الامام الحسين علیه السلام و مصلحة الاسلام العليا

اشارة

عنوان : امام الحسين (ع) و مصلحة الاسلام العليا
پديدآورندگان : امام سوم حسين بن علي(ع)(توصيف گر)
فواد كاظم مقدادي(پديدآور)
نوع : متن
جنس : مقاله
الكترونيكي
زبان : عربي
صاحب محتوا : موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان
توصيفگر : تاريخ اسلام
سيره ائمه اطهار ( ع )
قيام عاشورا
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
ويرايش : -
خلاصه :
مخاطب :
يادداشت : ,ملزومات سيستم: ويندوز 98+ ؛ با پشتيباني متون عربي؛ + IE6شيوه دسترسي: شبكه جهاني وبعنوان از روي صفحه نمايش عنوانداده هاي الكترونيكي
شناسه : oai:tebyan.net/34218
تاريخ ايجاد ركورد : 1388/11/11
تاريخ تغيير ركورد : 1389/2/14
تاريخ ثبت : 1389/7/6
قيمت شيء ديجيتال : رايگان

تمهيد

إن للحسين (ع) موقعاً رسالياً تميّز به عن سائر أئمة أهل البيت (ع)، وجعل منه رمزاً خالداً لكل مظلوم يصحر بظلامته عبر التاريخ، وصرخة حق تدوّي في وجه الظالمين إلي يوم الدين. وليس جزاقاً قول رسول الله (ص) في حقّه (ع) إن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، فعن أبي عبدالله (ع) قال: "كان النبي (ص) في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد، فجاء الحسين (ع) وهو طفل، فما ملكت معه شيئاً حتي دخل علي النبي، فدخلت أم سلمة علي إثره فإذا الحسين علي صدره، وإذا النبي يبكي، وإذا في يده شيء يقلّبه. فقال النبي: يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه؟ قال: قد فعلت فأوحي الله عزّ وجلّ إليّ أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأن له شيعة يشفعون فيشفَّعون، وأن المهدي من ولده، فطوبي لمن كان من أولياء الحسين وشيعته، هم والله الفائزون يوم القيامة". [1] .وهو الذي نزل الوحي بتسميته حسيناً، فقد روي أنه عندما زُفّت البشري لرسول الله (ص) بولادة الإمام الحسين (ع)، في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة، أسرع (ص) إلي دار الزهراء (س) فقال لأسماء بنت عمير: "يا أسماء، هاتي ابني"، فحملته إليه، وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر (ص) وضمَّه إليه وأذَّن في أُذنه اليمني وأقام في اليسري، ثم وضعه في حجره وبكي، فقالت أسماء: فداك أبي وأُمّي، ممَّ بكاؤك؟ قال (ص): "من ابني هذا". قالت: إنه ولد الساعة. قال (ص): "يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي". ثم قال: "يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديثة عهد بولادته".ثم قال (ص) لعلي (ع): "أي شيء سمّيت ابني"؟ فأجابه علي (ع): ماكنت لأسبقك باسمه يا رسول الله. فنزل جبرئيل (ع) علي رسول الله (ص) حاملاً اسم الوليد المبارك، قال لعلي (ع): "سمّه حسيناً". [2] .وتتوالي بيانات رسول الله (ص) في وصف مقام الإمام الحسين (ع)، وموقعه الرفيع من الرسالة والرسول، منها:عن يعلي بن مرة، قال: قال رسول الله (ص): "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله مَنأحبّ حسيناً، حسينٌ سبط من الأسباط". [3] .وعن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: "الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار علي وجهه". [4] .وعن البرّاء بن عازب، قال: رأيت رسول الله (ص) حاملاً الحسين بن علي علي عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبّه فأحبّه". [5] .وعن أبي جعفر (ع) قال: كان رسول الله (ص) إذا دخل الحسين (ع) اجتذبه إليه، ثم يقول لأمير المؤمنين (ع): "أمسكه"، ثم يقع عليه فيقبّله ويبكي، فيقول: يا أبه، لم تبكي؟ فيقول: "يا بنيَّ، اُقّبل موضع السيوف منك وأبكي". قال يا أبه، وأُقتل؟ قال: "إي والله، وأبوك وأخوك وأنت". قال: يا أبه، فمصارعنا شتّي؟ قال: "نعم، يا بني"، قال: فمن يزورنا من أُمتك؟ قال: "لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت إلاّ الصديقون من أُمّتي". [6] .وقال: "لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك". قالت فاطمة الزهراء (ع): يا أبت، أي شيء تقول؟ قال: "يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذي والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء، يتهادون إلي القتل، وكأني أنظر إلي معسكرهم، وإلي موضع رحالهم وتربتهم". قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: "موضع يقال له كربلا، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلي الأُمة، ويخرج عليهم شرار أُمتّي، لو أن أحدهم شُفّع له في السموات والأرضين ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار". قالت: يا أبه، فيقتل؟ قال: "نعم يا بنتاه، وما قُتل قتلته أحد كان قبله، ويبكيه السموات والأرضون، والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي علي الأرض متنفس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله، ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس علي ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض، وبهم ينزل الغيث". فقالت الزهراء (س): يا أبه، إنا لله، وبكت، فقال لها: "يا بنتاه، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة، يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قتله أهون من ميتة، ومن كتب عليه القتل، خرج إلي مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت. يا فاطمة بنت محمّد، أما تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنكمن حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه، يخرج منها ما يشاء؟ ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلي الملائكة علي أرجاء السماء ينظرون إليك وإلي ما تأمرين به، وينظرون إلي بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته علي الخلائق، وأُمرت النار أن تطيعه؟. أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، وتأسف عليه كل شيء؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلي بيت الله واعتمر، ولم يخلُ من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتي يفارق الدنيا"؟ قالت: يا أبه، سلّمت، ورضيت، وتوكلت علي الله، فمسح علي قلبها ومسح عينيها، وقال: "إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرُّ عيناك، ويفرح قلبك". [7] .وعن ابن عباس قال: لما اشتد برسول الله (ص) مرضه الذي مات فيه، ضمّ الحسين (ع) إلي صدره يُسيل من عرقه عليه، وهو يجود بنفسه، ويقول: "مالي وليزيد لا بارك الله فيه؟ اللهم العن يزيد". ثم غُشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول: "أما إنَّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجلّ". [8] .ومن هنا ندرك كيف أن رسول الله (ص) كان يهيّيء ولده الحسين (ع) لدور رسالي فريد، ويوحي به ويؤكّده، ليحفظ له رسالته من الانحراف والضياع; لذا نجد أن سيرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، هي من أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق وحفظ مصلحة الإسلام العليا، التي اتّسمت بها أدوار أئمة أهل البيت (ع)، علي رغم تنوّعها في الطريقة وتباينها الظاهري في المواقف، وقد تمثّل في سيرة الإمام الحسين (ع) مبدأ حفظ مصلحة الإسلام العليا في أربعة مواقف كبري، شملت عهد إمامة أبيه (ع) وعهد إمامة أخيه الحسن (ع) وعهد إمامته (ع).

