دراسة حول القرآن الكريم

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الجلالي محمدحسين

عنوان واسم المؤلف: دراسة حول القرآن الكريم تاليف محمدحسين الحسيني الجلالي

تفاصيل المنشور: بيروت : موسسة الاعلمي للمطبوعات ، 2002م = 1422ق = 1381.

خصائص المظهر: 399 ص جدول نمونه

حالة الاستماع: القائمة السابقة

ملحوظة : كتابنامه ص 391 - 378

موضوع : قرآن -- تحقيق

موضوع : قرآن -- علوم قرآني

موضوع : قرآن -- تاريخ

ترتيب الكونجرس: BP65/3/ح 46د4

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 81-30541

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

حقوق الطبع والتقليد محفوظة ومسجلة للناشر

١٤٢٢ه_ - 2002م ٢ ٢م

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - شارع المطار - قرب كلية الهندسة ملك الأعلمي - ص.ب 7120 هاتف: ٨٣٣٤٥٣ - فاكس : ٨٣٣٤٤٧

Published by Alami Library Beirut - Lebanon P.O.Box, 7120 Tel fax:833447

E-mail:alaalami@yahoo.com.

ص: 2

الاهداء

الى كل من يؤمن بأن القرآن هو النص الوحيد: الذي يوحد المسلمين جميعاً في كل أنحاء العالم والذي صانه الله من كل تحريف وباطل والذي حفظه المسلمون جيلاً بعد جيل.

والى أرواح المشايخ الذين أدوا دورهم بأمانة وإخلاص في المحافظة على هذا النص قراءة وكتابة وتفسيرا

المؤلف

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم لقد واجه القرآن الكريم في عصر الرسالة حملة شرسة من المشركين ثم من بعدهم من الموالين لهم في كل عصر و مصر حتى العصر الحاضر. و قد تكالب كل من لا يؤمن بالإسلام كدين و بالقرآن كدستور للحياة و بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كقائد على مهاجمة القرآن الذي هو مصدر قوة المسلمين باستخدام كافة الوسائل المتيسرة لهم.

و المسلمون بدورهم وقفوا في وجه ذلك بما أوتوا من حول و طول بالمحافظة على القرآن الكريم قراءة و تفسيرا و تأويلا و كتابة و طباعة و تسجيلا. و لو لا جهودهم المتواصلة لكان القرآن الكريم طعمة للتحريف و التصحيف.

و تاريخ القرآن من المواضيع الشائكة التي تسابقت الأقلام الحاقدة في الكتابة فيه ليجدوا في ذلك منفذا للتشكيك، و قاومتها الأقلام المؤمنة. و من هذا المنطلق كانت هذه الدراسة ضرورة تهدف استعراض أهم التطورات التي حصلت منذ فترة الوحي جيلا بعد جيل حتى العصر الحاضر. معتمدا في ذلك على المصادر الإسلامية الأصيلة مع التركيز على الجانب التطبيقي دون النظريات المجرّدة عن الدليل.

و هذه الدراسة المتواضعة نتيجة جهد شخصي بذلته لمعرفة تاريخ القرآن الكريم الذي حفظته صغيرا و تلوته كثيرا و استنطقته عند الوحشة، فكان نعم الصاحب و المعين عند الوحدة في مسالك الحياة التائهة، و استعنت على فهمه بحفظة الوحي و التنزيل الذين حافظوا على هذا التراث الأصيل من التغيير و التبديل عسى أن تكون خطوة في المحافظة عليه و صيانته من التشكيك في نصه أو تحوير مفاهيمه أو تشويه رسالته.

وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ محمد حسين الحسيني الجلالي

ص: 5

ص: 6

علوم القرآن

شاع في عصرنا مصطلح علوم القرآن و يعنى به طائفة من البحوث المتعلقة بالقرآن و لم أجد من حدده بدقة، و الأفضل أن يقال أنه العلم الباحث حول أحوال النص القرآني كتابة و قراءة و معنى، و بذلك تخرج بحوث المواضيع القرآنية من التوحيد مثلا فإنها ليست من أحوال النص بل من معاني و مواضيع القرآن. و يشتمل هذا المصطلح بحوث رسم القرآن و القراءات و الناسخ و المنسوخ و كذلك البحث في الفرق في التأويل و التفسير و اقسامهما حيث أنها من أحوال النص القرآني، و يخرج علم التفسير حيث هو معنى النص و ليس من أحوال النص. أما بداية استعمال هذا المصطلح تاريخيا فغير واضح و الظاهر أنه حصل في العصور المتأخرة و قد بحث فيها القدماء في كل منها بانفراد، فأول من بحث في إعراب القرآن هو الإمام علي عليه السّلام حيث أشار على أبي الأسود الدؤلي (ت 69 ه) بقوله: «تأملت كلام العرب فوجدت أنه قد فسد بمخالطة هذه الحمراء» [الأعاجم ثم قال: «الكلام كله اسم و فعل و حرف» و فصلها بقوله: «انح هذا النحو و اضف إليه ما وقع إليك»، و لذلك سمي علم النحو [راجع: معجم الأدباء، مجلد 12، صفحة 34]. و قال الداني: «إن أبا الأسود أول من أعجم القرآن بإرشاد من الإمام علي عليه السّلام [نقط المصاحف للداني، 132] و طبيعي أن يهتم العلماء الأوائل بالبحوث المستجدة حسب ولادة الحاجة إليها و نجد رسائل مفردة لهم في مواضيع خاصة- كما سيأتي- منها التفسير و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و القراءات و غريب القرآن و مشكل القرآن و إعجاز القرآن و أمثال القرآن و مجاز القرآن و غيرها.

و لعل أول من ألّف في علوم القرآن هو ابن الجوزي (ت 594 ه) بعنوان: «فنون الأفنان في علوم القرآن» و اشهر المصادر اليوم في الموضوع كتابان هما:

1- البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي (ت 794 ه)، في أربع مجلدات، طبعة القاهرة، 1391 ه/ 1972 م.

2- الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، في مجلدين، طبعة القاهرة، 1370 ه/ 1951 م.

و عدّ الزركشي علوم القرآن (47) نوعا و السيوطي عنون (80) بحثا في علوم القرآن.

ص: 7

و كان ينبغي أن أرتب هذه الدراسة على مقدمة في تعريف علوم القرآن و الوحي و أبواب في أحوال النص القرآني من جمع القرآن و أحوال قراءة النص من الترتيل و التجويد و غيرهما و أحوال معاني القرآن من ترجمة القرآن و غيرها، و لكن لأكثر هذه المواضيع رسائل مفردة بالتصنيف و كتب و موسوعات. فقد حدّثني الدكتور عبد الحميد العلوجي أنه أعد مليون بطاقة للدراسات القرآنية و ليس ذلك بمستغرب في كتاب يتلوه المسلمون في أنحاء العالم آناء الليل و أطراف النهار. لذلك حاولت في هذه الدراسة الاقتصار على أهم ما يفتقر إليه في أحوال القرآن نصا و نطقا، و يرجع لتفصيل ذلك إلى المصادر المتيسرة.

ص: 8

القرآن في اللغة

القرآن كلمة مشتقة من القراءة بمعنى التلاوة. فهو مصدر على وزن فعلان كغفران و هو ما ذهب إليه علي بن حازم اللحياني (ت 215 ه) حيث قال: «هو مصدر لقرأت كالرجحان و الغفران سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر» [الاتقان 1- 91].

و غريب ما نقله الشافعي عن شيخه ابن قسطنطين أن «القرآن اسم و ليس مهموزا و لم يؤخذ من «قرأت» و لو أخذ من «قرأت» لكان كل ما قرأ قرآنا و لكنه اسم للقرآن مثل التوراة و الإنجيل يهمز قرأت و لا يهمز القرآن. [البرهان 1- 278].

فإن الكلمة استعملت بالهمز و بمعنى القراءة في القرآن الكريم في سورة القيامة: 17، و الإسراء: 78. و عليه، كل ما قرأ كان قرآنا لغة- كما في الآيتين- و لا ينافي ذلك كونه اسما اصطلاحا للوحي المنزل على النبي المرسل.

و يؤيد ذلك استعمال الكلمة في القرآن الكريم بمعنى القراءة. قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ [القيامة: 17]. فلا بد من إرادة معنى القراءة، و كون القراءة بمعنى الجمع يستلزم التكرار و هو لا يناسب لأنها طبيعية لا حاجة إلى التعهد بها كما في نص الآية الكريمة. و كذلك قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: 78] ...

و في هذه الآية إشارة إلى أوقات الصلاة و قد حددت لها ثلاث أوقات:

الأول: دلوك الشمس [زوالها] إلى الغسق [غروب الشمس و هو وقت الظهر.

الثاني: غسق الليل [غروب الشمس و هو أول صلاة المغرب و العشاء.

الثالث: الفجر. و هو بزوغ الفجر إلى طلوع الشمس.

و قد عبّر سبحانه عنه بالقرآن لأن الصلاة بها جهرية و بما أنها في وقت مبكر يتكاسل عنها الإنسان عادة، أكد سبحانه و تعالى على أن هذه القراءة للصلاة مشهودة عند اللّه بينما الصلوات الأخرى تكون مشهودة أيضا عند اللّه و عند الناس. و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «يشهده اللّه و ملائكة الليل و ملائكة النهار» [الميزان: 13، 175].

ص: 9

القرآن في القرآن

اشارة

لقد تكررت مادة القرآن في القرآن الكريم 58 مرة [المعجم المفهرس، ص 539] و طبيعي أن القرآن الكريم لم يكمل نزوله حين نزول تلك الآيات لأن المفروض أنها نزلت قبل أن يتم القرآن نزولا و كتابة. فكلمة القرآن في القرآن لا بد و أن تكون اسم جنس جمعي تشتمل على القليل و الكثير كالماء، فكل ما نزل على قلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالوحي و الإعلان يعتبر قرآنا سواء كان قليلا أم كثيرا و لو كان قبل اكماله بين الدفتين. و ليس التعبير السائد بالقرآن عما بين الدفتين إلا تطبيقا للمفهوم من المادة على الفرد الأكمل سواء قلنا بنزوله من اللوح المحفوظ أو بنزوله مباشرة.

و التأمل في الآيات ال 58 تفيد أن القرآن متقوم بأمرين:

الأول: الوحي، و بذلك ينفرد القرآن عن الحديث النبوي الشريف.

الثاني: أن الوحي يجب أن يقرأ و يعلن على المجتمع، و به يخرج الحديث القدسي و يفترق عن القرآن و إن كان وحيا. و نكتفي من الآيات بما يلي:

قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ [البقرة: 185].

وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام: 19].

قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ [يونس: 15].

و قد أصبحت كلمة القرآن اسما علما للوحي المنزل للتبليغ على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عدّ الأعلام أسماء الوحي هذا إلى نيف و تسعين [راجع الاتقان: 1- 51، و البرهان: 1، 272- 278] و لكن نظرة فاحصة إليها تبين أن هذه الأسماء ليست سوى أوصاف وصف اللّه سبحانه و تعالى الكتاب العزيز بها و ليس شي ء منها اسم علم سوى كلمة «القرآن».

القرآن كتاب هداية

و تؤكد الآيات أيضا على أن الهدف من القرآن ليس الوحي المجرد عن العمل، بل لا بد و أن يكون السلوك الفردي و الاجتماعي متبنيا مبادئ الوحي القرآني، و نكتفي منها بهذه الآيات، قال تعالى:

أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء: 82].

ص: 10

وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام: 19].

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9].

وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر: 27].

وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [تكررت هذه الآية أربع مرات في سورة القمر 17 و 22 و 32 و 40].

و هذا يعني أن القرآن كتاب شامل للحياة من الولادة إلى الوفاة و يكوّن المجتمع على أساس من القوانين المطلوبة في تحقيق العدالة في المجتمع من العقيدة و الأخلاق. و أن الإنسان لا يمكنه أن يحقق السعادة بدون هذه القوانين الفطرية. و قد أكد عليها قوله تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم: 30] و التأكيد على أن الدين القيّم هو دين الفطرة الذي هو خلق اللّه سبحانه و تعالى، و مقارنة هذا التأكيد مع قوله تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه:

50] تفيد أن الهداية لا تتحقق إلا بهذه الفطرة التي هي الدين القويم. و ما هذا شأنه يجب أن يكون شاملا للحياة حيث لا تنفك الفطرة عن الحياة، و أن يكون كاملا لما تتطلبه الحياة، و أن يكون أبديا ما دامت الحياة. فلا بد من أن تدرس أصول مقومات المجتمع الإسلامي في القرآن الكريم و منه تستنبط الشمولية و الكمال في الإسلام.

في روايات أهل البيت عليهم السّلام

تؤكد روايات أهل البيت على تلاوة القرآن و تعلمه. فعن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خياركم من تعلّم القرآن و علّمه [البحار، 92، 186].

عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «تعلموا القرآن و تعلموا غرائبه، و غرائبه فرائضه و حدوده. فإن القرآن نزل على خمسة وجوه: حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال. فاعملوا بالحلال و دعوا الحرام و اعملوا بالمحكم و دعوا المتشابه و اعتبروا بالأمثال» [92، 186].

عن فاطمة عليها السّلام في خطبة فدك: «للّه فيكم عهد قدمه إليكم و بقية استخلصها عليكم، كتاب اللّه بينة بصائره و آية منكشفة سرائرها و برهان متجلية ظواهره، و قائد إلى الرضوان اتباعه و مؤدي إلى النجاة اتباعه، فيه تبيان حجج اللّه المنيرة و محارمه المحرمة و فضائله المدونة ...» [92، 13].

و عن علي عليه السّلام: «اللّه اللّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم ... [نهج البلاغة، الكتاب 47].

ص: 11

عن الحسن السبط عليه السّلام: «ان هذا القرآن فيه مصابيح النور و شفاء الصدور فليجل جال البصر و ليلحم الصفة فكره فإن التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» [92، 32].

عن الحسين عليه السّلام: «كتاب اللّه عزّ و جلّ على أربعة أشياء: على العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق. فالعبارة للعوام، و الإشارة للخواص، و اللطائف للأولياء، و الحقائق للأنبياء» [92، 20].

عن السجاد عليه السّلام عند ختم القرآن: «اللهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته و سهلت حواس ألسنتنا بحسن عبارته، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته و يدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته» [الصحيفة السجادية، 42].

عن الباقر عليه السّلام: «ان للقرآن بطنا و للبطن بطن و له ظهر و للظهر ظهر، يا جابر و ليس شي ء أبعد عن عقول الرجال من تفسير القرآن، ان الآية لتكون أولها في شي ء و آخرها في شي ء و هو كلام متصل يتصرف على وجوه» [92، 95].

عن الصادق عليه السّلام: «ان للقرآن حدودا كحدود الدار» [92، 16].

عن الصادق عليه السّلام أيضا: «الحافظ للقرآن و العامل به مع السفرة الكرام البررة» [92، 177].

عن الرضا عليه السّلام (في القرآن): «هو حبل اللّه المتين و عروته الوثقى و طريقته المثلى المؤدي إلى الجنة و المنجي من النار لا يخلق مع الأزمنة و لا يبعث على الألسنة لأنه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان و حجة على كل إنسان» [92، 14].

عن الجواد عليه السّلام: «و كان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه و حرّفوا حدوده فهم يروونه و لا يرعونه» [78، 359].

و روايات أهل البيت عموما تؤكد على شمولية القرآن للمبادئ الإنسانية التي يفتقر إليها في الحياة. و من هنا كان تعلم القرآن خيرا، و إن تعلمه و تعليمه خير المسلمين و أنه الفصل و ليس بالهزل لما يتطلبه العلم بالقرآن من العمل به. و إن القرآن غني فكري و لا يفتقر به لأنه ثقافة أصيلة. و أن القرآن فيه حل لمشاكل الحياة فلا بد من الرجوع إليه و استنطاقه لأنه الناصح الذي لا يغش و الهادي الذي لا يضل. لذلك خشي الإمام علي عليه السّلام عند وفاته بأن لا يعتني المسلمون بثقافة القرآن و أن يسبقهم بالعمل به غيرهم. و يؤكد الإمام الحسن السبط على أن العماد الأصيل في فهم القرآن التفكر. كما يشير الإمام الحسين عليه السّلام إلى أن القرآن

ص: 12

لجميع الطبقات و ليس لطبقة خاصة كهنوتية و في ذلك تكمن عظمة القرآن حيث ينتهل منه كل قارئ حسب قابليته و ليس لطبقة كهنوتية كما هي الحال في الكتب المقدسة الأخرى للأديان السابقة. و ليس معنى ذلك الاستغناء في تفسير القرآن عن حديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي فسره في حياته العملية و نقلها أهل بيته جيلا بعد جيل فإن فهم القرآن إنما يكون بفهم رسالة القرآن ككل و ليس كبعض. فالتركيز على جانب العبادات دون غيرها من المعاملات و السياسات الشرعية ابتعاد عن رسالة القرآن و حدوده، فالحافظ للقرآن لا بد و أن يكون عاملا به لأنه ليس من كلام البشر بل إنما هو وحي الهي.

حقيقة الوحي

الوحي في اللغة

«إعلام في خفاء» و لا يخلو شي ء من المعاني المذكورة في اللغة من الإعلام و الخفاء سواء قصد الخفاء أم لا.

قال أحمد بن فارس (ت 395 ه): «الوحي ... أصل يدل على إلقاء علم في إخفاء أو غيره إلى غيرك. فالوحي: الإشارة، و الوحي: الكتاب و الرسالة، و كل ما القيته إلى غيرك حتى علمه فهو وحي كيف كان .. إلى قوله: و الوحي السريع، و الوحي الصوت، و اللّه أعلم» [معجم مقاييس اللغة 6، 93].

أقول: و عليه، الشي ء الأصيل في مادة الوحي باختلاف مشتقاتها، الخفاء سواء كان الخفاء متقصدا أي أراد الموحي الإخفاء أم لا، فالجامع بين معاني الإشارة و الرسالة و السرعة و الصوت هو الخفاء على غير الموحى و إن لم يقصد الموحي ذلك كما في قصة مريم كما سيأتي. و على كل حال الوحي مصدر بمعنى المفعول أي الموحى به.

و عرّف الشيخ محمد عبده الوحي بقوله: «عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل اللّه بواسطة أو غير واسطة و الأول بصوت يتمثل بسمعه أو بغير صوت ...»

[الوحي المحمدي ص 44].

و عرّفه محمد علي التهانوي (1158 ح) بقوله: «و في اصطلاح الشريعة هو كلام اللّه تعالى المنزل على نبي من أنبيائه. كذا في الكرماني و المعين» [كشاف اصطلاحات الفنون:

مادة الوحي .

و عرّفه شيخنا العلوي (ت 1391 ه) في رسالته [العقد المنظم في أنواع الوحي المعظم، طبعة القاهرة، 1389 ه، ص 3] بقوله: «و شرعا الإعلام بالشرع و قد يطلق الوحي و يراد به اسم المفعول أي الموحى به و هو كلام اللّه المنزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».

ص: 13

و هذا التعريف للوحي بمعناه المصدري، ليس تعريفا لحقيقة الوحي التي لا يعرفها إلا من أوحي عليه.

و قال الطباطبائي (ت 1402 ه) في تعريف الوحي ما لفظه: «فالنبوة حالة الهية، و إن شئت قل غيبية، نسبتها إلى هذه الحال العمومية من الإدراك و الفعل، نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الإنسان المعارف التي بها يرتفع الاختلاف و التناقض في حياة الإنسان و هذا الإدراك و التلقي هو المسمّى في لسان القرآن بالوحي ...» [الميزان 2، 131].

أقول: «الأولى في تعريف الوحي أن يقال: انه مشاهدة ما وراء الطبيعة و هي تحصل للذي تجردت نفسه من الماديات بالإطلاق، و هذه الحالة الروحانية لا تحصل إلا للأنبياء و لا يمكن اخضاعها للمقاييس المادية، و ما يحصل لغيرهم ممن تجردت نفوسهم من الماديات بأقصى حد إنساني ممكن يكون الهاما، و يستفاد هذا من الآيات كما شرحته في المعجم فراجع».

و الروايات التي تصف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حالة الوحي إنما هي وصف لما شاهده الصحابة، فهي تعبّر عن انطباعاتهم الخاصة و ليست تعبّر عن حقيقة الوحي التي لم يجربها إلّا من أوحي إليه و هي للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصة دون غيره.

الوحي في القرآن

اشارة

وردت كلمة الوحي بالمعنى المصدري خمس مرات، و مشتقات المادة 76 مرة و تتفق الآيات في معنى الخفاء و قد أشار المفسرون إلى المعاني التالية مع أنها ليست بالمعنى المصطلح للوحي سوى أربع منها:

1- الإلهام:

في قوله تعالى: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [النحل: 68] فإنه الهام لغريزة طبيعية في النحل و هي خافية من دون إخفاء.

2- الإشارة:

في قوله تعالى: فَخَرَجَ زكريا عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا [مريم: 11]. هذه إشارة من زكريا و الإشارة فيها إخفاء الصوت من دون تعمد لإخفاء المراد.

3- وسوسة الشيطان:

كما في قوله تعالى: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ [الأنعام: 121]. فإن وحي الشيطان لا يكون إلا وسوسة في الخفاء.

4- وحي النبوة:
اشارة

و بهذا المعنى آيات كثيرة في القرآن الكريم، و قد حدد سبحانه

ص: 14

و تعالى هذا الوحي بقوله: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: 51].

فالطرق الثلاثة لوحي النبوة هي:

1- الوحي الطبيعي.
2- و الكلام من وراء حجاب.
3- بواسطة الرسول. (و يعني هنا جبرائيل الملك).

و الوحي الطبيعي يبتدأ بالرؤيا الصالحة. و الكلام من وراء حجاب حصل للنبي موسى عليه السّلام. قال تعالى: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: 164] و الكلام بواسطة الرسول جبرائيل النبي الأمين. قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: 23] وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الشورى: 7].

و قد نصت الآية الكريمة: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه:

114] على أن الوحي القرآني كان قبل القضاء به، بمعنى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على علم بالقرآن قبل أن يؤمر بتبليغه و اعلانه بوحي جديد و بأمر جديد. كما و شدد القرآن على صدق الرسالة بقوله: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [الحاقة: 44، 45] و هو تهديد لم يسبق له مثيل في القرآن، كما نفى كل التهم الموجهة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

[الوحى في روايات أهل البيت عليهم السّلام

جاء في وصف الوحي عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله حينما سأله الحارث بن هشام كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشده علي فيقضم عني، فقد وعيت ما قال، و أحيانا يمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» [18، 261].

علي عليه السّلام قال في سورة المائدة: «فلقد نزلت عليه و هو على بغلته الشهباء و ثقل عليها الوحي حتى وقف و تدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض و أغمي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى وضع يده على ذؤابة منبه بن وهب الجمحي ثم رفع ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقرأ علينا سورة المائدة» [18، 271].

الباقر عليه السّلام في قوله تعالى:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] قال عليه السّلام:

«بلغنا أن عثمان بن مظعون قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنا عنده، قال: مررت

ص: 15

عليه و هو بفناء بابه فجلست إليه، فبينما هو يحدثني إذ رأيت بصره شاخصا إلى السماء حتى رأيت طرفه قد انقطع ثم رأيته خفضه حتى وضعه عن يمينه ثم ولاني ركبته و جعل ينقض برأسه كأنه ألهم شيئا ثم رأيته رفع طرفه إلى السماء ثم خفضه عن شماله ثم اقبل إليّ محمرّ الوجه يفيض عرقا: «فقلت: يا رسول اللّه ما رأيتك فعلت الذي فعلت اليوم؟ ما حالك؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أو لقد رأيته؟» قلت: نعم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذلك جبرائيل لم يكن له همة مخيرة ثم تلا عليه الآيتين ...» [18، 269].

الباقر عليه السّلام: «... فلما بعث اللّه جبرائيل إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمع أهل السموات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا فصعق أهل السماوات فلما فرغ من الوحي انحدر جبرائيل كلما مرّ بأهل السماء فزع عن قلوبهم» [18، 259].

الباقر عليه السّلام: «احتبس الوحي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقيل: احتبس عنك الوحي يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كيف لا يحتبس عني الوحي و أنتم لا تقلمون أظافركم و لا تنفون روائحكم» [18، 255].

الصادق عليه السّلام: «كان جبرائيل إذا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قعد بين يديه قعدة العبد و كان لا يدخل حتى يستأذنه» [18، 256].

الصادق عليه السّلام أيضا: «لما سأله زرارة كيف لم يخف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يأتيه من قبل اللّه أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان قال عليه السّلام: «ان اللّه إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار فكان يأتيه من قبل اللّه عزّ و جلّ مثل الذي يراه بعينه» [18، 262].

الصادق عليه السّلام: «... فإن جبرائيل كان يجي ء فيستأذن على رسول اللّه، و إن كان على حال لا ينبغي أن يأذن له قام من مكانه حتى يخرج إليه، و إن أذن له دخل عليه ...»

[18، 263].

الصادق عليه السّلام: «... انه إذا كان الوحي من اللّه إليه ليس بينهما جبرائيل أصابه ذلك الإغماء لثقل الوحي من اللّه، و إذا كان بينهما جبرائيل لم يصبه ذلك» [18، 268].

العسكري عليه السّلام: «... و لما استكمل (النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أربعين سنة و نظر اللّه عزّ و جلّ إلى قلبه فوجده أفضل القلوب و أجلها و أطوعها و اخشعها و اخضعها، أذن لأبواب السماء ففتحت و محمد ينظر إليها، و أذن للملائكة فنزلوا و محمد ينظر إليهم، و نظر إلى جبرائيل الروح الأمين المطوّق بالنور طاوس الملائكة هبط إليه و أخذ بضلعه و هزه و قال: يا محمد «اقرأ» قال: و ما أقرأ؟ قال: يا محمد اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [الأعلى: 1] (إلى آخر

ص: 16

الآية). ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عزّ و جلّ ثم صعد إلى العلو و نزل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الجبل و قد غشيه من تعظيم جلال اللّه و ورد عليه من كبير شأنه ما ركّبه الحمى و النافض (- الرعدة) ... [البحار 18، 206].

روى البخاري: «جاءه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ [علق: 1- 3]. فرجع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد عليها السّلام فقال: زمّلوني زمّلوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة و أخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا و اللّه ما يخزيك اللّه أبدا إنك لتصل الرحم و تحمل الكل و تكسب المعدوم و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عم خديجة و كان امرأ تنصر في الجاهلية و كان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء اللّه أن يكتب، و كان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له: يا ابن عم اسمع من ابن اختك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فاخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي انزل اللّه على موسى» [البخاري 1، 3- 4].

و هذه الرواية أقرب إلى التشكيك في النبوة و تنافي حقيقة الوحي و تستلزم أن يكون ورقة هو النبي و أن نبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استسلم إلى نبوته و لا أظن مسلما يقول بذلك. و حاشا للنبي أن تثبت نبوته بنبوة شيخ أعمى. و أظن و اللّه أعلم، أن يكون هذا الخبر من الإسرائيليات.

و روي عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا نزل عليه القرآن تلقاه بلسانه و شفتيه و كان يعالج من ذلك شدة فنزل: «لا تحرك به لسانك» و كان إذا نزل عليه الوحي وجد منه ألما شديدا و يتصدع رأسه و يجد ثقلا قوله: «إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا» [18، 261].

و يظهر أن هذا تفسير للثقل في الآية الكريمة مع أن الثقل في الآية أمر معنوي غير مادي لعظم المسئولية و أين هذ من الأثر الجسمي؟!.

و كما تذكر بعض المصادر أن جبرائيل كان يتمثل للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في صورة الصحابي دحية بن خليفة الكلبي الذي كان معروفا بأنه أجمل الصحابة في المدينة [الإصابة 1، 473.

ص: 17

و أسد الغابة 2، 130] و هذا غريب جدا، فإن شخصية جبرائيل لم تكن خافية على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يكن بحاجة إلى ظهوره بشخصية متقمصة. و رواية الصادق عليه السّلام بأن جبرائيل لم يدخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى يستأذنه أولى بمقام النبوة.

و تكاد تتفق الروايات على أن الوحي كان له أثر جسمي على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان على أثره يتصبب عرقا و قد نقل إلى حد السبتة (أي النعاس أو الإغماء) كما يصرح بذلك مشاهدات الصحابة لحالة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نزول الوحي. و لعل في بعضها مبالغة قد تشير إلى نوع من الحلول نعوذ باللّه و بالرغم من عدم معرفة حقيقة الوحي لغير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه فإن من الطبيعي لحالات التجرد عن المادة و الماديات ما يتصوره الإنسان المادي بالسبتة أو النعاس أو الإغماء أو الذهول عن الحالة العادية في نظره مع أنه وعي كامل في حقيقته في نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي يفكر في إصلاح أحوال المجتمع المتجرد عن الماديات، و إن كان الإنسان المادي يتصوره كما يريد. إذ كيف يمكن التوفيق بين القول بالإغماء و الوعي الكامل لحقيقة الوحي الحاصل للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين نزول الوحي؟ فإن الوحي الذي نزل يكشف عن الوعي الكامل للظروف و الأسباب و النتائج المترتبة لنص الوحي. و لذلك أثّر في المجتمع هذا التأثير العظيم. و كذلك ما ورد من أن الوحي يأتيه مثل صلصلة الجرس و هو أشده و ما شابه ذلك مما روي عن طريق البخاري [1، 3] و الطبقات [1، 132] و لعل منها تسربت إلى البحار، مع أن صلصلة الجرس ليس كلاما مفهوما حتى يكون وحيا (نعم) قد يكون ذلك مقدمة للوحي لا الوحي نفسه (و بالجملة) رصانة القرآن و حكمته في التشريع يدل على وعي كامل من دون أي ذهول أو سبتة أو إغماء. و ما ذكره الصحابة لعله كان تفسيرا لتصورات أنفسهم حيث أنه لم يقع لأحد معرفة الوحي سوى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه و من لا تجربة له بهذه الحالة يفسرها كما يتخيل و يرى و اللّه العاصم.

و لا يمكن هذا النوع من الجزع و الهلع و الفزع على أثر رؤية حقيقية ثابتة واقعة مع أن اللّه سبحانه و تعالى ذكر من نتائج الوحي: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ... و ما الوحي للأنبياء عليهم السّلام إلا كرؤية الإنسان العادي للأمور المادية. فإذا يمكن للإنسان الضعيف روحيا الجزع من حقائق الحياة المؤلمة فإنه لا يمكن للنبي الذي هو ثابت الفؤاد و يواجه الحياة و الحقائق بوعي كامل.

و قد ذكر شيخنا العلوي (ت 1391 ه) في رسالته للوحي أنواعا سبعة ملخصها:

الأول: أنه يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس و هو صوت وقع الحديد و هو أشده عليه، و مما قال (ره) و لا ريب أن الفهم من كلام مثل الصلصلة اشكل من كلام الرجل

ص: 18

بالتخاطب المعهود و قيل هو صوت حفيف أجنحة الملك و الحكمة في نفيه أن يفرغ سمعه للوحي.

أقول: هذا القول أوفق فإن الصلصلة ليست كلاما بل هو طنين، فإن طنين الجرس لا يفيد شيئا مفهوما سوى ما هو متعارف عليه من العلامات و الإشارات، و ليست كلاما مع أن الوحي كلام اللّه المنزل على قلب سيد البشر.

الثاني: أن يتمثل له الملك جبرائيل رجلا و يتصوره بصورة بشرية فيعي عنه. ثم ذكر (ره) أقوالا أربعة تصور الملك بصورة الرجل.

1- فإن اللّه أفنى الزائد و عليه إمام الحرمين.

2- و إن اللّه أزال الزائد عنه ثم يعيده، و عليه إمام الحرمين و جزم به العز بن عبد السلام.

3- إنه لا إفناء و لا إزالة بل الجائز هو جبرائيل بشكله الأصلي و عليه شيخ الإسلام البلقيني.

4- إنه الملك ظهر بتلك الصورة ثانيا لمن يخاطبه كما عليه الحافظ ابن حجر.

أقول: و هذه كلها توجيهات للرواية إن صحت. إذن ما الحاجة لتمثل الملك رجلا؟

و إذا يكشف الغطاء للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالوحي فالملك جبرائيل يظهر بصورته الحقيقية التي خلقها اللّه و لا تأنيس لمن يخاطب أفضل من ذلك و خاصة إذا تكرر الوحي بواسطته.

الثالث: الرؤيا الصالحة التي ليس فيها ضغث و ثقل. عن الرافعي قوله: من الوحي ما يأتيه في النوم، و قال هذا صحيح (ص 8) و مما قال شيخنا (ره): «و الصواب ... هو حمل الإغماء على ما كان يعتريه عند الوحي من البرحاء التي هي شدة الكرب و العرق» [ص 8].

أقول: أما الرؤيا الصالحة فهي ليست من اليقظة في شي ء و الوحي ادراك كامل في اليقظة فليست الرؤيا الصالحة إلا من مقدماتها و علاماتها لا نفسها، أما مسألة الإغماء فقد عرفت أنها تنافي الوعي الكامل و الحالة التي كانت تعتريه حين الوحي و التي تسمّى برحاء الوحي، لم تكن سوى ما وصفه المشاهدون حسب فهمهم المادي للأمور، فإن حقيقة الوحي تأبى ذلك.

الرابع: تكليم اللّه للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من غير حجاب و لا واسطة (يقظة) كما وقع ليلة الإسراء في فرض الصلاة. و هذا لم يقع لأحد سوى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص: 19

الخامس: النفث في الروع و يدل عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ان روح القدس نفثت في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها و أجلها».

السادس: تكليم اللّه للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلا واسطة من وراء حجاب كما وقع لموسى عليه السّلام في الطور.

السابع: الإلهام.

أقول: لا أدري كيف عدّ (ره) هو و غيره من الأعلام رحمهم اللّه الالهام من الوحي، مع أنه قد يحصل الإلهام للأولياء الصالحين و هو مرتبة دون الرؤية الصالحة بمراتب فيكف يعدّ وحيا؟ ثم إنه (ره) ختم الأقسام بقوله: «و قد ذكر الحليمي أن الوحي كان يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ستة و أربعين نوعا فذكرها، و غالبها يرجع إلى صفة حامل الوحي [ص 10] و صدق (ره) و إن لم يصب في قوله: انحصار الوحي في النوعين الأولين» [ص 10] أي مثل صلصلة الجرس و تمثل جبرائيل رجلا لما عرفته فإن الأظهر أن الوحي كان ينزل على النبي الأطهر بواسطة جبرائيل على قلبه كما نطق به الرسول و إنه كان يرى جبرائيل الرسول بالأفق المبين على حقيقة الملكية دون تمثل برجل آخر و أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان على وعي كامل للرسول و المرسل و الرسالة. و بذلك بلغ أعلى درجات الكمال البشرية فكان قاب قوسين أو أدنى فكان الإنسان الكامل في عصره دون سواه فإن الوحي هو تلك الحالة الروحية التي تجمع الخصال المذكورة لمعرفة الحقائق بالوعي الكامل.

ص: 20

القسم الأول في أحوال القرآن نصا

اشارة

ص: 21

نزول القرآن

اشارة

تكاد تتفق المصادر بأن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلقى الوحي و هو ابن أربعين سنة فهذا يوم مبعثه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرسالة و قد حددت روايات أهل البيت عليهم السّلام هذا اليوم بالسابع و العشرين من رجب فيكون من عام 610 م حيث إن مولده عام الفيل 571 م على المشهور. و في رواية الصادق عليه السّلام: «في اليوم السابع و العشرين من رجب نزلت النبوة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قال المجلسي في تاريخ البعثة هذا أن عليه اتفاق الإمامية [18، 190] و هو من الأقوال الخمسة التي منها 17 و 18 و 24 من رمضان و 12 ربيع الأول.

و من ناحية أخرى تصرّح مصادر كثيرة بأن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلغ الأربعين في رمضان.

قال البوصيري:

واتت عليه أربعون فأشرقت شمس النبوة منه في رمضان

كما حاول آخرون تحديد البعثة ب 12 من ربيع الأول الذي هو تاريخ مولده لتكون البعثة على رأس أربعين عاما بالضبط [السيرة الحلبية 1، 128، 238].

و يظهر أن هذه المصادر ارتأت التلازم بين البعثة و نزول القرآن تاريخيا، و روايات أهل البيت تأبى ذلك، بل ترى تخلل فترة تاريخية بينهما. فعن الصادق عليه السّلام قال: «اكتتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره و علي عليه السّلام اكتتم معه و خديجة ثم أمره اللّه أن يصدع بما أمر فظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اظهر أمره [18، 177] فهذه الرواية تحدد الفترة بين نزول الوحي بالبعثة و نزول القرآن بخمس سنين و في رواية أخرى عن الصادق عليه السّلام: «مكث رسول اللّه بمكة بعد ما جاء الوحي عن اللّه تبارك و تعالى ثلاث عشرة سنة منها ثلاث سنين متخفيا خائفا لا يظهر حتى أمره اللّه أن يصدع بما أمر فاظهر الدعوة حين إذ» [18، 177] و هذا يوافقه الاعتبار، إذ كيف يعقل الإظهار من دون سبق نزول الوحي.

و قد صرح القرآن الكريم بنزول القرآن في ليلة مباركة فإنها ليلة القدر و إنها من شهر رمضان و ذلك في الآيات التالية:

1- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: 185].

2- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان: 3].

ص: 22

3- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1].

فهي ليلة واحدة تجمع الصفات المذكورة كلها.

و عن الرضا عليه السّلام في جعل الصوم في شهر رمضان خاصة. قال عليه السّلام: «... لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل اللّه تعالى فيه القرآن و فيه نبى ء محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» [البحار 118، 190].

و قد اتفقت كلمة المفسرين على أن مرجع الضمير في قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ [القدر: 1] هو القرآن و إن لم تكن هذه الكلمة مذكورة في السورة نفسها.

و هذه الآيات بظاهرها تحتمل وجوها ذكرها المفسرون و أيدوها بروايات خاصة فيها منها نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور في السماء الرابعة، و منها النزول في أول ليلة في شهر رمضان جملة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليعلّم هؤلاء و ليتلوه على الناس [18، 253].

و ذكر الزركشي (ت 797) في كيفية الإنزال وجوها ثلاثة ملخصها:

الأول: أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو في ثلاث و عشرين سنة أو خمس و عشرين.

الثاني: أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة.

الثالث: أنه ابتداء إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات، ثم قال: و القول الأول أشهر و أصح و إليه ذهب الأكثرون [1، 228]. ثم ذكر الروايات بالتفصيل و الغريب أن الزركشي ذهب إلى هذه الشهرة و غفل عن النصوص القرآنية التي تنفي نزول القرآن جملة واحدة، فقد قال سبحانه: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32].

فإن هذا النص صريح بعدم نزول القرآن جملة واحدة فكيف يؤخذ بالرواية المعارضة له؟

أمّا الروايات فقد رويت من الفريقين: منها ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: «أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة» [البرهان 1، 228].

و عن الصادق عليه السّلام: «نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور

ص: 23

ثم انزل من البيت المعمور طول عشرين سنة ...» [العياشي 1، 99، طبعة بيروت 1411 ه].

و إليه ذهب الشيخ الصدوق في رسالة الاعتقادات [18، 250] و انكر عليهم الشيخ المفيد قائلا: «.... في هذا الباب حديث واحد لا يوجب علما و لا عملا، و نزول القرآن على الأسباب الحادثة حالا بعد حال يدل على خلاف ما تضمنه الحديث ...» [18،

250].

و صدق (ره) فإن نزول الآيات في مختلف المناسبات من الوقائع و الأحداث تقتضي نزول القرآن في تلك المناسبات، بالذات لا قبلها و لا بعدها إذ لا يتعلق الغرض إلا بها كما هو مفصل في أسباب النزول (و بالجملة) ظاهر القرآن و العقل ينافي صدور القرآن جملة واحدة و الروايات لا بد أما من طرحها كما فعل الشيخ المفيد (ره) أو توجيهها و أحسن توجيه لها ما ذكره السيد الطباطبائي في الميزان بقوله: «المراد بإنزال القرآن في ليلة القدر إنزال حقيقة الكتاب المتوحدة إلى قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دفعة واحدة كما انزل القرآن المفصّل في فواصل و ظروف على قلبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تدريجيا ...» [الميزان 2، 15].

و كأنه دام ظله يريد رسالة القرآن الكاملة الشاملة يعني البعثة النبوية الشريفة التي هي رحمة للعالمين و التي هي بإجمالها تشمل جميع التشريعات إلى يوم القيامة و لكن هذا التوجيه إنما يصح لو استعملت لفظة (القرآن) بمعنى الاعلان و لا أعهد من قال بذلك و إن كان هو الحق، فإن المأخوذ في كلمة القرآن مادة و صيغة الإعلان بالقراءة و إنه اسم جنس جمعي يشتمل القليل و الكثير- على ما تقدم تفصيله- فالآيات الثلاث بانزال القرآن يعني جزء منه في ليلة القدر التي هي ليلة مباركة من شهر رمضان حاصل بأول سورة نزلت عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنه أعلن ذلك على المجتمع كما أمر ثم تتابع نزول القرآن في آيات مختلفة بأسباب و مناسبات متعددة.

و التواريخ المروية في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تلقي بعض الضوء على تواريخ نزول القرآن بالإجمال:

570 م مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عام الفيل 595 م زواج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من السيدة خديجة و هو ابن 25 سنة 610 م في 27 رجب مبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالرسالة 613 م في رمضان ليلة القدر بدأ نزول القرآن و اعلان الدعوة

ص: 24

623 م الهجرة إلى المدينة و هي تعادل العام الأول الهجري 633 م- 11 ه وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المدينة

أول و آخر ما نزل

كان اهتمام المسلمين في عصر الرسالة صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مراكزا على رسالة القرآن أكثر من أي جانب آخر، و من ثم لم يركز في عصره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على التسلسل التاريخي لما نزل من القرآن و اختلفت الروايات و من ثم الأقوال في تحديد أول ما نزل و آخر ما نزل و تشقيق المسألة يستدعي النظر في السور الكاملة و الآيات المتفرقة ثم ملاحظة الفترة الزمنية في مكة و في السفر من مكة إلى المدينة و في المدينة. و بصفة عامة الأقوال في أول ما نزل من القرآن ملخصها:

الأول: و هو الصحيح [في اعتقاد السيوطي سورة اقرأ لما رواه الشيخان البخاري و مسلم و غيرهما عن عائشة.

الثاني: سورة يا أيها المدثر روى ذلك أيضا الشيخان عن أم سلمة.

الثالث: سورة الفاتحة قال في الكشاف إليه ذهب أكثر المفسرين.

الرابع: بسم اللّه الرحمن الرحيم حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره [يراجع الإتقان 1، 23- 24].

أقول: التأمل في هذه الأقوال مرجعه إلى ثلاثة: فإن البسملة آية من كل سورة في القرآن ما عدا سورة البراءة. و بناء على ما قدمنا من أن القرآن مادة و اشتقاقا تعني ما يعلن من الوحي يقتضي أن أول سورة هي اقرأ حيث أنها أمر بالإعلان. و روي عن طريق أهل البيت عليهم السّلام أيضا قال الصادق عليه السّلام: «أول ما نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «بسم اللّه الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك ...» [2، 39]. و يمكن أن يوجه القولان الآخران بأن الأولية نسبيّة فإن سورة المدثر كانت أول سورة نزلت بعد فترة انقطاع الوحي كما تقتضيه رواية البخاري [1، 4].

و كذلك فاتحة الكتاب فإنها كانت أول ما نزلت بعد ترتيب القرآن تحت إشراف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لذلك سميت بفاتحة الكتاب أي مقدمة الكتاب و استفاض عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» [راجع: مسلم 2، 9].

ص: 25

آخر سورة نزلت:

كذلك رويت الروايات المختلفة في آخر سورة نزلت.

قال الزركشي: «روى مسلم آخر سورة نزلت جميعا: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [1، 21].

و روي عن الصادق عليه السّلام قوله: «... و آخر ما نزل عليه: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ» [2، 39].

و التّأمل في هذه الرواية يكشف أن الآخرية أيضا نسبية فقد استفاضت الروايات بأن سورة «النصر» نزلت عام فتح مكة، فهي آخر سورة مكية و لا تستلزم أن تكون آخر ما نزل على الرسول في حياته في المدينة أو في الطريق بين مكة و المدينة. و من هنا يظهر أن الأقوال الكثيرة في أول آية نزلت و آخر آية نزلت من الأمور النسبية التي ينبغي التأمل فيها من حيث السير التاريخي و مدلول النص القرآني. و الاعتبار يساعد على أن يكون قوله تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3] آخر آية نزلت من القرآن الكريم فإن مدلولها صريح بكمال الرسالة الإسلامية التي هي رسالة القرآن.

و مذهب أهل البيت يؤكد على هذا، و أنها نزلت في موضع الغدير حين رجوع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكة إلى المدينة في 18 ذي الحجة عام 10 ه قبيل وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأيام.

و نقل اليعقوبي (ت 284) ترتيب ما نزل من القرآن بمكة عن محمد بن حفص بن أسد الكوفي عن محمد بن كثير و محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.

و عددها و أول سورة فيها «اقرأ» و آخرها «العنكبوت» [تاريخ اليعقوبي 2، 33- 34].

و لم يذكر اليعقوبي ما نزل من القرآن في المدينة برواية ابن عباس بل ذكر عدد ذلك من دون نسبة و أولها «ويل للمطففين» و آخرها «المعوذتان» [راجع ص 43].

و قال ابن النديم (ت 380 ه): «نزلت بمكة خمس و ثمانون سورة و نزل بالمدينة ثمان و عشرون سورة» عن ابن عباس، ثم عدد ما نزل بالمدينة مبتدئا بالبقرة و منتهيا بالمعوذات.

و لم يعدد ما نزل بمكة و اكتفى بالقول (ثم سائر القرآن) [الفهرست ص 28].

و روى ابن النديم (ت 380 ه) عن محمد بن نعمان بن بشير قال: أول ما نزل من القرآن على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ. ثم:

يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، و آخرها بطريق مكة. ثم: المدّثر [الفهرست ص 28].

و قد استخرج محمد عزة دروزة المعاصر في كتابه «التفسير الحديث» السور مرتبة

ص: 26

حسب النزول مبتدأ ب «الفاتحة» ثم «العلق» إلى «النصر» و اعتمد في هذا الترتيب على مصحف الخطاط قدر و علي الذي طبع بتصريح من وزارة الداخلية المصرية و استخرج ترتيب نزول السور على حسب ما ورد في مطالع السور في هذا المصحف [التفسير الحديث، المجلد الأول 14- 15، ط. الحلبي 1380 ه].

و اورد الشهرستاني (ت 548 ه) في كتابه «مفاتيح الأسرار» [1، 7- 11 ب طبعة 1409 ه] جدولين في ترتيب نزول القرآن و ذكر السور في المصاحف.

الجدول الأول في ترتيب نزول القرآن مرتبة في خمسة أعمدة، العمود الأول في الترقيم حسب الحروف الأبجدية:

1- ثم رواية مقاتل عن رجاله.

2- ثم رواية مقاتل عن أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه.

3- ثم رواية ابن عباس رضى اللّه عنه.

4- ثم أبي واقد.

5- ثم الصادق عليه السّلام.

و هذا الجدول في خمس صفحات من (7 أ) إلى (9 أ).

و الجدول الثاني في ذكر السور في المصاحف، هذا الجدول في أعمدة و العمود الأول رقّم حسب الحروف الأبجدية:

1- ثم مصحف أمير المؤمنين عثمان.

2- ثم عبد اللّه بن مسعود.

3- ثم أبي بن كعب.

4- ثم رواية محمد بن خالد البرقي عن [الكلمة ممسوحة].

5- ثم من تاريخ ابن واضح [اليعقوبي .

و هذا الجدول يحتوي على خمس صفحات من (9 ب) إلى (11 ب).

و قد صرح الشهرستاني أن الجدولين وجدهما و نقلهما كما وجدهما. قال ما لفظه:

«... و أما السور فقد نقلت كيف نزلت على اختلاف الروايات و أيها مكية و أيها مدنية و كيف كتبت في المصاحف الخمسة و قد رأيناها جمعت في جداول على اختلاف فيها بين الرواة فنقلناها كما وجدنا و لا عهدة على الناقل» [مفتاح الأسرار: 1، 6 ب، ط 1409 ه].

ص: 27

و عبارة الشهرستاني صريحة واضحة و لا أدري كيف فهم أبو عبد اللّه الزنجاني في كتابه «تاريخ القرآن» تحت عنوان (ترتيب السور في مصحف الإمام جعفر بن محمد الصادق كما ذكره الشهرستاني في مقدمة تفسيره) [تاريخ القرآن، ص 5] فإن ذلك ليس ترتيبا للسور، و لم يذكر الشهرستاني أنه نقله عن مصحف الصادق، و إنما ذكر جدولا وجده في نزول القرآن حسب رواية الصادق. و لم يذكر في الجدول الثاني شيئا عن الصادق، و الأغرب أن إبراهيم الأنباري في كتابه «الموسوعة القرآنية» ط 1388 ه، ص 49 أورد الجدول و نقل عن الشهرستاني المؤلف و بعد ذكر «مصحف حبشي الصادق» و هو تصحيف قبيح عن جعفر الصادق و قد تكرر التصحيف في الصفحات (49 إلى 53).

ص: 28

جدول نزول القرآن مقتبس من كتاب مفاتيح الأسرار للشهرستاني (ت 548 ه)

الصورة

ص: 29

الصورة

ص: 30

الصورة

* لم يذكر الفاتحة قال: هي و البقرة في كراسة مفردة و الجملة فيها و المعوذتان على الحاشية.

ص: 31

سور القرآن

اشارة

تضمنت روايات علوم القرآن التعبير عن طائفة من السور بأوصاف خاصة كالطوال و المئين و المثاني و المفصلات و قد حصرت في 114 سورة فما المراد من التسمية بالسورة؟

و ما هو المقياس في عد السورة مفردة عن غيرها؟ قال ابن منظور الأفريقي (ت 711 ه):

السورة: المنزلة، و الجمع سور و سور ... و منه سورة القرآن لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى و الجمع سور بفتح الواو ... ابن سيده: سميت السورة من القرآن سورة لأنها درجة إلى غيرها و من همزها جعلها بمعنى بقية من القرآن في قطعة ... [لسان العرب: 2، 237].

و قد وردت مادة السورة في القرآن الكريم بصيغة الجمع مرة واحدة: قال تعالى:

فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [هود: 13]. و تسع مرات مفردة منها قوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: 23].

قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: 64].

و قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس: 38].

و مما قال التهانوي (ح 1158 ه): السورة بالضم في الشرع بعض قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة و خاتمة و أقلها ثلاث آيات كذا قال الجعبري. و السّور بالضم و سكون الواو و فتحها الجمع. و قيل: السورة الطائفة المترجمة توقيفا، أي الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص بتوقيف من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد ثبتت أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث و الآثار.

و قيل: السورة بعض من كلام منزل مبين أوله و آخره أعلاما من الشارع، قرآنا كان أو غيره، بدليل ما يقال: سورة الزبور و سورة الإنجيل. هكذا في التلويح [كشاف اصطلاحات- الفنون .

أقول: المعنى الأول هو المفهوم في عصرنا دون غيره.

و قال الراغب (ت 503): «و السورة المنزلة الرفيعة و سور المدينة حائطها و سورة القرآن تشبيها بها لكونه محاطا بها احاطة السور بالمدينة أو لكونها منزلة كمنازل القمر و من قال سؤرة فمن اسأرت أي أبقيت منها بقية كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن» [المفردات ص 254].

ص: 32

و المستفاد من الاستعمالات المفردة لهذه المادة أن المعنى الجامع هو الشي ء المحيط على الآخر إحاطة تامة كاملة كقطعة مستقلة بحيث لا يمكن الإفلات عنها و لذلك سميت الخمر سورة عند حدتها و كذا غيرها كسور البلد التي تجعله مستقلا فالسورة من القرآن معناها قطعة مستقلة منه و ليس المراد خصوص السور (114) التي يتألف منها القرآن بل كل قطعة مستقلة ذات موضوع كامل. هو أشبه بما هو المصطلح اليوم بالمقطع أو الركوع و ما شابه ذلك هذا من الناحية اللغوية.

تحديد السورة:

ليس تحديد السورة بالآيات التي نزل الوحي بها متتالية إذ أنها تختلف طولا و قصرا فأقصر السور سورة الكوثر و هي ثلاث آيات و أطولها سورة البقرة و هي 280 آية. كما أنها ليست بوحدة الموضوع فإن مواضيع سورة واحدة تختلف اختلافا كبيرا و الطريق الوحيد لتحديد السورة ما تعارف عليه في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تحت إشرافه من دون أي نكير.

قال السيوطي (ت 911 ه): «قيل الحكمة في تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمجردها معجزة و آية من آيات اللّه و الإشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل، فسورة يوسف تترجم عن قصته و سورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين و أسرارهم إلى غير ذلك، و السور سورا طوالا و أوساطا و قصارا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات [الاتقان 1، 66].

قال الجعبري: حدّ السورة قرآن يشتمل على آي ذوات فاتحة و خاتمة. و اقلها ثلاث آيات. فإن قيل: فما الحكمة في تقطيع القرآن سورا؟ قلت: هي الحكمة في تقطيع السور آيات معدودات؛ لكل آية حدّ و مطلع؛ حتى تكون كل سورة بل كل آية فنّا مستقلا و قرآنا معتبرا [البرهان 1/، 264].

و كلامه (رحمه اللّه) متين جدا بالنسبة إلى السور القصار فإنها ذات موضوع واحد و تحتوي على مقدمة و موضوع و خاتمة حسب تعبيرنا اليوم. و ذلك لا يستقيم في السور الطوال فإنها ذات مقاطع في مواضيع مختلفة لكل موضوع مقدمة و خاتمة. مثلا: آية الكرسي فإنها تعد آية مع أنها لا تعد سورة بل آية من سورة البقرة. فالأولى تحديد السورة بأنها قسم من القرآن الذي حدده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قسما مستقلا عن سائر أقسام القرآن إمّا لوحدة الموضوع كما في السور القصار غالبا أو لوحدة المقصود كتشريع خاص في المجتمع المدني، كما هو الحال في سورة البقرة و هكذا و إن لم نعرف المقصود بالتفصيل.

ص: 33

ترتيب السور

اشارة

الروايات في جمع القرآن تصرح بأن ذلك حصل في عهد الرسالة و من الطبيعي اهتمام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شخصيا بذلك حيث أمر كتّاب الوحي بكتابة القرآن.

قال الحاكم في المستدرك: «جمع القرآن ثلاث مرات أحدها في حضرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم اخرج بسنده عن زيد بن ثابت: «كنا عند رسول اللّه نؤلف القرآن في الرقاع» [الاتقان 1، 57]. و هذا يستلزم ترتيبا مرضيا عند الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو على الأقل غير منهي عنه من قبل الرسول.

قال القاضي أبو بكر الباقلاني في الانتصار: «... و انه يمكن أن يكون الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد رتب سوره و أن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده و لم يتولّ ذلك بنفسه قال و هذا الثاني اقرب» [الاتقان 1، 61].

و الملاحظ أن ترتيب السور و إن لم يكن على حسب النزول إلا أن السور ذات الآيات القليلة نسبيا متأخرة في الترتيب و كلما كانت أبعد زمنا كانت أكثر عددا في الآيات. و الاعتبار يساعد على أن السور القصار المعروفة بالمفصلات كانت تحفظ في مكة و لم يكن للمسلمين من القوة و المنعة و الوقت الكافي لحفظ السور الطوال. و الأمر كان على العكس في المدينة فقد كان للمسلمين من القوة و المنعة و الوقت ما أمكنهم من حفظ السور الطوال.

عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اعطيت الطوال مكان التوراة و اعطيت المئين مكان الإنجيل و المثاني مكان الزبور، و فضلت بالمفصل: سبع و ستين سورة» [البحار 92، 27].

و نقل الشهرستاني (ت 548 ه) ذلك عن كتاب الاستغناء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اعطيت السبع الطوال مكان التوراة و اعطيت المئين مكان الإنجيل و اعطيت المثاني مكان الزبور و فضلت بالمفصل [مفاتيح الأسرار 1، 12].

و في هذه الرواية تحديد ترتيب السور في طوائف أربع:

السبع الطوال

المئين

المثاني

المفصلات

و قد روي عن الصحابة الخلاف في عدّ بعض السور من هذه الطوائف.

ص: 34

السبع الطوال:

عن ابن عباس قال: قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال و هي من المثاني و إلى براءة و هي من المئين فقرنتم بينهما و لم تكتبوا بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم و وضعتموهما في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا نزل عليه الشي ء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا و كذا و كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة و كانت براءة من آخر القرآن نزولا و كانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما و لم أكتب بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم و وضعتها في السبع الطوال [الاتقان 1، 60].

و كلام السيوطي هذا أقرب إلى تسبيع القرآن و يمكن استخراج ذلك من الرواية التالية:

عن حذيفة الثقفي قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف- و في الحديث-: فقال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «طرأ عليّ حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه». فسألنا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلنا: كيف تحزبون القرآن. قالوا: نحزبه ثلاث سور و خمس سور و سبع سور و تسع سور و إحدى عشرة و ثلاث عشرة و حزب المفصل من ق حتى نختم.

قال: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال: و يحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه» [الاتقان 1، 63].

عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و بناء على رواية الثقفي هذه يكون تسبيع القرآن كالتالي:

الأول: البقرة و آل عمران إلى النساء.

الثاني: المائدة إلى التوبة.

الثالث: يوسف إلى النحل.

الرابع: بنو إسرائيل إلى الفرقان.

الخامس: الشعراء إلى يس.

السادس: الصافات إلى الحجرات.

السابع: سورة ق إلى آخر القرآن.

ص: 35

و الملاحظ أن كل سبع يختلف عن الآخر بعددين إلى الأخير و هو سبع المفصل و أن عدد الصفحات دون الآيات من طبعة 1337 ه لكل جزء كالآتي:

149+ 100+ 109+ 114+ 98+ 67+ 94 و معدلها 4 و 104 من الصفحات و هذا يستلزم أن تجزئة القرآن كان على أساس الحجم الذي يستغرق كل جزء مما يساعد على سهولة الحمل و النقل و خاصة في ظروف شح الورق في العصور المتقدمة.

و يبدو أن ما ذهب إليه السيوطي (ت 911 ه) من قوله: «و يحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه» [الاتقان 1، 63] يعتبر احتمالا وجيها و ذلك:

أولا: لقصر السور الداعي لترتيبها كي يسهل حملها و حفظ تسلسلها.

ثانيا: لكونها مكية- على الأغلب- و قلة المسلمين في بدء الدعوة الإسلامية، كانت تستدعي سورا قصارا لتعلم مبادئ الإسلام الأصلية الضرورية بخلاف الحالة في المدينة حيث قوي المسلمون و كثروا و توفرت الدواعي لتعلم السور الكبار.

نقل الشهرستاني (ت 548 ه) عن كتاب «الاستغناء» في سور القرآن عن أبي عبد اللّه الحسين بن محمد الرازي: السبع الطوال البقرة آل عمران النساء المائدة الأنعام الأعراف و سابعها الأنفال و التوبة [مفاتيح الأسرار 1، 117].

و من كتاب «المختصر في القراءات» عن أبي بكر محمد بن موسى الصيدلاني:

«السبع الطوال سبع سور: البقرة آل عمران النساء الأعراف الأنعام المائدة يونس». قال أبو عبيدة: «و الأنفال من المثاني و هي من أوائل ما نزل بالمدينة و يونس نزلت بمكة» [مفاتيح الأسرار 1، 17].

و قال الصيدلاني: «سبعا من المثاني قال هي السبع الطوال: البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و يونس السابعة» و عن يحيى بن حرث الديناري مثل ذلك و زاد ليست تعد الأنفال و براءة من السبع الطوال» [مفاتيح الأسرار 1، 18].

و قال السيوطي: «السبع الطوال أولها البقرة و آخرها براءة كذا قال جماعة لكن أخرج الحاكم و النسائي و غيرهما عن ابن عباس قال: السبع الطوال البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف. قال الراوي و ذكر السابعة فنسيتها. و في رواية صحيحة عن ابن أبي حاتم و غيره عن مجاهد و سعيد بن جبير أنها يونس و تقدم عن ابن عباس مثله في النوع الأول و في رواية عن الحاكم أنها الكهف (و المئون).

ص: 36

فالسبع الطوال هي البقرة إلى الأنفال على خلاف في أن الأنفال و التوبة سورة واحدة أم لا.

المئون:

قال الشهرستاني (ت 548 ه) السبع المئون نقلا عن كتاب «الاستغناء» أولها سورة بني إسرائيل و آخرها سورة المؤمنين فسورة بني إسرائيل الكهف مريم طه الأنبياء الحج المؤمنون يقال أنها المئون، لأن كل مئين منها مائة مائة أو نحوها و هي تلي المثاني [مفاتيح الأسرار 1، 67].

و قال الشهرستاني أيضا: «و المئون إحدى عشرة سورة براءة النحل هود يوسف الكهف بني إسرائيل الأنبياء طه قد أفلح الشعراء الصافات كل ذلك نقلا عن الصيدلاني» [مفاتيح الأسرار 1، 17].

و قال السيوطي: «المئون ما وليها (الطوال) سميت كذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها» [الاتقان 1، 63].

المثاني:

قال الشهرستاني (ت 548 ه) في كتاب «الاستغناء»: «السبع المثاني و هي سبع سور أولها سورة يونس و آخرها النحل: يونس هود يوسف الرعد إبراهيم الحجر النحل. فكان السبع الطوال من المبادي في القرآن العظيم و السبع المثاني هي التي تتلوها في الطول و المعاني. و قيل السبع المثاني هي فاتحة الكتاب لأنها تتلى في كل صلاة و لأن المثاني من حيث المعاني في طيها و ضمنها [مفاتيح الأسرار 1، 12].

و قال الصيدلاني: «و المثاني عشرون سورة: الأحزاب، الحج، النمل، القصص، النور، الأنفال، مريم، العنكبوت، الروم، يس، الحجر، الرعد، الفرقان، سبأ، الملائكة، إبراهيم، ص، محمد، لقمان، العذاب أي التوبة [مفاتيح الأسرار 1، 17].

و قال السيوطي: «المثاني ما ولي المئين لأنها ثنتها أي كانت بعدها فهي لها ثوان و المئون لها أوائل. و قال الفراء: هي السورة التي آياتها أقل من مائة آية لأنها تثنى أكثر مما يثنى الطوال و المئون، و قيل لتثنية الأمثال فيها بالعبر و الخبر حكاه النكزاوي. و قال في جمال القراء هي السور التي تثنيت فيها القصص و قد تطلق على القرآن كله و على الفاتحة [الاتقان 1، 63].

ص: 37

و الذي يفهم من كلامهم أن سور المثاني تقع في مرتبة تالية للمئين فهي السبع الثالث فالتثنية هي للمرتبة لا للموضوع أو أن التثنية هنا بمعنى التكرار.

المفصلات:

قال الشهرستاني (ت 548 ه) في كتاب «الاستغناء»: «السبع المفصل هي مفصلاتها سور قصار تقرب تفصيل سورة عن سورة و هو معروف و قيل تسمّى مفصلات لما فيها من البيان و التفصيل و الأول أصح لأن المفصل ليس بأكثر بيانا و تفصيلا من الآخر» [مفاتيح الأسرار 1، 17].

و قال الصيدلاني: «و المفصل هي ما في السور تسع و أربعون سورة» [مفاتيح الأسرار 1، 12].

و قال السيوطي: « (ت 911 ه) (و المفصل) ما ولي المثاني من قصار السور، سمّي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة و قيل لقلة المنسوخ منه و لهذا يسمى بالمحكم أيضا. كما روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: «ان الذي تدعونه المفصل هو المحكم و آخره سورة الناس بلا نزاع (و اختلف) في أوله على اثني عشر قولا أحدها «ق» لحديث أوس السابق قريبا، الثاني «الحجرات» و صححه النووي، الثالث «القتال» عزاه الماوردي للأكثرين، الرابع «الجاثية» حكاه القاضي عياض، الخامس «الصافات» السادس «الصف» السابع «تبارك» حكى الثلاثة ابن أبي الصيف اليمني في نكته على التنبيه، الثامن «الفتح» حكاه الكمال الدماري في شرح التنبيه التاسع «الرحمن» حكاه ابن السيد في أماليه على الموطأ، العاشر «الإنسان» الحادي عشر «سبح» حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقي، الثاني عشر «الضحى» حكاه الخطابي و وجهه بأن القارئ يفصل بين هذه السور بالتكبير و عبارة الراغب في مفرداته المفصل من القرآن السبع الأخير» [الاتقان 1، 63].

و الذي يظهر الاضطراب في كلام الصيدلاني و كتاب الاستغناء فإن تربيع القرآن ينافي الطوائف المتقدمة في كلامه المبتني على تسبيع القرآن حيث قال: «السبع الطوال و السبع المئون و السبع المثاني و السبع المفصل» على أساس الكسور العشرية لتسهيل قراءة القرآن باكمله خلال أسبوع واحد فقط و بما أن كمية السبع الأول تعادل سورا سبعا هي طوال فقد التبس الأمر في عنوان (السبع الطوال) على أساس العدد الصحيح لأنها سور سبع عددا و طوال وصفا فإن المفروض أنها من الكسور العشرية و تعني السبع من القرآن الحاوي على

ص: 38

سبع سور طوال مع أن صفة الطول- في هذه الصورة- يجب أن تطابق الموصوف بالافراد فيقال: «السبع الطويل» دون صورة وصف السور إذ تجب المطابقة بالجمع.

تسمية السور

قال الزركشي (ت 797 ه): «قد يكون للسورة اسم و هو كثير و قد يكون لها اسمان، كسورة البقرة يقال لها: فسطاط القرآن لعظمها و بهائها. و آل عمران يقال اسمها في التوراة طيبة، حكاه النقاش».

أقول: [غريب حقا تسمية إحدى سور القرآن في التوراة] و النحل تسمّى النّعم لما عدّد اللّه فيها من النعم على عباده. و سورة «حم عسق»، و تسمّى الشورى. و سورة الجاثية و تسمى الشريعة، و سورة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تسمى القتال» [البرهان 1، 269].

و عقد السيوطي فصلا في أسماء السور و قال: «قد يكون للسورة اسم واحد و قد يكون لها اسمان فاكثر من ذلك كالفاتحة و قد وقفت على نيف و عشرين اسما و ذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمّى» [الاتقان 1، 52].

أقول: و كلامه (ره) لا يخلو من تأمل دليلا و دلالة فالظاهر أن هذه الأسماء التي عددها (ره) لم تكن سوى صفات للسور باعتبار محتواها أو موقعها من القرآن. فالفاتحة صفة للسورة الأولى من القرآن الكريم باعتبار وقوعها في مفتتح القرآن كالمقدمة للكتاب و كذلك الأسماء الأخرى فالتعبير عن بعضها باعتبار المواضيع الهامة فيها كسورة نوح لقصة نوح و سورة البقرة لموضوع البقرة و بعضها باعتبارها مبتدئها كالمقطعات ألف لام ميم و ما شابه و من هنا جاز جمعها في طوائف (كالمسبحات) (و طواسين) (و الحامدات) هذا في عصر الرسالة، أما بعد ذلك فلا شك في أن التسمية الغالبة هي المتبعة.

طوائف من السور:

اشارة

و عرفت طوائف من السور بأسماء خاصة لمناسبات تجمع بينها. منها:

1- الحامدات:

الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر.

2- الحواميم:

و هي كما قال الصيدلاني: «الحواميم سبع سور: المؤمن، الزخرف، حم السجدة، حم عسق، الدخان، السجدة، الأحقاف، الجاثية [مفاتيح الأسرار 1، 121].

3- الطواسين:

الشعراء، النمل، القصص.

ص: 39

4- المسبحات:

الإسراء، الحديد، الحشر، صف، الجمعة، التغابن، الأعلى.

5- الممتحنة:

و هي كما قال الصيدلاني أربع و عشرون ثم عد منها أربعة عشر فقط و لم يذكر الباقي فقد ذكر الفتح، الحديد، الحشر، الم السجدة، ق، الطلاق، الحجرات، تبارك، التغابن، المنافقون، الصف، الجن، نوح، المجادلة، و لم يذكر الباقي [مفاتيح الأسرار 1، 12].

عدد السور:

اشارة

تتفق المصاحف العثمانية على أن عدد السور 114 سورة و هو الحاوي على ما بين الدفتين اليوم و ذهب ابن مجاهد (ت 324 ه) على أن المصاحف العثمانية 113 سورة و ليس ذلك من النقص في القرآن معاذ اللّه بل لأنه عدّ سورتي الأنفال و البراءة سورة واحدة لعدم وجود البسملة في البراءة. و الجمهور على أن البراءة سورة مستقلة و إنما لم تبدأ بالبسملة لأن البسملة أمان- كما في حديث علي عليه السّلام- و البراءة ليست كذلك.

أمّا المصاحف الغير العثمانية و التي بادت اليوم تختلف عدد السور فيها فإن مصحف ابن مسعود لم يحتوي على المعوذتين فيكون عدد السور 112 سورة و أبي بن أبي كعب زاد سورتي الخلع و الحفد فيكون عدد السور 116 سورة و ذهب جمع من الفقهاء إلى أن سورتي الضحى و الانشراح سورة واحدة فتكون السور 113 سورة و سيأتي الكلام في ذلك.

قال ابن الجوزي (ت 597 ه): «أما سوره فقال أبو الحسن بن المنادى: جميع سور القرآن في تأليف زيد بن ثابت على عهد الصديق، و ذي النورين مائة و أربع عشرة سورة، فيهن الفاتحة و التوبة و المعوذتان. و ذلك هو الذي في أيدي أهل قبلتنا، و جملة سوره على ما ذكر عن أبي بن كعب مائة و ست عشرة سورة، و كان ابن مسعود يسقط المعوذتين، فنقصت جملته سورتين عن جملة زيد، و كان أبي بن كعب يلحقهما و يزيد إليهما سورتين و هما الحفد و الخلع، إحداهما اللهم انا نستعينك و نستغفرك، و هي سورة الخلع، و الأخرى اللهم إياك نعبد و هي سورة الحفد، فزادت جملته عن جملة زيد سورتين و على جملة ابن مسعود أربع سور، و كلّ أدّى ما سمع، و مصحفنا أولى بنا أن يتبع [فتون الأفنان ص 39].

الأنفال و البراءة:

ذهب جمع إلى أنهما سورة واحدة كما في سورة أخرى و الخلاف ليس في النص القرآني فإنهما بنصهما في القرآن و منشأ الخلاف هو عدم وجود البسملة في أول السورة.

ص: 40

قال السيوطي (ت 911 ه) عن أبي زروق قال: «الأنفال و براءة سورة واحدة». و أخرج عن أبي رجاء قال: «سألت الحسن عن الأنفال و براءة سورتان أم سورة؟ قال: سورتان».

و نقل مثل قول أبي زروق عن مجاهد و أخرجه ابن أبي حاتم عن سفيان، و أخرج ابن أشتة عن ابن لهيعة قال: «يقولون ان براءة من يسألونك و إنما لم تكتب في براءة بسم اللّه الرحمن الرحيم لأنها من يسألونك و شبهتهم اشتباه الطرفين و عدم البسملة و يرده تسمية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّا منهما. و نقل صاحب الإقناع أن البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود. قال: و لا يؤخذ بهذا، و أخرج القشيري الصحيح أن التسمية لم تكن فيها لأن جبريل عليه السّلام لم ينزل بها فيها. و في المستدرك عن ابن عباس قال: سألت علي بن أبي طالب لم لم تكتب في براءة بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ قال: لأنها أمان. و براءة نزلت بالسيف. و عن مالك أن أولها لما سقط سقط معه البسملة فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها [الاتقان 1، 65].

و من ذلك يظهر أن الخلاف إنما نشأ في عدم وجود البسملة و ليس لوحدة الموضوع بين السورتين أية صلة بالقول بوحدتهما (و عليه) تكون الأقوال دعوى بلا دليل و خاصة أن السبب في عدم ذكر البسملة هو موضوع السورة أي البراءة و هي لا تجتمع مع الرحمة.

الضحى و الانشراح:

ذهب فقهاء المذهب إلى أنهما سورة واحدة. و وحدة الموضوع فيهما تساعد على ذلك ففيهما سلسلة من الأسئلة على نحو الاستفهام الإنكاري تأكيدا على صحة الأمر.

قال العاملي: «الضحى و الانشراح سورة واحدة عند آل محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم كما في الاستبصار، و من دين الإمامية الإقرار بذلك كما في الأمالي و هو الذي تذهب إليه الإمامية كما في الانتصار» [مفتاح الكرامة 2، 285].

و قال الطباطبائي: «الأقوى اتحاد سورتي (الفيل) و (لإيلاف) و كذا (و الضحى) و (أ لم نشرح) و تفصيل ذلك في المستدرك [6، 175].

الآية مفهوما و مصداقا

اشارة

جاءت الآية في اللغة بمعان مختلفة منها: العلامة و العجب و الجماعة.

و قد وردت كلمة الآية و مشتقاتها في القرآن الكريم (383) مرة بمعنى العلامة في موارد كثيرة منها قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة: 248].

و لكن رجوع الموارد الأخرى إلى هذا المعنى أيضا يمكن بنوع من التكلف.

ص: 41

كما أن في القرآن الكريم استعملت مادة الآية إلى المقطعات في آيات منها:

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1].

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمران: 7].

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ [يوسف: 1].

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر: 1].

وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ [الحج: 16].

سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ [النور: 1].

طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ [النمل: 1].

فقوله تعالى: الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمران: 7] تطبيق لمادة الآية على قسم من النص القرآني. و قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ [النور: 1] تصريح بان الآية قسم من السورة و ليست قسيما لها. و قوله تعالى: أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ [الحج: 16] ارجاع إلى القرآن و المفهوم من السياق، أما الآيات التي أشارت إلى الحروف المقطعة نحو (الر) و (الم) و (ص) بأنها (آيات الكتب) تطبيق بأن هذه الكلمات تشكل آية من القرآن و كل ذلك لما لها من دلالة لغوية أي أنها علامات الوحي المنزل على النبي المرسل. و بهذا المعنى اللغوي استعملت كلمة (الآية) في الروايات منها.

و كان الرضا عليه السّلام يختم القرآن في كلّ ثلاث، و يقول: لو أردت أن أختمه في أقل من ثلاث لختمته و لكن ما مررت بآية قط إلا فكّرت فيها و في أيّ شي ء أنزلت، و في أي وقت، فلذلك صرت أختم ثلاثة أيام [البحار 92، 204].

[مقاطع من القرآن بالآيات

اشارة

و قد عرفت مقاطع من القرآن بالآيات مع أنها أكثر من جملة، منها:

1- آية الكرسي:

و هي الآيات من 255 إلى 257 من سورة البقرة.

2- آية السخرة:

و هي الآيات من 54 إلى 56 من سورة الأعراف [البحار 87، 58].

و قد ورد في الروايات تصريح بهذه التسمية:

عن الباقر عليه السّلام قال: «من قرأ آية الكرسي مرّة صرف عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا و ألف مكروه من مكروه الآخرة، أيسر مكروه الدّنيا الفقر، و أيسر مكروه الآخرة عذاب القبر.

و عن موسى بن جعفر عليه السّلام قال: سمع بعض آبائي عليهم السّلام رجلا يقرأ «أمّ القرآن»،

ص: 42

قال: «شكر و أجر، ثم سمعه يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] فقال: آمن و أمن، ثم سمعه يقرأ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ [القدر: 1] فقال: صدّق و غفر له، ثم سمعه يقرأ آية الكرسي، فقال: بخ بخ نزلت براءة هذا من النار» [البحار 92، 262].

و روى السيوطي: «سيدة آي القرآن آية الكرسي» [الإتقان 2، 153].

3- آية النبأ:

إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6].

4- آية التطهير:

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب: 33].

5- آية النفر:

فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة: 122].

و ليست هذه العناوين من تسمية النبي نفسه بل أوصاف هي باعتبار مواضيعها انتخبها القراء أو الفقهاء و المحدثون القدامى إشارة إلى مواضيعها.

تحديد الآية:

قال الزركشي (ت 797 ه) و أما في الاصطلاح فقال الجعبري في كتاب «المفرد في معرفة العدد»: حد الآية قرآن مركب من جمل و لو تقديرا، ذو مبدأ و مقطع مندرج في سورة؛ و أصلها العلامة، و منه: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ لأنها علامة للفضل و الصدق، أو الجماعة، لأنها جماعة كلمة.

و قال غيره: الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها و ما بعدها ليس بينها شبه بما سواها [البرهان 1، 266].

و قول الزركشي (تقديرا) يشتمل الكلمات المفردة، و لعل لهذا السبب عدّل السيوطي في تعريف الآية و قال: «فالآية طائفة من حروف القرآن علم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن و عن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن و عما قبلها و ما بعدها في غيرهما غير مشتمل على مثل ذلك. قال: و بهذا القيد خرجت السورة. و قال الزمخشري: الآيات علم توقيفي لا مجال للقياس فيه و لذلك عدّوا «الم» آية حيث وقعت و «المص»، و لم يعدّوا «المر» و «الر» و عدّوا «حم» آية.

و يظهر من بعض الروايات أن المفهوم الاصطلاحي للآية لمي حدد في عصر

ص: 43

الصحابة. قال ابن عباس: «أرجى آية في القرآن: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ [الرعد: 6] و هذا بعض الآية و ليس كلها».

قال الزرقاني: «ثم خصت الآية في الاصطلاح بأنها طائفة ذات مطلع و مقطع متدرجة في سور القرآن» [مناهل العرفان 1، 332].

فإن كان قصده (ره) المطلع و المقطع في المعنى فهذا يستلزم أن يكون كل آية مستقلة في المعنى من الآية الأخرى، أي أن تكون جملة تامة ذات معنى مستقل و هذا لا يستقيم في كل الآيات.

و يظهر مقياس الجملة التامة من كلام ابن عطية (ت 543 ه) بقوله: و أما الآية فهي العلامة في كلام العرب، و منه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز: بآية ما أكلت معكم حيسا. فلما كانت الجملة التامة في القرآن علامة على صدق الآتي بها، و على عجز المتحدّي بها سميت آية. هذا قول بعضهم. و قيل: سميت آية لما كانت جملة و جماعة كلام، كما تقول العرب: جئنا بآيتنا، أي بجماعتنا [المقدمتان ص 284].

و كلام ابن عطية لا يستقيم فإن في الآيات القرآنية ما تشتمل على الكلمة المفردة و الجملة التامة و الجملة الغير التامة فليس المقياس في الآية كونها جملة تامة.

و يرى ابن العربي- و هو على حق- في تحديد الآية أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكر أن الفاتحة سبع آيات و سورة الملك ثلاثون آية، و صحّ أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران. قال: و تعديد الآي من مفصلات القرآن؛ و من آياته طويل و قصير، و منه ما ينقطع، و منه ما ينتهي إلى تمام الكلام، و منه ما يكون في أثنائه، كقوله: «أنعمت عليهم» على مذهب أهل المدينة، فإنهم يعدّونها آية. و ينبغي أن يعوّل في ذلك على فعل السلف [البرهان 1، 268].

و هنا زاد السيوطي على قول ابن العربي: (و قال) غيره سبب اختلاف السلف في عدد الآي أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقف على رءوس الآي للتوقيف فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع حينئذ أنها ليست فاصلة.

فتحديد الآية بالجملة المفيدة يقتضي أن تكون الآيات ذات الاستثناء واحدة و ليست كذلك في القرآن. مثلا في سورة البقرة الآيتان 159 و 160 تشكلان جملة واحدة مع أنهما آيتان. قال سبحانه و تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا

ص: 44

وَ بَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 160]. فهما آيتان من القرآن مع أن الجملة لا تتم إلا بعد الاستثناء.

إن تحديد الآيات حسب الترقيم المتداول اليوم ليس على اعتبار تمامية المعنى و استقلالية الجملة مثال ذلك قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 219] فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ [البقرة: 220] مع أن الآية فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ليست جملة تامة و لو لا تصور أن هذا تلاعب بالنص القرآني، لكان الأفضل إلحاقها بما قبلها. و روي أن مواضع الآيات في السور كانت بإشراف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «ضعوا آية كذا في مكان كذا».

قال ابن عطية (ت 543): «و ذكر أن ترتيب الآيات في السور، و وضع البسملة في الأوائل، هو من النبي عليه السّلام، و لما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا آخر ما قيل في براءة، و ذلك مستقصى في موضعه موفى إن شاء اللّه تعالى. و ظاهر الآثار أن السبع الطوال، و الحواميم، و المفصل كان مرتبا في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كان في السور ما لم يرتب، فذاك هو الذي رتب وقت الكتب [المقدمتان، 276].

و قال السيوطي (ت 911 ه): «ان ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، أما الإجماع فنقله غير واحد، منهم: الزركشي في البرهان و أبو جعفر بن الزبير في مناسباته و عبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين انتهى و سيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه. و أما النصوص فمنها حديث زيد السابق: «كنا عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نؤلف القرآن من الرقاع» [الاتقان 1، 69].

و عن عثمان بن أبي العاص قال: «كنت جالسا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ شخص ببصره ثم صوّبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى [النحل: 90].

و في روايات أهل البيت عليهم السّلام ما يوافق رأي السيوطي فقد روى الصدوق (ت 381 ه) في أن سمرة بن جندب و عمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه حفظ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سكتتين سكتة إذا كبّر و سكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه، ثم إن قتادة ذكر السكتة الأخيرة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم و لا الضالين: أي حفظ ذلك سمرة و أنكره عليه عمران بن حصين، قال: فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب و كان في كتابه إليهما أوفى ردّه عليهما أن سمرة قد حفظ» [البحار 85، 27].

ص: 45

و هذا يعني أن تحديد الآيات كان بقراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن السكتة هي العلامة لنهاية الآيات و من ثم اختلف صحابيان في سكتة النبي في الفاتحة و حكّما أبي بن كعب في ذلك (و عليه) السكتات استبدلت بالأرقام في عصرنا. و هذا لا ينطبق على ما هو معمول به اليوم في المصحف في تحديد الآيات. و قد اتفق الكل على أن أطول آية في القرآن هي آية الدين [البقرة: 282] مع أن الآية (283) التي تليها من نفس الموضوع و لم تلحق بها. و هي على طولها البالغ 15 سطرا لم تقطّع إلى آيات لسكتة في القراءة فيها فلا محيص من القول بأنه لا مقياس لتحديد الآية بالعدد لأن الترقيم لم يكن مقصودا بالوحي. إذ ليس المقصود من الوحي سوى العمل بالمفاهيم القرآنية من دون أي اعتبار للعدد.

البسملة

و اختلفت كلمة الفقهاء و القراء في عدّ البسملة آية بعد اتفاقهم على عدّها آية في سورة الفاتحة دون غيرها، و مذهب أهل البيت على عدّها آية من كل سورة ما عدا البراءة. و نتج هذا الخلاف الفقهي على زيادة عد 113 آية أو نقصانها، و هو خلاف نظري إذ أن النص القرآن اليوم يحتوي على البسملة في كل سورة ما عدا البراءة.

قال النجفي: «ان البسملة آية منها [الفاتحة] و من كل سورة عدا براءة، و أنه (تجب قراءتها معها) سيما و الفاتحة باعتبار وجوب قراءتها في الصلاة تتوفر الدواعي إلى معرفة ذلك فيها، فقول القراء حينئذ بخروج البسامل من القرآن كقولهم بخروج المعوذتين منه أقوى شاهد على أن قراءتهم مذاهب لهم، لا أنه قد تواتر إليهم ذلك، و كيف و المشهور بين أصحابنا بل لا خلاف فيه بينهم كما عن المعتبر كونها آية من الفاتحة، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل البيت، بل النصوص مستفيضة فيه إن لم تكن متواترة كالإجماعات على ذلك، بل و على جزئيتها من كل سورة، و النصوص دالة عليه أيضا و إن لم يكن بتلك الكثرة و الدلالة في الفاتحة» [الجواهر 9، 297].

عدد الآيات

اشارة

قال الداني (ت 444 ه): «اجمعوا على أن عدد الآيات في القرآن ستة آلاف و مائة آية ثم اختلفوا فيما زاد» [الاتقان 1، 67].

قال ابن عطية: «و ذكر أن الحجاج بن يوسف جمع القراء و الكتبة فعدّوا له جميع آيات القرآن و كلامه و حروفه فبلغ ستة آلاف و مائتين و عشرين آية. و قيل: بل وجده ستة آلاف آية و مائتي آية و أربع آيات» [مقدمتان، 250].

ص: 46

و أيضا: و أمّا عدد الآي: فروي عن ابن مسعود قال: آيات القرآن ستة ألف و مائتان و ثماني عشرة آية. و حروفها ثلاث مائة ألف حرف و ستمائة حرف و تسعون حرفا. فلتالي القرآن بكل حرف منها عشر حسنات.

و القرآن كله في عدد أهل مكة ستة آلاف آية و مائتا آية و عشر آيات، فيما ذكره الزعفراني عن عكرمة بن سليمان. و ذكر مثله عن مجاهد، و عن عبد اللّه بن كثير، عن مجاهد أنه قال: القرآن ثلاث مائة ألف حرف و واحد و عشرون ألف حرف و مائة و ثمانية و ثمانون حرفا.

و عن إسماعيل بن جعفر، أن القرآن كله ستة آلاف آية و مائتا آية و أربع عشرة آية.

و عن شيبة بن نصاح، أنه ستة آلاف آية و مائتا آية و سبع عشرة آية.

و كلماته: عند أهل المدينة سبع و سبعون ألف كلمة و أربعمائة و تسع و ثلاثون كلمة.

و حروفه: ثلاث مائة ألف حرف و ثلاثة و عشرون ألف حرف و خمسة عشر حرفا.

و عن ابن سيرين، القرآن ستة آلاف آية و مائتان و ست عشرة آية.

عن زيد بن عبد الواحد أبي المعافى الضرير قال: عدد أهل الكوفة ستة آلاف آية و مائتا آية و ست و ثلاثون آية، و ينسب عددهم إلى أبي عبد الرحمن السّلمي، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.

و عدّد أهل البصرة، ستة آلاف و مائتان و أربع آيات، و ينسب عددهم إلى عاصم الجحدري. و عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع، أنه ستة آلاف و مائتان و عشر آيات.

و في عدد أهل الشام، ستة آلاف و مائتان و ست و عشرون آية، و ينسب عددهم إلى يحيى بن أبي الحرث الذماريّ.

و عن حميد الأعرج قال: جميع آي القرآن ستة آلاف آية و مائتا آية و اثنتا عشرة آية [المقدمتان 7، 246].

قال ابن الجوزي (ت 597 ه): «و أما عدد آي القرآن فمختلف فيها أيضا على حسب اختلاف العادّين، و العدّ منسوب إلى ستة بلدان: مكة و المدينة و الكوفة و البصرة و الشام و حمص، فالعدد المكّي منسوب لمجاهد بن خير، و عبد اللّه بن كثير، و المدني على ضربين مدني أول، و مدني آخر، فالمدني الأول منسوب إلى نقل أهل الكوفة إياه عن أهل المدينة مرسلا لم يسمّوا فيه أحدا، و المدني الآخر منسوب إلى أبي جعفر يزيد بن القعقاع و صهره شيبة بن نضاح، و بينهما خلاف في ست مسائل و هن له «مما تحبون»، «و إن كانوا

ص: 47

ليقولون»، ... «و قد جاءنا نذير ...، إلى طعامه»، و «فأين تذهبون»، ترك هذه الخمس آيات أبو جعفر و عدّهن شيبة، و عدّ أبو جعفر: «مقام إبراهيم»، و تركها شيبة. قال ابن المنادي: المدني الأول فلا يدرى على الحقيقة في أي زمن هو و كأنه عدد صحابي وافق عليه فلكثرة أهله لم يعز إلى أحد مسمّى، فإن كان قبل كتّاب صحف فهو مأخوذ من أفواه الرجال، و إن كان عن مصحف فهو مأخوذ قبل استنساخه كتبا. فلمّا نشأ أبو جعفر و شيبة اختارا من عدّ الماضين كما اختارا من الحروف، و أما الكوفي فمنسوب إلى أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد نسبه قوم إلى ابن مسعود، و الأول أصح، و أما البصري فمنسوب إلى عاصم بن ميمون الجحدري، و هو أحد التابعين الحفاظ الذين ندبهم الحجاج إلى عدد حروف القرآن مع الحسن البصري و مالك بن دينار و أبي العالية الرياحي و أبي محمد بن راشد الحماني و نصر بن عاصم الليثي، فعدوه بالشعير و حسبوه، و قد نسبه بعضهم إلى أيوب بن المتوكل، و الأول أظهر، و أما الشامي فمنسوب إلى عبد اللّه بن عاصم اليحصبي. و روى قوم أن أيوب بن تميم زعم أنه عدد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، و الأول أصح، و قد روي عن أهل حمص خلاف لما روي عن أهل الشام مطلقا.

و قد وقع اجماع العادين على أن القرآن ستة آلاف و مائتا آية، ثم اختلفوا في الكسر الزائد على ذلك فروى المنهال بن عمرو عن ابن مسعود أنه قال: القرآن ستة آلاف و مائتا آية و سبع عشرة آية، و هذا مبلغه في المدني الأول، و به قال نافع و أما في المدني الأخير فأربع عشرة آية عن شيبة، و عشر آيات عن أبي جعفر، و في المكي عشرون آية، و في الكوفي ست و ثلاثون آية، و هو مروي عن حمزة الزياد و في البصري خمس آيات و هو مروي عن عاصم الجحدري، و في رواية عنه و أربع آيات، و بهذه الرواية قال أيوب بن المتوكل البصري، و في رواية عن البصريين أنهم قالوا و تسع عشرة آية، و هو مروي عن يحيى بن الحارث الذماري، و قد روى أبو عبد الرحمن عن علي عليه السّلام أنه قال و تسع و عشرون آية، و روى زيد بن وهب عن ابن مسعود، أنه قال و خمس عشرة آية، و روى عن عطاء الخراساني أنه قال و ست عشرة آية، و روى عن عطاء بن يسار أنه قال: و ست آيات، و نقل عن أهل حمص أنهم قالوا و اثنتان و ثلاثون آية [فنون الأفنان 39، 40].

ثم ذكر ابن الجوزي عدد كل سورة حسب الأقوال المذكورة [من ص 52- 73].

و اختار الطبرسي العد الكوفي و قال: «ان عدد أهل الكوفة أصح الأعداد و أعلاها إسنادا لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و تعضده الرواية الواردة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: فاتحة الكتاب سبع آيات إحداهن بسم اللّه الرحمن الرحيم، و عدد أهل

ص: 48

المدينة منسوب إلى أبي جعفر يزيد بن القعقاع القاري، و شيبة بن نصاح و هما المدني الأول و إلى إسماعيل بن جعفر و هو المدني الأخير و قيل المدني الأول هو الحسن بن علي بن أبي طالب و عبد اللّه بن عمر و المدني الأخير أبو جعفر و شيبة و إسماعيل و الأول أشهر و عدد أهل البصرة منسوب إلى عاصم بن أبي الصباح الجحدري و أيوب بن المتوكل لا يختلفان إلا في آية واحدة في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فالحق و الحق أقول»، عدّها الجحدري و تركها أيوب و عدد أهل مكة منسوب إلى مجاهد بن جبر، و إلى إسماعيل المكي، و قيل لا ينسب عددهم إلى أحد بل وجد في مصاحفهم على رأس كل آية ثلاث نقط، و عدد أهل الشام منسوب إلى عبد اللّه بن عامر [مجمع البيان 1، 11].

و فصّل السيوطي الأقوال راويا العدد الكوفي عن علي بن أبي طالب قال: «قال أبو عبد اللّه الموصلي في شرح قصيدته ذات الرشد في العدد اختلف في عدد الآي أهل المدينة و مكة و الشام و البصرة و الكوفة و لأهل المدينة عددان عدد أول و هو عدد أبي جعفر يزيد بن القعقاع و شيبة بن نصاح و عدد آخر و هو عدد إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، و أما عدد أهل مكة فهو مروي عن عبد اللّه بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب و أما عدد أهل الشام فرواه هارون بن موسى الأخفش و غيره عن عبد اللّه بن ذكوان و أحمد بن يزيد الحلواني و غيره عن هشام بن عمار و رواه ابن ذكوان و هشام عن أيوب بن تميم الزماري عن يحيى بن الحارث الزماري قال هذا العدد الذي نعده عدد أهل الشام مما رواه المشيخة لنا عن الصحابة و رواه عبد اللّه بن عامر اليحصبي لنا و غيره عن أبي الدرداء و أما عدد أهل البصرة فمداره على عاصم بن العجاج الجحدري و أما عدد أهل الكوفة فهو المضاف إلى حمزة بن حبيب الزيات و أبي الحسن الكسائي و خلف بن هشام قال حمزة أخبرنا بهذا العدد ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب.

ص: 49

جدول عدد الآيات

الصورة

ص: 50

الصورة

ص: 51

الصورة

ص: 52

الصورة

ص: 53

الصورة

ص: 54

الصورة

و لم يحدد بالضبط في الخلاف القائلون بها سوى ما حدده ابن الجوزي (ت 597 ه) من ستة موارد فراجع (ص 62).

