التوابون

اشارة

نوع: كتاب
پديدآور: بيضون، ابراهيم1946- م.
عنوان و شرح مسئوليت: التوابون [منبع الكترونيكي] / تاليف إبراهيم بيضون
ناشر: موسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت(ع)
توصيف ظاهري: 1 متن الكترونيكي: بايگاني HTML؛ داده هاي الكترونيكي (175 بايگاني: 353.6KB)
يادداشت: كتابنامه به صورت زيرنويس
موضوع: تاريخ

الاهداء

الي روح ابيالتي لا تزال مصدر الهام لي ومنبع عطاء..اقدم هذا الكتاب الذي هو نفحة من ذلك الالهام وبعض من ذلك العطاء.ابراهيم [ صفحه 5] بسم الله الرحمن الرحيم«اللهم انا قد خرجنا من الديار والاموال. وفارقنا الاهلين والاولاد، نريد جهاد الفاسقين المحلين الذين قتلوا ابن بنت نبيك فتب علينا وارزقنا الشهادة يا أرحم الراحمين.اللهم انّا نعلم انه لو كان الجهاد منهم بمطلع الشمس أو بمغرب القمر أو بمنقطع التراب لكان حقيقاً علينا أن نطلبه حتي نناله فان ذلك هو الفوز العظيم والشهادة التي ثوابها الجنة».عن الفتوح لابن الاعثم الكوفي

المقدمة

ان تاريخنا العربي حافل بالكثير من الشخصيات الفذة التي ساهمت بمواقفها البطولية وتضحياتها الرائعة في صنع هذا التاريخ. بيد أن فئة غير قليلة من هؤلاء، لم نجد لها محلاً لائقاً في مجالات التقييم والنشر، فظل بعضها مطموساً في صفحات الكتب القديمة، والآخر تناولته الاقلام بشكل عابر، فما زادت القارئ الا فضولاً والا تشويقاً لمعرفة المزيد.وسليمان بن صُرد الخزاعي موضوع كتابنا، هو من تلك الفئة التي تكاد تكون شبه مجهولة حتي للقارئ التاريخي في كثير من الاحيان. ويرتبط اسم سليمان بثورة التوّابين التي قامت كردة فعل عفوية لمصرع الحسين في كربلاء، وانبثاقاً من الشعور بالذنب الذي غمر الكوفة حينئذ، ومحاولة للتكفير عنه بأية وسيلة.والواقع ان حركة التوابين التي قامت بزعامة سليمان ورفاقه من قادة الحزب الشيعي، هي طراز فريد بين [ صفحه 8] الحركات السياسية العديدة التي شهدتها تلك الفترة المهمة من التاريخ العربي، ذلك انها لم تتضمن شيئاً من برنامج الحركة الشيعية السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي علي غرار ما ظهر قبل ذلك في ثورة الحسين او ما ظهر من ملامح فيما بعد في حركة المختار الثقفي، وانما انحصرت في ظل اطار التكفير عن الذنب واتخذت من الثأر للحسين شعاراً رئيسياً لها، وانعكس عليها سلوك زعمائها المثالي وشخصياتهم المرتفعة التي زهدت بالمناصب ورفضت المساومات، ونبذت كل موقف لا يتلاءم مع المبدأ العام للحركة، الذي لخصه سليمان بالعبارة الآتية: «انه لا يغسل عنهم ذلك الجرم الا قتل من قتله او القتل فيه» [1] .وانطلاقاً من هذا المفهوم نجد أن حركة التوابين كثورة سياسية لا تبتعد بذلك عن الخط المبدأي لحركة المعارضة الشيعية اثناء مراحلها النضالية المتلاحقة من أجل استلام الحكم. فالتخلي عن هذا المطلب - كان بنظرهم - تخلياً عن حق شرعي وخرقاً لعهد الهي. ونتيجة لذلك لم يكن طلب السلطة عندهم للتحكّم، وانما لتنفيذ مبدأ هو الاسلام. ولا ريب في أن وجود مثل هذه الافكار المثالية [ صفحه 9] كان سبباً لاخفاق الحركات الشيعية وعاملاً ساعد الامويين علي تصفيتها بسهولة.وفي هذا الكتاب عن ثورة التوابين وزعيمها سليمان بن صرد، رأينا انه من المفيد البحث في جذور المشكلة التي كانت دافعاً لكل تحرك شيعي ضد النظام الاموي، وهي مشكلة الحكم. ورغم أن ثورة التوابين لا تدخل ضمن هذا التحرك، ولكنها تتصل به بصورة غير مباشرة باعتبارها ردة فعل لثورة الحسين، باكورة التحرك الشيعي المنظم.ولكي نوفر لهذا البحث المعطيات اللازمة والاساسية لكل بحث موضوعي، عالجنا مشكلة الحكم في الاسلام بعد النبي وخلفياتها في مجتمع شمالي شبه الجزيرة العربية، وظهور منصب الخلافة ثم تطور مفهومه من الناحية السياسية البحتة الي الامامة. بعد ذلك تطرقنا بشيء من الاختصار الي ثورة الحسين قبل أن نتوسع في تفاصيل الحركة التوابية موضوع بحثنا.أما المنابع التي استقينا منها عناصر هذا البحث فكانت بصورة أولية مخطوطة الفتوح لابن الاعثم الكوفي من رجالات القرن الثالث للهجرة وبعض المصادر القديمة المعروفة، فضلاً عن عدد غير قليل من المراجع الحديثة. [ صفحه 10] وأخيراً فأرجو أن أكون قد وُفقت في القاء ضوء علي شخصيات لم تنل حقها العادل في مجال التقييم، وأن أكون قد أسهمت بدور متواضع في خدمة الفكر التاريخي للعرب.بيروت 17/9/1974ابراهيم بيضون [ صفحه 13]

الحكم بعد محمد

اشاره

كان موت الرسول بعد سنوات قليلة من وضعه الاسس الاولي لدولة الاسلام، مفاجأة أذهلت، ربما الشخصيات التاريخية التي عاصرته وعاشت قريبة منه. فبموته شغر مركز الحكم الاول دون اعداد للرجل الذي يمكن أن يشغله، من الناحية الرسمية علي الاقل، لان أكثر من مرشح في الواقع اتجهت اليهم الانظار بعد الخروج من هول المفاجأة، بعضهم كان يطرح نفسه مدفوعاً باعتبارات قبلية، وبعضهم لسابقته في الاسلام والجهاد في سبيله. وهكذا وجد المسلمون أنفسهم بعد وفاة الرسول مباشرة في مهب أزمة سياسية كادت تعصف بالبنيان الذي كان لا يزال حديث العهد. فالحكم في الدولة الاسلامية الناشئة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية الرسول، وعلي ذلك لم تطرح في حياته مسألة الخلافة، حتي اذا غاب المؤسس حدث فراغ كبير في جهاز الحكم وأخذت تباشير لازمة تنذر بالانفجار والرسول لا زال مسجي في بيته.هل كانت هناك وصية من الرسول حول خلافته؟انه تساؤل أثار كثيراً من الجدل ولا زال... ورغم [ صفحه 14] ان البعض يؤكد وجود مثل هذه الوصية [2] التي تشير الي أن الرسول كان يعد علياً لخلافته فان هذا برأيهم ورأي آخرين غيرهم، أقل ما تفرض الاعتقاد به تصرفات النبي اذ كان من غير المعقول الا يعالج مسألة الحكم قبل موته او ألا يجلو عنها الغموض علي الاقل.والواقع ان عدة مؤشرات يمكن أن تضيء لنا الطريق في بحثنا لهذه المسألة، وكلها توحي بأن الاعداد للخلافة كان لا ينفصل عن تصرفات النبي واجراءاته النظرية والتطبيقية، وان ثمة مخططاً واضحاً كان يرمي الي اختيار علي بمعرفة الزعماء الكبار من المسلمين. وقد أدي ذلك الي ظهور أول تكتل سياسي في المدينة، اتخذ موقفاً موحداً من الخلافة، ضم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة.ويبدو أن النبي كان يسمع اعتراضات هؤلاء وغيرهم بشأن اعداده لعلي تتناول أكثر ما تتناول تأخره عنهم في السن كثيراً. فيأتي جواب النبي في تركيبة الجيش الذي أرسله لغزو الاطراف الجنوبية من بلاد الشام [3] وضم عدداً من كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وابي عبيده وسعد بن ابي وقاص وغيرهم من شيوخ المسلمين والمهاجرين والانصار، [ صفحه 15] وكان هؤلاء جميعاً تحت قيادة اسامة بن زيد الحدث السن والاقل شأناً بينهم في مركزه السياسي ومكانته القبلية [4] .وليست من قبيل الصدفة أن يُستثني علي من الدخول في هذا الجيش وما كان بقاؤه الي جانب النبي - وهو في آخر أيامه - الا تحسبا للظروف.وقد حدث بعد اشتداد وطأة المرض علي النبي ما أكد اصراره علي خروج اسامة بالجيش مع انه لم يكن هناك ضرورة ملحة لهذا الاصرار، سوي أن ذلك كان محاولة أخيرة لا يصال علي الي الخلافة بابعاد كبار الطامحين اليها عن المدينة. وقد أدرك هؤلاء هدف النبي فترددوا في تنفيذ أوامره وآثروا عدم الابتعاد عن المسرح السياسي في ظل ظروف دقيقة كهذه [5] .ونحن لن نتوغل هنا في تفاصيل أحداث الازمة السياسية التي سيطرت علي المدينة، وتطاحن الاحزاب فيها من أجل الاستيلاء علي السلطة، فأمر ذلك معروف ومتداول بين مختلف فئات الناس. ذلك أن غايتنا هي البحث في جذور حركة التشيع سياسياً ثم ظهور الحزب [ صفحه 16] الشيعي الذي قاد معظم حركات المعارضة في الاسلام، وفجر أشد الثورات عنفاً ضد النظام الاموي ثم العباسي.ان الفراغ الذي أحدق بالدولة الفتية أثناء مرض النبي لم يشل الحركة السياسية في المدينة التي غدت دون حكومة وبلا امام. ففي حين لازم علي بيت الرسول مطمئناً علي ما يبدو بأن سير الامور سيتجه لمصلحته [6] ، نشط السياسيون الذين كانوا يترصدون الاحداث عن كثب وبدأوا يتحركون بسرعة، ولعلهم أدركوا ان السرعة هي التي تقرر الامور في مثل هذه المواقف.وعندما مات النبي كان الوضع شديد التوتر، والناس موزعة بين تكتلات ثلاثة:1 - أسرة النبي وجمهور المسلمين وبعض كبار الصحابة أمثال: الزبير وسلمان وابو ذر والمقداد فضلاً عن شخصيات أخري كأبي سفيان وخالد بن سعيد الاموي والبراء بن عازب الانصاري [7] وكان علي مرشحهم للخلافة. [ صفحه 17] 2 - بعض زعماء الانصار الذين اجتمعوا في سقيفة بني ساعده مع نفر قليل بزعامة كبير الخزرج سعد بن عبادة الذي كان يحاول اعلان ترشيحه للخلافة.3 - تكتل (أبو بكر، عمر، ابو عبيدة) من المهاجرين وكانوا جميعاً مرشحين للخلافة.ولقد كان تكتل الانصار في الواقع سبّاقاً في اثارة المشكلة حين سارع الي التجمع في سقيفة بني ساعدة فور العلم باحتضار الرسول، وكان ابرزهم سعد بن عبادة الذي جيء به وهو مريض، وصوته يتهدج الي درجة أن ابنه كان ينقل ما يقوله الي الحاضرين [8] وهنا تحرك تكتل المهاجرين الثاني (ابو بكر، عمر، ابو عبيدة) وخطط بذكاء مستفيداً من الظروف الي أبعد الحدود، ومعتمداً علي سلبية تكتل المهاجرين الاول المنشغلين بموت الرسول، وعلي ضرب اتفاق القبيلتين [9] التي يتألف منها تكتل الانصار خاصة وأن ترشيح سعد الخزرجي لم يلق تجاوباً لدي زعماء الأوس [10] ، وأوجد بعض المزاحمة في قبيلة الخزرج نفسها من جانب بشير بن سعد الانصاري، فضلاً [ صفحه 18] عن ان بعض «الانصار قالت لا نبايع الا علياً» [11] .وما لبث التصدع أن أصاب جبهة الانصار بظهور أول موقف تراجعي أعلنته طائفة منهم بقولها: «منا أمير ومنكم أمير». وكان ذلك أول الوهن كما عبّر عنه سعد بن عبادة [12] ، وهو لا شك قد لامس الحقيقة، لان جدلاً عنيفاً تفجر في السقيفة حينئذ، ولم يخفف من حدته الا محاولات عمر لاشغال الرأي العام بقضية موت النبي [13] ، ثم ظهور أبي بكر [14] حيث ألقي خطبة عرض فيها دور المهاجرين في نصرة الرسول وسابقتهم في الاسلام [15] وأعلن انه ورفاقه الجماعة التي ينبغي ان يكون لها هذا الأمر [16] ، دون أن يتجاهل دور الانصار ونصيبهم في الدولة الناشئة [17] . [ صفحه 19] ويبدو ان خطبة ابي بكر فعلت فعلها في نفوس المجتمعين في السقيفة، وكان حينذاك عمر بذكائه الشديد وشخصيته القوية يبذل جهداً فائقاً في استغلال الموقف الذي بدأ يتحول تدريجياً لصالح المهاجرين. فقد أصبح الآن باستطاعة ابي بكر ان يطرح رجلاً من تكتله للخلافة وفعل ذلك حين قال: «هذا عمر وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا» [18] ولكن عمر أبي الاستجابة لدعوة ابي بكر وأصر علي أن يكون هذا الاخير هو الخليفة. وثار الجدل من جديد، وفي غمرة ذلك تقدم عمر من أبي بكر قائلاً: «من ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولي الامر عليك، ابسط يدك نبايعك» [19] وبذلك خرج ابو بكر من السقيفة أول خليفة في الاسلام حائزاً علي تأييد الانصار واثنين من زعماء المهاجرين الكبار.وكانت خلافة ابي بكر أشبه ما تكون بانقلاب سياسي ناجح، فجّره تمرد الانصار في السقيفة، وحوّله تكتل المهاجرين الي مصلحته، دون أن يتاح لفئة مهمة من المسلمين في أن تمارس حقها المشروع في عملية الاختيار. فالظروف التي تمت فيها البيعة، لم تكن في مطلق الاحوال ملائمة [ صفحه 20] لتقرير مسألة خطيرة كالخلافة، حين تمخض عنها تشريع عرفي، بأن السلطان لمن غلب، وكان لا بد من أن تعكس سلبياتها طويلاً علي تلك المؤسسة.كانت حادثة السقيفة، برغم الاجماع الذي حظي به أبو بكر، وبيعة مختلف الاحزاب له فيما بعد، نقطة البداية في تاريخ الحركة الشيعية [20] ذلك أن اختيار ابي بكر وابعاد علي لم تستسيغهما جماعة هذا الاخير والمؤيدين له.. وقد ترك أعمق الاثر في نفوس هؤلاء الذين التفوا منذ ذلك الحين حول علي وأيدوا قضيته في الخلافة، ثم تحولوا الي حزب سياسي عرف بالحزب الشيعي (لمشايعته علياً) او العلوي نسبة اليه. [ صفحه 21]

قيام مؤسسة الخلافة و تطورها السياسي

ليس من السهل أن نبحث في مسألة نشوء الخلافة وتطور أسسها والتحول في مفاهيمها السياسية والعقائدية. فذلك يحتاج أولاً التعرض الي المنطلقات السياسية مع أصول الادارة والسلطة عند العرب قبل قيام الاسلام، ثم تطور هذه الاصول والمنطلقات بعد انتصار الاسلام وتأسيس دولته.ولا بد للباحث، عند الشروع بمثل هذا العمل، أن يجد نفسه ملزماً في التعرف الي أحوال مكة ومجتمعها بشكل أساسي، ثم أحوال بقية شبه الجزيرة حاضرها وباديها. لم تعرف مكة قبل قيام الاسلام الحكومة بأي شكل من اشكالها وحدود سلطاتها، بل أديرت شؤونها من قبل كبار التجار وممثلي كبار الاسرة القرشية. وكان للمدينة عدد من الشعب الوظائفية وزعت كل واحدة منها علي أسرة من الأسر، دون أن يكون هنالك اية هيئة حاكمة تتمتع بصفة من صفات الشرعية. كذلك لم تعرف المدينة [ صفحه 22] أي نوع من أنواع القوة المسلحة، او يوجد فيها جماعات كهنة لهم نفوذ وسلطات، بل كان زعماؤها يجتمعون أحياناً للتداول في القضايا والمشاكل، وكان مكان اجتماعهم يدعي (دار الندوة). غير أن القرارات التي كانت تتخذ في هذه الاخيرة، لم يكن لها صفة الالزام، وانما كان الاخذ بها اختيارياً وفردياً... وكان اجماع زعماء المدينة علي أمر من الامور متعذراً في كثير من الاحيان، وكثيراً ما كانت تنقسم المدينة في مواقفها من القضايا وتعقد التحالفات المتضادة داخلها، وفي النهاية يكون النصر غالباً للحلف الأقوي. وفي كتب الاخبار والسيرة أحاديث طويلة حول بعض القضايا التي واجهها مجتمع مكة وحول أحلاف هذا المجتمع، ويستفاد من بعض الاخبار انه وجد لدي المكيين مفهوم واحد للشرعية الواجب الالتزام بأوامرها مهما كانت، وهذا المفهوم ارتبط بالكعبة التي كانت موضع اجلالهم وقداستهم. فعندما كان يجمع غالبية الزعماء المكيون علي أمر من الأمور كانوا يدونون ما أجمعوا عليه في صحيفة ويقومون بتعليقها في جوف الكعبة، وهنا يأخذ الامر صفة الشرعية. ولدينا مثال واضح حول هذا: ما عمله المكيون حين أعلنوا صحيفة مقاطعة بني هاشم التي اضطرت هؤلاء الالتزام بها، فتركوا مكة وأقاموا محصورين في شعب ابي طالب، وعاشوا في ظل المقاطعة حتي مزقت الصحيفة [21] . [ صفحه 23] هذا وقد استمرت عادة تعليق صحف المعاهدات والوصايا وغيرها في الكعبة. ومن أوضح الامثلة علي ذلك ما فعله هارون الرشيد حين قام بتولية اولاده العهد من بعده.ان أمر الالتزام بشرعية الاوامر المعلقة في جوف الكعبة مرتبط بقدسيتها، حيث اعتبرها القرشيون بيت الله. وهكذا فالامر المعلق في جوفها تصبح له صفات الهية، وهو أمر في غاية الاهمية، وقد تطور بعد ذلك تطوراً كبيراً.وبعد قيام الاسلام، ومع بداية التبشير به لم يحدث تغيير جوهري فيما كان سائداً في مكة، ذلك أن النبي لم يمارس أية سلطات علي الذين آمنوا برسالته، ولكنه مع ذلك فقد غدا مسموع الكلمة، محترماً ومتبع الرأي بين أتباعه.وقد تبدل هذا الحال كلياً بانقضاء الفترة المكية وهجرة المسلمين الي المدينة، حين عمل النبي الذي أصبح بالاضافة الي صفة النبوة يتحلي بصفة زعيم أمة وحاكمها المطلق النابعة أحكامه من ارادة الله، عمل هذا النبي علي انشاء أمة جديدة ذات تقاليد وقواعد جديدة. ولاول مرة في حياة مجتمع شمالي شبه الجزيرة العربية، لا بل في مجتمع الجزيرة كله، قامت تجربة جديدة للحكم، مركزية السلطة، [ صفحه 24] حاكمها يملك الحق في التشريع وفي نفس الوقت يقع عليه واجب تنفيذ الاحكام. ولم يكن تطبيق هذا والقبول به من قبل العرب من الامور السهلة، لكن النبي نجح الي أبعد الحدود في ارساء قواعد لحكم الامة الجديدة التي أقامها وان كان لم يأت بنظرية للحكم ذات أسس ومنطلقات ثابتة.هذا وقد تناول بعض الناس هذه القضية حيث يرون بأن النبي قد أتي بنظرية خاصة في الحكم والسياسة، هي نظرية الشوري، معتمدين علي ما جاء في القرآن الكريم «وأمرهم شوري بينهم» أو «وشاورهم بالامر». ومع الاقرار بما ترمي اليه هذه الآيات، فان القرآن لم يبيّن قواعد الشوري هذه وحدودها وطرق تطبيقها، كما لم يبين الي أي حد كان علي النبي الاخذ برأي أصحابه وأتباعه. وعندما يعود المرء الي كتب السيرة يجد أن مفهوم هذه القضية لم يكن واضحاً عند أحد من الصحابة، كما لم تتوضح معالمه في الممارسات زمن النبي.لقد ملك النبي وحده جميع فروع السلطة من تشريع وقضاء وادارة وجباية وأعمال حربية، وذلك بالاضافة الي صفته الاساسية وهي النبوة. وهكذا امتزجت مفاهيم السلطات الزمنية بمفاهيم السلطات الدينية في الاسلام، وصار كل أمر في الدولة العربية الناشئة مزدوج الصفات [ صفحه 25] زمنياً ودينياً. وكان النبي أحياناً ينتدب بعض أصحابه فيكلفهم ببعض الوظائف حين يبتعد عن المدينة، أو يرسلهم لتنفيذ بعض المهام مثل جباية الصدقات أو تفقية الناس بالاسلام وامامتهم بالصلوات او تنفيذ مهمات عسكرية. وكان الذي ينوُب عن النبي في امامة الصلوات يدعي خليفة النبي، وكان قائد الحملة العسكرية يسمي أمير. ولما كانت القوات التي يقودها هذا الاخير قواتاً مؤمنة تقوم بتنفيذ مهمة ضد جماعات غير مؤمنة، فقد كان بعض القادة العسكريين يُميزون عن قادة الاعداء بلفظة «أمير المؤمنين!» [22] .وكان الخليفة علي الصلوات يؤدي الصلاة كما يؤديها النبي دونما زيادة او نقصان، ذلك أن الخليفة هو النائب عن الأصيل الملتزم كلياً بما عهد اليه من أوامر وتعاليم. وكانت صلاحيات أمير الجيش أوسع من صلاحيات الخليفة، ذلك أن قيادة العساكر تستوجب الطاعة المبرمة، وتعطي القائد فرص التصرف وابداع الحلول واصدار ما يراه ضرورياً من أوامر وتعليمات. ففي حين حُرم الخليفة من السلطات التشريعية مُنح ذلك للامير وتمتع به.ومع اتساع رقعة الدولة الجديدة، وتعاظم [ صفحه 26] المسؤوليات فيها، تقدم النبي بالسن وأخذت آثار المرض وما عاناه تظهر عليه، وهنا - كما يُستخلص من الاخبار - أخذ بعض المسلمين يفكرون في مستقبل العقيدة وفي شؤون الحكم في الدولة ومع مرض النبي الاخير أصبحت هذه المسألة هاجساً جثم علي صدور المسلمين، وأثيرت هذه القضية قبل موت النبي، ويبدو انه حاول وضع الحل لهذه المسألة ولكن مرضه وأموراً أخري حالت بينه وبين ذلك [23] .وبعدما توفي النبي تمّ استلام أبي بكر لمقاليد الحكم في الدولة الجديدة في ظروف سبق شرحها، وأصبح منصب الخلافة منذ ذلك الحين رسمياً وأساسياً في الحياة السياسية للامة الاسلامية، بينما لم تكن له في البداية أية هوية واضحة المعالم والاسس.وحاول ابو بكر تحديد معالم منصبه الجديد منطلقاً من مفهوم «الخلافة» اللغوي، أي أن الخليفة نائب ملتزم بأوامر المنيب وأفعاله. وقد ظهر ذلك في قوله «انما أنا متبع ولست بمبتدع»، وظل أبو بكر يعرف طيلة حكمه بخليفة رسول الله، ذلك انه لم يحتج الي تبديل لقبه، لان [ صفحه 27] مدة حكمه كانت قصيرة، لم يحدث فيها مشاكل جديدة تحتاج الي تشريع. وهكذا ظل ابو بكر يعتبر نفسه نائباً عن النبي منفذاً لكل ما جاء به، ويري نفسه انه لا يملك اية صلاحيات تشريعية، كما انه لا يملك اجبار المسلمين علي ركوب خطة لم يحدد معالمها النبي والقرآن الكريم.ومات ابو بكر والحالة من حيث الجوهر كما هي، سوي ان رقعة الدولة قد اتسعت فشملت أراضي خارج شبه الجزيرة، كما انه تجمع في الاقاليم المفتوحة قوات عربية مسلحة لا ريب انها أخذت تتطلع نحو اسماع صوتها ورأيها في السلطة. وقبيل وفاته قام ابو بكر بتعيين عمر بن الخطاب لتولي شؤون الحكم من بعده. وقبل الناس بهذا التعيين، الامر الذي يدل علي حدوث تغييرات في مفاهيم الناس السياسية.واستلم عمر السلطة والدولة الناشئة تجتاز مرحلة حاسمة وتواجه مشاكل خطيرة تحتاج الي حلول، ومثل هذه الحلول تطلبت ممارسة الخليفة صلاحيات تشريعية، ذلك أن الكثير من المشاكل كان جديداً ليس له نظير بين مشاكل العصر النبوي، ومن الامثلة علي ذلك قضيتا السواد ونصاري تغلب، حيث قضت الاحكام الاسلامية بتقسيم الغنائم التي يحصل عليها المسلمون وفقاً لقواعد [ صفحه 28] حددها القرآن، كما قضي الاسلام بأن يدفع أهل الذمة من نصاري وسواهم من غير المسلمين الجزية دونما استثناء.فبعد الاستيلاء علي سواد العراق وفتح الجزيرة اقتضت الاحكام تقسيم أرض السواد، ودفع قبيلة تغلب العربية للجزية اسوة ببقية سكان الجزيرة النصاري، لكن هؤلاء رفضوا دفع الجزية. ولقد أدرك عمر ما يمكن أن يلحقه تقسيم السواد من مضار، فما كان منه الا ان ترك قسمته، ولجأ الي مضاعفة الصدقة علي نصاري تغلب، بدفع ضريبة من نفس النوع الذي يدفعه المسلم انما الكمية مضاعفة [24] .ان في اقدام عمر علي مثل هذا العمل، يعني انه قد منح نفسه صلاحيات تشريعية الامر الذي لم يفعله ابو بكر، فهو بذلك لم يعد خليفة بمعني النائب بل تصرف كتصرف أمير الجيش. وهكذا تخلي عمر عن لقب خليفة ليكتسب لقب «أمير المؤمنين» [25] ، وفي هذا التعبير مؤشرات تدل علي تبدل جوهري في المفاهيم السياسية للدولة الاسلامية، خاصة وأن العرب المسلمين اختلطوا بشعوب كانت خاضعة لفارس وبيزنطه قبل خضوعها للعرب فتركت بعض التأثير. [ صفحه 29] ومع امتداد الايام واتساع رقعة الدولة وبروز مشاكل جديدة أصبح الناس أكثر قبولاً لاعطاء الخليفة صلاحيات أوسع في التشريع، ويبدو أن عمر كان متنبهاً لذلك، فأخذ يبحث عن قاعدة يُرتكز اليها في المستقبل، غير أن اغتياله المفاجئ جاء ليمنعه من اتمام هذا الامر. وبينما هو علي فراش الموت يعاني من آلام جراحه، لم يشغله ذلك عن هاجس الحكم ومستقبل زمام السلطة في الدولة الاسلامية الناشئة. نظر عمر حوله، فرأي ستة من اصحاب النبي كل واحد منهم يمثل فرعاً بارزاً من أسرة الزعامة القرشية. وكان أبرز هؤلاء الستة، علي بن ابي طالب ممثل بني هاشم، اسرة النبي، آل البيت في الاسلام، وأبرز أسر الزعامة قبل الاسلام منجهة، ومن جهة ثانية عثمان بن عفان ممثل أسرة بني أمية، أسرة المال والزعامة الاولي قبل الاسلام، والتي تسلم العديد من أفرادها أخطر مناصب الولايات بعد فتح مكة وأيام الفتوح زمن أبي بكر وعمر نفسه. ويبدو أن هذا الاخير رأي في تعيين علي مقدمة لقيام حكم الاسرة المقدسة، ورأي في تعيين عثمان تمهيداً لتمكين بني أمية من التسلط الكلي علي الدولة وتسييرها بعقلية الارستقراطية التجارية المؤثرة.لهذا آثر عمر عدم تحمل مثل هذه المسؤولية فتكون آخر أعماله وأخطرها، فكان أن ترك هذا الامر للستة الباقين من أصحاب النبي، ليقوموا باختيار أحدهم خليفة. [ صفحه 30] وتوفي عمر، واجتمع هؤلاء فوضحت منذ البداية معالم الصراع، حيث أعلن أربعة من المرشحين عزفهم عن ترشيح أنفسهم مع احتفاظهم بحق التصويت. وبذلك انحصرت المعركة بين علي وعثمان، وأوكلت الامور الي عبد الرحمن بن عوف لاختيار واحد منهما. وقام هذا الاخير باستطلاع آراء الناس، فكان أن واجه تيارين: أحدهما ملّ قسوة نظام عمر ورقابته المركزية الشديدة وعدم تساهله، ورأي في استلام علي للحكم استمراراً، لا بل تطويراً لنظام الخليفة السابق، وتطبيقاً أشد لقوانين الاسلام. ذلك ان علياً كان ابن الاسلام وربيب البيت النبوي وعارفاً بأمور الدين وعلومه أكثر من سواه، فقد شرب من ينابيعه الاولي منذ البداية وحتي نهاية حياة النبي بلا انقطاع أو توقف، كما رأي اتباع هذا التيار ان في استلام علي للسلطة انتصاراً دائماً للتيار الهاشمي الذي انتصر بنجاح النبي وطعن يوم السقيفة. ولقد كان اتباع هذا التيار أقل قوة من التيار الآخر، غير انه كان أكثر مرونة وأوسع دهاء وأقل مثالية وأبرع في اعداد الانقلابات وخلق المواقف المحرجة [26] . [ صفحه 31] لقد رفض علي القبول بشروط عبد الرحمن بن عوف [ صفحه 32] وأصر علي أن يعمل بمبلغ علمه وطاقته، ذلك انه أتسم بالعلم والمعرفة الواسعة بالاسلام، والي هذه الناحية الاساسية أشار المقداد بن الاسود، واتسام علي بالعلم والمعرفة صار فيما بعد، أي بعد نشوء الحزب الشيعي وتطوره حجر أساس في العقيدة الشيعية.وبعدما صار عثمان أميراً للمؤمنين تمهد السبيل امام بني أمية للسيطرة علي مقاليد السلطة للأمة الجديدة والتحكم بها، علي ان ذلك لم يحدث دون ردات فعل، ودونما ثمن باهظ كان علي عثمان أن يدفعه بدمه. وجاءت خلافة علي، [ صفحه 33] فكانت أشبه بفترة انتقال انتهت معها فترة الخلافة لتحل محلها علي الصعيد الرسمي والعملي، حكم الاسرة الاموية الملكي، وعلي صعيد المعارضة الامامة.ولن أحاول هنا التأريخ لما واجهه عثمان أيام حكمه او الاسهاب عن خلافة علي والمشاكل التي اعترضتها، فلذلك مكان آخر ومناسبة خاصة، وانما سأكتفي بالاشارة الي ان استلام علي للحكم واتخاذه من الكوفة عاصمة له، جعل حزبه الذي تكوّن مع الايام يمارس السلطة وينظم نفسه بعض الشيء. هذا وقد نظر هذا الحزب مع الذين آمنوا بأحقية علي بالخلافة الي هذا الاخير بعد استلامه الحكم، نفس نظرتهم السابقة: رجل له من المؤهلات ثم القرابة ما يجعله أجدر الناس وأحقهم بالقيادة، أي أن القرابة كانت مزية من المزايا، انما لم تكن بحال من الاحوال المنطلق والقاعدة الاساسية.وبعد اغتيال علي، ووصول معاوية الي أن يكون «أمير المؤمنين» كما كان أبوه «سيد أهل الجاهلية» حرمت شيعة علي (حزبه) من الحكم، وغدا أفرادها رجال المعارضة الملاحقون من قبل السلطة. وقامت جماعة الشيعة بمبايعة الحسن بن علي خليفة بعده، لكن الحسن تنازل لمعاوية ثم ما لبث أن أغتيل، فتوجه الشيعة بأبصارهم نحو أخيه الحسين. وفي خلال هذا الوقت ثبت في أذهان الناس [ صفحه 34] أن الخلافة حق لعلي وأولاده، فبعد فاجعة كربلاء لم ير بعض الشيعة غضاضة بالاعتراف بمحمد بن الحنفية كصاحب حق في الخلافة، وكان هذا شعار المختار وأتباعه. وبعد اخفاق ثورة هذا الاخير أجمع غالبية الشيعة علي حصر الحق الخلافي في أولاد علي من زوجته فاطمة بنت النبي، ذلك أن تطوراً كبيراً قد ألم بالفكر الشيعي من كافة الجوانب، وغدت القرابة هي العمود الفقري لحق الحكم والقيادة، وهذا الحق ثابت بالنص والتعيين، ومحاط بخصائص ومزايا. فالنبي كان خاتم الانبياء وهو عند وفاته لم يورّث النبوة وانما ورّث قيادة الامة لعلي، وهذا ورّثها لأولاده من بعده. ومع وفاة النبي انقطع الوحي لكن النبي كان قد تدارك ذلك بأن أعطي علياً علماً خاصاً، وعلي - الذي وصف دائماً بالعلم - ورّث هذا العلم لابنه وهكذا.وعلي هذا نجد انه بعد استيلاء معاوية علي السلطة حدث تطور كبير في الخلافة وامرة المؤمنين، فقد أصبح رأس السلطة ملكاً أو أشبه بالملك، مع احتفاظه بلقب «أمير المؤمنين» دون سواه من أصحاب السلطة، وصار زعيم المعارضة اماماً. كذلك تطورت فكرة الامامة تطوراً كبيراً، فقد حدث انشقاق بين صفوف الحزب الشيعي، بحيث طورت كل جماعة فكرة الامامة تطويراً خاصاً وحددتها بما شاءت وبما اقتضت الاحوال. [ صفحه 37]

