوة الله عن دعوة الطاغوت،ولم يتخلف احد عن نصرة الحسين (ع) نتيجة لالتباس الامر عليه و عدم قدرته علي تمييز الحق‌ّ عن الباطل، و إنّما كان التخلف عنه (ع) بسبب إيثار العافية و الراحة علي القتل في سبيل الله سبحانه، و لم يشهر احد فيها السيف علي ابن بنت رسول الله عن لبس او جهل او غموض، و إنّما شهره عن وضوح و علم و دراية بانّه يحارب الله و رسوله و اولياءه بقتال الحسين (ع).و هذا الوضوح في ساحة المعركة هو الذي يجعل معركة الطف معركة متميّزة من بين سائر المواقع التاريخية؛ فهي تعكس صورة صارخة من‌صراع الحق‌ّ و الباطل، ومجابهة محور الولاية و الطاغوت؛ ولذلك فإنّهاكانت رمزاً خالداً للصراع بين الحق‌ّ و الباطل، و مسرحاً للولاء و البراءة في‌حياة المؤمنين.إن‌ّ وقعة الطف لا تبقي مجالاً لاحد في التردّد و التأمّل، فهي المواجهة الصارخة بين الحق‌ّ والباطل، بين جنبة الله و جنبة الشيطان، بين الهدي و الضلال.فلابدّ من موقف محدّد و واضح في هذه القضية.فإن‌ّ لم يكن هذا الموقف موقف الولاء لجند الله و البراءة من اعدائهم، فإنّه سيكون - لا محالة - موقف الرضي بفعل يزيد وجنده، و هو الموقف الذي يستحق‌ّ صاحبه اللعن و الطرد من رحمة الله.«فلعن الله اُمّة قتلتك، و لعن الله اُمة ظلمتك و لعن الله اُمة سمعت بذلك فرضيت به».حيث إن‌ّ مجرّد فقدان الموقف في قضية الولاء يشكّل موقف الرضي بما لقيه الإمام الحسين (ع) من ظلم وقتل.فمَن خذل الإمام الحسين (ع) ولم يقف معه يوم استنصر المسلمين،فلابدّ و ان يكون راضياً بفعل يزيد، إذ لو لم يكن راضياً به لما أبطأ عن نصرة الإمام (ع).فالخذلان والسكوت و التفرج علي ساحة الصراع من دون تكلّف معاناة المشاركة تعتبر في مفهوم الولاء موقفاً رافضاً و سلبياً، و هو موقف يستحق‌ّ صاحبه اللعن و الطرد من رحمة الله الواسعة.ولان‌ّ قضية كربلاء قضية متميّزة من بين الكثير من احداث التاريخ الكبري، و تتطلب وضوح الموقف والرأي دائماً، نجد ان هذه القضية‌تستثير الولاء والبراءة في نفوس المؤمنين بصورة مستمرة و دائمة وقوية.ولهذا، فإن‌ّ البكاء، وإقامة مجالس العزاء و تنظيم المسيرات، و الوفوداء لي كربلاء لزيارة مرقد الإمام الطاهر، وغيرها من المظاهر ليست من آثار العاطفة، و إنّما هي تجسيد لولاء المؤمنين للحسين (ع) و اهل بيته و اصحابه، و تجسيد لبراءتهم من اعدائهم، و إن انشداد الناس بقضية الطف و تفاعلهم معها، و إن كان للعاطفة دور مؤثّر فيه، ولكنّه هو ولاء لخط الحسين (ع) و براءة من خط يزيد، اكثر من كونه عاطفة مجرّدة؛ و ذلك لأن‌ّ العاطفة وحدها لا تملك كل‌ّ هذا التأثير القوي في حياة الناس.و إذا كانت معركة الطف رمزاً للصراع بين الحق‌ّ و الباطل، و محوراً للولاية و البراءة، فإن‌ّ الانشداد والتفاعل مع هذه القضية يعني التفاعل مع محور الولاية الإلهية علي وجه الارض، والإعلان عن البراءة عن محور الطاغوت، والانفصال عن اعداء المحور الرباني.