تسهيل الوصول الي معرفة اسباب النزول‌

اشارة

نام كتاب: تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول
نويسنده: خالد عبد الرحمن العك
موضوع: اسباب نزول
تاريخ وفات مؤلف: معاصر
زبان: عربي
تعداد جلد: 1
ناشر: دارالمعرفة
مكان چاپ: بيروت
سال چاپ: 1424 / 2003
نوبت چاپ: سوم‌

هوية الكتاب

تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النّزول الجامع بين روايات الطّبريّ و النّيسابوريّ و ابن الجوزيّ و القرطبي و ابن كثير و السّيوطيّ تصنيف الشيخ خالد عبد الرّحمن العكّ المدرّس في إدارة الإفتاء العام بدمشق دار المعرفة بيروت- لبنان
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 5

المقدّمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
إنّ الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و من سيّئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، صلي اللّه عليه و سلم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) [سورة آل عمران، الآية: 102] يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) [سورة النساء، الآية: 1] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) [سورة الأحزاب، الآيتان: 70- 71].
أمّا بعد: «فإنّ خير الحديث كتاب اللّه، و خير الهدي هدي محمّد صلي اللّه عليه و سلم، و شرّ الأمور محدثاتها، و كلّ محدثة بدعة، و كلّ بدعة ضلالة. [نسأل اللّه تعالي أن يحيينا و جميع المسلمين علي كتابه و سنّة رسوله صلي اللّه عليه و سلم .
إنّ القرآن العظيم هو كلام اللّه تبارك و تعالي و وحيه إلي رسوله محمّد صلي اللّه عليه و سلم، و هو دينه و هديه لعباده، و هو حجّته علي خلقه، و هو برهانه علي وحدانيّة ربوبيّته و ألوهيّته، و هو معجزته التي تحدّي بها جميع خلقه أن يأتوا بمثله- و لو بسورة مثله- فما استطاعوا و لن يستطيعوا!!!.
لقد أنزل اللّه تبارك و تعالي القرآن العظيم منجّما مفرّقا علي مدي ثلاث و عشرين سنة- و هي فترة الرّسالة المحمّديّة- فكانت آياته الكريمة تنزّل إمّا لسبب عامّ؛ و هو هداية النّاس إلي الحقّ و الصّراط المستقيم، في العقيدة و الشّريعة و الأحكام و الأخلاق
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 6
و الآداب و السّلوك، و إمّا لسبب خاصّ؛ و ذلك لمعالجة الوقائع و الحوادث و المستجدّات في عهد النّبوّة- و هذا التّنزيل و إن كان لسبب خاصّ، فهو مرتبط بالهداية العامّة، فإنّ العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب- فإنّ تنزيله لسبب دليل واضح علي كون «القرآن العظيم» نزل لهداية النّاس و إرشادهم، و لإصلاح حياتهم و تقويم شئونهم. و لهذا لم يكن اهتمام الصّحابة لمعرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم غريبا؛ فإنّهم قد عايشوا ظروف تلك الأسباب، و لهذا كانوا أعلم العباد بكتاب اللّه تعالي.
قال الصّحابيّ الجليل عبد اللّه بن مسعود: «و الّذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلّا و أنا أعلم فيمن نزلت، و أين نزلت، و لو أعلم مكان أحد بكتاب اللّه منّي تناله المطايا لأتيته» «1». و قال الصّحابي الجليل حبر الأمّة عبد اللّه بن عباس في بيان أهميّة «علم أسباب نزول القرآن»: «إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه، و علمنا فيما نزل، و إنّه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن، و لا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا» «2». و قال ابن دقيق العيد: «بيان سبب النّزول طريق قويّ علي فهم القرآن» «3». و قال النّيسابوريّ: «لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف علي قصّتها و بيان نزولها» «4».
و لهذا اعتني العلماء بعلم أسباب النّزول عناية فائقة في التّفسير عموما، و في التّصنيف و التّدوين في أسباب النّزول خصوصا، فأفرده بالتّأليف الإمام «عليّ بن المدينيّ» [ت سنة 324 ه]. و الإمام عبد الرحمن بن محمد- المعروف بمطرف- الأندلسي [ت سنة 402 ه] فصنّف كتاب: «القصص و الأساليب التي نزل من أجلها القرآن». و الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النّيسابوري [ت سنة 468 ه] فقد صنّف كتابه المشهور «أسباب النزول». و الإمام ابن الجوزي [ت سنة 597 ه] فصنّف
__________________________________________________
(1) الإتقان في علوم القرآن: للحافظ السيوطي، في أوّل النوع التاسع في معرفة أسباب النزول، ج 1/ 29.
(2) الإتقان للسيوطي، ج 2/ 187.
(3) الموافقات للشّاطبي، ج 3/ 348.
(4) الإتقان، ج 1/ 19.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 7
كتابه «أسباب نزول القرآن». و الإمام ابن حجر العسقلاني [ت سنة 852 ه] فصنّف كتابه «العجاب في بيان الأسباب». و الإمام السيوطي [ت سنة 911 ه] فصنّف كتابه «لباب النّقول في أسباب النّزول».
و لا يخلو تفسير من تفاسير الأئمة من ذكر أسباب النّزول في بداية تفسيرهم للآيات القرآنيّة التي نزلت علي سبب، و جعلوا معرفة أسباب النّزول شرطا من شروط صحّة التّفسير.
و لا تخفي فوائد معرفة أسباب النّزول، و هي كثيرة منها: معرفة حكمة التّشريع.
و دفع اللّبس و الإشكال عن إدراك مقاصد الآيات؛ فإن معرفة أسباب النّزول يعين علي إدراك المراد من الآيات. و معرفة أسباب النّزول يعين علي معرفة مراتب العموم و الخصوص، مع ملاحظة أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
و لهذه الاعتبارات الهامّة لعلم أسباب النّزول رأيت أن أقوم مستعينا باللّه تبارك و تعالي بجمع أشهر روايات هذا العلم الهامّ من أصول كتب الرّواية و التّفسير و من كتب أسباب النّزول، و تدوينها في هذا الكتاب الذي أسميته ب «تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النّزول، الجامع بين روايات الطّبريّ و النّيسابوريّ و ابن الجوزيّ و القرطبيّ و ابن كثير و السّيوطي و الشّوكاني» بالعزو إلي كتبهم و مصنّفاتهم ليسهل الرّجوع إليها، و هذه فائدة جليلة، حيث ارتبط سبب النّزول مع التّفسير بجميع خصائصه و معطياته، و كانت كتب «أسباب النّزول» مفصولة عن كتب التّفسير، و في هذا الكتاب المبارك تحقّقت هذه الفائدة الجليلة، فللّه الحمد و المنّة علي جميل كرمه و إحسانه و توفيقه، اللّهمّ تقبّل منّا صالح أعمالنا و اغفر لنا و ارحمنا، و الحمد للّه ربّ العالمين.
خادم العلم الشريف خالد بن عبد الرحمن العك دمشق في 24 ذي القعدة سنة 1417 ه.
غفر اللّه تعالي له و لوالديه و لجميع المسلمين
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 8

أهمية علم أسباب النزول‌

اشارة

قال الإمام ابن دقيق العيد:
«بيان سبب النّزول طريق قويّ في فهم معاني القرآن».
و قال شيخ الإسلام تقيّ الدّين:
«معرفة سبب النّزول يعين علي فهم الآية؛ فإنّ العلم بالسّبب يورث العلم بالمسبّب».
و قال الحافظ السّيوطي في معرض ذكره لفوائد معرفة أسباب النزول:
«منها: معرفة الحكمة الباعثة علي تشريع الحكم ..
و منها: الوقوف علي المعني و إزالة الإشكال ..» «1».

معرفة أسباب النزول و مكانته في التفسير

«2» أسباب النزول هو علم يبحث فيه عن أسباب نزول آية أو سورة، و وقتها و مكانها و غير ذلك، فهو فرع من فروع علم التفسير، و الغرض منه ضبط تلك الأمور، و فائدته معرفة وجه الحكمة الباعثة علي تشريع الحكم، و تخصيص الحكم به، عند من يري العبرة بخصوص السبب، و إن اللفظ قد يكون عاما و يقوم الدليل علي تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص علي ما عداه، و من فوائده فهم معاني القرآن و استنباط الأحكام، إذ ربما لا يمكن معرفة تفسير الآية بدون الوقوف علي سبب قصتها و بيان نزولها، فمعرفة أسباب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن، فهو يعين علي فهم القرآن الكريم، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
__________________________________________________
(1) الإتقان، ج 1/ 19.
(2) أصول التفسير و قواعده للمؤلّف، ص 99- 105، ط دار النفائس، بيروت.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 9
ثم ليس المفسر بغني عن معرفة أسباب النزول، الذي هو فرع من فروع علم التفسير، و الذي فيه بيان مجمل و إيضاح خفي و موجز، و منه ما يكون وحده تفسيرا، ففي الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه، أنه قال: «قلت لعائشة أم المؤمنين و أنا يومئذ حديث السن: أ رأيت قول اللّه تعالي: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [سورة البقرة، الآية: 158]، فما علي الرجل شي‌ء ألّا يطوف بهما؟ قالت عائشة: كلا لو كان كما تقول لكانت: «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما»؛ إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة و كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا و المروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن ذلك فأنزل اللّه تعالي:* إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الآية.
و إن أسباب النزول التي صحت أسانيدها وجدت خمسة أقسام «1»:
الأول: قسم هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منهما علي علمه؛ فلا بدّ للمفسر من البحث عنه، و هذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالي: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [سورة المجادلة، الآية: 1]، و منه ما اقتضاه حال خاص نحو:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا [سورة البقرة، الآية: 104].
الثاني: قسم هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام، و صور تلك الحوادث لا تبين مجملا، و لا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، و لكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها؛ مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت فيه آية اللعان «2»، و مثل حديث كعب بن عجرة التي نزلت فيه آية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ الآية .. [سورة البقرة، الآية: 196]، فقد قال كعب: هي لي خاصة و لكم عامة. و هذا القسم لا يفيد البحث فيه إلا زيادة في فهم معني الآية، و تمثيلا لحكمها، و لا يخشي توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء، أو كادوا؛ علي أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، و اتفقوا علي أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.
__________________________________________________
(1) مقدّمة التحرير و التّنوير، لابن عاشور، ص 41- 45، بتصرّف.
(2) و الأصح أنّها نزلت في هلال بن أميّة. انظر سبب نزولها في هذا الكتاب.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 10
الثالث: قسم هو حوادث تكثر أمثالها و لا تختص بشخص واحد، فتنزل الآية لإعلانها و بيان أحكامها، فكثيرا ما تجد المفسرين و غيرهم يقولون نزلت في كذا و كذا، و هم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة، فكأنهم يريدون التمثيل. ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري، أنّ عبد اللّه بن مسعود قال:
قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «من حلف علي يمين صبر «1» يقتطع بها مال امرئ لقي اللّه و هو عليه غضبان»، فأنزل اللّه تصديق ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية .. [سورة آل عمران، الآية: 77]، فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ قالوا: كذا و كذا، قال: فيّ أنزلت؛ كانت لي بئر في أرض ابن عم لي ... الخ. فابن مسعود جعل الآية عامة؛ لأنه جعلها تصديقا للحديث العام، و الأشعث بن قيس ظنها خاصة به، إذ قال: فيّ أنزلت، بصيغة الحصر. و هذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص و بعض المفسرين، مع أن القاعدة عند الأصوليين في ذلك؛ أن العبرة لعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ثم لا فائدة في ذكره علي أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية علي تلك الحادثة؛ لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
الرابع: قسم هو حوادث حدثت، و في القرآن آيات تناسب معانيها، سابقة أو لاحقة، فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معني الآية، و يدل هذا النوع علي وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول، كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من الإتقان للسيوطي، فارجع إليه ففيه أمثلة كثيرة.
و قد ذكر السيوطي في الإتقان عن الزركشي: قد عرف من عادة الصحابة و التابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا؛ فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها.
الخامس: قسم يبيّن مجملات و يدفع متشابهات، مثل قوله تعالي: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) [سورة المائدة، الآية: 44]، فإذا ظن أحد أن
__________________________________________________
(1) يمين صبر: أي ألزم بها و حبس عليها، و كانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 11
- من- هنا للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم اليهود، علم أن- من- موصولة، و علم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد صلي اللّه عليه و سلم. و كذلك حديث عبد اللّه بن مسعود، قال: لما نزل قوله تعالي: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام، الآية: 82]، شق ذلك علي أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و قالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم، ظنوا أن الظلم هو المعصية، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إنه ليس بذلك أ لا تسمع قول لقمان لابنه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) [سورة لقمان، الآية: 13] «1».
هذا و إن القرآن كتاب جاء لهداية الأمم، و التشريع لها، و هذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة إليه، و قد يكون نازلا عند الحاجة، و قد يكون مخاطبا به قوما علي وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما، و قد يكون مخاطبا له جميع من يصلح لخطابه. و هو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية و تهذيبية؛ و الحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، و ليمكن تواتر الدين، و ليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط، و إلا فإن اللّه سبحانه قادر أن يجعل القرآن أضعافا لما أنزل، و أن يطيل عمر النبي صلي اللّه عليه و سلم للتشريع، أكثر مما أطال عمر إبراهيم و موسي، و لذلك قال اللّه عز و جل: وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [سورة المائدة، الآية: 3]، فكما لا يجوز حمل كلماته علي خصوصيات جزئية؛ لأن ذلك يبطل مراد اللّه تعالي، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص، و لا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلي التخليط في المراد، أو إلي إبطاله من أصله.
و ثمة فائدة عظيمة لأسباب النزول، و هي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث، دلالة علي إعجازه من ناحية الارتجال، و هي إحدي طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله علي حوادث يقطع دعوي الذين ادعوا أنّه أساطير الأولين.
و يضيف الإمام الشاطبي في إيضاح مزايا معرفة أسباب التنزيل فيقول «2»:
«معرفة أسباب التنزيل لازمة لمن أراد علم القرآن. و الدليل علي ذلك أمران:
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري برقم 6918، و صحيح مسلم برقم 124.
(2) الإمام الشاطبي، كتابه: الموافقات في أصول الشريعة، ج 3/ 347- 350.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 12
أحدهما: أن علم المعاني و البيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب؛ إنما مداره علي معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطب أو المخاطب، أو الجميع، إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، و بحسب مخاطبين، و بحسب غير ذلك، كالاستفهام: لفظه واحد و يدخله معان أخري من تقرير و توبيخ و غير ذلك، و كالأمر يدخله معني الإباحة و التهديد و التعجيز و أشباهها. و لا يدل علي معناها المراد إلا الأمور الخارجة، و عمدتها مقتضيات الأصول، و ليس كل حال ينقل و لا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، و إذا فات نقل بعض القرائن الدالة، فات فهم الكلام جملة، أو فهم شي‌ء منه، و معرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بدّ، و معني معرفة السبب: هو معرفة مقتضي الحال.
ثانيهما: إنّ الجهل بأسباب النزول موقع في الشبه و الإشكالات، و مورد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال، حتي يقع الخلاف، و ذلك مظنة وقوع النزاع. و يوضح هذا المعني ما روي أبو عبيد عن إبراهيم التيمي، قال: «خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة و نبيّها واحد و قبلتها واحدة؟ فقال ابن عباس:
يا أمير المؤمنين! إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه، و علمنا فيم نزل، و إنه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن و لا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزجره عمر و انتهره، فانصرف ابن عباس، و نظر عمر فيما قال، فعرفه، فأرسل إليه، فقال: أعد عليّ ما قلت! فأعاد عليه، فعرف عمر قوله و أعجبه.
و ما قاله صحيح في الاعتبار، و يتبيّن بما هو أقرب؛ فقد روي ابن وهب عن بكير: أن سأله نافع: كيف كان رأي ابن عمر في «الحرورية»؟ «1» قال: يراهم شرار خلق اللّه، إنهم انطلقوا إلي آيات نزلت في الكفار فجعلوها علي المؤمنين. فهذا .. معني الرأي الذي نبه ابن عباس عليه، و هو الناشئ عن الجهل بالمعني الذي نزل فيه القرآن.
__________________________________________________
(1) الحرورية: هم من الخوارج الذين خرجوا علي سيدنا علي، فكفروا المسلمين و استحلوا دماءهم و أعراضهم و أموالهم، فقاتلهم سيدنا علي قتالا عنيفا، نزلوا بحروراء، و هو موضع بنواحي الكوفة، فقيل لهم «الحرورية» و كان عددهم ثمانية آلاف، كانوا يبالغون بالعبادات، و يستهينون بتكفير المسلمين، و قد افترق الخوارج إلي فرق شتي، بلغت عشرين فرقة، و كل فرقة تكفر غيرها. انظر الفرق بين الفرق للبغدادي، و الملل و النحل للشهرستاني.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 13
و روي أن مروان أرسل بوابه إلي ابن عباس، و قال: قل له «لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي و أحب أن يحمد بما لم يفعل معذّبا، لنعذّبنّ أجمعون»؟! فقال ابن عباس: ما لكم و لهذه الآية؟ إنما دعا النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم يهود، فسألهم عن شي‌ء فكتموه إيّاه، و أخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، و فرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرأ: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... إلي قوله: وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا [سورة آل عمران، الآيتان: 187- 188]، فهذا السبب بيّن أن المقصود من الآية غير ما ظهر لمروان.
ثم يذكر الشاطبي قصة عمر بن الخطاب مع قدامة بين مظعون حين شرب الخمر، و هو يتأوّل الآية الكريمة: لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا [سورة المائدة، الآية: 93]، حيث قال: فأنا من الذين آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و أحسنوا، شهدت مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم بدرا و أحدا و الخندق و المشاهد، فقال عمر: أ لا تردّون عليه قوله؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين و حجة علي الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا اللّه قبل أن تحرم عليهم الخمر، و حجة علي الباقين، لأن اللّه يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية ..
[سورة المائدة، الآية: 90]، ثم قرأ إلي آخر الآية .. فإن كان من الذين آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا، ثم اتقوا و أحسنوا، فإن اللّه قد نهي أن يشرب الخمر، قال عمر: صدقت.
و يذكر الشاطبي خبرا آخر عن جماعة من أهل الشام مع عمر أيضا في تأويلهم الآية: لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ، لشربهم الخمر، فدعاهم إليه، فلما أن قدموا عليه استشار فيهم الصحابة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نري أنّهم قد كذبوا علي اللّه و شرّعوا في دينه ما لم يأذن به، إلي آخر الحديث.
ثم قال الشاطبي: «ففي الحديثين بيان أنّ الغفلة عن أسباب النزول تؤدي إلي الخروج عن المقصود بالآيات» «1».
__________________________________________________
(1) و الذي يؤكد ما ذكره الإمام الشاطبي هنا ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره عن سبب نزول قول اللّه تعالي: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [سورة: البقرة، الآية: 200]، و نحن-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 14
ثم قال: «و هذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزّل، بحيث لو فقد ذكر السبب لم يعرف من المنزل معناه علي الخصوص، دون تطرق الاحتمالات، و توجه الإشكالات. و قد قال عليه الصلاة و السلام: «خذوا القرآن من أربعة:
عبد اللّه بن مسعود، و أبيّ بن كعب، و معاذ بن جبل، و سالم مولي أبي حذيفة» «1».
و قد قال ابن مسعود في خطبة خطبها: «و اللّه لقد علم أصحاب النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أني من أعلمهم بكتاب اللّه ... و الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب اللّه إلّا أنا أعلم أين أنزلت! و لا أنزلت آية من كتاب اللّه إلّا و أنا أعلم فيم أنزلت! و لو أعلم أحدا أعلم بكتاب اللّه منّي تبلغه الإبل لركبت إليه».
و هذا يشير إلي أن علم أسباب النزول من العلوم التي يكون العالم بها عالما بالقرآن الكريم و علم تفسيره.

آية التّسمية و بيان نزولها

عن أبي رزق، عن الضّحاك، عن ابن عباس أنّه قال: أول ما نزل به جبريل علي النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: يا محمد! استعذ ثم قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. [و في إسناده انقطاع، الضحاك لم يدرك ابن عباس .
و عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لا يعرف ختم السورة حتي ينزل عليه (بسم اللّه الرحمن الرحيم) «2».
__________________________________________________
- نتساءل: ما العلاقة بين ذكر اللّه و ذكر الآباء، و السياق وارد في ذكر أحكام مناسك الحج:
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ..؟ فإذا عرفنا سبب النزول تبين لنا المقصود من ذلك.
قال الرازي في تفسيره، ج 2/ 186: «روي عن ابن عباس: أن العرب كانوا عند الفراغ من حجتهم بعد أيام التشريق، يقفون بين مسجد مني و بين الجليل، و يذكر كل واحد منهم فضائل آبائه في السماحة و الحماسة و صلة الرحم، و يتناشدون فيها الأشعار، و يتكلمون بالمنثور من الكلام، و يريد كل واحد منهم من ذلك الفعل حصول الشهرة و الترفع بمآثر سلفه. فلما أنعم اللّه عليهم بالإسلام أمرهم أن يكون ذكرهم لربهم كذكرهم لآبائهم أو أشدّ ذكري».
(1) رواه الترمذي و الحاكم عن ابن عمر بإسناد صحيح.
(2) سنن أبي داود برقم 788، و هو حديث صحيح.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 15
و عن عبد اللّه ابن أبي حسين، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: كنّا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتي نزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
و عن عبد اللّه بن نافع عن أبيه، عن ابن عمر، قال: نزلت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في كلّ سورة «1».

نزول القرآن مفرّقا

قال اللّه تعالي: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَي النَّاسِ عَلي مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) [سورة الإسراء، الآية: 106].
أي: أنزله اللّه تعالي مفرّقا، و بيّنه مفصّلا، علي تؤدة و تمهل.
قال الإمام الشعبي: فرّق اللّه تنزيله، فكان بين أوّله و آخره عشرون أو نحو من عشرين سنة «2». [و الصحيح الثابت ثلاث و عشرون سنة].
قال الإمام النيسابوري:
أنزله [اللّه تعالي قرآنا عظيما، و ذكرا حكيما، و حبلا ممدودا، و عهدا معهودا، و ظلّا عميما، و صراطا مستقيما.
فيه معجزات باهرة، و آيات ظاهرة، و حجج صادقة، و دلالات ناطقة دحض به حجج المبطلين، ورد به كيد الكائدين، و أيّد به الإسلام و الدّين ...
و بعد هذا: فإنّ علوم القرآن غزيرة و ضروبها جمّة كثيرة .. [منها علم أسباب النزول ، فلا يحلّ القول في أسباب نزول الكتاب إلّا بالرواية و السماع ممّن شاهدوا التنزيل و وقفوا علي الأسباب، و بحثوا عن علمها و جدّوا في طلبها، و قد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار.
فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس «3»، قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اتقوا الحديث
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للنيسابوري، 15- 16، و الدّر المنثور للسيوطي، ج 1/ 7.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 6.
(3) أسباب النزول للنيسابوري، 6- 7.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 16
إلّا ما علمتم؛ فإنّه من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار، و من قال في القرآن من غير علم فليتبوّأ مقعده من النّار».
و السلف الماضون رحمهم اللّه كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية.
عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن، فقال: اتّق اللّه و قل سدادا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن، و أمّا اليوم فكل أحد يخترع شيئا، و يختلق إفكا و كذبا، ملقيا زمامه إلي الجهالة، غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب الآية.
و ذلك الذي حدا بي إلي إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، و المتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق و يستغنوا عن التمويه و الكذب، و يجدّوا في تحفظه بعد السماع و الطلب.
و لا بدّ من القول أولا في مبادئ الوحي، و كيفيّة نزول القرآن ابتداء علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و تعهد جبريل إيّاه بالتنزيل، و الكشف عن تلك الأحوال، و القول فيها علي طريق الإجمال، ثم نفرّع القول مفصّلا في سبب نزول كل آية [حسب ترتيب السور] روي لها سبب مقول، مرويّ منقول، و اللّه تعالي الموفق للصواب و السداد «1».

أول ما نزل من القرآن‌

روي عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني عروة، عن عائشة أنّها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يري رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يأتي «حراء» فيتحنّث فيه- و هو التعبد- اللّيالي ذوات العدد، و يتزوّد لذلك، ثم يرجع إلي خديجة، فيتزوّد لمثلها، حتي فجأه الحقّ و هو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال:
اقْرَأْ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «فقلت: ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني حتي بلغ منّي
__________________________________________________
(1) من مقدمة الإمام النيسابوري 7- 8، الترمذي في كتاب العلم 5، و لفظه: «من قال في كتاب اللّه برأيه فأصاب فقد أخطأ»، و في إسناده ضعف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 17
الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتي بلغ منّي الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتي بلغ منّي الجهد، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) حتي بلغ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5)». فرجع بها يرجف فؤاده، حتي دخل علي خديجة، فقال: «زملوني»، فزملوه حتي ذهب عنه الرّوع، فقال: «يا خديجة! ما لي»؟! و أخبرها الخبر، و قال:
«قد خشيت عليّ» فقالت له: كلّا!؟ أبشر، فو الله لا يخزيك اللّه أبدا، إنّك لتصل الرحم، و تصدق الحديث، و تحمل الكلّ، و تقري الضيف، و تعين علي نوائب الحقّ «1».
عن محمد بن يحيي قال «2»: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال:
حدثني عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومي: أنّه سمع بعض علمائهم يقول: كان أول ما أنزل اللّه علي رسوله صلي اللّه عليه و سلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) قالوا: هذا صدرها أنزل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم حراء، ثم أنزل آخرها بعد ذلك بما شاء اللّه.
و عن علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، قال: سمعت علي بن الحسين يقول: أول سورة نزلت علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بمكة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، و آخر سورة نزلت علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بمكة (المؤمنون)، و يقال: (العنكبوت). و أول سورة نزلت بالمدينة: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) و آخر سورة نزلت في المدينة: بَراءَةٌ.
و أول سورة علمها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بمكة: وَ النَّجْمِ و أشدّ آية علي أهل النّار: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) و أرجي آية في القرآن لأهل التوحيد: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ [سورة النساء، الآية: 48]، و آخر آية نزلت علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ [سورة البقرة، الآية: 281]، و عاش النبي صلي اللّه عليه و سلم بعدها تسع ليال «3».
__________________________________________________
(1) البخاري: بدء الوحي، رقم 3، و مسلم: الإيمان، باب: بدء الوحي رقم 160.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 10.
(3) أسباب النزول للنيسابوري، 12- 13.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 18

آخر ما نزل من القرآن‌

عن شعبة، قال: حدّثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب يقول: آخر آية نزلت: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [سورة النساء، الآية: 176]، و آخر سورة أنزلت براءة «1».
و عن الضّحّاك عن ابن عباس، قال: آخر آية نزلت: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ [سورة البقرة، الآية: 281].
و عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَي اللَّهِ، قال: ذكروا أنّ هذه الآية، و آخر آية من سورة النساء، نزلت آخر القرآن. [و هي آية الكلالة. و الكلالة: هو من مات و ليس له أصل أو فرع يرثه، و قيل: هم الورثة من غير الأصول و الفروع .
و عن أبي قتادة: أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه! أ رأيت صوم يوم الاثنين؟ قال: «فيه أنزل عليّ القرآن، و أول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان، قال اللّه تعالي ذكره:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [سورة البقرة، الآية: 185]» «2».
__________________________________________________
(1) البخاري: التفسير/ النساء، باب: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ..، رقم 4329، و باب:
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ..، رقم 4377.
(2) أسباب النزول للنيسابوري، 13- 14.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 19

1- سورة الفاتحة

هي مكّيّة، من أوائل ما نزل من القرآن.
عن مروان بن معاوية، عن الولاء بن المسيّب، عن الفضل بن عمر، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش.
و ممّا يقطع به علي أنّها مكيّة قوله تعالي: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) [سورة الحجر، الآية: 87] يعني الفاتحة.
و عن إسماعيل بن جعفر، قال: أخبرني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و قرأ عليه أبيّ بن كعب أمّ القرآن فقال: «و الذي نفسي بيده ما أنزل اللّه في التوراة، و لا في الإنجيل، و لا في الزبور، و لا في القرآن مثلها، إنّها لهي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته» «1».
و سورة «الحجر» مكية بلا خلاف، و لم يكن اللّه ليمتنّ علي رسوله صلي اللّه عليه و سلم بإيتائه فاتحة الكتاب و هو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة. و لا يسعنا القول بأن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ممّا لا تقبله العقول «2».
و سمّيت «الفاتحة» ب «أمّ القرآن» لأنّها تضمّنت معاني القرآن. و سمّيت ب «السبع المثاني» لأنها سبع آيات و تثنّي و تكرّر قراءتها في كلّ صلاة «3».
__________________________________________________
(1) المستدرك للحاكم، ج 2/ 258، و صححه و أقرّه الذهبي.
(2) أسباب النزول للنيسابوري، 17- 18.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 9- 10.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 20