علي والخلافة

بعد مصرع عثمان، الذي أخفق في تحمل مسؤوليات الحكم بعد خليفة قوي هو عمر بن الخطاب، شغر مركز الحكم مرة أخري، وعادت الازمة من جديد تفجر صراعات وتثير تناقضات لا حد لها، وهي أزمة فاقت كثيراً في خطورتها وأبعادها الازمة الاولي التي انتهت في السقيفة. ذلك ان مقتل الخليفة في أعقاب ثورة دموية قام بها الجند العرب في الامصار، لم يكن حدثاً عادياً يمكن أن يمر دون أن يخلّف رواسب ستصبح متأصلة في جسم الدولة الناشئة، فتهدد وحدتها بين الحين والآخر، فهو حدث ترك تأثيره العميق علي مجري التاريخ الاسلامي كله، وجعل للسيف الكلمة الفاصلة في امور الحكم [27] ولعل ما ينسب الي عثمان بعد اشتداد وطأة المحاصرين علي داره يعبّر عن هذه الحقيقة حين قال: «فو الله لئن قتلوني لا [ صفحه 38] يتحابون بعدي أبداً ولا يصلون بعدي جميعاً، ولا يقاتلون بعدي عدواً» [28] .واذا كان هدف الثوار الذين قادوا انقلابهم علي عثمان تحرير الخلافة من طغيان العائلية والاحتكار لمغانم الحكم، فانهم قضوا بحركتهم دون قصد علي آخر ما تبقي من نظام الشوري الذي تحول الي ملكية مطلقة في عهد معاوية [29] .ظلت عاصمة الخلافة تعيش في غليان لعدة أيام، بانتظار من يخلف عثمان في الخلافة.. ولم تكن المسألة بسيطة في ظروف حرجة كهذه لان مسؤوليات ضخمة ومهمات خطيرة كانت تنتظر الحاكم الجديد وكان لا بد ان يبت بها سريعاً قبل أن يحترق بنار الحكم. وعلي ذلك لم يكن مستغرباً أن يبتعد بعض كبار السياسيين عن المدينة بعدما أدركوا خطورة الوضع، تاركين معالجة الازمة لعلي المرشح الاوفر حظاً حينئذ للخلافة والذي كان قد بدأ يمارس بعض اعمالها قبل مقتل عثمان [30] وتردد عليّ نفسه في قبول هذا المنصب حين توجه اليه الثوار وعرضوه [ صفحه 39] عليه بعدما رأوا ميل الغالبية العظمي اليه. ولكن تردده زال أمام اصرار الثوار علي بيعته وربما لشعوره بأن التهرب من الحكم في مثل هذه الظروف خيانة للامة، وللعقيدة، فقد كانت فترة حاسمة في تاريخ الاسلام، فترة في أشد الحاجة الي رجل قوي كعلي، ارتبط تاريخياً بالاسلام منذ ظهوره. وثمة شيء آخر هو ان علياً كان السياسي الذي يحظي بتأييد الغالبية في المدينة والزعيم الذي يمكن ان يتفق عليه بقية الزعماء.اجتازت الازمة بعض خطورتها بتولية علي مهام الخلافة، ولكن الامور في عهد الخليفة الجديد سارت في اتجاه أكثر تعقيداً وأخذت الاحداث تتلاحق بصورة عجيبة. فقد كان هناك أكثر من عائق يعترض هذا الخليفة ويمنعه من القيام بمهماته لا سيما في مجال التغييرات التي كان لا بد من اجرائها لازالة رواسب الحكم السابق. فقد كان عليه أن يوجد حلاً لجميع المشاكل التي أثيرت في عهد عثمان وأدت الي مقتله.. وهذا معناه الاصطدام بعدد من كبار الصحابة ورجالات الاسلام الذين اصابوا حداً بعيداً من الثراء زمن الخليفة السابق، ومن الطبيعي أن تتعارض مصالحهم مع الخليفة الجديد المعروف عنه المثالية وشدة التصلب في الرأي. [ صفحه 40] والحقيقة ان مهمة الخليفة الجديد كانت علي جانب كبير من الخطورة، ذلك أنه لم يكن يحظي بتأييد كل القوي السياسية في الدولة يضاف الي ذلك ان بعض الذين بايعوه أخذوا يرفضّون عنه ويتطلعون كل بدوره الي الافادة من الظروف والوصول الي مكاسب معينة. ومن المدهش حقاً أن نري اثنين من الصحابة الكبار هما الزبير وطلحة اللذين ما انفكا يكيدان ضد الخليفة السابق، أول من ينقلب علي علي، ويصل الامر بهما الي اتهامه بالوقوف وراء مقتل عثمان.بدأ علي أولي مهماته الكبيرة، بعزل ولاة الاقاليم وكانوا موضع السخط والتذمر ووضع مكانهم مجموعة جديدة تتمتع بثقة وتنسجم مع سياسته [31] وقد نفّذ الجميع أوامره الخليفة باستثناء والي الشام معاوية الذي اتخذ من قضية الخليفة المقتول عثمان ذريعة لعدم الاعتراف بعلي، فافتتح بذلك صفحة جديدة دامية في تاريخ الحرب الاهلية التي شهدها حينئذ العالم الاسلامي.وكان علي بدوره يدرك جيداً أبعاد المشكلة ويعرف ان القضاء علي خصمه القوي المتمرس في المنطقة الشامية [ صفحه 41] ليس بالامر السهل. ولكن الشام لم تكن كل هموم الخليفة الجديد، فقد كان هناك أكثر من منتحل لقضية عثمان، تصدي لعلي وراح يزرع في دربه المتاعب. ففي الحجاز ناوءه الزبير وطلحة وكانا أصلاً من أصحاب الطموح للخلافة، وقد أيدا علياً أول الامر ثم ثاراً عليه بعد تعيين ولاة الاقاليم الجدد دون أن يكون لاي منهما نصيب [32] وانضمت عائشة التي كانت تحقد علي علي منذ أيام النبي الي فريق الساخطين بزعامة طلحة والزبير [33] وكانت غير بعيدة عن مجري الاحداث التي أودت بالخليفة السابق، ثم انسحبت الي مكة، بعد شعورها بأن علياً سيكون الخليفة، تعمل علي تجميع القوي ضده، وتستغل في نفس الوقت لعبة التشكيك بموقف الخليفة الجديد من قتلة عثمان. واجتمع الساخطون الثلاثة في مكة، ثم غادروها الي العراق بعد أن أدركوا صعوبة مناجزة الخليفة في الحجاز ونجحوا في اقناع البصرة بالانضمام الي حركتهم. ولكن هذه الحركة لم تكلف الخليفة كبير عناء، فسرعان ما خرجت قواته من المدينة (هجري / 656م) وتمكنت من إخضاع الثائرين دونما صعوبة في معركة الجمل التي سميت [ صفحه 42] بهذا الاسم نسبة الي الجمل الذي كانت تمتطيه عائشة اثناء المعركة [34] .علي ان هذه الحركة برغم فشلها السريع، نجم عنها نتائج علي جانب من الاهمية. ذلك ان معركة الجمل أدت الي انتهاء مدينة الرسول كعاصمة سياسية وتحويلها الي مدينة ذات مركز ديني بحت واصبحت الكوفة عاصمة الدولة الجديدة خلال الفترة القصيرة التي قضاها علي في الحكم ومن ثم المركز الاول لنشاط الحزب الشيعي طوال أجيال عديدة. كما كانت معركة الجمل أول معركة في الاسلام يقودها خليفة بنفسه ضد اخوان له في العقيدة [35] وكان علي علي وهو الشديد الايمان أن يوجد حلاً لذلك ويستن تشريعاً خاصاً عرف فيما بعد بتشريع قتال أهل القبلة جاء فيه: «ليس علي الموحدين سبي ولا يغنم من أموالهم الا ما قاتلوا به وعليه» [36] .واذا كانت حركة المعارضة الحجازية قد لاقت الفشل سريعاً في البصرة، فان حركة أشد خطورة كان علي الخليفة [ صفحه 43] محاربتها في الشام حيث معاوية العامل القوي والولاية المنضبطة والجيش المنظم.فبعد فراغه من موقعة الجمل وجه علي من مركزه الجديد في الكوفة، الدعوة الي معاوية لمبايعته واعلان الولاء له مع التهديد بأنه سيلجأ الي قتاله اذا ما استمر في مخالفته والخروج علي ارادته [37] ولكن هذه الدعوة كما توقع الخليفة نفسه ومعه كبار معاونيه [38] اصطدمت بتصلب من معاوية واصرار منه علي تسليم المسؤولين عن مقتل عثمان. ولم يكن هذا الاصرار سوي تبريراً لخروجه علي الطاعة واخفاء لما يخطط له من وراء هذه الحملة، وهو منطق كان من الطبيعي أن يرفضه علي أو أي حاكم آخر، فهو الخليفة والمسؤول الاول، واليه يرجع المتخاصمون فيحكم ما بينهم.وبدأت الحرب أخيراً في صيف 36 هجري / 657 م وكان سهل صفين، المدينة الفراتية القديمة مسرحاً لها، وقد شهدت عدة معارك طاحنة كان يرافقها حملات دعائية مركزة من الطرفين فضلاً عن الحرب النفسية التي كان الهدف [ صفحه 44] منها تدعيم المعنويات واكتساب أكبر عدد ممكن من عناصر الجيش الآخر. وكان سير المعارك الاولي يتجه لصالح العراقيين الذين اصبحوا علي وشك الانتصار الي أن جابهتهم المصاحف مرفوعة علي أسنة الرماح، وطرح شعار التحكيم للنظر في مسألة الخلاف بين الطرفين. فاستجاب علي وهو مكره [39] ، وتوقف القتال بعد جدل عنيف بين كبار قواده. وكان التحكيم مسرحية لتمييع الموقف أخرجها عمرو بن العاص أحد كبار البارزين في معسكر معاوية. والحق ان استعدادات معاوية لم تتم في الاطار العسكري فقط، وانما في الاطار السياسي أيضاً حيث أحاط نفسه بمجموعة من الرجالات الذين عرف عنهم الدهاء والبراعة في تغيير المواقف، ومن هؤلاء عمرو بن العاص الذي انضم الي معاوية بعد مساومات طويلة جرت بين الرجلين [40] .وأرغم علي علي القبول تحت ضغط الاكثرية في صفوف جيشه التي كان يعوزها الانضباط وتفتقر الي روح الحماسة، فالجبهة العراقية كانت غير متماسكة وتتفجر بالتناقضات بينما كان الامر علي عكس ذلك في الجبهة [ صفحه 45] الشامية، حيث كان وقف القتال انتصاراً للشاميين دفع عنهم الهزيمة وجعل من زعيمهم معاوية في مركز الند والمنافسة لعلي في الخلافة.وكما أرغم علي علي القبول بمبدأ التحكيم، أرغم علي اختيار ممثله في المفاوضات وهو ابو موسي الاشعري. بينما كان ممثل معاوية بطل عملية رفع المصاحف عمرو بن العاص، الذي أوصاه معاوية بقوله: «ان أهل العراق أكرهوا علياً علي أبي موسي، وأنا وأهل الشام راضون بك، وقد ضُم اليك رجل طويل اللسان قصير الرأي، فأخر الحزّ، وطبق المفصل ولا تلقه برأيك كله» [41] والتقي الحكمان بأذرح في دومة الجندل (هجري /659 م) ووضح منذ بدء المفاوضات انعدام التكافؤ بينهما، وما لبث الاجتماع ان ارفضّ دون نتيجة، وعادت الامور الي ما كانت عليه قبل التحكيم مع فارق واحد ان مركز علي أصبح أكثر تضعضعاً حيث خرج من معسكره مجموعة من اثني عشر ألفاً محتجة علي مبدأ التحكيم، رافعة شعار «لا حكم الا لله». وهي المجموعة التي عُرفت بالخوارج وكان لثوراتها فيما بعد تأثيراً كبيراً في التاريخ الاسلامي. ولقد أحدث تمرد هؤلاء ارباكاً في جيش علي اضطر هذا [ صفحه 46] الاخير ان يوقف الزحف الي الشام من أجل القضاء عليهم. وقد أدي هذا الاقتتال الجانبي الي هدر طاقات الجيش العراقي في الوقت الذي اتاح الفرصة لمعاوية ان يستفيد بتعزيز مواقعه التي تعدت الدفاع الي الهجوم... وفجأة انهارت الجبهة العراقية بعد ان دأب عليّ علي ترميمها واستكمالها بعناصر متجانسة موحدة الولاء لوضع الامور في نصابها.ولكن مشاريع الحرب التي أريد لها ان تفتح مرة أخري أبواب الصراع بين الشام والعراق، احبطها معاوية قبل ان تخرج الي النور. وفي غمار ذلك تسقط ولاية مصر المهمة بيد عمرو بن العاص - أحد أبرز المتحالفين مع معاوية في صفين - ويقتل علي غيلة في مسجد الكوفة (هجري - 661 م)، فكانت الضربة القاتلة للحزب الشيعي بغياب قائده المؤسس. وليس من العسير علي أي متتبع لشريط الاحداث حينئذ ان يلمح شبح معاوية وراء تلك المؤامرة وقد تلوثت أصابعه بالدماء. واذ أصبحت الصورة أكثر وضوحاً، تحدّد الموقف بصورة شبه نهائية لمصلحة الحزب الاموي. [ صفحه 49]

الاحوال السياسية منذ اغتيال علي إلي كربلاء...

اشاره

بين الحسن ومعاويةبويع الحسن بالخلافة بعد اغتيال ابيه. وكأي حاكم جديد يتولي السلطة، أعلن برنامجه السياسي في مسجد الكوفة، وكانت أبرز خطوطه مشكلة الصراع مع معاوية، ذلك الصراع الذي وجد الحسن نفسه منقاداً اليه تلقائياً لاعتبارات عقائدية وسياسية.وعلي عكس ما يعتقد البعض من أن هذا الخليفة كان عازفاً عن استئناف الحرب مع معاوية، وأنه حين سار لقتال هذا الاخير كان تحت ضغوط من جماعته الكوفيين [42] فالحقيقة الثابتة أن الحسن واجه هذا الامر بمنتهي الجدية والحزم، وكان أول ما فعله بعد وصوله الي الحكم هو الاهتمام بجيشه، فدفع رواتب جنوده [43] وعمل علي اعدادهم اعداداً لائقاً لحرب مصيرية مقبلة. وهذا الجيش [ صفحه 50] هو نفسه الذي أعده علي قبل اغتياله للزحف به الي الشام. ولعل بعض المؤرخين قد خلطوا بين ما اشاروا اليه من تردد الحسن في مجابهة هذه المشكلة وبين حذره الذي غلب علي تصرفاته. فالتردد شيء والحذر شيء آخر. وهذا الموقف كان نابعاً في المقام الاول من عدم ثقته بالزمرة السياسية التي حاطت به وكان لا بد من الاعتماد عليها في مطلق الاحوال [44] فهي مركز الثقل في الكوفة بما تمتلكه من رجال وأموال، وهي في الواقع تقرر الموقف الذي تريد [45] علي ضوء ما تراه منسجماً مع مصالحها وامتيازاتها في المدينة.فالحسن كما نعرف عاش عن كثب تجربة الحرب في صفين وما صاحبها من مؤامرات، وخبر جيداً أساليب معاوية في امتلاك قلوب هذا النوع من الرجال [46] الذي كانت مصالحه فوق المبادئ وفوق المثل. ولم يكن [ صفحه 51] مفاجئاً أن يتحول هؤلاء الذين عرفوا بالاشراف فيما بعد الي مطية للنظام الاموي يقاتلون في صفوفه، نفس الحزب الذي كانوا من أركانه أيام علي والحسن.فالحسن اذا لم يساوره أدني تردد او تخاذل في موقفه من الحرب مع معاوية، ولكنه كان شديد الحذر من جماعته، غير واثق من ولائهم واقتناعهم بفكرة الحرب. ولا بد لنا هنا من أن نتصور أية مهمة مستحيلة كانت بانتظار الحسن ليخوضها بجيش مفكك العناصر، مضطرب الولاء، موزع الانتماءات قبلياً وعشائرياً.بهذه التركيبة العجيبة من المقاتلين التي لم يدخلها سوي قلة مؤمنة ومخلصة، سار الحسن لقتال الجيش الشامي القوي والانضباطي - الذي وصف معاوية عناصره يوماً بأنهم «أطوع جند وأقلهم خلافاً» [47] وهو يدرك جيداً ان المتاعب لن تأتيه من أعدائه فقط، بل من الانتهازيين داخل جيشه أيضاً الذين يظهرون غير ما يسرون [48] ، فكان ذلك يزيد من شجونه ويزيد الامور تعقيداً. [ صفحه 52] وكان معاوية قد أدرك بدوره نقطة الضعف هذه في جيش الحسن فاستغلها ببراعة وأخذت مناوراته ودسائسه تفعل فعلها في أوساط المترددين وهم كثرة، وتمكن من تأليب كبار القواد عليه وتخذليهم عنه بشتي المغريات.ولعل من أقسي ما تعرض له الحسن تواطؤ قائده وابن عمه عبيد الله بن عباس مع معاوية وتسلله الي معسكره ليلاً ومعه القوة الاساسية من الجيش [49] وأخذت الأوضاع تتحرج اكثر فأكثر في جبهة الحسن الممزقة حتي وصل الامر الي حد بأن تجرأ عليه بعض جنده فهاجموه في فسطاطه [50] ، وكمن له رجل متطرف من بني أسد اسمه الجراح بن سنان فأصابه بجرح بليغ في فخذه [51] فتراجع الحسن حينئذ الي المدائن لينشغل في مداواة جراحة. كل هذا في الوقت الذي كان فيه معاوية ناشطاً في محاولة استقطاب المزيد من رجالات الحسن [52] وفي تصعيد حملاته النفسية في صفوف أعدائه. [ صفحه 53] وتحت تأثير هذه الظروف المأساوية المؤلمة، ولما آل اليه وضع الجيش العراقي، وفي غمرة هذا الجو المشحون بالتشاؤم في امكانية الصمود والامل بالنصر، استجاب الحسن أخيراً وهو مرغم لعروض معاوية من أجل الصلح بعد أن أبدي هذا الاخير استعداده للموافقة علي جميع ما اشترط عليه [53] .أثارت قضية الحسن ولا تزال الكثير من الجدل. فمن مبالغ متطرف في تقدير مواقفه واجلالها، الي منتقد ظالم اكتفي بالنظرة السطحية الي مجريات الاحداث وتغاضي عن كل الايجابيات. وبالنتيجة كانت شخصية الحسن عرضة لتقويم خاطئ وغير منصف. والحق أنه وجدت هناك أسباب لا ينبغي لأحد تجاهلها في هذا المجال لأنه كان لها الدور المؤثر في عملية الصراع الذي دار بين الحسن ومعاوية او بين العراق والشام باتخاذه بعداً اقليمياً بدأ في صفين وتركز بعد تنازل الحسن ثم تعمق في كربلاء وتحول الي صراع تقليدي علي مدي بعيد من الزمن. ومن هذه الاسباب:1 - فقدان القيادات الشعبية المخلصة التي برزت [ صفحه 54] مع علي، القادرة علي تحريك الجماهير وضبطها، ابتداء بعمار بن ياسر وانتهاء بالاشتر النخعي، فقد أفلت الزمام في جيش الحسن لافتقاده الي القيادات الفعلية، وهذا الشيء نفسه سيتكرر مع مسلم بن عقيل في الكوفة.2 - أدرك الحسن ان موازين القوي غير متكافئة بينه وبين أعدائه خاصة بعد التخلخل الذي أصاب جيشه وظهور الانتهازية فيه. من هنا رجّح خسران المعركة عسكرياً ووجد ان المخاطرة بجيش ضعيف وممزق ستؤدي الي ضرب الحزب الشيعي بكامله وانهيار البقية الباقية من رجالاته المخلصين. وكان هذا بدون شك تقديراً سليماً وبعد نظر من جانب الحسن. وعلي ذلك سنجد ضمن ما اشترطه علي معاوية بعد توقيع الصلح اعلان العفو العام، لانه لم يشأ أن يدع تلك النخبة [54] من الحزب في مواجهة معاوية دون أية ضمانات.

معاوية و تحويل الخلافة الي ملك وراثي

بعد تنازل الحسن، سقطت آخر معاقل الخلافة الراشدية، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الاسلام مختلفة تماماً في أبعادها ومناهجها عن المرحلة السابقة. وغدت دمشق مركز الحكم وعاصمة الخلافة الاموية التي أرسي قواعدها معاوية. ولقد كان هذا الاخير يمتلك طموحاً بعيداً، فانصرف بكل ما أوتي من جهود الي بناء مجتمع جديد، مطبوع بشخصيته المكيافيلية، ومتأثر برواسبه القبلية الي أبعد حدود التأثر.كانت مشكلة الحكم من أهم ما التفت اليه معاوية، ولم يقعده بلوغ الخلافة وتحقيق أحلامه في السلطة عن التفكير بها ومحاولة الوصول الي حل جذري لها. وقد رأي في تجارب الخلفاء الذين سبقوه، والازمات التي مرت بها الخلافة، مسوغاً لاحداث تغييرات أساسية في نظام الحكم، بتحويله من نظام قائم علي الشوري الي ملكي أوتوقراطي أو بمعني آخر من حكم اسلامي ديني الي سياسي دنيوي [55] .وكانت أبرز جوانب هذه المشكلة برأي معاوية، ما [ صفحه 56] يمكن ان يتمخض عن هذه التغييرات من معارضة، ربما تؤدي الي حرب أهلية. فالحسن منافسه لا زال في المدينة ووراؤه حزب كبير، لن يقبل بأي اجراء يجعل من الخلافة ملكاً متوارثاً لبني أمية، فضلاً عن ان ذلك مناقض للمعاهدة التي عقدت بين الحسن ومعاوية [56] وكذلك فان الاحزاب الاخري ستنفر من هذه الفكرة وستقابلها بالرفض.ولكن معاوية لا تقلقه كثيراً هذه التصورات فهو يعرف جيداً ماذا يريد، ولديه من اخلاص جنوده الشاميين ما يدفعه لتنفيذ مخططاته مهما كان السبيل الي ذلك. بدأ أولاً بتصفية الحسن فأزاح بهذا منافساً رئيسياً من طريقه [57] وانتشر رجاله في أقاليم الدولة يبشرون بفكرة الوراثة ويمهدون لقبول الناس بيزيد خليفة بعد أبيه. وكانت مهمة صعبة أمام هؤلاء، لم تقتصر علي الاقناع بالمبدأ فقط، ولكن أيضاً حول صلاحية الشخصية المرشحة لولاية العهد التي لم تكن بنظر الناس مؤهلة لتولي منصب حساس كالخلافة. [ صفحه 57] علي أن ولاية العهد رغم ما أثارته من استهجان في أوساط المسلمين، فقد تمكن معاوية بواسطة أجهزته من أخذ البيعة ليزيد بغير صعوبة فيما عدا اقليمين كان يعرف هو سلفا موقفهما وهما: العراق والحجاز. الاول لرفضه الخلافة الاموية أساساً والتزامه بقضايا مختلفة تماماً، تحركها عوامل سياسية واقليمية واضحة. والثاني كانت لديه نفس الاعتبارات تقريباً مع فارق واحد يعطي له أهمية خاصة بالنسبة لمعاوية. فهو مهد الاسلام ومركز العاصمة الاولي للخلافة وملتقي كبار رجالات الاسلام الذين تمتعوا بالاحترام والتأييد الشعبي الواسع.واذا كان العراق الذي افتقر حينئذ الي القيادات الفعلية، قد أرغم بمعظمه علي البيعة تحت وطأة السلطة الحديدية التي كان علي رأسها زياد بن أبيه، فان الحجاز كان له موقفاً أشد صلابة عندما رفض ثلاثة من زعمائه الكبار البيعة ليزيد وهم: الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير [58] .كان هؤلاء - وهم جميعاً أبناء صحابيين كبار، تولي اثنان منهم (عمر وعلي) الخلافة والثالث (الزبير) نازع علياً عليها وقتل في معركة الجمل - يحظون بمكانة عالية [ صفحه 58] في الحجاز لا سيما الحسين الذي كان اكثرهم قدرة علي تحريك الناس ضد معاوية والامويين. ومن أجل ذلك قرر معاوية أن يجابه الموقف بنفسه في الحجاز ويخوض معركة ولاية العهد مباشرة، فذهب الي المدينة علي رأس ألفي فارس وألقي في مسجدها خطبة أشاد فيها بشخصية يزيد المؤهلة - بنظره - لتولي الخلافة، ثم غادرها الي مكة حيث انتقل اليها الزعماء الثلاثة ليبحث معهم مسألة ولاية العهد وليأخذ البيعة منهم طوعاً أو كرهاً. وكان هؤلاء قد كلفوا ابن الزبير محاورته باسمهم فرد عليه وأنكر محاولاته في خرق الشرعية والخروج علي سنة الأوائل من الخلفاء. وكان معاوية حاداً في جوابه لابن الزبير اذ قال له مهدداً «أقسم باللّه لئن رد علي أحد منكم كلمة في مقالي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتي يسبقها السيف الي رأسه فلا يبقين رجل الا علي نفسه» [59] وكان أيضاً مناوراً كعادته حيث جمع الناس في المسجد وخطب فيهم: «ان هؤلاء - ويقصد بهم الثلاثة الممتنعين - قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا علي اسم الله» [60] .وكانت مداهمة معاوية لهؤلاء الزعماء واحراجهم [ صفحه 59] باعلان بيعتهم دون أن يأخذ منهم تصريحاً بذلك نهاية المطاف بالنسبة للجدل الذي أثير حول ولاية العهد. ولم يكن أمام زعماء الحجاز الا التسلح بالصبر والانضمام الي فريق الساخطين الذي أخذ حجمه يزداد يوماً بعد آخر، بانتظار الظروف الملائمة للتعبير بالوسائل السلبية عن الرفض المطلق لنظام الوراثة في الحكم الذي ابتدعه معاوية.