و الآيات في القرآن الكريم تختلف في الطول و القصر فقد تكون:

1- كلمة واحدة مُدْهامَّتانِ [الرحمن: 64].

2- كلمتان وَ الضُّحى [الضحى: 1].

3- كلمات في جملة غير تامة.

4- أو جملة تامة، و هي أغلب الآيات.

و أطول آية في سورة البقرة الآية 282 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ في 15 سطرا.

و يرى السيوطي أن فائدة معرفة الآية معرفة حكم الوقف فنقل عن الهذلي في كامله:

اعلم أن قوما جهلوا العدد و ما فيه من الفوائد حتى قال الزعفراني العدد ليس بعلم و إنما اشتغل به بعضهم ليروج به سوقه قال و ليس كذلك ففيه من الفوائد معرفة الوقف و لأن الاجماع انعقد على أن الصلاة لا تصح بنصف آية و قال جمع من العلماء تجزئ بآية و آخرون بثلاث آيات و آخرون لا بد من سبع و الإعجاز لا يقع بدون آية فللعدد فائدة عظيمة في ذلك [الاتقان 1، 69].

أقول: «و هذا حكم قاس على فائدة العدد و إن كان هناك من يستقل به ليروج به سوقه و مصلحته الشخصية و لكن ضبط العدد إن استند إلى قراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهو من أعظم الفوائد.

و من هنا يكشف أن ضبط العدد لم يكن مستندا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل هو من اجتهادات

ص: 55

المتأخرين و لذلك يصح كلام الزعفراني المذكور، و المعمول اليوم في تحديد آيات القرآن هو طريقة الكوفيين 6236 و أقل روايات السيوطي هي 6175 و الفرق (61) و ليس هذا من النقص في القرآن الكريم بل في تحديد مواضع الآيات».

كتاب الوحي

اشارة

لم يكتب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا من القرآن و اشتهر طائفة من الصحابة بكتّاب الوحي و إن لم يعرف بالتحديد ما كتبوه كمّا و كيفا و لكنه يكشف عن اهتمام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكتابة النص القرآني دون الحديث القدسي.

قال ابن النديم (ت 380 ه): «الجمّاع للقرآن على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه، سعد بن عبيد بن النعمان بن عمر بن زيد رضى اللّه عنه، أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي اللّه عنه، معاذ بن جبل بن أوس رضى اللّه عنه، أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان، أبيّ بن كعب بن قيس بن مالك بن امرئ القيس، عبيد بن معاوية بن زيد بن ثابت بن الضحاك» [الفهرست 30].

و روى البخاري (ت 256 ه) عن أنس بن مالك رضى اللّه عنه من جمع القرآن على عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبيّ بن كعب و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد.

و أيضا، عن أنس قال: مات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد، قال و نحن ورثناه.

و أيضا عن ابن عباس قال: قال عمر أبيّ أقرؤنا و إنا لندع من لحن أبيّ و أبيّ يقول أخذته من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا أتركه لشي ء قال اللّه تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها [البخاري 6، 230].

و قال الذهبي (ت 748 ه) و قال علي بن رباح جمع القرآن في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة: علي و عثمان و أبي بن كعب و عبد اللّه بن مسعود [معرفة القراء 1، 27].

و روايات أخرى:

و روايات الجمع كثيرة منها ما تحدد الحفاظ بأربعة أو سبعة أو ثمانية.

قال الزركشي (ت 798 ه) قال الحافظ البيهقي في كتاب المدخل: «الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة يختلف

ص: 56

فيهم: معاذ بن جبل، و أبيّ بن كعب، و زيد، و أبو زيد، و اختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبو الدرداء و عثمان، و قيل: عثمان و تميم الداري» [البرهان 1، 241].

أقول: «ان نظرة خاطفة إلى ترجمة هؤلاء الجمّاع- ما عدا من اختلفوا فيه- توقفنا على أنهم كلهم من الأنصار ما عدا علي بن أبي طالب عليه السّلام و من الطبيعي أن الأنصار بحكم بعدهم عن منطلق الوحي- مكة المكرمة كانوا أكثر اهتماما بدراسة القرآن ما عدا علي بن أبي طالب الذي بحكم قربه في النسب و السبب كان أيسر له الكتابة فور نزول القرآن. و إليك لمحة مقتضبة عن تراجمهم:

1- علي بن أبي طالب- ستأتي لمحة عن ترجمته-.

2- سعد بن عبد اللّه بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد الأنصاري الدوسي، قال في الإصابة شهد بدرا و مات بالقادسية شهيدا سنة 16 هجري. و هو أبو زيد الذي جمع القرآن [الإصابة 3، 57].

3- أبو الدرداء عويمر بن عامر بن ثعلبة بن عامر بن زيد الأنصاري الخزرجي آخى رسول اللّه بينه و بين سلمان الفارسي (ت 32 ه) [أسد الغابة 4، 319].

4- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائد الأنصاري الخزرجي، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة و شهد بدرا و أحدا و المشاهد كلها مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينه و بين عبد اللّه بن مسعود و كان عمره لما أسلم ثماني عشرة سنة. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود و أبيّ بن كعب و معاذ بن جبل و سالم مولى حذيفة» [أسد الغابة 5، 194].

5- أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان بن مالك بن عبيد بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري. و عن يحيى بن معين قال: «أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسمه ثابت بن زيد». و مما قال ابن الأثير: «و في قول ابن معين نظر فإن أنسا قال: أحد عمومتي فلا يكون إلا من بني النجار من الخزرج» [أسد الغابة 1، 269].

6- أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي. قال عن الواقدي: «أول من كتب لرسول اللّه مقدمه المدينة أبيّ بن كعب» [أسد الغابة 1، 63].

7- عبيد بن معاوية، عنونه ابن حجر (ت 85 ه) من دون ترجمة [الإصابة 4، 349]. و كذلك ابن الأثير في [أسد الغابة 3، 548].

ص: 57

8- و زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوزان الأنصاري الخزرجي و سيأتي ذكره.

جمع القرآن

اشارة

و البحث في الجمع و التفسير و التحريف و القراءة تكاد تكون متداخلة و التحقيق في أي موضوع منها يرتبط استدلالا و استنتاجا بالمواضيع الأخرى المذكورة.

هناك اصطلاحان قديمان في علوم القرآن، هما (جمع القرآن) و (تأليف القرآن) ينبغي ملاحظتهما و معنى الجمع نقل القرآن الصوتي إلى الكتابة، و يعنى بالتأليف ترتيب السور حسب النزول (الترتيب الزمني) و باعتبار الطول و القصر فيها أو (الترتيب الكمي) أو غيرهما من الاختيارات فبعض الروايات تنص على حرية بعض الصحابة في اتخاذ ترتيب خاص لنفسه كما في حديث علقمة، يقول: «عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم [يراجع فتح الباري- لابن حجر 9، 32]. و كلمة (المفصل) اصطلاح خاص في علوم القرآن للسور القصار التي هي في القسم الأخير من القرآن الكريم ما عدا الفاتحة.

و المشهور لدى المؤرخين أن القرآن لم يجمع في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنما جمع بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و إن اختلفت في تحديد الزمن بالخلفاء الثلاثة، و بما أن عدم جمع القرآن في عصر الرسالة يعتبر نوعا من الإهمال الذي لا يمكن أن يصدر من الرسول الحكيم، حاول بعض العلماء تبرير ذلك، ففي فتح الباري: «قال الخطابي و غيره يحتمل أن يكون صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ألهم اللّه الخلفاء الراشدين ذلك و كان ابتداء ذلك على يد الصديق رضى اللّه عنه بمشورة عمر رضى اللّه عنه ... الخ [فتح الباري 9، 130] و لكن هذا التعليل مردود و ذلك لأن النسخ ليس معناه حذف نص الآيات و إنما المراد إلغاء الحكم مع بقاء النص، لذلك نجد علماء المسلمين يبحثون في كثير من الآيات أنها ناسخة أو منسوخة- و المفروض أنها لا تزال محفوظة في النص القرآني- و كتب الناسخ و المنسوخ كثيرة جدا لدى مختلف الطوائف الإسلامية، و ليس هناك أي ارتباط بين ترقب النسخ و كتابة القرآن. و لا يمكن أن يكون الخلفاء الراشدون أكثر غيرة على القرآن من الرسول الكريم نفسه. و مهما كان فالرأي المشهور أن زيد بن ثابت وحده أو مع لجنة خاصة تكفلت نقل القرآن الصوتي في المصحف من العسب (جريد النخل) و الرقاع (الورق) و اللخاف (الحجارة الرقيقة) و الأقتاب (الخشب) و ذلك باهتمام خاص من الخليفتين أبي بكر و عمر.

ص: 58

أقوال شاذة

و هناك روايات و أقوال شاذة- بإزاء هذا المشهور- نذكر نموذجا منها، فقد روى البخاري أن من جمع القرآن على عهد رسول اللّه (أربعة من الأنصار: أبيّ بن كعب، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قال قتادة: من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي) و أيضا روى أنه (مات النبي و لم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد).

و من الواضح أن الرواية في حصرها الجمع في خصوص الأنصار دون غيرهم من المهاجرين تريد حصر هذه الفضيلة بهم، و من المستبعد جدا أن يهمل المهاجرون هذه المسئولية من جانبهم، ثم كيف ينحصر الاهتمام بالجمع بهذا العدد الضئيل مع العلم أن عدد المسلمين المهاجرين كان قبل هجرة الحبشة أكثر من الثمانين و قد ازداد بعد ذلك بكثير، لذلك يمكن توجيه هذه الرواية بما يأتي:

أولا: ما ذهب إليه المحدثون من أن المراد من الجمع هو خصوص الحفظ عن ظهر القلب.

ثانيا: أن مراد الراوي خصوص الجامعين من الأنصار، و ليس يقصد الاستقصاء لكل من جمع القرآن.

ثالثا: أن الجمع إنما هو بمعنى الكتابة.

و من الروايات الشاذة، في كيفية جمع الإمام علي عليه السّلام، فقد روى السجستاني أنه لما توفي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقسم علي أن لا يرتدي الرداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام كرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال: لا و اللّه إلا أني أقسمت أن لا أرتدي الرداء إلا لجمعة فبايعه ثم رجع [المصاحف ص 10] و هذه الرواية بوضوح تريد أن تعلل أمر الخلافة سياسيا و لا تفيد أي تحليل لأسلوب الجمع أو كيفية الجمع.

فلا بد من دراسة دور كل من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الخلفاء الثلاثة في جمع القرآن.

موقف الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

لقد كان الرسول القائد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحرص الناس على حفظ القرآن و سلامته و تبليغه إلى الناس كافة، كما يشير إليه قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9]، و سيرته منذ البعثة حتى الوفاة، تدل على ذلك. فلم تحل مناسبة إلا و اكد على تعلم القرآن و تعليمه لمن حضر من أصحابه، و تعهدهم على ذلك و قد بعث كثيرا منهم لتعليم القرآن

ص: 59

للناس و قد روى عبادة بن الصامت: «كان الرجل إذا هاجر دفعه الرسول إلى رجل منا يعلمه القرآن» و المراد من الهجرة هنا الهجرة إلى المدينة و اعتناق الإسلام، و أصر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أن يبلغ الشاهد الغائب عنهم و لو آية واحدة من القرآن قائلا: «بلغوا عني و لو آية من القرآن»، و سيرته طافحة بهذا النوع من التأكيد، و قد زوج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سهيل بن سعد بما معه من القرآن [مسلم 9، 314]، فهل يعقل أن يكون موقف النبي أقل حرصا من غيره؟

لقد عبر الرسول عن بعض السور بأسماء خاصة منها سورة الحمد التي تقع في أول القرآن و سمّاها (فاتحة الكتاب)، و هذا التعبير يفيد بأن هذه السورة هي مفتتح القرآن و مقدمته و أوله، و هذا التعبير لا يصح إلا أن يكون القرآن مكتوبا و مجموعا و كاملا من أوله إلى آخره و ذلك في عهده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تحت إشرافه مباشرة. لذلك فهم الصحابة مراده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من هذه الكلمة دون شبهة، و صار هذا اسما علما لسورة الفاتحة في المجتمع الإسلامي عبر العصور من الصحابة و الأئمة عليهم السّلام و حتى العصر الحاضر، فإن المجتمع الإسلامي لا يفهم من كلمة الفاتحة إلا هذه السورة، و هذا التعبير حصل في روايات من طريق أهل البيت عليهم السّلام كما رويت عن غيرهم. فمنها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه الترمذي [1، 156] و في رواية أحمد أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «كل صلاة لا يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج»، مسند أحمد [2، 421]، و أما أبو هريرة فروى أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمره أن يخرج فينادي (أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب) [2، 421].

و من روايات أهل البيت عليهم السّلام، فقد روى العياشي عن السدي أنه سمع عليا يقول:

«سبعا من المثاني فاتحة الكتاب» [البحار 92، 236]، و رواية محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال: لا صلاة له ...

قلت: أيهما أحب إليك إذا كان خائفا، أو مستعجلا يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب قال عليه السّلام:

فاتحة الكتاب [الوسائل 4، 732].

و الخلاصة: أن التأمل في الروايات في جمع القرآن يوجب الإذعان بأن القرآن الكريم كان مجموعا في عصر الرسالة، و أن الصحابة كل حسب رغبته و شدة اهتمامه بالقرآن احتفظ بنسخة خاصة لغرض القراءة أو النشر بين المسلمين.

جمع الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

تنفرد روايات أهل البيت عليهم السّلام بأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد جمع النصوص القرآنية و جعلها في موضع خلف فراشه.

ص: 60

فعن الصادق عليه السّلام قال: «ان رسول اللّه قال لعلي عليه السّلام يا علي: «القرآن خلف فراشي في المصحف و الحرير و القراطيس فخذوه و لا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي فجمعه في ثوب أخضر ثم ختم عليه في بيته و قال لا أرتدي حتى أجمعه ..»

[92، 48].

و نقل ابن شهرآشوب (ت 588 ه) عن أخبار أبي رافع القبطي [ت 41 ه] ما لفظه: «ان النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: يا عليّ، هذا كتاب اللّه خذه إليك فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جلس علي فألفه كما أنزله اللّه و كان به عالما» [المناقب 2، 41].

و الاعتبار يساعد على ذلك إذ كيف يعقل لنبي المسلمين أن يجعل نص القرآن مهملا و هو يعلم أن كل واحد من الصحابة معرض للقتل في سبيل اللّه أو الموت حتفه؟ فلا بد و أن النبي عليه السّلام اهتم بجمع بدائي للنص القرآني كما تصرح به روايات أهل البيت و إن كان أسلوب الجمع مجهولا لدينا (و يؤيد) ذلك الروايات المتضافرة على حث النبي لتعلم القرآن و تعليمه و قراءة القرآن و آدابه و تسمية سور خاصة منها باسماء خاصة أو مختلفة.

و يكاد المتتبع لسيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في اهتمامه بمصلحة الإسلام و المسلمين يقطع أن جمع القرآن قد حصل في عهده، و تحت إشرافه المباشر و أنه لم يرحل عن هذه الدنيا إلا و القرآن كان مجموعا بين الدفتين، معروفا بين المسلمين، يرجعون إليه في التعلم و التعليم، و هذا الرأي لم تنص عليه في الروايات لوضوحه.

و مما يؤيد أن القرآن كان مجموعا في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تحت إشرافه أن مصاحف الصحابة على اختلافها تتفق في ترتيب القرآن ترتيبا كميا بالابتداء بالسور الطوال منها ثم الأقصر فالأقصر و يبتدئ بالسّبع الطوال و ينتهي بالمفصلات. فالمصاحف و إن اختلفت اختلافا كبيرا في تقديم السور و تأخيرها و لكنها لم تختلف في تقديم السور الطوال على القصار من دون أي اعتبار لتاريخ نزولها من المكي أو المدني فلو لم يكن إشراف مباشر من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ترتيبها لاختلفت مصاحف الصحابة في ذلك و يساعد هذا وجوه.

أولا: رواية البخاري: «عن البراء قال لما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل اللّه) قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ادع لي زيدا و ليجي ء باللوح و الدواة و الكتف أو الكتف و الدّواة، ثم قال: اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ [النساء: 95]، و خلف ظهر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمرو بن أمّ مكتوم الأعمى قال: يا رسول اللّه فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر، فنزلت

ص: 61

مكانها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين في سبيل اللّه غير أولي الضّرر) [البخاري 6، 227].

و هذه الرواية صريحة في اهتمام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكتابة آية حيث أمر بكتابتها، فكيف يتصور إهمال كتابة القرآن الكامل؟ بل يظهر أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- في هذه الرواية- أمر الكاتب لأن يكتب الآية المذكورة في موضعها في القرآن المكتوب تحت إشرافه.

ثانيا: عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأتي عليه الزمان و هو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشي ء دعا بعض من كان يكتب فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا و كذا»، قال الترمذي: هذا حديث حسن. و قال الحاكم:

صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه [البرهان 1، 241].

ثالثا: رواية عثمان القائلة: «... كان إذا نزل عليه- النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- الشي ء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذا في السورة التي ذكر فيها كذا و كذا» [رواه المتقي في كنز العمال 2، 48]. فهذه الرواية تدل على أن في عصر الرسالة كان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد خصص بعض الصحابة لمسئولية كتابة القرآن و كانوا يدونون الوحي القرآني حسب ارشاد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المباشر.

رابعا: ان الذي تنتهي أغلب الروايات في جمع القرآن إليه (و هو زيد بن ثابت، و الذي ذكر له دور بارز في هذه الروايات) يصرح و يقول: «كنا عند رسول اللّه نؤلف القرآن من الرقع»، و هذه الرواية تدل على أن التأليف من الرقاع أي ترتيب تلك الصحف الصغيرة التي تتضمن السور قد حصل تحت إشراف الرسول القائد، فإنه صرح بقوله: «عند رسول اللّه» أي أمامه و بحضوره.

و خامسا: إن المسلمين كانوا يقرءون و يدرسون القرآن بصورة سرية في مكة قبل الهجرة، و ان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إنما أسلم عن هذا الطريق بعد ما اسلمت أخته و زوجها قائلا لهما أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه ... ثم أخذ الكتاب فقرأ منه».

[رواه ابن سعد في الطبقات 3، 268] و هذه أيضا صريحة بأن القرآن كان مكتوبا و أنه كان موضوعا للدراسة و البحث، فطلب عمر بن الخطاب هذا القرآن المكتوب فأخذه و قرأ سورة طه من هذا القرآن المكتوب و لو لم يكن مكتوبا لما صحّ هذا التعبير من الخليفة الثاني، و واضح أن هذا التعبير حصل قبل إسلامه و قبل أن يصبح خليفة.

و الخلاصة: أن القرآن كان مكتوبا في عصر الرسالة و تحت إشراف الرسول مباشرة.

ص: 62

جمع الخليفة الأول (11- 13 ه)

هناك روايات مشهورة أن كلا من الخليفتين أبي بكر و عمر على انفراد كما في روايات الطبقات [3/ 2] و الاتقان [1/ 73] أو معا كما في روايات أخر، كان لهما دور بارز و مشترك في جمع القرآن و كان عمر مشيرا و الخليفة منفذا.

روى البخاري: «أن زيد بن ثابت رضي اللّه عنه قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، و إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، و إنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: «كيف تفعل شيئا و لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ قال عمر: هذا و اللّه خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري لذلك، و رأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتّهمك و قد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتتبّع القرآن فاجمعه، فو اللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال: هو و اللّه خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللخاف و صدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [التوبة: 128]، حتى خاتمة براءة،/ فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي اللّه عنه [صحيح البخاري 6، 225] و راجع [الفهرس 273].

و أما عن حصر هذه الصحف فقد ذكر السجستاني (ت 316 ه) أنها بقيت إلى عهد مروان بن الحكم. و قال: أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إياها، قال سالم: فلما توفيت حفصة و رجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد اللّه بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف فأرسل بها إليه عبد اللّه بن عمر فأمر بها مروان فشققت، فقال مروان إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب و حفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول أنه قد كان شي ء منها لم يكتب [المصاحف 25].

و التأمل في هذه الرواية يحكم أنها لا تكون حجة تاريخية و ذلك أولا لأن القتل إشارة إلى واقعة اليمامة في سنة (12 ه) كما في [فتوح البلدان ص 97] و حكومة أبي بكر بعد واقعة

ص: 63

اليمامة لم تكن أكثر من خمسة عشر شهرا و هذا الوقت لا يكون كافيا و لا وافيا لمثل هذا المشروع على الكيفية المشروحة في الرواية.

فالاعتماد على «رجل شاب عاقل غير متهم كان يكتب الوحي» فقط، يدل على أن المسألة كانت شخصية لغرض الحصول على نسخة جديدة كاملة من القرآن. و لو كان الغرض جمع القرآن من أصوله لاحتاج إلى لجنة مؤلفة من كبار الصحابة لمثل هذا الأمر العظيم، أمثال الإمام علي عليه السّلام و أبيّ بن كعب و عبد اللّه بن مسعود و أمثالهم، لا من صحابي واحد فقط، و لعل لهذا السبب قال الحارث المحاسبي «إنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعة و كان ذلك بمنزلة أوراق وجدت مبعثرة في بيت رسول اللّه فيها القرآن منتشرا فجمعها جامع و ربطها في خيط حتى لا يضيع منها شي ء [البرهان 1، 53].

فجمع الخليفة الأول رضي اللّه عنه لم يكن سوى استنساخ نسخة من القرآن الكريم. و هذه الرواية تستلزم أسئلة يصعب الإجابة عليها بوضوح. فإن كانت الحالة كما في الرواية لوجب على أبي بكر رضي اللّه عنه أن لا يتوقف لحظة في هذا الأمر الهام و لا ينفع الاعتذار بأنه لم يفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أ ليس هو قبل ترشيحه للخلافة مع أن رأي الجمهور بأن الرسول لم يستخلف أحدا؟ و أ ليس هو قد صادر فدك مع أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يصادره؟ فلم يكن بحاجة إلى المراجعة و المتابعة من عمر رضي اللّه عنه (ثم) كيف يمتنع زيد بعد أن اقتنع كل من الخليفتين؟

و كيف يعتمد الخليفة في مثل هذا الأمر العظيم الذي يؤثر في مسيرة الإسلام و المسلمين على فرد واحد من الصحابة هو زيد لا غير؟ و لما ذا أهمل غيره من الصحابة الذين هم أكثر عمرا من زيد و أكثر صحبة، فإن زيد أسلم في المدينة و هو ابن 12 سنة و الصحابة فيهم من كتب الوحي بمكة قبل ذلك؟ و لما ذا انتقلت هذه الصحف إلى عمر رضي اللّه عنه و المفروض أنها من ممتلكات أبي بكر فتنتقل إلى ولده بالإرث؟ ثم بعد عمر لما ذا لم تنتقل هذه الصحف إلى ابنه عبد اللّه و بقيت عند بنته حفصة؟ هذه أسئلة يصعب الإجابة عليها.

جمع الخليفة الثاني (13- 23 ه)

أما الخليفة الثاني إبان حكمه فيدل على أن دوره كان تجديد نسخة القرآن و إشاعته، ما قاله زيد بن ثابت: «أمرني أبو بكر فكتبت في قطع الأديم و العسب فلما هلك أبو بكر و كان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة» [فتح الباري 9/ 97]، فهدف الخليفة لم يكن سوى استنساخ نسخة من القرآن، و دور زيد كان دور الكاتب و الناسخ الذي يقوم بالكتابة حسب رغبة الطالب و قد طلب منه الخليفة الأول الكتابة على الأديم، أما الخليفة الثاني فقد استطاب

ص: 64

الكتابة في صحيفة واحدة، و لو كان الهدف جمع القرآن لما استغنى الخليفة عمر عن كبار الصحابة و منهم الإمام علي عليه السّلام الذي قال فيه: «لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس فيها أبو الحسن»، فيظهر أن زيد بن ثابت حسب هذه الرواية كتب نسخة أخرى إبان حكم الخليفة الثاني أيضا.

و من الثابت تاريخيا ما روي في إسلام عمر من أنه أسلم بناء على قراءة القرآن المكتوب و إليك نص ما رواه ابن سعد [الطبقات، الجزء الثالث، ص 203، طبعة بيروت، 1418 ه] عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بني زهرة قال:

أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا. قال: و كيف تأمن من بني هاشم و من بني زهرة و قد قتلت محمدا، قال: فقال عمر: ما أراك إلا قد صبوت و تركت دينك الذي أنت عليه. قال: أ فلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن أختك و ختنك قد صبوا و تركا دينك الذي أنت عليه، قال: فمشى عمر ذامرا، حتى أتاهما و عندها رجل من المهاجرين يقال له خباب، قال: فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال: ما هذه الهمهمة التي سمعتها عندكم؟ قال: و كانوا يقرءون طه، فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما، قال: فقال ختنه [صهره : أ رأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ قال:

فوثب عمر على ختنه فوطأ وطأ شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمي وجهها، فقالت و هي غضبى: إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه، فلما يئس عمر قال: اعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه ... ثم أخذ الكتاب فقرأ «طه» حتى انتهى إلى قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]» [طبقات ابن سعد 3/ 368].

هذه الرواية بكل وضوح تدل على أن القرآن كان مكتوبا في أوائل عهد الإسلام و أن عمر أسلم بعد قراءة القرآن المكتوب.

و سيأتي أن مصاحف الصحابة لم تختلف في الترتيب الكمي من ناحية الطول و القصر فإنها تبتدئ بالسور الطوال ثم السبع المثاني ثم الحواميم و هكذا حتى تنتهي بالمفصلات و هذا يستلزم أن تكون هذه السور مكتوبة بالترتيب المذكور في عصر الرسالة أو بترتيب مشابه و إنما نشأ الخلاف في ترتيب الطوال أو المفصلات بين أنفسها في مصاحف الصحابة.

قال القسطلاني (ت 923 ه): «قال في شرح السنة، في هذا الحديث البيان الواضح أن الصحابة رضي اللّه عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن المنزل من غير أن يكونوا زادوا أو نقصوا منه شيئا باتفاق منهم من غير أن يقدّموا شيئا أو يؤخروه بل كتبوه في المصاحف على الترتيب

ص: 65

المكتوب في اللوح المحفوظ بتوقيف جبريل عليه السّلام على ذلك و إعلامه عند نزول كل آية بموضعها و أين تكتب و قال أبو عبد الرحمن السلمي كان قراءة أبي بكر و عمر و عثمان و زيد بن ثابت و المهاجرين و الأنصار واحدة و هي التي قرأها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه و كان زيد شهد العرضة الأخيرة و كان يقرئ الناس بها حتى مات و لذلك اعتمده الصديق في جمعه و ولاه عثمان كتبة المصاحف. قال السفاقسي فكان جمع أبي بكر خوف ذهاب شي ء من القرآن بذهاب حملته إذ أنه لم يكن مجموعا في موضع واحد و جمع عثمان لما كثر الاختلاف في وجوه قراءته حين قرئ بلغاتهم حتى أدّى ذلك إلى تخطئة بعضهم بعضا فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مقتصرا من اللغات على لغة قريش إذ هي أرجحها [إرشاد الساري 7، 449].

و على ضوء ذلك تتأكد رواية أهل البيت عليهم السّلام بأن القرآن كان مجموعا في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تحت إشرافه و يقتضيه الاعتبار من أن دور الصحابة ابتداء من الخليفة الأول رضي اللّه عنه و حتى الخليفة الثالث رضي اللّه عنه لم يكن سوى المحافظة على النص باستنساخه و نشره. و ذلك يستدعي دراسة الأحرف السبعة و مصاحف الصحابة لارتباطهما بالموضوع ارتباطا مباشرا.

الأحرف السبعة

اشارة

انفرد مذهب أهل البيت عليهم السّلام بوحدة النص القرآن المنزل على قلب الرسول المرسل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعن الإمام الباقر عليه السّلام (ت 114 ه) أنه قال: «إن القرآن واحد نزل من عند واحد و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة [الكافي 2/ 630].

و هذه الرواية تستلزم سلامة النص القرآني و كتابته في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الاعتبار يساعد على أن تكون الاختلافات من جهة الرواة لاختلاف في قراءة النص أو في سماعه أو في قراءة النص المجرد عن التنقيط أو في سماعهم المتلو من النص.

و التأمل فيما روي عن تعدد الأحرف السبعة يفيد أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سمح في موارد خاصة بالقراءة و لم يكن إذنا عاما بالنقل بالمعنى كما قد يتوهم إذ لو كان كذلك لكان الاختلاف كثيرا مع أن الوجوه المختلفة في القراءة في النص القرآني نشأت من احتمال في الإعراب أو مادة أخرى يتحملها رسم الخط الكوفي و هي اختلافات طارئة و أن القرآن نزل بهيئة خاصة واحدة و إعراب خاص و مادة خاصة و هذه الاحتمالات المختلفة جاءت من قبل الرواة.

ص: 66

و رويت أحاديث كثيرة في الصحاح و المسانيد تفيد تعدد الأحرف منها رواية البخاري (ت 256 ه) في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف.

عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف [البخاري 2/ 228].

و هذه الرواية تقتضي أن الوحي نزل على حرف واحد لأول مرة و أن القراءة أيضا كانت قراءة واحدة و أن التعدد حصل بعد فترة راجع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيها جبرائيل و استزاده و أنه لم يزل يستزيده و لم تتحدد الفترات لهذه الاستزادة و لا مكانها. هل كانت في مكة أم المدينة؟ و ليس السبب لهذه الاستزادة مذكورا في هذا الحديث.

و لكن الترمذي (ت 279 ه) روى ما يذكر السبب لهذه الاستزادة قال ما نصه: «نعى رسول اللّه جبرائيل فقال: يا جبرائيل: إني بعثت إلى أمة أمية فيهم العجوز و الشيخ الكبير و الغلام و الجارية و الرجل الذي لم يقرأ كتابا قط. قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف [صحيح الترمذي 10/ 61].

هذه أصرح الروايات بأن السبب أمية المسلمين الأوائل و بالنتيجة الغرض هو التوسعة على الأمة ليتمكن كل من العجوز و الشيخ الكبير و الغلام و الجارية و من لا يكتب كما كانت الحالة في ذلك و هذا لا يستلزم تعدد القراءات بالذات بل قد يكون المراد أن القرآن لم ينزل لطبقة خاصة من المجتمع كما كانت الحالة في الأديان الأخرى حيث حكمت الكهنوت في ذلك و أن أفراد كل مجتمع يهتدون بهدي القرآن كل حسب فهمه فإن هذا التعليل في الرواية يفيد أن موضوع روايات القراءة السبع ليس القراءات المتداولة في عصرنا بل معنى آخر من المعاني الكثيرة التي ذكرها المحدّثون.

و روى الطبري (ت 310 ه) حديثا في نزول القرآن على سبعة أحرف و ذهب إلى أنها تعني أنه نزل القرآن بسبع لغات و أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقراءته على سبعة ألسن [1/ 42] و لفظه:

«قال عبد اللّه بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس و ثلاثون أو ست و ثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فوجدنا عليا يناجيه، قال: فقلنا: إنا اختلفنا في القراءة. قال: فاحمرّ وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم». قال: ثم أسرّ إلى عليّ شيئا، فقال لنا علي: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمركم أن تقرءوا كما علّمتم» [الطبري 1/ 36].

و هذا الحديث ينهى عن التمادي في ضبط العدد للآيات و التأكيد على القراءة كما تعلمه

ص: 67

الإنسان أي أنه لا يجوز الاجتهاد في النص القرآني بل يجب سلوك التعلم و التعليم عن الأستاذ و الشيخ.

و من الطبيعي أن يتغير وجه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القائد لما سمع الاختلاف في القراءة و أن يستنكر، ذلك بأن الهلاك هو نتيجة الاختلاف، و لكنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يفعل شيئا لرفع هذا الاختلاف و لم يقل شيئا قط بل أسرّ كما في الرواية لعلي و أعلن علي عن أن الرسول يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علّم، فلما ذا لم يعلن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك بنفسه؟ و لما ذا أسرّ ذلك لعلي خاصة؟ يظهر أن كلّا من الرسول و علي تنبها بأن المنافقين يريدون إيقاع الخلاف بين القراء، و لو ساند صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قراءة خاصة أو قارئا خاصا استغلوا الفرصة للوقيعة بالآخر مع أن الرسول يمكن أن أجاز القراءة تسهيلا أو ليفشل خططهم و أفشل خطط المنافقين بالتأكيد على أن يقرأ كل كما علّم و لم يبق مجال للوقيعة بالخلاف لأن الدستور يوجب علينا بأن نتعلم القراءة و لا نكتفي بقراءة الكتاب من دون تعلم.

و أيضا روى الطبري بإسناده عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أبيه، عن جده، قال: قرأ رجل عند عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فغيّر عليه، فقال: لقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يغيّر عليّ. قال: فاختصما عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا رسول اللّه، أ لم تقرئني آية كذا و كذا؟ قال: بلى! قال: فوقع في صدر عمر شي ء، فعرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك في وجهه، قال: فضرب صدره و قال: ابعد شيطانا- قالها ثلاثا- ثم قال: «يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة» [تفسير الطبري 1/ 237].

و هذه الرواية لا تحدد الآية المختلف فيها و أن النبي عرف الشك في وجه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه و ضرب على صدره و كرر ثلاثا «ابعد شيطانا» و لا يمكن منها معرفة طبيعة التغيير و لكن رويت رواية أخرى تذكر الخلاف بين المتخاصمين عمر بن الخطاب و هشام بن حكم و تحدد طبيعة التغيير و أنها كانت في سورة الفرقان.

فقد روى الطبري أيضا بإسناده عن عروة بن الزبير: أن المسور بن مخرمة و عبد الرحمن بن عبد القاريّ أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبّرت حتى سلّم، فلما سلّم لبّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها؟ قال أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم! فقلت: كذبت، فو اللّه إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها! فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: يا رسول اللّه، إني

ص: 68

سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، و أنت أقرأتني سورة الفرقان! قال:

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام»، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هكذا أنزلت». ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: اقرأ يا عمر». فقرأت القراءة التي أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «هكذا أنزلت». ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منها» [الطبري 1/ 36].

و هذه الرواية لم تحدد الآيات من السور و لم أقف على قراءة هشام بن حكيم و لكن في مصحف ابن مسعود ذكرت أربع آيات هي:

1- ارسل الرياح مبشرات [في المصحف بشرا، الفرقان 25/ 48].

2- أ نسجد لما يأمرنا به [لما تأمرنا به، الفرقان 25/ 60].

3- و جعل فيها سرجا [سراجا، الفرقان 25/ 61].

4- و من أزواجنا و ذريتنا [ذرياتنا، الفرقان 25/ 74].

فالاختلاف في ثلاثة منها بالإفراد و الجمع و في واحدة حذف كلمة (به) و الأخيرتان يتحملهما رسم الخط الكوفي مع أن الخلاف بين عمر و هشام بن حكيم كان في القراءة في الصلاة و كأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أراد التيسير بالقراءة في الصلاة بمعنى أن القراءة المذكورة لا تضر بالصلاة فهذا مورد خاص إن صحت الرواية.

معنى تعدد الأحرف

قال السيوطي (ت 911 ه): «اختلف في معنى الحديث على نحو أربعين قولا» [الاتقان 1/ 45].

و بسبب هذا الاختلاف الفاحش في معنى الحديث ذهب أحمد بن سعيدان النحوي (ت 213 ه) إلى أن حديث الأحرف السبعة من المشكل الذي لا يدرى معناه» [البرهان 1/ 213].

و إلى ذلك ذهب سيدنا الأستاذ دام ظله بعد أن استعرض بعض الأقوال و ناقشها قال ما لفظه: «ان نزول القرآن على سبعة أحرف لا يرجع إلى معنى صحيح فلا بد من طرح الروايات الدالة عليه و لا سيما بعد أن دلت أحاديث الصادقين عليهم السّلام على تكذيبها و أن القرآن إنما أنزل على حرف واحد و أن الاختلاف قد جاء من قبل الرواة» [البيان ص 193].

أقول: «و يظهر أن هذه الأقوال كلها نظريات شخصية لأصحابها قيلت لتوجيه الحديث

ص: 69

من حيث المعنى و من حيث العدد .. و أولدت بحوثا طويلة لا يخلو شي ء منها من إشكال كما يظهر من تتبع كلماتهم.

فإن الأقوال الأربعين في تفسير معنى الحديث تبتدأ بالحصر بالعدد في القراءات السبع للقراءة السبعة التي حصرت في القرن الرابع باهتمام ابن مجاهد (ت 324 ه) و حيث أن هذا حمل لكلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما حصل بعد أربعة قرون اضطر آخرون إلى توسعة معنى السبع.

و ذهبوا إلى أن المراد من السبع ليس حقيقة العدد بل المراد التيسير و التسهيل و أن لفظة السبعة تطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون على الكثرة في العشرات و السبعمائة في المئات من دون إرادة عدد معين [الاتقان 1/ 45].

و أشار ابن الجزري (ت 833 ه) إلى ذلك بقوله: «و أمّا المقصود بهذه السبعة فقد اختلف العلماء في ذلك مع إجماعهم على أنه ليس المقصود أن يكون الحرف الواحد يقرأ على سبعة أوجه إذ لا يوجد ذلك إلا في كلمات يسيرة نحو (أف، و جبريل، و أرجه، و هيهات، و هيت) و على أنه لا يجوز أن يكون المراد هؤلاء السبعة القراء المشهورين و إن كان يظنه بعض العوام، لأن هؤلاء السبعة لم يكونوا خلقوا و لا وجدوا؛ و أول من جمع قراءاتهم أبو بكر بن مجاهد في أثناء المائة الرابعة كما سيأتي و أكثر العلماء على أنها لغات ثم اختلفوا في تعيينها فقال أبو عبيد: قريش، و هذيل، و ثقيف، و هوازن، و كنانة، و تميم، و اليمن. و قال غيره خمس لغات في أكناف هوازن: سعد و ثقيف، و كنانة و هذيل، و قريش، و لغتان على جميع ألسنة العرب و قال أبو عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي يعني على سبع لغات من لغات العرب أي أنها متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش و بعضه بلغة هذيل و بعضه بلغة هوازن و بعضه بلغة اليمن (قلت) و هذه الأقوال مدخولة فإن عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح و كلاهما قرشيان من لغة واحدة و قبيلة واحدة» [النشر 1/ 24].

و لعل أقرب هذه الأقوال إلى الواقع ما نقله ابن عبد البر القرطبي (ت 463) عن البعض أنه قال: «تدبرت وجوه الاختلاف في القرآن فوجدتها سبعة (ثم فصلها كالآتي و ملخصها):

1- ما تتغير حركته فقط دون المعنى نحو: (و يضيق صدري) أو (و يضيق صدري) [الشعراء: 13].

ص: 70

2- ما يتغير معناه بالإعراب فقط نحو: (ربنا باعد بين أسفارنا) أو (ربنا باعد بين أسفارنا) [سبأ: 19].

3- ما يتغير المعنى بالحروف نحو: (كيف ننشرها) أو (و كيف تنشرها) [البقرة: 259].

4- ما يتغير صورته و لا يتغير المعنى نحو: (كالعهن المنفوش) أو (كالصوف المنفوش) [القارعة: 5].

5- ما تتغير صورته و المعنى نحو (طلح منضود) أو (طلع منضود) [الواقعة: 29].

6- التقديم و التأخير نحو: (و جاءت سكرة الموت بالحق) أو (و جاءت سكرة الحق بالموت) [ق: 19].

7- الزيادة و النقصان نحو قوله: (حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى) و (صلاة العصر) [البقرة: 238] (البرهان 1/ 214) و ذكر تقسيما مشابها كل من ابن الجزري (ت 833 ه) في [النشر 1/ 27]. و السيوطي (ت 911 ه) في [الإتقان 1/ 46].

و أغرب الأقوال في معنى الأحرف السبعة ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنزل القرآن على سبعة أحرف حكيما عليما غفورا رحيما» [مسند أحمد 2/ 322] و [تفسير الطبري 1/ 8].

و روى أحمد أيضا حديثا أطول بهذا المعنى عن أبيّ بن كعب و زاد في آخره: «إن قلت» غفورا رحيما» أو قلت: «سميعا عليما» أو «عليما سميعا» فاللّه كذلك ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب» [المسند 5، 124].

و روى الطبري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا و لا حرج و لا تختموا ذكر رحمة بعذاب و لا ذكر عذاب برحمة» [الطبري 1/ 45].

وجه الغرابة في هذه أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما تقص السيرة أمر بقتل عبد اللّه بن أبي سرح القرشي الذي كان يكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم ارتد مشركا و قال في مكة: «إني كنت أصرف محمدا كيف أريد كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول (عليم حكيم) فيقول نعم كله صواب» [الاستيعاب 1/ 393].

و أمر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتله و لو وجد تحت استار الكعبة فكيف يمكن التوفيق بين هذا التشديد الصارم من النبي للمحافظة على النص القرآني و هذا التساهل المروي في هذه الأحاديث

ص: 71

المنسوبة إلى النبي؟! مع أنها استخدمت نفس الألفاظ التي استعملها ابن أبي سرح المندس في صفوف المسلمين و يظهر أن أناسا دسوا ذلك للتشكيك في النص القرآني.

و الرواية تؤكد على أن القراءة يجب أن يكون (بما علمتم) و هذا يعني أنه لا مجال للاجتهاد و التصرف بالنص حسب اللغات و هو نهي صريح عن النقل بالمعنى. و يفهم من هذا الجواب أن الخلاف حصل في النقل بالمعنى و النهي عنه في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكد أن التعليم وحده لا يكون متعددا و إن اختلفت طرق التعليم و أن القرآن النازل على قلب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العرضة الأخيرة كان واحدا و لم يكن قرآنا متعددا و لا يكون مادة التعليم سواه.

و هذا لا ينافي استعمال كلمات مرادفة كوسيلة لتعليم القرآن لكن لا كمواد أصيلة من القرآن.

و هذا الموقف الصارم من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تجاه عبد اللّه بن أبي سرح الذي غير كلمات من القرآن حيث أمر بقتله و لو كان متعلقا باستار الكعبة يكشف عن سهره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على سلامة النص القرآن كما تقتضيه مسئولية النبوة.

و هذا الموقف ينافي الرواية التي تسمح بهذا النحو من التغيير و التبديل في النص كما في رواية الطبري (ت 310 ه) عن ابن شهاب، قال: «أخبرني سعيد بن المسيب أن الذي ذكر اللّه تعالى ذكره (أنه قال): إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 103] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي، فكان يملي عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «سميع عليم»، أو «عزيز حكيم»، أو غير ذلك من خواتم الآي، ثم يشتغل عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو على الوحي، فيستفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقول: «أ عزيز حكيم»، أو «سميع عليم» أو «عزيز عليم»؟ فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أيّ ذلك كتبت فهو كذلك». ففتنه ذلك، فقال: إنّ محمدا وكل ذلك إليّ، فأكتب ما شئت.

و هو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة [تفسير الطبري 1/ 46].

فهذه الرواية تجيز ما منع عنه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تسمح ما أمر النبي أن يقتل من فعله و هذا تناقض إذ كيف يأمر بقتل من يفعل ذلك و يجيز ذلك للآخرين؟ و من هنا نعرف أن الأمر بجواز القراءة إنما كان فيما إذا كان النص المكتوب محفوظا و أن القراءة المتغايرة مع النص المكتوب لم تضر بالمعنى و هذه حالة خاصة في الصلاة و لم يكن إذنا عاما.

و من هنا قال الإمام النووي (ت 676 ه): «و قول من قال المراد خواتم الآي فيجعل مكان «غفور رحيم»، «سميع بصير» فاسد أيضا للإجماع على منع تغيير القرآن للناس» [شرح صحيح مسلم 6، 102].

و أغرب من ذلك ما ذهب إليه ابن عبد البر النمري (ت 463 ه) في توجيه هذه

ص: 72

الأحاديث بقوله: «إنما أريد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها» [البرهان 1/ 221].

أقول: «فهل يعقل لمن ينطق بالعربية أن يقول باتفاق المفاهيم في العلم و الحكمة و المغفرة و الرحمة؟ أ ليس اختلاف المسموع يكشف عن اختلاف المعنى المفهوم و إن اتحد المصداق»؟

أحاديث العرض

و تنفي هذه الأقوال النظرية البحتة «أحاديث العرض» التي تؤكد على أن جبرائيل عارض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن في كل عام من شهر رمضان و أنه كرر العرض في عام وفاته قال البخاري ما لفظه: «كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال مسروق عن عائشة عن فاطمة عليها السّلام أسرّ إليّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن جبريل يعارضني بالقرآن كلّ سنة و إنه عارضني العام مرّتين، و لا أراه إلا حضر أجلي.

حدّثنا يحيى بن قزعة حدّثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجود الناس بالخير، و أجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

حدّثنا خالد بن يزيد حدّثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:

«كان يعرض على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القرآن كلّ عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض» [صحيح البخاري 6/ 229].

و القول بأن جبرائيل كرر الكلمة الواحدة سبع مرات تعسف، إذ لا يحصل ذلك في المحاورات العادية فكيف بالقرآن المعجز؟ و من هنا احتمل ابن عبد البر النمري (ت 463 ه) احتمالا آخر فقال: «و قد يشكل هذا القول على بعض الناس فيقول: هل كان جبرائيل يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات؟ فيقال له: إنما يلزم هذا إن قلنا: أن السبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد. و نحن قلنا: كان جبرائيل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمر سبعة أحرف» [البرهان 1/ 219].

قال الجلالي: «لا عبرة بالعرضات الأول حيث أن العرضة الأخيرة تكون ناسخة و المعوّل عليها دون غيرها فانحصرت الأحرف بواحدة و هي العرضة الأخيرة، مع أن هذا القول نظرية فرضية لا تستند على تحديد السبعة في كل عرضة بل ما يساعد عليه الاعتبار أن

ص: 73

القرآن نزل منجما و العبرة إنما هي بآخر ما نزل من الوحي في العرضة الأخيرة و عليه القرآن هو المجموع الكامل في العرضة الأخيرة فقد قال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] و لم يصف قبل ذلك بصفة الكمال.

مصاحف الصحابة

اشارة

و لم تحتفظ المصادر بشي ء من مصاحف الصحابة سوى أربعة مصاحف لهم و هم حسب وفياتهم:

1- أبيّ بن كعب الأنصاري (ت 32 ه).

2- عبد اللّه بن مسعود المخزومي (ت 32 ه).

3- علي بن أبي طالب (ت 40 ه).

4- زيد بن ثابت الأنصاري (ت 45 ه).

و نظرة خاطفة إلى تواريخ أعمار هؤلاء تكشف أن زيد بن ثابت هو أحدثهم عمرا و آخرهم وفاة. و اختلاف المصاحف تستدعي دراسة عميقة. و لكنها تفقد النص التاريخي الموثوق لاعتمادها على أخبار آحاد و ظنون أفراد لا توجب علما و لا عملا. و يبقى النص القرآني المعروف تاريخيا بالمصحف الإمام و المتداول في عصرنا هذا النص المتواتر عصرا بعد عصر حتى عصرنا هذا. أما المصاحف الأخرى فقد انعدمت سوى بعض الفقرات في ترتيبها نذكرها حسب تواريخ وفيات أصحابها. مع الإشارة إلى تراجمهم:

1- مصحف أبيّ بن كعب (ت 30 ه)

أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن معاوية بن عمرو بن مالك الأنصاري، شهد العقبة الثانية و بايع رسول اللّه فيها ثم شهد بدرا. روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «أقرأ أمّتي أبيّ». و عن أنس أن النبي قد دعا أبيّا فقال: إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك «قال: اللّه سمّاني لك؟ قال: «نعم»، فجعل أبيّ يبكي. قال أبو عمرو: و كان أبيّ ممن كتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوحي قبل زيد بن ثابت و معه أيضا. و عن الواقدي قال: أول من كتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مقدمه المدينة أبيّ بن كعب. و هو أول من كتب في آخر الكتاب و «كتب فلان». و مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه سنة 19 و قيل 20 ه و قيل أنه مات في خلافة عثمان سنة 32 ه [تخريج الدلالات 109] و ذكر ابن النديم (ت 380 ه) بتفصيل ترتيب القرآن في مصحف أبيّ بن كعب و فيه

ص: 74

تصريح بزيادة سورتين قال ما لفظه: «قال الفضل بن شاذان، أخبرنا الثقة من أصحابنا قال:

كان تأليف السور في قراءة أبيّ بن كعب بالبصرة في قرية يقال لها قرية الأنصار، على رأس فرسخين عند محمد بن عبد الملك الأنصاري، أخرج إلينا مصحفا و قال هو مصحف أبيّ رويناه عن آبائنا، فنظرت فيه فاستخرجت أوائل السور، و خواتم الرسل. و عدد الآي: فأوله فاتحة الكتاب، البقرة، النساء، آل عمران، الأنعام، الأعراف، المائدة، الذي التبسته و هي يونس، الأنفال، التوبة، هود، مريم، الشعراء، الحج، يوسف، الكهف، النحل، الأحزاب، بني إسرائيل، الزمر، حم تنزيل، طه، الأنبياء، النور، المؤمنين، حم المؤمن، الرعد، طسم القصص، طس سليمان، الصافات، داود، سورة ص، يس، أصحاب الحجر، حم عسق، الروم، الزخرف، حم السجدة، سورة إبراهيم، الملائكة الفتح، محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الحديد، الظهار، تبارك الفرقان، الم تنزيل، نوح، الاحقاف، ق، الرحمن، الواقعة، الجن، النجم، نون، الحاقة، الحشر، الممتحنة، المرسلات، عم يتساءلون، الإنسان، لا أقسم، كورت، النازعات، عبس، المطففين، إذا السماء انشقت، التين، اقرأ باسم ربك، الحجرات، المنافقون، الجمعة، النبي عليه السّلام، الفجر، الملك، الليل إذا يغشى، إذا السماء انفطرت، الشمس و ضحاها، السماء ذات البروج، الطارق، سبح اسم ربك الأعلى، الغاشية، عبس، و هي أهل الكتاب، لم يكن أول ما كان (1)، الذين كفروا، الصف، الضحى، أ لم نشرح لك، القارعة، التكاثر، الخلع- ثلاث آيات، الحفد- ست آيات، اللهم إياك نعبد- و آخرها، بالكفار ملحق، اللمز، إذا زلزلت، العاديات، أصحاب الفيل، التين، الكوثر، القدر، الكافرون، النصر، أبي لهب، قريش، الصمد، الفلق، الناس، فذلك مائة و ست عشرة سورة.

قال إلى هاهنا اصبت في مصحف أبيّ بن كعب، و جميع آي القرآن في قول أبيّ بن كعب ستة آلاف آية و مائتان و عشر آيات. جميع عدد سور القرآن في قول عطاء بن يسار مائة و أربع عشرة سورة، و آياته ستة آلاف و مائة و سبعون آية، و كلماته سبعة و سبعون ألفا و أربعمائة و تسع و ثلاثون كلمة، و حروفه ثلاثمائة ألف حرف و ثلاثة و عشرون ألفا و خمسة عشر حرفا. و في قول عاصم الجحدري، مائة و ثلاث عشرة سورة. و جميع آيات القرآن في قول يحيى بن الحارث الذماري، ستة آلاف و مائتان و ست و عشرون آية، و حروفه ثلاثمائة ألف حرف و واحد و عشرون ألف حرف و خمسمائة و ثلاثون حرفا.

ص: 75


1- و لعل قوله: «لم يكن أول ما كان» يشير إلى تكرار عنوان «عبس» و «التين».

و يظهر من السجستاني (ت 316 ه) أن مصحف أبيّ قد أحرق. قال: ان ناسا من أهل العراق قدموا إليه فقالوا إنما تحملنا إليك من العراق فأخرج لنا مصحف أبيّ، قال محمد: قد قبضه عثمان، قالوا: سبحان اللّه أخرجه لنا، قال: قد قبضه عثمان [المصاحف 25].

و ذكر ابن الجوزي أن في عام 515 ه احترق مصحف بخط أبيّ بن كعب مع 500 مصحفا [المنتظم 9، 224].

2- عبد اللّه بن مسعود (ت 32 ه)

هو عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم الهذلي الكوفي و يكنّى بابن أم عبد و أبو عبد الرحمن. كان إسلامه قديما و هاجر الهجرتين إلى أرض الحبشة و إلى المدينة و شهد بدرا و الحديبية.

عن عبد اللّه بن عمرو قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «خذوا القرآن من أربعة:

من أم عبد- أي عبد اللّه بن مسعود- و معاذ بن جبل و أبيّ بن كعب و سالم مولى أبي حذيفة».

مات ابن مسعود بالمدينة سنة 32 ه و دفن بالبقيع و كان يومه ابن بضع و ستين سنة [تخريج الدلالات ص 132].

و قال الذهبي (ت 748 ه): «كان من السابقين الأولين و من مهاجري الحبشة شهد بدرا و احتز رأس أبي جهل فأتى به للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم». و كان أحد من جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقرأه و كان يقول: «حفظت من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعين سورة ...» [معرفة القراء 1/ 33].

قال أبو موسى: «ما كنت احسب ابن مسعود و أمه- أم عبد- إلا من أهل البيت لكثرة دخولهم و خروجهم». و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يطلع ابن مسعود على أسراره و نجواه ..

و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم عبد»- عبد اللّه بن مسعود- [معرفة القراء 1/ 34].

قال الخزرجي (ح 923) في ترجمته أنه أحد السابقين الأولين شهد بدرا و المشاهد (و روى) عنه خلق من الصحابة و من التابعين تلقى من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبعين سورة قال علقمة:

«كان يشبه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في هديه و دله و سمته قال أبو نعيم مات بالمدينة سنة 32 ه عن بضع و ستين سنة [خلاصة تهذيب الكمال 181، طبعة القاهرة 1322 ه].

ص: 76

و ذكر الشهرستاني (ت 548 ه) في المؤاخذات على عثمان رضي اللّه عنه قوله: «و ضربه عبد اللّه بن مسعود على احضار المصحف و على القول الذي شانه به» [الملل و النحل ص 45، دار الفكر ط 1417 ه] و هذا يعني أن الموقف كان شديدا و متأزما.

و نقل الذهبي (ت 748 ه) عن ثعلبة بن أبي مالك قال: سمعت عثمان يقول من لعذري من ابن مسعود غضب إذ لم أوله نسخ القرآن فهلا غضب على أبي بكر و عمر و هما عزلاه عن ذلك و وليا زيدا فاتبعت أمرهما [معرفة القراء 1/ 37].

و روى البخاري عن ابن مسعود قوله: «و اللّه الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب اللّه، إلا أنا أعلم أين أنزلت، و لا أنزلت آية من كتاب اللّه، إلا أنا أعلم فيم أنزلت، و لو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب اللّه تبلّغه الإبل لركبت إليه.

و يظهر أن مصحف ابن مسعود كان شائعا في عصر الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 ه) حيث قال ابن الأثير (ت 630 ه): «و قال عاصم بن بهدلة: سمعت الحجاج يقول: اتقوا اللّه ما استطعتم هذا و اللّه مثوبة و اسمعوا و أطيعوا و أنفقوا خيرا لأنفسكم ليس فيه مثوبة، و اللّه لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلّت لي دماؤكم، و لا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد- يعني ابن مسعود- إلا ضربت عنقه و لأحكّنّها من المصحف و لو بضلع خنزير، و قد ذكر ذلك عند الأعمش فقال: و أنا سمعته يقول فقلت في نفسي: لأقرأنها على رغم أنفك» [الكامل 4/ 285].

و ذكر ابن النديم (ت 380 ه) ترتيب نزول القرآن في مصحف عبد اللّه بن مسعود بقوله: قال الفضل بن شاذان، وجدت في مصحف عبد اللّه بن مسعود تأليف سور القرآن على هذا الترتيب: البقرة، النساء، آل عمران، المص، الأنعام، الأعراف، المائدة، يونس، براءة، النحل، هود، يوسف، بني إسرائيل، الأنبياء، المؤمنين، الشعراء، الصافات، الأحزاب، القصص، النور، الأنفال، مريم، العنكبوت، الروم، يس، الفرقان، الحج، الرعد، سبأ، الملائكة، إبراهيم، ص، الذين كفروا، القمر، الزمر، الحواميم، المسبّحات، حم المؤمن، حم الزخرف، السجدة، الاحقاف، الجاثية، الدخان، إنّا فتحنا، الحديد، سبح، الحشر، تنزيل، السجدة، ق، الطلاق، الحجرات، تبارك الذي بيده الملك، التغابن، المنافقون، الجمعة، الحواريّون، قل أوحي، إنا أرسلنا نوحا، المجادلة، الممتحنة، يا أيها النبي لم تحرّم، الرحمن، النجم، الذاريات، الطور، اقتربت الساعة، الحاقة، إذا وقعت، ن و القلم، النازعات، سئل سائل، المدثّر، المزمّل، المطففين، عبس، هل أتى على الإنسان، القيّمة، المرسلات، عم يتساءلون، إذا الشمس كورت، إذا السماء

ص: 77

انفطرت، هل اتاك حديث الغاشية، سبح اسم ربك الأعلى، و الليل إذا يغشى، الفجر، البروج، انشقت، اقرأ باسم ربك، لا أقسم بهذا البلد، و الضحى، أ لم نشرح لك، و السماء و الطارق، و العاديات، أ رأيت، القارعة، لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، الشمس و ضحاها، و التين، ويل لكل همزة، الفيل، لإيلاف قريش، التكاثر، إنا أنزلناه، و العصر لقد خلقنا الإنسان لخسر و انه فيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا و تواصوا بالتقوى و تواصوا بالصبر، إذا جاء نصر اللّه، إنّا أعطيناك، قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون، تبّت يدا أبي لهب و قد تبّ ما غنى عنه ماله و ما كسب و امرأته حمالة الحطب. اللّه الواحد الصمد، فذلك مائة سورة و عشر سور.

و في رواية أخرى، الطور قبل الذاريات، قال أبو شاذان قال ابن سيرين: و كان عبد اللّه بن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه و لا فاتحة الكتاب، و روى الفضل بإسناده عن الأعمش قال في قوله في قراءة عبد اللّه، حم عسق.

قال محمد بن إسحاق [ابن النديم : رأيت عدة مصاحف ذكر نساخها أنها مصحف ابن مسعود، ليس فيها مصحفين متفقين و أكثرها في رق كثير النسخ، و قد رأيت مصحفا قد كتب منذ مائتي سنة فيه فاتحة الكتاب. و الفضل بن شاذان أحد الأئمة في القرآن و الروايات فلذلك ذكرنا ما قاله دون ما شاهدناه [الفهرس 29].

أقول: «هذا نص صريح في ترتيب مصحف ابن مسعود على رواية ابن شاذان الذي كان موجودا في القرن الرابع الهجري و أن ابن شاذان أو ابن النديم شاهد نسخة كتبت منذ مائتي سنة و هذا يعني على أقل الفروض كونها نسخة من القرن الثاني إن كان القائل هو ابن النديم أو من القرن الأول إن كان القائل هو ابن شاذان كما هو الظاهر.

3- علي بن أبي طالب عليه السّلام:

اشارة

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أبو الحسن. قال أبو إسحاق: «أول من آمن باللّه و رسوله محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الرجال علي بن أبي طالب» [ابن هشام 1/ 262].

و عن ابن عمر: «اسلم علي بن أبي طالب و هو ابن ثلاث عشرة سنة و توفي و هو ابن ثلاث و ستين سنة».

و قال علي: «صليت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ... لا يصلي معه غيري إلا خديجة» و أجمعوا على أنه صلى القبلتين و هاجر و شهد بدرا و الحديبية و سائر المشاهد و أنه أبلى ببدر و أحد

ص: 78

و بالخندق و خيبر بلاء عظيما ... و كان لواء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في يده في مواطن كثيرة و لم يتخلف عن مشهد شهده رسول اللّه منذ قدم المدينة إلا تبوك. [أسد الغابة 1/ 91- 125].

و قال الذهبي [ت 748 ه) عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ما رأيت أحدا كان أقرأ من علي. و قال ابن سيرين: «يزعمون أن عليا كتب القرآن على تنزيله فلو أصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم» [معرفة القراء 1/ 228].

روى ابن النديم (ت 380 ه): «عن عبد خير عن علي عليه السّلام أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأقسم أنه لا يضع على ظهره ردائه حتى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه، و كان المصحف عند أهل جعفر. و رأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه اللّه مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بنو حسن على مر الزمان و هذا ترتيب السور من ذلك المصحف ...» [الفهرس 30].

أقول: «تتفق جميع نسخ الفهرست المطبوعة على هذا السقط و لم يذكر الترتيب كما وعد و لكن من حسن الحظ أن اليعقوبي (ت 284 ه) في تاريخه ذكر بتفصيل ترتيب هذا المصحف و قال: «روى بعضهم أن عليّ بن أبي طالب كان جمعه لمّا قبض رسول اللّه و أتى به يحمله على جمل، فقال: هذا القرآن قد جمعته، و كان قد جزأه سبعة أجزاء:

الجزء الأول:

البقرة، و سورة يوسف، و العنكبوت، و الروم، و لقمان، و حم السجدة، و الذاريات، و هل أتى على الإنسان، و الم تنزيل السجدة، و النازعات، و إذا الشمس كوّرت، و إذا السماء انفطرت، و إذا السماء انشقّت، و سبّح اسم ربك الأعلى، و لم يكن، فذلك جزء البقرة ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو خمس عشرة سورة.

الجزء الثاني:

آل عمران، و هود، و الحج، و الحجر، و الأحزاب، و الدخان، و الرحمن، و الحاقة، و سأل سائل، و عبس، و الشمس و ضحاها، و إنا أنزلناه، و إذا زلزلت، و ويل لكلّ همزة، و أ لم تر، و لإيلاف قريش، فذلك جزء آل عمران ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو ست عشرة سورة.

الجزء الثالث:

النساء، و النحل، و المؤمنون، و يس، و حمعسق، و الواقعة، و تبارك الملك، و يا أيها المدثّر، و أ رأيت، و تبّت، و قل هو اللّه أحد، العصر، و القارعة، و السماء ذات البروج، و التين و الزيتون، و طس النمل، فذلك جزء النساء ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو ست عشرة سورة.

ص: 79

الجزء الرابع:

المائدة، و يونس، و مريم، و طسم الشعراء، و الزخرف، و الحجرات، و ق و القرآن المجيد، و اقتربت الساعة، و الممتحنة، و السماء و الطارق، و لا أقسم بهذا البلد، و أ لم نشرح لك، و العاديات، و إنا أعطيناك الكوثر، و قل يا أيها الكافرون، فذلك جزء المائدة ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو خمس عشرة سورة.

الجزء الخامس:

الأنعام، و سبحان، و اقترب، و الفرقان، و موسى، و فرعون، و حم المؤمن، و المجادلة، الحشر، و الجمعة، و المنافقون، و ن و القلم، و إنا أرسلنا نوحا، و قل أوحي إلي، و المرسلات، و الضحى، و ألهاكم، فذلك جزء الأنعام ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو ست عشرة سورة.

الجزء السادس:

الأعراف، و إبراهيم، و الكهف، و النور، و ص، و الزمر، و الشريعة، و الذين كفروا، و الحديد، و المزمّل، و لا أقسم بيوم القيامة، و عمّ يتساءلون، و الغاشية، و الفجر، و الليل إذا يغشى، و إذا جاء نصر اللّه، فذلك جزء الأعراف ثمانمائة و ست و ثمانون آية، و هو ست عشرة سورة.

الجزء السابع:

الأنفال، و براءة، و طه، و الملائكة، و الصافات، و الأحقاف، و الفتح، و الطور، و النجم، و الصف، و التغابن، و الطلاق، و المطففين، و المعوذتين، فذلك جزء الأنفال ثمانمائة و ست و ثمانون آية و هو خمس عشرة سورة [تاريخ العصور 2/ 136].

و روى الكليني عن الإمام الصادق أنه أخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السّلام و قال:

أخرجه علي عليه السّلام إلى الناس حين فرغ منه و كتبه فقال لهم: «هذا كتاب اللّه عزّ و جلّ كما أنزله اللّه علي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد جمعته من اللوحين. فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال أما و اللّه ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه» [الكافي 2/ 633].

والمصاحف المنسوبة إلى الإمام علي والموجودة في مختلف المكتبات تستدعي دراسة موضوعية لمعرفة حقيقتها وما وقفت على صورة منه لا يختلف عن المصحف الإمام بشيء وإليك جرداً بما وقفت عليه من المصاحف المنسوبة إليه :

١ - نسخة النجف الأشرف في الروضة الحيدرية

وصفها كوركيس عواد بقوله : «نسخة مكتوبة بالخط الكوفي الأول العريض، على الجلود المصقولة ، لونها عسلي فاتح ووضعها كالسفينة، سقط من أولها وآخرها أوراق والباقي منها 127 ،ورقة مقياسها ٢٩×١٩,٥سم تنسب كتابتها إلى الإمام علي (ت ٤٠ ه_ =

ص: 80

٦٦١م). وصفها كاظم الدجيلي في مجلة لغة العرب 3 بغداد ١٩١٤، ص ٥٩٨ .٥٩٩ وانظر: السيد أحمد الحسيني، فهرست مخطوطات خزانة الروضة الحيدرية في النجف الأشرف مط النعمان النجف 1971؛ ص١٥» وراجع بشأنها :

تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني. القاهرة ١٩٣٥م، ص٤٦.

خزائن الكتب القديمة في العراق لكوركيس عواد، ص133.

الصورة

ص: 81

ماضي النجف وحاضرها : لجعفر آل محبوبة . 1 ، ط 2 ، النجف ١٩٥٨ م ص ١٤٨.

المنجد، ص ٦٤ .

قال أبو عبد الله الزنجاني : ورأيت في شهر ذي الحجة سنة ١٣٥٣ه_ في دار الكتب العلوية في النجف مصحفاً بالخط الكوفي كتب على آخره: «كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة (و) لتشابه « أبي » و «أبو» في رسم الخط الكوفي قد يظن من الأخيرة له أنه كتب علي بن أبو طالب بالواو [تاريخ القرآن ص ٧٥].

2 - نسخة مشهد رأس الحسين بالقاهرة:

قال عواد: نسخة تعرف ب_ «مصحف علي» مكتوبة على الرق بالخط الكوفي، الصفحة ١٤ سطراً (المنجد) ص ٧١ [ عواد ص ٤٠٤] .

الصورة

ص: 82

وصفت الدكتورة سعاد ماهر نسخة المسجد الحسيني بالقاهرة بقولها: «بالنسبة إلى المصحف المعروف بمصحف علي نلاحظ أنه لم يذكر في المراجع التاريخية إلا على قلة . وفي إشارات عابرة هذا على أننا لم نعثر على نص تاريخي يشير إلى وجوده بمصر في أوائل العصر الإسلامي. والمصحف المنسوب إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والمحفوظ بمسجد الحسين رضوان الله عليه يتكون من (٥٠٤) صفحات من الرق ومكتوب بمداد يميل إلى السواد. أما خط المصحف فهو كوفي بسيط نقطت حروفه بنقط حمراء للشكل وأخرى سوداء للإعجام . وسأتناول ملاحظاتي عليه بالتفصيل فيما يلي :

أولاً: خط المصحف كوفي بسيط ذو زوايا قائمة وخال من الزخارف الكتابية ويشبه إلى حد كبير كتابات العراق على الرق في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري ...

ثانياً : استخدام الرق في هذا المصحف الذي يبلغ عدد صفحاته (٥٠٤) يرجح عدم ظهور الكاغد أو غيره من أنواع القراطيس التي انتشرت في العصر العباسي. ولذا فمن المرجح أن يكون هذا المصحف من العصر الأموي.

ثالثاً : وجود النقط الحمراء للتشكيل والنقط السوداء للإعجام في المصحف يقطع بأنه لم يكتب قبل عصر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وهو العصر الذي تولى فيه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية ،العراق، وطلب من نصر بن عاصم إعجام الحروف بمعنى نقطها. كما أنه من المؤكد لم يكتب بعد سنة ١٦٠ه_، حين اختفت النقط الحمراء [مخلفات الرسول ص ١٢٦].

3- نسخة مكتبة رضا رامبور - الهند

قال عواد: «نسخة في غاية النفاسة تنسب كتابتها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ت ٤٠ ه_ = (٦٦١م . قوامها ٣٤٣ ورقة مكتوبة على الرق بالخط الكوفي . راجع في شأنها ما ذكره امتياز علي عرشي في فهرسه :

Imtiyaz Ali Arshi, Catalogue of the Arabic Manuscripts in Raza Library, Rampur. (Vol.I,Rampur, 1963, P.XI,2 - 3, No1).

[ عواد ص ٣٩].

4- نسخة طوب قبوسراي - استانبول

قال عواد: نسخة مكتوبة على الرق، في مكتبة أمانة خزينة ملحقة بطوب

ص: 83

قبوسراي قوامها ٤١٤ ،ورقة كتب عليها إنها من أولها إلى سورة القارعة بخط الإمام علي وما بعد ذلك مضاف سنة ٣٠٧ه_ ، بخط كوفي مشابه لخط الأصل 2.9 .Karatay, Vol 2.. 25.No وعنها نسخة مصورة في معهد المخطوطات [فهرس المخطوطات المصورة 2:1 تسلسل /١٨ التكب السماوية]. [ عواد ص ٣٤].

وقال أيضاً: نسخة مكتوبة بالخط الكوفي على الرق المبشور، في متحف طوب قبوسراي الرقم 29.36E.H ، قوامها ١٤٧ ورقة. في آخرها : كتبه علي بن أبي طالب . راجع بشأن هذه النسخة : Karatay, Vol.I, P.14, No,25 E.H36) المنجد ص٦٤.

قطعة مصحف بخط كوفي قديم كتب في آخره أنه بخط علي بن أبي طالب في من مكتبة أمانة خزينة ، ملحقة بمكتبة طوب قبو سراي، الرقم ٣٣، قوامها ٤٨ ورقة . وعنها نسخة مصورة في معهد المخطوطات [فهرس المخطوطات المصورة ٢:١، تسلسل ١٤ الكتب السماوية] [عواد ص ٣٣].

5 - مصحف بخط كوفي

جاء في الدليل السياحي لمحافظة كربلاء ما نصه : ينسب خطه إلى الإمام أمير المؤمنين علي محفوظ وسط صندوق فضي موضوع داخل الضريح المطهر ونشرت صورة منه في صفحة ١٦.

وجاء في الموسوعة القرآنية [١ - ٦٣] . ولقد كان في دار الكتب العلوية في النجف مصحف بالخط الكوفي مكتوب في آخره: كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من الهجرة وهي السنة التي توفي فيها علي علیه السلام.

6- مصحف بخط الإمام علي علیه السلام :

انديا اوفس ،لندن عليها خواتم سلاطين المغول .

7 - مصحف بخط الإمام علي علیه السلام :

وقد اكمل بخط كوفي مشابه لخط الأصل سنة ٣٠٧ه_ بخط كوفي في م/ أمانة رقم ٢ [مصور ٢/٠].

8 - مصحف بخط علي علیه السلام:

بخط كوفي م / عثمانية رقم ٢٥ .

ص: 84

الصورة

9 - مصحف بخط الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام:

بخط كوفي قديم م / أمانة رقم 29 عدد الأوراق ١٤٧ [مصور ٢/١].

10 - مصحف بخط علي علیه السلام :

من سورة الحجرات إلى آخر القرآن في م/ الحميدية رقم/ ٢.

11 - نسخة مكتبة الإمام يحيى في صنعاء - اليمن جاء وصفها في فهرس الخزانة كالآتي : المصحف الشريف وهو أحد المصاحف التي أرسلت إلى الأقطار في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان هذا المصحف بالقلم الكوفي بخط الصحابة (رض) في رق حجمه ٣٤ - ٣٤س وقد ذهب منه جملة أوراق والباقي منه أكثره، عدد صحايفه ٥٤٠ والذي ذهب منه كان ذهابه في المدة القريبة منذ خمسين عاماً بعد أن تنافس الناس في اقتناء الآثار الثمينة.

ص: 85

وقد اخبر جماعة من علماء العصر ممن كان شاهد هذا المصحف وقرأه أنه كان كاملاً وأنهم شاهدوا في ختامه ما لفظه وكتبه علي بن أبو [كذا] طالب) وممن أخبر بهذا القاضي العلامة محمد بن عبد الله الجنداري أنه شاهد هذا في سنة 1312ه_ وأخبر السيد العلامة علي بن حسين الشامي عن شيخه صفي الإسلام أحمد بن عبد الله الجنداري بمثل ما تقدم، وروى القاضي العلامة الصفي أحمد بن أحمد الجرافي عن شيخه العلامة علي بن حسين المغربي بنحو هذا.

الصورة

ص: 86

جدول ترتیب القران فی مصاحف الصحابة

الصورة

ص: 87

الصورة

ص: 88

الصورة

ص: 89

الصورة

ص: 90

الصورة

ص: 91

الصورة

ص: 92

اختلاف مصاحف الصحابة

اشارة

ذكر الحافظ أبو بكر عبد اللّه بن أبي داود سلمان بن الأشعث السجستاني (ت 316) في كتابه المصاحف [ط مصر 1355 ه] بابا في اختلاف مصاحف الصحابة و تناول المصاحف المروية في عصره كالآتي:

1- مصحف عمر بن الخطاب.

2- مصحف علي بن أبي طالب.

3- مصحف أبيّ بن كعب.

4- مصحف عبد اللّه بن مسعود.

5- مصحف عبد اللّه بن عباس 6- مصحف عبد اللّه بن الزبير.

7- مصحف عبد اللّه بن عمر.

8- مصحف عائشة زوجة النبي.

9- مصحف حفصة زوجة النبي.

قال (ره) ما لفظه: «إنما قلنا مصحف فلان لما خالف مصحفنا هذا من الخط أو الزيادة أو النقصان أخذته عن أبي رحمه اللّه هكذا فعل في كتاب التنزيل».

و إليك موارد الاختلاف بعد حذف المكرر من الروايات و ترتيبها حسب ورودها مقارنا بالمصحف الإمام.

ص: 93

جدول مقارنة اختلاف المصاحف حسب رواية السجستاني (ت 316 ه) لمصاحف عمر و أبيّ و ابن مسعود و ابن عباس

الصورة

و من الجدول السابق نستخلص ما يلي:

مجموع الاختلاف- 166 مجموع الآيات- 6170 على أقل الروايات النسبة المئوية للاختلاف- 3 بالمائة للبدل- 2 بالمائة للنقص- 5./ بالمائة للزيادة- 4./ بالمائة

ص: 94

مقارنة اختلاف المصاحف (ما بين الهلالين من المصحف الإمام)

الصورة

ص: 95

الصورة

ص: 96

الصورة

ص: 97

الصورة

ص: 98

الصورة

ص: 99

الصورة

ص: 100

الصورة

ص: 101

الصورة

ص: 102

الصورة

ص: 103

الصورة

ص: 104

الصورة

ص: 105

الصورة

ص: 106

الصورة

ص: 107

الصورة

روايات أخرى لعبد اللّه بن مسعود

و ذكر السجستاني (ت 316 ه) عدة موارد توافق المصحف الإمام تماما وعدها من قراءة ابن مسعود خاصة و ذلك يبعث على التساؤل و لكن جاء في غير هذه الرواية للسجستاني خلاف في النص. و إليك الموارد التسعة:

الموارد التسعة الموافقة للمصحف الإمام رواية أخرى:

ص: 108

1- عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً [البقرة: 260] بغير واو.

2- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 181] أن لا.

3- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: 19] عند اللّه الحنيفية.

4- يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام: 27] فلا نكذب.

5- يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر: 35] على قلب كل.

6- وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 123] ان ادريس.

7- وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ [الصافات: 125] (؟).

8- بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي [الزمر: 59] قد جاءتكم الرسل بآياتي فكذبتم بها و استكبرتم و كنتم من الكافرين.

9- عَلى صَلاتِهِمْ (بصيغة الإفراد) [المعارج: 23] صلواتهم (بالجمع).

و قد استقصى السجستاني (ت 316 ه) موارد الخلاف بتفصيل في كتابه المصاحف فراجع.

و لكن نصوص الآيات القرآنية تؤكد على وحدة النص القرآني و استناده إلى الوحي دون اختيار أحد حتى النبي نفسه الصادق الأمين في تبديل ذلك حسب هواه قال تعالى:

وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يونس: 15].

و قال تعالى: وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة: 44- 47].

و قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].

و قال: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم: 3- 4].

فإن هذه الآيات صريحة، بأن تبديل النص و تغيير المعنى سواء في تغيير كلمة القرآن.

و الحفظ يعم حفظ القرآن لفظه و معناه. و لا يمكن أن يحصل شي ء منهما من تلقاء النبي نفسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل بالوحي، و لم يثبت الوحي إلا في النص المتواتر. أما القراءات الغير المتواترة كقراءة ابن مسعود و غيره فهي أخبار آحاد و حكمها حكمها.

ص: 109

و النتيجة:

التأمل فيما قدمناه يقتضي الفرق بين كتابة النص القرآني و قراءة النص، و أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يتسامح قط في كتابة النص القرآني و أن روايات جواز القراءات السبع إن صحت، تفيد السماح بالقراءة في موارد خاصة فقط. و الذي يدعو إلى ذلك عدة أمور:

الأول: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يتساهل في ضبط النص القرآني حيث أهدر دم عبد اللّه بن أبي سرح القرشي الذي شكك في النص القرآني و لو كان متعلقا بأستار الكعبة.

الثاني: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تساهل فيمن لا يتمكن من القراءة الصحيحة و قد قال في أذان بلال الحبشي الذي لم يتمكن من النطق بالشين: «سين بلال شين» (لأنه ليس من لغتهم) [المستمسك 6/ 222] و هذا طبيعي لمن لم يتمرن على العربية، و خلاف عمر بن الخطاب كانت في القراءة في الصلاة و ليس من السماح بتغيير النص القرآني كما هو الحال في الدعاء في الصلاة، فمن الطبيعي السماح في الدعاء بالصلاة باعتبار نية المصلي.

الثالث: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شدد على تجريد النص القرآني من غيره من الأحاديث النبوية، فقد روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و من كتب عني غير القرآن فليمحه» [راجع صحيح مسلم 8/ 229].

و يستفاد من هذا الحديث أنه حصل لبعض الصحابة الخلط بين النص القرآني و الأحاديث النبوية المفسرة لها فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ذلك في الكتابة في هذه الفترة خاصة لئلا يحصل الالتباس.

الرابع: أن موارد الخلاف في مصاحف الصحابة بالنسبة إلى النص القرآني قليلة جدا و لو صحت أحاديث الأحرف السبعة للزم أن تكون النسبة عالية جدا فإن السماح بتعدد القراءة- كما تقول روايات الأحرف السبعة- تستلزم أن يكون الخلاف في النص القرآني أكثر بكثير كما هو شأن الأحاديث النبوية المنقولة بالمعنى. و إنا و إن لم نتمكن من الوقوف على مصاحف الصحابة جميعا و لكن فيما روي من اختلاف المصاحف ما يلقي بعض الضوء.

و قد تتبعت ما رواه السجستاني (ت 360 ه) من اختلاف المصاحف عن أبي بن كعب و عبد اللّه بن مسعود و علي و ابن عباس فكان مصحف ابن مسعود أكثرها اختلافا و كان مجموع موارد الخلاف (166) موردا تقدم تفصيله.

و نجد في هذه المقارنة أن أكثر موارد الخلاف هي تبديل كلمة بأخرى كقوله (قبله) و (شطره) [2- 144] فهي 77 موردا و النسبة المئوية لهذا العدد مع عدد الآيات القرآنية على أقل الفروض المروية و هي 6170 هي 1% واحد بالمائة و هذا شي ء قد يحصل في الكتابة

ص: 110

لأي إنسان في حياته اليومية فلو كان هناك سماح بالنقل بالمعنى لكانت النسبة أكثر من هذا بكثير كما هو حاصل في الأحاديث النبوية، لأن الأحاديث منقولة بالمعنى دون القرآن فإن القرآن منقول بالنص.

فلا محيص سوى طرح القراءات الشاذة التي رويت باخبار الآحاد و الاعتماد على المصحف الإمام المتواتر.

المصحف الإمام

جمع الخليفة الثالث (23- 35 ه)

اشارة

كان دور الخليفة الثالث عثمان دوراً مؤثراً في تاريخ القرآن حتى عرف جمعه ب_(المصحف الإمام، وقد اتخذ موقفاً شديداً تجاه المصاحف الأخرى فاحرق غير هذا المصحف بالنار - كما في بعض الروايات - أو طبخها بالماء وطبيعي أن هذا الموقف المتشدد كان نتيجة لموقف المعارضة قبل قرار الجمع وبعده.

تذكر الروايات الأسباب الداعية لهذا الموقف المتشدد - كما في رواية البخاري : ان حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق [البخاري ٢٦٦/٦] . وروى السجستاني (٣١٦ه_) عدة روايات منها : كان الرجل يقرأ حتى يقول الرجل لصاحبه كفرت بما تقول فرفع ذلك إلى عثمان عفان فتعاظم ذلك في بن نفسه فجمع اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار فيهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأرسل إلى الربعة التي كانت في بيت عمر فيها القرآن فكان يتعاهدهم، قال محمد فحدّثني كثير بن أفلح أنه كان يكتب لهم فربما اختلفوا في الشيء فأخروه، فسألت لم تؤخرونه؟ قال: لا أدري. قال

ص: 111

محمد : فظننت فيه ظناً فلا تجعلوه أنتم يقيناً ، فظننت أنهم كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخروه حتى ينظروا آخرهم عهداً بالعرضة الآخرة فيكتبوه على قوله [المصاحف ٢٥].

والروايات بما فيها رواية البخاري هذه تشير إلى عدة نقاط :

1 - باعث الجمع : وهو الخلاف في القراءة في فتح إرمينية باذربيجان.

2 - مصادر الجمع : وهي الصحف التي كانت عند حفصة.

3 - لجنة الجمع وهم :أربعة أنصاري واحد هو زيد بن ثابت وثلاثة من قريش.

٤ - كيفية الجمع : الكتابة بلسان قريش .

٥ - نتيجة الجمع : إرسال مصحف إلى كل أفق وحرق ما سواه من نسخ القرآن. وإليك تفصيل هذه النقاط الخمس :

سبب الجمع:
اشارة

ذكر اليعقوبي (ت 284 ه): «و سبب الجمع أن عثمان رضي اللّه عنه أراد أن يكون القرآن نسخة واحدة، و قيل ان ابن مسعود كان كتب بذلك إليه، فلمّا بلغه أنه يحرق المصاحف قال: لم أرد هذا. و قيل: كتب إليه بذلك حذيفة بن اليمان» [تاريخ اليعقوبي 2/ 170].

و ذكر ابن الأثير (ت 630 ه): تفصيلا أوضح لموقف حذيفة بن اليمان و أن فكرة جمع القرآن خامرته في عام 30 للهجرة من مرجعه في فتح اذربيجان قال ما لفظه: «فلما عاد حذيفة قال لسعيد بن العاص: لقد رأيت في سفرتي هذه أمرا لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن. ثم لا يقومون عليه أبدا. قال: و ما أدراك؟ قال: رأيت أناسا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم و أنهم أخذوا القرآن عن المقداد، و رأيت أهل دمشق يقولون: إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم، و رأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك و أنهم قرءوا على ابن مسعود، و أهل البصرة يقولون مثل ذلك و أنهم قرءوا على أبي موسى و يسمون مصحفه «لباب القلوب».

فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك و حذّرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كثير من التابعين، و قال له أصحاب ابن مسعود: ما تنكر؟ ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود؟ فغضب حذيفة و من وافقه، و قالوا: إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطأ. و قال حذيفة: و اللّه لئن عشت لآتين أمير المؤمنين، و لأشيرن عليه أن يحول بين الناس و بين ذلك. فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد و قام، و تفرّق الناس و غضب حذيفة و سار

ص: 112

إلى عثمان فأخبره بالذي رأى و قال: «أنا النذير العريان، فأدركوا الأمة» [الكامل 3/ 8].

و يظهر من هذه الرواية أن حذيفة كان صاحب فكرة الجمع و أنه كقائد جيش شاهد الخلاف بين صفوف الجيش بنفسه و أنه صرّح بذلك للحاكم السياسي على الكوفة و هو سعيد بن العاص و الي الكوفة من قبل عثمان، و أن ابن مسعود لم يكن له مسئولية في الجيش و لا في السياسة و كان يدافع عن قراءته بدافع العلم فقط فتحزب كل فريق لصاحبه، و اتهام حذيفة لجماعة ابن مسعود بأنهم أعراب و أنهم على خطأ كان منصبّا على ابن مسعود و أهل الكوفة حوله و من هنا أغلظ له ابن مسعود و يظهر أن السياسي سعيد لم يجد بدا سوى مقاطعة الحديث بأن يقوم من المجلس فيتفرق الناس.

فالفكرة بتوحيد القراءات انبثقت من حذيفة بن اليمان و أول من عارضها هو عبد اللّه بن مسعود و قد تعرفنا على مكانة ابن مسعود في الصحبة فمن هو حذيفة؟

حذيفة بن اليمان (توفي 36 ه)

هو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن حربوة بن الحارث بن مازن الأنصاري. و اليمان لقب حسل و نسب إلى اليمان لأنه حالف الأنصار و هم من اليمن.

و مما قال ابن الأثير (ت 630 ه) فيه: «هاجر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتخير بين الهجرة و النصرة فاختار النصرة و شهد مع النبي أحدا و قتل أبوه بها و حذيفة صاحب سر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المنافقين لم يعلمهم أحد إلا حذيفة ... و كان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر و إن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر ... و شهد حذيفة الحرب بنهاوند و كان فتح همدان و الري و الدينور على يده و شهد فتح الجزيرة و نزل نصيبين و تزوج بها ... قال عمر: لكني اتمنى رجالا مثل أبي عبيدة و معاذ بن الجبل و حذيفة بن اليمان ... استعمل عمر حذيفة على المدائن .. و لما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه فالتزمه و قال: «أنت أخي و أنا أخوك». و لما نزل بحذيفة الموت جزع جزعا شديدا و بكى بكاء كثيرا فقيل: ما يبكيك؟

فقال: ما أبكي اسفا على الدنيا بل الموت أحب إليّ. و لكني لا أدري على ما أقدم على رضي أم على سخط؟ و كان موته بعد قتل عثمان باربعين ليلة سنة 36 ه [أسد الغابة 1/ 468].

و كان حذيفة بحكم وظيفته العسكرية قد تنبه إلى ضرورة المصحف الإمام للمسلمين جميعا كخطوة سياسية لتوحيد الكلمة لمعرفته بخطط المنافقين في استغلال الفرص لتشتيت

ص: 113

الكلمة. و غريب منه هذا الجزع الشديد عند الموت- فإن صح فيه ما روي- فكيف لا يدري على ما يقدم على رضي أم سخط؟ و هل في رضي اللّه سخط و في رضى الدنيا غير السخط؟

و مهما كان لا نرى لحذيفة دورا في جمع القرآن أكثر من الاقتراح الذي تلقّاه عثمان رضي اللّه عنه بالقبول و ابن مسعود بالرفض و من الغريب توافق وفاة كل من عثمان و حذيفة عام 36 ه.

مصادر الجمع

و قال ابن الأثير عن مصادر الجمع بما يوافق البخاري و لفظه: فجمع عثمان الصحابة و أخبرهم الخبر فأعظموه و رأوا جميعا ما رأى حذيفة، فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها، و كانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام أبي بكر، فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: إن القتل قد كثر و استحرّ بقراء القرآن يوم اليمامة، و إنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء فيذهب من القرآن كثير، و إني أرى أن تأمر بجمع القرآن [الكامل 3/ 8].

«فأمر أبو بكر زيد بن ثابت فجمعه من الرقاع و العسب و صدور الرجال، فكانت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر، فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها، أخذها منها» [الكامل 3/ 8].

و تكاد تتفق الروايات على أن مصادر الجمع كانت صحف أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما و إن كان في بعضها أن من المصادر كانت روايات غيرهما من الصحابة منها رواية السجستاني (ت 316 ه): «عن مصعب بن سعد قال سمع عثمان قراءة أبي و عبد اللّه و معاذ فخطب الناس ثم قال: إنما قبض نبيكم منذ خمس عشرة سنة و قد اختلفتم في القرآن عزمت على من عنده شي ء من القرآن سمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما أتاني به، فجعل الرجل يأتيه باللوح و الكتف و العسب فيه الكتاب، فمن أتاه بشي ء قال: أنت سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ ثم قال: أي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص، ثم قال: أي الناس أكتب؟ قالوا: زيد بن ثابت، قال: فليكتب زيد و ليمل سعيد. قال: و كتب مصاحف فقسمها في الأمصار فما رأيت أحدا عاب ذلك عليه [المصاحف 24].

و لا يساعد على هذا الاعتبار إذ كيف يكرر عثمان ما حصل من قبل باللوح و الكتف و العسف مع أن المفروض ان ذلك حصل في عهد الخليفتين قبله؟ و ما الحاجة إلى تكراره؟

و كذا ما روي من الاستدراك على بعض الآيات كما في البخاري: «عن زيد بن ثابت قال:

فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقرأ بها

ص: 114

فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها في المصحف» [البخاري 6/ 226].

فإن الاعتماد المطلق على صحف حفصة كما تشهد به روايات كثيرة تأبى الاستدراك.

لجنة الجمع
اشارة

أما عن لجنة الجمع فلا يزيد ابن الأثير (ت 630 ه) على أربعة قال: «و أمر [عثمان زيد بن ثابت، و عبد اللّه بن الزبير، و سعيد بن العاص، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، و قال عثمان: إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا» [الكامل 3/ 29].

و روى السجستاني (ت 316 ه) أن عدد اللجنة تعدّى الأربعة إلى 12 رجلا قال عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان ان يكتب المصاحف جمع له اثنى عشر رجلا من قريش و الأنصار منهم أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت، قال: فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجي ء بها، قال: و كان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارءوا في شي ء أخروه، قال محمد فقلت لكثير فيمن يكتب- هل تدرون لم كانوا يؤخرونه؟ قال: لا، قال: محمد فيصيب ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدا فيهم عهد للعرضة الأخيرة فيكتبوها على قوله [المصاحف 25].

قال القسطلاني (ت 923 ه): «و وقع عند ابن أبي داود» (السجستاني ت 316 ه) تسمية جماعة ممن كتب منهم:

مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس الأصبحي (ت 74 ظ).

و كثير بن أفلح (المدني مولى أبي أيوب الأنصاري).

و أبي بن كعب الخزرجي (ت 32 ه).

و أنس بن مالك بن النضر الخزرجي خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (ت 93 ه).

و عبد اللّه بن عباس عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (ت 68 ه). [إرشاد الساري 7/ 449].

و هذه الرواية- إن صحّت- تكشف عن أن دور هؤلاء لم يكن كبيرا في لجنة عثمان و إليك لمحة عن حياة المتفق عليهم:

1- زيد بن ثابت (11 ق ه- 45 ه)

زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوزان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.

ص: 115

قال الذهبي (ت 748 ه) كاتب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمينه على الوحي رضي اللّه عنه و كان شابا ذكيا ثقفيا جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جمعه في صحف لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه ثم تولى كتابة مصحف عثمان رضي اللّه عنه الذي بعث به عثمان نسخا إلى الأمصار [معرفة القراء 1/ 36].

و يظهر أن زيد كان على صلة وثيقة بالخليفة الأول رضي اللّه عنه إذ كان أول أنصاري يدعو إلى خلافة أبي بكر يوم السقيفة حيث قال: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان من المهاجرين و كنا أنصاره و إنما يكون الإمام من المهاجرين «كما في تاريخ ابن عساكر».

و كذلك على صلة وثيقة بالخليفة الثاني رضي اللّه عنه. قال الذهبي: «كان عمر رضي اللّه عنه يستخلفه على المدينة إذا حج» [معرفة القراء 1/ 37].

و كذلك كان زيد على صلة وثيقة بالخليفة الثالث عثمان رضي اللّه عنه. قال ابن الأثير (ت 630 ه): «كان على بيت المال لعثمان فدخل عثمان يوما فسمع مولى لزيد يغني فقال عثمان من هذا؟ فقال زيد: «مولاي وهيب» ففرض له عثمان ألفا» [أسد الغابة 1/ 279].

و زاد ابن الأثير: «و كان زيد عثمانيا و لم يشهد مع علي شيئا من حروبه» [1/ 279].

- إلى قوله: «و هو الذي كتب القرآن في عهد أبي بكر و عثمان رضي اللّه عنهما» [الكامل 1/ 279].

و لزيد دور مبكر في الإسلام فكان حين قدوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المدينة ابن إحدى عشرة سنة.

قال الواقدي: «استصغر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جماعة فردهم منهم زيد بن ثابت فلم يشهد بدرا» [الاستيعاب 1/ 532].

و عن قتادة قال سمعت أنس يقول: «جمع القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة كلهم من الأنصار: «معاذ بن جبل و أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت و أبو زيد» (صحيح مسلم في فضائل الصحابة) و كتب زيد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي بكر و عمر و كان على بيت المال في خلافة عثمان و كان أبو بكر قد أمره بجمع القرآن في المصحف فكتب بيده. قال له أبو بكر:

«إنك شاب عاقل. قال أبو عمر و لما اختلف الناس في القرآن زمن عثمان و اتفق رأيه و رأي أصحابه أن يرد القرآن إلى حرف واحد وقع اختياره على حرف زيد فأمره أن يملي على قوم من قريش فجمعهم إليه فكتبوه على ما هو عليه القوم بأيدي الناس [تخريج الدلالات ص 172].