و كما ان‌ّ التفاعل مع قضية الطف يكشف عن درجة تفاعل الإنسان مع المحور الرباني (محور الولاية)، كذلك يصح ايضاً ان نقول بان‌ّ التفاعل مع مأساة الطف يعمّق صلة الإنسان وارتباطه بمحور الولاية الإلهية، ويعمّق حالة الانفصال بينه و بين الطاغوت (حالة البراءة)، فإن‌ّ الولاء للحسين (ع) هو ولاء لكل‌ّ اولياء الله تعالي في التاريخ، و ان‌ّ البراءة من‌اعداء الحسين (ع) هي براءة من كل‌ّ اعداء الله و اعداء اوليائه في التاريخ،وربّما كانت طريقة السلام علي الإمام الحسين (ع) في زيارة وارث، تشير إشارة واضحة إلي هذه الحقيقة، حيث يُسلّم الزائر علي الإمام (ع) بصفته وارثاً لآدم ولنوح ولإبراهيم و لموسي و لعيسي و لرسول الله صلي الله عليه و آله و عليهم جميعاً و لعلي (ع)، فيقول:«السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي‌الله،السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسي كليم الله،السلام عليك يا وارث عيسي روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله، السلام عليك يا وارث امير المؤمنين ولي الله».فإن‌ّ هذه الصفوة من اولياء الله وعباده الصالحين قد شكّلت امتداداً واحداً لولاية الله سبحانه علي وجه الارض و في حياة الإنسان، وسارت‌علي خط حضاري واحد، ودعت إلي الالتفاف حول محور رسالي واحد،وحملت هموم قضية عقائديّة واحدة.كما ان‌ّ أعداءهم الذين قاوموهم واعلنوا عليهم الحرب والعدوان،و وقفوا امام المسيرة الإلهية الكبري في فترات التاريخ المختلفة، قدشكّلوا - ايضاً - امتداداً واحداً، و خطّاً حضارياً واحداً، وقضية واحدة.إن‌ّ الإحساس بوحدة الولاء و وحدة البراءة يعمّق وحدة المحور في حياة الاُمة.و إن‌ّ الشعور بوحدة المحور للاُمة المسلمة يعمّق الشعور بان‌ّ الاُمّة المسلمة علي امتداد التاريخ - و منذ آدم (ع) إلي اليوم الحاضر - هي اُسرة واحدة، تلتف‌ّ حول محور واحد، و تحارب في جبهة واحدة و من اجل‌قضية واحدة، وتشترك في الحب‌ّ و البغض والسلم والحرب، فقضيتها نفس القضية، ومهمّتها علي وجه الارض واحدة وخطّها واحد و حضارتها واحدة و إيمانها واحد.وعندما يتعمّق الإحساس بوحدة الولاء ووحدة البراءة، و وحدة‌الحب‌ّ ووحدة البغض، وحدة الطاعة ووحدة العداء، و وحدة الإيمان و وحدة الرفض، فإنّه سوف يتعمّق الإحساس بوحدة الاُسرة المؤمنة في التاريخ و علي وجه الارض، فيشعر الإنسان المؤمن بان‌ّ الولاء لله ولرسوله و لاوليائه قد طوي به الزمان و المكان ليجعل من هذه الاُمّة المسلمة كلّها كتلة واحدة تتّحد في مشاعرها و احاسيسها و إيمانها و حربها و سلمها و رسالتها، و يشعر بالتحام قوي يربطه مع اعضاء هذه الاُسرة العظيمة رغم الفترات الزمنية المتباينة والمسافات المكانية المتباعدة؛ و بذلك فإن ّالشعور بوحدة المصير سوف يقوّي في نفسه و يتعمّق، فيمنحه إحساساً بالقوة و الاعتزاز بالله.فهو ليس وحده في هذه المعركة الضارية، و إنّما هو اُمة مؤمنة عريقة في التاريخ و ممتدّة علي كل‌ّ وجه الارض، وتستعين بالله الواحد القهّار في إرساء قواعد هذه الدعوة، و تعبيد الناس لله تعالي، و تحكيم هذا الدين في حياة الناس و إزالة كافّة العقبات والعراقيل من امام طريق الدعوة هذه.إن‌ّ هذا الإحساس بمعيّة الله و معيّة المؤمنين سيزيل الشعور بالوحشة و الانفراد عن نفوس الدعاة إلي الله في خضّم الصراع مع الطاغوت و مواجهة شوكته و جبروته و كبريائه.لقد كان إبراهيم (ع) وحدة اُمّة، قانتاً لله في مواجهة نمرود.(إن‌ّ إبراهيم كان اُمّة‌ً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين).

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.