الاحوال السياسية داخل العراق

لنعد الي الوراء قليلاً، الي بدايات التحرك الشيعي في العراق بعد استسلام هذا الأخير الي معاوية. وهو استسلام لم يكن في جوهره أكثر من استجابة للامر الواقع واعتراف اكراهي بالخلافة الاموية. فقد كانت هذه التغييرات السياسية تحمل في صميمها، الكارثة للعراقيين الذين التزموا مصيرياً بالقضية العلوية ووقفوا الي جانب علي الذي جعل من عراقهم مركز الحكم في الاسلام، بما يعنيه ذلك من أهمية سياسية واقتصادية وما يعكسه من شعور بالتفوق، أصبح الآن أكثر وضوحاً من قبل.واذ ينقلب الموقف وتتحطم الاحلام وتنهار المكاسب، كان لا بد من تقويم لما جري ووضع الامور في نصابها. وفي غمرة ذلك وجد العراقيون أنفسهم يتحملون وزر هذا المصير الذي آلوا اليه، ويتتبعون بأسي الصورة القاتمة [ صفحه 60] لمستقبلهم السياسي في ظل السيادة الاموية. ولم يكن هنالك ادني ريب في أن أية مقارنة بين النظام السابق والنظام الجديد ليست في بال علي الاطلاق. فمعاوية ما كاد يستتب له الامر في العراق، حتي انهارت تلك الصورة الزائفة التي اقترنت بها شخصيته، القائمة علي الحنكة والدهاء.. فاذا به في العراق انساناً آخراً ونموذجاً مختلفاً.وكان معاوية يعرف جيداً أن أقلية ضئيلة فقط بايعته ربما علي قناعة أو سعياً وراء مصلحة خاصة. أما الغالبية فقد بايعته مكرهة وتحت التهديد. وكان يعرف أيضاً أن هذه الفئة الرافضة بمختلف فصائلها ستنقلب عليه، ان لم يكن اليوم فغداً.أخذت ملامح السياسة الجديدة للخليفة الاموي، القائمة علي التحدي والاستفزاز والمبادرة بالعنف، تتبلور بالنسبة للعراق وتوحي بأن أحداثاً خطيرة سيشهدها هذا الاقليم. فقد أرسل معاوية أحد البارزين في نظامه وهو المغيرة بن شعبة، والياً علي الكوفة ومعه صلاحيات مطلقة، وتوجيهات بشتم علي من فوق منبر المسجد، ومراقبة تحركات زعماء الشيعة وملاحقة المتحمسين منهم للقضية العلوية [61] ولقد نفذ المغيرة باخلاص تعليمات سيده، [ صفحه 61] ولكن بأسلوبه المرن الذي عرف عنه. فشغل الكوفيين بحرب الخوارج ودفع بصفوة زعمائهم الي أتونها، ليصرفهم عن مقارعة السلطة واثارة المشاكل ضدها. وقد لاقت سياسته نجاحاً نسبياً في هذا المجال، ولكن التجرؤ علي مهاجمة الخليفة الراشدي لم يستسغه الكوفيون ووجدوا فيه اهانة صريحة لهم وانتهاكاً لقيمهم ومعتقداتهم. وكان أن اصطدم المغيرة بعدد من زعمائهم كحجر بن عدي أحد أبرز رجالات قبيلة كندة الشهيرة وأول من ثار بشدة علي سياسة التجريح بالخليفة السابق، وصعصعة بن صوحان من بني عبد القيس [62] الذي نفي بأمر من المغيرة - بعد أن ضاق بمعارضته - ومات في منفاه [63] .ورغم ما أظهره المغيرة من براعة في حكم مدينة تعج بالمتطرفين من أعداء النظام الذي يمثله، فان ذلك لم يعجب معاوية، الذي أخذ عليه تساهله مع العلويين وبشكل خاص موقفه ازاء حجر بن عدي [64] ويحلل المغيرة هذا الموقف أمام منتقديه من أقاربه وامام معاوية [65] بأنه تقدم في السن ولا يجب أن يبتدأ عمله في الكوفة بسفك دماء رجالها وقتل زعمائها [66] . [ صفحه 62] ولم يكن شأن البصرة بمختلف عن الكوفة، فهي رغم عدم مماشاتها هذه الاخيرة بنفس الحماسة في قضاياها السياسية، فان موقفها من النظام الاموي كان معروفاً ولم يتعد حدود التسليم بالامر الواقع. لذلك لم يكن عبد الله بن عامر، الوالي المعين في البصرة، الشخصية المؤهلة، بنظر معاوية، لتنفيذ سياسته العراقية. وأخذ حينئذ يبحث عن شخصية قوية يعهد اليها بحكم العراق بكامله حيث ضاق ذرعاً بسلوك المغيرة في الكوفة، فوجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور هو زياد بن أبيه عامل علي السابق علي فارس، وكان لا يزال يحتفظ بمنصبه ويرفض الاعتراف بمعاوية. واستطاع معاوية اقناعه بالانضمام اليه وذلك بعدما استلحقه بأسرته [67] وقد شغل المغيرة دوراً بارزاً في اقناع زياد بالتخلي عن رفضه للنظام الاموي والانقلاب الي التعاون معه.ولم يلبث زياد أن صار أميراً علي البصرة (هجري) فنجح في مهمته الي حد كبير، وأدي لمعاوية فوق ما يتطلبه من خدمات. وكانت خطبته الشهيرة (البتراء) التي فاجأ بها أهل البصرة مؤشراً لسلوكه الجديد وبرنامجاً واضحاً لسياسته العراقية المقبلة التي ستمتد علي كل العراق بعد وفاة المغيرة [68] وانتقال الكوفة اليه. [ صفحه 63] والامر الذي يثير الاستغراب بالنسبة لزياد، ذلك التحول المذهل من نقيض الي آخر. فبعد ان كان من أشد المؤيدين لعلي - الذي اختاره، لكفاءاته الادارية والسياسية، حاكماً علي فارس دون الالتفات الي تصنيفه الاجتماعي - أصبح من أشد المتعصبين تطرفاً ضد العلويين، ومنسجماً الي أبعد حدود الانسجام مع معاوية في أساليبه الانتهازية [69] ففي نفس السنة [70] التي جمعت فيها الكوفة لزياد افتتح نشاطه المعادي للشيعة بالقبض علي حجر بن عدي [71] وارساله الي دمشق حيث جرت له تصفية جسدية مع عدد من رفاقه علي يد معاوية [72] .لم يمر استشهاد حجر - دفاعاً عن مبادئه والتزاماً بمواقفه التي رفض أية مهادنة علي حسابها - دون أن يثير موجات شديدة من الغضب في صفوف الشيعة، خاصة في الكوفة. ولم تستطع قبضة زيادة الحديدية اسكات المعارضة التي أخذت في التبلور حينئذ. وعلي عكس ذلك [ صفحه 64] فقد أدي مقتل الزعيم الكوفي الي ولادة الحزب الشيعي، بأبعاد جديدة ومفاهيم سياسية وعقائدية خاصة. وفي خلال عشر سنوات أتيح لهذا الحزب أن يعبر هذه المحنة بصبر، وأن يجتاز هذا المناخ الارهابي وهو أكثر صلابة وأقوي ايماناً. [ صفحه 65]

خلافة يزيد و تحرك الحسين

مات معاوية في العام الستين للهجرة، وفي نفسه شيء من الملك، بعد أن تربع علي رأس السلطة أربعين عاماً كاملة نصفها كأمير والآخر كخليفة. ولعله شعر بالاطمئنان في قرارة نفسه الي دوام الملك واستمرارية الخلافة في أسرته بانتقال الامر من بعده الي يزيد. ولكن هذا الاطمئنان كان مشوباً بالقلق علي مصير البنيان الذي شيده بالقوة وبنفاذ الصبر. فلم يكن هناك أي مجال للمقارنة بين الاب، السياسي الذكي وبين الابن، الأرعن الغارق في العبث واللهو والمجون. وشاء معاوية أن يغير هذه الصورة التي التصقت بابنه، فأقحمه في غمار مسؤوليات أثبتت الايام انه عاجز كل العجز عن تحملها. فقد أرسله حاجاً الي مكة [73] ووضعه علي رأس حملة القسطنطينية الضخمة. ولكن لا فريضة الحج صبغته بالوقار، ولا قيادة الحملة [ صفحه 66] جعلت منه قائداً عسكرياً لامعاً. فالصورة التي في أذهان الناس ظلت كما هي تأبي أن تتغير.تسلم يزيد الخلافة اذاً، ومعها ميراثاً ثقيلاً من المشاكل، كان معاوية قد نجح في تجميدها أو تأخير انفجارها. ومن أبرز هذه المشاكل، مشكلة الخلافة نفسها. فهناك أكثر من طامح يتحين الفرصة المناسبة للوثوب في سبيلها. ففي مكة اعتكف عدد من زعماء العرب من أبناء الخلفاء السابقين وغيرهم، احتجاجاً علي خلافة يزيد وتكريساً لعدم اعترافهم بها. وفي الكوفة، مركز الحزب الشيعي الذي سار شوطاً مهماً في عملية البناء التنظيمي، اتخذت الامور بعداً آخراً تعدي الاحتجاج والرفض الي الثورة الشعبية.والواقع ان ملامح التحرك في الكوفة بدأت في وقت سابق أيام معاوية. فقد ذهب أكثر من وفد من الحزب الي المدينة وبحث مع الحسن في شأن الثورة. وها هو سليمان بن صرد الخزاعي يخاطبه باسم أحد الوفود: «فان شئت فاعد الحرب جذعة، وأذن لي في تقدمك الي الكوفة. فأخرج عنها عاملها وأظهر خلعه، وتنبذ اليهم علي سواء ان الله يحب الخائنين» [74] . [ صفحه 67] ولكن الحسن كان يري حينئذ أن الاسباب التي دفعته الي التنازل لازالت قائمة، والظروف نفسها لازالت مهيمنة وسط جو من الارهاب أكثر ما يصيب العراق، الخزان البشري الاول لاية ثورة شيعية مرتقبة.ولنستمع الي قول الحسن امام ممثلي الحزب:«ما أردت بمصالحتي معاوية ألا أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب» [75] .أو قوله:«... فصالحت بقيا علي شيعتنا خاصة من القتل، ورأيت دفع هذه الحرب الي يوم ما [76] .كان الحسن صادقاً في تصوير الموقف الي حد كبير. فهو كزعيم لهذا الحزب يتحمل مسؤولية أي تحرك قبل غيره. وأي فشل في ظل هذه الظروف قد يؤدي الي تدمير الحزب والقضاء عليه نهائياً.وكان هذا رأي الحسين أيضاً حين تسلم زعامة الحزب فآثر عدم الثورة في عهد معاوية، والانصراف الي تنظيم الحزب واعداد عناصره اعداداً جيداً بحيث يصبحون [ صفحه 68] علي قدر من النضج والوعي قبل القيام بأي نشاط علني.ولا بد من الاعتراف بأن مهمة الحسين لم تكن سهلة أبداً. لان أجهزة معاوية كانت علي جانب كبير من الخبرة والحذر الامر الذي كان يجعل من اتصالات الحسين أمراً عسيراً للغاية، خاصة في الفترة التي خضعت فيها الكوفة لزياد بن أبيه. وكان العامل الجغرافي يزيد الامور تعقيداً، بابتعاد قواعد الحزب عن قياداته بحيث سيكون لهذا العامل الاثر الاكثر أهمية في اخفاق ثورة الحسين وغيرها من الثورات الشيعية فيما بعد.بعد تسلم يزيد زمام الحكم أحس الجميع أن ثوب الخلافة فضفاضاً عليه، حيث كان ينقصه الكثير من ذكاء أبيه وحساباته الدقيقة للامور، وكان ذلك فرصة مناسبة للحزب الشيعي في الكوفة بأن يتحرك.. فجرت اتصالات مع زعيم الحزب في الحجاز، وكان حينئذ يتعرض لمجابهة من قبل ممثل السلطة الاموية في المدينة الوليد بن عتبة، الذي تلقي أوامر الخلافة بالسعي الي انتزاع الحسين ورفاقة الرافضين بأي ثمن.ولا يتَخلي الحسين عن فطنته وبعد نظره، وهو ذاهب لمقابلة الوليد علي رأس مجموعة مسلحة من أتباعه تحسباً لاي طارئ [77] وبجرأة متناهية رد علي الوالي [ صفحه 69] بحضور شيخ بني أمية مروان بن الحكم: «ان مثلي لا يعطي بيعته سراً، ولا أراك تجتزيء بها مني سراً دون أن تظهرها علي رؤوس الناس علانية» [78] .أدرك الوليد ما وراء كلمات الحسين من اصرار علي الرفض، ولم يشأ أن يتمادي في الحوار معه أكثر من ذلك، متجاهلاً نصيحة مروان الذي أشار عليه: «احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه» [79] ... وفي صباح اليوم التالي كان الحسين قد رحل الي مكة.وهناك شعر بوطأة السلطة تخف عن كاهله قليلاً، ولكن رحلته لم تقف عند هذا الحد.. فلم تكن هرباً من البيعة وانما مواجهة مصيرية لمسؤولياته ولقاء حاسماً مع دوره التاريخي الذي كان في انتظاره.في مكة عاش الحسين مستغرقاً في أفكاره وتأملاته لتكوين صورة واضحة للموقف النهائي. وفي الكوفة كان أركان الحزب الشيعي يجتمعون في منزل سليمان بن صُرد الخزاعي حينما تناهي اليهم خروج زعيم الحزب الي [ صفحه 70] مكة [80] ، فقرروا أن الظروف مواتية للتحرك. فكتبوا الي الحسين يطلبون منه القدوم وتسلم قيادة الثورة.أخذت الرسائل تتوالي علي الحسين - وأكثرها من زعماء اليمانية البارزين - وفيها الحاح بعدم التأخر. وانتظر الحسين وقتاً ريثماً يستكمل دراسته للموقف، ولم يكن ذلك تردداً وانما تحسباً لا بد منه. فخروجه علي النظام الاموي بات أمراً لا جدال فيه، لان يزيداً لن يدعه الا اذا بايع له، وقراره بشأن البيعة لا عدول عنه فالمصادمة بينهما اذاً واقعة وحتمية.وانطلاقاً من هذا الشعور قرر الحسين ارسال أحد معاونيه وثقاته وهو مسلم بن عقيل الي الكوفة ليطلع عن كثب علي الموقف ويمهد له الطريق. وأرسل أيضاً مندوباً آخر الي البصرة حمّله صورة عن البرنامج السياسي للثورة ورسائل الي زعمائها أمثال الأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم [81] بهدف توسيع رقعة الثورة وفتح أكثر من جبهة ضد الامويين.ولكن الامور لم تسر في البصرة كما في الكوفة، فقد وصل مسلم هذه الاخيرة وحل في منزل المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أحد زعماء الحزب الشيعي [82] . [ صفحه 71] ومن هناك أخذ يجري اتصالاته مع بقية الزعماء بسرية تامة، حتي اذا استكمل هذه الاتصالات وضمن التأييد الكافي للتحرك كتب الي الحسين يطلب منه القدوم.غير أن استخبارات السلطة وقفت علي نشاط مسلم ورفعت تقريراً عنه الي أمير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري، وكان معروفاً باعتداله، فرفض أن ينساق مع زبانية النظام باتخاذ أي اجراء ضد مسلم. فرفع هؤلاء تقريرهم مباشرة الي يزيد وفيه تحذير من نشاط مسلم ورغبة باستبدال واليهم الضعيف، بآخر قوي قادر علي العنف ولا يرتبك من سفك الدماء.وكان ذلك أول امتحان لخلافة يزيد، أثبت صحة ما قيل في شخصيته الانفعالية وفي كفاءته المحدودة في عالم السياسة. فقد سارع الي عزل النعمان بن بشير فوراً، وتسمية واليه علي البصرة عبيد الله بن زياد والياً علي الكوفة بالاضافة الي منصبه. وكان هذا ما تمناه زبانية النظام والمستفيدين من خيراته، فهذا الرجل خريج بارز من مدرسة العنف التي كان أبوه زياد أول مؤسسيها في العراق، ولعله كان أكثر تطرفاً وأشد عنفاً من أبيه.أثبت عبيد الله أنه علي استعداد دائم لاية مهمة يكلفه بها الخليفة، وكان هو علي علم بتحركات الحزب الشيعي [ صفحه 72] عن طريق أحد الذين راسلهم الحسين [83] وكان هذا كافياً لاجهاض أية مبادرة من البصرة للمشاركة في التحرك. وبعد أن غادر هذه الاخيرة الي الكوفة عين عليها نائباً عنه هو أخوه عثمان بن زياد [84] وأوصاه باستعمال الشدة والحزم.وفي الكوفة، حيث انتقل اليها عبيد الله ملثماً وعلي رأسه عمامة سوداء، أخذت الامور تنعقد علي جبهة الحزب الشيعي وتلاحقت الاحداث فيها بسرعة مذهلة. فقد كان الناس حينئذ يترقبون وصول الحسين بين لحظة وأخري، حتي انهم اعتقدوه ذلك الملثم الذي ظهر في الكوفة. وبعد وصوله الي قصر الامارة أحاط ابن زيادة نفسه بالشرطة، ومن هناك أخذ يخطط لانقلابه، مستفيداً من البلبلة التي خلقها ظهوره في الكوفة. بدأ أولاً بنشر جواسيسه في المدينة لمعرفة مكان مسلم بن عقيل، حتي علم أخيراً انه في منزل هاني بن عروة [85] أحد الزعماء الشيعيين، فاستدعي هذا الاخير وسأله عن مسلم، فأنكر وجوده في بيته. غير أن ابن زياد فاجأه بالجاسوس الذي شاهده في داره [86] ، [ صفحه 73] فاعترف هاني حينئذ ولكنه رفض تسليمه وأصر علي ذلك رغم السجن والتعذيب «والله لو لم أكن الا واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتي أموت دونه» [87] .وفي تلك الاثناء كان ابن زياد يقوم بحملة اعلامية واسعة لاستعادة زمام الموقف الذي أفلت، وفق مخطط ذكي وتكتيك بارع. فأوهم رؤساء القبائل بأن جيوشاً عظيمة من الشام تشق طريقها الي العراق [88] ، ونثر رجاله في شوارع الكوفة لتخذيل الناس عن مسلم ومحاولة التأثير عليهم نفسياً باشاعة جو من الذعر والخوف [89] وقد أعطت هذه الحملة نتائجها الايجابية، ووجد رسول الحسين نفسه أخيراً في قلة قليلة جداً من الانصار [90] وفوجئ بشرطة ابن زياد يقودها محمد بن الاشعث تلقي عليه الحصار، فقاوم ببطولة ولكن دول جدوي. وسيق أخيراً الي قصر الامارة ليواجه مصيره بنفس الشجاعة البطولية [91] ثم جيء برفيقه هاني بن عروة من سجنه وقد أنهكوه تعذيباً، وحمل الي السوق حيث أعدم أمام [ صفحه 74] جمهور من الناس [92] وقبل أن ينبلج صباح اليوم التالي كان رأساً مسلم وهاني أول شهيدين في ثورة الحسين، مغروسين علي أسنة الرماح في طريقهما الي دمشق.سارع ابن زياد الي تطويق ذيول ما يمكن أن يحدثه مصرع الزعيمين الشيعيين من ردة فعل في الكوفة، فأبعد عنها عدداً من المتعاونين مع مسلم وقبض علي أشدهم خطورة وزج بهم في السجن من أمثال المختار بن ابي عبيد الثقفي وسليمان بن صُرد الخزاعي والمسيّب بن نجبه الفزاري وغيرهم [93] واختفت فئة من هؤلاء، فلم تتمكن منها شرطة ابن زياد وجواسيسه.. وأما الذين استهوتهم اغراءات أمير الكوفة، فقد انضموا الي جانب السلطة وأصبحوا جزءاً من النظام الحاكم وصاروا يشكلون طبقة لها امتيازاتها الخاصة عرفت بطبقة الاشراف.والواقع ان الانقلاب الذي قاده ابن زياد ضد مسلم في الكوفة لم يكن يخلو من مغامرة. وقد ساعدته عدة عوامل علي نجاح انقلابه وافشال حركة مسلم أهمها شخصيته السياسية الصارمة التي شابهت الي حد كبير شخصية أبيه، ثم التركيب القبلي في الكوفة ونجاح [ صفحه 75] أميرها في شق الوحدة السياسية لاكثر من قبيلة واستقطابه عدد غير قليل من رؤساء القبائل. وأخيراً فان التزام مسلم بخط اخلاقي واضح، هو خط الثورة التي كان يبشر بها جاء في مصلحة ابن زياد الذي استغل الظروف بأسلوب مناقض تماماً، في وقت كانت فيه المبادرة في يد مسلم، وكان بامكانه أن يبطش بعدوه [94] ولكن اخلاقيته واطمئنانه الي موقف الكوفة دفعاه الي اضاعة هذه الفرصة المهمة من يده.وبذلك انطوت الصفحة الاولي من المأساة التي توّجها الحسين بسقوطه في كربلاء دون أن تتم فصولاً. وفي تلك الاثناء كان الحسين قد غادر الحجاز (في الثامن من ذي الحجة سنة 60 هجري) متجهاً الي الكوفة ومعه نفر قليل من أهله الاقربين، وهو لا يعلم من تفاصيل ما جري في المدينة سوي أخبار الثمانية عشر ألفا الذين بايعوا مسلماً علي الموت [95] وقد يقول قائل أن خروجه تم قبل جلاء الصورة تماماً في الكوفة، ولكن ألم تكن تكفي الاحتياطات التي اتخدها والضمانات التي حصل عليها؟. وهل كان بامكانه أن يسلك طريقاً آخراً حينئذ طالما أصر [ صفحه 76] علي عدم الاعتراف بخلافة يزيد؟ ثم هل كان خروجه مجرد حدث طارئ أو انفعال عفوي دون برنامج سياسي محدد وأهداف اجتماعية واضحة؟. ألم يأتي ذلك كله في وصيته الي أخيه محمد بن الحنفية؟ حين قال له: «اني لم أخرج اشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين» [96] .وفي الطريق كان أول تقرير عن الكوفة قد وصله من الفرزدق [97] حيث وضع أمامه الحقائق بكل مرارتها. ثم انجلت الصورة أكثر بلقاء عبد الله بن مطيع وكان قادماً من العراق حيث تشبث به وناشدة العودة [98] ولكن جواب الحسين لم يتعد الآية الكريمة «قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا» [99] .وتابعت قافلة الشهادة الصغيرة طريقها عبر الصحراء دون تردد حتي أصبحت علي بعد نحو عشرين ميلاً من [ صفحه 77] الكوفة، وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فأخذ كافة احتياطاته للحؤول بين الحسين والكوفيين، بفرضه حصاراً محكماً علي المدينة لمنع خروج أحد منها وبارساله حملة استطلاعية من ألف رجل بقياد الحر بن يزيد لقطع الطريق علي الحسين [100] والتضييق عليه ومنعه من الاقتراب من الكوفة.وفي نفس الوقت كان يعد للحملة الاساسية التي عهد اليها بتصفية الامر.. وكانت معدة بذكاء ومكر، وفوجئ القائد الذي وقع عليه الاختيار لقيادة الحملة وهو عمر بن سعد القرشي وابن الصحابي الشهير سعد بن أبي وقاص. وحاول أن يتخلص من المهمة الثقلية ولكن عبثاً، فقد أصر الامير علي رأيه لاسباب لم تغب عن بال القائد المعين. ولم يكن بامكان ابن سعد الذي ذاق طعم السلطة وانغمس في بؤرة السياسة أن يصمد في موقفه، وقبل المهمة خوفاً من ضياع الولاية التي وُعد بها [101] .وفي اليوم الثاني من محرم سنة 61 هجري، وصل ابن سعد الي كربلاء [102] علي رأس أربعة آلاف فارس [103] . [ صفحه 78] ومعه تعليمات مشددة من سيده بدعوة الحسين الي الاستسلام والبيعة ليزيد، والا فالحرب.وفي خلال اسبوع من الحوار، لم يطرأ علي الموقف أي تغيير، فقد أصر الحسين علي رفضه لشروط القائد الاموي، وان كان قد طلب بأن تتاح له فرصة العودة الي الحجاز [104] ولكن طلبه لم يجاب.وكان ابن سعد في وضع لا يخلو من الحرج، فاذا ما تودد في حواره مع الحسين كانت نظرات خبيثة تحدق فيه من شمر بن ذي الجوشن، الرجل الثاني في الحملة، فيتذكر المهمة والولاية التي تنتظره [105] .وفي العاشر من محرم حدث ما كان متوقعاً دون اية مفاجآت، سوي انضمام الحر بن يزيد الي جبهة الحسين التي لم تتجاوز السبعين بين فارس وراجل [106] وكانت تلك النهاية المأساوية لثورة الحسين التي لم يقدر لها الوصول الي قاعدتها في الكوفة، فاجهضت في كربلاء، وكان ذلك المصرع البطولي الذي سجله الحسين ورفاقه، الذي هز ضمائر الناس ولا زال.. وابتدأ تاريخاً جديداً في حركة النضال الشيعي سيستمر لآماد طويلة يُكتب بالتضحيات ويُسطر بالفداء.