قال ابن الجوزي: مات زيد سنة (45 ه) و هو ابن 65 سنة [الإصابة 2/ 490].

ص: 116

و روى البغوي: كان عمر يستخلف زيد بن ثابت إذا سافر و كلما رجع إلا اقطعه حديقة من نخل [الإصابة 2/ 49].

2- عبد اللّه بن الزبير (2- 73 ه)

عبد اللّه بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي الأسدي.

مما قال ابن الأثير (ت 630 ه) هو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين فحنكه رسول اللّه بتمرة لاكها في فيه ثم حنكه بها فكان ريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أول شي ء دخل جوفه و سماه عبد اللّه و كناه أبا بكر بجده أبي بكر الصديق- لأنه ابن أسماء بنت أبي بكر- غزا عبد اللّه بن الزبير إفريقية مع عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح (ت 36 ه) أخو عثمان في الرضاعة، و شهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلا لعلي فكان علي يقول: «ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له عبد اللّه». و امتنع من بيعة يزيد بن معاوية و حصر ابن الزبير بمكة لأربع بقين من المحرم سنة (64 ه) فأقام عليه محاصرا و في هذا الحصر احترقت الكعبة. و بويع عبد اللّه بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد و سيّر (عبد الملك بن مروان) الحجاج بن يوسف إلى الحجاز فحصر عبد اللّه بن الزبير بمكة أول ليلة من ذي الحجة سنة (72 ه) و حج بالناس الحجاج و لم يطف بالبيت و لا بين الصفا و المروة و نصب منجنيقا على جبل أبي قبيس فكان يرمي الحجارة إلى المسجد و لم يزل يحاصر إلى أن قتل في النصف من جمادي الآخرة من سنة (73 ه) [أسد الغابة 3/ 244].

و له صلة النسب بالخليفة الأول جده من طرف الأم و هي أسماء بنت أبي بكر و صلته بأخي عثمان من الرضاعة و كان في جانب خالته أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها في حربها ضد علي في حرب الجمل.

3- سعيد بن العاص (1- 59 ه)

سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي.

مما قال ابن الأثير (ت 630 ه) ولد عام الهجرة و قتل أبوه العاص يوم بدر كافرا قتله علي بن أبي طالب .. و كان من أشراف قريش و أجوادهم و فصحائهم و هو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان و استعمله عثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط و غزا طبرستان فافتتحها و غزا جرجان فافتتحها سنة 29 أو 30 ه و انتفضت اذربيجان فغزاها

ص: 117

فافتتحها على قول. و لما قتل عثمان لزم بيته و اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل و لا صفين فلما استوى الأمر لمعاوية أتاه ... ثم ولاه المدينة .. و كان يبعث مولى له إلى المسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة و معه الصرر فيها الدنانير فيضعها بين يدي المصلين و كان قد كثر المصلون بالمسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة إلا أنه كان عظيم الكبر .. و توفي سنة 59 ه» [أسد الغابة 2/ 392].

4- عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (ت ح 40 ه)

ابن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم القرشي.

مما قال ابن الأثير (ت 630 ه): «توفي أبوه الحارث بن هشام في طاعون عمواس (18 ه) فتزوج عمر بن الخطاب امرأته فاطمة أم عبد الرحمن و نشأ عبد الرحمن في حجر عمر و كان اسمه إبراهيم فغير عمر اسمه. و شهد الجمل مع عائشة و كان صهر عثمان تزوج مريم ابنة عثمان و هو ممن أمره عثمان أن يكتب المصاحف مع زيد بن ثابت و سعيد بن العاص و عبد اللّه بن الزبير و شهد الدار مع عثمان و جرح و حمل إلى بيته .. و توفي عبد الرحمن في خلافة معاوية» [أسد الغابة 3/ 422].

و من ذلك يظهر صلته الوثيقة بالخليفة الثاني و كذلك الخليفة الثالث بحكم المصاهرة، و موقفه المعادي من علي في حرب الجمل.

و بالتأمل في تراجم هؤلاء الأربعة يظهر أن الرجل الوحيد الذي كان له تجربة في جمع القرآن هو زيد بن ثابت بحكم كونه من كتاب الوحي في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في عهد الخليفة الأول و الثاني أما الآخرون فكانت تجمعهم بالخليفة الثالث علاقات نسبية و شخصية و إدارية و لم ينتخبوا لأجل تجربة سابقة في كتابة الوحي.

فإن عبد اللّه بن الزبير كان صديقا لعبد اللّه بن سعد بن أبي السرح أخي عثمان من الرضاعة المتوفى 36 ه و هذا هو الذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتله و لو كان متعلقا بأستار الكعبة. و سعيد بن العاص الأموي كان و الي عثمان على الكوفة و عبد الرحمن بن الحارث كان صهر عثمان و كل واحد من هؤلاء كتب مصحفا فكانت المصاحف الأربعة المرسلة إلى الأمصار.

كيفية الجمع

و اكتفى ابن الأثير (ت 630 ه) عن بيان كيفية الجمع أن عثمان رضي اللّه عنه قال: «إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم» [الكامل 3/ 9].

ص: 118

و قال السجستاني (316 ه): ان عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال سعيد و قتل العاص مشركا يوم بدر و مات سعيد بن العاص قبل بدر مشركا» [المصاحف 245].

و قال أيضا: «قام عثمان فخطب الناس قال: «أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ إحدى عشر و أنتم تمترون في القرآن و تقولون قراءة أبي و قراءة عبد اللّه. يقول الرجل و اللّه ما هم قراءتك فاعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب اللّه شي ء لما جاء به، و كان الرجل يجي ء بالورقة و الأديم فيه القرآن حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلا رجلا فناشدهم أسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم زيد بن ثابت، قال فأي الناس أعرب؟ قالوا سعيد بن العاص، قال عثمان فليمل سعيد و ليكتب زيد. فكتب زيد و كتب مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول قد أحسن» [المصاحف 24].

فالرواية الأولى تؤكد على لسان قريش و على لهجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الثانية على ما هو أعرب و فيه إيماء إلى أن قريش هم أعرب من غيرهم فإن سعيد كان قرشيا و زيد أنصاريا.

و اوضح القسطلاني (ت 923 ه) ذلك بقوله: (فنسخوها) أي الصحف (في المصاحف) و ذلك بعد أن قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة سعيد و عبد اللّه و عبد الرحمن لأن الأول أموي و الثاني أسدي و الثالث مخزومي و كلها من بطون قريش «إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شي ء من القرآن- أي من عربيته- فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل معظمه بلسانهم- أي بلغتهم- ففعلوا ذلك كما أمرهم، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة» [إرشاد الساري 7/ 449].

و عن ابن عباس رواية في كيفية الجمع رواها الحاكم نصها: «قال لنا ابن عباس رضي اللّه عنه قلت لعثمان بن عفان رضي اللّه عنه ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال و هي من المثاني و إلى البراءة و هي من المئين فقرنتم بينهما و لم تكتبوا بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم و وضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي اللّه عنه: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد فكان إذا نزل عليه الشي ء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا و كذا، و تنزل عليه الآية فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا و كذا فكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة و براءة من آخر القرآن فكانت قصتها شبيهة بقصتها فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يبين لنا

ص: 119

أنها منها فظننا أنها منها فمن ثم قرنت بينهما و لم اكتب بينهما سطر بسم اللّه الرحمن الرحيم» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه. [المستدرك 2/ 221 و 230].

و هذه الرواية تدل على أن النص القرآني كان معروفا بين الصحابة جميعا و على تقدم السور الطوال و أن الأنفال لم تكن من الطوال في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل كانت من المثاني، فرأى عثمان وحدة الموضوع- حسب اجتهاده- حيث أنها خليت من البسملة أن يقدم البراءة و يؤخر الأنفال لتشابه موضوعهما و كما قال (فظننت أنها منها) فالجمع العثماني إذن دخل فيه تقديم و تأخير في سورتين هما الأنفال و البراءة.

نتيجة الجمع

ذكر ابن الأثير نتيجة جمع عثمان ثلاثة أمور فقال: «فلما نسخوا الصحف ردها عثمان إلى حفصة و أرسل إلى كل أفق بمصحف، و حرق ما سوى ذلك، و أمر أن يعتمدوا عليها و يدعوا ما سوى ذلك» [الكامل 3/ 9].

و لم يحدد ابن الأثير ما هي الآفاق التي أرسلت المصاحف إليها و يكفي أمر الخليفة بحرق ما سواها و الاعتماد عليها دون غيرها من نتيجة ظاهرة.

قال القسطلاني (ت 923 ه): «فارسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا و كانت خمسة على المشهور فارسل أربعة و أمسك واحدا. و قال الداني في المقنع أكثر العلماء أنها أربعة أرسل واحدا للكوفة و آخر للبصرة و آخر للشام و ترك واحدا عنده. و قال أبو حاتم فيما رواه عنه ابن أبي داود كتب سبعة مصاحف إلى مكة و الشام و اليمن و البحرين و البصرة و الكوفة و حبس بالمدينة واحدا. و أمر بما سواه أي سوى المصحف الذي استكتبه و التي نقلت منه و سوى الصحف التي كانت عند حفصة (من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) بسكون الحاء المهملة و فتح الراء. و لأبي ذر عن الحموي و المستملي يحرق بفتح المهملة و تشديد الراء مبالغة في اذهابها و سدا لمادة الاختلاف» [إرشاد الساري 7/ 449].

و في تاريخ اليعقوبي (ت 284 ه): «و جمع عثمان القرآن و ألفه، و صيّر الطوال مع الطوال، و القصار مع القصار من السور، و كتب في جمع المصاحف من الآفاق حتى جمعت، ثم سلقها بالماء الحار و الخلّ، و قيل أحرقها فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود».

ثم قال: «و بعث بمصحف إلى الكوفة، و مصحف إلى البصرة، و مصحف إلى المدينة، و مصحف إلى مكة، و مصحف إلى مصر، و مصحف إلى الشام، و مصحف إلى

ص: 120

البحرين، و مصحف إلى اليمن، و مصحف إلى الجزيرة، و أمر الناس أن يقرءوا على نسخة واحدة. [تاريخ اليعقوبي 2/ 170].

و ذكر السيوطي (ت 911 ه): «اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق المشهور أنها خمسة»، و أخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: «أرسل عثمان أربعة مصاحف». قال ابن أبي داود و سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة و إلى الشام و إلى اليمن و إلى البحرين و إلى البصرة و إلى الكوفة و حبس بالمدينة واحدا» [الاتقان 1/ 60].

المختار

إن جمع عثمان رضي اللّه عنه لم يكن سوى استنساخ نسخة جديدة من القرآن لغرض نشرها بين عامة المسلمين أشبه إلى ما يقوم الحكام في عصرنا من طباعة نسخة من القرآن و توزيعها على مساجد المسلمين و الذي يدل على ذلك أمور:

1- جاءت في رواية البخاري كلمة الاستنساخ عند طلب عثمان من حفصة بقوله:

(ننسخها في المصاحف) و عن عمل اللجنة قال البخاري: (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف) و أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا. فلم يكن عمل عثمان سوى استنساخ القرآن الذي كان مجموعا من قبل فكلمة النسخ تكررت في هذه الرواية و لم يكن عمل عثمان سوى استنساخ القرآن الذي كان مجموعا من قبل و تكثيره بين المسلمين كنسخة رسمية مجردة من التفاسير و الزيادات التي الحقت كتفاسير.

2- إن عثمان قال: «إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شي ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش» و هذا يستلزم أن الخلاف بين اللجنة المكونة من ثلاثة قريشيين و واحد أنصاري لم يكن في القراءة قطعا لأن المفروض أن الصحف المستعارة كانت مكتوبة من قبل. فالخلاف إنما كان في كيفية الكتابة بين هؤلاء الأربعة فارشدهم عثمان إلى الكتابة على ما تكتبه قريش خاصة. و هذا ما حصل في كتابة (تابوت) و (تابوه) للاختلاف بين كل من قريش و الأنصار في الكتابة دون القراءة فيهما.

3- إن قرار عثمان رضي اللّه عنه كان قرارا سياسيا لصد الخلاف الذي حصل في الجيش الإسلامي آنذاك حسب هذه الروايات حيث ذهبت فرقة من الجيش إلى قراءة الصحابي أبي موسى الأشعري و سموا مصحفه «لباب القلوب» و هذه التسمية لا بد و أن تكون لما زيد على القرآن من تفسير إذ لا يمكن أن يسمّى القرآن إلا قرآنا.

ص: 121

ردود الفعل:

و مهما كانت الأسباب الداعية إلى فكرة المصحف الإمام فإنها كانت خطوة جريئة و ان محاولة عثمان رضي اللّه عنه بحرق المصاحف الأخرى كانت محاولة شديدة و موقفه تجاه ابن مسعود كان أشد، أما غير ابن مسعود من الصحابة و أهل البيت فتكاد تتفق كلمتهم على المصحف الإمام لئلا تكون فرقة أو اختلاف بين المسلمين.

و أما ابن الأثير (ت 630 ه) قال عن عمل عثمان: «فجمع الصحابة و أخبرهم الخبر فاعظموه و رأوا جميعا ما رأى حذيفة» [الكامل 3/ 9].

قال الجلالي: «و هذا الكلام لا يستقيم إذ كيف رأى جميع الصحابة شيئا ثم خالف بعضهم الآخر كما نجد في هذه الروايات اختلاف المصاحف و من نصوص كثيرة تقدمت».

و روى السجستاني (ت 316 ه) بإسناده عن عمل عثمان: «سمعت بعض أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: قد أحسن» [المصاحف 24].

و لم تذكر هذه الرواية من عنى من أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكن موقف أهل البيت رواية و عملا كان في متابعة المصحف الإمام.

قال ابن الأثير (ت 630 ه): «و لما قدم عليّ الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف فصاح و قال: اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله» [الكامل 3/ 9].

و بالرغم من أن لهم قراءتهم الخاصة- كما سيأتي في القراءات- لم يسمح أهل البيت بمخالفة المصحف الإمام. فلقد قال الإمام الصادق: «اقرءوا كما يقرأ الناس» [الوسائل 4/ 821].

و يظهر أن أشد الناس معارضة لجمع عثمان كان أصحاب الكوفة فإنهم قاطعوا المصحف الإمام. قال اليعقوبي (ت 284 ه) عن مصحف ابن مسعود: «و كان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد اللّه بن عامر، و كتب إليه عثمان: أن أشخصه، إنه لم يكن هذا الدين خبالا و هذه الأمة فسادا. فدخل المسجد و عثمان يخطب، فقال عثمان:

إنه قد قدمت عليكم دابة سوء، فكلّمه ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان فجرّ برجله حتى كسر له ضلعان، فتكلّمت عائشة، و قالت قولا كثيرا» [2/ 170].

و زاد اليعقوبي (ت 284 ه): و اعتلّ ابن مسعود، فأتاه عثمان يعوده، فقال له: ما كلام بلغني عنك؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي، إنك أمرت بي فوطئ جوفي، فلم أعقل صلاة

ص: 122

الظهر، و لا العصر، و منعتني عطائي، قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك! قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك، فخذه. قال منعتنيه و أنا محتاج إليه، و تعطينيه و أنا غني عنه؟ لا حاجة لي به، فانصرف. فأقام ابن مسعود مغاضبا لعثمان حتى توفي، و صلّى عليه عمّار بن ياسر [تاريخ اليعقوبي 2/ 170].

و روى السجستاني (ت 316 ه) عن إبراهيم لما أمر بتمزيق المصاحف قال عبد اللّه:

«أيها الناس غلوا المصاحف فإنه من غلّ يأت بما غلّ يوم القيامة و نعم الغل المصحف يأتي به أحدكم يوم القيامة».

و أيضا عنه عن عبد اللّه بن مسعود قال: قرأ: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الأحزاب: 161]، غلوا مصاحفكم فكيف تأمروني أن أقرأ قراءة زيد و لقد قرأت من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بضعا و سبعين سورة و لزيد ذؤابتان يلعب بين الصبيان [المصاحف 15].

و زاد ابن الأثير (ت 630 ه): «فكل الناس عرف فضل هذا الفعل إلا ما كان من أهل الكوفة فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن أصحاب عبد اللّه و من وافقهم امتنعوا من ذلك و عابوا الناس فقام فيهم ابن مسعود و قال: و لا كل ذلك فإنكم و اللّه قد سبقتم سبقا بيّنا فاربعوا على ظلعكم» [الكامل 3/ 9].

و يظهر أن مصحف ابن مسعود كان شائعا في عصر الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 ه) حيث قال ابن الأثير (ت 630 ه): «و قال عاصم بن بهدلة: سمعت الحجاج يقول: اتقوا اللّه ما استطعتم هذا و اللّه مثوبة و اسمعوا و أطيعوا و أنفقوا خيرا لأنفسكم ليس فيه مثوبة، و اللّه لو أمرتكم أن تخرجوا من هذا الباب فخرجتم من هذا حلّت لي دماؤكم، و لا أجد أحدا يقرأ على قراءة ابن أم عبد- يعني ابن مسعود- إلا ضربت عنقه و لأحكّنها من المصحف و لو بضلع خنزير، و قد ذكر ذلك عند الأعمش فقال: و أنا سمعته يقول فقلت في نفسي: لأقرأنها على رغم أنفك» [الكامل 4/ 285].

الخلاصة

إن الخليفة الثالث أبان حكمه كان له بلا شك دور جديد أوجب حرق المصاحف الأخرى و اتخاذ مصحف واحد، و لكن الروايات لا تفيد أن اختلاف المصاحف كان في النص القرآني بل العكس التأمل في الروايات نفسها يفيد أن النص القرآني الموحى إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان فيها واحدا، و إنما الاختلاف كان في القراءة أو التفسير، و كان دور الخليفة الثالث أن استنسخ نسخا جديدة من القرآن و اعتمد في هذا الاستنساخ على نسخ الخليفتين

ص: 123

حسب رغبته الشخصية، لا أنها كانت تختلف عن المصاحف الأخرى في النص القرآني و يدل عليه رواية البخاري المتقدمة بقوله: «حتى إذا نسخوا الصحف من المصاحف رد عثمان الصحف فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما استنسخوا و أمر بما سواه من القرآن بكل صحيفة، أو مصحف أن يحرق» فإن التأمل في مفهوم الكلمة (نسخوا) يوضح أن دورهم كان دور الكاتب فقط، و مما يدل على أن اختلاف المصاحف هذه كانت في التفسير ما ورد في الرواية المذكورة من قوله: «فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة» فإن الاختلاف لم يكن في النص القرآني، و المراد بالقراءة إنما هو التلفظ بالنص. لهذا السبب كان المسلمون يسمون القرآن الذي جمعه أبو موسى الأشعري ب (لباب القلوب) فإنه لا يعقل أن يسمي المسلمون القرآن بغير القرآن، فاختيار هذه التسمية يدل بوضوح على أنه لم يكن مجرد قرآن، بل كان قرآنا مع تفسير للآيات حسب فهم الأشعري أو روايته و هذا هو السبب في معارضة ابن مسعود قائلا: «ما أنزلت سورة إلا أعلم حيث نزلت» فإن هذا التعليل لا يناسب إلا التفسير، و بهذا يظهر الوجه في استحسان جماعة عمل عثمان في تكثيره نسخ القرآن بقولهم: «لو لا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرءون الشعر» [المصاحف 13]، فالاختلاف- عند هؤلاء- لم يكن في جمع القرآن بل في كتابة القرآن و نشره بين الناس كي لا يشتغلوا بغيره.

موقف الصحابة و أهل البيت

وصل ثلاثة من الصحابة إلى الحكم، كل واحد منهم إبان حكمه حاول أن يكثر نسخ القرآن في المجتمع كمأثرة لدوره في خدمة القرآن كما يقوم أصحاب الخير في عصرنا بطبع القرآن الكريم و اشاعته في المجتمع لنفس الغرض، و كان الخليفة الثالث أكثرهم نجاحا في تحقيق ذلك من الخليفتين.

من الطبيعي أن عمل عثمان المتشدد بحرق المصاحف الأخرى كان لسبب سياسي انتج ردود فعل من قبل الصحابة بين مؤيد لعمله و معارض، و الجدير بالذكر التأمل في تعليل هؤلاء المؤيدين و المعارضين للموقف.

روى السجستاني عن ابن قيس المازني قوله: «لو لم يكتب عثمان المصحف لطفق الناس يقرءون الشعر»، و كذلك أبو مجار قال: «لو لا أن عثمان كتب القرآن لألفيت الناس يقرءون الشعر» (ص 13). و تنتهي روايات المعارضة إلى عبد اللّه بن مسعود الذي أظهر سخطه قائلا: «تولاها رجل و اللّه لقد أسلمت و انه لفي صلب أبيه كافر (يعني زيد بن ثابت)» و أعلن قائلا: «يا أهل الكوفة اكتموا المصاحف التي عندكم» [المصاحف ص 17].

ص: 124

و في رواية ابن كثير في النهاية [1/ 154] أن ابن مسعود علل معارضته بقوله: «و الذي لا إله غيره ما أنزلت من سورة إلا أعلم حيث انزلت و ما من آية إلا أعلم فيما أنزلت» و بالرغم من إصرار ابن مسعود على مصحفه فالتاريخ لم يحتفظ بنسخة منه.

و موقف الإمام علي عليه السّلام كان كمواقفه الأخرى، موقفا يقتضيه السهر على وحدة المسلمين و سلامة النص القرآني، و كان له نفس الموقف حينما حصل الخلاف في القراءة في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما تقدم.

أما موقف أهل البيت عليهم السّلام و الإمام علي عليه السّلام الذي لازم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منذ إسلامه من صباه حتى وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الذي سهر في المحافظة على كتاب اللّه و سنة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أنه عاصر كل هذه المحاولات، و لم يجد فيها أي ضرر على النص القرآني، و كان له عليه السّلام كغيره من الصحابة مصحف خاص مجموع لنفسه، و كان يمتاز حسب بعض الروايات بالترتيب الزمني حسب النزول كما أن فاطمة الزهراء عليها السّلام كان لها مصحف خاص. و يظهر أن اختلاف مصاحفهم كمصاحف أبي موسى الأشعري و عبد اللّه بن مسعود، إنما كان في احتوائها على التفسير بالإضافة إلى النص القرآني، و لهذا السبب أمر الإمام علي عليه السّلام المسلمين بالالتزام بالنص القرآني بقوله: «اقرءوا كما علمتم» الطبري [1/ 24] و عليه سيرة أهل البيت عليهم السّلام كافة حتى اليوم.

اللحن في المصحف الإمام

روى السجستاني (ت 316 ه): أن عثمان رضي اللّه عنه قال: «في القرآن لحن و ستقيمه العرب بألسنتها» [المصاحف 31].

و طبيعي أن الخليفة الثالث رضي اللّه عنه لم يقصد انتقاد النص القرآني بأن فيه لحنا و إنما عنى المصحف الإمام خاصة و هذا أول رد فعل له على عمل نفسه و ليس المقصود- ظاهرا- أكثر من أن العمل الذي قام به ليس كاملا كما أراد فإن الكمال المطلق للّه وحده.

(اذن) حيث قد تنبه هو إلى نوع من اللحن فلما ذا لم يحدده أو يحاول استئصاله؟

(و الظاهر) أنه لم ير لهذا النوع من اللحن ضررا على سلامة النص القرآني. و هذا الموقف بظاهره لا يستقيم إذ أن ذلك يستلزم اهمال خطورة الاختلاف المزعوم و المفروض أن الجمع العثماني- كما صورته الروايات- إنما كان لقطع مادة الخلاف.

و الذي يوجبه التأمل في كلام عثمان أنه عنى باللحن اللهجات خاصة حيث قال:

«ستقيمه العرب بألسنتها، و من هنا نستكشف أن هدف عثمان لم يكن إلا كتابة النص القرآني

ص: 125

ليكون نصا رسميا للمسلمين عامة و لم يقصد القراءات، فكان همه وحدة النص لا وحدة القراءة».

أما عن طبيعة اللحن فتذكر رواية السجستاني (ت 316 ه) عن الطائي قال: «لما أتى عثمان رضي اللّه عنه بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال: لو كان المملي من هذيل و الكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا» [المصاحف 33].

و هذه الرواية تفضل إملاء هذيل و كتابة ثقيف و لا يعرف لهذا التفضيل من سبب فإن الاختلاف بين القبائل عادة لا يكون إلا باللهجات دون الكتابة، لأميتها غالبا مع أن اللحن في الكتابة إن حصل فيكون خطأ في كل من المملي و الكاتب معا لأن الكاتب تابع للمملي عادة مع أن التعليل بتعدد القبيلة لكل من الكاتب و المملي لا يرفع اللحن عادة، بل اللحن إنما يرتفع لو كانا من قبيلة واحدة يضبط بينهما التفاهم. و كيف كان فقد حددت رواية السجستاني موارد اللحن بأربعة أحرف:

قال: «عن سعيد بن جبير قال: في القرآن أربعة أحرف لحن وَ الصَّابِئُونَ [المائدة:

69] وَ الْمُقِيمِينَ [النساء: 162] فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10] و إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: 63] [المصاحف 33].

و أيضا عن أبي خالد قال: قلت لأبان بن عثمان كيف صارت لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ الْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء:

162] ما بين يديها و ما خلفها رفع و هي نصب؟ قال: اكتب؟ قال اكتب المقيمين الصلاة فكتب ما قيل له [المصاحف 33].

و هذه الرواية المحددة للحن بالإعراب في هذه الآيات ساقطة لأن قواعد الاعراب إنما حصلت في عصر متأخر عن عهد عثمان و عن عهد الرسالة و عصر القرآن، فإخضاع النص القرآني للقواعد المتأخرة لا يصح. بل الحل اما التوجيهات النحوية التي ذكرها النحاة من القطع في الصفات أو القول بأن هذا النوع من الأسلوب كان سائدا قبل تحقق و تأصل قواعد الاعراب و النحو، و هذا دليل على أصالة القرآن و انه لم يكن متأثرا بالنظريات المتأخرة فإن النحو استمد أصوله مما روي من اللغة العربية و ليس فيها أوثق من النص القرآني من شي ء.

و الوجوه المختلفة في النص القرآني لا يمكن أن توصف بالغلط و اللحن لأنها كتبت قبل أن تتحدد قواعد الخط و قواعد النحو فلا يمكن أن تجعل قواعد الخط المتأخرة و قواعد النحو المتأخرة مقياسا لما تقدم عليها تاريخيا.

ص: 126

كما روى السجستاني (ت 316 ه) موارد الخلاف بين مصحف عثمان الخاص و مصحف المدينة كالآتي:

1- (مصحف عثمان) يسلون عن أبنائكم [33: 20] السؤال بغير ألف.

2- (مصحف عثمان) و قلن حاشى للّه [12: 31] ليس فيها ألف.

3- (مصحف المدينة) آذو موسى [33: 69] ليس بعد الواو فيها ألف.

4- (مصحف عثمان) لتربو [30: 39] بغير ألف في الخط.

5- (مصحف المدينة) اللؤلؤا- كل موضع في القرآن- يكتبون فيه ألفا بعد الواو الآخرة.

6- (مصحف المدينة) إن هذان لساحران، و إن هذين لساحرين [20: 63] إن الألف و الياء في القراءة سواء.

7- الصابئون [5: 69] لعلهم كتبوا [أهل المدينة] الواو مكان الياء الراسخون [4:

162].

8- فسال بني إسرائيل [17: 101] قال مالك و إنما كتبت فاء سين لام هجاء كما كتبوا «قال» قاف ألف لام. [المصاحف 105].

أقول: و لعل اللحن الذي ذكره الخليفة عثمان رضي اللّه عنه في القرآن عنى به الموارد المذكورة فإنها إن سلمنا أنها لحن في الكتابة فإنها لا تؤثر في القراءة في الخمسة الأول منها و أما الأخيرة فهي محاولات من وكيع و عكرمة لتوجيه القراءات ظاهرا. فإذن تنحصر موارد اللحن في الكتابة في خمس لا تؤثر في معنى النص لأن العرب تقومها بألسنتها.

الخط الذي كتب به القرآن

اشارة

كان الخط العربي معروفا في المجتمع القرآني و من هنا كثرت الإشارات في القرآن الكريم إلى ما يفتقر إلى الخط من «القراءة و القلم و الصحف و القرطاس و المداد و السجل و الكتاب في آيات كثيرة. و الجاهلية التي عرف العرب بها لم تكن الجهل بالخط فقط و إنما الجهل في السلوك و العقيدة و العادات الاجتماعية و تضاربت الآراء و الروايات في نشأة الخط العربي.

قال ابن النديم (ت 380 ه): «اختلف الناس في أول من وضع الخط العربي، فقال هشام الكلبي: أول من وضع ذلك، قوم من العرب العاربة نزلوا في عدنان بن أد،

ص: 127

و اسماؤهم: أبو جاد، هواز، حطي، كلمون، صعفص، قريسات. هذا من خط ابن الكوفي، بهذا الشكل و الإعراب وضعوا الكتاب على أسمائهم. ثم وجدوا بعد ذلك حروفا ليس من أسمائهم و هي: الثاء و الخاء و الذال و الظاء و الشين و الغين؛ فسموها الروادف.

قال: و هؤلاء ملوك مدين، و كان مهلكهم يوم الظلة في زمن شعيب النبي عليه السّلام [الفهرست 29].

و يكشف عن ذلك رواية ابن هشام (ت 213 ه) في حكاية عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال لولده: «ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ثم ائتوني ففعلوا ثم اتوه» [السيرة لابن هشام 1/ 151/ 152].

و عليه كان عبد المطلب جد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (المتوفى بعد عام الفيل بثماني سنوات 571 م) عارفا بالكتابة و أولاده يحسنونها. و ليس هذا غريبا فقد كان والد عبد المطلب هاشم كما تقول السيرة: «أول من سن الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء و الصيف» [السيرة 1/ 136] و هما رحلتان رحلة الشتاء إلى اليمن و رحلة الصيف إلى الشام و طبيعي الرحلة إلى المدن المتحضرة يفرض التأثر بحضارتها و الخط من أهم معالم الحضارة.

و شيوع المفردات المتقدمة القرآنية حول الكتاب و الكتابة يدل على تقدم الكتابة العربية و تنافي الروايات القائلة بأن الخط العربي حصل بجيل واحد أو جيلين قبل عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منها رواية السجستاني (ت 316 ه): «عن الشعبي قال: سألت المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الحيرة. و سألنا أهل الحيرة من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.

و أيضا عن هشام بن محمد بن السائب قال أكيدر دومة هو الأكيدر بن عبد الملك الكندي و أخوه بشر بن عبد الملك الذي علمه أهل الأنبار خطنا هذا فخرج بشر إلى مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية فولدت له جاريتين و قال غير عليّ عن هشام بن محمد إن خطنا هذا سمي الجزم و أول ما كتب ببقة كتبه قوم من طيئ يقولون هم من بولان و كان الشرقي يقول مرامر بن مرة و سلمة بن حزرة و هم الذين وضعوا هذا الكتاب. (قال هشام الذي غضب على معاوية في قتل حجر بن عدي) [المصاحف 4].

و قال ابن خلدون (ت 808 ه) و قد كان الخط العربي بالغا مبالغه من الإحكام و الإتقان و الجودة في دولة التّبابعة مما بلغت من الحضارة و الترف و هو المسمّى بالخط الحميري و انتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية و المجددين

ص: 128

لملك العرب بأرض العراق و لم يكن الخط عندهم من الإجادة كما كان عند التبابعة لقصور ما بين الدولتين و كانت الحضارة و توابعها من الصنائع و غيرها قاصرة عن ذلك و من الحيرة لقنه أهل الطائف و قريش فيما ذكر و يقال إن الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية و يقال حرب بن أمية و أخذها من أسلم بن سدرة و هو قول ممكن [المقدمة 418].

و طبيعي أن الكتابة تطورت في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تطورا ملموسا على أثر الحاجة الماسة في عقود الصلح و المراسلات بحكم الظروف المتطورة كما يكشف عن ذلك النص القرآني:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة: 282] فلو لم تكن الكتابة منتشرة لما كان للأمر به موردا.

و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه أكد على الكتابة قولا بقوله: «قيدوا العلم بالكتاب» [صبح الأعشى 1- 3]. و تقريرا حيث كتبت رسائل إلى حكام وقته يدعوهم إلى الإسلام ختمها بخاتمه منها رسالته إلى المقوقس حاكم مصر و جعل الفداء لاسرى بدر من قريش أن يعلم كل منهم عشرين من المسلمين القراءة و الكتابة [طبقات ابن سعد 2- 14].

كما تكشف عن تطور كتابة بعض الخطوط المنسوبة، منها: الرسالة إلى المقوقس عظيم القبط المحفوظة في متحف طوب قابوسراي في استانبول و قد عثر عليها في أحد أديرة مصر قرب اخميم عام 1850 م قياسها 5- 42- 3 سم. [أصل الخط العربي و تطوره، ص 90].

لاحظت الباحثة الجبوري أن: «في هذه الوثيقة كثيرا من الأخطاء الإملائية أيضا و كلمات لا يمكن قراءتها و لو لا أن نصها قد روي كثيرا في المصادر التاريخية لما استطاع أحد أن يقرأ إلا جزءا يسيرا منها».

و مما قالت: «و لا نجد في الواضح من حروفها اختلافا بينا لما كان مألوفا حول تلك الفترة الزمنية غير أن تباينا في طريقة كتابة بعض الكلمات و التي منها كلمة (الكتاب) التي جاءت مغايرة لما هو مألوف آنذاك باسقاط حرف الألف الوسطى كما هو الأمر مثلا في كلمة (الكتب) في شاهد قبر 31 ه.

و مما تجدر الإشارة إليه أيضا عدم تناسب المسافات بين حروف بعض الكلمات و بين المسافات الممزقة التي تتخلل تلك الوثيقة. و المثال على ذلك ما نجده من مسافة كبيرة بين حرف الكاف في كلمة (يدعوك) و بين حرف الواو من الكلمة نفسها بحيث لم يكن هناك تأثير للتمزيق بين الحرفين. و كذا الحال بين كلمتي (بدعاية) و (الإسلام) و كذلك بين الكاف في

ص: 129

كلمة (أجرك) و الجيم منها، حيث اعتبرت مسافة التمزيق لحرف الراء فقط. كما أن ارتفاع كلمة (بينكم) عن مستوى حرف الواو يصور لنا أنه قد حدث بسبب وجود التمزيق. [أصل الخط العربي ص 91].

و كتاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا كتبه أحد كتابه سنة 627 و أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم الأقباط في الإسكندرية.

عثر عليه فرنسي يدعى «بارسيلميه» في كنيسة اخميم بمصر سنة 1850 م ملصوقا على غلاف إنجيل قبطي قديم. و لما تبين له أن هذه الرسالة تخص النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدمها للسلطان عبد المجيد العثماني الذي أمر بحفظها داخل إطار ذهبي. و وضع بداخل صندوقة من الذهب الخالص المزخرف بأروع الزخارف.

صورة كتاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المقوقس عظيم الأقباط في الإسكندرية محفوظة في متحف طوبقابو- استانبول

الصورة

ص: 130

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم صورة البسملة في الخط المكي كما صورها ابن النديم المتوفى 280

و أبعاد هذه الرسالة المكتوبة على الرق (5 ر 42- 30) سم و إن بعض أقسامها من الوسط قد تلفت. و هي محفوظة في فرع «الأمانات المقدسة» في متحف قصر طوب قبو الذي أنشئ سنة 1478 م 883 ه بأمر السلطان محمد الفاتح.

لقد بوشر بجمع الأمانات الإسلامية بعد فتح مصر من قبل السلطان ياووز سليم. و ثم محافظتها للآن.

(من منشورات وزارة الدعاية و السياحة في تركيا سنة 1966 استانبول).

و نص الرسالة: «بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللّه و رسوله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فاني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين فإن توليت فعليك اثم كل القبط يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا اللّه و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.

محمد رسول اللّه» [منشورات الخط العربي في البصرة، ص 318].

قال ابن النديم (ت 380 ه): «فأول الخطوط العربية المكي و بعده المدني ثم البصري ثم الكوفي. فأما المكي و المدني ففي الفاته تعويج إلى يمنة اليد و أعلى الأصابع، و في شكله انضجاع يسير».

و عليه فمسيرة التطور في الخط العربي مكة- المدينة- البصرة- الكوفة و هذا يساعد الاعتبار على ذلك حيث أن الإسلام انتشر بنفس المسيرة، فتطور الخط الذي هو من أسمى مراسم الحضارة، رافق الإسلام في مسيرته حتى استقر في شكله المتقدم نسبيا في الكوفة منذ صارت عاصمة للخلافة في خلافة الإمام علي عليه السّلام و منها انتشر إلى سائر البلدان الإسلامية.

ص: 131

للكوفة خطوط ثلاثة:

قال إبراهيم جمعة: «و على ذلك فالمرجح أنه كان للكوفة نوعان أساسيان من الخط، نوع يابس ثقيل صعب الإنجاز تأدت له الأغراض الجليلة، و نوع آخر لين تجري به اليد في سهولة، و هو الخط الذي انتهى إلى الكوفة من المدينة، و يقطع بليونة هذا الخط الأخير دليل من التاريخ استقيناه من كتاب الفهرست و دليل آخر مادي، هو بردية إهناسية المؤرخة 22 ه من ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر، فالخط الذي كتبت به هذه البردية هو «الخط المدني» الذي انتقل من المدينة إلى الكوفة بعد تأسيسها، و منذ صارت عاصمة الخلافة، كما انتقل منها إلى مصر و غيرها من البلدان. [دراسة تطور الكتابات الكوفية ص 27].

و مهما كانت الروايات لا يوجد للخط المسند أثر في المصاحف المنسوبة مع أن أثر الخط النبطي أو الأنبار ثابت و تشابه الخط الكوفي و النبطي واضح فالنص القرآني المكتوب في عصر الرسالة و عهد عثمان لا بد و أن يكون بالخط العربي المتطور من الخط النبطي الذي كان معمولا به في الشام و مع الأسف لا تملك المكتبة الإسلامية شيئا موثوقا به من المصاحف من عصر الرسالة سوى المصاحف المنسوبة بالخط الكوفي و يرجع أغلبها إلى القرن الثالث أو قبله بقليل و التي أشهرها المصحف الإمام في طاشقند.

و قد شاهد ابن جبير (ت 614 ه) الرحالة الأندلسي في رحلته عام 578 ه أحد هذه المصاحف في مكة قال: «و في القبة العباسية خزانة تحتوي على تابوت مبسوط متسع، و فيه مصحف أحد الخلفاء الأربعة، أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بخط يد زيد بن ثابت رضي اللّه عنه، منتسخ سنة ثمان عشرة من وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ينقص منه ورقات كثيرة. و هو بين دفتي عود مجلد بمغاليق من صفر، كبير الورقات واسعها، عايناه و تبركنا بتقبيله، و مسح الخدود فيه. نفع اللّه بالنية في ذلك. و أعلمنا صاحب القبة المتولي لعرضه علينا: أن أهل مكة متى أصابهم قحط، أو نالتهم شدة في أسعارهم، أخرجوا المصحف المذكور، و فتحوا باب البيت الكريم، و وضعوه في القبة المباركة مع المقام الكريم: مقام الخليل إبراهيم صلى اللّه على نبينا و عليه. و اجتمع الناس كاشفين رءوسهم، داعين متضرعين، و بالمصحف الكريم و المقام العظيم إلى اللّه متوسلين. فلا ينفصلون عن مقامهم ذلك إلا و رحمة اللّه عزّ و جلّ قد تداركتهم، و اللّه لطيف بعباده، لا إله سواه. [رحلة ابن جبير ص 117- 118].

نسخ المصاحف العثمانية

اشارة

و أهم ما وقعت عليه من المصاحف المنسوبة إلى الخليفة عثمان رضي اللّه عنه ما يأتي:

ص: 132

1- المصحف المنسوب إلى الخليفة عثمان بن عفان المحفوظة في طاشقند و المطبوعة في 1905 ميلادية في روسيا أولا ثم في 1401 في فيلادلفيا.

طبع منه خمسون نسخة أهديت إلى مختلف الدول الإسلامية و جاء عليها بالفرنسية ما ترجمه لنا الأخ محمد الشيرواني و ملخصه: «بخط كوفي قديم كتبها الخليفة الثالث عثمان كانت في المكتبة الإمبراطورية (القيصرية) في بطرسبرج (لينينغراد) و قد طبعت منه النظارة الدينية بعد الانقلاب البلشفي خمسين نسخة أهدتها إلى مختلف الحكومات الإسلامية و ذلك بواسطة FRASSRS في سنة 1905 م» و هذه النسخة رأيتها في مكتبة جامعة طهران رقم 4403 افست جابي SSD أوله: «و من الناس من يقول آمنا باللّه و اليوم الآخر و ما هم بمؤمنين» [سورة البقرة: 81]. آخره: «و إنه في أم الكتب لدينا لعلي حكيم» [الزخرف: 4].

و وصف النسخة وصفا دقيقا محمد عبد الجواد الأصمعي في كتابه «تطوير و تجميل الكتب العربية ص 81»، بقوله: «صورة شمسية لمصحف شريف كان في سمرقند في جامع خواجا عبد اللّه الأحرار ثم اشتراه حاكم تركستان و نقله إلى بطرسبرج فوضع في دار الكتب القيصرية و سمي هناك «المصحف السمرقندي» و أشيع أنه المصحف الإمام الذي استشهد عليه الخليفة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه فكان الناس يرونه في أيام معينة ثم نشرته جمعية الآثار

الصورة

ص: 133

القديمة على يد الخطاط المصور الروسي XERASOIP و طبعت منه خمس نسخ و بقي هذا المصحف الشريف في دار الكتب القيصرية إلى الانقلاب البلشيفي و في أواخر سنة 1918 م حمل في حفل عظيم تحت حراسة مشددة من الجند إلى إدارة مكونة من الشخصيات البارزة هناك (تسمى النظارة الدينية) و ذلك ارضاء للمسلمين و كسبا لتعظيمهم و بقي فيها خمس سنوات. و في أواخر سنة 1923 م نقل إلى أوزبكستان و بقي في سمرقند فترة من الزمن و هو الآن في طشقند حيث يكون على كر الأيام و الشهور و الأعوام تحقيقا لرغبة المسلمين هناك و الصورة لهذا المصحف الشريف محفوظة بمعرض دار الكتب و الآثار القومية برقم 204 مصاحف. [تصوير و تجميل الكتب العربية، محمد عبد الجواد الأصمعي، دار المعارف، القاهرة، ص 81].

وصفه كوركيس عواد بقوله: «نسخة بقطع كبير، مكتوبة على الرق بالخط الكوفي.

و تعرف هناك بمصحف عثمان. قيل أنه المصحف الذي كان يصلّي فيه حين قتل سنة 35 ه 656 م، و عليه آثار من دمه [المنجد ص 50- 52]. قال في وصفه: «هذا المصحف خال من النقط في الصحيفة 12 سطرا، كتب على الرق، عدد ورقاته 353 ورقة، و قياسها 68- 53 سم. لكن الصنعة الفنية بادية عليه في رسم الحرف. مما يدل دلالة واضحة على أن الكتابة ليست من أيام عثمان، بل هي من القرن الثاني بل الثالث و راجع بشأن هذه النسخة أيضا، بحثا بعنوان «مصحف عثمان» في «مجلة مجمع اللغة العربية- بدمشق» [38، عام 1963 م، ص 736- 739].

و للشيخ طه الولي وصف لهذه النسخة، ضمن بحثه «القرآن الكريم في بلاد الروسيا»، المنشور في مجلة «المورد» [9، عام 1980 م، ع 4، ص 28- 35]. [عواد 41].

و قد نشر الدكتور حميد اللّه هذا المصحف مقارنا بالمتداول اليوم في طبعة مصغرة محدودة في 725 صفحة و أعادت هذه الطبعة عائشة بيكم في فيلادلفيا 1981 م.

2- مصحف بخط كوفي كتب عليه: «أن هذا المصحف الشريف كتبه الإمام الشهيد ذو النورين أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه إملاء من أفواه الصحابة القراء في عصره الذين أخذوا القرآن الكريم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم إنه أعرب فيما بعد على الاصطلاح الكوفي في الضبط بنقط الحمرة و كتبت فواتح السور فيه كما ترى بالحمرة وفق الاصطلاح وقتئذ و لما فتحت التتار الموصل عنفا في شعبان سنة 660 كان هذا المصحف الشريف في بيت قاضيها فانتهب و غيره و أخذ ما كان طبقا على جلده من الذهب و ألقي هو فتلف من أوله قدر ثماني قوائم و بعد برهة من الدهر نقل إلى دمشق المحروسة فتلف أيضا من وسطه قدر أربع قوائم

ص: 134

بالحريق المشهور بها في ليلة الثلاثاء السادس و العشرين من شوال سنة 740 ه فاستجد التألف منه في الموضعين المشار إليهما بالقلم المعرب و أصلح قدر الإمكان- رحم اللّه الساعي في إصلاحه- في مكتبة الأمانة رقم 1 راجع [مصور 10/ 3].

3- نسخة مشهد رأس الحسين عليه السّلام بالقاهرة وصفها أحمد عادل كمال بقوله:

«و أما المصحف المحفوظ بخزانة المسجد الحسيني و المنسوب إلى عثمان فهو مكتوب بالخط الكوفي القديم مع تجويف حروفه و سعة حجمه و رسمه يوافق رسم المصحف المدني و الشامي حيث رسمت فيه كلمة (من يرتد) من سورة المائدة بدالين اثنين مع فك الادغام و هو رسمها فمحتمل أن يكون منقولا من المصاحف العثمانية و الرأي للزرقاني» [علوم القرآن 57].

و وصفتها سعاد ماهر كالآتي: «المصحف المنسوب إلى سيدنا عثمان بن عفان- في المسجد الحسيني- فيتكون من (1087) صفحة من الرق و مكتوب بمداد بني داكن.

و أسلوب الخط كوفي بسيط و إن كان أكثر تطورا من خط المصحف المنسوب إلى سيدنا علي. لكنه خال من النقط الحمراء و السوداء. و سأتناول ملاحظاتي بالتفصيل فيما يلي:

أولا: أن الخط كوفي بسيط و خال من الزخارف الخطية، و لكن يظهر فيه أثر الصنعة الخطية و التطوير، مما لا نجده في خطوط النصف الأول من القرن الأول الهجري، و ذلك بمقارنته بالخطوط المكتوبة على مواد مختلفة مثل الحجر و النسيج و الجلود و العظم. و التي تزخر بها متاحف العالم و ترجع إلى تلك الفترة (اللوحة رقم 16) لذلك فإني أؤكد تاريخه إلى النصف الثاني من القرن الأول على أقل تقدير. كما أرجح نسبة الخط إلى مصر في تلك الفترة و الذي يمتاز بامتداد الحروف المتوسطة، و يمكن مقارنته بصفحة من مصحف مكتوب على الرق و محفوظ بمتحف برلين القسم الإسلامي (لوحة رقم 17).

ثانيا: استعمال الرق في مصحف عدد صفحاته (1087) صفحة، و بالحجم الكبير إذ تبلغ مساحة الصفحة (75- 57 سم) يرجح عدم وجود أوراق الكاغد، أو أوراق الخراساني مما ظهر في العصر العباسي الأول في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وقت أن كتب، و بالتالي انه كتب قبل هذا التاريخ.

ثالثا: الزخارف الفاصلة بين السّور بسيطة تناسب نهاية القرن الأول (لوحة رقم 16) و يمكن مقارنتها (بلوحة رقم 17). [مخلفات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ص 131].

4- نسخة قديمة جدا وصفها عواد بقوله: تعرف بمصحف عثمان، (المنجد،

ص: 135

الصورة

ص 46- 47) و قد نشر موريتز (16- 13. SlP، zTiroM) نماذج من خط هذين المصحفين اللذين يرقيان إلى القرن الأول و الثاني للهجرة.

5- المصحف المعروض في المعرض القرآني الذي أقيم في دار الكتب العربية بميدان أحمد ماهر في ليلة القدر من رمضان سنة 1387 ه بمناسبة مرور أربعة عشر قرنا على نزول القرآن و قد استعرض فيه النسخ الموجودة و التي أهمها (نسخة جامع عمرو بن العاص و المشهور أن عثمان استشهد عليه و عليه آثار دمه و بقلم كوفي على رق غزال من غير تشكيل و لا نقط و لا كتابة أسماء السور و النسخة في معرض دار الكتب و الثاني لعله ما ذكره المقريزي في الخطط [2/ 246، ط بولاق سنة 1270 ه] قد قال: «احضر إلى مصر مع رحيل من أهل العراق مصحف سيدنا عثمان بن عفان رضي اللّه عنه و إنه الذي كان بين يديه يوم الدار و انه استخرج من خزائن المقتدر فاخذه أبو بكر الخازن و جعله في جامع سيدنا عمرو بن العاص».

6- مصحف مخطوطة عثمان رضي اللّه عنه بخط كوفي في م/ نور عثمانية رقم 3.

7- قطعة مصحف كتب عليها أنه بخط الإمام عثمان بن عفان رضي اللّه عنه بخط كوفي قديم في م الأمانة رقم 208 [المصورة 1/ 3].

ص: 136

8- سورة يس بقلم كوفي غليظ قيل أنه أحد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الأمصار مطبوعة على الأصل المحفوظ في خزانة بتربورنج توجد المصورة في التيمورية/ 543.

9- مصحف بخط كوفي قديم كتب عليه باللغة التركية حديثا أنه بخط الإمام عثمان بن عفان م/ أمانة رقم 10 [مصورة 1- 4].

10- و جاء عن مصحف عثمان الذي كان في مسجد علي عليه السّلام بالبصرة و رآها ابن بطوطة في رحلته و قال: «ان أثر الدم فيها على آية» فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137] و لا بد من التحقيق أكثر حول ذلك.

و لم يتيسر لي دراسة هذه النسخ سوى المصورة من النسخة السمرقندية و قد عرفت أن الصنعة عليها بادية و مع ذلك فهي أقدم نسخة شبه كاملة تيسر لنا دراستها مع أن المؤرخين لم يذكروا أن عثمان كتب قرآنا كاملا بخط يده و إن عد من كتاب الوحي.

اختلاف المصاحف العثمانية

اشارة

عقد السجستاني (ت 316 ه) بابا لاختلاف مصاحف الأمصار التي نسخت من الإمام ذكر فيه روايات تنص على موارد الاختلاف بين مصاحف المدينة و الكوفة و البصرة و الشام و الحجاز (ص 39- 49) كما أشار علماء الرسم منهم الداني في المنقع (ت 444 ه) إلى موارد منها.

و يظهر من هذه الروايات أن الاختلاف ناشئ من خلو المصحف من التنقيط و الإعجام و بعضها ناشئ من عدم وجود قاعدة ثابتة للإملاء في ذلك العصر و هم بشر و ليس ذلك نقصا لهم لحسن نياتهم في حفظ النص القرآني بالقراءة الصحيحة في كل جيل من المسلمين.

نقل الزركشي (ت 797 ه) قال أبو عمرو الداني في «المقنع»: «أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ؛ و بعث إلى كل ناحية واحدة؛ الكوفة و البصرة و الشام، و ترك واحدة عنده، و قد قيل: إنه جعله سبع نسخ، و زاد: إلى مكة و إلى اليمن و إلى البحرين. قال: و الأول أصح و عليه الأئمة». [البرهان 240].

قال القاسمي عن اختلاف مصاحف الإمام نفسه: «ثبتت أحرف في بعض المصاحف العثمانية المرسلة إلى البلاد المتقدمة لم توجد في البقية فاتبع أئمة كل مصر منها مصحفهم

ص: 137

فمن ذلك قراءة ابن عامر: (قالوا اتخذ اللّه ولدا) [البقرة: 116] بغير واو في البقرة و (بالزبر و بالكتاب) [آل عمران: 184] بزيادة الباء في الاثنين و نحو ذلك فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي و كقراءة ابن كثير: (جنات تجري من تحتها الأنهار) [التوبة: 100] في الموضع الأخير من سورة براءة زيادة (من) فإن ذلك ثابت في المصحف المكي و كذلك: (إن اللّه الغني) في [الحديد: 24] بحذف (هو) و كذا: (سارعوا) [آل عمران: 133] بحذف (الواو) و كذا (منهما منقلبا) بالتثنية [الكهف: 36] إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة على أئمة تلك الأمصار في موافقة مصحفهم كذا في النشر» [تفسير القاسمي 1/ 297].

قال الزرقاني: «و إنما كتبوا مصاحف متعددة، لأن عثمان رضي اللّه عنه قصد إرسال ما وقع الإجماع عليه إلى اقطار بلاد المسلمين، و هي الأخرى و كتبوها متفاوتة في إثبات و حذف، و بدل و غيرها، لأنه رضي اللّه عنه قصد على الأحرف السبعة. و جعلوها خالية من النقط و الشكل، تحقيقا لهذا الاحتمال فكانت بعض الكلمات يقرأ رسمها بأكثر من وجه عند تجردها من النقط و الشكل نحو «فتبينوا» من قوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] فإنها تصلح «فتثبتوا» عند خلوها من النقط و الشكل و هي قراءة أخرى، و كذلك كلمة «ننشرها» من قوله تعالى: وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة: 259] فإن تجردها من الشكل كما ترى يجعلها صالحة عندهم أن يقرءوها «ننشزها» بالزاي، و هي واردة أيضا، و كذلك كلمة «اف» التي ورد أنها تقرأ بسبعة و ثلاثين وجها. [مناهل العرفان 1/ 251].

و في هذا الكلام نظر من وجوه و ذلك:

أولا: أنه لا دليل على أن الخليفة عثمان رضي اللّه عنه قصد اشتمال المصاحف على الأحرف السبعة حيث لا يوجد مصدر يصرح بذلك فكلامه دعوى بدون دليل.

ثانيا: أن الأحرف السبعة المدعاة- ليست في كل كلمة من القرآن الكريم.

ثالثا: أن خلو النص من النقط و الشكل لم يكن مختصا بالقرآن بل في كل مكتوب من ذلك العصر قبل أن تتطور الكتابة إلى أشكالها المتقدمة اليوم.

رابعا: أن الخلاف بين قراءة (فتبينوا) و (فتثبتوا) خلاف في القراءة في النص المحتمل لذلك و (اف) التي تقرأ بسبعة و ثلاثين وجها تزيد على عدد السبعة المدعاة.

ص: 138

جدول اختلاف المصاحف العثمانية

جدول

الصورة

__________________________________________________

(1) في روايتي خالد بن أياس بن صخر بن أبي الجهم العدوي و سلمان بن مسلم بن جماز الزهري «أن هذه الحروف مكتوبة في مصحف عثمان بن عفان رضي اللّه عنه و هي تخالف قراءة أهل المدينة و مصاحفهم و هي اثنا عشر حرفا» [المصاحف 37- 38].

(2) مستخرجة من روايات الكسائي في المصاحف [السجستاني 39].

(3) روى السجستاني: «و بين مصحف أهل الكوفة و أهل البصرة حرفان. و قال قوم بل عشرة أحرف و قال أحد عشر حرفا [المصاحف 47].

(4) الطبعة المحققة الأولى للقرآن الكريم بعناية محمد خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية عام 1337 ه.

(5) يظهر أن الاختلاف في الكتابة لم يكن على قاعدة مطردة. في رواية الكسائي في اختلاف أهل المدينة و أهل الكوفة و أهل البصرة قال: «و في سورة الجن اختلفوا كلهم فيها» «قال: إنما ادعوا ربي» و يقولون: (قال) و (قل) [المصاحف 40]. و الظاهر أنه يعني (قل) بدون ألف لأهالي المدينة و البصرة و (قال) بالألف لأهل الكوفة كما تقدم في الانبار فراجع «و قال في ص 49» و في الجن اختلفوا فيها كلهم. راجع [الأعراف 75].

(6) في رواية أسيد: «في مصحف عثمان ثلاثة أحرف» [المصاحف 39] و هذه الآية وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ وردت في آل عمران الآية: 52 و 64 و المائدة: 11.

(7) و رواية الكسائي: و في النساء في مصاحف أهل الكوفة»: «و الجار ذا القربى و الجار الجنب» و كان بعضهم يقرؤها كذلك و لست أعرف واحدا يقرأها اليوم إلا «ذي القربى» راجع رواية الكسائي و الجار ذي القربى [المصاحف 41].

ص: 139

جدول

الصورة

__________________________________________________

(1) رواية أهل الشام [المصاحف 45].

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر.

ص: 140

جدول

الصورة

__________________________________________________

(1) في رواية أسيد بن يزيد أن في مصحف عثمان «و قلن حاش للّه» ليس فيها ألف.

(2) في رواية سوادة بن زياد البرحي، في قراءة أهل العراق «و سيعلم الكفار» [المصاحف 43].

(3) في رواية أسيد بن يزيد قال: «في مصحف عثمان بن عفان رضي اللّه عنه: سيقولون اللّه «ثلاثهن بغير ألف» [المصاحف 38].

في رواية «البرحي» و في قراءة أهل العراق: «سيقولون للّه» «و هما موضعان» [المصاحف 43].

في رواية الحضرمي: «في أيام أهل العراق الأولى» «سيقولون للّه» و الحرفان الآخران بعد ذلك «سيقولون اللّه» «سيقولون اللّه» مرتين [المصاحف 46].

روى السجستاني «و في المؤمنين: سيقولون للّه» في الثانية و الثالثة تحذف الفين و في ص 49 «أهل الكوفة و أهل المدينة كلها للّه للّه للّه لذلك قال علي بن حمزة أهل البصرة (للّه) واحدة و اثنان (اللّه اللّه) بألف ص 49 [المصاحف 248].

ص: 141

جدول

الصورة

__________________________________________________

(1) في رواية البرحي: «و في قراءة أهل العراق (من أساور من ذهب و لؤلؤ)» [المصاحف 44].

قال السجستاني: «في الحج و الملائكة [فاطر] أهل المدينة و أهل الكوفة يثبتون الألف فيما في (لؤلؤ) و أهل البصرة يثبتون في الحج و يطرحون في الملائكة» [المصاحف 48].

(2) جاءت في المصاحف رواية أخرى عن الكسائي قوله: «و في الأحقاف أهل الكوفة (إحسانا) و أهل البصرة كذلك في مصاحفهم و أهل المدينة و أهل البصرة (حسنا) بدون ألف» [المصاحف 48].

(3) و في رواية الكسائي ما نصه: «الذين كفروا [سورة محمد] فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتهم بغتة» [47/ 18] قراءة أهل مكة و في مصاحفهم و أهل الكوفة مثل ذلك و لم أسمع أحدا من أهل الكوفة يقرأ هكذا و أهل لمدينة و أهل البصرة «أن تأتيهم». و هذا صريح في أن الخلاف في رسم الخط أثر في القراءة لدى أهل مكة.

[المصاحف 40 و راجع ص 49].

ص: 142

جدول

الصورة

و نتيجة للمقارنة بين اختلاف المصاحف على رواية السجستاني (ت 316 ه) نجد مصاحف أهل المدينة و مكة و الشام متقاربة و أن مصحف البصرة و الكوفة متقاربان و المصحف الأميري المطبوع 1337 ه يتفق مع مصحف الكوفة إلا في موارد أهمها:

1- آل عمران: 75- ذي القربى [بالخط] و في الكوفي (ذا القربى).

2- الأعراف: 93- قال الملأ [بدون واو] و في الكوفي (و قال الملأ) مع الواو.

3- الإسراء: 93- فقل له [بدون الألف و في الكوفي [قال بالألف.

4- الكهف: 95- في الأميري (مكني) [بنون واحدة] و في الكوفي (مكنني) بنونين.

5- يس: 35- في الأميري (و ما عملته) [مع الضمير] و في الكوفي (و ما عملت) بدون ضمير.

__________________________________________________

(1) في رواية البرحي «في قراءة أهل العراق» «قوارير قوارير» [المصاحف 44].

ص: 143

6- الزخرف: 71- في الأميري (ما تشتهي) [بدون ضمير] و في الكوفي (ما تشتهيه) مع الضمير.

7- محمد: 18- في الأميري (تأتيهم) [بالياء] و في الكوفي (تأتهم) بدون ياء.

8- الجن: 20- في الأميري (قل) [بدون ألف و في الكوفي (قال) فعل ماضي.

و هذه المقارنة تبين أن كتابة المصحف الدائر بين المسلمين اليوم متأثر بالمصحف الكوفي دون غيره من مصاحف الأمصار.

كما تكشف أن الاختلاف في بعضها ناشئ من قراءة الخط الكوفي الغير المنقوط كما في موارد الخلاف بين (قال) و (قل) بسبب قراءة رسم الخط الكوفي الذي هو بدون ألف كتابة.

ضبط النص القرآني بالتنقيط و الإعجام و التشكيل

اشارة

ظل المصحف الإمام بخطه المدني متداولا بين المسلمين مع خلوه من التنقيط و التشكيل و قد تعاهده المسلمون بالقراءة متواترا جيلا بعد جيل و لم يحصل لهم التباس في قراءة المصحف الإمام و بعد فترة زمنية لا تقل عن 18 عاما بدأ الالتباس في قراءة نص المصحف الإمام لخلو النص من الحركات و التنقيط و التشكيل.

و يعنى بالتنقيط علامات الإعراب فالنقط الملونة علامة للرفع و النصب و الجر و قد انقرض استعمال هذا النوع.

و يعنى بالإعجام النقط المستعملة لتمييز الأحرف الروادف و هي: ب ت ث- ج ح خ- د ذ- ر ز- س ش- ص ض- ط ظ- ع غ.

و يعنى بالتشكيل: العلامات المتطورة للاعراب بالضمة و الفتحة و الكسرة على ما هو المعمول في عصرنا اليوم بزيادة علامة الشدة و الادغام و السكون.

و بالتأمل في كلمة (ريب) من قوله: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 2] نجد أن الوجوه المحتملة للإعجام فيها ثلاثون: اثنان في الراء و الزاء و خمسة في الباء و الياء و التاء و الثاء و النون و ثلاثة في الباء و التاء و الثاء. و قراءة الكلمة الخالية من العجمة من دون تعلم يوجب حيرة للقارئ.

قال ابن عطية (ت 543 ه): «و أما شكل المصحف و نقطه، فروي أن عبد الملك بن مروان أمر به و عمله، فتجرد لذلك الحجاج بواسط و جدّ فيه، و زاد تحزيبه، و أمر و هو والي

ص: 144

العراق، الحسن، و يحيى بن يعمر بذلك. و ألف إثر ذلك بواسط كتابا في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط. و مشى الناس على ذلك زمانا طويلا إلى أن ألّف ابن مجاهد كتابه في القراءات. و أسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي.

و ذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقّطه له يحيى بن يعمر.

و ذكر أبو الفرج: أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.

و ذكر الجاحظ في كتاب الأنصار: أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف و كان يقال له نصر الحروف.

و أما وضع الأعشار فيه فمر في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك. و قيل إن الحجاج فعل ذلك.

و ذكر أبو عمر السيرافي عن قتادة أنه قال: بدءوا فنقّطوا ثم خمّسوا ثم عشّروا و هذا كالابتكار. [مقدمتان- 276]. و عليه يمكن تحديد التطور الزمني للتنقيط و الإعجام و التشكيل بتواريخ حياة مخترعيها و تواريخ وفياتهم كتحديد تقريبي.

التنقيط في حدود عام 53 ه

تشير المصادر إلى أن أول من نقط المصحف هو أبو الأسود الدؤلي (ت 95 ه) استخدم النقط الملونة للدلالة على إعراب الكلمة من الضم و النصب و الجر و هذا يعني أن الافتقار إلى الإعراب ظهر قبل الافتقار إلى تنقيط الحروف الروادف مع أن الاعتبار يقتضي العكس.

قال ابن النديم (ت 380 ه) و قد اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو، فقال أبو عبيدة: «أخذ النحو عن علي بن أبي طالب عليه السّلام، أبو الأسود، و كان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي، كرم اللّه وجهه، إلى أحد حتى بعث إليه زياد: اعمل شيئا يكون للناس إماما و يعرف به كتاب اللّه. فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [التوبة: 3]، بالكسر. فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه. فأتي بآخر. قال أبو العباس المبرد: أحسبه منهم، فقال أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، و إن ضممت فمي فانقط النقطة بين يدي الحرف، و إن كسرت فاجعل النقطة نقطتين». [الفهرست 63].

ص: 145

و زياد هذا هو الأمير المعروف بزياد ابن أبيه المتوفى سنة 53 ه و هو (زياد ابن سمية و يقال زياد بن عبيد اللّه أيضا فلما استلحقه معاوية و زعم أنه أخوه قيل زياد بن أبي سفيان) و مما قال ابن حجر في ترجمته: «لا يعرف له صحبة مع أنه ولد عام الهجرة و كان قوي المعرفة جيد السياسة وافر العقل و كان من شيعة علي و ولاه أمرة القدس فلما استلحقه معاوية صار أشد الناس على آل علي و شيعته و هو الذي سعى في قتل حجر بن عدي و من معه و كانت وفاته سنة ثلاث و خمسين» [لسان الميزان 2/ 493].

و عليه يكون التنقيط من أبي الأسود الدؤلي خلال فترة حكم الأمير هذا و على أغلب الظن في الفترة التي كان مواليا لعلي حيث أن أبا الأسود كان متشيعا لعلي و على كل حال لا يتجاوز ذلك عام 53 ه وضعه في البصرة حيث كان أبو الأسود الدؤلي يعيش فيها و كان زياد حاكما عليها.

و روى الداني (ت 444 ه) رواية أوسع في ذلك قال: «اختلف الرواة لدينا في من ابتدأ بنقط المصاحف من التابعين فروينا أن المبتدئ بذلك كان أبو الأسود الدؤلي، و ذلك أنه أراد أن يعمل كتابا في العربية يقوّم الناس به ما فسد من كلامهم، إذ كان قد فشا ذلك في خواص الناس و عوامهم، فقال: أرى أن أبتدئ بإعراب القرآن أولا، فأحضر من يمسك المصحف، و أحضر صبغا يخالف لون المداد، و قال للذي يمسك المصحف عليه: إذا فتحت فاي فاجعل نقطة فوق الحرف، و إذا كسرت فاي فاجعل نقطة تحت الحرف، و إذا ضممت فاي فاجعل نقطة أمام الحرف، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غنة يعني تنوينا فاجعل نقطتين ففعل ذلك حتى أتى على آخر المصحف. و روينا أن المبتدئ بذلك كان نصر بن عاصم الليثي، و أنه الذي خمسها و عشرها» [المقنع 129].

و هذا يعني أنه لم يكن لبس على قراءة القرآن من جهة الحروف الروادف و أن الحاجة إلى تمييز الإعراب كانت أسبق من غيرها من العلامات المستعملة في القرآن.

قال الزركشي: «أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود أن ينقط المصاحف. و ذكر الجاحظ في كتاب «الأمصار» أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف، و كان يقال له:

نصر الحروف. و أما وضع الأعشار؛ فقيل: إن المأمون العباسي أمر بذلك. و قيل: إن الحجاج فعل ذلك. [البرهان 251].

و أسند الزبيدي في كتاب «الطبقات» عن المبرد. أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي: و ذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر. [البرهان 25].

ص: 146

و مما ذكر الذهبي (ت 747 ه) في تراجم يحيى بن يعمر العدواني (ت 90 ه) أبو سلمان البصري أخذ القراءة عرضا على أبي الأسود الدؤلي .. روى عن أبي ذر و عمار بن ياسر، و ولي القضاء و هو أول من نقط المصحف، و كان فصيحا مفوها عالما، أخذ العربية عن أبي الأسود، ثم إن قتيبة عزله لما بلغه عنه شرب المنصف. [معرفة القراء 1/ 68].

الإعجام بحدود عام 95 ه

و يعنى بالإعجام العلامات المستخدمة في التمييز بين الحروف الروادف كالباء و التاء و الثاء و ما شابه. فقد ذكر بعض المؤرخين أن ذلك حصل في إمارة الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 ه) و كان حاكما سياسيا شديد البطش.

قال العسقلاني (ت 852 ه): الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي، الأمير، المشهور، الظالم المبير، وقع ذكره و كلامه في الصحيحين و غيرهما، و ليس بأهل بأن يروى عنه ولي إمرة العراق عشرين سنة، و مات سنة خمس و تسعين. [تقريب التقريب 1/ 154].

و أشار العسكري (ت 395 ه) إلى دورة إشارة عابرة حيث قال: «ان الناس غبروا يقرءون في مصحف عثمان بن عفان رضي اللّه عنه نيفا و أربعين سنة إلى أيام عبد الملك بن مروان، ثم كثر التصحيف و انتشر بالعراق، ففزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كتّابه و سألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفرادا و أزواجا و خالف بين أماكنها، فغبر الناس بذلك زمانا لا يكتبون إلا منقوطا، فكان مع استعمال النقط أيضا يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام، فكانوا يتبعون النقط و الإعجام، فإذا أغفل الاستقصاء عن الكلمة فلم توفّ حقوقها اعترى التصحيف، فالتمسوا حيلة، فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين. [وفيات الأعيان 2/ 32].

التشكيل حدود عام 170 ه

و يعنى بالتشكيل استخدام الحركات الثلاث: الضمة و الفتحة و الكسرة للدلالة على إعراب الكلمة بدل استخدام النقط التي كان أبو الأسود الدؤلي يستخدمها، و التشكيل هذا يستعمل حتى عصرنا الحاضر مع توسع، و أول من اخترعه هو الخليل الفراهيدي (ت 170 ه) و عدّ ابن النديم (ت 380 ه) كتابه أول الكتب المؤلفة في النقط و التشكيل للقرآن [الفهرست 55].

قال الصدر (ت 1354 ه) الخليل بن أحمد هو الحبر العلّامة حجة الأدب، و ترجمة

ص: 147

لسان العرب المولى أبو الصفا، الإمام الأوحد الخليل بن أحمد، حتى صار يعرف بالعروضي، قال ابن قتيبة: الخليل بن أحمد هو صاحب العروض و هو منسوب إلى اليحمد من الأزد من فخذ يقال لهم الفراهيد، و قال أبو الفرج محمد بن إسحاق النديم في الفهرست عند ذكره، و هو أول من استخرج العروض، و حصن به أشعار العرب، قال: و كان من الزهاد في الدنيا، المنقطعين إلى العلم، و كان شاعرا مقلا، و توفي الخليل بالبصرة سنة سبعين و مائة و عمره أربع و ستون سنة. [تأسيس الشيعة ص 178].

و ذكر السيوطي (ت 911 ه) دور الخليل بقوله: «كان الشكل في الصدر الأول نقطا فالفتحة نقطة على أول الحرف و الضمة على آخره و الكسرة تحت أوله و عليه مشى الداني، و الذي اشتهر الآن الضبط بالحركات المأخوذة من الحروف و هو الذي أخرجه الخليل و هو أكثر و أوضح و عليه العمل، فالفتح شكلة مستطيلة فوق الحرف و الكسر كذلك تحته و الضم واو صغرى فوقه و التنوين زيادة مثلها فإن كان مظهرا و ذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها و إلا جعلت بينهما و تكتب الألف المحذوفة و المبدل منها في محلها حمراء و الهمزة المحذوفة تكتب همزة بلا حرف حمراء أيضا و على النون و التنوين قبل الباء علامة الاقلاب حمراء و قبل الحلق سكون و تعرّى عند الادغام و الإخفاء و يسكن كل مسكن و يعرّى المدغم و يشدد ما بعده إلا الطاء قبل الثاء فيكتب عليها السكون نحو فرطت و مطة الممدود لا تجاوزه [الاتقان 1/ 171].

و جاء في الدر و المرجان: «أول من وضع الهمزة و التشديد و الروم و الاشمام الخليل» [الدر و المرجان 1/ 14].

تجزئة المصحف حدود 218 ه

قام ابن الجوزي (ت 597) بتجزئة القرآن نصفا و ثلثا و أرباعا و أخماسا و أسداسا و أسباعا و أثمانا و اتساعا و أعشارا ثم انصافها و تجزئة ثمان و عشرين و الثلاثين و الستين في كتابه «فنون الأفنان» و من تجزئته يظهر أن مصطلح الحزب لم يكن سائدا في عصره.

كما لم يظهر السبب في قفزه في التجزئة من الأعشار إلى (28) و منه إلى (30) و (60).

و إليك ملخص كلامه قال: «القرآن نصفان، النصف الأول عند قوله: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً [الكهف: 74] فالنون و الكاف من النصف الأول، و الراء و الألف من النصف الثاني.

ص: 148

فأما الأثلاث فالثلث الأول رأس اثنتين و تسعين من التوبة قوله: أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ و الثلث الثاني رأس خمس و أربعين من العنكبوت يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ، و الثلث الثالث آخر القرآن [فنون الأفنان 49].

و هكذا استمر في تجزئة القرآن بالأرباع و الأخماس و الأسداس و الأسباع و الأثمان و الاتساع و الأعشار ثم أجزاء (28) و أجزاء الثلاثين ثم أجزاء الستين و نكتفي هنا مما ذكره في أجزاء الثلاثين حيث أنه المتداول في عصرنا.

قال ابن الجوزي: «فأما أجزاء الثلاثين، فالأول في البقرة رأس مائة و إحدى و أربعين عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ و الثاني: رأس اثنتين و خمسين و مائتين منها وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ و الثالث في آل عمران رأس تسعين منها وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ و الرابع في سورة النساء رأس ثلاث و عشرين منها إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً و الخامس رأس مائة و سبع و أربعين منها شاكِراً عَلِيماً، و السادس في المائدة رأس اثنتين و ثمانين منها لا يَسْتَكْبِرُونَ و قيل رأس إحدى و ثمانين منها فاسِقُونَ السابع في الأنعام رأس مائة و عشر منها يَعْمَهُونَ الثامن في الأعراف رأس ست و ثمانين منها الْمُفْسِدِينَ و قيل رأس سبع و ثمانين منها وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ التاسع في الأنفال رأس أربعين منها نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ العاشر في التوبة رأس اثنتين و تسعين منها ما يُنْفِقُونَ الحادي عشر في هود رأس خمس منها بِذاتِ الصُّدُورِ و الثاني عشر في يوسف رأس اثنتين و خمسين منها كَيْدَ الْخائِنِينَ و الثالث عشر خاتمة سورة إبراهيم، الرابع عشر خاتمة النحل، الخامس عشر في الكهف شَيْئاً نُكْراً السادس عشر خاتمة طه، السابع عشر خاتمة الحج، الثامن عشر في الفرقان رأس عشرين منها وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً التاسع عشر في النمل رأس خمس و خمسين منها بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ و قيل رأس تسع تُشْرِكُونَ العشرون في العنكبوت رأس خمس و أربعين منها وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ الحادي و العشرون في الأحزاب رأس ثلاث و عشرين منها تَبْدِيلًا و قيل رأس ثلاثين يَسِيراً و الثاني و العشرون في يس رأس إحدى و عشرين مُهْتَدُونَ و قيل رأس ست و عشرين يَعْلَمُونَ الثالث و العشرون في الزمر رأس إحدى و عشرين منها لل الْأَلْبابِ و قيل رأس إحدى و ثلاثين منها تَخْتَصِمُونَ الرابع و العشرون في سجدة المؤمن رأس ست و أربعين منها بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الخامس و العشرون

ص: 149

في الجاثية رأس تسع و عشرين منها ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و قيل رأس اثنتين و ثلاثين منها بِمُسْتَيْقِنِينَ السادس و العشرون في الذاريات رأس عشر منها الْخَرَّاصُونَ و قيل بل رأس ثلاثين الْعَلِيمُ السابع و العشرون خاتمة الحديد، الثامن و العشرون خاتمة التحريم، التاسع و العشرون آخر المرسلات، الثلاثون آخر القرآن. [فنون الأفنان ص 49].

قال القرطبي (ت 698 ه) و أما وضع الأعشار فقال ابن عطية: مرّ بي في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك، و قيل: أن الحجاج فعل ذلك. و ذكر أبو عمرو الداني في كتاب البيان له عن عبد اللّه بن مسعود أنه كره التعشير في المصحف، و أنه كان يحكه و عن مجاهد أنه كره التعشير و الطيب في المصحف. و قال أشهب: سمعت مالكا و سئل عن العشور التي تكون في الصحف بالحمرة و غيرها من الألوان، فكره ذلك و قال: تعشير المصحف بالحبر لا بأس به؛ و سئل عن المصاحف يكتب فيها خواتم السور في كل سورة ما فيها من آية، قال: إني أكره ذلك في أمهات المصاحف أن يكتب فيها شي ء أو تشكّل، فأما ما يتعلم به الغلمان من المصاحف فلا أرى بذلك بأسا. قال أشهب: ثم أخرج إلينا مصحفا لجدّه، كتبه إذ كتب عثمان المصاحف، فرأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر، و رأيته معجوم الآي بالحبر. و قال قتادة: بدءوا فنقّطوا ثم خمّسوا ثم عشّروا. و قال يحيى بن أبي كثير: كان القرآن مجرّدا في المصاحف، فأوّل ما أحدثوا فيه النّقط على الباء و التاء و الثاء، و قالوا لا بأس به، هو نور له ثم احدثوا نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح و الخواتيم، و عن أبي حمزة قال: رأى إبراهيم النخعي في مصحفي فاتحة سورة كذا و كذا، فقال لي: امحه فإن عبد اللّه بن مسعود قال: لا تخلطوا في كتاب اللّه ما ليس فيه.

و عن أبي بكر السراج قال قلت لأبي رزين: أ أكتب في مصحفي سورة كذا و كذا؟ قال: إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه فيظنونه من القرآن.

قال الداني: و هذه الأخبار كلها تؤذن بأن التعشير و التخميس و فواتح السور و رءوس الآي من عمل الصحابة رضي اللّه عنهم، قادهم إلى عمله الاجتهاد؛ و أرى أن من كره ذلك منهم و من غيرهم إنما كره أن يعمل بالألوان كالحمرة و الصفرة و غيرهما؛ على أن المسلمين في سائر الآفاق قد أطبقوا على جواز ذلك و استعماله في الأمهات و غيرها، و الحرج و الخطأ مرتفعان عنهم فيما أطبقوا عليه إن شاء اللّه. [تفسير القرطبي 1/ 64].

أقول: «و من هذه النقول يستفاد أن التجزئة إنما حصلت على أثر الحاجة في التعلم أو

ص: 150

الحفظ أو الحصة اليومية من القراءة و هذا عمل لا بأس به و لو حصل بالتجزئة بأية صورة كانت لأنها من الأغراض المشروعة. و حدّثني المقرئ الشيخ محمود الحصري أن القدماء اعتادوا على وضع ثلاث نقط عند آخر كل آية ايذانا بانتهائها، و كانوا يضعون لفظ خمس عند انقضاء خمس آيات و نقط عشر عند انتهاء عشر آيات، و مع تكرار العدد يعيدون نقط خمس و عشر حتى انتهاء السورة و أن هذا معنى قول قتادة: «بدءوا فنقّطوا ثم خمّسوا ثم عشّروا» و لم يبق اليوم من هذه التجزئة سوى الأجزاء الثلاثين و كل جزء حزبان و كل حزب أربعة أرباع فالمجموع ثلاثون جزء.

كما يظهر أن تجزئة القرآن كانت اختيارية حسب رغبات المسلمين و الظروف التي يتمكنون فيها من قراءة القرآن من أوله إلى آخره، و في عصر الإمام الصادق عليه السّلام كانت التجزئة في خمسة أجزاء و سبعة أجزاء و 14 جزء.

فعن حسين بن خالد، عن أبي عبد اللّه قال: قلت له: في كم أقرأ القرآن فقال: اقرأه أخماسا، اقرأه أسباعا، أما إن عندي مصحفا مجزأ أربعة عشر جزءا. [الوسائل 4/ 862].

فيظهر أن التجزئة (14) مبنية على تصنيف القرآن كل حزبين في جزء تقريبا و التسبيع على قراءة أربعة أجزاء و التخميس على قراءة ستة أجزاء و ذلك بتقسيم 30 على 14 لقراءة القرآن في خمسة أيام أو أسبوع أو أسبوعين.

قال الأرجاني: «قال يحيى بن كثير: ما كانوا يعرفون شيئا مما أحدث في المصاحف إلا النقط الثلاث على رءوس الآيات. أخرجه ابن أبي داود و روى عن ابن سيرين أنه كره النقط يعني على رءوس الآيات و الفواتح و الخواتم. و عن ابن مسعود و مجاهد أنهما كرها التعشير. و أخرج ابن أبي داود عن النخعي أنه كان يكره العواشر و الفواتح و تصغير المصحف و أن يكتب فيه سورة كذا و كذا. [كنز المرجان 1/ 14].

و يظهر من رواية الزركشي (ت 797 ه) أن الحجاج كان له عناية خاصة بتجزئة القرآن بالتسبيع، فقد جمع القراء و الحفاظ و الكتاب فقال: أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو؟ قال: فحسبناه فاجمعوا على أنه ثلاثمائة ألف و أربعون ألف و سبعمائة و أربعون حرفا.

قال: فأخبروني عن نصفه فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف «و ليتلطف». و ثلثه الأول عند رأس مائة من براءة و الثاني على رأس مائة أو إحدى و مائة من الشعراء. و الثالث إلى آخره.

و سبعه الأول إلى الدال، في قوله: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ [النساء: 55] و السبع الثاني إلى التاء من قوله في الأعراف: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ [الأعراف: 147] و الثالث

ص: 151

إلى الألف الثانية من قوله في الرعد: أُكُلُها [الرعد: 35] و الرابع إلى الألف في الحج من قوله: جَعَلْنا مَنْسَكاً [الحج: 34] و الخامس إلى الهاء من قوله في الأحزاب: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ [الأحزاب: 36] و السادس إلى الواو من قوله في الفتح الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح: 6] و السابع إلى آخر القرآن. [البرهان 250].

و المعمول اليوم في تجزئة القرآن إلى ثلاثين جزءا، و استمرت العادة في عصرنا للصالحين من قراءة جزء في كل يوم من رمضان إلى ختم القرآن كله فيه، و منهم من يضاعف العدد يوميا.

و كذلك توزع الأجزاء في الوفيات ليختم القرآن ثوابا لروح الميت من المشاركين في العزاء خلال ثلاثة أيام. و تسهيلا لهذه المهمة في التعليم من خلال الحصة اليومية للتلاميذ ابتكرت تقاسيم أخرى أشهرها تقسيم المصحف إلى أجزاء ثلاثين، و كل جزء إلى حزبين فالأحزاب ستون و كل حزب إلى اثنين فهما ربعان فالأرباع 240 ربعا.

و ظهر من كلام الزركشي (ت 797 ه) ما يفيد بأن هذه التجزئة كانت لغرض التعليم فقط حيث قال: «فقد اشتهرت الأجزاء الثلاثين كما في الربعات بالمدارس و غيرها» [البرهان 1/ 270].

و المصاحف في المغرب الإسلامي درجت على تربيع القرآن، و هو رواية ورش عن نافع المنتشرة بالمغرب الإسلامي، فالربع الأول، ينتهي بالأنعام، و الربع الثاني ينتهي بالأعراف، و الربع الثالث ينتهي بمريم، و الربع الرابع يبتدئ بسورة ياسين إلى آخر القرآن، و التربيع هذا غريب على أهل المشرق. و يعبّرون عن الحصة اليومية للقرآن بالركوع. و لا يعرف بالضبط من اخترع هذه التقاسيم مما يظهر أنه كانت محاولات فردية للحاجة الشخصية، و المروي أن أول من ابتكر التعشير هو المأمون العباسي (167- 218) و كان عالما من خلفاء العباسيين بنى بيت الحكمة في بغداد و اهتم بثقافة الإغريق.

و في عام 212 للهجرة أعلن مسألة خلق القرآن عقيدة رسمية للدولة موافقة للمعتزلة لضرب الأشاعرة و عرفت هذه بالمحنة، و انتهت هذه المحنة بوفاة المأمون في 218 ه بطرطوس حيث يقع قبره اليوم في تركيا و يعرف قبره ب (مأمون آغا) و أثر هذا التعشير لا زال معمولا به إلى اليوم.

ص: 152

[تجزئة المصحف فى مختلف الطبعات

اشارة

الصورة

ص: 153

مقارنة تجزئة القرآن في الطبعات

طبعة الهند و الباكستان

30 جزء (باره) كل جزء نصفان كل نصف ربعان

طبعة إيران

30 جزء 120 حزب كل جزء 4 أحزاب

طبعة السعودية

30 جزء 60 حزب كل جزء حزبان 4 L

طبعة المغرب

40 أجزاء 60 حزب كل جزء 15 حزب و كل حزب يقسم إلى أثمان

طبعة السودان

طبعة دار المركز الإسلامي الأفريقي بالخرطوم السودان ط 2، 1410 ه في 30 جزءا كل جزء على حزبين و المجموع 60 حزبا و كل حزب ثمانية أثمان تبدأ بالثمن الأول و تنتهي بالثمن الثامن من 1 إلى 8.

طبعة نيجيريا

طبعة الحاج حسن انوماكنو في 819 صفحة في أربعة أقسام:

الأول: من البقرة إلى الأعراف في 15 حزبا.

الثاني: من الأعراف من ص 205 في 15 حزبا.

الثالث: مريم من ص 408 في 15 حزبا.

الرابع: من ص 605 إلى آخر القرآن ص 819 في 15 حزبا و كل قسم تتخلله الوان و فراغات ملونة. و علامة (ث) للثلث و (ب) للربع و (ث) للثمن و (ن) للنصف و هكذا ..

و تمتاز هذه الطبعة بأنها تذكر في مفتتح كل ربعة عدد الورقات لكل ربعة من الحزب مستعملا الحروف الأبجدية مثال ذلك في أول البقرة يذكر لفظه: (كافة: في ربعه تسع و عشرون وقفة) و هكذا إلى آخر القرآن. و علامات وقف محدودة و مبينة.

الركوع: و قد زادت الطبعات الباكستانية و الهندية في آخر مقطع من القرآن علامة (ع) للركوع صورتها هكذا: مع أرقام في أعلى الحرف و وسطه و أسفله تدل على:

ص: 154

رقم الركوع في السورة 1، و عدد الآيات في الركوع 14، و عدد الركوع في الجزء 12.

و الركوع هو الحصة اليومية للقراءة و الحفظ في عامين تقريبا فيكون مجموع الركعات 558 و تختلف في عدد الآيات طولا و قصرا فالسور القصار من عبس رقم 80 و ما بعد منها تحتوي على ركوع واحد. عدد آيات كل ركوع تعادل عدد آيات السورة، أما تسلسل أرقام الركوعات في الجزء فتختلف.

فالجزء الثلاثون يحتوي على السور النبأ (عم) إلى آخر القرآن.

و رقم 78 سورة النبأ (عم) يحتوي على ركوعين الركوع الأول في السورة يحتوي على (30) آية. الركوع الثاني في السورة يحتوي على (10) آيات.

ثم رقم 79 سورة النازعات تحتوي على ركوعين الركوع الأول في السورة يحتوي على (26) آية و الركوع الثاني في السورة يحتوي على (20) آية.

ثم رقم 80 سورة عبس تحتوي على ركوع واحد و هو يحتوي على (22) آية عدد آيات السورة. و كل سورة بعد ذلك تحتوي على ركوع واحد فيكون آخر السور و هي سورة الناس الركوع رقم 39 في الجزء الثلاثين.

و من الواضح أن هذه التقسيمات في تجزئة القرآن كلها تقاسيم حادثة إنما ظهرت من أجل تسهيلها على من يريد تعلم القرآن.

رسم المصحف الإمام

اشارة

لم تخضع كتابة المصحف لقواعد ثابتة، و كان الطريق الوحيد لتعلمها القراءة على المشايخ جيلا بعد جيل. و افرد الداني (ت 444 ه) كتابه المقنع في رسم القرآن و قد وصف أبو زيتحار الرسم بقوله: «الرسم بمعنى المرسوم في اللغة الأثر فهو مصدر أريد به اسم المفعول و يرادفه الخط- إلى قوله: و الاصطلاحي» و هو المعروف بالعثماني علم يعرف به مخالفة المصاحف العثمانية لاصول الرسم القياسي (و موضوعه) حروف المصاحف من حيث ما يعرض لها من الحذف و الاثبات و الزيادة و النقيصة و الفصل و الوصل و نحو ذلك [لطائف البيان 1- 12 و 13].

توقيفية رسم المصحف

اختلف الأعلام في أن رسم المصحف توقيفية بمعنى أنه لا يجوز كتابة المصحف بغير هذا الرسم أو أنه غير توقيفي.

ص: 155

و ذهب الزركشي (ت 797 ه) إلى أنه توقيفي و قال: «كان هذا في الصدر الأول، و العلم حيّ غض، و أما الآن فقد يخشى الالتباس، و لهذا قال الشيخ عز الدين عبد السلام:

لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة؛ لئلا يوقع في تغيير من الجهّال: و لكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدّي إلى دروس العلم، و شي ء أحكمه القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين؛ و لن تخلو الأرض من قائم للّه بالحجة. و قد قال البيهقي في شعب الإيمان: من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، و لا يخالفهم فيها، و لا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم أكثر علما، و اصدق قلبا و لسانا، و أعظم أمانة منّا؛ فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم، و روى بسنده عن زيد قال: القراءة خير، [البرهان 1/ 379].

و تطرف في الموضوع الشنقيطي (1363 ه) حيث قال: «ان الكلام القديم سرا و للكتابة دخلا في ذلك فمن كتبه بحاله فقد أداه بجميع أسراره و إلا فقد نقص من سره و جاء بكلمات من تلقاء نفسه و الذي حملنا على هذا أن جماعة من العلماء ترخصوا في الرسم و قالوا أنه اصطلاحي و لذلك لا يجب أن يكون محصورا على حد مخصوص بل يجوز كتبه على كل وجه سهل و بالهجاء الأول و المحدث بعده لأن الخطوط علامات تجري مجرى الرموز و الإشارات فكل رسم دل على كلمة صح كتبها به و هذا غلط فاحش لما علمت اه و لكن خطه معجز لم تهتد إليه عقول العرب [ايقاظ الأعلام 37].

و زاد الشنقيطي (ت 1363 ه): «المراد بخط المصاحف هو الخط الذي أجمع الصحابة عليه كما ذكره الجزري في النشر و كذا غيره لا ما طبع بالمطابع الاستانبولية أو غيرها بل أكثرها مخالف لرسم المصاحف العثمانية لا سيما في حذف الألفات المتوسطة مثلا و نحوها فلا تكاد تجد ألفا محذوفا فيها نحو «العلمين» و «مسلمت» و شبههما مع تصريح أهل القرآن كافة بحذفهما و نحوهما و إجماعهم على حذف نحو ذلك [ايقاظ الأعلام 17].

أقول: «ليت شعري إذا كان رسم ما طبع مخالفا لرسم المصاحف العثمانية فما هي المصاحف العثمانية إذا»؟

قال ابن الجزري (ت 833) في أبواب الهجاء من كتب العربية، و أكثر خط المصاحف موافق لتلك القوانين لكنه قد جاءت أشياء خارجة عن ذلك يلزم اتباعها و لا يتعدى إلى سواها؛ منها ما عرفنا سببه، و منها ما غاب عنا، و قد صنف العلماء فيها كتبا كثيرة قديما و حديثا [2/ 138].

ص: 156

قال الأردكاني: «عن الكسائي أنه قال في خط المصحف عجائب و غرائب تحيّرت فيها عقول العقلاء و عجزت عنها آراء الرجال البلغاء و كما أن لفظ القرآن معجز فكذلك رسمه خارج عن طوق البشر و الحكمة في الرسم أن لا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال الآخذين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالسند العالي [نثر المرجان 1/ 12].

و تناول الزركشي (ت 797 ه) بالتفصيل موارد الخلاف و حاول- و احيانا بتعسف- أن يسندها إلى حكم خفية و أسرار بهية تصدى لها أبو العباس المراكشي الشهير بابن البنّاء (ت 721 ه) .. و بين أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها بحسب اختلاف معانيها» [البرهان 1/ 380].

و على النقيض من ذلك يرى الداني (ت 444 ه) أن الرسم وحده هو السبب للحن في قراءة القرآن قال: «وجهه أن يكون عثمان رضي اللّه عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم إذ كان كثير منه لو تلي على حال رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة و تغيرت ألفاظها أ لا ترى قوله: «أو لا اذبحنه» و «لا أوضعوا» و «من نبإى المرسلين» و «سأوريكم» و «الربوا» و شبهه مما زيدت الألف و الياء و الواو في رسم لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخط لصيّر الإيجاب نفيا و لزاد في اللفظ ما ليس فيه و لا من أصله فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا. [المقنع 116].