2- سورة البقرة

و هي مدنية، عن عكرمة، قال: أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة.
و عن مجاهد، قال: أربع آيات من أوّل هذه السورة نزلت في المؤمنين، و آيتان بعدها نزلتا في الكافرين، و ثلاث عشرة بعدها نزلت في المنافقين «1».
الآية: 6- قول اللّه تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.
قال الضحاك: نزلت في أبي جهل، و خمسة من أهل بيته. و قال الكلبي: يعني اليهود «2».
الآية: 14- و قوله تعالي: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا.
قال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه [المنافقين ، و ذلك أنّهم خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال عبد اللّه بن أبيّ: انظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبا بالصدّيق سيّد بني تيم، و شيخ الإسلام، و ثاني رسول اللّه في الغار، الباذل نفسه و ماله، ثم أخذ بيد عمر، فقال: مرحبا بسيّد بني عديّ بن كعب، الفاروق القويّ في دين اللّه، الباذل نفسه و ماله لرسول اللّه، ثم أخذ بيد عليّ، فقال:
مرحبا بابن عمّ رسول اللّه و ختنه [أي: زوج ابنته سيّد بني هاشم ما خلا رسول اللّه، ثم
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للواحدي، 18- 19، و قال الحافظ السيوطي في كتابه «لباب النقول في أسباب النزول»: أخرج ابن جرير عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الآيتين، أنّهما نزلتا في يهود المدينة، و أخرج عن الربيع بن أنس قال: آيتان نزلتا في قتال الأحزاب: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ- إلي قوله- وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
(2) انظر تفسير ابن كثير ج 1/ 45.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 21
افترقوا، فقال عبد اللّه لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فأثنوا عليه خيرا، فرجع المسلمون إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أخبروه بذلك، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 19- قوله تعالي: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن هذه الآية [نزلت في المنافقين كيف كانوا في نفاقهم بهذا الرعب العظيم، فهي تكشف حقيقة أعماقهم و سرائر نفوسهم «2»!!.
الآية: 21- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ.
عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كل شي‌ء نزل فيه يا أَيُّهَا النَّاسُ فهو مكي، و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو مدني. يعني أن يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب أهل مكة، و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب أهل المدينة. فقوله:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ خطاب لمشركي مكة، إلي قوله: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة البقرة، الآية: 25] و هذه الآية نازلة في المؤمنين، و ذلك: أن اللّه تعالي لما ذكر جزاء الكافرين بقوله: النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) [سورة البقرة، الآية: 24] ذكر جزاء المؤمنين «3».
الآية: 26- قوله تعالي:* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب اللّه سبحانه هذين المثلين للمنافقين، يعني قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [سورة البقرة، الآية: 17] و قوله:
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [سورة البقرة، الآية: 19] قالوا: اللّه أجلّ و أعلي من أن يضرب الأمثال. فأنزل اللّه هذه الآية «4».
و قال الحسن و قتادة: لما ذكر اللّه الذباب و العنكبوت في كتابه، و ضرب
__________________________________________________
(1) النيسابوري 19، و السيوطي 5- 6.
(2) تفسير ابن كثير ج 1/ 54.
(3) انظر تفسير ابن كثير ج 1/ 57- 58.
(4) تفسير الطبري ج 1/ 138.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 22
للمشركين المثل، ضحكت اليهود و قالوا: ما يشبه هذا كلام اللّه. فأنزل اللّه هذه الآية.
و عن ابن عباس في قوله:* إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا قال: و ذلك أن اللّه ذكر آلهة المشركين فقال: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً [سورة الحج، الآية: 73] و ذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت، فقالوا: أ رأيتم حيث ذكر اللّه الذباب و العنكبوت فيما أنزل من القرآن علي محمد، أي شي‌ء يصنع بهذا؟ فأنزل اللّه هذه الآية «1».
الآية: 44- قوله تعالي:* أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ.
قال ابن عباس- في رواية الكلبي، عن أبي حاتم، بالإسناد الذي ذكر-: نزلت في يهود المدينة، كان الرجل منهم يقول لصهره و لذوي قرابته، و لمن بينهم و بينه رضاع من المسلمين: اثبت علي الدين الذي أنت عليه، و ما يأمرك به هذا الرجل- يعنون محمدا صلي اللّه عليه و سلم- فإن أمره حق. فكانوا يأمرون الناس بذلك و لا يفعلونه «2».
الآية: 45- و قوله تعالي: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ.
عند أكثر أهل العلم: أن هذه الآية خطاب لأهل الكتاب، و هو مع ذلك أدب لجميع العباد «3».
و قال بعضهم: رجع بهذا الخطاب إلي خطاب المسلمين.
و القول الأول أظهر.
الآية: 62- و قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا.
عن مجاهد قال: لما قص سلمان علي النبي صلي اللّه عليه و سلم قصة أصحاب الدير، قال: «هم في النار». قال سلمان: فأظلمت عليّ الأرض، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا إلي قوله: يَحْزَنُونَ (62). قال: فكأنما كشف عني جبل.
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للنيسابوري 20- 21، و أسباب النزول للسيوطي 6- 8، و تفسير ابن كثير ج 1/ 64.
(2) تفسير ابن كثير ج 1/ 86.
(3) أسباب النزول للنيسابوري 21- 22، و أسباب النزول للسيوطي 8.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 23
عن أسباط، عن السدي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا الآية. قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، لما قدم سلمان علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه و اجتهادهم، و قال: يا رسول اللّه، كانوا يصلون و يصومون، و يؤمنون بك، و يشهدون أنك تبعث نبيا. فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«يا سلمان، هم من أهل النار». فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا و تلا إلي قوله: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (62).
عن السّدّي عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس. و عن مرة، عن ابن مسعود. و عن ناس من أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا الآية ..
نزلت هذه الآية في سلمان الفارسي، و كان من أهل جندي سابور، من أشرافهم، و ما بعد هذه الآية نازلة في اليهود «1».
الآية: 75- قوله تعالي:* أَ فَتَطْمَعُونَ.
قال ابن عباس و مقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسي ليذهبوا معه إلي اللّه تعالي، فلما ذهبوا معه سمعوا كلام اللّه تعالي و هو يأمر و ينهي، ثم رجعوا إلي قومهم: فأما الصادقون فأدّوا ما سمعوا، و قالت طائفة منهم: سمعنا اللّه من لفظ كلامه يقول: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، و إن شئتم فلا تفعلوا و لا بأس «2».
و عند أكثر المفسرين: نزلت الآية في الذين غيروا آية الرجم «3» و صفة محمد صلي اللّه عليه و سلم.
الآية: 76- قوله تعالي: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلي بَعْضٍ.
أخرج ابن جرير عن السدّي قال: نزلت في ناس من اليهود آمنوا، ثم نافقوا، و كانوا يأتون المؤمنين من العرب بما تحدّثوا به، فقال بعضهم لبعض: أ تحدثونهم
__________________________________________________
(1) النيسابوري 22، و السيوطي 9.
(2) تفسير ابن جرير الطبري ج 1، و تفسير ابن كثير ج 1/ 115.
(3) النيسابوري 23، و السيوطي، 9- 10.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 24
بما فتح اللّه عليكم من العذاب ليقولوا: نحن أحب إلي اللّه منكم و أكرم علي اللّه منكم؟!. و أخرج عن ابن عباس قال: كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا أنّ صاحبكم رسول اللّه، و لكنّه إليكم خاصّة، و إذا خلا بعضهم إلي بعض قالوا: أ يحدّث العرب بهذا؟ فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم، فكان منهم، فأنزل اللّه هذه الآية «1».
الآية: 79- قوله تعالي: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ.
نزلت في الذين غيروا صفة النبي صلي اللّه عليه و سلم و بدلوا نعته.
قال الكلبي: إنهم غيروا صفة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في كتابهم، و جعلوه: آدم سبطا طويلا، و كان ربعة أسمر، صلي اللّه عليه و سلم. و قالوا لأصحابهم و أتباعهم: انظروا إلي صفة النبي الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبه نعت هذا. و كانت للأحبار و العلماء مأكلة من سائر اليهود، فخافوا أن يذهبوا مأكلتهم إن بينوا الصفة، فمن ثمّ غيروا.
الآية: 80- قوله تعالي: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً.
عن أبي إسحاق قال: حدثني محمد ابن أبي محمد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة، و يهود تقول: إنما هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، إنما يعذب الناس في النار: لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة، و إنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب. فأنزل اللّه تعالي في ذلك من قولهم: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً «2».
الآية: 89- قوله تعالي: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا.
و قال ابن عباس: كان يهود خيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء، و قالت: اللهم إنا نسألك بحق النبي الأميّ، الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان، إلا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء
__________________________________________________
(1) انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 115.
(2) فقد كان حكم الزناة المحصنين في التوراة الرجم، و قد غيروه إلي الجلد و التشهير. [انظر البخاري: المحاربين، باب: أحكام أهل الذمة و إحصانهم إذا زنوا و رفعوا إلي الإمام.
و مسلم: الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا].
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 25
فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلي اللّه عليه و سلم كفروا به، فأنزل اللّه تعالي: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا «1» أي: بك يا محمد، إلي قوله: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الْكافِرِينَ (89) «2».
و قال السدي: كانت العرب تمر بيهود، فتلقي اليهود منهم أذي، و كانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة: أن يبعثه اللّه فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد صلي اللّه عليه و سلم كفروا به حسدا، و قالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل؟ «3».
الآية: 94- قوله تعالي: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: قالت يهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا، فأنزل اللّه هذه الآية [تكذيبا لهم، و لو سألوا اللّه الموت لأماتهم، و لكن ما سألوه لأنهم كانوا كاذبين «4».
الآية: 97- قوله تعالي: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أقبلت اليهود إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: يا أبا القاسم، نسألك عن أشياء، فإن أجبتنا فيها اتبعناك: أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة، فإنه ليس نبي إلا يأتيه ملك من عند ربه عزّ و جلّ بالرسالة و بالوحي، فمن صاحبك؟ قال: «جبريل» قالوا: ذاك الذي ينزل بالحرب و بالقتال، ذاك عدونا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالمطر و الرحمة اتبعناك. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلي قَلْبِكَ إلي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) «5».
__________________________________________________
(1) يستفتحون: يطلبون الفتح، أي النصر.
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 263، و في إسناده متروك.
(3) النيسابوري 24، و تفسير الطبري ج 1/ 326.
(4) تفسير الطبري، ج 1.
(5) تفسير الطبري، ج 1/ 431، و مسند أحمد، ج 1/ 274.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 26
الآية: 98- قوله تعالي: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ.
قال ابن عباس: إن حبرا من أحبار اليهود من فدك، يقال له: عبد اللّه بن صوريا، حاجّ النبي صلي اللّه عليه و سلم، فسأله عن أشياء، فلما اتجهت الحجة عليه قال: أي ملك يأتيك من السماء؟ قال: «جبريل، و لم يبعث اللّه نبيا إلا و هو وليه» قال: ذاك عدونا من الملائكة، و لو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل نزل بالعذاب و القتال و الشدة، فإنه عادانا مرارا كثيرة، و كان أشد ذلك علينا: أن اللّه أنزل علي نبينا أن بيت المقدس سيخرب علي يدي رجل يقال له بختنصر، و أخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل في طلب بختنصر ليقتله، فانطلق يطلبه حتي لقيه ببابل غلاما مسكينا، ليست له قوة، فأخذه صاحبنا ليقتله، فدفع عنه جبريل، و قال لصاحبنا: إن كان ربكم الذي أذن في هلاككم فلا تسلط عليه، و إن لم يكن هذا فعلي أي حق تقتله؟ فصدقه صاحبنا و رجع إلينا، و كبر بختنصر و قوي و غزانا، و خرب بيت المقدس، فلهذا نتخذه عدوا. فأنزل اللّه هذه الآية «1».
و قال مقاتل: قالت اليهود: كان جبريل عدونا، أمر أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا. فأنزل اللّه هذه الآية.
الآية: 99- قوله تعالي: وَ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
قال ابن عباس: هذا جواب لابن صوريا، حيث قال لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: يا محمد، ما جئتنا بشي‌ء نعرفه، و ما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها؟ فأنزل اللّه هذه الآية «2».
الآية: 102- قوله تعالي: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلي مُلْكِ سُلَيْمانَ.
عن ابن عباس إذ قال: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فيجي‌ء أحدهم بكلمة حق، فإذا جرب من أحدهم الصدق كذب معها سبعين كذبة، فيشربها قلوب الناس، فاطلع علي ذلك سليمان فأخذها فدفنها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام شيطان الطريق فقال: أ لا أدلكم علي كنز سليمان المنيع الذي لا كنز له
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 1/ 345.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 133.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 27
مثله؟ قالوا: نعم، قال: تحت الكرسي، فأخرجوه، فقالوا: هذا سحر سليمان، سحر به الأمم. فأنزل اللّه عذر سليمان: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلي مُلْكِ سُلَيْمانَ وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ «1».
قال السري: إن الناس في زمن سليمان كتبوا السحر، فاشتغلوا بتعلمه، فأخذ سليمان تلك الكتب فدفنها تحت كرسيه، و نهاهم عن ذلك، و لما مات سليمان و ذهب به كانوا يعرفون دفن الكتب، فتمثل شيطان علي صورة إنسان، فأتي نفرا من بني إسرائيل و قال: هل أدلكم علي كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان ضبط الجن و الإنس و الشياطين و الطيور بهذا، فأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود. فبرأ اللّه عزّ و جلّ سليمان من ذلك و أنزل هذه الآية «2».
الآية: 104- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا.
قال ابن عباس في رواية عطاء: و ذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها، فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي صلي اللّه عليه و سلم أعجبهم ذلك، و كان (راعنا) في كلام اليهود سبا قبيحا، فقالوا: إنا كنا نسب محمدا سرا، فالآن أعلنوا السب لمحمد، فإنه من كلامه.
فكانوا يأتون نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيقولون: يا محمد، راعنا. و يضحكون، ففطن بها رجل من الأنصار و هو سعد بن عبادة، و كان عارفا بلغة اليهود، و قال: يا أعداء اللّه، عليكم لعنة اللّه، و الذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربن عنقه. فقالوا: أ لستم تقولونها؟ فأنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا «3».
الآية: 105- قوله تعالي: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.
قال المفسرون: إن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود: آمنوا
__________________________________________________
(1) النيسابوري 27، و السيوطي، 12- 13، و رواه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 265، و صححه و أقرّه الذهبي.
(2) تفسير الطبري ج 1/ 353.
(3) تفسير الطبري ج 1/ 374.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 28
بمحمد صلي اللّه عليه و سلم، قالوا: هذا الذي تدعوننا إليه ليس بخير مما نحن عليه، و لوددنا لو كان خيرا. فأنزل اللّه تعالي تكذيبا لهم «1».
الآية: 106- قوله تعالي: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها.
قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أ ترون إلي محمد؟ يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، و يأمرهم بخلافه، و يقول اليوم قولا و يرجع عنه غدا، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، و هو كلام يناقض بعضه بعضا، فأنزل اللّه: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ. و أنزل أيضا:* ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها «2» نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها «3».
الآية: 108- قوله تعالي: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبي كعب و رهط من قريش، قالوا: يا محمد، اجعل لنا الصفا ذهبا، و وسع لنا أرض مكة، و فجر الأنهار خلالها تفجيرا، نؤمن بك. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
و قال المفسرون: إن اليهود و غيرهم من المشركين تمنوا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فمن قائل يقول: يأتينا بكتاب من السماء جملة كما أتي موسي بالتوراة، و من قائل يقول، و هو عبد اللّه ابن أبي أمية المخزومي: ائتني بكتاب من السماء فيه من رب العالمين إلي ابن أبي أمية: اعلم أني قد أرسلت محمدا إلي الناس، و من قائل يقول:
لن نؤمن لك أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا «5». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري ج 1/ 377، و تفسير ابن كثير ج 1/ 148.
(2) ننساها: من النسيان، و المعني: ننسكها و نمحها من قلبك. و في قراءة (ننسأها) بالهمزة و المعني: نؤخرها فلا ننزلها. و كلها قراءات متواترة معتبرة.
(3) تفسير الطبري، ج 1/ 378، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 150.
(4) تفسير ابن كثير ج 1/ 152.
(5) قبيلا: جماعة جماعة، يشهدون بصحة دعواك، و قد جاء هذا القول عن لسان هؤلاء في القرآن [الإسراء: 92].
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 29
الآية: 109- قوله تعالي: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.
قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود، قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد: أ لم تروا إلي ما أصابكم، و لو كنتم علي الحق ما هزمتم، فارجعوا إلي ديننا فهو خير لكم.
و عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك، عن أبيه: أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، و كان يهجو النبي صلي اللّه عليه و سلم و يحرض عليه كفار قريش في شعره، و كان المشركون و اليهود من المدينة حين قدمها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يؤذون النبي صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه أشد الأذي، فأمر اللّه تعالي نبيه بالصبر علي ذلك و العفو عنهم، و فيهم نزلت: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلي قوله: فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا «1».
الآية: 113- قوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصاري عَلي شَيْ‌ءٍ.
نزلت في يهود أهل المدينة و نصاري أهل نجران، و ذلك: أن وفد نجران لما قدموا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أتاهم أحبار اليهود، فتناظروا حتي ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم علي شي‌ء من الدين، و كفروا بعيسي و الإنجيل، و قالت لهم النصاري: ما أنتم علي شي‌ء من الدين، فكفروا بموسي و التوراة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 114- قوله تعالي: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ.
نزلت في ططلوس الرومي و أصحابه من النصاري، و ذلك: أنهم غزوا بني إسرائيل، فقتلوا مقاتلتهم و سبوا ذراريهم، و حرقوا التوراة، و خربوا بيت المقدس، و قذفوا فيه الجيف. و هذا قول ابن عباس في رواية الكلبي.
و قال قتادة: هو بختنصر و أصحابه، غزوا اليهود و خربوا بيت المقدس، و أعانتهم علي ذلك النصاري من أهل الروم «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 29- 31، و السيوطي 13- 15، و الدّر المنثور ج 1/ 107.
(2) تفسير الطبري ج 1/ 394.
(3) تفسير الطبري ج 1/ 397، و تفسير ابن كثير ج 1/ 156.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 30
و قال ابن عباس، في رواية عطاء: نزلت في مشركي أهل مكة و منعهم المسلمين من ذكر اللّه تعالي في المسجد الحرام.
الآية: 115- قوله تعالي: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ.
عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبد اللّه قال: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي هاهنا قبل الشمال. فصلوا و خطوا خطوطا. و قال بعضنا: القبلة هاهنا قبل الجنوب، و خطوا خطوطا. فلما أصبحوا و طلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صلي اللّه عليه و سلم عن ذلك فسكت، فأنزل اللّه تعالي: وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «1».
و عن عاصم بن عبيد اللّه، عن عبد اللّه بن عامر، عن ربيعة، عن أبيه قال: كنا نصلي مع النبي صلي اللّه عليه و سلم في السفر في ليلة مظلمة، فلم يدر كيف القبلة، فصلي كل رجل منا علي حاله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فنزلت: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «2».
و مذهب ابن عمر: أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: أنزلت: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أي:
صلّ حيث توجهت بك راحلتك في التطوع.
و قال ابن عباس، في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال: إن النجاشي توفي، فصلّ عليه. فأمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أصحابه أن يحضروا، وصفهم، ثم تقدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قال لهم: «إن اللّه أمرني أن أصلي علي النجاشي، و قد توفي، فصلوا عليه». فصلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم. فقال أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في أنفسهم: كيف نصلي علي رجل مات و هو يصلي علي غير قبلتنا، و كان النجاشي يصلي
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير ج 1/ 159.
(2) تفسير الطبري ج 1/ 401.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 31
إلي بيت المقدس حتي مات، و قد صرفت القبلة إلي الكعبة، فأنزل اللّه تعالي: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «1».
و قال في رواية ابن أبي طلحة الوالبي: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لمّا هاجر إلي المدينة، و كان أكثر أهلها اليهود، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهرا، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يحب قبلة إبراهيم، فلما صرفه اللّه تعالي إليها ارتاب من ذلك اليهود و قالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ «2» فأنزل اللّه تعالي: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ «3».
الآية: 116- قوله تعالي: وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً.
نزلت في اليهود حيث قالوا: عزيز ابن اللّه، و في نصاري نجران حيث قالوا:
المسيح ابن اللّه، و في مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات اللّه «4».
الآية: 118- قوله تعالي: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ.
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال رافع بن خزيمة لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: إن كنت رسولا من اللّه كما تقول فقل للّه فيكلّمنا حتي نسمع كلامه؟! فأنزل اللّه في ذلك هذه الآية «5».
الآية: 119- قوله تعالي: وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ. (119)
قال ابن عباس: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال ذات يوم: «ليت شعري، فعل أبواي».
فنزلت هذه الآية.
و هذا علي قراءة من قرأ (و لا تسل عن أصحاب الجحيم) جزما «6».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 31- 33، و السيوطي 15- 16- 17، و المستدرك للحاكم ج 2/ 267، و صححه و أقره الذهبي.
(2) ما صرفهم عنها و حولهم إلي غيرها.
(3) قال السيوطي: إسناده قوي.
(4) تفسير ابن كثير، ج 1/ 160.
(5) انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 161- 162.
(6) تسل: هكذا في المطبوع بدون همزة، و القراءة (تسأل) بالجزم مع الهمزة و هي قراءة متواترة.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 32
و قال مقاتل: إن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «لو أنزل اللّه بأسه باليهود لآمنوا» فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «1».
الآية: 120- قوله تعالي: وَ لَنْ تَرْضي عَنْكَ الْيَهُودُ وَ لَا النَّصاري
قال المفسرون: إنهم كانوا يسألون النبي صلي اللّه عليه و سلم الهدنة، و يطمّعونه أنهم إذا هادنهم و أمهلهم اتبعوه و وافقوه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال ابن عباس: هذا في القبلة، و ذلك أن يهود المدينة و نصاري نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي قبلتهم، فلما صرف اللّه القبلة إلي الكعبة شق ذلك عليهم، فيئسوا منه أن يوافقهم علي دينهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 121- قوله تعالي: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ.
قال ابن عباس، في رواية عطاء و الكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، كانوا أربعين رجلا من الحبشة و أهل الشام.
و قال الضحاك: نزلت فيمن آمن من اليهود.
و قال قتادة و عكرمة: نزلت في محمد صلي اللّه عليه و سلم «3».
الآية: 125- قوله تعالي: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي.
روي البخاري و غيره عن عمر قال: وافقت ربّي في ثلاث [و عدّ منها] قلت:
يا رسول اللّه، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّي؟! فنزلت هذه الآية «4».
الآية: 130- قوله تعالي: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ.
قال ابن عيينة: إنّ عبد اللّه بن سلام دعا ابن أخيه سلمة و مهاجرا إلي الإسلام،
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 162.
(2) تفسير القرطبي، ج 1/ 94.
(3) تفسير الطبري، ج 1/ 411، و النيسابوري، 33- 34، و السيوطي، 16- 19.
(4) تفسير ابن كثير، ج 1/ 169.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 33
فقال لهما: قد علمتما أنّ اللّه تعالي قال في التوراة إنّي باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدي و رشد، و من لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة و مهاجر، فنزلت الآية «1».
الآية: 133- قوله تعالي: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ.
نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: أ لست تعلم أنّ يعقوب يوم مات أوصي بنيه باليهودية «2».
الآية: 135- قوله تعالي: وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصاري تَهْتَدُوا.
قال ابن عباس: نزلت في رءوس يهود المدينة: كعب بن الأشرف، و مالك بن الصيف، و أبي ياسر بن أخطب، و في نصاري نجران، و ذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين، كل فرقة تزعم أنها أحق بدين اللّه تعالي من غيرها.
فقالت اليهود: نبينا موسي أفضل الأنبياء، و كتابنا التوراة أفضل الكتب، و ديننا أفضل الأديان. و كفرت بعيسي و الإنجيل و بمحمد و القرآن.
و قالت النصاري: نبينا عيسي أفضل الأنبياء، و كتابنا الإنجيل أفضل الكتب، و ديننا أفضل الأديان. و كفرت بمحمد و القرآن.
و قال كل واحد من الفريقين للمؤمنين: كونوا علي ديننا، فلا دين إلا ذلك.
و دعوهم إلي دينهم «3».
الآية: 138- قوله تعالي: صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً.
قال ابن عباس: إن النصاري كان إذا ولد لأحدهم ولد، فأتي عليه سبعة أيام صبغوه في ماء لهم يقال له المعمودي، ليطهروه بذلك، و يقولون: هذا طهور مكان الختان، فإذا فعلوا ذلك صار نصرانيا حقا. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 185.
(2) تفسير الطبري، ج 1/ 436، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 198.
(3) تفسير ابن جرير الطبري، ج 1/ 440.
(4) تفرّد بهذا الخبر النيسابوري، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 188.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 34
الآية: 142- قوله تعالي:* سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ.
نزلت في تحويل القبلة.
عن عبد اللّه بن رجاء قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة، فصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالي: قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إلي آخر الآية، فقال السفهاء من الناس، و هم اليهود: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قال اللّه تعالي: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ إلي آخر الآية «1».
الآية: 143- قوله تعالي: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
قال ابن عباس، في رواية الكلبي: كان رجال من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قد ماتوا علي القبلة الأولي، منهم أسعد بن زرارة، و أبو أمامة أحد بني النجار، و البراء بن معرور أحد بني سلمة، و أناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول اللّه، توفي إخواننا و هم يصلون إلي القبلة الأولي، و قد صرفك اللّه تعالي إلي قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل اللّه: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «2» الآية، ثم قال: قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. و ذلك أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال لجبريل عليه السلام: «وددت أن اللّه صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها». و كان يريد الكعبة، لأنها قبلة إبراهيم، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك لا أملك شيئا، فسل ربك أن يحولك عنها إلي قبلة إبراهيم.
ثم ارتفع جبريل، و جعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يديم النظر إلي السماء رجاء أن يأتيه جبريل بما سأله، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
قال البراء بن عازب: صلّينا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعد قدومه المدينة سبعة عشر
__________________________________________________
(1) رواه البخاري عن عبد اللّه بن رجاء، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 189- 192، و البخاري:
أبواب القبلة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم: 399، و انظر مسلم: الصلاة، باب:
تحويل القبلة من القدس إلي الكعبة، رقم: 525، و الترمذي في سننه برقم 2962.
(2) إيمانكم: أي صلاتكم إلي الكعبة.
(3) النيسابوري، 35- 36، و السيوطي 20.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 35
شهرا نحو بيت المقدس، ثم علم اللّه عزّ و جلّ هوي نبيه صلي اللّه عليه و سلم، فنزلت: قَدْ نَري تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [سورة البقرة، الآية: 144] «1».
الآية: 146- قوله تعالي: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ.
نزلت في مؤمني أهل الكتاب، عبد اللّه بن سلام و أصحابه، كانوا يعرفون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بنعته و صفته و بعثه في كتابهم، كما يعرف أحدهم ولده إذا رآه مع الغلمان.
قال عبد اللّه بن سلام: لأنا أشدّ معرفة برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم منّي بابني. فقال له عمر بن الخطاب: و كيف ذاك يا ابن سلام؟ قال: لأني أشهد أن محمدا رسول اللّه حقا يقينا، و أنا لا أشهد بذلك علي ابني، لأني لا أدري ما أحدث النساء. فقال عمر: وفقك اللّه يا ابن سلام «2».
الآية: 154- قوله تعالي: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ.
نزلت في قتلي بدر، و كانوا بضعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار، و ستة من المهاجرين، و ذلك أن الناس كانوا يقولون للرجل يقتل في سبيل اللّه: مات فلان، و ذهب عنه نعيم الدنيا و لذتها. فأنزل اللّه هذه الآية «3».
الآية: 158- قوله تعالي:* إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.
عن مصعب بن عبد اللّه الزبيري قال: حدثني مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يحجون لمناة، و كانت مناة حذو
__________________________________________________
(1) رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، و رواه البخاري عن أبي نعيم، عن زهير، كلاهما عن أبي إسحاق، و البخاري: التفسير/ البقرة: باب: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ...، و مسلم: الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلي الكعبة. هوي نبيه:
رغبته و ما يسره.
(2) تفرد بهذه الرّواية النيسابوري، ص 37، و السيوطي 21.
(3) تفرد بهذه الرواية النيسابوري 37.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 36
قدد، و كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا و المروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن ذلك، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في ناس من الأنصار، كانوا إذا أهلّوا لمناة في الجاهلية لم يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا و المروة، فلما قدموا مع النبي صلي اللّه عليه و سلم في الحج ذكروا ذلك له، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و قال أنس بن مالك: كنا نكره الطواف بين الصفا و المروة، لأنهما كانا من مشاعر قريش في الجاهلية، فتركناه في الإسلام، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال عمرو بن الحسين: سألت ابن عمر عن هذه الآية، فقال: انطلق إلي ابن عباس فسله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل علي محمد صلي اللّه عليه و سلم. فأتيته فسألته، فقال: كان علي الصفا صنم علي صورة رجل يقال له: إساف، و علي المروة صنم علي صورة امرأة تدعي: نائلة، زعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة، فمسخهما اللّه تعالي حجرين، و وضعهما علي الصفا و المروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا من دون اللّه تعالي، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين، فلما جاء الإسلام و كسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل الصنمين، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال السدي: كان في الجاهلية تعزف الشياطين بالليل بين الصفا و المروة، و كانت بينهما آلهة، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون: يا رسول اللّه، لا نطوف بين الصفا و المروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
عن إسماعيل بن زكريا، عن عاصم، عن أنس بن مالك قال: كانوا يمسكون عن الطواف بين الصفا و المروة، و كانا من شعار الجاهلية، و كنا نتقي الطواف بهما،
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 198- 200، و القرطبي، ج 2/ 178- 184، و رواه البخاري:
التفسير/ البقرة، باب قوله: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ...، رقم: 4225.
(2) رواه مسلم: الحج، باب: بيان أن السعي بين الصفا و المروة ركن لا يصح الجمع إلا به.
[أهلوا: أحرموا و رفعوا صوتهم بإحرامهم ملبين بحج أو عمرة]. و أخرج هذه الروايات النيسابوري، 37- 38، و السيوطي 21.
(3) المستدرك للحاكم، ج 2/ 271، و صححه و أقرّه الذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 37
فأنزل اللّه تعالي:* إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ «1» الآية.
الآية: 159- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدي
نزلت في علماء أهل الكتاب، و كتمانهم آية الرجم و أمر محمد صلي اللّه عليه و سلم «2».
الآية: 164- قوله تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.
عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: أنزلت بالمدينة علي النبي صلي اللّه عليه و سلم وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) [سورة البقرة، الآية: 163] فقالت كفار قريش بمكة:
كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ حتي بلغ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) «3».
و عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحي قال: لما نزلت هذه الآية وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ تعحب المشركون، و قالوا: إله واحد؟ إن كان صادقا فليأتنا بآية. فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلي آخر الآية «4».
الآية: 168- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً.
قال الكلبي: نزلت في ثقيف و خزاعة و عامر بن صعصعة، حرموا علي أنفسهم من الحرث و الأنعام، و حرموا البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحامي «5» «6».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري: الحج، باب: ما جاء في السعي بين الصفا و المروة، رقم: 1565.
(2) القرطبي، ج 2/ 184.
(3) تفسير القرطبي، ج 2/ 191- 192.
(4) تفسير الطبري، ج 2/ 37، و الدّر المنثور للسيوطي، ج 1/ 163، و النيسابوري، 39- 40، و السيوطي، 22- 23.
(5) البحيرة: الناقة إذا ولدت خمسة أبطن آخرها ذكر، شقوا أذنها و حرموها علي أنفسهم و خلوها لأصنامهم علي زعمهم. السائبة: هي الناقة أيضا يسيبونها لآلهتهم في أحوال مخصوصة، كأن تنتج عشرة أبطن إناثا. الوصيلة: الناقة إذا بكرت بأنثي ثم ثنت بأنثي، قالوا: وصلت أختها، و تركوها. الحامي: الفحل إذا صار ولد ولده ينزو علي الأنثي و يلقحها، تركوه لا يركب و لا يحمل عليه، و قالوا: حمي ظهره.
(6) تفسير الطبري، ج 2/ 37.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 38
الآية: 170- قوله تعالي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم اليهود إلي الإسلام، و رغّبهم فيه و حذّرهم عذاب اللّه و نقمته، فقال رافع بن حريملة و مالك بن عوف: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم و خيرا منّا، فأنزل اللّه في ذلك هذه الآية «1».
الآية: 174- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ.
أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله تعالي في هذه الآية و التي في سورة آل عمران: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [سورة آل عمران، الآية: 77] نزلتا جميعا في اليهود «2».
قال الكلبي عن ابن عباس: نزلت في رؤساء اليهود و علمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا، و كانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم و زوال رياستهم، فعمدوا إلي صفة محمد صلي اللّه عليه و سلم فغيروها، ثم أخرجوها إليهم و قالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان، لا يشبه نعت هذا النبي الذي بمكة، فإذا نظرت السفلة إلي النعت المتغير وجدوه مخالفا لصفة محمد صلي اللّه عليه و سلم، فلا يتبعونه «3».
الآية: 177- قوله تعالي:* لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ.
قال قتادة: ذكر لنا أن رجلا سأل نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن البر، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية. قال: و قد كان الرجل قبل الفرائض: إذا شهد أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله، ثم مات علي ذلك وجبت له الجنة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 23.
(2) زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 176، و السيوطي، ص 23، و تفسير القرطبي، ج 2/ 234، و النيسابوري 41.
(3) تفسير القرطبي ج 2/ 234، و زاد المسير لابن الجوزي ج 1/ 176، و النيسابوري 41.
(4) زاد المسير، ج 1/ 178، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 207- 208.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 39
الآية: 178- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي
قال الشعبي: كان بين حيين من أحياء العرب قتال، و كان لأحد الحيين طول «1» علي الآخر، فقالوا: نقتل بالعبد منا الحر منكم، و بالمرأة الرجل. فنزلت هذه الآية «2».
الآية: 184- قوله تعالي: وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ.
عن مجاهد قال: هذه الآية نزلت في مولاي «قيس بن السّائب» وَ عَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فأفطر، و أطعم لكل يوم مسكينا «3».
الآية: 186- قوله تعالي: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي.
أخرج عبد الرزاق عن الحسن قال: سأل أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: أين ربّنا؟
فأنزل اللّه هذه الآية.
و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الصلت بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده، قال: جاء أعرابي إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: أ قريب ربّنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت عنه، فأنزل اللّه هذه الآية.
الآية: 187- قوله تعالي: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ.
قال ابن عباس، في رواية الوالبي: و ذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء و الطعام إلي مثلها من القابلة «4»، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا من الطعام و النساء في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه هذه الآية «5».
__________________________________________________
(1) طول: قدرة و ترفع و غلبة.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 209، و تفسير القرطبي، ج 2/ 244.
(3) تفسير القرطبي، ج 2/ 287.
(4) الليلة المقبلة.
(5) تفسير الطبري، ج 2/ 96، و النيسابوري، 41- 42، و السيوطي 23.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 40
عن يحيي بن زائدة قال: حدثني أبي و غيره، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون و يشربون و يمسون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلي مثلها، و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فأتي أهله عند الإفطار، فانطلقت امرأته تطلب شيئا، و غلبته عيناه فنام، فلما انتصف النهار من غد غشي عليه «1». قال: و أتي عمر امرأته و قد نامت. فذكر ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم فنزلت: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ إلي قوله: مِنَ الْفَجْرِ ففرح المسلمون بذلك «2».
عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلي اللّه عليه و سلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار، فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته و لا يومه حتي يمسي، و إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتي امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا، و لكن أنطلق فأطلب لك، و كان يومه يعمل، فغلبته عيناه، و جاءته امرأته، فلما رأته قالت:
خيبة لك، فأصبح صائما، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلي نِسائِكُمْ ففرحوا بها فرحا شديدا «3».
و عن القاسم بن محمد قال: إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلي عشاء، فإذا نام لم يصل إلي أهله بعد ذلك، و لم يأكل و لم يشرب، حتي جاء عمر إلي امرأته فقالت: إني قد نمت، فوقع بها. و أمسي صرمة بن أنس صائما، فنام قبل أن يفطر، و كانوا إذا ناموا لم يأكلوا و لم يشربوا، فأصبح صائما، و كاد الصوم يقتله، فأنزل اللّه عزّ و جلّ الرخصة، قال: فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ [سورة البقرة، الآية: 187].
عن أبي حسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية:
وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ و لم ينزل مِنَ الْفَجْرِ و كان
__________________________________________________
(1) يمسون النساء أي: يجامعوهن. مثلها: أي الليلة التالية. غشي عليه: أغمي عليه من شدة الجوع و نحوه.
(2) صحيح البخاري برقم 1915، و الترمذي برقم 2968، و أبو داود برقم 3314، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 220- 221.
(3) رواه البخاري: الصوم، باب: قول اللّه جل ذكره: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ...، رقم: 1816.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 41
رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض و الخيط الأسود، فلا يزال يأكل و يشرب حتي يتبين له زيهما، فأنزل اللّه تعالي بعد ذلك مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنما يعني بذلك الليل و النهار «1».
الآية: 188- قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.
قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي، و في عبدان بن أشوع الحضرمي، و ذلك أنهما اختصما إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم في أرض، و كان امرؤ القيس المطلوب و عبدان الطالب، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فحكم عبدان في أرضه و لم يخاصمه «2».
الآية: 189- قوله تعالي:* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ.
قال معاذ بن جبل: يا رسول اللّه، إن اليهود تغشانا و يكثرون مسألتنا عن الأهلة؛ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال قتادة: ذكر لنا أنهم سألوا نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل اللّه تعالي: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ «3».
و قال الكلبي: نزلت في معاذ بن جبل و ثعلبة بن عنمة، و هما رجلان من الأنصار، قالا: يا رسول اللّه، ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتي يعظم و يستوي و يستدير، ثم لا يزال ينقص و يدق حتي يكون كما كان، لا يكون علي حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالي: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها الآية.
قال القرطبي: اتّصل هذا بذكر مواقيت الحج لاتفاق وقوع القضيتين في وقت
__________________________________________________
(1) رواه البخاري: الصوم، باب: قول اللّه تعالي: وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ...، رقم: 1818، و رواه مسلم: الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، رقم: 1091.
(2) النيسابوري 42، و السيوطي، 26- 27.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 225، و تفسير القرطبي، ج 2/ 341.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 42
السؤال عن الأهلة و عن دخول البيوت من ظهورها، فنزلت الآية فيهما جميعا.
قال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم، و لكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل باب، فكأنه عيّر بذلك، فنزلت هذه الآية «1».
و عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر قال: كانت قريش تدعي الحمس «2»، و كانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، و كانت الأنصار و سائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام، فبينما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بستان إذ خرج من بابه، و خرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا: يا رسول اللّه، إن قطبة بن عامر رجل فاجر، و إنه خرج معك من الباب. فقال له: «ما حملك علي ما صنعت». قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت. فقال: «إني أحمسي». قال: فإن ديني دينك. فأنزل اللّه: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
و قال المفسرون: كان الناس في الجاهلية و في أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطا و لا بيتا و لا دارا من بابه، فإن كان من أهل المدن نقب نقبا في ظهر بيته، منه يدخل و يخرج، أو يتخذ سلما فيصعد فيه. و إن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة و الفسطاط، و لا يدخل من الباب حتي يحل من إحرامه، و يرون ذلك ذما، إلا أن يكون من الحمس، و هم: قريش و كنانة و خزاعة و ثقيف و خثعم و بنو عامر بن صعصعة و بنو النضر بن معاوية، سموا حمسا لشدتهم في دينهم. قالوا: فدخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات يوم بيتا لبعض الأنصار، فدخل رجل من الأنصار علي إثره من الباب و هو محرم، فأنكروا عليه، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لم دخلت من الباب و أنت محرم» فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت علي إثرك.
فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إني أحمسي». قال الرجل: إن كنت أحمسيا فإني أحمسي،
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 2/ 344، و رواه البخاري: أبواب العمرة، باب: قول اللّه تعالي: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، رقم: 1709، و رواه مسلم: أوائل كتاب التفسير، رقم: 3026، و النيسابوري 44.
(2) الحمس: سموا بذلك لأنهم تحمسوا في دينهم، أي: تشددوا، من الحماسة و هي الشجاعة.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 43
ديننا واحد، رضيت بهديك و سمتك و دينك «1». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 190- قوله تعالي: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.
قال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في صلح الحديبية، و ذلك أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما صدّ عن البيت هو و أصحابه نحر الهدي بالحديبية، ثم صالحه المشركون علي أن يرجع عامه ثم يأتي القابل، علي أن يخلوا له مكة ثلاثة أيام، فيطوف بالبيت و يفعل ما شاء، و صالحهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فلما كان العام المقبل تجهز رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه لعمرة القضاء، و خافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، و أن يصدوهم عن المسجد الحرام و يقاتلوهم. و كره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل اللّه تعالي: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ يعني قريشا «3».
الآية: 194- قوله تعالي: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ.
قال قتادة: أقبل نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه في ذي القعدة، حتي إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة، و أقاموا بها ثلاث ليال، و كان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية، فأقصه اللّه تعالي منهم، فأنزل: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ «4» الآية.
الآية: 195- قوله تعالي: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ.
قال القرطبي: روي البخاري عن حذيفة قال: نزلت في النفقة. و روي مثله عن الحسن و قتادة و مجاهد و الضحاك «5».
__________________________________________________
(1) حائطا: بستانا. أهل الوبر أي: من البادية، لأنهم يرعون الإبل ذات الوبر. الفسطاط: نوع من الأبنية في السفر كالخيمة، و لكن أوسع منها و يزيد عليها رواقا عند بابها. سمتك: السمت الطريق و الهيئة الحسنة، أي: طريقك و سنتك.
(2) تفسير الطبري، ج 2/ 100، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 225- 226.
(3) تفسير القرطبي، ج 2/ 347، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 226- 227.
(4) تفسير الطبري، ج 2/ 114، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 228.
(5) تفسير القرطبي، ج 2/ 361.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 44
عن داود، عن الشعبي قال: نزلت في الأنصار، أمسكوا عن النفقة في سبيل اللّه تعالي، فنزلت هذه الآية.
و عن عكرمة قال: نزلت في النفقات في سبيل اللّه.
عن يزيد ابن أبي حبيب قال: أخبرني الحكم بن عمران قال: كنا بالقسطنطينية، و علي أهل مصر عقبة بن عامر الجهني، صاحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و علي أهل الشام فضالة بن عبيد، صاحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، و صففنا لهم صفا عظيما من المسلمين، فحمل رجل من المسلمين علي صف الروم حتي دخل فيهم، ثم خرج إلينا مقبلا، فصاح الناس فقالوا: سبحان اللّه، ألقي بيديه إلي التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية علي غير التأويل، و إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنا- لما أعز اللّه تعالي دينه و كثر ناصروه- قلنا بعضنا لبعض سرا من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنا أقمنا فيها، و أصلحنا ما ضاع منها، فأنزل اللّه تعالي في كتابه يرد علينا ما هممنا به، فقال: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ في الإقامة التي أردنا أن نقيم في الأموال فنصلحها، فأمرنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل اللّه حتي قبضه اللّه عزّ و جلّ «1».
الآية: 196- قوله تعالي: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ.
عن عبد الرحمن الأصفهاني، عن عبد اللّه بن معقل، عن كعب بن عجرة قال:
فيّ نزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ وقع القمل في رأسي، فذكرت ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال: «احلق، و افده صيام ثلاثة أيّام، أو النسك، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع».
و عن مجاهد، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلي قال: قال كعب بن عجرة: فيّ أنزلت هذه الآية، أتيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال: «ادنه» فدنوت، مرتين أو ثلاثا، فقال:
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري 1816، و صحيح مسلم 1201، و النيسابوري، 45- 48، و السيوطي، 29- 30.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 45
«أ يؤذيك هوامك». قال ابن عون: و أحسبه قال: نعم. فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك، ما تيسر «1».
و عن كعب بن عجرة: مرّ به رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو يوقد تحت قدر له بالحديبية، فقال: «أ يؤذيك هوامّ رأسك». قال: نعم. قال: «احلق» فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذيً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. قال: «فالصيام ثلاثة أيام، و الصدقة فرق بين ستة مساكين، و النسك شاة» «2».
الآية: 197- قوله تعالي: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوي
قال القرطبي: أمر باتّخاذ الزّاد. قال ابن عمر و عكرمة و مجاهد و قتادة و ابن زيد: نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجي‌ء إلي الحج بلا زاد. فنهوا عن ذلك «3».
عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون و لا يتزودون، يقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوي «4».
و قال عطاء ابن أبي رباح: «كان الرجل يخرج، فيحمل كلّه [أي فقره و حاجته علي غيره، فأنزل اللّه تعالي: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوي
الآية: 198- قوله تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ.
__________________________________________________
(1) رواه مسلم: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذي ..، رقم: 1201 [إملاء أي: أن الشيخ يقرأ عليه و هو يكتب. هوامك: أي هذه الحشرات من القمل و نحوه.
ما تيسر أي: من النسك، و أقله شاة]، و تفسير القرطبي، ج 2/ 383، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 232.
(2) النيسابوري 50، و السيوطي 31، و صحيح البخاري برقم 1814، و صحيح مسلم برقم 1201، و الترمذي برقم 953.
(3) تفسير القرطبي، ج 2/ 411.
(4) صحيح البخاري برقم 1523، و أبو داود في سننه برقم 1730.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 46
قال القرطبي: لمّا أمر تعالي بتنزيه الحج عن الرفث و الفسوق و الجدال، رخص في التجارة. و ابتغاء الفضل بمعني التجارة «1».
عن أبي أمامة التميمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم ذوو كري في هذا الوجه، و إن قوما يزعمون أنه لا حج لنا، قال: أ لستم تلبون؟ أ لستم تطوفون بين الصفا و المروة؟ أ لستم .. أ لستم؟ قال: بلي، قال: إن رجلا سأل النبي صلي اللّه عليه و سلم عما سألت عنه، فلم يرد عليه حتي نزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فدعاه فتلا عليه حين نزلت، فقال: «أنتم الحجاج» «2».
عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز و عكاظ متجر ناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتي نزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، في مواسم الحج «3».
و روي مجاهد عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع و التجارة في الحج، يقولون: أيام ذكر اللّه، فأنزل اللّه تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فاتجروا.
الآية: 199- قوله تعالي: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.
عن عائشة قالت: كانت العرب تفيض من عرفات، و قريش و من دان بدينها تفيض من جمع، من المشعر الحرام «4»، فأنزل اللّه تعالي: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ «5».
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 2/ 413.
(2) النيسابوري 51، و الحاكم في المستدرك، ج 1/ 449.
(3) الحديث أخرجه البخاري في الحج، باب: التجارة أيام الموسم و البيع في أسواق الجاهلية، رقم: 1681. [ذو المجاز: اسم سوق كان جانب عرفة، و قيل في مني. عكاظ: اسم سوق كان بناحية مكة. متجر: مكان تجارة أي بيع و شراء و نحو ذلك .
(4) من المزدلفة، و فيها المشعر الحرام.
(5) تفيض: أي تدفع في السير بكثرة. دان بدينها: اتبع طريقتها في المناسك و نحوها. جمع:
هي المزدلفة، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها. المشعر الحرام: مكان أسفل المزدلفة.
و انظر حديث عائشة في البخاري: التفسير/ البقرة، باب: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 47
قال سفيان: و الأحمس الشديد الشحيح علي دينه، و كانت قريش تسمي الحمس، فجاءهم الشيطان فاستهواهم، فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يخرجون من الحرم، و يقفون بالمزدلفة، فلما جاء الإسلام أنزل اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ يعني عرفة «1».
الآية: 200- قوله تعالي: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ.
قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم «2» ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية، و أيامهم و أنسابهم، فتفاخروا، فأنزل اللّه تعالي: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً «3».
و قال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا و تكلموا يقولون: و أبيك إنهم لفعلوا كذا و كذا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 204- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.
قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، و هو حليف بني زهرة، أقبل إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي المدينة، فأظهر له الإسلام، و أعجب النبي صلي اللّه عليه و سلم ذلك منه، و قال: إنما جئت أريد الإسلام، و اللّه يعلم إني لصادق. و ذلك قوله: وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلي ما فِي قَلْبِهِ. ثم خرج من عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فمرّ بزرع لقوم من المسلمين و حمر «5»، فأحرق الزرع و عقر الحمر، فأنزل اللّه تعالي فيه: وَ إِذا تَوَلَّي سَعي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ [سورة البقرة، الآية: 205] «6».
__________________________________________________
- النَّاسُ، رقم: 4248، و مسلم: الحج، باب: في الوقوف؛ و قوله تعالي: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ ...، رقم: 1219، و تفسير القرطبي، ج 2/ 428، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 240.
(1) رواه مسلم برقم 1220.
(2) الموسم: هو موسم الحج.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 243، و تفسير الطبري، ج 2/ 172.
(4) النيسابوري، 52- 53، و السيوطي، 32- 33، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 215.
(5) حمر: جمع حمار.
(6) تفسير الطبري، ج 2/ 181، و زاد المسير، ج 1/ 219، و ذكر سببا آخر.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 48
الآية: 207- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ.
قال سعيد بن المسيب: أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فاتبعه نفر من قريش من المشركين، فنزل عن راحلته، و نثر ما في كنانته «1»، و أخذ قوسه، ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا، و أيم اللّه لا تصلون إليّ حتي أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شي‌ء، ثم افعلوا ما شئتم.
قالوا: دلنا علي بيتك و مالك بمكة و نخلي عنك، و عاهدوه إن دلهم أن يدعوه، ففعل، فلما قدم علي النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «أبا يحيي، ربح البيع، ربح البيع». و أنزل اللّه:
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ «2».
و قال المفسرون: أخذ المشركون صهيبا فعذبوه، فقال لهم صهيب: إني شيخ كبير، لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالي و تذروني و ديني؟ ففعلوا ذلك، و كان قد شرط عليهم راحلة و نفقة، فخرج إلي المدينة، فتلقاه أبو بكر و عمر و رجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيي، فقال صهيب: و بيعك فلا بخس، ما ذاك؟ فقال: أنزل اللّه فيك كذا، و قرأ عليه هذه الآية «3».
و قال الحسن: أ تدرون فيمن نزلت هذه الآية؟ في أن المسلم يلقي الكافر فيقول له: قل لا إله إلا اللّه، فإذا قلتها عصمت مالك و دمك، فأبي أن يقولها، فقال المسلم:
و اللّه لأشرين نفسي للّه، فتقدم فقاتل حتي يقتل «4».
و قيل: نزلت فيمن أمر بالمعروف و نهي عن المنكر. قال أبو الخليل: سمع عمر بن الخطاب إنسانا يقرأ هذه الآية، فقال عمر: إنا للّه، قام رجل يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر فقتل.
__________________________________________________
(1) الكنانة: هي جعبة السهام.
(2) المطالب العالية لابن حجر برقم 3552.
(3) تفسير القرطبي، ج 3/ 20.
(4) تفسير الطبري، ج 2/ 187.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 49
الآية: 208- قوله عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.
قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبد اللّه بن سلام و أصحابه، و ذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلي اللّه عليه و سلم فآمنوا بشرائعه و شرائع موسي، فعظموا السبت و كرهوا لحمان الإبل و ألبانها بعد ما أسلموا، فأنكر ذلك عليهم المسلمون، فقالوا: إنا نقوي علي هذا و هذا. و قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إن التوراة كتاب اللّه، فدعنا فلنعمل بها، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 214- قوله تعالي: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
قال قتادة و السدي: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد و الشدة و الحر و البرد و سوء العيش و أنواع الأذي، و كان كما قال اللّه تعالي: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [سورة الأحزاب، الآية: 10].
و قال عطاء: لما دخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه المدينة اشتد الضر عليهم، بأنهم خرجوا بلا مال و تركوا ديارهم و أموالهم بأيدي المشركين، و آثروا رضا اللّه و رسوله، و أظهرت اليهود العداوة لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و أسر قوم من الأغنياء النفاق، فأنزل اللّه تعالي تطييبا لقلوبهم: أَمْ حَسِبْتُمْ «2» الآية.
الآية: 215- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في عمرو بن الجموح الأنصاري، و كان شيخا كبيرا ذا مال كثير، فقال: يا رسول اللّه، بما ذا يتصدق و علي من ينفق؟
فنزلت هذه الآية.
و قال في رواية عطاء: نزلت الآية في رجل أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إن لي دينارا، فقال: «أنفقه علي نفسك». فقال: إن لي دينارين، فقال: «أنفقهما علي أهلك». فقال:
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 53- 54، و السيوطي، 33- 34، و تفسير الطبري، ج 2/ 198.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 251، و قد ذكر نحو هذا.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 50
إن لي ثلاثة، فقال: «أنفقها علي خادمك». فقال: إن لي أربعة، فقال: «أنفقها علي والديك». فقال: إن لي خمسة، فقال: «أنفقها علي قرابتك». فقال: إن لي ستة، فقال: «أنفقها في سبيل اللّه، و هو أخسها» «1».
الآية: 217- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ.
عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعث سرية من المسلمين، و أمر عليهم عبد اللّه بن جحش الأسدي، فانطلقوا حتي هبطوا نخلة، و وجدوا بها عمرو بن الحضرمي في عير تجارة لقريش، في يوم بقي من الشهر الحرام، فاختصم المسلمون، فقال قائل منهم: لا نعلم هذا اليوم إلا من الشهر الحرام، و لا نري أن تستحلوا لطمع أشفيتم عليه، فغلب علي الأمر الذين يريدون عرض الدنيا، فشدوا علي ابن الحضرمي فقتلوه، و غنموا عيره، فبلغ ذلك كفار قريش، و كان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين و بين المشركين، فركب وفد من كفار قريش حتي قدموا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقالوا: أ تحل القتال في الشهر الحرام؟ فأنزل اللّه تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ إلي الغاية «2».
و عن يحيي ابن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري قال: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن جحش و معه نفر من المهاجرين، فقتل عبد اللّه بن واقد الليثي عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب، و أسروا رجلين، و استاقوا العير، فوقف علي ذلك النبي صلي اللّه عليه و سلم و قال: «لم آمركم بالقتال في الشهر الحرام». فقالت قريش:
استحل محمد الشهر الحرام، فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ إلي قوله:
وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أي: قد كانوا يقتلونكم و أنتم في حرم اللّه بعد إيمانكم، و هذا أكبر عند اللّه من أن تقتلوهم في الشهر الحرام مع كفرهم باللّه.
قال الزهري: لما نزل هذا قبض رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم العير، و فادي الأسيرين، و لما فرج اللّه تعالي عن أهل تلك السرية ما كانوا فيه من غم، طمعوا فيما عند اللّه من ثوابه، فقالوا: يا نبي اللّه، أ نطمع أن تكون غزوة، و لا نعطي فيها أجر المجاهدين في سبيل
__________________________________________________
(1) أخسّها أي: أقلها أجرا. تفسير ابن كثير، ج 1/ 251، و زاد المسير، ج 1/ 233.
(2) أي إلي نهاية الآية. النيسابوري، 55- 56، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 217.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 51
اللّه؟ فأنزل اللّه تعالي فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا [سورة البقرة، الآية: 218] «1».
الآية: 219- قوله تعالي:* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ.
نزلت في عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل و نفر من الأنصار، أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: أفتنا في الخمر و الميسر، فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 220- قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامي
عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً [سورة النساء، الآية: 10] عزلوا أموالهم، فنزلت: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فخلطوا أموالهم بأموالهم «3».
و عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة الأنعام، الآية: 152] و: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه، و شرابه من شرابه، و جعل يفضل الشي‌ء من طعامه فيجلس له حتي يأكله أو يفسد، و اشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامي قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فخلطوا طعامهم بطعامهم، و شرابهم بشرابهم «4».
الآية: 221- قوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّي يُؤْمِنَّ.
عن مقاتل بن حيان قال: نزلت في أبي مرثد الغنوي، استأذن النبي صلي اللّه عليه و سلم في عناق
__________________________________________________
(1) و تتمتها: فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. و انظر تفسير القرطبي، ج 3/ 40- 42.
(2) سنن الترمذي برقم 3049، و سنن أبي داود برقم 3670.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 255.
(4) المستدرك للحاكم، ج 2/ 278، و صححه و وافقه الذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 52
أن يتزوجها، و هي امرأة مسكينة من قريش، و كانت ذات حظ من جمال، و هي مشركة، و أبو مرثد مسلم، فقال: يا نبي اللّه، إنها لتعجبني، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّي يُؤْمِنَّ.
و عن ابن عباس في هذه الآية قال: نزلت في عبد اللّه بن رواحة، و كانت له أمة سوداء، و إنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبره خبرها، فقال له النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ما هي يا عبد اللّه». فقال: يا رسول اللّه، هي تصوم و تصلي، و تحسن الوضوء، و تشهد أن لا إله إلا اللّه و أنك رسوله، فقال: «يا عبد اللّه، هذه مؤمنة». قال عبد اللّه: فوالذي بعثك بالحق لأعتقنّها و لأتزوجنها. ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، فقالوا: نكح أمة. و كانوا يريدون أن ينكحوا إلي المشركين و ينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل اللّه تعالي فيه: وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ «1».
الآية: 222- قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ.
عن أنس: أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت، فلم يؤاكلوها و لم يشاربوها و لم يجامعوها في البيت، فسئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن ذلك، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ إلي آخر الآية «2».
و عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذيً قال: إن اليهود قالت: من أتي امرأته من دبرها كان ولده أحول، فكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن، فجاءوا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته و هي حائض و عما قالت اليهود؟ فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ... وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّي يَطْهُرْنَ يعني الاغتسال فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يعني القبل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُ
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 2/ 223، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 257.
(2) رواه مسلم: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها ..، رقم: 302، و النيسابوري، 60- 61.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 53
الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ [سورة البقرة، الآيتان: 222- 223] فإنما الحرث حيث ينبت الولد و يخرج منه «1».
و قال المفسرون: كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم تؤاكلها و لم تشاربها و لم تساكنها في بيت، كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن ذلك، فقال: يا رسول اللّه، ما نصنع بالنساء إذا حضن؟ فأنزل اللّه هذه الآية «2».
الآية: 223- قوله تعالي: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.
عن سفيان بن عيينة، عن ابن المنكدر، سمع جابر بن عبد اللّه يقول: كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها: إن الولد يكون أحول، فنزل:
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ «3».
عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن مسلم، عن مجاهد قال: عرضت المصحف علي ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلي خاتمته، أوقفه عند كل آية منه فأسأله عنها، حتي انتهي إلي هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون النساء، و يتلذذون بهن مقبلات و مدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك، و قلن: هذا شي‌ء لم نكن نؤتي عليه، فانتشر الحديث حتي انتهي إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي في ذلك: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ قال: إن شئت مقبلة و إن شئت مدبرة، و إن شئت باركة، و إنما يعني بذلك موضع الولد للحرث، يقول: ائت الحرث حيث شئت «4».
__________________________________________________
(1) من دبرها أي: من جهة دبرها، و لكن الإتيان في القبل. الحرث أي: موضع الزرع، و المراد هنا موضع وضع ماء الرجل. تفسير القرطبي، ج 3/ 81.
(2) تفسير الطبري، ج 2/ 224- 225، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 258- 260.
(3) زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 323، و رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. البخاري:
التفسير/ البقرة، باب: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ...، رقم: 4254، و مسلم: النكاح، باب:
جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها و من ورائها، رقم: 1435.
(4) تفسير القرطبي، ج 3/ 92، و رواه الحاكم أبو عبد اللّه في مستدركه، ج 2/ 279، و النيسابوري، 61- 62، و السيوطي، 38- 39.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 54
عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قالت اليهود: إذا نكح الرجل امرأته مجبية جاء ولدها أحول، فنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ إن شاء مجبية و إن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد «1».
و عن ليث، عن أبي صالح، عن سعيد بن المسيب: أنه سئل عن قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ قال: نزلت في العزل «2».
و قال ابن عباس في رواية الكلبي: نزلت في المهاجرين، لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم و الأنصار و اليهود من بين أيديهن و من خلفهن، إذا كان المأتي واحدا في الفرج، فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة، و قالوا: إنا لنجد في كتاب اللّه التوراة: أن كل إتيان يؤتي النساء غير مستلقيات دنس عند اللّه، و منه يكون الحول و الخبل. فذكر المسلمون ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قالوا: إنا كنا في الجاهلية و بعد ما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا، و إن اليهود عابت علينا ذلك، و عرفت بنا كذا و كذا. فأكذب اللّه تعالي اليهود، و نزل عليه يرخص لهم: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ. يقول:
الفرج مزرعة للولد فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ يقول: كيف شئتم، من بين يديها و من خلفها، في الفرج «3».
الآية: 224- قوله تعالي: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ.
قال الكلبي: نزلت في عبد اللّه بن رواحة، ينهاه عن قطيعة ختنه «4» بشر بن النعمان، و ذلك أن ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا، و لا يكلمه، و لا يصلح بينه و بين امرأته، و يقول: قد حلفت باللّه أن لا أفعل، و لا يحل إلا أن أبرّ في يميني. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «5».
__________________________________________________
(1) رواه مسلم في صحيحه: النكاح، باب: جواز جماع امرأته في قبلها من قدامها و من ورائها من غير تعرض للدبر، رقم: 1435. [مجبية: مكبوبة علي وجهها. صمام واحد: ثقب و مسلك واحد، و الصمام ما تسد به الفرجة، سمي به الفرج، قال في النهاية: و يجوز أن يكون في موضع صمام علي حذف المضاف .
(2) العزل: هو أن يلقي الرجل ماءه خارج رحم المرأة.
(3) المستدرك للحاكم، ج 2/ 279، و تفسير القرطبي، ج 3/ 92.
(4) ختنه: الختن زوج البنت، و يطلق علي أبي الزوجة و من كان من أقربائها.
(5) تفسير زاد المسير، ج 1/ 253.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 55
الآية: 226- قوله تعالي: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ.
عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان إيلاء «1» أهل الجاهلية السنة و السنتين و أكثر من ذلك، فوقّت اللّه أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء «2».
و قال سعيد بن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يريد المرأة، و لا يحب أن يتزوّجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدا، و كان يتركها كذلك:
لا أيّما و لا ذات بعل، فجعل اللّه تعالي الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، و أنزل اللّه تعالي: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ «3» الآية.
الآية: 228- قوله تعالي: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.
أخرج أبو داود و ابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد بن السكن، طلّقت علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و لم يكن للمطلقة عدّة، فأنزل اللّه العدّة للطلاق: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ «4» الآية.
الآية: 229- قوله تعالي: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ.
عن الربيع قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، و إن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلي امرأة له فطلقها، ثم أمهلها حتي إذا شارفت انقضاء عدّتها ارتجعها، ثم طلقها، و قال: و اللّه لا آويك إليّ و لا تحلين أبدا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ «5».
__________________________________________________
(1) إيلاء: هو الحلف، و المراد به هنا حلف مخصوص، و هو أن يحلف أن لا يقرب زوجته أي:
لا يجامعها.
(2) النيسابوري، 64- 65، و السيوطي، 38- 39، و السنن الكبري للبيهقي، ج 7/ 381، و سنن سعيد بن منصور برقم 1884، و الطبراني في معجمه الكبير، ج 11/ 158.
(3) تفسير زاد المسير، ج 1/ 256.
(4) تفسير ابن كثير، ج 1/ 269.
(5) تفسير الطبري، ج 2/ 276، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 272، و أخرجه الترمذي برقم 1192.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 56
عن عائشة: أنها أتتها امرأة فسألتها عن شي‌ء من الطلاق، قالت: فذكرت ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، قال: فنزلت: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ «1».
الآية: 230- قوله تعالي: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
أخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حبان، قال: نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك، كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك، و هو ابن عمها، فطلقها طلاقا بائنا. فتزوّجت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، فطلقها، فأتت النّبي صلي اللّه عليه و سلم، فقالت: إنّه طلقني قبل أن يمسّني، أ فأرجع إلي الأول؟ قال صلي اللّه عليه و سلم: «لا حتي يمسّ»، و نزل فيها: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فيجامعها فَإِنْ طَلَّقَها بعد ما جامعها، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا «2» الآية.
الآية: 232- قوله تعالي: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ.
عن يونس بن عبيد، عن الحسن، أنه قال في قول اللّه عزّ و جلّ: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا الآية. قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال:
كنت زوجت أختا لي من رجل، فطلقها، حتي إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك و أفرشتك و أكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها؟ لا و اللّه، لا تعود إليها أبدا. قال: و كان رجلا لا بأس به، و كانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية، فقلت: الآن أفعل يا رسول اللّه، فزوجتها إياه «3».
و عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فخطبت إليّ، و كنت أمنعها الناس، فأتاني ابن عم لي فخطبها، فأنكحتها إياه، فاصطحبا ما شاء اللّه، ثم طلقها طلاقا له رجعة، ثم تركها حتي انقضت عدتها فخطبها مع الخطاب، فقلت: منعتها الناس و زوجتك إياها، ثم طلقتها طلاقا له رجعة «4»، ثم تركتها حتي انقضت عدتها، فلما
__________________________________________________
(1) المستدرك للحاكم، ج 2/ 279- 280.
(2) تفسير زاد المسير، ج 1/ 266.
(3) رواه البخاري في صحيحه: النكاح، باب: من قال لا نكاح إلا بوليّ، رقم: 4837. أفرشتك: أي جعلت أختي لك فرشا، و المرأة تسمي فراشا، لأن الرجل يفترشها حين يجامعها.
(4) طلاقا له رجعة أي: يمكن للزوج أن يراجع زوجته قبل مضي عدتها، و لا تملك أن تمتنع من-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 57
خطبت إليّ أتيتني تخطبها؟ لا أزوجك أبدا. فأنزل اللّه تعالي: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ فكفرت عن يميني و أنكحتها إياه «1».
قال الحسن: علم اللّه حاجة الرجل إلي امرأته و حاجة المرأة إلي بعلها، فأنزل اللّه تعالي في ذلك القرآن: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إلي آخر الآية، قال: فسمع ذلك معقل بن يسار فقال: سمعا لربي و طاعة، فدعا زوجها فقال: أزوجك و أكرمك، فزوجها إياه «2».
الآية: 238- قوله تعالي: حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي
أخرج أحمد و البخاري في تاريخه و أبو داود و البيهقي و ابن جرير عن زيد بن ثابت أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان يصلي الظهر بالهاجرة، و كانت أثقل الصلاة علي أصحابه، فنزلت: حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي
و أخرج أحمد و النسائي و ابن جرير عن زيد بن ثابت أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلّا الصف و الصفان، و الناس في قائلتهم و تجارتهم، فأنزل اللّه: حافِظُوا عَلَي الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطي «3».
و أخرج الأئمة الستة و غيرهم عن زيد بن أرقم، قال: كنّا نتكلم علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في الصلاة، يكلم الرجل منّا صاحبه و هو إلي جنبه في الصلاة، حتي نزلت:
وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)، فأمرنا بالسكوت، و نهينا عن الكلام «4».
الآية: 240- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ.
__________________________________________________
- ذلك، إذ هي في حكم الزوجة.
(1) النيسابوري، 66- 68، و السيوطي، 40- 41، و تفسير القرطبي، ج 3/ 158.
(2) النيسابوري، 68- 69، و السيوطي، 42- 43، و تفسير الطبري، ج 2/ 297.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 290- 291.
(4) السيوطي، 43- 44، و سنن الترمذي، ج 4/ 77، و أبو داود في سننه، ج 1/ 358، و مسند أحمد، ج 4/ 368.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 58
عن ابن حيان في هذه الآية: أن رجلا من أهل الطائف قدم المدينة، و له أولاد رجال و نساء، و معه أبواه و امرأته، فمات بالمدينة، فرفع ذلك إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فأعطي الوالدين و أعطي أولاده بالمعروف و لم يعط امرأته شيئا، غير أن أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها إلي الحول «1».
الآية: 241- قوله تعالي: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد، قال: لمّا نزلت: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَي الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَي الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُحْسِنِينَ (236) [سورة البقرة، الآية: 236] قال رجل: إن أحسنت فعلت، و إن لم أرد ذلك لم أفعل. فأنزل اللّه: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ (241) «2».
الآية: 245- قوله تعالي: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.
روي ابن حبان في صحيحه و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عمر قال: لمّا نزلت: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ [سورة البقرة، الآية: 261] إلي آخرها، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ربّ زد أمتي»؛ فنزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً «3»!!.
الآية: 256- قوله تعالي: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
عن الحسين بن محمد بن مصعب قال: حدثني يحيي بن حكيم قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
كانت المرأة من نساء الأنصار تكون مقلاة «4»، فتجعل علي نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أجليت النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل اللّه تعالي: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ «5».
__________________________________________________
(1) تفسير زاد المسير، ج 1/ 258.
(2) تفسير الطبري، ج 2/ 364، و السيوطي 44.
(3) السيوطي 44، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 299- 300.
(4) المقلاة: التي لا يعيش لها ولد.
(5) أسباب النزول للنيسابوري 70، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 310- 311.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 59
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالي: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال:
كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلف: لئن عاش لها ولد لتهوّدنّه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول اللّه، أبناؤنا؟ فأنزل اللّه تعالي: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم و من شاء دخل في الإسلام «1».
و قال مسروق: كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان، فتنصرا قبل أن يبعث النبي صلي اللّه عليه و سلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصاري يحملون الطعام، فأتاهما أبوهما فلزمهما، و قال: و اللّه لا أدعكما حتي تسلما، فأبيا أن يسلما، فاختصموا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال: يا رسول اللّه، أ يدخل بعضي النار و أنا أنظر؟ فأنزل اللّه عزّ و جلّ:
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فخلي سبيلهما «2».
الآية: 257- قوله تعالي: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا.
أخرج ابن جرير عن عبدة ابن أبي لبابة في قوله تعالي: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا قال: هم الذين آمنوا بعيسي، فلمّا جاءهم محمد صلي اللّه عليه و سلم آمنوا به، و أنزلت فيهم هذه الآية «3».
و أخرج عن مجاهد قال: كان قوم آمنوا بعيسي، و قوم كفروا به، فلمّا بعث محمد صلي اللّه عليه و سلم آمن به الذين كفروا بعيسي، و كفر به الذين آمنوا بعيسي؛ فأنزل اللّه هذه الآية «4».
الآية: 260- قوله تعالي: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي
ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتي.
فعن قتادة قال: ذكر لنا أن إبراهيم أتي علي دابة ميتة قد توزعتها دواب البر و البحر، قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 3/ 280.
(2) النيسابوري، 70- 71، و السيوطي، 44- 45.
(3) تفسير الطبري، ج 3/ 15.
(4) السيوطي 45، و تفسير القرطبي، ج 3/ 283.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 60
و قال حسن و عطاء الخراساني و الضحاك و ابن جريج: كانت جيفة حمار بساحل البحر، قال عطاء: بحيرة طبرية، قالوا: فرآها قد توزعتها دواب البر و البحر، فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان و دواب البحر فأكلت منها، فما وقع منها يقع في الماء. و إذا جزر البحر «1» جاءت السباع فأكلت منها، فما وقع منها يصير ترابا. فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء، فلما رأي ذلك إبراهيم تعجب منها و قال: يا رب، قد علمت لتجمعنها، فأرني كيف تحييها؟ لأعاين ذلك «2».
و قال محمد بن إسحاق بن يسار: إن إبراهيم لما احتج علي نمروذ فقال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ و قال نمروذ: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ [سورة البقرة، الآية: 258] ثم قتل رجلا و أطلق رجلا، قال: قد أمت ذلك و أحييت هذا. قال له إبراهيم: فإن اللّه يحيي بأن يرد الروح إلي جسد ميت. فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله؟ و لم يقدر أن يقول نعم رأيته، فتنقل إلي حجة أخري «3»، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الميت لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبرا عن مشاهدة و عيان «4».
و قال ابن عباس و سعيد بن جبير و السدي: لما اتخذ إبراهيم خليلا استأذن ملك الموت ربّه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن اللّه تعالي اتخذك خليلا، فحمد اللّه عزّ و جلّ و قال: ما علامة ذلك؟ قال: أن يجيب اللّه دعاءك و تحيي الموتي بسؤالك. ثم انطلق و ذهب، فقال إبراهيم: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتي قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك و تعطيني إذا سألتك أنك اتخذتني خليلا «5».
الآية: 262- قوله تعالي: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قال الكلبي: نزلت في عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف. أما عبد الرحمن
__________________________________________________
(1) جزر البحر: عكس مدّه. و هو رجوع الماء إلي الأعماق.
(2) النيسابوري، 71- 72، و تفسير الطبري، ج 3/ 33.
(3) و هي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ [سورة البقرة، الآية: 258].
(4) تفسير الطبري، ج 3/ 33.
(5) أسباب النزول للنيسابوري 73.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 61
ابن عوف: فإنه جاء إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم بأربعة آلاف درهم صدقة، فقال: كان عندي ثمانية آلاف درهم، فأمسكت منها لنفسي و لعيالي أربعة آلاف درهم، و أربعة آلاف أقرضتها ربي. فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «بارك اللّه لك فيما أمسكت و فيما أعطيت». و أما عثمان رضي اللّه عنه فقال: علي جهاز من لا جهاز له، في غزوة تبوك. فجهز المسلمين بألف بعير بأقتابها و أحلاسها، و تصدق برومة- ركية كانت له «1»- علي المسلمين، فنزلت فيهما هذه الآية «2».
و قال أبو سعيد الخدري: رأيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رافعا يده يدعو لعثمان و يقول:
«يا رب، إن عثمان بن عفان رضيت عنه، فارض عنه». فما زال رافعا بده حتي طلع الفجر، فأنزل اللّه تعالي فيه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ «3».
الآية: 267- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم بزكاة الفطر بصاع من تمر، فجاء رجل بتمر ردي‌ء، فنزل القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «4».
عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: نزلت هذه الآية في الأنصار، كانت تخرج إذا كان جذاذ النخل من حيطانها أقناء من التمر و البسر، فيعلقونها علي جبل بين أسطوانتين في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، و كان الرجل يعمد فيخرج قنو الحشف، و هو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك: وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ يعني القنو الذي فيه حشف، و لو أهدي إليكم ما قبلتموه «5».
__________________________________________________
(1) الأقتاب: جمع قتب، و هو ما يوضع علي ظهر البعير عند الركوب. و الأحلاس: جمع حلس، و هو ما يوضع فوق القتب. و الركية: هي البئر. و رومة: اسم هذه البئر.
(2) أسباب النزول للنيسابوري، ص 73.
(3) تفسير القرطبي، ج 3/ 306.
(4) المستدرك للحاكم، ج 2/ 383- 384، و صححه و أقره الذهبي.
(5) تفسير الطبري، ج 3/ 55، و الحاكم في المستدرك، ج 3/ 385.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 62
الآية: 271- قوله تعالي: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ.
قال الكلبي: لما نزل قوله تعالي: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [سورة البقرة، الآية: 270].
قالوا: يا رسول اللّه، صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 272- قوله تعالي:* لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ.
روي النسائي و الحاكم و البزار و الطبراني و غيرهم عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية:
* لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ إلي قوله: وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272).
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان يأمر أن لا يتصدق إلا علي أهل الإسلام، فنزلت هذه الآية. فأمر بالتصدّق علي كل من سأل من كل دين «2».
الآية: 274- قوله تعالي: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً.
عن ابن مهدي، عن يزيد بن عبد اللّه، عن شعيب، عن أبيه، عنه جده «3»، عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال: «نزلت هذه الآية: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ في أصحاب الخيل». و قال: «إن الشياطين لا تخبل أحدا في بيته فرس عتيق من الخيل» «4».
و هذا قول لأبي أمامة و أبي الدرداء، و مكحول و الأوزاعي و رباح بن يزيد، قالوا:
هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل اللّه تعالي، ينفقون عليها بالليل و النهار سرا و علانية، نزلت فيمن لم يرتبطها تخيلا و لا افتخارا.
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 73- 74، و السيوطي، 45- 46، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 322.
(2) السيوطي 46، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 323، و تفسير القرطبي، ج 3/ 337، و زاد المسير، ج 1/ 327.
(3) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أبو شعيب هو محمد، و جده هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص.
(4) أسباب النزول للنيسابوري 76، و في إسناده مجاهيل، فلا تصح.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 63
و عن عبد اللّه بن صالح قال: حدثني أبو شريح، عن قيس بن الحجاج، عن خثيم بن عبد اللّه الصنعاني أنه قال: حدث ابن عباس في هذه الآية: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ قال: في علف الخيل المربوطة في سبيل اللّه «1».
و يدل علي صحة هذا: ما جاء عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«من ارتبط فرسا في سبيل اللّه، فأنفق عليه احتسابا، كان شبعه و جوعه، و ريه و ظمؤه، و بوله و روثه في ميزانه يوم القيامة» «2».
و عن سليمان بن موسي الدمشقي، عن عجلان بن سهل الباهلي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: من ارتبط فرسا في سبيل اللّه- لم يرتبطه رياء و لا سمعة- كان من الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ «3».
الآية: 278- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا.
عن ابن عباس: هذه الآية نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف، و في بني المغيرة من بني مخزوم، و كانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر اللّه تعالي رسوله علي مكة وضع يومئذ الربا كله، فأتي بنو عمرو بن عمير و بنو المغيرة إلي عتاب بن أسيد و هو علي مكة، فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقي الناس بالربا؟ وضع عن الناس غيرنا؟ فقال بنو عمرو بن عمير: صولحنا علي أن لنا ربانا. فكتب عتاب في ذلك إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فنزلت هذه الآية و التي بعدها: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ [سورة البقرة، الآية: 279]. فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من اللّه و رسوله، يقول اللّه تعالي: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ فتأخذون أكثر وَ لا تُظْلَمُونَ (279) [سورة البقرة، الآية: 279] فتبخسون منه «4».
و قال عطاء و عكرمة: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب و عثمان بن
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 3/ 346.
(2) مسند أحمد، ج 6/ 458، و مصنّف ابن أبي شيبة، ج 12/ 482، و سنده حسن.
(3) النيسابوري 76، و السيوطي، 46- 47.
(4) أسباب النزول للنيسابوري 77.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 64
عفان، و كانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد «1» قال لهما صاحب التمر: لا يبقي لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله، فهل لكما أن تأخذا النصف و أضعف لكما؟ ففعلا، فلما حل الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فنهاهما، و أنزل اللّه تعالي هذه الآية، فسمعا و أطاعا و أخذا رءوس أموالهما «2».
و قال السدي: نزلت في العباس و خالد بن الوليد، و كانا شريكين في الجاهلية، يسلفان في الربا، فجاء الإسلام و لهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، و أول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» «3».
الآية: 280- قوله تعالي: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ.
قال الكلبي: قالت بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة: هاتوا رءوس أموالنا و لكم الربا، ندعه لكم. فقالت بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة، فأخرونا إلي أن تدرك الثمرة. فأبوا أن يؤخروهم، فأنزل اللّه تعالي: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «4» الآية.
الآية: 285- قوله تعالي: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ.
عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لما أنزل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [سورة البقرة، الآية: 284] اشتد ذلك علي أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، ثم أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: كلفنا من الأعمال ما نطيق:
الصلاة و الصيام و الجهاد و الصدقة، و قد أنزلت عليك هذه الآية و لا نطيقها؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أ تريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم- أراه- قالوا: سمعنا و عصينا، قولوا: سمعنا و أطعنا، غفرانك ربنا و إليك المصير». فلما اقترأها القوم و جرت بها ألسنتهم أنزل اللّه تعالي في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
__________________________________________________
(1) أسلفنا: أعطينا مالا سلفا في ثمن التمر. و الجداد: قطاف التمر.
(2) تفسير الطبري، ج 3/ 71.
(3) الدر المنثور للسيوطي، ج 1/ 366.
(4) أسباب النزول للنيسابوري 78.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 65
الآية كلها، و نسخها اللّه تعالي، فأنزل اللّه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [سورة البقرة، الآية: 286] إلي آخرها «1».
و عن آدم بن سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث، عن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ دخل قلوبهم منها شي‌ء لم يدخلها من شي‌ء، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «قولوا: سمعنا و أطعنا و سلمنا». فألقي اللّه تعالي الإيمان في قلوبهم، فقالوا: سمعنا و أطعنا، فأنزل اللّه تعالي: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها حتي بلغ أَوْ أَخْطَأْنا فقال: «قد فعلت- إلي آخر البقرة- كل ذلك يقول: قد فعلت» «2».
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ جاء أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و معاذ بن جبل و ناس من الأنصار إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فجثوا علي الركب، و قالوا: يا رسول اللّه، و اللّه ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه و أن له الدنيا و ما فيها، و إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا، هلكنا و اللّه؟ فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «هكذا أنزلت». فقالوا: هلكنا و كلفنا من العمل ما لا نطيق. قال: «فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسي: سمعنا و عصينا؟ قولوا: سمعنا و أطعنا». فقالوا: سمعنا و أطعنا، و اشتد ذلك عليهم، فمكثوا بذلك حولا، فأنزل اللّه تعالي الفرج و الراحة بقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها الآية. فنسخت هذه الآية ما قبلها، قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم، ما لم يعملوا أو يتكلموا به» «3».
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 338، و رواه مسلم في صحيحه: الإيمان، باب: بيان أنه سبحانه و تعالي لم يكلف إلا ما يطاق، رقم: 125، و النيسابوري 78، و السيوطي، 47- 48.
(2) رواه مسلم في صحيحه: رقم: 126، و النيسابوري 79، و تفسير القرطبي، ج 3/ 427.
(3) زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 342- 343، و تفسير القرطبي، ج 3/ 427- 433، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 342- 343.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 66