تضعضع الاحوال السياسية في نهاية عهد يزيد

كان لسقوط الحسين بهذه الصورة المأساوية نتائج خطيرة في تاريخ العراق والدولة الاموية عامة. فقد عاش الحزب الشيعي عقدة الذنب مثقلاً بمرارة الموقف الانهزامي الذي وقفه ازاء كربلاء. وتحرج النظام الاموي الذي لم يقدر فظاعة المأساة، وكان عليه ان يجابه نتائجها السريعة والمستقبلية التي اخذت تنعكس منذ ذلك الحين علي بنية هذا النظام. وليس ثمة شك ان يزيد كان المسؤول الاول عن مجزرة كربلاء، وكان مسوقاً الي ارتكابها بدافع من قصر النظر وعدم صحة الرؤية، فقد اثبت فشله الذريع في تبؤ مركز خطير كالخلافة ذلك المركز الذي بذل في سبيله معاوية كل امكانياته وصرف كل جهوده من اجل الحفاظ عليه. ها هو يزيد يكاد يقضي بتصرف ارعن علي كل انجازات ابيه برغم توصيات هذا الاخير له بعدم الصدام مع الحسين. [ صفحه 80] والواقع ان الدولة الاموية، لم تلبث ان اخذت تجتني ثمرة كربلاء بصورة غير متوقعة وبدت عاجزة عن صد تيار الثورة الذي عم مختلف مناطق الدولة.ففي الحجاز، كانت المدينة مسرحاً لاول انتفاضة ضد السيادة الاموية تحركها عوامل مختلفة اهمها ما يتعلق بالعزلة السياسية التي فرضها معاوية علي الحجاز منذ انتقال الخلافة الي البيت الاموي، وبنوعية العمال الذين انتدبتهم الدولة لحكم المدينة لا سيما عثمان بن محمد بن ابي سفيان وهو من عناصر البيت الاموي كان صغير السن، قليل التجربة [107] وهكذا فان عوامل التحلل والنقمة كانت متوافرة في الحجاز، ولكنها تنتظر المحرك والوقت الملائم.. فجاءت حادثة كربلاء تفجر المواقف وتطلق النفوس من عقالها.وقد حاول يزيد ان يتدارك الامر في المدينة عن طريق التلويح باغداق الاموال عليها حيناً، وبالتهديد احياناً اخري. ولكن موقف المدينة كان حاسماً ووصل قرارها في الثورة علي النظام الاموي نقطة اللارجوع. ففي المؤتمر الذي عقده زعماؤها في المسجد، اتخذ قرار بالاجماع، بخلع يزيد ومبايعة عبد الله بن حنظلة الانصاري الذي اصبح زعيم الثورة [108] والمسؤول عن تنفيذ مقررات المؤتمر وكان اولها [ صفحه 81] الهجوم علي عناصر البيت الاموي في المدينة، وكانوا مجتمعين بدورهم في منزل كبيرهم مروان بن الحكم، فطردوهم من المدينة كما طردوا عاملها الاموي، وبذلك غدت عاصمة الاسلام الاولي خارج اطار السيادة الاموية.ولم يقف يزيد الذي اصطبغت يداه بدم الحسين، موقف المتفرج علي احداث المدينة، وانما كان متصلباً، ومصمماً علي ضرب الثورة بمنتهي الشدة والقسوة، ويبدو ذلك واضحاً من خلال شخصية القائد العسكري الذي أوكل اليه مهمة القضاء علي ثورة الحجاز، وهو مسلم بن عقبة الذي يصفه المؤرخون، بأنه أحد جبابرة العرب [109] لصلافته وقسوته. ولم يخيّب مسلم أمل الخليفة به، فسرعان ما وصل بجيشه الي المدينة وضرب حولها الحصار. ولكن أهلها جابهوا الموقف بشجاعة وحفروا خندقاً [110] حول مدينتهم استعداداً لحرب طويلة وقاسية. غير أن استعدادات المدينة لم تكن كافية للوقوف أمام جيش متفوق في العدد والتنظيم والقيادة، فانتهت أحلامها الاستقلالية بالسقوط في موقعة الحرة (هجري /683 م) وبانتهاك مسلم حرمتها باباحتها لجنوده أياماً ثلاثة: «يقتلون الناس ويأخذون الأموال» [111] . [ صفحه 82] وهكذا كان تحرك المدينة، استنكاراً مباشراً لمقتل الحسين ورفضاً للسيادة الاموية التي حادت برأيهم عن الشرعية وانحرفت عن روح الاسلام. ولم يكن اخضاع المدينة معناه القضاء علي الثورة في الحجاز، لان رايتها انتقلت الي مكة التي شهدت تحركاً أكثر عنفاً وضراوة.وفي مكة بلغ التحرك بعداً أشد خطورة، باعلان عبد الله بن الزبير ثورته ورفضه الاعتراف بخلافة يزيد. وقد جاء توقيت هذه الثورة بعد سقوط الحسين في كربلاء، ليضعها في اطار التحرك العام الذي شمل المنطقة بكاملها استنكاراً للمأساة ورد فعل مباشر لها. والحق انه برغم ما كان لمقتل الحسين من تأثيرات علي هذه الثورة، الا اننا لا نستطيع أن نربطها بثورة الحسين والثورات الاخري التي كانت امتداداً لها. ذلك ان ابن الزبير كان يعد نفسه للثورة بمعزل عن الحسين وقبل أن يتحرك هذا الاخير الذي وقف عائقاً أمام طموحه الي السلطة، لان المكانة العظيمة التي احتلها الحسين في نفوس الجماهير، لم تدع أي مجال للمنافسة. ونتيجة لذلك كان علي ابن الزبير أن يتسلح بالصبر وأن يتصرف بذكاء الي أن يتبلور الموقف وتتوضح الامور وهو في نفس الوقت لا يألو جهداً في دفع الحسين للاستجابة الي نداء الكوفيين في الذهاب الي العراق واعلان الثورة من هناك علي خلافة يزيد.علي اننا نخطئ اذا انزلقنا في تصورنا لمدي تأثير [ صفحه 83] الحملة النفسية التي قام بها ابن الزبير ازاء منافسه الرئيسي الحسين لدفعه علي الخروج، لان هذا الاخير كان يعمل وفق خطة مرسومة وفي اطار من الحذر [112] وسلامة الرؤية. وكان يدرك جيداً ما وراء هذا التشجيع [113] لتحديد موقفه والاسراع في مغادرة الحجاز «لو كان لي في الكوفة مثل شيعتك ما عدلت عنها» [114] فوجوده في هذا الاقليم كان ثقيلاً علي ابن الزبير الذي «عرف ان أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه أبداً ما دام الحسين بالبلد وأن حسيناً أعظم في أعينهم وأنفسهم منه وأطوع في الناس منه» [115] انها حقيقة أدركها الحسين بكل أبعادها، ومع ذلك اتخذ الطريق الي العراق للقيام بمسيرته التاريخية، وهي الثورة علي «الظلم ودك صروح الطغيان»، واقامة مجتمع عادل متحرر من الطبقية والقهر والاستغلال [116] . [ صفحه 84] وفي نفس الوقت لم تكن الحجاز بنظر الحسين الارض الصالحة لحركة سياسية ناجحة، فقد أفسدها تطاحن الاحزاب وشراء الضمائر، واصرار معاوية علي ابقائها معزولة عن الاحداث، فعاشت في الظل نحو ربع قرن من الزمن، فضلاً عن قلة مواردها الاقتصادية [117] وعدم اكتفائها الذاتي الامر الذي كان يجعل من استمراريتها وحيدة في التصدي للنظام الاموي أمراً في غاية الصعوبة. لذلك كان العراق بضخامة موارده البشرية والاقتصادية، الارض الصلبة التي توفر الطمأنينة، وتجعل فرص النجاح أقرب الي التحقيق.لبث ابن الزبير معتصماً في المدينة المقدسة، يرقب من بعيد سير الاحداث، حتي جاءته الاخبار تنقل اليه مصرع الحسين في كربلاء، فلم يتردد في اتخاذ الموقف الذي كان يتوق الي اتخاذه وهو اعلان الثورة علي النظام الاموي والاستقلال بالحجاز، مستغلاً كما حدث في المدينة بشاعة المجزرة في تكتيل الجماهير الغاضبة حوله وتحريكها بشكل عاصف ضد الامويين قتلة الحسين، ولكن ثورته اختلفت عن ثورة المدينة بأن هذه الاخيرة انعكست عليها كربلاء بكل ما فجرته من غضب وحقد، بينما كان الطموح الشخصي [ صفحه 85] فقط هو جوهر الثورة التي قام بها ابن الزبير وأكثر سماتها بروزاً.واذا كانت قوات الخلافة الاموية قد تمكنت من حسم الموقف سريعاً في موقعة الحرّة التي انتهت بفشل ثورة المدينة، فان الموقف كان أشد حراجة في مكة قاعدة ابن الزبير التي أخذت تتوسع بعدئذ لتشمل الحجاز كله، ثم العراق ومصر. ذلك ان هذه القوات فقدت في الطريق قائدها الصلف متأثراً بشدة المرض وتقدم السن. فخلفه في القيادة بناء علي وصية من يزيد أحد معاونيه والمتفانين في خدمة النظام الاموي هو الحصين بن نمير السكوني [118] .وصل الحصين بن نمير بقواته الي مكة وضرب حولها الحصار، وأثبت في صلافته انه تلميذ متفوق لمسلم بن عقبة. أما ابن الزبير فقد تحصن في الكعبة وسد منافذ المدينة، وكان قد قوي مركزه حينئذ بما انضم اليه من الحلفاء كبعض الهاربين من موقعة الحرّة، وجماعة الخوارج النجدية [119] والازارقة [120] فضلاً عن المختار الثقفي الذي بدأ يبرز كشخصية قوية أثر التطورات السياسية التي رافقت كربلاء وتمخضت عنها. وازداد مركز ابن الزبير [ صفحه 86] قوة، حين أصبح المعارض الاول للنظام الاموي والرجل الذي يحظي بتأييد غالبية المسلمين، التي استنكرت اقدام جيش يزيد علي غزو مكة، واشتد سخطها حين أخذت مجانيق هذا الجيش ترمي بقذائفها الكعبة [121] مرتكبة أول عمل جريء من هذا النوع، سيظل يستثير حفيظة المسلمين علي مر الايام [122] وفي غمرة هذه الاحداث، تأتي الانباء ناعية يزيد، الذي ترك الخلافة الاموية لمصيرها الغامض. واذ ذاك توقفت العمليات الحربية في المدينة المقدسة (هجري)، ودخل القائد الاموي في مفاوضات مع ابن الزبير انتهت باجتماع الرجلين في (الأبطح) [123] لمناقشة الوضع السياسي العام. وقد حاول الحصين اقناع ابن الزبير بالذهاب الي الشام ومبايعته بالخلافة. ويبدو ان القائد الاموي أدرك ان الامور تتجه لمصلحة ابن الزبير، فأراد ان يخوض به معركة الخلافة في دمشق. ولكن هذا الاخير رفض عروض الحصين الذي سارع بالعودة الي عاصمة الخلافة ليكون علي مقربة من تطورات الاحداث فيها.والواقع ان استنكاف ابن الزبير عن الاستماع لنصيحة [ صفحه 87] الحصين في الذهاب الي دمشق، قد فوّت عليه فرصة عظيمة من فرص الوصول الي الخلافة. فقد شغر هذا المنصب بوفاة يزيد، واحتدم الصراع عليه بين أفراد الاسرة الحاكمة، والعاصمة الاموية في غمرة ذلك تبحث عن رجلها القوي دون جدوي لفترة غير قصيرة.ولا ريب ان غياب يزيد المفاجئ، قد أحدث بلبلة في مختلف أقاليم الدولة الاموية، وأخذ التحرك فيها يتصاعد ويحمل بعداً جديداً، ستحدد علي ضوئه موقفها من مسألة الخلافة بصورة عامة. وكان من الطبيعي في غمرة هذا الفراغ السياسي وهذا الجو المشحون بالتناقضات، أن يتباري الطامحون الي السلطة في استغلال المواقف وانتهاز الفرض لاستقطاب اكبر عدد من الناس حول قضيتهم. وكان العراق، الذي ما قبل يوماً السيادة الاموية الا مرغماً، المسرح الذي تمثلت فيه صورة الرفض لهذه السيادة وما تمخضت عنه من أحداث عنف واضطرابات متواصلة. فالبصرة التي عرف عنها بعض التحفظ في مواقفها العدائية من الحكم الاموي كان عليها هذه المرة أن تأخذ قرارها بسرعة، أما الاعتراف بخلافة ابن الزبير، الرجل الذي اتجهت اليه الانظار حينئذ كأقوي شخصية في العالم الاسلامي، واما المضي في خضوعها للسيادة الاموية التي يمثلها عبيد الله بن زياد. وقد اغتنم هذا الاخير [ صفحه 88] الفرصة فحاول أخذ البيعة لنفسه باسم الامويين، بانتظار ما يسفر عنه الموقف في دمشق، ولكن محاولاته فشلت وأرغم علي الخروج مطروداً من المدينة [124] .بايعت البصرة بعد ذلك، أحد رجالها، وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل [125] ولكنه فشل في مهمته، لان المدينة تحولت الي مسرح للفوضي، تعاني من التطاحن القبلي واشتداد ضغط الخوارج، وفشل أيضاً الذين جاءوا بعده [126] ، فكتب أهلها الي ابن الزبير يبايعونه ويطلبون اليه انتداب رجل يتولي الامر فيهم ويدفع عنهم خطر الخوارج [127] والواقع ان تدهور الموقف في البصرة وصل الي مرحلة بالغة الخطورة، الامر الذي دفع سكانها الي توحيد كلمتهم والاحتكام الي خليفة الحجاز، فلبي هذا الاخير طلبهم وبعث اليهم الحارث بن عبد الله بن ربيعة [128] فساعد كثيراً في اقرار السلام في تلك المنطقة، حتي اذا جاء مصعب بن الزبير بعد ذلك بقليل عاد الهدوء تماماً الي البصرة وتحدد موقفها بصورة واضحة. [ صفحه 89] وفي الكوفة، التي عاشت تحت وطأة التقصير والخذلان في أعقاب مصر الحسين، كان الموقف يزداد غلياناً، خاصة وأن الاسلوب الاموي التقليدي القائم علي الضغط والارهاب، نحو هذه المدينة المعروفة بميولها العلوية المتطرفة، لم يتغير ولم يطرأ عليه تعديل. فقد استمر التنكيل الاموي يتصاعد بعد كربلاء، وكان الأداة التنفيذية له، نائب عبيد الله بن زياد في الكوفة، عمرو بن حريث. ومن البديهي القول ان هذه المدينة، كقاعدة أساسية للحركة الشيعية، اختلفت في موقفها من النظام الاموي عن البصرة، فاذا كان موقف هذه الاخيرة قد امتزج ببعض التحفظ قبل أن تعلن قرارها الحاسم، فان الكوفة لم تكن بحاجة الي التردد، فقد اتخذت قرارها سريعاً وهو طرد عاملها عمرو بن حريث ممثل النظام الاموي فيها، وتولية عامر بن مسعود مكانه، ثم كتب أهلها الي ابن الزبير بشأن ذلك فأقر ابن مسعود في منصبه [129] ، وبذلك خرج العراق بكامله من السيادة الاموية وانضم الي ابن الزبير.اما في دمشق فان وضع الخلافة الاموية ازداد تحرجاً بتنازل خليفة يزيد، معاوية الثاني، عقب ظروف غامضة، مسدياً - دونما قصد - خدمة كبيرة لخلافة ابن الزبير. [ صفحه 90] فأدي ذلك الي نشوب أزمة سياسية عنيفة في دمشق واجهت النظام الاموي وكادت ان تقضي عليه [130] وتفاقم التطاحن بين القبائل حتي بلغ مرحلة من الخطورة بعيدة [131] فقد أيدت القبائل القيسية بزعامة الضحاك بن قيس الفهري وزفر بن الحارث الكلابي ابن الزبير، بينما ايدت القبائل اليمانية بزعامة حسان بن بحدل الكلبي [132] ، مروان بن الحكم الذي طرح نفسه كمرشح للخلافة والتف حوله المؤيدون لبني أمية وبايعوه [133] في مؤتمر الجابية سنة 64 هجري /684 م الذي عالج مسألة الخلافة والانقسامات في البيت الاموي. وكان هذا المؤتمر خطوة أولي ومهمة لاجتياز المحنة وخروج الخلافة من مأزقها. ثم كانت الخطوة الثانية والحاسمة عندما التقت جيوش المتنافسين في مرج راهط في معركة طاحنة انتهت بانتصار مروان وحلفائه من القبائل اليمانية، وهزيمة قاسية للقبائل القيسية، حلفاء ابن الزبير، ومقتل زعيمها الضحاك وثلاثة من أبناء زفر بن الحارث [134] . [ صفحه 91] وهكذا قدر للامويين الاحتفاظ بالخلافة وانتزاعها مرة ثانية بالقوة، بعد أن اوشكت علي الضياع والانتقال الي الحجاز. غير أن فرعاً آخراً أمسك بزمامها، هو الفرع المرواني الذي تقلدها حتي سقوط الخلافة الاموية [135] . [ صفحه 95]

التوابون (الشعور بالدنب والتقصير)

اشاره

عاد ابن زياد، المنفذ الرئيسي لمجزرة كربلاء، الي الكوفة يحمل في كفيه وزر الجريمة النكراء دون أن يرتعش لهولها او يدخل في روعه الندم. فقد كان مستعداً للسير في خدمة النظام الاموي، وهو أحد أركانه، بلا حدود، بعيداً عن أي التزام يتعدي المصلحة الخاصة أو المكاسب الشخصية. لذلك نجده يدخل الي المدينة التي كانت تمثل القاعدة الجماهيرية الاولي للحسين، والارض التي كان ينبغي أن تشتعل فوقها الثورة، متحدياً شامخاً، وكأنه ينتظر وسام البطولة. ألم يصل به الامر ذروة التحدي حين وقف علي منبر الكوفة في محاولة منه لتسويغ ما جري في كربلاء متهجماً علي الحسين وواصفاً اياه بالكذاب ابن الكذاب، وحين أمر بقتل أحد الكوفيين الذي انتقض عليه ورد علي التحدي بمثله [136] .وكانت الكوفة حينئذ أشبه ببركان عشية الانفجار، فهي أكثر من غيرها تتحسس ثقل الذنب ومرارة الندم، باعتبارها طرفاً مباشراً ومسؤولاً في قضية الحسين. فهي [ صفحه 96] التي ألحت عليه بالخروج الي ارض الثورة التي تتعطش الي قائدها المنتظر، ثم تقاعست في أحرج الظروف عن الالتزام بما وعدت به والوفاء بالعهد الذي قطعته علي نفسها. واذا كانت الاحداث التي تلاحقت بصورة مفاجئة بُعيد تحرك الحسين من الحجاز، قد حالت دون القيام بواجبها وتنفيذ مخططها المرسوم، فان ذلك لم يكن ليخفف عنها عمق المأساة لانها افتقدت بمصرع الحسين الشخصية الاكثر جدارة التي وضعت فيها الشيعة كل آمالها وطموحها للوصول الي الحكم.والواقع انه ليس من الصعوبة أن يتصور المرء وضع الكوفة في تلك الفترة القلقة من تاريخها، فقد كانت تتفاعل بالغضب ويحدق بها شعور بضخامة الاثم الذي غرقت فيه. وكان لابد من مخرج لهذه المحنة وتصحيح للموقف المتخاذل بآخر يجلو عنها بعض العار، ويخفف عن كاهلها شيئاً من فداحة الذنب. فالمدينة كانت معبأة بالحقد وتتفجر بالثورة ضد النظام الاموي، المسؤول عن مقتل الحسين. وعلي ذلك لم يكن صعباً علي أي زعيم او مغامر ان يكتّل المدينة بمعظمها ويقودها الي الثورة ورفع راية العصيان علي الامويين. ولكن الكوفة حينئذ برغم موجة السخط والتذمر التي شملت مختلف فئاتها، كانت تفتقر الي الموقف [ صفحه 97] المتجانس والرأي الموحد. فالتركيب البشري والسياسي للمدينة كانت تتوزعه ثلاث قوي رئيسية:1 - أنصار الثورة الذين يشددون علي اتخاذ موقف سريع وحاسم.2 - أنصار الثورة غير الايجابيين، وهؤلاء برغم حقدهم علي النظام الاموي، فان موقفهم كان متردداً وتعوزه الجدية.3 - أنصار السلطة القائمة، الذين كانوا علي استعداد للتعاون مع أي شكل من أشكال النظام السياسي في حدود حرصه علي مصالحهم وحمايته لها، وكان هؤلاء يمثلون طبقة ارستقراطية لها نفوذها التقليدي ومصالحها الخاصة وهم أساساً من كبار رؤساء القبائل او الاشراف كما كانوا يعرفون.تلك هي التركيبة البشرية والسياسية للمجتمع الكوفي كما كانت تبدو في أعقاب عودة ابن زياد وجنده من معسكره في النخيلة [137] بعد ارتكابه المجزرة، وكان ذلك مأساوياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ومشهداً مؤثراً لم تستطع جماعة الحسين التي كان مقدراً لها أن تشارك في ثورته، تحمله او السكوت عنه، ولذلك كان لا بد من التحرك والانتقام. [ صفحه 98] أخذ زعماء تلك الفئة المخلصة التي أطلقنا عليها «أنصار الثورة» وكان معظمهم من أصل يماني يجتمعون بعد مقتل الحسين مباشرة في اطار من السرية التامة ويعقدون مناقشات أشبه ما تكون بالنقد الذاتي لمحاسبة أنفسهم علي التقصير الذي أظهروه ازاء الحسين والتشاور علي كيفية التكفير عن الذنب وغسل العار الذي لحق بهم نتيجة هذا التخاذل. فقد جاء في الطبري: «لما قتل الحسين بن علي تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت انها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين الي النصرة وتركهم اجابته، ومقتله الي جانبهم ولم ينصروه. ورأوا انه لا يغسل عارهم والاثم عنهم في مقتله الا بقتل من قتله او القتل فيه» [138] . [ صفحه 99]

مؤتمر الزعماء الخمسة

تزعّم التحرك الشيعي حينئذ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين، المتقدمين في السن [139] الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية وهم: سليمان بن صُرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبه [140] الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي، وعبد الله بن وال التميمي، ورفاعه بن شداد البجلي [141] وكانوا جميعاً رفاق علي ومن أشد المؤيدين له [142] ومن خلال انتماءات هؤلاء الزعماء القبلية نلاحظ أنهم يتحدرون جميعاً من أصل يماني، علماً بأن القبائل اليمانية لم تنتظم بكاملها في هذه الحركة اذ غاب عنها عدد من أقطاب اليمانية مثل كندة ومذحج وهمدان، وقد عرف عن هذه الاخيرة بصورة خاصة تعصبها الشديد للقضية العلوية. [ صفحه 100] بدأ الزعماء الخمسة يمارسون نشاطهم في الخفاء ويبشرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الحزب الشيعي، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كل مكان، فكان ان أثمرت جهودهم وشكلوا منظمة سرية نواتها نحو مائة [143] من العناصر المتطرفة، لم تلبث أن تحولت الي منظمة كبري تحمل اسم التوابين، وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة علي حركة سليمان ورفاقه، وهي أصلاً منبثقة عن الآية الكريمة التي أصبحت الشعار الرئيسي لهم وهي: (فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) [144] .وكان الاجتماع الاول الذي ضم هؤلاء قد عقد في منزل سليمان بن صُرد الذي وصف بأنه صحابي جليل [145] وهذا يعطينا فكرة بأنه كان متقدماً في السن رفيع المكانة في مجتمعه، وربما كان لذلك اثر في تصدره هذه الحركة واحتلاله مركز الزعامة فيها. لان المناقشات التي جرت في هذا الاجتماع أظهرت أن المسيّب كان من أبرز الخمسة وألمعهم تفكيراً وأكثرهم عمقاً. وكان سليمان يعرف في [ صفحه 101] الاصل باسم يسار، ويقال ان النبي هو الذي أطلق عليه اسم سليمان بعد اعتناقه الاسلام [146] وقد هاجر في وقت مبكراً الي الكوفة وشارك في القتال الي جانب علي لا سيما في حروب صفين، وان كان قد تخلف عنه في يوم الجمل لاسباب غير واضحة تماماً، الامر الذي جعل علياً يلومه بشدة ثم يقبل عذره فيما بعد. ومما يثير الاهتمام ان علاقة سليمان بعلي وايمانه بقضيته كانت أكثر من مجرد تحالف عادي او مرحلي. فقد كان من أقرب أعوانه وأشدهم اخلاصاً. ويُستخلص هذا من المحاورة التي جرت بينهما اثر انتهاء معركة الجمل حين بادره علي بقوله: «تربصت وتنأنأت فكيف تري صنع الله؟ فأجابه سليمان: الشوط بطين وقد بقي من الامور ما تعرف به صديقك من عدوك» [147] وبعد وفاة علي ظل علي ولائه له حيث أظهر حماسة شديدة للحسين وكان من أوائل الذين كتبوا اليه من اجل التوجه الي الكوفة وتزعم ثورتها ضد النظام الاموي [148] .كان الاتجاه العام للمناقشات يدور حول التكفير عن الذنب والمخطط الانتقامي الذي يمكن أن يزيل عنهم الشعور بالاثم، وذلك في جو من الانفعال الشديد. والواقع انه لم يكن هناك شيء من برنامج الحركة الشيعية [ صفحه 102] السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي علي غرار ما ظهر قبل ذلك في ثورة الحسين او ما ظهر فيما بعد من ملامح في حركة المختار الثقفي. وكان أول المتكلمين في الاجتماع المسيّب بن نجبه الذي قال: (اما بعد، فانا قد ابتلينا بطول العمر والتعرض لانواع الفتن فنرغب الي ربنا الا يجعلنا ممن يقول له غداً أو لم نعمركم يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فان أمير المؤمنين قال العمر الذي اعذر الله فيه الي ابن آدم ستون سنة. وليس فينا رجل الا وقد بلغه. وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتي بلا الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن بنت نبينا. وقد بلغتنا كتبه، وقدمت علينا رسله، واعذر الينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً، وعلانية وسراً. فبخلنا عنه بأنفسنا حتي قتل الي جانبنا، لا نحن نصرناه بأيدينا، ولا جادلنا عنه بألسنتنا، ولا قويناه بأموالنا، ولا طلبنا له النصرة الي عشائرنا فيما عذرنا الي ربنا وعند لقاء نبينا صلي الله عليه وسلم وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله؟ لا والله لا عذر دون ان تقتلوا قاتله والموالين عليه، أو تقتلوا في طلب ذلك فعسي ربنا أن يرضي عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن) [149] ثم أنهي كلامه بتشديده علي توحيد الصفوف ودعوة رفاقه الي انتخاب رئيس يفزعون اليه ويأخذون برأيه [150] . [ صفحه 103] وتكلم بعد ذلك زعيم آخر هو رفاعة بن شداد، فأثني علي ما جاء في خطبة المسيّب وأوصي باتخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة، مؤكداً في الوقت نفسه علي الموضوع الرئيسي للاجتماع وهو التكفير عن الذنب اذ قال:(أما بعد فان الله قد هداك لاصوب القول ودعوت الي أرشد الامور والي جهاد الفاسقين والي التوبة من الذنب العظيم، فمسموع منك، مستجاب لك، مقبول قولك. قلت ولوا رجلاً منكم تفزعون اليه وتحفون برايته وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت، فان تكن أنت الرجل عندنا مرضياً وفينا منتصحاً وفي جماعتنا محباً وان رأيت ورأي أصحابنا ذلك ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم) [151] .وتعاقب علي الكلام عبد الله بن وال وعبد الله بن سعد فأيدا اقتراح رفاعة بتأمير سليمان الذي فاز بزعامة الحركة من منافسة المسيّب الذي بدا كأبرز المجتمعين في المؤتمر وظهر ميله الي تزعم الحركة حين كان الوحيد بين الخطباء الذي أغفل اسم سليمان بشأن الزعامة.وتكلم سليمان بن صُرد وكان قد أصبح زعيماً [ صفحه 104] للحركة مشيراً الي عظم الرزء وضخامة المأساة، ومشدداً علي النهوض لغسل الاثم والتكفير عن فداحة الذنب والسعي في طلب الشهادة «انا كنا نمد أعناقنا الي قدوم آل نبينا، ونمنيهم بالنصر، ونحثهم علي القدوم. فلما قدموا ونينا، وعجزنا، وأدهنا، وتربصنا، وانتظرنا ما يكون، حتي قتل فينا ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه... الا انهضوا، فقد سخط ربكم، ولا ترجعوا الي الحلائل والابناء حتي يرضي الله وما أظنه راضياً حتي تناجزوا من قتله او تبيروا. الا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل. كونوا كالاول من بني اسرائيل، اذ قال لهم نبيهم: انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم» [152] .والواقع ان هذه الخطبة الخطيرة وضعت الحركة موضع التنفيذ وجاءت بمثابة برنامج عام لها حيث تناولت النقاط التالية:1 - الشعور بهول المأساة وفداحة الاثم.2 - الاسراع باتخاذ موقف انتقامي من المسؤولين عن مقتل الحسين سواء الامويين ام المتواطئين معهم.3 - تجسيد فكرة الاستشهاد بالتنازل عن الاملاك واعتزال النساء. [ صفحه 105] 4 - الالحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.ومن خلال هذه المناقشات التي شهدها مؤتمر الزعماء الخمسة، تلاحظ انها دارت حول فكرة رئيسية هي التكفير عن الذنب، وهذه الفكرة لها جذورها البعيدة في المجتمعات العراقية الغابرة، وأصولها القديمة في ديانات ما بين النهرين، فضلاً عن الديانة المسيحية التي تسربت الي هذه المنطقة قبل مجيء العرب اليها. ولا ندري اذا كان التوابون قد تأثروا في هذا المجال بهذه الجذور التاريخية، ام ان ذلك شيء أصيل وذاتي فيهم، زاده بلورة تلك التجربة المريرة التي عاشوها في أعقاب مصرع الحسين.انتهي المؤتمر ملتزماً بهذه المقررات الحاسمة، وملتزماً بزعامة سليمان بن صُرد أكبر الزعماء الخمسة سناً وأسبقهم في الاسلام وأوثقهم علاقة بعلي وأسرته، وكذلك أرفعهم شأناً في مكانته القبلية. وليس ثمة شك ان هذا الاختيار كان موفقاً وفي صالح الحركة، لان سليمان كان طرازاً فريداً بين رجالات الكوفة، شديد الايمان بالقضية التي رفع شعارها، مقتنعاً بضرورة الاخذ بمبدأ العنف لتصعيد حركة النضال الشيعي ضد أعدائها الامويين. «اتخذوا السيوف وركبوا الاسنة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل حين تدعوا وتستنفروا» [153] . [ صفحه 106] فلم يكن هو، أو أحد من رفاقه ساعياً وراء مطلب خاص او مكسب شخصي، وانما كانوا طلاب قضية عامة هدفها اولاً الانتقام للحسين رأس الحركة الشيعية ورائدها في تحقيق أمانيها السياسة، وثانياً ازاحة الامويين من السلطة في الكوفة وتحويلها الي قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود مختلف أقاليم الدولة. وهذا يظهر بكل وضوح أن جماعة التوابين لم يطلبوا السلطة للتحكم، بل لتنفيذ مبدأ عام هو الاسلام. وكان بنظرهم السكوت عن ذلك وتخليهم عنه، يعتبر خيانة لقضيتهم، وتخلياً عن حق شرعي، وخرقاً لعهد الهي. ومن المهم هنا أن نشير الي ان هذه المبالغة في نكران الذات، وطرح هذه الافكار المثالية، كانا بدون شك سبب ذلك الاخفاق المتواصل للحركات الشيعية والعامل الذي ساعد النظام الاموي علي تصفيتها بكل سهولة. [ صفحه 107] وليس من باب الصدفة فقط ان يتولي قيادة هذه الحركة خمسة من الشيوخ اصغرهم قد نيف علي الستين [154] ولعل الباحث هنا يجد مدخلاً للتعرف الي جمهور الحركة ولتحديد الجيل الذي استمدت منه عناصرها بشكل عام. والارجح ان التوابين - لا سيما الذين تابعوا الشوط حتي آخره - قطعوا خريف العمر او كادوا. وهؤلاء تتجسد لديهم فكرة التوبة عادة اكثر من العناصر الشابة. ثم ان حركة من هذا النوع، اقتصر مضمونها علي التضحية والغفران الا تجتذب جمهور الشبان الملتزمين بخط سياسي واضح والمؤمنين بالتغيير. وهذا ما يفسر انصراف عدد من الزعماء الشبان في الكوفة عن هذه الحركة، كابراهيم الاشتر مثلاً الذي وجد فيها مضموناً ساذجاً وتحركاً في غير أوانه.ولا شك ان هذا التجانس النوعي في صفوف التوابين كان له بعداً خاصاً كرس أكثر فأكثر مفهوم التضحية والفداء. فهؤلاء لم يجزعوا كثيراً علي ما تبقي من العمر بعد ان بلغوا الارذل منه وقطعوا حبل سنواته العجاف. [ صفحه 109]