في عهد امامة ابيه اميرالمومنين

وقد جسّد الإمام الحسين (ع) فيه الطاعة التامّة والامتثال الكامل لأوامر إمامه أمير المؤمنين (ع)، في الموقف من الخلافة بعد رسول الله (ص)، وخصوصاً أيام الفتنة الطخياء علي عهد عثمان بن عفّان، التي انتهت بقتله، وكذلك في خوضه حروب الدفاع عن دولة الإسلام وخلافة أمير المؤمنين (ع)، التي كان أبرزها حرب الناكثين المعروفة بحرب الجمل، وحرب القاسطين المعروفة بحرب صفّين، وحرب المارقين المعروفة بحرب النهروان. وقد أشرنا إلي ذلك سابقاً عند بياننا لمواقف أمير المؤمنين (ع) والإمام الحسن (ع) في حفظ مصلحة الإسلام العليا.

في عهد امامة اخيه الحسن بن علي

اشارة

كان الإمام الحسين (ع) ظهير أخيه الإمام الحسن (ع) الأمين وساعده الأيمن في مواجهه الباغية معاوية بن أبي سفيان، ثم كان شريكه في دفع الفتنة الكبري التي وقع فيها أصحابه وأتباعه بسبب الصلح، الذي أملته الضرورة فأوقعه مع معاوية حقناً لدماء أهل البيت (ع)، ودماء أصحابهم وأتباعهم التي مثّلت في حينها سناء مصلحة الاسلام في بقاء من يصدع بحق الثقلين، ويذبّ عن أهل بيت النبوة والعصمة، ويدفع عن الإسلام غائلة التحريف والتزوير. وقد أشرنا أيضاً إلي ذلك فيما سلف من ذكر المواقف الكبري للإمام الحسن (ع) لحفظ مصلحة الإسلام العليا.

في عهد امامته

اشاره

وفي هذا العهد ضرب الإمام الحسين (ع) المثل الأعلي في تجسيد روح الثبات والقدم الراسخة علي مبادئ الإسلام ومصلحته العليا، حيث كان له سلام الله عليه موقفان متواليان، قد يُلحظان متخالفين ظاهرياً، من الحكم الأموي منذ اليوم الأول لصيرورة الإمامة إليه بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن (ع): الأول من معاوية بن أبي سفيان، والثاني من يزيد بن معاوية:

موقفه من معاوية بن ابي سفيان

وله في موقفه هذا من معاوية صورتان تكامليّتان، كلاهما تحكيان مبدأيّته العصماء في لحاظ مصلحة الإسلام العليا:الصورة الأولي: التزامه (ع) بعهد أخيه الامام الحسن (ع)، ووفاؤه ببنود صلح أخيه المبرم مع معاوية بن أبي سفيان; لاعتقاده بأنّ المصلحة الإسلامية لا زالت في ذلك، ولأن مبادئ الإسلام وأحكامه تأبي عليه نقض العهود والتحلّل من الوفاء بالعقود، إلاّ إذا أُخلّ بشروطه أو انتهت مدته، لقول الله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، [9] وقوله أيضاً:)وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً). [10] فممّا رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السِيَر قالوا: لمّا مات الحسن بن عليّ (ع) تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلي الحسين (ع) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدّة، فإن مات معاوية نظر في ذلك. [11] .الصورة الثانية: وفيها سلك الإمام الحسين (ع) مسلكاً تكامليّاً في مقابل التزامه بما تمليه عليه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية للصلح الذي عقده الإمام الحسن (ع) مع معاوية، والتي من أبرزها كشف حقيقة هذا الأخير وحقيقة حكومة بني أمية للمسليمن، فانطلق الإمام (ع) من نفس هذه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية، وعمل جهده لكشف هذه الحقيقة.وهنا يتبيّن لنا السر في عدم التخالف بين موقفه في الصورة الأولي وموقفه في هذه الصورة الثانية، فهما صورتان لموقف تكاملي هادف، يحفظ في الأولي حدود الصلح المعلنة، ويسعي في الثانية لتكميل تحقيق الأهداف المنشودة لهذا الصلح، وذلك عن طريق إظهار الحق وإعلانه في وجه معاوية بن أبي سفيان، والتصديّ له بالحجّة البالغة، وتعرية انحرافه عن كتاب الله وسنّة نبيّه (ص)، ودرء البدع التي أحدثها في الدين، واستنكار الظلم والجور الذي أوقعه علي صفوة الأصحاب والتابعين من شيعة أهل البيت (ع)، وسفك دمائهم الطاهرة، خلافاً لبنود الصلح المبرم مع الإمام الحسن (ع). وممّا روي في ذلك:1 - تصدّيه (ع) لأمر معاوية وولاته وعمّاله بلعن أمير المؤمنين (ع) علي المنابر واضطهاد شيعته، وقتل من يروي شيئاً من فضائله، فعن سليم بن قيس قال: نادي منادي معاوية أن قد برئت الذمّة ممّن يروي حديثاً من مناقب عليّ وفضل أهل بيته، وكان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة، فاستعمل زياد بن أبيه، وضمّ إليه العراقين الكوفة والبصرة، فجعل يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف. يقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم وطردهم وشرّدهم، حتي نُفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور; فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد. وكتب معاوية إلي جميع عمّاله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة، وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه ومحبّي أهل بيته وأهل ولايته، والذين يروون فضله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته، ففعلوا حتي كثرت الرواية في عثمان، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصِّلات والخِلَع والقطائع من العرب والموالي، وكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في الأموال والدنيا، فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه وأُجيز، فلبثوا بذلك ما شاء الله.ثم كتب إلي عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، فادعوا الناس إلي الرواية في معاوية وفضله وسوابقه، فإن ذلك أحبّ إلينا وأقرّ لأعيننا، وأدحض لحجّة أهل البيت وأشدّ عليهم، فقرأ كلّ أمير وقاض كتابه علي الناس!! فأخذ الرواة في فضائل معاوية علي المنبر في كل كورة وكل مسجد زوراً، وألقوا ذلك إلي معلّمي الكتاتيب، فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن، حتي علّموه بناتهم ونساءهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.وكتب زياد بن أبيه إليه في حقّ الحضرميّين أنهم علي دين علي وعلي رأيه، فكتب إليه معاوية أن اقتل كلّ من كان علي دين عليّ ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم!!وكتب كتاباً آخر: أنظروا من قبلكم من شيعة علي واتّهمتموه بحبّه فاقتلوه، وإن لم تقم عليه البيّنة، فاقتلوه علي التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتي أن الرجل لتسقط منه كلمة فتُضرب عنقه، في حين كان الرجل يرمي بالزندقة والكفر فلا يتعرّض له بمكروه بل يكّرم ويعظم!! وكان الرجل من الشيعة لا يأمن علي نفسه في بلد من البلدان، لا سيما الكوفة والبصرة، حتي لو أن أحداً منهم أراد أن يلقي سرّاً إلي من يثق به خاف خادمه ومملوكه، فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة أن يكتم عليه، حتي كثرت أحاديثهم الكاذبة، ونشأ عليها الصبيان.وكان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المراؤون المتصنّعون، الذين يُظهرون الخشوع والورع، فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولّدوها، فحظوا بذلك عند الولاة والقضاة وأدنوا مجالسهم، وأصابوا الأموال والقطائع والمنازل، حتي صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقّاً وصدقاً، فرووها وقبلوها وتعلّموها وعلّموها، وأحبّوا عليها وأبغضوا من ردّها أو شكّ فيها، فاجتمعت علي ذلك جماعتهم، وصارت في يد المتنسّكين والمتديّنين منهم، فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا بطلانها وتيقّنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا بها، ولم يبغضوا من خالفها، فصار الحقّ في ذلك الزمان عندهم باطلاً، والباطل عندهم حقّاً، والكذب صدقاً، والصدق كذباً.فلمّا مات الحسن بن علي (ع) ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق لله ولي إلاّ هو خائف علي نفسه، أو مقتول أو طريد شريد، فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين، حجّ الحسين بن علي (ع) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي (ع) بني هاشم; رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم، من حج منهم ومَنْ لم يحج، ومن الانصار ممّن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (ص) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم، فاجتمع عليه بمنيً أكثر من ألف رجل عامتهم التابعون وأبناء الصحابة، والحسين (ع) في سرادقه، فقام (ع) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: "أما بعد، فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني. إسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلي امصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلي ما تعلمون، فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون".فما ترك الحسين (ع) شيئاً أنزل الله فيهم (أهل البيت - ع -) من القرآن إلاّ قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأمّه وأهل بيته إلاّ رواه. وفي كل ذلك يقول الصحابة: اللهم نعم، قد سمعناه وشهدناه، ويقول التابعون: اللهم قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه، حتي لم يترك شيئاً إلاّ قاله، ثم قال: "أنشدكم بالله إلاّ رجعتم وحدّثتم به من تثقون به"، ثم نزل وتفرّق الناس علي ذلك. [12] .2 - استنكاره (ع) علي معاوية قتله لصفوة من صحابة رسول الله وتابعيهم من شيعة أهل البيت; لقد روي صالح بن كيسان قال: لما قَتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجّ ذلك العام، فلقي الحسين بن علي (ع) فقال: يا أبا عبد الله، هل بلغك ما صنعنا بحجر واصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال (ع): "وما صنعت بهم"؟ قال: قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عليهم. فضحك الحسين (ع) ثم قال: "خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم ولا صلّينا عليهم ولا قبرناهم. ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلي نفسك، ثم سلها الحق عليها ولها، فإنْ لهم تجدْها أعظم عيباً، فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غير قوسك ولا ترمينّ غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنّك والله لقد أطعت فينا رجلاً ما قدُم إسلامه، ولا حدث نفاقة، ولا نظر لك، فانظر لنفسك أو دع" - يعني عمرو بن العاص -. [13] .وجاء في سيرة أهل البيت لأبي علم: إن مروان بن الحكم كتب إلي معاوية، وكان عامله علي المدينة، أمّا بعد، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلي الحسين بن علي (ع)، وأنه لا يؤمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب إليّ برأيك، فكتب إليه معاوية: بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإيّاك أن تتعرّض له بشيء، واترك حسيناً ما تركك، فإنّا لا نريد أن نتعرّض له ما وفي ببيعتنا، ولم ينازعنا سلطاننا، فأمسك عنه ما لم يبدِ لك صفحته.وكتب إلي الحسين (ع): أمّا بعد، فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقاً فإني أرغب بك عنها، ولعمر الله إن من أعطي الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، وإن أحق الناس بالوفاء من هو مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فاذكر، وبعهد الله أوفِ، فإنك متي تنكرني أنكرك، ومتي تكدني أكدك، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة، وأن يردّهم الله علي يديك في فتنة، فقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر لنفسك ولدينك ولأُمّة جدك، ولا يستخفنّك السفهاء الذين لا يوقنون.فكتب إليه الحسين (ع) في جوابه: "أما بعد، فقد بلغني كتابك أنه بلغك عني أمور أن بي عنها غنيً; زعمت أني راغب فيها، وأنا بغيرها عنك جدير، أمّا ما رقي اليك عنّي، فإنه رقّاه إليك الملاّقون المشّاءون بالنمائم، المفرّقون بين الجمع، كذب الساعون الواشون، ما أردت حربك ولا خلافاً عليك. وأيمُ الله إني لأخاف لله عزّ ذكره في ترك ذلك، وما أظنّ الله تبارك وتعالي براض عنّي بتركه، ولا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك وفي أولئك القاسطين الملبّين حزب الظالمين، بل أولياء الشيطان الرجيم".ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين; كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر والبدع ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلماً وعدواناً بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم؟!أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفّرت لونه، ونحّلتْ جسمه، بعد أن أمّنته وأعطيته من عهود الله عزّ وجلّ وميثاقه ما لو أعطيته العُصم ففهمته لنزلت إليك من شغف الجبال، ثم قتلته جرأة علي الله عزّ وجلّ واستخفافاً بذلك العهد؟!"."أولست المدّعي زياد بن سميّة، المولود علي فراش عبيد عبد ثقيف، فزعمت أنه ابن أبيك؟ وقد قال رسول الله: الولدللفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هديً من الله، ثم سلّطته علي أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم، وصلبهم علي جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمّة وليسوا منك"؟!"أولست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنهم علي دين عليّ ورأيه، فكتبت إليه اقتل كلّ من كان علي دين علي (ع) ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟! ودين عليّ - والله - وابن عليّ للذي كان يضرب عليه أباك، وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرّحلتين اللتين بنا منّ الله عليكم فوضعهما عنكم. وقلت فيما تقول: أنظر نفسك ولدينك ولأمّة محمد (ص) واتقِ شقّ عصا هذه الأمّة وأن تردّهم في فتنة. فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك، فإن فعلته فهو قربة إلي الله عزّ وجلّ، وإن تركته فأستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أُموري"."وقلت فيما تقول: إن أنكرك تنكرني، وإن أكدك تكدني. وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت؟ فكدني ما بدا لك إن شئت، فإني أرجو ألاّ يضرّني كيدك، وألاّ يكون علي أحد أضرّ منه علي نفسك، علي أنك تكيد فتوقظ عدوّك وتوبق نفسك، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا. وتعظيمهم حقّنا بما به شرفت وعرفت، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا. أو ماتوا قبل أن يدركوا"."أبشر يا معاوية بقصاص، واستعد للحساب، واعلم أنّ الله عزّ وجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس الله تبارك وتعالي بناس أخذك بالظِنة وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلي الغربة والوحشة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان، يشرب الشراب، ويلعب بالكعاب. لا أعلمك إلاّ قد خمّرت نفسك، وشريت دينك، وغششت رعيتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت التقي الورع الحليم".قال: فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين (ع) قال: لقد كان في نفسه غضب عليّ ما كنت أشعر به، فقال ابنه يزيد، وعبد بن أبي عمير بن جعفر: أجبه جواباً شديداً تصغر إليه نفسه، وتذكر أباه بأسوأ فعله وآثاره. فقال: كلاّ، أرأيتما لو أنّي أردت أعيب عليّاً محقّاً ما عسيت أن أقول؟ إن مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس، ومتي عبت رجلاً بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره شيئاً، وما عسيت أن أعيب حسيناً وما أري للعيب فيه موضعاً إلاّ أني قد أردت أن أكتب إليه وأتوعّده وأهدده وأجهله ثم رأيت ألاّ أفعل. [14] .3 - إظهاره وإعلانه لفضائل أهل البيت (ع) وحقهم في ولاية المسلمين، فعن موسي بن عقبة أنه قال: لقد قيل لمعاوية إنّ الناس قد رموا أبصارهم إلي الحسين (ع)، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب، فإن فيه حصراً أو في لسانه كلالة. فقال لهم معاوية: قد ظننّا ذلك بالحسن، فلم يزل حتي عظم في أعين الناس وفضحَنا، فلم يزالوا به حتي قال للحسين: يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد الحسين (ع) المنبر، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي النبي (ص)، فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال الحسين (ع): "نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله (ص) الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله (ص) ثاني كتاب الله تبارك وتعالي، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقايقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة. قال الله عزّ وجلّ: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول)، وقال: (ولو ردّوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً)"."وأحذرّكم الإصغاء إلي هتوف الشيطان بكم، فإنّه لكم عدوّ مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس وإنّي جارٌ لكم، فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه وقال إني بريء منكم، فتلقون للسيوف ضرباً وللرماح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً". [15] .