3- سورة آل عمران‌

قال المفسرون: قدم وفد نجران، و كانوا ستين راكبا، علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، و في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم:
فالعاقب أمير القوم، و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، و اسمه عبد المسيح.
و السيد إمامهم، و صاحب رحلهم، و اسمه الأيهم.
و أبو حارثة بن علقمة، و أسقفهم و حبرهم و إمامهم، و صاحب مدراسهم، و كان قد شرف فيهم و درس كتبهم حتي حسن علمه في دينهم، و كانت ملوك الروم قد شرفوه و موّلوه، و بنوا له الكنائس لعلمه و اجتهاده.
فقدموا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و دخلوا مسجده حين صلي العصر، عليهم ثياب الحبرات، جباب و أردية، في جمال رجال الحارث بن كعب، يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: ما رأينا وفدا مثلهم، و قد حانت صلاتهم، فقاموا فصلوا في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «دعوهم». فصلوا إلي المشرق، فكلم السيد و العاقب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال لهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أسلما». فقالا: قد أسلمنا قبلك. قال: «كذبتما، منعكما من الإسلام دعاؤكما للّه ولدا، و عبادتكما الصليب، و أكلكما الخنزير». قالا: إن لم يكن عيسي ولد اللّه فمن أبوه؟ و خاصموه جميعا في عيسي، فقال لهما النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أ لستم تعلمون أنه لا يكون ولدا إلا و يشبه أباه؟» قالوا:
بلي، قال: «أ لستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت و أن عيسي أتي عليه الفناء؟» قالوا:
بلي، قال: «أ لستم تعلمون أن ربّنا قيّم علي كل شي‌ء يحفظه و يرزقه؟» قالوا: بلي، قال: «فهل يملك عيسي من ذلك شيئا؟» قالوا: لا، قال: «فإن ربنا صوّر عيسي في الرحم كيف شاء، و ربنا لا يأكل و لا يشرب و لا يحدث». قالوا: بلي، قال: «أ لستم تعلمون أن عيسي حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 67
غذي كما يغذي الصبي، ثم كان يطعم و يشرب و يحدث». قالوا: بلي، قال: «فكيف يكون هذا كما زعمتم». فسكتوا، فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم صدر سورة آل عمران إلي بضعة و ثمانين آية منها «1».
الآية: 12- قوله تعالي: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ.
قال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن يهود أهل المدينة قالوا، لما هزم اللّه المشركين يوم بدر: هذا و اللّه النبي الأمي الذي بشرنا به موسي، و نجده في كتابنا بنعته و صفته، و أنه لا ترد له راية. فأرادوا تصديقه و اتباعه، ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتي ننظر إلي وقعة له أخري. فلما كان يوم أحد و نكب أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم شكّوا، و قالوا: لا و اللّه ما هو به. و غلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، و كان بينهم و بين رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عهد إلي مدة، فنقضوا ذلك العهد، و انطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلي أهل مكة أبي سفيان و أصحابه، فوافقوهم و أجمعوا أمرهم، و قالوا: لتكونن كلمتنا واحدة. ثم رجعوا إلي المدينة، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية «2».
و قال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قريشا ببدر، فقدم المدينة، جمع اليهود و قال: «يا معشر اليهود، احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر، و أسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم و عهد اللّه إليك». فقالوا: يا محمد، لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم بهم بالحرب، فأصبت فيهم فرصة؟ أما و اللّه لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني اليهود سَتُغْلَبُونَ تهزمون وَ تُحْشَرُونَ إِلي جَهَنَّمَ في الآخرة «3».
هذه رواية عكرمة و سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 4/ 4، و النيسابوري، 80- 81.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 81، و زاد المسير، ج 1/ 356.
(3) النيسابوري، 81- 82، و السيوطي 49، و تفسير الطبري، ج 3/ 128، و سنن أبي داود برقم 3001، و فيه ضعف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 68
الآية: 18- قوله تعالي: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
قال الكلبي: لما ظهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان. فلما دخلا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم عرفاه بالصفة و النعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: «نعم». قالا: و أنت أحمد؟ قال: «نعم». قالا: إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك و صدقناك. فقال لهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«سلاني». فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه. فأنزل اللّه تعالي علي نبيه:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ. فأسلم الرجلان و صدقا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم «1».
الآية: 23- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ.
اختلفوا في سبب نزولها:
قال السدي: دعا النبي صلي اللّه عليه و سلم اليهود إلي الإسلام، فقال له النعمان بن أدفي: هلم يا محمد، نخاصمك إلي الأحبار. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «بل إلي كتاب اللّه». فقال: بل إلي الأحبار. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و روي سعيد بن جبير و عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدراس [أي المكان الذي يدرسون فيه علي جماعة من اليهود، فدعاهم إلي اللّه، فقال له نعيم بن عمرو و الحارث بن زيد: علي أي دين أنت يا محمد؟ فقال: «علي ملة إبراهيم». قالا: إن إبراهيم كان يهوديا. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «فهلموا إلي التوراة، فهي بيننا و بينكم»، فأبيا عليه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال الكلبي: نزلت في قصة الذين زنيا من خيبر، و سؤال اليهود للنبي صلي اللّه عليه و سلم عن حد الزانيين. و سيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء اللّه تعالي [في بيان سبب نزول الآية 44 من سورة المائدة].
__________________________________________________
(1) النيسابوري 82، و تفسير القرطبي، ج 4/ 40- 41.
(2) النيسابوري، 82- 83.
(3) تفسير القرطبي، ج 4/ 50.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 69
الآية: 26- قوله تعالي: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ.
قال ابن عباس و أنس بن مالك: لما افتتح رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مكة، و وعد أمته ملك فارس و الروم، قالت المنافقون و اليهود: هيهات هيهات، من أين لمحمد ملك فارس و الروم؟ هم أعز و أمنع من ذلك، أ لم يكف محمدا مكة و المدينة حتي طمع في ملك فارس و الروم؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 28- قوله تعالي: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
قال ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو و كهمس بن أبي الحقيق و قيس بن زيد، و هؤلاء كانوا من اليهود، يباطنون «2» نفرا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر و عبد اللّه بن جبير و سعيد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود، و احذروا لزومهم و مباطنتهم، لا يفتنوكم عن دينكم. فأبي أولئك النفر إلا مباطنتهم و ملازمتهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال الكلبي: نزلت في المنافقين عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه، كانوا يتولون اليهود و المشركين، و يأتونهم بالأخبار، و يرجون أن يكون لهم الظفر علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و نهي المؤمنين عن مثل فعلهم «4».
و قال جبير، عن الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري، و كان بدريا نقيبا «5» و كان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلي اللّه عليه و سلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي اللّه، إن معي خمسمائة رجل من اليهود، و قد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم علي العدو. فأنزل اللّه تعالي: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ الآية «6».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 84- 85، و السيوطي 50، و تفسير الطبري، ج 3/ 148، و تفسير القرطبي، ج 4/ 52، و زاد المسير في علم التفسير، ج 1/ 368.
(2) يباطنون: يتخذونهم بطانة، يشاورونهم في شئونهم و يسرون إليهم عن أحوالهم.
(3) تفسير الطبري، ج 3/ 152.
(4) انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 357.
(5) أي: حضر بدرا. و النقيب: عريف القوم. و النقباء كانوا اثني عشر ليلة بيعة العقبة.
(6) النيسابوري، 85- 86، و السيوطي، 50- 51.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 70
الآية: 31- قوله تعالي: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ.
قال الحسن و ابن جريج: زعم أقوام علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أنهم يحبون اللّه، فقالوا: يا محمد، إنا نحب ربنا. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و روي جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: وقف النبي صلي اللّه عليه و سلم علي قريش و هم في المسجد الحرام، و قد نصبوا أصنامهم و علقوا عليها بيض النعام، و جعلوا في آذانها الشنوف «1»، و هم يسجدون لها، فقال: يا معشر قريش، لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم و إسماعيل، و لقد كانا علي الإسلام». فقالت قريش: يا محمد، إنما نعبد هذه حبا للّه، ليقربونا إلي اللّه زلفي. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ و تعبدون الأصنام لتقربكم إليه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فأنا رسوله إليكم و حجته عليكم، و أنا أولي بالتعظيم من أصنامكم «2».
و روي الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن اليهود لما قالوا: نحن أبناء اللّه و أحباؤه «3»، أنزل اللّه تعالي هذه الآية، فلما نزلت عرضها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي اليهود فأبوا أن يقبلوها «4».
و روي محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزلت في نصاري نجران، و ذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح و نعبده حبا للّه و تعظيما له، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية ردا عليهم «5».
الآية: 59- قوله تعالي: إِنَّ مَثَلَ عِيسي عِنْدَ اللَّهِ.
__________________________________________________
(1) الشنوف: جمع شنف، و هو من حليّ الأذن، و قيل: هو ما يعلق في أعلاها. الإسلام أي:
دين التوحيد. زلفي: منزلة و درجة.
(2) زاد المسير، ج 1/ 373، و جويبر ضعيف جدا.
(3) و قد ذكر في القرآن ذلك عنهم و عن النصاري ورد عليهم زعمهم، بقوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصاري نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [سورة: المائدة، الآية: 18].
(4) النيسابوري 86.
(5) تفسير الطبري، ج 3/ 155.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 71
قال المفسرون: إن وفد نجران قالوا لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: ما لك تشتم صاحبنا؟ قال:
«و ما أقول». قالوا: تقول: إنه عبد. قال: «أجل، إنه عبد اللّه و رسوله، و كلمته ألقاها إلي العذراء البتول» «1». فغضبوا و قالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فإن كنت صادقا فأرنا مثله. فأنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية «2».
عن مبارك، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فعرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال: «كذبتما، إنه يمنعكما من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، و أكلكم الخنزير، و قولكم للّه ولد»، قالا: من أبو عيسي؟
و كان لا يعجل «3» حتي يأمره ربّه، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ مَثَلَ عِيسي «4».
الآية: 61- قوله تعالي: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ.
عن حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال لهما: «أسلما تسلما». فقالا: قد أسلمنا قبلك. فقال: «كذبتما، يمنعكما من الإسلام: سجودكما للصليب، و قولكما اتخذ اللّه ولدا، و شربكما الخمر».
فقالا: ما تقول في عيسي؟ قال: فسكت النبي صلي اللّه عليه و سلم و نزل القرآن: ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) [سورة آل عمران، الآية: 58] إلي قوله: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية. فدعاهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي الملاعنة. و قال: و جاء بالحسن و الحسين و فاطمة و أهله و ولده عليهم السلام، قال: فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه: اقرر بالجزية و لا تلاعنه، فأقر بالجزية، قال: فرجعا فقالا: نقر بالجزية و لا نلاعنك «5».
__________________________________________________
(1) العذراء: البنت البكر التي لم يمسها رجل. البتول: المنقطعة عن الرجال، و لا شهوة لها فيهم، لا عن علة و إنما عن مجاهدة نفس، من التّبتّل و هو الانقطاع عن ملاذ الدنيا للعبادة.
(2) تفسير القرطبي، ج 4/ 103.
(3) لا يعجل: أي لا يسرع بالجواب.
(4) النيسابوري، 86- 88، و السيوطي، 51- 52، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 368.
(5) الملاعنة: و هي أن يخرج الفريقان إلي مكان يدعوان اللّه تعالي أن ينزل اللعنة علي من كان منهما علي الباطل، و تسمي المباهلة أيضا، كما ذكر في الآية نفسها. فأقر بالجزية: أي رضي أن يدفع الجزية هو و قومه، و الجزية: مقدار محدود من المال تأخذه الدولة المسلمة من-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 72
الآية: 65- قوله تعالي: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ.
روي ابن إسحاق بسنده المتكرر إلي ابن عباس، قال: اجتمعت نصاري نجران، و أحبار يهود عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا. و قالت النصاري: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و أخرجه البيهقي في الدلائل «1».
و قال القرطبي: و هذه الآية نزلت بسبب دعوي كل فريق من اليهود و النصاري أن إبراهيم كان علي دينه، فأكذبهم اللّه بأن اليهودية و النصرانية إنما كانتا من بعده، فذلك قوله تعالي: وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ «2».
الآية: 68- قوله تعالي: إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ علي ملته و سنته وَ هذَا النَّبِيُّ يعني محمدا صلي اللّه عليه و سلم وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68).
عن وكيع، عن سفيان بن سعيد، عن أبيه، عن أبي الضحي، عن عبد اللّه قال:
قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إن لكل نبي ولاة من النبيين، و أنا أولي بأبي الخليل، أبي إبراهيم». ثم قرأ: إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ «3» الآية.
الآية: 69- قوله تعالي: وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ.
نزلت في معاذ بن جبل و عمار بن ياسر، حين دعاهما اليهود إلي دينهم، و قد مضت القصة في سورة البقرة «4».
الآية: 72- قوله تعالي: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا.
قال الحسن و السدي: تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر، و قال بعضهم لبعض:
__________________________________________________
- رعاياها غير المسلمين، مقابل حمايتها لهم و رعايتها. تفسير ابن كثير، ج 1/ 369.
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 372.
(2) تفسير القرطبي، ج 4/ 107.
(3) المستدرك للحاكم، ج 2/ 292، و صححه و أقره الذهبي.
(4) زاد المسير في علم التفسير، ج 1/ 404.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 73
ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، و اكفروا به في آخر النهار، و قولوا: إنا نظرنا في كتبنا، و شاورنا علماءنا، فوجدنا محمدا ليس بذلك، و ظهر لنا كذبه و بطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم، و قالوا: إنهم أهل كتاب و هم أعلم به منا، فيرجعون عن دينهم إلي دينكم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية. و أخبر نبيه محمدا صلي اللّه عليه و سلم و المؤمنين «1».
قال مجاهد و مقاتل و الكلبي: هذا في شأن القبلة، لما صرفت إلي الكعبة شق ذلك علي اليهود لمخالفتهم، قال كعب بن الأشرف و أصحابه: آمنوا بالذي أنزل علي محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار، ثم اكفروا بالكعبة آخر النهار، و ارجعوا إلي قبلتكم الصخرة، لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، و هم أعلم منا، فربما يرجعون إلي قبلتنا. فحذر اللّه تعالي نبيه مكر هؤلاء، و أطلعه علي سرهم، و أنزل:
وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ «2» الآية.
الآية: 77- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.
عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «من حلف علي يمين، و هو فيها فاجر، ليقطع بها مال امرئ مسلم، لقي اللّه و هو عليه غضبان».
فقال الأشعث بن قيس: فيّ و اللّه، كان بيني و بين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدمته إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال: «لك بينة» قلت: لا، فقال لليهودي: «أ تحلف». قلت:
إذن يحلف، فيذهب بمالي. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا «3» الآية.
و قال عكرمة: نزلت في أبي رافع و لبابة بن أبي الحقيق و حيي بن أخطب و غيرهم من رؤساء اليهود، كتموا ما عهد اللّه إليهم في التوراة من شأن محمد صلي اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 93- 94، و تفسير القرطبي، ج 4/ 112.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 95، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 373.
(3) رواه البخاري في صحيحه: المساقاة (الشرب)، باب: الخصومة في البئر و القضاء فيها، رقم: 2229، و النيسابوري، 95- 96، و السيوطي 53، و تفسير القرطبي، ج 4/ 119- 120.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 74
و بدلوه، و كتبوا بأيديهم غيره، و حلفوا أنه من عند اللّه، لئلا يفوتهم الرّشا و المآكل التي كانت لهم علي أتباعهم «1».
الآية: 79- قوله تعالي: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ.
قال الضحاك و مقاتل: نزلت في نصاري نجران حين عبدوا عيسي، و قوله:
لِبَشَرٍ يعني عيسي أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ يعني الإنجيل «2».
و قال ابن عباس، في رواية الكلبي و عطاء: إن أبا رافع اليهودي و الرئيس من نصاري نجران، قالا: يا محمد، أ تريد أن نعبدك و نتخذك ربا؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«معاذ اللّه أن يعبد غير اللّه، أو نأمر بعبادة غير اللّه، ما بذلك بعثني و لا بذلك أمرني».
فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال الحسن: بلغني أن رجلا قال: يا رسول اللّه، نسلم عليك كما يسلم بعضنا علي بعض، أ فلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون اللّه، و لكن أكرموا نبيكم، و اعرفوا الحق لأهله». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 83- قوله تعالي: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتابين إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنها أولي بدينه، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «كلا الفريقين بري‌ء من دين إبراهيم». فغضبوا و قالوا: و اللّه ما نرضي بقضائك و لا نأخذ بدينك، فأنزل اللّه تعالي: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ «5».
الآية: 86- قوله تعالي: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ.
__________________________________________________
(1) الرشا: جمع رشوة، و هي ما يعطي من مال ليتوصل به إلي ما ليس بحق. المآكل: جمع مأكلة، و هي ما يأخذونه من أموال مقابل رياستهم. أسباب النزول للنيسابوري 97.
(2) زاد المسير، ج 1/ 413.
(3) أسباب النزول للسيوطي 55.
(4) النيسابوري 98، و السيوطي 55، و زاد المسير، ج 1/ 413.
(5) تفسير القرطبي، ج 4/ 127.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 75
عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين، فأنزل اللّه تعالي: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلي قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا [سورة آل عمران، الآية: 89] فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت إليه قال: و اللّه ما كذبني قومي علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و لا كذب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي اللّه، و اللّه عزّ و جلّ أصدق الثلاثة، فرجع ثانيا، فقبل منه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و تركه «1».
عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الأنصار عن الإسلام و لحق بالشرك، فندم، فأرسل إلي قومه أن يسألوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: هل لي من توبة؟ فإني قد ندمت. فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا حتي بلغ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فكتب بها قومه إليه، فرجع فأسلم «2».
عن مجاهد قال: كان الحارث بن سويد قد أسلم، و كان مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، ثم لحق بقومه و كفر، فأنزلت فيه هذه الآية: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) حملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: و اللّه إنك ما علمت لصدوق، و إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لأصدق منك، و إن اللّه لأصدق الثلاثة. ثم رجع فأسلم إسلاما حسنا «3».
الآية: 90- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ.
قال الحسن و قتادة و عطاء الخراساني: نزلت في اليهود، كفروا بعيسي و الإنجيل، ثم ازدادوا كفرا بمحمد و القرآن «4».
و قال أبو العالية: نزلت في اليهود و النصاري، كفروا بمحمد صلي اللّه عليه و سلم بعد إيمانهم بنعته و صفته، ثم ازدادوا كفرا بإقامتهم علي كفرهم «5».
الآية: 93- قوله تعالي:* كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ.
__________________________________________________
(1) المستدرك للحاكم، ج 2/ 142، و صححه و أقره الذهبي، و تفسير الطبري، ج 3/ 240.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 379.
(3) النيسابوري، 96- 97، و السيوطي 54.
(4) زاد المسير، ج 1/ 419.
(5) السيوطي في أسباب النزول 54.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 76
قال أبو روق و الكلبي: نزلت حين قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إنا علي ملة إبراهيم». فقالت اليهود: كيف و أنت تأكل لحوم الإبل و ألبانها؟ فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «كان ذلك حلالا لإبراهيم، فنحن نحله». فقالت اليهود: كل شي‌ء أصبحنا اليوم نحرمه، فإنه كان محرما علي نوح و إبراهيم حتي انتهي إلينا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ تكذيبا لهم:* كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ «1» الآية.
الآية: 96- قوله تعالي: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ.
قال مجاهد: تفاخر المسلمون و اليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل و أعظم من الكعبة، لأنه مهاجر الأنبياء و في الأرض المقدسة. و قال المسلمون: بل الكعبة أفضل. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 97- قوله تعالي: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَ لِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97).
أخرج سعيد بن منصور عن عكرمة، قال: لما نزلت: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الآية. [سورة آل عمران، الآية: 85]، قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال لهم النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه فرض علي المسلمين حج البيت»؟ فقالوا: لم يكتب علينا، و أبوا أن يحجّوا، فأنزل اللّه: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97) «3».
الآية: 100- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً.
عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين من الأوس و الخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الإسلام اصطلحوا، و ألف اللّه بين قلوبهم، و جلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس و الخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من
__________________________________________________
(1) تفرّد به النيسابوري في أسباب النزول 98.
(2) النيسابوري 98.
(3) السيوطي 55، و زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، ج 1/ 427- 428.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 77
ذلك، فقال الحي الآخرون: و قد قال شاعرنا في يوم كذا، كذا و كذا. فقال الآخرون:
و قد قال شاعرنا في يوم كذا، كذا و كذا. فقالوا: تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت، فنادي هؤلاء: يا آل أوس، و نادي هؤلاء: يا آل خزرج، فاجتمعوا و أخذوا السلاح و اصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية، فجاء النبي صلي اللّه عليه و سلم حتي قام بين الصفين فقرأها و رفع صوته، فلما سمعوا صوته أنصتوا و جعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح، و عانق بعضهم بعضا، و جعلوا يبكون «1».
و قال زيد بن أسلم «2»: مرّ شاس بن قيس اليهودي، و كان شيخا قد غبر في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الضغن علي المسلمين، شديد الحسد لهم، فمر علي نفر من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من الأوس و الخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من جماعتهم و ألفتهم و صلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، لا و اللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم ذكرهم بعاث و ما كان فيه، و أنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار. و كان بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس و الخزرج، و كان الظفر فيه للأوس علي الخزرج، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، فتنازعوا و تفاخروا، حتي تواثب رجلان من الحيين: أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، و جابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، و قال أحدهما لصاحبه: إن شئت رددتها جذعا، و غضب الفريقان جميعا، و قالا: ارجعا، السلاح السلاح، موعدكم الظاهرة، و هي حرة، فخرجوا إليها، فانضمت الأوس و الخزرج بعضها إلي بعض علي دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتي جاءهم، فقال: «يا معشر المسلمين، أ تدعون الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم اللّه بالإسلام، و قطع به عنكم أمر الجاهلية، و ألف بينكم، فترجعون إلي ما كنتم عليه كفارا، اللّه اللّه». فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان و كيد من عدوهم، فألقوا السلاح من أيديهم و بكوا، و عانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 4/ 155، و زاد المسير، ج 1/ 431.
(2) النيسابوري، 99- 100، و السيوطي 55، و أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، ج 4/ 16.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 78
سامعين مطيعين، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يعني الأوس و الخزرج إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني شاسا و أصحابه يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100).
قال جابر بن عبد اللّه: ما كان طالع أكره إلينا من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأومأ إلينا بيده فكففنا، و أصلح اللّه تعالي ما بيننا، فما كان شخص أحب إلينا من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فما رأيت يوما أقبح و لا أوحش أوّلا، و أحسن آخرا، من ذلك اليوم «1».
الآية: 101- قوله تعالي: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ.
عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كان بين الأوس و الخزرج شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم، فثار بعضهم إلي بعض بالسيوف، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له، فذهب إليهم، فنزلت هذه الآية: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلي عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا [سورة آل عمران، الآية: 103] «2».
عن ابن عباس قال: كان الأوس و الخزرج يتحدثون، فغضبوا حتي كان بينهم حرب، فأخذوا السلاح بعضهم إلي بعض، فنزلت: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلي عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ إلي قوله تعالي: فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها «3».
الآية: 110- قوله تعالي: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ.
قال عكرمة و مقاتل: نزلت في ابن مسعود و أبيّ بن كعب و معاذ بن جبل و سالم مولي أبي حذيفة، و ذلك أن مالك بن الصيف و وهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه، و نحن خير و أفضل منكم. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 111- قوله تعالي: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذيً.
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 100- 101، و السيوطي 55.
(2) معجم الطبراني الكبير برقم 12666.
(3) مجمع الزوائد، ج 6/ 327، و سنده ضعيف جدا.
(4) السيوطي في الدر المنثور، ج 2/ 58.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 79
قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب و عدي و النعمان و أبو رافع و أبو ياسر و ابن صوريا، عمدوا إلي مؤمنهم عبد اللّه بن سلام و أصحابه، فآذوهم لإسلامهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 113- قوله تعالي:* لَيْسُوا سَواءً.
قال ابن عباس و مقاتل: لما أسلم عبد اللّه بن سلام و ثعلبة بن سعنة و أسيد بن سعنة و أسد بن عبيد و من أسلم من اليهود، قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا، و لو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم. و قالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم دينا غيره، فأنزل اللّه تعالي:* لَيْسُوا سَواءً «2» الآية.
و قال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة «3»، يصليها المسلمون، و من سواهم من أهل الكتاب لا يصليها «4».
عن ابن مسعود قال: أخّر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليلة صلاة العشاء، ثم خرج إلي المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: «إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر اللّه في هذه الساعة غيركم». قال: فأنزلت هذه الآيات:* لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ إلي قوله: وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) [سورة آل عمران، الآية: 115] «5».
الآية: 118- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ.
قال ابن عباس و مجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين، كانوا يصافون المنافقين، و يواصلون رجالا من اليهود، لما كان بينهم من القرابة و الصداقة و الحلف و الجوار و الرضاع، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم، خوف الفتنة منهم عليهم «6».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 101، الدر المنثور، ج 2/ 63.
(2) النيسابوري، 101- 102، و السيوطي 56، و تفسير الطبري، ج 4/ 35.
(3) العتمة: ظلمة الليل، و المراد: صلاة العشاء.
(4) أسباب النزول للسيوطي 56.
(5) زاد المسير، ج 1/ 442.
(6) زاد المسير، ج 1/ 446.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 80
الآية: 121- قوله تعالي: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ.
نزلت هذه الآية في غزوة أحد «1».
عن المسعد بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف- أي خالي-: أخبرني عن قصتكم يوم أحد؟ فقال: اقرأ العشرين و مائة من آل عمران، تجد: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ إلي قوله تعالي: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً [سورة آل عمران، الآية: 154] «2».
الآية: 128- قوله تعالي: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ.
عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم أحد، و دمي وجهه، فجعل الدم يسيل علي وجهه و يقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، و هو يدعوهم إلي ربهم». قال: فأنزل اللّه تعالي: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) «3».
و عن سالم، عن أبيه قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فلانا و فلانا، فأنزل اللّه عزّ و جلّ:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) «4».
الآية: 130- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً.
أخرج الفريابي عن مجاهد، قال: كانوا يبتاعون إلي الأجل، فإذا حلّ الأجل زادوا عليهم، و زادوا في الأجل، فنزلت هذه الآية.
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 4/ 184.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 103.
(3) رباعية: هي السن المجاورة للناب في مقدم الفم. خضبوا: صبغوا و لوثوا. تفسير القرطبي، ج 4/ 199، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 403.
(4) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ آل عمران، باب: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‌ءٌ، رقم: 4283، و مسلم: في الجهاد و السير، باب: غزوة أحد، رقم: 1791، و النيسابوري 104، و السيوطي 57، و الطحاوي في شرح معاني الآثار، ج 1/ 242.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 81
و أخرج أيضا عن عطاء، قال: كانت ثقيف تداين بني النضير في الجاهلية، فإذا جاء الأجل قالوا: نربيكم و تؤخّروا عنا، فنزلت «1» الآية: 135- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان التمار، أتته امرأة حسناء، باع منها تمرا، فضمها إلي نفسه و قبلها، ثم ندم علي ذلك، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم و ذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية «2».
عن عطاء: أن المسلمين قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: أ بنو إسرائيل أكرم علي اللّه منا؟ كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه: اجدع أذنك، اجدع أنفك، افعل كذا. فسكت النبي صلي اللّه عليه و سلم، فنزلت: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«أ لا أخبركم بخير من ذلك؟» فقرأ هذه الآيات «3».
الآية: 139- قوله تعالي: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم أحد، فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «اللهم لا يعلون علينا، اللهم لا قوة لنا إلا بك، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر». فأنزل اللّه تعالي هذه الآيات، و ثاب نفر من المسلمين رماة، فصعدوا الجبل، و رموا خيل المشركين حتي هزموهم فذلك قوله: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ «4».
الآية: 140- قوله تعالي: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كئيبا حزينا يوم أحد جعلت المرأة تجي‌ء بزوجها و ابنها مقتولين، و هي تلدم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أ هكذا يفعل
__________________________________________________
(1) السيوطي 58، و تفسير القرطبي، ج 4/ 202، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 1/ 457- 458.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 105، و زاد المسير، ج 1/ 461.
(3) النيسابوري، 105- 106.
(4) تفسير الطبري، ج 4/ 67، و زاد المسير، ج 1/ 465- 466.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 82
برسولك». فأنزل اللّه تعالي: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ «1» الآية.
الآية: 143- قوله تعالي: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143).
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي [و هو ضعيف عن ابن عباس: أن رجالا من الصحابة كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر. أو: ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، و نبلي فيه خيرا، أو نلتمس الشهادة و الجنة، أو الحياة و الرزق، فأشهدهم اللّه أحدا فلم يلبثوا إلا من شاء اللّه منهم، فأنزل اللّه هذه الآية «2».
الآيات: 144- 148- قوله تعالي: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآيات.
قال عطية العوفي: لما كان يوم أحد انهزم الناس، فقال بعض الناس: قد أصيب محمد، فأعطوهم بأيديكم، فإنما هم إخوانكم. و قال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب أ لا تمضون علي ما مضي عليه نبيكم حتي تلحقوا به؟ فأنزل اللّه تعالي في ذلك: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلي: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا لقتل نبيهم إلي قوله: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا «3».
الآية: 151- قوله تعالي: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ.
قال السدي: لما ارتحل أبو سفيان و المشركون يوم أحد، متوجهين إلي مكة، انطلقوا حتي بلغوا بعض الطريق، ثم إنهم ندموا و قالوا: بئس ما صنعنا، قتلناهم، حتي إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم؟ ارجعوا فاستأصلوهم. فلما عزموا علي ذلك ألقي
__________________________________________________
(1) النيسابوري 106، و السيوطي، 58- 59.
(2) السيوطي 59، و زاد المسير، ج 1/ 468.
(3) تفسير القرطبي، ج 4/ 221- 222، و زاد المسير، ج 1/ 469، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 409.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 83
اللّه تعالي في قلوبهم الرعب، حتي رجعوا عما هموا به، و أنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 152- قوله تعالي: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ.
قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي المدينة، و قد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد، قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا و قد وعدنا اللّه النصر؟
فأنزل اللّه تعالي: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ الآية، إلي قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعني الرماة، الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد «2».
الآية: 154- قوله تعالي: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً.
أخرج ابن راهويه عن الزبير قال: لقد رأيتني يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، و أرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا ذقنه في صدره، فو اللّه إني لأسمع كالحلم قول معتّب بن قشير: لو كان لنا من الأمر شي‌ء ما قتلنا هاهنا، فحفظتها، فأنزل اللّه في ذلك:
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً إلي قوله: وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) «3».
الآية: 161- قوله تعالي: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ.
عن ابن المبارك قال: حدثنا شريك، عن حصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين، فقال أناس: لعل النبي صلي اللّه عليه و سلم أخذها، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ. قال حصيف: فقلت لسعيد بن جبير: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ. فقال: بل يغلّ «4» و يقتل «5».
__________________________________________________
(1) تفسير زاد المسير، ج 1/ 474، و تفسير القرطبي، ج 4/ 232.
(2) النيسابوري 107، و تفسير القرطبي، ج 4/ 233- 234، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 412- 413.
(3) السيوطي 60، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 418، و تفسير القرطبي، ج 4/ 242.
(4) يغل: بكسر الغين، من الغلّ و هو القيد، أي يضع القيد في أعناق الأسري، لأنه قد يفعل ما هو أكبر من ذلك و هو القتل. فابن عباس رضي اللّه عنه كان ينكر- كما سيأتي- قراءة كسر الغين، و اللّه أعلم.
(5) سنن الترمذي برقم 3009، و حسّنه، و تفسير الطبري، ج 4/ 102.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 84
و عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان ينكر علي من يقرأ: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ و يقول: كيف لا يكون له أن يغل و قد كان يقتل؟ قال اللّه تعالي: وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ [سورة آل عمران، الآية: 112]. و لكن المنافقين اتهموا النبي صلي اللّه عليه و سلم في شي‌ء من الغنيمة، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ «1».
و عن الضحاك قال: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم طلائع، فغنم النبي صلي اللّه عليه و سلم غنيمة و قسمها بين الناس، و لم يقسم للطلائع شيئا، فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفي‌ء و لم يقسم لنا؟ فنزلت: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ. قال سلمة: قرأها الضحاك يَغُلَّ «2».
و قال ابن عباس، في رواية الضحاك: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال قتادة: نزلت و قد غلّ طوائف من أصحابه «3».
الآية: 165- قوله تعالي: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ.
قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، و فر أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و كسرت رباعيته، و هشمت البيضة علي رأسه، و سال الدم علي وجهه، فأنزل اللّه تعالي: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ إلي قوله: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ. قال:
بأخذكم الفداء «4».
الآية: 169- قوله تعالي: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً.
عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
__________________________________________________
(1) معجم الطبراني الكبير، ج 11/ 101.
(2) تفسير القرطبي، ج 4/ 103، و السيوطي في الدر المنثور، ج 2/ 91.
(3) أسباب النزول للنيسابوري 108، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 421، و تفسير القرطبي، ج 4/ 255.
(4) النيسابوري، 109- 110، و السيوطي 61، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 424، و زاد المسير، ج 1/ 495.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 85
«لما أصيب إخوانكم بأحد جعل اللّه أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة و تأكل من ثمارها، و تأوي إلي قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم و مشربهم و مقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنّا في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد و لا ينكلوا في الحرب؟ فقال اللّه عزّ و جلّ: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) «1».
و رواه الحاكم أبو عبد اللّه في صحيحه، من طريق عثمان ابن أبي شيبة «2».
و عن طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد اللّه قال: نظر إليّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «ما لي أراك مهتما» .. قلت: يا رسول اللّه، قتل أبي و ترك دينا و عيالا، فقال: «أ لا أخبرك؟ ما كلم اللّه أحدا قطّ إلا من وراء حجاب، و إنه كلّم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي، سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلي الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فأبلغ من ورائي «3»، فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ الآية ...» «4».
و عن وكيع، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب و مصعب بن عمير يوم أحد، و رأوا ما رزقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير، كي يزدادوا في الجهاد رغبة. فقال اللّه تعالي: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ إلي قوله: لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) [سورة آل عمران، الآية: 171] «5».
__________________________________________________
(1) مسند أحمد برقم 2388، و سنن أبي داود برقم 2389، و زاد المسير، ج 1/ 499، و تفسير القرطبي، ج 4/ 268.
(2) المستدرك: التفسير/ آل عمران، باب: أرواح الشهداء في جوف طير ترد أنهار الجنة، 2/ 297.
(3) كفاحا: مواجهة، ليس بينهما حجاب و لا رسول. من ورائي: الذين تركتهم ورائي في الدنيا و لم يستشهدوا.
(4) سنن الترمذي برقم 3010، و قال: حسن غريب، و ابن ماجة في سننه برقم 190، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 427.
(5) النيسابوري 110، و السيوطي، 61- 62، و الدر المنثور، ج 2/ 95.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 86
الآية: 172- قوله تعالي: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ.
عن عمرو بن دينار: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم استنفر الناس بعد أحد، حين انصرف المشركون، فاستجاب له سبعون رجلا، فطلبهم، فلقي أبو سفيان عيرا من خزاعة، فقال لهم: إن لقيتم محمدا يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير. فلقيهم النبي صلي اللّه عليه و سلم فسألهم عن أبي سفيان، فقالوا: لقيناه في جمع كثير، و نراك في قلة و لا نأمنه عليك.
فأبي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلا أن يطلبه، فسبقه أبو سفيان فدخل مكة، فأنزل اللّه تعالي فيهم:
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ حتي بلغ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) «1».
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها في قوله تعالي: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ إلي آخرها، قال: قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم:
الزبير و أبو بكر، لما أصاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم أحد ما أصاب، و انصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال: «من يذهب في أثرهم» فانتدب منهم سبعون رجلا، كان فيهم أبو بكر و الزبير «2».
الآية: 173- قوله تعالي: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ.
عن قتادة قال: ذاك يوم أحد، بعد القتل و الجراحة، و بعد ما انصرف المشركون أبو سفيان و أصحابه، قال نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم لأصحابه: «أ لا عصابة تشدد لأمر اللّه، فتطلب عدوّها، فإنه أنكي للعدو و أبعد للسمع». فانطلق عصابة علي ما يعلم اللّه من الجهد، حتي إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب و الناس يأتون عليهم فيقولون: هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس، فقالوا: حسبنا اللّه و نعم الوكيل، فأنزل اللّه تعالي فيهم قوله تعالي:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ إلي قوله تعالي: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «3».
الآية: 179- قوله تعالي: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلي ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
__________________________________________________
(1) النيسابوري 111، و السيوطي 62، و زاد المسير، ج 1/ 503.
(2) تفسير القرطبي، ج 4/ 277، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 429.
(3) النيسابوري 112، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 430- 431.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 87
قال السدي: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «عرضت عليّ أمتي في صورها كما عرضت علي آدم، و أعلمت من يؤمن لي و من يكفر». فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا و قالوا:
يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به و من يكفر، و نحن معه و لا يعرفنا؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن و المنافق، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 180- قوله تعالي: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ.
جمهور المفسرين علي أنها نزلت في مانعي الزكاة «3».
و روي عطية عن ابن عباس: أن الآية نزلت في أحبار اليهود، الذين كتموا صفة محمد صلي اللّه عليه و سلم و نبوته، و أراد بالبخل كتمان العلم الذي آتاهم اللّه تعالي «4».
الآية: 181- قوله تعالي: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا.
قال عكرمة و السدي و مقاتل و محمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ذات يوم بيت مدراس اليهود «5»، فوجد ناسا من اليهود قد اجتمعوا إلي رجل منهم يقال له فنحاص بن عازورا، و كان من علمائهم، فقال أبو بكر لفنحاص: اتق اللّه و أسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول اللّه، قد جاءكم بالحق من عند اللّه، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة، فآمن و صدّق، و أقرض اللّه قرضا حسنا يدخلك الجنة، و يضاعف لك الثواب. فقال فنحاص: يا أبا بكر، تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا، و ما يستقرض إلا الفقير من الغني؟ فإن كان ما تقول حقا فإن اللّه إذا لفقير و نحن أغنياء، و لو كان غنيا ما استقرضنا أموالنا. فغضب أبو بكر رضي اللّه عنه و ضرب وجه فنحاص
__________________________________________________
(1) ذكره النيسابوري بغير سند 111.
(2) تفسير القرطبي، ج 4/ 288.
(3) زاد المسير، ج 1/ 512.
(4) زاد المسير، ج 1/ 512.
(5) المدراس: هو بيت الدروس لليهود.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 88
ضربة شديدة، و قال: و الذي نفسي بيده، لو لا العهد الذي بيننا و بينك لضربت عنقك يا عدو اللّه. فذهب فنحاص إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لأبي بكر: «ما الذي حملك علي ما صنعت؟» فقال:
يا رسول اللّه، إن عدو اللّه قال قولا عظيما، زعم أن اللّه فقير و أنهم أغنياء، فغضبت للّه و ضربت وجهه. فجحد ذلك فنحاص، فأنزل اللّه عزّ و جلّ ردا علي فنحاص و تصديقا لأبي بكر: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا «1» الآية.
الآية: 183- قوله تعالي: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف و مالك بن الصيف و وهب بن يهوذا و زيد بن تابوه، و في فنحاص بن عازورا و حيي بن أخطب، أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا:
تزعم أن اللّه بعثك إلينا رسولا، و أنزل عليك كتابا، و إن اللّه قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند اللّه حتي يأتينا بقربان تأكله النار، فإن جئتنا به صدقناك. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 186- قوله تعالي: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذيً كَثِيراً.
عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك، عن أبيه- و كان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، و كان يهجو النبي صلي اللّه عليه و سلم و يحرض عليه كفار قريش في شعره، و كان النبي صلي اللّه عليه و سلم قدم المدينة و أهلها أخلاط: منهم المسلمون و منهم المشركون و منهم اليهود، فأراد النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يستصلحهم، فكان المشركون و اليهود يؤذونه و يؤذون أصحابه أشد الأذي، فأمر اللّه تعالي نبيه صلي اللّه عليه و سلم بالصبر علي ذلك، و فيهم أنزل اللّه: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ «3» الآية.
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 4/ 129، و زاد المسير، ج 1/ 514، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 434.
(2) النيسابوري، 114- 115، و السيوطي 63، و الدر المنثور، ج 2/ 106، و تفسير القرطبي، ج 4/ 294.
(3) النيسابوري، 115- 116، و انظر تفسير القرطبي، ج 4/ 303.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 89
و عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن أسامة بن زيد أخبره: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ركب علي حمار علي قطيفة فدكية «1»، و أردف أسامة بن زيد، و سار يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتي مر بمجلس فيه عبد اللّه بن أبيّ، و ذلك قبل أن يسلم عبد اللّه بن أبيّ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين و المشركين عبدة الأوثان و اليهود، و في مجلس عبد اللّه بن رواحة، فلما غشي المجلس عجاجة الدابة خمر عبد اللّه بن أبيّ أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم وقف فنزل، و دعاهم إلي اللّه، و قرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللّه بن أبيّ: أيها المرء، إنه لا أحسن مما تقول، إن كان حقا فلم تؤذينا به في مجالسنا؟ ارجع إلي رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه. فقال عبد اللّه بن رواحة: بلي يا رسول اللّه، فاغشنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك. و استب المسلمون و المشركون و اليهود حتي كادوا يتساورون، فلم يزل النبي صلي اللّه عليه و سلم يخفضهم حتي سكتوا، ثم ركب النبي صلي اللّه عليه و سلم دابته و سار حتي دخل علي سعد بن عبادة، فقال له: «يا سعد، أ لم تسمع ما قال أبو حباب- يريد عبد اللّه بن أبيّ- قال كذا و كذا». فقال سعد بن عبادة:
يا رسول اللّه، اعف عنه و اصفح، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء اللّه بالحق الذي نزل عليك، و قد اصطلح أهل هذه البحيرة علي أن يتوجوه و يعصبوه بالعصابة، فلما رد اللّه ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذيً كَثِيراً «2» الآية.
الآية: 188- قوله تعالي: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا.
قال ابن كثير: يعني بذلك المرائين المتكثّرين بما لم يعطوا، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلي اللّه عليه و سلم: «من ادّعي دعوي كاذبة ليتكثّر بها لم تزده من اللّه إلا قلّة».
و عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن رجالا من المنافقين علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كان إذا خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي الغزو تخلفوا عنه،
__________________________________________________
(1) القطيفة: كساء له خمل، و فدكية: نسبة إلي بلدة «فدك» قرب خيبر.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 435- 436.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 90
فإذا قدم اعتذروا إليه و حلفوا، و أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا «1» الآية.
و عن زيد بن أسلم: أن مروان بن الحكم كان يوما، و هو أمير علي المدينة، عنده أبو سعيد الخدري و زيد بن ثابت و رافع بن خديج، فقال مروان: يا أبا سعيد، أ رأيت قوله تعالي: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا و اللّه إنا لنفرح بما أتينا، و نحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا، إنما كان رجال في زمن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يتخلفون عنه و عن أصحابه في المغازي، فإذا كانت فيهم النكبة و ما يكره فرحوا بتخلفهم، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم، و أحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا «2».
عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة: أن علقمة بن وقاص أخبره: أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلي ابن عباس و قل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتي و أحب أن يحمد بما لم يفعل عذب، لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس: ما لكم و لهذا، إنما دعا النبي صلي اللّه عليه و سلم يهود، فسألهم عن شي‌ء فكتموه إياه، و أخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، و فرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه، ثم قرأ ابن عباس: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [سورة آل عمران، الآية: 187] «3».
و قال الضحاك: كتب يهود المدينة إلي يهود العراق و اليمن، و من بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: إن محمدا ليس نبي اللّه، فاثبتوا علي دينكم، و أجمعوا
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 116- 117، و السيوطي 64، و رواه مسلم في صحيحه: أوائل كتاب صفات المنافقين و أحكامهم، رقم: 2777، و انظر البخاري: التفسير/ آل عمران، باب: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا، رقم: 4291، و تفسير القرطبي، ج 4/ 306، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 437.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 437.
(3) ليس هذا في هذا: ليست هذه الآية في المعني الذي ذكرتموه. النكبة: المصيبة. ما لكم و لهذا: أي ليست هذه الآية فيكم. أخرجه الشيخان في صحيحيهما. أخرجه البخاري في صحيحه برقم 4292، و مسلم في صحيحه برقم 2778.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 91
كلمتكم علي ذلك. فأجمعت كلمتهم علي الكفر بمحمد صلي اللّه عليه و سلم و القرآن، ففرحوا بذلك و قالوا: الحمد للّه الذي جمع كلمتنا و لم نتفرق، و لم نترك ديننا. و قالوا: نحن أهل الصوم و الصلاة، و نحن أولياء اللّه. فلذلك قول اللّه تعالي: يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا بما فعلوا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا يعني بما ذكروا من الصوم و الصلاة و العبادة «1».
الآية: 190- قوله تعالي: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود، فقالوا: ما جاءكم به موسي من الآيات؟ قالوا: عصاه، و يده بيضاء للناظرين. و أتوا النصاري فقالوا: كيف كان عيسي فيكم؟ فقالوا: يبرئ الأكمه [الذي ولد أعمي و الأبرص، و يحيي الموتي.
فأتوا النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهبا. فأنزل اللّه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (190) «2».
الآية: 195- قوله تعالي: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ.
عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سلمة بن عمر بن أبي سلمة- رجل من ولد أم سلمة- قال: قالت أم سلمة: يا رسول اللّه، لا أسمع اللّه ذكر النساء في الهجرة بشي‌ء؟ فأنزل اللّه تعالي: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثي «3».
الآية: 196- قوله تعالي: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196).
نزلت في مشركي مكة، و ذلك أنهم كانوا في رخاء و لين من العيش، و كانوا يتجرون و يتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إن أعداء اللّه فيما نري من الخير، و قد هلكنا من الجوع و الجهد؟ فنزلت هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 1/ 523.
(2) النيسابوري، 117- 118، و السيوطي 65، و في سنده الحماني و هو ضعيف.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 300، و تفسير الطبري، ج 4/ 143، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 441.
(4) زاد المسير، ج 1/ 531.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 92
الآية: 199- قوله تعالي: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ.
قال جابر بن عبد اللّه و أنس و ابن عباس و قتادة: نزلت في النجاشي، و ذلك لما كان نعاه جبريل عليه السلام لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في اليوم الذي مات فيه، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لأصحابه: «اخرجوا فصلوا علي أخ لكم مات بغير أرضكم». فقالوا: و من هو؟
فقال: «النجاشي» فخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي البقيع، و كشف له من المدينة إلي أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي، و صلي عليه و كبر أربع تكبيرات و استغفر له، و قال لأصحابه: «استغفروا له». فقال المنافقون: انظروا إلي هذا، يصلي علي علج حبشي نصراني لم يره قط، و ليس علي دينه. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 200- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا.
عن ابن المبارك قال: أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزبير قال: حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي، هل تدري في أي شي‌ء نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا؟ قال: قلت:
لا، قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلي اللّه عليه و سلم ثغر يرابط فيه، و لكن انتظار الصلاة خلف الصلاة «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 118- 119، و السيوطي، 65- 66، و زاد المسير، ج 1/ 532، و تفسير القرطبي، ج 4/ 322.
(2) رواه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 301، و تفسير القرطبي، ج 4/ 323.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 93