و أحسن استدلال على أن الرسم ليس توقيفيا ما ذكره ابن خلدون (ت 806 ه) و قال:

«و انظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم و كانت غير مستحكمة في الإجادة فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبركا بما رسمه أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خير الخلق من بعده المتلقّون لوحيه من كتاب اللّه و كلامه كما يقتفى لهذا العهد خطّ ولي أو عالم تبركا و يتبع رسمه خطأ أو صوابا و أين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه فاتبع ذلك و أثبت رسما و نبه العلماء بالرسم على مواضعه و لا تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفّلين من أنهم كانوا محكمين لصناعة الخط و أن ما يتخيل من مخالفة خطوطهم لأصول الرسم ليس كما يتخيل بل لكلها وجه يقولون في مثل زيادة الألف في «لا أذبحنّه» إنه تنبيه على أن الذبح لم يقع و في زيادة الياء في «باييد» أنه تنبيه على كمال القدرة الربانية و أمثال ذلك مما لا أصل له إلّا التحكّم المحض و ما حملهم على ذلك إلا اعتقادهم أن في ذلك تنزيها للصحابة عن توهم النقص في قلّة إجادة الخط و حسبوا أن الخط كمال فنزّهوهم عن نقصه و نسبوا إليهم الكمال بإجادته و طلبوا تعليل ما خالف الإجادة من رسمه و ذلك ليس بصحيح. و اعلم أن

ص: 157

الخط ليس بكمال في حقهم إذ الخطّ من جملة الصنائع المدنية المعاشية كما رأيته فيما مرّ و الكمال في الصنائع إضافيّ بكمال مطلق إذ لا يعود نقصه على الذات في الدين و لا في الخلال و إنما يعود على أسباب المعاش و بحسب العمران و التعاون عليه لأجل دلالته على ما في النفوس [المقدمة 419].

و أفضل دليل على أن الرسم ليس توقيفيا ما حصل من الاختلاف بين الصحابة في رسم القرآن في عهد عثمان في كتابة (التابوت) و (التابوة) فلو كان توقيفيا لما حصل هذا الاختلاف.

قال الداني (ت 444): «عن ابن شهاب قال اختلفوا يومئذ في «التابوت» فقال زيد بن ثابت «التابوة» و قال ابن الزبير و سعيد و عبد الرحمن «التابوت» فرفعوا اختلافهم إلى عثمان رضي اللّه عنه فقال عثمان اكتبوه «التابوت» فإنه لسان قريش» [المقنع- 121].

و قد وردت كلمة «التابوت» في القرآن مرتين هما:

1- إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة: 248].

2- أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ [طه: 39].

(و عليه) الاختلاف في كتابة المصحف من اللجنة المكلفة بكتابة المصحف لم تحصل إلا في هذه الكلمة وحدها، و في كتابتها بتاء طويلة أو مربوطة. و هذا الاختلاف غريب حيث أن زيد بن ثابت الذي كان يرى كتابتها (التابوة) كان هو بنفسه قد كتب للخليفة أبي بكر مصحفه و أنه كان قد كتب الكلمة كذلك مما يظهر اعتماد أبي بكر رضي اللّه عنه عليه اعتمادا مطلقا و أن تلك الصحف نفسها كانت مصدرا للجنة في عهد عثمان فالاختلاف إذن جاء من قبل أعضاء اللجنة من قريش الذين رفضوا الانصياع لغير كتابة قريش المتمثل في زيد الأنصاري و أن الخليفة عثمان رضي اللّه عنه رجّح جانب قريش لأن النبي منهم و القرآن نزل بلغتهم. و (أيضا) يبقى السؤال لما ذا لم يحصل هذا الاختلاف في كلمات مشابهة في التاء المربوطة و الطويلة ككلمة (نعمت) و (نعمة) مع أن مواردها كثيرة في القرآن؟

و منه يعلم أن الخط في غير كلمة (تابوت) كانت تابعة لرسم قريش و عليه المصحف الإمام كله على رسم قريش و قد خالف المصحف الإمام مقاييس رسم الكتابة في عصر الصحابة و حافظ المسلمون على هذه الخطوط كما هي بالرغم من تطور قواعد الرسم في الأجيال المتعاقبة.

كما أن محاولات لتصحيح رسم القرآن حصلت في بداية التاريخ الإسلامي كما

ص: 158

تسجله رواية السجستاني (ت 316 ه) عن ابن زياد (ت 53 ه) قال: «حدّثني يزيد الفارسي قال زاد عبيد اللّه بن زياد في المصحف ألفي حرف، فلما قدم الحجّاج بن يوسف بلغه ذلك فقال: من ولي ذلك لعبيد اللّه؟ قالوا: ولي ذاك له يزيد الفارسي، فأرسل إليّ فانطلقت إليه و أنا لا أشك أن سيقتلني، فلما دخلت عليه قال: ما بال ابن زياد زاد في المصحف ألفي حرف؟ قال قلت: أصلح اللّه الأمير إنه ولد بكلّاء البصرة فتوالت تلك عني، قال: صدقت.

فخلّى عني، و كان الذي زاد عبيد اللّه في المصحف كان مكانه في المصحف «قالوا» قاف لام واو «كانوا» كاف نون واو فجعلها عبيد اللّه «قالوا» قاف ألف لام واو ألف و جعل «كانوا» كاف ألف نون واو ألف [المصاحف 117].

و يظهر من هذه الرواية أن عذر يزيد الفارسي إنما هو شيوع هذا النوع في رسم الخط في البصرة و لا نجد كلمة (كانوا) بدون الألف في القرآن الكريم اليوم.

و لا تزال الآراء في رسم المصحف تدور بين المنع و الضرورة.

و أصدر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر محمد عبد اللطيف الفحّام بتاريخ 5 ذي الحجة 1355 ه فتوى تعتبر رأيا وسطا في حل المشكلة جاء فيها ما نصه: «أن ينبّه في ذيل كل صفحة على ما يكون فيها من الكلمات المخالفة للرسم المعروف» [يراجع: مجلة الأزهر، عدد صفر 1368 ه تحت عنوان تقرير من كتاب الفرقان، ص 192. و يراجع: المصحف المرتل، الجمع الصوتي الأول، لبيب سعيد، ص 386].

و يظهر أنه على أثر هذه الفتوى قام الشيخ عبد الجليل عيسى بطبع المصحف الميسر عام 1381 ه فوضع لكل كلمة في القرآن الكريم تخالف الرسم المعتاد رقما ثم وضع معادل الرقم في هامش أسفل الصفحة بالرسم المعتاد [راجع: الطبعة السادسة، 1394 ه، دار الفكر- بيروت .

و هذه الفتوى التي قدمتها اللجنة و إن كانت اقتراحا قابلا للتطبيق في أكثر المواضع في القرآن الكريم كما في:

1- كتبا/ كتابا 3/ 845.

2- ثلاثة/ ثلاثة 2/ 196.

3- إسرائل/ إسرائيل 2/ 4.

و لكن المشكلة في بعضها الآخر لا تحل إلا بالدراسة عند الشيوخ المهرة كما في الأمثلة التالية:

ص: 159

1- أو لا أذبحنه مع أن القراءة أو لأذبحنه [النمل: 27/ 21].

2- لا الى مع أن القراءة لإلى [37/ 68].

3- أيه مع أن القراءة أيها [24/ 31].

4- الن مع أن القراءة الآن [12/ 51].

5- اليل مع أن القراءة الليل [20/ 130].

6- يا بنؤم مع أن القراءة يا ابن أم [20/ 94].

7- الها مع أن القراءة الاه [18/ 14].

8- العلمؤا مع أن القراءة العلماء [35/ 28].

9- الربوا مع أن القراءة الربا [2/ 275].

10- الريا مع أن القراءة الرؤيا [37/ 105].

11- السواء مع أن القراءة السوء [30/ 10].

فإن القراءة لهذه الكلمات من دون أستاذ غير ممكن عادة.

اختلاف رسم الكلمات في المصحف

و يختلف رسم كلمة واحدة في المصحف عن رسم الكلمة نفسها في آيات أخرى.

و حيث أن المصاحف تختلف في ذلك، إليك بعض الأمثلة من المصحف الأميري المطبوع في القاهرة سنة 1337 ه و التي عليها المعول في ما تأخر من طبعات المصحف:

1- بسم اللّه الرحمن الرحيم، الرسم يخالف قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:

1]. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ [الواقعة: 96، الحاقة: 52].

2- قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ [الأعراف: 150]، و الرسم يخالف قوله: قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي [طه: 94].

3- وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ [الرعد: 4]، و الرسم يخالف قوله: مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ [البقرة: 266].

4- وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ [النساء: 128] و الرسم يخالف قوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [آل عمران: 35].

ص: 160

5- لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 100]، و الرسم يخالف قوله: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ [هود: 79].

6- وَ اخْشَوْنِي [البقرة: 150]، و الرسم يخالف قوله: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ [المائدة: 44].

7- صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات: 105]، الرسم يخالف قوله: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43].

8- فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ [الكهف: 70]، الرسم يخالف قوله: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [هود: 46].

9- سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ [الإسراء: 43]، الرسم يخالف قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي [الإسراء: 93].

10- وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ [الحج: 51]، الرسم يخالف قوله: وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ [سبأ: 5].

11- سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا [الإسراء: 77]، الرسم يخالف قوله: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: 38].

12- سُوءاً [يوسف: 25]، الرسم يخالف قوله: السُّواى [الروم: 10].

13- وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة: 35]، الرسم يخالف قوله: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ [الدخان: 43].

14- أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ [البقرة: 161]، الرسم يخالف قوله: فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ [آل عمران: 61].

15- نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ [البقرة: 211]، الرسم يخالف قوله: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ [البقرة: 231].

16- هُدىً وَ رَحْمَةً [الأعراف: 52]، إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ [الأعراف: 56].

17- يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة: 21]، الرسم يخالف قوله: و قالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا [الزخرف: 49].

ص: 161

18- أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى [القيامة: 37]، الرسم يخالف قوله: آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ [المؤمنون: 66].

19- وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ [يونس: 25]، الرسم يخالف قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ [الإسراء: 11].

و قد حصل الاختلاف في الرسم في آية واحدة صدرا و ذيلا و ذلك في قوله تعالى:

هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة: 19، 20].

فقد ورد الرسم في كتابة (كتابيه) بدون ألف و (حسابيه) مع الألف مما لا فارق بينهما و يكفي هذا في الدلالة على ضرورة توحيد رسم الخط في أقدس نص في الإسلام قبل أن تتطرق أياد غير مؤمنة بهذه القدسية و تحقق ما ينبغي للمسلمين أن يحققوه بأنفسهم.

و إليك جدولا بما وقفت عليه من اختلاف رسم المصحف الإمام:

رسم المصحف الإمام

و لم يختلف الإملاء في رسم المصحف مع الإملاء المرسوم اليوم، إلا في هذه الموارد التي استقصاها أحمد عزة البغدادي (ت 1352 ه) فبلغت 187 موردا في رسالة مفردة بعنوان البيان المفيد. و إليك ملخص ما استقصاه مقارنا بالرسم اليوم مع الإشارة إلى السورة و الآية:

2- البقرة

1- للملئكة/ للملائكة/ 2- 30

2- إسرائل/ إسرائيل/ 2- 40

3- باؤ/ باؤا/ 2- 61

4- الئن/ الآن/ 2/ 71

5- فادرأتم/ فادرأتم/ 2- 72

6- فباؤ/ فباؤا/ 2- 90

7- اشترايه/ اشتراه/ 2- 102

8- عفا/ عفى/ 2- 187

9- ثلاثة/ ثلاثة/ 2- 196

10- رحمت/ رحمة/ 2- 218

11- فاؤ/ فاءوا/ 2- 226

12- نعمت/ نعمة/ 2- 231

13- اصطفيه/ اصطفاه/ 2- 247

14- جزءا/ جزاء/ 2- 260

15- الربوا/ الربا/ 2- 275

16- تسئموا/ تسأموا/ 2- 285

3- آل عمران

17- امرات/ امرأة/ 3- 35

18- دعا/ دعى/ 3- 38

19- لعنت/ لعنة/ 3- 61

20- نعمت/ نعمة/ 3- 103

21- وباؤ/ وباؤا/ 3- 112

22- كتبا/ كتابا/ 3- 145

ص: 162

23- عفا/ عفى/ 3- 152

24- عفا/ عفى/ 3- 155

25- مأويه/ مأواه/ 3- 162

26- جاؤ/ جاؤا/ 3- 184

4- النساء

27- آتوا/ أتوا/ 4- 2

28- سوء/ سوأ/ 4- 110

29- بريا/ بريئا/ 4- 112

30- سوء/ سوأ/ 4- 123

31- يستهزا/ يستهزأ/ 4- 140

32- امرؤا/ امرأ/ 4- 176

5- المائدة

33- نعمت/ نعمة/ 5- 7

34- تبوا/ تبوء/ 5- 29

35- جزؤا/ جزاء/ 5- 29

36- جزؤا/ جزاء/ 5- 33

6- الأنعام

37- انبوءا/ انباء/ 6- 5

38- نبإى/ نباء/ 6- 134

39- اتيكم/ اتاكم/ 6- 47

40- بالغداوة/ بالغداة/ 6- 52

41- شفعائكم/ شفعاءكم/ 6- 94

42- شركؤا/ شركاء/ 6- 94

43- كلمت/ كلمة/ 6- 115

7- الأعراف

44- رحمت/ رحمة/ 7- 56

45- جاؤ/ جاؤا/ 7- 116

46- كلمت/ كلمة/ 7- 137

47- نبا/ نباء/ 7- 175

8- الأنفال

48- سنت/ سنة/ 8- 38

9- التوبة

49- عفا/ عفى/ 9- 43

10- يونس

50- يبدأ/ يبدئ/ 10- 4

51- تلقائي/ تلقاء/ 10- 15

52- كلمت/ كلمة/ 10- 33

53- كلمت/ كلمة/ 10- 96

54- يبدأ/ يبدئ/ 10- 34

55- يبدأ/ يبدئ/ 10- 34

11- هود

56- رحمت/ رحمة/ 11- 73

57- بقيت/ بقية/ 11- 86

58- نشؤا/ نشاء/ 11- 87

12- يوسف

59- قرآنا/ قرآنا/ 12- 2

60- رؤياك/ رؤياك/ 12- 5

61- غيابت/ غيابة/ 12- 11

62- غيابت/ غيابة/ 12- 16

63- جاؤ/ جاؤا/ 12- 16

64- جاؤ/ جاؤا/ 12- 18

65- لدا/ لدى/ 12- 25

66- سوءا/ سوأ/ 12- 25

67- امرأت/ امرأة/ 12- 30

68- فتيها/ فتاها/ 12- 30

ص: 163

69- رءياي/ رؤياي/ 12- 43

70- للرءيا/ للرؤيا/ 12- 43

71- نجا/ نجى/ 12- 45

72- امرأت/ امرأة/ 12- 51

73- الن/ الآن/ 12- 51

74- تفتؤا/ تفتأ/ 12- 85

75- رءياي/ رؤياي/ 12- 100

13- الرعد

76- سواءً/ سوء/ 13- 11

14- إبراهيم

77- نبؤا/ نبأ/ 14- 9

78- الضعفؤا/ الضعفاء/ 14- 21

79- نعمت/ نعمة/ 14- 28

80- نعمت/ نعمة/ 14- 34

16- النحل

81- دف/ دف ء/ 16- 5

82- تجرءون/ تجأرون/ 16- 53

83- بنعمت/ بنعمة/ 16- 72

84- نعمت/ نعمة/ 16- 83

85- ايتائ/ ايتاء/ 16- 90

86- نعمت/ نعمة/ 16- 104

17- الإسراء

87- الأقصا/ الأقصى/ 17- 1

88- الرءيا/ الرؤيا/ 17- 60

18- الكهف

89- ندعوا/ ندعو/ 18- 14

90- الها/ الاه/ 18- 14

91- لشأي/ لشي ء/ 18- 23

19- مريم

92- رحمت/ رحمة/ 19- 2

20- طه

93- أتوكأ/ أتوكأ/ 20- 18

94- جزءوا/ جزاء/ 20- 76

95- يا بنؤم/ يا ابن أم/ 20- 94

96- تضمؤا/ تضمأ/ 20- 19

97- انائ/ آناء/ 20- 130

98- اليل/ الليل/ 20- 130

23- المؤمنون

99- الملأ/ الملأ/ 23- 24

100- نجيا/ نجي/ 23- 37

101- يجرءون/ يجأرون/ 23- 64

102- تجرءوا/ تجأروا/ 23- 65

24- النور

103- لعنت/ لعنة/ 24- 7

104- يدرؤا/ يدرأ/ 24- 8

105- جاؤ/ جاؤا/ 24- 11

106- جاؤ/ جاؤا/ 24- 13

107- أيه/ أيها/ 24- 31

25- الفرقان

108- جاؤ/ جاؤا/ 25- 4

109- يعبؤا/ يعبأ/ 25- 77

26- الشعراء

110- انبؤا/ أنباء/ 26- 6

111- قالوا/ قالوا/ 26- 74

ص: 164

112- لئيكة/ الأيكة/ 26- 176 113- علمؤا/ علماء/ 26- 197

27- النمل

114- و لا اذبحنه/ لأذبحنه/ 27- 21 115- الخب/ الخبث/ 27- 25 116- الملأ/ الملاء/ 27- 29 117- الملأ/ الملاء/ 27- 32 118- الملأ/ الملاء/ 27- 38 119- يبدأ/ يبدئ/ 27- 64 120- جاؤ/ جاؤا/ 27- 84

28- القصص

121- اقصا/ اقصى/ 28- 20 122- شركاءي/ شركائي/ 28- 62

29- العنكبوت

123- يبدي/ يبدئ/ 29- 19

30- الروم

124- بلقاى ء/ بلقاء/ 30- 8 125- السوأى/ السو/ 30- 10 126- يبدأ/ يبدئ/ 30- 11 127- شفعؤا/ شفعاء/ 30- 13 128- لقاى ء/ لقاء/ 30- 16 129- يبدأ/ يبدئ/ 30- 27 130- رحمت/ رحمة/ 30- 50

31- لقمان

132- بنعمت/ بنعمة/ 31- 31

34- سبأ

133- يبدى/ يبدئ/ 34- 249

35- فاطر

134- نعمت/ نعمة/ 35- 3 135- العلمؤا/ العلماء/ 35- 28 136- بينت/ بينة/ 35- 40 137- سنت/ سنة/ 35- 43 138- سنت/ سنة/ 35- 43

36- يس

139- اقصا/ اقصى/ 36- 20

37- الصافات

140- لا إلى/ لإلى/ 37- 68 141- الرءيا/ الرؤيا/ 37- 105 142- البلؤا/ البلاء/ 37- 106

38- ص

143- لئية/ الأيكة/ 38- 13 144- نبؤا/ نباء/ 38- 21 145- نبؤا/ نباء/ 38- 67

39- الزمر

146- جزؤا/ جزاء/ 39- 34

40- المؤمن

147- كلمت/ كلمة/ 40- 6 148- النجواة/ النجاة/ 40- 41 149- الضعفوا/ الضعفاء/ 40- 47 150- دعؤا/ دعاء/ 40- 50 151- سنت/ سنة/ 40- 85

41- السجدة

152- سي ء/ سيأ/ 41- 49

ص: 165

42- الشورى

153- شركؤا/ شركاء/ 42- 21

154- جزؤا/ جزاء/ 42- 40

155- عفا/ عض/ 42- 40

156- وراى ء/ وراء/ 42- 51

43- الزخرف

157- قرآنا/ قرآنا/ 43- 3

158- جزءا/ جزء/ 43- 15

159- ينشؤا/ ينشأ/ 43- 15

160- رحمت/ رحمة/ 43- 32

161- رحمت/ رحمة/ 43- 32

162- يا أيه/ يا أيها/ 43- 49

44- الدخان

163- بلؤا/ بلاء/ 44- 33

48- الفتح

164- شطئه/ شطأه/ 48- 29

49- الطور

165- بنعمت/ بنعمة/ 49- 29

53- النجم

166- منواة/ مناة/ 53- 20

55- الرحمن

167- أيه/ أيها/ 55- 31

168- جنا/ جنى/ 55- 254

56- الواقعة

169- جنت/ جنة/ 56- 89

58- المجادلة

170- معصيت/ معصية/ 58- 8

171- معصيت/ معصية/ 58- 9

59- الحشر

172- جاؤ/ جاؤا/ 59- 10

173- جزؤا/ جزاء/ 59- 29

60- الممتحنة

174- برءوا/ برءاو/ 60- 4

64- التغابن

175- نبوءا/ نباء/ 64- 5

69- الحاقة

176- طغا/ طغى/ 69- 11

75- القيامة

177- ينبؤا/ ينبأ/ 75- 13

77- المرسلات

178- حمالت/ حمالة/ 77- 33

89- الفجر

179- ابتليه/ ابتلاه/ 89- 15

180- ابتليه/ ابتلاه/ 89- 16 و لتفصيل باقي رسوم القرآن يراجع:

1- المقنع في رسم المصاحف لأبي عمر الداني (ت 444 ه) طبعة القاهرة 1978.

ص: 166

2- النشر في القراءات العشر لابن الجزري (ت 833 ه) ط القاهرة، افست، بدون تاريخ.

3- نثر المرجان في رسم القرآن محمد غوث النائطي الأردكاني، ط حيدرآباد الدكن 1332 ه. و قد استوعب هذا الأخير البحث عن رسم القرآن في سبعة مجلدات.

و الذي ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار في رسم القرآن أمران:

الأول: أن المحافظة على رسم المصحف العثماني ضرورة لمعرفة تقييم القراءات الشاذة الموافقة منها للرسم المعروف في عهد الرسالة، فإن القضاء على الرسم المعهود هذا، سوف يفقد أثرا موروثا. يعتبر مقياسا لتصحيح القراءات.

الثاني: أن الرسم ككل الآثار الموروثة و التراث لا بد أن يواكب ركب الحضارة، و بدون ذلك سوف يتقوقع في طائفة خاصة من القراء، و قراءة النص في حياة المسلمين العامة تتقلص و بما أن الخط ليس إلا وسيلة لقراءة القرآن يجب أن يدخل هذا التطور، فإنه لا يمكن قراءة القرآن بالخط الكوفي مثلا الذي كان شائعا في العصور المتقدمة إلا لطائفة خاصة.

و بناء على ذلك يجب أن تتكون لجنة من ذوي الاختصاص لتحديد معالم هذا التطوير بحيث يحافظ على سلامة النص مع بيان أصول هذه المعالم للقراء بحيث يقفون على الأسباب و النتائج لهذه المعالم مع المحافظة على التراث.

و لا أجد مبررا للرضوخ للرسم العثماني ما دام القرآن قد جاز أن يدون و يكتب بالخط الكوفي ثم بالنسخ فلا بد أن يجوز بالرسم المعاصر أيضا.

كما يدل على جواز ذلك تطور كتابة المصحف بالخطوط المختلفة المتطورة في مختلف العصور تقريبا. نعم لا نعهد كتابة القرآن بالخط المسند مثلا، و كذلك الخط الحميري الذي كان مستعملا في الأنبار و الحيرة و منها انتقل إلى الجزيرة العربية. و تحتفظ المكتبة الإسلامية نسخا من القرآن الكريم بالخط المستعمل في الحجاز المقوّر المعروف بالخط الكوفي و ذلك بالخطوط المتفرعة منه على أثر الأقلام المختلفة منها. الخط المدني:

و يسمى المحقق و الوراقي و المكي و البصري و يسمى الكوفي و الأصفهاني و العراقي.

و اتسع اهتمام الكتاب و الورّاقين بكتابة القرآن في الأمة الإسلامية في أيام الوليد بن عبد الملك و كان كاتبه المختص به خالد بن أبي الهيّاج قد انقطع لكتابة المصاحف للوليد، ثم مالك بن دينار الخطاط المجوّد (ت 131 ه) و كذلك في أيام الرشيد كان خشنام البصري و مهدي الكوفي كما قاله ابن النديم، و لم ير مثلهما إلى حيث انتهى- إلى عصره- حتى إذا

ص: 167

ما كانت أيام المعتصم ظهر أبو حدّي الكوفي و كان يكتب المصاحف اللطاف. ثم جماعة من الكوفيين منهم ابن أم شيبان و المسحور و أبو حمدة و أبو الفرج إلى أن انتهت رئاسة الخط إلى الضحّاك بن عجلان و إسحاق بن حماد في خلافة المنصور و المهدي. و في خلافتهما بلغت الخطوط العربية اثني عشر قلما ثم انتهت الرسالة إلى الوزير (ابن مقلة) أبي علي و عنه أخذ عبد اللّه بن محمد بن أسد (ت 410 ه) و عنه أخذ ابن البواب (ت 412 ه) و عنه أخذ خلق كثير منهم ياقوت المستعصمي (ت 618 ه) الذي أصبح قدوة لكل من تأخر عنه.

و كان للمقارئ العثمانية الغاية التامة لتحسين الخط العربي أسست في الآستانة سنة 1326 ه مدرسة لتعليم الخط ثم في القاهرة و البلاد العربية الأخرى. و انبثق من الخط الكوفي الخط المغربي و ساد شمال إفريقية و يسمى أيضا (القيرواني) ثم ظهر الخط الأندلسي بعد تحسين و انتهى إلى عصرنا من الثلث و النسخ و الفارسي و الديواني و التعليق و أشهرها خط الرقعة.

و لم أعهد كتابة القرآن كاملا بالخطوط الأخرى سوى النسخ و إن كانت هناك أجزاء متفرقة بخطوط مختلفة. و كلام ابن خلدون أصدق كلام يمكن أن يقال في رسم الخط.

إذن، يجد الباحث المنصف أن القرآن الصوتي المتواتر قد كتب بأنواع من الخطوط المعبرة عن ذلك بالقرآن الصوتي من دون تصحيف أو تحريف. ففي عصرنا هذا مثلا يمكن كتابة القرآن (بالفونتيك) ليعبر بأحسن تعبير من الخط العربي لمن لا يحسن اللغة العربية، و الخط العربي نفسه يجب أن يراعى فيه أصول التنقيط اليوم. فإن نظرة فاحصة في ما كانت عليه المصاحف القديمة من رسم الخط من اختلاف شديد توضح ضرورة التحول من الرسم العثماني إلى ما هو أوفق بقواعد الإملاء العربي المدروسة في عصر الطباعة كي تتيسر قراءة القرآن الكريم للجيل المعاصر الذي هو الغاية لنزول القرآن.

ص: 168

التحريف و التصحيف

اشارة

لقد أكد اللّه تعالى على حفظ القرآن بقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] و الحفظ هنا بمعناه العام عن كل ما يمس القرآن من التغيير سواء التحريف أو التصحيف، و معناه- كما هو موضح في التفسير- أن أية محاولة للتغيير سوف تبوء بالفشل و تنكشف أهداف القائمين بذلك و يتميز الحق من الباطل و ليس معنى هذه الآية نفي محاولات مغرضة بدعوى التحريف و التصحيف (بل) إن القرآن الكريم سوف يبقى محفوظا من التلاعب سواءً في الصدور أو في أيدي المسلمين مهما حاول المرجفون لأن الحق يعلو و لا يعلى عليه. فإنه قد حصلت هذه المحاولات منذ عصر الرسالة و حتى اليوم.

التحريف لغة و اصطلاحا

قال ابن منظور في لسان العرب: «و تحريف الكلم عن موضعه تغييره، و التحريف في القرآن و الكلمة تغيير الحرف عن معناه و الكلمة عن مفادها. و هي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير معاني التوراة فوبخهم اللّه بفعلهم فقال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ.

(و عليه) التحريف في الحقيقة من صفات المعنى و إنما يتصف اللفظ به لتغير المعنى فإذا تغير اللفظ و لم يتغير المعنى كان هذا تصحيفا لا تحريفا، فالتحريف إذا في اللغة بمعنى تغيير اللفظ المستلزم لتغيير المعنى دون غيره و تشهد لذلك موارد الاستعمال في القرآن الكريم.

قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النساء: 46] أي يبدلون كلمات اللّه عن مواضعها.

و فسرها الطبري (ت 310 ه) بقوله: «أي تغيير اليهود حكم الزنا إلى الرجم بأربع جلدات». و عن تحريفهم التوراة بتحليلهم الحرام و تحريمهم الحلال. [راجع: مجمع البيان 2/ 55/ 194] و [تفسير الطبري 1/ 367].

و المراد من التحريف: التغيير عمدا فيما هو مكتوب سواءً كان اللفظ أو المعنى بكلمة واحدة أو أكثر.

ص: 169

و التصحيف: الخطأ سهوا في الكتابة فيما يتحمله المكتوب كتصحيف كلمة «تسعين» «بسبعين» و «سبعا» ب «شيئا» فالتحريف أعم من التصحيف كما يظهر من تأمل الموارد.

و المراد بالمصحف ما كتب في المصحف من القرآن المنزل على النبي المرسل. و إن هذا المكتوب لم يتغير عن خطه منذ عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى العصر الحاضر بالرغم من كثرة الروايات التي قد يتوهم منها الخلاف.

فالمصطلح عليه في عصرنا بالتحريف هو التغيير من حيث اللفظ فهو أعم من التصحيف و الحق ما ذكرناه.

قال شيخنا العلامة: «و تحرير هذا البحث على ما ذكره الشيخ المفيد (هو) أنه هل لهذا القرآن الذي هو كتاب الإسلام و هو الموجود بين هاتين الدفتين بقية أم ليست له بقية؟ فالنفي و الاثبات متوجهان إلى البقية التي غير هذا القرآن الموجود بين الدفتين و بتقرير آخر أنه هل أنزل وحي قرآني لم يكن محكما و لم يوجد بين الدفتين أو أنه نزل شي ء آخر غير ما بينهما هذا محل الخلاف إنزال وحي آخر و عدمه» [الذريعة 13/ 313 هامش .

و المتأمل يرى ان التغيير المتصور يكون بأحد الوجوه الأربعة، فقد يكون التغيير بالمعنى المراد عمدا و قد يكون التغيير باللفظ و قد يكون التغيير بالزيادة و قد يكون بالنقيصة و قد يكون بهما معا.

فهذه صور أربع تتلخص في طائفتين و لكل منها روايات آحاد و هما التحريف المعنوي و التحريف اللفظي، فلا بد من تحقيق المراد منهما:

التحريف المعنوي:

و يعنى به أن الآيات القرآنية الصريحة استخدمها المغرضون لتغيير معانيها المنزلة على الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بأن فسروها حسب مصالحهم الشخصية كما غيرت اليهود كتبهم المقدسة.

قال الإمام الباقر عليه السّلام (ت 114) في رسالته لسعد الخير: «و كان من نبذهم الكتاب أن اقاموا حروفه و حرّفوا حدوده فهم يروونه و لا يرعونه» [78/ 359] و [الكافي 8/ 53].

فإن التأمل في هذه الرواية يفيد أن إقامة الحروف تعني عدم التحريف اللفظي بل التحريف المعنوي حيث أن كلام الباقر عليه السّلام صريح بأن ولاة الجور حافظوا على النص بإقامة الحروف و لكنهم حرّفوا المعنى.

و روي في الصحيفة السجادية في دعاء يوم الأضحى ما نصه: «حتى عاد صفوتك

ص: 170

و خلفاءك مغلوبين مقهورين مبرزين يرون حكمك مبدلا و كتابك منبوذا و فرائضك محرّفة عن جهات أشراعك».

و يشهد بذلك التاريخ منذ تسلم الأمويين للحكم ثم العباسيين من تغيير مفاهيم نهت عنها الشريعة من ارتكاب الفجور و الخمور و الظلم. و الغريب ما قاله المحدث النوري: «إنّا لم نعثر على التحريف المعنوي الذي فعله الخلفاء الذين نسب إليهم ذلك التحريف في تلك الأخبار في آية أو أكثر و تفسيرهم لها بغير ما أراد اللّه تعالى منها» [فصل الخطاب 327].

فإن كل محاولة في تفسير القرآن بما لا يتحمله تحريف للمعنى و التاريخ يشهد على وقوع ذلك في كل صاحب رسالة و هدف في الحياة فإن المنافقين و المندسين يحاولون تحميل النص ما لا يتحمله عادة لمآرب شخصية و سياسية اللّه أعلم بها.

و بذلك وجه المحدث الفيض الكاشاني روايات التحريف بقوله: «إن مرادهم بالتحريف و التغيير و الحذف إنما هو من جهة المعنى دون اللفظ يعني حملوه على خلاف مراد اللّه». [الوافي 5/ 273].

و قال سيدنا الأستاذ دام ظله: «و لا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب اللّه. فإن كل من فسر القرآن بغير حقيقته و حمله على غير معناه فقد حرّفه. و نرى كثيرا من أهل البدع و المذاهب الفاسدة قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم و أهوائهم» [البيان 215].

التحريف اللفظي:

و نعني به تغيير اللفظ في النص القرآني بزيادة أو نقيصة أو معا سواء كان حرفا أو كلمة أو أكثر. و قد وردت بها روايات آحاد من الفريقين. فعن ابن عمر رضي اللّه عنه قال: «لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله و ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير و لكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر [نقله السيوطي في الإتقان 2/ 40].

قال الزرقاني: «ان الحجاج أسقط من القرآن آيات كثيرة كانت قد نزلت في بني أمية و زاد فيه ما لم يكن و كتب مصاحف و بعثها إلى مصر. و أما المصاحف الأخرى فقد جمعها و لم يبق منها شيئا و لا نسخة واحدة. [مناهل العرفان 257].

و اتهم الشيعة بالقول بالتحريف من غير فرق المسلمين، قال ابن حزم: دعوى الشيعة على التحريف ليست حجة لأن الشيعة غير مسلمين [الملل و النحل 2/ 78 و 4/ 182 الطبعة الأولى . و قال أبو المظفر الأسفراييني: «ان جميع من ذكرناهم من فرق الإمامية متفقون

ص: 171

على تكفير الصحابة و يدّعون أن القرآن قد غير عما كان و وقع فيه الزيادة و النقصان من قبل الصحابة و يزعمون أنه قد كان فيه نص على إمامة علي فأسقطه الصحابة منه و يزعمون أنه لا اعتماد على القرآن الآن». [التبصير في الدين 34].

و على النقيض الشيعة يتبرءون من هذا الاتهام.

قال الصدوق (ت 381 ه: من نسب إلينا نحن الشيعة القول بنقص القرآن فقد كذب لأننا لا نقول بذلك قط» [رسالة الاعتقادات ص 1].

و عن الشريف المرتضى (ت 433 ه) أنه كان يكفّر من زعم أن القرآن بدّل أو زيد فيه أو نقص عنه، و كذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي و أبو يعلى الطوسي نقل ذلك ابن حجر العسقلاني [لسان الميزان 4/ 223].

قال الطبرسي (548 ه): «و أما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهبنا خلافه» [مجمع البيان 1/ 15].

و كذّبه الآلوسي (ت 1270 ه) في تفسيره قائلا: «نسبة ذلك إلى قوم من حشوية العامة الذين يعنى بهم أهل السنة و الجماعة فهو كذب أو سوء فهم، لأنهم أجمعوا على عدم وقوع النقص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم، نعم أسقط زمن الصدّيق ما لم يتواتر و ما نسخت تلاوته، و كان يقرأه من لم يبلغه النسخ، و ما لم يكن في العرضة الأخيرة، و لم يأل جهدا رضي اللّه تعالى عنه في تحقيق ذلك، إلا أنه لم ينتشر نوره في الآفاق إلا زمن ذي النورين» [تفسير الآلوسي 1/ 45].

أقول: و غريب تكذيبه فإن ما ذكره من الإجماع على عدم وقوع النص فيما تواتر قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم حاصل من جميع المسلمين سنة و شيعة بلا خلاف و إنما الكلام فيما لم يتواتر قرآنا فيما روي بروايات آحاد من الفريقين سنة و شيعة.

و نظرة فاحصة إلى موارد التحريف المدّعاة في القرآن الكريم توقفنا على أن القول بالتحريف يستند إلى روايات آحاد رويت في كتب الحديث من السنة و الشيعة معا و يجب دراستها بروح موضوعية، و قد فصلت ذلك في رسالة نفي التحريف و التصحيف. و تحليلها يوقفنا على أنها جميعها أخبار آحاد لا يمكن أن تعارض النص القرآني المتواتر فهي إما مختلقة أو ضعيفة مردودة.

ص: 172

فالروايات التي أوردها المحدث النوري و غيره من المحدثين السنة و الشيعة لا تخلو من وجوه خمسة:

1- التحريف المعنوي بمعنى تطبيق الحكم القرآني.

2- التفسير المقحم في النص مع وضوح أنه ليس من النص لتواتر النص القرآني، و هذا يشبه بالشرح الممزوج بالمتن.

3- التنزيل، أعني أسباب النزول فهي بيان أسباب النزول و ذكرت خلال الآيات.

4- التأويل، أي تفسير النص القرآني بما لا يكون ظاهرا باللفظ بل من بطون المعنى.

5- القراءة، و هي ما يتحمله النص القرآني شأن القراءات السبع المشهورة كملك و مالك.

و إن ورد شي ء ما عدا هذه الوجوه الخمسة فلا بد و أن يطرح لأنها أخبار آحاد.

موارد التحريف:

اشارة

و هي آيات و سور مدّعاة.

أولا: الآيات المدعاة
1- الآيات الشيطانية

و هي الآيات المدعاة: «تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى رواها السيوطي (ت 911 ه) قال: «أخرج عبد بن حميد من طريق السدي عن أبي صالح قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال المشركون، إن ذكر آلهتنا بخير ذكرنا إلهه بخير، فألقي في أمنيته أ فرأيتم اللات و العزّى و منات الثالثة الأخرى انهن لفي الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى. قال:

فانزل اللّه: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: 25] الآية.

فقال ابن عباس أن أمنيته أن يسلم قومه. و أخرج البزار و الطبراني و ابن مردويه و الضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ: أ فرأيتم اللات و العزى و منات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى. ففرح المشركون بذلك و قالوا: قد ذكر آلهتنا. فجاء جبريل فقال: أقرأ عليّ ما جئتك به. فقرأ: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: 19، 20] تلك الغرانيق

ص: 173

العلى و ان شفاعتهن لترتجى فقال: ما أتيتك بهذا هذا من الشيطان. فانزل اللّه: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا إلى آخر الآية.

و أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة النجم فلما بلغ هذا الموضع: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى». قالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد و سجدوا ثم جاءه جبريل بعد ذلك قال: اعرض عليّ ما جئتك به، فلما بلغ تلك الغرانيق العلى و ان شفاعتهن لترتجى قال له جبريل: لم آتك بهذا، هذا من الشيطان. فأنزل اللّه: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ الآية.

و أخرج ابن جرير و ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينما هو يصلي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب فجعل يتلوها فسمعه المشركون فقالوا: «إنّا نسمعه يذكر آلهتنا بخير، فدنوا منه فبينما هو يتلوها و هو يقول أ فرأيتم اللات و العزى و منات الثالثة الأخرى، القى الشيطان أن تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فعلق يتلوها فنزل جبريل فنسخها». [يراجع ابن هشام الكلبي (ت 187 ه) في كتابه الأصنام ص 19].

و تفسير الطبري 17/ 119. و الدر المنثور للسيوطي 4/ 366- 368].

و تعتبر هذه أولى المحاولات في تحريف القرآن حيث كان- حسب الرواية المذكورة- في مكة قبل الهجرة و نظر المسلمون المفسرون إليها نظرة الدعاية المضادة من أعداء الإسلام للنيل من كرامة القرآن بما تيسر لهم من الوسائل المتاحة آنذاك و حتى اليوم.

و في عام 1957 م صدرت ترجمة فرنسية من بلاشير الفرنسي رأى المترجم أن يقحم في ترجمته للقرآن الآيات الشيطانية المزعومة مع أن عملا كهذا يعتبر خرقا لأبسط قواعد التحقيق العلمي حيث اقحم في المصحف الإمام المتواتر ما ليس فيه و لا في غيره من مصاحف الصحابة المختلفة فإن الآيات المزعومة ذكرها المفسرون في التفسير و المفروض من المترجم أن يترجم النص المتواتر من مصحف الإمام لا التفاسير، و كان له أن يعبر عن رأيه في التعليق ما شاء و أما أن يقحم رواية شاذة في النص القرآني المتواتر فهذا ما لا تسمح به قواعد التحقيق لما بينهما من التفاوت في الشذوذ و الآحاد و التواتر. [راجع:. naroC EL620. P، 1957، SiraP، ErEhcalB SigER raP] و استخدم الكاتب القصصي سلمان رشدي عام 1988 م/ 1409 ه فقرة الآيات الشيطانية عنوانا لرواية مشينة بشخصية الرسول و زوجاته الطاهرات و أحدث ذلك ضجة سياسية عالمية وقف إزاءها الإمام روح اللّه الخميني موقفا

ص: 174

مماثلا، و أصدر فتوى بقتله باعتباره مرتدا عن الإسلام و أصبحت المسألة قضية دولية تعدّت حدود النقاش العلمي.

و العلماء المسلمون ناقشوا المسألة من ناحية السند للرواية و لم ترد هذه الرواية عن طريق أهل البيت عليهم السّلام قط و من رواه فهو من غير طريقهم و صرح جمع بالطعن في السند و أنها غير ثابتة عندهم.

فعن أبي بكر البيهقي أن هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل و أن رواتها مطعونون و أن الحديث روي من طرق كثيرة و ليس فيها البتة حديث الغرانيق.

و قال الرازي: «هذه رواية عامة المفسرين الظاهريين أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة و احتجوا عليه بالقرآن و السنة و المعقول» [التفسير الكبير 23/ 50].

و قال القاضي عياض: «هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة و لا رواة ثقة بسند سليم متصل و إنما أولع به و بمثله المفسرون و المؤرخون المولعون بكل غريب المتلفقون من العيب الصحيح و السقيم ..» [الشفا 117].

و التأمل في هذه الروايات يفيد أن المفسرين خلطوا بين اثنتين من الآيات هما آية الأمنية [الحج: 17] و الغرانيق [النجم: 23] فقد استقصى الرازي في تفسيره [التفسير الكبير 50/ 54] وجوه الاحتجاج بالقرآن و السنة و العقول و إني أرى الأوفق مطالعة السورتين لبيان الحقيقة و أن الزيادة المذكورة لا ترتبط بالسياق القرآني اطلاقا فمن المحتم أن من لم تعجبه رسالة القرآن أراد الدس فيه متذرعا بالقافية و السجع و ظنها كفاية في تحقيق مراده (أما) آية الأمنية فهي في سورة الحج: 52. فقد قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ و مفادها أن الأنبياء و الرسل لهم أمنية و أن للشيطان في مقابل ذلك أيضا موقف عدائي تجاه هذه الأمنيات و أن اللّه يحكم آياته. و من الطبيعي أن أمنية الأنبياء و الرسل ليست سوى نجاح رسالتهم و دور الشيطان ليس سوى التحريف و التشويه لهذه الرسالة، فمفاد هذه الآية عصمة الرسل و الأنبياء في أداء رسالتهم لأن اللّه يحبط خطط الشياطين و لا ربط لهذه السورة بقصة الغرانيق اطلاقا.

أما الغرانيق فهو جمع الغرنوق. و الغرنوق: جاء باللغة العربية بمعنى الناعم المنتشر من النبات و الأبيض و الشاب الناعم الجميل و الطائر الأبيض و الطائر الأسود من طير الماء طويل العنق.

ص: 175

و في الحديث كما قال ابن منظور: «تلك الغرانيق العلى هي الأصنام و هي في الأصل الذكور من طير الماء [يراجع: لسان العرب مادة: الغرنوق .

و السياق القرآني يأبى روايات الغرانيق في سورة النجم فإن السورة تبتدئ بالقسم بالنجم و هو الكوكب السماوي الذي يشاهده كل إنسان بصير، على نفي الضلالة و الغواية عن النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنه ما ينطق عن الهوى و إنما هو وحي يوحى. و بعد هذه المقدمة القصيرة تتناول سورة النجم موضوع عبادة الأصنام و تستدل على عبدة الأصنام استدلالا يفهمه كل ذي بصيرة كما يشاهد النجم في السماء كل ذي بصر. و يؤكد على أن الإنسان في حياته يجب أن يكون عادلا في قراراته. و يخص بالذكر ثلاثة أصنام كانت العرب يعبدونها من دون اللّه و هي: (اللات) لأهل مكة و (العزى) لأهل الطائف و (منات) لبني كعب، باعتبارها أصنام رئيسية لعرب الجاهلية. ثم ان القرآن يبطل حجتهم على عبادة هذه الأصنام بأنها آلهة بما يفهمونه من مقاييس في حياتهم الخاصة، و العرب كانت تنظر إلى البنات نظرة احتقار و كره مما دعاهم إلى دفنهن أحياء مخافة العار- حسب زعمهم- إذن، على هذا المنطق، القرآن يحاججهم: كيف يجعلون الآلهة الأصنام على شكل أنثوي؟ و لما ذا يفضلون الذكران لأنفسهم و الإناث للّه؟ فإن هذا النوع من الازدواجية في المنطق ليست عادلة، انها كما قال القرآن (قسمة ضيزى) أي قسمة جائرة.

و مع هذا السياق القرآني الواضح في ذم الأصنام- كما هو وارد في آيات أخرى من القرآن الكريم- كيف يمكن اقحام جملة أخرى تنافي هذا المدلول؟ و كيف توصف الآلهة بالغرانيق و الغرنوق بالضم هو الشاب الناعم و الوسيم من الذكور؟ و كيف توصف هذه الآلهة بالذكورة و الأنوثة مع أنها تختلف في المفهوم ..؟ و كيف يمكن المدح و الذم في آن واحد؟

فكان الأولى أن يقال أولئك الغرانيق بدل تلك الغرانيق و ان شفاعتهم لترتجى بدل شفاعتهن (و بالجملة) من انصف في قراءة النص القرآني يجد أن هاتين الجملتين من الزيادات و من وضع هذه الزيادة ليلصقها بالقرآن ظن أن السجع يكفي لجعلها آية من القرآن مع أن وحدة الموضوع تأبى ذلك قطعا.

2- تحريف ابن أبي سرح

آية: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون: 14] جاء في حياة عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح الأموي في المدينة أنه كتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما قال الواقدي بما لفظه: «أول من كتب من قريش عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح

ص: 176

ثم ارتد و رجع إلى مكة فنزل فيه»: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ [الأنعام: 93].

قال ابن الأثير (ت 630 ه): «عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب بن حذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي العامري، قريش الظواهر، و ليس من قريش البطاح، يكنى أبا يحيى، و هو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة أرضعت أمه عثمان و مالك بن سالم بن عرب و أسلم قبل الفتح، و هاجر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و كان يكتب الوحي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم ارتد مشركا، و صار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أصرف محمدا حيث أريد، و كان يملي علي: «عزيز حكيم» فأقول: «أو عليكم حكيم»؟

فيقول: «نعم، كل صواب».

فلما كان يوم الفتح أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتله و قتل عبد اللّه بن خطل و مقيس بن صبابة و لو وجدوا تحت أستار الكعبة. ففر عبد اللّه بن سعد إلى عثمان بن عفان، فغيّبه عثمان حتى أتى به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ما اطمأن أهل مكة، فاستأمنه له، فصمت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طويلا، ثم قال: نعم. فلما انصرف عثمان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمن حوله: ما صمتّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إليّ يا رسول اللّه؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين» [أسد الغابة 2/ 259].

و جاء في تفسير قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [الأنعام: 93]. عن الصادقين قال: «نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر و هو ممن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد هدر دمه يوم فتح مكة و كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإذا أنزل اللّه: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 10] كتب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 28] فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: دعها و كان ابن أبي سرح يقول للمنافقين اني لأقول من نفسي مثل ما يجي ء به فما يغير علي. فأنزل اللّه: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الأنعام: 21] إلى آخر الآية» [الوافي 1/ باب تفسير الآيات .

قال البيضاوي (ت 691 ه) في تفسيره ما لفظه: «كان عبد اللّه بن مسعود بن أبي سرح يكتب وحي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المدينة، فلما نزلت الآيات: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون: 12- 14]. فلما بلغ قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال عبد اللّه: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال له محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اكتبها فكذلك نزلت» فشك عبد اللّه و قال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي

ص: 177

إليّ كما أوحي إليه، و إن كان كاذبا لقد قلت كما قال. فنزلت الآية وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ [الأنعام: 93] [أنوار التنزيل 1/ 300].

و هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار لأنها تناقض تاريخ نزول الآيات المذكورة فيها فإن الآيات المحتوية لخلق الإنسان من سورة المؤمنين الآيات 12- 13 آيات مكية و ليست مدنية و عبد اللّه بن أبي سرح كان كاتب النبي في المدينة لا في مكة و أن الآية 93 من سورة الأنعام نزلت في المدينة و انطباقها عليه ممكن دون الآيات المكية فلا تصح دعوى التحريف في هذه الآية.

و موقف النبي تجاه عبد اللّه هذا كان من أشد المواقف حيث أحلّ دمه و لو كان متعلقا بأستار الكعبة كما أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أظهر عدم رضاه لاستئمانه و حاشا لنبي الرحمة أن يأخذه الغضب لنفسه فيظهر أن عبد اللّه هذا كان من المتسللين إلى صف الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المسلمين لتشويه الدعوة من الداخل و حاول تشويه الوحي بالدعاية و التهريج و من هنا هرب من المدينة لما انكشف أمره للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا الموقف الصارم تجاهه. و هو الوحيد الذي ادعى بقوله: «كنت أصرف محمدا حيث أريد» بخيانته في الإملاء- إن صدق- و لم يعهد من أحد من الصحابة ادعاء الخطأ في الإملاء أو الخيانة في النص القرآني. فهو عدو لا يمكن أن يصدّق في دعواه منفردا في النقل و لم يدّعه أحد سواه.

3- آية الرضاعة

روى مسلم النيسابوري (ت 261 ه) في كتاب الرضاع من صحيحه قال ما لفظه:

«حدّثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد اللّه بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن: «عشر رضعات معلومات يحرّمن» ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هنّ فيما يقرأ من القرآن. [صحيح مسلم 4/ 167]. فإن مادة الرضاعة ذكرت 11 مرة في القرآن و ليس الموردان منها.

و جاء في الهامش ما لفظه قال الزيلعي: «و لا حجة له في خمس رضعات أيضا لأن عائشة أحالتها على أنه قرآن و قالت: «و لقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها و قد ثبت أنه ليس من القرآن لعدم التواتر و لا تحلّ القراءة به و لا اثباته في المصحف و لا يجوز التقيد به لا عنده لعدم تواتره و لا عندنا لأنا إنما نجوز التقييد بالمشهور من القراءة و لم يشتهر و لأنه لو كان قرآنا لكان متلوّا اليوم إذ لا نسخ بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».

ص: 178

يراجع:

1- أبو داود 1/ 279 من كتاب النكاح.

2- النسائي 2/ 82 من كتاب النكاح.

3- ابن ماجة 1/ 626 من كتاب النكاح.

4- و الدارمي 1/ 157 من كتاب النكاح.

5- الموطأ 2/ 118 من كتاب النكاح.

و في رواية ابن ماجة: «قالت: نزلت آية الرجم و الرضاعة، الكبير عشرا و لقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها» [صحيح ابن ماجة 1/ 626].

و انفردت السيدة عائشة (رض) بهذه الرواية- إن صحت عنها- و لم يشاركها غيرها من الصحابة فلو كانت هذه الآية فيما تقرأ من القرآن عند عامة المسلمين لظهرت في مصاحفهم و رواياتهم و لم تنحصر بصحيفة واحدة تأكلها داجن و ربما كانت هذه الجملة في صحيفة لها خاصة تفسيرا للقرآن كانت تقرأها هي خاصة و أصبحت طعمة لهذا الحادث الطارئ و لكن صراحة الرواية تأبى ذلك فلا بد و أن تكون من التفسير أو تطرح لكونها آحادا.

و قد عدها السيوطي في أقسام المنسوخ تلاوة و حكما معا. و هذا غريب جدا و لأجل ذلك قال مكي هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو و الناسخ أيضا غير متلو و لا أعلم له نظيرا [راجع الاتقان 2/ 23 طبعة القاهرة 1370 ه].

4- آية الرجم

«الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» رواها البخاري في كتاب «حدود المحاربين» [ج 8/ 209- 210] عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في حديث طويل منه قوله: «فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها و وعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته و من خشي أن لا يعقلها فلا أحد لأحد أن يكذب علي إن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحق و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل اللّه آية الرجم فقرأناها و عقلناها و وعيناها رجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل و اللّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّه فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللّه و الرجم في

ص: 179

كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم- أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ...».

و روى ابن ماجة: «الشيخ و الشيخة إذا زنيا فأوجعوهما البتة» [سنن ابن ماجة من كتاب الحدود 2/ 853]. و كذلك في الموطأ ابن مالك 3/ 42 كتاب الحدود.

يراجع:

1- صحيح مسلم 5/ 116.

2- مسند أبي داود 2/ 456.

3- الترمذي 4/ 38.

و من روايات أهل البيت عليهم السّلام في المورد المذكور عن سعد الأشعري أن الصادق عليه السّلام قرأ: «الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة فإنهما قد قضيا الشهوة».

و الصدوق في الفقيه قال: روى هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في القرآن رجم؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: الشيخ و الشيخة فارجمهما البتة فإنهما قضيا الشهوة.

و جاء في سيرة ابن هشام: خطب عمر بن الخطاب في المدينة قائلا: أما بعد، فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها و لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها و وعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته و من خشي أن لا يعيها فلا يملئ أحدا أن يكذب علي: ان اللّه بعث محمدا و أنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها و علمناها و وعيناها و رجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: و اللّه ما نجد الرجم في كتاب اللّه فيضلّوا بترك فريضة أنزلها اللّه و ان الرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء و إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.

ثم إنّا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم» [سيرة ابن هشام 4/ 208].

و نقل السيوطي (ت 911 ه) عن البرهان من قول عمر: «لو لا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب اللّه لكتبتها» يعني آية الرجم. ظاهر كلامه رضي اللّه عنه أن كتابتها جائزة و إنما منعه قول الناس و الجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن

ص: 180

هذا شأن المكتوب و قد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر و لم يعرج على مقالة الناس لأن مقالة الناس لا تصلح مانعا [الاتقان 2/ 26].

و أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر و كتبه زيد ... و ان عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده». [الاتقان 1/ 101].

و هذه الرواية تفيد حقيقة أخرى و هي أن القرآن كان مجموعا مؤلفا مشهورا قبل ذلك بحيث أن رجلا في قمة السياسة و الزعامة كعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خشي أن الناس يعاتبونه على الزيادة في القرآن و هذا مما يؤكد على أن القرآن الكريم كان كاملا مكتوبا لا يمكن أن يكون موردا للزيادة.

و من الطريف ما قاله السيوطي في هذا الصدد حيث قال: «و حضر لي في ذلك نكتة حسنة و هو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها و كتابتها في المصحف و إن كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام و أغلظ الحدود» [الاتقان 2/ 26]. فيا سبحان اللّه!! هل التخفيف في رفع الحكم أم في رفع الآية من القرآن مع بقاء الحكم؟ ثم التخفيف لحساب من إذا كانت المصلحة العامة تقتضي هذه الشدة؟ كما هي في أحكام الجنايات و الحدود و العقوبات لجريمة أخلاقية هي من أعظم الخيانات في المجتمع.

و يظهر أن التباسا قد حصل في آية الرجم بين القرآن و الحديث فهي من الأحاديث النبوية وردت بها السنة الشريفة بطرق عديدة و ليست من النص القرآني.

و لذلك تشهد الروايات المستفيضة و يشهد على أن الرجم لم يرد حكمه في القرآن و إنما ورد في السنة النبوية ما رواه البخاري و جماعة أن عليا جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة قال: «أجلدها بكتاب اللّه و أرجمها بسنة رسوله». فهي صريحة بأن الحكم كان ثابتا في السنة فقط و لم يكن من النص القرآني.

5- آية وادي الذهب

«لو كان لابن آدم و اديان من مال لابتغى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» روى مسلم النيسابوري (ت 261 ه) في صحيحه: «حدّثني سويد بن سعيد حدّثنا علي بن مسهر عن داود عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال: انتم خيار أهل البصرة و قراؤهم فاتلوه و لا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم و إنّا

ص: 181

كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول و الشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب». و كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة». [صحيح مسلم 3/ 100].

و روى الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك القراءة فقرأ: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين» لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيته و إن سأل ثانيا فأعطيته و سأل ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب اللّه على من تاب و إن ذات الدين عند اللّه الحنيفية غير اليهودية و لا النصرانية و من يعمل خيرا فلن يكفره».

و ذكرها النوري بعنوان (سورة الحفظ) و قال: لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب [فصل الخطاب 149].

أقول: لم يذكر أحد هذه الجملة بعنوان سورة الحفظ سواه، و أظنه قد التبس عليه الأمر مع سورة الحفد الآتية و دعوى هذه الفقرة من القرآن غريب حقا إذ كيف تخفى على جمهور المسلمين سورة تكون من الطول كسورة براءة التي تبلغ عدد آياتها في المعروف اليوم 129 آية؟!! و كيف لم يحفظها غير أبي موسى الأشعري من الصحابة على كثرتهم و اهتمامهم؟ و كيف لم يحفظ أبو موسى الأشعري نفسه في هذه السورة الكبيرة سوى هذه الفقرة؟

و التأمل فيها يقتضي أنها ليست سوى حديث من أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيكون من التفسير بالمأثور و التبس عليه الأمر بين القرآن و الحديث. و قد رويت كذلك عن طريق أهل البيت. قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى وراءهما ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و اللّه يتوب على من تاب» [راجع مجموعة ورام 1/ 163].

و لعل لهذا السبب كان الشك المنسوب إلى ابن عباس كما رواه مسلم عن ابن جريح قال: سمعت عطاء يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «لو أن لابن آدم مل ء واد مالا لأحب أن يكون إليه مثله و لا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب و اللّه يتوب على من تاب. قال ابن عباس فلا أدري أ من القرآن هو أم لا؟ و في رواية زهير قال فلا أدري أ من القرآن لم يذكر ابن عباس [صحيح مسلم 3/ 100].

ص: 182

6- آية الفراش «الولد للفراش و للعاهر الحجر»

قال السيوطي (ت 911 ه): و أخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق عدي بن عدي بن عمرة بن قزوة عن أبيه عن جده عمير بن قزوة أن عمر بن الخطاب قال لأبي: «أو ليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه أن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم» فقال: بلى. ثم قال: أو ليس كنا نقرأ: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» فيما فقدنا من كتاب اللّه؟ فقال أبي: بلى.

و أخرج أبو عبيد و ابن الضريس و ابن الأنباري عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف أ لم نجد فيما أنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة» فإنا لا نجدها. قال: أسقطت فيما اسقط من القرآن. [الدر المنثور 1/ 106].

و التأمل في هذه الرواية يكشف أن الرواة قد حصل لهم خطل بين القرآن و الحديث فإن حديث الفراش حديث متواتر على ما هو موضح في الفقه و مجرد سماعه عن النبي لا يجعله قرآنا إذ أن كل الأحاديث تنتهي إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الفرق الأساسي أن الأحاديث ليست كلها متواترة مع أن القرآن الكريم متواتر فلا بد من طرح هذه الروايات لكونها من الآحاد التي لا تعارض القرآن المتواتر.

و قال السيوطي ضمن ما نسخ من تلاوته دون حكمه: «ان أمثلة هذا الضرب كثيرة.

عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله و ما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير و لكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر.

عن عائشة قالت: «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن». ثم ذكر روايات و هي بحذف الإسناد كالآتي:

1- عن ذر بن حبيش قال لي أبيّ بن كعب كيف تعد سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين و سبعين آية أو ثلاثة و سبعين آية قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة و إن كنا لنقرأ فيها آية الرجم قلت و ما آية الرجم؟ قال: «إذا زنا الشيخ و الشيخة فارجمهما البتة نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم».

2- عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالت لقد أقرأنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آية الرجم «الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة».

3- عن حميدة بنت أبي يونس قالت: قرأ علي أبي و هو ابن ثمانين سنة في مصحف

ص: 183

عائشة: (إن اللّه و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما و على الذين يصلّون الصفوف الأول) قالت قبل أن يغير عثمان المصاحف.

4- عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أوحي إليه أتيناه فعلمنا مما أوحي إليه. قال: فجئت ذات يوم فقال: إن اللّه يقول: «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة و إيتاء الزكاة و لو أن لابن آدم واديا لأحب أن يكون إليه الثاني و لو كان إليه الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب اللّه على من تاب».

5- عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ان اللّه أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين و من بقيتها لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا و إن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب اللّه على من تاب و إن ذات الدين عند اللّه الحنفية غير اليهودية و لا النصرانية و من يعمل خيرا فلن يكفره».

6- عن أبي موسى الأشعري قال: نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت و حفظ منها: «إن اللّه سيؤيد هذا الدين باقوام لا خلاق لهم و لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب اللّه على من تاب».

7- عن أبي موسى الأشعري قال: كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيناها غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة».

8- عن عدي بن عدي قال: قال عمر: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم». ثم قال لزيد بن ثابت أ كذلك؟ قال: نعم.

9- عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أ لم تجد فيما أنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة» فإنا لا نجدها. قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن.

10- عن أبي سفيان الكلاعي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف فلم يخبروه و عندهم أبو الكنود سعد بن مالك. فقال ابن مسلمة: «ان الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم و أنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون و الذين آووهم و نصروهم و جادلوا عنهم القوم الذين غضب اللّه

ص: 184

عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون». [الاتقان 2/ 26 و راجع الدر المنثور 1/ 105 و 106].

و في محاولة لتوجيه هذه الروايات المتضاربة قام العلماء بتصنيفها في الناسخ و المنسوخ. و أقدم و أوفى من صنفها كذلك هو هبة اللّه بن سلامة (ت 410 ه) في رسالة مفردة قال ما لفظه: «و المنسوخ في كتاب اللّه عزّ و جلّ على ثلاثة أضرب، فمنه ما نسخ خطه و حكمه، و منه ما نسخ خطه و بقي حكمه و منه ما نسخ حكمة و بقي خطه.

فأما ما نسخ حكمه و خطه فمثل ما روي عن أنس بن مالك رضى اللّه عنه أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سورة تعدلها سورة التوبة ما أحفظ منها غير آية واحدة «و لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا و لو أن له ثالثا لابتغى إليها رابعا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب و يتوب اللّه على من تاب. و روى عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه أنه قال أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آية فحفظتها و كتبتها في مصحفي فلما كان الليل رجعت إلى مضجعي فلم ارجع منها بشي ء و غدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء فأخبرت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال لي:

يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة.

و أما ما نسخ خطه و بقي حكمه فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال:

لو لا أكره أن يقول الناس قد زاد في القرآن ما ليس فيه لكتبت آية الرجم و أثبتها فو اللّه لقد قرأناها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا ترغبوا عن آبائكم فإن ذلك كفر بكم، الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم» فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.

و أما ما نسخ حكمه و بقي خطه فهو في ثلاث و ستين سورة مثل الصلاة إلى بيت المقدس و الصيام الأول و الصفح عن المشركين و الإعراض عن الجاهلين، قال أبو القاسم فأول ما نبدأ به من ذلك تسمية السور التي لم يدخلها ناسخ و لا منسوخ و هي ثلاث و أربعون سورة و اللّه أعلم [الناسخ و المنسوخ لابن سلامة هامش أسباب النزول للواحدي ط 6].

نسخ التلاوة

و استعرض سيدنا الأستاذ دام ظله روايات النسخ هذه ثم اعقبها بقوله: «و غير خفي أن القول بنسخ التلاوة هو القول بالتحريف و الاسقاط و بيان ذلك: أن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إما أن يكون ممن تصدّى للزعامة من بعده، فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو أمر يحتاج إلى الاثبات و قد اتفق العلماء

ص: 185

اجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد و قد صرح بذلك جماعة في كتب الأصول و غيرها [الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي ج 3 ص 106 طبعة المطبعة الرحمانية بمصر].

بل قطع الشافعي و أكثر أصحابه، و أكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، و إليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل أن جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه [الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج 3 ص 217].

و على ذلك فكيف تصح نسبة النسخ إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإخبار هؤلاء الرواة؟ مع أن نسبة النسخ إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تنافي جملة من الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده. و إن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو عين القول بالتحريف.

و على ذلك فيمكن أن يدّعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة. لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة سواء أنسخ الحكم أم لم ينسخ، بل تردد الأصوليون منهم في جواز تلاوة الجنب ما نسخت تلاوته، و في جواز أن يمسه المحدث. و اختار بعضهم عدم الجواز. نعم ذهبت طائفة من المعتزلة إلى عدم جواز نسخ التلاوة [الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج 3 ص 201- 203]. [يراجع: البيان في تفسير القرآن للخوئي. و لمزيد البحث تراجع مادة النسخ في المعجم .

[ثانيا] السور المدّعاة:
اشارة

أولا: سورة مجهولة تقدمت رواية صحيح مسلم في الصحيح قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن. فقال: أنتم خيار أهل البصرة و قرّاؤهم فاتلوه و لا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم و إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبّهها في الطول و الشدّة ببراءة فأنسيتها غير أنّي قد حفظت منها: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب».

و كنّا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة» [صحيح مسلم 3/ 100].

قال الجلالي: «يكفي في بطلان هذه الدعوى جهالة المدّعى فكيف تنسى سورة كاملة كالبراءة؟ أو سورة مشبهة بإحدى المسبحات؟ مع أن المسبحات مختلفة في الطول و القصر؟

ص: 186

ثم كيف لم ينس منها هاتين الآيتين المزعومتين؟ و لما ذا لم يذكرها غيره من المسلمين؟ كلها أسئلة تبقى بلا جواب مما يكشف أن أصل المدعى مختلق.

و السور المدّعاة المسمية أربعة: الخلع و الحفد و الولاية و النورين.

1- سورة الخلع

و نص سورة الخلع «اللهم إنا نستعينك و نستغفرك و نثني عليك و لا نكفرك و نخلع و نترك من يفجرك». [الاتقان 1/ 65].

و نقل السيوطي عن الحسين بن المنادي في كتابه «الناسخ و المنسوخ» و مما رفع رسمه من القرآن و لم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر و تسمى سورتي الخلع و الحفد (تنبيه) حكى القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار هذا الضرب لأن الأخبار فيه أخبار آحاد و لا يجوز القطع على إنزال قرآن و نسخه بإخبار آحاد لا حجة فيها. [الاتقان 2/ 26].

أقول: «غريب كلام ابن المنادي حيث إن النسخ إن وقع- كما هو المفروض- فلما ذا المحافظة عليها بالقلب. فإن الإيمان بالنسخ يستلزم نسخه من القلوب أيضا.

و قد انتقد البلاغي (ت 1352 ه) السورة هذه من حيث القواعد العربية و قال: «كيف يصح قوله: «يفجر» و كيف تتعدى كلمة «يفجر»؟ و أيضا الخلع يناسب الأوثان إذن فما ذا يكون المعنى و بما ذا يرتفع الغلط؟» [آلاء الرحمن في تفسير القرآن 24].

2- سورة الحفد

و نصها: «اللهم إياك نعبد و لك نصلي و نسجد و إليك نسعى و نحفد نرجو رحمتك و نخشى عذابك الجد ان عذابك بالكفار ملحق» [الاتقان 1/ 65].

و انتقد البلاغي (ت 1352 ه) ذلك بقوله: «ما معنى الجد هنا أ هو العظمة أ هو الغنى أو ضد الهزل أو هو حاجة السجع؟ نعم في رواية عبيد «نخشى نقمتك» و في رواية عبد اللّه «نخشى عذابك» و ما هي النكتة في التعبير بقوله (ملحق)؟ و ما هو وجه المناسبة و صحة التعليل لخوف المؤمن من عذاب اللّه بأن عذاب اللّه بالكافرين ملحق؟ بل أن هذه العبارة تناسب التقليل بها لأن لا يخاف المؤمن من عذاب اللّه لأن عذابه بالكافرين ملحق» [آلاء الرحمن في تفسير القرآن 24].

و نقل الزركشي (ت 797 ه) عن أحمد بن جعفر المنادي (ت 334 ه) قوله: لا خلاف بين الماضين و الغابرين انهما- سورتا الحفد و الخلع- مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى

ص: 187

أبي بن كعب و أنه ذكر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه اقرأه إياهما و تسمى سورتا الخلع و الحفد» [البرهان 2/ 37].

و قال السيوطي (911 ه) في عد سور القرآن: «و في مصحف أبيّ مائة و ستة عشر لأنه كتب في آخره سورتي الحفد و الخلع» و أخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال: كتب أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب و المعوذتين و اللهم إنا نستعينك، و اللهم إياك نعبد، و تركهن ابن مسعود و كتب عثمان منهن فاتحة الكتاب و المعوذتين».

و قال أيضا: «أخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال: آمن امية بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين».

هذا، و نقل السيوطي أيضا روايات أن عمر بن الخطاب و أبيّ بن كعب كانا يقنتان بهما في الصلاة. و أن الطبراني أخرجه من الدعاء المروي عن علي عليه السّلام. [الاتقان 1/ 35 سنة 1370 ه].

و أحسن توجيه لهذه الروايات أن يقال بأنها ادعية خاصة للقنوت لذلك أخرجها الطبراني في باب القنوت و لم يخرجها في باب القرآن و قد اختلط الأمر على الرواة.

و الملاحظ أن هذه السلسلة من الأسئلة التي ذكرها البلاغي كلها تفند أصالة هذه القطعة المدّعاة بكونها من القرآن لأن الملاحظ فيها هي السجع الغير المناسب و قد يكون من الدعاء و قد اختلط هذا على الرواة و ظنها البعض بأنها سورة مستقلة كما هي الحال فيما تقدم في سورة الخلع فهذه التسميات ليست من القرآن في شي ء ظاهرا و اللّه العالم.

3- سورة الولاية

جاء في مختصر التحفة الاثني عشرية لشاه عبد العزيز بن غلام حكيم الدهلوي [تهذيب محمود شكري الآلوسي ص 31] ناسبا إلى الشيعة، سورة تسمّى «سورة الولاية» و قال: «و يزعمون أنها سورة طويلة قد ذكر فيها فضائل أهل البيت». و نصها: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي و بالولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم، نبيّ و ولي بعضهما من بعض و أنا العليم الخبير، ان الذين يوفون بعهد اللّه لهم جنات النعيم، و الذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذّبين، ان لهم في جهنم مقاما عظيما إذا نودي لهم يوم القيامة أين الظالمون المكذبون للمرسلين، ما خلقهم المرسلين إلا بالحق و ما كان اللّه ليظهرهم إلى أجل قريب، و سبح بحمد ربك و عليّ من الشاهدين.

[مختصر التحفة الاثني عشرية لشاه عبد العزيز الدهلوي ص 31].

ص: 188

أقول: «و آثار الوضع في هذه ظاهرة فإن المفروض أن السورة للولاية و الولاية في مفهومها الشيعي تختلف عن النبوة مفهوما و مصداقا فكيف يعبر فيها (بعثناهما) مع أن البعث إنما يكون للنبي لا للوصي. فإن المعتقد الشيعي بأن النبي كان مبعوثا من اللّه و الوصي كان منصوصا عليه من النبي و الفرق بين البعث و النص واضح.

ثم العظمة إنما تكون بمناسبة التكريم و آية عظمة في جهنم؟ و إنما جهنم مقام ذليل، و نعم ما قال البلاغي (ت 1352): «إن صاحب فصل الخطاب من المحدثين المكثرين المجدّين في التتبع للشواذ و إنه ليعدّ أمثال هذا المنقول في دبستان المذاهب ضالته المنشودة و مع ذلك قال إنه لم يجد لهذا المنقول أثرا في كتب الشيعة فيا للعجب من صاحب دبستان المذاهب من أين جاء بنسبة هذه الدعوة إلى الشيعة في أي كتاب لهم وجدها؟ أ فهكذا يكون النقل من الكتب؟ و لكن لا عجب شنشنة أعرفها من أخزم فكم نقلوا عن الشيعة مثل هذا النقل الكاذب» [راجع: آلاء الرحمن في تفسير القرآن 24].

4- سورة النورين

ذكر النوري هذه السورة المدّعاة بما نصه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين هما يتلوان عليكم آياتي و يحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض و أنا السميع العليم، أن الذين يوفون بعهد اللّه و رسوله في آيات لهم جنات النعيم، و الذين كفروا من بعد ما آمنوا نقضهم ميثاقهم عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم.

ظلموا أنفسهم و عصوا الوصي و الرسول أولئك يسقون من حميم. إن اللّه الذي نور السماوات و الأرض بما شاء و اصطفى من الملائكة و جعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل اللّه ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكرهم ان أخذي شديد أليم. إن اللّه قد أهلك عادا فثمودا بما كسبوا و جعلهم لكم تذكرة فلا تتقون.

و فرعون بما طغى عليّ و أخيه هارون أغرقته و من اتبعه أجمعين ليكون لكم آية و إن أكثركم فاسقون. إن اللّه يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون. إن الجحيم مأواهم و إن اللّه عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعملون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي و حكمي معرضون. مثل الذين يوفون بعهدك اني جزيتهم جنات النعيم. ان اللّه لذو مغفرة و أجر عظيم. و ان عليا من المتقين. و انا لنوفيه حقه يوم الدين ما نحن عن ظلمه بغافلين. و ما كرمناه على أهلك أجمعين فإنه و ذريته لصابرون و إن عدوهم إمام المجرمين. قل للذين كفروا بعد ما آمنوا أ طلبتم زينة الحياة الدنيا و استعجلتم بها و نسيتم ما

ص: 189

وعدكم اللّه و رسوله. و نقضتم العهود من بعد توكيدها و قد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا و من يتولّاه بعدك يظهرون. فاعرض عنهم انهم معرضون، انا لهم محضرون في يوم لا يغني عنهم شيئا و لا هم يرحمون. ان لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك و كن من الساجدين.

و لقد أرسلنا موسى و هارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل فجعلنا منهم القردة و الخنازير و لعناهم إلى يوم يبعثون، فاصبر فسوف يبصرون. و لقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين، و جعلنا لك وصيا منهم لعلهم يرجعون. و من يتول عن أمري فإلي مرجعه فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسئل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذه و كن من الشاكرين. إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الآخرة و يرجو ثواب ربه. قل هل يستوي الذين ظلموا و هم بعذابي يعلمون. سيجعل الأغلال في أعناقهم و هم على أعمالهم يندمون. انا بشرناك بذريته الصالحين و انهم لأمرنا لا يخلفون. فعليهم مني صلوات و رحمة أحياء و أمواتا و يوم يبعثون. و على الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي أنهم قوم سوء خاسرين. و على الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة و هم في الغرفات آمنون و الحمد للّه رب العالمين [فصل الخطاب 158].

و عقب البلاغي (ت 352 ه) على ذلك بقوله: «و مما ألصقوه بالقرآن المجيد ما نقله في فصل الخطاب عن كتاب «دبستان المذاهب» أنه نسب إلى الشيعة أنهم يقولون ان إحراق المصاحف سبب اتلاف سور من القرآن نزلت في فضل علي و أهل بيته عليهم السّلام (منها) هذه السورة و ذكر كلاما يضاهي خمسا و عشرين آية في الفواصل قد لفق في فقرات القرآن الكريم على أسلوب آياته. فاسمع ما في ذلك من الغلط فضلا عن ركاكة أسلوبه الملفق ثم ذكر وجوه الغلط فيه. [آلاء الرحمن في تفسير القرآن 24].

أقول: «لا نجد في مصادر الحديث للشيعة ذكرا و لا اسما لهذه السورة المدعاة على كثرة الكتب و المصادر سواءً الكتب الضعيفة أو الصحيحة و هذا البحار الجامع لكل حديث مروي عن طريق أهل البيت لا ذكر لهذه السورة فيه أصلا. و يظهر أن دعاة التفرقة افتعلوا هذه السورة و خاصة أنها طبعت في الهند في ظل الحكم البريطاني و شدة الصراع بين المسلمين و أعدائهم في تلك القارة في كتاب باسم «دبستان المذاهب» لا معرفة لأحد عن مؤلفه سوى أنه محسن فاني و لعله أيضا اسم مستعار.

ص: 190

ملحق
اشارة

و في عصر الحرية و النور نشرت على شبكة الأنترنت (LOA seitaoeG) سورا مجهولة تكشف عن تخطيط أعداء الإسلام باسم الحرية الفكرية في تقليد الأسلوب القرآني و تشويه مفاهيمه الإسلامية منها سور: الولايات، التجسيد، الوصايا، الإيمان، المسلمون.

و إليك نموذجا منها كمثال لأسلوبها التقليدي.

الصورة

[سورة موضوعة بعنوان سورة الوصايا]

ص: 191

الصورة

[سورة موضوعة بعنوان سورة المسلمون

و قد ظن ملفق هذه الكلمات أن تقليد الأسلوب اللفظي يجعلها سورا، و الملاحظ عليه عدة نقاط:

1- أن التقليد في الأسلوب القرآني لا يجعلها قرآنا و قد حاول مسيلمة الكذاب ذلك بتلفيق سورة «الفيل له خرطوم طويل و له ذنب قصير». و قد غفلوا أن السور القرآنية ذوات رسالة اصلاحية في عصر الرسالة. و التقليد ليس إلا دليلا على العجز بالاتيان بالسور المماثلة للقرآن من حيث المحتوى و الأسلوب و الهدف.

ص: 192

2- أن الملفق لم يطبق القواعد النحوية المعتبرة اليوم. فالعنوان: (سورة المسلمون) غلط نحوي بل يجب أن يكون سورة المسلمين و يجب أن يكون على الإضافة و نسي الملفق أن القرآن نزل في عصر لم يستقر للنحو علم بل استمد النحو مادته من القرآن فإذا كان القرآن غير مقيد بالقواعد النحوية المتأخرة لا يكون المقلد هذا حرا منها لأنه بعد تأسيس تلك القواعد.

3- أن هذه الملفقات تكشف أن السور الملفقة من قبل، كسورة الولاية و النورين إنما كانت بأيد جانية لتشويه الإسلام و تفرقة كلمة المسلمين، و مكروا و مكر اللّه و اللّه خير الماكرين.

تكملة

عقد السجستاني (ت 316 ه) باب (ما غيّر الحجاج في مصحف عثمان) و روى بإسناده: «عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95 ه) غير في مصحف عثمان أحد عشر حرفا.

[راجع المصاحف 117] و إليك جدولا معتمدا على هذه الرواية كالآتي:

ما غير الحجاج/ في مصحف عثمان/ السورة

1- لم يتسنه/ لم يتسن/ [البقرة: 259]

2- شرعة و منهاجا/ شريعة و منهاجا/ [المائدة: 48]

3- يسيركم في البر و البحر/ ينشركم/

4- أنا أنبئكم بتأويله/ آتيكم بتأويله/ [يوسف: 45]

5- سيقولون اللّه/ سيقولون للّه/ [المؤمنون: 87]

6- سيقولون اللّه/ سيقولون للّه [المؤمنون: 89]

7- من المخرجين/ من المرجومين/ [الشعراء: 116]

8- من المرجومين/ من المخرجين/ [الشعراء: 167]

9- معيشهم/ معايشهم/ [الزخرف: 32]

10- غير آسن/ غير ياسن/ [محمد: 47]

11- فالذين آمنوا منكم و أنفقوا/ فالذين آمنوا منكم و اتقوا/ [الحديد: 7]

12- و ما هو على الغيب بضنين/ و ما هو على الغيب بظنين/ [الكوثر: 24]

[المصاحف: 117]

ص: 193

أقول: «هذه رواية آحاد صريحة في تصحيف كلمات و تحريف أخر و ساقطة عن الاعتبار لانفرادها فلا تقاوم النص المتواتر المتلو و اظن أنها رويت للتشنيع على الحجاج الظالم (ت 95 ه) المعروف بظلمه في التاريخ، و قد ذكر التاريخ، أن كثيرا من القراء هربوا من حكمه إلى مكة و لو كان الأمر كذلك لنشر هؤلاء قراءاتهم في موطنهم الجديد. ثم بعد أن انتهى حكمه و ظلمه كان الرجوع إلى القراءة الصحيحة و لم يحصل ذلك، فإن أي حاكم ظالم تنتهي أحكامه و مبتدعاته بانتهائه كما يشهد التاريخ.

روايات التحريف:

اشارة

المستند لمن توهم التحريف هي روايات روتها مصادر كل من السنة و الشيعة و ادخلت التفسير في القراءة- كما نبه عليه ابن الجزري (ت 833 ه) قال: « [الصحابة] ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحا و بيانا لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرآنا فهم آمنون من الالتباس، و ربما كان بعضهم يكتبه معه». [النشر 1/ 32].

و قال الذهبي المعاصر: «اثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند اللّه تعالى» [التفسير و المفسرون 1/ 98 القاهرة 1381 ه].

و للشك في نسبة القول بالتحريف إليهم مجال واسع حيث أنهم رواة و راوي الكفر ليس بكافر فإنهم يروون الأحاديث و الحكم بصحة تلك الأحاديث و عدمها شي ء آخر، و عليه فلا دليل للتحريف سوى الأحاديث و الروايات.

و لا يصح بحال أن يعتبر من روى روايات التحريف من القائلين بالتحريف سواء كان من الشيعة أو السنة إذ يلزم ذلك أن يعتبر كافة المحدثين من السنة و الشيعة ممن روى أحاديث التحريف من القائلين بالتحريف و هذا ما لا يقوله أحد.

و قد اتهم الشيعة خاصة بذلك لأن فيهم من نقل هذه الروايات و خاصة السياري و الكليني و الطبرسي و القمي مع أن دراسة هذه الروايات لا تفيد التحريف المدعى في كلها، و من الواضح أن ناقل الكفر ليس بكافر فبطلت الدعوى من أساسها و من هنا ذهب سيدنا الأستاذ الخوئي دام ظله إلى أن القول بالتحريف حديث خرافة (نعم) هناك روايات آحاد من السنة و الشيعة تستلزم التحريف في القرآن و بما أنها آحاد لا تقاوم بوجه النص القرآني المتواتر.

ص: 194

الخوئي و التحريف:
اشارة

و نظر سيدنا الأستاذ الخوئي دام ظله في الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم السّلام في تحريف القرآن و صنفها في أربعة طوائف معلقا على كل طائفة منها بالبيان الشافي و مما قال ملخصا: «علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات، و إيضاح أنها ليست متحدة في المفاد، و أنها على طوائف. فلا بد لنا من شرح ذلك و الكلام على كل طائفة بخصوصها.

الطائفة الأولى:

هي الروايات التي دلت على التحريف بعنوانه و أنها تبلغ عشرين رواية، نذكر منها و نترك ما هو بمضمونها. و هي:

ما عن علي بن إبراهيم القمي، بإسناده عن أبي ذر قال: «لما نزلت الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ترد أمتي عليّ يوم القيامة على خمس رايات. ثم ذكر أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسأل الرايات عمّا فعلوا بالثقلين. فتقول الراية الأولى: أما الأكبر فحرفناه، و نبذناه وراء ظهورنا، و أما الأصغر فعاديناه، و أبغضناه، و ظلمناه. و تقول الراية الثانية: أما الأكبر فحرقناه، و مزقناه، و خالفناه، و أما الأصغر فعاديناه و قاتلناه».- و قال أدام اللّه ظله معلقا: فهي ظاهرة في الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل الآيات على غير معانيها، الذي يلازم إنكار فضل أهل البيت عليهم السّلام و نصب العداوة لهم و قتالهم. و يشهد لذلك- صريحا- نسبة التحريف إلى مقاتلي أبي عبد اللّه عليه السّلام في الخطبة المتقدمة (1). و رواية الكافي التي تقدمت في صدر البحث (2)، فإن الإمام الباقر عليه السّلام يقول فيها: و كان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه، و حرّفوا حدوده، و قد ذكرنا أن التحريف بهذا المعنى واقع قطعا.

الطائفة الثانية:

هي الروايات التي دلت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكرت فيها أسماء الأئمة عليهم السّلام و هي كثيرة: منها ما ورد من ذكر أسماء الأئمة عليهم السّلام في القرآن، كرواية الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «ولاية علي بن أبي طالب مكتوب في جميع صحف الأنبياء و لن يبعث اللّه رسولا إلا بنبوة محمد و «ولاية» وصيه صلى اللّه عليهما و آلهما».

ص: 195


1- هي خطبة الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء 10/ محرم/ 61 للهجرة في كربلاء و منها ما نصه: «إنما أنتم من طواغيت الأمة و شذاذ الأحزاب و نبذة الكتاب و نفثة الشيطان و عصبة الآثام و محرفي الكتاب ...» ذكرها في ص 228 عن ابن شهرآشوب.
2- ذكرها في ص 198 عن الوافي، كتاب الصلاة، ص 274.

و الجواب: عن الاستدلال بهذه الطائفة: أنا أوضحنا فيما تقدم أن بضع التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن و ليس من القرآن نفسه، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة عليهم السّلام في التنزيل من هذا القبيل، و إذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات المخالفة للكتاب و السنة.

الطائفة الثالثة:

هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن بالزيادة و النقصان، و أن الأمة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيرت بعض الكلمات و جعلت مكانها كلمات أخرى.

فمنها: ما رواه علي بن إبراهيم القمي بإسناده عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«صراط من أنعمت عليهم و غير المغضوب عليهم و غير الضالين».

و الجواب: عن الاستدلال بهذه الطائفة- بعد الإغضاء عما في سندها من الضعف- أنها مخالفة للكتاب و السنة، و لإجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن و لا حرفا واحدا حتى من القائلين بالتحريف. و قد ادّعى الإجماع جماعة كثيرون على عدم الزيادة في القرآن، و أن مجموع ما بين الدفتين كله من القرآن. و ممن ادّعى الإجماع الشيخ المفيد، و الشيخ الطوسي، و الشيخ البهائي، و غيرهم من الأعاظم قدس اللّه أسرارهم. و قد تقدمت رواية الاحتجاج (1) الدالة على عدم الزيادة في القرآن.

الطائفة الرابعة:

هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة فقط.

و الجواب: عن الاستدلال بهذه الطائفة: أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام و إن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها لأنها مخالفة للكتاب و السنة. [راجع البيان في تفسير القرآن الصفحات 226- 235، ط الأعلمي بيروت 1394 ه].

نفي التحريف و التصحيف

اشارة

ليس المراد بنفي التحريف و التصحيف أنه يستحيل على الإنسان أن يبدل الكلمات بل المراد أن التبديل لو حصل لانكشف أمره لتواتر القرآن المصون من التبديل و اللحن و التحريف و التصحيف و الغلط بتلقيه بالقراءة جيلا بعد جيل و أن الكتابة أو الطباعة لو حصل فيها غلط أو تحريف لبان على العامة لاشتهار النص القرآني.

ص: 196


1- ذكرها في ص 223 و نصها: أتى [علي بالكتاب كاملا مشتملا على التأويل و التنزيل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ لم يسقط منه حرف ألف و لا لام فلم يقبلوا ذلك» نقلا عن تفسير الصافي المقدمة السادسة ص 11 ط الأعلمي.

و يدل على نفي التحريف الأدلة الأربعة: القرآن، و السنة، و الاجماع، و العقل. و قد ذكرتها بالتفصيل في رسالة مفردة ألخصها هنا:

الدليل الأول: القرآن الكريم

قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] استدل بها الشيخ البهائي (ت 1031 ه) على أن المراد من الذكر القرآن لظهور السياق و أن الآية السابقة ورد فيها الذكر بهذا المعنى [الحجر: 6] كما ورد بهذا المعنى في عدة آيات.

و يؤيده قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ [فصلت: 41، 42].

و معنى الحفظ هو صيانة النص القرآني من التغيير بحيث يكون معروفا لدى عامة الناس لأن القرآن نزل لهداية البشر و هو في مقام التحدي و هذا ينافي أن يكون محفوظا في مكان خاص لا تصل إليه يد عامة الناس.

قال تعالى: قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي [يونس: 15].

و قال سبحانه: وَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام: 34] و أيضا: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [الأنعام: 115] و أيضا: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف: 27].

فيمكن الاستدلال بهذه الآيات على نفي التحريف و التصحيف كما هو مفصل في التفاسير.

الدليل الثاني: السنة
(و منها) روايات العرض على الكتاب.

و من روايات أهل البيت في ذلك:

1- عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن على كل حق حقيقة، و على كل صواب نورا، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فدعوه.

و رواه البرقيّ في (المحاسن) عن النوفلي. و رواه الصّدوق في (الأمالي) عن أحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه مثله.

2- و عن أبان بن عثمان، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: و حدّثني الحسين بن أبي

ص: 197

العلا أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، و منهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إلا فالذي جاءكم به أولى به، و رواه البرقي في (المحاسن) عن علي بن الحكم مثله.

3- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.

4- عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كل شي ء مردود إلى الكتاب و السنة، و كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف.

5- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خطب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنى قال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله. و رواه البرقي في (المحاسن) عن أبي أيوب المديني، عن ابن أبي عمير عن الهشامين جميعا و غيرهما، و الذي قبله عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن أيوب بن الحر مثله. [وسائل الشيعة 18/ 78].

قال المحقق الكركي (ت 940 ه) في أخبار العرض: «و لا يجوز أن يكون المراد بالكتاب المعروض عليه غير هذا المتواتر الذي بأيدينا و أيدي الناس و إلا لزم التكليف بما لا يطاق فقد ثبت وجوب عرض الأخبار على هذا الكتاب و أخبار النقيصة إذا عرضت عليه كانت مخالفة له لدلالتها على أنه ليس هو و أي تكذيب يكون أشد من هذا!؟.

قال الشيخ الأنصاري (ت 1381 ه) في مسألة حجة الظن من كتاب الوسائل:

«و الأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب و السنة و لو مع عدم المعارض متواترة جدا».

(و منها) أحاديث الثقلين.

قال الشيخ الطوسي (ت 460 ه) و قد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رواية لا يدفعها أحد أنه قال: «اني مخلف فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» و هذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به، كما أن أهل البيت و من يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت و إذا كان الموجود بيننا مجمعا على صحته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره و بيان معانيه و ترك ما سواه. [التبيان 1/ 2].

الدليل الثالث: السيرة و الإجماع

ان سيرة المسلمين و أئمة الدين على قراءة القرآن و الاستدلال به في الاحكام و التاريخ و الإعراب و اللغة. و لم تظهر هذه الدعوى إلى قرآن غير ما هو المتداول بالتواتر. و لما

ص: 198

وصلت الخلافة إلى الإمام علي عليه السّلام لم يظهر شيئا آخر من القرآن خلافا للقرآن المعروف و المتداول و لو كان لبان و كان من أولى واجبات الإمام علي الذي قاد الحركة التصحيحية في حياته أن يظهر ذلك القرآن، إذ أنه أساس الدين و به كمال شريعة سيد المرسلين. لذلك نجد أن السيرة على العكس. و حتى الذين نسب إليهم التحريف من المحدثين كالسياري و الكليني و القمي و الطبرسي هؤلاء كلهم يستدلون بالقرآن و إن نقلوا روايات التحريف فإن روايتهم لا تدل على نسبة القول إليهم فإنهم رووا في مصادر الحديث روايات متناقضة في المفهوم لا لشي ء سوى أن يجعلوها في متناول الأيدي. و قد عرفت حال الروايات أنها آحاد لا تقاوم النص القرآني المتواتر. و قد استقصى الشيخ مهدي البروجردي أقوال الأعلام في كتابه «البرهان على عدم تحريف القرآن» و إليك مقتطفات من كلامه.

قال الشيخ أبو جعفر الصدوق (ت 381 ه) اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو ما بين الدفتين، و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، و مبلغ سوره عند الناس مائة و أربع عشرة سورة، و عندنا أن وَ الضُّحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ سورة واحدة، و لِإِيلافِ و أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ سورة واحدة، و من نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب. [نصوص الدراسة ص 75].

قال الشيخ الطوسي (ت 460 ه): «غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة و العامة بنقصان كثير من آي القرآن و نقل شي ء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما و لا عملا و الأولى الإعراض عنها و ترك التشاغل بها» [التبيان 1/ 3].

قال المحقق الطبرسي (ت 548 ه): «فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه و أما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييرا و نقصانا و الصحيح من مذهبنا خلافه و هو الذي نصره المرتضى قدس اللّه روحه [مجمع البيان 1/ 4].

قال العلامة الحلي (726 ه) في كتاب «نهاية الوصول إلى علم الأصول» البحث الثاني في التواتر يمكن التوافق على نقل ما سمعوه منه بغير تواتر و راوي الواحد ان ذكره على أنه قرآن فهو خطأ.

قال البياضي (ت 877 ه) في الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: «علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته و تفاصيله و كان التشديد في حفظه اتم حتى نازعوا في أسماء السور و التعشيرات و إنما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكر في معانيه و أحكامه و لو زيد فيه أو نقص لعلمه كل عاقل».

قال المحقق الكركي (ت 940 ه): «إن ما دل من الروايات على النقيصة لا بد من

ص: 199

تأويلها أو طرحها فإن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب و السنة المتواترة و الإجماع و لم يمكن تأويله و لا حمله على بعض الوجوه وجب طرحه».