الاتصالات

سارت الحركة في اتجاه عملي، محافضة علي سريتها التامة التي استمرت طيلة خلافة يزيد الاول [155] ، وهي فترة حاسمة دأب فيها التوابون بكل امكاناتهم علي تعبئة المقاتلين وجمع الاسلحة واستمالة الناس [156] ، واتفقوا علي ان يعقدوا لقاءات دورية لتقويم النشاطات التي قاموا بها والانجازات التي حققوها، ومن ثم لتحديد موعد للخروج واعلان الثورة. واستقر الرأي أخيراً علي أن يكون التجمع في النخيلة [157] في نهاية ربيع الآخر من سنة 65 للهجرة [158] .كانت أولي الخطوات التنفيذية التي قام بها سليمان، هي محاولة استقطاب زعماء الكوفة واستمالة أكبر عدد من جماهيرها، والكتابة الي رجالات الحزب الشيعي في البصرة والمدائن وسواهما من المدن العراقية. وكانت هذه [ صفحه 110] الاتصالات تتضمن المفاهيم العامة للحركة ومنطلقاتها، ثم الدعوة الي المشاركة في مؤتمر النخيلة المذكور [159] فقد كتب أمير التوابين الي عامل المدائن، سعد بن حذيفة بن اليمان:«اما بعد، فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفاً، وأقبل منها ما كان منكراً وأصبحت قد تشنأت الي ذوي الالباب وأزمع بالترحال منها عباد الله الاخيار وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقي بجزيل مثوبة عند الله لا يفني. ان أولياء الله من اخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لانفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دُعي فأجاب ودعا فلم يُجب، وأراد الرجعة فحبس وسأل الامان فمنع وترك الناس فم يتركوه وعدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه وجردوه ظلماً وعدواناً وغرة بالله وجهلاً... فلما نظروا اخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي واسلامه وترك مواساته والنصر له خطأ كبيراً ليس منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه او قتلهم حتي تفني علي ذلك أرواحهم» [160] .كان وقع هذا الكتاب مؤثراً جداً علي شيعة المدائن، خاصة وأن عدداً من الكوفيين قد نزحوا اليها [161] ، وهؤلاء [ صفحه 111] ظهروا شديدي الحماس للاستجابة الفورية الي دعوة التوابين. وما لبث ان جاء الرد ايجابياً من عامل المدائن وشيعتها والاستعداد الكامل للتحرك في اليوم الموعود الي النخيلة «اما بعد، فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا اليه من الامر الذي عليه رأي الملأ من اخوانك، فقد هُديت لحظك ويُسرت لرشدك، ونحن جادون، مجدون، معدون، مسرجون، ملجمون ننظر الامر ونستمع الداعي فاذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج ان شاء الله» [162] .وكان سليمان قد أرسل نسخة ثانية من كتابه الي المثني بن محربة العبدي في البصرة لكسب تأييده مع الشيعة هناك [163] فأجابوا جميعاً الي دعوته. وقد جاء في رد المثني «قرأت كتابك وأقرأته علي اخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك، فنحن موافوك ان شاء الله للاجل الذي ضربت وفي الموطن الذي ذكرت» [164] وبذلك أخذت دعوة التوابين تتسع في أوساط الناقمين علي الحكم الاموي والمطالبين بدم الحسين، وتستجيب لها الجماهير بحماسة ملتهبة «فكان يجيبهم القوم بعد القوم، والنفر بعد النفر من الشيعة وغيرها» [165] .

بدء التحرك و ظهور المختار

ظلت هذه الحركة تعمل في اطار من السرية، كما أشرنا، حتي جاء الخبر بوفاة الخليفة يزيد وبعده بقليل ابنه معاوية الثاني في ظروف لازالت غير واضحة تماماً. وقد سبب ذلك أزمة حكم قاسية في عاصمة الخلافة الاموية لم تخرج منها الاسرة الحاكمة الا بصعوبة... (وقد ذكرنا ذلك في فصل سابق وتطرقنا الي الظروف المحلية والخارجية التي عصفت بالحكم الاموي وكادت أن تطيح به). وبوصول أخبار التطورات السياسية في دمشق الي الكوفة غمر هذه الاخيرة جو من الارتياح، نابع عن التشفي بموت الخليفة المسؤول الاول والرئيسي عن مقتل الحسين، وعن شعور متفائل باحداث بعض التغييرات في صورة الحكم، فضلاً عما توفر من امكانيات أمام التوابين للقيام بنشاطهم العلني وخروج دعوتهم الي حيز التنفيذ والمباشرة. حتي أن بعضهم نصح باستغلال الموقف المتدهور في الشام [166] . [ صفحه 113] واستباق الموعد الذي حددوه للتحرك. غير أن حكمة سليمان وبُعد نظره حالاً دون تنفيذ هذه الرغبة، لان الدعوة لم تكن قد رسخت جذورها بعد، لا سيما في الكوفة التي افتقرت الي التجانس ووحدة الموقف. ويبدو ان أكثر ما كان يخشاه سليمان ويتحسب له، هي تلك الفئة الانتهازية من الكوفيين، الممالئة دائماً للنظام الحاكم، التي عرفت بالاشراف [167] حتي أننا نجد ان سليمان كان يصورها بأنها العدو الشرس للثورة والخصم الذي يجب التعامل معه بمنتهي الحيطة والحذر. «رويداً لا تعجلوا، اني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت ان قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة وهم المطالبون بدمه، ومتي علموا ما تريدون وعلموا انهم المطلوبون كانوا أشد عليكم» [168] .وكان الابقاء علي موعد التحرك بدون شك في صالح الحركة التوابية، اذ أن الاستجابة البشرية تضاعفت بعد موت يزيد [169] وما أحدثه من ارباك في نظام الحكم، وساعد علي ذلك انتقال الحركة من مرحلة السرية والعمل تحت جنح الظلام الي دور النشاط العلني والمجاهرة الصريحة. [ صفحه 114] ولقد تحولت الكوفة حينئذ الي مركز حيوي للنشاط السياسي بمختلف مظاهره وأبعاده. وما لبثت الاحداث أن أخذت تتلاحق بسرعة مذهلة لتترك بصماتها علي المجتمع الكوفي بصورة عامة. ففي خلال السنة التي امتدت من وفاة يزيد الي اعلان التوابين ثورتهم في النخيلة، تمخضت الكوفة عن أمور في غاية الخطورة، لابد من التوقف عندها لنشير باختصار الي أكثرها فاعلية وأشدها تأثيراً في تاريخ تلك الفترة.والواقع ان الكوفة سارعت الي تحديد موقفها من النظام الاموي والخروج عليه كما سبق أن ذكرنا. فقد أعلنت الثورة في المدينة وهاجم الكوفيون دار الامارة وطردوا ممثل ابن زياد [170] الذي كان يقيم في البصرة وتعرض بدوره لحركة مماثلة. وقد أعقب ذلك فترة قصيرة من الفراغ في السلطة الي أن جري تسليم الحكم الي رجل اتفق عليه أشراف الكوفة وزعماؤها، وهو عامر بن مسعود [171] الذي ما لبث ان دان بالولاء لعبد الله بن الزبير حيث تمكن في تلك الاثناء من توطيد مركزه في العراق. ولم يكن هذا الاجراء عائداً الي اقتناع الكوفيين بسلامة هذا الموقف، وانما كان ضرورة اقتضتها المصلحة ليس أكثر. فالاشراف من جهة [ صفحه 115] هم الذين يبدو أنهم شغلوا دوراً بارزاً [172] في حركة التمرد هذه، بعد أن أدركوا ان رياح الثورة الحجازية بدأت تهب بشكل عاصف علي العراق، فسارعوا الي التودد لابن الزبير ابتغاء لضمان مصالحهم السياسية والاقتصادية، واستمراراً لها. وأظهر زعماء الحزب الشيعي من جهة ثانية استنكافهم عن تسلم الحكم برغم توفر فرص النجاح حينئذ، لان عناصر الثورة أرادت المسير وفقاً للخطة التي تم وضعها وتدور حول هدف محدد وثابت هو الانتقام، وكان في ذلك تأكيداً علي التجرد والمثالية والالتزام بالمبدأ.. هذه الافكار تشربها التوابون بكل عمق الايمان، وانعكست علي حركتهم، فطبعتها بطابع مميز وفريد.وبسرعة غير متوقعة انتقل العراق الي سيادة الحزب الزبيري وغدت الكوفة مرتبطة بثورة الحجاز التي انتفضت علي النظام الاموي وهزت دعائمه بعنف، وتقبّل شيعة الكوفة هذه السيادة الجديدة، ولكن بفتور وبشيء من التحفظ. فهي بنظرهم انقلاب علي النظام الذي مجوه وعارضوه طويلاً.. غير أن العداوة المشتركة التي وحدت مشاعر الطرفين ضد الامويين، لم تمنع الحركة التوابية من رفض الاعتراف بالحزب الزبيري كبديل مثالي للسيادة الاموية. [ صفحه 116] وفي تلك الاثناء كان ابن الزبير يعمل علي تأكيد سلطته في الاقاليم التي خضعت له بعد أن أصبح الرجل القوي في العالم الاسلامي. وأخذ عماله الذين انتدبهم لادارة هذه الاقاليم يصلون تباعاً. ففي الكوفة التي يهمنا الوقوف علي التطورات السياسية فيها عشية خروج التوابين، أرسل اليها اثنين من عماله أحدهما اختص بشؤون السياسية والحرب هو عبد الله بن يزيد الانصاري [173] ، وثانيهما انصرف الي شؤون الادارة والخراج وهو ابراهيم ابن محمد بن طلحة [174] ، حفيد الصحابي المعروف طلحة بن عبيد الله. وانتهت بذلك تلك الفترة الانتقالية التي تولاها باسم الحزب الزبيري، عامر بن مسعود، لتصبح الكوفة احدي ولايات الخلافة الزبيرية.ولم تقتصر أحداث الكوفة علي هذه التغييرات السياسية المهمة، وانما شهدت أحداثاً أخري علي قدر كبير من الخطورة، كادت أن تمزق الجبهة الشيعية، وان تبعثر قواها، وذلك بظهور أحد المغامرين بصورة فجائية في الكوفة حينئد، هو المختار بن ابي عبيد الثقفي [175] وكان هذا الاخير شخصية مثيرة دار حولها كثير من الجدل، [ صفحه 117] فقد ارتبط منذ نشأته بالحركة الشيعية وتربي في وسط شيعي مشبع بالاخلاص والحب لعلي وأبنائه [176] ، ثم أعد نفسه ليكون أحد أركان الثورة التي كان مقدراً أن يقودها الحسين، حيث سبق هذا الاخير الي الكوفة ليشارك في تهيئة المناخ الملائم للثورة، ولكن عامل العراق الاموي قبض عليه وأودعه السجن مع عدد من الزعماء الشيعيين [177] وظل في سجنه حتي أفرج عنه بعد توسط صهره عبد الله بن عمر لدي الخليفة يزيد [178] فغادر الكوفة الي الحجاز وفي نفسه حقد لا يوصف ضد الامويين وعاملهم ابن زياد [179] ولهذا لم يتردد في الاشتراك مع ابن الزبير في ثورته التي وجد فيها بعض أهدافه وهي العمل علي مقاومة النظام الاموي بدون هوادة. غير أن الانجسام لم يستمر طويلاً بين الرجلين، فالمختار كانت له مطامحه السياسية واحلامه الاستقلالية، لذلك ما لبث ان زهد بدور التابع لابن الزبير وقفل عائداً الي الكوفة بعد أن سمع بطرد ابن زياد من العراق، فقد كانت الكوفة علي الدوام قبلة طموحه ووجد انها الارض الملائمة لتحقيق هذا الطموح.. وقد بلغ من اهتمامه بها انه كان يستفسر عن احوالها من الوافدين الي [ صفحه 118] الحجاز، حيث حدثه أحدهم [180] عن أهلها بقوله: «انهم في صلاح واتساق علي طاعة ابن الزبير، الا ان طائفة من الناس اليهم عدد أهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم علي رأيهم أكل بهم الارض الي يوم ما [181] فأجابه المختار: «أنا ابو اسحق، أنا والله لهم، أنا أجمعهم علي مر الحق، وأنفي بهم ركبان الباطل وأقتل بهم كل جبار عنيد» [182] .وهكذا جاء المختار الي الكوفة، تتجاذبه أحلام السيادة والتحكم علي المدينة بسهولة ويسر، معتمداً علي تردد شيعتها من حكومة ابن الزبير، ومحاولة استقطابهم عن طريق شعار الثأر للحسين وهو نفس الشعار الذي طرحه التوابون، وتبعتهم جماهير الكوفة الشيعية من أجله. ولكن المختار اختلف عنهم بأنه ذهب الي أبعد من الانتقام والتكفير عن الذنب، الي السعي لاستلام الحكم [183] وهو أمر رفضه التوابون. ولكي يزيد حجته تسويغاً، ويضفي علي حركته نوعاً من الشرعية، زعم أن [ صفحه 119] أحد زعماء الاسرة العلوية [184] أرسله للدعوة باسمه في الكوفة.ولكن محاولات المختار لاستقطاب شيعة الكوفة تحت زعامته لم تصادف ما كان يتوقع لها من نجاح، لان فئة قليلة فقط استهوتها شخصية المختار واقتنعت بدعوته، بينما ظلت الاغلبية علي تأييدها لابن صُرد [185] ، ولم تتأثر بالحملة الدعائية الواسعة التي أحاط بها نفسه وهو في طريقه الي الكوفة وبعد وصوله اليها حتي انها شككت بصحة ادعائه عن علاقته بمحمد بن الحنفية [186] ولما أدرك ان معركته مع سليمان معركة خاسرة أخذ يصعد حملات التشهير ضد هذا الاخير متهماً اياه بقصر النظر وعدم الكفاءة لقيادة الثورة الشيعية الهادفة الي الانتقام من قتلة الحسين «ان سليمان ليس له بصر بالحرب، ولا تجربة بالامور، وانما يريد أن يخرجكم فيقتلكم ويقتل نفسه، وأنا أعمل علي مثال قد مثل لي، وأمر قد بين لي، فيه عز وليكم وقتل عدوكم وشفاء صدوركم، فاسمعوا قولي وأطيعوا أمري» [187] . [ صفحه 120] هذه الحملة النفسية التي قام بها المختار، لم يكن لها كبير أثر علي جماعة التوابين الذين بلغوا من الاندفاع حداً بعيداً، وأصبح من المستحيل عليهم، التراجع أو التوقف عن الهدف الذي اقتنعوا به وآمنوا كل الايمان. وعلي العكس من ذلك فان نشاط المختار انقلب عليه، واشتدت مخاوف السلطة وأنصارها من تحركاته، حتي أن زبانية الحكم التي انتقل ولاؤها بسرعة مذهلة من النظام الاموي الي نظام ابن الزبير، ثقل عليها وجود المختار في الكوفة فشكا نفر [188] منها خطورة هذا الرجل الي عاملي المدينة بقوله: «ان المختار أشد عليكم من سليمان بن صُرد. ان سليمان انما خرج يقاتل عدوكم ويذله لكم وقد خرج عن بلادكم، وان المختار انما يريد أن يثبت في مصركم، فسيروا اليه واوثقوه في الحديد وخلدوه في السجن حتي يستقيم أمر الناس» [189] .وهكذا انتهي أمر المختار سجيناً في الكوفة، ينتظر مرة أخري من وراء قضبان السجن ما تؤول اليه الامور وما تسفر عنه الاحداث.. ولعله أدرك ان الفرصة ستلوح له من جديد بعد التخلص من منافسة زعيم التوابين، حيث [ صفحه 121] كان يتوقع الفشل الذريع لحركة هذا الاخير، فتخلو له الساحة حينئذ ويصبح الزعيم المنتظر لشيعة الكوفة. ولهذا لم يعد يتورع عن التصريح بين الحين والآخر، مباركاً التحرك الذي يقوده سليمان والحث علي اعلان الثورة والخروج من الكوفة. وفي سجنه كان المختار لا ينفك يردد علي مسامع زائريه انه لن يتخلي مطلقاً عما سعي اليه وجاء من أجله، أو يتوقف لحظة عن السير في حملته الانتقامية، التي كانت عصب دعوته الرئيسي في معاقبة المسؤولين عن دم الحسين، والمضي في ملاحقتهم أياً كانوا وفي أي أرض ذهبوا اليها «أما ورب البحار، والنخيل والاشجار، والمهامة والقفار، والملائكة الابرار، والمصطفين الاخيار، لاقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار في جموع من الانصار ليسوا بميل اغمار ولا بعزل أشرار. حتي اذا أقمت عمود الدين وزايلت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر أولاد النبيين، لم يكبر علي زوال الدنيا ولم أحفل بالموت اذا أتي» [190] .فاز سليمان اذا في معركة الزعامة الشيعية ضد هذا المغامر الدخيل، الذي قدم من الحجاز باحثاً عن الزعامة ومتعطشاً الي السلطة. وفي تلك الاثناء كانت الحركة التوابية تدخل مرحلتها الحاسمة والصعبة، وكان زعماؤها [ صفحه 122] يصعّدون الجهود ويركزون الحملات الاعلامية عبر اتجاهين رئيسيين. أولاً: عن طريق التبشير بأفكار الدعوة [191] والمفهوم الحقيقي للتحرك. وثانياً: عن طريق القيام بعروض شبه عسكرية والتجوال في شوارع الكوفة وأسواقها مع سواها من المدن [192] لاستثارة الجماهير واجتذاب أكبر عدد من المتطوعين للحركة.كانت سنة خمس وستين للهجرة (684م) قد حلّت، وفي هذه السنة خرجت حركة التوابين من محتواها التخطيطي واطارها التبشيري الي مرحلة التنفيذ الحاسم. فلم يعد يفصلها غير شهور قليلة عن موعدها الفاصل الذي حددته لانطلاقتها من (النخيلة). ومعني ذلك أن الفئات الشيعية التي التزمت مبدئياً بالحركة، كان عليها أن تبادر الي تحمل مسؤوليتها بالسرعة الممكنة. ولكن الذي حدث ان عدد المنتمين فعلياً الي الحركة حينئذ كان لا يزال قليلاً [193] ، [ صفحه 123] بينهم الكثير ممن يعوزهم الانضباط والقناعة. وكان أشد التوابين ارتباكاً بهذه النتيجة وأكثرهم انزعاجاً هو زعيم الحركة الذي وجد ان هذا العدد [194] لا يتناسب مع حجم القضية التي يقاتلون في سبيلها. وكان لابد من تصعيد لعمليات الدعاية من أجل استقطاب المزيد من المؤيدين.. ومن الشعارات التي كثر تردادها حينئذ: «من أراد الجنة فليلتحق بسليمان في النخيلة».. «من أراد التوبة فليلتحق بسليمان» [195] الي غير ذلك من الشعارات التي لم تخرج عن اطار الغفران والتكفير عن الذنب.ولقد أعطت هذه الحملة بعض ثمارها ولاقت قدراً من التجاوب، ولكن المسألة لم تكن في تجمع المؤيدين في أسواق الكوفة [196] بل فيمن يمتلك القدرة علي الصمود والاستمرار عندما ترفع راية الحرب ويتعالي صورت النفير، وهؤلاء لم يتجاوز عددهم في بادئ الامر الالف مقاتل، ثم ارتفع هذا العدد مع تصعيد الحملات الدعائية الي نحو أربعة آلاف مقاتل [197] كانوا جميعاً مستعدين [ صفحه 124] للمسير حتي نهاية الشوط والاشتراك الفعلي في حرب الامويين.واذا أردنا تفسير هذا التجاوب المحدود لحركة التوابين عندما بدأت تحركها الجدي، فانه يعود بدون ريب الي جو الكوفة المشحون حينئذ بالبلبلة والصراعات السياسية بعد خضوعها للحزب الزبيري. فقد كان السواد من الناس في حالة ترقب وانتظار ما تسفر عنه الاحداث.. فضلاً عن خلخلة الموقف علي صعيد الجبهة الشيعية بمجيء المختار الي الكوفة وتأثيره علي نفر من الشيعة الذين غادروا معسكر سليمان وانضموا اليه [198] كذلك فان حركة التوابين كحركة مثالية، مجردة من أي هدف سياسي معين، كان هدفها الرئيسي هو الانتقام للحسين والموت في سبيله.. وهذا ما يمكننا أن نعزو اليه ضعف الاستجابة نوعياً، والقلة العددية التي شاركت بصورة فعالة في حركة التوابين.ولقد سبق التحرك العسكري، انعقاد مؤتمر لزعماء التوابين لبحث الموقف العام وتوزيع المسؤوليات علي العناصر القيادية ومناقشة اقتراحاتها حول كيفية التحرك والخطوات التمهيدية اللازمة. وكان هناك اتجاه علي [ صفحه 125] رأسه عبد الله بن سعيد بن نفيل [199] نحو القيام بعمليات انتقامية داخل الكوفة تستهدف بعض الاشراف المتهمين بتواطئهم مع النظام الاموي، ولكن سليمان رفض هذا الرأي وأصر علي أن الهدف اولاً هو رأس عبيد الله بن زياد [200] الذي بات المسؤول الاول بعد موت يزيد بن معاوية، ثم تأتي بعد ذلك مسألة الكوفة وأشرافها «ان الذي قتل صاحبكم وعبّي الجنود اليه، وقال لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضي فيه حكمي هذا الفاسق ابن الفاسق عبيد الله بن زياد، فسيروا الي عدوكم مع الله، فان يظهركم الله عليه رجونا أن يكون من بعده أهون شوكة منه ورجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم في عافية فتنظرون الي كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه ولا تغشموا، وان تستشهدوا فانما قاتلتم المحلين وما عند الله خير للابرار لأحب أن تجعلوا حدكم وشوكتكم بأول المحلين. ولو قاتلتم أهل مصركم ما عدم رجل ان يري رجلاً قد قتل أخاه وأباه وحميمه او رجلاً لم يكن يريد قتله. فاستخيروا الله وسيروا» [201] . [ صفحه 126] ومن الواضح ان المنطق وبعد النظر يتجليان في موقف زعيم التوابين الذي لم يرد لحركته ان تخفق في مكانها في الكوفة، لان ذلك سيثير بدون شك حساسيات قبلية وسيفجر صراعات داخلية، وبالتالي سيؤدي الي استهلاك الحركة بدون طائل.وبعد تشاور، رأي زعماء الحركة ان قتلة الحسين موزعون في أنحاء الارض، وليس سهلاً أن تطالهم سيوف التوابين كما يتصور البعض. لذلك ارتأوا أخيراً أن تكون الشام (قاعدة الطغيان) هدف حملتهم العسكرية التي يعدّون لها.. فهي مركز السلطة الاموية، المسؤولة قبل أي أحد عن قتل الحسين. وفي رأيهم ان النظام هو الذي ينبغي أن يحاسب وليس الاشخاص [202] لان هؤلاء كانوا فقط الأداة التي نفذت الاوامر وقامت بما طلب منها خير قيام. [ صفحه 127]