4- سورة النساء

الآية: 2- قوله تعالي: وَ آتُوا الْيَتامي أَمْوالَهُمْ.
قال مقاتل و الكلبي: نزلت في رجل من غطفان، كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه، فترافعا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا اللّه و أطعنا الرسول، نعوذ باللّه من الحوب الكبير «1».
فدفع إليه ماله، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «من يوق شح نفسه و رجع به هكذا فإنه يحلّ داره» يعني جنته. فلما قبض الفتي ماله أنفقه في سبيل اللّه تعالي، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ثبت الأجر و بقي الوزر». فقالوا: يا رسول اللّه، قد عرفنا الأجر، فكيف بقي الوزر و هو ينفق في سبيل اللّه؟ فقال: «ثبت الأجر للغلام، و بقي الوزر علي والده» لأنه كان مشركا «2».
الآية: 3- قوله تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي
عن سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيي ابن أبي زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قوله تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا الآية، قالت: أنزلت هذه في الرجل يكون له اليتيمة و هو وليها، و لها مال، و ليس لها أحد يخاصم دونها، فلا ينكحها حبا لمالها، و يضرّ بها و يسي‌ء صحبتها، فقال اللّه تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ يقول: ما أحللت لك، و دع هذه «3».
و قال سعيد بن جبير و قتادة و الربيع و الضحاك و السدي: كانوا يتحرجون عن أموال اليتامي و يترخصون في النساء، و يتزوجون ما شاءوا، فربما عدلوا و ربما لم يعدلوا، فلما سألوا عن اليتامي فنزلت آية اليتامي: وَ آتُوا الْيَتامي أَمْوالَهُمْ الآية، أنزل اللّه
__________________________________________________
(1) الحوب: الإثم و الهلاك.
(2) تفسير القرطبي، ج 5/ 8.
(3) أخرجه مسلم رقم 3018، و البخاري رقم 2362، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 449.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 94
تعالي أيضا: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي الآية، يقول: كما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامي فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، فلا تتزوجوا أكثر ما يمكنكم القيام بحقهن، لأن النساء كاليتامي في الضعف و العجز.
و هذا قول ابن عباس في رواية الوالبي «1».
الآية: 4- قوله تعالي: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: كان الرجل إذا زوّج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك، فأنزل هذه الآية «2».
الآية: 6- قوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي
نزلت في ثابت بن رفاعة، و في عمه، و ذلك أن رفاعة توفي و ترك ابنه ثابتا و هو صغير، فأتي عم ثابت إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله، و متي أدفع إليه ماله؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
الآية: 7- قوله تعالي: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.
قال المفسرون: إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي، و ترك امرأة يقال لها: أم كجة، و ثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت و وصياه، يقال لهما: سويد و عرفجة، فأخذا ماله و لم يعطيا امرأته شيئا و لا بناته، و كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء و لا الصغير، و إن كان ذكرا، إنما يورثون الرجال الكبار، و كانوا يقولون:
لا يعطي إلا من قاتل علي ظهور الخيل و حاز الغنيمة، فجاءت أم كجة إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه، إن أوس بن ثابت مات، و ترك عليّ بنات، و أنا امرأة و ليس عندي ما أنفق عليهن، و قد ترك أبوهن مالا حسنا، و هو عند سويد و عرفجة، لم يعطياني و لا بناته من المال شيئا، و هن في حجري، و لا يطعماني و لا يسقياني و لا يرفعان لهن رأسا. فدعاهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقالا: يا رسول اللّه، ولدها لا يركب
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 121- 122، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 449- 450.
(2) السيوطي 67، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 452.
(3) ذكره النيسابوري بدون سند 122، و ابن الجوزي في زاد المسير، ج 2/ 14.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 95
فرسا و لا يحمل كلّا و لا ينكي عدوا. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «انصرفوا حتي أنظر ما يحدث اللّه لي فيهن». فانصرفوا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 10- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً.
قال مقاتل بن حيان: نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد، ولي مال ابن أخيه و هو يتيم صغير، فأكله، فأنزل اللّه فيه هذه الآية «2».
الآية: 11- قوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.
قال القرطبي: بيّن اللّه تعالي في هذه الآية ما أجمله في قوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ، وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ.
عن ابن المنكدر، عن جابر قال: عادني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش عليّ منه، فأفقت، فقلت:
كيف أصنع في مالي يا رسول اللّه؟ فنزلت: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ الآية «3».
و عن بشر بن الفضل قال: حدثنا عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللّه قال: جاءت امرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول اللّه، هاتان بنتا ثابت بن قيس، أو قالت: سعد بن الربيع، قتل معك يوم أحد، و قد استفاء عمهما مالهما و ميراثهما، فلم يدع لهما مالا إلا أخذه، فما تري يا رسول اللّه؟ فو اللّه ما ينكحان أبدا إلا و لهما مال. فقال: «يقضي اللّه في ذلك». فنزلت سورة النساء و فيها: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلي آخر الآية. فقال لي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ادع لي المرأة و صاحبها». قال لعمهما: «أعطهما الثلثين، و أعط أمهما الثمن، و ما بقي فلك» «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 122، و السيوطي، 67- 68، و تفسير القرطبي، ج 5/ 46.
(2) تفسير القرطبي، ج 5/ 53، و زاد المسير، ج 2/ 23.
(3) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ، رقم: 4301، و مسلم: الفرائض، باب: ميراث الكلالة، رقم: 1616. و الذي في مسلم: محمد بن حاتم عن حجاج بن محمد عن ابن جريج، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 457- 458، و تفسير القرطبي، ج 5/ 59.
(4) النيسابوري، 123- 124، و السيوطي، 68- 69، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 457.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 96
الآية: 19- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
عن سهل بن عثمان قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال أبو إسحاق الشيباني: و ذكره عطاء بن الحسين السوائي، و لا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته: إن شاء بعضهم تزوجها، و إن شاءوا زوجوها، و إن شاءوا لم يزوجوها، و هم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك «1».
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية و في أول الإسلام إذا مات الرجل و له امرأة جاء ابنه من غيرها، أو قرابته من عصبته، فألقي ثوبه علي تلك المرأة، فصار أحق بها من نفسها و من غيره: فإن شاء أن يتزوجها تزوجها بغير صداق، إلا الصداق الذي أصدقها الميت، و إن شاء زوّجها غيره، و أخذ صداقها و لم يعطها شيئا، و إن شاء عضلها و ضارها لتفتدي منه بما ورثت من الميت، أو تموت هي فيرثها، فتوفي أبو قيس بن الأسلت الأنصاري، و ترك امرأته كبيشة بنت معن الأنصارية، فقام ابن له من غيرها يقال له حصن، و قال مقاتل: اسمه قيس ابن أبي قيس، فطرح ثوبه عليها فورث نكاحها، ثم تركها فلم يقربها و لم ينفق عليها، يضارها لتفتدي منه بمالها، فأتت كبيشة إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، إن أبا قيس توفي و ورث ابنه نكاحي، و قد أضرني و طول عليّ، فلا هو ينفق علي و لا يدخل بي، و لا هو يخلي سبيلي. فقال لها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اقعدي في بيتك حتي يأتي فيك أمر اللّه». فانصرفت، و سمعت بذلك النساء في المدينة، فأتين رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قلن:
ما نحن إلا كهيئة كبيشة، غير أنه لم ينكحنا الأبناء، و نكحنا بنو العم. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ النساء، باب: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ..، رقم: 4303، الإكراه، باب: من الإكراه، رقم: 6549، و تفسير القرطبي، ج 5/ 94، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 465.
(2) النيسابوري، 123- 124، و تفسير الطبري، ج 4/ 209.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 97
الآية: 22- قوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ.
نزلت في حصن ابن أبي قيس، تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن. و في الأسود بن خلف، تزوج امرأة أبيه. و صفوان بن أمية بن خلف، تزوج امرأة أبيه فاختة بنت الأسود بن المطلب. و في منصور بن ماذن، تزوج امرأة أبيه مليكة بنت خارجة «1».
و قال أشعث بن سوار: توفي أبو قيس، و كان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه، فقالت: إني أعدك ولدا، و لكني آتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أستأمره. فأتته فأخبرته، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
الآية: 24- قوله تعالي:* وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
عن سعيد الخدري قال: أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن «2»، فسألنا النبي عليه السلام فنزلت:* وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فاستحللناهن «3».
و قال عبد الرحيم، عن أشعث بن سوار، عن عثمان البتّيّ، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد قال: لما سبي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أهل أوطاس قلنا: يا نبي اللّه، كيف نقع علي نساء قد عرفنا أنسابهن و أزواجهن؟ فنزلت هذه الآية:* وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ «4».
و عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم حنين بعث جيشا إلي أوطاس، و لقي عدوا، فقاتلوهم فظهروا عليهم، و أصابوا لهم سبايا، و كان ناس من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تحرجوا من غشيانهن «5»، من أجل
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 468.
(2) سبايا: نساء من العدو أخذناهن أسيرات و صرن مملوكات لنا. أوطاس: اسم لواد قرب حنين، وقعت فيه غزوة حنين. أن نقع عليهن: أن نجامعهن.
(3) تفسير الطبري، ج 5/ 2- 3، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 473.
(4) تفسير الطبري، ج 5/ 3، و أشعث بن سوار ضعيف.
(5) غشيانهن: جماعهن.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 98
أزواجهن من المشركين، فأنزل اللّه في ذلك:* وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ «1».
الآية: 32- قوله تعالي: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلي بَعْضٍ.
عن مجاهد قال: قالت أمّة سلمة: يا رسول اللّه، يغزو الرّجال و لا نغزو، و إنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلي بَعْضٍ «2».
و عن حصيف، عن عكرمة: أن النساء سألن الجهاد، فقلن: وددنا أن اللّه جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال؟ فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلي بَعْضٍ «3».
و قال قتادة و السدي: لما نزل قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [سورة النساء، الآية: 11] قال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل علي النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث، فيكون أجرنا علي الضعف من أجر النساء. و قالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما علي الرجال في الآخرة، كما لنا الميراث علي النصف من نصيبهم في الدنيا. فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلي بَعْضٍ «4».
الآية: 33- قوله تعالي: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ.
عن أبي اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: نزلت هذه الآية: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم و يورثونهم، فأنزل اللّه تعالي فيهم: أن يجعل لهم نصيب في الوصية، ورد اللّه تعالي الميراث إلي الموالي من ذوي
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 124- 126، و السيوطي، 70- 71، و تفسير الطبري، ج 5/ 3.
(2) سنن الترمذي في كتاب التفسير 3022، و قال: هذا حديث مرسل، و أخرجه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 305.
(3) تفسير ابن كثير، ج 1/ 488.
(4) النيسابوري 117.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 99
الرحم و العصبة، و أبي أن يجعل للمدّعين ميراث من ادعاهم و يتبناهم، و لكن جعل نصيبا في الوصية «1».
الآية: 34- قوله تعالي: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في سعد بن الربيع، و كان من النقباء، و امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي هريرة، و هما من الأنصار، و ذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: أفرشته كريمتي فلطمها. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «لتقتص من زوجها» «2». و انصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ارجعوا، هذا جبريل عليه السلام أتاني» و أنزل اللّه تعالي هذه الآية. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أردنا أمرا و أراد اللّه أمرا، و الذي أراد اللّه خير». و رفع القصاص «3».
عن هشيم قال: حدثنا يونس، عن الجهني: أن رجلا لطم امرأته، فخاصمته إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فجاء معها أهلها، فقالوا: يا رسول اللّه، إن فلانا لطم صاحبتنا.
فجعل رسول اللّه يقول: «القصاص، القصاص». و لا يقضي قضاء، فنزلت هذه الآية: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ. قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أردنا أمرا و أراد اللّه غيره» «4».
الآية: 37- قوله تعالي: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ.
قال أكثر المفسرين: نزلت في اليهود، كتموا صفة محمد صلي اللّه عليه و سلم و لم يبينوها للناس، و هم يجدونها مكتوبة عندهم في كتبهم.
و قال الكلبي: هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلي اللّه عليه و سلم و نعته في كتابهم.
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 5/ 35، و تفسير القرطبي، ج 5/ 165، عن سعيد بن جبير.
(2) نشزت: تعالت و ترفعت و عصت. فلطمها: ضربها بصفحة كفه. أفرشته كريمتي: جعلت بنتي فراشا له، و سميت الزوجة فراشا لأن الزوج يفترشها. لتقتص أي: لتضربه مثل ضربه قصاصا، أي: معاملة بالمثل.
(3) تفسير القرطبي، ج 5/ 168.
(4) النيسابوري، 127- 128، و السيوطي، 71- 72، و تفسير الطبري، ج 5/ 37- 38.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 100
و قال مجاهد: الآيات الثلاث إلي قوله: عَلِيماً (39) [سورة النساء، الآيات: 37- 39] نزلت في اليهود.
و قال ابن عباس و ابن زيد: نزلت في جماعة من اليهود، كانوا يأتون رجالا من الأنصار يخالطونهم و ينصحونهم، و يقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشي عليكم الفقر. فأنزل اللّه تعالي: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ «1».
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري حَتَّي تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّي تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43).
نزلت في أناس من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، كانوا يشربون الخمر و يحضرون الصلاة و هم نشاوي «2» فلا يدرون كم يصلون، و لا ما يقولون في صلاتهم.
و عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما، و دعا أناسا من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فطعموا و شربوا، و حضرت صلاة المغرب، فتقدم بعض القوم فصلي بهم المغرب، فقرأ: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) فلم يقمها، فأنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري حَتَّي تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ «3».
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً الآية. عن مالك بن أنس، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بعض أسفاره، حتي إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي التماسه، و أقام الناس معه، و ليسوا علي ماء و ليس معهم ماء، فأتي الناس إلي أبي بكر فقالوا: أ لا تري ما صنعت عائشة، أقامت برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و بالناس معه، و ليس
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 5/ 55، و زاد المسير، ج 2/ 81.
(2) نشاوي: جمع نشوان، و هو من كان في أول سكره، و قيل هو السكران.
(3) النيسابوري، 129- 130، و السيوطي، 73- 74، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 500، و تفسير القرطبي، ج 5/ 200.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 101
معهم ماء؟ فجاء أبو بكر و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم واضع رأسه علي فخذي قد نام، فقالت:
أجلست رسول اللّه و الناس معه، و ليسوا علي ماء و ليس معهم ماء؟ قالت: فعاتبني أبو بكر و قال ما شاء اللّه أن يقول، فجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي فخذي، فنام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي أصبح علي غير ماء، فأنزل اللّه تعالي آية التيمم، فتيمموا. فقال أسيد بن حضير، و هو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته «1».
الآية: 44- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44).
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود، و إذا كلّم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لوي لسانه، و قال: أرعنا سمعك يا محمد حتي نفقهك، ثم طعن في الإسلام دعابة، فأنزل اللّه فيه: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ الآية «2».
الآية: 47- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلي أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47).
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كلّم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رؤساء من أحبار اليهود، منهم عبد اللّه بن صوريا و كعب بن أسيد، فقال لهم: «يا معشر يهود، اتقوا اللّه و أسلموا، فو اللّه إنكم لتعلموا أنّ الذي جئتكم به الحق»، فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد. فأنزل اللّه فيهم هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: قوله: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً، رقم: 4331، و مسلم: الحيض، باب: التيمم، رقم: 367، و تفسير القرطبي، ج 5/ 214، و زاد المسير، ج 2/ 93.
(2) تفسير القرطبي، ج 5/ 241، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 507.
(3) تفسير القرطبي، ج 5/ 244، و تفسير الطبري، ج 5/ 78، و زاد المسير، ج 2/ 101.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 102
الآية: 48- قوله تعالي: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.
أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام، قال: «و ما دينه؟» قال: يصلّي و يوحّد اللّه، قال: «استوهب منه دينه، فإن أبي فابتعه منه»، فطلب الرجل ذلك منه فأبي عليه، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبره فقال: «وجدته شحيحا علي دينه»، فنزلت: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «1».
الآية: 49- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ.
قال الكلبي: نزلت في رجال من اليهود، أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بأطفالهم و قالوا:
يا محمد، هل علي أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال: «لا». فقالوا: و الذي نحلف به ما نحن إلا كهيئتهم، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفّر عنّا بالليل، و ما من ذنب نعمله بالليل إلا كفّر عنّا بالنهار. فهذا الذي زكوا به أنفسهم «2».
الآية: 51- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ.
عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب و كعب بن الأشرف إلي أهل مكة، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب و أهل العلم القديم، فأخبرونا عنا و عن محمد؟ فقالوا: ما أنتم و ما محمد؟ قالوا: نحن ننحر الكوماء «3»، و نسقي اللبن علي الماء، و نفك العاني، و نصل الأرحام، و نسقي الحجيج، و ديننا القديم و دين محمد الحديث. قالا: بل أنتم خير منه و أهدي سبيلا. فأنزل اللّه تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ إلي قوله تعالي: وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) «4».
و قال المفسرون: خرج كعب بن الأشرف في سبعين راكبا من اليهود إلي مكة
__________________________________________________
(1) السيوطي، 74- 75، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 508- 511.
(2) النيسابوري، 132- 133، و السيوطي، 75- 76، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 104.
(3) الكوماء: الناقة العالية السنام؛ أي: السمينة.
(4) زاد المسير، ج 2/ 106، و تفسير القرطبي، ج 5/ 249.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 103
بعد وقعة أحد، ليحالفوا قريشا علي غدر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و ينقضوا العهد الذي كان بينهم و بين رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فنزل كعب علي أبي سفيان، و نزلت اليهود في دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب، و محمد صاحب كتاب، و لا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين و آمن بهما. فذلك قوله:
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ. ثم قال كعب لأهل مكة: ليجي‌ء منكم ثلاثون و منا ثلاثون، فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب البيت لنجهدنّ علي قتال محمد، ففعلوا ذلك، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب: إنك امرؤ تقرأ الكتاب و تعلم، و نحن أميون لا نعلم، فأينا أهدي طريقا و أقرب إلي الحق، أ نحن أم محمد؟ فقال كعب: اعرضوا عليّ دينكم. فقال أبو سفيان: نحن ننحر للحجيج الكوماء، و نسقيهم الماء، و نقري الضيف، و نفك العاني، و نصل الرحم، و نعمر بيت ربنا و نطوف به، و نحن أهل الحرم، و محمد فارق دين آبائه و قطع الرحم، و فارق الحرم، و ديننا القديم و دين محمد الحديث. فقال كعب: أنتم و اللّه أهدي سبيلا مما هو عليه. فأنزل اللّه تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعني كعبا و أصحابه «1».
الآية: 52- قوله تعالي: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
عن قتادة قال: نزلت هذه الآية في كعب بن الأشرف و حيي بن أخطب، رجلين من اليهود من بني النضير، لقيا قريشا بالموسم، فقال لهما المشركون: أ نحن أهدي أم محمد و أصحابه، فإنا أهل السدانة و السقاية «2»، و أهل الحرم؟ فقالا: بل أنتم أهدي من محمد. فهما يعلمان أنهما كاذبان، إنما حملهما علي ذلك حسد محمد و أصحابه، فأنزل اللّه تعالي: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52). فلما رجعا إلي قومهما قال لهما قومهما: إن محمدا يزعم أنه قد نزل فيكما كذا و كذا؟ فقالا:
صدق و اللّه، ما حملنا علي ذلك إلا بغضه و حسده «3».
الآية: 58- قوله تعالي:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها.
__________________________________________________
(1) السيوطي 76.
(2) بالموسم: أي موسم الحج. السدانة: خدمة الكعبة. السقاية: سقاية الحجيج و تأمين الماء له.
(3) النيسابوري 133.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 104
نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي «1» من بني عبد الدار، كان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلي اللّه عليه و سلم مكة يوم الفتح أغلق عثمان باب البيت و صعد السطح، فطلب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان، فطلب منه فأبي و قال: لو علمت أنه رسول اللّه لم أمنعه المفتاح. فلوي علي بن أبي طالب يده و أخذ منه المفتاح و فتح الباب، فدخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم البيت و صلي فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ليجمع له بين السقاية و السدانة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فأمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عليا أن يرد المفتاح إلي عثمان و يعتذر إليه، ففعل ذلك علي، فقال له عثمان: يا علي، أكرهت و آذيت، ثم جئت ترفق. فقال: لقد أنزل اللّه تعالي في شأنك، و قرأ عليه هذه الآية، فقال عثمان: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه. و أسلم، فجاء جبريل عليه السلام فقال:
ما دام هذا البيت فإن المفتاح و السدانة في أولاد عثمان. و هو اليوم في أيديهم «2».
و عن سفيان، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن مجاهد: في قول اللّه تعالي:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها. قال: نزلت في ابن طلحة، قبض النبي صلي اللّه عليه و سلم مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج و هو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، و قال: «خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة اللّه، لا ينزعها منكم إلا ظالم» «3».
الآية: 59- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.
عن الحجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: أخبرني يعلي بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالي: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال: نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عدي، بعثه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في سرية «4».
__________________________________________________
(1) الحجبي: نسبة إلي الحجابة، وخي حفظ الكعبة و حيازة مفتاحها. و انظر في معاني باقي الألفاظ الحاشية السابقة.
(2) تفسير القرطبي، ج 5/ 256.
(3) النيسابوري، 133- 134، و السيوطي 77، و تفسير الطبري، ج 5/ 92.
(4) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ..، رقم: 4308، و مسلم: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ..، رقم: 1834، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 518، و تفسير القرطبي، ج 5/ 260.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 105
و قال ابن عباس في رواية باذان: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد في سرية إلي حيّ من أحياء العرب، و كان معه عمار بن ياسر، فسار خالد حتي إذا دنا من القوم عرس لكي يصبحهم، فأتاهم النذير فهربوا عن رجل قد كان أسلم، فأمر أهله أن يتأهبوا للمسير، ثم انطلق حتي أتي عسكر خالد، و دخل علي عمار فقال: يا أبا اليقظان، إني منكم، و إن قومي لما سمعوا بكم هربوا، و أقمت لإسلامي، أفنافعي ذلك، أو أهرب كما هرب قومي؟ فقال: أقم، فإن ذلك نافعك. و انصرف الرجل إلي أهله و أمرهم بالمقام، و أصبح خالد فغار علي القوم، فلم يجد غير ذلك الرجل، فأخذه و أخذ ماله، فأتاه عمار فقال: خل سبيل الرجل، فإنه مسلم، و قد كنت أمنته و أمرته بالمقام. فقال خالد: أنت تجير عليّ و أنا الأمير؟ فقال: نعم، أنا أجير عليك و أنت الأمير. فكان في ذلك بينهما كلام، فانصرفوا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبروه خبر الرجل، فأمنه النبي صلي اللّه عليه و سلم و أجاز أمان عمار، و نهاه أن يجير بعد ذلك علي أمير بغير إذنه.
قال: و استبّ عمار و خالد بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأغلظ عمار لخالد، فغضب خالد و قال: يا رسول اللّه، أ تدع هذا العبد يشتمني؟ فو الله لو لا أنت ما شتمني. و كان عمار مولي لهاشم بن المغيرة، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا خالد، كف عن عمّار، فإنه من يسب عمارا يسبه اللّه، و من يبغض عمارا يبغضه اللّه». فقام عمار، فتبعه خالد فأخذ بثوبه، و سأله أن يرضي عنه، فرضي عنه «1»، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و أمر بطاعة أولي الأمر «2».
الآية: 60- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَي الطَّاغُوتِ.
عن صفوان بن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أبو بردة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه «3»، فتنافر إليه أناس من أسلم، فأنزل اللّه
__________________________________________________
(1) عرس: نزل آخر الليل ليستريح الجيش. تجير عليّ: تجعل حمايتك و تأمينك ماضيا عليّ.
استب: نال كل منهما من الآخر.
(2) النيسابوري 136، و تفسير الطبري، ج 5/ 94.
(3) كاهنا: هو الذي يخبر عما سيكون في مستقبل الزمان، و يدّعي معرفة الأسرار. يتنافرون إليه:
يختصمون إليه فيه.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 106
تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ إلي قوله: رَفِيقاً (69) [سورة النساء، الآية: 69] «1».
و عن قتادة قال: ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت في رجل من الأنصار يقال له:
قيس، و في رجل من اليهود، في مماراة كانت بينهما في حق تدارءا فيه، فتنافرا إلي كاهن بالمدينة ليحكم بينهما، و تركا نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فعاب اللّه تعالي ذلك عليهما، و كان اليهودي يدعوه إلي نبي اللّه، و قد علم أنه لن يجور عليه «2»، و جعل الأنصاري يأبي عليه و هو يزعم أنه مسلم، و يدعوه إلي الكاهن، فأنزل اللّه تعالي ما تسمعون، و عاب علي الذي يزعم أنه مسلم، و علي اليهودي الذي هو من أهل الكتاب، فقال: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ إلي قوله: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) «3».
عن يزيد بن زريع، عن داود، عن الشعبي «4» قال: كان بين رجل من المنافقين و رجل من اليهود خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، و دعا المنافق اليهودي إلي حاكمهم لأنه علم أنهم يأخذون الرشوة في أحكامهم، فلما اختلفا اجتمعا علي أن يحكما كاهنا في جهينة، فأنزل اللّه تعالي في ذلك: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني المنافق وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني اليهودي يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَي الطَّاغُوتِ إلي قوله: وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) [سورة النساء، الآية: 65] «5».
و قال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس: نزلت في رجل من المنافقين، كان بينه و بين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلي محمد، و قال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف، و هو الذي سماه اللّه تعالي (الطاغوت) فأبي اليهودي إلا أن يخاصمه إلي رسول اللّه، فلما رأي المنافق ذلك أتي معه إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فاختصما
__________________________________________________
(1) المعجم الكبير للطبراني برقم 11645، و مجمع الزوائد، ج 7/ 6.
(2) مماراة: مجادلة و مخاصمة. تدارءا: تدافعا، و ادعي كل منهما أنه حقه. يجور: يظلم و يميل عن الحق.
(3) تفسير الطبري، ج 5/ 97.
(4) النيسابوري، 136- 137، و السيوطي 78.
(5) تفسير القرطبي، ج 5/ 263- 264.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 107
إليه، فقضي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لليهودي، فلما خرجا من عنده لزمه المنافق و قال: ننطلق إلي عمر بن الخطاب، فأقبلا إلي عمر، فقال اليهودي: اختصمنا أنا و هذا إلي محمد فقضي لي عليه، فلم يرض بقضائه، و زعم أنه مخاصم إليك، و تعلق بي، فجئت إليك معه. فقال عمر للمنافق: أ كذلك؟ قال: نعم. فقال لهما: رويدا حتي أخرج إليكما، فدخل عمر و أخذ السيف فاشتمل عليه، ثم خرج إليهما و ضرب به المنافق حتي برد، و قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء اللّه و قضاء رسوله. و هرب اليهودي، و نزلت هذه الآية، و قال جبريل عليه السلام: إن عمر فرق بين الحق و الباطل، فسمي الفاروق «1».
و قال السدي: كان ناس من اليهود أسلموا، و نافق بعضهم، و كانت قريظة و النضير في الجاهلية: إذا قتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير قتل به و أخذ ديته مائة وسق من تمر. و إذا قتل رجل من بني النضير رجلا من قريظة لم يقتل به، و أعطي ديته ستين وسقا من تمر. و كانت النضير حلفاء الأوس، و كانوا أكبر و أشرف من قريظة، و هم حلفاء الخزرج، فقتل رجل من النضير رجلا من قريظة، و اختصموا في ذلك، فقالت بنو النضير: إنا و أنتم اصطلحنا في الجاهلية علي أن يقتل منكم و لا تقتلوا منا، و علي أن ديتكم ستون وسقا- و الوسق ستون صاعا- و ديتنا مائة وسق، فنحن نعطيكم ذلك. فقال الخزرج: هذا شي‌ء كنتم فعلتموه في الجاهلية، لأنكم كثرتم و قللنا فقهرتمونا، و نحن و أنتم اليوم إخوة، و ديننا و دينكم واحد، و ليس لكم علينا فضل.
فقال المنافقون: انطلقوا إلي أبي بردة الكاهن الأسلمي. و قال المسلمون: لا بل إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم. فأبي المنافقون و انطلقوا إلي أبي بردة ليحكم بينهم، فقال: أعظموا اللقمة، يعني الرشوة. فقالوا: لك عشرة أوسق. قال: لا، بل مائة وسق ديتي، فإني أخاف إن نفرت النضيري قتلتني قريظة، و إن نفرت القريظي قتلني النضير. فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوسق و أبي أن يحكم بينهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فدعا النبي صلي اللّه عليه و سلم كاهن أسلم إلي الإسلام فأبي، فانصرف، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم لابنيه: «أدركا أباكما، فإنه إن جاوز عقبة كذا لم يسلم أبدا». فأدركاه، فلم يزالا به حتي انصرف و أسلم، و أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم مناديا فنادي: ألا إن كاهن أسلم قد أسلم.
__________________________________________________
(1) النيسابوري 137.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 108
الآية: 65- قوله تعالي: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
نزلت في الزبير بن العوام و خصمه حاطب ابن أبي بلتعة، و قيل: هو ثعلبة بن حاطب.
عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه أنه كان يحدث:
أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم في شراج الحرة، كانا يسقيان بهما كلاهما، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم للزبير: «اسق، ثم أرسل إلي جارك». فغضب الأنصاري و قال: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم قال للزبير:
«اسق، ثم احبس الماء حتي يرجع إلي الجدر». فاستوفي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم للزبير حقه، و كان قبل ذلك أشار علي الزبير برأي أراد فيه سعة للأنصاري و له، فلما أحفظ الأنصاري رسول اللّه استوفي للزبير حقه في صريح الحكم «1».
قال عروة: قال الزبير: و اللّه ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) «2».
الآية: 69- قوله تعالي: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ.
قال الكلبي: نزلت في ثوبان مولي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و كان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم و قد تغير لونه و نحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن، فقال له: «يا ثوبان، ما غير لونك». فقال: يا رسول اللّه، ما لي من ضرّ و لا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك و استوحشت وحشة شديدة حتي ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، و أخاف أن لا أراك هناك، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين، و أني- و إن دخلت الجنة-
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 5/ 266- 267.
(2) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، رقم: 4309، و مسلم: الفضائل، باب: وجوب اتباعه صلي اللّه عليه و سلم، رقم: 2357. و تفسير ابن كثير، ج 1/ 520- 521.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 109
كنت في منزلة أدني من منزلتك، و إن لم أدخل الجنة فذاك أحري أن لا أراك أبدا.
فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و عن مسروق قال: قال أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا. فأنزل اللّه تعالي: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ «2».
و عن فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: جاء رجل إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه، إنك لأحب إليّ من نفسي و أهلي و ولدي، و إني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتي آتيك فأنظر إليك، و إذا ذكرت موتي و موتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، و أني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم شيئا حتي نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الآية «3».
الآية: 77- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ.
قال الكلبي: نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، منهم:
عبد الرحمن بن عوف، و المقداد بن الأسود، و قدامة بن مظعون، و سعد ابن أبي وقاص، كانوا يلقون من المشركين أذي كثيرا، و يقولون: يا رسول اللّه، ائذن لنا في قتال هؤلاء؟ فيقول لهم: «كفوا أيديكم عنهم، فإني لم أومر بقتالهم». فلما هاجر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي المدينة، و أمرهم اللّه تعالي بقتال المشركين كرهه بعضهم و شق عليهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
عن الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عبد الرحمن و أصحابه أتوا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم بمكة، فقالوا: يا نبي اللّه، كنا في عز و نحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلة؟ فقال: «إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم». فلما
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 5/ 271.
(2) تفسير القرطبي، ج 5/ 272.
(3) النيسابوري، 138- 139، و السيوطي 80. و مجمع الزوائد، ج 7/ 7.
(4) النيسابوري 140.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 110
حوله اللّه إلي المدينة أمره بالقتال، فكفوا، فأنزل اللّه تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ «1».
الآية: 78- قوله تعالي: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ.
قال ابن عباس، في رواية أبي صالح: لما استشهد اللّه من المسلمين من استشهد يوم أحد قال المنافقون الذين تخلفوا عن الجهاد: لو كان إخواننا الذين قتلوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 83- قوله تعالي: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ.
روي مسلم، عن عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل النبي صلي اللّه عليه و سلم نساءه، دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصي و يقولون: طلّق رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم نساءه، فقمت علي باب المسجد فناديت بأعلي صوتي: لم يطلّق نساءه، فنزلت هذه الآية: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِلي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ قال: فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر «3».
عن ابن جريج قال: هذا في الأخبار إذا غزت سرية من المسلمين خبّر الناس عنها فقالوا: أصاب المسلمين من عدوّهم كذا و كذا، و أصاب العدو من المسلمين كذا و كذا، فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي صلي اللّه عليه و سلم هو الذي يخبرهم به.
الآية: 88- قوله تعالي:* فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ.
عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن عبد اللّه بن يزيد بن ثابت: أن قوما خرجوا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي أحد، فرجعوا، فاختلف فيهم المسلمون، فقالت فرقة: نقتلهم، و قالت فرقة: لا نقتلهم، فنزلت هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 5/ 108.
(2) النيسابوري، 140- 142. و السيوطي، 80- 81، و تفسير زاد المسير، ج 2/ 137، و تفسير القرطبي، ج 5/ 282.
(3) السيوطي 81، و زاد المسير، ج 2/ 145، و تفسير الطبري، ج 5/ 114.
(4) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 111
و قال مجاهد في هذه الآية: هم قوم خرجوا من مكة حتي جاءوا المدينة، يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا النبي عليه السلام إلي مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: هم منافقون، و قائل يقول: هم مؤمنون، فبين اللّه تعالي نفاقهم و أنزل هذه الآية، و أمر بقتلهم في قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [سورة النساء، الآية: 89] فجاءوا ببضائعهم يريدون هلال بن عويم الأسلمي، و بينه و بين النبي صلي اللّه عليه و سلم حلف، و هو الذي حصر صدره أن يقاتل المؤمنين، فرفع عنهم القتل بقوله تعالي: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلي قَوْمٍ [سورة النساء، الآية: 90] «1».
الآية: 90- قوله تعالي: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلي قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ.
أخرج ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم، قال: لما ظهر النبي صلي اللّه عليه و سلم علي أهل بدر و أحد، و أسلم من حولهم، قال سراقة: بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلي قومي بني مدلج، فأتيته فقلت:
أنشدك النعمة، بلغني أنك تريد أن تبعث إلي قومي، و أنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا و دخلوا في الإسلام، و إن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم، فأخذ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بيد خالد فقال: «اذهب معه فافعل ما يريد» فصالحهم خالد علي أن لا يعينوا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و إن أسلمت قريش أسلموا معهم، و أنزل اللّه: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلي قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فكان من وصل إليهم كان معهم علي عهدهم «2».
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: نزلت: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلي قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ في هلال بن عويمر الأسلمي و سراقة بن مالك المدلجي، و في بني جذيمة بن عامر بن عبد مناف «3».
__________________________________________________
- (4) فِئَتَيْنِ ..، رقم: 4313، و مسلم: الحج، باب: المدينة تنفي شرارها، رقم: 1384، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 532، و تفسير القرطبي، ج 5/ 306.
(1) النيسابوري 143، و تفسير الطبري، ج 5/ 121، و زاد المسير، ج 2/ 153- 154.
(2) تفسير ابن كثير، ج 1/ 533.
(3) السيوطي، 82- 83، و تفسير الطبري، ج 5/ 124.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 112
الآية: 92- قوله تعالي: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً.
عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن الحارث بن زيد كان شديدا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فجاء و هو يريد الإسلام، فلقيه عياش ابن أبي ربيعة، و الحارث يريد الإسلام و عياش لا يشعر، فقتله، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً الآية «1».
و شرح الكلبي هذه القصة فقال: إن عياش ابن أبي ربيعة المخزومي أسلم، و خاف أن يظهر إسلامه، فخرج هاربا إلي المدينة فقدمها، ثم أتي أطما من آطامها فتحصن فيه، فجزعت أمه جزعا شديدا، و قالت لابنيها أبي جهل و الحارث بن هشام، و هما لأمه: لا يظلني سقف بيت و لا أذوق طعاما و لا شرابا حتي تأتوني به. فخرجا في طلبه، و خرج معهم الحارث بن زيد ابن أبي أنيسة حتي أتوا المدينة، فأتوا عياشا و هو في الأطم، فقالا له: انزل، فإن أمك لم يؤوها سقف بيت بعدك، و قد حلفت لا تأكل طعاما و لا شرابا حتي ترجع إليها، و لك اللّه علينا أن لا نكرهك علي شي‌ء، و لا نحول بينك و بين دينك. فلما ذكرا له جزع أمه و أوثقا له نزل إليهم، فأخرجوه من المدينة، و أوثقوه بنسع، و جلده كل واحد منهم مائة جلدة، ثم قدموا به علي أمه، فقالت: و اللّه لا أحلك من وثاقك حتي تكفر بالذي آمنت به. ثم تركوه موثقا في الشمس، و أعطاهم بعض الذي أرادوه، فأتاه الحارث بن زيد و قال: عياش، و اللّه لئن كان الذي كنت عليه هدي لقد تركت الهدي، و إن كان ضلالة لقد كنت عليها. فغضب عياش من مقاله و قال: و اللّه لا ألقاك خاليا إلا قتلتك. ثم إن عياشا أسلم بعد ذلك و هاجر إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالمدينة، ثم إن الحارث بن زيد أسلم و هاجر إلي المدينة، و ليس عياش يومئذ حاضرا، و لم يشعر بإسلامه، فبينا هو يسير بظهر قبا إذ لقي الحارث بن زيد، فلما رآه حمل عليه فقتله، فقال الناس: أي شي‌ء صنعت؟ إنه قد أسلم. فرجع عياش إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه، كان من أمري و أمر الحارث ما قد علمت، و إني لم أشعر بإسلامه حين قتلته. فنزل عليه جبريل عليه السلام بقوله: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «2».
__________________________________________________
(1) سنن البيهقي الكبري، ج 8/ 72.
(2) النيسابوري، 144- 145، و السيوطي 83، و زاد المسير، ج 2/ 161- 162.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 113
الآية: 93- قوله تعالي: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً.
قال الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: إن مقيس بن ضبابة وجد أخاه هشام بن ضبابة قتيلا في بني النجار، و كان مسلما، فأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فذكر له ذلك، فأرسل رسول اللّه عليه السلام معه رسولا من بني فهد، فقال له: «ائت بني النجار فأقرئهم السلام، و قل لهم: إن رسول اللّه يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلي أخيه فيقتص منه، و إن لم تعلموا له قتيلا أن تدفعوا إليه ديته». فأبلغهم الفهدي ذلك عن النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقالوا: سمعا و طاعة للّه و لرسوله، و اللّه ما نعلم له قاتلا، و لكن نؤدي إليه ديته. فأعطوه مائة من الإبل، ثم انصرفا راجعين نحو المدينة، و بينهما و بين المدينة قريب، فأتي الشيطان مقيسا فوسوس إليه فقال: أي شي‌ء صنعت، تقبل دية أخيك فيكون عليك سبة؟ اقتل الذي معك فيكون نفس مكان نفس، و فضل الدية.
ففعل مقيس ذلك، فرمي الفهدي بصخرة فشدخ رأسه، ثم ركب بعيرا منها و ساق بقيتها راجعا إلي مكة كافرا، و جعل يقول في شعره:
قتلت به فهرا و حملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع
و أدركت ثأري و اضطجعت موسدا و كنت إلي الأوثان أول راجع فنزلت هذه الآية: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً. ثم أهدر النبي عليه السلام دمه يوم فتح مكة، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه «1».
الآية: 94- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا.
محمد بن عباد قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال:
لحق المسلمون رجلا في غنيمة له، فقال: السلام عليكم، فقتلوه و أخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقي إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا تلك الغنيمة «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 145، و السيوطي 84، و زاد المسير، ج 2/ 166- 167.
(2) البخاري: التفسير/ النساء، باب: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقي إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً،-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 114
و عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مرّ رجل من سليم علي نفر من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و معه غنم، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم عليكم إلا ليتعوذ منكم. فقاموا إليه فقتلوه و أخذوا غنمه، و أتوا بها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم. فأنزل اللّه تعالي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا «1».
و عن جبير ابن أبي عمرو، عن سعيد بن جبير قال: خرج المقداد بن الأسود في سرية، فمروا برجل في غنيمة له، فأرادوا قتله، فقال: لا إله إلا اللّه، فقتله المقداد، فقيل له: أ قتلته و قد قال لا إله إلا اللّه، و هو آمن في أهله و ماله؟ فلما قدموا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذكروا ذلك له، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا «2».
و قال الحسن: إن أصحاب النبي عليه السلام خرجوا يطوفون، فلقوا المشركين فهزموهم، فشد منهم رجل، فتبعه رجل من المسلمين و أراد متاعه، فلما غشيه بالسنان قال: إني مسلم إني مسلم، فكذبه ثم أوحره السنان فقتله، و أخذ متاعه و كان قليلا، فرفع ذلك إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «قتلته بعد ما زعم أنه مسلم؟» فقال: يا رسول اللّه، إنما قالها متعوذا. قال: «فهلا شققت عن قلبه، لتنظر صادق هو أم كاذب؟» قال:
قلت: أعلم ذلك يا رسول اللّه. قال: «ويك أنك لم تكن تعلم ذلك، إنما بين لسانه».
قال: فما لبث القاتل أن مات، فدفن فأصبح و قد وضع إلي جنب قبره، قال: ثم عادوا فحفروا له و أمكنوا و دفنوه، فأصبح و قد وضع إلي جنب قبره، مرتين أو ثلاثا، فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب، قال: و أنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
قال الحسن: إن الأرض تحبس من هو شر منه، و لكن وعظ القوم أن لا يعودوا «4».
و قال السدي: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أسامة بن زيد علي سرية، فلقي مرداس بن نهيك الضمري فقتله، و كان من أهل فدك، و لم يسلم من قومه غيره، و كان يقول:
__________________________________________________
- (2) رقم: 4315، و مسلم: في التفسير، رقم: 3025، و زاد المسير، ج 2/ 169- 170.
(1) سنن الترمذي في التفسير برقم 3030.
(2) تفسير الطبري، ج 5/ 142.
(3) الدر المنثور للسيوطي، ج 2/ 201.
(4) النيسابوري، 145- 147، و السيوطي، 84- 85.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 115
لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه. و يسلم عليهم، قال أسامة: فلما قدمت علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أخبرته، فقال: «قتلت رجلا يقول لا إله إلا اللّه؟» فقلت: يا رسول اللّه، إنما تعوذ من القتل. فقال: «كيف أنت إذا خاصمك يوم القيامة بلا إله إلا اللّه؟» قال:
فما زال يرددها عليّ: «أقتلت رجلا يقول لا إله إلا اللّه» حتي تمنيت لو أن إسلامي كان يومئذ، فنزلت: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا «1».
عن هشيم قال: أخبرنا حصين قال: حدثنا أبو ظبيان قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة يحدث قال: بعثنا النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي حرقة بن جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم، قال: و لحقت أنا و رجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا اللّه، قال: فكف عنه الأنصاري، فطعنته برمحي فقتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي عليه السلام، فقال: «يا أسامة، أ قتلته بعد ما قال لا إله إلا اللّه؟» قلت: يا رسول اللّه، إنما كان متعوذا. قال: «أ قتلته بعد ما قال لا إله إلا اللّه؟» قال: فما زال يكررها عليّ حتي تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم «2».
الآية: 95- قوله تعالي: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت قال: كنت عند النبي صلي اللّه عليه و سلم حين نزلت عليه: (لّا يستوي القاعدون من المؤمنين و المجاهدون في سبيل اللّه) و لم يذكر (أولي الضرر) فقال ابن أم مكتوم: كيف و أنا أعمي لا أبصر؟ قال زيد: فتغشي النبي صلي اللّه عليه و سلم في مجلسه الوحي، فاتكأ علي فخذي، فوالذي نفسي بيده، لقد ثقل عليّ فخذي حتي خشيت أن يرضها، ثم سري عنه، فقال: «اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ» فكتبتها «3».
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للنيسابوري 147.
(2) صحيح البخاري برقم 6872، و مسلم برقم 158- 96.
(3) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ النساء، باب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ.، رقم: 4316. فتغشي: فجاءه. يرضها: يدقها من الرض و هو الدق و الجرش. سري عنه:
انكشف عنه الوحي و ذهب ما كان يعاني من شدته. و تفسير القرطبي، ج 5/ 341- 342، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 540.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 116
قال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: لما نزلت هذه الآية: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم زيدا، فجاء بكتف و كتبها، فشكا ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت:
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ «1».
الآية: 97- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ.
نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة، تكلموا بالإسلام و لم يهاجروا، و أظهروا الإيمان و أسروا النفاق، فلما كان يوم بدر خرجوا مع المشركين إلي حرب المسلمين فقتلوا، فضربت الملائكة وجوههم و أدبارهم، و قالوا لهم ما ذكر اللّه سبحانه «2».
عن أشعث بن سواد، عن عكرمة، عن ابن عباس: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ و تلاها إلي آخرها، قال: كانوا قوما من المسلمين بمكة، فخرجوا في قوم من المشركين في قتال، فقتلوا معهم، فنزلت هذه الآية «3».
الآية: 100- قوله تعالي: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَي اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
قال ابن عباس، في رواية عطاء: كان عبد الرحمن بن عوف يخبر أهل مكة بما ينزل فيهم من القرآن، فكتب الآية التي نزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ. فلما قرأها المسلمون قال حبيب بن ضمرة الليثي لبنيه، و كان شيخا كبيرا:
احملوني، فإني لست من المستضعفين، و إني لا أهتدي إلي الطريق. فحمله بنوه علي سرير متوجها إلي المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف علي الموت، فصفق يمينه علي شماله و قال: اللهم هذه لك و هذه لرسولك، أبايعك علي ما بايعتك يد
__________________________________________________
(1) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري: الجهاد، باب: قول اللّه تعالي: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ..، رقم: 2676، و مسلم: الإمارة، باب: سقوط فرض الجهاد عن المعذورين، رقم: 1898، و النيسابوري، 147- 149، و السيوطي، 85- 86.
(2) أي في تتمة الآية المذكورة، و هو قوله تعالي: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً.
انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 541- 542.
(3) تفسير القرطبي، ج 5/ 345.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 117
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و مات حميدا «1»، فبلغ خبره أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: لو وافي المدينة لكان أتم أجرا. فأنزل اللّه تعالي فيه هذه الآية «2».
عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: كان بمكة ناس قد دخلهم الإسلام، و لم يستطيعوا للهجرة، فلما كان يوم بدر و خرج بهم كرها فقتلوا، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلي قوله تعالي: عَسَي اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [سورة النساء، الآية: 99] إلي آخر الآية «3».
قال: و كتب بذلك من كان بالمدينة إلي من بمكة ممن أسلم، فقال رجل من بني بكر، و كان مريضا: أخرجوني إلي الروحاء، فخرجوا به، فخرج يريد المدينة، فلما بلغ الحصحاص مات، فأنزل اللّه تعالي: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَي اللَّهِ وَ رَسُولِهِ «4».
الآية: 102- قوله تعالي: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ.
عن موسي بن طارق قال: ذكر سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياش الزرقي قال: صلينا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الظهر، فقال المشركون: قد كانوا علي حال لو كنا أصبنا منهم غرة، قالوا: تأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم، قال:
و هي العصر، قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية بين الأولي و العصر: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ و هم بعسفان، و علي المشركين خالد بن الوليد، و هم بيننا و بين القبلة، و ذكر صلاة الخوف «5».
عن يونس بن بكير، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فلقي المشركين بعسفان، فلما صلي رسول اللّه عليه السلام الظهر، فرأوه يركع و يسجد هو و أصحابه، قال بعضهم لبعض: كان هذا فرصة لكم، لو
__________________________________________________
(1) لا أهتدي: هكذا في المطبوع، و الذي يظهر لي أن الصواب: لأهتدي. حميدا: أي علي حالة يحمد عليها من الإيمان و الهجرة في سبيل اللّه تعالي.
(2) النيسابوري 150، و تفسير الطبري، ج 5/ 152.
(3) الدر المنثور للسيوطي، ج 2/ 208.
(4) النيسابوري، 150- 151، و السيوطي، 86- 87، و تفسير الطبري، ج 5/ 151- 152.
(5) سنن أبي داود برقم 1236.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 118
أغرتم عليهم ما كانوا علموا بكم حتي تواقعوهم. فقال قائل منهم: فإن لهم صلاة أخري هي أحب إليهم من أهليهم و أموالهم، فاستعدوا حتي تغيروا عليهم فيها.
فأنزل اللّه تبارك و تعالي علي نبيه: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ إلي آخر الآية، و أعلم ما ائتمر به المشركون، و ذكر صلاة الخوف «1».
الآيات: 105- 116- قوله تعالي: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ إلي قوله تعالي: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116).
أنزلت كلها في قصة واحدة، و ذلك أن رجلا من الأنصار يقال له: طعمة بن أبيرق، أحد بني ظفر بن الحارث، سرق درعا من جار له يقال له: قتادة بن النعمان، و كانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتي انتهي إلي الدار و فيها أثر الدقيق، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمير، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده، و حلف لهم: و اللّه ما أخذها و ما له به من علم، فقال أصحاب الدرع: بلي و اللّه، قد أدلج علينا فأخذها، و طلبنا أثره حتي دخل داره، فرأينا أثر الدقيق. فلما أن حلف تركوه، و اتبعوه أثر الدقيق حتي انتهوا إلي منزل اليهودي، فأخذوه، فقال: دفعها إليّ طعمة بن أبيرق، و شهد له أناس من اليهود علي ذلك، فقالت بنو ظفر، و هم قوم طعمة: انطلقوا بنا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فكلموه في ذلك، فسألوه أن يجادل عن صاحبهم، و قالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا و افتضح، و برئ اليهودي. فهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يفعل، و كان هواه معهم، و أن يعاقب اليهودي، حتي أنزل اللّه تعالي: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ الآية كلها «2».
و هذا قول جماعة من المفسرين.
الآية: 123- قوله تعالي: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 1/ 548- 549.
(2) النيسابوري، 151- 153، و السيوطي، 90- 91، و زاد المسير، ج 2/ 190، و تفسير القرطبي، ج 5/ 375، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 551.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 119
قال ابن عباس: قالت اليهود و النصاري: لن يدخل الجنة إلا من كان منّا، و قالت قريش: ليس نبعث، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال مسروق و قتادة: احتج المسلمون و أهل الكتاب، فقال أهل الكتاب: نحن أهدي منكم، نبينا قبل نبيكم و كتابنا قبل كتابكم، و نحن أولي باللّه منكم. و قال المسلمون: نحن أهدي منكم، و أولي باللّه، نبينا خاتم الأنبياء، و كتابنا يقضي علي الكتب التي قبله. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية. ثم أفلح اللّه حجة المسلمين علي من ناوأهم من أهل الأديان بقوله تعالي: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ، و بقوله تعالي: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [سورة النساء، الآيتان: 124- 125] «2».
الآية: 125- قوله تعالي: وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125).
عن محمد بن عبد اللّه الحضرمي قال: حدثنا موسي بن إبراهيم المروزي قال:
حدثنا ابن ربيعة، عن أبي قبيل، عن عبد اللّه، عن عمر قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«يا جبريل، لم اتخذ اللّه إبراهيم خليلا؟» قال: لإطعامه الطعام يا محمد «3».
و قال عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبزي: دخل إبراهيم، فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه، قال له إبراهيم: بإذن من دخلت؟ فقال: بإذن رب المنزل؛ فعرفه إبراهيم عليه السلام، فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلا. قال إبراهيم: و من ذلك؟ قال: و ما تصنع به؟ قال: أكون خادما له حتي أموت. قال: فإنه أنت «4».
و قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أصاب الناس سنة جهدوا فيها، فحشروا إلي باب إبراهيم عليه السلام يطلبون الطعام، و كانت الميرة له كل سنة من
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 5/ 396.
(2) النيسابوري، 153- 154، و السيوطي، 91- 92، و تفسير الطبري، ج 5/ 186- 187.
(3) الدر المنثور للسيوطي، ج 2/ 230.
(4) النيسابوري 155.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 120
صديق له بمصر، فبعث غلمانه بالإبل إلي مصر يسأله الميرة، فقال خليله: لو كان إبراهيم إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له، و قد دخل علينا ما دخل علي الناس من الشدة. فرجع رسل إبراهيم فمروا ببطحاء، فقالوا: لو احتملنا من هذه البطحاء ليري الناس أنا قد جئنا بالميرة؟ إنا نستحيي أن نمر بهم و إبلنا فارغة. فملئوا تلك الغرائر رملا، ثم إنهم أتوا إبراهيم عليه السلام و سارة نائمة، فأعلموه ذلك، فاهتم إبراهيم عليه السلام بمكان الناس، فغلبته عينه فنام، و استيقظت سارة، فقامت إلي تلك الغرائر ففتقتها، فإذا هو أجود حوار يكون، فأمرت الخبازين فخبزوا و أطعموا الناس، و استيقظ إبراهيم عليه السلام فوجد ريح الطعام، فقال: يا سارة، من أين هذا الطعام؟ قالت: من عند خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي اللّه، لا من عند خليلي المصري.
فيومئذ اتخذ اللّه إبراهيم خليلا «1».
الآية: 127- قوله تعالي: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ.
عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلي عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ الآية، قالت: و الذي يتلي عليهم في الكتاب الآية الأولي التي قال فيها: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي [سورة النساء، الآية: 3] قالت عائشة رضي اللّه عنها: و قال اللّه تعالي في الآية الأخري: وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال و الجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها و جمالها من باقي النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن «2».
الآية: 128- قوله تعالي: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ.
عن هشام، عن عروة، عن عائشة، في قول اللّه تعالي: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً إلي آخر الآية، نزلت في المرأة تكون عند الرجل فلا يستكثر منها و يريد
__________________________________________________
(1) النيسابوري 155، و السيوطي، 91- 92، و تفسير الطبري، ج 5/ 191، و زاد المسير، ج 2/ 211- 212، و تفسير القرطبي، ج 5/ 400- 401.
(2) رواه مسلم في أوائل كتاب التفسير، رقم 3018، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 561، و تفسير القرطبي، ج 5/ 402.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 121
فراقها، و لعلها أن تكون لها صحبة و يكون لها ولد، فيكره فراقها، و تقول له:
لا تطلقني، و أمسكني و أنت في حل من شأني، فأنزلت هذه الآية «1».
الآية: 135- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ.
روي أسباط، عن السدي قال: نزلت في النبي صلي اللّه عليه و سلم، اختصم إليه غني و فقير، و كان ضلعه «2» مع الفقير، رأي أن الفقير لا يظلم الغني، فأبي اللّه تعالي إلا أن يقوم بالقسط في الغني و الفقير، فقال:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ حتي بلغ:
إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلي بِهِما «3».
الآية: 136- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
قال الكلبي: نزلت في عبد اللّه بن سلام، و أسد و أسيد ابني كعب، و ثعلبة بن قيس، و جماعة من مؤمني أهل الكتاب، قالوا: يا رسول اللّه، إنا نؤمن بك و بكتابك، و بموسي و التوراة و عزير، و نكفر بما سواه من الكتب و الرسل. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 148- قوله تعالي:* لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ.
قال مجاهد: إن ضيفا تضيف قوما، فأساءوا قراه، فاشتكاهم، فنزلت هذه الآية رخصة في أن يشكو «5».
الآية: 153- قوله تعالي: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً.
نزلت في اليهود، قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء، كما أتي به موسي. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «6».
__________________________________________________
(1) رواه الشيخان في صحيحيهما. البخاري برقم 2318، و مسلم برقم 3021، و تفسير ابن كثير، ج 1/ 562، و تفسير القرطبي، ج 5/ 403- 404.
(2) ضلعه: أي ميله.
(3) تفسير الطبري، ج 5/ 207.
(4) زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 223.
(5) زاد المسير، ج 2/ 236، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 571.
(6) زاد المسير، ج 2/ 241، و تفسير القرطبي، ج 6/ 6.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 122
الآية: 166- قوله تعالي: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ.
قال الكلبي: إن رؤساء أهل مكة أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: سألنا عنك اليهود، فزعموا أنهم لا يعرفونك، فائتنا بمن يشهد لك أن اللّه بعثك إلينا رسولا. فنزلت هذه الآية: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ «1».
الآية: 171- قوله تعالي: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.
نزلت في طوائف من النصاري حين قالوا: عيسي ابن اللّه، فأنزل اللّه تعالي: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَي اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ «2».
قال الكلبي: إن وفد نجران قالوا: يا محمد، تعيب صاحبنا؟ قال: «و من صاحبكم». قالوا: عيسي. قال: «أي شي‌ء أقول فيه». قالوا: تقول إنه عبد اللّه و رسوله. فقال لهم: «إنه ليس بعار لعيسي أن يكون عبدا للّه». قالوا: بلي. فنزلت:
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ [سورة النساء، الآية: 172] «3».
الآية: 176- قوله تعالي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.
عن هشام بن عبد اللّه، عن ابن الزبير، عن جابر قال: اشتكيت، فدخل عليّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و عندي سبع أخوات، فنفخ في وجهي، فأفقت، فقلت: يا رسول اللّه، أوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال: «اجلس» فقلت: الشطر؟ قال: «اجلس». ثم خرج فتركني، قال: ثم دخل عليّ و قال: «يا جابر، إني لا أراك تموت في وجعك هذا، إن اللّه قد أنزل فبين الذي لأخواتك: الثلثين». و كان جابر يقول: نزلت هذه الآية فيّ:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 2/ 257، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 589.
(2) زاد المسير، ج 2/ 260، و انظر تفسير ابن كثير، ج 1/ 590.
(3) النيسابوري، 156- 158، و السيوطي، 94.
(4) النيسابوري 158، و السيوطي، 95- 96، و سنن أبي داود برقم 2887، و تفسير القرطبي، ج 6/ 28.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 123

5- سورة المائدة

الآية: 2- قوله تعالي: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.
قال ابن عباس: نزلت في الحطيم و اسمه شريح بن ضبيع الكندي، أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم من اليمامة إلي المدينة، فخلف خيله خارج المدينة و دخل وحده علي النبي عليه السلام، فقال: إلام تدعو الناس؟ قال: «إلي شهادة أن لا إله إلا اللّه، و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة». فقال: حسن، إلا أن لي أمراء لا نقطع أمرا دونهم، و لعلي أسلم و آتي بهم، و قد كان النبي صلي اللّه عليه و سلم قال لأصحابه: «يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان». ثم خرج من عنده، فلما خرج قال رسول اللّه عليه السلام: «لقد دخل بوجه كافر و خرج بعقبي غادر، و ما الرجل مسلم». فمر بسرح المدينة فاستقاه، فطلبوه فعجزوا عنه، فلما خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عام القضية سمع تلبية حجاج اليمامة، فقال لأصحابه: «هذا الحطيم و أصحابه». و كان قد قلد هديا من سرح المدينة، و أهدي إلي الكعبة، فلما توجهوا في طلبه أنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ يريد ما أشعر للّه و إن كانوا علي غير دين الإسلام «1».
و قال زيد بن أسلم: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه بالحديبية حين صدّهم المشركون عن البيت، و قد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة، فقال أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم، فأنزل اللّه تعالي: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلائِدَ وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ أي و لا تعتدوا علي هؤلاء العمار إن صدكم أصحابهم «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 159، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 270، و انظر تفسير القرطبي، ج 6/ 37- 38.
(2) زاد المسير، ج 2/ 271- 272.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 124
الآية: 3- قوله تعالي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
نزلت هذه الآية يوم الجمعة، و كان يوم عرفة، بعد العصر في حجة الوداع، سنة عشر، و النبي صلي اللّه عليه و سلم بعرفات علي ناقته العضباء «1».
عن جعفر بن عون قال: أخبرني أبو عميس، عن قيس بن حاتم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. فقال: أي آية هي؟ قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فقال عمر: و اللّه إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و الساعة التي نزلت فيها علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، عشية يوم عرفة في يوم جمعة «2».
و عن عباد ابن أبي عمار قال: قرأ ابن عباس هذه الآية و معه يهودي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. فقال اليهودي: لو نزلت هذه الآية علينا في يوم لاتخذناه عيدا. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد: يوم جمعة، وافق ذلك يوم عرفة «3».
الآية: 4- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ.
عن أبان بن صالح، عن القعقاع بن الحكيم، عن سلمي أم رافع، عن أبي رافع قال: أمرني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بقتل الكلاب، فقال الناس: يا رسول اللّه، ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و هي: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ «4».
__________________________________________________
(1) تفسير زاد المسير، ج 2/ 286.
(2) صحيح البخاري برقم 45، و صحيح مسلم برقم 3017، و تفسير القرطبي، ج 6/ 61، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 13.
(3) زاد المسير، ج 2/ 286.
(4) رواه الحاكم أبو عبد اللّه في المستدرك: التفسير/ المائدة، باب: أحلت ذبائح اليهود و النصاري، 2/ 311، و زاد المسير، ج 2/ 290، و تفسير القرطبي، ج 6/ 65، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 15.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 125
و ذكر المفسرون شرح هذه القصة، قالوا: قال أبو رافع: جاء جبريل عليه السلام إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم و استأذن عليه فأذن له، فلم يدخل، فخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «قد أذنّا لك يا رسول اللّه». فقال: أجل يا رسول اللّه، و لكنا لا ندخل بيتا فيه صورة و لا كلب.
فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، قال أبو رافع: فأمرني أن لا أدع كلبا بالمدينة إلا قتلته، حتي بلغت العوالي، فإذا امرأة عندها كلب يحرسها، فرحمتها فتركته، فأتيت النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبرته، فأمرني بقتله، فرجعت إلي الكلب فقتلته، فلما أمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بقتل الكلاب جاء ناس فقالوا: يا رسول اللّه، ما ذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها؟
فسكت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فلما نزلت أذن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها، و نهي عن إمساك ما لا نفع فيه منها، و أمر بقتل الكلب العقور، و ما يضر و يؤذي، و دفع القتل عما سواهما و ما لا ضرر فيه «1».
و قال سعيد بن جبير: نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم و زيد بن المهلهل الطائيين، و هو زيد الخيل الذي سماه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم زيد الخير، فقالا: يا رسول اللّه، إنا قوم نصيد بالكلاب و البزاة، فإن كلاب آل درع و آل حورية تأخذ البقر و الحمر و الظباء و الضب، فمنه ما يدرك ذكاته و منه ما يقتل فلا يدرك ذكاته، و قد حرم اللّه الميتة، فما ذا يحل لنا منها؟ فنزلت: يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعني الذبائح وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ يعني و صيد ما علمتم من الجوارح، و هو الكواسب من الكلاب و سباع الطير «2».
الآية: 6- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ.
روي البخاري من طريق عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء، و نحن داخلون المدينة، فأناخ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و نزل فثني رأسه في حجري راقدا، و أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة، و قال:
حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلي اللّه عليه و سلم استيقظ و حضرت الصبح، فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ إلي قوله تعالي:
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 160- 161، و السيوطي، 98- 99.
(2) النيسابوري 162، و الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 2/ 260.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 126
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)، فقال أسيد بن حضير: لقد بارك اللّه للناس فيكم يا آل أبي بكر «1»!!.
و روي الطبراني من طريق عباد بن عبد اللّه بن الزبير، عن عائشة قالت: لمّا كان أمر عقدي ما كان، و قال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في غزوة أخري، فسقط أيضا عقدي حتي حبس الناس علي التماسه، فقال لي أبو بكر: بنيّة! في كل سفر تكونين عناء و بلاء علي الناس؟! فأنزل اللّه الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر:
إنك لمباركة!!.
تنبيهان: الأول: ساق البخاري هذا الحديث من رواية عمرو بن الحارث و فيه التصريح بأن آية التيمم المذكورة في رواية غيره هي آية المائدة، و أكثر الرواة قالوا:
فنزلت آية التيمم و لم يبينوها. و قد قال ابن عبد البر: هذه معضلة ما وجدت لدائها دواء، لأنّا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. و قد قال ابن بطال: هي آية النساء. و وجهه بأن آية المائدة تسمي آية الوضوء، و آية النساء لا ذكر للوضوء بها، فيتّجه تخصيصها بآية التيمم.
و أورد الواحدي [أي النيسابوري هذا الحديث في أسباب النزول عند ذكر آية النساء أيضا. و لا شك أن الذي مال إليه البخاري: من أنها آية المائدة هو الصواب للتصريح بها في الطريق المذكور.
الثاني: دل الحديث علي أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول الآية. و لهذا استعظموا نزولهم علي غير ماء، و وقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.
قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلي اللّه عليه و سلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء، و لا يدفع ذلك إلا جاحد أو معاند، قال: و الحكمة في نزول آية الوضوء مع تقديم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل. و قال غيره: يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدّما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقيتها، و هو ذكر التيمم في هذه القصة «2».
__________________________________________________
(1) فتح الباري، ج 8/ 271- 272، برقم 4608.
(2) السيوطي: أسباب النزول، ص 99- 101.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 127
الآية: 11- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ.
عن عمر بن عبيد، عن الحسن البصري، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري: أن رجلا من محارب يقال له: غورث بن الحارث، قال لقومه من غطفان و محارب: أ لا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: نعم، و كيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: فأقبل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو جالس و سيفه في حجره، فقال: يا محمد، أنظر إلي سيفك هذا؟ قال:
«نعم» فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه و يهم به، فكبته اللّه عزّ و جلّ. ثم قال: يا محمد، ما تخافني؟ قال: «لا». قال: أ لا تخافني و في يدي السيف؟ قال: «يمنعني اللّه منك».
ثم أغمد السيف و رده إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي: اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ «1».
عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم نزل منزلا، و تفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلي اللّه عليه و سلم سلاحه علي شجرة، فجاء أعرابي إلي سيف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم أقبل عليه، فقال: من يمنعك مني؟ قال: «اللّه». قال ذلك الأعرابي مرتين أو ثلاثا، و النبي صلي اللّه عليه و سلم يقول: «اللّه». فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي عليه السلام أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي، و هو جالس إلي جنبه لم يعاقبه «2».
و قال مجاهد و الكلبي و عكرمة: قتل رجل من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رجلين من بني سلم، و بين النبي عليه السلام و بين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية، فأتي النبي عليه السلام و معه أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و عبد الرحمن بن عوف رضوان اللّه عليهم أجمعين، فدخلوا علي كعب بن الأشرف و بني النضير يستعينهم في عقلهما، فقالوا: يا أبا القاسم، قد آن لك أن تأتينا و تسألنا حاجة، اجلس حتي نطعمك و نعطيك الذي تسألنا. فجلس هو و أصحابه، فجاء بعضهم ببعض و قالوا:
إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن، فمن يظهر علي هذا البيت فيطرح عليه صخرة،
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 2/ 308.
(2) السيوطي 101، و النيسابوري 162، و تفسير الطبري، ج 6/ 94، و تفسير القرطبي، ج 6/ 111.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 128
فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب: أنا، فجاء إلي رحي عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك اللّه تعالي يده، و جاء جبريل عليه السلام و أخبره بذلك، فخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و أنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 15- قوله تعالي: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ.
أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: إن نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم أتاه اليهود يسألونه عن الرحم، فقال: «أيّكم أعلم؟» فأشاروا إلي ابن صوريا، فناشده [باللّه الذي أنزل التوراة علي موسي، و الذي رفع الطور، و المواثيق التي أخذت عليهم حتي أخذه أفكل، فقال:
إنه لما كثر فينا جلدنا مائة و حلقنا الرءوس؛ فحكم عليهم بالرجم، فأنزل اللّه هذه الآية «2».
الآية: 18- قوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصاري نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ.
روي ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم نعمان بن قصي و بحر بن عمر و شأس بن عدي، فكلّموه و كلّمهم، و دعاهم إلي اللّه و حذّرهم نقمته، فقالوا: ما تخوّفنا يا محمد!؟ نحن و اللّه أبناء اللّه و أحبّاؤه، كقول النصاري، فأنزل اللّه فيهم: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصاري نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ الآية. و روي عنه قال: دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يهود إلي الإسلام و رغّبهم فيه، فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل و سعد بن عبادة: يا معشر يهود! اتقوا اللّه، فو اللّه إنكم لتعلمون أنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه و تصفونه لنا بصفته. فقال رافع بن حريملة و وهب بن يهوذا:
ما قلنا لكم هذا، و ما أنزل اللّه من كتاب بعد موسي، و لا أرسل بشيرا و لا نذيرا بعده، فأنزل اللّه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ [سورة المائدة، الآية: 19] «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 162.
(2) السيوطي، 102- 103، و تفسير الطبري، ج 6/ 103- 104.
(3) أسباب النزول للسيوطي 103. و تفسير القرطبي، ج 6/ 120.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 129
الآية: 33- قوله تعالي: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: أن رهطا من عكل و عرينة أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: يا رسول اللّه، إنا كنا أهل ضرع، و لم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة. فأمر لهم رسول اللّه عليه السلام بذود أن يخرجوا فيها فليشربوا من ألبانها و أبوالها، فقتلوا راعي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و استاقوا الذود، فبعث رسول اللّه عليه السلام في آثارهم فأتي بهم، فقطع أيديهم و أرجلهم و ثمل أعينهم، فتركوا في الحرة حتي ماتوا علي حالهم.
قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً إلي آخر الآية «1».
الآية: 38- قوله تعالي: وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما.
قال الكلبي: نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع، و قد مضت قصته «2».
الآية: 41- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.
عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مرّ علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بيهودي محمما «3» مجلودا، فدعاهم فقال: «أ هكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟» قالوا: نعم. قال: فدعا رجلا من علمائهم فقال: «أنشدك اللّه الذي أنزل التوراة علي موسي عليه السلام، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» قال: لا، و لو لا أنك نشدتني لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، و لكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، و إذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع
__________________________________________________
(1) رواه مسلم: القسامة، باب: حكم المحاربين و المرتدين، رقم: 1671، و النيسابوري 164، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 49- 50، و تفسير القرطبي، ج 6/ 148.
(2) انظر الآية 105 من سورة النساء: أسباب النزول للنيسابوري، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 348.
(3) محمّما أي: مسوّد الوجه.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 130
علي شي‌ء نقيمه علي الشريف و الوضيع، فاجتمعنا علي التحميم و الجلد مكان الرجم.
فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه». فأمر به فرجم، فأنزل اللّه تعالي:* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلي قوله: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ يقولون: ائتوا محمدا، فإن أفتاكم بالتحميم و الجلد فخذوا به، و إن أفتاكم بالرجم فاحذروا، إلي قوله تعالي: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) [سورة المائدة، الآية: 44] قال: في اليهود، إلي قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) [سورة المائدة، الآية: 45] قال: في اليهود، إلي قوله:
وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47) [سورة المائدة، الآية: 47] قال: في الكفار كلها «1».
الآية: 44- قوله تعالي: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُديً وَ نُورٌ.
عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري قال: حدثني رجل من مزينة، و نحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زني رجل من اليهود و امرأة، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلي هذا النبي، فإنه نبي مبعوث للتخفيف، فإذا أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها و احتججناها عند اللّه، و قلنا: فتيا نبي من أنبيائك. فأتوا النبي صلي اللّه عليه و سلم و هو جالس في المسجد مع أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تري في رجل و امرأة زنيا؟ فلم يكلمهما حتي أتي بيت مدراسهم، فقام علي الباب فقال: «أنشدكم اللّه الذي أنزل التوراة علي موسي، ما تجدون في التوراة علي من زني إذا أحصن». قالوا: يحمم و يجبه و يجلد. و التجبية: أن يحمل الزانيان علي الحمار و يقابل أقفيتهما، و يطاف بهما.
قال: و سكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلي اللّه عليه و سلم سكت ألح به في النشدة «2»، فقال: اللهم إذ أنشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرجم. فقال النبي عليه السلام: «فما أول ما أرخصتم أمر اللّه عزّ و جلّ». قال: زني رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا، فأخر عنه الرجم، ثم زني رجل من سراة الناس، فأراد رجمه، فأحال قومه دونه، فقالوا: لا يرجم صاحبنا
__________________________________________________
(1) رواه مسلم في صحيحه: الحدود، باب: رجم اليهود و أهل الذمة في الزنا، رقم: 1700، و النيسابوري 165، و السيوطي 104، و زاد المسير، ج 2/ 356، و تفسير القرطبي، ج 6/ 167- 168، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 58- 59.
(2) بيت مدراسهم: المكان الذي يدرسون فيه كتبهم. النشدة: السؤال باللّه تعالي و القسم.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 131
حتي يجي‌ء بصاحبكم فيرجمه، فاصطلحوا علي هذه العقوبة بينهم. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«فإني أحكم بما في التوراة». فأمر بهما فرجما «1».
قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُديً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا. و كان النبي صلي اللّه عليه و سلم منهم.
قال معمر: أخبرني الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: شهدت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حين أمر برجمهما، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة «2».
الآية: 49- قوله تعالي: وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ.
قال ابن عباس: إن جماعة من اليهود، منهم: كعب بن أسيد، و عبد اللّه بن صوريا، و شاس بن قيس، قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلي محمد- عليه الصلاة و السلام- لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يا محمد، قد عرفت أنّا أحبار اليهود و أشرافهم، و إنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود و لن يخالفونا، و إن بيننا و بين قوم خصومة، و نحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم، و نحن نؤمن بك و نصدقك. فأبي ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي فيهم: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ «3».
الآية: 51- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصاري أَوْلِياءَ.
قال القرطبي: هذا يدل علي قطع الموالاة شرعا.
قال عطية العوفي: جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول اللّه، إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم، و إني أبوء إلي اللّه و رسوله من ولاية اليهود، و آوي إلي اللّه و رسوله. فقال عبد اللّه بن أبيّ: إني رجل أخاف الدوائر، و لا أبرأ من ولاية اليهود. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا أبا الحباب، ما تجلب به من ولاية اليهود علي عبادة بن الصامت فهو لك دونه» فقال: قد قبلت. فأنزل اللّه تعالي فيهما:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصاري أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إلي قوله تعالي:
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 2/ 58- 59.
(2) تفسير القرطبي، ج 6/ 178.
(3) زاد المسير، ج 2/ 374، و انظر تفسير القرطبي، ج 6/ 212.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 132
فَتَرَي الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني عبد اللّه بن أبيّ يُسارِعُونَ فِيهِمْ و في ولايتهم يَقُولُونَ نَخْشي أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ [سورة المائدة، الآية: 52] «1».
الآية: 55- قوله تعالي: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا.
قال جابر بن عبد اللّه: جاء عبد اللّه بن سلام إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه، إن قوما من قريظة و النضير قد هاجرونا و فارقونا، و أقسموا أن لا يجالسونا، و لا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل. و شكا ما يلقي من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال: رضينا باللّه و برسوله و بالمؤمنين أولياء «2».
و عن محمد بن مروان، عن محمد السائب، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
أقبل عبد اللّه بن سلام و معه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول اللّه، إن منازلنا بعيدة، و ليس لنا مجلس و لا متحدث، و إن قومنا لما رأونا آمنا باللّه و رسوله و صدقناه رفضونا، و آلوا علي أنفسهم أن لا يجالسونا و لا يناكحونا و لا يكلمونا، فشق ذلك علينا. فقال لهم النبي عليه السلام: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الآية، ثم إن النبي صلي اللّه عليه و سلم خرج إلي المسجد و الناس بين قائم و راكع، فنظر سائلا، فقال: «هل أعطاك أحد شيئا». قال: نعم، خاتم من ذهب. قال: «من أعطاك». قال: ذلك القائم، و أومأ بيده إلي علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. فقال: «علي أي حال أعطاك؟» قال:
أعطاني و هو راكع، فكبر النبي صلي اللّه عليه و سلم ثم قرأ: وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56) [سورة المائدة، الآية: 56] «3».
الآية: 57- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً.
قال ابن عباس: كان رفاعة بن زيد و سويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام، ثم نافقا، و كان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 167- 168، و السيوطي، 105- 106، و تفسير القرطبي، ج 6/ 216، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 69.
(2) زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 382- 383.
(3) النيسابوري في أسباب النزول 169، و في سنده محمد بن مروان ضعيف، و قال الرّازي: متروك.
(4) تفسير الطبري، ج 6/ 187، و زاد المسير، ج 2/ 385، و انظر تفسير القرطبي، ج 6/ 223.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 133
الآية: 58- قوله تعالي: وَ إِذا نادَيْتُمْ إِلَي الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَ لَعِباً.
قال الكلبي: كان منادي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إذا نادي إلي الصلاة فقام المسلمون إليها، قالت اليهود: قوموا و صلوا، اركعوا علي طريق الاستهزاء و الضحك. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
قال السدي: نزلت في رجل من نصاري المدينة، كان إذا سمع المؤذن يقول:
أشهد أن محمدا رسول اللّه. قال: حرق الكاذب، فدخل خادمه بنار ذات ليلة، و هو نائم و أهله نيام، فطارت منها شرارة في البيت، فاحترق هو و أهله «2».
و قال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حضروا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و المسلمون علي ذلك، و قالوا: يا محمد، لقد أبدعت شيئا لم نسمع به فيما مضي من الأمم، فإن كنت تدّعي النبوّة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء من قبلك، و لو كان في هذا خير كان أولي الناس به الأنبياء و الرسل من قبلك، فمن أين لك صياح كصياح البعير؟ فما أقبح من صوت و لا أسمج من كفر «3». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و أنزل:
وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَي اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً [سورة فصلت، الآية: 33] «4».
الآية: 60- قوله تعالي: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ.
قال ابن عباس: أتي نفر من اليهود إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ فقال: «أومن باللّه و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلي إبراهيم و إسماعيل إلي قوله:
وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)» «5». فلما ذكر عيسي جحدوا نبوته، و قالوا: و اللّه ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا و الآخرة منكم، و لا دينا شرا من دينكم. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً الآية «6».
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 6/ 224.
(2) تفسير الطبري، ج 6/ 188.
(3) أسمج: أكثر قبحا.
(4) زاد المسير، ج 2/ 386.
(5) أي ما نزل في الآية 136 من سورة البقرة.
(6) النيسابوري 169، و السيوطي، 106- 107، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 73- 74.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 134
الآية: 64- قوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ.
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود، يقال له: النباش بن قيس: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و أخرج أبو الشيخ من وجه آخر عنه، قال: نزلت [هذه الآية] في فنحاص رأس يهود بني قينقاع «2».
الآية: 67- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.
قال الحسن: إن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «لما بعثني اللّه تعالي برسالتي ضقت بها ذرعا، و عرفت أن من الناس من يكذبني». و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يهيب قريشا و اليهود و النصاري، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و عن الأعمش و أبي حجاب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية* يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يوم غدير خم «4»، في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه «5».
قوله تعالي: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ الآية. قالت عائشة رضي اللّه عنها:
سهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات ليلة، فقلت: يا رسول اللّه، ما شأنك؟ قال: «أ لا رجل صالح يحرسنا الليلة؟» فقالت: بينما نحن في ذلك سمعت صوت السلاح، فقال: «من هذا؟» قال: سعد و حذيفة، جئنا نحرسك. فنام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي سمعت غطيطه، و نزلت هذه الآية، فأخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رأسه من قبة أدم و قال: «انصرفوا يا أيها الناس، فقد عصمني اللّه» «6».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 2/ 392.
(2) السيوطي 107، و تفسير القرطبي، ج 6/ 238.
(3) تفسير زاد المسير لابن الجوزي، ج 2/ 396، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 77.
(4) غدير خمّ: اسم موضع بين مكة و المدينة.
(5) النيسابوري 170، و سنده ضعيف.
(6) غطيطه: هو صوت النائم. أدم: جلد. عصمني: حفظني و حماني. النيسابوري 170،-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 135
الآية: 68- قوله تعالي: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلي شَيْ‌ءٍ حَتَّي تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ.
روي ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جاء رافع و سلام بن مشكم، و مالك بن الصيف، فقالوا: يا محمد، أ لست تزعم أنك علي ملّة إبراهيم و دينه، و تؤمن بما عندنا؟
قال: «بلي، و لكنكم أحدثتم و جحدتم بما فيها، و كتمتم ما أمرتم أن تبيّنوه للناس»، قالوا: فإنّا نأخذ بما في أيدينا، فإنّا علي الهدي و الحق، فأنزل اللّه هذه الآية «1».
الآيات: 82- 86- قوله تعالي: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ إلي قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا.
نزلت في النجاشي و أصحابه «2».
قال ابن عباس: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو بمكة يخاف علي أصحابه من المشركين، فبعث جعفر بن أبي طالب و ابن مسعود في رهط من أصحابه إلي النجاشي، و قال: «إنه ملك صالح لا يظلم، و لا يظلم عنده أحد، فاخرجوا إليه حتي يجعل اللّه للمسلمين فرجا». فلما وردوا عليه أكرمهم و قال لهم: تعرفون شيئا مما أنزل عليكم؟
قالوا: نعم. قال: اقرءوا، فقرءوا و حوله القسيسون و الرهبان، فكلما قرءوا آية انحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، قال اللّه تعالي: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82)* وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَي الرَّسُولِ تَري أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ الآية «3».
عن سعيد بن المسيب و عن عروة بن الزبير و غيرهما، قالا: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري بكتاب معه إلي النجاشي، فقدم علي النجاشي، فقرأ كتاب
__________________________________________________
- (6) و السيوطي 108، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 313، و صححه و أقره الذهبي، و رواه الترمذي برقم 3046.
(1) السيوطي 109، و زاد المسير، ج 2/ 398، و تفسير القرطبي، ج 6/ 245.
(2) زاد المسير، ج 2/ 408.
(3) تفسير ابن كثير، ج 2/ 85.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 136
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب و المهاجرين معه، فأرسل إلي الرهبان و القسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفرا أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم عليها السلام، فآمنوا بالقرآن، و أفاضت أعينهم من الدمع، و هم الذين نزل فيهم:
وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصاري إلي قوله:
فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) «1».
و قال آخرون: قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة هو و أصحابه، و معهم سبعون رجلا، بعثهم النجاشي وفدا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، عليهم ثياب الصوف، اثنان و ستون من الحبشة و ثمانية من أهل الشام، و هم بحيرا الراهب و أبرهليه و إدريس و أشرف و تمام و قثم و ذر و أيمن، فقرأ عليهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سورة يس (1) إلي آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن و آمنوا، و قالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل علي عيسي. فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآيات «2».
الآية: 87- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
عن عثمان بن سعد قال: أخبرني عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلا أتي للنبي صلي اللّه عليه و سلم و قال: إذا أكلت هذا اللحم انتشرت إلي النساء، و إني حرمت عليّ اللحم.
فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ. و نزلت: وَ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [سورة المائدة، الآية: 88] «3».
قال المفسرون «4»: جلس رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوما، فذكّر الناس و وصف القيامة، و لم يزدهم علي التخويف، فرقّ الناس و بكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، و هم: أبو بكر الصديق، و علي بن أبي طالب، و عبد اللّه بن مسعود، و عبد اللّه بن عمر، و أبو ذر الغفاري، و سالم مولي أبي حذيفة،
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 6/ 255.
(2) النيسابوري، 170- 172، و السيوطي، 109- 110.
(3) زاد المسير، ج 2/ 410،
(4) النيسابوري 172، و السيوطي، 110- 111.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 137
و المقداد بن الأسود، و سلمان الفارسي، و معقل بن مضر، و اتفقوا علي أن يصوموا النهار و يقوموا الليل، و لا يناموا علي الفرش، و لا يأكلوا اللحم و لا الودك، و يترهبوا، و يجبوا المذاكير. فبلغ ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فجمعهم فقال: «أ لم أنبأ أنكم اتفقتم علي كذا و كذا». فقالوا: بلي يا رسول اللّه، و ما أردنا إلا الخير. فقال: «إني لم أومر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا و أفطروا، و قوموا و ناموا، فإني أقوم و أنام، و أصوم و أفطر، و آكل اللحم و الدسم، و من رغب عن سنتي فليس مني». ثم خرج إلي الناس و خطبهم فقال: «ما بال أقوام حرموا النساء و الطعام و الطيب و النوم و شهوات الدنيا، أما إني لست آمركم أن تكونوا قسيسين و لا رهبانا، فإنه ليس في ديني ترك اللحم و النساء، و لا اتخاذ الصوامع، و إن سياحة أمتي الصوم و رهبانيتها الجهاد، و اعبدوا اللّه و لا تشركوا به شيئا، و حجوا و اعتمروا، و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة، و صوموا رمضان، فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا علي أنفسهم فشدّد اللّه عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات و الصوامع». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فقالوا: يا رسول اللّه، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ و كانوا حلفوا علي ما عليه اتفقوا، فأنزل اللّه تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [سورة المائدة، الآية: 89] «1».
الآية: 90- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أتيت علي نفر من المهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك و نسقيك خمرا، و ذلك قبل أن يحرّم الخمر، فأتيتهم في حش، و الحش البستان، و إذا رأس جزور مشويا عندهم، و دن من خمر، فأكلت و شربت معهم، و ذكرت الأنصار و المهاجرين، فقلت: المهاجرون خير من الأنصار، فأخذ رجل لحي الرأس فجدع أنفي بذلك، فأتيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأخبرته، فأنزل اللّه في شأن الخمر: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية «2».
و عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب قال: اللهم بين لنا في
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 175- 176، و السيوطي، 110- 111، و تفسير الطبري، ج 7/ 7.
(2) رواه مسلم في صحيحه: فضائل الصحابة، باب: فضل سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه، برقم 1748- 43، و تفسير الطبري، ج 7/ 22، و انظر تفسير القرطبي، ج 6/ 286، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 91- 93.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 138
الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في البقرة:* يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ [سورة البقرة، الآية: 219] فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في النساء: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكاري [سورة النساء، الآية: 43]. فكان منادي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إذا أقام الصلاة ينادي: لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآية: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) [سورة المائدة، الآية: 91] قال عمر: انتهينا «1».
الآية: 93- قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا.
قال القرطبي: هذه الآية نظير سؤالهم عمّن مات إلي القبلة الأولي، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [سورة البقرة، الآية: 143]- أي صلاتكم- فرفع اللّه ذلك التوهّم بقوله:
لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.
و عن حماد، عن ثابت، عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، و ما شرابهم إلا الفضيخ و البسر و التمر، و إذا مناد ينادي: إن الخمر قد حرمت. قال: فأريقت في سكك المدينة، فقال أبو طلحة: اخرج فأرقها. قال:
فأرقتها. فقال بعضهم: قتل فلان و قتل فلان و هي بطونهم؟ «2» قال: فأنزل اللّه تعالي:
لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 175، و السيوطي، 111- 112، و تفسير الطبري، ج 7/ 22، و زاد المسير، ج 2/ 417.
(2) الفضيخ: هو التمر المشقوق و المكسور. البسر: هو الغض من التمر. سكك: طرق. و هي بطونهم: هكذا في المطبوع، و في الصحيح: و هي في بطونهم، أي: قد شربوها كثيرا، فهو مبالغة، فكأنهم ماتوا و هي لا تزال في بطونهم لكثرة شربهم لها.
(3) رواه البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه. البخاري: التفسير/ المائدة، باب: لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا، رقم: 4344، و مسلم: الأشربة، باب: تحريم الخمر و بيان أنها تكون من عصير العنب ..، رقم: 1980، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 92- 94.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 139
و عن البراء بن عازب قال: مات من أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم و هم يشربون الخمر، فلما حرمت قال أناس: كيف لأصحابنا، ماتوا و هم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية:
لَيْسَ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية «1».
الآية: 100- قوله تعالي: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ.
عن سفيان، عن محمد بن سراقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه عزّ و جلّ حرم عليكم عبادة الأوثان، و شرب الخمر، و الطعن في الأنساب. ألا إن الخمر لعن شاربها و عاصرها و ساقيها و بائعها و آكل ثمنها». فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول اللّه، إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي، فاقتنيت «2» من بيع الخمر مالا، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة اللّه؟ فقال له النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند اللّه جناح بعوضة، إن اللّه لا يقبل إلا الطيب». فأنزل اللّه تعالي تصديقا لقوله صلي اللّه عليه و سلم: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ «3».
الآية: 101- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلي اللّه عليه و سلم استهزاء، فيقول الرجل الذي تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتي فرغ من الآيات كلها «4».
و عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية:
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 3051، و قال: حسن صحيح، و تفسير الطبري، ج 7/ 25.
(2) اقتنيت: جمعت و ادخرت و ملكت.
(3) زاد المسير، ج 2/ 432.
(4) النيسابوري، 176- 178، و السيوطي، 112- 113، و صحيح البخاري برقم 4622، و تفسير القرطبي، ج 6/ 330.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 140
وَ لِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [سورة آل عمران، الآية: 97] قالوا: يا رسول اللّه، أ في كل عام؟ فسكت، ثم قالوا: أ في كل عام؟ فسكت، ثم قال في الرابعة: «لا، و لو قلت نعم لوجبت».
فأنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ «1».
الآية: 105- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.
قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: كتب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي أهل هجر، و عليهم منذر بن ساوي، يدعوهم إلي الإسلام، فإن أبوا فليؤدوا الجزية. فلما أتاه الكتاب عرضه علي من عنده من العرب و اليهود و النصاري و الصابئين و المجوس، فأقروا بالجزية، و كرهوا الإسلام، و كتب إليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. و أما أهل الكتاب و المجوس فاقبل منهم الجزية». فلما قرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أسلمت العرب، و أما أهل الكتاب و المجوس فأعطوا الجزية، فقال منافقو العرب: عجبا من محمد، يزعم أن اللّه بعثه ليقاتل الناس كافة حتي يسلموا، و لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب، فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما ردّ علي مشركي العرب. فأنزل اللّه تعالي: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يعني من ضل من أهل الكتاب «2».
الآية: 106- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ.
عن محمد بن القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان تميم الداري و عدي بن زيد يختلفان إلي مكة، فصحبهما رجل من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس بها أحد من المسلمين، فأوصي إليهما بتركته، فلما قدما دفعاها إلي أهله، و كتما جاما كان معه من فضة، كان مخوصا بالذهب «3»،
__________________________________________________
(1) المستدرك للحاكم، ج 2/ 294، و سنده ضعيف.
(2) النيسابوري، 178- 179، و السيوطي، 112- 113، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 109- 110.
(3) يختلفان: يأتيان إليها و يخرجان منها. جاما: كأسا. مخوصا: منقوشا فيه خطوط دقيقة طويلة كالخوص، و هو ورق النخل.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 141
فقالا: لم نره، فأتي بهما إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فاستحلفهما باللّه: ما كتما و لا اطلعا، و خلي سبيلهما، ثم إن الجام وجد عند قوم من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الداري و عدي بن زيد، فقام أولياء السهمي فأخذوا الجام، و حلف رجلان منهم باللّه: إن هذا الجام جام صاحبنا، و شهادتنا أحق من شهادتهما، و ما اعتدينا. فنزلت هذه الآية:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إلي آخرها «1».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 179، و السيوطي، 113- 114، و صحيح البخاري برقم 2780، و فتح الباري، ج 5/ 409- 410.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 142