قال المولى صالح المازندراني (ت 1081 ه) في شرح الزبدة: القرآن متواتر لتوفر الدواعي للمنكرين و المقرين على نقله أما للمنكرين فلإرادة التحدي لابطال كونه معجزا، و أما للمقرين فلإعجاز الخصم، و لأنه أصل لجميع الأحكام علميا كان أو عمليا و كلما كان كذلك فالعادة تقضي بالتواتر في تفاصيله من أجزائه و الفاظه و حركاته و سكناته إلى غير ذلك (وح) فما نقل إلينا بطريق الآحاد كالقراءات الشاذة و بعض ما نقله ابن مسعود في مصحفه ليس بقرآن فليس بحجة كما سيجي ء.

قال كاشف الغطاء (ت 1228 ه) في كشف الغطاء «المبحث السابع في زيادته»: لا زيادة فيه من سورة و لا آية و لا من بسملة و غيرها لا كلمة و لا حرف. و جميع ما بين الدفتين مما يتلى كلام اللّه تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين و اجماع المسلمين «المبحث الثامن» في نقصه: «لا ريب في أنه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن و اجماع العلماء في جميع الأزمان».

قال الشيخ محمد حسن المامقاني (ت 1323 ه) في كتابه «بشرى الوصول»: «و الحق ما اختاره الأولون- القول بعدم التحريف- لوجوه (الأول) الأصل لكون التحريف حادثا مشكوكا فيه (الثاني) الإجماع (الثالث) أن ذلك ينافي كونه معجزا لفوات المعنى به و قد عرفت أن مدار الإعجاز هو الفصاحة و البلاغة الدائرتان مدار المعنى. و من المعلوم أن القرآن معجز باق (الرابع) أنه لو وقع التحريف لتوجه التعيير من أهل الأديان السالفة، كاليهود و النصارى إلى أهل الإسلام كما يتوجه التعيير منهم إليهم في تحريفهم التوراة و الإنجيل (الخامس) قوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42] (السادس) أخبار الثقلين لافادتها أن الكتاب وسيلة النجاة و لا يكاد يتحقق كونه وسيلة إليها بعد تغيير ما هو عليه من افادة أحكام اللّه تعالى (السابع) الأخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن الموجود بين أظهرنا المروية عن أهل البيت عليهم السّلام.

قال شرف الدين (ت 1378 ه) في أجوبة مسائل موسى جار اللّه في (ص 27) المسألة الرابعة: نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات و آيات .. الخ. فأقول نعوذ باللّه من هذا القول و نبرأ إلى اللّه تعالى من هذ الجهل. و كل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا فإن القرآن العظيم و الذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته و كلماته و ساير حروفه و حركاته و سكناته تواترا قطعيا عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام لا يرتاب

ص: 200

في ذلك إلا معتوه. و أئمة أهل البيت كلهم أجمعون رفعوه إلى جدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن اللّه تعالى و هذا مما لا ريب فيه. و ظواهر القرآن الحكيم- فضلا عن نصوصه- أبلغ حجج اللّه تعالى و أقوى أدلة أهل الحق بحكم الضرورة الأولية من مذهب الإمامية و صحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة و لذلك تراهم يضربون بظهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار و لا يأبهون بها عملا بأوامر أئمتهم عليهم السّلام و كان القرآن مجموعا أيام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما هو عليه الآن من الترتيب و التنسيق في آياته و سوره و ساير كلماته و حروفه بلا زيادة و لا نقصان و لا تقديم و لا تأخير و لا تبديل و لا تغيير. و صلاة الإمامية بمجردها دليل على ذلك لأنهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب في كل من الركعة الأولى و الثانية من الفرائض الخمس سورة واحدة تامة غير الفاتحة من سائر السور. و لا يجوز عندهم التبعيض فيها و لا القران بين سوره على الأحوط و فقههم صريح بذلك فلولا سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما هي الآن عليه من الكيفية و الكمية ما تسنى لهم هذا القول و لا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل. أجل إن القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوحي و النبوة مؤلفا على ما هو عليه الآن.

قال شيخنا العلامة (ت 1389 ه) « (القرآن) منزه عن كل ما يشينه من التغيير و التبديل و التصحيف و التحريف و غيرها باتفاق جميع المسلمين و ليس لأحد منهم خلاف أو شبهة أو اعتراض فيه. و اختلاف القراءات إنما هو اختلاف في لهجات الطوائف نعم بينهم خلاف مشهور في موضوع آخر غير هذا الكتاب الكريم و هو أنه هل أوحي إلى نبينا وحي قرآني آخر غير هذا الموجود بين الدفتين أم لا؟ فمنهم من يدعي القطع و اليقين بأن جميع ما أنزل قرآنا من لدن البعثة إلى الرحلة هو في هذا الموجود بين الدفتين و منهم من يدعي نزول وحي آخر من غير نسخ الأحكام على الإجمال بمعنى أنه ليس ذلك الوحي معلوما عندهم بعينه و شخصه بل أفادهم على نزوله القرائن القطعية» [الذريعة 1/ 78].

و قال سيدنا الأستاذ الخوئي دام ظله «و قد بين للقارئ مما ذكرنا أن حديث تحريف القرآن حديث خيالي لا يقول به إلا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل أو من ألجأه إليه حب القول به و الحب يعمي و يصم و أما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه» [البيان/ 181].

و قد انفرد دام ظله برمي دعاة التحريف بضعف العقل مما يكشف عن مدى بعد هذه الدعوى عن الحقيقة في نظر علماء مذهب أهل البيت عليهم السّلام.

ص: 201

الدليل

الرابع: العقل

و يكفي للعقل دليلا على نفي التحريف و التصحيف عن المصحف الشريف ما نبه عليه الشريف المرتضى (ت 436 ه) بأوضح بيان حيث قال: «إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان و الحوادث الكبار و الوقائع العظام و الكتب المشهورة و أشعار العرب المسطورة فإن العناية اشتدت و الدواعي توفرت على نقله و حراسته و بلغت إلى حد لم يبلغه ما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة و مأخذ العلوم الشرعية و الأحكام الدينية. و علماء المسلمين قد بلغوا من حفظه و حمايته الغاية حتى عرفوا كل شي ء اختلف فيه من اعرابه و قراءته و حروفه و آياته فكيف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصا مع العناية الصادقة و الضبط الشديد؟!. [مجمع البيان 1/ 15].

خلاصة البحث:

إن القرآن منذ نزوله و حتى العصر الحاضر مر بمراحل تاريخية هي:

1- النزول على قلب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

2- قراءته على الناس و إعلانه.

3- حفظ الصحابة للنص بالقراءة.

4- نقل النص إلى الكتابة في المصحف.

5- المصحف الإمام الرسمي في عهد عثمان رضى الله عنه.

6- تعجيم المصحف.

7- تشكيل المصحف.

8- تنقيط المصحف.

9- طباعة المصحف.

10- ترجمة المصحف.

و في كل هذه المراحل بلغت المحافظة على نص القرآن بنصه و لفظه الغاية. و قاوم المسلمون كل محاولات التحريف و التصحيف و أصبح النص محفوظا مصونا و صدق اللّه العظيم حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.

ص: 202

موقف النوري:

اشارة

و قد ألّف المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري (ت 1320 ه) كتابا في التحريف و هو الوحيد الذي جال وصال في هذه الدعوى بعنوان «فصل الخطاب في تحريف الكتاب» و أحدث هذا ضجة في الأوساط العلمية و كان أول من رد عليه الشيخ محمود المعرب الطهراني ألّف في سنة 1302 ه كتابا في رده باسم «كشف الارتياب عن تحريف الكتاب».

و حشد النوري في كتابه كل ما وقفت عليه يده من روايات التحريف من طرق السنة و الشيعة و جعل كتابه في مقدمات ثلاث في أخبار جمع القرآن و أقسام التغيير و أقوال العلماء ثم الباب الأول في أدلة التغيير و النقصان و عدّها 12 دليلا كالآتي:

1- وقوع التحريف في التوراة و الإنجيل.

2- كيفية جمع القرآن.

3- إبطال وجود منسوخ التلاوة.

4- كان لأمير المؤمنين قرآنا مخصوصا.

5- كان لعبد اللّه بن مسعود مصحفا.

6- مصحف أبي بن كعب.

7- اختلاف مصاحف عثمان.

8- أخبار النقصان رواها السنة.

9- ذكر أسماء الأوصياء في الكتب السالفة.

10- اختلاف القراء في الحروف و الكلمات.

11- أخبار النقصان في القرآن عموما.

12- أخبار خاصة حسب السور.

و الباب الثاني في رد أدلة القائلين بعدم التغيير.

و قد طبع الكتاب طبعة حجرية عام 1298 ه عن خط ميرزا سيد محمد رضا أحمد الأردستاني في 140 صفحة.

و نظرة خاطفة إلى هذه العناوين توقفنا على سوء الفهم للروايات التي دعت المؤلف إلى هذه الزلة الكبيرة. فإن القرآن الكريم لا يقاس بغيره من الكتب السماوية لأن القرآن معجزة الإسلام دون غيرها. و من يقارن القرآن و غيره من الكتب يجد بوضوح الفرق الواضح

ص: 203

في الأسلوب و المواضيع و الأهداف. و قد تقدم البحث عن اختلاف المصاحف و سيأتي البحث في القراءات. و ليس له من حجة سوى الروايات و قد جعلها في طائفتين ما رويت من كتب السنة و ما رويت من كتب الشيعة.

و قد وجد دعاة التفرقة و الخلاف في هذا الكتاب وسيلة لتشهير كل طائفة بالأخرى بالتركيز على هذه الروايات و بما أن المؤلف محدث شيعي اتخذت الردود عليه صبغة طائفية و تعدت منطق العلم. فالأولى دراسة الروايات التي استند إليها هذا المحدث و معرفة السبب في سوء الفهم منها.

قال النوري (ت 1320 ه) في الدليل الحادي عشر: «الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط و دخول النقصان في الموجود من القرآن زيادة على ما مر متفرقا في ضمن الأدلة السابقة و أنه أقل من تمام ما نزل اعجازا على قلب سيد الإنس و الجن من غير اختصاصها بآية أو سورة، و هي متفرقة في الكتب المعتبرة التي عليها المعول و إليها المرجع عند الأصحاب. جمعت ما عثرت عليها في هذا الباب بعون اللّه الملك الوهاب. [فصل الخطاب دليل 11].

و لم يفهم النوري من هذه الروايات سوى التحريف، و هذا سوء فهم فإنها روايات خليطة من عدة طوائف في التفسير و اختلاف القراءات و تعدد الآيات باختلافها و ما يدل على النقص و التحريف و قد بحثت في خصوص موارد القراءة و قراءة أهل البيت عليهم السّلام كذلك مفهوم الآية و النقص في رسالة السراط الوضي ء في قراءة أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فليرجع إليها.

و قد صنف سيدنا الأستاذ دام ظله روايات التحريف إلى أربع طوائف و قد تقدمت و عقبها بقوله: «إن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، و توضيح ذلك: أن كثيرا من الروايات، و إن كانت ضعيفة السند، فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه، و أنه يقول بالتناسخ، و من علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب، و أنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين و لا أقل من الاطمئنان بذلك، و فيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها [البيان 246].

و قد دافع شيخنا العلامة (ت 1389 ه) عن شيخه النوري و حكى عنه قوله: «اخطأت في تسمية الكتاب و كان الأجدر أن يسمّى «فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب» لأني

ص: 204

أثبت فيه أن كتاب الإسلام القرآن الشريف الموجود بين الدفتين المنتشر في اقطار العالم وحي الهي بجميع سوره و آياته و جمله لم يطرأ عليه تغيير أو تبديل و لا زيادة و لا نقصان من لدن جمعه حتى اليوم و قد وصل إلينا المجموع الأولي بالتواتر القطعي و لا شك لأحد من الإمامية فيه .. هذا ما سمعناه من قول شيخنا نفسه و أما عمله فقد رأيناه و هو لا يقيم لما ورد في مضامين الأخبار وزنا بل يراها أخبار آحاد لا تثبت بها القرآنية بل يضرب بخصوصياتها عرض الجدار سيرة السلف الصالح من أكابر الإمامية كالسيد المرتضى و الشيخ الطوسي و أمين الإسلام الطبرسي و غيرهم، و لم يكن- العياذ باللّه- يلصق شيئا منها بكرامة القرآن و إن ألصق بذلك بكرامة شيخنا قدس سره من لم يطلع على مرامه». [النقباء 2/ 551].

نظرة إلى مصادر النوري:
اشارة

و بالتأمل في مصادر النوري من الروايات يظهر بطلان التحريف من أصله. فإن نظرة فاحصة إلى روايات التحريف المزعوم توقفنا على أنها لا تخرج عن خمسة أقسام هي:

1- تحريف المعنى دون اللفظ: و ذلك بتفسير القرآن على خلاف ما أريد و ترك العمل به.

2- سبب النزول: و ذلك ببيان الحادثة التي من أجلها نزلت الآية.

3- التأويل: و ذلك بتطبيق الآيات على موارد أخرى لم تكن في عصر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

4- التفسير: و ذلك بتوضيح المراد من الآيات القرآنية.

5- القراءة: و ذلك بقراءة النص القرآني الموجود بما لا يوافق القراءات السبع التي حددها ابن مجاهد (ت 324 ه).

و ما لم يدخل في أحد الأقسام المذكورة يعتبر من أخبار الآحاد التي لا تعارض النص القرآني المتواتر و يجب طرحه و إليك مثالا لكل منها:

التحريف المعنوي:

و من التحريف المعنوي ما رواه كل من الكليني و الصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال: «كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السّلام و هو في الحبس و أجاب بما فيه قوله: أو ائتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه و بدلوه».

و يدل على أن معنى التحريف باللغة ليس التحريف اللفظي بل هو التحريف المعنوي، استعمال المادة في الروايات بمعنى التحريف المعنوي مثل قوله: «ينفون عن الدين تحريف

ص: 205

الغالين» فإن الغلاة ليس تحريفهم للفظ بل المعنى لأنهم يفسرون المفاهيم الإسلامية مغلوطا كما يريدون.

و من التحريف المعنوي ما روي بطريق الفريقين من ذلك بأن كل ما كان في الأمم السالفة فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل» [البحار 8/ 4].

فإن الظاهر منها التحريف المعنوي و هو حاصل و واقع لكل من لم يعمل بالقرآن.

فإن كل من فسر القرآن برأيه فهو محرّف للقرآن و ما أكثر الناس، و حتى في يومنا هذا- الذين يستدلون بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] يستدلون بها على وجوب إطاعة الحكام الظالمين في حين أن القرآن يصرح بقوله: (منكم) و لا يقول (عليكم) و كم من فرق بين المعنيين فإن أولي الأمر إن كانوا من المسلمين قولا و عملا فلا شك في وجوب إطاعتهم، و أما من ليس له من الإسلام إلا القول و هو يخالف القرآن بالعمل فلا تجب طاعته. و هل هذا غير التحريف المعنوي؟

سبب النزول:

و يعبر عنه في بعض الروايات «هكذا نزلت» أو «من التنزيل».

منها، ما رواه الكافي عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال عليه السّلام: نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين فقلت له: إن الناس يقولون فما له لم يسمّ عليا و أهل بيته في كتاب اللّه؟

قال عليه السّلام: فقولوا لهم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزلت عليه الصلاة و لم يسمّ اللّه له ثلاثا و لا أربعا حتى كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي فسّر لهم ذلك» [الكافي 3/ 63].

ففي هذا توضيح للمراد من التنزيل صريحا. فإن تفسير الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عدد ركعات الصلاة مما نزل فيه القرآن و شرحته الأحاديث النبوية.

التأويل:

و نعني به تطبيق النص القرآني بما ليس بظاهر من اللفظ، و من هذا النوع أغلب الروايات التي طبقت عناوين عامة «كالظالمين» فسرتها «بالظالمين لآل محمد حقهم».

و من التأويل ما رواه علي بن القاسم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قوله تعالى:

وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ [التكوير: 8] قال شيعة آل محمد عليهم السّلام تسأل بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.

و أيضا: «عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت قوله عزّ و جلّ و إذا الموءودة سئلت. قال: قال الحسين بن علي عليهما السلام.

ص: 206

فإن ذكر المادة المقتولة بالوأد و إرادة غير هذا المعنى تجوز تطبيق ما يشابهه و هو القتل من غير جرم كما طبقه على الإمام علي و الإمام الحسين الشهيد عليهما السلام و شيعة آل محمد.

و عن الباقر عليه السّلام قال: «إن للقرآن بطنا و للبطن بطن، و له ظهر و للظهر ظهر، و ليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، و إن الآية أولها في شي ء و آخرها في شي ء، و هو كلام متصل يتصرف على وجوه». [تفسير العياشي 1/ 11].

و عن داود بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أنتم الصلاة في كتاب اللّه عزّ و جلّ، و أنتم الزكاة، و أنتم الحج؟ فقال: يا داود، نحن الصلاة في كتاب اللّه عزّ و جلّ، و نحن الزكاة، و نحن الصيام، و نحن الحج، و نحن الشهر الحرام، و نحن البلد الحرام، و نحن كعبة اللّه، و نحن قبلة اللّه، و نحن وجه اللّه. قال اللّه تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115] و نحن الآيات و نحن البينات، و عدوّنا في كتاب اللّه عزّ و جلّ الفحشاء، و المنكر، و البغي، و الخمر، و الميسر، و الأنصاب، و الأزلام، و الأصنام، و الأوثان، و الجبت، و الطاغوت، و الميتة، و الدم، و لحم الخنزير. يا داود إن اللّه خلقنا و أكرم خلقنا، و فضّلنا و جعلنا أمناءه و حفظته و خزّانه على ما في السماوات و ما في الأرض، و جعل لنا أضدادا و أعداء، فسمانا في كتابه، و كنّى عن أسمائنا بأحسن الأسماء و أحبها إليه و إلى عباده المتقين» [البحار 24/ 303].

و الوجه في التأويل ما عن الرضا عليه السّلام فقال: «إن اللّه تبارك و تعالى لم يجعله [القرآن لزمان دون زمان و لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد و عند كل قوم غض إلى يوم القيامة» [البحار 2/ 280].

فالحكمة في التأويل هي تطبيق القرآن على الحياة و أن لا يكون موردا للبحث النظري فقط مجردا عن التطبيق.

التفسير:

و هو شرح المفهوم من اللفظ حسب ما يراه المفسر.

و من ذلك ما رواه سدير الصيرفي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك يا ابن رسول اللّه هل يكره المؤمن على قبض روحه؟ قال: لا و اللّه. إلى أن قال: فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد و أهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمد و أهل بيته و ادخلي جنتي».

ص: 207

فالإمام عليه السّلام يتكلم عن قبض الأرواح و موقف المؤمنين منها حيث أنهم على يقين في معتقدهم لا يعتريهم الشك في نفوسهم فنفوسهم راضية مرضية و قد اقحم التفسير في خلال النص القرآني.

و من هنا قال ابن الجزري (ت 833 ه) في كلامه المتقدم: «و ربما كانوا يدخلون التفسير في القراءات إيضاحا و بيانا لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرآنا فهم آمنون من الالتباس و ربما كان بعضهم يكتبه معه» [النشر 1/ 33].

القراءة:

و هي الروايات التي يتحملها النص القرآني و توافق قواعد اللغة العربية بوجه من الوجوه.

منها ما رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:

«صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و غير الضالين» الخبر.

و روى السجستاني (ت 316 ه) قال: حدثنا عبد اللّه حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا عبيد اللّه حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة و الأسود أن عمر كان يقرأ «صراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و غير الضالين» [المصاحف ص 5].

و قد أورد النوري طائفة من الروايات المصرحة بالقراءة منها: «عن غالب بن الهذيل قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6] على الخفض هي أم على النصب؟ قال: «بل هي على الخفض».

و قال العياشي عن غالب بن الهذيل عنه عليه السّلام مثله إلا أن فيه السؤال الرفع بدل النصب و يحمل على سهو الناسخ.

و قال دعائم الإسلام للقاضي النعماني قوله تعالى: وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ بالكسر قراءة أهل البيت عليهم السّلام و كذلك قال أبو جعفر عليه السّلام.

ثم قال النوري: «ظاهر تلك الأخبار انحصار القراءة بالجر و نفي النزول بالنصب و كذا صرح الشيخ في «التهذيب».

أقول: «هذا خلط بين التفسير و القراءة. و العجب من هذا الشيخ رحمه اللّه كيف يرى تصريحات هؤلاء الأعلام بأنها قراءة أهل البيت عليهم السّلام ثم يستدل بها على أنها تحريف و كأنه لم يفرق بين مصطلح القراءة و التحريف و هذا ذهول عن مصطلحات أصحاب القراءات و اللّه العاصم».

(و بالجملة) ما اعتمد عليه النوري هي الروايات و لا يؤخذ بها لأنها روايات آحاد و لا

ص: 208

يمكن أن تعارض النص القرآني المتواتر. (مع) أن كثيرا منها ليست من التحريف المصطلح بل هي إما تحريف المعنى أو التفسير أو القراءة أو التأويل (بالإضافة) إلى أن مصادره ليست كلها معتمدة و فيها الذي صرح بضعفه أو لأن النسخة عنده غير المعتمدة. و قد صرح بذلك في مواضع منها قوله في سورة [مريم: 18] قال: «و عن محمد بن حكيم عن أبيه قال قرأ أبو عبد اللّه عليه السّلام: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم: 18] ثم قال: «كذا في نسختي و هي سقيمة و لم يظهر لي موضع الاختلاف و لعله (شقيا) بدل (تقيا) و اللّه العالم».

و من العجب أن يستدل الشيخ على دعوى التحريف في سورة الإخلاص برواية ثم يقول عنها: «و كذا في النسخة و هي سقيمة جدا و أظن (الصمد) الأول و انه من شك الراوي بأن الساقط هي كلمة (الأحد) أو (الواحد) و اللّه العالم و قد وفينا بحمد اللّه تعالى بما وعدناه من ذكر ما ورد من الأخبار الدالة على تغيير المواضع المخصوصة من القرآن المستجمعة لشرائط الاستدلال بها سندا و دلالة الخالية عما يوهنه سوى شبهات ضعيفة أوردها المانعون نذكرها مع الجواب عنها».

أقول: «و هذا مما يضحك الثكلى إذ كيف يستدل بنسخة «سقيمة جدا» كما يصفها ثم يستند إلى الظن مع أنه لا يغني عن الحق شيئا و يعارض بها و بأمثالها النص القرآني المتواتر؟!! و هذا هو الغالب على استدلالاته و أين شرائط الاستدلال المدعاة! و أي ذو مسكة يطرح المتواتر بالآحاد؟ اللهم إن هذا لشي ء عجاب».

و إليك جردا بالروايات التي جمعها رحمه اللّه مع الاقتصار على مادة التحريف المدعاة حسب السور مع الإشارة إلى معرفة إحدى الوجوه المتقدمة- إن وجدت- و إلا يبقى مهملا أو معلّما بعلامة الاستفهام.

ص: 209

مقارنة روايات القراءات

مقارنة روايات القراءات (1)

الصورة

ص: 210


1- نلاحظ في هذا الجدول ما يلي: أولا: في النص القرآني اعتمدنا على الطبعة الأولى للمصحف الأميري عام 1333 ه القاهرة ثانيا: العلامة+ بعد الآية السابقة إشارة إلى زيادة في الرواية. و على نقصها أو عدم وجودها. و (-) على موافقتها مع ما في المصحف الشريف و لا أدري لما ذا أوردها المحدث النوري في كتابه من دون تنبيه إلى أوجه القراءات، فإن روايات أهل البيت ما عدا ما جمعه كلها موافقة للمصحف. ثالثا: العمودان: «القارئ و المصدر» نقلناهما حرفيا من كتاب معجم القراءات القرآنية تأليف د. عبد العال سالم مكرم ود. أحمد مختار عمر، ط الكويت 1402 ه و قد ذكرا الرموز المشار إليها و المصادر كالآتي: إتحاف الفضلاء- اتف، الإعراب للنحاس- اعن، الإملاء للعكبري- امع، البحر المحيط- بحر، التبيان للطوسي- تب، التيسير للداني- يسر، تفسير الطبري- طبر، تفسير القرطبي- جامع، الحجة لابن خالويه- حجل، الحجة لأبي زرعه- حجز، السبعة لابن مجاهد- سبعة، الغيث للصفاقسي- غيث، الكشاف للزمخشري- كشاف، الكشف للقيسي- كشف، المجمع للطبرسي- مج، المحتسب لابن جني- مح، المعاني للأخفش- معش، المعاني للفراء- معف، تفسير الرازي- فخر، النشر لابن الجزري- نشر.

الصورة

ص: 211

الصورة

ص: 212

الصورة

ص: 213

الصورة

ص: 214

الصورة

ص: 215

الصورة

ص: 216

الصورة

ص: 217

الصورة

ص: 218

الصورة

ص: 219

الصورة

ص: 220

الصورة

ص: 221

الصورة

ص: 222

الصورة

ص: 223

الصورة

ص: 224

الصورة

ص: 225

الصورة

ص: 226

الصورة

ص: 227

الصورة

ص: 228

الصورة

ص: 229

الصورة

ص: 230

الصورة

ص: 231

الصورة

ص: 232

الصورة

ص: 233

الصورة

ص: 234

الصورة

ص: 235

الصورة

ص: 236

الصورة

ص: 237

الصورة

ص: 238

الصورة

ص: 239

الصورة

ص: 240

الصورة

ص: 241

الصورة

ص: 242

الصورة

ص: 243

الصورة

ص: 244

الصورة

ص: 245

الصورة

ص: 246

الصورة

من مجموع القراءات المذكورة رويت: 123 قراءة منها بطرق مختلفة عن طريق أهل البيت و عن طريق غيرهم في مصادر الشيعة و السنة و قد شرحت الوجوه و العلل و الإسناد في «السراط الوضي» في قراءة أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فراجع.

غريب حقا أمر دعاة التحريف الذين يتمسكون بظواهر روايات آحاد مع أن لها توجيهات من التفسير و التأويل و التنزيل و القراءة و تغيير المعنى دون اللفظ و يستدلون بهذه الروايات من الآحاد على فقدان قسم من القرآن الكريم الذي هو اعز تراث على قلب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته عليهم السلام و المسلمين عامة (مع) أنهم في حياتهم اليومية لا يعتمدون على خبر الآحاد في فقدان عزيز عليهم من المال أو الأنفس و لا يطمئنون بالخبر إلا إذا استفدوا كل الوجوه المحتملة. و الأغرب اتهام الشيعة بالتحريف لوجود هذه الروايات الآحاد في كتبهم مع أنهم لا يقرون بها و لا يستندون إليها، مضافا إلى وجود مثلها من

ص: 247

الروايات و القراءات في كتب السنة و كتب القراءة فإذا لم يحمل تصرف هؤلاء و أولئك على سوء الفهم فهل يبقى وجه آخر سوى سوء الظن بالأسلوب و الهدف؟ و صدق الإمام الباقر عليه السّلام: «إنما القرآن واحد نزل من عند واحد و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة» [الكافي 2/ 630].

ص: 248

القسم الثاني في أحوال القرآن نطقا

اشارة

ص: 249

القراءة الحرة

القراءة الحي يجد الباحث المنصف أن قراءة القرآن الكريم قبل جمع عثمان رضي اللّه عنه كانت حرة لم تتقيد بقراءة رسمية مما دعاه إلى اختيار قراءة رسمية، و استمرت هذه القراءات الحرة حتى القرن الرابع الهجري حيث قام ابن مجاهد (ت 324 ه) بحصرها في القراءات السبع.

و نعني بالقراءة الحرة القراءة من دون تعلم و تعليم.

كما ينبغي التنبيه على أن لفظة (القارئ) في عصر الرسالة لم تكن تعني قارئ القرآن بالتلاوة بل العالم بالمفاهيم القرآنية و القائم بالقراءة لنفسه و على الناس بالتعليم أو الإقراء بتحفيظهم و بذلك لم يعرّف من الألفاظ (القارئ) أو (المقرئ) أو (الحافظ)، كما هو المفهوم اليوم. و قد نبه على ذلك القسطلاني (ت 923 ه) في «شرح البخاري» بقوله: «باب ذكر القراء الذين اشتهروا بحفظ القرآن و التصدي لتعليمه من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عهده [إرشاد الساري 7/ 456].

فلفظة (القارئ) في عصر الرسالة كانت ترادف العالم الديني المهتم برسالة الإسلام و بحكم قرب الصحابة من الرسول لم تكن لهم حاجة إلى أكثر من النص القرآني و ما شاهدوه من سيرته و ما رووه من أخباره.

روى مسلم عن أنس بن مالك قال: «جاء ناس إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن و السنة فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرءون القرآن و يتدارسون بالليل يتعلمون و كانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد و يحتطبون فيبيعونه و يشترون به الطعام لأهل الصّفّة و للفقراء فبعثهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: «اللهم بلّغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك و رضيت عنا». قال و أتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: «فزت و رب الكعبة» فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأصحابه: «ان إخوانكم قد قتلوا و انهم قالوا: اللهم بلّغ عنا نبينا أنّا قد لقيناك فرضينا عنك و رضيت عنّا» [صحيح مسلم 6/ 245].

و نعني بالقراءة قراءة النص القرآني شفويا و هذه لم تتحدد معالمها في عصر الرسالة و كثرت الروايات المتضاربة في شأنها حتى حصل الخلاف بين الصحابة و تنازع فيها كبار الصحابة مثل الخليفة الثاني عمر رضي اللّه عنه و أبيّ بن كعب في رواية أخرى.

ص: 250

روى الطبري (ت 310 ه) بإسناده قال: قرأ رجل عند عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فغيّر عليه، فقال: لقد قرأت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يغيّر عليّ. قال: فاختصما عند النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: يا رسول اللّه، أ لم تقرئني آية كذا و كذا؟ قال: «بلى!» قال: فوقع في صدر عمر شي ء، فعرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك في وجهه، قال: فضرب صدره و قال: «أبعد شيطانا»- قالها ثلاثا- ثم قال: «يا عمر، إن القرآن كله صواب، ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة» [الطبري 1/ 37].

و هذه الرواية و أمثالها لا ترفع الشك إلا بضربة نبوية صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و للطبري أيضا رواية أخرى قد تلقي بعض الضوء على ذلك.

عن زر بن حبيش، قال: قال عبد اللّه بن مسعود: تمارينا في سورة من القرآن، فقلنا: خمس و ثلاثون أو ست و ثلاثون آية. قال: فانطلقنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فوجدنا عليّا يناجيه، قال: فقلنا: إنا اختلفنا في القراءة. قال: فاحمر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم».

قال: ثم أسرّ إلى عليّ شيئا، فقال لنا علي: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمركم أن تقرءوا كما علّمتم. [الطبري 1/ 36].

فإن قوله عليه السّلام: «أن تقرءوا كما علّمتم» يشير إلى أن هناك طريقة خاصة في نقل القرآن و هي التعليم. كان النبي و أصحابه يعلمون الآخرين قراءة النص القرآني و في مقابل تلك طريقة أخرى هي القراءة من دون تعليم و هذا ما نعنيه بالقراءة الحرة التي لا تتقيد بالتعلم و التعليم. و يظهر أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجاز هذه القراءة الحرة في مناسبات خاصة لا تضر بسلامة النص القرآني كما تدل عليه الروايات المتقدمة.

و لم تختلف الحال بعد جمع عثمان القرآن فإن الملاحظ في القراءات الحرة منذ جمع عثمان حتى القرن الرابع الاعتماد على الرواية في القراءات شأنها شأن الروايات في تسلسل الإسناد طبقة عن طبقة. و لم تحدد شروط خاصة في هذه الروايات سوى القراءة على الأستاذ من آيات معينة أو سور و ربما القرآن كله، و كانت الحرية في انتقاء قراءة خاصة تتبع رغبة القارئ الشخصية.

و يدل على ذلك ما ذكره الذهبي (ت 748 ه) في ترجمة سعيد بن جبير قال ما لفظه:

ابن هشام الإمام العلم أبو عبد اللّه الأسدي الوالبي، مولاهم، الكوفي. و عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال: يا أهل الكوفة، تسألوني و فيكم سعيد بن جبير.

ص: 251

قال ربيعة الرأي: كان سعيد بن جبير من العلماء العباد. قلت: استشهد بواسط في شعبان، سنة خمس و تسعين.

و روى عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال: مات سعيد بن جبير و ما على وجه الأرض أحد إلا و هو محتاج إلى علمه.

و قال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود، و ليلة بقراءة زيد. [معرفة القراء 1/ 69].

و هذه تعني أن القراءة الحرة كانت معمولة في حدود سنة 95 للهجرة.

تحديد القراءات

حاول جمع من القراء تحديد القراءات و انتقاء المختار منها، منهم:

1- أحمد بن جبير بن محمد بن جعفر الكوفي الأنطاكي نزيل أنطاكية (ت 258 ه) أصله من خراسان سافر إلى الحجاز و العراق و الشام و مصر ثم أقام بانطاكية فنسب إليها. كان من أئمة القراءة [غاية النهاية 1/ 42].

و قال في النشر «جمع كتابا في الحجة من كل مصر واحد» [النشر 1/ 34].

2- إسماعيل بن إسحاق المالكي الأزدي البغدادي (ت 282 ه) قال الذهبي:

«و صنف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما. [النشر 1/ 34 و غاية النهاية 1/ 162].

3- هارون الأخفش (ت 292 ه) قال السيوطي (ت 911 ه) ما لفظه: «هارون بن موسى بن شريك القارئ النحوي أبو عبد اللّه يعرف بالأخفش و هو خاتمة الأخفشيين من أهل دمشق ولد سنة إحدى و مائتين و قرأ بقراءات كثيرة و روايات غريبة و كان قيما بالقراءات السبع عارفا بالتفسير و النحو و المعاني و الغريب و الشعر طيب الصوت و عنه اشتهرت قراءة هل الشام و لو لا ضبطه ارتفعت. قرأ على عبد اللّه بن ذكوان و غيره و عليه أبو الحسن بن الأخرم و حدث عن أبي مسهر الغساني و عنه أبو بكر بن فطيس و كان من أهل الأدب و الفضل صنف كتبا كثيرة في القراءات و العربية و مات سنة إحدى و قيل اثنتين و تسعين و مائتين [بغية الوعاة، ط 1326 ه، ص 40].

و لم يكن لأحد منهم دور قيادي كما قام به ابن مجاهد (ت 324 ه) بتحديدها بالقراءات السبع.

ص: 252

القراءات السبع و دور ابن مجاهد (ت 324 ه)

اشارة

ذكر ابن الجزري (ت 833 ه) أن ابن مجاهد (ت 324 ه) هو أول من سبّع السبعة [غاية النهاية 1/ 142]. و هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي العطشي ولد ببغداد سنة 245 ه و توفي سنة 324 ه و يعني أنه عاش 69 عاما.

و طبيعي أنه تعلّم شأن معاصريه العلوم العربية و حفظ القرآن و قد انتهت إليه شيخوخة القراءة في عصره و اشتهر كتابه «السبعة» في القراءات الذي حاول فيه حصرها في السبعة.

ترجمه ابن النديم (ت 380 ه) بقوله: «ابن مجاهد آخر من انتهت إليه الرئاسة بمدينة السلام في عصره. أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، و كان واحد عصره غير مدافع، و كان من فضله و علمه و ديانته و معرفته بالقراءات و علوم القرآن، حسن الأدب، رقيق الخلق كثير المداعبة ثابت الفطنة جوادا، و مولده سنة خمس و أربعين و مائتين، و توفي في يوم الأربعاء لليلة بقيت من شعبان سنة أربع و عشرين و ثلاثمائة، و دفن في تربة في حريم داره بسوق العطش ثاني يوم موته، و له من الكتب: كتاب «القراءات الكبير»، كتاب «القراءات الصغير»، كتاب «الياءات»، كتاب «الهامات»، كتاب «قراءة أبي عمرو»، كتاب «قراءة ابن كثير»، كتاب «قراءة عاصم»، كتاب «قراءة نافع»، كتاب «قراءة حمزة»، كتاب «قراءة الكسائي»، كتاب «قراءة ابن عامر»، كتاب «قراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» [الفهرست 49].

و ترجمه الخطيب (ت 463 ه) بقوله: «كان شيخ القراء في وقته و المقدم فيهم على أهل عصره كان ثقة مأمونا. و عن أحمد بن يحيى أنه قال في سنة 286 ه ما بقي في عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب اللّه من أبي بكر بن مجاهد و روى في حياته أمرين لا يجتمعان عادة في شخص واحد:

الرواية الأولى: عن أبي الفضل الزهري قال: حدّثنا أبو الفتح محمد بن عمر الرفّاء قال: سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان .. قال: صليت خلف أبي بكر بن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت، ثم استفتح ثانية ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة.

فقلت: أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فقال لي: شهدت المكان؟ فقلت: نعم. فقال أشهدتك اللّه إن حدثت به عني إلى أن أوارى تحت أطباق الثرى. فقال لي يا بني ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الإحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني و بين رب العزة تعالى، سرا بسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد للّه في كتابه ما بين عيني، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ. [تاريخ بغداد 5/ 145].

ص: 253

الرواية الثانية: في مجلس طعام بعد أن ينتهي عن الأكل يسأل المحدث عن ابن غريب المغني و نصها: فقلت له: أين ابن غريب؟ فقال لي عند بعض الرؤساء و قد حال بيننا و بينه، فشق علي و تبين أبو بكر بن مجاهد ذلك مني، فقال لي: هاهنا من ينوب عن ابن غريب.

فتحدّثنا ساعة. فقلت له: لا أرى للنائب عن ابن غريب خبرا و لا أثرا، فدافعني فصبرت ساعة، ثم كررت الخطاب عليه و الححت، و لست أعلم من هو النائب بالحقيقة عن ابن غريب. فقال للفتى: هات قضيبا، فأتاه به، فأخذه أبو بكر و وقع و اندفع يغني، فغناني نيفا و أربعين صوتا في غاية الحسن و الطيبة و الإطراب، فأشجاني و حيرني فقلت له: يا أستاذ متى تعلمت هذا و كيف تعلمته؟ فقال: يا بارد تعلمته لبغيض مثلك لا يحضر الدعوة إلا بمغن، و مضى لنا يوم طيب [تاريخ الطبري 5/ 147].

و لعل الرواية الأولى من ديانته- كما وصفه ابن النديم- و الثانية من رقيق خلقه و كثرة المداعبة كما وصفه بذلك أيضا، و هذه الصفة انعدمت تجاه مناوئه ابن شنبوذ (ت 328 ه) الذي كان يناوئ ابن مجاهد و لا يعاشره- كما يقول ابن النديم- و جرت هذه المناوئة الويل على ابن شنبوذ الذي سعى ابن مجاهد ضده حتى ضرب أسواطا و مات في محبس السلطان كما تشير إلى ذلك مصادر ترجمته.

قال الذهبي (ت 748 ه) في ترجمة ابن مجاهد (ت 324 ه) ما لفظه: ولد سنة خمس و أربعين و مائتين بسوق العطش من بغداد، و سمع الحديث من سعدان بن نصر، و أحمد بن منصور الرمادي، و محمد بن عبد اللّه المخرمي، و أبي بكر الصنعاني، و عباس الدّوري، و خلق.

و قرأ القرآن على أبي الزّعراء بن عبدوس، و قنبل المكي. و سمع القراءات من طائفة كبيرة، مذكورين في صدر كتابه، و تصدر للإقراء، و ازدحم عليه أهل الأداء، و رحل إليه من الأقطار و بعد صيته.

و قال عبد الواحد بن أبي هاشم: سأل رجل ابن مجاهد لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفا يحمل عنه، فقال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا.

و قال فارس بن أحمد: انفرد ابن مجاهد عن قنبل بعشر أحرف لم يتابع عليها.

و قال علي بن عمر المقرئ: كان ابن مجاهد له في حلقته أربعة و ثمانون خليفة، يأخذون على الناس.

ص: 254

و قال عبد الباقي بن الحسن: كان في حلقة ابن مجاهد خمسة عشر رجلا، أضراء يتلقنون لعاصم.

قلت: آخر من روى السبعة لابن مجاهد، أو اليمن الكندي، تفرد بعلو رواية الكتاب، عن ابن توبة، عن الصّريفيني، عن أبي حفص الكتاني، عنه.

قرأت الكتاب كله على عمر بن عبد المنعم الطائي، عن الكندي إجازة.

توفي في شعبان سنة أربع و عشرين و ثلاث مائة. [راجع: معرفة القراء، المجلد الأول 269 إلى 271].

و قال ابن الجزري (ت 833 ه) أيضا: «أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ الأستاذ أبو بكر بن مجاهد البغدادي شيخ الصنعة و أول من سبّع السبعة، ولد سنة خمس و أربعين و مائتين بسوق العطش ببغداد، قرأ على عبد الرحمن بن عبدوس عشرين ختمة و على قنبل المكي و عبد اللّه.

و بعد صيته و اشتهر أمره وفاق نظراءه مع الدين و الحفظ و الخير و لا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذ منه و لا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه. حكى ابن الأخرم أنه وصل إلى بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحوا من ثلاثمائة مصدر. و قال علي بن عمر المقرئ كان ابن مجاهد له في حلقته أربعة و ثمانون خليفة يأخذون على الناس، توفي يوم الأربعاء وقت الظهر في العشرين من شعبان سنة أربع و عشرين و ثلاثمائة رحمه اللّه تعالى [غاية النهاية 1/ 142].

و ترجمة الذهبي له تكشف عن همة عالية له حيث «سمع القراءات من طائفة كبيرة» ثم هو نفسه كان تواقا لهذا العلم «و تصدر للإقراء» و لا شك لعوامل كبيرة أهمها كفاءته الذاتية «و رحل إليه من الأقطار و بعد صيته» و من الطبيعي لمن سمع القراءات الكثيرة أن يتصدر بقراءة و اختيار و لا يعرف ما هي العشر الأحرف التي قرأ بها عن قنبل ثم «لم يتابع عليها»؟

و إذا تحاشى أن يختار لنفسه حرفا فلما ذا انفرد بهذه العشر أحرف؟ و ما هي؟ و طبيعي أن من يحظى بهذه الدرجة من الشهرة بحيث أن يكون له 84 خليفة «أي معيدين لدروسه لا بد و أن يكثر حساده و مناوئوه و معاملته مع المناوئين تكشف عن شخصيته الفريدة».

فقد ضبط التاريخ من مناوئيه اثنان هما:

1- أبو الحسن بن شنبوذ (ت 328 ه).

2- محمد بن يعقوب بن مقسم (ت 354 ه).

ص: 255

و إليك لمحة عنهما:

ابن شنبوذ (ت 328 ه)

اشارة

قال ابن النديم (ت 380 ه) في ترجمة ابن شنبوذ (ت 328 ه): «هو محمد بن أحمد بن أيوب بن شنبوذ. و كان يناوئ أبا بكر و لا يعاشره و كان ديّنا فيه سلامة و حمق.

قال لي الشيخ أبو محمد يوسف بن الحسن السيرافي أيّده اللّه، عن أبيه: إنه كان كثير اللحن قليل العلم، و قد روى قراءات كثيرة. و له كتب مصنفة في ذلك. و توفي سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة في محبسه بدار السلطان». و كان الوزير أبو علي بن مقلة، ضربه أسواطا فدعا عليه بقطع اليد، فاتفق أن قطعت يده. و هذا من طريف الاتفاق. [الفهرست 49].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه) في ترجمته: «أبو الحسن بن شنبوذ (ت 328 ه) هو محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت، و منهم من يقول: ابن الصلت بن أيوب بن شنبوذ البغدادي. شيخ الإقراء بالعراق، مع ابن مجاهد. قرأ القرآن على عدد كثير بالأمصار، منهم قنبل، وعد جمعا.

ثم قال: «و تهيأ له من لقاء الكبار ما لم يتهيأ لابن مجاهد، و قرأ بالمشهور و الشاذ، قرأ عليه عدد كثير، منهم أحمد بن نصر الشذائي، وعد جمعا.

ثم قال: «و اعتمد أبو عمرو الداني و الكبار على أسانيده في كتبهم. و روى عنه أبو بكر بن شاذان، و عمر بن شاهين، و أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري، و أبو طاهر بن أبي هاشم، و أبو الشيخ بن حيّان.

و كان يرى جواز الصلاة بما جاء في مصحف أبيّ، و مصحف ابن مسعود، و بما صح في الأحاديث- مع أن الاختلاف في جوازه معروف بين العلماء قديما و حديثا- و يتعاطى ذلك.

و كان ثقة في نفسه، صالحا دينا، متبحّرا في هذا الشأن، لكنه كان يحط على ابن مجاهد، و يقول: هذا العطشيّ لم تغبر قدماه في طلب العلم، يعني أنه لم يرحل من بغداد، و ليس الأمر كذلك، قد حجّ و قرأ على قنبل بمكة.

قال محمد بن يوسف الحافظ: «كان ابن شنبوذ إذا أتاه رجل من القراء، قال: هل قرأت على ابن مجاهد، فإن قال: نعم. لم يقرئه.

قال أبو بكر الجلاء المقرئ: كان ابن شنبوذ رجلا صالحا.

ص: 256

قال أبو عمرو الدّاني: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللّه الفرائضي، يقول: استتيب ابن شنبوذ على هذه الآية: وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]. قال لنا عبد الرحمن: فسمعت أبا بكر الأبهري يقول: أنا كنت ذلك اليوم الذي نوظر فيه ابن شنبوذ، حاضرا مع جملة الفقهاء، و ابن مجاهد بالحضرة.

قال الداني: حدّثت عن إسماعيل بن عبد اللّه الأشعري، حدّثنا أبو القاسم بن زنجي الكاتب الأنباري، قال: حضرت مجلس الوزير أبي علي بن مقلة وزير الراضي و قد احضر ابن شنبوذ، و جرت معه مناظرات في حروف، حكي عنه أنه يقرأ بها، و هي شواذ، فاعترف منها بما عمل به محضر بحضرة أبي علي بن مقلة، و أبي بكر بن مجاهد، و محمد بن موسى الهاشمي، و أبي أيوب محمد بن أحمد، و هما يومئذ شاهدان مقبولان.

نسخة المحضر:

سئل محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ، عما حكي عنه أنه يقرأه، و هو: «فامضوا إلى ذكر اللّه» فاعترف به، و عن «و تجعلون شكركم أنكم تكذبون»، و عن «كل سفينة صالحة غصبا» فاعترف به، و عن «كالصوف المنفوش» فاعترف به، و عن «فاليوم ننجيك ببدنك» فاعترف به، و عن «تبت يدا أبي لهب و قد تبّ» فاعترف به، و عن «فلمّا خرّ تبينت الإنس ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين» فاعترف به، و عن «و الذكر و الأنثى» فاعترف به، و عن «فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما» و عن «و ينهون عن المنكر و يستغيثون اللّه على ما أصابهم، و أولئك هم المفلحون» و عن «و فساد عريض» فاعترف بذلك.

و فيه اعترف ابن شنبوذ بما في هذه الرقعة بحضرتي، و كتب ابن مجاهد بيده يوم السبت لست خلون من ربيع الآخر سنة ثلاث و عشرين و ثلاث مائة.

و نقل ابن الجوزي و غير واحد، في حوادث سنة ثلاث هذه أن ابن شنبوذ أحضر، و أحضر عمر بن محمد بن يوسف القاضي، و ابن مجاهد، و جماعة من القراء، و نوظر فأغلظ للوزير في الخطاب، و للقاضي، و لابن مجاهد، و نسبهم إلى قلة المعرفة، و أنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر.

فأمر الوزير بضربه سبع درر، و هو يدعو على الوزير، بأن يقطع اللّه يده، و يشتت شمله، ثم أوقف على الحروف التي يقرأ بها، فأهدر منها ما كان شنعا، و توبوه عن التلاوة بها غصبا. و قيل: إنه أخرج من بغداد، فذهب إلى البصرة، و قيل: إنه لما ضرب بالدرة جرد و أقيم بين الهنبازين، و ضرب نحو العشر، فتألم و صاح، و أذعن بالرجوع.

ص: 257

و قد استجيب دعاؤه على الوزير، و قطعت يده، و ذاق الذل.

توفي ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان و عشرين و ثلاث مائة، و فيها هلك ابن مقلة.

[معرفة القراء 2/ 279].

لم يؤثر عن ابن شنبوذ رأي باخباره سوى الاتهام بالقراءة المخالفة لمصحف عثمان و ذكر ابن النديم شيئا مما قرأ به ابن شنبوذ قائلا: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر اللّه. و قرأ، و كان إمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، و قرأ، كالصوف المنفوش. و قرأ، تبت يدا أبي لهب و قد تبّ ما أغنى و قرأ، اليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية. و قرأ، فلما خرّ تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب الأليم. و قرأ، و الليل إذا يغشى و النهار إذا تجلّى و الذكر و الأنثى. و قرأ، فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما. و قرأ، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد عريض. و قرأ، و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف ناهون عن المنكر و يستعينون اللّه على ما أصابهم أولئك هم المفلحون. و اللّه أخرجكم من بطون أمهاتكم. و يقال إنه اعترف بذلك كله. ثم استتيب و أخذ خطّه بالتوبة، فكتب: يقول محمد بن أحمد بن أيوب قد كنت أقرأ حروفا تخالف مصحف عثمان (بن عفان) المجمع عليه و الذي اتفق أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على قراءته ثم بان لي أن ذلك خطأ و أنا منه تائب و عنه مقلع و إلى اللّه جلّ اسمه منه بري ء، إذ كان مصحف عثمان هو الحق الذي لا يجوز خلافه و لا يقرأ غيره. و له من الكتب؛ كتاب ما خالف فيه ابن كثير أبا عمرو [الفهرست 50].

و هذه الحروف لم تتجاوز العشرة و هي المروية في قراءة ابن مسعود و غيره و ابن شنبوذ كما تنبئنا ترجمته- لم يكن بالنكرة من القراء و كما يقول الذهبي (ت 748 ه): «قد تهيأ له من لقاء الكبار ما لم يتهيأ لابن مجاهد» و يظهر أن ابن مجاهد لم يعبأ بعلم الرجل و لا بلقائه الكبار و لا لاختياراته.

و مما كتبه ابن شنبوذ- على رواية ابن النديم- يظهر أن الاتهام ضده خاصة بأنه كان يخالف مصحف عثمان و أنه يجوّز خلافه لم يكن أمرا خاصا به.

فإن هذه الموارد ليست إلا اختيارات شخصية كسائر القراء في عصره. و لم تكن معاملة ابن مجاهد إياه بحدود الأدب بل كان من منظار سياسي. و بالقضاء على شخصية ابن شنبوذ ... أخذت القراءات الأخرى بالأفول. و لكن، لم يعد ابن شنبوذ من مناصرين له في الفكر منهم محمد بن الحسن بن مقسم.

ص: 258

ابن مقسم (ت 332 ه)

ترجمه ابن النديم (ت 380 ه) بقوله: «أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم بن يعقوب. أحد القراء بمدينة السلام قريب العهد و كان عالما باللغة و الشعر. سمع من ثعلب (روى عنه) و توفي سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة. و له من الكتب: كتاب «الأنوار في علم القرآن». كتاب «المدخل إلى علم الشعر»، كتاب «احتجاج القراءات»، كتاب «في النحو (كبير)»، كتاب «المقصور و الممدود»، كتاب «المذكر و المؤنث»، كتاب «الوقف و الابتداء»، كتاب «عدد التمام»، كتاب «المصاحف»، كتاب اختيار نفسه، كتاب «السبعة بعللها (الكبير)»، كتاب «السبعة الأوسط»، كتاب «الأوسط»، آخر. كتاب «الأصغر» و يعرف ب «شفاء الصدور»، كتاب «انفراداته»، كتاب «مجالس ثعلب». [ابن النديم 52].

و قال الذهبي (ت 748 ه) ما نصه: «ابن الحسن بن مقسم الإمام أبو بكر البغدادي، المقرئ النحوي العطار. أخذ القراءة عرضا عن إدريس الحداد، و داود بن سليمان صاحب- وعده جمعا- ثم قال: «كان من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيين، و أعرفهم بالقراءات، مشهورها و غريبها و شاذها.

قال أبو عمرو الداني: هو مشهور بالضبط و الاتقان، عالم بالعربية، حافظ للغة، حسن التصنيف في علوم القرآن، و كان قد سلك مذهب ابن شنبوذ الذي أنكر عليه، فحمل الناس عليه لذلك. قال: و سمعت عبد العزيز بن جعفر يقول: سمعت منه أمالي ثعلب، و اختار حروفا خالف فيها العامة، فنوظر عليها فلم يكن عنده حجة، فاستتيب، فرجع عن اختياره بعد أن وقّف للضرب، و سأل ابن مجاهد أن يدرأ عنه ذلك، فدرئ عنه، فكان يقول: ما لأحد عليّ منة كمنة ابن مجاهد ثم رجع بعد موت ابن مجاهد إلى قوله، فكان ينسب إلى أن كل قراءة توافق خط المصحف، فالقراءة بها جائزة، و إن لم يكن لها مادة.

قال أبو بكر الخطيب: لابن مقسم كتاب جليل في التفسير، و معاني القرآن سماه كتاب «الأنوار»، و له تصانيف عدة، و مما طعن عليه أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، فقرأها و أقرأها على وجوه، ذكر أنها تجوز في اللغة العربية، و شاع ذلك عنه، فأنكر عليه، فارتفع الأمر إلى السلطان، فأحضره و استتابه بحضرة الفقهاء و القراء، فأذعن بالتوبة، و كتب محضر توبته. و قيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف، و كان يقرئ بها إلى آخر وفاته.

و قال أبو طاهر بن أبي هاشم في كتاب «البيان»: و قد نبغ نابغ في عصرنا هذا، فزعم

ص: 259

أن كل من صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف، فقراءته جائزة في الصلاة و غيرها، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل، و أورط نفسه في منزلة عظمت بها جنايته على الإسلام و أهله، و حاول إلحاق كتاب اللّه من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه و لا من خلفه، إذ جعل لأهل الإلحاد في دين اللّه بسبب رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق، بتخيير القراءات من جهة و البحث و الاستخراج بالآراء، دون الاعتصام و التمسك بالأثر، و كان شيخنا أبو بكر- نضّر اللّه وجهه- سئل عن بدعته المضلة، فاستتابه منها بعد أن سئل البرهان على ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، و لم يكن له حجة، فاستوهب أبو بكر تأديبه من السلطان، عند توبته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه، و استغوى من أصاغر الناس من هو في الغفلة و الغباوة دونه، إلى أن قال ابن هاشم: و ذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام و أبي عبيد، و ابن سعدان، أن يختاروا، و كان ذلك لهم مباحا غير منكر، كان لمن بعدهم مباحا. فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه، و سلك طريقهم، لكان ذلك سائغا له و لغيره، و ذلك أن خلفا ترك حروفا من حروف حمزة، اختار أن يقرأها على مذهب نافع، و أما أبو عبيد و ابن سعدان، فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة الأمصار، و إنما كان النكير على هذا شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين و مختلفين.

قال الخطيب: حدّثني أبو بكر أحمد بن محمد الغزال، سمعت أبا أحمد الفرضي غير مرة يقول: رأيت في المنام كأني في الجامع أصلّي مع الناس، و كان محمد بن الحسن بن مقسم قد ولى ظهره القبلة، و هو يصلي مستدبرها، فأولت ذلك بمخالفته للأئمة، فيما اختاره لنفسه.

ولد ابن مقسم سنة خمس و ستين و مائتين، و توفي في ثامن ربيع الآخر سنة أربع و خمسين و ثلاث مائة «توفي على ساعات من النهار و دفن بعد صلاة الظهر من يومه». [معرفة القراء 306/ 309].

و على العكس مما فعله ابن شنبوذ من القراءات المخالفة لمصحف عثمان من دون بيان الأوجه لذلك جاء دور محمد بن الحسن بن مقسم (ت 354 ه) من وجهة لغوية و تلخصت دعواه بأن: «كل قراءة توافق خط المصحف فالقراءة بها جائزة و إن لم تكن لها مادة».

و ذكر- كما في روايات الخطيب-: «أنها تجوز في اللغة و العربية».

و سترى فيما بعد أن هذا مما اتفق عليه في صحة القراءات اليوم.

ص: 260

و حجة ابن مقسم- على ما حكاه مناوئوه-: «لما كان من يخلف ابن هشام و أبي عبيد و ابن سعدان أن يختاروا و كان ذلك لهم مباحا غير منكر كان لمن بعدهم مباحا أيضا». و هذه الحجة تعني أن الاختيارات ليست توقيفية فحال القراء فيها واحد سواء من تأخر زمنا أو تقدم بشرطين هما: موافقة خط المصحف و موافقة اللغة العربية.

و رأى أبو طاهر ابن هشام تلميذ ابن مجاهد ذلك منه «غفلة و غباوة و ابتداعا و استغواء لأنه تتخذ القراءات من جهة البحث و الاستخراج بالآراء دون الاعتصام و التمسك بالأثر».

و من ذكاء ابن مقسم أنه لما أخذ للمحاكمة و نوظر و وقف للضرب أن تصرف بما يثبت براءته حيث سأل ابن مجاهد أن يدرأ عنه ذلك فدرأ عنه و هذا موقف يعاكس تماما موقف ابن شنبوذ (فكيف) يدرأ الحد عمن يستحقه؟ و دور ابن مقسم هذا يثبت براءة ابن مقسم و أن الأمر من ابن مجاهد كان شخصيا أو سياسيا. و من هنا- كما في رواية- «لم يدع من تلك الحروف و كان يقرأ بها إلى آخر وفاته» من دون مزاحمة من ابن مجاهد مجاراة له في حياته و خوفا منه و عاد إلى إعلان رأيه بعد وفاته من دون خوف.

و لم تؤرخ حادثة ابن مقسم (المولود 265 و المتوفى 354 ه) و من المظنون أنها في نفس العام الذي حدث لشيخه ابن شنبوذ أي سنة (323 ه) فلم يطل عليه الأمر حيث توفي ابن مجاهد سنة (324 ه) و بذلك ارتفع عنه الحظر عن القراءة و قرأ حسب ما يراه من موافقة المصحف و العربية. أي حوالي 31 عاما بعد وفاة ابن المجاهد.

و هذا يختلف عن موقف شيخه ابن شنبوذ الذي لم يرضخ لابن مجاهد فضرب سبع درات و استتيب و حبس و- على رواية ابن النديم- مات في حبس السلطان سنة (328 ه) أي خمسة أعوام بعد وفاة ابن مجاهد فكيف يدرأ للتلميذ و لم يدرأ للشيخ مع أنهما معا على خط واحد؟ مما يظهر أن السلطة لم تكن تخشى من مخالفة ابن مقسم خشيتها من ابن شنبوذ.

فالخلاف بين ابن شنبوذ و ابن مقسم لم يكن إلا فيما لا يوافق عليه ابن مجاهد الممثل لحكم السلطة آنذاك.

و قد حصل كل ذلك في خلافة الرضي باللّه أبي العباس محمد بن المقتدر باللّه العباسي الذي حكم بين (322- 329 ه) و قد جاء في البداية و النهاية [11/ 178] في حوادث [322] و فيها عظم أمر مرداويج باصبهان و تحدث الناس أنه يريد أخذ بغداد و أنه ممالئ لصاحب أمير القرامطة و قد اتفقا على رد الدولة من العرب إلى العجم. [11/ 178].

ص: 261

فلعل هناك صلة بين هذه الحوادث السياسية و عجمة ابن شنبوذ كما ينبئ عن ذلك اسمه، و موقف الوزير علي بن مقلة الذي خلع القاهر و أصبح وزيرا للراضي بعده و أن ابن شنبوذ (اغلظ للوزير في الخطاب)- كما رواه ابن الجوزي.

و بالنتيجة ان طريقة كل من ابن شنبوذ و ابن مقسم قد ماتت- مهما كانت الأسباب و كان النصر بجانب ابن مجاهد. فما هي إذا طريقة ابن مجاهد.

طريقة ابن مجاهد:

اشارة

اختار ابن مجاهد قراءات سبع مشهورة في عصره و حاول فرضها على المجتمع الإسلامي و من حسن الحظ أن حدد طريقته في كتابه: «كتاب السبعة» بما يرفع اللبس.

قال في المقدمة: «اختلف الناس في القراءة كما اختلفوا في الأحكام، و رويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة و التابعين توسعة و رحمة للمسلمين، و بعض ذلك قريب من بعض، و حملة القرآن متفاضلون في حمله، و لنقلة الحروف منازل في نقل حروفه، و أنا ذاكر منازلهم، و دال على الأئمة منهم، و مخبر عن القراءة التي عليها الناس بالحجاز و العراق و الشام، و شارح مذاهب أهل القراءة و مبين اختلافهم و اتفاقهم إن شاء اللّه، و إياه أسأل التوفيق بمنه» [كتاب السبعة 45].

فالهدف هو إذا ذكر أئمة القراءة التي عليها الناس بالحجاز و العراق و الشام و بيان خلافهم و الترتيب في هذه المدن مقصود كما سيتبين.

و اوضح أن السبب في هذا الاختيار اختلاف القراءات بقوله: «و أما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام منها المجتمع عليه السائر المعروف. و منها المتروك المكروه عند الناس المعيب من أخذ به، و إن كان قد روي و حفظ. و منها ما توهم فيه من رواه، فضيع روايته و نسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه و ردوه على من حمله. و ربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه و تركه الانصراف عنه، و لعل كثيرا ممن ترك حديثه و اتهم في روايته كانت هذه علته. و إنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار و الحرام و الحلال و الأحكام. و ليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث و لا يبصر الرواية و الاختلاف. كذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن، منها المعرب السائر الواضح، و منها المعرب الواضح غير السائر، و منها اللغة الشاذة القليلة، و منها الضعيف المعنى في الإعراب غير أنه قد قرئ به، و منها ما توهّم فيه فغلط به- فهو لحن غير جائز- عند من لا يبصر من العربية إلا اليسير، و منها اللحن الخفيّ الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير،

ص: 262

و بكل قد جاءت الآثار في القراءات. و القراءة التي عليها الناس بالمدينة و مكة و الكوفة و البصرة و الشام هي القراءة التي تلقوها عن أوّليهم تلقّيا، و قام بها في كل مصر من الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة و العامة على قراءته و سلكوا فيها طريقه، و تمسّكوا بمذهبه، على ما روى.

و بعد أن ذكر القراء السبع و تراجمهم و طرقهم قال: «فهؤلاء سبعة نفر من أهل الحجاز و العراق و الشام، خلفوا في القراءة التابعين، و أجمعت على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار التي سميت و غيرها من البلدان التي تقرب من هذه الامصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا، فيقرأ به، من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام. و لا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة و السلف بوجه يراه جائزا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه. [السبعة 101].

و قد ابتدأ بقراءة المدينة ثم مكة فالعراق (الكوفة و البصرة) و الشام و اغلب الظن أنه اختارها على الترتيب حيث أن المصاحف العثمانية أرسلت كذلك إلى هذه المدن. و لعل ابن مجاهد كان يرى وجود تلك المصاحف فيها سببا في شهرة القراءة في تلك المدن.

و كما سترى أن اختياره لهذه القراءات لم يكن على مستوى واحد ففيها ما قرأه نحو عشرين مرة كقراءة نافع- خاصة- و ما لم يقرأه قط بل رواه رواية كقراءة عاصم.

جدول القراء السبعة حسب اختيار ابن مجاهد (ت 324 ه)

التسلسل الاسم/ القراءة/ الإسناد إليه/ مركز القراءة

1-/ نافع/ قرأها عشرين مرة/ و أسند إليه/ المدينة/

2-/ عبد اللّه بن كثير/ قرأها سنة 278 ه/ و أسند إليه/ مكة

3-/ عاصم/ لم يقرأها بل رواها/ و أسند إليه/ الكوفة

4-/ حمزة/ قرأها غير مرة/ و أسند إليه/ الكوفة

5-/ الكسائي/ قرأها غير مرة/ و أسند إليه/ الكوفة

6-/ أبو العلاء/ قرأها مرات/ و أسند إليه/ البصرة

7-/ ابن عامر/ لم يقرأها/ و أسند إليه/ الشام

ص: 263

انتقاد ابن مجاهد:

و لم يقتصر منتقدو ابن مجاهد في حصره للقراءات بالسبع على المعاصرين- الذين اتهموا بالحسد و المنافسة بل عارضه و انتقده قراء معروفون من بعده و بعد أن أفنى الدهر عوامل الحسد و المنافسة منهم:

1- أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت؟ 43 ه) الذي كان رأسا في القراءات و العربية [معرفة القراء/ 399].

2- أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 ه) الذي كان من أهل التبحر في علوم القرآن و العربية [معرفة القراء 1/ 394].

3- و ابن الجزري (ت 833 ه) في [النشر 1/ 37] قال بتفصيل ما لفظه: «كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء و خطئوه في ذلك و قالوا أ لا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده أو بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة (قال الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت؟ 43 ه) فأما اقتصار أهل الأمصار في الأغلب على نافع، و ابن كثير، و أبي عمرو، و ابن عامر، و عاصم، و حمزة، و الكسائي، فذهب إليه بعض المتأخرين اختصارا و اختيارا فجعله عامة الناس كالفرض المحتوم حتى إذا سمع ما يخالفها خطأ أو كفر و ربما كانت أظهر و أشهر، ثم اقتصر من قلّت عنايته على راويين لكل إمام منهم فصار إذا سمع قراءة راو عنه غيرهما أبطلها و ربما كانت أشهر، و لقد فعل مسبع هؤلاء السبعة ما لا ينبغي له أن يفعله و أشكل على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله و أوهم كل من قل نظره أن هذه هي المذكورة في الخبر النبوي لا غير و أكد و هم اللاحق السابق، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل هذه الشبهة. (و قال أيضا): القراءة المستعملة التي لا يجوز ردها ما اجتمع فيها الثلاثة الشروط فما جمع ذلك وجب قبوله و لم يسع أحدا من المسلمين رده سواء كانت عن أحد من الأئمة السبعة المقتصر عليهم في الأغلب أو غيرهم.

و قال الإمام أبو محمد المكي (ت 437 ه): «و قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة و أجل قدرا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة و اطرحهم. و قد ترك أبو حاتم و غيره ذكر حمزة و الكسائي و ابن عامر و زاد نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة. و كذلك زاد الطبري في كتاب «القراءات» له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا. و كذلك فعل أبو عبيد و إسماعيل القاضي. فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة

ص: 264

المتأخرين قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها؟ هذا تخلف عظيم أ كان ذلك بنص من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم كيف ذلك؟ و كيف يكون ذلك و الكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون و غيره و كان السابع يعقوب الحضرمي فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها الكسائي في موضع يعقوب ثم أطال الكلام في تقرير ذلك [النشر 1/ 37].

و على العكس يرى الدكتور شوقي ضيف محقق كتاب السبعة لابن مجاهد بعد أن استعرض اختلاف القراءات أن ما قام به ابن مجاهد كان ضروريا فقال: و كل ذلك جعل من الضروري أن يتجرد عالم من علماء القراءات أو طائفة من جهابذتها، ليقابلوا بين القراءات الكثيرة التي شاعت في العالم الإسلامي، و يستخلصوا منها للناس قراءات يحملونها عليها حتى لا يتفاقم الأمر، و يلتبس الباطل بالحق، و تصبح قراءة القرآن فوضى، لكل أن يقرأ حسب معرفته، بدون بصر تام بوجوه القراءات و بدون تمييز بين المتواتر المشهور منها و غير المتواتر. و لم يلبث ابن مجاهد أن نهض بهذا العب ء الرائع الذي تنوء به جماعات العلماء من القراء الأفذاذ، فاختار بعد البحث و الفحص الطويل سبعة من أئمة القراءات حمل عليهم المسلمين في جميع أقطارهم و أمصارهم، و بذلك لم الشعث، و أدرك الأمة قبل أن يتسع بينها الخلاف في قراءات كتابه السماوي العظيم. [مقدمة كتاب السبعة ص 12].

أقول: «و هذه بلا شك نظرة إلى علم القراءات من ناحية سياسية بحتة. و لا نظن الأمر بهذه الدرجة من التهويل الذي ذكر. فإن ابن مجاهد صرح أنه اختار القراءات المشهورة بين العوام. فإذا كانت مشهورة- كما هو الواقع- فإن شهرتها كانت كافية في العمل بها و لم تستلزم وجود قراءات غير مشهورة أية فوضى في الأمة- كما يراه القائل- بل و حتى اليوم توجد قراءات كقراءات عاصم المشهورة و قراءات غير مشهورة إما في بطون الكتب أو الصدور و ليس لها أية فوضى مع أن الذين قاموا بتلك القراءات الغير المشهورة كانوا ذوي بصيرة تامة بوجوه القراءات و مع تمييز كامل بين المتواتر المشهور و غير المتواتر. و مما لا شك فيه أنه كان لابن مجاهد دور إيجابي في تفضيل هذه القراءات و التأكيد على شهرتها بين العوام- حسب تعبيره- و يشبه دوره دور الخليفة عثمان- غير أنه لم يكن خليفة- فكلاهما كان له دور تاريخي عن تاريخ القرآن و معاقبة من لم يتبع رأيه.

فالخليفة عثمان- كما في رواية المسعودي- وقف موقفا متشددا لقراءة عبد اللّه بن مسعود بالمدينة و عبر عنه (بالدابة السوداء) و جر من رجله حتى كسر ضلعه و مات.

و ابن مجاهد وقف موقفا متشددا لقراءة محمد بن شنبوذ (ت 328 ه) بالعراق فأمر الوزير بضربه سبع درر و ضرب نحو العشر فتألم و صاح و ادعى الرجوع عن رأيه و مات في

ص: 265

سجن السلطان كما ذكره ابن النديم. و لا يزال لدور ابن مجاهد أثرا في تفضيل القراءات السبع على غيرها.

و الملاحظ أن ابن مجاهد ركز على القراءات المشهورة بين العوام- حسب تعبيره- في المدن مكة الكوفة البصرة و الشام دون غيرها مع أن القراء لم ينحصروا فيها و مع أن منهم من هاجر منها و إليها و لم يكن من أهلها- فالكسائي كان يتنقل بين البلاد [ص 79] أبو عمرو بن العلاء قرأ على أهل الحجاز و سلك في القراءة طريقهم [ص 82] و إلى قراءته صار أهل البصرة أو أكثرهم [ص 85].

فاختيار ابن مجاهد هذه المدن خاصة دون غيرها لم يقم على حجة شرعية و إن كان أغلب الظن أن السبب هو أن عثمان أرسل المصاحف إليها فهي خمسة فكان ينبغي التخميس لا التسبيع و لما ذا أهمل البحرين؟ و هي منها على بعض الروايات.

قال العاملي (ت 1226 ه): «ان ابن جبير قد صنف قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات و اقتصر على خمسة أخبار على عدد الأمصار التي أرسل عثمان إليها المصاحف. قال: و من الناس من قال أنه وجه سبعة هذه الخمسة و مصحفا إلى اليمن و آخر إلى البحرين و لما أراد ابن مجاهد و غيره مراعاة هذا العدد و لم يعلم لذينك المصحفين بخبر أثبتوا قارئين آخرين كملوا بهما العدد الذي ورد به الخبر و عثر عليه و من لم يعرف أصل المسألة فظن أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع انتهى، و هذا يؤيد ما عليه أصحابنا. [مفتاح الكرامة 2/ 395].

و يرى القسطلاني (ت 923 ه) المتأخر توجيها لعمل ابن مجاهد لم يدّعه ابن مجاهد نفسه فقال: «ابن مجاهد، أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين و العراقين و الشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة، من القرآن و تفسيره، و الحديث، و الفقه في الأعمال الباطنة و الظاهرة و سائر العلوم الدينية.

ثم زاد: «فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار، ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غيره من العلماء، أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم» [لطائف الاشارات 1/ 86].

و هذا التوجيه في تحديد القراءات بالسبع أغرب من اختيار ابن مجاهد نفسه فإن موافقة العدد للحروف السبعة فيه من التلبيس ما لا ينبغي للعالم أن يفعله بل يجب أن يتجنبه خشية الالتباس بأن المراد السبعة هذه هي السبعة المذكورة في الأحاديث السبعة.

ص: 266

و الظاهر أن ابن مجاهد تأثر في ذلك بشيخه الطبري (ت 310 ه) حيث كان مغرما بقراءته فقد نقل الخطيب البغدادي (ت 463 ه) عن أبي علي الطوماري قال: كنت أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد إلى المسجد لصلاة التراويح، فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره و اجتاز على مسجده فلم يدخله و أنا معه، و سار حتى انتهى إلى آخر سوق العطش فوقف بباب مسجد محمد بن جرير- الطبري- و محمد يقرأ سورة الرحمن، فاستمع قراءته طويلا ثم انصرف. فقلت له: يا أستاذ تركت الناس ينتظرونك و جئت تسمع قراءة هذا؟ فقال: يا أبا علي دع هذا عنك، ما ظننت أن اللّه تعالى خلق بشرا يحسن يقرأ هذه القراءة. [تاريخ بغداد 2/ 164].

و الطبري قال ما لفظه: «فغير جائز لأحد تغيير رسم مصاحف المسلمين و إذا لم يجز ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قراء الأمصار دون من شذ بقراءته عنهم» [تفسير الطبري 33/ 663، ط 1327 ه).

فيرى الطبري إجماع القراء حجة القراءة و كان ابن مجاهد يرى في هؤلاء السبعة اجماعا منهم و فيها كفاية على صحتها و غيرها- حسب اجتهاده- و لكن تفضيله بعضها كقراءة نافع على غيرها ينافي هذا التحديد.

و بالرغم من هذا الاهتمام المتزايد من ابن مجاهد في قراءة نافع ليس اليوم في سنة 1385 ه في العراق- موطن ابن مجاهد- قارئ لقراءة نافع و لا قارئ واحد بل على العكس أصبح ما دعى إليه مناوئه ابن مقسم من موافقة خط المصحف و موافقة اللغة العربية أصلين من أصول صحة القراءة اليوم في العالم الإسلامي كله.

و قد ظهرت في القرن الرابع طائفة كتب في علل القراءات السبع و الاحتجاج بها و الانتصار لها:

1- و لعل أولها انتقادا لابن مجاهد ما كتبه أبو بكر محمد بن السري السراج (ت 316 ه)- لكنه لم يتم- كما يظهر من مقدمة الفارسي.

2- محمد بن الحسن الأنصاري (ت 351 ه) له كتاب السبعة بعللها الكبير.

3- محمد بن الحسن بن مقسم (ت 362 ه) له كتابان «كتاب بعللها الكبير و الأوسط.

4- عبد اللّه بن الحسين بن خالويه (ت 370 ه) له الحجة في القراءات السبع ط 1971 م.

ص: 267

5- أبو علي الفارسي (ت 377 ه) له الحجة في القراءات السبع ط دمشق 1984 م.

و هذه الكتب بالرغم من ضياع بعضها تعطي فكرة واضحة عن أثر ابن مجاهد في نشر القراءات السبع في المجتمع الإسلامي.

و كل من جاء بعدهم توسع على مبناهم و سار على خطاهم و أشهرهم:

1- مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 ه).

2- عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه).

3- القاسم بن فيروز الشاطبي (ت 590 ه).

و قد ساهم كل منهم مساهمة فعالة في القراءات السبع دراسة و قراءة و حفظا. و إليك لمحة عن هؤلاء القراء السبع:

جدول تواريخ القراءة السبعة

الصورة

ص: 268

القراء السبعة:

اشارة

هم من المدن التي أرسل عثمان المصاحف إليها و هي الكوفة و البصرة و الشام- مضاف إليها مكة و المدينة و كلهم من الموالي ما عدا ابن عامر حيث اختلف فيه أ هو عربي أم مولى فقد انتخب ابن مجاهد (ت 324 ه) قارئا واحدا من كل من مكة و المدينة و دمشق و البصرة و ثلاثة من الكوفة، و يصعب تعليل اختياره ثلاثة من مدينة الكوفة وحدها دون الباقي. و هم حسب وفياتهم:

1- ابن عامر (ت 118 ه) هو أبو عمران ابن عبد اللّه بن عامر اليحصبي من أهل الشام.

2- ابن كثير (ت 120 ه) هو أبو معبد عبد اللّه بن كثير أبو معبد المكي مولى من أهل مكة.

3- عاصم (ت 127 ه) هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي من أهل الكوفة.

4- أبو عمرو بن العلاء (ت 154 ه) أبو عمرو زياد بن العلاء بن عمار البصري المازني من أهل البصرة.

5- حمزة الزيات (ت 156 ه) أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي المولى من أهل الكوفة.

6- نافع (ت 169 ه) أبو رويم نافع بن عبد اللّه محمد بن نعيم الليثي المولى من أهل المدينة.

7- الكسائي (ت 189 ه) أبو الحسن علي بن حمزة الأسدي المولى من أهل الكوفة.

و إليك لمحة عن حياتهم:

1- أبو عامر الدمشقي (ت 118 ه)

ظهرت قراءة ابن عامر الدمشقي في خلافة هشام بن عبد الملك الأموي (106- 116 ه) الذي أخمد ثورة زيد بن علي بن الحسين العلوي و اتخذ دمشق عاصمة لخلافته.

و يذكر المؤرخ ابن الأثير (630 ه) في «الكامل» حوادث عن دعاة بني العباس في خراسان منها سنة 117 ه حيث قال: «و في هذه السنة أخذ عبد اللّه جماعة من دعاة بني العباس بخراسان فقتل بعضهم و مثل ببعض و حبس بعضهم» [الكامل 4/ 415].

ص: 269

و لم يذكر ابن الأثير (630 ه) وفاة ابن عامر في سنة 118 ه [راجع الكامل 4/ 422] مما يكشف عن عدم اشتهاره في هذا العصر و ترجمه الذهبي في معرفة القراء [1 (83- 86)] و قال: «انه توفي سنة 118 ه».

و نقف في ترجمته على النقاط التالية:

يذكر ابن عامر نفسه أنه: «قبض رسول اللّه ولي سنتان و انتقلت إلى دمشق ولي تسع سنين [معرفة القراء 1/ 82]. و هذا يستلزم أنه ولد السنة 9 للهجرة و في 18 انتقل إلى دمشق- و لم يذكر من أين و كان قد بلغ من العمر 117 عاما لأنه توفي 118 هو هذا عمر طويل عادة. و رواية الذماري أنه ولد سنة 21 للهجرة أقرب إذ يكون عمره حينئذ 96 عاما.

كان ممن ولي قضاء دمشق و حدث عن معاوية [معرفة القراء 1/ 83] فهو إذا على صلة حسنة بالأمويين و كان قاضي الجند و كان رئيس المسجد لا يرى فيه بدعة إلا غيّرها [1/ 84] فإذا كان له دور فعال في شرطة الأمويين و كان يزعم أنه من حمير و كان يغمز في نسبه» [1/ 84] فكان إذا لديه عقدة نقص يحاول نقضها بدعوى النسب و قال سلمان بن عبد الملك للمهاجر بن أبي المهاجر «إذا كان أول ليلة من رمضان قف خلف الإمام فإذا تقدم ابن عامر فخذ بثيابه و اجذبه و قل: تأخر فلن يتقدمنا دعيّ» [1/ 85] و عليه دعواه النسب كانت معروفة. و قال العجلي «ابن عامر شامي ثقة» [1/ 85] لا بد و أن يكون في غير هذه الدعوى.

فمن الطبيعي في مثل هذه الوظائف الحكومية التي تقلدها ابن عامر أن تنتشر قراءته في عاصمة الأمويين و تساندها الأموية و أن تموت قراءة زيد بن علي المعارض للحكم الأموي و الذي قضى الحكم الأموي على ثورته و ماتت قراءته بموته- حتى عدت من الشواذ- [راجع المحتسب لابن جني ص 1].

و قد ماتت قراءة ابن عامر و لا يقرأ بها أحد اليوم سنة 1385 ه في دمشق و لا في غيرها من البلاد الإسلامية و كأن زوال الحكم الأموي كان سببا لزوالها.

قال ابن مجاهد (ت 324 ه): و كان عبد اللّه بن عامر اليحصبي قد أخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، و أخذها المغيرة عن عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه.

و روي عن يحيى بن الحارث الذماري، قال: «قرأت على عبد اللّه بن عامر اليحصبي، و قرأ عبد اللّه على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، و قرأ المغيرة على عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه» [السبعة 86].

ص: 270

و على قراءة ابن عامر أهل الشام و بلاد الجزيرة إلا نفرا من أهل مصر، فإنهم ينتحلون قراءة نافع، و الغالب على أهل الشام قراءة ابن عامر [كتاب السبعة 87].

و ذكر ابن مجاهد ثلاثة أسانيد لقراءة عبد اللّه بن عامر أولها: و أما ابن عامر فإن أحمد بن يوسف التغلبي أخبرنا بقراءته، عن عبد اللّه بن أحمد بن ذكوان الدمشقي أبي عمرو، قال: قرأت على أيوب بن تميم القارئ التميمي و أخبرني أيوب أنه قرأ على يحيى الذماري، و أن يحيى بن الحارث قرأ على عبد اللّه بن عامر. [السبعة 101].

قال القيسي (ت 427 ه): «ابن عامر هو أكبر القراء سنا، روي لنا أنه قرأ على عثمان و على أبي الدرداء، و قيل على المغيرة بن أبي شهاب المخزومي قرأ، و قرأ المغيرة على عثمان و كلا الطريقين قد تكلم فيه، و لذلك أخّرناه، و لم أر أحدا من الشيوخ يترك قراءته، و لم يحملها إلا محمل الصحيح و السلامة و على ذلك نحن.

و كان ابن عامر من التابعين، من الطبقة الثانية، و توفي بدمشق سنة ثماني عشرة و مائة، روى البخاري أن ابن عامر سمع من معاوية و روى عنه، و قيل إنه قرأ على النعمان بن بشير و على واثلة بن الأسقع رحمة اللّه عليهم». [التبصرة 51].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه) في ترجمته: «إمام أهل الشام في القراءة عبد اللّه بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة، أبو عمران على الأصح، و قيل أبو عامر، و قيل: أبو نعيم، و قيل: أبو عليم، و قيل: أبو عبيد، و قيل: أبو محمد، و قيل: أبو موسى، و قيل: أبو معبد، و قيل: أبو عثمان الدمشقي، ثابت النسب إلى يحصب بن دهمان أحد حمير، و حمير من قحطان، و بعضهم يتكلم في نسبه، و الصحيح أنه صريح النسب.

قال خالد بن يزيد المريّ: سمعت عبد اللّه بن عامر يقول: قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولي سنتان، و انتقلت إلى دمشق، ولي تسع سنين.

أخذ القراءة عرضا عن أبي الدرداء، و عن المغيرة بن أبي شهاب صاحب عثمان، و قيل: عرض على عثمان نفسه رضي اللّه عنه، و روى عنه القراءة عرضا يحيى الذماري.

ولي قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني، و حدث عن معاوية، و فضالة بن عبيد، و النعمان بن بشير، و واثلة بن الأسقع.

قال الفسوي في «تاريخه»: «حدّثنا هشام بن عمار، حدّثنا الهيثم بن عمران، قال:

كان رأس المسجد بدمشق في زمن عبد الملك و بعده، عبد اللّه بن عامر اليحصبي، و كان

ص: 271

يغمز في نسبه، فجاء رمضان، فقالوا: من يؤمّنا، فذكروا المهاجر بن أبي المهاجر، فقيل:

ذاك مولى، و لسنا نريد أن يؤمنا مولى، فبلغت سليمان بن عبد الملك. فلما استخلف، بعث إلى المهاجر، فقال: إذا كان أول ليلة من رمضان قف خلف الإمام، فإذا تقدم ابن عامر، فخذ بثيابه و اجذبه، و قل: تأخر فلن يتقدمنا دعيّ، و صلّ أنت يا مهاجر، ففعل.

قال أحمد بن عبد اللّه العجلي: «ابن عامر شامي ثقة».

عن يحيى بن الحارث، أنه قرأ على ابن عامر، و أنه قرأ على المغيرة بن أبي شهاب، و أن المغيرة قرأ على عثمان. قد ذكرنا رواية هشام عن الوليد، و فيها إسقاط المغيرة، و أن هشاما ضعّف ذلك و وهّاه.

قال خليفة و محمد بن سعد، و ابن جرير: توفي ابن عامر سنة ثماني عشرة و مائة.

[معرفة القراء 1/ 86].

و ذكر عبد الفتاح القاضي منهج ابن عامر في القراءة كالآتي:

1- له بين كل سورتين ما لأبي عمرو راجع ص 284.

2- له التوسط في المدين المتصل و المنفصل.

3- له في الهمزة الثانية من الهمزتين الملتقيتين في كلمة التسهيل و التحقيق مع الإدخال، إذا كانت مفتوحة، و له التحقيق مع الإدخال و عدمه إذا كانت مكسورة أو مضمومة. و هذا كله لهشام، أما ذكوان فيقرأ كحفص.

4- يغير الهمز المتطرف عند الوقف على تفصيل في ذلك يعلم من محله و هذا لهشام وحده.

5- يدغم من رواية هشام ذال إذ في بعض الحروف نحو: «إذ تبرّأ الذين اتبعوا»، و يدغم من الروايتين الدال في الثاء نحو «و من يرد ثواب»، و الثاء في التاء في «لبثت» و «لبثتم» حيث وقعا، و الذال في التاء في «أخذتم» و «أخذت» و «اتخذتم» كيف وقعت.

6- و يميل من رواية هشام ألف إناه في «غير ناظرين إناه» في الأحزاب، و ألف «و مشارب» في يس، و ألف «عابدون و عابد». في الكافرون و ألف آنية في «تسقى من عين آنية» في الغاشية.

7- يقرأ من رواية هشام لفظ إبراهيم في بعض المواضع بفتح الهاء و ألف بعدها.

8- يميل من رواية ابن ذكوان الألف في الألفاظ الآتية: جاء شاء زاد، حيث وقعت و كيف وردت، حمارك، المحراب، إكراههن، كمثل الحمار، و الاكرام، عمران.

ص: 272

9- يقرأ من رواية ابن ذكوان «و إن إلياس» في الصافات بوصل الهمزة. [تاريخ القراء 23].

2- ابن كثير (ت 120 ه)

يشترك عصر ابن كثير و ابن عامر فهما كانا في خلافة هشام بن عبد الملك الأموي (106- 116 ه) و إن يفترق ابن كثير في أن شهرته كانت في مكة المكرمة. و يذكر ابن الأثير (630 ه) في هذه السنة (120 ه) دورا فعالا لشيعة بني العباس بخراسان و عزل خالد بن عبد اللّه القسري و ولاية يوسف بن عمر الثقفي الحجاج من قبل هشام بن عبد الملك [4/ 436] و لم يذكر وفاة ابن كثير مما يظهر عدم اشتهاره حينئذ كما ذكر بتفصيل في سنة 121 ه ظهور زيد بن علي بن الحسين و مقتله 121 ه.

و قد ترجم الذهبي (ت 748 ه) و ارخ وفاته سنة 120 ه و مما قال: «عبد اللّه بن كثير بن المطلب الإمام أبو معبد مولى عمرو بن علقمة الكناني الداري المكي إمام المكيين في القراءة أصله فارسي و دارين موضع بنواحي الهند من أبناء فارس الذين بعثهم كسرى إلى صنعاء فطردوا عنها الحبشة». [معرفة القراء 1/ 86].

و عن مهنته قال: «كان عطارا» [1/ 87] و ممن حدث ابن كثير عنه عبد اللّه بن الزبير [1/ 87] فتظهر صلته بحاكم مكة آنذاك في هذه الفترة ظهرت ثورة زيد بن علي المدني بالولادة و العربي بالنسب و كانت المدينة آنذاك مركز الفكر الإسلامي في الشرق و الذي ثار في الكوفة حتى قتل 121 ه. نجد أن شهرة ابن كثير المكي الفارسي في هذه الفترة الزمنية لا تخلو من تحويل للانظار عن المدينة التي هي مصدر الثورة ضد الحكم الأموي فكريا إلى مكة المكرمة التي هي أقدس بقعة للمسلمين.

قال ابن مجاهد: «و كان الإمام الذي انتهت إليه القراءة بمكة، و أمّ بها أهلها في عصره عبد اللّه بن كثير مولى عمرو بن علقمة الكناني، و يقال له الداريّ، و كان مقدّما، قرأ على مجاهد بن جبر، و قرأ مجاهد على ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما، و قرأ ابن عباس على أبيّ بن كعب رضي اللّه تعالى عنه. و لم يخالف ابن كثير مجاهدا في شي ء من قراءته.

و كان في عصر عبد اللّه بن كثير بمكة ممن تجرد للقراءة و قام بها محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السّهمي، و يقال له محمد بن عبد اللّه بن محيصن، و يقال عبد الرحمن بن محمد محيصن. و كان قرأ على درباس مولى ابن عباس رضي اللّه تعالى

ص: 273

عنهما، و قرأ درباس على ابن عباس. و قد قرأ ابن كثير أيضا على درباس. و كان ابن محيصن عالما بالعربية، و كان له اختيار لم يتبع فيه أصحابه، و أخذ عن مجاهد أيضا. و يروى عن مجاهد أنه كان يقول: ابن محيصن يبني و يرصّص في العربية، يمدحه بذلك. و حدّثنا ابن أبي خيثمة، قال: حدّثنا خلف، قال: حدّثنا عبيد بن عقيل عن شبل عن حميد عن مجاهد أنه قال ذلك. و لم يجمع أهل مكة على قراءته كما اجمعوا على قراءة ابن كثير. [كتاب السبعة 65].

و عن أسانيد ابن كثير قال: «و أما قراءة ابن كثير فإني قرأت بها على أبي عمر محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة المخزومي المكي، و يلقب قنبلا، سنة ثمان و سبعين و مائتين. و أخبرني أنه قرأ على أحمد بن محمد بن عون النّبال القوّاس، و أخبره أنه قرأ على أبي الإخريط وهب بن واضح، قال: و أخبرني وهب أنه قرأ على إسماعيل بن عبد اللّه بن القسط، و أخبره إسماعيل أنه قرأ على شبل بن عبّاد و معروف بن مشكان، و أخبراه أنهما قرآ على ابن كثير، رحمه اللّه تعالى.

قال النبال: و أخبرني وهب أنه لقي معروف بن مشكان و شبل بن عباد فقرأ عليهما، و أخبراه بهذا الإسناد. [كتاب السبعة 93].

و ذكر القيسي (ت 437 ه): «و أما ابن كثير فإنه قرأ على مجاهد، و قرأ مجاهد على ابن عباس، و قرأ ابن عباس على أبيّ و زيد، و قرأ أبيّ و زيد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قرأ أيضا على عبد اللّه بن السائب المخزومي صاحب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قرأ عبد اللّه على أبيّ، و كان من الطبقة الثانية من التابعين ففضله مشهور، و قراءته قراءة أهل الحجاز مستقيمة السند، صحيحة الطريقة، و توفي بمكة سنة عشرين و مائة. [التبصرة 46].

و ترجمة الذهبي (ت 748 ه) بقوله: «عبد اللّه بن كثير (ت 120 ه) ابن المطلب الإمام أبو معبد، مولى عمرو بن علقمة الكناني الدّاري المكي، إمام المكيين في القراءة».

أصله فارسي، و كان داريّا بمكة، و هو العطّار، مأخوذ من قولهم: عطر دارين، و دارين: موضع بنواحي الهند، و قيل في نسبته الدّاري: إنه قرشي من بني عبد الدار، قاله البخاري. و قال أبو بكر بن أبي داود: الدار: بطن من لخم، و هم رهط تميم الداري. و عن الأصمعي، قال: الداري: الذي لا يبرح في داره و لا يطلب معاشا. و عنه قال: كان عبد اللّه بن كثير عطارا، قلت: هذا هو الحق، فلا يبطله اشتراك الأنساب، و ابن كثير من أبناء فارس، الذين بعثهم كسرى إلى صنعاء فطردوا عنها الحبشة.

ص: 274

و تصدّر للإقراء و صار إمام أهل مكة في ضبط القرآن، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، و شبل بن عباد، و معروف بن مشكان، و إسماعيل بن عبد اللّه بن قسطنطين و طائفة.

و بلغنا أن عبد اللّه بن كثير كان فصيحا بليغا مفوها، أبيض اللحية طويلا جسيما، أسمر، أشهل العينين، يخضب بالحناء، عليه سكينة و وقار.

و قال ابن عيينة: حضرت جنازته سنة عشرين و مائة، و قال غيره. عاش خمسا و سبعين سنة، قلت: فيكون مولده ظنا في سنة خمس و أربعين و مات شيخه عبد اللّه بن السائب رضي اللّه عنه بعيد السبعين.

و قد قرأ على أبيّ بن كعب، و قرأ مجاهد على ابن عباس، و حديث ابن كثير مخرج في الكتب الستة. [معرفة القراء 86- 88].

و ذكر القاضي منهج ابن كثير في القراءة كالآتي.

1- يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال و التوبة كقالون.

2- يضم ميم الجمع و يصلها بواو إن كان بعدها متحرك بلا خلف عنه.

3- يصل هاء الضمير بواو إن كانت مضمومة و قبلها حرف ساكن و بعدها حرف متحرك نحو «منه آيات» و يصلها بياء إن كانت مكسورة و قبلها ساكن و بعدها متحرك نحو «فيه هدى».

4- يقرأ بقصر المنفصل و توسط المتصل قولا واحدا.

5- يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين من كلمة من غير إدخال ألف بينهما.

6- يختلف راوياه في الهمزتين من كلمتين إذا كانتا متفقتي الحركة فالبزي يقرأ كقالون أعني بإسقاط الأولى إن كانتا مفتوحتين و بتسهيلها إن كانتا مكسورتين أو مضمومتين.