موقفه من يزيد بن معاوية

اشاره

جسّد الإمام الحسين (ع) في هذا الموقف الرسالي الفريد أحد أبرز مصاديق وحدة الهدف في تحقيق مصلحة الإسلام العليا في أدوار أئمة أهل البيت (ع)، رغم تنوّعها وتباينها في الطريقة والأساليب، حين نهض (ع) في وجه الفاجر يزيد بن معاوية مسترخصاً كل شيء في سبيل مصلحة الإسلام العليا.إن من أبرز مصاديق الحكمة في نهضة الإمام الحسين (ع) في سبيل تحقيق مصلحة الاسلام العليا هي:1 - إن معاوية في تنصيبه لابنه يزيد من بعده للخلافة قد نقض عهده المبرم في صلحه مع الإمام الحسن (ع)، وبذلك أصبح الإمام الحسين (ع) أمام أمر مستحدث يقتضي منه موقفاً يتناسب وما تمليه مصلحة الإسلام العليا.2 - ان تنصيب يزيد من قبل أبيه معاوية خليفة للمسلمين سيصبح أكبر قضية تهدّد أساس العقيدة الإسلامية بالمحق، ويعرّضها للزوال، وذلك من خلال الانحراف الخطير الذي سيطرأ علي مسألة الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله (ص) فإن تنصيب مثل يزيد للخلافة - وهو المتجاهر بالفسق والفجور والزنا وشرب الخمور، وبتلك الطريقة التي سلكها معاوية، وهي إخراج الخلافة عن أصولها حتي عن مبني الخلافة الراشدة بعد رسول الله (ص)، وجعلها وراثية في بني أمية علي أسس الجاهلية ومقولاتها - يعني علي أقل تقدير وقوع الحكم الإسلامي في خطر التحوّل الجذري، والانقلاب الكلّي في الحكم الإلهي الذي جاء به رسول الله (ص)، وما يقوم علي أساسه من عدل وقسط وصلاح، إلي عصبيّات الجاهلية القبلية، وحكم الطاغوت الوراثي الذي سيكون للهوي والرأي المستبد الملاك التام والمقياس الفصل بين قيامه وحاكميّته علي المسلمين.3 - إن مشكلة الانحراف الجذري في مسألة الخلافة آنذاك لم تكن في إدراك مجمل هذه الحقيقة، فقد كان المسلمون المخلصون حينئذ، وعلي رأسهم كبار الصحابة والتابعين من الموالين لأهل البيت (ع) ومحبّيهم، مدركين لها ولخطورتها، إلاّ أنّ الإرادة العامة للمسلمين لم تكن بمستوي هذا الإدراك، مما دفع الإمام الحسين (ع) لتحمل هذه المسؤولية الكبري، فانبري لبذل دمه ودماء أهل بيته وأصحابه لتكون وقوداً ساخناً لإلهاب تلك الإرادة الهامدة، وتعرية حقيقة الجاهلية الكامنة في خلافة يزيد بن معاوية، التي استبدل فيها حاكمية كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع)، بحاكمية الجاهلية وسنة القبيلة والآباء والأجداد من بني أمية وأبي جهل; وبدأت منذ نهضته وبعد استشهاده (ع) مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخطّ المنحرف، ليقوم للدين عود ولتستقيم كلمته في العباد.ولتصديق ذلك لابد لنا من إلقاء نظرة علي نماذج من الوقائع الخاصة لنهضة الإمام الحسين (ع) الكبري، لنتلمس من خلالها المحتوي المبدئي في حفظ مصلحة الإسلام العليا، ورعايتها التي ضحّي الإمام الحسين (ع) بنفسه وأهل بيته وأصحابه من أجلها، منها:

لا بيعة ليزيد (شارب الخمور و قاتل النفس المحرمة والمعلن بالفسق)