6- سورة الأنعام‌

الآية: 7- قوله تعالي: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ.
قال الكلبي: إن مشركي مكة قالوا: يا محمد، و اللّه لا نؤمن لك حتي تأتينا بكتاب من عند اللّه، و معه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند اللّه، و أنك رسوله.
فنزلت هذه الآية «1».
الآية: 13- قوله تعالي:* وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ.
قال الكلبي، عن ابن عباس: إن كفار مكة أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: يا محمد، إنا قد علمنا أنه إنما يحملك علي ما تدعو إليه الحاجة، فنحن نجعل لك نصيبا في أموالنا حتي تكون أغنانا رجلا، و ترجع عما أنت عليه. فنزلت هذه الآية «2».
الآية: 19- قوله تعالي: قُلْ أَيُّ شَيْ‌ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً.
قال الكلبي: إن رؤساء مكة قالوا: يا محمد، ما نري أحدا يصدقك بما تقول من أمر الرسالة، و لقد سألنا عنك اليهود و النصاري فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر و لا صفة، فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
الآية: 25- قوله تعالي: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ.
قال ابن عباس، في رواية أبي صالح: إن أبا سفيان بن حرب، و الوليد بن المغيرة، و النضر بن الحارث، و عتبة و شيبة ابني ربيعة، و أمية و أبيا ابني خلف، استمعوا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة، ما يقول محمد؟ قال: و الذي جعلها بيته
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 7، و أسباب النزول للنيسابوري 180.
(2) زاد المسير، ج 3/ 10، و النيسابوري 180.
(3) النيسابوري 180، و السيوطي 115، و زاد المسير، ج 3/ 13، و تفسير القرطبي، ج 6/ 399.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 143
ما أدري ما يقول، إلا أني أري يحرك شفتيه يتكلم بشي‌ء، و ما يقول إلا أساطير الأولين، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية. و كان النضر كثير الحديث عن القرون الأول، و كان يحدث قريشا فيستملحون حديثه. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 26- قوله تعالي: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ يَنْأَوْنَ عَنْهُ.
قال مقاتل: و ذلك أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان عند أبي طالب يدعوه إلي الإسلام، فاجتمعت قريش إلي أبي طالب يردون سؤال النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال أبو طالب:
و اللّه لا وصلوا إليك بجمعهم حتّي أوسّد في التّراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة و أبشر و قرّ بذاك منك عيونا
و عرضت دينا لا محالة أنّه من خير أديان البريّة دينا
لو لا الملامة أو حذاري سبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فأنزل اللّه تعالي: وَ هُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ الآية «2».
و قال محمد بن الحنفية و السدي و الضحاك: نزلت في كفار مكة، كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلي اللّه عليه و سلم، و يتباعدون بأنفسهم عنه «3».
الآية: 33- قوله تعالي: إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ.
قال السدي: التقي الأخنس بن شريق و أبو جهل بن هشام، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أ صادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: و اللّه إن محمدا لصادق، و ما كذب محمد قط، و لكن إذا ذهب بنو قصي باللواء و السقاية و الحجابة و الندوة و النبوة، فما ذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
و قال أبو ميسرة: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مرّ بأبي جهل و أصحابه، فقالوا: يا محمد،
__________________________________________________
(1) تفسير ابن الجوزي/ زاد المسير، ج 3/ 18، و النيسابوري 181.
(2) النيسابوري 181، و السيوطي، 115- 116، و زاد المسير، ج 3/ 21.
(3) تفسير الطبري، ج 7/ 110.
(4) النيسابوري 182، و السيوطي 116، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 130.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 144
إنا و اللّه ما نكذبك، و إنك عندنا لصادق، و لكن نكذب ما جئت به. فنزلت: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) «1».
و قال مقاتل: نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، كان يكذب النبي صلي اللّه عليه و سلم في العلانية، و إذا خلا مع أهل بيته قال: ما محمد من أهل الكذب، و لا أحسبه إلا صادقا. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 52- قوله تعالي: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.
عن قيس بن الربيع، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد قال: نزلت هذه الآية فينا ستة: فيّ، و في ابن مسعود و صهيب و عمار و المقداد و بلال، قالت قريش لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: إنا لا نرضي أن نكون أتباعا لهؤلاء، فاطردهم، فدخل قلب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من ذلك ما شاء اللّه أن يدخل، فأنزل اللّه تعالي عليه: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الآية «3».
عن أبي سعيد، عن أبي الكنود، عن خباب بن الأرتّ قال: فينا نزلت، كنا ضعفاء عند النبي صلي اللّه عليه و سلم بالغداة و العشي، فعلمنا القرآن و الخير، و كان يخوفنا بالجنة و النار و ما ينفعنا، و الموت و البعث، فجاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصن الفزاري فقالا: إنا من أشراف قومنا، و إنا نكره أن يرونا معهم، فاطردهم إذا جالسناك. قال:
«نعم». قالوا: لا نرضي حتي نكتب بيننا كتابا، فأتي بأديم و دواة، فنزلت هؤلاء الآيات: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إلي قوله تعالي:
فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [سورة الأنعام، الآية: 53] «4».
عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و عنده خباب بن
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 6/ 416.
(2) زاد المسير، ج 3/ 27.
(3) رواه مسلم في صحيحه: فضائل الصحابة، باب: فضل سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه، رقم: 2413، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 134.
(4) زاد المسير في علم التفسير، ج 3/ 44- 45.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 145
الأرت و صهيب و بلال و عمار، قالوا: يا محمد، رضيت بهؤلاء؟ أ تريد أن نكون تبعا لهؤلاء؟ فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ «1».
الآية: 54- قوله تعالي: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.
قال عكرمة: نزلت في الذين نهي اللّه تعالي نبيه صلي اللّه عليه و سلم عن طردهم، فكان إذا رآهم النبي صلي اللّه عليه و سلم بدأهم بالسلام، و قال: «الحمد للّه الذي جعل في أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام» «2».
و قال ماهان الحنفي: أتي قوم النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما. فما أخاله رد عليهم بشي‌ء، فلما ذهبوا و تولوا نزلت هذه الآية: وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا «3».
الآية: 57- قوله تعالي: قُلْ إِنِّي عَلي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي.
قال الكلبي: نزلت في النضر بن الحارث و رؤساء قريش، كانوا يقولون:
يا محمد، ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به. استهزاء منهم، فنزلت هذه الآية «4».
الآية: 65- قوله تعالي: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلي أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65).
أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت:
__________________________________________________
(1) النيسابوري 183، و معجم الطبراني الكبير، ج 10/ 217، برقم 10520، و قال الهيثمي في مجمع الزوائد، ج 7/ 21: و قال: رواه أحمد، و رجاله رجال الصحيح غير كردوس و هو ثقة.
(2) تفسير القرطبي، ج 6/ 435.
(3) تفسير الطبري، ج 7/ 132، و زاد المسير، ج 3/ 48.
(4) النيسابوري، 185- 186، و زاد المسير، ج 3/ 51، و انظر تفسير الطبري، ج 7/ 177، ففيه معني هذه الرواية.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 146
قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلي أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ الآية، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف». قالوا: و نحن نشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنك رسول اللّه؟! فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدا أن يقتل بعضنا بعضا و نحن مسلمون.
فنزلت: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) [سورة الأنعام، الآيات: 65- 67] «1».
الآية: 82- قوله تعالي: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (82).
أخرج ابن أبي حاتم، عن عبيد اللّه بن زحر عن بكر بن سوادة قال: حمل رجل من العدو علي المسلمين، فقتل رجلا، ثم حمل فقتل آخر، ثم حمل فقتل آخر، ثم قال: أ ينفعني الإسلام بعد هذا؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «نعم»! فضرب فرسه، فدخل فيهم ثم حمل علي أصحابه، فقتل رجلا، ثم آخر، ثم قتل. قال فيرون إن هذه الآية نزلت فيه: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «2».
الآية: 91- قوله تعالي: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلي بَشَرٍ مِنْ شَيْ‌ءٍ.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالت اليهود: يا محمد، أنزل اللّه عليك كتابا؟
قال: «نعم». قالوا: و اللّه ما أنزل اللّه من السماء كتابا. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسي نُوراً وَ هُديً لِلنَّاسِ «3».
و قال محمد بن كعب القرظي: أمر اللّه محمدا صلي اللّه عليه و سلم أن يسأل أهل الكتاب عن أمره، و كيف يجدونه في كتبهم، فحملهم حسد محمد أن كفروا بكتاب اللّه و رسوله، و قالوا: ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلي بَشَرٍ مِنْ شَيْ‌ءٍ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 117، و تفسير الطبري، ج 7/ 143.
(2) السيوطي، 117- 118، و انظر تفسير الطبري، ج 7/ 167- 168، فقد ذكر لهذه الآية أسبابا أخري.
(3) تفسير القرطبي، ج 7/ 36.
(4) انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 156.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 147
و قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له: مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال له النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة علي موسي، أما تجد في التوراة أن اللّه يبغض الحبر السمين». و كان حبرا سمينا، فغضب و قال: و اللّه ما أنزل اللّه علي بشر من شي‌ء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك، و لا علي موسي؟ فقال: و اللّه ما أنزل اللّه علي بشر من شي‌ء. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 93- قوله تعالي: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَري عَلَي اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ إلي قوله: وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.
نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي، كان يسجع و يتكهن، و يدعي النبوة، و يزعم أن اللّه أوحي إليه «2».
وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ الآية. نزلت في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، كان قد تكلم بالإسلام، فدعاه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات يوم يكتب له شيئا، فلما نزلت الآية التي في المؤمنين: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ [سورة المؤمنون، الآية: 12] أملاها عليه، فلما انتهي إلي قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [سورة المؤمنون، الآية: 14] عجب عبد اللّه في تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك اللّه أحسن الخالقين، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «هكذا أنزلت عليّ». فشك عبد اللّه حينئذ و قال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه، و لئن كان كاذبا لقد قلت كما قال. و ذلك قوله: وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ و ارتد عن الإسلام «3».
الآية: 94- قوله تعالي: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادي كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَري مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94).
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 82، و تفسير الطبري، ج 7/ 176.
(2) تفسير الطبري، ج 7/ 181، و تفسير القرطبي، ج 7/ 39.
(3) النيسابوري، 185- 186، و السيوطي، 118- 119، و تفسير الطبري، ج 7/ 181، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 3/ 86.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 148
أخرج ابن جرير و غيره عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لي اللات و العزّي، فنزلت هذه الآية «1».
الآية: 100- قوله تعالي: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ.
قال الكلبي: نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن اللّه تعالي و إبليس أخوان، و اللّه خالق الناس و الدواب، و إبليس خالق الحيات و السباع و العقارب، فذلك قوله تعالي: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ «2».
الآية: 108- قوله تعالي: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قال ابن عباس في رواية الوالبي: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك «3». فنهي اللّه أن يسبوا أوثانهم فيسبوا اللّه عدوا بغير علم «4».
و قال قتادة: كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردون ذلك عليهم، فنهاهم اللّه تعالي أن يستسبوا «5» لربهم قوما جهلة لا علم لهم باللّه «6».
و قال السدي: لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش: فلندخل علي هذا الرجل، فلنأمرنه أن ينهي عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول العرب:
كان يمنعه، فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان، و أبو جهل، و النضر بن الحارث، و أمية و أبيّ ابنا خلف، و عقبة ابن أبي معيط، و عمرو بن العاص، و الأسود بن البختري، إلي أبي طالب، فقالوا: أنت كبيرنا و سيدنا، و إن محمدا قد آذانا و آذي آلهتنا،
__________________________________________________
(1) السيوطي، 119- 120، و تفسير الطبري، ج 7/ 185.
(2) تفسير القرطبي، ج 7/ 53.
(3) سبك: أي ذكرك لها بما يعيبها و يقلل من شأنها. لنهجون: من الهجاء، و هو أن يقول كلاما فيه انتقاص و شتم.
(4) تفسير الطبري، ج 7/ 207.
(5) يستسبوا: يطلبوا السبّ و يتسببوا به.
(6) تفسير الطبري، ج 7/ 207، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 164.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 149
فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا، و لندعه و إلهه. فدعاه فجاء النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال له أبو طالب: هؤلاء قومك و بنو عمك. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما ذا يريدون». فقالوا:
نريد أن تدعنا و آلهتنا و ندعك و إلهك. فقال أبو طالب: قد أنصفك قومك، فاقبل منهم، فقال رسول اللّه عليه السلام: «أ رأيتم إن أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيّ كلمة، إن تكلمتم بها ملكتم العرب و دانت لكم بها العجم» «1». قال أبو جهل: نعم- و أبيك- لنعطينكها و عشر أمثالها، فما هي؟ قال: «قولوا: لا إله إلا اللّه». فأبوا و اشمأزوا. فقال أبو طالب: قل غيرها يا ابن أخي، فإن قومك قد فزعوا منها. فقال: «يا عم، ما أنا بالذي أقول غيرها، و لو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها». فقالوا:
لتكفن عن شتمك آلهتنا أو لنشتمنك و نشتم من يأمرك. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآيات: 109- 111- قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها إلي قوله تعالي:* وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتي وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ‌ءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) «3».
عن أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قريش فقالوا: يا محمد، تخبرنا أن موسي عليه السلام كانت معه عصا، ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، و أن عيسي عليه السلام كان يحيي الموتي، و أن ثمود كانت لهم ناقة، فائتنا ببعض تلك الآيات حتي نصدقك. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أي شي‌ء تحبون أن آتيكم به؟» فقالوا:
تجعل لنا الصفا ذهبا. قال: «فإن فعلت تصدقوني؟» قالوا: نعم و اللّه، لئن فعلت لنتبعنك أجمعين. فقام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يدعو، فجاء جبريل عليه السلام و قال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا، و لكني لم أرسل آية فلم يصدق بها إلا أنزلت العذاب، و إن شئت تركتهم حتي يتوب تائبهم. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أتركهم حتي يتوب تائبهم». فأنزل اللّه
__________________________________________________
(1) دانت: انقادت و خضعت. العجم: كل من عدا العرب من الشعوب.
(2) تفسير الطبري، ج 7/ 207- 208، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 164.
(3) النيسابوري، 187- 188، و السيوطي، 120- 121.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 150
تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها إلي قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1».
الآية: 118- قوله تعالي: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118).
روي أبو داود و الترمذي عن ابن عباس قال: أتي ناس إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا:
يا رسول اللّه، أ نأكل ما نقتل، و لا نأكل ما يقتل اللّه؟ فأنزل اللّه: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) إلي قوله تعالي: وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) [سورة الأنعام، الآية: 121].
و أخرج أبو داود و الحاكم و غيرهما عن ابن عباس في قوله تعالي: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلي أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ [سورة الأنعام، الآية: 121] قال: قالوا: ما ذبح اللّه لا تأكلون، و ما ذبحتم أنتم تأكلون، فأنزل اللّه الآية «2».
الآية: 121- قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
قال المشركون: يا محمد، أخبرنا عن الشاة إذا ماتت، من قتلها؟ قال: «اللّه قتلها». قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت و أصحابك حلال، و ما قتل الكلب و الصقر حلال، و ما قتله اللّه حرام؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال عكرمة: إن المجوس من أهل فارس- لما أنزل اللّه تعالي تحريم الميتة- كتبوا إلي مشركي قريش، و كانوا أولياءهم في الجاهلية، و كانت بينهم مكاتبة: إن محمدا و أصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر اللّه، ثم يزعمون أن ما ذبحوا فهو حلال و ما ذبح اللّه فهو حرام. فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شي‌ء، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 188، و تفسير الطبري، ج 7/ 210، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 164.
(2) السيوطي 121، و سنن أبي داود برقم 2819، و الترمذي برقم 3071، و قال: حسن غريب.
(3) الدر المنثور، ج 3/ 42.
(4) تفسير الطبري، ج 8/ 13، و زاد المسير، ج 3/ 114.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 151
الآية: 122- قوله تعالي: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.
قال ابن عباس: يريد حمزة بن عبد المطلب و أبا جهل، و ذلك أن أبا جهل رمي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بفرث و حمزة لم يؤمن بعد، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل، و هو راجع من قنصه و بيده قوس، فأقبل غضبان حتي علا أبا جهل بالقوس، و هو يتضرع إليه و يقول: يا أبا يعلي، أما تري ما جاء به؟ سفه عقولنا، و سب آلهتنا، و خالف آباءنا. قال حمزة: و من أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن بقية بن الوليد قال: حدثنا ميسر بن عقيل، عن زيد بن أسلم، في قوله عزّ و جلّ: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ قال: عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قال: أبو جهل بن هشام «2».
الآية: 141- قوله تعالي:* وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ إلي قوله: وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141).
أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: كانوا يعطون شيئا سوي الزكاة، ثم تسارفوا، فنزلت هذه الآية.
و أخرج عن ابن جريج أنها نزلت في ثابت قياس بن شماس جدّ نخلة [أي: اجتني ثمرها] فأطعم حتي أمسي و ليس له ثمرة «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 189، و السيوطي 121، و زاد المسير، ج 3/ 116، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 172.
(2) تفسير الطبري، ج 8/ 17.
(3) السيوطي، 121- 122، و تفسير الطبري، ج 8/ 45، و انظر تفسير القرطبي، ج 7/ 110.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 152

7- سورة الأعراف‌

الآية: 31- قوله تعالي:* يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.
قال القرطبي: هو خطاب لجميع العالم، و إن كان المقصود به من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا، فإنه عام في كل مسجد للصلاة.
عن نصر بن الحسن، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة، حتي إن كانت المرأة لتطوف بالبيت و هي عريانة، فتعلق علي سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون علي وجوه الحمر من الذباب، و هي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدا منه فلا أحله «1». فأنزل اللّه تعالي علي نبيه صلي اللّه عليه و سلم:* يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فأمروا بلبس الثياب «2».
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية و هي عريانة، و علي فرجها خرقة، و هي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله و ما بدا منه فلا أحله
فنزلت: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. و نزلت: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ [سورة الأعراف، الآيتان: 31- 32] «3».
__________________________________________________
(1) سيور: جمع سير، و هو قطعة جلد ضيقة و طويلة. الحمر: جمع حمار. من الذباب: أي كي لا يقع الذباب علي فرجها فيؤذيها. يبدو: يظهر. بعضه: أي بعض فرجها. فلا أحله: أي لا أحل لأحد أن ينظر إليه.
(2) تفسير الطبري، ج 8/ 118- 119، و زاد المسير، ج 3/ 186، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 210.
(3) مسلم: التفسير، باب: في قوله تعالي: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، رقم: 3028، و النيسابوري 190، و السيوطي 123، و تفسير القرطبي، ج 7/ 189.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 153
الآية: 175- قوله تعالي: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها.
قال ابن مسعود: نزلت في بلعم بن باعورا، رجل من بني إسرائيل. و قال ابن عباس و غيره من المفسرين: هو بلعم بن باعورا «1».
و قال الوالبي: هو رجل من مدينة الجبارين، يقال له: بلعم، و كان يعلم اسم اللّه الأعظم، فلما نزل بهم موسي عليه السلام أتاه بنو عمه و قومه، و قالوا: إن موسي رجل حديد، و معه جنود كثيرة، و إنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع اللّه أن يرد عنا موسي و من معه. قال: إني إن دعوت اللّه أن يرد موسي و من معه ذهبت دنياي و آخرتي. فلم يزالوا به حتي دعا عليهم، فسلخه ممّا كان عليه، فذلك قوله: فَانْسَلَخَ مِنْها «2».
و قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص و زيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، و كان قد قرأ الكتب، و علم أن اللّه مرسل رسولا في ذلك الوقت، و رجا أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل محمدا حسده و كفر به «3».
الآية: 184- قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184).
أخرج أبو حاتم و أبو الشيخ عن قتادة قال: ذكر لنا أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قام علي الصفا فدعا قريشا، فجعل يدعوهم فخذا فخذا؛ يا بني فلان يا بني فلان، يحذرهم بأس اللّه و وقائعه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت إلي الصباح، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 187- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها.
قال ابن عباس: قال جبل بن أبي قشير، و شموال بن زيد، و هما من اليهود:
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 287، و تفسير القرطبي، ج 7/ 319.
(2) انسلخ منها: أي خرج منها و فارقها. الدر المنثور للسيوطي، ج 3/ 145.
(3) النيسابوري 191، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 265.
(4) السيوطي 123، و زاد المسير، ج 3/ 296، و تفسير القرطبي، ج 7/ 230.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 154
يا محمد، أخبرنا متي الساعة؟ إن كنت نبيا فإنك تعلم متي هي. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال قتادة: قالت قريش لمحمد: إن بيننا و بينك قرابة، فأسر إلينا متي تكون الساعة؟ فأنزل اللّه تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ «2».
و عن أبان بن لقيط «3»، عن قرظة بن حسان قال: سمعت أبا موسي في يوم جمعة علي منبر البصرة يقول: سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن الساعة و أنا شاهد، فقال:
«لا يعلمها إلا اللّه، لا يجليها لوقتها إلا هو، و لكن سأحدثكم بأشراطها و ما بين يديها.
إن بين يديها ردما من الفتن و هرجا». فقيل: و ما الهرج يا رسول اللّه؟ قال: «هو بلسان الحبشة القتل، و أن تحصر قلوب الناس، و أن يلقي بينهم التناكر، فلا يكاد أحد يعرف أحدا، و يرفع ذوو الحجي، و تبقي رجاجة من الناس لا تعرف معروفا و لا تنكر منكرا» «4».
الآية: 188- قوله تعالي: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا.
قال الكلبي: إن أهل مكة قالوا: يا محمد، أ لا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري فتربح، و بالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلي ما قد أخصب؟
فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «5».
الآيات: 189- 191- قوله تعالي:* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلي قوله تعالي: وَ هُمْ يُخْلَقُونَ (191).
قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم و امرأته ولد، فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحارث، و كان اسم الشيطان قبل ذلك الحارث، ففعلا، فذلك قوله
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 297، و تفسير الطبري، ج 9/ 94.
(2) تفسير الطبري، ج 9/ 93.
(3) النيسابوري 192، و السيوطي 124.
(4) النيسابوري، 193- 194، و السيوطي 124، و مسند أبي يعلي، ج 13/ 199، و في سنده عبد الغفار بن القاسم و هو متروك.
(5) زاد المسير، ج 3/ 299.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 155
تعالي: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ [سورة الأعراف، الآية: 190] «1».
الآية: 204- قوله تعالي: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة في هذه الآية: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ قال: نزلت في رفع الأصوات و هم خلف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في الصلاة «2».
و قال قتادة: كانوا يتكلمون في صلاتهم في أول ما فرضت، كان الرجل يجي‌ء فيقول لصاحبه: كم صليتم؟ فيقول: كذا و كذا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال الزهري: نزلت في فتي من الأنصار، كان رسول اللّه عليه السلام كلما قرأ شيئا قرأ هو، فنزلت هذه الآية «4».
و قال ابن عباس: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قرأ في الصلاة المكتوبة، و قرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم، فخلطوا عليه، فنزلت هذه الآية.
و قال سعيد بن جبير، و مجاهد، و عطاء، و عمرو بن دينار و جماعة: نزلت في الإنصات للإمام في الخطبة يوم الجمعة «5».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 302- 304.
(2) زاد المسير، ج 3/ 312، و الدر المنثور، ج 3/ 155.
(3) تفسير الطبري، ج 9/ 111، و انظر تفسير القرطبي، ج 7/ 353- 354.
(4) تفسير الطبري، ج 9/ 110.
(5) تفسير الطبري، ج 9/ 112، و تفسير القرطبي، ج 7/ 353، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 280.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 156

8- سورة الأنفال‌

الآية: 1- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ.
قال ابن كثير «1»: يسألونك فيما شذّ من المشركين إلي المسلمين في غير قتال، من دابة أو عبد، أو أمة أو متاع، فهو نفل للنبي صلي اللّه عليه و سلم يصنع به ما يشاء.
و عن محمد بن عبد اللّه الثقفي، عن سعد ابن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير، و قتل سعيد بن العاص، و أخذت سيفه، و كان يسمي ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صلي اللّه عليه و سلم، قال: «اذهب فاطرحه في القبض». قال: فرجعت و بي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي و أخذ سلبي «2»، فما جاوزت إلا قريبا حتي نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اذهب فخذ سيفك» «3».
و قال عكرمة، عن ابن عباس: لما كان يوم بدر، و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «من فعل كذا و كذا فله كذا و كذا». فذهب شباب الرجال و جلس الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم «4»، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، و لو انهزمتم كنّا لكم رداء. فأنزل اللّه تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ فقسمها بينهما بالسواء «5».
و عن مكحول، عن أبي سلام الباهلي، عن أبي أمامة الباهلي، عن عبادة بن
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 2/ 282.
(2) القبض: قال في النهاية: بالتحريك بمعني المقبوض، و هو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم.
سلبي: و هو ما يأخذه أحد القرنين- أي: المتقاتلين- من الآخر في الحرب، مما يكون عليه و معه من سلاح و ثياب و غيرها.
(3) مسند أحمد، ج 3/ 78، و تفسير الطبري، ج 9/ 117.
(4) نفلهم: نصيبهم من الغنيمة و العطاء.
(5) سنن البيهقي الكبري، ج 6/ 291- 292، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 326، و سنن أبي داود برقم 2737.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 157
الصامت قال: لما هزم العدو يوم بدر، و اتبعتهم طائفة يقتلونهم، و أحدقت طائفة برسول اللّه عليه السلام، و استولت طائفة علي العسكر و النهب، فلما نفي اللّه العدو و رجع الذين طلبوهم، و قالوا: لنا النفل بحسن طلبنا العدو، و بنا نفاهم و هزمهم. و قال الذين أحدقوا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: و اللّه ما أنتم بأحق به منا، نحن أحدقنا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لا ينال العدو منه غرة، فهو لنا. و قال الذين استولوا علي العسكر و النهب «1»: و اللّه ما أنتم بأحق به منا، نحن أخذناه و استولينا عليه، فهو لنا. فأنزل اللّه تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ فقسمه رسول اللّه عليه السلام بالسوية «2».
الآية: 5- قوله تعالي: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5).
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال لنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و نحن بالمدينة، و بلغه أن عير أبي سفيان أقبلت: «ما ترون فيها لعل اللّه يغنّمناها و يسلّمنا»؟! فخرجنا فسرنا يوما أو يومين، فقال: «ما ترون فيهم؟» فقلنا: يا رسول اللّه، ما لنا طاقة بقتال القوم، إنما خرجنا للعير، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال قوم موسي: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (24)!! [سورة المائدة، الآية: 24].
فأنزل اللّه: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5)، و أخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه «3».
الآية: 9- قوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9).
عن عمر بن الخطاب قال: نظر النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي المشركين، و هم ألف، و أصحابه ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا، فاستقبل القبلة ثم مدّ يديه و جعل يهتف بربّه: «اللهمّ أنجز
__________________________________________________
(1) النهب: أي الغنيمة.
(2) النيسابوري، 193- 195، و السيوطي 125، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 283، و تفسير القرطبي، ج 7/ 360.
(3) السيوطي 126، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 286- 287.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 158
لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض».
فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتي سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه و ألقاه علي منكبيه ثم التزمه من ورائه و قال: يا نبي اللّه، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) فأمدّهم اللّه تعالي بالملائكة «1»!!.
الآية: 17- قوله تعالي: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمي
الرّمي كان بالحصي و التراب، و كان ذلك يوم بدر، فأصاب جميع المشركين في أعينهم و وجوههم «2».
عن موسي بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: أقبل أبيّ بن خلف يوم أحد إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول اللّه عليه السلام فخلوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار، و رأي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ترقوه أبيّ من فرجة بين سابغة البيضة و الدرع، فطعنه بحربته، فسقط أبيّ عن فرسه، و لم يخرج من طعنته دم، و كسر ضلعا من أضلاعه، فأتاه أصحابه و هو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك؟ إنما هو خدش. فقال: و الذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أبيّ إلي النار، فسحقا لأصحاب السعير «3»، قبل أن يقدم مكة، فأنزل اللّه تعالي ذلك: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمي «4».
و أكثر أهل التفسير أن الآية نزلت في رمي النبي عليه السلام القبضة من حصباء
__________________________________________________
(1) السيوطي 126، و صحيح مسلم برقم 1384، و الدر المنثور، ج 3/ 170، و تفسير الطبري، ج 9/ 127.
(2) تفسير القرطبي، ج 7/ 385.
(3) ترقوة: هي العظم الذي في أعلي عظام الصدر. سابغة البيضة: ما سدل من زرد حديد الخوذة، و هي البيضة. يخور: يخرج صوتا يشبه صوت الثور. بأهل ذي المجاز: سوق من أسواق العرب. فسحقا: بعدا و هلاكا.
(4) النيسابوري 196، و السيوطي 127، و المستدرك للحاكم: التفسير/ الأنفال، باب: طعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أبيّ بن خلف بيده، ج 2/ 327، و صححه و أقره الذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 159
الوادي يوم بدر، حين قال للمشركين: «شاهت الوجوه». و رماهم بتلك القبضة، فلم يبق عين مشرك إلا دخلها منه شي‌ء «1».
قال حكيم بن حزام: لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلي الأرض، كأنه صوت حصاة وقعت في طست، و رمي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تلك الحصاة، فانهزمنا، فذلك قوله تعالي: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمي «2».
الآية: 19- قوله تعالي: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ.
عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب قال: حدثني عبد اللّه بن ثعلبة بن صغير قال: كان المستفتح أبا جهل «3»، و إنه قال حين التقي بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم و آتانا بما لم نعرف، فافتح له الغداة. و كان ذلك استفتاحه، فأنزل اللّه تعالي: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ إلي قوله تعالي: وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) «4».
قال السدي و الكلبي: كان المشركون حين خرجوا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة، و قالوا: اللهم انصر أعلي الجندين، و أهدي الفئتين، و أكرم الحزبين، و أفضل الدينين. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية.
و قال عكرمة: قال المشركون: اللهم لا نعرف ما جاء به محمد- عليه السلام- فافتح بيننا و بينه بالحق. فأنزل اللّه تعالي: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الآية «5».
الآية: 27- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ.
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 2/ 295.
(2) تفسير الطبري، ج 9/ 136، و معجم الطبراني الكبير، ج 3/ 203، و مجمع الزوائد، ج 6/ 84، و قال: إسناده حسن.
(3) المستفتح: الذي طلب الفتح.
(4) المستدرك: التفسير/ الأنفال، باب: شأن نزول إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، 2/ 328، و تفسير الطبري، ج 9/ 138، و مسند أحمد، ج 5/ 431، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 296.
(5) النيسابوري، 196- 197، و السيوطي، 127- 128، و زاد المسير، ج 3/ 235.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 160
نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، و ذلك أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حاصر يهود قريظة إحدي و عشرين ليلة، فسألوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الصلح علي ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير، علي أن يسيروا إلي إخوانهم بأذرعات و أريحا من أرض الشام، فأبي أن يعطيهم ذلك إلي أن ينزلوا علي حكم سعد بن معاذ، فأبوا و قالوا:
أرسل إلينا أبا لبابة، و كان مناصحا لهم، لأن عياله و ماله و ولده كانت عندهم، فبعثه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأتاهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ما تري أ ننزل علي حكم سعد بن معاذ؟
فأشار أبو لبابة بيده إلي حلقه- أنه الذبح- فلا تفعلوا. قال أبو لبابة: و اللّه ما زالت قدماي حتي علمت أني قد خنت اللّه و رسوله. فنزلت فيه هذه الآية، فلما نزلت شد نفسه علي سارية «1» من سواري المسجد و قال: و اللّه لا أذوق طعاما و لا شرابا حتي أموت أو يتوب اللّه عليّ. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما حتي خر مغشيا عليه، ثم تاب اللّه عليه، فقيل له: يا أبا لبابة، قد تيب عليك. فقال: لا و اللّه لا أحل نفسي حتي يكون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم هو الذي يحلني. فجاء فحله بيده، ثم قال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، و أن أنخلع من مالي. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يجزيك الثلث أن تتصدق به» «2».
الآية: 30- قوله تعالي: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30).
قوله تعالي: وَ إِذْ يَمْكُرُ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من قريش و من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له، فأمرت أن أحضركم و لن يعدمكم مني رأي و نصح، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم، فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، فقال قائل: احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتي يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير و النابغة فإنما هو كأحدهم، فقال عدو اللّه الشيخ النجدي: لا و اللّه ما هذا لكم برأي و اللّه ليخرجن رائد من محبسه إلي
__________________________________________________
(1) السارية: الدعامة.
(2) تفسير الطبري، ج 9/ 146، و زاد المسير، ج 3/ 343، و تفسير القرطبي، ج 7/ 394- 495.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 161
أصحابه فليوشكن أن يثبتوا عليه حتي يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا غير هذا الرأي. فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم و استريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع، فقال الشيخ النجدي: و اللّه ما هذا لكم برأي، أ لم تروا حلاوة قوله و طلاقة لسانه و أخذه للقلوب بما يستمع من حديثه، و اللّه لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليسيرن إليكم حتي يخرجكم من بلادكم و يقتل أشرافكم، قالوا: صدق و اللّه، فانظروا رأيا غير هذا. فقال أبو جهل: و اللّه لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أري غيره، قالوا:
و ما هذا؟ قال: تأخذوا من كل قبيلة وسيطا شابا جلدا، ثم يعطي كل غلام منهم سيفا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون علي حرب قريش كلهم و إنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل و استرحنا و قطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا و اللّه هو الرأي، القول ما قال الفتي لا أري غيره. فتفرقوا علي ذلك و هم مجمعون له، فأتي جبريل النبي صلي اللّه عليه و سلم فأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت، و أخبره بمكر القوم فلم يبت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بيته تلك الليلة و أذن اللّه له عند ذلك بالخروج، و أنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية.
و أخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال للنبي صلي اللّه عليه و سلم: ما يأتمر بك قومك؟ قال: «يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني»، قال: من حدّثك بهذا؟ قال: «ربي»، قال: نعم الرب ربك، فاستوص به خيرا، قال: «أنا أستوصي به! بل هو يستوصي بي»، فنزلت: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية. قال ابن كثير: ذكر أبي طالب فيه غريب، بل منكر، لأن القصة ليلة الهجرة، و ذلك بعد موت أبي طالب بثلاث سنين «1».
الآية: 31- قوله تعالي: وَ إِذا تُتْلي عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31).
__________________________________________________
(1) السيوطي، 128- 129، و زاد المسير، ج 3/ 346- 347، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 302- 303، و انظر تفسير القرطبي، ج 7/ 396- 397.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 162
أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قتل النبي صلي اللّه عليه و سلم يوم بدر صبرا عقبة ابن أبي معيط و طعيمة بن عدي و النضر بن الحارث، و كان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول اللّه، أسيري!؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إنه كان يقول في كتاب اللّه تعالي ما يقول»!؟ قال: و فيه نزلت هذه الآية «1».
الآية: 32- قوله تعالي: وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ.
قال أهل التفسير: نزلت في النضر بن الحارث، و هو الذي قال: إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء «2».
و عن عبد الحميد صاحب الزيادي، سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو جهل:
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. فنزل: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ الآية، [سورة الأنفال، الآية: 33] «3».
الآية: 35- قوله تعالي: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ.
عن عطية، عن ابن عمر قال: كانوا يطوفون بالبيت و يصفقون- و وصف الصفق بيده- و يصفرون- و وصف صفيرهم- و يضعون خدودهم بالأرض، فنزلت هذه الآية «4».
الآية: 36- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
قال مقاتل و الكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر، و كانوا اثني عشر رجلا: أبو
__________________________________________________
(1) السيوطي 130، و تفسير الطبري، ج 9/ 152.
(2) تفسير الطبري، ج 9/ 152.
(3) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ الأنفال، باب: وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ ..، رقم: 4371، و مسلم: صفات المنافقين و أحكامهم، باب: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ ..، رقم: 2796، و زاد المسير، ج 3/ 348- 349، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 304.
(4) زاد المسير، ج 3/ 352- 353، و تفسير القرطبي، ج 7/ 400.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 163
جهل بن هشام، و عتبة و شيبة ابنا ربيعة، و نبيه و منبه ابنا حجاج، و أبو البختري بن هشام، و النضر بن الحارث، و حكيم بن حزام، و أبيّ بن خلف، و زمعة بن الأسود، و الحارث بن عامر بن نوفل، و العباس بن عبد المطلب، و كلهم من قريش، و كان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشرة جزور «1».
و قال سعيد بن جبير و ابن أبزي: نزلت في أبي سفيان بن حرب، استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلي اللّه عليه و سلم، سوي من استجاب له من العرب، و فيهم يقول كعب بن مالك:
فجئنا إلي موج البحر من وسطه أحابيش منهم حاسر و مقنع «2»
ثلاثة آلاف و نحن بقية ثلاث مئين إن كثرنا فأربع «3»
و قال الحكم بن عتبة: اتفق أبو سفيان علي المشركين يوم أحد أربعين أوقية «4» فنزلت هذه الآية «5».
و قال محمد بن إسحاق عن رجاله: لما أصيبت قريش يوم بدر، فرجع فلهم إلي مكة، و رجع أبو سفيان بعيره، مشي عبد اللّه بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش، أصيب آباؤهم و أبناؤهم و إخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب و من كانت له في تلك العير تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم «6»، فأعينونا بهذا المال الذي أفلت علي حربه، لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا. ففعلوا، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية «7».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 198- 199، و السيوطي، 131- 132، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 9/ 355.
(2) الأحابيش: قوم ينسبون إلي جبل بأسفل مكة يسمي (حبشي). حاسر: ليس عليه ما يستره من زرد الحديد، لا درع و لا مغفر، و هو ما يستر الوجه. مقنع: من كان علي وجهه قناع، و هو المغفر.
(3) تفسير الطبري، ج 9/ 159- 160.
(4) أوقية: أي من الفضة، و تساوي أربعين درهما.
(5) تفسير الطبري، ج 9/ 160.
(6) رجاله: أي رجال إسناده المعروف بالرواية عنهم. فلّهم: المنهزمون منهم. بعيره: العير هي الإبل المحملة بالتجارة. وتركم: جني عليكم و نقصكم رجالكم.
(7) السيرة النبوية لابن هشام، ج 2/ 60.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 164
الآية: 47- قوله تعالي: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47).
قوله تعالي: وَ لا تَكُونُوا الآية. أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت قريش من مكة إلي بدر خرجوا بالقيان و الدفوف، فأنزل اللّه: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً الآية «1».
الآية: 49- قوله تعالي: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49).
قوله تعالي: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ الآية. روي الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما أنزل اللّه علي نبيه بمكة: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) [سورة القمر، الآية: 45] قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه، أي جمع؟ و ذلك قبل بدر، فلما كان يوم بدر و انهزمت قريش نظرت إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في آثارهم مصلتا بالسيف يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) فكانت ليوم بدر، فأنزل اللّه فيهم: حَتَّي إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ الآية [سورة المؤمنون، الآية: 64]، و أنزل:* أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [سورة إبراهيم، الآية: 28] رماهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فوسعتهم الرمية و ملأت أعينهم و أفواههم حتي إن الرجل ليقتل و هو يقذي عينيه و فاه، فأنزل اللّه:
وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمي [سورة الأنفال، الآية: 17] و أنزل في إبليس: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلي عَقِبَيْهِ الآية [سورة الأنفال، الآية: 48]. و قال عتبة بن ربيعة و ناس معه من المشركين يوم بدر: غرّ هؤلاء دينهم، فأنزل اللّه: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ «2».
الآية: 55- قوله تعالي: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55).
__________________________________________________
(1) السيوطي 132، و تفسير الطبري، ج 10/ 13، و تفسير القرطبي، ج 10/ 25.
(2) السيوطي 132، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 318- 319.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 165
قوله تعالي: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية. أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: نزلت إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) في ستة رهط من اليهود فيهم ابن التابوت «1».
الآية: 58- قوله تعالي: وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلي سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58).
قوله تعالي: وَ إِمَّا تَخافَنَّ الآية. روي أبو الشيخ عن ابن شهاب قال: دخل جبريل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال: قد وضعت السلاح و ما زلت في طلب القوم، فاخرج فإن اللّه قد أذن لك في قريظة، و أنزل فيهم: وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً «2».
الآية: 64- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
معني: حسبك اللّه، أي كافيك اللّه في كل حال.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تسعة و ثلاثون رجلا، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالي:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) «3».
الآية: 67- قوله تعالي: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْري حَتَّي يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ.
قال مجاهد: كان عمر بن الخطاب يري الرأي فيوافق ما يجي‌ء من السماء، و إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم استشار في أساري بدر، فقال المسلمون: بنو عمك، افدهم. قال عمر:
لا يا رسول اللّه، اقتلهم. قال: فنزلت هذه الآية: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْري «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 371.
(2) السيوطي 133، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 320.
(3) النيسابوري 200، و السيوطي 133، و في إسناده إسحاق بن بشر الكاهلي، و هو واه جدا، و تفسير القرطبي، ج 8/ 42.
(4) تفسير الطبري، ج 10/ 29- 30.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 166
و قال ابن عمر: استشار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في الأساري أبا بكر فقال: قومك و عشيرتك، خل سبيلهم. و استشار عمر فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْري حَتَّي يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلي قوله تعالي:
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [سورة الأنفال، الآية: 69]. قال: فلقي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: «كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» «1».
عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر و التقوا، فهزم اللّه المشركين، و قتل منهم سبعون رجلا و أسر سبعون رجلا، استشار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أبا بكر و عمر و عليا، فقال أبو بكر: يا رسول اللّه، هؤلاء بنو العم و العشيرة و الإخوان، و إني أري أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا علي الكفار، و عسي أن يهديهم اللّه فيكونوا لنا عضدا. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما تري يا ابن الخطاب؟» قال: قلت: و اللّه ما أري ما رأي أبو بكر، و لكن إن تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، و تمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، و تمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتي يعلم اللّه عزّ و جلّ أنه ليس في قلوبنا موادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم و أئمتهم و قادتهم. فهوي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ما قال أبو بكر، و لم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر: غدوت إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فإذا هو قاعد و أبو بكر الصديق، و إذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه، أخبرني ما ذا يبكيك أنت و صاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، و إن لم أجد بكاء تباكيت «2». فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدني من هذه الشجرة». لشجرة قريبة، و أنزل اللّه عزّ و جلّ: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْري حَتَّي يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلي قوله: لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ (68) [سورة الأنفال، الآية: 68] «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 201، و السيوطي 134، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 329، و صححه و أقره الذهبي.
(2) عضدا: عونا و قوة. موادة: صلة مودة و محبّة. صناديدهم: جمع صنديد، و هو السيد الشريف و الشجاع. وجدت بكاء: سببا للبكاء.
(3) رواه مسلم في صحيحه: الجهاد و السير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر و إباحة الغنائم، رقم: 1763، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 324، و تفسير القرطبي، ج 8/ 45- 46.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 167
الآية: 70- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْري
قال الكلبي: نزلت في العباس عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحارث، و كان العباس أسر يوم بدر و معه عشرون أوقية من الذهب، كان خرج بها معه إلي بدر ليطعم بها الناس، و كان أحد العشرة الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، و لم يكن بلغته النوبة حتي أسر، فأخذت معه و أخذها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم منه، قال: فكلمت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يجعل لي العشرين الأوقية الذهب التي أخذها مني من فدائي، فأبي عليّ و قال: «أما شي‌ء خرجت تستعين به علينا فلا». و كفلني فداء ابن أخي عقيل بن أبي طالب عشرين أوقية من فضة، فقلت له: تركتني- و اللّه- اسأل قريشا بكفي و الناس ما بقيت. قال: «فأين الذهب الذي دفعته إلي أم الفضل مخرجك إلي بدر، و قلت لها:
إن حدث بي حدث في وجهي هذا فهو لك و لعبد اللّه و الفضل و قثم». قال: قلت:
و ما يدريك؟ قال: «أخبرني اللّه بذلك». قال: أشهد إنك لصادق و إني قد دفعت إليها ذهبا و لم يطّلع عليها أحد إلا اللّه، فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنك رسول اللّه. قال العباس: فأعطاني اللّه خيرا مما أخذ مني كما قال: عشرين عبدا، كلهم يضرب بمال كبير، مكان العشرين أوقية، و أنا أرجو المغفرة من ربي «1».
الآية: 73- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ (73).
قوله تعالي: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية. أخرج ابن جرير و أبو الشيخ عن السدي عن أبي مالك قال: قال رجل: نورث أرحامنا المشركين، فنزلت: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ «2».
الآية: 75- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ (75).
__________________________________________________
(1) النيسابوري 203، و انظر تفسير القرطبي، ج 8/ 52- 53، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 326- 327.
(2) تفسير الطبري، ج 10/ 39.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 168
قوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ الآية. أخرج ابن جرير عن ابن الزبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل ترثني و أرثك، فنزلت: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ الآية.
و أخرج ابن سعد من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: آخي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بين الزبير بن العوام و بين كعب بن مالك، قال الزبير: لقد رأيت كعبا أصابته الجراحة بأحد، فقلت: لو مات فانقطع عن الدنيا و أهلها لورثته فنزلت هذه الآية: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فصارت المواريث بعد للأرحام و القرابات، و انقطعت تلك المواريث في المؤاخاة «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 135، و تفسير الطبري، ج 10/ 41، و زاد المسير، ج 3/ 387، و تفسير القرطبي، ج 8/ 96، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 330- 331.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 169