و قنبل يقرأ بتسهيل الثانية أو إبدالها حرف مدّ كورش أما إن كانتا مختلفتي الحركة فابن كثير من راويتيه يغير الثانية منهما كما يغيرها قالون و ورش.

7- يفتح ياءات الإضافة إذا كان بعدها همزة قطع مفتوحة أو همزة وصل مقرونة بلام التعريف أو مجردة منها على تفصيل يعلم من المؤلفات.

8- يثبت بعض الياءات الزائدة وصلا و وقفا و قد تكفل علماء القراءات ببيانها و ينبغي أن يعلم أن الخلاف بين راويي ابن كثير: البزي و قنبل إنما هو في كلمات قليلة مبينة في كتب القراءات منثورها و منظومها.

ص: 275

9- يقف على التاءات المرسومة في المصاحف تاء- بالهاء نحو «رحمت اللّه و بركاته» و جنت نعيم [تاريخ القراء 15].

3- عاصم الكوفي (ت 128 ه)

اشتهرت قراءة عاصم بن أبي النجود بالكوفة في أوج النشاط العباسي ضد الحكم الأموي و في سنة وفاته توجه عبد الرحمن بن مسلم المعروف بأبي مسلم الخراساني إلى خراسان و عمره تسع عشرة سنة [الكامل 5/ 21] و اعلن ثورته في الحدود الشرقية ضد الحكم الأموي.

و يذكر وفاته ابن الأثير في الكامل بقوله: «و فيها- سنة 128 ه- مات عاصم بن أبي النجود صاحب القراءات» [الكامل 5/ 23].

و قد عاصر عاصم الدول الأموية و شاهد صراعات بني مروان على الحكم و خاصة الوليد بن يزيد الأموي (120- 127) و يزيد بن الوليد (127- 127) الذي ولي الخلافة خمسة اشهر و ليلتين [الكامل 4/ 449].

و في ظل الصراع القائم بين الأمويين بدمشق و العباسيين الذين اتخذوا الكوفة أولا ثم بغداد عاصمة لهم، ظهرت و انتشرت قراءة عاصم فمن هو عاصم؟ و ما هي مؤهلاته؟

ترجمه الذهبي (748 ه) في [معرفة القراء 88- 94] و مما قال: «عاصم بن أبي النجود الأسدي مولاهم الكوفي القارئ الإمام أبو بكر» [1/ 88] تولى القراءة عام 74 للهجرة قال: «و إليه انتهت الإمامة و القراءة بالكوفة بعد شيخه أبي عبد الرحمن السلمي» [1/ 89] و قد توفي السلمي عام 74 [1/ 57].

و نقل تلميذه أبو بكر بن عياش «ما رأيت أحدا اقرأ من عاصم» [1/ 90] و «ما رأيت أحدا قط كان افصح من عاصم بن أبي النجود إذا تكلم كاد يدخله خيلاء» [1/ 90] و لم تكن قراءته المفضلة على الاطلاق في اعتقاد أحمد بن حنبل حيث يقول: «قراءة أهل المدينة- أحب- فإن لم تكن فقراءة عاصم» [1/ 90]. و في اعتقاده السياسي و الديني «كان عثمانيا» [1/ 91] و يظهر أن هذه العقيدة لم تؤثر عليه في انتخاب القراءات قال عاصم: «ما اقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي (ت 74 ه). و كان قد قرأ على علي عليه السّلام» [1/ 91] و قال مدافعا عن عقيدته العثمانية «ما نضع علي بن أبي طالب إلا أنه- يعني عثمان رضي اللّه عنه- كان أفضل من أن يزكي نفسه» [1/ 93]. و ربما كانت العقيدة العثمانية أثرت في شهرة عاصم.

ص: 276

قال ابن مجاهد (ت 324 ه): «و أما أهل الكوفة فكان الغالب على المتقدمين من أهلها قراءة عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه، لأنه (هو) الذي بعث به إليهم عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه ليعلمهم، فأخذت عنه قراءته قبل أن يجمع عثمان رضي اللّه تعالى عنه الناس على حرف واحد، ثم لم تزل في صحابته من بعده يأخذها الناس عنهم.

و قال: حدّثني علي بن عبد الصمد، قال: حدّثنا محمد بن الهيثم المقرئ، قال:

حدّثنا موسى بن داود، عن حفص، عن عمران، عن الأعمش، قال: أدركت الكوفة و ما قراءة زيد فيهم إلا كقراءة عبد اللّه فيكم اليوم ما يقرؤها إلا الرجل و الرجلان [كتاب السبعة 67].

و قال: «فلم تزل قراءة عبد اللّه بالكوفة لا يعرف الناس غيرها، و أول من أقرأ بالكوفة القراءة التي جمع عثمان رضي اللّه تعالى عنه الناس عليها أبو عبد الرحمن السلمي و اسمه عبد اللّه بن حبيب، فجلس في المسجد الأعظم و نصب نفسه لتعليم الناس القرآن، و لم يزل يقرئ بها أربعين سنة، فيما ذكر أبو إسحاق السبيعي إلى أن توفي في ولاية بشر بن مروان.

و كانت ولاية بشر بن مروان سنة ثلاث و سبعين. [كتاب السبعة 68].

و كان أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن، و عرض على زر بن حبيش، فيما حدّثني به عبد اللّه بن محمد بن شاكر، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا أبو بكر بن عياش، قال: قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، و كان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي رضي اللّه تعالى عنه، و كنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن، فأعرض على زر بن حبيش، و كان زر قد قرأ على عبد اللّه. قال أبو بكر بن عياش: فقلت لعاصم: لقد استوثقت. [كتاب السبعة 70].

و كان عاصم متقدما في زمانه مشهورا بالفصاحة، معروفا بالإتقان، و إلى قراءة عاصم صار بعض أهل الكوفة، و ليست بالغالبة عليهم. لأن أضبط من أخذ من عاصم أبو بكر بن عياش- فيما يقال- لأنه تعلمها منه تعلما خمسا خمسا. و كان أهل الكوفة لا يأتمون في قراءة عاصم بأحد ممن يثبتونه في القراءة عليه إلا بأبي بكر بن عياش. و كان لا يكاد يمكن من نفسه من أرادها منه، فقلّت بالكوفة من أجل ذلك و عز من يحسنها و صار الغالب على أهل الكوفة إلى اليوم قراءة حمزة بن حبيب الزيات. [كتاب السبعة 71].

و عن أسانيد قراءة عاصم قال ابن مجاهد: «و ما كان من قراءة عاصم بن أبي النجود عن أبي بكر بن عياش فإن عبد اللّه بن محمد بن شاكر أخبرني به، عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم من أول القرآن إلى خاتمة الكهف.

ص: 277

و أخبرني إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، عن أبيه، عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم، بذلك من أول القرآن إلى آخره [كتاب السبعة 94].

أقول: و ظاهر كلام ابن مجاهد أنه لم يقرأ قراءة عاصم على مشايخه بل اكتفى بالرواية عن مشايخه مع أنه قرأ غيرها من السبعة قراءة متعددة مما يظهر عدم اهتمامه بقراءة عاصم بنفس الدرجة من الاهتمام بقراءة نافع.

قال القيسي (ت 437 ه): «أما عاصم، فكان من الطبقة الثالثة، و كان أضبط الناس في عصره لقراءة زيد بن ثابت، و كان قد قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، و قرأ أبو عبد الرحمن على علي بن أبي طالب، و قرأ علي زيد، و قرأ زيد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و روي أن عليا قرأ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قرأ عاصم أيضا على ابن مريم زر بن حبيش. قال:

كنت أعرض على زيد بعد قراءتي على أبي عبد الرحمن، و قرأ زر على علي و على عثمان و على ابن مسعود رضي اللّه عنهم، و قرأ هؤلاء على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و كان عاصم قد جلس للإقراء في موضع أبي عبد الرحمن السلمي بعد موته، و روى عنه عطاء بن أبي رباح المكي، و هو من جملة التابعين، فقراءته مختارة عند من رأيت من شيوخ السبعة، مقدمة على غيرها لفصاحة عاصم، و لصحة سندها، و ثقة ناقلها، و توفي عاصم سنة سبع و عشرين و مائة و قيل سنة ثمان. [التبصرة 44].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه): «و إليه انتهت الإمامة في القراءة بالكوفة، بعد شيخه أبي عبد الرحمن السلمي أيضا، قال أبو بكر بن عياش: لما هلك أبو عبد الرحمن، جلس عاصم يقرئ الناس، و كان عاصم أحسن الناس صوتا بالقرآن.

و قال أبو خيثمة و غيره: اسم أبي النجود بهدلة، و قال الفلاس: بهدلة أمه».

توفي عاصم في آخر سنة سبع و عشرين و مائة. و قال إسماعيل بن مجالد: سنة ثمان و عشرين رواه البخاري عن أحمد بن سليمان عنه فلعله في أولها مات.

و قال أحمد بن عبد اللّه العجلي: عاصم بن بهدلة، صاحب سنة و قراءة، كان رأسا في القرآن، قدم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر، و كان عثمانيا، قرأ عليه الأعمش في حداثته، ثم قرأ على يحيى بن وثاب.

و قال أبو بكر بن عيّاش: كان عاصم نحويا فصيحا إذا تكلم، مشهور الكلام. و كان الأعمش و عاصم و أبو حصين كلهم لا يبصرون، جاء رجل يوما يقود عاصما، فوقع وقعة شديدة، فما كهره و لا قال له شيئا.

ص: 278

و قال حماد بن زيد عن عاصم، قال: «كنا نأتي أبا عبد الرحمن و نحن غلمة أيفاع.

فأغمي عليه. فأفاق ثم قرأ: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: 62].

و قال أبو بكر بن عياش: قال عاصم: من لم يحسن من العربية إلا وجها واحدا، لم يحسن شيئا، و قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفا، إلا أبو عبد الرحمن، و كان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فكنت أرجع من عنده، فأعرض على زرّ، و كان زرّ قد قرأ على عبد اللّه رضي اللّه عنه فقلت لعاصم: لقد استوثقت. رواها يحيى بن آدم عنه.

و روى جماعة عن عمرو بن الصبّاح، عن حفص الغاضريّ، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ رضي اللّه عنه بالقراءة.

و ذكر عاصم أنه لم يخالف أبا عبد الرحمن في شي ء من قراءته، و أن أبا عبد الرحمن لم يخالف عليّا في شي ء من قراءته.

و روى أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عياش، قال: كل قراءة عاصم قراءة أبي عبد الرحمن إلا حرفا.

و روى أبو بكر، عن عاصم: كان أبو عمرو الشيباني يقرئ الناس في المسجد الأعظم، فقرأت عليه، ثم سألته عن آية فاتهمني بهوى، فكنت إذا دخلت المسجد يشير إليّ و يحذّر أصحابه منّي، رواها يحيى بن آدم عنه. و روي عن حفص بن سليمان قال: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها، فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السّلمي، عن علي رضي اللّه عنه، و ما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زرّ بن حبيش، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه [معرفة القراءة 1/ 88].

و حديثه مخرج في الكتب الستة و ليس حديثه بالكبير [كذا و الصحيح بالكثير] رحمه اللّه تعالى.

و أعلى ما يقع لنا القرآن العظيم من جهته، فإنني قرأت القرآن كله على أبي القاسم سحنون المالكي، عن أبي القاسم الصفراوي، عن أبي القاسم بن عطية، عن ابن الفحام، عن ابن نفيس، عن السامري، عن الأشناني عن عبيد بن الصباح، عن حفص، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن، عن علي رضى اللّه عنه، و عن زر، عن عبد اللّه، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عن جبريل عليه السلام عن اللّه عزّ و جلّ، فنسأل اللّه أن يجعله شاهدا لنا و شافعا [معرفة القراء 1/ 88/ 94].

ص: 279

ذكر القاضي منهج عاصم في القراءة كالآتي:

1- يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال و براءة فله الوقف و السكت و الوصل.

2- يقرأ المدين المتصل و المنفصل بالتوسط بمقدار أربع حركات.

3- يميل شعبة عنه ألف «رمى» في و لكن اللّه رمى «بالأنفال» و ألف أعمى في موضعي الإسراء «و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى» و ألف و نأى في «و نأى بجانبه» في الإسراء، و ألف ران في «كلا بل ران» في المطففين و ألف هار في «شفا جرف هار» في التوبة، و يميل حفص عنه الألف بعد الراء في «مجراها».

4- يفتح من رواية شعبة ياء الإضافة في «من بعدي اسمه أحمد» في الصف و يسكنها من رواية شعبة أيضا في «و أمي إلهين» في المائدة و «أجري إلا» في جميع المواضع، و «وجهي للّه» في آل عمران و الأنعام. و «بيتي» في «و لمن دخل بيتي» بنوح، «ولي دين» في الكافرون.

5- يحذف الياء الزائدة وصلا و وقفا من رواية شعبة في «فما آتان اللّه خير» في النمل.

6- يقرأ من رواية شعبة «من لدنه» بالكهف بإسكان الدال مع إشمامها، و مع كسر النون و الهاء و إشباع حركتها. «تاريخ القراء 28].

4- أبو عمرو البصري (ت 154 ه)

اشتهرت قراءته في ظل انتصار العباسيين على الأمويين و تأسيس العاصمة الجديدة للعباسيين في بغداد عام 145 ه و قد شاهد أفول الأمويين في دمشق و ظهور العباسيين في الكوفة ثم انتقالهم إلى بغداد سنة 145 ه و الصراع بين العباسيين و العلويين على تسلم الحكم و خاصة في مدينة البصرة و ثورة إبراهيم بن عبد اللّه بن إسحاق العلوي في البصرة التي انتهت إلى مقتله سنة 145 ه بالكوفة و هذه الثورة العلوية استمرت آثارها حتى عام 156 ه حيث أخذ عامل البصرة عمرو بن الشداد الذي كان عامل إبراهيم بن عبد اللّه على فارس [الكامل 5/ 211].

و ذكره ابن الأثير في الكامل فيمن توفي عام 154 ه و قال: «و فيها مات أبو عمرو بن العلاء مات سنة 154 ه و كان عمره ست و ثمانين سنة» [5/ 205].

و ترجمه الذهبي (ت 748 ه) بقوله: «المازني المقرئ النحوي البصري الإمام مقرئ أهل البصرة اسمه زبان على الأصح» [معرفة القراء 1/ 10] ولد سنة 68 ه و أنه «ولد بمكة

ص: 280

سنة 68 ه و نشأ بالبصرة و مات بالكوفة و إليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة» [1/ 101] و كان شعبه يشجع هذه القراءة فقال «تمسك بقراءة أبي عمرو فإنها ستصير للناس إسنادا» [1/ 102] و هذا التنبؤ تحقق لمؤهلاته الخاصة فقد كان «اعلم الناس بالقرآن و العربية و أيام العرب و الشعر و أيام الناس» [1/ 103] فهذه الخبرة بالتاريخ جعلته يتقي معترك المعارضة السياسية لمصلحته و من هنا حينما سئل هل هو عربي أو مولى قال: «النسب من مازن و الولاء للغير- و قال عدس- للبقلة» [1/ 105] فالمهم عنده أن الولاء للغير البقلة التي تؤكل أو البغلة التي تركب ثم يمضي الإنسان لحاله في هذه الحياة من دون ولاء لأي شي ء آخر حقا كان أم باطلا. و قد وجدوا على شاهد قبره أنه (مولى بني حنيفة) و بالرغم من تهربه من هذا النوع من الولاء ألصق بقبره بعد موته سنة 154 ه.

و تاريخ وفاته بعد أربعة أعوام من وفاة أبي حنيفة النعمان المتوفى عام 150 ه الذي تعاطف مع ثورة العلويين في البصرة.

قال ابن الأثير في الكامل [5/ 205] في حوادث سنة 154 ه: «و فيها مات أبو عمرو بن العلاء و قيل مات سنة 157 ه و كان عمره ستّا و ثمانين».

قال ابن مجاهد (ت 324 ه): «و كان مقدما في عصره، عالما بالقراءة و وجوهها، قدوة في العلم باللغة، إمام الناس في العربية، و كان مع علمه و فقهه بالعربية متمسكا بالآثار، لا يكاد يخرج اختياره عما جاء عن الأئمة قبله، متواضعا في علمه، قرأ على أهل الحجاز، و سلك في القراءة طريقهم، و لم يزل العلماء في زمانه تعرف له تقدمه، و تقرّ له بفضله، و تأتمّ في القراءة بمذهبه.

و روى عن سفيان بن عيينة، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المنام، فقلت: يا رسول اللّه قد اختلفت عليّ القراءات فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟ قال: اقرأ بقراءة أبي عمرو بن العلاء.

حدّثني أبو بكر موسى بن إسحاق، قال: حدّثنا هارون بن حاتم، قال: حدّثنا أبو العباس ختن ليث، قال: سألت أبا عمرو على من قرأت؟ فقال: على مجاهد و سعيد بن جبير و غيرهما.

و حدّثني فضلان المقرئ، قال: حدّثني أبو حمدون عن اليزيدي عن أبي عمرو، قال: سمع سعيد بن جبير قراءتي، فقال: الزم قراءتك هذه.

حدّثنا ابن يوسف عن أبي عبيد عن حجاج، عن هارون، عن أبي إسحاق قال: قال

ص: 281

أبو عمرو بن العلاء أخذنا عن الأشياخ: نصر بن عاصم و أصحابه، قال هارون: فذكرت ذلك لأبي عمرو، فقال: لكني لا آخذ قراءتي عن نصر بن عاصم و لا عن أصحابه، و لكن عن أهل الحجاز.

و كان في عصره جماعة من أهل العلم بالقراءة لم يبلغوه، منهم عبد اللّه بن أبي إسحاق، و عاصم بن أبي الصباح الجحدري و عيسى بن عمر الثقفي النحوي. و كان هؤلاء أهل فصاحة أيضا، و لم يحفظ عنهم في القراءة ما حفظ عن أبي عمرو، و إلى قراءته صار أهل البصرة أم أكثرهم.

ثم دخل أبو عمرو الكوفة فتوفي بها عند محمد بن سليمان. حدّثني بعض أصحابنا عن أبي بكر بن خلاد عن وكيع بن الجراح، قال: قرأت بالكوفة على قبر أبي عمرو بن العلاء: هذا قبر أبي عمرو بن العلاء مولى بني حنيفة. [كتاب السبعة 85].

و عن أسانيد قراءة أبي عمرو بن العلاء قال ابن مجاهد: «و ما كان من قراءة أبي عمرو بن العلاء فإني قرأت بها على ابن عبدوس القرآن مرات، و أخبرني أنه قرأ على أبي عمر، و قرأ أبو عمر على اليزيدي، و قرأ اليزيدي على أبي عمرو.

و قرأت أيضا على جماعة ممن قرأ على أبي أيوب سليمان الخياط، و قرأ أبو أيوب على اليزيدي.

و قرأت على رجل من أصحاب أبي أيوب الخياط شيخ صدوق يقال له: عبد اللّه بن كثير، قرأ على أبي أيوب، و منه تعلمت عامة القرآن.

و أخبرني أبو القاسم بن اليزيدي عن أبيه و عمه، عن اليزيدي.

و أخبرني عبيد اللّه بن علي الهاشمي عن نصر بن علي الجهضمي، عن أبيه عن أبي عمرو [كتاب السبعة 99].

و قال القيسي (ت 437 ه): «و أما أبو عمرو فإنه قرأ على ابن كثير على سنده المتقدم، و قرأ أيضا على نصر بن عاصم، و قرأ نصر على أبي موسى الأشعري، و قرأ أبو موسى على أبيّ و زيد، و قرأ أبيّ و زيد على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قرأ أيضا أبو عمرو على سعيد بن جبير، و قرأ سعيد على ابن عباس. و قرأ أيضا على مجاهد، و قرأ مجاهد على ابن عباس، وقر ابن عباس على أبيّ و زيد، و قرأ أبيّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قرأ أبو عمرو على عكرمة و على عطاء بن أبي رباح و على الأعرج، و قرأ أبو عمرو أيضا على ابن محيصن و على يزيد بن رومان و على

ص: 282

شيبة بن نصاح و يزيد بن القعقاع، و قرأ أبو عمرو أيضا على الحسن بن أبي الحسن و على يحيى بن يعمر و على غيرهما.

و اختار من جميع ما قرأ به عليهم، قراءته المروية عنه، و مات سنة أربع و خمسين و مائة، و قيل سنة سبع، و وجد على قبره مكتوب «مولى بني حنيفة»، و كان إذ توفي رحمه اللّه ابن ست و ثمانين سنة، و هو من الطبقة الرابعة، و قيل من الثالثة، لأنه قرأ على التابعين إلا أنه كان صغيرا.

ولد أبو عمرو بمكة، و نشأ بالبصرة، و مات بالكوفة، و قيل مات بطريق الشام.

قال أبو عمرو، و كنت رأسا في زمان الحسن، قال أبو زيد: قلت لأبي عمرو: أ كل ما أخذته و قرأت به سمعته؟ فقال: لو لم أسمعه لم أقرأ به، لأن القراءة سنّة، فقراءته مختارة مقدمة عند كثير من أهل الأمصار لثقته، و تقدّمه في العلم باللغة و الإعراب، مع ديانته و ورعه.

و قد روي عنه أنه قال: لم أزل أطلب أن أقرأ كما قرأ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كما أنزل، و كان قد فرّ من الحجاج إلى مكة فلقي بها التابعين من أهل الحجاز و غيرهم فقرأ عليهم. [التبصرة 48].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه): «المازني المقرئ النحوي الإمام، مقرئ أهل البصرة، اسمه زبّان على الأصح، و قيل: العريان، و قيل: يحيى، و قيل: محبوب، و قيل:

جنيد، و قيل: عيينة، و قيل: عثمان، و قيل: عياد، و هو أبو عمرو بن العلاء بن عمّار بن العريان، و قيل: ابن العلاء بن عمار بن عبد اللّه بن الحصين بن الحارث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم التميمي، ثم المازني، و قال الأصمعي و عمر بن شبة: اسمه كنيته.

و عن الأصمعي رواية أخرى قال: اسمه زبّان، و له إخوة: سفيان، و معاذ، و أبو حفص عمر.

ولد أبو عمرو سنة ثمان و ستين، و قيل: سنة سبعين، و أخذ القراءة عن أهل الحجاز، و أهل البصرة، فعرض بمكة على مجاهد و سعيد بن جبير، و عطاء، و عكرمة بن خالد، و ابن كثير.

قال أبو عمرو الداني: يقال: إنه ولد بمكة سنة ثمان و ستين، و نشأ بالبصرة، و مات بالكوفة، و إليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة.

ص: 283

و قال الأصمعي: كنت إذا رأيت أبا عمرو يتكلم ظننته لا يعرف شيئا، كان يتكلم كلاما سهلا، و كان له كل يوم بفلس كوز، و بفلس ريحان، فيشرب بالكوز يوما و يهبه، يأمر الجارية فتدق الريحان إذا جف في الأشنان.

و قال أبو عبيدة: كانت دفاتر أبي عمرو مل ء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها، و كان من أشراف العرب و وجوههم.

و قال الأصمعي: قال أبو عمرو: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.

قال ابن معين: أبو عمرو ثقة، و قال أبو حاتم: لا بأس به، قلت: ليس له في الكتب الستة شي ء.

و عن أبي عمرو، قال: نظرت في هذا العلم قبل أن أختن، ولي أربع و ثمانون سنة.

قال ابن مجاهد: حدّثني بعض أصحابنا عن أبي بكر بن خلاد، عن وكيع، قال:

قرأت على قبر أبي عمرو بالكوفة: هذا قبر أبي عمرو بن العلاء مولى بني حنيفة. قلت: لعله ولاء حلف.

قال ابن دريد: حدّثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: أنا زدت هذا البيت في أول قصيدة الأعشى، و استغفر اللّه منه.

و أنكرتني و ما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشّيب و الصّلعا

قال الأصمعي و غيرهم: توفي أبو عمرو سنة أربع و خمسين و مائة. [معرفة القراء 1/ 101- 105].

و ذكر القاضي منهج أبي عمرو في القراءة كالآتي:

1- له بين كل سورتين البسملة، السكت، الوصل، سوى بين الأنفال و براءة فله القطع، السكت، الوصل، و كل منها بلا بسملة.

2- له من رواية السوسي إدغام المتماثلين نحو الرحيم ملك. و المتقاربين نحو و شهد شاهد. و المتجانسين نحو ربكم أعلم بكم بشروط مخصوصة.

3- له في المد المتصل التوسط من الروايتين، و له في المد المنفصل القصر و التوسط من رواية الدوري. و القصر فقط من رواية السوسي.

4- يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين الواقعتين في كلمة مع إدخال ألف بينهما.

ص: 284

5- يسقط الهمزة الأولى من الهمزتين الواقعتين في كلمتين متفقتين في الحركة و يغير الهمزة الثانية من المختلفتين كما يغيرها ابن كثير و جعفر بن ربيعة.

6- يدغم ذال إذ في حروف مخصوصة نحو إذ دخلوا، و دال قد في حروف معينة نحو فقد ظلم، و تاء التأنيث في بعض الحروف نحو كذبت ثمود. و لام هل في هل ترى من فطور بالملك. فهل ترى لهم من باقية بالحاقة و يدغم بعض الحروف الساكنة في بعض الحروف القريبة منها في المخرج نحو فنبذتها، عذت، و من يرد ثواب.

7- يقلل الألفات من ذوات الياء إذا كانت الكلمة التي فيها الألف على وزن فعلى بفتح الفاء نحو السلوى، أو كسرها نحو سيماهم، أو ضمها نحو المثلى. و يميل الألفات من ذوات الياء إذا وقعت بعد راء نحو اشترى، الذكرى، النصارى. و يميل الألفات التي وقع بعدها راء مكسورة متطرفة نحو على أبصارهم، من ديارهم. و يميل الألف التي وقعت بين راءين الثانية منها متطرفة مكسورة نحو: إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ [المطففين: 18] مِنَ الْأَشْرارِ [ص: 62]. و يميل ألف لفظ الناس المجرور من رواية الدوري.

8- يقف على التاءات التي رسمت في المصاحف تاء بالهاء نحو: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ [هود: 86] إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ [الدخان: 43].

9- يفتح ياءات الإضافة التي بعدها قطع مفتوحة نحو إني أعلم أو مكسورة نحو فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، و التي بعدها همزة وصل مقرونة بلام التعريف نحو لا ينال عهدي الظالمين، و التي بعدها همزة وصل مجردة عن لام التعريف نحو هارون أخي اشدد.

على تفصيل يعلم من كتب الفن.

10- يثبت بعض ياءات الزوائد وصلا نحو: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة:

186] و من آياته الجوار في البحر كالأعلام. [تاريخ القراء 18].

5- حمزة الزيات (ت 156 ه)

يشترك كل من حمزة الزيات (ت 156 ه) و أبو عمرو بن العلاء (ت 154 و قيل 156 ه) في مسيرة الأحداث في عصرهما و عاش حمزة ستين عاما. عاصر فيها مسيرة المنصور العباسي إلى الشام عام 154 ه [الكامل 5/ 145] و مطاردة عبد الرحمن الأموي عام 156 ه إلى أشبيلية بالأندلس بواسطة اليمانيين الذين قاومهم عبد الرحمن الأموي «فلم تقم بعدها لليمانية قائمة» [الكامل 5/ 209].

ص: 285

و على أثر هذه الحوادث في عام 157 ه يقول ابن الأثير: «و بسبب هذه الواقعة و غش العرب مال عبد الرحمن إلى اقتناء العبيد» [الكامل 5/ 210].

كما و ذكر في حوادث سنة 156 ه و فيها توفي حمزة بن حبيب الزيات المقرئ أحد القراء السبعة [5/ 211].

فمن هو حمزة؟

وصفه الذهبي (ت 748 ه): «حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الإمام أبو عمارة الكوفي مولى آل عكرمة بن ربعي التميمي الزيات أحد القراء السبعة» [معرفة القراء 1/ 111] «ولد سنة ثمانين»، «و قرأ عرضا على الأعمش و حمران بن أعين و جعفر الصادق ... و تصدر للإقراء مدة و قرأ عليه عدد كثير» [ص 112]. «و كان إماما حجة قيما بكتاب اللّه تعالى حافظا للحديث بصيرا بالفرائض و العربية عابدا خائفا قانتا للّه ثخين الورع عديم النظير» [112] و عن عمله قال: «كان حمزة يجلب الزيت من العراق إلى حلوان و يجلب من حلوان الجوز و الجبن إلى الكوفة» [ص 113] و عن مصحفه قال: «و كان له مصحف على هجاء مصحف ابن الزبير» [113] و يظهر أن قراءة حمزة اتسمت بالبساطة من التعقيد حيث قال: «إذ لهذا التحقيق منتهى إليه ثم يكون قبيحا مثل البياض له منتهى فإذا زاد صار برصا» [1/ 115] و كره أحمد بن حنبل في قراءة حمزة الإمالة حيث قال: «أكره من قراءة حمزة الهمزة الشديد و الاجتماع» [الإمالة 1/ 116] و أما حمزة نفسه فكان يقول ذلك رياضة حيث قال: «إنما الهمز رياضة فإذا أحسنها الرجل سلها» [1/ 116] و خدمته في القرآن طويلة حيث يقول: «نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري» [1/ 113] و «احكمت القراءة ولي خمس عشرة سنة» [1/ 110] و حيث أنه ولد سنة 80 ه فقد أحكم القراءة سنة 95 ه و استمر فيها حتى وفاته عام 156 ه.

قال ابن مجاهد (ت 324 ه): «و كان حمزة ممن تجرد للقراءة و نصب نفسه لها، و كان ينحو نحو أصحاب عبد اللّه، لأن قراءة عبد اللّه انتهت بالكوفة إلى الأعمش.

أسانيد حمزة: و كان حمزة قد قرأ على الأعمش بها، و يقال إنه لم يقرأ عليه، و لكنه سمع قراءته، و قرأ على ابن أبي ليلى، و قرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو، و قرأ المنهال على سعيد بن جبير، و قرأ سعيد على ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما و قرأ ابن عباس على أبيّ بن كعب رضي اللّه تعالى عنه، و قرأ أبيّ بن كعب على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [كتاب السبعة 72].

ص: 286

و قال ابن مجاهد عن أسانيده إلى قراءة حمزة قال: «و ما كان من قراءة حمزة بن حبيب فإني قرأت بها غير مرة على ابن عبدوس، و أخبرني أنه قرأ على أبي عمر حفص بن عمر، و أخبره أبو عمر أنه قرأ على سليم بن عيسى، و أخبره سليم أنه قرأ على حمزة، رحمه اللّه تعالى رحمة واسعة.

و أخبرني محمد بن الجهم، قال: حدّثني خلف بن هشام، عن سليم، عن حمزة.

و قال محمد بن الجهم: و قرأت على عائذ بن أبي عائذ، و قرأ عائذ على حمزة. [كتاب السبعة 97].

و قال القيسي (ت 437 ه): «و أما حمزة فإنه قرأ على ابن أبي ليلى، و قرأ ابن أبي ليلى على المنهال و قرأ المنهال على سعيد بن جبير و قرأ سعيد على ابن عباس، و قرأ أيضا على حمران بن أعين، و قرأ حمران على أبي الأسود الدؤلي، و قرأ أبو الأسود على عليّ و على عثمان، و قرأ أيضا حمزة على الأعمش سليمان بن مهران و قرأ الأعمش على يحيى بن وثّاب و قرأ يحيى على أصحاب ابن مسعود و على زرّ بن حبيش، و قرأ زرّ على عليّ و على عثمان و على ابن مسعود، و لما مات الأعمش خلفه حمزة في موضعه.

قال حمزة: ما كان من قراءتي على ابن أبي ليلى فهو عن علي بن أبي طالب، و ما كان من قراءتي عن الأعمش فهو عن ابن مسعود، فدل قوله هذا على أنه قرأ على الأعمش، و دلّ أيضا أن قراءة ابن أبي ليلى تتصل بعلي بن أبي طالب و ابن عباس.

و قرأ حمزة أيضا على جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، و قرأ جعفر على آبائه، و كان حمزة من الطبقة الرابعة، و توفي حمزة سنة ست و خمسين و مائة، و كان قد قرأ على سفيان الثوري القرآن أربع مرات، و أمّ الناس بالكوفة سنة مائة، فإمامة حمزة ظاهرة وثيقة مشهورة، و سنده مستقيم. [التبصرة 49].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه): ابن عمارة بن إسماعيل الإمام، أبو عمارة الكوفي، مولى آل عكرمة بن ربعي التيمي الزيات، أحد القراء السبعة.

ولد سنة ثمانين، و أدرك الصحابة بالسن، فلعله رأى بعضهم، و قرأ القرآن عرضا على الأعمش، و حمران بن أعين، و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، و منصور، و أبي إسحاق و غيرهم، و قرأ أيضا على طلحة بن مصرّف، و جعفر الصادق.

و تصدّر للإقراء مدة، و قرأ عليه عدد كثير.

و كان إماما حجة، قيما بكتاب اللّه تعالى، حافظا للحديث، بصيرا بالفرائض و العربية،

ص: 287

عابدا خاشعا قانتا للّه، ثخين الورع، عديم النظير، قال البخاري: «حمزة بن حبيب الزيات، مولى بني تيم اللّه بن ربيعة. و قال سليم: حمزة مولى بني تيم اللّه بن ثعلبة بن عكابة. و قال محمد بن الحسن النقاش مولى بني عجل، من ولد أكثم بن صيفي و قال: كان حمزة يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، و يجلب من حلوان الجوز و الجبن إلى الكوفة.

و قال أبو عبيد: حمزة هو الذي صار عظم أهل الكوفة إلى قراءته، من غير أن تطبق عليه جماعتهم.

و به قال ابن مجاهد: حدّثنا مطيّن، حدّثنا عقبة بن قبيصة، حدّثنا أبي، قال: كنا عند سفيان الثوري، فجاء حمزة فكلّمه، فلما قام من عنده، أقبل علينا سفيان، فقال: هذا ما قرأ حرفا من كتاب اللّه عزّ و جلّ إلا بأثر.

و به: حدّثني محمد بن عيسى، حدّثنا أبو هشام، حدّثنا سليم، عن حمزة، أنه كان إذا قرأ في الصلاة لم يكن يهمز.

و به: حدّثنا ابن أبي الدنيا، قال: قال محمد بن الهيثم: أخبرني إبراهيم الأزرق، قال: كان حمزة يقرأ في الصلاة كما يقرأ لا يدع شيئا من قراءته، فذكر المد و الهمز و الإدغام.

و قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: قال أبي: أكره من قراءة حمزة الهمز الشديد، و الاضجاع. [الإمالة].

و عن حمزة قال: «إنما الهمز رياضة، فإذا حسّنها الرجل سلّها».

و قال سهل بن محمد التميمي: «قال لنا سليم: سمعت حمزة يقول: ولدت سنة ثمانين، و أحكمت القراءة ولي خمس عشرة سنة».

قال ابن أبي الدنيا: حدّثني محمود بن أبي نصر العجلي، قال: مات حمزة سنة ست و خمسين و مائة، و كذا ورخه غير واحد، و قيل: سنة ثمان و خمسين و هو وهم، رحمه اللّه.

[معرفة القراء 1/ 118].

و ذكر القاضي منهج حمزة في القراءة كالآتي:

1- يصل آخر كل سورة بأول تاليها من غير بسملة بينهما.

2- يضم الهاء وصلا و وقفا في الألفاظ الثلاثة: عليهم، إليهم، لديهم.

ص: 288

3- يسكن الهاء في: يؤدّه إليك، قوله: ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: 115] نؤته منها، فألقه إليهم.

4- يقرأ بالاشباع في المدين المتصل و المنفصل بمقدار ست حركات.

5- يقرأ بالسكت على أل و شي ء و يقرأ من رواية خلف بالسكت على المفصول نحو:

عَذابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 10].

6- بغير الهمز عند الوقف سواء كان في وسط الكلمة نحو يؤمنون، أم في آخرها نحو ينشئ على تفصيل في ذلك.

7- يدغم من رواية خلف ذال إذ في الدال و التاء، و من رواية خلاد في جميع حروفها ما عدا الجيم، و يدغم من الروايتين دال قد في جميع حروفها، و تاء التأنيث في جميع حروفها، و يدغم لام هل في الثاء في هل ثوب الكفار في المطففين، و لام بل في السين في «بل سولت لكم» بيوسف و في التاء نحو بل تأتيهم، و يدغم الباء المجزومة في الفاء نحو و إن تعجب فعجب، و هذا من رواية خلاد، و يدغم الذال في التاء في عذت، اتخذتم، فنبذتها، و الثاء في التاء في أورثتموها، و في لبثت كيف وقع.

8- يميل الألفات من ذوات الياء و الألفات المرسومة ياء في المصاحف نحو الهدى مشترى، النصارى، و يميل الألفات في خاب، خافوا، طاب، ضاقت، و حاق، راع، جاء، شاء، زاد، و يقلل الألفات الواقعة بين راءين ثانيهما متطرفة مكسورة نحو إن كتاب الأبرار، من الأشرار.

9- يسكن ياءات الإضافة في قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بإبراهيم، يا يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا بالزمر و نحو ذلك و قد حصرها العلماء.

10- يثبت الياء الزائدة في أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ في النمل، رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ بإبراهيم. [تاريخ القراء 33].

6- نافع (ت 169 ه)

اشارة

«اشتهرت قراءة نافع في ظل الصراع بين العباسيين أنفسهم على الحكم و قد كان المهدي العباسي (169 ه) قد عزم على خلع ابنه موسى الهادي و البيعة للرشيد بولاية العهد و تقديمه على الهادي» [الكامل 5/ 259] «فأكل طعاما فمات بعد عشرة أيام و اختلف في

ص: 289

سبب موته فقيل شرب من إناء فيه سم، فمات من ساعته» [5/ 259] و بويع ابنه موسى الهادي في اليوم الذي مات فيه المهدي [5/ 263].

خلافة الهادي (169- 170 ه) دامت سنة واحدة عام 170 بعد أن جد في خلع الرشيد و البيع لابنه جعفر [5/ 270] «و اختلف في سبب موته و قيل أن وفاته كانت من قبل جوار لأمه الخيزران كانت امرتهن بقتله» [5/ 272] فوضعت جواريها عليه لما مرض فقتلنه بالغم و الجلوس على وجهه» [5/ 273].

و في خلافة الهادي في عام 169 ه ظهرت حركة الحسن بن علي شهيد فخ و كان من أمرها أن الهادي استعمل العمري على المدينة و قد أخذ جمعا من العلويين بتهمة شربهم النبيذ فأمر بهم فضربوا جميعا و جعل في أعناقهم الحبال و طيف بهم في المدينة فجاء الحسين بن علي العمري و قال له: «قد ضربتهم و لم يكن لك أن تضربهم لأن أهل العراق لا يرون به بأسا فلم تطوف بهم؟» [الكامل 5/ 265].

فلما صلى الحسين وقت الصبح أتاه الناس فبايعوه على كتاب اللّه و سنة نبيه و المرتضى من آل محمد [5/ 266] و انتهت المقاومة بمعركة فخ قرب مكة.

و لم يذكر ابن الأثير لنافع أية وجهة نظر في هذه الحركة و اكتفى بالقول: «و فيها سنة 169 ه توفي نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المقرئ صاحب القراءة أحد القراء السبعة» [5/ 269] و لم يشر إلى وفاة نافع في البداية [10/ 156] فمن هو نافع؟.

ترجمه الذهبي و مما قال: «نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم أبو رويم المقرئ المدني أحد الأعلام هو مولى جعونة. و أصله من أصبهان. و اقرأ الناس دهرا طويلا فقرأ عليه من القدماء مالك. و انه قدم المدينة سنة عشر و مائة فوجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع [1/ 108] و علق الذهبي أنه سنة 113 ه و مهما كان فلا بد أن يكون في سن يؤهله للقراءة. و الأصمعي نقل عمن قال: «ادركت المدينة سنة مائة و نافع رئيس في القراءة» [1/ 109] و هذا يقتضي أن يكون عمره حدود المائة. و نافع هو الوحيد الذي صرح بأسلوبه في القراءة فقال: «فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فاخذته و ما شذ فيه واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة [1/ 109] و يظهر من الحلواني: «أن نافعا كان لا يهمز همزا شديدا و يمد و يحقق القراءة و لا يشدد و يقرب بين الممدود و غير الممدود [1/ 110] و توفي نافع سنة 169 ه.

و مما قال ابن مجاهد (ت 324 ه) أبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم

ص: 290

مولى جعونة بن شعوب الليثي حليف حمزة بن عبد المطلب. أخبرني بنسبه أبو بكر محمد بن الفرج المقرئ، قال: حدّثنا محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد اللّه المسيبي عن أبيه بذلك.

حدّثني محمد بن عيسى العباسي، قال حدّثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني، قال: حدّثنا الأصمعي، قال: قال لي نافع بن أبي نعيم: أصلي من أصبهان.

حدّثني أبو بكر محمد بن عبد الرحيم، قال: سمعت المفضل بن غسان الغلابي، يقول: حدّثني رجل من أهل المدينة عن أبي سهر، قال: قرأت على نافع بن أبي نعيم، و سألته عن ولائه، فزعم أنه مولى جعونة بن شعوب الليثي حليف بني هاشم [كتاب السبعة 54].

ثم ذكر أساتذة نافع و قال: «و كان عالما بوجوه القراءات متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده، أخذ القراءة عن جماعة من التابعين منهم. ثم فصل أحوال عدد منهم هم:

1- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.

2- جعفر بن زيد بن القعقاع.

3- يزيد بن الرومان.

4- شيبة بن نصاح.

5- مسلم بن جندب الهذلي.

قال: حدّثني محمد بن الفرج، قال: حدّثنا محمد بن إسحاق المسيبي- عن أبيه- عن نافع أنه قال: أدركت هؤلاء الأئمة الخمسة و غيرهم- ممن سمى فلم يحفظ أبي أسماءهم- قال نافع: فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، و ما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة في هذه الحروف.

حدّثني محمد بن أحمد بن محمد بن شاهين، قال: حدّثنا روح بن الفرج، قال:

حدّثنا عبد الغني بن عبد العزيز المعروف بالعسال، قال: سمعت ابن وهب يقول: قراءة أهل المدينة سنة. قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم. و على قراءة نافع اجتمع الناس بالمدينة العامة منهم و الخاصة.

حدّثني محمد بن أحمد بن شاهين، قال: سمعت أبا الزنباع روح بن الفرج يقول:

سمعت محمد بن رمح، يقول: سمعت الليث بن سعد يقول: حججت سنة عشرة و مائة و إمام الناس بالمدينة في القراءة نافع بن أبي نعيم.

ص: 291

حدّثني عبد اللّه بن الصقر أبو العباس السكري، قال: حدّثنا محمد بن إسحاق، قال: سمعت أبا خليد الدمشقي يحدث عن الليث بن سعد أنه قدم المدينة سنة عشر و مائة، فوجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع.

و قال القيسي (ت 437 ه): «و قرأ نافع على شيبة بن نصاح مولى أم سلمة زوج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على عبد الرحمن بن هرمز و مسلم بن جندب الهذلي و على يزيد بن رومان.

و قرأ هؤلاء على أبي هريرة و ابن عباس و قرأ أبو هريرة و ابن عباس على أبيّ بن كعب، و قرأ أبي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قراءته هي السنة لكونه في المدينة معدن العلم و منزل الوحي، و لأنه إمام لحرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ثناء مالك عليه و تعديله إياه و اشتهار فضله، و لقول مالك و ابن وهب: قراءة نافع هي السنة. يعني بذلك سنة أهل المدينة، و القراءات الثابتة من السنة التي لا مدفع فيها لأحد، و توفي نافع بالمدينة سنة تسع و ستين و مائة و قيل سنة سبع، و أقرأ الناس في مسجد النبي عليه السّلام قبل سنة مائة من الهجرة، و كان من الطبقة الثالثة، و كان يقرئ الناس كل ما قرئ عليه مما رواه إلا أن يسأله إنسان، إلا في قراءته، فيأخذ عليه، فلذلك كثر الاختلاف عنه. [التبصرة 46].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، مولاهم أبو رويم المقرئ المدني. أحد الأعلام، هو مولى جعونة بن شعوب الليثي، حليف حمزة بن عبد المطلب، أو حليف أخيه العباس. و قيل: يكنى أبا الحسن، و قيل: أبا عبد الرحمن، و قيل: أبو عبد اللّه، و قيل: أبو نعيم، و أشهرها أبو رويم.

قرأ على طائفة من تابعي أهل المدينة، و كان أسود اللون حالكا و أصله من أصبهان.

قال أبو قرة موسى بن طارق: سمعته يقول: قرأت على سبعين من التابعين.

قال سعيد بن منصور: سمعت مالكا يقول: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع، قال: نعم.

و قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أي القراءة أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن فقراءة عاصم.

و قال مالك: نافع إمام الناس في القراءة.

و روى أبو خليد الدمشقي- و اسمه عتبة- عن الليث بن سعد، أنه قدم المدينة سنة عشر و مائة، فوجد نافعا إمام الناس في القراءة لا ينازع.

ص: 292

و قال إسحاق المسيبي: قال نافع: قرأت على هؤلاء، فنظرت إلى ما أجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، و ما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة.

و قال الأصمعي: سألت نافعا عن «الذئب» و «البئر»، فقال: إن كانت العرب تهمزها فاهمزها.

و روى الحلواني عن قالون: أن نافعا كان لا يهمز همزا شديدا، و يمد و يحقق في القراءة و لا يشدد و يقرب بين الممدود و غير الممدود [معرفة القراء 1/ 107- 111].

و ذكر القاضي منهج نافع في القراءة كالآتي:

لنافع في القراءة اختياران، أو منهجان، أقرأ قالون بأولها و ورشا بالآخر:

منهج قالون

1- إثبات البسملة بين كل سورتين إلا بين الأنفال و براءة فله ثلاثة أوجه، القطع، السكت، الوصل. و الثلاثة من غير بسملة.

2- ضم ميم الجمع مع صلتها بواو إن كان بعدها حرف متحرك سواء كان همزة أم غيرها نحو: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] و له القراءة بسكون الميم أيضا، فله في هذه الميم الوجهان الصلة و السكون.

3- قصر المد المنفصل و توسطه نحو يا أيها، و في أنفسكم، قوا أنفسكم، و مقدار القصر حركتان و التوسط أربع حركات.

4- تسهيل الهمزة الثانية من الهمزتين المجتمعتين في كلمة مع إدخال ألف بينهما بمقدار حركتين، سواء كانت الهمزة الثانية مفتوحة نحو ء أنتم. أم مكسورة نحو أئنكم. أم مضمومة نحو أؤنبئكم.

5- إسقاط الهمزة الأولى من الهمزتين المجتمعتين في كلمتين بأن تكون الهمزة الأولى آخر الكلمة الأولى و الهمزة الثانية أول الكلمة الثانية و هذا إذا كانت الهمزتان متفقتي الحركة مفتوحتين نحو: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [عبس: 22]. فإذا كانتا متفقتي الحركة مكسورتين نحو: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ [البقرة: 31] أم مضمومتين و ذلك في قوله تعالى: وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ [الأحقاف: 32] فإنه يسهل الهمزة الأولى و ليس له في الهمزة الثانية في الأحوال الثلاث إلا التحقيق.

أما إذا كانت الهمزتان مختلفتي الحركة فإنه يسهل الثانية منهما بين بين إذا كانت

ص: 293

مكسورة و الأولى مفتوحة نحو: وَ جاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ [يوسف: 58]. أو كانت مضمومة و الأولى مفتوحة و ذلك في «كلما جاء أمة رسولها بالمؤمنين»، و يبدلها ياء خالصة إذا كانت مفتوحة. [معرفة القراء 9].

و ذكر القاضي منهج ورش في القراءة كالآتي:

1- له بين كل سورتين ثلاثة أوجه، البسملة، السكت، الوصل و الوجهان بلا بسملة، و له بين الأنفال و براءة ما لقالون.

2- له في المدين المتصل و المنفصل الإشباع بقدر ست حركات. و له في مد البدل نحو آمنوا، إيمانا، أوتوا، ثلاثة أوجه القصر بمقدار حركتين، و التوسط بمقدار أربع حركات، و المد بمقدار ست حركات، و له في حرف اللين الواقع قبل الهمزة نحو شيئا سوأة، التوسط و المد، و ليس في القراء من يقرأ بالتوسط و المد في البدل و اللين غيره.

3- يقرأ الهمزتين المجتمعتين في كلمة بتسهيل الثانية منهما بين بين من غير إدخال و بإبدالها حرف مد ألفا إذا كانت مفتوحة أما إذا كانت مكسورة أو مضمومة فليس له فيها إلا التسهيل.

4- يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين المجتمعتين في كلمتين المتفقتين في الحركة و له إبدالها حرف مد أما الهمزتان المجتمعتان في كلمتين المختلفتان في الحركة فيقرأ الثانية منهما كقالون.

5- يبدل الهمزة الساكنة حرف مد إذا كانت فاء للكلمة نحو يؤمن إلا ما استثنى.

و يبدل الهمزة المفتوحة بعد ضم واوا إذا كانت فاء للكلمة نحو مؤجلا.

6- يضم ميم الجمع و يصلها بواو إذا كان بعدها همزة قطع نحو و منهم أميون.

7- يدغم دال قد في الضاد نحو فقد ضل، و في الظاء نحو فقد ظلم، و يدغم تاء التأنيث في الظاء نحو كانت ظالمة، و يدغم الذال في التاء في أخذتم و نحوه.

8- يقرأ بتقليل الألفات من ذوات الياء يخلف عنه نحو الهدى- الهوى و يقللها قولا واحدا إذا وقعت بعد راء نحو اشترى، النصارى. و يقلل الألفات الواقعة قبل راء مكسورة متطرفة نحو الأبرار، الأشرار، أبصارهم ديارهم.

9- يرقق الراء المفتوحة نحو خيرا، و المضمومة نحن خير بشروط دوّنها العلماء في الكتب.

ص: 294

10- يغلظ اللامات المفتوحة إذا وقعت بعد الصاد المفتوحة نحو الصلاة. أو الساكنة نحو يصلي، أو وقعت بعد الطاء المفتوحة نحو و بطل. أو الساكنة نحو مطلع. أو وقعت بعد الظاء المفتوحة نحو ظلم. أو الساكنة نحو و لا يظلمون. و ليس من القراء من يرقق الراءات و يغلظ اللامات غيره.

11- يشترك مع قالون في ياءات الإضافة فيفتح ما يفتحه قالون منها و يسكن ما يسكنه منها و هناك ياءات يفترقان فيها بينها العلماء في المصنفات.

12- يشترك مع قالون في الياءات الزائدة فيثبت منها ما يثبته قالون منها. و يحذف ما يحذفه منها إلا مواضع افترقا فيها بينت في محالها. [تاريخ القراء ص 11].

7- الكسائي (189 ه)

اشتهرت قراءة الكسائي في عصر هارون الرشيد العباسي (170- 194 ه) و قد استوطن بغداد و أدب الرشيد و ولده الأمين (194- 198 ه) و قد بلغت خلافة هارون قمة القوة و قضى فيها على كل من خاف منهم و منهم آل برمك (170- 188 ه) و رئيسهم جعفر بن يحيى البرمكي (188 ه) و نقل عاصمته من بغداد إلى الرقة على أثر مقتل البرامكة و خرج في عصره 194 ه بنفسه إلى قتال رافع بن ليث بخراسان و بصحبته الكسائي هذا و محمد بن الحسن- الشيباني- و ماتا معا ببلاد الري في يوم واحد و كان الرشيد يقول:

«دفنت الفقه و العربية بالري» [البداية و النهاية 10/ 203].

و هذه الصلة القوية بالرشيد جعله أن يتخذه الرشيد إماما في الصلاة قال الكسائي:

«صليت يوما بالرشيد فأعجبه قراءتي فغلطت غلطة ما غلطها غبي حين أردت أن أقول:

«لعلهم يرجعون» فقلت: «لعلهم ترجعين» فما تجاسر الرشيد أن يردها علي فلما سلمت قال: أي قراءة هذه؟ فقلت: ان الجواد قد يعثر قال أما هذا فنعم» [البداية و النهاية 10- 203].

فمن هو الكسائي؟

ذكره ابن الأثير في البداية سنة 195 ه [10/ 203].

و ترجمه الذهبي (ت 748 ه) و مما قال: «الإمام أبو الحسن الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ النحوي أحد الأعلام و توفي بحدود 120 ه و سمع من جعفر الصادق و آخرين- و قرأ القرآن و جوّده على حمزة الزيات و علي بن عمر الحمدان [معرفة القراء 1- 220] و إن كان الكسائي يتخير القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض و ترك بعضها» [1/ 122].

ص: 295

و كان في الكسائي تيه و حشمة لما نال من الرئاسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد و تأديبه. و تأديبه أيضا الرشيد فنال ما لم ينله أحد من الجاه و المال و الإكرام و حصل له رئاسة العلم و الدنيا [1/ 123].

و المحادثة بين الفراء و الكسائي تكشف عن نفيسته. قال الفراء: «لقيت الكسائي يوما فرأيته كالباكي فقلت ما يبكيك؟ فقال: هذا الملك يحيى بن خالد يحضرني. فيسألني عن الشي ء. فإن ابطأت في الجواب لحقني منه عتب و إن بادرت لم آمن الزلل فقلت: يا أبا الحسن من يعترض عليك. قل ما شئت فأنت الكسائي فأخذ لسانه بيده فقال: قطعه اللّه إذا أني قلت ما لا أعلم» [1/ 126].

و من هذه المحادثة يظهر أنه كان يمتحن بمجاراة من هو أقوى منه مساومة على الحق و ما أغلاه من ثمن!. ثم ذكر مؤلفاته التي هي في القرآن و الشعر و النحو و رثاء يحيى الزيدي.

[معرفة القراء 1/ 128]. و قد توفي الكسائي في 189 ه بالري بقرية أرنوبة- [1/ 128].

و طبيعي أن تشتهر قراءة الكسائي في ظل المساندة الكاملة من هارون الرشيد فهل كان استصحابهما معه إلى الري حبا لهما أو خوفا منهما؟ فهذا أمر يجب أن يحققه التاريخ.

قال ابن مجاهد [ت 324 ه): «كان علي بن حمزة الكسائي قد قرأ على حمزة و نظر في وجوه القراءات و كانت العربية علمه و صناعته، و اختار من قراءة حمزة و قراءة غيره قراءة متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة. و كان إمام الناس في القراءة في عصره، و كان يأخذ الناس عنه ألفاظه بقراءته عليهم. [كتاب السبعة 78].

حدّثني أحمد بن القاسم البرني، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال سمعت الكسائي، و هو يقرأ على الناس القرآن مرتين.

و قال خلف: كنت أحضر بين يدي الكسائي و هو يقرأ على الناس و ينقّطون مصاحفهم بقراءته عليهم، و لم يقم بالكوفة، كان ينتقل في البلاد و توفي برنبويه- قرية من قرى الري- سنة تسع و ثمانين و مائة.

و حدّثنا محمد بن عبد الرحيم المقرئ، قال: حدّثنا محمد بن عيسى المقرئ الأصبهاني، قال: حدّثنا محمد بن سفيان، قال: قال الكسائي: أدركت أشياخ أهل الكوفة القرّاء و الفقهاء: ابن أبي ليلى، و أبان بن تغلب، و الحجاج بن أرطاة، و عيسى بن عمر الهمداني، و حمزة الزيات.

ص: 296

حدّثنا ابن أبي الدنيا، قال: حدّثنا محمد بن خالد المقرئ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالح العجلي، عن الكسائي، قال: قال لي هارون أمير المؤمنين: أقرئ محمدا قراءة حمزة، فقلت: هو أستاذي يا أمير المؤمنين [كتاب السبعة 79].

و عن أسانيد قراءة الكسائي قال ابن مجاهد: «و ما كان من قراءة أبي الحسن علي بن حمزة فإني قرأت بها القرآن غير مرة على ابن عبدوس، و أخبرني أنه قرأ بها على أبي عمر و قرأ أبو عمر على الكسائي.

و أخبرني محمد بن يحيى الكسائي، عن أبي الحارث الليث بن خالد، عن الكسائي [كتاب السبعة 98].

و قال القيسي (ت 437 ه) و أما الكسائي فإنه قرأ على حمزة على سنده المستقيم، و قرأ أيضا على غير حمزة، و لكن أكثر قراءاته عن حمزة، فهو مقدم في قراءاته لبراعته في اللغة، و تقدمه في علم العربية، و لصحة نقله لا سيما عن حمزة، و هو من الطبقة الرابعة، لأنه أدرك أشياخ محمد بن أبي ليلى و غيره، و توفي سنة تسع و ثمانين و مائة، و قيل سنة ثلاث و ثمانين، و ولد بالكوفة و مات بالري إذ خرج مع الرشيد إلى خراسان، و نسب إلى الكسائي لأنه فيما روي أحرم بحجة في كساء. [البصرة 49].

قال ابن كثير (ت 776 ه) في ترجمة الكسائي: أصله من الكوفة ثم استوطن بغداد الرشيد و ولده الأمين، و قد قرأ على حمزة بن حبيب الزيات قراءته، و كان يقرئ بها، ثم اختار لنفسه قراءة و كان يقرأ بها. و قد روى عن أبي بكر بن عياش و سفيان بن عيينة و غيرهما، و عنه يحيى بن زياد الفراء و أبو عبيد. قال الشافعي: من أراد النحو فهو عيال على الكسائي. أخذ الكسائي عن الخليل صناعة النحو فسأله يوما: عمن أخذت هذا العلم؟ قال:

من بوادي الحجاز. فرحل الكسائي إلى هناك فكتب عن العرب شيئا كثيرا، ثم عاد إلى الخليل فإذا هو قد مات و تصدر في موضعه يونس، فجرت بينهما مناظرات أقر له فيها يونس بالفضل، و أجلسه في موضعه.

قال الكسائي: صليت يوما بالرشيد فأعجبتني قراءتي، فغلطت غلطة ما غلطها صبي، أردت أن أقول: «لعلهم يرجعون»، فقلت: «لعلهم ترجعين»، فما تجاسر الرشيد أن يردها.

فلما سلمت قال: أي لغة هذه؟ فقلت: إن الجواد قد يعثر. فقال: أما هذا فنعم. و قال بعضهم: لقيت الكسائي فإذا هو مهموم، فقلت: ما لك؟ فقال: إن يحيى بن خالد قد وجه إليّ ليسألني عن أشياء فأخشى من الخطأ، فقلت: قل ما شئت فأنت الكسائي، فقال: قطعه

ص: 297

اللّه- يعني لسانه- إن قلت ما لم أعلم. و قال الكسائي يوما قلت لنجار: بكم هذان البابان؟

فقال: بسالجيان يا مصفعان.

توفي الكسائي في هذه السنة على المشهور، عن سبعين سنة. و كان في صحبة الرشيد ببلاد الري فمات بنواحيها هو و محمد بن الحسن في يوم واحد، و كان الرشيد يقول: دفنت الفقه و العربية بالري. قال ابن خلكان: و قيل إن الكسائي توفي بطوس سنة ثنتين و ثمانين و مائة، و قد رأى بعضهم الكسائي في المنام و وجهه كالبدر فقال: ما فعل بك ربك؟ فقال:

غفر لي بالقرآن. فقلت: ما فعل حمزة؟ قال: ذاك في عليين، ما نراه إلا كما نرى الكوكب.

و فيها توفي. [البداية و النهاية 10/ 201].

و مما قال الذهبي (ت 748 ه) الإمام أبو الحسن الأسدي، مولاهم الكوفي المقرئ النحوي، أحد الأعلام.

ولد في حدود سنة عشرين و مائة، و سمع من جعفر الصادق، و الأعمش، و زائدة، و سليمان بن أرقم، و جماعة يسيرة. و قرأ القرآن وجوده على حمزة الزيات، و عيسى بن عمر الهمداني.

و نقل أبو عمرو الداني و غيره أن الكسائي قرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا، و اختار لنفسه قراءة، و رحل إلى البصرة، فأخذ العربية عن الخليل بن أحمد.

قال محمد بن عيسى الأصبهاني: حدّثنا محمد بن سفيان، قال: قال الكسائي أدركت أشياخ أهل الكوفة: أبان بن تغلب، و ابن أبي ليلى، و حجاج بن أرطاة، و عيسى بن عمر الهمذاني، و حمزة.

قلت: و أخذ الحروف أيضا عن أبي بكر بن عياش و غيره، و خرج إلى البوادي، فغاب مدة طويلة، و كتب الكثير من اللغات و الغريب عن الأعراب بنجد و تهامة، ثم قدم و قد أنفد خمس عشرة قنينة حبر.

قال الصولي: هو علي بن حمزة بن عبد اللّه بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد.

قال أبو عبيد في كتاب «القراءات»: كان الكسائي يتخير القراءات، فأخذ من قراءة حمزة ببعض، و ترك بعضا، و كان من أهل القراءة، و هي كانت علمه و صناعته، و لم نجالس أحدا كان أضبط و لا أقوم بها منه.

[اعلم الناس بالنحو، و واحدهم في الغريب، و كان أوحد الناس في القرآن، فكانوا

ص: 298

يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم، فيجمعهم، و يجلس على كرسي، و يتلو القرآن من أوله إلى آخره و هم يسمعون و يضبطون عنه حتى المقاطع و المبادي.

قلت: و كان في الكسائي تيه و حشمة، لما نال من الرئاسة بإقراء محمد الأمين ولد الرشيد و تأديبه، و تأديبه أيضا للرشيد، فنال ما لم ينله أحد من الجاه و المال، و الإكرام، و حصل له رئاسة العلم و الدنيا.

قال ثعلب: حدّثنا خلف بن هشام، قال: عملت وليمة، فدعوت الكسائي و اليزيدي، فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك ينكر بعضها! فقال الكسائي: أو مثلي يخاطب بهذا؟! و هل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا؟ ثم بصق، فسكت اليزيدي.

و قد قيل في وفاته أقوال واهية: سنة إحدى و ثمانين، و سنة ثنتين، و سنة ثلاث، و سنة خمس- أعني و ثمانين- و سنة ثلاث و تسعين و اللّه أعلم، و قيل: إنه عاش سبعين سنة.

[معرفة القراء 1/ 128].

و ذكر القاضي منهج الكسائي في القراءة كالآتي:

1- يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال و التوبة فيقف أو يسكت أو يصل.

2- يوسط المدين المتصل و المنفصل بمقدار أربع حركات.

3- يدغم ذال إذا فيما عدا الجيم، و يدغم دال قد و تاء التأنيث و لام هل و بل في حروف كل منها، و يدغم الباء المجزومة في الفاء نحو قال اذهب فمن تبعك منهم. و يدغم الفاء المجزومة في الباء في إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ في سبأ. و يدغم من رواية الليث اللام المجزومة في الذال في يفعل ذلك حيث وقع هذا اللفظ. و يدغم الذال في التاء في عذت، فنبذتها، اتخذتم و يدغم الثاء في التاء في أورثتموها، لبثت، لبثتم.

4- يميل ما يميله حمزة من الألفات و يزيد عليه إمالة بعض الألفاظ كما وضح في كتب القراءات.

5- يميل ما قبل هاء التأنيث عند الوقف نحو رحمة، الملائكة بشروط مخصوصة.

6- يقف على التاءات المفتوحة نحو شجرت، بقيت، جنت بالهاء.

7- يسكن ياء الإضافة في قل لعبادي الذين آمنوا، بإبراهيم، يا عبادي الذين، بالعنكبوت و الزمر.

ص: 299

8- يثبت الياء الزائدة في يوم يأت في هود، و ما كنا نبغ في الكهف في حال الوصل.

[تاريخ القراء 27].

مقارنة القراءات السبع في الفاتحة

الصورة

القراءات العشر

اشارة

و في القرن التاسع الهجري أخذ محمد بن الجزري (ت 833 ه) على ابن مجاهد إهماله قراءات لها أهميتها. فزاد على السبعة ثلاثة آخرين هم بالمستوى المطلوب في القراءة و قد ساعدت ابن الجزري على هذه الخطوة خبرته في القراءات و رحلاته في سبيلها كما تكشف ذلك حياته. و لخص كحالة ترجمته من المصادر المختلفة بقوله: محمد بن الجزري (751- 833 ه) ابن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف العمري، الدمشقي، ثم الشيرازي، الشافعي، و يعرف بابن الجزري (شمس الدين، أبو الخير) مقرئ، مجوّد، محدث، حافظ، مؤرخ، مفسر، فقيه، نحوي، بياني، ناظم، مشارك في بعض العلوم. ولد بدمشق في 25 رمضان، و تفقه بها و طلب الحديث و القراءات و عمر للقراء مدرسة و سماها دار القرآن، و أقرأ الناس، و قدم القاهرة مرارا، و اتصل بقطلبك استدار ايتمش، و نقم عليه و تهدده، ففر منه، فنزل البحر إلى بلاد الروم، فاتصل بأبي يزيد عثمان فعظمه و أخذ أهل البلاد عنه علم القراءات و أكثروا عنه، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللنك فعظمه و فوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة و أخذ عنه أهل تلك البلاد القراءات و الحديث، و أقام بينبع، ثم بالمدينة، ثم بمكة فحج، و رجع إلى العراق، ثم عاد فحج، و دخل القاهرة

ص: 300

فعظمه الملك الأشرف و أكرمه، و حج، و دخل اليمن تاجرا فأسمع الحديث عند صاحبها و وصله، و رجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة و أقام بها مدة، ثم سافر على طريق الشام، ثم على طريق البصرة إلى أن وصل شيراز، و توفي بها في 5 ربيع الأول [معجم المؤلفين 11- 292].

و قال السيوطي في طبقات الحفاظ: لا نظير له في القراءات في الدنيا في زمانه، حافظا للحديث و غيره اتقن منه و لم يكن له في الفقه معرفة [فهرست الفهارس 1/ 223].

و سرد البغدادي في هدية العارفين له 48 مؤلفا مما تبين عن سعة باعه في مختلف الفنون الإسلامية و يظهر من الكتاني أن ابن الجزري استحقر جدوى علم القراءات و هذا ما لا يظهر في جهوده المتواصلة و الحق أنه لم يكن اهتمامه بالحديث إلا جزءا مكملا لاهتمامه في القراءات كما يظهر من مقارنة أسانيده في العلمين و المشاركة في غيرها.

قال ابن الجزري منتقدا ابن مجاهد ما لفظه: «و قال الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي بعد أن ذكر الشبهة التي من أجلها وقع بعض العوام الأغبياء في أن أحرف هؤلاء الأئمة السبعة هي المشار إليها بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» و أن الناس إنما ثمنوا القراءات و عشّروها و زادوا على عدد السبعة الذين اقتصر عليهم ابن مجاهد لأجل هذه الشبهة ثم قال: و إني لم اقتف أثرهم تثمينا في التصنيف أو تعشيرا أو تفريدا إلا لإزالة ما ذكرته من الشبهة و ليعلم أن ليس المراعى في الأحرف السبعة المنزلة عددا من الرجال دون آخرين و لا الأزمنة و لا الأمكنة و أنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفا بخلاف صاحبه و جرد طريقا في القراءة على حدة في أي مكان كان و في أي أوان أراد بعد الأئمة الماضين في ذلك بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف شرط الاختيار لما كان بذلك خارجا عن الأحرف السبعة» [النشر 1/ 43].

و ألف في ذلك أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمذاني العطار (ت 569 ه).

في كتابه «غاية الاختصار في قراءة العشر أئمة الأمصار تحقيق د. أشرف طلعت، طبعة سنة 1414 ه» و لم يكن لأحد من القراء الاسلوب الواضح الذي قام به ابن الجزري (ت 933 ه).

و لم يكتف ابن الجزري (ت 833 ه) بانتقاده ابن مجاهد (ت 324 ه) نظريا على حصره القراءات المشهورة بالسبعة بل استدرك عليه عمليا في كتابه و زاد عليها فبلغت عشرة.

و قال في المقدمة: «و إني لما رأيت الهمم قد قصرت، و معالم هذا العلم الشريف قد دثرت، و خلت من أئمته الآفاق، و أقوت [كذا] من موفق يوقف على صحيح الاختلاف

ص: 301

و الاتفاق، و ترك لذلك أكثر القراءات المشهورة، و نسي غالب الروايات الصحيحة المذكورة، حتى كاد الناس لم يثبتوا قرآنا إلا ما في الشاطبية و التيسير و لم يعلموا قراءات سوى ما فيها من النذر اليسير، و كان من الواجب عليّ التعريف بصحيح القراءات، و التوقف على المقبول من منقول مشهور الروايات، فعمدت إلى تثبيت ما وصل إليّ من قراءاتهم، و أوثق ما صح لديّ من رواياتهم، من الأئمة العشرة قراء الأمصار، و المقتدى بهم في سالف الأعصار، و اقتصرت عن كل إمام براويين، و عن كل راو بطريقين و عن كل طريق بطريقين:

مغربية و مشرقية، مصرية و عراقية، مع ما يتصل إليهم من الطرق، و يتشعب عنهم من الفرق.

فنافع من روايتي قالون و ورش عنه. و ابن كثير من روايتي البزي و قنبل عن أصحابهما عنه.

و أبو عمرو من روايتي الدوري و السوسي عن اليزيدي عنه. و ابن عامر من روايتي هشام.

و ابن ذكوان عن أصحابهما عنه. و عاصم من روايتي أبي بكر شعبة و حفص عنه. و حمزة من روايتي خلف و خلاد عن سليم عنه. و الكسائي من روايتي أبي الحارث و الدوري عنه. و أبو جعفر من روايتي عيسى بن وردان و سليمان بن جماز عنه. و يعقوب من روايتي رويس و روح عنه. و خلف من روايتي إسحاق الوراق و إدريس الحداد عنه. [النشر 1/ 54].

و هؤلاء الثلاثة الذين ألحقهم بالسبعة هم:

8- أبو جعفر المديني (ت 127 ه) أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي بالولاء مولى من أهل المدينة و له كتاب وجوه القراءات.

9- يعقوب الحضرمي (ت 205 ه) أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي بالولاء من أهل البصرة.

10- خلف البغدادي (ت 229 ه) أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البغدادي من أهل بغداد.

و الملاحظ أن الوحيد الذي يظهر كونه عربيا هو خلف البغدادي كما أن الوحيد الذي ألف منهم هو أبو جعفر المدني (ت 127 ه) أما غيرهما فكلهم من الموالي و أنهم لم يؤلفوا شيئا في دائرة اختصاصهم.

(و غريب) أن يعزل ابن مجاهد (ت 324 ه) هؤلاء الثلاثة عن القراءات المشهورة من دون بيان وجيه في ذلك مما يظهر أن القول بالتواتر ليس إلا اجتهادا من قائلها. و إليك لمحة عن تراجمهم و منهجهم.

ص: 302

8- أبو جعفر المدني (ت 127 ه)

مما قاله الذهبي (ت 748 ه): «أبو جعفر القارئ يزيد بن القعقاع أحد العشرة، مدني مشهور، رفيع الذكر.

قرأ القرآن على مولاه عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وفاقا.

و قال غير واحد: قرأ أيضا على أبي هريرة، و ابن عباس رضي اللّه عنهم، عن قراءتهم على أبيّ بن كعب، و صلى بابن عمر، و حدث عن أبي هريرة و ابن عباس، و هو قليل الحديث.

تصدى لإقراء القرآن دهرا، فورد أنه أقرأ الناس من قبل وقعة الحرة، حتى قيل: انه قرأ على زيد بن ثابت و لم يصح.

أخبرنا عمر الكتاني، أخبرنا ابن مجاهد، حدّثنا محمد بن الجهم، حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، قال: قال لي سليمان بن مسلم، أخبرني أبو جعفر أنه كان يقرئ في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل الحرة، و كانت الحرة سنة ثلاث و ستين. و أخبرني أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة، و كان من أقرأ الناس، قال: و كنت أرى كل ما يقرأ، و أخذت عنه قراءته، و أخبرني أبو جعفر أنه أتي به إلى أم سلمة و هو صغير فمسحت على رأسه، و دعت له بالبركة.

أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه قال: قال لي مالك: كان أبو جعفر القارئ رجلا صالحا يفتي الناس بالمدينة.

و قال يونس بن حبيب: حدّثنا قتيبة بن مهران، حدّثنا سليمان بن مسلم بن جماز، سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة، في: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1] يحزّنها شبه الرثاء.

فأما قراءة أبي جعفر فدارت على أحمد بن زيد الحلواني، عن قالون عن عيسى بن وردان الحذاء، عن أبي جعفر قرأ بها الفضل بن شاذان الداري، و جعفر بن الهيثم عن الحلواني، و أقرأ بها الزبير بن محمد العمري، عن قراءته على قالون بإسناده، و أقرأها سليمان بن مسلم أخبرني أبو جعفر حين كان يمر به نافع، يقول: أ ترى هذا كان يأتيني و هو غلام، فيقرأ علي ثم كفر بي- و هو يضحك. قال سليمان: و شهدت أبا جعفر حين احتضر، جاء أبو حازم و شيخه، فأكبوا عليه يصرخون به، فلم يجبهم. [معرفة القراء 75].

و ذكر القاضي منهج أبي جعفر في القراءة كالآتي:

ص: 303

1- يقرأ بالبسملة بين كل سورتين إلا بين الأنفال و براءة فله الأوجه الثلاثة المعروفة.

2- يضم ميم الجمع و يصلها بواو إن كان بعدها حرف متحرك همزا كان أم غيره.

3- يقرأ بإسكان الهاء في يؤده. نوله، و نصله، و نؤته، فألقه.

4- يقرأ بقصر المنفصل و توسط المتصل بقدر أربع حركات.

5- يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين المتلاقيتين في كلمة مع إدخال ألف بينهما.

سواء كانت الهمزة مفتوحة أم مكسورة أم مضمومة.

6- يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين المتلاقيتين في كلمتين المتفقتين في الحركة أما المختلفتان فيها فيغير ثانيتهما كما يغيرها نافع و ابن كثير و أبو عمرو.

7- يبدل الهمز الساكن مطلقا سواء كان فاء للكلمة أو عينها أو لامها.

8- يدغم الذال في التاء في أخذتم و بابه. و يدغم الثاء في التاء في لبثت و لبثتم، و الذال في التاء في عذت.

9- يقرأ بإخفاء النون الساكنة و التنوين عند الخاء و الغين مع الغنة نحو من خير من غفور، عليم خبير، عزيز غفور.

10- يقف على كلمت «أبت» بالهاء حيث وردت.

11- يفتح ما يفتحه قالون من ياءات الإضافة و يسكن ما يسكنه منها إلا ما استثنى.

12- يوافق قالون في إثبات بعض الياءات الزائدة- وصلا. و يوافق ورشا في إثبات بعضها. و ينفرد بإثبات البعض الآخر كما هو مفصل في الكتب.

13- يقرأ بضم تاء «للملائكة اسجدوا» في جميع المواضع.

14- يسكت على كل حرف من حروف الهجاء الواقعة في أوائل السور مثل «الم» «كهيعص» سكتة لطيفة من غير تنفس.

15- يقرأ «و نخرج له يوم القيامة كتابا» بالاسراء بالياء المضمومة في مكان النون المفتوحة، و بفتح الراء.

16- يقرأ «و لا يتأل أولو الفضل منكم» في النور بتاء مفتوحة بعد الياء و بعد التاء همزة مفتوحة مع فتح اللام و تشديدها.

17- يقرأ، نسقيكم مما في بطونه في المؤمنين و النحل بتاء مفتوحة مكان النون المضمومة.

ص: 304

18- يقرأ، و لتصنع على عيني بسكون اللام و جزم العين في و لتصنع.

19- يقرأ «اصطفى البنات» في الصافات بوصل الهمزة، و يبتدئ بها مكسورة.

20- يقرأ «بنصب» في ص بضم النون و الصاد. [تاريخ القراء 40].

9- يعقوب بن إسحاق الحضرمي (ت 250 ه)

ترجمه الذهبي (ت 748 ه) بقوله: «الحضرمي قارئ أهل البصرة في عصره، الإمام أبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد اللّه بن أبي إسحاق مولى الحضرميين.

قرأ القرآن على أبي المنذر سلّام بن سليم، و على أبي الأشهب العطاردي، و مهدي بن ميمون، و شهاب بن شرنفة.

و سمع من حمزة الزيات، و شعبة، و هارون بن موسى النحوي، و سليم بن حيان، و همام بن يحيى، و زائدة، و أبي عقيل الدّورقي، و الأسود بن شيبان.

و برع في الإقراء، قرأ عليه روح بن عبد المؤمن، و محمد بن المتوكل رويس، و الوليد بن حسان التوزي، و أحمد بن عبد الخالق المكفوف، و أبو حاتم السجستاني، و أبو عمر الدوري، و خلق سواهم.

و حدث عنه أبو حفص الفلّاس، و أبو قلابة الرقاشي، و إسحاق بن إبراهيم شاذان، و محمد بن يونس الكديمي.

قال أبو حاتم السجستاني: هو أعلم من رأيت بالحروف، و الاختلاف في القرآن و علله و مذهبه، و مذاهب النحو.

و قال أحمد بن حنبل هو صدوق.

و لبعضهم:

أبوه من القراء كان وجده و يعقوب في القراء كالكوكب الدري

تفرده محض الصواب و وجهه فمن مثله في وقته و إلى الحشر

قال طاهر بن غلبون: إمام أهل البصرة بالجامع، لا يقرأ إلا بقراءة يعقوب رحمه اللّه تعالى- يعني في الصلوات.

و قال علي بن جعفر السعيدي: كان يعقوب أقرأ أهل زمانه، و كان لا يلحن في كلامه، و كان أبو حاتم من بعض تلامذته.

ص: 305

و قال أبو القاسم الهذلي: لم ير في زمن يعقوب مثله؛ كان عالما بالعربية و وجوهها، و القرآن و اختلافه، فاضلا تقيا نقيا، ورعا زاهدا، بلغ من زهده أنه سرق رداؤه عن كتفه في الصلاة، و لم يشعر و ردّ إليه و لم يشعر لشغله بالصلاة، و بلغ من جاهه بالبصرة أنه كان يحبس و يطلق.

و قال ابن سوار و غيره: توفي في ذي الحجة سنة خمس و مائتين. [معرفة القراء 1 (157- 158)].

و ذكر القاضي منهج يعقوب في القراءة كالآتي:

1- له ما بين كل سورتين ما لأبي عمرو من الأوجه.

2- يقرأ من رواية رويس لفظ «الصراط» كيف وقع في القرآن معرفا أو منكرا بالسين.

3- يقرأ بضم هاء كل ضمير جمع مذكر إذا وقعت بعد الياء الساكنة، نحو فيهم عليهم. و بضم كل هاء ضمير جمع مؤنث إذا وقعت بعد الياء الساكنة نحو عليهن، فيهن و بضم كل هاء ضمير مثنى إذا وقعت بعد الياء الساكنة نحو فيهما. و يقرأ من رواية رويس بضم هاء ضمير الجمع إذا وقعت بعد ياء ساكنة و لكن حذفت الياء لعارض جزم أو بناء نحو أو لم يكفهم، فاستفتهم.

4- يقرأ بالإدغام كالسوسي في بعض الحروف المتماثلة نحو و الصاحب بالجنب، بالنساء. لا قبل لهم بها بالنمل. أ تمدونن بمال بها.

5- يقرأ من رواية رويس باختلاس هاء الكناية- أي بالنطق بالهاء مكسورة كسرا كاملا من غير إشباع- في لفظ «بيده» حيث وقع.

6- يقرأ بقصر المد المنفصل، و توسط المد المتصل بقدر أربع حركات.

7- يقرأ من رواية رويس بتسهيل ثاني الهمزتين من كلمة من غير إدخال.

8- يقرأ من رواية رويس بتسهيل ثاني الهمزتين من كلمتين المتفقتين في الحركة أما المختلفتان فيها فيقرأ بتغيير ثانيتهما كما يقرأ أبو عمرو.

9- يقف على هذه الألفاظ بهاء السكت: فيم، عم، مم لم بم، و هو و هي عليهن لديّ، إليّ، يا أسفى، يا حسرتى ثمّ.

10- يسكن بعض ياءات الإضافة. و يفتح بعضها.

ص: 306

11- يثبت الياءات الزائدة في رءوس الآي وصلا و وقفا نحو فلا تفضحون. فلا تستعجلون، كما يثبت غيرها ما لم يكن في رءوس الآي.

12- يقرأ: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ [البقرة: 165] بكسر همزة إن في الموضعين.

13- يقرأ: يرفع درجات من يشاء بالياء في يرفع و يشاء في موضع النون فيهما.

14- يقرأ: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً في الأنعام بضم العين و الدال و تشديد الواو المفتوحة.

15- يقرأ: من أن يقضى إليك وحيه في طه بالنون المفتوحة في موضع الياء المضمومة، مع كسر الضاد و نصب الياء في نقضي و نصب الياء في وحيه.

16- يقرأ: وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا في التوبة بنصب التاء. [تاريخ القراء 44].

10- خلف بن هشام (ت 229 ه)

ترجمه الذهبي (ت 748 ه) بقوله: «ابن ثعلب، و قيل: ابن طالب بن غراب أبو محمد البغدادي المقرئ البزار أحد الأعلام».

و له اختيار أقرأ به، و خالف فيه حمزة.

قرأ على سليم عن حمزة و سمع مالكا، و أبا عوانة، و حماد بن زيد، و أبا شهاب عبد ربه الحناط، و أبا الأحوص، و شريكا. و حماد بن يحيى الأبح، و طائفة. و قرأ أيضا على أبي يوسف الأعشى لعاصم، و أخذ حرف نافع عن إسحاق المسيبي، و قراءة أبي بكر عن يحيى بن آدم.

قرأ عليه أحمد بن يزيد الحلواني، و أحمد بن إبراهيم وراقة، و محمد بن يحيى الكسائي الصغير، و إدريس بن عبد الكريم الحداد، و محمد بن الجهم، و سلمة بن عاصم، و خلق سواهم.

و حدّث عنه مسلم في «صحيحه»، و أبو داود في «سننه» و أحمد بن حنبل و أبو زرعة الرازي، و أحمد بن أبي خيثمة و محمد بن إبراهيم بن أبان السراج و أبو يعلى الموصلي، و أبو القاسم البغوي، و عدد كثير.

وثقه ابن معين و النسائي، و قال الدارقطني: كان عابدا فاضلا.

ص: 307

و قال حمدان بن هانئ المقرئ: سمعت خلف بن هشام يقول: أشكل علي باب من النحو، فأنفقت ثمانين ألف درهم، حتى حذقته.

و عن خلف قال: أعدت الصلاة أربعين سنة، كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين.

و قال الحسين بن فهم: ما رأيت أنبل من خلف بن هشام، كان يبدأ بأهل القرآن، ثم يأذن للمحدثين، و كان يقرأ علينا من حديث أبي عوانة خمسين حديثا، و ورد أن خلفا كان يصوم الدهر.

و قال أحمد بن إبراهيم وراق خلف: سمعته يقول: قدمت الكوفة فصرت إلى سليم، فقال: ما أقدمك؟ قلت: اقرأ على أبي بكر بن عياش.

فقال: أ تريده؟ قلت: بلى، فدعا ابنه و كتب معه ورقة إلى أبي بكر، لم أدر ما كتب فيها، فأتيناه فقرأ الورقة و صعّد فيّ النظر، ثم قال: أنت خلف؟ قلت: نعم، قال: أنت لم تخلف ببغداد أحدا أقرأ منك، فسكت. فقال لي: اقعد هات اقرأ، قلت: عليك؟ قال:

نعم، قلت: لا و اللّه لا أقرأ على من يستصغر رجلا من حملة القرآن، ثم خرجت، فوجه إلى سليم يسأله أن يردني فأبيت. ثم ندمت و احتجت، فكتبت قراءة عاصم عن يحيى بن آدم، عنه.

توفي في جمادى الآخرة سنة تسع و عشرين و مائتين، و كان مولده سنة خمسين و مائة.

[معرفة القراء 11/ 208- 210].

و ذكر القاضي منهج خلف في القراءة كالآتي:

1- يصل آخر السورة بأول التالية من غير بسملة كحمزة.

2- يقرأ بتوسط المدين المتصل و المنفصل.

3- يقرأ بنقل حركة الهمزة إلى السين قبلها مع حذف الهمزة في لفظ فعل الأمر من السؤال حيث وقع و كيف ورد إذا كان قبل السين واو نحو و اسألوا اللّه من فضله أو فاء نحو فاسألوا أهل الذكر.

و على الجملة فقراءته لا تخرج عن قراءة حمزة و الكسائي في جميع القرآن إلا في قوله تعالى: و حرم على قرية في الأنبياء فإنه قرأ و حرام كحفص و غيره و حرم.

و تكفلت تفصيل قراءات الثلاثة هؤلاء كتب أهمها:

ص: 308

1- النشر في القراءات العشر لابن الجزري (833 ه) طبعة القاهرة بتصحيح علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية و تبعه من تأخر عنه من القراء حتى عصرنا الحاضر.

2- طلائع البشر في توجيه القراءات العشر تأليف محمد الصادق قمحاوي- عضو لجنة مراجعة المصاحف- طبعة سنة 1978 م.

3- المهذب في القراءات العشر و توضيحها عن طريق طيبة للنشر. تأليف محمد محمد محمد سالم محيسن- عضو لجنة مراجعة المصاحف- طبعة سنة 1389 ه.

القراءات الأربعة عشر

اشارة

و في سنة 1082 ه استدرك شهاب الدين الشيخ أحمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي المشهور بالبناء (ت 1117 ه) على ابن الجزري (ت 833 ه) بكتابه «اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر» حيث رأى أن أربعة آخرين من القراء هم بنفس المستوى المطلوب من القراءة.

ولد ابن البناء بدمياط و رحل إلى القاهرة فالحجاز و اليمن فالمدينة المنورة حيث استوطنها حتى وفاته في 3 محرم سنة 1117 ه و يظهر تأثره البالغ بشيخه نور الدين علي بن علي الشبراملسي الضرير (ت 1087 ه) حيث صرح باسمه في مقدمة الكتاب دون غيره و صرح بأنه المراد بقوله: «شيخنا» عند الاطلاق. و هذا الشيخ هو سنده في القراءة الموصولة إلى ابن الجزري (ت 833 ه) بأسانيده المذكورة في النشر [1/ 100].

و يصرح المؤلف بأنه زاد أربعة قراء مشهورين بالرغم من الاتفاق من غيره على شذوذها و قال عن أسلوبه ما لفظه: «فخطر لي بعد ذلك أن ألخص ما صح و تواتر من القراءات العشر، حسبما تضمنته الكتب المعتمدة، المعول عليها في هذا الشأن، ككتاب «النشر في القراءات العشر» و «طيبته» و «تقريبه» للشيخ المذكور، الذي ترجموه بأنه لم تسمح الأعصار بمثله، و وصف كتابه «النشر» بأنه لم يسبق بمثله، و كشرح «طيبته» للإمام أبي القاسم العقيلي الشهير «بالنويري» و كتاب «اللطائف» للشهاب المحقق «أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني» شارح البخاري.

ثم وقع الإعراض عن ذلك، فحثني عليه حثا شديدا بعض إخواني، فاستخرت اللّه تعالى، و شرعت فيه مستعينا به تبارك و تعالى، فجاء بحمد اللّه تعالى على وجه سهل، يمكن و يتيسر معه وصول دقائق هذا الفن لكل طالب، مع الاختصار الغير المخل ليسهل تحصيله، مع زيادة فوائد و تحريرات تحصلت حال قراءتي على شيخنا المفرد بالفنون، و إنسان العيون

ص: 309

محقق العصر «أبي الضياء نور الدين علي الشبراملسي»- رحمه اللّه تعالى- و هو مرادي بشيخنا عند الإطلاق، فإن أردت غيره قيدت.

ثم جنح الخاطر لتتميم الفائدة بذكر قراءة الأربعة، و هم: «ابن محيصن» و اليزيدي» و «الحسن» و «الأعمش» و إن اتفقوا على شذوذها، لما يأتي- إن شاء اللّه تعالى- من جواز تدوينها، و التكلم على ما فيها. [اتحاف الفضلاء 1/ 65].

و سميت مجموع ما ذكر من التلخيص، و ما ضم إليه ب «إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر».

و عن اقسام القراءات قال: «و لما كانت القراءات بالنسبة إلى التواتر و عدمه، ثلاث أقسام:

قسم اتفق على تواتره، و هم السبعة المشهورة.

و قسم اختلف فيه، و الأصح، بل الصحيح المختار المشهور تواتره، كما تقدم، و هم الثلاثة بعدها.

و قسم اتفق على شذوذه، و هم الأربعة الباقية، قدمت قراءة السبعة، ثم الثلاثة، ثم الأربعة، على الترتيب السابق، فإن تابع أحد من الثلاثة أحدا من السبعة عطفته بكذا أبو جعفر مثلا، تبعا لكتاب «اللطائف»، و هو مرادي بالأصل. فإن وافق من الأربعة قلت بعد استيفاء الكلام على تلك القراءة- وافقهم الحسن مثلا. فإن خالف قلت: و عن الحسن كذا مثلا.

و هذا في الأصول، أما الفرش فأسقط لفظ كذا، غالبا، إيثارا للاختصار. [اتحاف فضلاء البشر 1/ 80].

و حاول البناء أن يسلك نفس الأسلوب المتبع ممن سبقه كابن الجزري (ت 833 ه) من ذكر الإسناد إلى القراء و بيان الطريق إلى القراء الأربعة فقال: «قرأت القرآن العظيم، من أوله إلى آخره بالقراءات العشر، بمضمون «طيبة النشر» المذكور، بعد حفظها على علامة العصر و الأوان، الذي لم يسمح بنظيره ما تقدم من الدهور و الأزمان «أبي الضياء نور الدين علي الشبراملسي» بمصر المحروسة.

و قرأ شيخنا المذكور على شيخ القراء بزمانه، الشيخ «عبد الرحمن اليمني».

و قرأ اليمني على والده الشيخ «شحاذة اليمني» و على «الشهاب أحمد بن عبد الحق السنباطي».

ص: 310

و قرأ السنباطي على الشيخ «شحاذة المذكور».

و قرأ الشيخ «شحاذة» على الشيخ «أبي النصر الطبلاوي».

و قرأ الطبلاوي على شيخ الإسلام «زكريا الأنصاري».

و قرأ شيخ الإسلام على الشيخين: «البرهان القلقيلي» و «الرضوان».

و قرأ كل منهما على إمام القراء و المحدثين، محرر الروايات و الطرق، أبي الخير «محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري» بأسانيده المذكورة. في نشره.

و أما طرق القراء الأربعة: فالبزي، و ابن شنبوذ، عن «ابن محيصن» فعن شبل عنه من المبهج، و مفردات الأهوازي.

و أما سليمان بن الحكم (ت 23 ه)، و أحمد بن فرح (ت 303 ه) عن «اليزيدي» فمن المبهج و المستنير.

و أما المطوعي (ت 371 ه)، و الشنبوذي (ت 388 ه) و عن الأعمش فعن قدامة عنه من المبهج.

و أما البلخي (ت 190 ه) و الدوري (ت 246 ه) عن «الحسن البصري» فعن عيسى الثقفي عنه، من مفردات الأهوازي، و اللّه تعالى أعلم [اتحاف الفضلاء 1/ 80].

من هم هؤلاء الأربعة؟

اشارة

و هؤلاء الأربعة الذين الحقهم البناء في القراءات المشهورة عرفت قراءتهم بالشواذ و تراجمهم المذكورة في مصادر القراءات كابن الجزري (ت 833 ه) و غيره تنبئ عن علو كعبهم في القراءات و لا تقل أهميتهم عمن عاصرهم من القراء فهم أصحاب اختيارات شاءت الأقدار أن يتقدمهم على الشهرة غيرهم و من هنا أخذ البناء على نفسه الحاقهم بالمشهورين و عدم إقرارهم بالشذوذ عمليا و في قوله: «و إن اتفقوا على شذوذها» تعريض بهذا الاتفاق و أنه اتفاق عن اجتهاد. و تكشف تراجمهم عن بعض أدوارهم التي لا تقل عن غيرهم ممن هم في طبقتهم. معتمدا على ما ذكره ابن الجزري (ت 833 ه) في غاية النهاية.

11- الحسن البصري (ت 110 ه)

الحسن بن أبي الحسن يسار السيد الإمام أبو سعيد الحسن البصري (ت 110 ه) إمام زمانه علما و عملا، قرأ على حطان بن عبد اللّه الرقاشي عن أبي موسى الأشعري و على أبي العالية عن أبيّ و زيد و عمر، و روى عنه أبو عمرو بن العلاء و سلام بن سليمان الطويل

ص: 311

و يونس بن عبيد و عاصم الجحدري، و أسند الهذلي قراءته من رواية ابن عباد بن راشد و عباد بن تميم و سليمان بن أرقم و عتبة بن عتبة و عمر بن مقبل كلهم عن الحسن و اللّه أعلم، و قد أسند الأهوازي قراءة الحسن عن شجاع البلخي و أن شجاعا قرأ على عيسى بن عمر النحوي و أن عيسى قرأ على الحسن و اللّه أعلم، و قد أثبت قراءة شجاع على عيسى بن عمر و قراءة عيسى على الحسن الحافظ أبو العلاء و يكفي ذلك مع أن شجاعا سمع من عيسى بن عمر و عيسى سمع من الحسن و لكن لا نعلم أن أحدهما عرض على الآخر فيحتمل أن يكون ذلك رواية سماع لا عرض و اللّه أعلم، روينا عن الشافعي رحمه اللّه أنه قال لو أشاء أقول أن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت لفصاحته، و مناقبه جليلة و أخباره طويلة ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي اللّه عنه و ذلك سنة إحدى و عشرين و توفي سنة عشر و مائة.