فقد جاء في كتب التاريخ أن معاوية لما هلك بدمشق في منتصف رجب سنة ستين هجرية، وكان ابنه يزيد في حوران، قام الضحاك بن قيس بتكفينه ثم صلي عليه ودفنه بمقابر باب الصغير، وأرسل البريد إلي يزيد يعزّيه بأبيه، ويطلب منه الإسراع في القدوم ليأخذ بيعة مجدّدة من الناس، [16] فسار يزيد إلي دمشق فوصلها بعد ثلاثة أيام من دفن معاوية، وأقبل الناس عليه يهنّئونه بالخلافة ويعزّونه بوفاة أبيه، فقال يزيد:... أبشروا يا اهل الشام، فإن الخير لم يزل فيكم، وستكون بيني وبين أهل العراق ملحمة، وذلك أنّي رأيت في منامي منذ ثلاث ليال كأن بيني وبين أهل العراق نهراً يطّرد بالدم جرياً شديداً، وجعلت أجهد نفسي لأجوزه فلم أقدر حتي جازه بين يدي عبيد الله بن زياد وأنا أنظر إليه.فصاح أهل الشام: إمض بنا حيث شئت. معك سيوفنا التي عرفها أهل العراق في صفين، فجزاهم خيراً وفرّق فيهم أموالاً جزيلة.وكتب إلي العمال في البلدان يخبرهم بهلاك أبيه وأقرّهم علي عملهم، وضم العراقين إلي عبيد الله بن زياد بعد أن أشار عليه بذلك سرجون مولي معاوية، وكتب إلي الوليد بن عتبة وكان علي المدينة: أما بعد، فإن معاوية كان عبداً من عباد الله، أكرمه واستخلصه ومكّن له، ثم قبضه إلي روحه وريحانه ورحمته. عاش بقدر ومات بأجل، وقد كان عهد إليّ وأوصاني بالحذر من آل أبي تراب لجرأتهم علي سفك الدماء، وقد علمت يا وليد أن الله تبارك وتعالي منتقم للمظلوم عثمان من آل أبي سفيان; لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة علي أهل المدينة.ثم أرفق الكتاب بصحيفة صغيرة فيها: خذ الحسين وعبدالله بن عمر وعبدالرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ومن أبي فاضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. [17] .وقام العامل بهذه المهمة، فبعث إلي الحسين (ع) وابن الزبير في منتصف الليل رجاء أن يغتنم الفرصة بمبايعتهما قبل الناس، فوجدهما رسوله عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفان [18] في مسجد النبي (ص)، فارتاب ابن الزبير من هذه الدعوة التي لم تكن في الوقت الذي يجلس فيه للناس. [19] .واتّضح لابن الزبير ما عزم عليه الحسين من ملاقاة الوالي في ذلك الوقت، فأشار عليه بالترك حذار الغيلة، فعرّفه الحسين (ع) القدرة علي الامتناع [20] ، وصار إليه الحسين (ع) في ثلاثين [21] من مواليه وأهل بيته وشيعته شاكّين السلاح، ليكونوا علي الباب فيمنعوه إذا علا صوته [22] ، وبيده قضيب رسول الله (ص)، ولما استقر المجلس بأبي عبد الله (ع) نعي الوليد إليه معاوية، ثم عرض عليه البيعة ليزيد، فقال (ع): مثلي لا يبايع سراً. فإذا دعوت الناس إلي البيعة دعوتنا معهم فكان أمراً واحداً. [23] .فاقتنع الوليد بكلامه، ولكن مروان ابتدر قائلاً: إنْ فارقكالساعة ولم يبايع لم تقدر منه علي مثلها حتي تكثر القتلي بينكم، ولكن احبس الرجل حتي يبايع أو تضرب عنقه. فقال الحسين: "يابن الزرقاء [24] ، أنت تقتلني أم هو؟ كذبت وأثمت". [25] .ثم أقبل علي الوليد وقال: "أيها الأمير، إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل شارب الخمور وقاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أَيُّنا أحق بالخلافة". [26] .فأغلظ الوليد في كلامه وارتفعت الأصوات، فهجم تسعة عشر رجلاً قد انتضوا خناجرهم وأخرجوا الحسين (ع) إلي منزله قهراً [27] ، فقال مروان للوليد: عصيتني! فو الله لا يمكنك علي مثلها. قال الوليد: (ويح غيرك) يا مروان! اخترت لي ما فيه هلاك ديني. أقتل حسيناً أن قال لا أبايع؟! والله لا أظن امرئاً يحاسب بدم الحسين إلاّ خفيف الميزان يوم القيامة [28] ، ولا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم. [29] .

الخلافة محرمة علي آل ابي سفيان

وفيها دلالة علي حرمة الخلافة علي أساس قبلي جاهلي، فقد نقلت كتب التاريخ أن الإمام الحسين (ع) بعد أن رفض بيعة يزيد، لقيه مروان عند صباح اليوم الثاني، فدار بينهما كلام (نصح) فيها مروان الإمام (ع) ببيعة يزيد، فاسترجع الحسين (ع) وقال: "علي الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرّمة علي آل أبي سفيان [30] فإذا رأيتم معاوية علي منبري فابقروا بطنه، وقد رآه أهل المدينة علي المنبر فلم يبقروا، فابتلاهم الله بيزيد الفاسق". وطال الحديث بينهما حتي انصرف مروان مغضباً [31] .

لو لم يكن في الدنيا ملجا و لا ماوي لما بايعت يزيد

فقد جاء أن محمّد بن الحنفية قال للإمام الحسين (ع): يا أخي، أنت أحب الناس إليّ وأعزهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك، وأنت أحق بها. تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث برسلك إلي الناس، فإن بايعوك حمدت الله علي ذلك، وإن اجتمعوا علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولم تذهب مروءتك ولا فضلك. وإني أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فطائفة معك وأخري عليك، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً. فقال الحسين: "فأين اذهب"؟ قال: تنزل مكة، فإن اطمأنّت بك الدار وإلاّ لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلي آخر حتي تنظر ما يصير إليه أمر الناس، فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، حين تستقبل الامور استقبالاً، ولا تكون الأمور أبداً أشكل عليك منها حين تستدبرها استدباراً. [32] فقال الحسين: "يا أخي، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأويً لما بايعت يزيد بن معاوية". فقطع محمد كلامه بالبكاء. فقال الحسين: "يا أخي، جزاك الله خيراً. لقد نصحت وأشرت بالصواب. وأنا عازم علي الخروج إلي مكة، وقد تهيّأت لذلك أنا وأخوتي وبنو أخي وشيعتي، أمرهم أمري ورأيهم رأيي. وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم، لا تخفي عنّي شيئاً من أمورهم". [33] .

انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي محمد

كتب الحسين (ع) قبل خروجه من المدينة وصيّة قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصي به الحسين بن عليّ إلي أخيه محمد بن الحنفية، أن الحسين يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي صلّي الله عليه وآله. أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين.وهذه وصيّتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب". ثم طوي الكتاب وختمه ودفعه إلي أخيه محمد. [34] .

ما الامام الا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه علي ذات الله

فقد ذكر المؤرخون أن الحسين (ع) وافته في مكة كتب أهل الكوفة، من الرجل والاثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم لأنهم بغير إمام، ولم يجتمعوا مع النعمان بن بشير في جمعة ولا جماعة، وكثرت لديه الكتب، حتي ورد عليه في يوم واحد ستمئة كتاب، واجتمع عنده من نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب، وفي كل ذلك يؤكدون الطلب وهو لا يجيبهم. وآخر كتاب ورد عليه من شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، وعزرة بن قيس، وعمرو بن الحجّاج، ومحمد بن عمير بن عطارد، وفيه: إن الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل يابن رسول الله، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار، فأقدم إذا شئت، فإنما تقدم علي جند لك مجنّدة. [35] .ولما اجتمع عند الحسين ما ملأ خرجين كتب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلي هانئ بن هانئ السَبُعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وكانا آخر الرسل. وصورته: "بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلي الملأ من المؤمنين والمسلمين. أما بعد، فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي قصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي والحق، وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجي منكم علي مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب. والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه علي ذات الله. والسلام". [36] .