9- سورة التوبة «براءة»

الآية: 12- قوله تعالي: وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.
قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب، و الحارث بن هشام، و سهيل بن عمرو، و عكرمة بن أبي جهل، و سائر رؤساء قريش، الذين نقضوا العهد، و هم الذين هموا بإخراج الرسول «1».
الآية: 17- قوله تعالي: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ.
قال المفسرون: لما أسر العباس يوم بدر أقبل عليه المسلمون، فعيروه بكفره باللّه و قطيعة الرحم، و أغلظ علي له القول، فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا و لا تذكرون محاسننا؟ فقال له علي: أ لكم محاسن؟ قال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، و نحجب الكعبة، و نسقي الحاج، و نفك العاني. فأنزل اللّه عزّ و جلّ ردا علي العباس: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا الآية «2».
الآية: 19- قوله تعالي:* أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ.
عن زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: حدثنا معمر بن بشير قال: كنت عند منبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقي الحاج. و قال الآخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام. و قال آخر: الجهاد في سبيل اللّه أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر و قال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و هو يوم الجمعة، و لكني إذا صليت دخلت فاستفتيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيما
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 10/ 62، و زاد المسير، ج 3/ 404.
(2) النيسابوري 204، و السيوطي 136، و تفسير القرطبي، ج 8/ 89، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 340- 341.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 170
اختلفتم فيه، ففعل، فأنزل اللّه تعالي:* أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إلي قوله تعالي: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) «1».
الآية: 23- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ.
قال الكلبي: لما أمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالهجرة إلي المدينة جعل الرجل يقول لأبيه و أخيه و امرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة. فمنهم من يسرع إلي ذلك و يعجبه، و منهم من يتعلق به زوجته و عياله و ولده فيقولون: ناشدناك اللّه أن تدعنا إلي غير شي‌ء فنضيع.
فيرق فيجلس معهم و يدع الهجرة، فنزلت يعاتبهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ الآية «2».
و نزلت في الذين تخلفوا بمكة و لم يهاجروا قوله تعالي: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ إلي قوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [سورة التوبة، الآية: 24] يعني القتال و فتح مكة «3».
الآية: 25- قوله تعالي: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25).
أخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس أن رجلا قال يوم حنين: لن نغلب من قلّة! و كانوا اثني عشر ألفا، فشقّ ذلك علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه تعالي: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الآية «4».
الآية: 28- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28).
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 2/ 341- 342، و هو في صحيح مسلم برقم 1879.
(2) زاد المسير، ج 3/ 411.
(3) النيسابوري في أسباب النزول، ص 206.
(4) أسباب النزول للسيوطي 137.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 171
قوله تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المشركون يجيئون إلي البيت و يجيئون معهم بالطعام يتجرون فيه، فلما نهوا عن أن يأتوا البيت، قال المسلمون: من أين لنا الطعام؟ فأنزل اللّه: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
و أخرج ابن جرير و أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا شق ذلك علي المسلمين، و قالوا: من يأتينا بالطعام و المتاع؟ فأنزل اللّه: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. و أخرج مثله عن عكرمة و عطية العوفي و الضحاك و قتادة و غيرهم «1».
الآية: 30- قوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَكُونَ (30).
قوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سلام بن مشكم و نعمان بن أوفي و محمد بن دحية و شاس بن قيس و مالك بن الصيف، فقالوا: كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا و أنت لا تزعم أن عزيرا ابن اللّه؟ فأنزل اللّه في ذلك: وَ قالَتِ الْيَهُودُ الآية «2».
الآية: 34- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ.
نزلت في العلماء و القراء من أهل الكتاب، كانوا يأخذون الرّشا من سفلتهم، و هي المأكل التي كانوا يصيبونها من عوامهم «3».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 417، و تفسير القرطبي، ج 8/ 106.
(2) أسباب النزول للسيوطي 138.
(3) تفسير الطبري، ج 10/ 83.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 172
قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية.
عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا و معاوية في هذه الآية: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا و فيهم، و كان بيني و بينه كلام في ذلك، و كتب إلي عثمان يشكو مني، و كتب إليّ عثمان: أن اقدم المدينة، فقدمتها، و كثر الناس عليّ حتي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال: إن شئت تنحيت و كنت قريبا. فذلك الذي أنزلني هذا المنزل، و لو أمّروا عليّ حبشيا لسمعت و أطعت «1».
الآية: 37- قوله تعالي: إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37).
قوله تعالي: إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ الآية. أخرج ابن جرير عن أبي مالك قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا فيجعلون المحرم صفرا فيستحلون فيه المحرمات، فأنزل اللّه: إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ «2».
الآية: 38- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا.
نزلت في الحث علي غزوة تبوك، و ذلك أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما رجع من الطائف و غزوة حنين أمر بالجهاد لغزو الروم، و ذلك في زمان عسرة من البأس و جدب من البلاد و شدة من الحر، حين أخرفت النخل و طابت الثمار، فعظم علي الناس غزو
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: الزكاة، باب: ما أدي زكاته فليس بكنز، رقم: 1341، و التفسير/ التوبة، باب: قوله: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ ..، رقم: 4383، و النيسابوري، 206- 207، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 350- 351.
(2) السيوطي 139، و تفسير الطبري، ج 10/ 93.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 173
الروم، و أحبوا الظلال و المقام في المساكن و المال، و شق عليهم الخروج إلي القتال، فلما علم اللّه تثاقل الناس أنزل هذه الآية «1».
الآية: 39- قوله تعالي: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَ لا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَ اللَّهُ عَلي كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ (39).
قوله تعالي: إِلَّا تَنْفِرُوا الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن نجدة بن نفيع قال:
سألت ابن عباس عن هذه الآية، فقال: استنفر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أحياء من العرب فتثاقلوا عنه، فأنزل اللّه: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً فأمسك عنهم المطر، فكان عذابهم «2».
الآية: 41- قوله تعالي: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا.
نزلت في الذين اعتذروا بالضيعة و الشغل و انتشار الأمر، فأبي اللّه تعالي أن يعذرهم دون أن ينفروا علي ما كان منهم «3».
عن سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا فقال: ما أسمع اللّه عذر أحدا. فخرج مجاهدا إلي الشام حتي مات «4».
و قال السدي: جاء المقداد بن الأسود إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و كان عظيما سمينا، فشكا إليه و سأله أن يأذن له، فنزلت فيه: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا فلما نزلت هذه الآية اشتد شأنها علي الناس، فنسخها اللّه تعالي، و أنزل: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي [سورة التوبة، الآية: 91] «5».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 207- 208، و تفسير الطبري، ج 10/ 94.
(2) السيوطي 139، و زاد المسير، ج 3/ 438، و روي نحوه أبو داود في سننه برقم 2506، و في سنده مجهول و هو نجدة بن نفيل.
(3) تفسير ابن كثير، ج 2/ 359.
(4) تفسير الطبري، ج 10/ 97، و في سنده ابن جدعان و هو ضعيف.
(5) زاد المسير، ج 3/ 442، و الدر المنثور، ج 3/ 246.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 174
ثم أنزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين قوله تعالي: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً [سورة التوبة، الآية: 42]. و قوله تعالي: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [سورة التوبة، الآية: 47]. و ذلك أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما خرج ضرب عسكره علي ثنية الوداع، و ضرب عبد اللّه بن أبيّ عسكره علي ذي حدة، أسفل من ثنية الوداع، و لم يكن بأقل العسكرين، فلما سار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تخلف عنه عبد اللّه بن أبيّ بمن تخلف من المنافقين و أهل الريب، فأنزل اللّه تعالي يعزي نبيه: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا الآية «1».
الآية: 43- قوله تعالي: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43).
قوله تعالي: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ الآية. أخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون الأزدي قال: اثنتان فعلهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لم يؤمر فيهما بشي‌ء: إذنه للمنافقين، و أخذه الفداء من الأساري، فأنزل اللّه: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «2».
الآية: 49- قوله تعالي: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (49).
قوله تعالي: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي الآية. أخرج الطبراني و أبو نعيم و ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أراد النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يخرج إلي غزوة تبوك قال للجد بن قيس: «يا جد بن قيس، ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟»، فقال: يا رسول اللّه، إني امرؤ صاحب نساء و متي أري نساء بني الأصفر أفتتن فأذن لي و لا تفتني، فأنزل اللّه:
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي الآية.
و أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه من حديث جابر بن عبد اللّه مثله.
و أخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «اغزوا تغنموا
__________________________________________________
(1) النيسابوري 208، و السيوطي 140، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 359.
(2) زاد المسير، ج 3/ 444.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 175
بنات بني الأصفر»، فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء، فأنزل اللّه: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي «1».
الآية: 50- قوله تعالي: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ (50).
قوله تعالي: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلي اللّه عليه و سلم أخبار السوء يقولون إن محمدا و أصحابه قد جهدوا في سفرهم و هلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم و عافية النبي صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه فساءهم ذلك، فأنزل اللّه: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ الآية «2».
الآية: 53- قوله تعالي: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (53).
قوله تعالي: قُلْ أَنْفِقُوا الآية. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قال الجد بن قيس: إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتي أفتتن، و لكن أعينك بمالي، قال:
ففيه نزلت: أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ قال: لقوله: أعينك بمالي «3».
الآية: 58- قوله تعالي: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ.
عن عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي، و هو حرقوص بن زهير، أصلح الخوارج، فقال: اعدل فينا يا رسول اللّه.
فقال: «ويلك»، و من يعدل إذا لم أعدل». فنزلت: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ الآية «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 3/ 449، و الدر المنثور، ج 3/ 248.
(2) السيوطي، 140- 141، و النيسابوري 209، و انظر تفسير الطبري، ج 10/ 105.
(3) السيوطي 141، و زاد المسير، ج 3/ 451.
(4) رواه البخاري في صحيحه: استتابة المرتدين و المعاندين، باب: من ترك قتال الخوارج للتألف-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 176
الآية: 61- قوله تعالي: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ.
نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون الرسول و يقولون ما لا ينبغي، قال بعضهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون، فيقع بنا. فقال الجلاس بن سويد:
نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أذن سامعة. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال محمد بن إسحاق بن يسار و غيره: نزلت في رجل من المنافقين يقال له:
نبتل بن الحارث، و كان رجلا أدلم، أحمر العينين، أسفع الخدين، مشوه الخلقة. و هو الذي قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلي نبتل بن الحارث». و كان ينم حديث النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي المنافقين، فقيل له: لا تفعل. فقال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئا صدقه، نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2» و قال السدي: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت و وديعة بن ثابت، فأرادوا أن يقعوا في النبي صلي اللّه عليه و سلم و عندهم غلام من الأنصار يدعي عامر بن قيس، فحقروه، فتكلموا و قالوا: لئن كان ما يقوله محمد حقا لنحن أشر من الحمير. ثم أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامرا كاذب، و حلف عامر أنهم كذبة، و قال: اللهم لا تفرق بيننا حتي تبين صدق الصادق من كذب الكاذب. فنزلت فيهم: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ و نزل قوله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ [سورة التوبة، الآية: 62] «3».
الآية: 64- قوله تعالي: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ.
__________________________________________________
- (4) و لئلا ينفر الناس عنه، رقم: 6534، و تفسير زاد المسير، ج 3/ 454، و تفسير القرطبي، ج 8/ 166، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 363.
(1) قوله تعالي: أُذُنٌ أي يصدّق كل ما يقال له، النيسابوري 210، و انظر تفسير القرطبي، ج 8/ 192، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 366.
(2) تفسير الطبري، ج 10/ 116- 117.
(3) الدر المنثور، ج 3/ 253.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 177
قال السدي: قال بعض المنافقين: و اللّه لوددت أني قدمت فجلدت مائة، و لا ينزل فينا شي‌ء يفضحنا. فأنزل اللّه هذه الآية «1».
و قال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم، ثم يقولون: عسي اللّه أن لا يفشي علينا سرّنا «2».
الآية: 65- قوله تعالي: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ.
قال قتادة: بينما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في غزوة تبوك، و بين يديه ناس من المنافقين، إذ قالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام و حصونها؟ هيهات له ذلك. فأطلع اللّه نبيه علي ذلك، فقال نبي اللّه: «اجلسوا علي الركب». فأتاهم فقال: «قلتم كذا و كذا».
فقالوا: يا رسول اللّه، إنما كنا نخوض و نلعب، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال زيد بن أسلم و محمد بن وهب: قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك:
ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، و لا أكذب ألسنا، و لا أجبن عند اللقاء. يعني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه. فقال عوف بن مالك: كذبت، و لكنك منافق، لأخبرن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم. فذهب عوف ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قد ارتحل و ركب ناقته، فقال: يا رسول اللّه، إنما كنا نخوض و نلعب، و نتحدث بحديث الركب، نقطع به عنا الطريق «4».
عن ابن عمر قال: رأيت عبد اللّه بن أبي يسر قدام النبي صلي اللّه عليه و سلم و الحجارة تنكته، و هو يقول: يا رسول اللّه، إنما كنا نخوض و نلعب. و النبي صلي اللّه عليه و سلم يقول: أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (65) «5».
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 8/ 195.
(2) زاد المسير، ج 3/ 463.
(3) تفسير الطبري، ج 10/ 119.
(4) تفسير الطبري، ج 10/ 119.
(5) النيسابوري، 211- 212، و السيوطي 142، و في إسناد النيسابوري إسماعيل بن داود و هو ضعيف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 178
الآية: 74- قوله تعالي: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا.
قال الضحاك: خرج المنافقون مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي تبوك، و كانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه، و طعنوا في الدين، فنقل ما قالوا حذيفة إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا أهل النفاق، ما هذا الذي بلغني عنكم».
فحلفوا ما قالوا شيئا من ذلك، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية إكذابا لهم «1».
و قال قتادة: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، رجلا من جهينة و رجلا من غفار، فظهر الغفاري علي الجهيني، فنادي عبد اللّه بن أبيّ: يا بني الأوس، انصروا أخاكم، فو اللّه ما مثلنا و مثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، و اللّه لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسمع بها رجل من المسلمين فجاء إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأخبره، فأرسل إليه فجعل يحلف باللّه ما قال، و أنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 74- قوله تعالي: وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا.
قال الضحاك: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة، و كانوا قوما قد أجمعوا علي أن يقتلوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و هم معه يلتمسون غرته، حتي أخذ في عقبة فتقدم بعضهم و تأخر بعضهم، و ذلك كان ليلا، قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، و كان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر و سائقه حذيفة، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم يا أعداء اللّه. فأمسكوا، و مضي النبي عليه السلام حتي نزل منزله الذي أراد، فأنزل اللّه تعالي قوله: وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا «3».
الآية: 75- قوله تعالي:* وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ.
نزلت هذه الآية في صفة المنافقين «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 212- 213، و السيوطي، 143- 144، و الدر المنثور، ج 3/ 258.
(2) تفسير الطبري، ج 10/ 128.
(3) النيسابوري 215، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 373.
(4) انظر تفسير القرطبي، ج 8/ 209، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 374، و قصة ثعلبة بن حاطب لم تصح و لم تثبت.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 179
الآية: 79- قوله تعالي: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ.
عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن اللّه لغني عن صاع هذا، فنزلت: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ «1».
و قال قتادة و غيره: حث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم و قال: يا رسول اللّه، مالي ثمانية آلاف، جئتك بنصفها، فاجعلها في سبيل اللّه، و أمسكت نصفها لعيالي. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «بارك اللّه لك فيما أعطيت و فيما أمسكت». فبارك اللّه في مال عبد الرحمن، حتي إنه خلف امرأتين يوم مات، فبلغ ثمن ماله لهما مائة و ستين ألف درهم. و تصدق يومئذ عاصم بن عدي بن العجلان بمائة وسق من تمر، و جاء أبو عقيل الأنصاري بصاع من تمر، و قال: يا رسول اللّه، بت ليلتي أجر بالجرير أحبلا حتي نلت صاعين من تمر، فأمسكت أحدهما لأهلي و أتيتك بالآخر، فأمره رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن ينثره في الصدقات، فلمزهم المنافقون و قالوا: ما أعطي عبد الرحمن و عاصم إلا رياء، و إن كان اللّه و رسوله غنيين عن صاع أبي عقيل، و لكنه أحب أن يزكي نفسه. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 81- قوله تعالي: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81).
قوله تعالي: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ الآية. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال:
أمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الناس أن ينبعثوا معه و ذلك في الصيف، فقال رجل: يا رسول اللّه،
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: الزكاة، باب: اتقوا النار و لو بشق تمرة ..، رقم: 1349، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 375.
(2) النيسابوري 216، و ذكره ابن كثير في تفسيره عن العوفي عن ابن عباس، ج 2/ 375.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 180
الحر شديد و لا نستطيع الخروج فلا ننفر في الحر، فأنزل اللّه: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا الآية.
و أخرج عن محمد بن كعب القرظي قال: خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في حر شديد إلي تبوك، فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، فأنزل اللّه: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا الآية.
و أخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة و عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم قال: قال رجل من المنافقين: لا تنفروا في الحر، فنزلت «1».
الآية: 84- قوله تعالي: وَ لا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً.
عن يحيي بن سعيد القطان: حدثنا عبد اللّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللّه بن أبيّ جاء ابنه إلي رسول اللّه صلوات اللّه عليه، و قال: أعطني قميصك حتي أكفنه فيه، و صلّ عليه و استغفر له. فأعطاه قميصه، ثم قال: «آذني حتي أصلي عليه». فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر بن الخطاب و قال: أ ليس قد نهاك اللّه أن تصلي علي المنافقين؟ فقال: «أنا بين خيرتين: أستغفر لهم أو لا أستغفر».
فصلي عليه، ثم نزلت عليه هذه الآية: وَ لا تُصَلِّ عَلي أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلي قَبْرِهِ فترك الصلاة عليهم «2».
الآية: 91- قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَي الْمَرْضي وَ لا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91).
قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت
__________________________________________________
(1) السيوطي 145، و تفسير الطبري، ج 10/ 139.
(2) تفسير الطبري، ج 10/ 141، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 379، و رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. البخاري: الجنائز، باب: الكفن في القميص الذي يكف ..، رقم: 1210، و مسلم: أوائل صفات المنافقين و أحكامهم، رقم: 2774، و النيسابوري 216.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 181
قال: كنت أكتب لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فكنت أكتب براءة، فإني لواضع القلم علي أذني إذ أمرنا بالقتال، فجعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاءه أعمي، فقال: كيف بي يا رسول اللّه و أنا أعمي؟ فنزلت: لَيْسَ عَلَي الضُّعَفاءِ الآية.
و أخرج عن طريق العوفي عن ابن عباس قال: أمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الناس أن ينبعثوا معه غازين، فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد اللّه بن معقل المزني، فقال:
يا رسول اللّه، احملنا؟ فقال: «و اللّه لا أجد ما أحملكم عليه»، فولوا و لهم بكاء، و عزّ عليهم أن يحبسوا عن الجهاد و لا يجدون نفقة و لا محملا، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لا عَلَي الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ [سورة التوبة، الآية: 92] «1».
الآية: 92- قوله تعالي: وَ لا عَلَي الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ.
نزلت في البكائين، و كانوا سبعة: معقل بن يسار، و صخر بن خنيس، و عبد اللّه بن كعب الأنصاري، و سالم بن عمير، و ثعلبة بن غنمة، و عبد اللّه بن مغفل، أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: يا نبي اللّه، إن اللّه عزّ و جلّ قد ندبنا للخروج معك، فاحملنا علي الخفاف المرقوعة و النعال المخصوفة، نغزو معك. فقال: «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا و هم يبكون «2».
الآية: 97- قوله تعالي: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً.
نزلت في أعاريب «3» من أسد و غطفان، و أعاريب من أعاريب حاضري المدينة «4».
الآية: 99- قوله تعالي: وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99).
__________________________________________________
(1) السيوطي 146، و تفسير الطبري، ج 10/ 145، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 381.
(2) تفسير الطبري ج 10/ 146، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 381- 382.
(3) النيسابوري 217.
(4) زاد المسير في علم التفسير، ج 3/ 488.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 182
قوله تعالي: وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الآية. أخرج ابن جرير عن مجاهد: أنها نزلت في بني مقرن الذين نزلت فيهم: وَ لا عَلَي الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ.
و أخرج عبد الرحمن بن معقل المزني قال: كنا عشرة ولد مقرن، فنزلت فينا هذه الآية «1».
الآية: 101- قوله تعالي: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ.
قال الكلبي: نزلت في جهينة و مزينة و أشجع و أسلم و غفار من أهل المدينة، يعني: عبد اللّه بن أبيّ، وجد بن قيس، و معتب بن قشير، و الجلاس بن سويد، و أبي عامر الراهب «2».
الآية: 102- قوله تعالي: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ.
قال ابن عباس في رواية ابن الوالبي: نزلت في قوم كانوا قد تخلفوا عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في غزوة تبوك، ثم ندموا علي ذلك و قالوا: نكون في الكن و الظلال مع النساء، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه في الجهاد، و اللّه لنوثقن أنفسنا بالسواري، فلا نطلقها حتي يكون الرسول صلي اللّه عليه و سلم هو يطلقها و يعذرنا. و أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد، فلما رجع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مر بهم فرآهم، فقال: «من هؤلاء». قالوا: هؤلاء تخلفوا عنك، فعاهدوا اللّه أن لا يطلقوا أنفسهم حتي تكون أنت الذي تطلقهم و ترضي عنهم. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«و أنا أقسم باللّه لا أطلقهم و لا أعذرهم حتي أؤمر بإطلاقهم، رغبوا عني و تخلفوا عن الغزو مع المسلمين». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فلما نزلت أرسل إليهم النبي صلوات اللّه عليه و أطلقهم و عذرهم، فلما أطلقهم قالوا: يا رسول اللّه، هذه أموالنا التي خلفتنا عنك، فتصدق بها عنا و طهرنا و استغفر لنا. فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا».
فأنزل اللّه عزّ و جلّ: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ [سورة التوبة، الآية: 103].
__________________________________________________
(1) السيوطي، 146- 147، و تفسير الطبري، ج 11/ 5، و تفسير القرطبي، ج 8/ 235.
(2) النيسابوري 218، و السيوطي، 147- 148، و زاد المسير، ج 3/ 491، و تفسير القرطبي، ج 8/ 240.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 183
و قال ابن عباس: كانوا عشرة رهط «1».
الآية: 106- قوله تعالي: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ.
نزلت في كعب بن مالك، و مرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف، و هلال بن أمية من بني واقف، تخلفوا عن غزوة تبوك، و هم الذين ذكروا في قوله تعالي: وَ عَلَي الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [سورة التوبة، الآية: 118] «2».
الآية: 107- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً.
قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء، و بعثوا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلي فيه، فحسدهم إخوتهم بنو عمرو بن عوف و قالوا:
نبني مسجدا و نرسل إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليصلي فيه، كما يصلي في مسجد إخواننا، و ليصلّ فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، و كان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية و تنصر و لبس المسوح، و أنكر دين الحنيفية لما قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة، و عاداه، و سماه النبي عليه السلام: أبا عامر الفاسق، و خرج إلي الشام و أرسل إلي المنافقين أن استعدوا بما استطعتم من قوة و سلاح، و ابنوا لي مسجدا، فإني ذاهب إلي قيصر، فآتي بجند الروم، فأخرج محمدا و أصحابه. فبنوا مسجدا إلي جنب مسجد قباء، و كان الذي بنوه اثني عشر رجلا: حزام بن خالد، و من داره أخرج إلي المسجد، و ثعلبة بن حاطب، و معتب بن قشير، و أبو حبيبة بن الأرعد، و عباد بن حنيف، و حارثة و جارية و ابناه مجمع و زيد، و نبتل بن الحارث، و لحاد بن عثمان، و وديعة بن ثابت. فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: إنا بنينا مسجدا لذي العلة و الحاجة و الليلة المطيرة و الليلة الشاتية، و إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. فدعا بقميصه ليلبسه فيأتيهم، فنزل عليه القرآن، و أخبر اللّه عزّ و جلّ خبر مسجد الضرار، و ما هموا به، فدعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مالك بن الدخشم و معن بن عدي و عامر بن يشكر و الوحشي قاتل حمزة، و قال لهم:
«انطلقوا إلي هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه و أحرقوه». فخرجوا، و انطلق مالك
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 11/ 10، و تفسير القرطبي، ج 8/ 242.
(2) تفسير الطبري، ج 11/ 17، و تفسير القرطبي، ج 8/ 252.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 184
و أخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا، ثم دخلوا المسجد و فيه أهله فحرقوه و هدموه، و تفرق عنه أهله، و أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقي فيها الجيف و النتن و القمامة، و مات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا «1».
الآية: 111- قوله تعالي:* إِنَّ اللَّهَ اشْتَري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ.
قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليلة العقبة بمكة، و هم سبعون نفسا، قال عبد اللّه بن رواحة: يا رسول اللّه، اشترط لربك و لنفسك ما شئت. فقال: «أشترط لربي أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا، و أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم». قالوا: فإذا فعلنا ذلك، فما ذا لنا؟ قال:
«الجنة». قالوا: ربح البيع، لا نقيل و لا نستقيل «2»، فنزلت الآية «3».
الآية: 113- قوله تعالي: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ.
عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و عنده أبو جهل و عبد اللّه بن أبي أمية، فقال: «أي عم، قل معي لا إله إلا اللّه، أحاج لك بها عند اللّه». فقال أبو جهل و ابن أبي أمية: يا أبا طالب، أ ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتي قال آخر شي‌ء كلمهم به: علي ملة عبد المطلب. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنه». فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبي مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 219- 220، و السيوطي 150، و تفسير الطبري، ج 11/ 18، و تفسير القرطبي، ج 8/ 253.
(2) لا نقيل: من الإقالة، و هي طلب فسخ البيع بعد إبرامه. و المراد: لا نتراجع عن هذا العهد، و لا نطلب التراجع عنه.
(3) تفسير الطبري، ج 11/ 27.
(4) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما. البخاري: التفسير/ التوبة، باب: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 185
الآية: 117- قوله تعالي: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَي النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (117).
قوله تعالي: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَي النَّبِيِّ الآية. روي البخاري و غيره عن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن النبي صلي اللّه عليه و سلم في غزوة إلا بدرا حتي كانت غزوة تبوك، و هي آخر غزوة غزاها، و آذن الناس بالرحيل فذكر الحديث بطوله، و فيه: فأنزل اللّه توبتنا لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَي النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ إلي قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) [سورة التوبة، الآية: 118] قال: و فينا أنزل: اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) [سورة التوبة، الآية: 119] «1».
الآية: 122- قوله تعالي:* وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً.
قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل اللّه تعالي عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: و اللّه لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و لا سرية أبدا. فلما أمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالسرايا إلي العدو نفر المسلمون جميعا، و تركوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم وحده بالمدينة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
__________________________________________________
- (4) آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، رقم: 4675، و مسلم: الإيمان، باب: الدليل علي صحة إسلام من حضره الموت ..، رقم: 24، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 393، و زاد المسير، ج 3/ 507.
(1) السيوطي 151، و صحيح البخاري برقم 4677، و فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 8/ 342- 343.
(2) النيسابوري 222، و السيوطي 152، و زاد المسير، ج 3/ 516.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 186

10- سورة يونس‌

الآية: 2- قوله تعالي: أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلي رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ.
قال ابن عباس: لما بعث اللّه تعالي محمدا صلي اللّه عليه و سلم رسولا أنكرت الكفار، و قالوا:
اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 15- قوله تعالي: وَ إِذا تُتْلي عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا.
قال مجاهد: نزلت في مشركي مكة.
و قال مقاتل: و هم خمسة نفر: عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي، و الوليد بن المغيرة، و مكرز بن حفص، و عمرو بن عبد اللّه بن أبي قيس العامري، و العاص بن عامر. قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات و العزي «2».
و قال الكلبي: نزلت في المستهزئين، قالوا: يا محمد، ائت بقرآن غير هذا، فيه ما نسألك «3».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 11/ 58، و الدر المنثور، ج 3/ 399، و زاد المسير، ج 4/ 5.
(2) انفرد به النيسابوري 224، و انظر تفسير الطبري، ج 11/ 67.
(3) السيوطي 153، و النيسابوري، 223- 224، و زاد المسير، ج 4/ 14.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 187

11- سورة هود

الآية: 5- قوله تعالي: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ.
نزلت في الأخنس بن شريق، و كان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، يلقي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بما يحب، و يطوي بقلبه ما يكره «1».
و قال الكلبي: كان يجالس النبي صلي اللّه عليه و سلم يظهر له أمرا يسره، و يضمر في قلبه خلاف ما يظهر، فأنزل اللّه تعالي: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول: يكمنون ما في صدورهم من العداوة لمحمد صلي اللّه عليه و سلم «2».
الآية: 8- قوله تعالي: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (8).
و أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما نزل: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [سورة الأنبياء، الآية: 1] قال ناس: إن الساعة قد اقتربت فتناهوا. فتناهي القوم قليلا ثم عادوا إلي مكرهم مكر السوء، فأنزل اللّه: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلي أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ الآية.
و أخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله «3».
الآية: 114- قوله تعالي: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ.
روي الشيخان «4» عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 9/ 5.
(2) النيسابوري 224، و السيوطي 154، و زاد المسير، ج 4/ 76.
(3) السيوطي 154، و تفسير الطبري، ج 12/ 5.
(4) البخاري: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، رقم: 526، و مسلم: التوبة، باب: قوله-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 188
فأخبره، فأنزل اللّه: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ فقال الرجل: أ لي هذه؟ قال صلي اللّه عليه و سلم: «لجميع أمتي كلهم».
و أخرج الترمذي و غيره عن أبي اليسر قال: أتتني امرأة تبتاع تمرا فقلت: إن في البيت أطيب منه، فدخلت معي البيت فأهويت إليها فقبلتها فأتيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فذكرت ذلك له، فقال: «أخلفت غازيا في سبيل اللّه في أهله بمثل هذا؟!» و أطرق طويلا حتي أوحي اللّه إليه: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ إلي قوله: لِلذَّاكِرِينَ (114).
و ورد نحوه من حديث أبي أمامة و معاذ بن جبل و ابن عباس و بريدة و غيرهم، و قد استوفيت أحاديثهم في ترجمان القرآن «1».
و عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فذكر ذلك له، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إلي آخر الآية. فقال الرجل: أ لي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمتي» «2».
__________________________________________________
- (4) تعالي: إِنَّ الْحَسَناتِ ..، رقم: 2763.
(1) السيوطي 155، و النيسابوري 225، و فتح الباري، ج 2/ 8، و سنن الترمذي برقم 3115، و تفسير الطبري، ج 12/ 82، و الدر المنثور، ج 3/ 352.
(2) النيسابوري 225، و تفسير الطبري، ج 12/ 81، و صحيح البخاري برقم 4687، و فتح الباري، ج 8/ 355.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 189

12- سورة يوسف‌

الآية: 3- قوله تعالي: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ (3).
روي الحاكم «1» و غيره عن سعد بن أبي وقاص قال: أنزل علي النبي صلي اللّه عليه و سلم القرآن فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول اللّه، لو حدثتنا، فنزل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [سورة الزمر، الآية: 23]، زاد ابن أبي حاتم: فقالوا: يا رسول اللّه، لو ذكرتنا، فأنزل اللّه:
* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ [سورة الحديد، الآية: 16].
و أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول اللّه، لو قصصت علينا، فنزل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ و أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله «2».
و قال عون بن عبد اللّه: ملّ أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ملة، فقالوا: يا رسول اللّه، حدثنا. فأنزل اللّه تعالي: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الآية، قال: ثم إنهم ملّوا ملّة أخري، فقالوا: يا رسول اللّه، فوق الحديث و دون القرآن. يعنون القصص، فأنزل اللّه تعالي: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فأرادوا الحديث فدلهم علي أحسن الحديث، و أرادوا القصص فدلهم علي أحسن القصص «3».
__________________________________________________
(1) المستدرك، ج 2/ 345، و النيسابوري، 227- 228، و السيوطي 156.
(2) زاد المسير، ج 4/ 176، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 467.
(3) المستدرك، ج 2/ 345، و النيسابوري، 227- 228، و السيوطي 156، و تفسير الطبري، ج 12/ 90.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 190

13- سورة الرعد

13- سورة الرعد
الآية: 8- قوله تعالي: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثي وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8).
أخرج الطبراني و غيره عن ابن عباس: أن أربد بن قيس و عامر بن الطفيل قدما المدينة علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال عامر: يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال:
«لك ما للمسلمين، و عليك ما عليهم»، قال: أ تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: «ليس ذلك لك و لا لقومك». فخرجا فقال عامر لأربد: إني أشغل عنك وجه محمد بالحديث فاضربه بالسيف فرجعا، فقال عامر: يا محمد، قم معي أكلمك، فقام معه و وقف يكلمه و سل أربد السيف، فلما وضع يده علي قائم سيفه يبست و التفت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فرآه فانصرف عنهما، فخرجا حتي إذا كانا بالرقم أرسل اللّه علي أربد صاعقة فقتلته، فأنزل اللّه: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثي إلي قوله: شَدِيدُ الْمِحالِ (13) [سورة الرعد، الآية: 13] «1».
الآية: 13- قوله تعالي: وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13).
عن علي بن أبي سارة الشيباني قال: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعث رجلا مرة إلي رجل من فراعنة العرب، فقال: «اذهب فادعه لي». فقال:
يا رسول اللّه، إنه أعتي من ذلك. قال: «اذهب فادعه لي» قال: فذهب إليه فقال:
يدعوك رسول اللّه. قال: و ما اللّه، أ من ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟ قال: فرجع
__________________________________________________
(1) السيوطي 157، و معجم الطبراني الكبير، ج 10/ 312، و مجمع الزوائد للهيثمي، ج 7/ 43، و قال: في سنده عبد العزيز بن عمران، و هو ضعيف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 191
إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأخبره، و قال: و قد أخبرتك أنه أعتي من ذلك، فقال لي كذا و كذا.
فقال: «ارجع إليه الثانية فادعه». فرجع إليه فأعاد عليه مثل الكلام الأول، فرجع إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبره، فقال: «ارجع إليه». فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه، فرعدت فوقعت منها صاعقة، فذهبت بقحف رأسه، فأنزل اللّه تعالي: وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) «1».
و قال ابن عباس، في رواية أبي صالح و ابن جريج و ابن زيد «2»: نزلت هذه الآية و التي قبلها في عامر بن الطفيل و أربد بن ربيعة، و ذلك أنهما أقبلا يريدان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللّه، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك.
فقال: «دعه، فإن يرد اللّه به خيرا يهده». فأقبل حتي قام عليه، فقال: يا محمد، ما لي إن أسلمت؟ قال: «لك ما للمسلمين و عليك ما عليهم». قال: تجعل لي الأمر بعدك؟
قال: «لا، ليس ذلك إليّ، إنما ذلك إلي اللّه يجعله حيث يشاء». قال: فتجعلني علي الوبر و أنت علي المدر؟ قال: «لا». قال: فما ذا تجعل لي؟ قال: «أجعل لك أعنة الخيل، تغزو عليها». قال: أو ليس ذلك إليّ اليوم؟ و كان أوصي أربد بن ربيعة: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه و اضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و يراجعه، فدار أربد خلف النبي صلي اللّه عليه و سلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه اللّه تعالي، فلم يقدر علي سله، و جعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فرأي أربد و ما يصنع بسيفه، فقال: «اللهم اكفنيهما بما شئت». فأرسل اللّه تعالي علي أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، و ولي عامر هاربا و قال: يا محمد، دعوت ربك فقتل أربد، و اللّه لأملأنها عليك خيلا جردا و فتيانا مردا. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يمنعك اللّه تعالي من ذلك، و ابنا قيلة» يريد الأوس و الخزرج، فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضم
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 228- 229، و السيوطي، 157- 158، و تفسير الطبري، ج 13/ 84، و معجم الطبراني الأوسط برقم 2623، و مسند أبي يعلي برقم 3341، و له طرق أخري عند البزار- كشف الأستار برقم 2221، و دلائل النبوة للبيهقي، ج 6/ 283، و السنّة لابن أبي عاصم برقم 692.
(2) النيسابوري 229.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 192
عليه سلاحه فخرج و هو يقول: و اللات لئن أصحر محمد إليّ و صاحبه- يعني ملك الموت- لأنفذنهما برمحي. فلما رأي اللّه تعالي منه أرسل ملكا فلطمه بجناحيه، فأذراه في التراب، و خرجت علي ركبته غدة في الوقت كغدة البعير، فعاد إلي بيت السلولية و هو يقول: غدة كغدة البعير، و موت في بيت السلولية؟ ثم مات علي ظهر فرسه، و أنزل اللّه تعالي فيه هذه القصة: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ حتي بلغ:
وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (14) [سورة الرعد، الآيات: 10- 14] «1».
الآية: 30- قوله تعالي: وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ.
قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحديبية، حين أرادوا كتاب الصلح، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم». فقال سهيل بن عمرو و المشركون:
ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة- يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب باسمك اللهم.
و هكذا كانت الجاهلية يكتبون، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية «2».
و قال ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش، حين قال لهم النبي صلي اللّه عليه و سلم: «اسجدوا للرحمن». قالوا: و ما الرحمن، أ نسجد لما تأمرنا؟ الآية «3»، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و قال: قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو «4».
الآية: 31- قوله تعالي: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ.
عن عبد اللّه بن عطاء، عن جدته أم عطاء مولاة الزبير، قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: قالت قريش للنبي صلي اللّه عليه و سلم: تزعم أنك نبي يوحي إليك، و أن سليمان سخر له الريح، و أن موسي سخر له البحر، و أن عيسي كان يحيي الموتي، فادع اللّه تعالي أن يسير عنا هذه الجبال، و يفجر لنا الأرض أنهارا، فنتخذها محارث و مزارع و نأكل، و إلا
__________________________________________________
(1) رواه النيسابوري في أسباب النزول بدون سند 230.
(2) تفسير الطبري، ج 13/ 101.
(3) هي قوله تعالي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ، الآية 60 من سورة الفرقان.
النيسابوري 230، و السيوطي 158.
(4) زاد المسير، ج 4/ 329.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 193
فادع أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم و يكلمونا، و إلا فادع اللّه تعالي أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها، و تغنينا عن رحلة الشتاء و الصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم. فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: «و الذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم، و لو شئت لكان، و لكنه خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، و بين أن يكلكم إلي ما اخترتم لأنفسكم، فتضلوا عن باب الرحمة، فاخترت باب الرحمة. و أخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين». فنزلت: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [سورة الإسراء، الآية: 59]. و نزلت: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الآية «1».
الآية: 38- قوله تعالي: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً.
قال الكلبي: عيرت اليهود رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قالت: ما نري لهذا الرجل مهمة إلا النساء و النكاح، و لو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
__________________________________________________
(1) مسند أبي يعلي/ مجمع الزوائد، ج 7/ 85- 43، و في إسناده ضعيف.
(2) النيسابوري 231، و السيوطي 158، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 4/ 336.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 194

14- سورة إبراهيم‌

الآية: 28- قوله تعالي:* أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28).
أخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت هذه الآية في الذين قتلوا يوم بدر [من المشركين «1».
و عن أبي مالك قال: هم القادة من المشركين يوم بدر «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 159.
(2) تفسير الطبري، ج 13/ 148- 149.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 195

15- سورة الحجر

الآية: 24- قوله تعالي: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ.
عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت تصلي خلف النبي صلي اللّه عليه و سلم امرأة حسناء في آخر النساء، و كان بعضهم يتقدم إلي الصف الأول لئلا يراها، و كان بعضهم يتأخر في الصف الآخر، فإذا ركع قال هكذا و نظر من تحت إبطه، فنزلت: وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) «1».
و قال الربيع بن أنس: حرض رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي الصف الأول في الصلاة، فازدحم الناس عليه، و كان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد، فقالوا: نبيع دورنا و نشتري دورا قريبة من المسجد. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 39- قوله تعالي: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39).
روي ابن لهيعة عن درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رفعه: «إن إبليس قال: يا رب، و عزّتك و جلالك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: و عزّتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني» «3».
الآية: 45- قوله تعالي: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (45).
قوله تعالي: إِنَّ الْمُتَّقِينَ الآية. أخرج الثعلبي عن سلمان الفارسي أنه لما سمع قوله تعالي: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) [سورة الحجر، الآية: 43] فرّ ثلاثة أيام
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 3122، و تفسير الطبري، ج 14/ 16.
(2) النيسابوري 232، و السيوطي 160، و زاد المسير، ج 4/ 396، و تفسير القرطبي، ج 10/ 19.
(3) تفسير القرطبي، ج 10/ 27، و دراج ضعيف و كذا ابن لهيعة.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 196
هاربا من الخوف لا يعقل، فجي‌ء به للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فسأله فقال: يا رسول اللّه، أنزلت هذه الآية وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) فو الذي بعثك بالحق لقد قطعت قلبي، فأنزل اللّه:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ (45) «1».
الآية: 47- قوله تعالي: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلي سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47).
قوله تعالي: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر و عمر وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ قيل: و أي غل؟ قال: غل الجاهلية، إن بني تميم و بني عدي و بني هاشم كان بينهم في الجاهلية عداوة، فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا، فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة أبي بكر، فنزلت هذه الآية «2».
الآية: 49- قوله تعالي:* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49).
قوله تعالي:* نَبِّئْ عِبادِي الآية. أخرج الطبراني عن عبد اللّه بن الزبير قال:
مر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بنفر من أصحابه يضحكون فقال: أ تضحكون و ذكر الجنة و النار بين أيديكم؟! فنزلت هذه الآية* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) [سورة الحجر، الآيتان: 49- 50].
و أخرج ابن مردويه من وجه آخر عن رجل من أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: اطلع علينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة، فقال: «لا أراكم تضحكون»، ثم أدبر، ثم رجع القهقري، فقال: «إني خرجت حتي إذا كنت عند الحجر جاء جبريل فقال: يا محمد، إن اللّه يقول لك: لم تقنط عبادي؟* نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 160، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 552.
(2) السيوطي، 160- 161، و الدر المنثور، ج 4/ 101.
(3) النيسابوري 233، و السيوطي 161، و تفسير القرطبي، ج 10/ 34.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 197
الآية: 87- قوله تعالي: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87).
قال الحسين بن الفضل: إن سبع قوافل وافت من بصري و أذرعات ليهود قريظة و النضير في يوم واحد، فيها أنواع من البز و أوعية الطيب و الجواهر و أمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها، فأنفقناها في سبيل اللّه. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية و قال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل.
و يدل علي صحة هذا قوله علي إثرها: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ [سورة الحجر، الآية: 88] «1».
الآية: 95- قوله تعالي: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95).
قوله تعالي: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الآية. أخرج البزار و الطبراني عن أنس بن مالك قال: مرّ النبي صلي اللّه عليه و سلم علي أناس بمكة، فجعلوا يغمزون في قفاه و يقولون:
هذا الذي يزعم أنه نبي و معه جبريل. فغمز جبريل بإصبعه فوقع مثل الطفر في أجسادهم، فصارت قروحا حتي نتنوا، فلم يستطع أحد أن يدنو منهم، فأنزل اللّه: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 233، و تفسير زاد المسير، ج 4/ 412.
(2) السيوطي 161، و انظر زاد المسير، ج 4/ 426، و تفسير القرطبي، ج 10/ 62.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 198

16- سورة النحل‌

الآية: 1- قوله تعالي: أَتي أَمْرُ اللَّهِ.
قال ابن عباس: لما أنزل اللّه تعالي: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ [سورة القمر، الآية: 1] قال الكفار بعضهم لبعض: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتي ننظر ما هو كائن. فلما رأوا أنه لا ينزل شي‌ء قالوا: ما نري شيئا. فأنزل اللّه تعالي: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [سورة الأنبياء، الآية: 1]. فأشفقوا و انتظروا قرب الساعة، فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد، ما نري شيئا مما تخوفنا به. فأنزل اللّه تعالي: أَتي أَمْرُ اللَّهِ فوثب النبي صلي اللّه عليه و سلم و رفع الناس رءوسهم، فنزل: فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمأنوا، فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«بعثت أنا و الساعة كهاتين- و أشار بإصبعه- إن كادت لتسبقني» «1».
و قال الآخرون: الأمر هاهنا العذاب بالسيف، و هذا جواب للنضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، يستعجل العذاب، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 4- قوله تعالي: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ.
نزلت الآية في أبيّ بن خلف الجمحي، حين جاء بعظم رميم إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا محمد، أ تري اللّه يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟ نظيرة هذه الآية قوله تعالي في سورة يس: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) [سورة يس، الآية: 77] إلي آخر السورة، نازلة في هذه القصة «3».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 14/ 75، و زاد المسير، ج 4/ 426.
(2) انظر تفسير الطبري، ج 14/ 52.
(3) النيسابوري 234، و السيوطي 162، و زاد المسير، ج 4/ 429.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 199
الآية: 38- قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.
قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية: كان لرجل من المسلمين علي رجل من المشركين دين، فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلم به: و الذي أرجوه بعد الموت، فقال المشرك: و إنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت؟ فأقسم باللّه لا يبعث اللّه من يموت.
فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 41- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا.
نزلت في أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم بمكة: بلال و صهيب و خباب و عامر و جندل بن صهيب، أخذهم المشركون بمكة، فعذبوهم و آذوهم، فبوأهم اللّه تعالي بعد ذلك المدينة «2».
الآية: 43- قوله تعالي: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ.
نزلت في مشركي مكة، أنكروا نبوة محمد صلي اللّه عليه و سلم و قالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا، فهلا بعث إلينا ملكا «3».
الآية: 75- قوله تعالي:* ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً.
عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيم، عن إبراهيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
نزلت هذه الآية:* ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ في هشام بن عمرو، و هو الذي ينفق ماله سرا و جهرا، و مولاه أبو الجوزاء الذي كان ينهاه، فنزلت:
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ [سورة النحل، الآية: 76].
فالأبكم منهما الكلّ علي مولاه هذا السيد أسد بن أبي العيص، و الذي يأمر بالعدل و هو علي صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي اللّه عنه «4».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 14/ 73، و زاد المسير، ج 4/ 446- 447.
(2) النيسابوري 235، و انظر تفسير ابن كثير، ج 2/ 570، و تفسير القرطبي، ج 10/ 107.
(3) تفسير الطبري، ج 14/ 75.
(4) النيسابوري 235، و السيوطي 163، و الدر المنثور، ج 4/ 135.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 200
الآية: 83- قوله تعالي: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ.
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن أعرابيا أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فسأله، فقرأ عليه:
وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً [سورة النحل، الآية: 80] قال الأعرابي: نعم، ثم قرأ عليه: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ [سورة النحل، الآية: 80] قال: نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك و هو يقول: نعم، حتي بلغ: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) [سورة النحل، الآية: 81] فولّي الأعرابي، فأنزل اللّه هذه الآية «1».
الآية: 90- قوله تعالي:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ.
عن عبد الحميد بن بهرام قال: حدثنا شهر بن حوشب قال: حدثنا عبد اللّه بن عباس قال: بينما رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بفناء بيته بمكة جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون، فكشر إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال له: «أ لا تجلس». فقال: بلي، فجلس إليه مستقبله، فبينما هو يحدثه إذ شخص بصره إلي السماء، فنظر ساعة، و أخذ يضع بصره حتي وضع علي عتبة في الأرض، ثم تحرف عن جليسه عثمان إلي حيث وضع بصره، فأخذ ينغض رأسه كأنه يستنقه ما يقال له، ثم شخص بصره إلي السماء كما شخص أول مرة، فاتبعه بصره حتي تواري في السماء، و أقبل علي عثمان كجلسته الأولي، فقال: يا محمد، فيما كنت أجالسك و آتيك ما رأيتك تفعل فعلتك الغداة؟ قال: «ما رأيتني فعلت». قال:
رأيتك شخص بصرك إلي السماء، ثم وضعته حتي وضعته علي يمينك، فتحرفت إليه و تركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستنقه شيئا يقال لك؟ قال: «أ و فطنت إلي ذلك؟». قال عثمان: نعم. قال: «أتاني رسول اللّه جبريل عليه السلام و سلم آنفا و أنت جالس». قال: فما ذا قال لك؟ قال: «قال لي:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبي وَ يَنْهي عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)». فذاك حين استقر الإيمان في قلبي، و أحببت محمدا صلي اللّه عليه و سلم «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 163، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 580.
(2) مسند أحمد، ج 1/ 318، و صححه أحمد شاكر رحمه اللّه تعالي، و الدر المنثور، ج 4/ 128، و مجمع الزوائد، ج 7/ 48.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 201
الآية: 91- قوله تعالي: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ.
أخرج ابن جرير عن بريدة قال: نزلت هذه الآية في بيعة النبي صلي اللّه عليه و سلم «1».
الآية: 92- قوله تعالي: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر ابن أبي حفص، قال: كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشّعر و اللّيف، [ثم تنقضه بعد التعب بنسيجه فنزلت هذه الآية «2».
الآية: 101- قوله تعالي: وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ.
نزلت حين قال المشركون: إن محمدا عليه السلام سخر بأصحابه، يأمرهم اليوم و ينهاهم عنه غدا، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم، و ما هو إلا مفتري بقوله من تلقاء نفسه. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية و التي بعدها «3».
الآية: 103- قوله تعالي: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن حمدان الزاهد قال: أخبرنا عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو هاشم الرفاعي قال: حدثنا أبو فضيل قال: حدثنا حصين، عن عبيد اللّه بن مسلم قال: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر «4»، اسم أحدهما يسار و الآخر خير، و كانا يقرءان كتبا لهم بلسانهم، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يمر بهما فيسمع قراءتهما، و كان المشركون يقولون:
يتعلم منهما، فأنزل اللّه تعالي فأكذبهم: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) «5».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 236، و تفسير الطبري، ج 14/ 110.
(2) السيوطي، 163- 164، و تفسير الطبري، ج 14/ 111، و تفسير القرطبي، ج 10/ 171، و تفسير ابن كثير، ج 2/ 584.
(3) تفسير زاد المسير، ج 4/ 491.
(4) عين التمر: قرية في العراق.
(5) تفسير الطبري، ج 14/ 120.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 202
الآية: 106- قوله تعالي: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ.
قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، و ذلك أن المشركين أخذوه و أباه ياسرا و أمه سمية، و صهيبا و بلالا و خبابا و سالما، فأما سمية: فإنها ربطت بين بعيرين و و جي‌ء قبلها بحربة، و قيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال، فقتلت و قتل زوجها ياسر، و هما أول قتيلين في الإسلام. و أما عمار: فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها، فأخبر النبي صلي اللّه عليه و سلم بأن عمارا كفر، فقال: «كلا، إن عمارا ملي‌ء إيمانا من قرنه إلي قدمه «1»، و أخلط الإيمان بلحمه و دمه». فأتي عمار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو يبكي، فجعل رسول اللّه عليه السلام يمسح عينيه و قال: «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و قال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة: أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتي تهاجروا إلينا «3». فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين، و فيهم نزلت هذه الآية.
الآية: 110- قوله تعالي: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا.
قال قتادة: ذكر لنا أنه لما أنزل اللّه تعالي قبل هذه الآية: أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتي يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلي أصحابهم من أهل مكة، فلما جاءهم ذلك خرجوا، فلحقهم المشركون فردوهم، فنزلت: الم (1) أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ [سورة العنكبوت، الآيتان: 1- 2] فكتبوا بها إليهم فتبايعوا بينهم علي أن يخرجوا، فإن لحقهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتي ينجوا و يلحقوا باللّه، فأدركهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل و منهم من نجا، فأنزل اللّه عزّ و جلّ:
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا «4».
__________________________________________________
(1) وجئ: طعن. قبلها: فرجها. قرنه: رأسه.
(2) تفسير الطبري، ج 14/ 122، و انظر المستدرك للحاكم، ج 2/ 357.
(3) النيسابوري 237، و السيوطي، 164- 165.
(4) النيسابوري 238، و زاد المسير، ج 4/ 497- 498.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 203
الآية: 125- قوله تعالي: ادْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ.
عن الحكم بن عيينة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلي أحد انصرف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فرأي منظرا ساءه، و رأي حمزة قد شق بطنه و اصطلم أنفه و جدعت أذناه، فقال: «لو لا أن يحزن النساء، أو يكون سنة بعدي، لتركته حتي يبعثه اللّه تعالي من بطون السباع و الطير. لأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم».
ثم دعا ببردة فغطي بها وجهه، فخرجت رجلاه، فجعل علي رجليه شيئا من الإذخر، ثم قدمه و كبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع و حمزة مكانه، حتي صلي عليه سبعين صلاة، و كان القتلي سبعين، فلما دفنوا و فرغ منهم نزلت هذه الآية: ادْعُ إِلي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ إلي قوله: وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [سورة النحل، الآية: 127] فصبر و لم يمثل بأحد «1».
عن يعقوب الوليد الكندي قال: حدثنا صالح المري قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة قال: أشرف النبي صلي اللّه عليه و سلم علي حمزة فرآه صريعا، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه، و قال: «و اللّه لأقتلن بك سبعين منهم». فنزلت:
وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) [سورة النحل، الآية: 126] «2».
قال المفسرون: إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد: من تبقير البطون، و قطع المذاكير، و المثلة السيئة، قالوا حين رأوا ذلك: لئن ظفرنا اللّه سبحانه و تعالي عليهم لنزيدن علي صنيعهم، و لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، و لنفعلن و لنفعلن. و وقف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي عمه حمزة، و قد جدعوا أنفه و قطعوا مذاكيره «3» و بقروا بطنه، و أخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها، ثم استرطتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتي رمت بها، فبلغ ذلك نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبدا، حمزة أكرم علي اللّه من أن يدخل شيئا من جسده النار». فلما نظر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي حمزة نظر إلي شي‌ء لم ينظر إلي
__________________________________________________
(1) النيسابوري 239، و سنن الدار قطني، ج 4/ 118، و ضعّفه.
(2) المستدرك للحاكم، ج 3/ 197، و مجمع الزوائد، ج 6/ 119.
(3) أي عضوه التناسلي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 204
شي‌ء كان أوجع لقلبه منه، فقال: «رحمة اللّه عليك، إنك- ما علمت- كنت وصولا للرحم، فعالا للخيرات، و لو لا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتي تحشر في أجواف شتي، أما و اللّه لئن أظفرني اللّه تعالي بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك». فأنزل اللّه تعالي: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ الآية، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «بلي نصبر» و أمسك عما أراد، و كفّر عن يمينه «1».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 240، و انظر تفسر ابن كثير، ج 2/ 592، و تفسير القرطبي، ج 10/ 201.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 205

17- سورة بني إسرائيل «الإسراء»