[اتحاف الفضلاء 1/ 235].

12- ابن محيصن (ت 113)

محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مولاهم المكي مقرئ أهل مكة مع ابن كثير ثقة، روى له مسلم و قيل اسمه عمر و قيل عبد الرحمن بن محمد و قيل محمد بن عبد اللّه، عرض على مجاهد بن جبير و درباس مولى ابن عباس و سعيد بن جبير، عرض عليه شبل بن عباد و أبو عمرو بن العلاء و سمع منه حروفا إسماعيل بن مسلم المكي و عيسى بن عمر البصري و يحيى بن جرجة و يقال بل عرض عليه، قال ابن مجاهد و كان ممن تجرد للقراءة و قام بها في عصر ابن كثير محمد بن عبد الرحمن بن محيصن، قلت و قراءته في كتاب المبهج و الروضة و قد قرأت بها القرآن و لو لا ما فيها من مخالفة المصحف لألحقت بالقراءات المشهورة. و عن ميمون بن عبد الملك سمعت أبا حاتم يقول ابن محيصن من قريش و كان نحويا قرأ القرآن على ابن مجاهد، و قال أبو عبيد و كان من قراء مكة عبد اللّه بن كثير و حميد بن قيس و محمد بن محيصن و كان ابن محيصن أعلمهم بالعربية و أقواهم عليها، و قال ابن مجاهد: كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية فخرج به عن اجماع أهل بلده فرغب الناس عن قراءته و أجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه.

قال أبو القاسم الهذلي مات سنة ثلاث و عشرين و مائة بمكة و قال القصاع و سبط الخياط سنة اثنتين و عشرين. [غاية النهاية 2/ 167].

13- سليمان الأعمش (ت 148 ه)

سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الإمام

ص: 312

الجليل، ولد سنة ستين، أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي وزر بن حبيش و زيد بن وهب و عاصم بن أبي النجود و أبي حصين و يحيى بن وثاب و مجاهد بن جبر و أبي العالية الرياحي. روى القراءة عنه عرضا و سماعا حمزة الزيات و محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى و جرير بن عبد الحميد و زائدة بن قدامة و أبان بن تغلب و عرض عليه طلحة بن مصرف و إبراهيم التيمي و منصور بن المعتمر و عبد اللّه بن إدريس و أبو عبيدة بن معن الهذلي و روى عنه الحروف محمد بن عبد اللّه المعروف بزاهر و محمد بن ميمون، قال هشام: ما رأيت بالكوفة أحدا أقرأ لكتاب اللّه عزّ و جلّ من الأعمش. و روينا عنه أنه قال إن اللّه زين بالقرآن أقواما و إني ممن زينه اللّه بالقرآن و لو لا ذلك لكان على عنقي دن أطوف به في سكك الكوفة، و روينا عنه ملحا و نوادر خرج يوما إلى الطلبة فقال لو لا أن في منزلي من هو أبغض إليّ منكم ما خرجت إليكم، مات في ربيع الأول سنة ثمان و أربعين و مائة. [غاية النهاية 1/ 316].

14- يحيى اليزيدي (ت 202 ه)

يحيى بن المبارك بن المغيرة الإمام أبو محمد العدوي البصري المعروف باليزيدي، نحوي مقرئ ثقة علّامة كبير، نزل بغداد و عرف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور الحميري خال المهدي فكان يؤدب ولده، أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو و هو الذي خلفه بالقيام بها و أخذ أيضا عن حمزة، روى القراءة عنه أولاده محمد و عبد اللّه- وعد آخرين- روى عنه الحروف أبو عبيد القاسم بن سلام و سمع عبد الملك بن جريج، و أخذ عن الخليل بن أحمد و له اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة قرأت به من كتاب المبهج و المستنير و غيرهما و هي عشرة إشباع باب بارئكم و يأمركم، و حذف الهاء وصلا من «يتسنه» [س 2 آ 259] و «فبهداهم اقتده» [6 آ 90] و إشباع صلة هاء الكناية من «يؤده» [س 3 آ 75] «و نوله» [س 4 آ 115] و «نصله» [س 4 آ 115] و «نؤته» [س 42 آ 20] و نصب «معذرة» في الأعراف [س 7 آ 164] و نون «عزيز» [س 9 آ 30] في التوبة و في طه [س 20 آ 102] «ينفخ» بالياء مضمومة و في الواقعة [س 56 آ 3] «خافضة رافعة» بنصبهما و في الحديد [س 57 آ 23] «بما أتاكم» بالمد، قال ابن المنادي: أكثرت السؤال عن اليزيدي و محله من الصدق و منزلته من الثقة من شيوخنا بعضهم أهل عربية و بعضهم أهل قرآن و حديث فقالوا ثقة صدوق لا يدفع عن سماع و لا يرغب عنه في شي ء غير ما يتوهم عليه في الميل إلى المعتزلة. قرأت على محمد بن أحمد المقرئ عن الوجيهية و قال أحسبه قال كانت اليمين بالطلاق. و قال ابن مجاهد و إنما عولنا على اليزيدي و إن كان سائر أصحاب أبي عمرو أجل منه لأجل أنه انتصب

ص: 313

للرواية عنه و تجرد لها و لم يشتغل بغيرها و هو أضبطهم. و قال الحافظ الذهبي كان ثقة علّامة فصيحا مفوها بارعا في اللغات و الآداب، أخذ عن الخليل و غيره حتى قيل إنه أملأ عشرة آلاف ورقة عن أبي عمرو خاصة، و له عدة تصانيف منها كتاب النوادر كتاب المقصور كتاب المشكل كتاب نوادر اللغة كتاب في النحو مختصر، قلت له نظم حسن فمنه:

أنا المذنب الخطاء و العفو واسع و إن لم يكن ذنب لما عرف العفو

سكرت فأبدت مني الكأس بعض ما كرهت و ما إن يستوي السكر و الصحو

توفي سنة اثنتين و مائتين مبرر و له أربع و سبعون سنة و قيل بل جاوز التسعين و قارب المائة. [غاية النهاية 2/ 377].

أقول: «و ما أخذه البنّاء على ابن الجزري يؤخذ عليه أيضا. و يبقى السؤال لما ذا اقتصر ابن الجزري على هؤلاء العشرة؟ فإن عدد الأئمة في القراءة الذين يقتدى بهم و يرحل إليهم و تؤخذ عنهم و اجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول و لم يختلف عليهم فيها اثنان و لتصديقهم للقراءة نسب إليهم»- حسب تعبير ابن الجزري و احصائه- بلغوا و أحدا و عشرين إماما.

قال ما لفظه: «ثم تجرد قوم للقراءة و الأخذ و اعتنوا بضبط القراءة، اتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم و يرحل إليهم و يؤخذ عنهم، أجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول و لم يختلف عليهم فيها اثنان و لتصديهم للقراءة نسبت إليهم (فكان بالمدينة) أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم (و كان بمكة) عبد اللّه بن كثير و حميد بن قيس الأعرج و محمد بن محيصن (و كان بالكوفة) يحيى بن وثاب و عاصم بن أبي النجود و سليمان الأعمش ثم حمزة ثم الكسائي (و كان بالبصرة) عبد اللّه بن أبي إسحاق و عيسى بن عمر و أبو عمرو بن العلاء ثم عاصم الجحدري ثم يعقوب الحضرمي (و كان بالشام) عبد اللّه بن عامر و عطية بن قيس الكلابي و إسماعيل بن عبد اللّه بن المهاجر ثم يحيى بن الحارث الذماري ثم شريح بن يزيد الحضرمي. [النشر 1/ 8- 9].

و الأسماء التي أشار لها ابن الجزري- ما عدا ما تقدم من القراء الأربعة عشر هم:

1- شيبة بن نصاح بن سرحس بن يعقوب (ت 130 ه) من المدينة.

2- حميد بن قيس الأعرج (ت 130 ه) من مكة.

3- يحيى بن وثاب الأسدي (ت 103 ه) من الكوفة.

ص: 314

4- عبد اللّه بن إسحاق الحضرمي النحوي (ت 129 ه) من البصرة.

5- عيسى بن عمر الثقفي النحوي (ت 149 ه) من البصرة.

6- عاصم بن أبي الصباح الجحدري (ت 128 ه) من البصرة.

7- عطية بن قيس الكلابي الحمصي (ت 121 ه) من الشام.

8- إسماعيل بن عبد اللّه المهاجر المخزومي (ت 131 ه) من الشام.

9- يحيى بن الحارث بن عمر الذماري الدمشقي (ت 145 ه) من الشام.

10- شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي (ت 203 ه) من الشام.

(لا يقال) أن ابن الجزري حصر منهجه- على ما قال: «ما وصل إليّ من قراءاتهم و أوثق ما صح لدي من رواياتهم» [النشر 1/ 54] فهو إذا ترك الأئمة الآخرين إما لأن قراءاتهم لم تصل إليه أو لأنها لم تكن مما صح لديه من الروايات، فإن التتبع في نقول ابن الجزري يوقفنا على أن الحال في روايات هؤلاء سواء في مصادر الرواية التي اعتمد عليها في مقدمة كتابه فإنها من هذه الطرق المتعارفة في عصره و حالها حال غيرها من روايات الأئمة المشهورين غالبا.

جمع القراءات

لقد أوجد تعدد القراءات السبع أو العشر أو الأربعة عشر مشكلة جديدة لمن أراد القراءة بها جميعا و ذهب جمهور القراء إلى المنع و أن الختمة لا بد أن تكون لقراءة واحدة.

قال الإمام أبو الحسن السخاوي في كتابه «جمال القراءة»: خلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ و لا يجوز.

و قال الإمام الجعبري: تركيب ممتنع في كلمة، و في كلمتين إن تعلقت إحداهما بالأخرى، و إلا كره ..

و كان ممن وقف بإصرار على المنع هو الشيخ أبو بكر بن محمد بن علي بن خلف الحسيني في رسالة «الآيات البينات في حكم جمع القراءات» طبع القاهرة سنة 1344 ه.

و في 4 ذي القعدة سنة 1340 ه عقد مجمع لعلماء القراءات بمصر و اعلنوا رأيهم كالتالي:

ان جمع القراءات السبع أو الأكثر أو الأقل في ختمة واحدة لم يقع في الصدر الأول أصلا بل كانوا يقرءون لكل راو ختمة دون أن يجمعوا رواية إلى أخرى، و استمر العمل على ذلك إلى أثناء المائة الخامسة عصر الداني و غيره، فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في

ص: 315

ختمة واحدة لضرورة سرعة التحصيل، و منعه بعض الأئمة لمخالفته لعمل الصدر الأول و قد ثبت أن الحق و الصواب في كل شي ء مع الصدر الأول فضلا عما يترتب على هذا الجمع من التخليط و التلبيس، و حيث أن موضوع الخلاف بين المتأخرين في التجويز و المنع هو الجمع حالة التلقي كما هو واضح من تعليل النص حيث أنه لم ينص أحد على جواز الجمع في غير حالة التلقي فبكون كل بدعة ضلالة لا يساعدها نص و لا قياس و لا عمل الماضين من السلف الصالح، و قد تؤدي إلى التخليط و التلبيس، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» قرروا باتفاق الآراء منع جمع قراءة أو رواية مع أخرى بأي طريقة من طرقه في أي مجلس كان، كما قرروا كذلك منع القراءة برواية غير المعتادة عند العامة ما لم يوجد بالمجلس عالم بها، و أنه إذا قرأ قارئ بإحدى الروايات لا ينتقل منها إلى غيرها إلا إذا انتهت القصة و شرع في غيرها فله أن يقرأ ما شرع فيه برواية أخرى و إن كان الأولى أن يستمر على الرواية التي ابتدأ بها حتى ينتهي المجلس. [الآيات البينات 7].

و إلى نقيض ذلك ذهب الدكتور محيسن فقال: و قال الإمام ابن الجزري: الصواب عندنا التفصيل، فإن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم، كمن يقرأ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة: 37] برفعهما، أو بنصبهما، و نحو: وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا [آل عمران: 37] بالتشديد و الرفع، و شبهه مما لا تجيزه العربية و لا يصح في اللغة.

أما ما لم يكن كذلك، فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية و غيرها، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية «لم يجز» من حيث إنه كذب في الرواية.

و إن لم يكن على سبيل الرواية بل على سبيل القراءة و التلاوة فإنه جائز صحيح مقبول، و إن كنا نعيبه على أئمة القراءات من حيث وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه أو حرام؛ إذ كل من عند اللّه نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين سيدنا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و إلى هذه الشروط أشار ابن الجزري بقوله:

بشرطه فليرع وقفا و ابتدأ و لا يركب و ليجد حسن الأدا

[الإشارات الجلية للمحيسن 14] و قال: «يشترط على من يريد أن يجمع بالقراءات شروط أربعة ... رعاية الوقف، و الابتداء، و حسن الأداء، و عدم التركيب ... أما رعاية الترتيب، و التزام تقديم قارئ بعينه فلا يشترط. [الإرشادات الجلية 14].

ص: 316

أقول: ان الشروط الأربعة المذكورة إن حصلت لا تكفي فيما إذا لم يرتفع الخلط و التلبيس فالمناط في الجواز و عدمه هو حصول التلبيس و من الطبيعي أنه لا يحصل خلط أو تلبيس في مقام التعليم و التعلم أما في غير هذا المقام فلا بد من رعاية الأمن من الخلط و التلبيس و معهما لا يجوز و اللّه العالم.

مصطلحات

اصطلح علماء القراءة على إسناد القراءات بما يختلف به عن المحدثين في رواية الحديث و يعنون هنا القراءة كل ما روي عن القراء السبعة أو العشرة و بالرواية كلما روي عن الرواة عن هؤلاء مباشرة و بالطرق لمن روى عنهم غير مباشرة مهما سفل.

قال عبد الفتاح القاضي: «ان كل خلاف نسب لإمام من الأئمة العشرة مما أجمع عليه الرواة عنه فهو قراءة، و كل ما نسب للراوي عن الإمام فهو رواية، و كل ما نسب للآخذ عن الراوي و إن سفل فهو طريق. نحو: الفتح في لفظ ضعف في سورة الروم قراءة حمزة و رواية شعبة، و طريق عبيد بن الصباح عن حفص و هكذا.

و هذا هو الخلاف الواجب، فهو عين القراءات و الروايات و الطرق، بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها فلو أخلّ بشي ء منها عد ذلك نقصا في روايته كأوجه البدل مع ذات الياء لورش، فهي طرق، و إن شاع التعبير عنها بالأوجه تسهلا. و أما الخلاف الجائز فهو خلاف الأوجه التي على سبيل التخيير و الإباحة كأوجه البسملة، و اوجه الوقف على عارض السكون فالقارئ مخير في الإتيان بأي وجه منها غير ملزم بالإتيان بها كلها، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه و لا يعتبر ذلك تقصيرا منه و لا نقصا في روايته، و هذه الأوجه الاختيارية لا يقال لها قراءات و لا روايات و لا طرق بل يقال لها أوجه فقط، بخلاف ما سبق.

[البدور الزاهرة، ط 10، ص 1397].

و اهتم القراء بأن يعدوا لكل قارئ روايتين و لا يعرف بالضبط السبب في ذلك و من هنا حمل بشدة على هذا الأسلوب ابن حيان الجياني (ت 745 ه): و هكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم و يقتصر على اثنين؟

و أي مزية و شرف لذينك الاثنين على رفقائهما و كلهم أخذوا عن شيخ واحد و كلهم ضابطون ثقات؟ و أيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين للقراءات عالم لا يحصون و إنما جاء مقرئ اختار هؤلاء و سمّاهم، و لكسل بعض الناس و قصر الهمم و إرادة

ص: 317

اللّه أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها. انتهى.

[النشر 1- 43].

أقول: «و كان ابن الجزري (833 ه) أول من توسع في هذه الطرق و لعله أراد أن يثبت التواتر بها مع أن التواتر لا يحصل بالاثنين.

و ذكر محيسن الرواة الأربعة عشر و الطرق في الإرشادات الجلية بتفصيل كالآتي:

كل إمام من الأئمة السبعة عنه راويان فيتم بذلك أربعة عشر راويا.

راويا نافع: قالون و ورش

اشارة

1- فأما قالون: فهو عيسى بن مينا المدني معلم العربية، و يكنى أبا موسى، و قالون لقب له، يروى أن نافعا لقبه به لجودة قراءته، لأن قالون بلسان الروم «جيد» ولد سنة 120 ه عشرين و مائة و توفي بالمدينة سنة 220 ه عشرين و مائتين.

2- و أما ورش: فهو عثمان بن سعيد المصري، و يكنى أبا سعيد، و ورش لقب له، لقب به لشدة بياضه و توفي بمصر سنة 197 ه سبع و تسعين و مائة. راويا ابن كثير: البزي، و قنبل.

3- البزي: هو أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن أبي بزة المؤذن المكي، و يكنى أبا الحسن، ولد سنة 170 ه سبعين و مائة، و توفي بمكة سنة 250 ه خمسين و مائتين.

4- و قنبل: هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد المكي المخزومي، و يكنى أبا عمرو، و يلقب بقنبل، و يقال أهل بيت مكة يعرفون بالقنابلة و توفي بمكة سنة 291 ه إحدى و تسعين، و مائتين.

5- الدوري: هو أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز الدوري النحوي، و الدور موضع ببغداد، و توفي سنة 246 ه ست و أربعين و مائتين.

6- السوسي: هو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد اللّه السوسي، توفي سنة 261 ه إحدى و ستين و مائتين. راويا ابن عامر: هشام، و ابن ذكوان.

7- هشام: هو هشام بن عمار بن نصير القاضي الدمشقي، و يكنى أبا الوليد، توفي سنة 245 ه خمس و أربعين و مائتين عن واحد و تسعين عاما.

8- ابن ذكوان: هو عبد اللّه بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الدمشقي، و يكنى أبا عمرو، ولد سنة 173 ه ثلاث و سبعين و مائة، و توفي بدمشق سنة 242 ه اثنين و أربعين و مائتين. راويا عاصم: شعبة و حفص.

ص: 318

9- شعبة: المتوفى سنة 316 ه. هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم الكوفي ولد سنة 95 ه خمس و تسعين و توفي سنة 193 ه ثلاث و تسعين و مائة بالكوفة.

10- حفص: هو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي، و يكنى أبا عمر و كان ثقة، قال ابن معين هو أقرأ من أبي بكر توفي سنة 180 ه ثمانين و مائة. راويا حمزة: خلف، و خلاد.

11- خلف: هو خلف بن هشام البزار، و يكنى أبا محمد، توفي ببغداد سنة 229 ه تسع و عشرين و مائتين.

12- خلاد: هو خلاد بن خالد، و يقال ابن خليد الصيرفي، توفي بالكوفة سنة 220 ه عشرون و مائتين. راويا الكسائي: أبو الحارث، و حفص الدوري.

13- أبو الحارث: هو الليث بن خالد البغدادي، توفي سنة 240 ه أربعين و مائتين.

14- حفص الدوري: هو الراوي عن أبي عمرو، و قد سبق ذكره.

الطرق

1- طريق قالون: أبو نشيط محمد بن هارون، المتوفى سنة 258 ه.

2- طريق ورش: أبو يعقوب يوسف الأزرق، المتوفى في حدود سنة 240 ه.

3- طريق البزي: أبو ربيعة محمد بن إسحاق، المتوفى سنة 294 ه.

4- طريق قنبل: أبو بكر أحمد بن مجاهد، المتوفى سنة 324 ه.

5- طريق الدوري: أبو الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس، المتوفى سنة بضع و ثمانين و مائتين.

6- طريق السوسي: أبو عمران موسى بن جرير، المتوفى سنة 316 ه.

7- طريق هشام: أبو الحسن أحمد بن يزيد الحلواني المتوفى سنة 250 ه.

8- طريق ابن ذكران: أبو عبد اللّه هارون بن موسى الأخفش، المتوفى سنة 292 ه.

9- طريق شعبة: أبو زكريا يحيى بن آدم الصلحي.

10- طريق حفص: أبو محمد عبيد بن الصباح، المتوفى سنة 235 ه.

11- طريق خلف: أحمد بن عثمان بن بويان، المتوفى سنة 344 ه.

ص: 319

12- طريق خلاد: أبو بكر محمد بن شاذان، المتوفى سنة 186 ه.

13- طريق أبي الحارث: أبو عبد اللّه محمد بن يحيى البغدادي، المتوفى سنة 288 ه.

14- طريق الدوري: أبو الفضل جعفر بن محمد النصيبي، المتوفى 307 ه.

تواتر القراءات

اشارة

ذهب جمهور علماء المسلمين إلى أن القراءات السبع أو العشر متواترة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آخرون إلى أنها متواترة عن أصحابها القراء السبعة أو العشر أو الأربعة عشر. و التأمل في كلماتهم يظهر التفصيل بين النص القرآني المكتوب في عهد عثمان رضي اللّه عنه فهو متواتر من عصره إلى عصرنا و بين قراءات هذا النص فهي متواترة إلى أصحابها و ذكر بعضهم إسناده إلى النبي عن طريق آحاد فكيف يمكن دعوى التواتر في حين أنهم لم يدعوه؟

نقل القسطلاني (ت 923 ه) عن تاج الدين ابن السبكي في بعض فتاويه: القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي، و الثلاثة التي هي قراءة أبي جعفر، و قراءة يعقوب، و قراءة خلف، متواترة، معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، لا يكابر في شي ء من ذلك إلا جاهل، و ليس تواتر شي ء منها مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلم، يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه- و لو كان مع ذلك عاميا جلفا، لا يحفظ من القرآن حرفا-.

و قال: «و من له اطلاع على هذا الشأن يعرف أن الذين قرءوا هذه القراءات العشرة و أخذوها عن الأمم المتقدمين، كانوا أمما لا تحصى، و طوائف لا تستقصى، و الذين أخذوا عنهم أيضا أكثر، و هلم جرا إلى زماننا هذا. فقد علم مما ذكر أن السبع متواترة اتفاقا، و كذا الثلاثة: أبو جعفر، و يعقوب، و خلف بعدها بخلف، و أن الأربعة بعدها شاذة اتفاقا. لكن خالف صاحب البديع، من متأخري الحنفية، فيما نقله العلامة الكمال ابن أبي شريف، فاختار أن السبع مشهورة. و نقل السروجي الحنفي، في باب الصوم، من كتاب الغاية شرح الهداية، عن المعتزلة أنها آحاد و (عن) جميع أهل السنة: أنها متواترة. [لطائف الإرشادات 1/ 77].

و استدل العلّامة الحلّي (ت 726 ه) في نهاية الأصول على تواتر القراءات السبع بالقياس المنطقي قال ما لفظه: «لو لم تكن متواترة لخرج بعض القرآن عن كونه متواترا كمالك و ملك و أشباههما و التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنهما وردا عن القراء السبعة

ص: 320

و ليس تواتر أحدهما أولى من تواتر الآخر فإما أن يكونا متواترين و هو المطلوب أو لا يكون شي ء منهما بمتواتر و هو باطل و إلا يخرج عن كونه قرآنا و هذا خلف».

أقول: «هذا القياس خلط بين الوجود اللفظي الذي هو القراءة و بين المصحف المكتوب بالتواتر فإن النص المكتوب المحتمل للوجهين في القراءة ملك و مالك لا يستلزم تواتر أحد الوجهين خاصة و عدم تواتر أحد القراءتين لا يستلزم عدم تواتر القرآن فالقياس مع الفارق».

و نقل ابن النديم (ت 380 ه) في الفهرست: «أن لأبي طاهر كتابا جمع فيه شواذ القراءات السبع و كتب أبو سعيد فرج بن لب و هو من علماء المغرب رسالة ذكر فيها أن تواتر القراءات السبع من ضروريات الدين و من ينكرها فهو كافر».

ورد عليه سيدنا الأستاذ الخوئي بقوله: «لنفرض أن القراءات متواترة عند الجميع فهل يكفر من أنكر تواترها إذا لم تكن من ضروريات الدين ثم لنفرض أنها بهذا التواتر الموهوم أصبحت من ضروريات الدين فهل يكفر كل أحد بإنكارها حتى من لم تثبت عنده ذلك.

اللهم ان هذه الدعوى جرأة عليك و تعد لحدودك و تفرق لكلمة أهل دينك» [البيان/ 172].

و ذهب الشهيد (ت 996) إلى تواتر القراءات في المقاصد العلية و قال: «مراعاة إعرابها و تشديدها على الوجه المنقول بالتواتر و هي قراءة السبعة المشهورة و في تواتر تمام العشر خلاف و قد شهد المصنف في الذكرى بتواترها و نقل الإجماع بخبر الواحد. فإن الكل من عند اللّه نزل به روح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا على الأمة و تهوينا على أهل هذه الملة».

و كأن الشهيد رضي اللّه عنه تنبه إلى عدم التلازم بين تواتر القراءة و تواتر النص و عقب على ذلك بقوله: «ليس المراد أن كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر فيما نقل في هذه القراءات فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غيرهم».

أقول: «لقد انصف رضى اللّه عنه و لكن وجود المتواتر فيها لا يثبت تواتر كل واحد منها كما هو ظاهر و مهما كان فهو قول وسط بين التواتر المطلق و نفيه المطلق و هو وجه حسن».

و ذهب العاملي (ت 1226 ه) إلى تواترها قائلا: «فلا كلام في اشتراط المادة الجوهرية التي تختلف خطوط القرآن و معناه بها لأنها قرآن فلا بد أن تكون متواترة و إلا لزم أن يكون بعض القرآن غير متواتر و هو باطل و هذا قياس من الشكل الثالث و هو هكذا القراءات

ص: 321

السبع قرآن و القراءات السبع غير متواترة ينتج بعض القرآن غير متواتر و أما الهيئة التي لا تختلف الخطوط و المعنى بها كالمد و الإمالة ففيها خلاف فجماعة من متأخري أصحابنا على أنه لا يجب تواترها (و اعترض عليهم) بأن المراد بالقرآن هنا هو اللفظ و الهيئة و إن لم تكن جزءا لجوهره لكنها عارضة لازمة فلا يمكن نقله بدونها فالقول بوجوب تواتر الأول ينافي القول بعدم وجوب تواترها (و أجيب) بأن الهيئة الخاصة ليست بلازمة بل اللازم هو القدر المشترك بينها و بين غيرها و المطلوب أن الهيئة المخصوصة لا يجب تواترها و إن وجب تواتر القدر المشترك. و أمّا ما يختلف به المعنى دون الخط فلا بد من تواتره و إلا فهي من الشواذ كملك بصيغة الماضي و كذا ما يختلف به الخط فقط لا بد من تواترها بل ذلك من الهيئة بل من المواد. [مفتاح الكرامة 2/ 395].

و اوضحه صاحب الجواهر (ت 1266) قائلا: تمنع اعتبار الهيئة الخاصة من أفراد الهيئة الصحيحة في القرآنية، فلا يتوقف العلم بكونه قرآنا عليها، إذ هي من صفات الألفاظ الخارجة عنها، كما يستأنس له بصدق قراءة قصيدة امرئ القيس مثلا، و دعاء الصحيفة على المقروء صحيحا و إن لم يعلم الهيئة الخاصة الواقعة من قائلهما، بل يصدق في العرب قراءة القرآن على الموافق للعربية و اللغة و إن لم يعلم خصوصية الهيئة الواقع عليها، بل قد ادعى المرتضى فيما حكي عن بعض رسائله كبعض العامة صدق القرآن على الملحنون لحنا لا يغير المعنى، و لذا جوزه عمدا و إن كان هو ضعيفا. [الجواهر 9/ 293].

و قال القسطلاني (923 ه): «فإن قلت: الأسانيد إلى الأئمة السبعة، و أسانيدهم إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، على ما في كتب القراءات- آحاد، لا تبلغ عدد التواتر، فمن أين جاء التواتر؟

أجيب: بأن انحصار الأسانيد المذكورة في طائفة لا يمنع مجي ء القراءات عن غيرهم، و إنما نسبت القراءات إلى الأئمة، و من ذكر في أسانيدهم، و الأسانيد إليهم، لتصديهم لضبط الحروف و حفظ شيوخهم فيها، و مع كل منهم في طبقة ما يبلغها عدد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد، بقراءة إمامهم، الجم الغفير عن مثلهم، و كذلك دائما مع تلقي الأمة لقراءة كل منهم بالقبول». انتهى.

و قال السخاوي: «و لا يقدح في تواتر القراءات السبع إذا أسندت من طريق الآحاد، كما لو قلت: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند، و قد علم وجودها بطريق التواتر، لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها. فقراءة السبع- كلها- متواترة، و قد اتفق على أن المكتوب في المصاحف متواتر الكلمات و الحروف، فإن نازع في تواتر السبع أحد قلنا له: ما تقول في قراءة ابن كثير، مثلا في سورة التوبة: «تجري من تحتها الأنهار» بزيادة

ص: 322

(من)، و قراءة غيره بإسقاطها؟ فإن قال: متواترة، فهو الغرض، و إن منع تواتر ذلك فقد خرق الإجماع المنعقد على ثبوتهما، أو باهت فيما هو معلوم منهما. و إن قال بتواتر بعض دون بعض تحكم فيما ليس له، لأن ثبوتهما في الرتبة سواء، فلزم التواتر في قراءة السبعة».

انتهى. [لطائف الإشارات 1/ 78].

ان ما ذكره القسطلاني (ت 923 ه) من أنه لا يمنع عن صحة القراءات عن غيرهم و السخاوي أنه لم يقدح في تواتر القراءات الإسناد من طريق الآحاد مكابرة واضحة للواقع الذي استند إليه القراء السبعة أنفسهم فلم يدع أحد منهم تواتر قراءاتهم فهم إما أسندوها إلى اختيار أنفسهم أو ذكروا رواية آخرين عن طريق الآحاد و انفرد نافع فيما بينهم باختيار ما توافق عليه اثنان من الرواة و أن نقل الاثنين ليس من التواتر؟

و صدق العاملي (ت 1226 ه) بقوله: «إن أحدهم كان إذا برع و تمهر شرع للناس طريقا في القراءة لا يعرف إلا من قبله و لم يرد على طريقة مسلوكة و مذهب واضح متواتر محدود و إلا لم يختص به و وجب على مقتضى الغالب في العادة أن يعلم به الآخر المعاصر له الاتحاد الفن و عدم البعد عن المأخذ و كيف نطلع نحن على تواتر قراءات هؤلاء و لا يطلع بعضهم على ما تواتر إلى الآخر؟ إن ذلك لمستبعد جدا إلا أن يقال أن كل واحد من السبعة ألف طريقته من متواترات كان يعلمها الآخر لكنه اختار هذه دون غيرها من المتواترات لمرجح ظهر له كالسلامة من الإمالة و الروم و نحو ذلك فطريقته متواترة و إن لم تكن الهيئة التركيبية متواترة حصل الاختصار و الامتياز و إن صح ما نقله الرازي من منع بعضهم الناس عن قراءة غيره اشتد الخطب و امتنع الجواب. [مفتاح الكرامة 2- 393].

و انصف الزركشي (ت 797 ه) حيث ذهب إلى عدم التواتر بالقراءات و أن التحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة خاصة قال: «أما تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففيه نظر فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات، و هي نقل الواحد عن الواحد لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين و الواسطة. و هذا شي ء موجود في كتبهم، و قد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه «المرشد الوجيز» إلى شي ء من ذلك». [البرهان 1/ 319].

و نقل صاحب الحدائق (ت 1186 ه) أن ليس المراد بتواتر السبع و العشر أن كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار التواتر الآن في ما نقل من هذه القراءات.

[الحدائق 9/ 95].

ص: 323

و الحق ما ذكره صاحب الجواهر (ت 1266 ه) من أن من أنكر التواتر منا و من القوم خلق كثير، بل ربما نسب إلى أكثر قدمائهم تجويز العمل بها و بغيرها، لعدم تواترها، يؤيده أن من لاحظ ما في كتب القراءة المشتملة على ذكر القراء السبعة و من تلمذ عليهم و من تلمذوا عليه يعلم أنه من التواتر بمعزل، إذ أقصى ما يذكر لكل واحد منهما واحد أو اثنان، على أن تواتر الجميع يمنع من استقلال كل من هؤلاء بقراءة بحيث يمنع الناس عن القراءة بغيرها. [الجواهر 9/ 395].

و وجه ابن الجزري (ت 833 ه) نسبة القراءات إلى أصحابها بما لا يخلو من تعسف فقال: «إضافة الحروف و القراءات إلى أئمة القراءة و رواتهم المراد بها أن ذلك القارئ و ذلك الإمام اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به، فآثره على غيره، و دوام عليه و لزمه حتى اشتهر و عرف به، و قصد فيه، و أخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء و هذه الإضافة اختيار و دوام و لزوم لا إضافة اختراع و رأي و اجتهاد. [البشر 1/ 52].

و قد أصر ابن الجزري (ت 833 ه) في [النشر 1/ 45] على أن التواتر لا يختص بالقراءات السبع بل يعم القراءات العشر معللا موافقتها مع رسم المصحف ثم نقل كلام جرى بينه و بين قاضي القضاة أبي نصر عبد الوهاب هذا نصه: « (و قد جرى) بيني و بينه في ذلك كلام كثير و قلت له ينبغي أن تقول و العشر متواترة و لا بد، فقال أردنا التنبيه على الخلاف فقلت و أين الخلاف و أين القائل به و من قال إن قراءة أبي جعفر و يعقوب و خلف غير متواترة؟ فقال: يفهم من قول ابن الحاجب «و السبع متواترة» فقلت: أي سبع؟ و على تقدير أن يكون هؤلاء السبعة- مع أن كلام ابن الحاجب لا يدل عليه- فقراءة خلف لا تخرج عن قراءة أحد منهم بل و لا عن قراءة الكوفيين في حرف فكيف يقول أحد بعدم تواترها مع ادعائه تواتر السبع؟ و أيضا فلو قلنا إنه يعني هؤلاء السبعة فمن أي رواية؟ و من أي طريق؟ و من أي كتاب؟ إذ التخصيص لم يدعه ابن الحاجب و لو ادعاه لما سلم له؛ بقي الإطلاق فيكون كلما جاء عن السبعة. فقراءة يعقوب جاءت عن عاصم و أبي عمر و أبو جعفر هو شيخ نافع و لا يخرج عن السبعة. [النشر 1/ 45].

فإن السؤال يبقى بلا جواب عن أي رواية؟ و من أي طريق يكون التواتر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فإن من الواضح أن القراءات السبع تختلف رواياتها و طرقها مما يغير المعنى كما يغير اللفظ مثلا: من موارد الاختلاف في القراءة كثيرة مع سلامة النص المكتوب و منها «ملّك» و «ملك» و منها «يطهرن» و «يطّهرن» و منها «باعد» و «باعد» «ننشرها» «ننشزها» و من

ص: 324

الاعراب «أرجلكم» و «أرجلكم» و قد يترتب الخلاف في التفسير و الفقه و لا يمكننا أن نقف محتارين في هذه القراءات بل يجب الاختيار لإحدى الأقوال المفصلة في التفاسير.

قال سيدنا الأستاذ الخوئي دام ظله: «و المعروف عند الشيعة أنها غير متواترة بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارئ و بين ما هو منقول بخبر الواحد و اختار هذا القول جماعة من المحققين من علماء أهل السنة. و هذا القول هو الصحيح» و لتحقيق هذه النتيجة لا بد لنا من ذكر أمرين:

الأول: قد اطبق المسلمون بجميع نحلهم و مذاهبهم على أن ثبوت القرآن بنحو طريقة التواتر و استدل كثير من علماء السنة و الشيعة على ذلك بأن القرآن تتوفر الدواعي لنقله لأنه الأساس للدين الإسلامي و المعجز الإلهي عن نبي المسلمين و كل شي ء يتوفر الدواعي لنقله لا بد و أن يكون متواترا- إلى أن قال-.

الثاني: إن الطريق الأفضل إلى إثبات عدم تواتر القراءات هي معرفة القراء أنفسهم و طرق رواتهم. [البيان 738].

توضيح كلامه دام ظله أن التواتر عن السبعة يتوقف على تواتره في جميع الطبقات و هذا و إن كان حاصلا في عصرنا إلا أنه في الفترة بين عصرنا و عصرهم لا يعلم التواتر حيث أن لكل منهم راويان غالبا و لا يحصل بالاثنين التواتر بالإضافة إلى أنه لم تثبت وثاقة الرواة كلهم مع الاختلاف بين هذين الاثنين في كثير من الموارد.

(مع) أن الإسناد ينتهي إليهم و هم يختلفون في القراءة و الزمان فلا يحصل بهم التواتر فلا بد و أن الوجه في قراءتهم إما إلى الخبر كما يظهر من بعضها الواحد أو إلى اجتهاد كما يظهر من البعض الآخر و إن هذا ليس من التواتر في شي ء.

(و الخلاصة) أن تواتر القراءات يتصور في مرحلتين:

المرحلة الأولى: من عصرنا إلى عصر القراء

و هذا لا يمكن إنكاره إذ أن في كل عصر و مصر طبقة بعد طبقة من القراء و الحفاظ و المؤلفين من قرأ و حفظ و ألف في قراءاته المسندة إليهم و أسانيد القراء و إن كانت آحاد و لكنها مجتمعة مع العناية المستمرة بها جيلا بعد جيل بأنواع الكتابة و غيرها مما تثبت تواترها عن القراء السبعة.

المرحلة الثانية: من عصر القراء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

ان نظرة فاحصة إلى الأسانيد التي ذكرها مسبع السبعة ابن المجاهد (ت 324 ه) يكشف عن أنها لم تكن متواترة و هم و إن قرءوها على من سبقهم بالعرض فهي لم تكن سوى عرض للآحاد من القراء و لم يبين لنا أحد

ص: 325

منهم أسلوبه في انتخاب قراءته سوى نافع الذي صرح باعتماده على ما توافق عليه اثنان و ترك ما اختلف.

و لا يثبت التواتر باثنين كما هو واضح. و لكنها بلا شك حجة شرعية في ثبوت الرواية النفي بالاستفاضة و الكتابة في صحة القراءة.

و الفرق بين هذه السبعة التي تطابق المصحف و القراءات التي لا توافقه كقراءة ابن مسعود هو أن هذه السبعة نقلت عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالاستفاضة و أن غيرها نقلت عنهم بالآحاد.

و تشتمل أحكام القرآن هذه السبعة دون غيرها التي تعتبر من جملة الأحاديث فلا حاجة في هذه السبعة إلى البحث عن الإسناد بخلاف غيرها فإنها تفتقر إلى تمييز الصحيح من الضعيف بما هو مدون في علم رواية الحديث.

و لعل ما ذهب إليه أبو شامة أصدق كلام في الموضوع حيث قال: «ان هؤلاء الأئمة السبعة لشهرتهم و لشهرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم زكى النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم». [النشر 1/ 104].

القراءة الصحيحة

اشارة

تكاد تتفق الكلمة على أن رسم المصحف و صحة الإسناد و موافقة العربية أركان ثلاثة لصحة القراءة و اختلفوا في التفصيل.

قال الشيخ موفق الدين الكواشي (ت 680 ه): «كل ما صح سنده و استقام مع وجهة العربية، و وافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبع المنصوص عليها، و لو رواه سبعون ألفا مجتمعين أو متفرقين. فعلى هذا الأصل يبني من يقول: القراءات عن سبعة كان أو سبعة آلاف، و متى فقد واحد من هذه الثلاثة المذكورة في القراءة فاحكم بأنها شاذة؛ و لا يقرأ بشي ء من الشواذ؛ و إنما يذكر ما يذكر من الشواذ؛ ليكون دليلا على حسب المدلول عليه، أو مرجحا». [البرهان 1/ 331].

و قال مكي القيسي (ت 437 ه): «و قد اختار الناس بعد ذلك، و أكثر اختياراتهم إنما هو الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجه العربية، و موافقته للمصحف، و اجتماع العامة عليه و العامة عندهم هو ما اتفق عليه أهل المدينة و أهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية توجب الاختيار. و ربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين، و ربما جعلوا الاعتبار بما اتفق عليه نافع و عاصم؛ فقراءة هذين الإمامين أولى القراءات، و أصحها سندا

ص: 326

و أفصحها في العربية، و يتلوها في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو و الكسائي». [البرهان 1/ 331].

و قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها و مجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة؛ فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة و ضعيفة؛ أشار إلى ذلك جماعة من الأئمة المتقدمين، و نص عليه الشيخ أبو محمد مكي بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنفه في معاني القراءات السبع، و أمر بإلحاقه بكتاب الكشف، و ذكره شيخنا أبو الحسن في كتابه جمال القراء. [البرهان 1/ 331].

قال ابن الجزري (ت 833 ه): «كل قراءة وافقت العربية و لو بوجه و وافقت أحد المصاحف العثمانية و لو احتمالا و صح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها و لا يحل إنكارها. بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن و وجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين؛ و متى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم؛ هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف و الخلف، صرح بذلك الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعي الداني، و نص عليه في غير موضع الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب و كذلك الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي و حققه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة و هو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه». [النشر 1/ 9].

ثم فصّل مراده بهذه الأركان بتفصيل و ملخصها أن الضابط ما وافق العربية بوجه من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع و ذاع و تلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح إذ هو الأصل الأعظم فكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم و لم يعتبر إنكارهم بل أجمع الأئمة المقتدى بهم من السلف على قبولها كاسكان «بارئكم» و «تأمركم» و نحوه- و ذكر أمثلة أخرى- [النشر 1/ 10].

[الركن الأول موافقة اللغة العربية]

أقول: «و هذه الأركان الثلاثة للقراءة الصحيحة لا بد و أن تخضع للاجتهاد في صحة هذه المقاييس فإن الركن الأول أعني موافقة اللغة العربية و إن كان ركنا أصيلا في الغالب إلا أنه يستلزم أن تكون القواعد العربية أصيلة مع كثرة الاختلاف فيها و هي بلا شك لم تكن أسبق من نص القرآن بل القواعد هذه مستقاة من النص القرآني و الاستعمال و لا نص أوثق و أقدم من

ص: 327

القرآن فاخضاع النص القرآني للقواعد العربية فرض للقواعد المتأخرة زمنا على نص تقدم عليها مما لا يستساغ علميا.

و الركن الثاني: و هو صحة الإسناد

أيضا يخضع لاجتهاد الرواة فما من راو من القراء قبل تحديدها بالسبعة إلا و كان يرى ما يقرأه رواية صحيحة و قد سبق قول عبد اللّه بن مسعود في تمسكه بقراءته معللا أنه سمعها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أما الركن الثالث:

فإن رسم القرآن أي موافقته أحد المصاحف الستة من جمع عثمان- على ما فيها من اختلاف- قد يتحمل قراءة رفضت من جمهور القراء و وصفت بالقراءات الشاذة بالرغم من موافقة المصحف بقراءة «مليك» بدل «مالك» أو «ملك» على ما هو مفصل في الشواذ.

(و الحق أن يقال) ان للقراءة الصحيحة ركن واحد هو النقل بالتواتر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و من هنا نجد الطبري (ت 310 ه) يخطّئ بعض هذه القراءات السبعة فلو كانت متواترة لما صح هذا منه مثلا راجع تخطئة قراءة عاصم لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً [البقرة: 282] و أنها قراءة شاذة [تفسير الطبري 6/ 8] فكيف التوفيق بين التواتر و الشذوذ؟ فيظهر أن هذه القراءات لم تكن متواترة حتى القرن الرابع، القرن الذي حصرها ابن مجاهد (ت 324 ه) بالسبعة فكيف بما قبلها؟! و قال ابن الجزري (ت 833 ه): و نعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً في البقرة بغير واو «و بالزبر و بالكتاب المنير» بزيادة الباء- و عدة أمثلة أخرى-. [النشر 1/ 11].

و أوضح قوله: (احتمالا): يعني به ما يوافق الرسم و لو تقديرا و هو الموافقة احتمالا و قد خولف صريح الرسم في مواضع اجماعا نحو: «السموات و الصلحت و اليل و الصلاة و الزكوة و الربوا» .. الخ [النشر 1/ 11].

و بالغ ابن الجزري (ت 833 ه) في ذلك قائلا: «فانظر كيف كتبوا الصراط المصيطرون» بالصاد المبدلة من السين و عدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين و إن خالفت الرسم من وجه قد أتت على الأصل فيعتدلان و تكون قراءة الإشمام محتملة و لو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك و عدت قراءة غير السين مخالفة للرسم و الأصل، و لذلك كان الخلاف في المشهور في (بسطة) الأعراف دون (بسطة) البقرة لكون حرف البقرة كتب بالسين و حرف الأعراف بالصاد؛ على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو

ص: 328

مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفا إذا ثبتت القراءة به و وردت مشهورة مستفاضة؛ أ لا ترى أنهم لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد و حذف ياء (تسألني) في الكهف و قراءة (و أكون من الصالحين) و الظاء من (بضنين) و نحو ذلك من مخالفة الرسم المردود فإن الخلاف في ذلك يغتفر إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد و تمشيه صحة القراءة و شهرتها و تلقيها بالقبول و ذلك بخلاف زيادة كلمة و نقصانها و تقديمها و تأخيرها حتى و لو كانت حرفا واحدا من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا يسوغ مخالفة الرسم فيه و هذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم و مخالفته (و قولنا) و صح سندها فإنا نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي و تكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم. [النشر 1/ 13].

نفى ابن الجزري (ت 833 ه) اشتراط التواتر في صحة القراءة بشدة و قال: «و قد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن و لم يكتف فيه بصحة السند و زعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر و أن ما جاء مجي ء الآحاد لا يثبت به قرآن و هذا مما لا يخفى ما فيه فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم و غيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وجب قبوله و قطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم خالفه، و إذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة و غيرهم و لقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده و موافقة أئمة السلف و الخلف (قال) الإمام الكبير أبو شامة في «مرشده»: و قد شاع على ألسنة جماعة من القارئين المتأخرين و غيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي كل فرد فرد ما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا و القطع بأنها منزلة من عند اللّه واجب و نحن بهذا نقول و لكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق و اتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع و اشتهر و استفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها. [النشر 1/ 13].

أقول: لقد أصاب رضى اللّه عنه في نفي اشتراط التواتر إذ كيف يصح التواتر مع مخالفة القراء بعضهم البعض؟ و بيان أسانيدهم التي هي روايات لم تبلغ حد التواتر و أن بعضهم شرح طريقته من موافقة اثنين من الصحابة معا فكيف فيمن لا يوافقهما و ليس هذا من التواتر في شي ء (نعم) الاستفاضة ثابتة لكثرة الطرق و تكفي ذلك في مقام العمل فإن شأنه شأن التواتر و إن لم يكن إياه.

(بيان ذلك) ان اللفظ باللسان و الكتابة باليد يتبعان الوجود الحقيقي للشي ء و حقيقة القرآن هي ما أنزل على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الوحي في العرضة الأخيرة و هو قرآن واحد لا

ص: 329

اختلاف فيه و أي غلط في القرآن لسانا أو كتابة لا يوجب- نعوذ باللّه- غلطا في القرآن المنزّل على النبي المرسل.

و من الثابت أن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يكتب القرآن بيده فالرسم القرآني ليس سنة متبعة من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هذا بخلاف القراءة فإنها سنة متبعة إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ان بالقراءة قوام القرآن و لا عبرة بالرسم إذا خالف القراءة و لذلك اتفقت كلمة المسلمين على مخالفة الرسم العثماني في القرآن في الآيات التالية:

1- وَ لَأَوْضَعُوا [التوبة: 47].

2- لَأَذْبَحَنَّهُ [النمل: 21].

3- وَ جِي ءَ [الزمر: 69].

فلو كان الرسم وحده كافيا في حقيقة القرآن لصحت قراءة الآيتين بلا النافية التي تعكس المعنى و هذا ما لا يقول به أحد.

و ليس الإسناد وحده كافيا في حقيقة القرآن و إن كان صحيحا إذا لم تبلغ الرواية حد التواتر و الاستفاضة و التواتر في درجة واحدة من حيث عدم الحاجة إلى الإسناد و من هنا تعتبر القراءات الشاذة أحاديث مروية خاضعة لقواعد علم الحديث دون قواعد القراءة.

و ذكر القسطلاني (ت 923 ه): «و القراءة الصحيحة على قسمين: قسم صح سنده و وافق العربية و الرسم، و هو على ضربين: ضرب استفاض نقله، و تلقاه الأئمة بالقبول، كما انفرد به بعض الرواة، و بعض الكتب المعتبرة، أو كمراتب القراءة في المد، و نحو ذلك، فهذا صحيح مقطوع به، أنه منزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا الضرب يلتحق بالقراءة المتواترة، و إن لم يبلغ مبلغها، و العدل الضابط إذا انفرد بشي ء تحتمله العربية و الرسم، و استفاض و تلقي بالقبول، قطع به، و حصل به العلم، و هذا قاله الأئمة في الحديث: المتلقى بالقبول أنه يفيد القطع، و بحثه ابن الصلاح في علوم الحديث، و ظن أن أحدا لم يسبقه إليه، و قد قاله قبله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، و نقله ابن تيمية عن جماعة، منهم: القاضي عبد الوهاب المالكي، و الشيخ أبو حامد الإسفرايني و أبو الطيب الطبري، و الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، من الشافعية، و ابن حامد و أبو يعلى، و أبو الخطاب، و ابن الزعفراني، من الحنابلة، و شمس الأئمة السرخسي، من الحنفية. قال ابن تيمية: و هو مذهب أهل الكلام من الأشعرية، كالإسفرايني، و ابن فورك، و مذهب أهل الحديث قاطبة، و مذهب السلف عامة.

فتلخص من ذلك أن خبر العدل الواحد الضابط إذا حفته القرائن أفاد العلم.

ص: 330

و الضرب الثاني، الذي صح و لم تتلقه الأمة بالقبول و لم يستفض، فالذي يظهر من كلام كثير من العلماء جواز القراءة به، و الصلاة.

و القسم الثاني من القراءة الصحيحة ما وافق العربية، و صح سنده، و خالف الرسم، كما ورد في الصحيح من زيادة، و نقص، و إبدال كلمة بأخرى، و نحو ذلك مما جاء عن ابن مسعود و غيره، فهذه القراءة تسمى اليوم شاذة، لكونها شذت عن رسم المصحف المجمع عليه، و إن كان إسنادها صحيحا، فلا تجوز القراءة بها، لا في الصلاة و لا في غيرها.

و أما ما وافق المعنى و الرسم، أو أحدهما، من غير نقل، فلا يسمى شاذا، بل مكذوب، يكفر متعمده». [لطائف الإشارات 1/ 72].

(و الخلاصة) إن الموقف تجاه القراءات السبع التي سبّعها ابن مجاهد (ت 324 ه) ان نلتزم بأحد أمرين:

الأول: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ بهذه القراءات السبع كلها و هذا يأباه الاعتبار إذ أن العرضة الأخيرة لا بد و أن تكون بإحداها و من الركاكة البعيدة عن الذوق العربي أن يكرر اللفظ سبع مرات (مضافا) إلى أن أصحاب السبعة أنفسهم ذكروا وجوها لاختياراتهم مما تدل على أن اختيارهم استند إلى قراءة النص المكتوب في بعضها.

الثاني: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ بهذه القراءات السبع في فترات مختلفة قبل العرضة الأخيرة فيكون حالها حال الأحاديث التي رويت عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في فترات مختلفة في حياته الشريفة و هذا ما لا يقول به دعاة التواتر و لو صح هذا فلا اعتداد به لأن الاعتبار بالعرضة الأخيرة فقط دون غيرها.

(و الحق) أن دعاة التواتر يدّعون ما لم يدّعه أصحاب القراءات السبع أنفسهم. فإن أسانيدهم إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تبلغ التواتر و إن بلغت الاستفاضة، فالأمر إذا يدور بين سبع قراءات كل منها منسوبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد وصلت إلى حد الاستفاضة و ليس هناك دليل شرعي على ترجيح أي منها على الأخرى، فيجب قبولها جميعا و لكن ذلك في مقام العمل غير ممكن إلا بالتخيير بين أي قراءة شاء أو الاجتهاد بينها كما فعل الطبري في تفسيره و حيث أن الاجتهاد غير متيسر لعامة الناس فبقي التخيير هو الحل العلمي الوحيد.

و من هنا قال صاحب الحدائق البحراني (ت 1186 ه) أن جار اللّه الزمخشري ينكر تواتر السبع و يقول أن القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنما هي في صفتها و إنما هي واحدة و المصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة إلا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل

ص: 331

الوجوه كمالك و ملك و صراط و سراط و غير ذلك. انتهى. و هو جيد وجيه بناء على ما ذكرنا من البيان و التوجيه و لو لا ما رخص لنا به الأئمة عليهم السّلام من القراءة بما يقرأ الناس لتعين عندي العمل بما ذكره. [الحدائق 8/ 102].

القراءات الشاذة

اشارة

ذهب الكواشي إلى أن كل قراءة لم تحتوى على الأركان الثلاثة فهي شاذة على ما صرح به ابن الجزري (833 ه): «و قال الشيخ الإمام العالم الولي موفق الدين أبو العباس أحمد بن يوسف الكواشي الموصلي في أول تفسيره التبصرة: و كل ما صح سنده و استقام وجهه في العربية و وافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوص عليها و لو رواه سبعون ألفا مجتمعين أو متفرقين فعلى هذا الأصل بنى قبول القراءات عن سبعة كانوا أو عن سبعة آلاف و متى فقد واحد من هذه الثلاثة المذكورة في القراءة فاحكم بأنها شاذة. انتهى.

[النشر 1/ 44].

و قال الإمام العلامة شيخ الشافعية و المحقق للعلوم الشرعية أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي في شرح المنهاج في صفة الصلاة: قالوا يعني أصحابنا الفقهاء تجوز القراءة في الصلاة و غيرها بالقراءات السبع و لا تجوز بالشاذة؛ و ظاهر هذا الكلام يوهم أن غير السبع المشهورة من الشواذ و قد نقل البغوي في أول تفسيره الاتفاق على القراءة بقراءة يعقوب و أبي جعفر مع السبع المشهورة قال و هذا القول هو الصواب. و اعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين: منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك في أنه لا تجوز قراءته لا في الصلاة و لا في غيرها؛ و منه ما لا يخالف رسم المصحف و لم تشتهر القراءة به إنما ورد من طرق غريبة لا يعول عليها و هذا يظهر المنع من القراءة به أيضا، و منه ما اشتهر عن أئمة هذا الشأن القراءة به قديما و حديثا فهذا لا وجه للمنع منه و من ذلك قراءة يعقوب و غيره قال و البغوي أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه مقرئ فقيه جامع للعلوم قال و هكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا. انتهى [النشر 1/ 44].

و صرح ابن جني (ت 392 ه) أن الشذوذ إنما هو عن تسبيع ابن مجاهد حيث قسم القراءات إلى قسمين ثم قال: ضربا اجتمع عليه أكثر قراء الأمصار، و هو ما أودعه أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد (رحمه اللّه) كتابه الموسوم بقراءات السبعة؛ و هو بشهرته غان عن تحديده.

و ضربا تعدّى ذلك، فسماه أهل زماننا شاذا، أي خارجا عن قراءة القراء السبعة المقدم

ص: 332

ذكرها، إلا أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرائه. محفوف بالروايات من أمامه و ورائه، و لعله، أو كثيرا منه، مساو في الفصاحة للمجتمع عليه. نعم و ربما كان فيه ما تلطف صنعته، و تعنف بغيره فصاحته، و تمطوه قوى أسبابه، و ترسو به قدم إعرابه [المحتسب ص 320 طبعة 1386 ه].

و تطرف الشيخ محمد سعيد العريان حيث رأى وجود الشذوذ حتى في القراءات السبع و قال: «لا تخلو إحدى القراءات من شواذ فيها حتى السبع المشهورة فإن فيها من ذلك أشياء».

و عندهم أن أصح القراءات من جهة توثيق سندها نافع و عاصم و أكثرها توخيا للوجوه التي هي أفصح أبو عمرو و الكسائي. [اعجاز القرآن للرافعي الطبعة الرابعة ص 52].

و إذا كانت مسألة التوخي للفصاحة تتبع الاجتهادات الخاصة في الأدب العربي إذا لأمكننا القول البات بأن من ذهب إلى أن قراءة الكسائي و أبي عمرو أفصح إنما استند اجتهاده الخاص في إفراد القراءات.

فيبقى امامنا الأصح سندا فقد عرفت أصحها عندهم قراءة عاصم (ت 128 ه) و نافع (ت 169 ه) و هذا ما يطابق عصر الإمامين الصادق (ت 148 ه) و الكاظم (ت 183 ه) تقريبا.

و فصل القاضي في معنى الشذوذ بين الرواية و الرسم و قال: و من هنا يعلم أن الشاذ عند الجمهور ما لم يثبت بطريق التواتر، و عند مكي و من وافقه ما خالف الرسم أو العربية و لو كان منقولا عن الثقات، أو ما وافق الرسم و العربية و نقله غير ثقة أو نقله ثقة و لكن لم يتلق بالقبول و لم يبلغ درجة الاستفاضة و الشهرة. [القراءات الشاذة ص 7].

و يصرح السيوطي (ت 991 ه) بأن أول من اهتم بالشواذ هو: (هارون) بن موسى القارئ الأعور النحوي الأزدي ولاء أبو موسى و قيل أبو عبد اللّه البصري صاحب القرآن و العربية و سمع من طاوس اليماني و ثابت البناني قال الخطيب: كان يهوديا فأسلم و طلب القراءة فكان رأسا و ضبط النحو و حفظه و حدث و هو أول من تتبع وجوه القرآن و ألفها و تتبع الشاذ منها و بحث على إسناده و كان شديد القول بالقدر وثقه ابن معين و روى له البخاري و مسلم و ناظر إنسانا يوما في شي ء فغلبه فلم يدر المغلوب ما يصنع فقال له كنت يهوديا فأسلمت فقال له هارون فبئس ما صنعت فغلبه أيضا في هذا مات حدود السبعين و مائة [بغية الوعاة ص 406 ط 1326].

و مذهب الهذلي أن الشاذ ما يحتوي على ركنين، السند و الرسم. قال ابن الجزري

ص: 333

(ت 833 ه) و قال أبو القاسم الهذلي في كامله: و ليس لأحد أن يقول لا تكثروا من الروايات و يسمي ما لم يصل إليه من القراءات شاذا لأن ما من قراءة قرأت و لا رواية رويت إلا و هي صحيحة إذا وافقت رسم الإمام و لم تخالف الإجماع. [النشر 1/ 37].

لكن المتفق عليه في عصرنا بين القراء هي الأركان الثلاثة التي فصلها ابن الجزري (ت 833 ه) و هي: 1- صحة السند 2- الاستقامة في العربية 3- موافقة خط المصحف الإمام دون غيرها.

عدد الشواذ

حصرهم البناء (ت 1082 ه) في أربعة هم الحسن البصري (ت 110 ه) و ابن محيصن (ت 123 ه) و الأعمش (ت 148 ه) و يحيى اليزيدي (ت 202 ه). و قال: «و لما كانت القراءات بالنسبة إلى التواتر و عدمه، ثلاثة أقسام: قسم اتفق على تواتره، و هم السبعة المشهورة. و قسم اختلف فيه، و الأصح، بل الصحيح المختار المشهور تواتره، كما تقدم، و هم الثلاثة بعدها.

و قسم اتفق على شذوذه، و هم الأربعة الباقية، قدمت قراءة السبعة، ثم الثلاثة، ثم الأربعة، على الترتيب السابق، فإن تابع أحد من الثلاثة أحدا من السبعة عطفته بكذا أبو جعفر مثلا، تبعا لكتاب «اللطائف» و هو مرادي بالأصل. فإن وافق من الأربعة قلت بعد استيفاء الكلام على تلك القراءة- وافقهم الحسن مثلا.

فإن خالفت قلت: و عن الحسن كذا مثلا. و هذا في الأصول، أما الفرش فأسقط لفظ كذا، غالبا، و إيثارا للاختصار. [اتحاف فضلاء البشر 1/ 80].

و غريب حصر الشواذ بهذه الأربعة فإن ما ذكر من الضوابط في تحديد مفهوم الشاذة تختلف و باختلافها لا ينحصر عدد الشواذ في عدد خاص و قد احتوت كتب الشواذ موارد كثيرة كما أشار إليها ابن جني (ت 392 ه) في المحتسب. [راجع طبعة سنة 1386 ه القاهرة].

حكم القراءة الشاذة

و نظر ابن الجزري (ت 833 ه) إلى حكم الشواذ من ناحية القراءة في الصلاة و قال:

«ان الخارج عن السبع المشهورة على قسمين: منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك في أنه لا تجوز قراءته لا في الصلاة و لا في غيرها، و منه ما لا يخالف رسم المصحف و لم

ص: 334

تشتهر القراءة به و إنما ورد من طريق غريبة لا يعول عليها و هذا يظهر المنع من القراءة به أيضا، و منه ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما و حديثا فهذا لا وجه للمنع منه و من ذلك قراءة يعقوب و غيره قال و البغوي أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه مقرئ فقيه جامع للعلوم قال و هكذا التفصيل في الشواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا. [النشر 1/ 44].

و زاد ابن الجزري دفاعا عن الشواذ قائلا: و كان بعض أئمتنا يقول و على قول من حرم القراءة بالشاذ يكون عالم من الصحابة و أتباعهم قد ارتكبوا محرما بقراءتهم بالشاذ فيسقط الاحتجاج بخبر من يرتكب الحرام دائما و هم نقلة الشريعة الإسلامية فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام و العياذ باللّه؛ قال و يلزم أيضا أن الذين قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط لأن تلك القراءة محرمة و الواجب لا يتأدى بفعل الحرام و كان مجتهد العصر أبو الفتح محمد بن علي بن دقيق العيد يستشكل الكلام في المسألة و يقول: الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؛ فيعلم ضرورة أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قرأ بشاذ منها و إن لم يعين، قال فتلك القراءة تواترت و إن لم تتعين بالشخص فكيف يسمى شاذا؟ و الشاذ لا يكون متواترا. [النشر 1/ 15].

و يرى ابن جني (ت 362 ه) أن الشاذ حجة شرعية مرضية و قال: نعتقد قوة هذا المسمّى شاذا، و أنه مما أمر اللّه تعالى بتقبله و أراد منا العمل بموجبه، و أنه حبيب إليه، و مرضي من القول لديه. نعم و أكثر ما فيه أن يكون غيره من المجتمع عندهم عليه أقوى منه إعرابا و أنهض قياسا؛ إذ هما جميعا مرويان مسندان إلى السلف (رضي اللّه عنهم) فإن كان هذا قادحا فيه، و مانعا من الأخذ به فليكونن ما ضعف إعرابه مما قرأ بعض السبعة به هذه حاله، و نحن نعلم مع ذلك ضعف قراءة ابن كثير «ضئاء» بهمزتين مكتنفتي الألف، و قراءة ابن عامر: «و كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم»، و سنذكر هذا و نحوه في مواضعه متصلا بغيره، و هو أيضا مع ذلك مأخوذ به. [المحتسب 1- 33 طبعة 1386].

و استخرج القاضي حلا وسطا بين الأقوال و قال: «و بناء على هذا فالقراءات التي انفرد بنقلها الأئمة الأربعة أو أحدهم أو راو من رواتهم لا تجوز القراءة بها مطلقا على رأي الجمهور و لو وافقت العربية و الرسم لأنها لم تنقل بطريق التواتر.

و على رأي مكي و ابن الجزري تجوز القراءة بما وافق العربية و الرسم منها حيث كان صحيح السند و ظفر بالشهرة و الاستفاضة و التلقي بالقبول.

ص: 335

و إذ قد علمت أن القراءة الشاذة لا تجوز القراءة بها مطلقا فاعلم أنه يجوز تعلمها و تعليمها، و تدوينها في الكتب، و بيان وجهها من حيث اللغة و الإعراب و المعنى، و استنباط الأحكام الشرعية منها على القول بصحة الاحتجاج بها، و الاستدلال بها على وجه من وجوه اللغة العربية، و فتاوى العلماء قديما و حديثا مطبقة على ذلك، و اللّه تعالى أعلم. [القراءات الشاذة 8].

و ألف في ذلك كتابه القراءات الشاذة و توجيهها من لغة العرب طبعة عيسى الباب الحلبي القاهرة 1371 ه.

و قال العاملي (ت 1226 ه): «قال أكثر علمائنا يجب أن يقرأ بالمتواتر و هي السبع و في (جامع المقاصد) الاجماع على تواترها و كذا العرية و في (الروض) إجماع العلماء و في (مجمع البرهان) نفي الخلاف في ذلك و قد نعتت بالتواتر في الكتب الأصولية و الفقهية كالمنتهى و التحرير و التذكرة و الذكرى و الموجز الحاوي و كشف الالتباس و المقاصد العلية و المدارك و غيرها، و قد نقل جماعة حكاية الاجماع على تواترها عن جماعة و في رسم المصاحف بها و تدوين الكتب لها حتى أنها معدودة حرفا فحرفا و حركة فحركة مما يدل على أن تواترها مقطوع به كما أشار إلى ذلك في مجمع البرهان و العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من أجزائه و الفاظه و حركاته و سكناته و وضعه في محله لتوفر الدواعي على نقله من المقر كونه أصلا لجميع الأحكام و المنكر لإبطال كونه معجزا فلا يعبوء بخلاف من خالف أو شك. [مفتاح الكرامة 2/ 396].

و عن مكي بن محمد القيسي (ت 437 ه) تفصيل في القراءة بين ما تجوز القراءة به و ما لا يجوز يرجع حاصله إلى القول بأن القرآن متواتر قال: «فإن سأل سائل فقال فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به؟ و ما الذي لا يقبل و لا يقرأ به؟ و ما الذي يقبل و لا يقرأ به؟ فالجواب أن جميع ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم و ذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال و هن أن ينقل عن الثقات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغا و يكون موافقا لخط المصحف فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثالث قرئ به و قطع على مغيبه و صحته و صدقه لأنه أخذ عن اجماع من جهة موافقة خط المصحف و كفر من جحده؛ قال (و القسم الثاني) ما صح نقله عن الآحاد و صح وجهه في العربية و خالف لفظه خط المصاحف فهذا يقبل و لا يقرأ به بخبر الواحد، و العلة الثاني أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه و صحته و ما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به و لا يكفر من جحده و لبئس ما صنع إذا جحده، قال (و القسم الثالث) هو ما نقله غير ثقة أو نقله ثقة و لا

ص: 336

وجه له في العربية فهذا لا يقبل و إن وافق خط المصحف- قال- و لكل صنف من هذه الأنام تمثيل تركنا ذكره اختصارا [التبصرة 1/ 14].

أقول: «هذا التفصيل لا يرجع إلى محصل فإنه إذا ثبت أن القرآن هو ما اجتمعت فيه الأركان الثلاثة بالنقل عن الثقات عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بوجهه في العربية و موافقته الخط هو القسم الأول فغيره لا يكون قرآنا و لا يلحق به حكم القرآن و مرجع قوله إلى القرآن يثبت بالتواتر و إذا كان النقل عن الثقات من دون تواتر- كما نص عليه- فيكون حكمه و حكم الآحاد التي تروي عن الثقات واحدا و هذا ما لا يقول به مسلم.

قراءة أهل البيت عليهم السّلام

لأهل البيت عليهم السّلام قراءة خاصة لم تشتهر في العصر الأموي و لا في العصر العباسي و ان كانت لا تزال في مطاوي كتب القراءات فقد كانت لعلي بن أبي طالب قراءة تشير إليها المصادر.

قال الطبرسي (ت ح 502 ه) في قوله تعالى: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم: 3].

قال: الكسائي وحده «عرف» بالتخفيف و الباقون «عرّف» بالتشديد و اختار التخفيف أبو بكر بن عياش و هو من الحروف العشر التي قال اني أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة علي بن أبي طالب عليه السّلام حتى استخلصت قراءته- يعني قراءة علي عليه السّلام- و هي قراءة الحسن و أبي عبد الرحمن السلمي و كان أبو عبد الرحمن إذا قرأ إنسان بالتشديد حصبه [مجمع البيان 5/ 312، ط 1356].

و قد أخذ القراءة عن علي عليه السّلام جمع أشهرهم:

1- عبد اللّه بن عباس (ت 68 ه).

2- سعيد بن جبير الكوفي (ت 95 ه).

3- أبو عبد الرحمن السلمي (ت 74 ه) و هو شيخ قراءة عاصم- المشهورة اليوم-.

و قد ألّف في قراءة علي بن أبي طالب بعنوان «قراءة أمير المؤمنين» جمع منهم:

1- أبو عبد اللّه محمد بن العباس بن الحجام (ت ح 328 ه). ذكره الشيخ الطوسي (ت 460 ه) في الفهرست [ص 177، ط النجف 1380 ه] و له أيضا كتاب «قراءة أهل البيت».

ص: 337

2- أبو أحمد عبد العزيز بن علي الجلودي (ت 302 ه) بعنوان كتاب قراءة أمير المؤمنين [الذريعة 17/ 54].

3- زيد الشهيد بن علي بن الحسين (ت 122 ه) له كتاب قراءة أمير المؤمنين [الذريعة 17/ 54].

4- أبو طاهر عبد الواحد المقرئ (ت 349 ه) [النجاشي ترجمة رقم 649].

و عرّف السيد حسن الصدر (ت 1354 ه) جمعا من شيعة أهل البيت ممن كتب له قراءة مفردة منهم:

1- الأعمش سلمان بن مهران الأسدي الكوفي (ت 148 ه) شيخ حمزة أحد السبعة.

2- أبان بن تغلب بن رباح (ت 141 ه) أخذ القراءة عن عاصم و شيخ الكسائي أحد السبعة له قراءة مفردة.

3- زيد الشهيد بن علي بن الحسين عليه السّلام (ت 122 ه) له قراءة مفردة.

4- حمران بن أعين (ت؟ 13 ه) أخذ القراءة عن أبي الأسود عن علي شيخ حمزة أحد السبعة.

5- أحمد بن محمد السياري (ت ح 260 ه) له كتاب القراءة.

6- الفضل بن شاذان بن النيسابوري (ت ح 202 ه) صاحب الرضا له كتاب القراءة.

7- أبو جعفر محمد بن الحسن الرواسي الكوفي (ت ح 148 ه) له اختيار في القراءة.

8- الحسن بن محمد بن عبد الوهاب الكوفي (ت 524 ه) صنف في القراءات.

9- سليمان بن خالد الأقطع (ت ح 148 ه) كان مشهورا في القراءة.

10- محمد بن سعدان الضرير الكوفي (ت 231 ه) من قراء الشيعة.

11- علي بن محمد بن الكوفي الزبير (ت 348 ه).

12- ثابت بن أسلم الحلبي (ت ح 460 ه) له قراءة عاصم. [تأسيس الشيعة 341- 346].

و يظهر وجود كتاب (مقرأ رسول اللّه و أهل البيت) من القرن السابع. حيث رآه ابن طاوس (ت 664 ه) و أشار إليه في سعد السعود، ص 121، ط النجف سنة 1369 ه.

و وصفه بقوله: «... مجلد قالب الثمن عتيق عليه مكتوب فيه مقرأ رسول اللّه ...»

ص: 338

سنده: أبو العباس قال أخبرنا الحسن بن القسم قال حدّثنا علي بن إبراهيم قال حدّثني أبي عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللّه» [ص 121].

و أشهرها قراءة أهل البيت أبان بن تغلب الربعي (ت 141 ه).

و قال الطوسي (ت 460 ه): «أبان بن تغلب ... جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا .. و لأبان قراءة مفردة أخبرنا بها أحمد بن محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال حدّثنا أبو بكر محمد بن يوسف الرازي المقرئ بالقادسية سنة 281 ه إحدى و ثمانين و مائتين قال حدّثني أبو نعيم المفضل بن عبد اللّه بن العباس بن معمر الأزدي الطلقاني ساكن سواد البصرة سنة 255 ه خمس و خمسين و مائتين بالري قال حدّثنا محمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ قال سمعت أبان بن تغلب و ما اقرأ منه» [الفهرست ص 40].

و قال ابن الجزري (ت 833 ه): «أبان بن تغلب الربعي أبو سعد و يقال أبو أميمة الكوفي النحوي جليل، قرأ على عاصم و أبي عمرو الشيباني و طلحة بن مصرف و الأعمش و هو أحد الذين ختموا عليه و يقال إنه لم يختم القرآن على الأعمش إلا ثلاثة منهم أبان بن تغلب، أخذ القراءة عنه عرضا محمد بن صالح بن زيد الكوفي، توفي سنة إحدى و أربعين و مائة و قال القاضي أسد سنة ثلاث و خمسين و مائة. [غاية النهاية 1/ 4].

و لكن لم تستمر إلى اليوم شي ء من هذه القراءات و لم أجد في عاصمة الشيعة الإمامية الروحية النجف الأشرف أحدا من أعلامها يقرأ بقراءة أهل البيت عليهم السّلام بل كلهم يقرءون بقراءة عاصم برواية حفص دون استثناء. كما ذهبت إلى صعدة عاصمة الزيدية الروحية و لم أجد أحدا منهم يقرأ بقراءة زيد بل كلهم يقرءون قراءة نافع برواية قالون دون استثناء. فقد أصبحت قراءة أهل البيت غريبة في ديار أهلها و ماتت قراءة زيد النار باستشهاده (ت 122 ه) و أما أئمة مذهب الشيعة الاثني عشرية فإنهم نهوا نهيا قاطعا عن القراءة بغير المشهور.

روى الكليني (ت 329 ه): «عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا استمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كفّ عن هذه القراءة، أقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذ قام القائم قرأ كتاب اللّه على حد و أخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السّلام» الحديث.

و أيضا: و عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن

ص: 339

بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال:

«لا، اقرءوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم».

و أيضا: و عنهم، عن سهل، عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن ترتيل القرآن، فقال: «اقرءوا كما علمتم».

و أيضا: و عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن فرقد، و المعلّى بن خنيس جميعا قالا: كنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، ثم قال: «أما نحن فنقرؤه على قراءة أبيّ».

[الوسائل 4/ 821].

و سيرة علماء مذهب أهل البيت هذا النهج في القراءة و الفقه على حد سواء. فذهبوا إلى وجوب متابعة إحدى القراءات السبع المتواترة في الصلاة و غيرها و إهمال القراءة الشاذة سواء كانت مروية عنهم أم عن غيرهم.

و قراءة أهل البيت عليهم السّلام أكثر انطباقا مع قواعد القراءات المعمولة عليها منذ عهد ابن الجزري (ت 833 ه) و هي:

1- موافقة رسم الخط العثماني.

2- موافقة العربية بوجه.

3- صحة السند.

و على سبيل المثل: قراءة أهل البيت في قوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6] هي كسر كل من كلمة «الرءوس» و «الأرجل» لأن حرف العطف يعطف «الأرجل» إلى أقرب كلمة و هي «الرءوس» المجرورة بالباء (مع) أن قراءة عاصم هي نصب «الأرجل» عطفا على «الوجوه» و هي أبعد كلمة عن حرف العطف فقراءة أهل البيت عليهم السّلام موافقة للعربية باحسن وجه متصور. و بالرغم من ذلك أمر أهل البيت بالقراءة بالمشهور و لا نتصور معنى لهذا الأمر سوى المحافظة على وحدة الكلمة في النص القرآني الكريم.

فمن المتقدمين قال الطوسي (ت 460 ه): «و اعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا و الشائع من أخبارهم و رواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد، غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء، و أن الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ. و كرهوا

ص: 340

تحديد قراءة بعينها بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء و لم يبلغوا بذلك حد التحريم [التبيان 1/ 7].

و من المتأخرين البلاغي (ت 1352 ه) قال: «إنّا معاشر الشيعة الإمامية قد أمرنا بأن نقرأ كما يقرأ الناس أي نوع المسلمين و عامتهم» [آلاء الرحمن ص 3].

و استدل سيدنا الأستاذ على ذلك: «بالاجماع المتقدم عن التبيان و مجمع البيان، المعتضد بالسيرة القطعية في عصر المعصومين عليهم السّلام على القراءة بالقراءات المعروفة المتداولة في الصلاة و غيرها من دون تعرض منهم عليهم السّلام للانكار، و لا لبيان ما تجب قراءته بالخصوص الموجب للقطع برضاهم عليهم السّلام بذلك كما هو ظاهر. [المستمسك 6/ 45].

أقول: «و التأمل في هذه الروايات يوجب قراءتي عاصم و نافع دون غيرهما لأن السائل لا يشك في كونه مواليا لآل البيت عليهم السّلام إما في المدينة موطن الإمام أو الكوفة حيثما وطن موالي أهل البيت عليهم السّلام و التواريخ المعاصرة لحياة الإمام الصادق (ت 148 ه) هي إحدى القراءات الثلاث: لأبي عامر (ت 118 ه) و هي المعروفة في دمشق و لم يعهد فيها مواليا لآل البيت عليهم السّلام في ذلك الوقت. و ابن كثير و كانت قراءته معروفة بمكة و هي لم تكن معروفة بالولاء، فتتعين قراءة عاصم (ت 128 ه) و في هذا التاريخ كان الإمام الصادق في عمر 45 عاما حيث أنه ولد عام 83 ه فشهرة قراءة عاصم في حياته ثابتة.

أما رواية الكاظم (ت 183 ه) فهي ليست إلا تأكيدا على رواية أبيه و حيث أنه عليه السّلام كان في المدينة و سجن في بغداد و القراءات المشهورة في عصره هي قراءة نافع (ت 189 ه) في المدينة و قراءة الكسائي (ت 189 ه) في الكوفة أما قراءة الكسائي فهي غير مدونة مستقلا و أما نافع فهي مدروسة كاملة فمن المحتمل أن تكون هذه القراءة إلى جنب قراءة عاصم أو تأكيدا على كلام الإمام الصادق عليه السّلام لا غير.

(و بعبارة أخرى) في هذه الروايات منها ما هو مروي عن الصادق عليه السّلام (ت 148 ه) و رواية واحدة مروية عن أبي الحسن، و الظاهر أن المراد به الإمام الكاظم (ت 183 ه) و الروايات كلها تؤكد على القراءات المتداولة في عصرهما و التأمل في حياة القراء الذين عاصروا الإمامين يفيد أن نختار قراءة البلدان التي عاشا فيها أو كثر الشيعة الموالون فيها و هي المدينة مركز الأئمة و الكوفة مركز الشيعة كذلك و البصرة و بغداد عاش فيها الإمام الكاظم مسجونا و نجد من القراء مدنيا واحدا هو نافع بن عبد اللّه (ت 169 ه) فلا يقصده الإمام الصادق عليه السّلام لأن قراءته اشتهرت بعد حياة الإمام (ت 148 ه) و أما الكوفة ففيها ثلاث قراء

ص: 341

هم عاصم بن أبي النجود (ت 128 ه) و الكسائي (ت 189 ه) و حمزة الزيات (ت 189 ه) و كل منهما متأخر. أما حمزة فهو متأخر عن الإمامين معا، و كذلك الكسائي.

فتبقى قراءة عاصم هي الأقرب لشهرتها في عصر الإمام الصادق عليه السّلام أو نافع لشهرته في عصر الإمام الكاظم عليه السّلام و قد صرحت الرواية بالقراءة المشهورة.

رواية حفص عن عاصم

اشارة

المعمول به اليوم بين المسلمين ثلاث قراءات- لا غير- و أقدمها تاريخيا و أشهرها في العالم الإسلامي هو قراءة حفص (ت 180 ه) عن عاصم بن أبي النجود الكوفي (ت 128 ه)- في عامة البلاد الإسلامية-. و الدوري (ت 246 ه) عن أبي عمرو زيان بن العلاء البصري (ت 154 ه) في السودان و نيجيريا. و ورش (ت 197 ه) عن نافع بن عبد الرحمن الليثي (ت 169 ه) في المغرب الإسلامي. و قالون عن نافع في اليمن.

و بالرغم أن مسبع السبعة ابن مجاهد البغدادي اهتم بقراءة نافع أكثر من غيرها لم تدم هذه القراءة في العراق و اشتهرت قراءة عاصم فيها و في غيرها من البلاد الإسلامية.

و شهرة قراءة عاصم في الكوفة كانت متزامنة مع انحلال الدولة الأموية في دمشق و ظهور الدولة العباسية في العراق.

و قد ألف في هذه القراءة خاصة دون غيرها كتب مستقلة منها: «تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإمام حفص» تأليف الشيخ علي محمد الضباع (ت 1380 ه) شيخ مشايخ المقارئ المصرية.

كما أفرد بالتصنيف لقراءة عاصم شيخ القراءة عفيف الدين أبو التوفيق عثمان بن عمر الناشري (ت 848 ه) كتاب «الدر الناظم لرواية حفص عن قراءة عاصم» صورته و حفظته و قد قال بالمقدمة ما نصه: «و الذي حداني على ذلك سهولة روايته بالاتفاق و عذوبتها و فصاحتها على الاطلاق و هي العمدة الآن في الهند و العراق و الأليق بكثير من الناس أن يعتمد رواية حفص لأنه لا يميل شيئا من القرآن إلا «مجراها» في هود و لا يسهل شيئا من الهمزات إلا «أأعجمي» في فصلت و كذا باب «الذكرين» على وجه مرجوح على ما سيأتي بيانه.

إلى أن قال: «... أفردت رواية حفص بالنسبة إلى الدوري فما اتفقا عليه تركته و ما اختلفا فيه بينته بالنسبة إلى حفص فقط طلبا للاختصار» ثم ترجم حفص ترجمة وافية قال:

ص: 342

حفص الأسدي (90- 180 ه)

حفص هو أبو عمر بن أبي داود سليم بن المغيرة الأسدي الغاضري الكوفي البزاز ابن زوجة عاصم.

و مولده سنة تسعين و مات سنة ثمانين و مائة روى الحديث عن علقمة بن مرثد و ثابت البناني و خلق و انتفع به جماعة كثيرون و كان اثبت و اضبط القراء أشار الشاطبي بقوله:

«و حفص بالاتقان كان مفضلا».

و قرأ حفص على الإمام أبي بكر عاصم بن أبي النجود المقرئ الأسدي الكوفي الخياط أحد الأئمة السبعة مقرأ على جماعة كأبي عبد الرحمن السلمي، و حدّث عن أبي وائل و مصعب بن سعيد بن أبي وقاص و هو معدود في التابعين قرأ عليه الأعمش و أبان بن يزيد و الحسن بن صالح و روى عنه أبو عمرو بن العلاء و حمزة بن حبيب و الحمادان و الخليل بن أحمد و كان حسن الصوت كان في حلقه جلاجل و روي عن حفص أنه قال:

قال لي عاصم: اقرأتك القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن عليّ و أقرأت شعبة القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود.

قال الذهبي: و أعلى ما يقع لنا القرآن العظيم من جهته. مات عاصم رحمه اللّه سنة ثمان و عشرين و مائة و قيل غير ذلك و إذ تأملت رواية حفص عن عاصم وجدته عرض على الجمع بين اللغات كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى و قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي، و أخذ أبو عبد الرحمن عن جماعة منهم عبد اللّه بن مسعود و عثمان بن عفان و عليّ بن أبي طالب و أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت و قرءوا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرأ أيضا عاصم على أبي مريم زر بن حبيش الأسدي بقراءته على عثمان بن عفان و ابن مسعود رضي اللّه عنهم فانظر إلى هذا السند الذي جمع جملة من أئمة الدين و سراة المسلمين قلت في ذلك: إذا رمت تيسير القراءة فاعتمد رواية حفص من قراءة عاصم.

له سند في غاية الحسن يرتقي إلى المصطفى الهادي سلالة هاشم. [الدر الناظم، مخطوطة].

و قال الخزرجي (ت ح 923) حفص بن سليمان الأسدي الغاضري بمعجمتين ثم مهملة أبو عمر البزاز ابن امرأة عاصم يقال له حفيص بن أبي داود الكوفي المقرئ عن علقمة بن مرثد و محارب بن دثار و عنه آدم بن أبي أياس و محمد بن سليمان لوين

ص: 343

و علي بن حجر و خلق قال البخاري تركوه (1) ليرو [كذا] الديب و أما القراءة فهو فيها ثبت بإجماع مات سنة ثمانين و مائة. [خلاصة تهذيب الكمال ص 74 ط 1322].

و ذكر ابن الجزري (ت 833 ه) أنه قال عن حفص: «أنه لم يخالف عاصما في شي ء في قراءته إلا في الروم سورة [3/ 54] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ قراءته بالضم و قراءة عاصم بالفتح» [طبقات القراء 1/ 254].

قال الذهبي: «أما القراءة فثقة ثبت ضابط بها بخلاف حاله في الحديث» [التهذيب 2/ 401].

قال الداني (ت 444 ه): «نزل بغداد فأقرأ بها و جاور بمكة فأقرأ بها أيضا و قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم: رواية أبي عمر حفص بن سليمان. و قال أبو هشام الرفاهي كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم. و قال الذهبي: أما القراءة فثقة ثبت ضابط لها. و قال ابن المنادى قرأ على عاصم مرارا. و كان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش و يصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم. و أقرأ الناس دهرا. و كانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى عليّ رضي اللّه عنه. [تذكرة الإخوان 43].

قال حفص: «قال لي عاصم ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي و ما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود» [طبقات القراء 1/ 348].

و مما قال ابن الجزري في ترجمة السلمي: «عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة أبو عبد الرحمن السلمي الضرير و مقرئ الكوفة، ولد في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لأبيه صحبة إليه انتهت القراءة تجويدا و ضبطا. أخذ القراءة عرضا عن عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب و عبد اللّه بن مسعود و زيد بن ثابت رضي اللّه عنه و أبيّ بن كعب. أخذ القراءة عنه عرضا عاصم و عطاء بن السائب و أبو إسحاق السبيعي و يحيى بن وثاب و عبد اللّه بن عيسى بن أبي ليلى

ص: 344


1- جاء في هامش النسخة المطبوعة ما نصه: كذا في نسخة أخرى و ليست هذه الجملة في التهذيب و لا في الميزان و لا في مختصر ابن الملقن و لا في نسخة الخلاصة أتى بخط أبي الخير بن عبد العليم الخزرجي قريب المؤلف بل فيها بعد قوله تركوه مات سنة الخ ه. أقول: أن الكلمة المذكورة تصحيف و الظاهر أنها «لرواية الذئب» إشارة إلى الخلاف الحاصل في قراءة الكلمة بالهمزة أو الياء.

و محمد بن أبي أيوب و أبو عون محمد بن عبيد اللّه الثقفي و عامر الشعبي و إسماعيل بن أبي خالد و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما.

تعلم القرآن من عثمان رضي اللّه عنه و عرض على علي عليه السّلام، و قال السبيعي: كان أبو عبد الرحمن يقرئ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة. [غاية النهاية 1/ 413].

ذكر ابن الجزري (ت 833 ه): «اثنتين و خمسين طريقا لحفص»، ثم قال: «و قرأ حفص و أبو بكر على إمام الكوفة و قارئها أبي بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي فذلك مائة و ثمانية و عشرون طريقا لعاصم، و قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة السلمي الضرير و على أبي مريم زر بن حبيش بن حباشة الأسدي و على أبي عمر و سعد بن إلياس الشيباني، و قرأ هؤلاء الثلاثة على عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه و قرأ السلمي أيضا على أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت رضي اللّه عنهما و قرأ ابن مسعود و عثمان و علي و أبيّ و زيد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. [النشر 1/ 155].

قال الضباع (ت 1380 ه): «و قد اشتهرت روايته بالبلاد العراقية و ما ورائها إلى أقصى الهند و الصين و عليها إلى وقتنا عامة أكثر هذه البلاد.

و اشتهرت بالأقاليم المصرية و الشامية في العصور الأخيرة و أصبحت العامة بها عليها من القرن الحادي عشر الهجري إلى الآن. [تذكرة الإخوان 43].

مصحف مشيخة المقارئ المصرية (1337 ه)

اشارة

منذ عهد الطباعة في الشرق ظهرت طبعات مختلفة من المصحف الشريف فوق الحد و الحصر و الغالب فيها أنها طبعات تجارية قامت بها جهات دينية أو أفراد تقربا إلى اللّه و تفتقر على الأغلب إلى بيان الأصول المعتمدة في الطباعة.

و الطبعة المحققة الأولى حصلت في مصر سنة 1337 ه و عرفت بالمصحف الأميري بإشراف لجنة رباعية مشكلة من:

1- محمد علي خلف الحسيني- شيخ المقارئ المصرية.

2- حفني بك ناصف- المفتش الأول للغة العربية لوزارة الأوقاف.

3- مصطفى عناني- المدرس بمدرسة المعلمين الناصرية.

4- أحمد الاسكندري- المدرس بمدرسة المعلمين الناصرية.

ص: 345

و تم طبعه في 10 ربيع الثاني سنة 1337 ه و كان الدور الرئيسي للشيخ الحسيني و ذيلوا الطبعة بتعريف كامل للأصول و المنهج في الكتابة و ضبط الهجاء و عدد الآيات و الأجزاء و الأحزاب و بيان المكي و المدني و الوقوف و العلامات و السجدات و السكتات و اصطلاحات الضبط مما قرره الأستاذ محمد بن علي بن خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية و ذكروا المصادر التي اعتمدوا عليها اختصارا و تفصيلا معتمدين على الرسم العثماني على رواية حفص عن عاصم و التلقي من أفواه المشايخ و هذا التعريف- على ما فيه من ابهام- يعتبر أوسع و أدق ما يوجد في المصاحف المطبوعة. و من أجل ذلك أصبحت الطبعة المعتمدة و كثرت الطبعات فيما بعد على أساسها منها طبعة المصحف الأميري الذي طبعته الحكومة المصرية سنة 1342 ه تحت إشراف مشيخة الأزهر، ثم طبعة سنة 1381 ه بعد مراجعة لجنة تصحيح المصاحف بمشيخة الأزهر المكونة من:

1- الأستاذ الشيخ عبد الفتاح القاضي- رئيسا و عضوية الأساتذة:

2- الشيخ محمد خليل الحصري.

3- الشيخ أحمد علي مرعي.

4- الشيخ محمد سالم محيسن.

5- الشيخ محمد سلمان صالح.

6- الشيخ عبد العظيم الخياط.

7- الشيخ عبد الرءوف محمد سالم.

8- الشيخ محمد الصادق القمحاوي.

و تم طبعه في ربيع الآخر سنة 1381 ه.

مصادر اللجنة

و اللجنة الثانية برئاسة الشيخ عبد الفتاح القاضي لم تذكر شيئا من مصادرها و اكتفت بالقول: «قد قامت بتصحيحه و مراجعته عن أمهات كتب القراءات و الرسم و الضبط و الفواصل لجنة تصحيح المصاحف و مراجعتها بمشيخة الأزهر الشريف».

و كان ذلك بالاعتماد على ما ذكرته اللجنة الأولى برئاسة محمد علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية سنة 1337 ه فإنها ذكرت من مصادرها ما يأتي:

1- (في الرسم) ما رواه الشيخان أبو عمرو الداني (ت 444 ه) و سليمان بن نجاح مع

ص: 346

ترجيح الثاني عند الاختلاف. مورد الظمآن لمحمد بن محمد الشريشي الخراز (ت ح 800 ه) مع شرح عبد الواحد بن عاشر الأندلسي (ت 1040 ه).

2- (في الضبط) الطراز على ضبط الخراز للإمام التنسي مع إبدال علامة الأندلسيين و المغاربة بعلامات الخليل بن أحمد و اتباعه من المشارقة.

3- (في عد الآيات) طريقة الكوفيين من كتاب ناظمة الزهر للإمام الشاطبي (ت 590 ه) و شرحها لابن عبد رضوان المخللاتي. و كتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي. و كتاب تحقيق البيان للشيخ محمد المتولي شيخ القراء بالديار المصرية.

4- (بيان الأجزاء و الأحزاب) غيث النفع للعلامة السفاقسي (ت 1117 ه)، و ناظمة الزهر و شرحها، و تحقيق البيان، و ارشاد القراء و الكاتبين لأبي عبد رضوان المخللاتي.

5- (بيان المكي و المدني) من الكتب المذكورة و كتب القراءات و التفسير على خلاف في بعضها، و كتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي.

6- (بيان الوقوف و العلامات) مما قرره الأستاذ محمد بن علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية.

7- (بيان السجدات) كتب الفقه في المذاهب الأربعة.

8- (بيان السكتات) الشاطبية و شرحها و التلقي من أفواه المشايخ.

و هذا التعريف مع أنه أوفى ببيان كثير من المبهمات لا يخلو من غموض في ملاحظات منها:

1- قال في مصادر الرسم «مراعاة القواعد التي استنبطها علماء الرسم من الأهجية المختلفة على حسب ما رواه الشيخان أبو عمرو الداني و أبو داود سلمان بن نجاح مع ترجيح الثاني عند الاختلاف» [ص ه] و لم يذكروا من هم علماء الرسم هؤلاء؟ كما لم يذكروا نسخ الكتب المعتمدة للداني و سليمان؟ و لا مواصفاتها؟ و لا السبب في ترجيح الثاني عند الاختلاف؟

2- في بيان المكي و المدني قالت اللجنة أنها أخذت من «كتب القراءات و التفسير على خلاف في بعضها [ص ه] ما هي هذه الكتب على كثرتها؟ و كيف وصلت إلى قرار عند الخلاف في بعضها؟ فإنه لا يزال مجهولا.