رضا الله رضانا اهل البيت

فقد ورد أن الحسين (ع) لما بلغه أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر، وأمّره علي الحاج، وولاّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالحسين (ع) أينما وجد [37] ، عزم علي الخروج من مكة قبل إتمام الحج، واقتصر علي العمرة كراهية أن تستباح به حرمة البيت. [38] .وقبل أن يخرج قام خطيباً فقال: "الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوة إلاّ بالله، وصلّي الله علي رسوله. خطّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة علي جيد الفتاة، وما أولهني إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف! وخير لي مصرع أنا لاقيه. كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلا، فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لامحيص عن يوم خطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت. نصبر علي بلائه ويوفّينا أجور الصابرين. لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته موطّناً علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالي". [39] .وكان خروجه (ع) من مكة لثمان مضين من ذي الحجة، ومعه أهل بيته ومواليه وشيعته من أهل الحجاز والبصرة والكوفة، الذين انضمّوا إليه أيام إقامته بمكة، وأعطي كل واحد منهم عشرة دنانيز وجملاً يحمل عليه زاده. [40] .

نحن اهل بيت محمد اولي بولاية هذا الامر

فقد جاء أن الحسين (ع) بعد خروجه من مكة سار حتي نزل في شراف، وعند السحر أمر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يكبّر، فقال الحسين: "لم كبرت"؟ قال: رأيت النخل، فأنكر من معه أن يكون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنّة الرماح وآذان الخيل، فقال الحسين: "وأنا أراه ذلك"، ثم سألهم عن ملجاً يلجأون إليه، فقالوا: هذا ذو حسم [41] عن يسارك فهو كما تريد فسبق إليه الحسين وضرب أبنيته. وطلع عليهم الحر الرياحي [42] مع ألف فارس، بعثه ابن زياد ليحبس الحسين (ع) عن الرجوع إلي المدينة أينما يجده، أو يقدم به الكوفة، فلما رأي سيد الشهداء (ع) ما بالقوم من العطش، أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم.وكان علي بن الطعان المحاربي مع الحر، فجاء آخرهم وقد أضرّ به العطش، فقال له الحسين (ع): "أنخ الرواية"، وهي الجمل بلغة الحجاز فلم يفهم مراده فقال له: "أنخ الجمل". ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء، فقال له ريحانة الرسول: "أخنث السقاء". فلم يدر ما يصنع لشدة العطش، فقام (ع) بنفسه وعطف السقاء حتي ارتوي وسقي فرسه.ثم إن الحسين (ع) استقبلهم فحمد الله وأثني عليه وقال: "إنها معذرة إلي الله عزّ وجلّ وإليكم، وإني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، وقدمت بها عليّ رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، ولعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي، فإن كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم، وإن كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم".فسكتوا جميعاً. وأذّن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر، فقال الحسين للحر: "أتصلي بأصحابك"؟ قال: لا، بل نصلّي جميعاً بصلاتك، فصلّي بهم الحسين (ع).وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبي محمد (ص) وقال: "أيها الناس، إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضي لله، ونحن أهل بيت محمد (ص)، أولي بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ الكراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن علي غير ما أتتني به كتبكم، انصرفت عنكم". فقال الحر: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها؟ فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوّين كتباً. قال الحر: إني لست من هؤلاء، وإني أُمرت ألاّ أفارقك إذا لقيتك حتي أُقدمك الكوفة علي ابن زياد. فقال الحسين: "الموت أدني إليك من ذلك، وأمر أصحابه بالركوب، وركبت النساء فحال بينهم وبين الانصراف إلي المدينة". [43] .

من راي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله ناكثا عهده مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقا علي الله ان يدخله مدخله

فقد ورد أن الإمام الحسين (ع) خطب في أصحاب الحر في البيضة [44] ، فقال بعد الحمد لله والثناء عليه: "أيها الناس، إن رسول الله قال: من رأي سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً علي الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيَّر، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليَّ رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيّ أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ماهي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومن نكث فإنما ينكث علي نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". [45] .

اني لا اري الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما

لقد كان نزول الإمام الحسين (ع) في كربلاء في الثاني من المحرم سنة إحدي وستين، [46] فجمع ولده وإخوته وأهل بيته، ونظر إليهم وبكي وقال: "اللهم إنا عترة نبيّك محمد، قد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدنا، وتعدّت بنو أمية علينا. اللهم فخذلنا، بحقنا، وانصرنا علي القوم الظالمين".وأقبل علي أصحابه فقال: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحصّوا بالبلاء قلّ الدّيانون". [47] .ثم حمد الله وأثني عليه وصلّي علي محمد وآله وقال: "أما بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعي الوبيل. ألا ترون إلي الحقّ لا يُعمل به، وإلي الباطل لا يُتناهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإني لا أري الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً". [48] .

لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق

عندما بعث الحر بن يزيد الرياحي إلي ابن زياد يخبره بنزول الحسين (ع) في كربلاء، كتب ابن زياد إلي الحسين (ع): أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك كربلاء، وقد كتب إليَّ أمير المؤمنين يزيد ألاّ أتو سدّ الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير، أو تنزل علي حكمي وحكم يزيد. والسلام.ولما قرأ الحسين (ع) الكتاب رماه من يده وقال: "لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق". وطالبه الرسول بالجواب فقال: "ماله عندي جواب. لأنّه حقّت عليه كلمة العذاب".وأخبر الرسول ابن زياد بما قاله أبو عبدالله (ع)، فاشتد غضبه، [49] وأمر عمر بن سعد بالخروج إلي كربلاء لقتال الإمام الحسين (ع).

لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل و لا افر فرار العبيد

عندما أقبل عمر بن سعد نحو الحسين (ع) في ثلاثين ألفاً، دعا الإمام الحسين (ع) براحلته فركبها، ونادي بصوت عال سمعه جلهم: "أيها الناس، اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتي أعظكم بما هو حق لكم عليّ، وحتي أعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم: (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون). (إن وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّي الصالحين)".ثم قال: "الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته، والشقي من فتنته، فلا تغرّنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخّيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم علي أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته، فنعم الربّ ربنا وبئس العبيد أنتم! أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (ص)، ثم إنكم زحفتم إلي ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استخوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتّباً لكم ولما تريدون! إنا لله وإنا إليه راجعون. هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبعداً للقوم الظالمين. [50] .أيها الناس أنسبوني من أنا، ثم ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر الطيار عمّي؟ أولم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدّقتموني بما أقول - وهو الحق - فو الله ما تعمّدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضرّ به من اختلقه، وإن كذّبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي"؟!ثم قال الحسين (ع): "فإن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكّون أني ابن بنت نبيّكم؟ فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة"؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادي: "يا شبث بن ربعي، ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنما تقدم علي جند لك مجنّدة"؟ فقالوا: لم نفعل.قال: "سبحان الله! بلي والله لقد فعلتم. ثم قال: أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلي مأمني من الأرض"، فقال له قيس ابن الأشعث: أو لا تنزل علي حكم بني عمك؟ فإنهم لن يروك إلاّ ما تحب، ولن يصل إليك منهم مكروه.فقال الحسين (ع): "أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله، لا أُعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد. عباد الله، إني عذت بربّي وربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب".ثم أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها. [51] .

هيهات منا الذلة يابي الله لنا ذلك و رسوله والمومنون

وخطب الإمام الحسين (ع) خطبته الثانية فيمن جاء لقتاله، حيث ركب فرسه وأخذ مصحفاً ونشره علي رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال: "يا قوم، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدي رسول الله (ص)" [52] .ثم استشهدهم علي نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبي (ص) ودرعه وعمامته، فأجابوه. بالتصديق، فسألهم عما أقدمهم علي قتله، فقالوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد. فقال (ع): "تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً! أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً اقتدحناها علي عدونا وعدوكم؟ فأصبحتم ألباً لأعدائكم علي أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات! تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبي، وتداعيتم عليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان ومطفئي السنن! ويحكم! أهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون؟ أجل والله، غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، وتأزّرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر، شجيً للناظر، وأكلة للغاصب.ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العدد وخذلان الناصر.أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يُركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، وتقلق بكم قلق المحور. عهد عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثم اقضوا إليّ ولا تنظرون)، (إني توكّلت علي الله ربّي وربكم ما من دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي علي صراط مستقيم)". [53] .ثم رفع يديه نحو السماء وقال: "اللّهم أحبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مُصبِرة، فإنهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير. [54] .والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه، قتلة بقتلة، وضربة بضربة، وإنه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي". [55] .

يا امة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته

فقد روي أن الإمام الحسين (ع) عندما ودّع عياله أمرهم بالصبر ولبس الأُزر، وقال: "استعدّوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالي حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلي خير، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم". [56] .ثم صاح بالقوم بصوت عال: "يا أمّة السوء!! بئسما خلفتم محمداً في عترته! أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي. وايم الله، إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون". فقال الحصين: وبماذا ينتقم لك منا يابن فاطمة؟ قال: "يلقي بأسكم بينكم ويسفك دماءكم، ثم يصبّ عليكم العذاب صبّاً". [57] .

اللهم احكم بيننا و بين قومنا فانهم غرونا و خذلونا و غدروا بنا و قتلونا و نحن عترة نبيك

وحتي اللحظات الأخيرة التي كان الإمام الحسين (ع) يجود فيها بنفسه، وهو مضمّخ بدمه علي أرض كربلاء، لم يغفل أبداً عن مبدأيته الرسالية، فكانت آهاته وآلامه، وهو في تلك الحالة، هي تسليم لأمر الله، ونظرٌ إلي مستقبل الرسالة والأمة، وبيان لحقيقة موقفه وموقعه من الرسالة التي حملها، والدور الذي اضطلع به، فمما روي أن هلال بن نافع قال: كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فو الله ما رأيت قتيلاً قط مضمّخاً بدمه أحسن منه وجهاً، ولا أنور، ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستقي في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه، وقال له رجل: لا تذوق الماء حتي ترد الحامية فتشرب من حميمها، فقال (ع): "أنا أرد الحامية؟ وإنما أرد علي جدّي رسول الله، وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشكوا إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي"، فغضبوا بأجمعهم حتي كأن الله لم يجعل في قلب أحدهم من الرحمة شيئاً". [58] .ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلي السماء وقال: "اللّهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلايق، عريض الكبرياء، قادر علي ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر علي ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شُكرت، ذكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكل عليك كافياً. اللّهم احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمد (ص)، الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته علي الوحي فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين". [59] .صبراً علي قضائك يا ربّ لا إله سواك يا غياث المستغيثين، [60] مالي ربّ سواك ولا معبود غيرك، صبراً علي حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاد له، يا محيي الموتي يا قائماً علي كل نفس بما كسبت، أحكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين". [61] .

الماساوية المروعة لواقعة كربلاء عنصر اساسي في تحقيق مصلحة الاسلام العليا

لقد كان للصورة المأساوية التي تميّزت بها واقعة الطف الدامية في كل وقائعها ومفرداتها، دور مرسوم وأثر بليغ شاءه الله سبحانه لتتحقق للإمام الحسين (ع) أهدافه الإلهية من خلال نهضته الكبري، والمتصفّح لكتب التاريخ التي تسرد تفاصيل واقعة الطف الأليمة سيهتز ضميره ويعتريه الحزن والألم الشديد، بل تجري دمعته مع كل مفردة من مفردات الواقعة المأساوية، منذ حركة الإمام الحسين (ع) بأهل بيته وأصحابه من مكّة المكرمة، حتي استشهاده علي أرض كربلاء المقدسة، وسبي نسائه وأطفاله فيما بعد، وفي الوقت نفسه يستعر غضباً وغيضاً علي الطاغية يزيد وابن زياد وعمّالهما من قتلة الإمام الحسين (ع); لشدة قسوتهم وظلمهم الذي لا حدّ له في طريقة مواجهة الإمام (ع)، وقتله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي نساء عترة الرسول (ص) وأطفالهم.ولقد فعلت هذه المأساة فعلها في تأجيج عواطف المسلمين، خصوصاً أهل الكوفة وغيرها في حواضر العراق والحجاز، وخلقت الأرضية الواسعة لأيّة مبادرة تعبوية لمواجهة الخلافة الأموية، وكسر هيبتها، وفضح تستّرها بستار الخلافة الإسلامية، ولهذا نجد أن مرحلة المواجهة والجهاد العنيد لهذا الخط المنحرف قد بدأت منذ أن بدأت النهضة الحسينية الكبري، واشتدت بعد استشهاده (ع)، وكلها تنادي بشعار الرضا من آل محمد (ع)، وهو شعار الإمام الحسين (ع) الشهير، الذي أطلقه في نهضته حيث قال: "رضا الله رضانا أهل البيت".ولم أجد أبلغ من وصف الإمام الحسن (ع) لمسأة الإمام الحسين (ع)، فقد روي أبو عبد الله الصادق (ع) أن الحسين دخل علي أخيه الحسن (ع) في مرضه الذي استشهد فيه، فلما رأي ما به بكي، فقال له الحسن: "ما يبكيك يا أبا عبد الله"؟ قال: "أبكي لما صُنع بك". فقال الحسن (ع): "إن الذي يؤتي إليّ سمّ يدس إليّ فأقُتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألفاً يدّعون أنهم من أمّة جدنا محمد، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون علي قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتي الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار". [62] .ولم يقف الأثر التعبوي للنهضة الحسينية عند حدٍّ مقطعي من مسيرة الأمّة، بل تواصل بنمو نوعي وكمّي مطّرد عبر العصور، حتي إننا نستطيع القول: إن من أبرز الأدلّة الواقعية علي الأثر الدائم لهذه النهضة الخالدة في أعماق المسلمين، وتحقيقها للهدف الشامل في تقويم المصلحة الإسلامية العليا علي مستوي الرسالة والأمّة جمعاء، هو هذا الإجماع المطلق في جميع العصور علي تأييدها والتفاعل مع معطياتها، والإدانة المطلقة ليزيد بن معاوية موقفاً ومنهجاً، فهذه كتب الحديث والتاريخ والسِيَر لكل المذاهب والفِرَق الإسلامية تجمع علي ذلك، وهذه كتب المحدّثين من إسلاميّين وغير إسلاميّين، ممن تناول قيام الإمام الحسين (ع) ونهضته بالدرس والتحليل، تُجمع علي ذلك أيضاً، حتي لقد جاء علي لسان أحدهم، وهو الزعيم الهندي المعروف (غاندي) قوله:"لقد عرف الحسين كيف يكون مظلوماً فينتصر".عن مجلة رسالة الثقلين، العدد الثالث والعشرون، السنة السادسة، رجب - رمضان 1418 ه / 1997 م