الآية: 15- قوله تعالي: مَنِ اهْتَدي فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّي نَبْعَثَ رَسُولًا (15).
قوله تعالي: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري الآية. أخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت: سألت خديجة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن أولاد المشركين فقال: «هم من آبائهم» ثم سألته بعد ذلك، فقال: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين»، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام، فنزلت: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري و قال: «هم علي الفطرة» أو قال: «في الجنة» «1».
الآية: 26- قوله تعالي: وَ آتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26).
قوله تعالي: وَ آتِ ذَا الْقُرْبي الآية. أخرج الطبراني و غيره عن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت: وَ آتِ ذَا الْقُرْبي حَقَّهُ دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فاطمة فأعطاها فدك، قال ابن كثير: هذا مشكل فإنه يشعر بأن الآية مدنية، و المشهور خلافه. و روي ابن مردويه عن ابن عباس مثله «2».
الآية: 28- قوله تعالي: وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28).
أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخرساني قال: جاء ناس من مزينة يستحملون
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري برقم 6597، 1384، 6598، و مسلم برقم 2660، و أبو داود في سننه 4712.
(2) تفسير ابن كثير، ج 3/ 36، و انظر تفسير القرطبي، ج 10/ 247.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 206
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «لا أجد ما أحملكم عليه»، فتولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا، ظنوا ذلك من غضب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأنزل اللّه: وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ الآية.
و أخرج ابن جرير عن الضحاك قال: نزلت فيمن كان يسأل النبي صلي اللّه عليه و سلم من المساكين «1».
الآية: 29- قوله تعالي: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلي عُنُقِكَ.
عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه قال: جاء غلام إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: إن أمي تسألك كذا و كذا. فقال: «ما عندنا اليوم شي‌ء». قال: فتقول لك:
اكسني قميصك. قال: فخلع قميصه فدفعه إليه، و جلس في البيت حاسرا «2»، فأنزل اللّه سبحانه و تعالي: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلي عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ الآية «3».
الآية: 45- قوله تعالي: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (45).
قوله تعالي: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ الآية. أخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال:
كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إذا تلا القرآن علي مشركي قريش و دعاهم إلي الكتاب قالوا، يهزءون به: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ [سورة فصلت، الآية: 5] فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ «4» الآيات.
الآية: 53- قوله تعالي: وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
نزلت في عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، و ذلك أن رجلا من العرب شتمه فأمره اللّه تعالي بالعفو «5».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 167- 168، و زاد المسير، ج 5/ 28.
(2) حاسرا: ليس عليه ثياب.
(3) النيسابوري 242، و تفسير الدر المنثور، ج 4/ 178.
(4) السيوطي، 168- 169، و زاد المسير، ج 5/ 41، و انظر تفسير القرطبي، ج 10/ 269.
(5) تفسير القرطبي، ج 10/ 276.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 207
و قال الكلبي: كان المشركون يؤذون أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالقول و الفعل، فشكوا ذلك إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 56- قوله تعالي: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلًا (56).
قوله تعالي: قُلِ ادْعُوا الآية. أخرج البخاري و غيره عن ابن مسعود قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجنيون و استمسك الآخرون بعبادتهم، فأنزل اللّه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ الآية «2».
الآية: 59- قوله تعالي: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59).
قوله تعالي: وَ ما مَنَعَنا الآية. أخرج الحاكم و الطبراني و غيرهما عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا و أن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، و إن شئت تؤتهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم قال: «بل أستأني بهم»، فأنزل اللّه: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآية. و أخرج الطبراني و ابن مردويه عن الزبير نحوه أبسط منه «3».
عن الأعمش، عن جعفر بن ياسر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
سأل أهل مكة النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، و أن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتني منهم «4»، و إن شئت نؤتهم الذي سألوا،
__________________________________________________
(1) النيسابوري 243، و زاد المسير، ج 5/ 46.
(2) السيوطي 169، و زاد المسير، ج 5/ 49، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 46.
(3) السيوطي 169، و مسند أحمد، ج 4/ 96، و إسناده صحيح، و زاد المسير، ج 5/ 51، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 47.
(4) تستأني بهم: تصبر عليهم و تتئد في الطلب لهم. نجتني منهم: نختار و نصطفي من يؤمن و يسلم و يصلح حاله.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 208
فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم. قال: «لا، بل أستأني بهم». فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ «1».
و روينا قول الزبير بن العوام في سبب نزول هذه الآية عند قوله: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [سورة الرعد، الآية: 31] «2».
الآية: 60- قوله تعالي: وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.
لما ذكر اللّه تعالي الزقوم خوّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل:
هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد عليه السلام؟ قالوا لا، قال:
الثريد بالزبد، أما و اللّه لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما. فأنزل اللّه تبارك و تعالي:
وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يقول: المذمومة وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) «3».
الآية: 73- قوله تعالي: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ.
قال عطاء، عن ابن عباس: نزلت في وفد ثقيف، أتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسألوا شططا، و قالوا: متعنا باللات سنة، و حرّم وادينا كما حرمت مكة: شجرها و طيرها و وحشها. فأبي ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و لم يجبهم، فأقبلوا يكثرون مسألتهم، و قالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول، و خشيت أن تقول العرب:
أعطيتهم ما لم تعطنا، فقل: اللّه أمرني بذلك. فأمسك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عنهم، و داخلهم الطمع، فصاح عليهم عمر: أما ترون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أمسك عن جوابكم كراهية لما تجيئون به، و قد همّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يعطيهم ذلك، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
و قال سعيد بن جبير: قال المشركون للنبي صلي اللّه عليه و سلم: لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا و لو بطرف أصابعك. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «ما عليّ لو فعلت، و اللّه يعلم أني بار؟». فأنزل
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 15/ 74، و مسند أحمد، ج 1/ 258، و صححه أحمد شاكر.
(2) انظر سبب نزول الآية 31 من سورة الرعد. النيسابوري 243.
(3) النيسابوري 244، و زاد المسير، ج 5/ 55، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 48- 49.
(4) النيسابوري 245، و زاد المسير، ج 5/ 67، و تفسير الطبري، ج 15/ 130، و سنده ضعيف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 209
اللّه تعالي هذه الآية: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ إلي قوله:
نَصِيراً [سورة الإسراء، الآية: 75] «1».
و قال قتادة: ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات ليلة إلي الصبح، يكلمونه و يفخمونه و يسودونه و يقاربونه، فقالوا: إنك تأتي بشي‌ء لا يأتي به أحد من الناس، و أنت سيدنا يا سيدنا، و ما زالوا به حتي كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه اللّه تعالي عن ذلك، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 76- قوله تعالي: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ.
قال ابن عباس: حسدت اليهود مقام النبي صلي اللّه عليه و سلم بالمدينة، فقالوا: إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام، فإن كنت نبيا فالحق بها، فإنك إن خرجت إليها صدقناك و آمنا بك. فوقع ذلك في قلبه لما يحب من الإسلام، فرحل من المدينة علي مرحلة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال عثمان: إن اليهود أتوا نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: إن كنت صادقا أنك نبي فالحق بالشام، فإن الشام أرض المحشر و المنشر، و أرض الأنبياء. فصدق ما قالوا، و غزا غزوة تبوك لا يريد بذلك إلا الشام، فلما بلغ تبوك أنزل اللّه تعالي: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ «4».
و قال مجاهد و قتادة و الحسن: همّ أهل مكة بإخراج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من مكة، فأمره اللّه تعالي بالخروج، و أنزل هذه الآية إخبارا عما هموا به «5».
الآية: 80- قوله تعالي: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ.
قال الحسن: إن كفار قريش لما أرادوا أن يوثقوا النبي صلي اللّه عليه و سلم و يخرجوه من مكة أراد
__________________________________________________
(1) النيسابوري 244، و زاد المسير، ج 5/ 67، و تفسير القرطبي، ج 10/ 299.
(2) النيسابوري 245، و زاد المسير، ج 5/ 68، و تفسير القرطبي، ج 10/ 299- 300.
(3) النيسابوري، 244- 245، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 53، و ضعّفه.
(4) تفسير ابن كثير، ج 3/ 53، و قال: في إسناده نظر.
(5) النيسابوري 245، و السيوطي، 171- 172، و زاد المسير، ج 5/ 70.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 210
اللّه تعالي بقاء أهل مكة، و أمر نبيه أن يخرج مهاجرا إلي المدينة، و نزل قوله تعالي:
وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «1».
الآية: 85- قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: إني مع النبي صلي اللّه عليه و سلم في حرث بالمدينة، و هو متكئ علي عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم ماج، فأمسكت بيدي علي جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل اللّه عليه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «2».
و قال عكرمة، عن ابن عباس، قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت هذه الآية «3».
و قال المفسرون: إن اليهود اجتمعوا، فقالوا لقريش، حين سألوهم عن شأن محمد و حاله: سلوا محمدا عن الروح، و عن فتية فقدوا في أول الزمان، و عن رجل بلغ شرق الأرض و غربها، فإن أجاب في ذلك كله فليس بنبي، و إن لم يجب في ذلك فليس نبيا، و إن أجاب في بعض ذلك و أمسك عن بعضه فهو نبي. فسألوه عنها، فأنزل اللّه تعالي في شأن الفتية: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ [سورة الكهف، الآية: 9] إلي آخر القصة، و نزل في الروح قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ «4».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 15/ 100، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 58.
(2) النيسابوري 246، و السيوطي 172، و سنن الترمذي برقم 3141، و قال: حسن صحيح، و رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ الإسراء، باب: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، رقم: 4444، و مسلم: صفات المنافقين و أحكامهم، باب: سؤال اليهود النبي صلي اللّه عليه و سلم عن الروح، رقم: 2794، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 60- 61، و تفسير القرطبي، ج 10/ 323- 324.
(3) تفسير النسائي 334، و أحمد في مسنده، ج 1/ 255، و الحاكم في المستدرك، ج 2/ 531، و صححه و أقره الذهبي.
(4) النيسابوري 246، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 61.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 211
الآية: 88- قوله تعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88).
أخرج ابن إسحاق و ابن جرير من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم سلام بن مشكم في عامّة يهود سمّاهم، فقالوا: كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا؟ و إنّ هذا الذي جئت به لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة؟ فأنزل علينا كتابا نعرفه، و إلّا جئناك بمثل ما تأتي به؛ فأنزل اللّه تعالي: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) «1»!!!.
الآية: 90- قوله تعالي: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90).
روي عكرمة، عن ابن عباس «2»: أن عتبة، و شيبة، و أبا سفيان، و النضر بن الحارث، و أبا البختري، و الوليد بن المغيرة، و أبا جهل، و عبد اللّه بن أبي أمية، و أمية بن خلف، و رؤساء قريش، اجتمعوا علي ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض:
ابعثوا إلي محمد و كلموه و خاصموه حتي تعذروا به، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم سريعا، و هو يظن أنه بدا في أمره بداء، و كان عليهم حريصا، يحب رشدهم و يعز عليه تعنتهم، حتي جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا و اللّه لا نعلم رجلا من العرب أدخل علي قومه ما أدخلت علي قومك، لقد شتمت الآباء، و عبت الدين، و سفهت الأحلام، و شتمت الآلهة، و فرقت الجماعة، و ما بقي أمر قبيح إلا و قد جئته فيما بيننا و بينك، فإن كنت أن ما جئت به لتطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالا، و إن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، و إن كنت تريد ملكا ملكناك علينا، و إن كان هذا الرئيّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك- و كانوا يسمون التابع من الجن الرئي- بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتي نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم، و لا للشرف فيكم، و لا الملك عليكم، و لكن اللّه عزّ و جلّ بعثني إليكم
__________________________________________________
(1) السيوطي 173، و تفسير الطبري، ج 15/ 106- 107.
(2) النيسابوري 247.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 212
رسولا، و أنزل عليّ كتابا، و أمرني أن أكون لكم بشيرا و نذيرا، فبلغتكم رسالة ربي و نصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة، و إن تردوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتي يحكم بيني و بينكم». قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا، فقد علمت: أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا، و لا أقل مالا، و لا أشد عيشا منا، سل لنا ربك- الذي بعثك بما بعثك- فليسير عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، و يبسط لنا بلادنا، و يجر فيها أنهارا كأنهار الشام و العراق، و أن يبعث لنا من مضي من آبائنا، و ليكن ممن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عما تقول حق هو، فإن صنعت ما سألناك صدقناك، و عرفنا به منزلتك عند اللّه، و أنه بعثك رسولا كما تقول.
فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند اللّه سبحانه بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به، فإن تقبلوا فهو حظكم في الدنيا و الآخرة، و إن تردوه أصبر لأمر اللّه». قالوا: فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك، و سله فيجعل لك جنانا و كنوزا و قصورا من ذهب و فضة، و يغنيك بها عما نراك، فإنك تقوم في الأسواق و تلتمس المعاش. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، و ما بعثت بهذا إليكم، و لكن اللّه تعالي بعثني بشيرا و نذيرا». قالوا: فأسقط علينا كسفا من السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ذلك إلي اللّه، إن شاء فعل». فقال قائل منهم: لن نؤمن لك حتي تأتي باللّه و الملائكة قبيلا. و قال عبد اللّه بن أمية المخزومي، و هو ابن عاتكة بنت عبد المطلب، ابن عمة النبي صلي اللّه عليه و سلم:
لا أؤمن بك أبدا حتي تتخذ السماء سلما، و ترقي فيه و أنا أنظر حتي تأتيها، و تأتي بنسخة منشورة معك، و نفر من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. فانصرف رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي أهله حزينا بما فاته من متابعة قومه، و لما رأي من مباعدتهم منه، فأنزل اللّه تعالي: وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) «1» الآيات.
الآية: 110- قوله تعالي: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ إلي قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها.
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 15/ 110- 111، و النيسابوري في أسباب النزول، 247- 248.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 213
قال ابن عباس: تهجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده:
«يا رحمن، يا رحيم». فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا، فهو الآن يدعو إلهين اثنين: اللّه، و الرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. يعنون مسيلمة الكذاب. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال ميمون بن مهران: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يكتب في أول ما يوحي إليه:
«باسمك اللّهم». حتي نزلت هذه الآية: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [سورة النمل، الآية: 30]. فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و قال الضحاك: قال أهل التفسير: قيل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: إنك لتقل ذكر الرحمن، و قد أكثر اللّه في التوراة هذا الاسم؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
قوله تعالي: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110). عن محمد بن إسحاق الثقفي قال: حدثنا عبد اللّه بن مطيع و أحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم قال: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالي: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قال: نزلت و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مختف بمكة، و كانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن و من أنزله و من جاء به، فقال اللّه عزّ و جلّ لنبيه صلي اللّه عليه و سلم: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن وَ لا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا يسمعون وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (110) «4».
عن هشام بن عروة، عن عائشة رضي اللّه عنها، في قوله تعالي: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها قالت: إنها نزلت في الدعاء «5».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 15/ 121.
(2) تفسير القرطبي، ج 10/ 343.
(3) تفرّد به النيسابوري في أسباب النزول 249.
(4) تفسير الطبري، ج 15/ 122- 124، و رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري:
التوحيد، باب: قول اللّه تعالي: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ، رقم: 7052، و مسلم:
الصلاة، باب: التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية ..، رقم: 446، و النيسابوري 250.
(5) فتح الباري، ج 8/ 405، و أخرجه البخاري برقم 4723.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 214

18- سورة الكهف‌

الآية: 6- قوله تعالي: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلي آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6).
أخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط إلي أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، و صفوا لهم صفته، و أخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول، و عندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتي أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و وصفوا لهم أمره و بعض قوله، فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، و إن لم يفعل فالرجل متقوّل. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؟
فإنه كان لهم أمر عجيب، و سلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض و مغاربها ما كان نبؤه؟ و سلوه عن الروح ما هو؟ فأقبلا حتي قدما علي قريش، فقالا: قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمد، فجاءوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسألوه فقال: «أخبركم غدا بما سألتم عنه» و لم يستثن، فانصرفوا و مكث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه في ذلك إليه وحيا، و لا يأتيه جبريل حتي أرجف أهل مكة، و حتي أحزن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مكث الوحي عنه، و شق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من اللّه بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه علي حزنه عليهم و خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية و الرجل الطواف و قول اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [سورة الإسراء، الآية: 85].
و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: اجتمع عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو جهل بن هشام و النضر بن الحارث و أمية بن خلف و العاصي بن وائل و الأسود بن المطلب و أبو البحتري في نفر من قريش، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قد كبر عليه ما يري من
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 215
خلاف قومه إياه، و إنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا فأنزل اللّه:
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلي آثارِهِمْ الآية.
و أخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال: أنزلت: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ فقيل: يا رسول اللّه، سنين أو شهورا؟ فأنزل اللّه: سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً (25) [سورة الكهف، الآية: 25] «1».
الآية: 23- قوله تعالي: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23).
و أخرجه ابن جرير عن الضحاك، و أخرجه ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال:
حلف النبي صلي اللّه عليه و سلم علي يمين، فمضي له أربعون ليلة، فأنزل اللّه: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «2».
الآية: 28- قوله تعالي: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28).
قوله تعالي: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ الآية. تقدّم سبب نزولها في سورة الأنعام في حديث خباب.
قوله تعالي: وَ لا تُطِعْ الآية. أخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، و ذلك أنه دعا النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي أمر كرهه اللّه، من طرد الفقراء عنه، و تقريب صناديد أهل مكة فنزلت.
و أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: حدثنا أن النبي صلي اللّه عليه و سلم تصدي لأمية بن خلف و هو ساه غافل عما يقال له فنزلت.
__________________________________________________
(1) السيوطي، 176- 177، و تفسير الطبري، ج 15/ 126- 127، و في سنده مجهول.
(2) انظر تفسير الطبري، ج 15/ 151- 152.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 216
و أخرج عن أبي هريرة قال: دخل عيينة بن حصن علي النبي صلي اللّه عليه و سلم و عنده سلمان، فقال عيينة: إذا نحن أتيناك فأخرج هذا و أدخلنا، فنزلت «1».
عن مسلمة بن عبد اللّه الجهني، عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني، عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس و ذووهم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنك لو جلست في صدر المجلس، و نحيت عنا هؤلاء و أرواح جبابهم- يعنون سلمان و أبا ذر و فقراء المسلمين، و كانت عليهم جباب الصوف، لم يكن عليهم غيرها- جلسنا إليك و حادثناك و أخذنا عنك.
فأنزل اللّه تعالي: وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ حتي بلغ: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً [سورة الكهف، الآيات: 27- 29] يتهددهم بالنار، فقام النبي صلي اللّه عليه و سلم يلتمسهم، حتي إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون اللّه تعالي قال: «الحمد للّه الذي لم يمتني حتي أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا و معكم الممات» «2».
و عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله تعالي: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي، و ذلك أنه دعا النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه و تقريب صناديد أهل مكة، فأنزل اللّه تعالي: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا يعني من ختمنا علي قلبه عن التوحيد وَ اتَّبَعَ هَواهُ يعني الشرك «3».
الآية: 83- قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ.
قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن ذي القرنين، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
الآية: 109- قوله تعالي: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي.
__________________________________________________
(1) السيوطي 177. و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 80- 81.
(2) زاد المسير، ج 5/ 132، و الدر المنثور، ج 4/ 219.
(3) النيسابوري، 250- 251، و انظر تفسير القرطبي، ج 10/ 390- 391.
(4) النيسابوري 251، و زاد المسير، ج 5/ 81.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 217
قال ابن عباس: قالت اليهود، لما قال لهم النبي صلي اللّه عليه و سلم: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) [سورة الإسراء، الآية: 85]: كيف و قد أوتينا التوراة، و من أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فنزلت: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي الآية «1».
الآية: 110- قوله تعالي: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ.
قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي، و ذلك أنه قال: إني أعمل العمل للّه، فإذا اطلع عليه سرني. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه تعالي طيب لا يقبل إلا طيبا، و لا يقبل ما روئي فيه». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و قال طاوس: قال رجل: يا نبي اللّه، إني أحب الجهاد في سبيل اللّه، و أحب أن يري مكاني؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال مجاهد: جاء رجل إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إني أتصدق و أصل الرحم، و لا أصنع ذلك إلا للّه سبحانه و تعالي، فيذكر ذلك مني و أحمد عليه فيسرني ذلك و أعجب به؟ فسكت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و لم يقل شيئا صالحا، فأنزل اللّه تعالي: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 5/ 201، و انظر تفسير القرطبي، ج 11/ 69.
(2) تفسير القرطبي، ج 11/ 69.
(3) تفسير الطبري، ج 16/ 32.
(4) النيسابوري، 251- 252، و السيوطي 178، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 108.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 218

19- سورة مريم‌

الآية: 64- قوله تعالي: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟». قال: فنزلت: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ الآية كلها، قال: كان هذا الجواب لمحمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم «1».
و قال مجاهد: أبطأ الملك علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم أتاه، فقال: لعلّي أبطأت؟
قال: «قد فعلت». قال: و لم لا أفعل و أنتم لا تتسوكون، و لا تقصون أظفاركم، و لا تنقون براجمكم؟ قال: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ. قال مجاهد: فنزلت هذه الآية «2».
الآية: 66- قوله تعالي: وَ يَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66).
قال الكلبي: نزلت في أبيّ بن خلف، حين أخذ عظاما بالية يفتها بيده و يقول:
زعم لكم محمد أنّا نبعث بعد ما نموت «3».
الآية: 77- قوله تعالي: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا.
عن الأعمش، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن خباب بن الأرت قال: كان لي دين علي العاص بن وائل، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا و اللّه حتي تكفر بمحمد، قلت:
لا و اللّه لا أكفر بمحمد حتي تموت ثم تبعث، قال: إني إذا مت ثم بعثت جئني، و سيكون لي ثمّ مال و ولد، فأعطيك. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري عن أبي ذر في التفسير: سورة مريم، باب: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، رقم: 4454، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 130.
(2) النيسابوري 253، و زاد المسير، ج 6/ 249.
(3) زاد المسير، ج 6/ 251- 252.
(4) سنن الترمذي برقم 3162، و قال: حسن صحيح، و تفسير القرطبي، ج 11/ 145.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 219
عن وكيع قال: حدثنا الأعمش، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن خباب قال: كنت رجلا قينا، و كان لي علي العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه «1» فقال:
لا أقضيك حتي تكفر بمحمد- عليه السلام- فقلت: لا أكفر حتي تموت و تبعث، فقال: و إني لمبعوث بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إليّ مالي. قال: فنزلت فيه: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَ قالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَ وَلَداً (77) «2».
و قال الكلبي و مقاتل: كان خباب بن الأرت قينا، و كان يعمل للعاص بن وائل السهمي، و كان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك، فقال: لست بمفارقك حتي تقضيني، فقال العاص: يا خباب، ما لك، ما كنت هكذا، و إن كنت تحسن الطلب؟ فقال خباب: ذاك أني كنت علي دينك، فأما اليوم فأنا علي الإسلام، مفارق لدينك. قال: أ و لستم تزعمون أن في الجنة ذهبا و فضة و حريرا؟ قال خباب: بلي، قال: فأخرني حتي أقضيك في الجنة- استهزاء- فو اللّه لئن كان ما تقول حقا إني لأفضل فيها نصيبا منك. فأنزل اللّه تعالي: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا يعني العاص «3» الآيات.
الآية: 96- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96).
قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا الآية. أخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن عوف لما هاجر إلي المدينة وجد في نفسه علي فراق أصحابه بمكة منهم: شيبة و عتبة ابني ربيعة و أمية بن خلف، فأنزل اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96) قال: محبة في قلوب المؤمنين «4».
__________________________________________________
(1) قينا: حدادا. أتقاضاه: أطلب منه أن يقضيني ديني.
(2) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ مريم، باب: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا ..، رقم: 4455، و مسلم: صفات المنافقين و أحكامهم، باب: سؤال اليهود النبي صلي اللّه عليه و سلم عن الروح، رقم: 2795، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 135.
(3) النيسابوري، 254- 255، و زاد المسير، ج 5/ 260.
(4) تفسير الطبري، ج 16/ 101، و تفسير القرطبي، ج 11/ 161.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 220

20- سورة طه‌

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي (2).
قال مقاتل: قال أبو جهل و النضر بن الحارث للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إنك لتشقي بترك ديننا.
و ذلك لما رأياه من طول عبادته و اجتهاده، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن العسكري قال: حدثنا أبو مالك، عن جرير، عن الضحاك قال: لما نزل القرآن علي النبي صلي اللّه عليه و سلم قام هو و أصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنزل اللّه تعالي هذا القرآن علي محمد- عليه السلام- إلا ليشقي به. فأنزل اللّه تعالي: طه (1) يقول:
يا رجل ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي (2) «2».
و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان أول ما أنزل عليه الوحي يقوم علي صدور قدميه إذا صلي، فأنزل: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي (2).
و أخرج عبد اللّه بن حميد في تفسيره عن الربيع بن أنس قال: قالوا: كان النبي صلي اللّه عليه و سلم يراوح بين قدميه ليقوم علي كل رجل حتي نزلت: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي
و أخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قالوا: لقد شقي الرجل بربه، فأنزل اللّه: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقي (2) «3».
الآية: 105- قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (105).
قوله تعالي: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية. أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال:
قالت قريش: يا محمد، كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ الآية «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 5/ 269، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 141.
(2) النيسابوري 255، و السيوطي 181، و تفسير الطبري، ج 16/ 103.
(3) زاد المسير، ج 5/ 269، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 141.
(4) زاد المسير، ج 5/ 322.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 221
الآية: 114- قوله تعالي: فَتَعالَي اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضي إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114).
قوله تعالي: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان النبي صلي اللّه عليه و سلم إذا نزل عليه جبريل بالقرآن أتعب نفسه في حفظه حتي يشق علي نفسه، فيخاف أن يصعد جبريل و لم يحفظه، فأنزل اللّه: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ الآية. و تقدم في سورة النساء سبب آخر و هذا أصح «1».
الآية: 131- قوله تعالي: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقي (131).
قوله تعالي: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية. أخرج ابن أبي شيبة و ابن مردويه و البزار و أبو يعلي عن أبي رافع قال: أضاف النبي صلي اللّه عليه و سلم ضيفا فأرسلني إلي رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلي هلال رجب، فقال: لا إلا برهن. فأتيت النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخبرته، فقال:
«أما و اللّه إني لأمين في السماء أمين في الأرض» فلم أخرج من عنده حتي نزلت هذه الآية: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ «2».
عن موسي بن عبيدة الربذي قال: أخبرني يزيد بن عبد اللّه بن فضيل، عن أبي رافع مولي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: أن ضيفا نزل برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فدعاني، فأرسلني إلي رجل من اليهود يبيع طعاما: «يقول لك محمد- رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم- نزل بنا ضيف، و لم يلق عندنا بعض الذي نصلحه، فبعني كذا و كذا من الدقيق- أو سلفني- إلي هلال رجب». فقال اليهودي: لا أبيعه و لا أسلفه إلا برهن. قال: فرجعت إليه فأخبرته، قال: «و اللّه إني لأمين في السماء أمين في الأرض، و لو أسلفني أو باعني لأديت إليه، اذهب بدرعي».
و نزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلي ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ الآية «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 181- 182، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 167، و ذكر سببا آخر في ذلك.
(2) السيوطي 182، و زاد المسير، ج 5/ 335.
(3) النيسابوري 256، و تفسير القرطبي، ج 11/ 262، و تفسير الطبري، ج 16/ 169.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 222

21- سورة الأنبياء

الآية: 6- قوله تعالي: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أهل مكة للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إن كان ما تقول حقا و يسرك أن نؤمن فحوّل لنا الصفا ذهبا، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن شئت كان الذي سألك قومك و لكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا و إن شئت استأنيت بقومك، فأنزل اللّه: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) «1».
الآية: 34- قوله تعالي: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (34).
و أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: نعي إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم نفسه، فقال: «يا رب، فمن لأمتي؟» فنزلت: وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ الآية «2».
الآية: 36- قوله تعالي: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ.
و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: مرّ النبي صلي اللّه عليه و سلم علي أبي جهل و أبي سفيان و هما يتحدثان، فلما رآه أبو جهل ضحك و قال لأبي سفيان: هذا نبي عبد مناف، فغضب أبو سفيان و قال: أ تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبي؟ فسمعها النبي صلي اللّه عليه و سلم فرجع إلي أبي جهل فوقع به و خوفه، و قال: «ما أراك منتهيا حتي يصيبك ما أصاب من غيّر عهده»، فنزلت: وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً «3».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 17/ 4.
(2) السيوطي، 183- 184، و انظر تفسير زاد المسير، ج 5/ 351، و تفسير القرطبي، ج 11/ 287.
(3) زاد المسير، ج 5/ 350، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 178.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 223
الآية: 101- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْني أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ.
و أخرج الحاكم عن ابن عباس قال: لما نزلت: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) [سورة الأنبياء، الآية: 98] قال ابن الزبعري:
عبد الشمس و القمر و الملائكة و عزير، فكل هؤلاء في النار مع آلهتنا، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْني أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) و نزلت:* وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إلي: خَصِمُونَ (58) [سورة الزخرف، الآيتان: 57- 58] «1».
عن يحيي، عن ابن عباس قال: آية، لا يسألني الناس عنها، لا أدري أ عرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها؟ قال: و ما هي؟ قال: لما نزلت:
إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) [سورة الأنبياء، الآية: 98] شق علي قريش، فقالوا: أ يشتم آلهتنا؟ فجاء ابن الزبعري فقال:
ما لكم؟ قالوا: يشتم آلهتنا. قال: فما قال؟ قالوا: قال: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) قال: ادعوه لي، فلما دعي النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: يا محمد، هذا شي‌ء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون اللّه؟ قال: «بل لكل من عبد من دون اللّه». فقال ابن الزبعري: خصمت و رب هذه البنية- يعني الكعبة- أ لست تزعم أن الملائكة عباد صالحون، و أن عيسي عبد صالح؟ و هذه بنو مليح يعبدون الملائكة، و هذه النصاري يعبدون عيسي- عليه السلام- و هذه اليهود يعبدون عزيرا.
قال: فصاح أهل مكة، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْني الملائكة و عيسي و عزير عليهم السلام أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 184، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 198، و زاد المسير، ج 5/ 392.
(2) النيسابوري 256، و مسند أحمد برقم 2921، و الطبراني في معجمه الكبير برقم 12740، و مجمع الزوائد، ج 7/ 104.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 224

22- سورة الحج‌

الآية: 3- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (3).
قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ قال: نزلت في النضر بن الحارث «1».
الآية: 11- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلي وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11).
قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ الآية. أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فإن ولدت امرأته غلاما و نتجت خيلة قال:
هذا دين صالح، و إن لم تلد امرأته ولدا ذكرا و لم تنتج خيلة قال: هذا دين سوء، فأنزل اللّه: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ الآية.
و أخرج ابن مردويه من طريق عطية عن ابن مسعود قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره و ماله و ولده فتشاءم بالإسلام، فقال: لم أصب من ديني هذا خيرا، ذهب بصري و مالي و مات ولدي، فنزلت: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ الآية «2».
قال المفسرون: نزلت في أعراب كانوا يقدمون علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة مهاجرين من باديتهم، و كان أحدهم إذا قدم المدينة: فإن صح بها، و نتجت فرسه مهرا حسنا، و ولدت امرأته غلاما، و كثر ماله و ماشيته، آمن به و اطمأن، و قال: ما أصبت منذ
__________________________________________________
(1) السيوطي 185، و زاد المسير، ج 5/ 405، و الدر المنثور، ج 4/ 344.
(2) السيوطي، 185- 186، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 209، و تفسير الطبري، ج 12/ 17.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 225
دخلت في ديني هذا إلا خيرا. و إن أصابه وجع المدينة، و ولدت امرأته جارية، و أجهضت رماكه و ذهب ماله، و تأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: و اللّه ما أصبت منذ كنت علي دينك هذا إلا شرا، فينقلب عن دينه. فأنزل اللّه تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ الآية «1».
و روي عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: أسلم رجل من اليهود، فذهب بصره و ماله و ولده، و تشاءم بالإسلام فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: أقلني. فقال: «إن الإسلام لا يقال». فقال: إني لم أصب في ديني هذا خيرا، أذهب بصري و مالي و ولدي. فقال:
«يا يهودي، إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد و الفضة و الذهب».
قال: و نزلت: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلي حَرْفٍ «2».
الآية: 19- قوله تعالي:* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19).
قوله تعالي:* هذانِ خَصْمانِ الآية. أخرج الشيخان و غيرهما عن أبي ذر قال: نزلت هذه الآية:* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في حمزة و عبيدة و علي بن أبي طالب و عتبة و شيبة و الوليد بن عتبة.
و أخرج الحاكم عن علي قال: فينا نزلت هذه الآية في مبارزتنا يوم بدر* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إلي قوله: الْحَرِيقِ (22) [سورة الحج، الآية: 22].
و أخرج من وجه آخر عنه قال: نزلت في الذين بارزوا يوم بدر: حمزة و علي و عبيدة بن الحارث و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة.
و أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أولي باللّه منكم و أقدم كتابا و نبينا قبل نبيكم، فقال المؤمنون:
نحن أحق باللّه آمنا بمحمد و نبيكم و بما أنزل اللّه من كتاب. و أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 157، و صحيح البخاري في كتاب التفسير برقم 4742.
(2) رواه البخاري في صحيحه برقم 4743، و مسلم في صحيحه برقم 3033، و في سنده عطية بن سعد العوفي مجمع علي ضعفه، فلا تثبت هذه الرواية.
(3) السيوطي 186، و الدر المنثور، ج 4/ 348، و الطبري في تفسيره، ج 17/ 132.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 226
و عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر يقول:
أقسم باللّه لنزلت:* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ في هؤلاء الستة: حمزة و عبيدة و علي بن أبي طالب و عتبة و شيبة و الوليد بن عتبة «1».
أخبرنا أبو بكر الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا محمد بن سليمان قال: أخبرنا هلال بن بشر قال: أخبرنا يوسف بن يعقوب قال: أخبرنا سليم التيمي، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي قال: فينا نزلت هذه الآية و في مبارزتنا يوم بدر:* هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا إلي قوله: الْحَرِيقِ (22) «2».
قال ابن عباس: هم أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولي باللّه منكم و أقدم منكم كتابا، و نبينا قبل نبيكم، و قال المؤمنون: نحن أحق باللّه، آمنا بمحمد عليه السلام و آمنا بنبيكم، و بما أنزل من كتاب، فأنتم تعرفون نبينا، ثم تركتموه و كفرتم به حسدا. و كانت هذه خصومتهم، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية. و هذا قول قتادة «3».
الآية: 25- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25).
قوله تعالي: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: بعث النبي صلي اللّه عليه و سلم عبد اللّه بن أنيس مع رجلين أحدهما مهاجر و الآخر من الأنصار فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد اللّه بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام و هرب إلي مكة فنزلت فيه: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ الآية «4».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ الحج، باب: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، عن هشيم بن هاشم، في البخاري: عن هشيم عن أبي هاشم، رقم: 4466، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 212.
(2) النسائي في التفسير 362، و صحيح البخاري برقم 4744.
(3) النيسابوري، 258- 259، و تفسير الطبري، ج 17/ 99، من طريق العوفي و هو ضعيف.
(4) تفسير ابن كثير، ج 3/ 215.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 227
الآية: 27- قوله تعالي: وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلي كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27).
قوله تعالي: وَ عَلي كُلِّ ضامِرٍ الآية. أخرج ابن جرير عن مجاهد قال:
كانوا لا يركبون، فأنزل اللّه: يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلي كُلِّ ضامِرٍ فأمرهم بالزاد و رخص لهم الركوب و المتجر «1».
الآية: 37- قوله تعالي: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوي مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلي ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37).
قوله تعالي: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: كان أهل الجاهلية يضمخون البيت بلحوم الإبل و دمائها، فقال أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم: فنحن أحق أن نضمخ، فأنزل اللّه: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها الآية «2».
الآية: 39- قوله تعالي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39).
قوله تعالي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الآية. أخرج أحمد و الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه عن ابن عباس قال: خرج النبي صلي اللّه عليه و سلم من مكة، فقال أبو بكر: أخرجوا نبيّهم ليهلكنّ، فأنزل اللّه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) «3».
قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فلا يزالون يجيئون من مضروب و مشجوج. فشكوهم إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيقول لهم: «اصبروا، فإني لم أومر بالقتال». حتي هاجر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 186- 187، و تفسير الطبري، ج 17/ 107.
(2) زاد المسير، ج 5/ 434.
(3) السيوطي 187، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 225، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 66، و صححه و أقره الذهبي.
(4) تفسير القرطبي، ج 12/ 68، و زاد المسير، ج 5/ 436.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 228
و قال ابن عباس: لما أخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من مكة قال أبو بكر رضي اللّه عنه:
إنا للّه، لنهلكن. فأنزل اللّه تعالي: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ الآية، قال أبو بكر: فعرفت أنه سيكون قتال «1».
الآية: 52- قوله تعالي: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52).
قوله تعالي: وَ ما أَرْسَلْنا الآية. أخرج ابن أبي حاتم و ابن جرير و ابن المنذر من طريق سعيد بن جبير قال: قرأ النبي صلي اللّه عليه و سلم بمكة وَ النَّجْمِ فلما بلغ: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّي (19) وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْري [سورة النجم، الآيات: 1- 20] ألقي الشيطان علي [مسامعهم تلك الغرانيق العلا، و إن شفاعتهن لترتجي، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد و سجدوا، فنزلت: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ الآية.
و أخرجه البزار و ابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسبه، و قال: لا يروي متصلا إلا بهذا الإسناد. و تفرد بوصله أمية بن خالد و هو ثقة مشهور.
و أخرجه البخاري عن ابن عباس بسند فيه الواقدي و ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، و ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس، و أورده ابن إسحاق في السيرة عن محمد بن كعب و موسي بن عقبة عن ابن شهاب و ابن جرير عن محمد بن قيس و ابن أبي حاتم عن السدي كلهم بمعني واحد، و كلها إما ضعيفة أو منقطعة سوي طريق ابن جبير الأولي «2».
الآية: 60- قوله تعالي:* ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60).
__________________________________________________
(1) النيسابوري 260، و سنن الترمذي برقم 3171.
(2) السيوطي 188، و ما ألقاه الشيطان علي مسامع المشركين هو الذي نسخه اللّه بآياته، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 229، و رواية الغرانيق طعن بثبوتها المحققون من المحدّثين.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 229
قوله تعالي: وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت في سرية بعثها النبي صلي اللّه عليه و سلم فلقوا المشركين لليلتين بقيتا من المحرم، فقال المشركون بعضهم لبعض: قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال في الشهر الحرام، فناشدهم الصحابة و ذكروهم باللّه أن لا يتعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام، فأبي المشركون ذلك و قاتلوهم و بغوا عليهم فقاتلهم المسلمون و نصروا عليهم، فنزلت هذه الآية «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 188- 189، و تفسير القرطبي، ج 12/ 90، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 232.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 230

23- سورة المؤمنون‌

الآية: 1- قوله تعالي: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1).
عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: كان إذا نزل الوحي علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة، فاستقبل القبلة و رفع يديه فقال: «اللهم زدنا و لا تنقصنا، و أكرمنا و لا تهنا، و أعطنا و لا تحرمنا، و آثرنا و لا تؤثر علينا، و ارض عنا».
ثم قال: «لقد أنزلت علينا عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة». ثم قرأ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) إلي عشر آيات «1».
الآية: 2- قوله تعالي: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2).
عن أحمد بن يعقوب الثقفي قال: أخبرنا أبو شعيب الحراني قال: أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كان إذا صلي رفع بصره إلي السماء، فنزل: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) «2».
الآية: 14- قوله تعالي: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14).
عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول اللّه، لو صلينا خلف المقام؟
فأنزل اللّه تعالي: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّي [سورة البقرة، الآية: 125] و قلت: يا رسول اللّه، لو اتخذت علي نسائك حجابا؟ فإنه يدخل عليك البر و الفاجر، فأنزل اللّه تعالي:
__________________________________________________
(1) رواه الحاكم في المستدرك: التفسير، تفسير سورة المؤمنون 2/ 392، و النيسابوري 261، و السيوطي 190، و تفسير القرطبي، ج 12/ 102- 103.
(2) زاد المسير، ج 5/ 460، و تفسير القرطبي، ج 12/ 103.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 231
وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [سورة الأحزاب، الآية: 53]. و قلت لأزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم: لتنتهن أو ليبدلنه اللّه سبحانه أزواجا خيرا منكن، فأنزل اللّه: عَسي رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [سورة التحريم، الآية: 5]. و نزلت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) [سورة المؤمنون، الآية: 12] إلي قوله تعالي: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فقلت: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) «1».
الآية: 67- قوله تعالي: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67).
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تسمر حول الكعبة، و لا تطوف به و يفتخرون به، فأنزل اللّه تعالي: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (67) «2».
الآية: 76- قوله تعالي: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ.
عن يزيد النحوي: أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا محمد، ننشدك اللّه و الرحم، لقد أكلنا العلهز، يعني الوبر بالدم، فأنزل اللّه تعالي: وَ لَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ (76) «3».
و قال ابن عباس: لما أتي ثمامة بن أثال الحنفي إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأسلم و هو أسير، فخلي سبيله، فلحق باليمامة، فحال بين أهل مكة و بين الميرة من يمامة، و أخذ اللّه تعالي قريشا بسني الجدب حتي أكلوا العلهز، فجاء أبو سفيان إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال:
أنشدك اللّه و الرحم، إنك تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ قال: «بلي». فقال: قد قتلت الآباء بالسيف و الأبناء بالجوع، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 261- 262، و زاد المسير، ج 5/ 465، و تفسير القرطبي، ج 12/ 110.
(2) السيوطي 191، و زاد المسير، ج 5/ 482، و تفسير القرطبي، ج 12/ 137.
(3) النسائي في التفسير برقم 372، و الطبراني في معجمه الكبير، ج 11/ 370، برقم 12038، و تفسير القرطبي، ج 12/ 143.
(4) النيسابوري 262، و السيوطي 191، و تفسير الطبري، ج 18/ 34.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 232

24- سورة النور

الآية: 3- قوله تعالي: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً.
قال المفسرون: قدم المهاجرون إلي المدينة و فيهم فقراء ليست لهم أموال، و بالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن، و هن يومئذ أخصب أهل المدينة، فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا: لو أنّا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلي أن يغنينا اللّه تعالي عنهن، فاستأذنوا النبي صلي اللّه عليه و سلم في ذلك فنزلت هذه الآية، و حرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك.
و قال عكرمة: نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة و المدينة، و كن كثيرات، و منهن تسع صواحب رايات، لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها: أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، و أم غليظ جارية صفوان بن أمية، و حية القبطية جارية العاص بن وائل، و مرية جارية بن مالك بن عمثلة بن السباق، و جلالة جارية سهيل بن عمرو، و أم سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي، و شريفة جارية زمعة بن الأسود، و قرينة جارية هشام بن ربيعة، و فرتنا جارية هلال بن أنس. و كانت بيوتهن تسمي في الجاهلية المواخير، لا يدخل عليهن و لا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة، أو مشرك من أهل الأوثان، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن مأكلة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و نهي المؤمنين عن ذلك و حرمه عليهم «1».
الآية: 6- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ.
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: إنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا، فإن تكلم
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 262- 263، و السيوطي، 192- 193، و الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج 5/ 19.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 233
جلدتموه، و إن قتل قتلتموه، و إن سكت سكت علي غيظ، و اللّه لأسألن عنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم. فلما كان من الغد أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسأله، فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت علي غيظ. فقال: «اللهم افتح». و جعل يدعو، فنزلت آية اللعان: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ الآية، فابتلي به الرجل من بين الناس، فجاء هو و امرأته إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات باللّه إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين. فذهبت لتلتعن، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «مه» فلعنت، فلما أدبرت قال: «لعلها أن تجي‌ء به أسود جعدا». فجاءت به أسود جعدا «1».
عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ إلي قوله تعالي: الْفاسِقُونَ (4) [سورة النور، الآية: 4] قال سعد بن عبادة، و هو سيد الأنصار: أ هكذا أنزلت يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أ لا تسمعون يا معشر الأنصار، إلي ما يقول سيدكم». قالوا: يا رسول اللّه، إنه رجل غيور، و اللّه ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، و ما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا علي أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: و اللّه يا رسول اللّه إني لأعلم أنها حق، و أنها من عند اللّه، و لكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه و لا أحركه حتي آتي بأربعة شهداء؟ فو الله إني لا آتي بهم حتي يقضي حاجته. فما لبثوا إلا يسيرا حتي جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا، فوجد عند أهله رجلا، فرأي بعينه و سمع بأذنه، فلم يهيجه حتي أصبح، و غدا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه، إني جئت أهلي عشيا فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني و سمعت بأذني. فكره رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ما جاء به و اشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم هلال بن أمية و يبطل شهادته في المسلمين. فقال هلال: و اللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه لي منها مخرجا، فقال هلال: يا رسول اللّه، إني قد أري ما قد اشتد عليك مما جئتك به، و اللّه يعلم إني لصادق. فو اللّه إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي، و كان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده، فأمسكوا عنه حتي فرغ من
__________________________________________________
(1) رواه مسلم في صحيحه: كتاب اللعان، رقم: 1495، و النيسابوري 265، و مسند أحمد، ج 1/ 448، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 266.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 234
الوحي، فنزلت: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ الآيات كلها، فسري عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «أبشر يا هلال، فقد جعل اللّه لك فرجا و مخرجا». فقال هلال: كنت أرجو ذاك من ربّي .. و ذكر باقي الحديث «1».
الآيات: 11- 15- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ إلي قوله تعالي: وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15).
عن عائشة زوج النبي عليه السلام، حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها اللّه تعالي منه. قال الزهري: و كلهم حدثني طائفة من حديثها، و بعضهم كان أوعي لحديثها من بعض، و أتيت اقتصاصا، و وعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني، و بعض حديثهم يصدق بعضا، ذكروا: أن عائشة رضي اللّه عنها، زوج النبي صلي اللّه عليه و سلم، قالت: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، قالت عائشة رضي اللّه عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و ذاك بعد ما نزلت آية الحجاب، فأنا أحمل في هودجي و أنزل فيه مسيرنا، حتي فرغ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من غزوته و قفل و دنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل و مشيت حتي جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلي الرحل، فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، و أقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه علي بعيري الذي كنت أركب، و هم يحسبون أني فيه. قالت عائشة: و كانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن و لم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه و رفعوه، و كنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل و ساروا، و وجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، و ظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إليّ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، و كان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرّس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأي سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني،
__________________________________________________
(1) البخاري في كتاب التفسير، سورة النور، باب: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ، رقم: 4470، و النيسابوري، 264- 265، و تفسير الطبري، ج 18/ 65، و مسند أحمد، ج 1/ 238، و تفسير القرطبي، ج 12/ 183- 184.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 235
و قد كان يراني قبل أن يضرب عليّ الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، و اللّه ما كلمني بكلمة و لا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتي أناخ راحلته فوطئ علي يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتي أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، و هلك من هلك فيّ.
و كان الذي تولي كبره منهم عبد اللّه بن أبيّ بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمتها شهرا، و الناس يفيضون في قول أهل الإفك و لا أشعر بشي‌ء من ذلك، و يربيني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم اللطف الذي كنت أري منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم». فذلك يحزنني، و لا أشعر بالشر حتي خرجت بعد ما نقهت، و خرجت معي أم مسطح قبل المناصع، و هو متبرزنا، و لا نخرج إلا ليلا إلي ليل، و ذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، و أمرنا أمر العرب الأول في التنزه، و كنا نتأذي بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا و أم مسطح، و هي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، و أمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، و ابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب، فأقبلت أنا و ابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أ تسبين رجلا قد شهد بدرا؟
قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟ قلت: و ما ذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلي مرضي، فلما رجعت إلي بيتي و دخل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم قال:
«كيف تيكم». قلت: تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: و أنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فجئت أبوي فقلت: يا أماه، ما يتحدث الناس؟.
فقالت: يا بنية، هوّني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل- و لها ضرائر- إلا أكثرت عليها. قالت: فقلت: سبحان اللّه، و قد تحدث الناس بهذا؟
قالت: فبكيت تلك الليلة حتي أصبحت، لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، و دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد- حين استلبث الوحي- يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة بن زيد فأشار علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالذي يعلم من براءة أهله و بالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول اللّه، هم أهلك و ما نعلم إلا خيرا. و أما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق اللّه تعالي عليك، و النساء سواها
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 236
كثير، و إن تسأل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بريرة، فقال: يا بريرة، هل رأيت شيئا يريبك من عائشة». قالت بريرة: و الذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فاستعذر من عبد اللّه بن أبيّ بن سلول، فقال و هو علي المنبر: «يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فو اللّه ما علمت علي أهلي إلا خيرا، و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، و ما كان يدخل علي أهلي إلا معي». فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول اللّه، أنا أعذرك منه: إن كان من الأوس ضربت عنقه، و إن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قال: فقام سعد بن عبادة، و هو سيد الخزرج، و كان رجلا صالحا، و لكن احتملته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر اللّه، لا تقتله و لا تقدر علي قتله.
فقام أسيد بن الحضير، و هو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر اللّه لنقتلنه، إنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان من الأوس و الخزرج حتي هموا أن يقتتلوا، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قائم علي المنبر، فلم يزل يخفضهم حتي سكتوا و سكت.
قالت: و بكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم، و أبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي و أنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، و جلست تبكي معي، قالت: فبينا نحن علي ذلك إذ دخل علينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم جلس، و لم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، و قد لبث شهرا لا يوحي إليه في شأني شي‌ء، قالت: فتشهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حين جلس، ثم قال: «أما بعد يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا و كذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللّه، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللّه و توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب، تاب اللّه عليه». قالت: فما قضي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتي ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيما قال. قال: و اللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه. فقلت لأمي: أجيبي رسول اللّه. فقالت: و اللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه.
فقلت، و أنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيرا من القرآن: و اللّه لقد عرفت أنكم سمعتم هذا، و قد استقر في نفوسكم فصدقتم به، و لئن قلت لكم إني بريئة- و اللّه يعلم أني
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 237
بريئة- لا تصدقوني بذلك، و لئن اعترفت لكم بأمر- و اللّه يعلم أني منه بريئة- لتصدقنّي، و اللّه ما أجد لي و لكم مثلا إلا ما قال أبو يوسف: فصبر جميل و اللّه المستعان علي ما تصفون. قالت: ثم تحولت و اضطجعت علي فراشي. قالت: و أنا و اللّه حينئذ أعلم أني بريئة، و أن اللّه مبرئي ببراءتي، و لكن و اللّه ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلي، و لشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اللّه تعالي فيّ بأمر يتلي، و لكني كنت أرجو أن يري رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رؤيا يبرئني اللّه تعالي بها، قالت: فو اللّه ما رام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم منزله، و لا خرج من أهل البيت أحد حتي أنزل اللّه تعالي علي نبيه عليه السلام، و أخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتي إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سري عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سري عنه و هو يضحك «1»، و كان أول كلمة تكلم بها أن قال: «البشري يا عائشة، أما و اللّه لقد برأك اللّه». فقالت لي أمي: قومي إليه. فقلت: و اللّه لا أقوم إليه، و لا أحمد إلا اللّه سبحانه و تعالي، هو الذي برأني. قالت: فأنزل اللّه سبحانه و تعالي: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العشر الآيات، فلما أنزل اللّه تعالي هذه الآية
__________________________________________________
(1) أهل الإفك: الذين افتروا أسوأ الكذب علي أم المؤمنين- رضي اللّه عنها- فرموها بالفاحشة، فبرأها اللّه تعالي مما قالوا. طائفة: قطعة. أوعي: أحفظ و أحسن إيرادا و سردا للحديث.
اقتصاصا: حفظا و تتبعا لأجزائه. قفل: رجع. آذن: أعلم. الرحل: البعير الذي تركب عليه.
جزع ظفار: خرز في سواده بياض كالعروق. الرهط: الرجال المكلفون به، و هم دون العشرة. هودجي: ما يجلس فيه النساء في السفر علي الراحلة. يهبلن: يسمنّ. العلقة: القليل من الطعام الذي يسد الجوع. جارية: بنتا صغيرة. فتيممت: قصدت. عرّس: نزل ليستريح.
فأدلج: سار الليل كله، أو من أوله. باسترجاعه: بقوله إنا للّه و إنا إليه راجعون. فخمرت:
غطيت. بجلبابي: هو الثوب الذي يستر كامل جسم المرأة. موغرين: داخلين. نحر الظهيرة:
وقت اشتداد الحر. هلك: تسبب بالهلاك لنفسه. تولي كبره: اهتم بإشاعته و بدأبه. يفيضون:
يتوسعون في إشاعته. يريبني: يشككني في حصول أمر ما. نقهت: برئت من مرضي.
المناصع: مواضع خارج المدينة، يخرجون إليها لقضاء حاجتهم. متبرزنا: المكان الذي نتبرز فيه. الكنف: جمع كنيف، و هو المكان المعد لقضاء الحاجة. التنزه: البعد عن البيوت لإلقاء الفضلات. مرطها: كسائها الذي تلتحف به. أي هنتاه: يا هذه. وضيئة: جميلة حسنة.
استلبث: أبطأ. أغمصه: انتقصه. الداجن: الحيوانات الأليفة في البيوت. فالق: من فلق إذا شق. ألممت: فعلت ما ليس من عادتك. قلص: انقبض و ارتفع و جف. البرحاء: العرق الشديد. ليتحدر: ينزل و يقطر. الجمان: اللؤلؤ، واحده جمانة. سري: كشف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 238
في براءتي قال الصديق، و كان ينفق علي مسطح لقرابته و فقره: و اللّه لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل اللّه تعالي: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبي إلي قوله: أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [سورة النور، الآية: 22]. فقال أبو بكر: و اللّه إني أحب أن يغفر اللّه لي. فرجع إلي مسطح النفقة التي كانت عليه، و قال:
لا أنزعها منه أبدا «1».
الآية: 16- قوله تعالي: وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا.
عن عروة: أن عائشة رضي اللّه عنها حدثته بحديث الإفك، و قالت فيه: و كان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته و قالت: يا أبا أيوب، أ لم تسمع ما تحدث الناس؟
قال: و ما يتحدثون؟ فأخبرته بقول أهل الإفك، فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم «2». قالت: فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (16) «3».
الآية: 22- قوله تعالي: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبي وَ الْمَساكِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22).
قال أبو بكر: و اللّه إني لأحب أن يغفر اللّه لي، فرجع إلي مسطح ما كان ينفق عليه. و في الباب عن ابن عباس و ابن عمر عند الطبراني و أبي هريرة عند البزار و أبي اليسر عند ابن مردويه «4».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: الشهادات، باب: تعديل النساء بعضهن بعضا، رقم: 2518، و مسلم: التوبة، باب: في حديث الإفك و قبول توبة القاذف، رقم: 2770، و النيسابوري، 265- 270، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 268- 274، و تفسير القرطبي، ج 12/ 195- 206.
(2) بهتان: هو الافتراء و أسوأ الكذب، و أن يقول علي الإنسان ما لم يفعله، فيبهت، أي يدهش لما يسمع.
(3) تفسير الطبري، ج 18/ 77، و زاد المسير، ج 6/ 22.
(4) السيوطي 197، و زاد المسير، ج 6/ 24، و تفسير القرطبي، ج 12/ 207.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 239
الآية: 23- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23).
و أخرج الطبراني عن خصيف قال: قلت لسعيد بن جبير: أيما أشد، الزنا أو القذف؟ قال: الزنا، قلت: إن اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ قال: إنما أنزل هذا في شأن عائشة خاصة، في إسناده يحيي الحماني ضعيف. و أخرج أيضا عن الضحاك بن مزاحم قال: نزلت هذه الآية في نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم خاصة إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ الآية.
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عائشة خاصة.
و أخرج ابن جرير عن عائشة قالت: رميت بما رميت و أنا غافلة فبلغني بعد ذلك فبينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عندي إذ أوحي إليه ثم استوي جالسا فمسح وجهه و قال:
«يا عائشة، أبشري» فقلت: بحمد اللّه لا بحمدك، فقرأ: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ حتي بلغ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ [سورة النور، الآية: 26] «1».
الآية: 26- قوله تعالي: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ (26).
و أخرج الطبراني بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله:
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ. قال: نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان و الفرية فبرأها اللّه من ذلك.
و أخرج الطبراني بسندين فيهما ضعف عن ابن عباس قال: نزلت: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ الآية، للذين قالوا في زوج النبي صلي اللّه عليه و سلم ما قالوا من البهتان.
و أخرج الطبراني عن الحكم بن عتيبة قال: لما خاض الناس في أمر عائشة أرسل
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 18/ 82- 83.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 240
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي عائشة، فقال: «يا عائشة، ما يقول الناس؟ فقالت: لا أعتذر بشي‌ء حتي ينزل عذري من السماء، فأنزل اللّه فيها خمس عشرة آية من سورة النور، ثم قرأ حتي بلغ: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ الآية، مرسل صحيح الإسناد «1».
الآية: 27- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّي تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلي أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27).
قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً الآية. أخرج الفريابي و ابن جرير عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار، فقالت: يا رسول اللّه، إني أكون في بيتي علي حال لا أحب أن يراني عليها أحد و إنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي و أنا علي تلك الحال فكيف أصنع؟ فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّي تَسْتَأْنِسُوا الآية.
و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: لما نزلت آية الاستئذان في البيوت، قال أبو بكر: يا رسول اللّه، فكيف بتجار قريش الذين يختلفون بين مكة و المدينة و الشام و لهم بيوت معلومة علي الطريق فكيف يستأذنون و يسلمون و ليس فيها سكان؟ فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [سورة النور، الآية: 29] «2».
عن محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا قيس، عن أشعث بن سوار، عن ابن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول اللّه، إني أكون في بيتي علي حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد و لا ولد، فيأتي الأب فيدخل عليّ، و إنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي و أنا علي تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت هذه الآية: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّي تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلي أَهْلِها الآية «3».
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه:
يا رسول اللّه، أ فرأيت الخانات «4» و المساكن في طرق الشام، ليس فيها ساكن؟ فأنزل
__________________________________________________
(1) انظر تفسير الطبري، ج 18/ 84- 85، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 278.
(2) السيوطي، 197- 199، و تفسير الطبري، ج 18/ 87- 88.
(3) الدر المنثور، ج 5/ 38.
(4) الخانات: جمع خان، و هو مكان معدّ قديما لمبيت التجار و دوابهم.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 241
اللّه تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ [سورة النور، الآية: 29] «1».
الآية: 31- قوله تعالي: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلي عَوْراتِ النِّساءِ وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31).
قوله تعالي: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا أن جابر بن عبد اللّه حدث أن أسماء بنت مرثد كانت في نخل لها، فجعل النساء يدخلن عليها غير متأزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعني: الخلاخل و تبدو صدورهن و ذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا! فأنزل اللّه في ذلك: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ الآية.
و أخرج ابن جرير عن حضرمي أن امرأة اتخذت صرتين من فضة و اتخذت جزعا، فمرت علي قوم فضربت برجلها فوقع الخلخال علي الجزع فصوّت، فأنزل اللّه تعالي: وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ الآية «2».
الآية: 33- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ.
نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزي يقال له صبيح، سأل مولاه أن يكاتبه فأبي عليه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و كاتبه حويطب علي مائة دينار، و وهب له منها عشرين دينارا، فأداها، و قتل يوم حنين في الحرب «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 272، و زاد المسير في علم التفسير، ج 6/ 77.
(2) السيوطي، 199- 200، و تفسير القرطبي، ج 12/ 238، و انظر تفسير الطبري، ج 18/ 92- 93.
(3) زاد المسير، ج 6/ 37، و الدر المنثور، ج 5/ 45.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 242
قوله تعالي: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَي الْبِغاءِ الآية. عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كان عبد اللّه بن أبيّ يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَي الْبِغاءِ إلي قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) «1».
و قال مقاتل: نزلت في ستّ جوار لعبد اللّه بن أبيّ، كان يكرههن علي الزنا و يأخذ أجورهن، و هن: معاذة و مسيكة و أميمة و عمرة و أروي و قتيلة، فجاءت إحداهن ذات يوم بدينار و جاءت أخري بدونه، فقال لهما: ارجعا فازنيا، فقالتا: و اللّه لا نفعل، قد جاءنا اللّه بالإسلام و حرم الزنا. فأتيا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و شكيتا إليه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 48- قوله تعالي: وَ إِذا دُعُوا إِلَي اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
قال المفسرون: هذه الآية و التي بعدها في بشر المنافق و خصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودي يجره إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليحكم بينهما، و جعل المنافق يجره إلي كعب بن الأشرف و يقول: إن محمدا يحيف علينا «3». و قد مضت هذه القصة في سورة النساء عند قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَي الطَّاغُوتِ [سورة النساء، الآية: 60] «4».
الآية: 55- قوله تعالي: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
روي الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في هذه الآية قال: مكث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحي اللّه إليه، خائفا هو و أصحابه، يدعون إلي اللّه سبحانه سرا و علانية، ثم أمر بالهجرة إلي المدينة، و كانوا بها خائفين، يصبحون في السلاح و يمسون في السلاح، فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللّه، ما يأتي علينا يوم نأمن فيه، و نضع فيه السلاح؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لن تلبثوا إلا يسيرا حتي يجلس الرجل
__________________________________________________
(1) رواه مسلم في صحيحه: التفسير، باب: في قوله تعالي: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَي الْبِغاءِ، رقم: 3029، و النيسابوري 272، و زاد المسير، ج 6/ 38، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 288.
(2) النيسابوري 274، و روي نحوه ابن كثير في تفسيره، ج 3/ 289.
(3) يحيف: يجور، من الحيف و هو الجور و الميل.
(4) انظر سبب نزول الآية 60 من السورة المذكور. الدر المنثور، ج 2/ 179، نحو هذا الخبر.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 243
منكم في الملأ العظيم محتبيا، ليست فيهم حديدة». و أنزل اللّه تعالي: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلي آخر الآية، فأظهر اللّه تعالي نبيه علي جزيرة العرب، فوضعوا السلاح و أمنوا، ثم قبض اللّه تعالي نبيه، فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر و عمر و عثمان رضي اللّه عنهم، حتي وقعوا فيما وقعوا فيه و كفروا النعمة، فأدخل اللّه عليهم الخوف، و غيروا فغير اللّه بهم «1».
عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب قال: لما قدم النبي عليه السلام و أصحابه المدينة، و آوتهم الأنصار، رمتهم العرب عن قوس واحد، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح، و لا يصبحون إلا في لأمتهم، فقالوا: ترون أنّا نعيش حتي نبيت آمنين مطمئنين، لا نخاف إلا اللّه عزّ و جلّ؟ فأنزل اللّه تعالي لنبيه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلي قوله: وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) يعني بالنعمة «2».
الآية: 58- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
قال ابن عباس: وجه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأي عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك، فقال: يا رسول اللّه، وددت لو أن اللّه تعالي أمرنا و نهانا في حال الاستئذان. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و قال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد، كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت كرهته، فأتت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: إنّ خدمنا و غلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها. فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه الآية «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 275، و السيوطي 201، و الدر المنثور، ج 5/ 55، و زاد المسير، ج 6/ 57- 58.
(2) رواه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 401، و انظر تفسير القرطبي، ج 12/ 297- 298.
(3) زاد المسير، ج 6/ 60.
(4) النيسابوري 276، و الدر المنثور، ج 5/ 55.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 244
الآية: 61- قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي حَرَجٌ وَ لا عَلَي الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَي الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلي أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلي أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
قوله تعالي: لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي الآية. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كان الرجل يذهب بالأعمي و الأعرج و المريض إلي بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته، فكانت الزمني يتحرجون من ذلك يقولون: إنما يذهبون بنا إلي بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم: لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي حَرَجٌ الآية «1».
و أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما أنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [سورة النساء، الآية: 29] تحرج المسلمون و قالوا:
الطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك، فنزل: لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي حَرَجٌ إلي قوله: مَفاتِحَهُ الآية.
و أخرج الضحاك قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلي اللّه عليه و سلم لا يخالطهم في طعامهم أعمي و لا مريض و لا أعرج، لأن الأعمي لا يبصر طيب الطعام، و المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح، و الأعرج لا يستطيع المزاحمة علي الطعام، فنزلت رخصة في مؤاكلتهم. و أخرج عن مقسم قال: كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمي و الأعرج فنزلت.
و أخرج الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس قال: خرج الحارث غازيا مع
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 3/ 305.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 245
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم؛ فخلف علي أهله خالد بن زيد فحرج أن يأكل من طعامه و كان مجهودا، فنزل قوله تعالي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الآية.
أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفر مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيدفعون مفاتحهم إلي زمناهم و يقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتم، و كانوا يقولون: إنه لا يحل لنا إنهم أذنوا عن غير طيب نفس، فأنزل اللّه:
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ إلي قوله: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ.
و أخرج ابن جرير عن الزهري أنه سئل عن قوله: لَيْسَ عَلَي الْأَعْمي حَرَجٌ ما بال الأعمي و الأعرج و المريض ذكروا هنا؟ فقال: أخبرني عبد اللّه بن عبد اللّه قال: إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، و كانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم و يقولون:
قد أحللنا لكم أن تأكلوا بما في بيوتنا، و كانوا يتحرجون من ذلك، و يقولون: لا ندخلها و هم غيب، فأنزل اللّه هذه الآية رخصة لهم.
و أخرج عن قتادة قال: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً في حي من العرب كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده، و كان يحمله بعض يوم حتي يجد من يأكله معه.
و أخرج عن عكرمة و أبي صالح قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتي يأكل الضيف معهم، فنزلت رخصة لهم «1».
قال ابن عباس: لما أنزل اللّه تبارك و تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [سورة البقرة، الآية: 188] تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضي و الزمني و العرج، و قالوا:
الطعام أفضل الأموال، و قد نهي اللّه تعالي عن أكل المال بالباطل، و الأعمي لا يبصر موضع الطعام الطيب، و المريض لا يستوفي الطعام. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
و قال سعيد بن جبير و الضحاك: كان العرجان و العميان يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذرونهم و يكرهون مؤاكلتهم، و كان أهل المدينة لا يخالطهم
__________________________________________________
(1) السيوطي، 202- 203، و تفسير الطبري، ج 18/ 128- 130، و انظر تفسير القرطبي، ج 12/ 312- 313.
(2) تفسير الطبري، ج 18/ 128.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 246
في طعامهم أعمي و لا أعرج و لا مريض تقذرا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و قال مجاهد: نزلت هذه الآية ترخيصا للمرضي و الزمني في الأكل من بيوت من سمي اللّه تعالي في هذه الآية، و ذلك أن قوما من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلي بيوت آبائهم و أمهاتهم، أو بعض من سمي اللّه تعالي في هذه الآية، و كان أهل الزمانة يتحرجون من أن يطعموا ذلك الطعام، لأنه أطعمهم غير مالكيه، و يقولون: إنما يذهبون بنا إلي بيوت غيرهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 62- قوله تعالي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلي أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّي يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62).
قوله تعالي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الآية. أخرج ابن إسحاق و البيهقي في الدلائل عن عروة و محمد بن كعب القرظي و غيرهما قالوا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة بئر بالمدينة، قائدها أبو سفيان و أقبلت غطفان حتي نزلوا بنقمي إلي جانب أحد، و جاء رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الخبر، فضرب الخندق علي المدينة و عمل فيه و عمل المسلمون فيه، و أبطأ رجال من المنافقين و جعلوا يأتون بالضعيف من العمل فيتسللون إلي أهليهم بغير علم من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و لا إذن، و جعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها. يذكر ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و يستأذنه في اللحوق لحاجته فيأذن له، و إذا قضي حاجته رجع، فأنزل اللّه في أولئك المؤمنين:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلي أَمْرٍ جامِعٍ إلي قوله: وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ (64) [سورة النور، الآية: 64] «3».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 18/ 128.
(2) النيسابوري، 276- 277، و تفسير الطبري، ج 18/ 129.
(3) تفسير القرطبي، ج 12/ 321.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 247
الآية: 63- قوله تعالي: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63).
قوله تعالي: لا تَجْعَلُوا الآية. أخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فأنزل اللّه: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً فقالوا: يا نبي اللّه، يا رسول اللّه «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 204، و زاد المسير، ج 6/ 68، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 306- 307.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 248