التحرك

بعد أن توفر للتوابين هذه المعطيات، خطوا خطوتهم العملية الاولي علي طريق الانتقام والتكفير عن الذنب، فغادروا الكوفة ليلة الجمعة في الخامس من ربيع الثاني سنة 65 هجري / التاسع عشر من تشرين الثاني سنة 684 م، ووجهتهم (النخيلة) المكان الذي ستلتقي فيه وفود المتطوعين الذين تعاهدوا علي الالتحاق باخوانهم في الموعد المحدد.وبعد اقامة سليمان ورفاقه أيام ثلاثة [203] في المعسكر، لم تكن الاستجابة في المستوي المقدر لها، وانخفض العدد الذي التزم بالخروج مع زعيم الحركة الي الربع تقريباً، حيث قدر ان آخر ما وصل اليه تجمع التوابين في النخيلة لم يتجاوز الاربعة آلاف مقاتل [204] ، وربما انخفض الي ثلاثة آلاف وثلاثمائة مقاتل ابان المعركة الفاصلة [205] . [ صفحه 128] وكان من أبرز المتخلفين شيعة المدائن والبصرة [206] فضلاً عن تخلف عدد غير قليل من شيعة الكوفة..وما كان لعزوف الكثيرين عن تلبية دعوة سليمان في (النخيلة) أي تأثير علي معنويات زعماء الحركة او أي انعكاس علي عزائمهم الثابتة. فقد بلغ بهم الايمان حداً جعلهم لا يفكرون الا بالهدف الذي خرجوا من أجله، ولن يعيقهم عن تحقيقه عائق مهما بدت الطريق اليه صعبة وشائكة. وما أروع ما جاء في خطاب سليمان، في تلك الفترة الحرجة التي لا يصمد فيها سوي اصحاب الايمان، متحدثاً عن محتوي الهدف الذي هم سائرون لتحقيقه: «ايها الناس فان الله قد علم ما تنوون، وما خرجتم تطلبون، وان للدنيا تجاراً وللآخرة تجاراً. فأما تاجر الآخرة فساع اليها منتصب بتطلابها لا يشتري بها ثمناً لا يُري الا قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، لا يطلب ذهباً ولا فضة، ولا دنيا ولا لذة. واما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع فيها لا يبتغي بها بدلاً. فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيراً علي كل حال وتقربوا الي الله جل ذكره بكل خير قدرتم عليه حتي تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه، فانكم لن تتوسلوا الي ربكم بشيء هو اعظم [ صفحه 129] ثواباً من الجهاد والصلاة، فان الجهاد سنام العمل جعلنا الله واياكم العباد الصالحين والمجاهدين الصابرين علي اللأواء. وانا مدلجون الليلة من منزلنا هذا ان شاء الله فأدلجوا» [207] .كان لهذه الخطبة تأثيرها الجلي في نفوس التوابين، وفي تهيئة المناخ المثالي والملائم للبدء في عملية التنفيذ... واطمأن سليمان في أعماقه وأيقن ان القوم في (النخيلة) سائرون معه دونما تردد. فغادروا جميعاً المعسكر متخذين طريق كربلاء حيث قبر الحسين حاملين اليه آلامهم بكل تفجعها وذنوبهم وقد بلغت من الثقل حداً لا يطاق... وأي لقاء سيكون أشد ايلاماً وأقسي مرارة من لقاء التوابين بالحسين، لقاء المذنب المستغفر في حضرة صاحب الشفاعة، لقاء المتخاذل عن نصرة الحق في مقام شهيد الحق. كان ذلك مواجهة مباشرة مع الذنوب، مع الخطايا، مع الضمير الذي استفاق.. مواجهة تجلت فيها ضخامة المأساة، وقتلت لديهم كل احساس بالكبرياء ورغبة في العيش، وفوق ذلك كان تجمعهم حول قبر الحسين، جزءاً من التحرك الذي حانت ساعة تنفيذه... فهو لن يقتصر علي الانفعالات وطلب الغفران، وانما كانت له [ صفحه 130] أيضاً أبعاده السياسية لتكريس الميثاق الذي التزموا به، ووضع أنفسهم في أجواء الشهادة التي بلغت أسمي درجاتها البطولية مع سقوط الحسين في كربلاء.وقد يذهب بنا الخيال بعيداً الي ذلك الزمن، وينقلنا الي تلك الارض، فنتصور رهبة اللقاء وضجيج التوابين وهم يدورون حول قبر الحسين، ينشدون بصوت موحد نشيد الغفران والتوبة، ويهزجون بايمان عميق اهزوجة الموت والشهادة: «اللهم انا خذلنا ابن بنت نبينا، وقد أسأنا وأخطأنا، فاغفر لنا ما قد مضي من ذنوبنا، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم. اللهم ارحم الحسين، الشهيد ابن الشهيد وارحم اخواننا الذين حصنّوا أنفسهم معه بالشهادة. اللهم ان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» [208] .وفي اثناء ذلك، كانت أخبار التحرك والاستعدادات تتسرب الي مسامع أشراف الكوفة، الذين أحدق بهم الخوف والهلع علي مصيرهم. وكان أشدهم قلقاً عمر بن سعد الذي التجأ الي قصر الامارة طلباً للحماية والامان [209] . [ صفحه 131] ولقد سبق لهؤلاء الاشراف أن ألحوا كثيراً علي أمير الكوفة الزبيري [210] لضرب جماعة التوابين قبل أن يقوي أمرهم ويشتد خطرهم. ولكنه لم يتأثر لضغوطهم أو ينساق مع مصالحه السياسية - باعتباره ممثلاً لابن الزبير - المتعارضة مع آمال التوابين وتطلعاتهم. وللحقيقة، فان أمير الكوفة تصرف بموضوعية واخلاص في معالجة مسألة التوابين، وقد ظهر ذلك في جوابه للزمرة من الاشراف: «الله بيننا وبينهم! ان هم قاتلونا قاتلناهم، وان تركونا لم نطلبهم» [211] لِمَ الخوف من التوابين.. أهو الذي قتل الحسين؟ [212] علي حد تعبيره.. فهو لم يتردد من لعن قاتله أمام الاشراف وبعضهم اشترك في الجريمة. وفي نفس الوقت جاهر برأيه في خطبة له في مسجد الكوفة.. «لقد أصبت بمقتله رحمة الله عليه، فان هؤلاء القوم - ويقصد التوابين - آمنون، فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ليسيروا الي من قاتل الحسين فقد أقبل اليهم وأنا لهم علي قاتله ظهير» [213] .لم يكن هناك اذا تضارب بين أمير الكوفة وبين أمير التوابين، او تنافس بينهما علي السلطة. فحركة هذا الاخير [ صفحه 132] وضحت هويتها وتبلورت أهدافها.. وهي في شتي الاحوال تخدم مصالح أمير الكوفة وسيده خليفة الحجاز، فهي كحركة ثورية موجهة ضد النظام الاموي - العدو الرئيسي والمشترك للحزبين الشيعي والزبيري - تؤدي بالنتيجة الي استنزاف طاقات الامويين وتؤخر استعداداتهم الحربية لاسترجاع العراق، ومن ثم الحزب الزبيري في عرينه. هذا المنطق يمكن تفسيره كأساس للعلاقات بين الحزبين التي سبقت ورافقت تحرك التوابين، وهو ما اعتمده بعض المؤرخين [214] في تصويره للموقف في الكوفة عشية التحرك.وقد يحتوي هذا المؤشر بعض المبالغة، وقد يكون ناتجاً عن تقدير خاطئ. فاذا كان يعبر عن منطق الحزب الزبيري واستراتيجيته، فانه ليس كذلك بالنسبة لممثل الحزب في الكوفة، الذي كانت له نظرته المختلفة في هذا الامر. ومن الانصاف ان لا نغفل دور هذا الرجل الذي شغله بكل مسؤولية، وهو دور الناصح بالتخلي عن هذه الحركة الانتحارية والتسلح بالصبر والتروي.. لان هدفه كان منصباً حول اجتذابهم الي الحزب الزبيري وتشكيل جبهة قوية ضد الامويين [215] بدل أن تتبعثر القوي، [ صفحه 133] وتنصرف الجهود في غير مواقعها الاساسية.ولكن سليمان وجماعته، كانوا قد بلغوا نقطة اللارجوع في القرار الحاسم الذي اتخذوه والتزموا مصيرياً بتنفيذه «لقد خرجنا لامر ونحن نسأل الله العزيمة علي الرشد والتسديد لاصوبه، ولا ترانا الا شاخصين» [216] .وبعد خروج التوابين الي قبر الحسين، لم يتكاسل عبد الله بن يزيد (أمير الكوفة) عن اسداء النصيحة مرة أخري لسليمان، محاولاً باخلاص ان يثنيه عن قراره وطالباً اليه تأخير موعد التحرك، فذلك أسلم عاقبة وأضمن نتيجة لسلامة الحركة وشريكها في مناهضة الامويين، الحزب الزبيري، مصوراً له ضخامة الجيش الاموي الذي بدأ يزحف حينئذ باتجاه العراق، وما يقابله من ضآلة حجم المتطوعين مؤكداً من جديد علي ضرورة توحيد الجهود وتكاتف الايدي للوقوف في وجه عدو قوي وعنيد. فقد كتب الي سليمان قائلاً: «أما بعد فان كتابي لكم كتاب ناصح مشفق، تريدون المسير بالعدد اليسير الي الجمع الكثير والجيش الكبير. وقد علمتم انه من أراد أن يقلع الجبال من أماكنها تكل معاوله ولا تظفر بحاجته. فيا قومنا لا تطمعوا عدوكم في أهل بلدكم فانكم خيار قومكم، ومتي ظفر بكم عدوكم طمع في غيركم من أهل [ صفحه 134] مصركم وهلاككم ومن خلفكم. يا قومنا انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا اذا أبداً، فارجعوا واجعلوا أيدينا وأيديكم اليوم واحدة علي عدونا وعدوكم، فانه متي اجتمعت كلمتنا ثقلنا علي عدونا فلا تستعيبوا نصحي ولا تخالفوا أمري، واقبلوا حين تقرأون كتابي هذا أقبل بكم الي طاعته وادبر بكم عن معصيته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» [217] .ان أحداً لا يستطيع أن يرتاب في موقف أمير الكوفة الزبيري نحو التوابين او يشكك في مدي اخلاصه حين دعاهم الي التريث والتراجع، حتي ان سليمان نفسه لم يجد في نصيحة الامير الا الصدق والاخلاص. ولكن المسألة خرجت عن حدود النصيحة وتعدت اطار المنطق، فالتوابون حينئذ كانوا اشبه بمركبة أفلت زمامها وانجرفت في الوادي السحيق، الي درجة استحال معها أن تتوقف او تخفف بعض اندفاعها.. فقد كانوا معبئين لسنوات خمس مضت بشحنات متراكمة من العواطف السخية، بحيث انها خلقت منهم شخصيات مغامرة تطبعت بروح الفداء واستهوتها التضحية. وفي كل الحالات كان [ صفحه 135] منطق واحد يوجه تحركاتهم، بدون ضابط، هو منطق العاطفة الجامحة، بما فيه من مثالية وتجرد واندفاع. وكان من الطبيعي ان يتعارض منطقهم هذا مع منطق أمير الكوفة، وان تكون صرخة هذا الاخير في غير محلها ولا تلاقي من يصغي اليها في صفوف التوابين [218] فقد اعتمدت منطق العقل في تصوير الموقف السياسي في الكوفة وفي تجسيد الخطر الذي يتهددها علي يد الامويين اذا ما استمرت جبهتها في التمزق وقواها في التبعثر.أنهي سليمان قراءة الكتاب الذي وصله من أمير الكوفة بتنهيدة رافقها هذا البيت من الشعر:أري لك شكلاً غير شكلي فأقصري عن اللوم اذ بُدّلتِ واختلف الشكل [219] .وهو لا شك يعبّر بصدق عن التناقض في المواقف والاهداف بين كل من التوابين وبين ممثل ابن الزبير في الكوفة.. فلم يكن هناك - أي رابط مبدئي يربطهم بهذا الاخير، أو يدفعهم الي التعاون معه «انا وهؤلاء مختلفون... ولا أري الجهاد مع ابن الزبير الا ضلالاً، [ صفحه 136] وأنّا ان نحن ظهرنا رددنا هذا الامر الي أهله، وان أصبنا فعلي نياتنا تائبين من ذنوبنا» [220] .ولعل من المفيد ان نعود قليلاً الي الوراء، لنتلمس انعكاسات الحركة التوابية علي الوضع العام في الكوفة، منذ أن خرجت من سريتها الحذرة الي العلنية الجريئة، وأخذ قادتها يصعّدون الموقف بخطبهم الملتهبة بعد موت يزيد بن معاوية. فقد اندفعت الجماهير الي قصر الامارة وأطاحت بالامير الاموي ونصّبت مكانه أميراً آخراً يدين بالولاء للحزب الزبيري. وفي الحقيقة كان فضل التوابين ظاهراً في تهيئة الظروف أمام هذا الحزب لاستلام السلطة، وكان من الممكن لاي حركة سياسية، اضطلعت بهذا الدول، ان تتحول الي شريك رئيسي في الحكم الزبيري حينئذ. ولكن حركة التوابين، كما عرفنا، كانت لها همومها البعيدة كل البعد عن استلام الحكم أو المشاركة فيه، او حتي المباركة في أدني الاحتمالات. لذلك كان تعاملهم مع نظام ابن الزبير تعاملاً محدوداً، وفي نطاق ما يوفره لهم من حرية التحرك وعدم اثارة المشاكل التي يمكن ان تعيقهم عن تحقيق ما التزموه بتنفيذه وما أخذوه علي أنفسهم من ميثاق. [ صفحه 137] وانطلاقاً من هذا المبدأ رفض سليمان دعوة أمير الكوفة الي التراجع برغم ما فيها من اخلاص وتودد. وكان قد وصل الي مكان يقال له (هيت) [221] ومن هناك أجابه برسالة لا تخلو من استحسان ظاهر لموقفه المسؤول وسلامة نواياه: «أما بعد فقد قرأنا كتابك أيها الامير، وفهمنا ما نويت، فنعم أخو العشيرة أنت ما علمناك في المشهد بالمغيب، غير انّا سمعنا الله تعالي يقول في كتابه وقوله الحق (ان الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به فذلك هو الفوز العظيم) [222] وأعلمك أيها الامير ان القوم قد استبشروا ببيعهم الذي بايعوه وقد تابوا اليه من عظيم ذنوبهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته» [223] .أدرك أمير الكوفة عبث ندائه الي التوابين بالتراجع، وتأكد له أن القوم سائرون الي أقدارهم بعزيمة ثابتة لملاقاة [ صفحه 138] موتهم البطولي. فالتفت الي الحاضرين في ديوانه مردداً وكأنه يسّر الي نفسه: «استمات القوم ورب الكعبة، وأول خبر يأتيكم عنهم بأنهم قتلوا بأجمعهم والله لا قُتلوا حتي يكثر القتل بينهم وبين عدوهم» [224] .فرغت الكوفة حينئذ من زعماء التوابين الذين غادروها وهم في ذروة الحماسة الي (النخيلة)، المعسكر الذي هرع اليه رفاق آخرون، اشتركوا معهم في تلك المسيرة النضالية الرائعة، لخوض معركة الانتقام البطولي ضد النظام الاموي ولضرب ما عبروا عنه بقواعد الطغيان والظلم. وكانت بعض العناصر الشيعية التي استهوتها حركة سليمان قد أخذت بدورها تغادر الكوفة تباعاً وتلتحق بمركز التجمع في (النخيلة)، دونما التزام، أحياناً، بمواقف قبائلها التي لم تقتنع زعاماتها بدعوة سليمان ووجدت فيها مجرد مغامرة انتحارية لا هدف منها سوي تبديد الجهود وهدر الطاقات دون أي نتيجة ايجابية علي صعيد حركة النضال الشيعي. وهذه الظاهرة كانت من أبرز سمات الجيش الذي خاض به التوابون معركة [ صفحه 139] التكفير عن الذنب في (عين الوردة). فقد كان الانفلات من نظام القبيلة كوحدة قتالية أمراً مألوفاً الي حد كبير، علي خلاف ما عرفه التقليد العربي بصفة عامة في ميادين الحرب. وكان لهذا الواقع مدلولاً آخراً، هو أن نفراً قليلاً فقط من جمهور الشيعة الكوفيين خرج الي (النخيلة) اما الغالبية، فقد التزم بعضها بقرار القبيلة في معارضة الحركة، وبعض آخر ظل علي تردده يترقب انجلاء الامور. اما الاشراف فقد كانوا أكثر الفئات ابتهاجاً بخروج التوابين حيث انزاح عنهم كابوس ظل لفترة يؤرق مضاجعهم، ويفقدهم نعمة الاستقرار. وثمة شخص آخر في الكوفة، لم يكن أقل شعوراً بالفرح من الاشراف هو المختار الثقفي، وكان لا يزال في السجن ينظر من وراء قضبانه فيجد الساحة الشيعية خالية من منافسيه، فاذا به المستفيد الاكبر من غياب التوابين. وبسرعة عاد الي تحركه وأخذ يصعّد نشاطه في أوساط الحزب الشيعي، حتي أصبح بعد قليل من الوقت زعيم هذا الحزب غير المنافس، والي حين زعيم الكوفة بأسرها. [ صفحه 140]

التقدم نحو الشام

بعد يوم وليلة من الابتهالات والتضرع حول قبر الحسين [225] مستغفرين الله وطالبين اليه أن يمنحهم نعمة الشهادة، غادر التوابون كربلاء عبر الفرات الي الانبار ومنها الي القيارة وهيت. ومن هذه الاخيرة كتب سليمان بن صُرد الي أمير الكوفة عبد الله بن يزيد جواباً علي رسالته كما سبق ان أشرنا. ولقد تجنب التوابون كما هو واضح السير عبر الصحراء، واتخذوا طريق الجزيرة. ولعل غايتهم من وراء ذلك كانت تزويد جيشهم بقوات اضافية من الجزيرة وبلاد الشام، حيث كانت تتواجد المعارضة القيسية بزعامة الكلابيين أصحاب قرقيسيا [226] خاصة وأن بعض العناصر التوابية تراجعت الي الكوفة [227] . [ صفحه 141] بعد أن فتر حماسها وأدركها الخوف عند تواتر الاخبار عن جيش كبير للامويين زاحف من دمشق، فآثرت السلامة والعودة. ويبدو ان عددها كان محدوداً فلم يؤثر علي الخطة العامة للتوابين. ولكن هذا لم يمنع حاجة هؤلاء الملحّة الي المساعدات المادية والعسكرية لمجابهة نظام راسخ في دمشق وجيوش علي مستوي رفيع من التنظيم. ولهذا جرت اتصالات بين سليمان بن صُرد وبين زفر بن الحارث الكلابي صاحب قرقيسيا عند اقتراب التوابين من أبواب المدينة وكان المسيّب بن نجبه، نائب سليمان والرجل القوي [228] في الحركة رسول سيده الي الامير الكلابي [229] وكان هذا الاخير قد أمر باغلاق المدينة تحسباً للظروف، فلما قابله المسيّب وعرّفه بنفسه وشرح له أبعاد تحركهم هذا، أبدي تعاطفاً ملحوظاً معهم واستعداداً للتجاوب مع ما يطلبونه من مساعدات، دون أن ينسي تسويغ موقفه باغلاق الابواب في وجههم: «انا لم نغلق ابواب هذه المدينة الا لنعلم ايانا تريدون ام غيرنا، وما بنا عجز عن الناس وما نحب قتالكم وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة جميلة» [230] . [ صفحه 142] خرج موكب التوابين من قرقيسيا مزوداً بما يلزمه من احتياجات اقتصرت علي بعض المواد الغذائية، لان زفر رغم تعاطفه معهم، ورغم عداوته الشرسة للامويين [231] ، لم يمدهم بالمتطوعين ربما لانه وجد في حركتهم من المغامرة والتهور، ما يجعل أي فرصة للنجاح معها مستحيلة، او ربما لخروجه منذ أمد غير بعيد من حرب مدمرة مع الامويين في مرج راهط. ولهذا لم يرد استنفاذ طاقاته مرة أخري بدون جدوي.وفي اثناء ذلك، وفي الوقت الذي كان يواكب فيه الزعيم الكلابي جماعة التوابين خارج المدينة [232] حملت اليه استخباراته معلومات غير سارة عن وجود عبيد الله بن زياد في (الرقّه) علي رأس جيش ضخم وبصحبته خمسة من كبار قادة الامويين وأشد أعداء الحزب الشيعي ضراوة وهم: الحصين بن نمير السكوني، شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري، أدهم بن محرز الباهلي، ربيعه بن مخارق الغنوي، جبله بن عبد الله الخثعمي [233] . [ صفحه 143] تهيّب زفر الموقف الخطير، وخاف علي ضيوفه المتهالكين علي الشهادة، والمتدافعين لقتال عدو ليسوا في حجمه. فأخذ يلحّ عليهم بالتروي والرجوع الي قرقيسيا والعمل علي تشكيل جبهة واحدة ضد المروانيين من بني أمية [234] «ان شئتم دخلتم مدينتنا وكانت أيدينا واحدة، فاذا جاء هذا العدو قاتلناهم جميعاً» [235] ولكن هذه المعلومات عن الجيش الاموي الضخم لم تستثر التوابين الذين أصروا علي متابعة المسيرة، ورفضوا نصيحة زفر، كما رفضوا من قبل نصيحة أمير الكوفة عبد الله بن يزيد. فقد رد سليمان علي الامير الكلابي قائلاً: «قد أرادنا أهل مصرنا علي مثل ما أردتنا عليه وذكروا الذي ذكرت، وكتبوا الينا بعدما فصلنا، فلم يوافقنا ذلك فلسنا فاعلين» [236] .ولابد هنا لاي متتبع لاخبار حركة التوابين، الا ان يستوقفه ذلك الصمود الرائع لهذه الحركة العظيمة، ولا بد ان تنتزع اعجابه تلك الشخصيات القيادية المرتفعة، [ صفحه 144] بايمانها المثالي، ونضالها الاسطوري الفريد. انها شخصيات من طراز جديد ومن معدن آخر لا نجد لها مثيلاً الا في كتب الاساطير. شخصيات اتقنت جيداً صناعة الموت، وتعدت قوانين الشهادة المعروفة، لتكتب بدمائها شرائع جديدة، ليست لدنياها وانما للتاريخ. أليس مثيراً أن تقوم حركة أساسها المغامرة وعنوانها الفداء، فتمر عليها سنوات خمس - أكثرها كمنظمة سرية تعمل في الخفاء - دون أن يخبو بريقها أو تفقد شيئاً من حماسها المتأجج، حتي في المواجهة المباشرة مع الموت؟.غير أن رفض سليمان لرغبة زفر بالانكفاء الي قرقيسيا والتحصن فيها ضد الامويين، واصراره علي التقدم لاكمال المهمة التي التزم بها مع رفاقه في مسيرتهم التكفيرية، لم يحولا دون متابعة الامير الكلابي تحذيراته للتوابين من الخطر الداهم الذي يتهددهم، وتقديم نصائحه وخبراته بكل اخلاص لهم.. وهي توجيهات علي جانب من الاهمية، خاصة ما يتعلق بجغرافية المنطقة واستراتيجيتها ومواقع الماء فيها.. وكان آخر ما توجه به زفر للتوابين بعد أن أدرك عقم محاولاته في حملهم علي التراجع: «اني للقوم (أي الامويين) عدو، وأحب أن يجعل الله عليهم الدائرة، وأنا لكم وادّ أحب أن يحوطكم الله بالعافية». [ صفحه 145] ان القوم قد فصلوا من الرقة فبادروهم الي عين الوردة [237] فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه. فاطووا المنازل فوالله ما رأيت جماعة قط أكرم منكم، فأني أرجو أن تسبقوهم، وان قاتلتموهم فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنوهم فانهم أكثر منكم ولا آمن أن يحيطوا بكم فلا تقفوا اليهم فيصرعوكم ولا تصغوا اليهم فاني لا أري معكم رجالة ومعهم الرجالة والفرسان وبعضهم يحمي بعضاً، ولكن ألقوهم في الكتائب والمقانب ثم بثوها فيما بين ميمنتهم وميسرتهم واجعلوا مع كل كتيبة أخري الي جانبها، فان حُمل علي احدي الكتيبتين رحلت الاخري فنفست عنها. ومتي شاءت كتيبة ارتفعت ومتي شاءت كتيبة انحطت، ولو كنتم صفاً واحداً فزحفت اليكم الرجالة فدفعتم عن الصف انتفض وكانت الهزيمة» [238] .