پاورقي

[1] البحار 44: 225، ح 5.
[2] الطبرسي، إعلام الوري بأعلام الهدي: 217. الطبري، دخائر العقبي في مناقب ذوي القربي 119. الخوارزمي، مقتل الحسين 1: 87 و 88.
[3] الفيروز آبادي، فضائل الخمسة 3: 262. صحيح الترمذي 2: 307.
[4] الطبرسي، إعلام الوري: 219.
[5] ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة (ع): 171.
[6] البحار 44: 261، ح 14.
[7] البحار 44: 264 و 265، ح 22.
[8] المصدر نفسه 266، ح 24.
[9] المائدة: 1. [
[10] الإسراء: 34.
[11] الشيخ المفيد، الإرشاد: 200.
[12] راجع الاحتجاج للطبرسي 2: 295 - 296.
[13] الطبرسي، الاحتجاج 2: 296 - 297.
[14] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 45. والطبرسي، الاحتجاج 2: 297 -298.
[15] الطبرسي، الاحتجاج 2: 298 - 299.
[16] راجع ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية 8: 145.
[17] مقتل الخوارزمي 1 178 - 180 ط. النجف.
[18] تاريخ ابن عساكر 4: 327.
[19] تاريخ الطبري 3: 270.
[20] الكامل لابن الأثير 4: 15.
[21] اللهوف للسيد رضي الدين بن طاووس.
[22] مقتل الخوارزمي 1: 183، الفصل 8.
[23] تاريخ الطبري 3: 270.
[24] في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 229، طبع ايران، والآداب السلطانية للفخري: 88، أنّ جدّة مروان كانت من البغايا، وفي كامل ابن الأثير 4: 75، أن الناس كانوا يعيّرون ولد عبد الملك بن مروان بالزرقاء بنت موهب، لأنها من المومسات ومن ذوات الرايات.
[25] تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير والإرشاد وإعلام الوري.
[26] مثير الأحزان لابن نما الحلّي من أعلام القرن السادس.
[27] مناقب ابن شهر آشوب 2: 208.
[28] تاريخ الطبري 3: 270.
[29] اللهوف: 14.
[30] اللهوف: 13. ومثير الأحزان: 10.
[31] مقتل الخوارزمي 1: 185، الفصل 9.
[32] تاريخ الطبري 3: 271، والكامل لابن الأثير 4: 7.
[33] مقتل محمد بن أبي طالب، ولم يذكر أرباب المقاتل هذا العذر، واعتذر العلاّمة الحلّي في أجوبة مسائل ابن مهنّا بالمرض، وفي أخذ الثار لابن نما الحلّي، ص 81، إصابته بقروح فلم يتمكّن من الخروج مع الحسين (ع).
[34] مقتل العوالم: 54، ومقتل الخوارزمي 1: 188، الفصل 9.
[35] ابن نما، مثير الأحزان: 11.
[36] تاريخ الطبري 3: 278. والأخبار الطوال: 237.
[37] المنتخب: 304، الليلة العاشرة.
[38] ابن نما، مثير الأحزان: 89. وتاريخ الطبري 3: 295.
[39] اللهوف: 33، وابن نما، مثير الأحزان: 20.
[40] نفس المهموم: 91.
[41] حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم): جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به.
[42] في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص 215: الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع، وقيل لعتاب الردف لأن الملوك يردفونه.
[43] إرشاد المفيد. وابن شهرآشوب في المناقب 2: 193.
[44] البيضة: ما بين واقعته إلي عذيب الهجانات، وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة.
[45] تاريخ الطبري 3: 307.
[46] نص عليه الطبري في تاريخه 3: 310، وابن الأثير في الكامل 4: 20، والمفيد في الإرشاد.
[47] البحار 10: 198. ومقتل الخوارزمي 1: 237.
[48] هذا في اللهوف، وعند الطبري في تاريخه 3: 307 أنه خطب فيهم بذي حسم، وفي العقد الفريد 2: 312، وحلية الأولياء 3: 39، وتاريخ ابن عساكر 4: 333 مثل ما في اللهوف، وفي مجمع الزوائد 9: 192، وذخائر العقبي، 149، وحلية الأولياء 2: 39، والعقد الفريد 2:312 ما يظهر منه أنه خطب بذلك يوم عاشوراء، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 209 لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه.
[49] البحار 10: 189، ومقتل العوالم: 76.
[50] مقتل محمد بن أبي طالب.
[51] تاريخ الطبري 3: 319.
[52] تذكرة الخواص: 143.
[53] تاريخ ابن عساكر 4: 334. ومقتل الخوارزمي 2: 7 واللهوف: 54.
[54] اللهوف: 56 ط. صيدا، ومقتل الخوارزمي 2: 7.
[55] مقتل العوالم: 84.
[56] جلاء العيون للمجلسي (بالفارسية).
[57] مقتل العوالم: 98، ونفس المهموم: 189، ومقتل الخوارزمي 2: 34.
[58] ابن نما، مثير الأحزان: 49.
[59] مصباح المتهجّد والإقبال وعنهما في مزار البحار: 107، باب زيارته يوم ولادته.
[60] أسرار الشهادة: 433.
[61] رياض المصائب: 33.
[62] أمالي الصدوق: 101، المجلس 24.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.