ص: 347

3- في بيان السجدات و مواضعها قالت اللجنة أنها أخذت من كتب «الفقه في المذاهب الأربعة» فما هي هذه الكتب مع كثرتها؟ و كيف قررت عند الاختلاف؟

4- في بيان السكتات قالت اللجنة أنها أخذت من «الشاطبية و شرحها و التلقي من المشايخ» [ص و] فما هي الشروح؟ و من هم هؤلاء المشايخ؟ فلا يزالون مجهولين و السبب في ترجيح اختياراتهم مجهولا.

5- في بيان الوقف و العلامات قالت اللجنة أنها أخذت «مما قرره الأستاذ محمد بن علي بن خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية الآن- أي سنة 1337 ه- على حسب ما اقتضته المعاني التي ترشد إليها أقوال أئمة التفسير» [ص و] فبالرغم من كفاءة الشيخ الحسيني و جهوده المقدرة فلا يزال أسلوب ما قرره مجهولا. فكيف اختار قولا لإمام من أئمة التفسير دون غيره؟ و على أي أساس بناه؟ و من هو ذلك الإمام؟

و لم أقف لحد الآن على من أرجع هذه الاجتهادات إلى أصولها من أول المصحف إلى آخره و إن كثرت الكتب في كل فن منها.

فقد تنبه محمد طاهر الكردي إلى ضرورة توضيح بعض هذه النقاط فوجه الأسئلة إلى الشيخ محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية في سنة 1363 ه و هو رئيس اللجنة الثانية فأجاب الشيخ الضباع بما يكشف عن بعض أسلوب العمل و قد ألحقت هذه الرسالة و الأجوبة في آخر كتابه تاريخ القرآن ط 1 مصر من صفحة 183 إلى صفحة 224.

طبعة سنة 1371 ه

اشارة

و قد قام الدكتور إبراهيم الأبياري و صحبه بطبع المصحف الأميري من جديد مع زيادة ملاحظتين قال: «هذا كله كان جهد اللجنة الأولى، و ما من شك في أنه كان جهدا عظيما، غير أنه حين فكر في طبع هذا المصحف طبعة ثانية سنة 1371 ه/ 1952 م- و هي هذه التي بين يديك- ألفت لهذا الغرض لجنة، من:

1- علي محمد الضباع.

2- محمد علي النجار.

3- عبد الفتاح القاضي.

4- بعد الحليم بسيوني.

5- أحمد عبد العليم البردوني.

ص: 348

6- إبراهيم إطفيش.

و كان على هذه اللجنة أن تنظر في المصحف نظرة ثانية، فإذا هي تستدرك على الطبعة الأولى أشياء قليلة، منها ما هو خاص بالرسم، و منها ما هو خاص بالضبط، و منها ما هو خاص بالوقوف، و منها ما هو خاص بترجمات السور، و ها هي ذي تلك الاستدراكات، و قد أدخلت كلها على الطبعة الثانية التي تضمنتها هذه الموسوعة:

1- الرسم:

الصورة

2- الضبط:

(أ) كلمة «قائم» من قوله تعالى: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد:

33]، كتبت الهمزة فوق صورة الياء، و حقها أن تكتب تحتها على الأصل كنظائرها في المصحف.

(ب) ضبطت في أواخر بعض السور و أوائل تالياتها كلمات ضبطا مبنيا على أساس أن آخر السورة موصول بأول التي تليها، من غير اعتداد بالبسملة بين السورتين، و هذا لا يتفق و طريقة حفص. [الموسوعة 1/ 112].

المصحف المرتل (1378 ه- 1959 م)

اشارة

و في عام 1378 ه- 1959 م وفق اللّه عالما بأن يسد فراغا ملموسا في المكتبة القرآنية في خدمة للقرآن الكريم و ييسر للقراء ذلك و هو السيد لبيب السعيد المدير العام لتخطيط الدعوة و تدريب الدعاة بمصر و ذلك بتنفيذ فكرة المجمع الصوتي للقرآن الكريم و سماه المصحف المرتل و اشتهر في العالم الإسلامي شهرة واسعة. و من حسن الحظ أن شرح

ص: 349

بنفسه أسلوب عمله في كتاب مستقل من الفكرة و الأسلوب تحت عنوان «الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم» أو «المصحف المرتل و بواعثه و مخططه» طبعة القاهرة سنة 1967 م و نقتطف منها مقتطفات من قوله: كنت أتابع، في المقارئ الكبيرة بالقاهرة، الممتازين من علماء القراءات، و كان يؤلمني أنه كان إذا مات منهم، أستاذ حاذق خلفه أحيانا من لا يعدله أستاذية و حذقا، و ضاعت على المسلمين- إلى الأبد- مواهب الميت لأنها لم تسجل [ص 101].

نص الاقتراح

و تقدمت في أواخر فبراير، أو أوائل مارس 1959 م إلى مجلس إدارة الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم عبر الدهور كانت و ما زالت، روايته و تلقينه مباشرة و شفاها، فما لفم، و هذا هو المعتمد عند علماء القرآن، لأن في القراءة ما لا يمكن إحكامه إلا عن طريق السماع و المشافهة. و متابعة لتطوره، و تأكيدا لطريقة النقل الشفوي، و تطويرا لها، يمكن الآن الاتجاه إلى تسجيل القرآن الكريم تسجيلا صوتيا. و لعل هذا الأسلوب أن يكون هو أصلح أساليب العصر و أكثرها تيسيرا على المسلمين في تلقي الكتاب العزيز مجودا و متلوا بمختلف القراءات.

- و منه قوله- و الملاحظ الآن أن كثيرا من المسلمين لا يحسنون- مع الأسف- أداء الكتاب العظيم حسب أصول التجويد، مع أنهم بالضرورة يؤمنون بهذا الكتاب، و يحبونه، و يستهدونه. و الملاحظ أيضا أن أغلب حفاظ القرآن الكريم لا يعرفون غير قراءة «حفص».

و هذا و ذاك أمران بالغا الخطورة، و يتعين تلقاءهما على الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم.

و عن كيفية التسجيل قال: فطلبت إلى أعضاء لجنة التسجيل:

1- اقتضاء كل قارئ غاية الدقة في الأداء، مع إلغاء كل تسجيل لا يصل الأداء فيه إلى حد الامتياز، و اعتبار هذا مبدأ لا يجوز أبدا الترخص فيه.

2- الاستماع جميعا إلى الحصة القرآنية المراد تسجيلها للتأكد- مقدما- من دقة أداء القارئ و مراعاته الأحكام، و تزويده بما قد يلزمه من توجيهات، و بصفة خاصة لتحديد مواضع الوقف بحسب السنة، و بحسب ما تقتضيه المعاني، و ما اتفق عليه علماء القرآن.

و مضى العمل في تسجيلات رواية حفص عن عاصم، بصوت الشيخ الحصري الذي

ص: 350

كنت اخترته لتسجيل هذه الرواية، منذ ما قبل وضع المشروع تحت الرعاية المالية لوزارة الأوقاف، حسبما أوضحت آنفا.

و لم يكن التسجيل شيئا هينا، فمع امتياز القارئ، و كونه قد أصبح آنئذ شيخ المقارئ، كانت اللجنة تستوقفه كثيرا ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب.

لجنة التسجيل قالت: «كانت مشكلة وقتئذ من الأساتذة المشايخ. عبد الفتاح القاضي: «و قد استعفى من اللجنة في وقت مبكر، لأسباب منها بعد عمله عن القاهرة»، عامر عثمان، و عبد العظيم الخياط، و محمد سليمان صالح، و محمود حافظ برانق، الأربعة الآخرين من مديري معهد القراءات التابع للأزهر».

و بدأ الطبع في مايو سنة 1960 م، و أمكن الانتهاء من الطبعة الأولى في 23 يوليو 1961 م: عيد الثورة التاسع، حيث بدأ بتوزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام. [الجمع الصوتي 114] (1).

ص: 351


1- و بالنسبة إلى القراءات الأخرى قال لسعيد ما ملخصه: و أعقب هذا، في سنة 1962 م، تسجيل قراءة أبي عمرو، برواية الدوري. و هذه القراءة هي الأكثر ذيوعا الآن في السودان، و نيجيريا، و اواسط إفريقية بصفة عامة، و كانت هي الأكثر انتشارا في مصر، حتى جاء الحكم التركي، ففاقتها في الانتشار رواية حفص. و [اصدر] الأزهر كتابا تطلب فيه منع ما سوى رواية حفص من الروايات و ما سوى صوت الشيخ الحصري من الأصوات، حتى لا يثير ذلك- حسبما قرر كتاب المشيخة- اختلاف المسلمين حول أي القراءات أولى و أي الأصوات أحلى. و فزع صاحب المشروع من هذا المنع، و قابل في شأنه شيخ الأزهر، و كان من أوجه الاحتجاج في تلك المقابلة الطويلة التي تحملها الشيخ، و كان وقتئذ مريضا، رحمه اللّه: أن مرجع الاختلاف بين القراءات هو- على الأغلب- نزول القرآن على سبعة أحرف، حسبما قرر النبي، فيما روى البخاري و مسلم، و ابن جرير و ابن حبان و البيهقي، و فيما روى أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و الطيالسي و غيرهم. و قال: و أيد الشيخ- رحمه اللّه- كل أقوالي، و كان- في تأييده- يسبق أحيانا إلى إتمام بعض عباراتي، و بادر فكتب- رسميا- لوزير الأوقاف بأن القراءات التي لا يوافق على تسجيلها هي فقط: القراءات الشاذة و غير المتواترة، و أنه يود أن يظل التسجيل سائرا على قاعدة عدم خلط القراءات بعضها ببعض، و أن تكون دقة الأداء و مراعاة الأحكام مقدمتين على حسن الصوت، و رجا أن توجه كل قراءة إلى البلاد التي تختارها، و بناء على طلب المسلمين فيها.

و قد حدّثني الشيخ محمود الحصري عام 1979 م أن المسجلات الصوتية هي من قراءته تحرى فيه أقصى ما يمكنه من الدقة في الأداء كما رأيت في هذا الشيخ من آثار الورع و العلم ما لم أشاهده في غيره من القراء المصريين و غير المصريين منهم و قد أهداني نسخة من كتابه «أحكام قراءة القرآن الكريم».

سند القراءة

اهتم القراء بإسناد القراءة من عصرهم جيلا بعد جيل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في خصوص القراءات السبع و توسع في ذلك محمد بن الجزري (ت 833 ه) في النشر (ص 1- 99) و توسط في ذلك أبو محمد المكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 ه) في التبصرة (34- 48) و اقتصر الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية في تذكرة الإخوان (44- 53) على أسانيد حفص عن عاصم، مؤكدا على أنها قراءات متسلسلة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال ابن الجزري (ت 833 ه): «و جملة ما تحرر عنهم من الطرق بالتقريب نحو ألف طريق و هي أصح ما يوجد اليوم في الدنيا و أعلاه لم نذكر فيها إلا من ثبت عندنا أو عند من تقدمنا من أئمتنا عدالته، و تحقق لقيه لمن أخذ عنه و صحت معاصرته، و هذا التزام لم يقع لغيرنا ممن ألف في هذا العلم. [النشر 1/ 93].

و أشار إلى أهمية الموضوع بقوله: «و من نظر أسانيد كتب القراءات و أحاط بتراجم الرواة علما عرف قدر ما سبرنا و نقحنا و اعتبرنا و صححنا، و هذا علم أهمل، و باب أغلق، و هو السبب الأعظم في ترك كثير من القراءات، و اللّه تعالى يحفظ ما بقي.

و إذا كان صحة السند من أركان القراءة كما تقدم تعين أن يعرف حال رجال القراءات كما يعرف أحوال رجال الحديث، لا جرم اعتنى الناس بذلك قديما، و حرص الأئمة على ضبطه عظيما و أفضل من علمناه تعاطى ذلك و حققه، و قيد شوارده و مطلقه، إماما الغرب و الشرق الحافظ الكبير الثقة- أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني- مؤلف التيسير و جامع البيان و تاريخ القراء و غير ذلك و من انتهى إليه تحقيق هذا العلم و ضبطه و اتقانه ببلاد الأندلس و القطر الغربي، و الحافظ الكبير- أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني- مؤلف الغاية في القراءات العشر و طبقات القراء و غير ذلك و من انتهى إليه معرفة أحوال النقلة و تراجمهم ببلاد العراق و القطر الشرقي. [النشر 1/ 93].

و التأمل في هذه الأسانيد يوقفنا على أنها كانت بالقراءة في القرآن كله أو جزء منه بل تكررت القراءة من بعضهم على بعض الشيوخ كما حصل لابن مجاهد (ت 324 ه) في قراءة

ص: 352

نافع إلا أنها لم تكن قراءة لكل شيخ على كل طبقة و إنما اكتفوا بالقراءة لشهرتها المستفيضة من دون حاجة إلى إسناد فإن الإسناد في القراءة ليس إلا للتيمن و التبرك بذكر المشايخ و معرفة طبقاتهم.

و ذكر أبو محمد المكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 ه) أسانيده و صرح بأن أسانيده ليست كلها قراءة بل (قراءة بأكثره)، (و مما رويته و لم أقرأ به) و إليك أسانيده إلى القراءات.

قال: «اعلم أن لاتصال قراءتي بهؤلاء الأئمة السبعة طرقا كثيرة يطول ذكرها عن غير واحد من القراء رواية و قراءة، و أنا أقتصر في هذا الكتاب على أقرب الطرق مما قرأت بأكثره عن أبي الطيب، رحمه اللّه، و أدع ما عدا ذلك بتكرار الإسناد فيه بغير فائدة، و مما رويته و لم أقرأ به.

أما قراءة نافع و في رواية ورش عنه (فقد) نقلتها عن أبي عدي عبد العزيز بن أبي الفرج عن أبي بكر بن سيف عن أبي يعقوب الأزرق عن ورش عن نافع.

و أما رواية قالون عن نافع فنقلتها عن أبي الطيب عن ابن المستفاض عن إسماعيل بن إسحاق القاضي عن قالون عن نافع، و عن أبي الطيب أيضا عن أبي سهل صالح بن إدريس عن أبي الحسن علي بن سعيد عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشعث عن أبي نشيط عن قالون عن نافع.

و أما قراءة عاصم في رواية أبي بكر عنه، فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي سهل عن أحمد بن محمد الديباجي عن إدريس بن عبد الكريم عن خلف بن هشام البزاز عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم.

و أما رواية حفص عن عاصم، فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي الحسن نظيف بن عبد اللّه الصمد بن محمد العينوني عن عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم.

و أما قراءة ابن كثير في رواية قنبل فنقلتها عن أبي الطيب عن إبراهيم بن عبد الرزاق عن قنبل عن أحمد بن محمد بن عون القواس عن أبي الإخريط وهب (بن) واضح عن إسماعيل بن عبد اللّه القسط عن شبل بن عباد و معروف بن مشكان عن ابن كثير.

و أما قراءة أبي عمرو في رواية أبي شعيب السوسي فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي أحمد جعفر بن سليمان المشحلاني عن أبي شعيب عن اليزيدي عن أبي عمرو.

و أما رواية الدوري فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي القاسم المجاهدي عن ابن مجاهد عن أبي الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس عن اليزيدي عن أبي عمرو.

ص: 353

و حدّثني أبو الطيب برواية أبي خلاد عن اليزيدي عن أبي عمرو و لم يذكر أيضا اختلافا لأبي خلاد، بل جعله كالدوري و صاحبيه كلهم عن اليزيدي بغير اختلاف بينهم على من نذكره عن الدوري بعد إن شاء اللّه.

و أما قراءة حمزة في رواية خلف و الدوري فنقلت إحداهما عن أبي الطيب عن عبد اللّه بن أحمد بن الصقر عن أبي بكر الأدمي عن أبي أيوب الضبي عن خلف عن سليم عن حمزة، و أما الأخرى فحدثني بها أبو الطيب عن محمد بن علي العطوفي عن جعفر بن محمد المقرئ عن أبي عمر حفص بن عبد العزيز بن صهبان الدوري عن سليم عن حمزة، و لم يذكر اختلافا بين الدوري و خلف.

و أما قراءة الكسائي في رواية الدوري عنه فنقلتها عن أبي الطيب عن محمد بن علي العطوفي عن أبي الفضل جعفر بن محمد بن أسد عن الدوري عن الكسائي.

و أما رواية أبي الحارث عن أبي الطيب عن أبي سهل و ابن خالويه عن ابن مجاهد عن محمد بن يحيى عن أبي الحارث عن الكسائي.

و أما قراءة ابن عامر في رواية ابن ذكوان فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي علي الحسن بن حبيب الدمشقي و عن أبي عبد اللّه هارون بن موسى الأخفش عن ابن ذكوان عن أيوب بن التميمي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر.

و أما رواية هشام عن ابن عامر فنقلتها عن أبي الطيب عن أبي علي الحسن بن حبيب الدمشقي عن أحمد بن المعلى عن هشام بن عمار عن عراك بن خالد عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر، و حدّثني أيضا بها عن أبي أحمد عبد اللّه بن محمد الدمشقي عن أحمد بن أنس عن هشام بن عمار كالذي قبله. [التبصرة 41].

علو الإسناد

و اهتم ابن الجزري (ت 833 ه) خاصة بعلو الإسناد في القراءات و قال: «و أعلى ما وقع لنا باتصال تلاوة القرآن على شرط الصحيح عند أئمة هذا الشأن أن بيني و بين النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أربعة عشر رجلا، و ذلك في قراءة عاصم من رواية حفص و قراءة يعقوب من رواية رويس و قراءة ابن عامر من رواية ابن ذكوان و يقع لنا من هذه الرواية ثلاثة عشر رجلا لثبوت قراءة ابن عامر على أبي الدرداء رضي اللّه عنه و كذلك يقع لنا في رواية حفص من طريق الهاشمي عن الأشناني و من طريق هبيرة عن حفص متصلا و هو من كفاية سبط الخياط، و هذه أسانيد لا يوجد اليوم أعلى منها و لقد وقع لنا في بعضها المساواة و المصافحة للإمام أبي القاسم

ص: 354

الشاطبي (ره) و لبعض شيوخه كما بينت ذلك في غير هذا الموضوع، و وقع لي بعض القرآن كذلك، و أعلى من ذلك فوقعت لي سورة الصف مسلسلة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاثة عشر رجلا ثقات و سورة الكوثر مسندة بأحد عشر رجلا و هذا أعلى ما يكون من جهة القرآن.

[النشر 1/ 194].

و إليك إسناده إلى سورة الكوثر: «فأخبرني بها الشيخ الرحلة أبو عمر محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن قدامة المقدسي الحنبلي بقراءتي عليه بسفح قاسيون من دير الحنابلة ظاهر دمشق المحروسة قال أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي قراءة عليه بالسفح أيضا ظاهر دمشق، أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد اللّه الحنبلي قراءة عليه ببغداد مدينة السلام. أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهب الحنبلي قراءة ببغداد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطعي الحنبلي ببغداد، أخبرنا عبد اللّه بن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد قال: حدثني أبي ببغداد (ثنا) محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه» قال: «أغفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إغفاءة فرفع رأسه متبسما»- إما- قال لهم- و إما- قالوا له: «لم ضحكت؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إني أنزلت علي آنفا سورة فقرأ، يعني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ حتى ختمها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا:

اللّه و رسوله أعلم. قال: هو نهر أعطانيه ربي عزّ و جلّ في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» هذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ و أبو داود و النسائي من طريق محمد بن فضيل و علي بن مسهر كلاهما على المختار بن فلفل عن أنس. [النشر 1/ 196].

ثم قال: «و هذا الحديث يدل على أن البسملة نزلت مع السورة. و في كونها منها أو في أولها احتمال، و يدل على أن هذه السورة مدنية و قد أجمع من نعرفه من علماء العدد و النزول على أنها مكية و اللّه سبحانه و تعالى أعلم». [النشر 1/ 196].

سند المؤلف

اشارة

القراءات السبع في غنى عن الإسناد لتواترها عن القراء السبعة جيلا بعد جيل و ما تقدم من الأسانيد التي استقصاها ابن الجزري في النشر [1/ 93] التي لم تخرج في غالبها من تسلسل الرواية بالإجازة و قد حافظ عليها الأعلام تأكيدا على تواترها في القراء و كنت قد

ص: 355

قرأت القرآن الكريم رواية حفص عن عاصم على والدتي العلوية الحسينية الخرسانية في الصغر و كانت (ره) على عطوفتها و أمومتها شديدة في تعليم القرآن. ولدت في كربلاء 1329 ه و سافرت مع والدها إلى خراسان عام 1366 ه و حجت بيت اللّه الحرام سنة 1384 ه و كانت منقطعة إلى العبادة و العلم و كان من عادتها الإجابة بالآيات القرآنية المناسبة تأسيا بفضة رضي اللّه عنها و كانت حافظة متقنة ورعة تقية و ساهمت في التأليف و كتبت «نور المسجدين» في أعمال مسجد الكوفة و السهلة و اتخذت من دارها مدرسة لتعليم القرآن بصبر و إيمان و حب و إخلاص في غاية الندرة في هذا العصر. و في حجر هذه العلوية الصالحة المؤمنة تعلمت القرآن الكريم قراءة و قد بلغني نبأ وفاتها في 15/ ج 1/ 1401 ه و دفنت في النجف الأشرف في جوار جدها علي أمير المؤمنين و جزاها اللّه خيرا على ما تحملته في سبيل ذلك و قيض اللّه أمهات مسلمات يحافظن على مستقبل الجيل بغرس مبادئ القرآن و حلاوة الإيمان في قلوبهم و السهر على تربيتهم تربية صالحة.

و قد تلقيت بعض القرآن قراءة أو تفسيرا أو استجازة من جمع من الأعلام اذكرهم ليكون ذلك سببا للترحم عليهم و السير على خطاهم في المحافظة على القرآن الكريم، و اللّه ولي التوفيق.

الوالد السيد محسن الجلالي (1320- 1396 ه)

سيدي و أستاذي و من كان على توجيهاته اعتمادي كان (ره) مترفعا عن حطام الدنيا منقطعا إلى اللّه في كل لحظاته و سكناته مراقبا لأعماله في كل حالاته مستنا بسنة جده الرسول الأطهر و آله الغرر في ساعاته و كانت أوقاته بنظام و دقة لم تعهد من أقرانه، فوقت لربه و وقت لتدريسه و آخر للإجابة على أسئلة الناس. كان يبدأ السحر بصلاة التهجد ثم يقرأ جزءا من القرآن حتى مطلع الفجر عند رأس الحسين عليه السّلام ثم يصلي الفجر جماعة و يستمر في القراءة و لا يتوقف إلا لإجابة سؤال فقهي من المصلين و غيرهم ثم يستأنف حتى طلوع الشمس و إن منعه مانع أنهاها في غير هذا الوقت و كانت هذه عادته حتى وفاته. أما في رمضان فكان يختم في كل أسبوع. و لم يمنعه ذلك من القيام بمهامه العلمية من التدريس و الإمامة و قضاء حوائج المؤمنين، و خلّف آثارا كان يستحقرها و يمتنع عن طبعها ترفعا عن حب النفس. و كان يرى نفسه مسئولا عن إعداد الجيل المقبل و الحفاظ على مستوى الفقه و الأصول و إحياء سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سيرة المشايخ في المعقول و المنقول و يتحمل في سبيل ذلك ما لا تتحمله الجبال و لم تأخذه في اللّه لومة لائم. مضى إلى ربه سعيدا بعد أن قضى حياته حميدا في يوم

ص: 356

الأربعاء 20 صفر سنة 1396 ه و كان (ره) لا يقرأ سوى قراءة حفص و يرى تواترها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما كان يرى وجوب متابعة رسم القرآن في الكتابة، و كانت الطبعة المفضلة عنده طبعة الخطاط حافظ عثمان و كان (ره) يوقفني على ميزة هذه الطبعة على غيرها و قد جاء في آخرها: «كتبه العبد الفقير، إلى رحمة ربه القدير، سميّ جامع القرآن، الشهير بحافظ عثمان، راجيا لطف ربه المنّان، انه منبع الإحسان و الغفران، و مناجيا شفاعة مهبط الفرقان، في يوم الحشر و الميزان، راقما على ما وافق مصحف الشيخ المعروف بعلي القارئ المكي بين الفحول و الأعيان، قد وقع الفراغ في أوائل شهر شعبان، بعناية ربه الديان في سنة سبع و تسعين و ألف من هجرة من له العز و الشرف».

كما جاء تعريف بالعلامات في هذه الطبعة مما ليس في غيرها و نصه: «هذا المصحف أخذ هجاؤه عن مصحف كتبه الأستاذ المحقق الكبير المقرئ الفقيه الأصولي الشهير علي بن سلطان محمد الهروي المكي إمام الحرم المكي في وقته و نقله الخطاط الشهير الحافظ عثمان على ما اختاره المشارقة.

شروح الرموز التي في هذا المصحف:

م علامة الوقف اللازم أي المتعين فيه الوقف لايهام الوصل خلاف المقصود.

ط علامة الوقف المطلق الذي هو أولى من الوصل.

ج علامة الوقف الجائز الذي يستوي فيه الوقف و الوصل.

ز علامة الوقف المجوز لكن الوصل أولى.

ص علامة الوقف المرخص لضرورة.

ق علامة الوقف الذي لم يقل به أكثر العلماء قف علامة الوقف المستحب فلا حرج إن وصل لا علامة عدم الوقف إلا إذا كان تحتها علامة رأس الآي فالمستحب فيها الوقف على رأي الأكثرين.

ك علامة لبيان الوقف الذي يجري على حكم سابقه.

س علامة على السكتة أي الوقفة اللطيفة بلا تنفس.

؟؟؟ علامة تعانق الوقف بحيث إذا وقف على أحد الموضعين لا يصح الوقف على الآخر.

ء علامة انتهاء العشر في العدد الكوفي.

ص: 357

عب علامة انتهاء العشر في العدد البصري.

ه علامة انتهاء الخمس في العدد الكوفي.

خب علامة انتهاء الخمس في العدد البصري و إذا اتفق العددان في عشر أو خمس اكتفى بعلامة الكوفي.

لب علامة لبيان أن ما تحتها ليس برأس آية في العدد البصري.

تب علامة لبيان أن ما تحتها رأس آية في العدد البصري.

ب علامة انتهاء الحزب.

و كان مذهبه أن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اقرءوا كما علّمتم» أمر بالقراءة بالتلقي فقط كما عليه سيرة المشايخ دون الإجازة في القرآن لذلك كان (ره) يرى أن الإجازة لا بد و أن يختص بالحديث و أن أسانيد القراءات ليست أسانيد للقراءة بل هي أسانيد للرواية و أن القرآن الكريم لا بد و أن يتلقى بالقراءة لا بالإجازة و التلقي على المشايخ فإن القراءة دون غيرها تحافظ على سلامة القرآن الكريم.

1- الشيخ محمد علي السرابي (ت 1384 ه)

حضرت دروسه في التفسير و كان (ره) يستوحش من الناس و يطلب الانزواء و كانت صلته بالناس من خلال الدرس فقط و كان على جانب عظيم من الزهد سألته عن مشايخه في القراءة و إسناده فقال ان قراءة عاصم متواترة و أنه كان رأي شيخه السيد آغا حسين القمي (ت 1366 ه) الذي صرح بذلك في درسه و إسناده إسناده و كان يرى تواتر رواية عاصم دون غيرها من القراءات.

و قد ترجمه شيخنا العلامة و مما قال: «هو الشيخ محمد علي بن يحيى السرابي عالم جليل و ورع فاضل. كان اشتغاله في أوائل عمره في المشهد الرضوي بخراسان، ثم هاجر إلى العراق فقرأ على بعض أعلام سامراء برهة، و حضر على علماء كربلاء و منهم السيد آغا حسين القمي فقد لازمه مدة حتى حاز فضلا و معرفة و أصبح محل اعتماد أستاذه في علمه و تقواه، و بعد وفاته في سنة 1366 ه هبط النجف و تصدر لتدريس السطوح فحضر عليه كثيرون من الطلاب و استفادوا منه، و كان يدرس.

و قد امتاز بالخلق الرفيع و السيرة المتزنة و التواضع الجم، و الأدب النفسي، و الصلاح و التقى، و الانصراف إلى الإفادة و النفع، و أصيب بالفالج أخيرا فلم ينفعه أطباء بغداد و ظل

ص: 358

جليس داره برهة و توفي في 28 ذي الحجة سنة 1384 ه و شيع باحترام و دفن في وادي السلام قرب مقام المهدي عج و لم يرزق ولدا بل بقي ما كتبه من الفوائد المختلفة عند الشيخ عبد اللّه اللنكراني ابن الشيخ مجتبى الذي هو أخو زوجته. [طبقات أعلام الشيعة 14/ 156].

و شيخه المذكور السيد آغا حسين محمد القمي الحائري (ت 1366 ه) يروي عن السيد مرتضى الكشميري (ت 1323 ه) عن السيد ميرزا هاشم الخونساري (ت 1317 ه) عن السيد صدر الدين العاملي (ت 1263 ه) عن السيد محمد مهدي بحر العلوم (ت 1212 ه) عن محمد باقر الوحيد البهبهاني (ت 1206 ه) عن المولى محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) عن والده محمد تقي المجلسي (ت 1070 ه) عن الشيخ بهاء الدين العاملي (ت 1031 ه) عن والده الحسين بن عبد الصمد (ت 984 ه) عن الشيخ زين الدين- الشهيد الثاني (ت 966 ه) عن نور الدين علي بن عبد العال الميسي (ت 940 ه) عن شمس الدين محمد الشهير بابن المؤذن الجزيني عن ضياء الدين علي العاملي عن والده شمس الدين محمد بن مكي الشهيد الأول (ت 786 ه) عن شيخه جمال الدين أحمد بن محمد بن الحداد التبنيني العاملي (ت ح 849 ه) قال: [كما في البحار] انني قرأت القرآن على السيد جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن ناصر بن حمّاد الحسيني الغروي برواية أبي بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة الحناط الكوفي برواية راوييه أبي بكر و حفص بن سليمان بن مغيرة البزاز الكوفي، و برواية الكسائي و راوييه.

و قال: قرأت بهما القرآن الكريم من فاتحته إلى خاتمته على السيد رضي الدين أبي عبد اللّه الدوري و أبي الحارث الليث بن خالد البغدادي و الحسين بن قتادة بن مزروح الحسني الري المقرئ، قال: قرأت بهما على مشايخ منهم: أبو حفص عمر بن معن الزبري الضرير إمام مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالروضة، و قرأ بهما على المحدث أبي عبد اللّه محمد بن عمر بن يوسف القرطبي و قرأ بهما على أبي الحسن علي بن محمد بن أحمد الجذامي الضرير المالقي المعروف بابن الغماد، و قرأ بهما على أبي محمد عبد اللّه بن سهل و على الخطيب أبي القاسم خلف بن إبراهيم بن الحصاد القرطبي. قالا: قرأنا بهما على أبي عمر عثمان بن سعيد بن عثمان الداني بطريقه المذكور في التيسير و قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن عبد اللّه بن حبيب السلمي و قرأ على أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه و قرأ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قرأ الكسائي أيضا على حمزة و قرأ حمزة على الصادق عليه السّلام و قرأ على أبيه و قرأ

ص: 359

على أبيه و قرأ على أبيه و قرأ على أمير المؤمنين عليه السّلام و قرأ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. [البحار 107/ 201].

2- السيد علوي بن عباس المالكي (1335- 1391 ه)

اجتمعت به في مكة المكرمة في موسم الحج في الحجة الأولى سنة 1383 ه و زرته في داره العامرة في محلة القرارة مرارا وجدته محدثا جليلا مشاركا في العلوم و سألته عن نسبه و حياته فقال: انه علوي اسما و نسبا ابن عباس بن عبد العزيز بن محمد الحسني نسبا و المالكي مذهبا و أنه ولد في مكة المكرمة 1325 ه و تلقى مبادئ العلوم من والده و أنه يدرس بمدرسة الفلاح منذ سنة 1347 ه فاستجزته و أجازني في 15 ذو الحجة سنة 1383 ه و بلغني نعيه في سنة 1391 ه و أهداني طائفة من مؤلفاته منها «العقد المنظم في أقسام الوحي المعظم» و «شرح منظومة أصول التفسير» و أحال في إسناده في القراءات إلى إجازة وعد بإرسالها بعد موسم الحج و لكنها لم تصلني، و لم تكن طبيعته الإهمال حيث وجدته جامعا للعلم و العمل و قد وجدت إسناده في القراءات في كتاب «نور النبراس في حياة والده السيد عباس (ت 1350 ه)» و أورده نصا:

محدث المجاز السيد علوي بن عباس المالكي (ت 1391 ه) عن والده (ت 1350 ه)، عن المحدث الشيخ أبي اليسر محمد فالح الظاهري المهنوي. قال:

أخبرنا شيخنا الأستاذ شيخ الإسلام و المسلمين الإمام أبو عبد اللّه محمد بن علي السنوسي الشريف الخطابي الحافظ الشلفي. قال: أخذنا القرآن العظيم، عن عدة أشياخ مهرة كرام بررة، بجميع قراءته و رواياته، و طرقه و وجوهه، سماعا و عرضا، و إجازة و مناولة بنوعيها، على مذهب من يسوّي بينه و بين الحديث في ذلك، و هو المنصور المعمول به سلفا و خلفا، فأرويه عن سيدي محمد بن عبد السلام الناصري، عن سيدي علي بن ناصر قائلا: أخذت القرآن العظيم قراءة نافع، بروايتي ورش و قالون و قراءة ابن كثير بروايتي البزّي و قنبل، و قراءة أبي عمرو بروايتي الدوري و النوسي، سماعا من الوالد و غير واحد. عن أبي إسحاق السباعي عن أبي زيد عبد الرحمن بن القاضي، عن سيدي عبد الرحمن السلجلماسي، عن أبي عبد اللّه الشريف عن أبي القاسم الدكالي، عن الإمام ابن غازي، عن أبي عبد اللّه الصغير، عن أبي العابس الفيلالي، عن أبي عبد اللّه الفخار عن أبي العابس الزواوي، عن علي بن سليمان، عن أبي جعفر بن الزبير، عن أبي الوليد إسماعيل العطار، عن أبي بكر بن حسّون، عن أبي عبد اللّه بن بقي، عن أبي محمد عبد اللّه بن عمر بن العرجاء،

ص: 360

عن الطبري و ابن نفيس، عن أبي بكر بن سيف، عن أبي يعقوب الأزرق، عن ورش و قالون، عن نافع، عن ابن هرمز، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و باقيهم إلى ابن نفيس، و بالإجازة باقي السبعة كذلك إلى ابن نفيس، إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. [نور النبراس ص 100 ط 1416 ه].

3- الشيخ محمود الحصري (1337- 1401 ه)

تحدثت معه في رمضان 1399 ه و هو في صحبة مضيفه الشيخ محمد جواد الشري و كان قد دعي للمشاركة في تلاوة القرآن الكريم بمناسبة شهادة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام في 13 أوغست 1979 م في المركز الإسلامي. و قال أن مولده كان سنة 1337 ه في قرية شبرا من أعمال مدينة طنطا.

و هو من العلماء و القراء الأفاضل قل أن يرى من القراء مثلهم في هذا العصر قرأت عليه سورة الفاتحة رواية حفص عن عاصم تيمنا و أحالني إلى كتابه «مع القرآن الكريم» و في الإسناد إلى كتاب تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإمام حفص بن سليمان تأليف علي محمد الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية و قال بأن الأشرطة المتداولة كلها بصوته و عملت تحت إشرافه المباشر و أن التفصيل مذكور في كتاب «المصحف المرتل» تأليف د. لبيب سعيد.

و بلغني نعيه في محرم سنة 1401 ه.

و الإسناد المذكور في «تذكرة الإخوان» تنتهي إلى أصحاب الكتب المشهورة في القراءات و اكتفي بما يأتي:

2- علي محمد الضباع- شيخ المقارئ المصرية.

3- قراءة على الشيخ أحمد بن محمد بن منصور السكري- من طريق الحرز [حرز الأماني للشاطبي ت 950 ه].

4- قراءة على الشيخ سيد الخياط الشبيني.

5- قراءة على الشيخ علي بن حمودة المنبهي.

6- قراءة على الشيخ حلبي الطندتائي.

7- قراءة على الشيخ سليمان الشهداوي.

8- قراءة على الشيخ مصطفى المبهي.

9- قراءة على والده الشيخ علي المبهي.

ص: 361

10- قراءة على الشيخ إسماعيل الأزهري.

11- قراءة على الشيخ محمد السمنودي المنير.

12- قراءة على الشيخ علي الرميلي.

13- قراءة على الشيخ أحمد الرشيدي.

14- قراءة على الشيخ أحمد بن رجب البقري.

15- قراءة على الشيخ محمد بن قاسم البقري.

16- قراءة على الشيخ عبد الرحمن اليمني- من طريق الطيبة [طيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري ت 833 ه].

17- قراءة على الشيخ شماذة اليمني.

18- قراءة على الناصر الطبلاوي.

19- قراءة على الشيخ الإسلام زكريا الأنصاري.

20- قراءة على أبي النعيم رضوان بن محمد بن مكي.

21- قراءة على شيخ القراء محمد بن الجزري- صاحب الطيبة و النشر.

22- قراءة على القاضي أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن قرارة الحنفي- من طريق التيسير [التيسير في القراءات السبع للداني ت 444 ه].

23- قراءة على والده الحسين سليمان.

24- قراءة على أبي محمد القاسم بن أحمد بن الموفق الكوفي- و هو قرأ على أئمة مقرءين منهم.

25- قراءة على الشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن يحيى بن عون اللّه الحصار.

26- قراءة على أبي الحسن علي بن محمد بن هذيل البلنسي.

27- على أبي داود سلمان بن نجاح.

28- على الإمام أبي عمرو الداني صاحب التيسير [التيسير في القراءات السبع .

29- على طاهر بن غلبون.

30- على أبي الحسن بن محمد بن صالح بن داود الهاشمي.

31- علي أبي العباس أحمد بن سهل الأشناني.

ص: 362

32- على أبي محمد عبيد بن الصباح.

33- على حفص بن سليمان.

34- على أبي بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي.

35- على أبي عبد الرحمن عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة السلمي الضرير.

36- على عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب و أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت و عبد اللّه بن مسعود.

و قراءة هؤلاء الخمسة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [راجع تذكرة الإخوان ص 44 أو 40].

4- السيد أسد اللّه المدني (1293- 1401 ه)

تعرفت عليه في النجف الأشرف و حضرت حلقة درسه في التفسير و رأيت فيه دقة العلماء و تواضع الزهاد و حماس المجاهدين و هي صفات قل ما تجتمع في أعلام عصره و زادت صلتي به حين عزم على حج بيت اللّه الحرام عام 1383 ه فصحبته عن طريق البر من النجف الأشرف إلى عرر فالمدينة المنورة في ثلاثة أيام و خلال هذه السفرة وجدت فيه خصالا كريمة تندر مثلها في المعاصرين و كان في منتهى التواضع و كان فينا كأحدنا أشداء على الكفار رحماء بينهم و كان لا يفتر من قراءة القرآن ما تسنى له فسألته عن مولده فقال أنه ولد سنة 1293 ه في ناحية آذر من مدن أذربيجان و أن والده السيد علي الدهخوارقاني كان يمتهن بيع الأقمشة و أنه فقد أمه و له أربع سنين و أباه و هو ابن ستة عشر عاما و مر بتجارب اليتم ما جعله يتحسس بآلامهم و آمالهم.

هاجر إلى قم و حضر فيها على أعلامها ثم إلى النجف الأشرف و اتفق أن أردت زيارة الإمام الرضا عليه السّلام فاقترح أن أزور درة مراد بيك في همدان فنزلت عند رغبته كرها و قضيت في هذه القرية الوديعة ثلاثة أشهر و لما رأيت كيف اعتنى هو بشئون أهلها و هو بعيد عنها فخرجت عنها كرها و كانت الحكومات الظالمة تلاحقه في نشاطه و هو لا يفتر عن دوره أينما كان و قد بلغني نعيه في صلاة الجمعة في 8 ذو القعدة 1401 ه في تبريز و إنا للّه و إنا إليه راجعون.

و سألته عن قراءته قال: إن قراءة عاصم قراءة شيخه السيد محمد الحجة الكوه كمري المتوفى 1372 ه.

و هذا يروي عن شيخه الشيخ ميرزا فتح اللّه النمازي (ت 1339 ه) مؤلف «إنارة الحالك في قراءة ملك و مالك» عن الميرزا هاشم الخونساري (ت 1317 ه) بإسناده المتقدم.

ص: 363

5- السيد شهاب الدين المرعشي (1318- 1411 ه)

السيد الإمام المشارك السيد محمد حسين الشهير بشهاب الدين بن محمود الحسيني المرعشي النجفي زرته في داره العامرة بدار الإيمان قم فوجدته إماما مشاركا في علوم الإسلام غفل عنه الخاص و العام كالإسناد و النسب و القراءات مضافا إلى العلوم السائرة اليوم من الفقه و الأصول و الحديث و الرجال. و كان (ره) جمّاعة للكتب مهتما بأمرها و له مكتبة عامة أوقفها لانتفاع العموم و ذكر أن له طريق قراءة عن عاصم و غيره من القراء و ذكر له مشايخ فيها و قال أنه لم يقرأ القرآن كاملا عندهم بل حصة يسيرة حسب الحاجة و لم يعتمد على غير عاصم من القراءات بلغني نعيه قدس سره في 5 صفر سنة 1411 ه.

و يروي قراءة عاصم عن جمع منهم:

1- السيد آغا التستري النجفي مؤلف تعويد اللسان بتجويد القرآن.

2- عن ميرزا فرج اللّه التبريزي الشهير بعباجي زاده (ت 1339 ه).

3- عن شيخ الشريعة الأصفهاني (ت 1339 ه).

4- عن الميرزا هاشم الخونساري بإسناده المتقدم.

كما يتصل سنده في القراءات إلى شمس الدين محمد ابن الجزري بطرقه المتكثرة.

و قد جاء في إجازته ما لفظه: «و لنا طرق خاصة إلى القراء المشهورين كعاصم و نافع و غيرهما و هي كثيرة. منها ما أرويه عن الأستاذ القارئ المجود الضابط الحافظ للقرآن الشريف عاصم الزمان في التلاوة الشيخ نور الدين الشافعي الشهير بالشيخ نوري عن شيخه نظام الدين القارئ البغدادي البكتاشي عن شيخه عماد الإسلام المصري عن شيخه الشيخ مصطفى البغدادي عن شيخه الشيخ أحمد الكرد علي.

حيلولة: و بهذا السند عن الشيخ أحمد كرد علي المذكور آنفا عن شيخه و أستاذه القارئ الشهير الشيخ عثمان الزيله شيخ القراء في جامع السلطان محمد خان من ملوك آل عثمان الواقع في الآستانة، عن شيخه الحاج محمد أفندي المعروف بجلبي إمام، عن شيخه شعبان بن مصطفى الإمام في جامع السلطان محمد خان و الخطيب في جامع السلطان سليمان، عن شيخه الشيخ محمد البياتي و الشيخ أوليا محمد و الشيخ محمد المدرس الإمام بجامع السلطان سليمان خان جميعا عن الشيخ الميسيري عن الشيخ أبي عبد اللّه ناصر الدين الطبلاوي عن شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري عن الشيخ النوبري شارح كتاب «طيبة النشر في القراءات العشر» عن إمام القراء و حفّاظ الكتاب العزيز الشيخ شمس الدين أبي

ص: 364

الخير محمد بن علي بن يوسف الجزري الشافعي بطرقه التي أوردها في كتابيه «غاية النهاية» و «منجد القراء» و غيرهما، و هما مطبوعان معروفان [الإجازة الكبرى 454].

و قد تقدم إسناد ابن الجزري في إسناد الحصري رقم 21.

6- عبد اللّه الصديق (1328- 1413 ه)

زارني (ره) في سنة 1402 ه فوجدته مثال السلف الصالح في علمه و هديه و تقاه شيخ القراءة و الحديث على الإطلاق. و جمع بين علوم المغرب و المشرق ففاق و هو السيد عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن محمد بن قاسم بن محمد بن عبد المؤمن الصديق الإدريسي نسبا و الغماري أصلا و القاهري مهجرا و الطنجي مولدا و مسكنا و مدفنا.

ولد في طنجة في المغرب رجب 1328 ه من أبوين علويين و تربى في حجر والده و عليه تعلم القراءة برواية ورش عن نافع و أيضا برواية حفص عن عاصم و هاجر إلى فاس و القرويين و القاهرة في سنة 1349 ه و حاز على شهادة العالمية سنة 1350 ه. و صنف و أكثر.

بلغني نعيه في يوم الخميس 19 شعبان سنة 1413 ه و دفن في طنجة، و بوفاته فقدت الأمة محدثا صديقا من أعلم أعلام المشرق و المغرب في القراءات و الحديث و لا حول و لا قوة إلا باللّه.

له كتب كثيرة و من كتبه في القرآن «جواهر البيان في تناسب سور القرآن، طبعة القاهرة» و «بدع التفسير، طبعة القاهرة سنة 1385 ه».

قرأت عليه سورة الفاتحة و شطرا من القرآن، كان قد قرأ قراءة ورش عن نافع على والده محمد بن الصديق (ت 1354 ه) و قرأ عاصم برواية حفص عن عاصم على الشيخ محمد بخيت المصري المطيعي الحنفي (ت 1354 ه).

و قرأت عليه الروايتين بإسناده و أحال إلى ثبته و هو يرويها:

1- عن والده الشيخ محمد الصديق (ت 1354 ه).

2- عن السيد محمد جعفر الكتاني (ت 1345 ه).

3- عن والده السيد جعفر إدريس الكتاني (ت 1324 ه).

4- عن عابد السندي (ت 1257 ه).

و قد ذكر شيخنا أبو الفيض محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكي المتوفى في يوم

ص: 365

الجمعة 28 ذي الحجة سنة 1410 ه بمكة و المدفون بجنة المعلاة في كتابه أسانيد الفقيه أحمد بن حجر الهيثمي (ت 974 ه) طبعة بيروت سنة 1408 ه صفحة 107.

إسناد السندي كالآتي:

عن محمد عابد السندي، عن محمد حسين بن مراد بن محمد يعقوب الأنصاري السندي، عن أبيه، عن الشيخ محمد هاشم بن عبد الغفور السندي، عن مفتي الأحناف بمكة الشيخ عبد القادر بن أبي بكر بن عبد القادر الصديقي، عن الشيخ حسن العجيمي، عن الشيخ أبي الوفاء أحمد بن محمد العجل اليمني، عن السيد الصديق الخاص اليمني، عن المسند داود بن علي بن شعبان الأصابي اليمني عن الشهاب أحمد بن محمد بن حجر المكي، عن الحافظ الجلال السيوطي، قال: أخبرني الشرف إسماعيل بن أبي بكر الزبيدي إجازة عن إمام القراء الحافظ قاضي القضاة شمس الدين أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن الجزري الشافعي الدمشقي سماعا لطيبة النشر- و هي منظومة- و النشر في القراءات العشر و عدة الحصن الحصين. [أسانيد الفقيه ابن حجر للفاداني ص 108 ط 1408 ه].

و قد تقدم إسناد ابن الجزري فراجع ص 465.

7- الشيخ حمود بن عباس المؤيد

الشيخ العلامة و المقرئ الفهامة الشيخ حمود بن عباس المؤيد اجتمعت به لأول مرة في المسجد الحرام في الحجة الثانية عام 1396 ه و سألته عن نسبه فأنهاها إلى الإمام الحسن السبط عليه السّلام و أفاد فوائد نافعة عن اليمن و أهل البيت فيها.

و لما وجدته جامعا لخصال الفضل استجزته و زادني إعجابا به اهتمامه بالقراءات فقد كتب بخطه عدة مصاحف يميّز بها قراءة عاصم و قراءة نافع التي يقرأ هو بها بلون الحمرة.

و قد أوقف إحدى هذه المصاحف- أو الختمة حسب التعبير اليمني- التي كتبها في 1397 ه و سماها بمصحف المؤمنين على جامع صنعاء معتمدا من سورة مريم إلى آخر القرآن على نسخة فريدة بالجامع الأبهر في صنعاء و طبعته مكتبة الخير تصويرا على نفس الخط و المقاس (1+ 18+ 23) إنشا في 601 صفحة و مع الأسف خفيت الألوان في الطباعة.

و نسخة الجامع الأبهر- كما حدّثني شيخنا- كانت قديمة و لم يذكر فيها اسم الناسخ و لا تاريخ الكتابة و لكنها تمتاز بخصلة فريدة هي أن الحرف الأول من السطر الأول من أعلى

ص: 366

كل صفحة منها يطابق الحرف الأول من السطر الأخير من أسفل الصفحة و هكذا باقي السطور حتى منتصف الصفحة. و أن المفردات المتكررة ملونة بلون خاص.

و قد تفضل- دام فضله- و أرسل إليّ مشكورا بنسخته الفريدة فقررت أن أزور اليمن لمطابقتها مع الأصل. و مع الأسف لم أجد الأصل في الجامع الأبهر.

كتب دام فضله خمس ختمات للقرآن الكريم الشريف بألوان متعددة ليميز بها القراءات المختلفة و إن كان يعتمد قراءة نافع و رواية قالون و يرى أنها أصح القراءات و بها يقرأ، و لما سألته عن السبب قال: أن قراءة نافع أصح القراءات لأنها مدنية. و عن سبب اختيار رواية قالون قال: إنها سيرة مشايخه. و تفضل علي بنسخته الخاصة المصححة و أعتبرها أحسن هدية منه حفظه اللّه.

و يروي قراءة عاصم و نافع:

1- عن حسين بن مبارك الغيثي (شيخ مشايخ القراءات السبع في صنعاء اليمن).

2- عن أحمد بن ناصر الخولاني.

3- عن علي بن أحمد السلامي (و) الخطيب محمد حسن دلال كلاهما.

4- عن علي بن أحمد الشرفي.

5- عن شيخه العماد يحيى بن هادي الشرفي.

6- عن شيخه ياقوت بن أحمد الماس المهدي.

7- عن شيخه هادي بن حسين القادني.

8- عن شيخه العلامة علي بن عثمان العجمي الاستنبولي.

9- عن شيخه سلطان محمود أبو محمد الحاج عبد اللّه بن محمد يوسف.

10- عن أبيه محمد بن يوسف.

11- عن أبيه يوسف.

12- عن شيخه محمد المقرئ.

13- عن شيخه الشيخ محمد المصري المدفون بخارجة المدرسة التي بناها الوزير بن محمد باشا ببقعة أبي أيوب الأنصاري.

14- عن شيخه الشريف ناصر الدين عبد اللّه بن محمد بن سالم الطبلاوي.

ص: 367

15- عن شيخه شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري شارح الجزرية.

16- عن شيخه أبي العباس أحمد بن بكر القلقيلي (و) أبي نعيم بن محمد بن الزين (و) طاهر بن محمد بن علي النويري. شيخ القراء بالديار المصرية. و هؤلاء على الإمام المقرئ محمد بن محمد بن محمد بن علي الجزري الشافعي.

17- عن شيخه أبي محمد عبد الرحمن بن أحمد.

18- عن شيخه الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الخالق الشهير بالصباح.

19- عن شيخه أبي الحسن علي بن شجاع بن سالم.

20- عن شيخه الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي الأندلسي.

21- عن شيخه أبي الفتح عبد اللّه بن محمد بن يوسف القرطبي.

22- عن شيخه شيخ القراء أبي القاسم بن فيروز بن خلف الرعيني الشاطبي.

23- عن شيخه أبي عبد اللّه محمد بن علي بن أبي العاص.

24- عن شيخه أبي عبد اللّه محمد بن الحسن بن محمد القرشي.

25- عن علي بن عبد اللّه الأنصاري.

26- عن أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان الداني، و هو يروي رواية قالون عيسى بن مينا المدني الرقي.

27- عن شيخه أبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى بن عمران المقري الضرير.

28- قال قرأت بها على أبي الحسن عبد الباقي بن الحسن المقري.

29- قال قرأت بها على إبراهيم بن عمر المقري.

30- قال قرأت بها على أبي الحسين أحمد بن عثمان بن جعفر بن يونان المقري.

31- و قال قرأت بها على أبي بكر أحمد بن محمد بن الأشعث.

32- و قال قرأت بها على أبي نشيط محمد بن هارون المغربي.

33- و قال قرأت على قالون.

34- و قال قرأت على نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم.

35- و هو عن أبي جعفر بن يزيد القعقاع (و) أبي داود عبد الرحمن بن هرمز

ص: 368

الأعرج (و) شيبة بن نضاح القاضي (و) أبي عبد اللّه مسلم بن جندب الهذلي (و) أبي يزيد بن رومان.

36- عن أبي هريرة (و) ابن عباس (و) عبد اللّه بن عباس و ابن أبي ربيعة.

37- عن أبيّ بن كعب.

38- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أما رواية حفص بن سليمان المغيرة الأسدي فيرويها عن:

1- فقال أبو عمرو الداني. قال: قرأت بها:

2- على أبي الحسن شيخنا [- طاهر بن غلبون المقري (1).

3- و قال قرأت على الهاشمي [- بن محمد بن صالح الهاشمي المقرئ بالبصرة] (2).

4- و قال قرأت على الاشناني [- أبو عباس أحمد بن سهل .

5- عن عبيد [- أبي محمد عبيد بن الصباح .

6- عن حفص.

7- عن عاصم بن أبي النجود و هو.

8- عن عبد الرحمن بن حبيب السلمي (و) أبي مريم زر بن حبيش أخذ عن عبد الرحمن.

9- عن علي عليه السّلام (و) عثمان بن عفان (و) أبيّ بن كعب (و) زيد بن ثابت (و) عبد اللّه بن مسعود.

10- عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ليكن دام فضله ختام المسك لأنه الوحيد بين مشايخي الذي جمع بين روايتي عاصم

ص: 369


1- الزيادات بين المعقوفتين مقتبسة من كتاب التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (ت 444 ه) ط استانبول 1930 م، ص 14 و 15.
2- في التيسير: «قرأت بها على الهاشمي» و نص كلامه كالتالي: «قرأت القرآن كله على شيخنا أبي الحسن و قال لي: بها قرأت بها على الهاشمي، و قال: قرأت على الاستاني عن عبيد عن حفص عن عاصم» ص 15.

و نافع و قد كتب المصحف خمس ختمات و أهداني مها نسخة مصححة بقلمه الشريف و احتفظ بسلسلة الرواية للقراءتين إلى النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم و اجعله لنا إماما و نورا و هدى و رحمة. اللهم ألزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني و اجعلني أتلوه على النحو الذي يرضيك عني. اللهم نور بكتابك بصري و اشرح به صدري و فرّح به قلبي و أطلق به لساني و استعمل به بدني.

قاله بقلمه و رقّمه بقلمه الفقير إلى رحمة ربه محمد حسين بن محسن بن علي الحسيني نسبا و الجلالي لقبا و الحائري مولدا و النجفي مسكنا و مدفنا إن شاء اللّه.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.

ص: 370

مصطلحات

مصطلحات(1)

1- الابنان: عبد اللّه بن كثير (ت 120 ه) من السبعة، و عبد اللّه بن عامر (ت 118 ه) من القراء السبعة.

2- الاختلاس: النطق بأكثر من نصف الحركة دون تمامها.

3- الاختيار: ما يختاره المقرئ أو القارئ مستندا إلى وجه من الوجوه عن اجتهاد.

4- الأخوان: حمزة بن حبيب الزيات (ت 154 ه) من السبعة، و علي بن حمزة الكسائي (ت 189 ه) من السبعة.

5- الإدغام الكبير: دمج حرفين في حرف واحد مشددا سواء كانا مثلين أو جنسين أو متقاربين.

6- الإدغام الصغير: إدغام حرفين الأول منهما ساكن و الثاني متحرك سواء كان الحرفان في كلمتين نحو (فقد ظلم) أو كلمة واحدة نحو (فنبذتها) و سمي صغيرا لقلته.

7- الإشباع: وصل الضمة بالواو.

8- الإشمام: النطق بأول الفعل بحركة مكونة من حركتين هما الضم و الكسر، يبدأ بالضمة ثم بالكسرة نحو (قيل) و (غيض) [هود- 44].

9- الأصول: القواعد العامة التي التزم بها القراء الأربعة عشر على خلاف بينهم.

10- الإمالة- الكبرى- الاضطجاع: ألفاظ متقاربة بمعنى التلفظ بالألف قريبا من الياء أو الفتحة قريبا من الكسرة نحو (للّه الواحد القهار) [سورة إبراهيم- آية 28].

11- بصري: ما عليه ميمون الجحدري البصري (ت 130 ح ه).

12- البصريان: أبو عمرو زبان بن العلاء البصري (ت 154 ه) من القراء السبعة، و يعقوب بن إسحاق بن زيد البصري (ت 205 ه) من العشرة.

ص: 371


1- المصطلحات الراجعة إلى القراء ذكرها بتفصيل طاهر بن غلبون (ت 399 ه) في أول كتابه التذكرة 1/ 43 فراجع

13- التجويد: النطق بالحروف و الكلمات صحيحة.

14- التحقيق: النطق بالحرف كاملا و يقابله التسهيل.

15- الترتيل: القراءة بتتابع من دون وقف ضروري.

16- التفخيم: هو تغليظ الحرف المنطوق و يقابله الترقيق نحو اللام في (اللّه).

17- الحدر: السرعة في القراءة من دون إخلال.

18- الحرق: القراءة.

19- حرمي: ما اتفق عليه المكي و المدني.

20- الحرميان: نافع بن عبد الرحمن المدني (ت 169 ه) من السبعة، و عبد اللّه بن كثير المكي (ت 120 ه) من السبعة.

21- الرسم: خط المصحف الإمام أو المصاحف العثمانية.

22- الرواية: كل ما اختاره أحد الرواة من الأربعة عشر قارئا، فإن لكل منهم روايات كرواية ورش عن نافع و رواية حفص عن عاصم و هكذا.

23- الروم: النطق بنصف الحركة دون تمامها بتولد صوت خفي.

24- السكت: قطع الصوت من دون تنفس و إلا فيكون قطعا.

25- شامي: ما عليه عبد اللّه بن عامر (ت 118 ه) من السبعة.

26- الطريق: كل ما اختاره التالي للراوي عن القارئ من القراء الأربعة عشر فإن لكل منهما طريق كطريق الأصبهاني عن ورش عن نافع.

27- عراقي: ما اتفق عليه البصري و الكوفي.

28- علي: هو علي بن حمزة الكسائي (ت 189 ه) من السبعة.

29- الفاصلة: نهاية الآية بمثابة السجع في النثر و القافية في الشعر.

30- الفرش: كل كلمة في القرآن اختلف القراء في لفظها.

31- القارئ: من يقرأ القراءات على غيره و لم يقرئ الآخرين فيقتصر على قراءات خاصة.

32- علم القراءة: علم لأصول أداء الكلمات القرآنية على وجه صحيح يعصم من الخطأ نطقا.

ص: 372

33- القراءة: كل ما اختاره أحد الأربعة عشر قارئا كقراءة عاصم و قراءة نافع و هكذا.

34- القراءة الصحيحة: ما صح سنده و وافق العربية و لو بوجه و وافق إحدى المصاحف العثمانية و لو احتمالا.

35- القراءة الشاذة: ما عدا السبعة أو العشرة أو الأربعة عشر على خلاف.

36- القصر: التلفظ بالحركة كاملا بدون إشباع.

37- القطع: قطع الصوت مع التنفس معرضا عن القراءة زمنا ما.

38- كوفي: ما عليه قراءة الكوفة و هم: عبد الرحمن بن حبيب السلمي (ت 74 ه)، و عاصم بن أبي النجود (ت 128 ه) من السبعة، و حمزة بن حبيب الزيات (ت 154 ه) من السبعة، علي بن حمزة الكسائي (ت 189 ه) من السبعة.

39- الكوفيون: عاصم بن أبي النجود الأسدي (ت 128 ه) من السبعة، حمزة بن حبيب الزيات (ت 154 ه) من السبعة، علي بن حمزة الكسائي (ت 189 ه) من السبعة.

40- المد: إطالة الصوت في حروف المد و اللين على أربع حركات أو ثلاث على خلاف.

41- مدني: ما عليه قراء المدينة المنورة أشهرهم: نافع بن عبد الرحمن (ت 169 ه) من السبعة، و يزيد بن القعقاع (ت 130 ه) من العشرة، و شيبة بن نصاح، و إسماعيل بن أبي و يس بن مالك بن أنس (ت 227 ه).

42- مكي: ما عليه قراءة مكة المكرمة أشهرهم: عبد اللّه بن كثير (ت 120 ه) من السبعة.

43- المقرئ: من يقرئ عنده القراءات التي تلقاها سماعا عن شيوخه و لا بد من علمه بالقراءات المشهورة.

44- النحويان: علي بن حمزة الكسائي (ت 189 ه) من السبعة، و أبو عمرو زبان بن العلاء البصري (ت 154 ه) من السبعة.

45- النقل: نقل حركة الهمزة إلى الحرف الأسبق إذا كان ساكنا و صحيحا كقول «ردءا».

46- هاء الكناية: ضمير المفرد المذكر و يعبر عنها بالهاء الزائدة لتخرج ما هو من

ص: 373

أصل الكلمة كما في «تفقه». فإذا وقعت هاء الكناية بين محركتين وجب صلتها بياء في اللفظ نحو: (تساءلون به و الأرحام) أو بياء في اللفظ نحو: (له ملك السموات و الأرض) و في غيرها خلاف.

47- الوجه: كل ما اختاره القراء دون الطرق ممن هو في الطبقة الرابعة و ما بعد كاختيار الطبري و ابن الجزري و هكذا.

48- الوقف: قطع الصوت من دون استئناف للقراءة و لا تكون في وسط الكلمة.

49- الوقف التام: ما لا يتعلق بما بعده كأغلب نهاية الآيات.

50- الوقف الكافي: ما يتعلق بما بعده معنى نحو: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء: 23].

51- الوقف الحسن: ما يتعلق بما بعده لفظا و معنى نحو: رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 2، 3].

52- الوقف القبيح: ما يخل بالمعنى كالوقف على الموصوف دون الصفة.

53- ياء الإضافة: الياء الدالة على المتكلم: نحو (أني) و (لي) و (عهدي) فهذه الياءات ثابتة في المصحف في آخر الكلمة و في فتحها نطقا أو سكونها خلاف.

54- ياء الزائدة: الياء في آخر الكلمة من الاسم كالمنادى نحو: يا قَوْمِ [الأعراف:

93]. أو الفعل نحو (يتقي) و هذه ليست ثابتة في المصحف و في إتيانها نطقا أو حذفها خلاف.

ص: 374

جدول مشاهير القراء القراء و رواياتهم حسب شهرتهم كلمة (ابن) أو (أبو) تهملان في الترتيب

1- ابن أبان: الوليد هشام بن عمار بن النصير السلمي الدمشقي. قرأ على ابن عامر (ت 245 ه).

2- أحمد بن فرج: قارئ اليزيدي (ت 303 ه).

3- إدريس: أبو الحسن بن عبد الكريم الحداد البغدادي قارئ خلف (ت 292 ه).

4- الأعمش: أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكوفي من الأربعة عشر (ت 148 ه).

5- البزي: أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد اللّه المخزومي المكي. قرأ على ابن كثير (ت 205 ه).

6- أبو بكر: شعبة بن عياش بن سالم الأسدي. قرأ على عاصم (ت 193 ه).

7- أبو جعفر: يزيد بن القعقاع المخزومي المدني من العشرة (ت 130 ه).

8- ابن جماز: الربيع بن سليمان بن مسلم الزهري المدني. قارئ أبي جعفر (ت 170 ه).

9- الحسن البصري: أبو سعيد بن أبي الحسن الأنصاري البصري. من الأربعة عشر (ت 110 ه).

10- حفص: أبو عمرو حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز. قارئ عاصم (ت 280 ه).

11- حمزة: حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات من السبعة. قارئ الكوفة (ت 154 ه).

12- خلف: أبو محمد بن هشام البزاز الكوفي. قارئ حمزة و من العشرة (ت 239 ه).

ص: 375

13- خلّاد: أبو عيسى خلّاد الصيرفي الكوفي. قارئ حمزة (ت 220 ه).

14- الدوري: أبو عمر حفص بن عمر بن صهبان البغدادي. قرأ على أبي عمرو و الكسائي و الحسن البصري (ت 246 ه).

15- ابن ذكوان: أبو عمرو عبد اللّه بن أحمد بن بشير القرشي الدمشقي. قرأ على ابن عامر (ت 242 ه).

16- روح: أبو الحسن بن عبد المؤمن بن عبدة الهذلي البصري. قارئ يعقوب (ت 235 ه).

17- رويس: أبو عبد اللّه بن المتوكل اللؤلؤي البصري. قارئ يعقوب (ت 238 ه).

18- سليمان بن الحكم: أبو أيوب الخياط صاحب البصري البغدادي. قارئ اليزيدي (ت 235 ه).

19- السوسي: أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد اللّه الأهوازي. قرأ على أبي عمر (ت 261 ه).

20- ابن شنبوذ: أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب البغدادي. قارئ ابن محيصن (ت 328 ه).

21- الشتوذي الشطوي: أبو الفرج محمد بن أحمد بن إبراهيم. قارئ الأعمش (ت 388 ه).

22- عاصم: عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي من السبعة. قارئ الكوفة (ت 128 ه).

23- ابن عامر: عبد اللّه بن عامر بن يزيد اليحصبي من السبعة. قارئ الشام (ت 118 ه).

24- أبو عمرو: زبان بن العلاء بن عمار المازني من السبعة. قارئ البصرة (ت 154 ه).

25- قالون: عيسى بن مينا الزرقي المدني. قرأ على نافع (ت 205 ه).

26- قنبل: أبو عمر محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخزومي المكي (ت 291 ه). قرأ على ابن كثير.

ص: 376

27- ابن كثير: عبد اللّه بن كثير بن عمرو الداري من السبعة. قارئ مكة (ت 120 ه).

28- الكسائي: علي بن حمزة بن عبد اللّه من السبعة. قارئ الكوفة (ت 189 ه).

29- الليث: أبو الحارث الليث بن خالد المروزي. قارئ الكسائي (ت 240 ه).

30- ابن مجاهد: أحمد بن موسى بن العباس التميمي البغدادي مسبع السبعة (ت 324 ه).

31- ابن محيصن: أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرحمن بن محيصن المكي من الأربعة عشر (ت 123 ه).

32- المروزي: إسحاق بن إبراهيم بن عثمان الوراق البغدادي. قارئ خلف (ت 286 ه).

33- المطوعي: أبو العباس الحسن بن سعيد. قارئ الأعمش (ت 371 ه).

34- نافع: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الأصبهاني من السبعة. قارئ المدينة (ت 169 ه).

35- أبو نعيم البلخي: شجاع بن أبي نصر البلخي. قارئ الحسن البصري (ت 190 ه).

36- ورش: أبو سعيد عثمان بن سعيد القبطي. قرأ على نافع (ت 197 ه).

37- ابن وردان: عيسى بن وردان الحذاء المدني. قرأ على أبي جعفر (ت 260 ح ه).

38- اليزيدي: أبو محمد يحيى بن المبارك العدوي البصري من الأربعة عشر (ت 202 ه).

39- يعقوب: أبو محمد بن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري من العشرة (ت 205 ه).

ص: 377

أهم مصادر الدراسة

1- آلاء الرحمن في تفسير القرآن، محمد جواد البلاغي (ت 1352 ه) ط صيدا 1355 ه.

2- الآيات البينات في حكم جميع القراءات، أبو بكر بن محمد بن علي بن خلف الحسيني، طبعة مصر سنة 1344 ه.

3- أسباب النزول، لأبي الحسن علي الواحدي النيسابوري (ت 468 ه)، طبعة بيروت «افست» سنة 1316 ه.

4- أسد الغابة في معرفة الصحابة، علي بن أحمد بن الأثير (ت 630 ه)، بيروت سنة 1970 م.

5- الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية، محمد محمد محمد سالم محيسن، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة سنة 1394 ه/ 1974 م.

6- الإصابة في أحوال الصحابة، أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، طبعة مصر، سنة 1358 ه/ 1939 م.

7- أصل الخط العربي و تطوره حتى نهاية العصر الأموي، تأليف سهيلة ياسين الجبوري، مطبعة الأديب، بغداد 1977 م.

8- الاعتقادات (رسالة) لأبي جعفر محمد بن الحسن الشيخ الصدوق (ت 381 ه)، في نصوص الدراسة، طبعة بيروت 1408 ه/ 1988 م.

9- اعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي (ت 1356 ه) الطبعة الثانية، القاهرة سنة 1345 ه/ 1926 م.

10- إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري (ت 616 ه)، طبعة بيروت، عالم الكتب، سنة 1996 م.

11- إعراب القرآن، أحمد بن محمد النحاس (ت 338 ه)، بغداد سنة 1397 ه/ 1977 م.

12- اقدم المخطوطات العربية في العالم، كور كيس عواد، بغداد سنة 1982 م.

ص: 378

13- أنوار التنزيل و أسرار التأويل، عبد اللّه بن عمر البيضاوي (ت 685 ه)، طبعة بولاق سنة 1263 ه.

14- ايقاظ الأعلام لوجوب اتباع مصحف الإمام، الشيخ محمد حبيب اللّه بن عبد اللّه الشنقيطي (ت 1363 ه)، حمص سنة 1392 ه.

15- ارشاد الجليل في رد مفتريات المسمى بخليل، محمد بن سعودي الأزهري، مطبعة المعاهد، مصر سنة 1345 ه.

16- ارشاد الساري شرح صحيح البخاري، أحمد بن محمد القسطلاني (ت 923 ه)، مصر 1305 ه.

17- ارشاد المريد إلى مقصود القصيد «شرح الشاطبية»، علي محمد الضباع (ت 1380 ه)، مكتبة تاج، طنطا (دت).

18- ابراز المعاني من حرز الأماني، عبد الرحمن بن شامة الدمشقي (ت 665 ه)، مطبعة الباب الحلبي (د ت).

19- اتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر- «منتهى الأماني»، أحمد بن محمد البناء (ت 1117 ه)، تحقيق د. شعبان إسماعيل، بيروت سنة 1407 ه.

20- اتحاف البررة بالمتون العشرة، جمع علي محمد الضّباع (ت 1380 ه)، مطبعة القاهرة سنة 1354 ه.

21- الاتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه)، طبعة القاهرة 1370 ه/ 1951 م.

22- أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر، محمود الحصري (ت 1401 ه)، مطبعة الشعب، القاهرة (دت).

23- أحسن البيان في جواز ترجمة القرآن، عبد الرحمن الجزيري (ت 1360 ه)، مطبعة الإرشاد، القاهرة (د ت).

24- أجوبة مسائل جار اللّه، عبد الحسين شرف الدين (ت 1377 ه)، الطبعة الثانية، مطبعة العرفان، صيدا سنة 1373 ه/ 1953 م.

25- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر النميري (ت 463 ه) ط.

حيدرآباد 1336 ه.

ص: 379

26- البحث و الاستقراء في تراجم القراء، محمد الصادق قمحاوي، القاهرة، سنة 1401 ه.

27- بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي (ت 1111 ه) طبعة طهران، سنة 1376 ه 1392 ه.

28- البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة، من طريق الشاطبية، عبد الفتاح القاضي، القاهرة 1397 ه/ 1977 م.

29- البرهان على عدم تحريف القرآن، ميرزا مهدي البروجردي، طبعة المصطفوي- طهران سنة 1375 ه 30- البرهان في علوم القرآن (1- 4) محمد بن عبد اللّه الزركشي (ت 797 ه) طبعة الباب الحلبي، القاهرة سنة 1391 ه.

31- البيان في تفسير القرآن، أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ه) بيروت سنة 1394 ه/ 1974 م.

32- البيان المفيد في رسم خط القرآن المجيد، أحمد عزة البغدادي (ت 1352 ه) تحقيق عبد الرحيم محمد علي، النجف سنة 1395 ه.

33- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، السيد حسن الصدر (ت 1354 ه)، طبعة شركة النشر، بغداد (د ت).

34- تاريخ القرآن و غرائب رسمه و حكمه، محمد طاهر الكردي المكي، الطبعة الثانية، مصر سنة 1372 ه/ 1953 م.

35- تاريخ بغداد، أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 ه)، دار الفكر، بيروت (د ت).

36- تاريخ القراء العشرة و رواتهم، عبد الفتاح القاضي، مطبعة المشهد الحسيني، القاهرة، سنة 1970 م.

37- تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح (ت 284 ه)، دار صادر، بيروت سنة 1379 ه.

38- تاريخ القرآن، أبو عبد اللّه الزنجاني (ت 1360 ه)، طبعة الأعلمي، بيروت سنة 1388 ه.

ص: 380

39- التبصير في الدين، شهفور بن طاهر الأسفراييني (ت 471 ه) طبعة القاهرة 1359 ه/ 1940 م.

40- التبصرة في القراءات، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت 437 ه) تحقيق محيي الدين رمضان، الكويت سنة 1405 ه/ 1985 م.

41- التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) تحقيق أحمد حبيب قصير، النجف سنة 1376 ه.

42- تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه) دار الوعي حلب، سنة 1392 ه.

43- التجديد في الاتقان و التجويد، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) تحقيق د. غانم قدوري حمد، بغداد سنة 1407 ه/ 1988 م.

44- التحفة الاثنى عشرية، شاه عبد العزيز الدهلوي (ت 1239 ه) تهذيب محمود الآلوسي، استانبول سنة 1981 م.

45- تخريج الدلالات السمعية، علي بن محمد الخزاعي التلمساني (ت 789 ه) القاهرة سنة 1401 ه/ 1980 م.

46- تذكرة الإخوان، علي محمد الضباع (ت 1380 ه) القاهرة سنة 1948 م.

47- ترجمة القرآن و ما فيها من المفاسد، محمد رشيد رضا (ت 1354 ه) مصر سنة 1344 ه/ 1926 م.

48- ترجمة القرآن، بلا شير، (بالفرنسية) SiraP خ naroQ aL. SigER، rEhcalB

. 1957

49- التعريف في اختلاف الرواة عن نافع، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) تحقيق د. التهامي الراجي الهاشمي، سنة 1403 ه/ 1982 م.

50- تصوير و تجميل الكتب العربية، محمد عبد الجواب الأصمعي، دار المعارف، القاهرة، سنة 1971 م.

51- تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، طبعة دار المعرفة، بيروت، سنة 1395 ه/ 1975 م.

ص: 381

52- تقريب النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه)، القاهرة، سنة 1381 ه/ 1961 م.

53- تقريب النفع في القراءات السبع، علي محمد الضباع (ت 1380 ه)، مطبعة الباب الحلبي، سنة 1347 ه.

54- التيسير في القراءات السبع، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) استانبول، سنة 1930 م.

55- تنوير الاذهان في الرد على مدعي تحريف القرآن، الشيخ محمد زكي الدين سند، ألفه سنة 1309 ه، طبع سنة 1310 ه.

56- التنزيل و التحريف، أبو عبد اللّه السياري (ت ح 260 ه) نسخة بخط محمد بن طاهر السماوي، سنة 1346 ه.

57- الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد القرطبي (ت 668 ه)، دار الفكر، بيروت، سنة 1414 ه/ 1993 م.

58- الجامع الصحيح «صحيح مسلم»، مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه)، المكتب التجاري، بيروت (د ت).

59- الجمع الصوتي الأول للقرآن «المصحف المرتل بواعثه و مخططاته»، لبيب السعيد، القاهرة، سنة 1387 ه/ 1967 م.

60- جمع القرآن و تدوينه، الشيخ علي الخفيف، مطبعة الأزهر، سنة 1387 ه/ 1967 م.

61- جوهرة البيان في تحريف بعض آي القرآن، جواد محفوظ (ت 1356 ه) نسخة بخطه سنة 1328 ه.

62- الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف، يوسف أحمد نصر الدجوي (ت 1365 ه)، مطبعة النهضة، القاهرة سنة 1331 ه.

63- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266 ه) دار الكتب الإسلامية، النجف، سنة 1380 ه.

64- حجة القراءات، أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة (ت ح 382 ه) تحقيق سعيد الأفغاني، بن غازي، سنة 1394 ه.

ص: 382

65- الحجة في القراءات السبع، عبد اللّه بن الحسين بن خالويه (ت 370 ه) تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، دار الشروق، سنة 1971 م.

66- الحجة للقراء السبعة، أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي (ت 377 ه) دار المأمون، دمشق سنة 1984 م.

67- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني (ت 1186 ه) دار الكتب الإسلامية، النجف 1377 ه.

68- حرز الأماني و وجه التهاني، قاسم بن فيروز الرعيني الشاطبي (ت 590 ه) طبعة القاهرة سنة 1375 ه/ 1955 م.

69- خلاصة تهذيب الكمال، أحمد بن عبد اللّه الخزرجي (ت ح 923 ه) مصر 1323 ه.

70- دراسة في تطور الكتابات الكوفية على الأحجار في مصر في القرون الخمسة الأول للهجرة، تأليف د. إبراهيم جمعة، دار الفكر العربي، القاهرة سنة 1387 ه/ 1967 م.

71- در الناظم في رواية حفص عن عاصم، عثمان بن عمر الناشري (ت 848 ه) الطبعة الأولى، المدرسة الحرة، سنة 1418 ه/ 1998 م.

72- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي (ت 911 ه) بيروت (دت).

73- الدقائق المحكمة في شرح المقدمة «الجزرية»، أبو يحيى زكريا الأنصاري (ت 926 ه)، تحقيق عبد اللّه عمر البارودي دار الجنان، بيروت سنة 1411 ه.

74- دليل الحيران، إبراهيم بن أحمد المارغني التونسي (ت ح 1325 ه) شرح مورد الظمآن في الرسم للخراز، بيروت 1415 ه/ 1995 م.

75- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، محمد محسن الطهراني (ت 1389 ه) النجف سنة 1355 ه.

76- راهنماي كنجينة قرآن، أحمد كلجين معاني، إيران سنة 1347 ه.

77- رحلة ابن جبير، محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي (ت 614 ه) القاهرة، سنة 1992 م.

ص: 383

78- السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ت 324 ه) تحقيق د. شوقي ضيف، دار المعارف، مصر، سنة 1972 م.

79- السبيل الميسر في قراءة الإمام أبي جعفر، محمود الحصري (ت 1401 ه) مطبعة الشمرني، القاهرة، سنة 1964 م.

80- سراج القارئ المبتدي شرح حرز الأماني- مع الأصل- لعلي بن عثمان بن القاصح العذري (ت 801 ه) طبعة دار الفكر، بيروت، و طبعة القاهرة سنة 1275 ه/ 1955 م.

81- السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام الحميري (ت 213 ه) تحقيق مصطفى السقا و آخرون، الطبعة الثانية (د ت).

82- شرح متن الدرة في القراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر، للحافظ محمد بن محمد بن الجزري الشافعي، تأليف عثمان بن عمر بن أبي بكر الناشري (ت 848 ه) تحقيق عبد الرزاق علي إبراهيم موسى، صيدا المكتبة العصرية، سنة 1989 م.

83- شرح رسالة قالون، علي محمد الضباع (ت 1380 ه) مطبعة صبيح و أولاده (د ت).

84- شرح السمنودي على متن الدرة المتممة للقراءات العشر، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه) تحقيق علي محمد الضباع، مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة.

85- شرح الشاطبية طيبة النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن محمد الجزري (ت 833 ه) تحقيق علي محمد الضباع، مطبعة الباب الحلبي، القاهرة، سنة 1369 ه.

86- شرح شعلة على الشاطبية- كنز المعاني شرح حرز الأماني، محمد بن أحمد الموصلي (ت 656 ه) الطبعة الأولى، القاهرة، سنة 1374 ه/ 1955 م.

87- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه) النسخة السلطانية، طبعة استانبول، سنة 1313 ه.

88- صحيح مسلم- الجامع الصحيح.

89- الصحيفة السجادية، ادعية الإمام زين العابدين علي (ت 95 ه) طبعة سنة 1988 م.

ص: 384

90- الصراط المستقيم، علي بن يونس البياضي (ت 877 ه) مطبعة الحيدري، طهران، سنة 1384 ه.

91- صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص، علي محمد الضباع (ت 1380 ه) مطبعة الباب الحلبي، سنة 1346 ه.

92- طبقات أعلام الشيعة، محمد محسن الطهراني (ت 1389 ه) النجف سنة 1373 ه.

93- طلائع البشر في توجيه القراءات العشر، تأليف محمد الصادق قمحاوي، سنة 1978 م.

94- طيبة النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه) تحقيق محمد تميم الزعبي، سنة 1414 ه/ 1994 م.

95- العقد المنظم في أنواع الوحي المعظم، علوي بن عباس العلوي المالكي (ت 1391 ه) الطبعة الثانية، مطبعة المدني سنة 1389 ه/ 1969 م.

96- علل الوقوف، للإمام أبي عبد اللّه محمد بن طيفور السجاوندي (ت 560 ه) طبعة الرياض، سنة 1415 ه.

97- عنوان البيان في علوم التبيان، محمد حسنين مخلوف (ت 1355 ه) مطبعة المعاهد، مصر، سنة 1344 ه.

98- غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار، الحسن بن أحمد العطار الهمداني (ت 569 ه) تحقيق أشرف فؤاد طلعت، جدة، سنة 1994 م.

99- غاية النهاية في طبقات القراء، محمد بن الجزري (ت 833 ه) عنى بنشره براجستر، مصر 1351 ه.

100- غيث النفع في القراءات السبع، علي النوري الصفاقسي، مطبعة الباب الحلبي، القاهرة، سنة 1375 ه/ 1955 م.

101- فصل الخطاب في تحريف الكتاب، الشيخ ميرزا حسين النوري (ت 1320 ه) طبعة حجرية، 1298 ه.

102- الفصل في الملل و النحل، علي بن أحمد بن حزم (ت 456 ه) طبعة بيروت، سنة 1395 ه/ 1975.

ص: 385

103- فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 ه) تقديم أحمد الشرقاوي، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، سنة 1965 م.

104- فهرس كتب الخزانة المتوكلية بجامع صنعاء- عدني، المنارة الشرقية. صدر بالأمر الإمامي المتوكلي اليحيوي، طبعة صنعاء 1964.

105- الفهرست، محمد بن إسحاق بن النديم الوراق (ت 380 ه) تحقيق رضا تجدد، طهران، سنة 1391 ه/ 1971 م.

106- فهرست كتاب خانه سلطنتي (قرآن) بدري اتاباي، طهران، 1352 ه/ 1973 م.

107- الفوائد المرتبة على الفوائد المهذبة في بيان حفص، علي محمد الضّباع (ت 1380 ه) مطبعة الباب الحلبي، سنة 1347 ه.

108- القرآن الكريم، الطبعات التالية:

1337 ه طبعة مصر، مشيخة المقارئ المصرية، افست عليها 1371 ه و 1394 ه و ما بعدها.

1395 ه طبعة إيران، بخط أحمد خالقي زنجاني، انتشارات علمية إسلامية.

1408 ه طبعة الهند، بخط الشيخ محمد يوسف القاسمي العظيم آبادي، دلهي- الهند.

1413 ه طبعة السعودية، بخط عثمان طه، وزارة الحج و الأوقاف، المدينة المنورة.

1410 ه طبعة السودان، رواية الدوري عن أبي عمرو، المركز الإسلامي، الخرطوم.

1410 ه طبعة المدرسة الحرة، شيكاغو.

(دت) طبعة نيجيريا، الناشر الحاج حسن انودن ماكنو.

(دت) طبعة تونس، على رواية ورش، الناشر التيجاني المحمدي، مطبعة المنار، تونس.

(دت) طبعة باكستان، تاج كمباني لميتد كراجي، لاهور، باهتمام عناية اللّه منجنك.

ص: 386

(دت) طبعة اليمن، برواية الإمام قالون بالرسم العثماني، مكتبة اليمن الكبرى، صنعاء.

109- قراءة أبي عمرو البصري (ت 246 ه) تأليف عبد الكريم الطبري (ت 478 ه) بخط موسى بن يوسف المعروف بابن البائس (ت 604 ه) سنة 575 ه مخطوط- الجامع الكبير- صنعاء.

110- القراءات الشاذة و توجيهها، عبد الفتاح القاضي، طبعة الباب الحلبي، القاهرة.

111- كشف الارتياب عن تحريف كتاب رب الأرباب، للشيخ محمود المعرب الطهراني، ألفه سنة 1302 ه في رد كتاب فصل الخطاب، مكتبة المؤلف مخطوط.

112- كشاف اصطلاحات الفنون، محمد علي التهانوي (ت ح 1158 ه) بيروت سنة 1418 ه/ 1998 م.

113- الكافي، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت 329 ه) طهران، سنة 1381 ه.

114- الكامل في التاريخ، محمد بن الأثير (ت 630 ه) تحقيق عبد اللّه القاضي، بيروت، سنة 1407 ه/ 1987 م.

115- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي (ت 771 ه) بيروت، سنة 1389 ه.

116- لسان الميزان، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) طبعة الأعلمي، بيروت، سنة 1390 ه/ 1971 م.

117- لطائف الإشارات لفنون القراءات، شهاب الدين العسقلاني (ت 923 ه) تحقيق الشيخ عامر السيد عثمان ود. شاهين، القاهرة، سنة 1392.

118- مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي (ت ح 502 ه) صيدا، سنة 1333 ه.

119- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت 329 ه) (1- 2) تحقيق علي الحيدري ناصيف و آخرون، القاهرة 1386 ه.

ص: 387

120- مختصر بلوغ الأمنية شرح نظم تحرير مسائل الشاطبية، الشيخ علي محمد الضباع، مطبعة الباب الحلبي، القاهرة، سنة 1375 ه/ 1955 م.

121- مخلفات الرسول في المسجد الحسيني في القاهرة، د. سعاد ماهر، القاهرة 1965 م.

122- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم (ت 1391 ه) مطبعة النجف، سنة 1389 ه.

123- مسند أحمد بن حنبل (ت 241 ه) و بهامشه منتخب كنز العمال، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، دت.

124- المصاحف، عبد اللّه بن سليمان السجستاني (ت 316 ه) تحقيق د. آثر جفري، الطبعة الأولى، مصر، سنة 1355 ه/ 1936 م.

125- مصوّر الخط العربي، ناجي زين الدين، بغداد، سنة 1388 ه.

126- المطلوب في الكلمات عن أبي يعقوب، علي محمد الضباع (ت 1380 ه) مطبعة الباب الحلبي، القاهرة، سنة 1349 ه.

127- معجم القراءات القرآنية، إعداد عبد العال سالم المكرم و مختار عمر، الكويت، سنة 1402 ه/ 1982 م.

128- معاني القرآن و إعرابه، إبراهيم بن السري الزجاج (ت ح 311 ه) تحقيق عبد الجليل شلبي، الطبعة الأولى، بيروت، سنة 1972 م.

129- معاني القرآن، أبو الحسن سعيد الأخفش (ت 215 ه) تحقيق د. هدى قراعة، طبعة القاهرة، سنة 1411 ه.

130- عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ- معجم القرآن (1- 4) أحمد بن يوسف السمين، طبعة عالم الكتب، بيروت، 1414 ه/ 1993 م.

131- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، سنة 1955 م.

132- معرفة القرّاء الكبار على الطبقات و الأمصار، شمس الدين بن محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 ه) تحقيق بشار عواد معروف و آخرون، مؤسسة الرسالة (1- 2) سنة 1404 ه/ 1984 م.

ص: 388

133- معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة (ت 1408 ه) دمشق (د ت).

134- مفاتيح الأسرار و مصابيح الأبرار، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 538 ه) طهران، سنة 1409 ه.

135- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة، محمد جواد العاملي (ت ح 1226 ه) مطبعة الشورى، مصر، سنة 1326 ه.

136- مقدمتان في علوم القرآن و هما:

مقدمة كتاب المباني في نظم المعاني، لمؤلف مغربي مجهول (ت ح 420 ه).

مقدمة ابن عطية، عبد الحق بن أبي بكر بن عطية (ت ح 245 ه) تحقيق د. آرثر جفري، مكتبة الخانجي، مصر سنة 1954 م.

137- مقرأ نافع، تأليف موسى بن يوسف المعروف بابن البائس (ت 604 ه) نسخة مؤرخة سنة 575 ه بخط المؤلف ظاهرا، مكتبة الجامع الكبير، صنعاء.

138- المقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف و الابتداء، شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري (ت 926 ه) الطبعة الثانية، القاهرة، سنة 1393 ه.

139- المقنع في معرفة مرسوم المصاحف، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) تحقيق محمد أحمد دهمان، دمشق، سنة 1359 ه/ 1940 م.

140- منار الهدى في بيان الوقف و الابتداء، أحمد بن محمد الأشموني من القرن الحادي عشر، الطبعة الثانية، القاهرة، سنة 1393 ه.

141- مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، دار احياء الكتب العربية، القاهرة، سنة 1943 م.

142- المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم، عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 ه) حيدرآباد- الهند، سنة 1358 ه.

143- منجد المقرئين و مرشد الطالبين، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه) مكتبة القدسي، القاهرة، سنة 1350 ه.

144- المهذب في القراءات العشر، محمد محمد محمد سالم محيسن، القاهرة، سنة 1389 ه/ 1969 م.

ص: 389

145- الموسوعة القرآنية الميسرة، إبراهيم الأبياري، القاهرة، سنة 1394 ه/ 1974 م.

146- الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي (ت 1402 ه) طبعة الأعلمي، بيروت، 1972 م.

147- الناسخ و المنسوخ، لأبي القاسم هبة اللّه بن سلامة (ت 410 ه) بهامش أسباب النزول للواحدي، الطبعة الأولى، سنة 1316 ه افست.

148- نثر المرجان في رسم نظم القرآن، محمد غوث النائطي الأركاني، مطبعة عثمان بريس، حيدآباد الدكن، سنة 1332 ه.

149- النشر في القراءات العشر، محمد بن محمد بن الجزري (ت 833 ه) مطبعة مصطفى محمد، مصر.

150- النقد اللطيف في نفي التحريف، محمد محسن الطهراني (ت 1389 ه) مكتبة صاحب الذريعة- النجف، (مخطوط).

151- التنقيط (مع كتاب المقنع)، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) تحقيق محمد أحمد دهمان، دمشق سنة 1359 ه/ 1940 م.- «النقط و الضبط» نسخة مخطوطة في مكتبة دار الكتب المصرية تحت رقم 491/ 1937.

152- نور القلوب في قراءة الإمام يعقوب، محمود الحصري (ت 1401 ه) دار التحرير، القاهرة، سنة 1386 ه.

153- نور النبراس في التعريف باسانيد و مرويات الجد عباس (ت 1350 ه) بقلم حفيده السيد محمد بن علوي المالكي، دار الفكر، حلب سنة 1416 ه.

154- الهجاء في مرسوم خطوط المصاحف «المقنع»، عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 419/ 1937.

155- هداية المريد إلى رواية أبي سعيد «شرح منظومة محمد المتولي»، تأليف علي محمد الضّباع (ت 1380 ه)، الطبعة الثانية، محمد علي صبيح، القاهرة، دت.

156- النقط و المصاحف، أبو عمر عثمان بن سعيد الداني (ت 444 ه) تحقيق محمد الصادق قمحاوي، القاهرة، سنة 1978 م.

ص: 390

157- هدى البرية في الخلاف بين حفص و دوري من الشاطبية، عبد الرءوف محمد سالم، مطبعة صبيح و أولاده، القاهرة، سنة 1377 ه.

158- الوافي، محمد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091 ه) طبعة حجرية، طهران، سنة 1324 ه.

159- وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه) بيروت، سنة 1377 ه.

160- وفيات الأعيان، أحمد بن محمد بن خلكان (ت 681 ه) تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، سنة 1969 م.

ص: 391

من تواريخ القرآن الكريم

12 قبل الهجرة/ بدء نزول الوحي في رمضان في غار حراء- مكة المكرمة

11 بعد الهجرة/ انقطاع وحي القرآن في المدينة المنورة

11-؟/ مصاحف الصحابة

11- 13؟/ جمع الخليفة الأول رضي اللّه عنه

14- 22؟ جمع الخليفة الثاني رضي اللّه عنه

23 ه/ جمع الخليفة الثالث رضي اللّه عنه- المصحف الإمام

53 ه/ تنقيط المصحف

95 ه/ اعجام المصحف

170 ه/ تشكيل المصحف

218 ه/ تجزئة المصحف

324 ح/ القراءات السبع حددها ابن مجاهد (ت 324 ه)

833 ه/ القراءات العشر حددها ابن الجزري (ت 833 ه)

1082 ه/ القراءات الأربعة عشر حددها ابن البنّاء (ت 1082 ه)

1337 ه/ مصحف مشيخة المقارئ المصرية

1379 ه/ المصحف المرتل رواية حفص عن عاصم الكوفي ترتيل الشيخ محمود الحصري (ت 1401 ه)

ص: 392

المحتویات

الصورة

ص: 393

الصورة

ص: 394

الصورة

ص: 395

الصورة

ص: 396

الصورة

ص: 397

الصورة

ص: 398

الصورة

ص: 399

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.