معركة عين الوردة

تقدم سليمان مع رفاقه في عمق الجزيرة، ونصائح الامير الكلابي لازالت تتردد في أسماعه. فهذا الرجل (زفر) خبر المنطقة جيداً وأكسبته الحرب مهارة عسكرية وتجربة واسعة، فضلاً عما أظهره من تودد ظاهر وتعاطف ملموس ازاء التوابين وقضيتهم. لقد كان لكلماته وقعها المؤثر في نفوس هؤلاء الذين استجابوا لنصيحته وساروا في اتجاه عين الوردة حسب الخطة التي رسمها لهم، حتي اذا وصلوها واستراحوا قليلاً [239] من مشاق الطريق أخذ سليمان في تنظيم المقاتلين ووضع خطط الاشتباك مع الجيش الاموي الذي أخذ يقترب من المعسكر. وكانت أهم معالم التكتيك الذي اتبعته القيادة، تقسيم المقاتلين الي مجموعات صغيرة [240] مهمتها القيام بهجمات صاعقة علي طلائع وأطراف الجيش الاموي، للتأثير علي العناصر المقاتلة فيه. [ صفحه 147] وبعد أن استكمل سليمان هذه الترتيبات العامة. وقف بين رفاقه خطيباً، ليضعهم نفسياً في أجواء المعركة التي دنت ساعتها. وكانت بمثابة تحليل لفكرة الخروج والغاية الاساسية التي انطلقوا في سبيلها وهي التوبة والغفران [241] ، وتوضيح لمفهوم الحرب مستقي من تشريع علي، الامام ورأس الحزب الشيعي، الذي وضع مفاهيمه المثالية الاولي. كما أشار فيها الي موضوع القيادة وانتقالها - اذا أصيب - الي نائبه المسيّب ومنه الي عبد الله بن سعد فعبد الله بن وال حتي آخر الخمسة القياديين، رفاعة بن شداد [242] وأخيراً فان هذه الخطبة كانت انعكاساً صادقاً لاخلاقية القيادة التوابية، المترفعة والمتمسكة بالمثل العليا حتي في ساحات القتال: «... فقد أتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير اليه آناء الليل والنهار تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح ولقاء الله معذرين. فقد جاءوكم بل جئتموهم انتم في دارهم وحيزهم. فاذا ألقيتموهم فاصدقوهم واصبروا ان الله مع الصابرين... لا تقتلوا مدبراً ولا تجهزوا علي جريح ولا تقتلوا أسيراً من أهل دعوتكم الا ان يقاتلكم بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة اخواننا بالطّف [243] رحمة الله [ صفحه 148] عليهم، فان هذه كانت سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل الدعوة...» [244] .وفي هذا الوقت كانت طلائع الجيش الضخم الذي أعده مروان بن الحكم تشق طريقها نحو قرقيسيا بقيادة عبيد الله بن زياد. وكانت مهمة هذا الجيش تصفية جيوب المعارضة في العراق والمشرق ضد النظام الاموي الذي انتقلت فيه السيادة الي المروانيين، وانتقل معها ولاء ابن زياد الذي ظل خادماً أميناً ومخلصاً لهذا النظام، مستعداً لتنفيذ أصعب المهمات في سبيله، بمقدار حرصه علي استمرارية مصالحه الخاصة. وقد ساعدت خبرة هذا القائد الطويلة في شؤون العراق، علي أن يكون الرجل الاكثر جدارة للقيام بهذه المهمة التي كان سائراً الي تنفيذها بملء الثقة. ولكنها ثقة كانت في غير محلها هذه المرة، فالتغييرات السياسية والعسكرية التي شهدتها الارض العراقية حينئذ فاقت تصوراته، وفاته أن هذه المهمة كانت آخر مهامه في خدمة النظام الاموي، بسقوطه صريعاً علي نفس الارض التي كانت لفترة مسرح عملياته الدموية الرهيبة. [ صفحه 149] وفي الطريق الي العراق تسربت معلومات الي الجيش الاموي عن تحركات التوابين باتجاه (عين الوردة) فحوّل ابن زياد خط سيره نحو تجمعاتهم ليكونوا أول فريسة له. ولكن تطورات جديدة حدثت في دمشق حينذاك، كان يمكن ان تؤدي الي ارتباك في هذا الجيش، حين تناقلت الاخبار موت الخليفة مروان وتعيين ابنه عبد الملك [245] ، الا ان ذلك لم يترك أي انعكاس في صفوف الجند، أو يحدث أي تعديل في خطط الحملة، ذلك أن الخليفة الجديد سارع الي تأكيد أوامر الخلافة باستئناف المهمة التي أوكلت الي هذه الحملة واقرار قائدها في منصبه. وبدوره كان ابن زياد اكثر تجاوباً مع سيده فأرسل اليه بيعته بالخلافة ومعه جميع عناصر الجند في الحملة.لم يكن سوي أيام لحسم الموقف الذي أخذ في التأزم، كلما اقترب الجيش الاموي من معسكر التوابين في (عين الوردة)، حيث كان ترقب مثير من جانب هؤلاء الذين وجدوا في اعدائهم تفوقاً عددياً ظاهراً وامكانيات عسكرية مذهلة، بالمقارنة مع جنودهم القلائل وامكانياتهم المحدودة. والواقع ان الصورة كما بدت عشية الالتحام في [ صفحه 150] المعركة الفاصلة، غير واضحة تماماً. فهناك قوي غير متكافئة ستخوض حرباً هي بالنتيجة غير متكافئة. فالتوابون كما أشرنا قبلاً، لم يطرأ علي وضعهم العسكري أي تحسن، وانما افتقدوا بعض العناصر القتالية، فانخفض عددهم الي ما يزيد علي الثلاثة آلاف مقاتل بقليل. وعلي العكس من ذلك كان جيش الامويين متفوقاً بصورة ملحوظة، حيث تشير بعض التقديرات الي انه جاوز العشرين الفاً [246] وهناك تقديرات أخري لا شك انها احتوت علي كثير من المبالغة أشارت الي انه بلغ الستين ألفاً [247] ولابد ان الرقم الاول هو الاقرب الي الحقيقة، وكانت عناصره موزعة، وفقاً للنظام الحربي التقليدي، الي خمسة ألوية: مقدمة ومؤخرة وقلب وجناحين. وكان علي كل لواء قائد من القواد الخمسة الذين مر ذكرهم. وعقدت القيادة العامة طبعاً لامير الحملة عبيد الله بن زياد. اما التوابون فقد شكلوا خطاً واحداً للتصدي بقيادة سليمان، يعاونه عبد الله بن سعد بن نفيل علي الميمنة والمسيب بن نجبه علي الميسرة [248] . [ صفحه 151] ووصل الجيش الاموي أخيراً، وما لبث أن أخذ مواقعه في مواجهة معسكر التوابين في (عين الوردة) وبدأت استعداداته تتم في اطار من السرعة المتناهية لبدء عملية الالتحام فوراً، والتخلص من هؤلاء الذين عرقلوا مسيرة الجيش وأعاقوا مهمته بعض الوقت. ولكن اللقاء بين المتحاربين في (عين الوردة) تأخر قليلاً، ولعل ذلك يعود الي ان الجنود الامويين لم يكونوا قد استكملوا ترتيباتهم العسكرية بشكل نهائي، كما يعود الي محاولات القائد الاموي مفاوضة زعيم التوابين لحمله علي الاستسلام والاعتراف بخلافة عبد الملك. وقد قبل سليمان بالمحاورة مع أعدائه وقدم اليهم شروطه للقبول بعدم القتال [249] ، لكنها كانت شروط تعجيزية وغير مقبولة أصلاً لدي الامويين فقط طلب اليهم تسليمه عبيد الله بن زياد (ابن مرجانة حسب تعبيره) وقتله الحسين، والانضمام الي صفوف شيعة آل البيت [250] .وكان من البديهي أن يرفض القائد الاموي شروط [ صفحه 152] زعيم التوابين المستحيلة، وكان معني ذلك ان الحرب أصبحت وشيكة الوقوع. وكانت قد وقعت فعلاً واتخذت شكل مناوشات، حقق خلالها التوابون نجاحات أولية علي جانب كبير من الاهمية. فقد أرسل سليمان نائبه المسيّب بن نجبه علي رأس اربعمائة فارس [251] نحو معسكر الامويين حين علم بتحرك جيش اموي نحو (عين الوردة) بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع والحصين بن نمير السكوني [252] فأوقع المسيب هزيمة قاسية بالجيش الاموي، افقدته الكثير من القتلي [253] علي الرغم من التفاوت العددي الكبير بين كل من القوتين. وهذا عائد بدون ريب من ناحية الي نجاح مخطط التوابين في الحرب الصاعقة، ومستوي الحماس الملتهب الذي بلغ حداً كبيراً. ومن ناحية أخري الي تفكك الجبهة الاموية واختلاف شرحبيل والحصين علي القيادة العليا [254] .وكانت هذه الهزيمة بمثابة تصعيد عنيف للموقف من [ صفحه 153] جانب الامويين الذين بادروا بارسال أحد القائدين المهزومين (الحصين بن نمير) الي (عين الوردة) ومعه اثني عشر الفاً من الجنود حيث أصبح وجهاً لوجه مع التوابين.. وكان ذلك ايذاناً بوقوع الحرب فعلياً [255] حين اندفع التوابون من مواقعهم بقيادة سليمان بن صُرد التحموا مع قوات الحصين الاموية التي تفوقهم كثيراً في العدد، وذلك في يوم الاربعاء في الثاني والعشرين من جمادي الاولي سنة 65 هجري /4 كانون الثاني 685 م بعد خمسة أيام من نزولهم في (عين الوردة) [256] .ويظهر من سير الاشتباكات الاولية أن وضع التوابين - برغم قلتهم العددية - كان معززاً، ومعنوياتهم في ارتفاع دائم، أما الحماس فقد بلغ حداً لا يوصف، وكانت تستثيره نداءات سليمان في صخب المعركة فتزيده التهاباً وتأججاً: «يا شيعة آل محمد، يا من يطلبوا بدم الشهيد ابن فاطمة، ابشروا بكرامة الله عز وجل، فوالله ما بينكم ودخول الجنة والراحة من هذه الدنيا الا فراق الانفس والتوبة والوفاء بالعهد» [257] . [ صفحه 154] «التوبة والوفاء بالعهد» تلك الصرخة التي أطلقها سليمان في المعركة والشعار الذي طرحه التوابون منذ سنوات طويلة وقاسية، اقترن الآن بالفعل وحانت ساعة تنفيذه. لقد دخلوا حرب التكفير عن الذنب بأهداف مثالية وقلوب تطفح بالايمان، عبّروا عنها ابان المعركة بتكسير أغمدة السيوف [258] والتقدم الي القتال بشجاعة خارقة وحماس منقطع النظير.دارت المعارك رهيبة، وبلغت في أيامها الثلاثة التالية (وهو الوقت الذي استغرقته الحرب) مرحلة من التصعيد غير متوقعة. فعلي جبهة التوابين الدافقة بالحيوية والنشاط، كانت تحركات المقاتلين تتم في سرعة عجيبة، والوحدات الانتحارية الصاعقة كانت تحقق نجاحات مذهلة علي أطراف ومقدمات الجيش الاموي، الامر الذي أحدث ارتباكات في صفوفه وأفقده كثيراً من عناصره المقاتلة. ففي اليوم الاولللمعارك الجدية دار قتال ضاري بين الطرفين حسمه التوابون بهجوم عنيف علي طرفي الجيش الاموي فتراجع مهزوماً، تاركاً وراءه الكثير من القتلي والجرحي [259] وقد تركت هذه الهزيمة صدي استياء [ صفحه 155] عميق عند القائد العام عبيد الله بن زياد وأفقدته السيطرة علي أعصابه، حين صب جام غضبه وقذف بشتائمه أحد قواده (شرحبيل بن ذي الكلاع) متهماً اياه بالتخاذل والتقصير [260] .واستؤنف القتال الضاري في اليوم الثاني. وكان وضع الجيش الاموي قد أصبح أكثر تعزيزاً، بحيث ان التوازن العسكري اختل الي حد كبير وانعدم التكافؤ بين القوتين المتحاربتين بشكل ظاهر. غير ان الروح النضالية المغامرة التي تميزت بها أعمال التوابين، وذلك التسابق الجموح نحو الاستشهاد، نسف كل قواعد التوازن. فقد كان صمودهم بطولياً ورائعاً طوال يوم مثير، أثخن فيه الفريقان قتلاً وجراحاً [261] ، ولم تكن نتيجته علي ما يبدو حاسمة لاي منهما، حتي كان اليوم الثالث [262] وهو الاكثر اثارة في معارك (عين الوردة) حين أطبق الجيش الاموي بكل امكانياته علي التوابين الذين اصبحوا في قلة قليلة بعد أن أفقدتهم اشتباكات اليوم السابق جزءاً كبيراً من مقاتليهم. وقد وجدوا أنفسهم في هذا اليوم محاطين من كل جانب بقوات مكثفة من أعدائهم، انقضّت عليهم [ صفحه 156] بمنتهي العنف والشراسة. ولكن التوابين، للحقيقة، لم يتخاذلوا ولم يتخلوا مطلقاً عن ايمانهم بالقضية التي يناضلون في سبيلها، وانما ظلوا متماسكين في جبهة واحدة متراصة ويقاتلون قتالاً بطولياً مستميتاً [263] ، حتي أن هجماتهم الانتحارية أوقفت بعض الوقت الجنود الامويين عن التقدم، وجعلتهم يتحاشون الالتحام المباشر معهم، فاعتمدوا النبال كسلاح رئيسي [264] وتمكنوا بذلك من انزال خسائر جسيمة في صفوف التوابين، مما أدي الي سيطرتهم أخيراً علي زمام الموقف.وكان سليمان ذلك الرجل الاسطوري، يتقدم رفاقه المناضلين، بخطي ثابتة نحو قدره الذي اختاره عن قناعة وايمان. وفي وسط المعمعة كان صوته يخترق الآذان مردداً: «عباد الله من أراد البكور الي ربه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده فاليّ» [265] وكانت هذه الكلمات آخر ما وردده القائد التوابي وهو يشق بسيفه صفوف الامويين بكل جرأة ورباطة جأش. ولعله عاش في تلك اللحظات لذة الانتقام وحلم الشهادة الذي أوشك أن [ صفحه 157] يتحقق. وحدث ذلك فعلاً عندما أدركه سهم ألقي به يزيد بن الحصين، فأوقعه قتيلاً وكان له من العمر ثلاثاً وتسعين سنة [266] ومن غرائب المصادفات ان تكون نهاية زعيم التوابين - الذي قام بثورته للانتقام من النظام الاموي عبر ممثله والمسؤول الاول عن مقتل الحسين، يزيد بن معاوية - علي يد يزيد آخر هو ابن الحصين بن نمير السكوني أحد أركان هذا النظام البارزين، وكأن ذلك جاء ليوحي بأن معركة الانتقام التي يخوضها الحزب الشيعي لم تنته بعد، وستبعث من جديد، ولكن مع وجوه أخري وبأبعاد مختلفة.بعد مقتل سليمان، تسلم راية القيادة نائبه المسيّب بن نجبه الذي أثبت انه لا يختلف عن مستوي سليمان في جرأته المتطرفة وفي ايمانه العظيم، وقد وصفه أحد الذين شاركوا في (عين الوردة) بقوله: «ما رأيت أشجع منه انساناً قط، ولا من العصابة التي كان فيهم، ولقد رأيته يقاتل قتالاً شديداً ما ظننت ان رجلاً واحداً يقدر أن يبلي مثل ما أبلي، ولا ينكأ في عدوه مثل ما نكأ» [267] وقد سقط المسيّب بدوره صريعاً في المعركة [268] بعد جهود [ صفحه 158] مستميتة، وتبعه بقية القواد وعدد كبير من المقاتلين، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوي القتال، وكانت القيادة قد انتقلت اليه فأصدر أوامره سراً الي البقية الباقية من التوابين بالانسحاب والتراجع. غير أن الاستجابة لم تكن جماعية، لان فئة، قدّر عددها نحو مائة وثلاثين مقاتلاً، رفضت فكرة الانسحاب، وأصرت علي الاستشهاد، فظلت تقاتل حتي أبيدت بكاملها [269] اما الباقون فقد انسحبوا تحت جنح الظلام ممتثلين لاوامر القائد العام. وكانت عملية الانسحاب مدروسة ومنظمة الي حد كبير، ذلك ان رفاعة كان قد أمر بتشكيل فرقة من سبعين فارس، مهمتهاً تغطية الانسحاب واشغال العدو، كما أمر بتهديم الجسور والقناطر وراء المقاتلين لاعاقة أي ملاحقة قد يقوم بها الامويون.تمت عملية التراجع بنجاح تام، وابتعد التوابون المنسحبون عن ميدان المعركة، واصبحوا في منأي عن مطاردة الجيش الاموي المنتصر الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم [270] وفي طريق العودة الي الكوفة عاودتهم ذكريات القتال في (عين الوردة) ورجعت اليهم من جديد عقدة الشعور بالذنب، ففكروا بالرجوع والسير علي خطي [ صفحه 159] رفاقهم الذين وهبهم الله نعمة الشهادة. ولكن رفاعة تمكن بعد صعوبة من اقناعهم بالتخلي عن هذه الفكرة ومتابعة الانسحاب الي الكوفة [271] .ولم تقتصر متاعب الانسحاب علي التمرد والاصرار علي الرجوع الي ساحة القتال، وانما كانت مشاق الرحلة تفوق حدود الاحتمال، وتضفي عليها مسألة الجرحي [272] وفقدان بعضهم في الطريق، ظلالاً مأساوية قاتمة. وقد حاول زفر بن الحارث الكلابي مواساتهم والتخفيف عنهم عند وصولهم الي (قرقيسيا)، فأرسل اليهم المواد الغذائية، والاطباء لمداواة الجرحي، عارضاً عليهم الاقامة ما شاءوا في مدينته. فأقاموا فيها ثلاثة أيام [273] انصرفوا بعدها متبعين نفس الطريق الذي حملهم الي (عين الوردة) حتي اذا بلغوا (هيت) تفجرت أحزانهم من جديد بلقاء اخوانهم من جماعة المدائن بقيادة سعد بن حذيفة بن اليمان، وهم في طريقهم الي ساحة القتال [274] ، فكان مجيئهم متأخراً وفي غير محله. ولكنهم سجلوا علي أية حال موقف التضامن [ صفحه 160] السياسي والعقائدي مع رفاقهم التوابين من أجل الغفران والتكفير عن الذنب. كان اللقاء حزيناً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لم يخفف بعض حدته الا افتراقهم، عائدين كل الي مدينته، وقد غمره أسي عميق وحمل في قلبه صورة لن تنسي من الفجيعة.تابعت فلول التوابين بعد ذلك رحلة العودة الي الكوفة، وكانت أخبار المعارك الانتحارية والبطولات الخارقة التي شهدتها (عين الوردة)، قد بلغت أسماع الكوفيين فهزتهم اعجاباً، كما أن بعضهم آلمه أن تتهاوي تلك النخبة من الحزب الشيعي وتضيع جهودها هباء في غمار حرب غير متكافئة. فلما بلغوا مشارف المدينة، هرع لمواساتهم جمهور من الكوفيين، كان بينهم الامير الزبيري عبد الله بن يزيد الانصاري الذي استقبل قائدهم رفاعة معزياً ومشجعاً، ومشيداً كذلك بالدور البطولي الذي قام به التوابون في مسيرتهم النضالية الرائعة ضد (قوي الطغيان) و(زمرة الجوار) [275] .وفي الكوفة، اتصل بهم المختار من السجن معزياً: «ابشروا فقد قضيتم ما عليكم وبقي ما علينا، ولن يفوتنا منهم من بقي ان شاء الله» [276] وكتب الي زعيمهم رفاعة [ صفحه 161] مبشراً بالنصر القريب، ومعاهداً علي اكمال المسيرة التي بدأها سليمان ورفاقه وان كان لا يفوته ان يغمز من قناة هذا الاخير بوصفه انه ليس بالرجل الذي يمكن ان يتحقق علي يديه النصر وانما هو - أي المختار - القادر علي حمل راية الحزب الشيعي وتنفيذ مخططاته الثأرية وتصفية كل من شارك في مأساة كربلاء، نظاماً كان أم اشخاصاً: «أما بعد فمرحباً بالعصبة الذين عظم الله لهم الاجر ورضي فعلهم حين قتلوا، اما ورب البيت ما خطا خاط منكم خطوة ولا ربا ربوة الا كان ثواب الله أعظم من الدنيا، ان سليمان قضي ما عليه وتوفاه الله وجعل روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، اني أنا الامير المأمور والامين المأمون وقاتل الجبارين والمنتقم من أعداء الدين المقيد من الاوتار، فأعدوا واستعدوا وابشروا. أدعوكم الي كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدم أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين» [277] . [ صفحه 165]

النتائج

ان ثورة التوابين - كما رأينا - أخفقت عسكرياً، وتحطمت قوتها الاساسية في (عين الوردة). وسبب هذا الاخفاق يعود بدون شك الي عامل رئيسي، هو الاختلال الظاهر في توازن القوي بين الجيشين الاموي والتوابي. فبينما كان الاول، قوياً، انضباطياً ومتفوقاً بشكل بارز في امكانياته البشرية والمادية، كان الآخر ضعيفاً، اقتصر علي عدد محدود من المتطوعين، الذين توفر لهم من الحماسة والفروسية والايمان، أكثر مما توفر من التنظيم والعدد والعتاد. وهذا الواقع اعترف به سليمان قبيل المعركة عندما لاحظ هزالة جيشه وقلة امكانياته بالمقارنة مع أعدائه الامويين [278] وقد أدي هذا الوضع المتباين لدي كل من الفريقين، الي حسم الموقف بسرعة وانهاء المعركة خلال أيام ثلاثة رغم الجهود البطولية التي بذلها التوابون في ساحة القتال [279] . [ صفحه 166] وعلي الرغم من أن المنطلقات الاولي للحركة التوابية جاءت منسجمة مع ما آلت اليه من نتائج فان التقويم الموضوعي لها هو أبعد من حدود الارتجال والتهور، كما في أذهان بعض المؤرخين. فقد ولدت حركة التوابين في الظلام تحت واقع التكفير عن الذنب الذي أوجده مصرع الحسين في كربلاء، وعاشت كمنظمة سرية تعمل في الخفاء - طوال خلافة يزيد بن معاوية - لتكوين قاعدتها الشعبية في الكوفة، وتحاول ان تستفيد من الظروف التي تمخضت عن وفاة هذا الاخير بخروجها من الاطار السري واعلانها الثورة علي النظام الاموي المسؤول المباشر عن مقتل الحسين.ومع اعترافنا بأن حركة التوابين كانت مجرد حركة تكفيرية التزمت بهدف أساسي هو التوبة، وبأنها كحركة سياسية لم تتضمن أي برنامج اصلاحي سياسياً كان أم اجتماعياً، فلابد لنا أن نعترف ايضاً بأنها كانت حركة منظمة ومدروسة، دأبت بصورة جدية علي استقطاب الحزب الشيعي بكل فصائله وتعبئته لخوض معركة الانتقام للحسين. ولكن التمزق الذي أصاب هذا الحزب، بسبب تردد بعض عناصره، واستنكاف البعض الآخر عن المشاركة وانتقاده زعامة الحركة التي لم تضع امامها مخطط الاستيلاء [ صفحه 167] علي السلطة، فضلاً عن ظهور المختار في الكوفة في وقت شارفت فيه هذه الحركة علي النضج، فكان لظهوره الاثر الكبير في ارتداد الكثيرين عنها واستمالتهم الي دعوته الاكثر واقعية بمضمونها السياسي والاجتماعي.ان كل هذه الامور أدت في النهاية الي نتيجة حتمية وهي الاخفاق العسكري المدمر للحركة التوابية، وان كان ينبغي أن نكون حذرين عند استعمالنا صيغة الاخفاق أو الفشل، لان الهزيمة العسكرية لم تكن مفاجئة او غير متوقعة بالنسبة للتوابين، وانما كان هؤلاء يعرفون سلفاً النتائج المترتبة علي تحركهم والتي حذرهم منها أكثر من محذر. لذلك توجهوا الي المعركة وهم يشعرون في قرارة أنفسهم انهم متجهين الي نهايتهم المحتومة بكل قناعة وبكل ادراك واقعي للظروف، فحققوا بذلك أهدافهم المرسومة، وكان لهم من النتائج ما أرادوا.والحقيقة ان أي تقويم موضوعي لحركة التوابين، ينبغي ان لا يبتعد عن المفهوم العام الذي انطلقت منه، وهو الشعور بالذنب ومحاولة التكفير عنه، ذلك الشعور الذي جمع عناصرها القيادية والمتطوعة في تنظيم سري، تحول بعد فترة الي حركة انتحارية، هدفها الاول الانتقام [ صفحه 168] للحسين او الموت في سبيله [280] ومن خلال هذا المفهوم نستطيع القول أن فشل الحركة العسكري لا يعني بالضرورة انها فشلت علي الصعيد السياسي، ولا يعتبر مبالغة بأية حال اذا اعتبرناها حركة سياسية ناجحة، نفذت خطة موضوعة سلفاً، وقامت بتأدية مهمتها الانتقامية علي أكمل وجه. وأخيراً فان أبرز ما حققته الحركة التوابية من نتائج، انها سجلت بعض الايجابيات علي صعيد حركة النضال الشيعي، وانعكست تأثيراتها بصورة خاصة علي المجتمع الكوفي، فعبأت جماهيره بالثورة، وعمقت في نفوسهم الكراهية والحقد ضد النظام الاموي، الامر الذي جعل من الكوفة فيما بعد مسرح التحرك الدائم للحزب الشيعي وثوراته المتلاحقة، المناهضة للنظام.والواقع ان الشيعة في الكوفة ظلوا يمارسون النقد الذاتي ازاء موقفهم من الحسين بعد عودة بقايا التوابين من (عين الوردة)، واستمر التعبير عن الندامة والشعور بالاثم يمارس عبر نشاطات وتحركات مختلفة.ولكن غياب عدد من الشخصيات القيادية في الحزب الشيعي أدي الي فراغ في الزعامة القادرة علي تسجيل مواقف سياسية ذات أهمية. حتي رفاعة بن شداد القائد [ صفحه 169] التوابي المنسحب، لم يكن بمقدوره، وهو المتقدم في السن والمهزوم عسكرياً، أن يتزعم الحزب الشيعي المفكك حينئذ. فهناك فراغ في الزعامة، واختلاف في آراء القادة حول موقف الحزب من التطورات السياسية الجديدة، وهناك تململ في أوساط القاعدة الجماهيرية التي لا تزال تتفجر بالنقمة وتقوم بضغوط علي القيادة من اجل استئناف التحرك واتخاذ قرارات أكثر جدية.وكانت هذه الظروف فرصة نادرة امام الزعيم الشيعي المعتقل آنذاك في سجن الكوفة، المختار الثقفي. فراقبها باهتمام كبير، وكتب الي صهره عبد الله بن عمر موسطاً اياه من جديد لدي عبد الله بن يزيد أمير الكوفة [281] من أجل الافراج عنه. وقد تم له ذلك لقاء عهود قطعها لهذا الاخير [282] بعدم اثارة المتاعب وتجميد نشاطاته السياسية. ولكن المختار لم يكن بأية حال ذلك الرجل الذي يلتزم بعهود من هذا النوع وهو المحنك والسياسي الطموح، وانما سخر منها، وعجب لسذاجة الذين اعتقدوا انه سيحافظ عليها حيث قال: «ما أحمقهم حين يرون اني أفي لهم بايمانهم هذه، أما حلفي لهم بالله فانه ينبغي لي [ صفحه 170] اذا حلفت علي يمين فرأيت ما هو خير منها أن أدع ما حلفت عليه وآتي الذي هو خير وأكفّر يميني، وخروجي عليهم خير من كفي عنهم» [283] .وتشاء الصدف أن يتحلل المختار تلقائياً من عهوده مع عبد الله بن يزيد، حين غادر هذا الاخير قصر الامارة معزولاً بقرار من سيده ابن الزبير اذ وجد فيه ضعفاً لا يتناسب مع خطورة المرحلة وعيّن مكانه أحد أشد مؤيديه حماسة هو عبد الله بن مطيع القرشي [284] الذي لم يكن بينه وبين المختار شيئاً من المواثيق.وهكذا خرج المختار من سجنه، ليجد نفسه في مواجهة أحداث مصيرية وخطيرة، فكان عليه أن يتحرك فوراً وأن لا يتردد في اتخاذ الموقف المناسب بكل جرأة، قبل أن تقوم شرطة الوالي الجديد برصد نشاطاته واعادته من جديد الي السجن [285] وبسرعة أعلن برنامجه السياسي باسم محمد بن الحنفية أحد أبناء علي من غير فاطمة، الذي كان يعيش في المدينة، حيث زعم انه اتفق سراً مع هذا الاخير علي الدعوة له في الكوفة. وكان علي [ صفحه 171] المختار أن يقنع الكوفيين بصحة زعمه، لان فريقاً كبيراً منهم شكك في هذا الامر، وانتدب وفداً ذهب لمقابلة الزعيم العلوي من أجل الوقوف علي حقيقة ما يزعمه المختار. ورغم ان ابن الحنفية لم يعط جواباً حاسماً، وذلك لاعتبارات متعددة أهمها، موقعه في الدعوة العلوية ثم تخوفه من ابن الزبير، سيد الحجاز، الذي وضع ابن الحنفية تحت مراقبة أجهزته المشددة.ولكن الزعيم العلوي علي ما يبدو لم يمانع في مباركة ما يقوم به المختار واستناده في دعوته علي العلويين اذ قال للوفد الكوفي: «انا لا نكره أن ينصرنا الله بمن شاء من خلقه» [286] .ومن المرجح أن المختار، قبل خروجه من الحجاز او بعده، كان قد اتصل بعلي بن الحسين وباحثه بأمر الدعوة له في العراق ولكنه لم يلق استجابة، فانصرف عنه الي محمد بن الحنفية [287] وسواء قابل المختار الزعيمين العلويين، أم أنه زعم ذلك ليعطي تسويغاً أقوي لدعوته وبعداً أكثر من مجرد الثأر للحسين والتكفير عن الذنب، [ صفحه 172] فان موقف ابن الحنفية من المختار - رغم عدم وضوحه - انعكس علي الوضع العام في الكوفة حيث شهد الحزب الشيعي تحولاً نحو ابن الحنفية الذي لم يكن مطروحاً حتي ذلك الحين كامام للدعوة العلوية، وأدي الي نجاح المختار في فرض نفسه علي الحزب وتسلم زعامته.ولقد التف حول المختار بعد خروجه من السجن، نفر من الزعماء الشيعيين الذين وجدوا فيه الشخصية القيادية الصالحة لمتابعة التحرك. وكان من أبرز هؤلاء: رفاعة بن شداد، ويزيد بن انس، وأحمد بن شميط، وعبد الله بن شداد الجشمي، والسائب بن مالك الاشعري. وقد نشط هؤلاء وقاموا بحملات دعائية في أسواق الكوفة وأحيائها لحمل الناس علي تأييد المختار والبيعة له [288] ولكن عقبات عدة جابهت المختار، وأخرت قليلاً سيطرته علي الوضع في الكوفة فكان لا بد له من معالجتها بالسرعة الممكنة. ومن هذه العقبات مثلاً، موقف حزب الاشراف منه الذي لم يقل عدائية عن موقفه السابق من التوابين [289] ، ومنها ايضاً تردد ابراهيم بن الاشتر النخعي أحد كبار الشيعة في الكوفة، في الانضمام الي جانب [ صفحه 173] المختار. وكان ابراهيم - كأبيه الاشتر - شديد الاخلاص في ولائه لعلي وأبنائه، ومتطرفاً الي أبعد حدود التطرف في عدائه للامويين، ولكن مع نظرة خاصة للامور ورؤية مختلفة تماماً عن غيره من زعماء الحزب الشيعي، فهو لم يشترك مثلاً في ثورة التوابين، ووقف موقف الحذر من المختار، لان التحرك الشيعي كان برأيه حينئذ، تحركاً انفعالياً يفتقر الي خطط منظمة واستعدادات طويلة وأهداف واضحة.ولعل ابراهيم كان يطمح الي أن يقود بنفسه الحزب الشيعي في العراق، خاصة وانه كان علي اتصال دائم مع زعماء البيت العلوي ومنهم محمد بن الحنفية نفسه [290] ، وهذا ما دعاه الي التشكيك بمزاعم المختار. غير أن هذا الاخير تمكن بعد الحاح من اقناع ابراهيم بالاعتراف بدعوته والبيعة له. ويبدو ان الموافقة علي ذلك كانت بايحاء من زعيم الدعوة محمد بن الحنفية الذي كتب الي ابراهيم بهذا الشأن [291] .والواقع ان المختار كسب حليفاً قوياً بانضمام ابن الاشتر اليه، الذي ما لبث ان صار من ألمع رجالات الثورة [ صفحه 174] وقائدها العسكري الاول، وأصبح يحضر بانتظام الاجتماعات السرية في بيت المختار لتحضير الانقلاب ضد الحكم الزبيري في الكوفة [292] ، واتخاذ قرار بتحديد ساعة الخروج حيث اتفق علي أن تكون ليلة الخميس في الرابع عشر من ربيع الاول سنة ست وستين هجري [293] .وفي تلك الاثناء كانت التقارير ترد علي عبد الله بن مطيع - والي الكوفة - من قائد شرطته [294] ، محذرة من انقلاب قريب يعده المختار [295] فبعث حينذاك ابن مطيع رجاله في أحياء مختلفة من الكوفة في محاولة لافشال خطط المختار، ولكن ذلك لم يؤد الي أي نتيجة سوي المساهمة بتعجيل انفجار الثورة وتقديم موعدها يومين (الثلاثاء 12 ربيع الاول 66 هجري). فقد حدث ان كان ابن الاشتر - ومعه مائة من المسلحين - في طريقه ذلك اليوم الي منزل المختار أن اصطدم بصاحب الشرطة اياس بن مضارب الذي اعترض طريقه، فطعنه ابراهيم برمحه طعنة [ صفحه 175] أودت بحياته [296] وكانت هذه الحادثة اشارة البدء بالتحرك. وبسرعة مذهلة تم استيلاء المختار وقائده ابن الاشتر علي الموقف، وهُزم القائد [297] الذي أعده الوالي وحزب الاشراف [298] ، وما لبث ان هرب الوالي نفسه، وغادر قصر الامارة متخفياً ولجأ الي منزل ابي موسي الاشعري [299] .وهكذا نجحت ثورة المختار الثقفي، وتحققت معها تطلعات الحزب الشيعي لاستلام الحكم، لاول مرة منذ قيام الخلافة الاموية وتنازل الحسن لمعاوية. وهناك عدة عوامل أسهمت بدون ريب في انجاح هذه الثورة ومهدت لها الطريق لتصل الي السلطة دون أدني صعوبة. ومن أبرز هذه العوامل:1 - الاعتماد بشكل أساسي علي الفئات الشعبية من العرب وغيرهم الذين ضاقوا بالاضطهاد الاموي ثم الزبيري، ووجدوا في ثورة المختار متنفساً لتحقيق مطالبهم الاصلاحية. [ صفحه 176] 2 - احتواء الحركة لقيادات الحزب الشيعي التي وجدت في المختار سياسياً بارعاً ومناضلاً شديد المراس، واقتنعت به كزعيم للحزب، مفوض من قبل أحد كبار العلويين، محمد بن الحنفية.3 - ان الحكم الزبيري لم يقم بأي تغيير سياسي في الكوفة ولم يكن لديه أي برنامج اصلاحي، بل كاد يكون بمناهجه استمراراً للحكم الاموي. وقد جاءت خطبة ممثله في الكوفة حول الخراج تفجر الغضب وتشعل النقمة [300] .4 - ان اشراك العامل الزبيري بعض قتلة الحسين في الحكم وفي حرب المختار [301] ، ترك انطباعاً سيئاً في صفوف المقاتلين معه، وأخذت مجموعات منهم تنصرف الي معسكر المختار.5 - ان انضمام ابن الاشتر الي المختار، أدي الي ترجيح كفته وساعده علي تحقيق النصر، ذلك ان تأثير ابن الاشتر كان نابعاً من قوته القبلية ومكانته البارزة في الحزب الشيعي، فضلاً عن امكانياته الشخصية كقائد عسكري موهوب ومغامر.هذه أهم العوامل التي أوصلت المختار الي السلطة [ صفحه 177] في الكوفة، عبر انقلاب أبرز ما فيه انه تم دونما اسراف في اراقة الدماء أو جنوح نحو العنف في ملاحقة الذين تم الانقلاب عليهم. فالاشراف طلبوا الامان، فأجيبوا اليه [302] ، والعامل الزبيري المهزوم أخرج من مخبأه، مبعداً الي البصرة ومعه مائة ألف درهم [303] وبذلك خضعت الكوفة بكل فئاتها - رسمياً علي الاقل - للمختار الذي اعتلي المنبر في المسجد ليعلن برنامجه السياسي والاصلاحي، وكان محوره اقامة حكم علوي يشيع العدل بين الناس ويبعث الطمأنينة في النفوس ويتعايش مع مختلف الاحزاب. ومما جاء فيه: «تبايعوني علي كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفاع عن الضعفاء، وقتال من قاتلنا، وسلم من سالمنا والوفاء ببيعتنا لا نقيلكم ولا نستقيلكم» [304] .علي أن المختار اذا كان قد استولي علي السلطة بمثل هذه السهولة، فان الاحتفاظ بها وسط تلك الدائرة من الصراعات الخطيرة التي اتخذت من الارض العراقية [ صفحه 178] مسرحاً لها كان أمراً في منتهي الصعوبة. فهناك أخطار مباشرة تتهدد نظامه الحديث، وتستهدفه مباشرة كلما اقترب الجيش الاموي - الذي فتك بالتوابين - من الكوفة. وهناك في الطرف الآخر ابن الزبير الذي لا زال يحتفظ بسيطرته علي جنوب العراق، وكان علي المختار أن يتحاشي الاصطدام به، واقناعه بأن حركته ليست ضده، مع ما في هذا الاقناع من استحالة، خاصة بعد أن مُنع الوالي الزبيري الجديد من دخول المدينة [305] .بالاضافة الي ذلك فان الجبهة الداخلية، لم تكن خالية من المتاعب. فالمختار وصل الي الحكم - كما هو معروف - بواسطة الحزب الشيعي وهو ليس كل الكوفة. فكان من الطبيعي أن يواجه معارضة قوية - لا سيما من الاشراف الذين بايعوا مكرهين - سببت له الكثير من المشاكل وكادت تطيح بسلطانه الحديث العهد.والواقع ان الاحداث كانت تتلاحق بصورة مثيرة ولا بد من مواجهة الموقف بجرأة وحزم. وكان وصول عبيد الله بن زياد بجيشه الاموي الي الموصل [306] من أثقل الامور علي المختار الذي بدا وكأنه يسابق الزمن في [ صفحه 179] استعداداته العسكرية لمواجهة أشد أعدائه خصومة وأكثرهم الحاحاً. ولكي يؤخر زحف هؤلاء نحو الكوفة، أرسل المختار جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة يزيد بن انس، المريض والمسن حينئذ [307] فاشتبك مع طلائع الجيش الاموي وتمكن بعد يومين من تحقيق انتصار غير متوقع. ولكن ذلك اقترن بوفاة القائد المنتصر في نفس الليلة، فكان لموته تأثيراً سيئاً علي معنويات الجنود الذين تهيبوا ضخامة الجيش الاموي وأخذوا في التراجع الي الكوفة [308] .بلغت أخبار الانسحاب، ومعها اشاعات عن هزيمة جيش المختار [309] فأسقط في يده، وأمر قائده ابن الاشتر بالتوجه مع سبعة آلاف مقاتل [310] للحؤول دون توغل ابن زياد في العراق.غير أن خروج ابن الاشتر من الكوفة ترك مضاعفات خطيرة في المدينة وزاد الموقف حراجة، حين انتفض الاشراف - وكأنهم كانوا ينتظرون خلو الكوفة من ابن الاشتر - وقد كان الحافز وراء ذلك، تضارب مصالحهم [ صفحه 180] الاقتصادية والسياسية مع وجود حكومة شيعية في الكوفة برئاسة المختار، أبرز اهتماماتها معاقبة المسؤولين عن مقتل الحسين، وبعضهم كان من الاشراف، وانصاف الطبقات المحرومة والفئات المضطهدة لا سيما الموالي، وغير ذلك مما أثار حفيظة هؤلاء ودفعهم الي التآمر علي الحكم الشيعي الذي هدد ما تمتعوا به من امتيازات خاصة في ظل الحكومات السابقة [311] .انطلق الاشراف في زمر مسلحة في الكوفة وحاصروا قصر الامارة، وقد أدي ذلك الي قتال عنيف في الشوارع خاضته الشيعة ببسالة، وصمد المختار، فلم تفقده خطورة الموقف توازنه، وقدرته الفائقة علي المناورة، حين لجأ الي المماطلة بالتفاوض مع المتمردين [312] كسباً للوقت ريثما يصل قائده ابن الاشتر، وكان قد كتب اليه بشأن المؤامرة [313] .عاد ابراهيم بسرعة الي الكوفة، وبعودته أتيح للحزب الشيعي - وكانت الحماسة قد بلغت به أقصي درجاتها، يزيدها اشتعالاً صرخات التوابين بقيادة رفاعة ابن شداد مرددة شعارها المعروف «يالثارات [ صفحه 181] الحسين» [314] - أن يقضي علي تمرد الاشراف ويصفي مقاومتهم. وقد أتاح ذلك بدون شك أمام المختار فرصة الاسراع بتنفيذ قراره الانتقامي من قتلة الحسين وتتبعهم في أنحاء العراق، فأوقع بالكثيرين منهم [315] قتلاً ونفياً وتعذيباً، كان بينهم عمر بن سعد وشمّر بن ذي الجوش [316] .وبعد يومين من اخماد تمرد الاشراف، غادر ابراهيم ابن الاشتر الكوفة من جديد في طريقه الي الموصل حيث كان يرابط بجوارها عبيد الله بن زياد مع جيشه الاموي. وعند نهر الخازر [317] اشتبك الجيشان في ملحمة عظيمة [318] بذل فيها الشيعة جهوداً عظيمة للسيطرة علي زمام الموقف، وقامت فرقة انتحارية منهم باختراق صفوف العدو، مستهدفة عبيد الله بن زياد فتمكنت من الوصول اليه وقتله. ثم قتل غيره من القواد الكبار، [ صفحه 182] الامر الذي أحدث بلبلة وفوضي وأدي الي هزيمة ساحقة للجيش الاموي [319] .وهكذا اكتملت الصورة الانتقامية، وغمر الارتياح والفرح نفوس الشيعة بمقتل عبيد الله بن زياد الذي اجتز رأسه وحمل الي الكوفة ليوضع في نفس المكان الذي وضع فيه رأس الحسين يوم كان ابن زياد والياً علي المدينة. وحينذاك بلغ المختار قمة مجده السياسي، ولكنه وجد نفسه أيضاً أمام المنحدر، يتهاوي فيه بمثل السرعة التي صعد بها الي القمة. ذلك ان الانتصار الذي حققه سيد الكوفة الجديد علي الامويين - أعداء ابن الزبير - لم يخفف من حفيظة هذا الاخير نحو المختار الذي أضر كثيراً بقضيته [320] فبعد قليل من الوقت، والمختار لم يفق بعد من سكرة الانتصار، فوجئ بمصعب ابن الزبير يزحف بجيشه نحو الكوفة، وكان قد أرسل من قبل أخيه أميراً علي البصرة سنة 67 للهجرة [321] وقد شغل الاشراف المنفيون في البصرة دورهم البارز في تحريض مصعب وتعجيل الحملة التي أعدها للقضاء علي المختار.وفي الكوفة، بدا كأن المختار لم يفاجأ بأخبار هذه [ صفحه 183] الحملة بقدر ما فاجأه التوقيت. فاستعد للامر ودخل المعركة بامكانيات محدودة، خاصة وأن قائده الشجاع ابراهيم بن الاشتر كان لا يزال في الموصل [322] لاسباب غير واضحة تماماً، وربما كانت لابراهيم مسوغاته في الابتعاد عن الكوفة والانشغال عنها بأمور غير أساسية، وأن التزامه في التحالف مع المختار كان مرحلياً ليس أكثر، وكان هذا الاخير يدرك ذلك ويري في قائده منافساً خطيراً أكثر من مجرد حليف مخلص.وفي اثناء القتال الذي احتدم في (حروراء) [323] بين كل من الجيشين، برز تفوق الزبيريين بشكل ملحوظ وازداد ضغطهم علي رجال المختار الذين تراجعوا مهزومين، تتبعهم جنود ابن الزبير. وما لبثت أخبار الكارثة ان وصلت الي المختار الذي اعتصم في قصر الامارة بعض الوقت، غير أنه خرج يطلب الموت [324] - علي حد تعبيره - بعد أن اشتدت عليه وطأة المحاصرين، فقتل بعد مقاومة بطولية نادرة، وانطوت فكرة الحكومة الشيعية في الكوفة التي غابت معه وكان غيابها طويلاً جداً. [ صفحه 184] ان سقوط حكومة المختار في الكوفة لم يؤد الي استسلام حركة المعارضة العراقية، وانما استمرت تتصاعد ولكن بقيادات مختلفة وبأهداف ومناهج متباينة. فبعد المختار تسلم الحزب الزبيري السلطة في العراق بزعامة مصعب، مستفيداً من الظروف التي كانت خير حليف في انهاك قوي العدو وتعبئة القوي الشعبية بالكراهية ضد الامويين.ولكن الي أي مدي سيحتفظ هذا الحزب بالسلطة ذلك هو السؤال؟ فقد أصبح النظام الاموي أكثر مناعة واجتاز أزماته العائلية والقبلية بعد وصول عبد الملك بن مروان الي الحكم وتطلع الانظار اليه حينئذ لانقاذ الدولة الاموية من انقساماتها واعادة بنائها من جديد قوية، موحدة.وبعد أن قضي هذا الخليفة بعض الوقت في تصفية مشاكله الداخلية ومعالجة الوضع العسكري علي جبهة البيزنطيين تحول نحو معركته المصيرية مع منافسه في الخلافة وشريكه في اللقب عبد الله بن الزبير. فلما شعر باستقرار الاحوال في عاصمة الخلافة قاد بنفسه حملة عسكرية الي العراق صيف 72 هجري [325] لتوجيه ضربته الاولي [ صفحه 185] الي مصعب، فاشتبك معه في معركة طاحنة عند (دير الجاثليق) في الجزيرة [326] انتهت بهزيمة الجيش الزبيري وحلفائه من العراقيين ومقتل مصعب وقائده الشهير الذي انضم اليه ابراهيم بن الاشتر. وكان ذلك ايذاناً برجوع العراق مرة اخري الي السيادة الاموية ليستكين فترة ثم ينقض من جديد معبراً بمختلف الوسائل السلبية عن رفضه للحكم الاموي وتوقه الي التحرر والاستقلال.وتجدر الاشارة الي أن نضال الحزب الشيعي وهو احدي فصائل المعارضة الاكثر أهمية في العراق مر بفترة من الركود النسبي وذلك لافتقاده الي المغامرين والقادة العظام في صفوفه، وفله في اغتنام الاحداث التي كان من الممكن أن تقوده الي تحقيق طموحاته السياسية لو أحسن استغلالها جيداً. وعلي ذلك ستشهد الفترة المتبقية من الخلافة الاموية تطوراً ملموساً في نظم الحزب الشيعي وعقائده، وتحولاً بارزاً في مسيرته النضالية الدائمة. ولكن هذا لم يؤد بأية حال الي تخلي هذا الحزب عن دوره الريادي في كل الثورات الرافضة التي شهدتها الارض العراقية منذ مصرع الحسين حتي سقوط الدولة الاموية نهائياً علي يد احدي الدعوات التي فرزتها الحركة النضالية الشيعية.

پاورقي

[1] المسعودي: مروج الذهب 3 / 37 - 38.
[2] صحيح البخاري 5/137.
[3] ابن هشام: 2/601.
[4] اليعقوبي: 2/113.
[5] اليعقوبي: 2/127، الطبري: 3/211.
[6] الطبري: 3/204.
[7] مرتضي العسكري: عبد الله بن سبأ وأساطير أخري: 87.
[8] طبري: 3/207.
[9] الاوس والخزرج. [
[10] اسيد بن حضير وعويم بن ساعدة. طبري: 3/209 ابن قتيبة: الامامة والسياسة 1/9.
[11] طبري: 3/198.
[12] طبري: 3/208.
[13] طبري: 3/197.
[14] طبري: 3/195.
[15] ابن قتيبة: الامامة والسياسة: 1/6.
[16] لن تعرف العرب هذا الامر الا لهذا الحي من قريش: ابن هشام.
[17] ابن قتيبة: الامامة والسياسة: 1/6.
[18] الطبري: 3/209.
[19] الطبري: 3/209.
[20] احمد صبحي: نظرية الامامة عند الشيعة الاثني عشرية، 28 - 29.
[21] سهيل زكار: التاريخ عند العرب، 95 - 115.
[22] التراتيب الادارية: 1/2 - 8.
[23] انظر صحيح البخاري: 5/137 - 141.
[24] أبو يوسف: الخراج، 28 - 47.
[25] الطبري: 5/22.
[26] جاء في تاريخ الطبري ان عبد الرحمن بن عوف بعث في صبيحة اليوم الثالث لوفاة عمر «الي من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، والي اُمراء الاجناد فاجتمعوا حتي التج المسجد بأهله فقال: ايها الناس، ان الناس قد احبوا ان يلحق اهل الامصار بأمصارهم وقد علموا من أميرهم، فقال سعيد بن زيد: انا نراك لها أهلاً، فقال: أشيروا علي بغير هذا. فقال عمار: ان أردت الا يختلف المسلمون فبايع علياً، فقال المقداد بن الاسود: صدق عمار، ان بايعت علياً قلنا سمعنا واطعنا. قال ابن ابي سرح: ان أردت الا تختلف قريش فبايع عثمان: فقال عبيد الله بن ابي ربيعة: صدق أن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا. فشتم عمار ابن أبي سرح وقال: متي كنت تنصح المسلمين. فتكلم بنو هاشم وبنو امية فقال عمار: أيها الناس أن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأني تصرفون هذا الامر عن أهل بيت نبيكم! فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية، وما انت وتأمير قريش لانفسها. فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل ان يفتتن الناس، فقال عبد الرحمن: اني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط علي انفسكم سبيلاً. ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل واعمل بمبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال: نعم، فبايعه، فقال علي: حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون، والله ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك والله كل يوم هو في شأن. فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل علي نفسك سبيلاً فاني قد نظرت وشاورت الناس فاذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله، فقال المقداد: يا عبد الرحمن أما واللّه لقد تركته من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، فقال: يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين. فقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيهم، أني لاعجب من قريش انهم تركوا رجلاً ما أقول أن أحداً أعلم ولا أقضي منه بالعدل. فقال عبد الرحمن: يا مقداد اتق الله فأني خائف عليك الفتنة، فقال علي: أن الناس ينظرون الي قريش وقريش تنظر الي بيتها فتقول: أن ولي عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم» - الطبري: 5/37 - 38.
[27] فلهوزن: تاريخ الدولة العربية، 50.
[28] ابن كثير: 7/180.
[29] بيضون - زكار: تاريخ العرب السياسي، 76.
[30] ابن كثير: 7/177.
[31] اليعقوبي: 2/155.
[32] ابن قتيبة: الامامة والسياسة 1/49.
[33] Perier Vie Dal - Hadjajadj ibn yousof, P10.
[34] قدوره: عائشة 255 - 260.
[35] لويس: العرب في التاريخ 84.
[36] الدينوري: الاخبار الطوال 144 - 145.
[37] الطبري: 5/215.
[38] ابن الاثير: 3/140.
[39] Perier Vie Dal - Hadjajadj ibn yousof, P12.
[40] الطبري: 5/232.
[41] المسعودي: مروج الذهب 2/392.
[42] الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 68.
[43] الاصفهاني: مقاتل الطالبيين 34.
[44] راجع صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين 83 وما بعدها.
[45] راجع صلح الامام الحسن للسيد محمد جواد فضل الله 51 وما بعدها.
[46] كان من أبرز هؤلاء: الاشعث بن قيس، عمرو بن حريث، معاوية بن خديج، المنذر بن الزبير، شبث بن ربعي، اسحق بن طلحة، وعمر بن سعد.
[47] راجع كتاب تاريخ العرب السياسي (بيضون - زكار): 82.
[48] السيد محسن الامين: أعيان الشيعة 4/22.
[49] الاصفهاني: مقاتل الطالبيين: 40 - 42.
[50] الدينوري: الاخبار الطوال: 23.
[51] اليعقوبي: 2/251.
[52] أعيان الشيعة: 4/42.
[53] الطبري: 6/93.
[54] كان من ابرزها: حجر بن عدي الكندي، وقيس بن سعد بن عبادة، وسليمان بن صرد وغيرهم.
[55] لويس: العرب في التاريخ 89.
[56] كان من بنودها: ان يكون الامر للحسن بعد معاوية. فان حدث شيء للحسن فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية ان يعهد به الي احد: صلح الحسن 253 - 254. خالد محمد خالد: ابناء الرسول في كربلاء 87.
[57] المسعودي: مروج الذهب 2/427.
[58] ابن الاثير: 2/252.
[59] الخضري: محاضرات في تاريخ الامم الاسلامية 1/89.
[60] ابن الأثير: 2/252.
[61] فلهوزن: الخوارج والشيعة 149.
[62] الطبري: 6/106.
[63] ثابت الراوي: العراق في العصر الاموي 140.
[64] الدينوري: الاخبار الطوال 236.
[65] فلهوزن: الخوارج والشيعة 149 - 150.
[66] الطبري: 6/142.
[67] تاريخ خليفة 1/241.
[68] تاريخ خليفة 1/247، سنة خمسين للهجرة.
[69] ابراهيم الابياري: معاوية 244.
[70] 51 للهجرة.
[71] محمد جواد فضل الله: حجر بن عدي الكندي، 121 وما بعدها.
[72] تاريخ خليفة: 1/251.
[73] خالد محمد خالد: ابناء الرسول في كربلاء 90.
[74] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/45.
[75] الدينوري: الاخبار الطوال 221.
[76] الدينوري: الاخبار الطوال 220.
[77] الطبري: 6/189.
[78] الطبري: 6/189.
[79] الطبري: 6/189.
[80] ابن الاثير: 4/8 - 9.
[81] خالد محمد خالد: ابناء الرسول في كربلاء 109.
[82] الطبري: 6/169.
[83] المنذر بن الزبير، ابن الاثير: 4/10.
[84] ابن الاثير: 4/10.
[85] الطبري: 6/202.
[86] ابن الاثير: 4/12.
[87] الطبري: 6/206.
[88] الطبري: 6/208.
[89] مقاتل الطالبيين: 67.
[90] الطبري: 6/208.
[91] الطبري: 6/213، مقاتل الطالبيين: 71.
[92] الطبري: 6/213.
[93] احمد البراقي: تاريخ الكوفة: 289.
[94] الطبري: 6/204.
[95] الطبري: 6/207.
[96] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/48.
[97] ابن الاثير: 4/18.
[98] خالد محمد خالد: ابناء الرسول في كربلاء 127.
[99] الطبري: 6/224. [
[100] مقاتل الطالبيين: 73.
[101] مقاتل الطالبيين: 74.
[102] المكان الذي نزل فيه الحسين.
[103] ابن الاثير: 4/22.
[104] ابن الاثير: 4/24.
[105] الطبري: 6/237.
[106] الطبري: 6/244 - 245.
[107] ابن الاثير: 4/44.
[108] الطبري: 7/4.
[109] البلاذري: انساب الاشراف 4/43.
[110] اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي 2/250.
[111] الطبري: 7/258.
[112] الطبري 6/189.
[113] ابن كثير: البداية والنهاية 8/163.
[114] ابن كثير: البداية والنهاية 8/160.
[115] الطبري: 6/169 - 197.
[116] جاء في وصية الحسين لاخيه محمد بن الحنفية: «اني لم اخرج اشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
[117] الخربوطلي: عبد الله بن الزبير 92.
[118] ابن قتيبة: الامامة السياسة: 2/10.
[119] الشهرستاني: الملك والنحل 1/165.
[120] ابن كثير: البداية والنهاية 8/239.
[121] ابن الاثير: 4/52.
[122] GABRIELI Les ARABES 91.
[123] الطبري: 7/16 - 17.
[124] ابن كثير: البداية والنهاية 8/238.
[125] الطبري: 7/24، ابن كثير: 8/238.
[126] الطبري: 7/32 وما بعدها. ابن كثير: 8/238.
[127] الدينوري: الاخبار الطوال 280.
[128] ابن كثير: البداية والنهاية 8/239.
[129] الطبري: 7/30.
[130] فلهوزن: تاريخ الدولة العربية 166.
[131] بيضون - زكار: تاريخ العرب السياسي 139.
[132] فلهوزن: تاريخ الدولة العربية 175.
[133] تاريخ خليفة: 1/326.
[134] تاريخ خليفة: 1/326.
[135] F. GABRIELI LES Arabes 91.
[136] البلاذري: انساب الاشراف 4/64.
[137] الطبري: 7/47.
[138] الطبري: 7/47.
[139] فلهوزن: الخوارج الشيعة 189، الطبري 7/48.
[140] ورد في البداية والنهاية: ابن نجيه 8/247.
[141] الطبري 7/47، ابن كثير 8/247.
[142] ابن كثير: 8/247.
[143] الطبري: 7/48.
[144] القرآن الكريم: 54 البقرة 2، اليعقوبي 2/257.
[145] ابن كثير: 8/247.
[146] دائرة المعارف الاسلامية 12/171.
[147] البلاذري: انساب الاشراف، 2/272.
[148] الطبري: 6/197.
[149] الطبري: 7/48.
[150] الطبري: 7/48.
[151] الطبري: 7/48.
[152] الطبري: 7/49.
[153] من خطاب سليمان في المؤتمر، الطبري 7/49.
[154] الطبري 7/48.
[155] الطبري: 7/51.
[156] الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 133.
[157] النخيلة: مكان بالقرب من الكوفة.
[158] ابن كثير: 8/247، الطبري: 7/.
[159] ابن كثير: 8/247.
[160] الطبري: 7/50.
[161] الطبري: 7/50.
[162] الطبري: 7/51.
[163] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/57.
[164] الطبري: 7/51.
[165] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية: 2/58.
[166] ابن كثير: 8/247. ينفرد البلاذري في انساب الاشراف بقوله أن التوابين قدّموا موعد الخروج الي سنة 64 هجري حين علموا بوفاة يزيد.
[167] ابن كثير 4/68.
[168] الطبري: 7/52.
[169] ابن كثير: 7/53.
[170] فلهوزن: الخوارج والشيعة 190.
[171] ابن كثير: 8/248.
[172] فلهوزن: الخوارج والشيعة 190.
[173] الطبري: 7/53، ابن كثير: 8/248.
[174] الطبري: 7/53، ابن كثير: 8/248.
[175] الطبري: 7/53.
[176] بيضون: زكار: تاريخ العرب السياسي 114 - 115.
[177] فلهوزن: للخوارج والشيعة 198.
[178] اليعقوبي: 2/258، ابن كثير:8/249.
[179] ابن كثير: 2/249.
[180] هاني بن ابي حية الوادعي، الطبري 7/63.
[181] الطبري: 7/63.
[182] الطبري: 7/63.
[183] J Perier vie Dal-hadjdadj 25.
[184] يتفق معظم المؤرخين علي ان المختار خرج من الحجاز باسم الدعوة لمحمد بن الحنفية، اليعقوبي 2/258، الطبري 7/64.
[185] ابن كثير: 8/250.
[186] فلهوزن: الخوارج والشيعة 204.
[187] ابن الاثير: 4/72.
[188] عمر بن سعد بن ابي وقاص، شبث بن ربعي، يزيد بن الحارث بن رويم. طبري 7/65، ابن الاثير 4/73.
[189] طبري: 7/65، ابن الاثير: 4/73.
[190] طبري 7/66، ابن الاثير 4/73، ابن كثير 8/250.
[191] كان من ابرز الدعاة حماسة واندفاعاً عبد الله المري الذي كان يردد: «ويل للقاتل وملامة للخاذل! ان الله لم يجعل لقاتله حجة، ولا لخاذله معذرة - الا ان يناصح الله في التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين. فعسي الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة. انا ندعوكم الي كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل بيته، والي جهاد المحلين والمارقين» الطبري: 7/52.
[192] الطبري: 7/55.
[193] ابن كثير: 8/551.
[194] ابن الاثير: 4/74.
[195] الفتوح لابن الاعثم الكوفي (مخطوطة).
[196] قيل ان عدد المتطوعين ارتفع الي نحو عشرين الفاً. ابن كثير 8/251.
[197] ابن كثير: 8/251.
[198] ابن الاثير: 4/74.
[199] ابن الاثير: 4/68.
[200] الطبري: 7/68.
[201] رد سليمان علي عبد الله بن سعد بن نفيل، الطبري: 7/68، ابن الاثير: 4/74.
[202] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/58.
[203] الطبري: 7/67.
[204] الطبري: 7/67، ابن الاثير: 8/252.
[205] الفتوح لابن الاعثم الكوفي، نسخة اسطنبول، (مخطوطة).
[206] الطبري: 7/69.
[207] الطبري: 7/69.
[208] الفتوح لابن الاعثم الكوفي، (مخطوطة) 1/255 - 267 - نسخة اسطنبول.
[209] الطبري: 7/68، ابن الاثير 4/74.
[210] عبد الله بن يزيد الانصاري.
[211] الطبري: 7/53.
[212] الطبري: 7/53.
[213] الطبري: 7/54.
[214] الخربوطلي: تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 135 - 136.
[215] الطبري: 7/69.
[216] الطبري: 7/69.
[217] الفتوح لابن الاعثم الكوفي (مخطوطة) 260 - نسخة اسطنبول.
[218] الطبري: 7/71 - 72.
[219] الطبري: 7/72.
[220] الطبري: 7/72.
[221] الطبري: 7/72.
[222] القرآن الكريم: التوبة 111.
[223] الفتوح لابن الاعثم الكوفي 260. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[224] الفتوح لابن الاعثم الكوفي 260. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[225] ابن الاثير: 4/75.
[226] البصيرة حالياً في سوريا، عند مصب الخابور علي الفرات.
[227] ابن كثير: 8/252 - 253.
[228] الطبري: 7/74.
[229] الطبري: 7/72.
[230] ابن الاثير: 4/75.
[231] الطبري: 7/73.
[232] الطبري: 7/73.
[233] الطبري: 7/73، ابن الاثير: 4/75.
[234] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[235] ابن الاثير: 4/75.
[236] الطبري: 7/73.
[237] رأس عين تنبع علي بضعة أميال الي الشمال من قرقيسيا علي نهر الفرات، ابن الاثير: 4/76، جون جلوب: امبراطورية العرب 134.
[238] الطبري 7/73 - 74، ابن الاثير: 4/76.
[239] ابن الاثير الخ: 8/253.
[240] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[241] الطبري: 7/74.
[242] الطبري: 7/74.
[243] المكان الذي استشهد فيه الحسين ورفاقه في كربلاء.
[244] الطبري: 7/74، ابن الاثير: 4/76.
[245] 3 رمضان سنة 65 هجري. تاريخ خليفة 1/331.
[246] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[247] تاريخ خليفة 1/331.
[248] الطبري: 7/75.
[249] ثابت الراوي: العراق في العصر الاموي 170.
[250] البلاذري: انساب الاشراف 5/217. الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[251] جاء في البداية والنهاية: خمسمائة فارس، ابن كثير: 8/253.
[252] الطبري: 7/75، ابن الاثير 4/76.
[253] الطبري: 7/75، ابن الاثير: 4/76.
[254] الطبري: 7/75، ابن الاثير: 4/76.
[255] ابن كثير: 8/254.
[256] فلهوزن: الخوارج والشيعة 195.
[257] الفتوح لابن الاعتم الكوفي. نسخة اسطنبول. (مخطوطة).
[258] الطبري: 7/76.
[259] قدر عدد الجيش الاموي الذي اشترك باثني عشر الفاً، كان علي رأسه الحصين بن نمير السكوني. ابن الاثير: 8/254.
[260] الطبري: 7/76.
[261] الطبري: 7/76.
[262] المسعودي: مروج الذهب 3/94.
[263] الجمعة في 24 جمادي الاول 65 هجري / 6 كانون الثاني 685 م. المسعودي: مروج الذهب: 3/94.
[264] جون جلوب: امبراطورية العرب 135.
[265] الطبري: 7/76.
[266] ابن كثير: 8/255.
[267] الطبري: 7/76 - 77.
[268] ابن كثير: 8/254.
[269] جون جلوب: امبراطورية العرب 136.
[270] ابن كثير: 8/254.
[271] جون جلوب: امبراطورية العرب 136.
[272] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[273] الطبري: 7/80.
[274] ابن الاثير: 4/78.
[275] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[276] الفتوح لابن الاعثم الكوفي. نسخة اسطنبول (مخطوطة).
[277] ابن الاثير: 4/78.
[278] الطبري: 7/66.
[279] المسعودي: مروج الذهب 3/94.
[280] «رأوا انهم لا يغسل عنهم ذلك الجرم، الا قتل من قتله او القتل فيه» مروج الذهب 3/93.
[281] ابن الاثير: 4/89.
[282] الطبري: 7/94.
[283] الطبري: 7/94.
[284] الطبري: 7/90 - 91.
[285] فلهوزن: الخوارج والشيعة 203 - 204.
[286] ابن كثير: 8/265.
[287] المسعودي: مروج الذهب 3/74.
[288] ابن كثير: 8/264.
[289] ابن الاثير: 4/89.
[290] ابن كثير: 8/268.
[291] الطبري: 7/98 - 99.
[292] ابن كثير: 8/266.
[293] ابن كثير 4/91.
[294] «اياس بن مضارب»، ابن الاثير 4/89.
[295] الطبري: 7/100.
[296] الطبري: 7/100.
[297] شبث بن ربعي.
[298] الطبري 7/103.
[299] ابن كثير: 8/267.
[300] ابن الاثير: 4/94.
[301] دائرة المعارف الاسلامية الشيعية: 2 / 59.
[302] ابن الاثير: 4/95.
[303] ابن كثير: 8/268.
[304] الطبري: 7/108 - 110.
[305] فلهوزن: الخوارج والشيعة: 215.
[306] ابن كثير: 8/268.
[307] الطبري: 7/113 - 114.
[308] الطبري: 7/115.
[309] فلهوزن: الخوارج والشيعة: 218.
[310] ابن كثير: 8/269.
[311] بيضون - زكار: تاريخ العرب السياسي 117.
[312] ابن كثير: 8/270.
[313] ابن الاثير: 4/98.
[314] الطبري: 7/120.
[315] الطبري: 7/120.
[316] جون جلوب: امبراطورية العرب 153 - 154.
[317] رافد للزاب الكبير.
[318] في الشهر الاول من سنة 67 للهجرة، ابن الاثير: 4/109.
[319] الطبري: 7/144.
[320] الطبري: 7/80 - 81.
[321] ابن الاثير: 4/112.
[322] فلهوزن: الخوارج والشيعة: 229.
[323] ابن الاثير: 4/113.
[324] قال لاصحابه وهو خارج الي القتال: ان الحصار لا يزيدنا الا ضعفاً، فانزلوا بنا نقاتل حتي الليل ونموت كراماً. ابن الاثير: 8/288.
[325] ضياء الدين الريس: عبد الملك بن مروان: 210.
[326] المسعودي: مروج الذهب: 3/107 - 109.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.