25- سورة الفرقان‌

الآية: 10- قوله تعالي: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10).
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن خيثمة قال: قيل للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض و خزائنها لا ينقصك ذلك عندنا شيئا في الآخرة، و إن شئت جمعتهما لك في الآخرة قال: «بل اجمعهما لي في الآخرة» فنزلت:
تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ الآية «1».
عن محمد بن حميد بن فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال «2»: لما عير المشركون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالفاقة قالوا:
ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق؟ حزن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزيا له، فقال: السلام عليك يا رسول اللّه، رب العزة يقرئك السلام، و يقول لك: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [سورة الفرقان، الآية: 20] أي: يبتغون المعاش في الدنيا «3».
الآية: 20- قوله تعالي: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20).
و أخرج الواحدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما عير
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 18/ 140.
(2) النيسابوري 278، و السيوطي 205.
(3) الدر المنثور، ج 5/ 63، و في إسناده جويبر و هو متروك.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 249
المشركون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالفاقة و قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق؟ حزن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فنزل: وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ الآية.
و أخرج ابن جرير نحوه من طريق سعيد و عكرمة عن ابن عباس «1».
الآية: 27- قوله تعالي: وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلي يَدَيْهِ.
قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني: كان أبيّ بن خلف يحضر النبي صلي اللّه عليه و سلم و يجالسه و يستمع إلي كلامه من غير أن يؤمن به، فزجره عقبة ابن أبي معيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية «2».
و قال الشعبي: و كان عقبة خليلا لأمية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية:
وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا عليه السلام. و كفر و ارتد لرضا أمية، فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه الآية «3».
و قال آخرون: إن أبيّ بن خلف و عقبة بن أبي معيط كانا متحالفين، و كان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه، و كان يكثر مجالسة النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما، فدعا الناس و دعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي طعامه، فلما قرب الطعام قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما أنا بآكل من طعامك حتي تشهد أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه». فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه. فأكل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من طعامه، و كان أبيّ بن خلف غائبا، فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة، فقال: و اللّه ما صبأت، و لكن دخل عليّ رجل فأبي أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحيت أن يخرج من بيتي و لم يطعم، فشهدت فطعم. فقال أبيّ: ما أنا بالذي رضي منك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه و تطأ عنقه. ففعل ذلك عقبة، فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت
__________________________________________________
(1) السيوطي، 205- 206، و في إسناد الرواية الأولي جويبر، و هو متروك، و الرواية الثانية عند الطبري في تفسيره، ج 18/ 145.
(2) تفسير الطبري، ج 19/ 6، و زاد المسير، ج 6/ 85، و الدر المنثور، ج 5/ 68.
(3) تفسير القرطبي، ج 13/ 25.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 250
رأسك بالسيف» فقتل عقبة يوم بدر صبرا. و أما أبيّ بن خلف فقتله النبي صلي اللّه عليه و سلم يوم أحد في المبارزة، فأنزل اللّه تعالي فيهما هذه الآية «1».
و قال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين، فأحرق خديه، و كان أثر ذلك فيه حتي الموت «2».
الآية: 32- قوله تعالي: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32).
أخرج ابن أبي حاتم، و الحاكم و صححه، و الضياء في المختارة عن ابن عباس قال: قال المشركون: إن كان محمد كما يزعم نبيا فلم يعذّبه ربّه؟
أ لا ينزل عليه القرآن جملة واحدة، فينزل عليه الآية و الآيتين؟ فأنزل اللّه:
وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) «3».
الآية: 68- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ.
عن سعيد بن جبير، سمعه يحدث عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، و زنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا عليه السلام فقالوا: إن الذي تقول و تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أنا لما عملنا كفارة؟ فنزلت: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآيات، إلي قوله: غَفُوراً رَحِيماً (70) [سورة الفرقان، الآية: 70] «4».
عن أبي ميسرة، عن عبد اللّه بن مسعود قال: سألت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل للّه ندا و هو خلقك». قال: قلت: ثم أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك». قال: قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك». فأنزل اللّه
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 19/ 6.
(2) النيسابوري، 279- 280، و الدر المنثور، ج 5/ 69.
(3) السيوطي 206، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 317، و تفسير القرطبي، ج 13/ 28- 29.
(4) رواه مسلم في صحيحه: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله و كذا الهجرة و الحج، رقم: 122، و زاد المسير، ج 6/ 103.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 251
تعالي تصديقا لذلك: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ «1».
عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: أتي وحشي إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال:
يا محمد، أتيتك مستجيرا، فأجرني حتي أسمع كلام اللّه. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «قد كنت أحب أن أراك علي غير جوار، فأما إذ أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتي تسمع كلام اللّه». قال: فإني أشركت باللّه، و قتلت النفس التي حرم اللّه تعالي، و زنيت، هل يقبل اللّه مني توبة؟ فصمت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي نزل: وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ إلي آخر الآية، فتلاها عليه، فقال: أري شرطا، فلعلي لا أعمل صالحا، أنا في جوارك حتي أسمع كلام اللّه.
فنزلت: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [سورة النساء، الآية: 48] فدعا به فتلاها عليه، فقال: و لعلي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتي أسمع كلام اللّه.
فنزلت:* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [سورة الزمر، الآية: 53]. فقال: نعم الآن لا أري شرطا، فأسلم «2».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ البقرة، باب: قوله تعالي:
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، رقم: 4207، و مسلم: الإيمان، باب: كون الشرك أقبح الذنوب و بيان أعظمها بعده، رقم: 86، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 326.
(2) النيسابوري، 280- 281، و السيوطي، 206- 207، و زاد المسير، ج 6/ 104، و رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم 11480، و في مجمع الزوائد، ج 7/ 101، و قال: فيه أبين بن سفين، ضعفه الذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 252

26- سورة الشعراء

الآية: 205- قوله تعالي: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205).
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جهضم قال: رؤي النبي صلي اللّه عليه و سلم كأنه متحير فسألوه عن ذلك، فقال: «و لم؟ و رأيت عدوي يكون من أمتي بعدي»، فنزلت: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْني عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) [سورة الشعراء، الآيات: 205- 207] فطابت نفسه «1».
الآية: 214- قوله تعالي: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214).
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) بدأ بأهل بيته و فصيلته فشق ذلك علي المسلمين، فأنزل اللّه: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) [سورة الشعراء، الآية: 215] «2».
الآية: 224- قوله تعالي: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224).
و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: تهاجي رجلان علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أحدهما من الأنصار، و الآخر من قوم آخرين، و كان مع كل واحد منهما غواة من قومه و هم السفهاء، فأنزل اللّه: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) «3» الآيات.
و أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه، و أخرج عن عروة قال: لما نزلت:
وَ الشُّعَراءُ إلي قوله تعالي: ما لا يَفْعَلُونَ (226) [سورة الشعراء، الآية: 226] قال
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 208، و انظر تفسير الطبري، ج 19/ 71.
(2) تفسير الطبري، ج 19/ 75.
(3) تفسير الطبري، ج 19/ 78.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 253
عبد اللّه بن رواحة: قد علم اللّه أني منهم، فأنزل اللّه: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [سورة الشعراء، الآية: 227] إلي آخر السورة.
و أخرج ابن جرير و الحاكم عن أبي حسن البراد قال: لما نزلت: وَ الشُّعَراءُ الآية، جاء عبد اللّه بن رواحة و كعب بن مالك و حسان بن ثابت، فقالوا: يا رسول اللّه، و اللّه لقد أنزل اللّه هذه الآية و هو يعلم أنا شعراء، هلكنا، فأنزل اللّه: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، فدعاهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فتلاها عليهم «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 208- 209، و زاد المسير، ج 6/ 151، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 355.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 254

28- سورة القصص‌

الآية: 51- قوله تعالي:* وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51).
أخرج ابن جرير و الطبراني عن رفاعة القرظي، قال: نزلت [هذه الآية] في عشرة أنا أحدهم «1».
و أخرج ابن جرير عن علي بن رفاعة قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب، منهم رفاعة، يعني أباه، إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فآمنوا، فأوذوا، فنزلت: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ [سورة القصص، الآية: 52]. و أخرج عن قتادة قال: كنا نحدّث أنها نزلت في أناس من أهل الكتاب كانوا علي الحق حتي بعث اللّه محمدا صلي اللّه عليه و سلم فآمنوا، منهم عثمان و عبد اللّه بن سلام «2».
الآية: 52- قوله تعالي: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52).
قال الضحاك: ناس من أهل الكتاب آمنوا بالتوراة و الإنجيل ثم أدركوا محمدا صلي اللّه عليه و سلم فآمنوا به، فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين بما صبروا بإيمانهم بمحمد صلي اللّه عليه و سلم قبل أن يبعث، و باتباعهم إيّاه حين بعث «3».
الآية: 56- قوله تعالي: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ.
عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل و عبد اللّه بن أبي أمية، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا عم، قل لا إله إلا اللّه، كلمة أحاج لك بها عند اللّه سبحانه و تعالي». فقال أبو جهل و عبد اللّه
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 281- 282.
(2) السيوطي، 210- 211، و تفسير الطبري، ج 20/ 56- 57.
(3) تفسير الطبري، ج 20/ 57.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 255
ابن أبي أمية: أ ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يعرضها عليه و يعاودانه بتلك المقالة حتي قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: أنا علي ملة عبد المطلب.
و أبي أن يقول لا إله إلا اللّه، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «و اللّه لأستغفرن لك ما لم أنه عنك».
فأنزل اللّه عزّ و جلّ: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبي [سورة التوبة، الآية: 113]. و أنزل في أبي طالب: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «1».
عن يزيد بن كيسان قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لعمه: «قل لا إله إلا اللّه أشهد لك بها يوم القيامة». قال: لو لا أن تعيرني نساء قريش، يقلن إنه حمله علي ذلك الجزع، لأقررت بها عينك. فأنزل اللّه تعالي: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ «2».
الآية: 57- قوله تعالي: وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدي مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا.
نزلت في الحارث بن عثمان بن عبد مناف، و ذلك أنه قال للنبي صلي اللّه عليه و سلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، و لكن يمنعنا من اتباعك أن العرب تخطفنا من أرضنا، لإجماعهم علي خلافنا، و لا طاقة لنا بهم. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
الآية: 61- قوله تعالي: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ.
عن شعبة، عن أبان، عن مجاهد، في هذه الآية قال: نزلت في علي و حمزة و أبي جهل.
و قال السدي: نزلت في عمار و الوليد بن المغيرة.
__________________________________________________
(1) رواه البخاري و مسلم في صحيحهما: البخاري: التفسير/ القصص، رقم: 4494، و مسلم:
الإيمان، باب: الدليل علي صحة إسلام من حضره الموت، رقم: 24، و تفسير زاد المسير، ج 6/ 231، و تفسير القرطبي، ج 13/ 299، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 394.
(2) مسلم: الإيمان، باب: صحة إسلام من حضره الموت، رقم: 25، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 395.
(3) زاد المسير، ج 6/ 232، و تفسير القرطبي، ج 13/ 300، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 395.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 256
و قيل: نزلت في النبي صلي اللّه عليه و سلم و أبي جهل «1».
الآية: 68- قوله تعالي: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ.
قال أهل التفسير: نزلت جوابا للوليد بن المغيرة، حين قال فيما أخبر اللّه تعالي:
إنه لا يبعث الرسل باختياره «2».
الآية: 85- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدي وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85).
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: لما خرج النبي صلي اللّه عليه و سلم فبلغ الجحفة اشتاق إلي مكة، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلي مَعادٍ «3».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 234، و تفسير الطبري، ج 20/ 97، و تفسير القرطبي، ج 13/ 303، و الدر المنثور، ج 5/ 135.
(2) النيسابوري، 282- 283، و زاد المسير، ج 6/ 237، و تفسير القرطبي، ج 13/ 305.
(3) السيوطي، 211- 212، و زاد المسير، ج 6/ 249، و تفسير القرطبي، ج 13/ 321، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 402.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 257

29- سورة العنكبوت‌

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: الم (1) أَ حَسِبَ النَّاسُ.
قال الشعبي: نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم من المدينة: إنه لا يقبل منكم إقرار و لا إسلام حتي تهاجروا.
فخرجوا عامدين إلي المدينة، فأتبعهم المشركون فآذوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، و كتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذا و كذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه.
فخرجوا، فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل و منهم من نجا، فأنزل اللّه تعالي فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا [سورة النحل، الآية: 110] «1».
و قال مقاتل: نزلت في مهجع مولي عمر بن الخطاب، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر، رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «سيد الشهداء مهجع، و هو أول من يدعي إلي باب الجنة من هذه الأمة». فجزع عليه أبواه و امرأته، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية، و أخبر أنه لا بد لهم من البلاء و المشقة في ذات اللّه تعالي «2».
الآية: 8- قوله تعالي: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي.
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص، و ذاك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة: يا سعد، بلغني أنك صبوت، فو اللّه لا يظلني سقف بيت من الضح و الريح، و لا آكل و لا أشرب حتي تكفر بمحمد- عليه السلام- و ترجع إلي ما كنت عليه. و كان أحب ولدها إليها، فأبي سعد، فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل و لم تشرب و لم تستظل
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 254، و الدر المنثور، ج 6/ 254.
(2) زاد المسير، ج 6/ 254.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 258
بظل حتي غشي عليها، فأتي سعد النبي صلي اللّه عليه و سلم و شكا ذلك إليه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و التي في لقمان [14] و الأحقاف [15] «1».
عن سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد ابن أبي وقاص، عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية فيّ، قال: حلفت أم سعد لا تكلم أبدا حتي يكفر بدينه، و لا تأكل و لا تشرب، و مكثت ثلاثة أيام حتي غشي عليها من الجهد، فأنزل اللّه تعالي: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً «2».
قوله تعالي: وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي الآية. عن مسلمة بن علقمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي: أن سعد بن مالك قال: أنزلت فيّ هذه الآية: وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما قال: كنت رجلا برا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل و لا أشرب حتي أموت، فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قلت: لا تفعلي يا أماه، فإني لا أدع ديني هذا لشي‌ء. قال: فمكثت يوما لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، قال: فمكثت يوما آخر و ليلة لا تأكل، فأصبحت و قد اشتد جهدها، قال:
فلما رأيت ذلك قلت: تعلمين و اللّه يا أماه، لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني هذا لشي‌ء، إن شئت فكلي و إن شئت فلا تأكلي. فلما رأت ذلك أكلت، فأنزلت هذه الآية: وَ إِنْ جاهَداكَ الآية «3».
الآية: 10- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ.
قال مجاهد: نزلت في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم، فإذا أصابهم بلاء من اللّه و مصيبة في أنفسهم افتتنوا «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 257، و تفسير القرطبي، ج 13/ 328، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 405.
(2) رواه مسلم في صحيحه: فضائل الصحابة، باب: في فضل سعد ابن أبي وقاص رضي اللّه عنه، رقم الحديث في الكتاب: 43، و النيسابوري 285.
(3) النيسابوري 285، و السيوطي 214، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 405، و زاد المسير، ج 6/ 257، و الدر المنثور، ج 5/ 165.
(4) تفسير الطبري، ج 20/ 80- 81، و زاد المسير، ج 6/ 259.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 259
و قال الضحاك: نزلت في أناس من المنافقين بمكة، كانوا يؤمنون، فإذا أوذوا رجعوا إلي الشرك «1».
و قال عكرمة، عن ابن عباس: نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون عن الدين، فارتدوا و هم الذين نزلت فيهم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [سورة النساء، الآية: 97] «2».
الآية: 51- قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلي عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْري لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51).
قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ الآية. أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و الدارمي في مسنده من طريق عمرو بن دينار عن يحيي بن جعدة قال: جاء أناس من المسلمين بكتب قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «كفي بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلي ما جاء به غيره إلي غيرهم»، فنزلت: أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلي عَلَيْهِمْ «3».
الآية: 60- قوله تعالي: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا.
عن الزهري، عن عبد الرحيم بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلقط من التمر و يأكل، فقال: يا ابن عمر، ما لك لا تأكل». فقلت: لا أشتهيه يا رسول اللّه، فقال: «لكني أشتهيه، و هذه صبيحة رابعة ما ذقت طعاما، و لو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسري و قيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم، و يضعف اليقين؟». قال: فو اللّه ما برحنا حتي نزلت: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) «4».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 259.
(2) زاد المسير، ج 6/ 258، و انظر تفسير ابن كثير، ج 3/ 405.
(3) السيوطي 214، و تفسير الطبري، ج 21/ 6، و زاد المسير، ج 6/ 279.
(4) النيسابوري 286، و تفسير القرطبي، ج 13/ 359.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 260
قوله تعالي: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ الآية. أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم و البيهقي و ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي دخل بعض حيطان المدينة فجعل يلتقط من التمر و يأكل، فقال لي: «يا ابن عمر، ما لك لا تأكل؟» قلت: لا أشتهيه، قال: «لكني أشتهيه و هذا صبح رابعة منذ لم أذق طعاما و لم أجده، و لو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسري و قيصر، فكيف بك يا ابن عمر إذا لقيت قوما يخبئون رزق سنتهم و يضعف اليقين؟» قال: فو اللّه ما برحنا و لا رمنا حتي نزلت: وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60). فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه لم يأمرني بكنز الدنيا و لا باتباع الشهوات، ألا و إني لا أكثر دينارا و لا درهما و لا أخبئ رزقا لغد «1».
الآية: 67- قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67).
قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَرَوْا الآية. أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنهم قالوا: يا محمد، ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلّتنا و الأعراب أكثر منا، فمتي ما يبلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكنا أكلة رأس، فأنزل اللّه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 214- 215، و الدر المنثور، ج 5/ 149، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 420، و قال ابن كثير: و هذا حديث غريب ضعيف.
(2) السيوطي 215، و تفسير القرطبي، ج 13/ 300، و جويبر ضعيف جدا، و هو متروك.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 261

30- سورة الروم‌

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2).
أخرج الترمذي عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم علي فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) إلي قوله: بِنَصْرِ اللَّهِ [سورة الروم، الآية: 5] يعني: بفتح الغين «1». و أخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه.
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين و هم بمكة قبل أن يخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فيقولون: الروم يشهدون أنهم أهل كتاب و قد غلبتهم المجوس و أنتم تزعمون أنكم ستغلبوننا بالكتاب الذي أنزل علي نبيكم، فكيف غلب المجوس الروم و هم أهل كتاب؟ فسنغلبكم كما غلب فارس الروم، فأنزل اللّه: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2).
و أخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة و يحيي بن يعمر و قتادة، فالرواية الأولي علي قراءة غلبت بالفتح، لأنها نزلت يوم غلبهم يوم بدر، و الثانية علي قراءة الضم، فيكون معناه: و هم من بعد غلبهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتي يصح معني الكلام، و إلا لم يكن له كبير معني «2».
قال المفسرون: بعث كسري جيشا إلي الروم، و استعمل عليهم رجلا يسمي شهريران، فسار إلي الروم بأهل فارس و ظهر عليهم، فقتلهم و خرب مدائنهم و قطع زيتونهم، و كان قيصر بعث رجلا يدعي يحنس، فالتقي مع شهريران بأذرعات و بصري، و هي أدني الشام إلي أرض العرب، فغلب فارس الروم، و بلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه بمكة، فشق ذلك عليهم، و كان النبي صلي اللّه عليه و سلم يكره أن يظهر الأميون من أهل المجوس علي أهل الكتاب من الروم، و فرح كفار مكة و شمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: إنكم
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 2935.
(2) السيوطي 216، و تفسير الطبري، ج 21/ 11- 13.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 262
أهل كتاب و النصاري أهل كتاب، و نحن أميون، و قد ظهر إخواننا من أهل فارس علي إخوانكم من الروم، و إنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم. فأنزل اللّه تعالي: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَي الْأَرْضِ إلي آخر الآيات «1».
الآية: 27- قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلي فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27).
و أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: تعجب الكفار من إحياء اللّه الموتي، فنزلت: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ «2».
الآية: 28- قوله تعالي: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28).
و أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك، فأنزل اللّه: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ الآية.
و أخرج جويبر مثله عن داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 287، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 422- 425، و تفسير القرطبي، ج 14/ 1- 4.
(2) انظر تفسير القرطبي، ج 14/ 20- 22.
(3) السيوطي 217، و تفسير القرطبي، ج 14/ 23.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 263

31- سورة لقمان‌

الآية: 6- قوله تعالي: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ.
قال الكلبي و مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث، و ذلك أنه كان يخرج تاجرا إلي فارس، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها و يحدث بها قريشا، و يقول لهم: إن محمدا- عليه السلام- يحدثكم بحديث عاد و ثمود، و أنا أحدثكم بحديث رستم و إسفنديار و أخبار الأكاسرة. فيستملحون حديثه و يتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية «1».
و عن عبيد اللّه بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لا يحل تعليم المغنيات و لا بيعهن، و أثمانهن حرام». و في مثل هذا نزلت هذه الآية: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إلي آخر الآية، «و ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث اللّه تعالي عليه شيطانين: أحدهما علي هذا المنكب و الآخر علي هذا المنكب، فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتي يكون هو الذي يسكت» «2».
و قال ثور بن أبي فاختة، عن أبيه، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشتري جارية تغنيه ليلا و نهارا «3».
الآية: 15- قوله تعالي: وَ إِنْ جاهَداكَ عَلي أَنْ تُشْرِكَ بِي إلي قوله: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ.
قوله تعالي: وَ إِنْ جاهَداكَ عَلي أَنْ تُشْرِكَ بِي الآية. نزلت في سعد ابن أبي وقاص، علي ما ذكرناه في سورة العنكبوت الآية 8.
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 315.
(2) تفسير الطبري، ج 21/ 39- 41.
(3) انظر تفسير القرطبي، ج 14/ 51- 53.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 264
قوله تعالي: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ الآية. نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه «1».
قال عطاء، عن ابن عباس: يريد أبا بكر، و ذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن ابن عوف و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد و عثمان و طلحة و الزبير، فقالوا لأبي بكر رضي اللّه عنه: آمنت و صدقت محمدا- عليه السلام-؟ فقال أبو بكر: نعم، فأتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فآمنوا و صدقوا، فأنزل اللّه تعالي يقول لسعد: وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعني أبا بكر رضي اللّه عنه «2».
الآية: 27- قوله تعالي: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ.
قال المفسرون: سألت اليهود رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عن الروح، فأنزل اللّه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) [سورة الإسراء، الآية: 85]. فلما هاجر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد، بلغنا عنك أنك تقول: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) أ فتعنينا أم قومك؟ فقال: «كلّا قد عنيت».
قالوا: أ لست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة، و فيها علم كل شي‌ء؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «هي في علم اللّه سبحانه قليل، و لقد آتاكم اللّه تعالي ما إن عملتم به انتفعتم به». فقالوا: يا محمد، كيف تزعم هذا و أنت تقول: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [سورة البقرة، الآية: 269]، و كيف يجتمع هذا: علم قليل و خير كثير؟ فأنزل اللّه تعالي: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآية «3».
الآية: 34- قوله تعالي: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.
نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية، أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فسأله عن الساعة و وقتها، و قال: إن أرضنا أجدبت، فمتي ينزل الغيث؟
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 14/ 66.
(2) انظر زاد المسير، ج 6/ 320، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 445.
(3) انظر تفسير الطبري، ج 21/ 50- 51، و تفسير القرطبي، ج 14/ 76- 77، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 451.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 265
و تركت امرأتي حبلي، فما ذا تلد؟ و قد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن سفيان الثوري، عن عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «مفاتيح الغيب خمسة، لا يعلمهم إلا اللّه تعالي: لا يعلم متي تقوم الساعة إلا اللّه، و لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا اللّه «2»، و لا يعلم ما في غد إلا اللّه، و لا يعلم بأي أرض تموت إلا اللّه، و لا يعلم متي ينزل الغيث إلا اللّه» «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 289، و السيوطي 219، و تفسير الطبري، ج 21/ 55، و زاد المسير، ج 6/ 329- 330، و الدر المنثور، ج 5/ 169.
(2) مفاتيح: خزائن اللّه تعالي. تغيض: تنقص.
(3) رواه البخاري في صحيحه: الاستسقاء، باب: لا يدري متي يجي‌ء المطر إلا اللّه، رقم: 992، و النيسابوري 290، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 453- 454.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 266

32- سورة السجدة

الآية: 16- قوله تعالي: تَتَجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ.
قال مالك بن دينار: سألت أنس بن مالك عن هذه الآية: فيمن نزلت؟ فقال:
كان أناس من أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يصلون من المغرب إلي صلاة العشاء الآخرة، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية «1».
عن إسماعيل بن عيسي قال: أخبرنا المسيب، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: فينا نزلت معاشر الأنصار: تَتَجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ، كنا نصلي المغرب، فلا نرجع إلي رحالنا حتي نصلي العشاء مع النبي صلي اللّه عليه و سلم «2».
و قال الحسن و مجاهد: نزلت في المتهجدين الذين يقومون الليل إلي الصلاة.
و يدل علي صحة هذا ما رواه الأعمش، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل قال: بينما نحن مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في غزوة تبوك، و قد أصابنا الحر فتفرق القوم، فنظرت فإذا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أقربهم مني، فقلت: يا رسول اللّه، أنبئني بعمل يدخلني الجنة و يباعدني من النار؟ قال: «لقد سألت عن عظيم، و إنه ليسير علي من يسره اللّه تعالي عليه: تعبد اللّه و لا تشرك به شيئا، و تقيم الصلاة المكتوبة، و تؤدي الزكاة المفروضة، و تصوم رمضان. و إن شئت أنبأتك بأبواب الخير». فقال: قلت:
أجل يا رسول اللّه. قال: «الصوم جنّة، و الصدقة تكفّر الخطيئة، و قيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه اللّه تعالي». قال: ثم قرأ هذه الآية: تَتَجافي جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ «3».
__________________________________________________
(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج 5/ 175، و زاد المسير، ج 6/ 337- 338.
(2) النيسابوري 291، و السيوطي 220، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 459.
(3) النيسابوري 292، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 412- 413، و صححه و أقره الذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 267
الآية: 18- قوله تعالي: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً.
نزلت في علي بن أبي طالب و الوليد بن عقبة.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي ابن أبي طالب رضي اللّه عنه: أنا أحدّ منك سنانا، و أبسط منك لسانا، و أملأ للكتيبة منك. فقال له علي: اسكت، فإنما أنت فاسق، فنزل: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18).
قال: يعني بالمؤمن عليا و بالفاسق الوليد بن عقبة «1».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 292، و السيوطي 221، و الدر المنثور، ج 5/ 177، و تفسير القرطبي، ج 14/ 105.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 268

33- سورة الأحزاب‌

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (1).
أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة و شيبة بن ربيعة دعوا النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يرجع عن قوله علي أن يعطوه شطر أموالهم، و خوّفه المنافقون و اليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ «1».
قال النيسابوري: نزلت في أبي سفيان و عكرمة بن أبي جهل و أبي الأعور السلمي، قدموا المدينة بعد قتال أحد، فنزلوا علي عبد اللّه بن أبيّ، و قد أعطاهم النبي صلي اللّه عليه و سلم الأمان علي أن يكلموه، فقام معهم عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح و طعمة بن أبيرق، فقالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم، و عنده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات و العزي و منات، و قل إن لها شفاعة و منفعة لمن عبدها، و ندعك و ربك. فشق علي النبي صلي اللّه عليه و سلم قولهم، فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ائذن لنا يا رسول اللّه في قتلهم. فقال:
«إني قد أعطيتهم الأمان». فقال عمر: اخرجوا في لعنة اللّه و غضبه. فأمر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يخرجهم من المدينة، فأنزل اللّه عزّ و جلّ هذه الآية «2».
الآية: 4- قوله تعالي: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4).
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي، 220- 221، و في سنده جويبر متروك.
(2) أسباب النزول للنيسابوري 292، و قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف 132: ذكره بغير سند.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 269
قوله تعالي: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ الآية. أخرج الترمذي و حسّنه، عن ابن عباس قال: قام النبي صلي اللّه عليه و سلم يوما يصلي فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه: أ لا تري أن له قلبين، قلبا معكم، و قلبا معه، فأنزل اللّه: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «1».
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق خصيف عن سعيد بن جبير و مجاهد و عكرمة قالوا: كان رجل يدعي ذا القلبين، فنزلت.
و أخرج ابن جرير من طريق قتادة عن الحسن مثله، و زاد و كان يقول: لي نفس تأمرني و نفس تنهاني. و أخرج من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نزلت في رجل من بني فهم قال: إن في جوفي لقلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد.
و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في رجل من قريش من بني جمح يقال له: جميل بن معمر «2».
قال النيسابوري: نزلت في جميل بن معمر الفهري، و كان رجلا لبيبا حافظا لما سمع، فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا و له قلبان. و كان يقول: إنّ لي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد- عليه السلام- فلما كان يوم بدر و هزم المشركون، و فيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقاه أبو سفيان و هو معلق إحدي نعليه بيده و الأخري في رجله، فقال له: يا أبا معمر، ما حال الناس؟ قال: انهزموا. قال:
فما بالك إحدي نعليك في يدك و الأخري في رجلك؟ قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي. و عرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده «3».
قوله تعالي: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الآية. نزلت في زيد بن حارثة، كان عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأعتقه و تبناه قبل الوحي، فلما تزوج النبي عليه السلام زينب بنت جحش، و كانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود و المنافقون: تزوج محمد- عليه
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 3199.
(2) السيوطي، 222- 223، و تفسير الطبري، ج 21/ 75، و زاد المسير، ج 6/ 348- 349.
(3) تفسير القرطبي، ج 14/ 116، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 466.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 270
السلام- امرأة ابنه، و هو ينهي الناس عنها. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن قتيبة بن سعيد قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسي بن عقبة، عن سالم، عن عبد اللّه، يزعم أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتي نزلت في القرآن: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [سورة الأحزاب، الآية: 5] «2».
الآية: 5- قوله تعالي: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5).
قوله تعالي: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ الآية. أخرج البخاري عن ابن عمر قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتي نزل في القرآن: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ «3».
الآية: 9- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9).
أخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة قال: لقد رأيتنا ليلة الأحزاب و نحن صافون قعودا و أبو سفيان و من معه من الأحزاب فوقنا و قريظة أسفل منّا نخافهم علي ذرارينا؛ و ما أتت قط علينا ليلة أشد ظلمة و لا أشد ريحا منها فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلي اللّه عليه و سلم يقولون: إن بيوتنا عورة و ما هي بعورة فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيتسللون إذا استقبلنا النبي صلي اللّه عليه و سلم رجلا رجلا حتي أتي عليّ، فقال: ائتني بخبر القوم
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 292- 293، و السيوطي 223، و الدر المنثور، ج 5/ 181، و تفسير القرطبي، ج 14/ 118.
(2) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ الأحزاب، باب: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، رقم: 4504، و النيسابوري 293، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 466.
(3) صحيح البخاري برقم 4504، و الدر المنثور، ج 5/ 181، و سنن الترمذي برقم 3209، و قال: هذا حديث حسن صحيح.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 271
فجئت فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم و فرشهم الريح تضربهم بها و هم يقولون: الرحيل الرحيل، فجئت فأخبرته خبر القوم، و أنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ الآية «1».
الآية: 12- قوله تعالي: وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12).
أخرج ابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد اللّه بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال: خط رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الخندق عام الأحزاب، فأخرج اللّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدوّرة، فأخذ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المعول فضربها ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بين لابتي المدينة، فكبر و كبر المسلمون، ثم ضرب الثانية فصدعها، و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر و كبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة فكسرها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها، فكبر و كبر المسلمون، فسئل عن ذلك، فقال: «ضربت الأولي فأضاءت لي قصور الحيرة و مدائن كسري، و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثانية فأضاءت لي قصور الحمر من أرض الروم، و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت الثالثة فأضاءت لي قصور صنعاء، و أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها»، فقال المنافقون: أ لا تعجبون يحدّثكم و يمنيكم و يعدكم الباطل، و يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسري و أنها تفتح لكم و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزل القرآن: وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) «2».
و أخرج جويبر عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في متعب بن قشير الأنصاري و هو صاحب هذه المقالة.
و أخرج ابن إسحاق و البيهقي أيضا عن عروة بن الزبير و محمد بن كعب القرظي و غيرهما قال: قال متعب بن قشير: كان محمد يري أن يأكل من كنوز كسري و قيصر
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 6/ 356- 357، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 470.
(2) دلائل النبوة للبيهقي، ج 3/ 419- 420.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 272
و أحدنا لا يأمن أن يذهب إلي الغائط. و قال أوس بن قيظي في ملأ من قومه: إن بيوتنا عورة، و هي خارجة من المدينة ائذن لنا فنرجع إلي نسائنا و أبنائنا، فأنزل اللّه علي رسوله حين فزع عنهم ما كانوا فيه من البلاء يذكرهم نعمته عليهم و كفايته إياهم بعد سوء الظن منهم و مقالة من قال من أهل النفاق: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ [سورة الأحزاب، الآية: 9] «1».
الآية: 23- قوله تعالي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23).
قوله تعالي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ الآية. أخرج مسلم و الترمذي و غيرهما عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر عن بدر فكبر عليه فقال: أول مشهد قد شهده رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم غبت عنه، لئن أراني اللّه مشهدا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليرينّ اللّه ما أصنع، فشهد يوم أحد، فقاتل حتي قتل، فوجد في جسده بضع و ثمانون ما بين ضربة و طعنة و رمية، و نزلت هذه الآية: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ إلي آخرها «2».
عن بهز بن أسد قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: غاب عمي أنس بن النضر- و به سميت أنسا- عن قتال بدر، فشق عليه لما قدم و قال: غبت عن أول مشهد شهده رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و اللّه لئن أشهدني اللّه سبحانه قتالا ليرين اللّه ما أصنع. فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، و أعتذر إليك فيما صنع هؤلاء- يعني المسلمين- ثم مشي بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ فقال: أي: سعد، و الذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، فقاتلهم حتي قتل. قال أنس: فوجدناه بين القتلي به بضع و ثمانون جراحة، من بين ضربة بالسيف و طعنة بالرمح و رمية بالسهم، و قد مثلوا به، و ما عرفناه حتي عرفته أخته ببنانه، و نزلت هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. قال: و كنا نقول: أنزلت هذه الآية فيه و في أصحابه «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 224- 225، و تفسير الطبري، ج 21/ 83.
(2) السيوطي 225، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 475.
(3) النيسابوري 294، و أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1903، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 475.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 273
عن محمد بن عبد اللّه الأنصاري قال: حدثني أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالك قال: نزلت هذه الآية في أنس بن النضر: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «1».
قوله تعالي: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ الآية. نزلت في طلحة بن عبيد اللّه، ثبت مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يوم أحد حتي أصيبت يده، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «اللهم أوجب لطلحة الجنة» «2».
عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، عن علي قال: قالوا: أخبرنا عن طلحة؟
قال: ذلك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب اللّه تعالي: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ طلحة ممن قضي نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل «3».
عن وكيع، عن طلحة بن يحيي، عن عيسي بن طلحة: أن النبي صلي اللّه عليه و سلم مر عليه طلحة فقال: «هذا ممن قضي نحبه» «4».
الآية: 28- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (28).
قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الآية. أخرج مسلم و أحمد و النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر يستأذن علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن له، فلم يؤذن له، ثم أذن لهما فدخلا و النبي صلي اللّه عليه و سلم جالس و حوله نساؤه و هو ساكت، فقال عمر: لأكلمن النبي صلي اللّه عليه و سلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول اللّه، لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلي اللّه عليه و سلم حتي بدا ناجذاه، و قال: «هن حولي يسألنني النفقة»، فقام أبو بكر إلي عائشة ليضربها و قام عمر إلي حفصة، كلاهما يقول: تسألان النبي صلي اللّه عليه و سلم ما ليس عنده. و أنزل اللّه
__________________________________________________
(1) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ الأحزاب، باب: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضي نَحْبَهُ ..، رقم: 4505 و 4783.
(2) الطبقات لابن سعد، 1، 2/ 185.
(3) زاد المسير، ج 6/ 370.
(4) النيسابوري، 294- 295، و تفسير الطبري، ج 21/ 93.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 274
الخيار، فبدأ بعائشة، فقال صلي اللّه عليه و سلم: «إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تتعجلي فيه حتي تستأمري أبويك»، قالت: ما هو؟ فتلا عليها: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الآية، قالت عائشة: أ فيك استأمر أبوي، بل أختار اللّه و رسوله «1».
الآية: 33- قوله تعالي: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ.
عن أبي سعيد: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33). قال: نزلت في خمسة: في النبي صلي اللّه عليه و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام «2».
و عن عطاء بن أبي رباح قال: حدثني من سمع أم سليم تذكر: أن النبي صلي اللّه عليه و سلم كان في بيتها فأتته فاطمة رضي اللّه عنها ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها:
«ادعي لي زوجك و ابنيك». قالت: فجاء علي و حسن و حسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، و هو علي منامة له، و كان تحته كساء حبري، قالت: و أنا في الحجرة أصلي، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33). قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يديه فألوي بهما إلي السماء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي و خاصتي، فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا» قال: فأدخلت رأسي البيت و قلت: أنا معكم يا رسول اللّه. قال:
«إنك إلي خير، إنك إلي خير» «3».
و عن صالح بن موسي القرشي، عن حصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي 226، و صحيح مسلم برقم 1478، و مسند أحمد، ج 3/ 328، و تفسير القرطبي، ج 14/ 162- 163.
(2) زاد المسير، ج 6/ 381.
(3) النيسابوري، 295- 296، و سنن الترمذي برقم 3871، و حسّنه، و تفسير الطبري، ج 22/ 7.
(4) الدر المنثور، ج 5/ 198.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 275
و عن عكرمة، في قوله تعالي: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ قال: ليس الذين يذهبون إليه، إنما هي أزواج النبي عليه السلام. قال: و كان عكرمة ينادي هذا في السوق «1».
الآية: 35- قوله تعالي: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً (35).
قوله تعالي: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ الآية. أخرج الترمذي و حسنه من طريق عكرمة عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالت: ما أري كل شي‌ء إلا للرجال، و ما أري النساء بشي‌ء، فنزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ الآية.
و أخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال: قالت النساء: يا رسول اللّه، ما باله يذكر المؤمنين و لا يذكر المؤمنات، فنزلت: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ الآية.
و تقدم حديث أم سلمة في آخر سورة آل عمران.
و أخرج ابن سعد عن قتادة قال: لما ذكر أزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم قال النساء: لو كان فينا خير لذكرنا، فأنزل اللّه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ الآية «2».
قال مقاتل بن حيان: بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة، معها زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلت علي نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالت: هل نزل فينا شي‌ء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالت: يا رسول اللّه، إن النساء لفي خيبة و خسار.
قال: «و مم ذلك». قالت: لأنهن لا يذكرن في الخير كما يذكر الرجال، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ إلي آخرها «3».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 22/ 7- 8.
(2) السيوطي 226، و سنن الترمذي برقم 3211، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 487، و تفسير الطبري، ج 22/ 9.
(3) الدر المنثور، ج 5/ 200.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 276
و قال قتادة: لما ذكر اللّه تعالي أزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم دخل نساء من المسلمات عليهن فقلن: ذكرتن و لم نذكر، و لو كان فينا خير لذكرنا. فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ «1».
الآية: 36- قوله تعالي: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً (36).
قوله تعالي: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ الآية. أخرج الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال: خطب النبي صلي اللّه عليه و سلم زينب و هو يريدها لزيد فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت، فأنزل اللّه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ فرضيت و سلمت «2».
و أخرج ابن جرير من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: خطب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فاستنكفت منه، و قالت: أنا خير منه حسبا، فأنزل اللّه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ الآية كلها. و أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس مثله.
و أخرج ابن أبي حاتم عن زيد قال: نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، و كانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي و أخوها قالا: إنما أردنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فزوجنا عبده، فنزلت «3».
الآية: 37- قوله تعالي: وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَي النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضي زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37).
قوله تعالي: وَ إِذْ تَقُولُ الآيات. أخرج البخاري عن أنس أن هذه الآية:
__________________________________________________
(1) النيسابوري 297، و تفسير الطبري، ج 22/ 8.
(2) زاد المسير، ج 6/ 385.
(3) السيوطي 227، و تفسير الطبري، ج 22/ 9، و تفسير القرطبي، ج 14/ 186- 187، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 489.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 277
وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ نزلت في بنت جحش و زيد بن حارثة «1».
و أخرج الحاكم عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من زينب بنت جحش، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «أمسك عليك أهلك»، فنزلت: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ «2».
و أخرج مسلم و أحمد و النسائي قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لزيد: «اذهب فاذكرها عليّ»، فانطلق فأخبرها فقالت: ما أنا بصانعة شيئا حتي أؤامر ربي، فقامت إلي مسجدها، و نزل القرآن، و جاء رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فدخل عليها بغير إذن.
قال: و لقد رأيتنا حين دخلت علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أطعمنا عليها الخبز و اللحم، فخرج الناي و بقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و اتبعته فجعل يتبع حجر نسائه، ثم أخبرته أن القوم قد خرجوا، فانطلق حتي دخل البيت، فذهبت أدخل معه فألقي الستر بيني و بينه و نزل الحجاب و وعظ القوم بما وعظوا به: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [سورة الأحزاب، الآية: 53] «3».
الآية: 40- قوله تعالي: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَ لكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيماً (40).
و أخرج الترمذي عن عائشة قالت: لما تزوج النبي صلي اللّه عليه و سلم زينب قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل اللّه: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الآية «4».
الآية: 43- قوله تعالي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَي النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43).
قوله تعالي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ الآية. أخرج عبد حميد عن مجاهد قال:
لما نزلت: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ [سورة الأحزاب، الآية: 56] قال أبو بكر:
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري برقم 4787.
(2) المستدرك، ج 2/ 417.
(3) صحيح مسلم برقم 1428، و أحمد في مسنده، ج 3/ 195.
(4) السيوطي 228، و سنن الترمذي برقم 3207.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 278
يا رسول اللّه، ما أنزل اللّه عليك خيرا إلا أشركنا فيه، فنزلت: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ «1».
الآية: 47- قوله تعالي: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47).
قوله تعالي: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الآية. أخرج ابن جرير عن عكرمة و الحسن البصري قالا: لما نزلت: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [سورة الفتح، الآية: 2] قال رجال من المؤمنين: هنيئا لك يا رسول اللّه، قد علمنا ما يفعل بك، فما ذا يفعل بنا؟
فأنزل اللّه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ [سورة الفتح، الآية: 5] «2». و أنزل في سورة الأحزاب: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47).
و أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن الربيع بن أنس قال: لما نزلت: وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ [سورة الأحقاف، الآية: 9] نزل بعدها: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [سورة الفتح، الآية: 2] فقالوا: يا رسول اللّه، قد علمنا ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فنزل: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً (47) قال: الفضل الكبير:
الجنة «3».
الآية: 50- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ وَ بَناتِ خالِكَ وَ بَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50).
قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ الآية. أخرج الترمذي و حسنه الحاكم و صححه من طريق السدي عن أبي صالح عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 14/ 198، و لفظه: قال المهاجرون و الأنصار، فذكره.
(2) تفسير الطبري، ج 26/ 44- 46.
(3) السيوطي 229، و دلائل النبوة للبيهقي، ج 4/ 159.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 279
قالت: خطبني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فاعتذرت إليه فعذرني، فأنزل اللّه: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ إلي قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر «1».
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح عن أم هانئ، قالت: نزلت فيّ هذه الآية: وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ وَ بَناتِ خالِكَ وَ بَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ أراد النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يتزوجني فنهي عني، إذ لم أهاجر.
قوله تعالي: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً الآية. أخرج ابن سعد عن عكرمة قال: نزلت في أم شريك الدوسية. عرضت نفسها علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، و كانت جميلة، فقبلها، فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير، قالت أم شريك: فأنا تلك؟! فسمّاها اللّه مؤمنة، فقال: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فلما نزلت الآية، قالت عائشة:
إن اللّه يسرع لك في هواك «2».
الآية: 51- قوله تعالي:* تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ.
قال المفسرون: حين غار بعض نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم و آذينه بالغيرة، و طلبن زيادة النفقة، فهجرهن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم شهرا حتي نزلت آية التخيير «3»، و أمر اللّه تعالي أن يخيرهن بين الدنيا و الآخرة، و أن يخلي سبيل من اختارت الدنيا، و يمسك من اختارت اللّه سبحانه و رسوله علي أنهن أمهات المؤمنين و لا ينكحن أبدا، و علي أن يؤوي إليه من يشاء و يرجي «4» منهن من يشاء، فرضين به، قسم لهن أو لم يقسم، أو فضل بعضهن علي بعض بالنفقة و القسمة و العشرة، و يكون الأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء، فرضين بذلك كله، فكان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم- مع ما جعل اللّه تعالي له من التوسعة- يسوّي بينهن في القسمة «5».
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 3214، و المستدرك، ج 2/ 420.
(2) السيوطي 230، و الدر المنثور، ج 5/ 208، و تفسير القرطبي، ج 14/ 208.
(3) آية التخيير: المراد الآيتان 28- 29، من سورة الأحزاب.
(4) يرجي: يؤخر.
(5) تفسير زاد المسير، ج 6/ 407- 408، و تفسير القرطبي، ج 14/ 214- 215، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 501.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 280
يحيي بن معين قال: أخبرنا عباد بن عباد، عن عاصم الأحول، عن معاذة، عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعد ما نزلت:* تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منّا، قالت معاذة: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذلك إليّ لم أؤثر أحدا علي نفسي «1».
و قال قوم: لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن، فقلن: يا نبي اللّه، اجعل لنا من مالك و نفسك ما شئت، و دعنا علي حالنا، فنزلت هذه الآية «2».
و عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة أنها كانت تقول لنساء النبي صلي اللّه عليه و سلم: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية:* تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ. فقالت عائشة: أري ربك يسارع لك في هواك «3».
الآية: 53- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلي قوله: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.
قال أكثر المفسرين: لما بني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بزينب بنت جحش أولم عليها بتمر و سويق، و ذبح شاة. قال أنس: و بعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة، فأمرني النبي صلي اللّه عليه و سلم أن أدعو أصحابه إلي الطعام، فجعل القوم يجيئون فيأكلون فيخرجون، ثم يجي‌ء القوم و يأكلون و يخرجون، فقلت: يا نبي اللّه، قد دعوت حتي ما أجد أحدا أدعوه. فقال: «ارفعوا طعامكم». فرفعوا و خرج القوم، و بقي ثلاثة أنفار يتحدثون في البيت «4»، فأطالوا المكث، فتأذي منهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و كان شديد الحياء، فنزلت هذه الآية، و ضرب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بيني و بينه سترا «5».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 297، و صحيح البخاري في كتاب التفسير برقم 4789، و مسلم في صحيحه برقم 1476.
(2) الدر المنثور، ج 5/ 210.
(3) البخاري: التفسير/ الأحزاب، باب: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ..، رقم: 4510، و مسلم:
الرضاع، باب: جواز هبتها نوبتها لضرتها، رقم: 1464، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 501، و تفسير القرطبي، ج 14/ 208. قولها: يسارع لك في هواك: يحقق لك مرادك بلا تأخير.
(4) بحيس: طعام متخذ من التمر و السمن و الأقط. تور: إناء من نحاس أو حجارة. أنفار: أشخاص.
(5) تفسير ابن كثير، ج 3/ 504، و تفسير القرطبي، ج 14/ 224.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 281
و عن المعتمر بن سلمان، عن أبيه، عن أبي مجلز، عن أنس بن مالك قال: لما تزوج النبي صلي اللّه عليه و سلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، قال: فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأي ذلك قام و قام من القوم من قام، و قعد ثلاثة، و إن النبي صلي اللّه عليه و سلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس، و إنهم قاموا و انطلقوا، فجئت و أخبرت النبي صلي اللّه عليه و سلم أنهم قد انطلقوا، قال: فجاء حتي دخل، قال: و ذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني و بينه و أنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلي طَعامٍ إلي قوله: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) «1».
قوله تعالي: وَ ما كانَ لَكُمْ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال:
بلغ النبي صلي اللّه عليه و سلم أن رجلا يقول: لو قد توفي النبي صلي اللّه عليه و سلم تزوجت فلانة من بعده، فنزلت:
وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية.
و أخرج عن ابن عباس قال: نزلت في رجل همّ أن يتزوج بعض نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم بعده. قال سفيان: ذكروا أنها عائشة.
و أخرج عن السدي قال: بلغنا أن طلحة بن عبيد اللّه قال: أ يحجبنا محمد عن بنات عمنا و يتزوج نساءنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده، فأنزلت هذه الآية.
و أخرج ابن سعد عن أبي بكر عن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة بن عبيد اللّه لأنه قال: إذا توفي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تزوجت عائشة.
و أخرج جويبر عن ابن عباس: أن رجلا أتي بعض أزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم فكلمها و هو ابن عمها، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «لا تقومن هذا المقام بعد يومك هذا»، فقال: يا رسول اللّه، إنها ابنة عمي و اللّه ما قلت لها منكرا و لا قالت لي. قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «قد عرفت ذلك أنه ليس أحد أغير من اللّه، و أنه ليس أحد أغير مني» فمضي. ثم قال: يمنعني من
__________________________________________________
(1) البخاري: التفسير/ الأحزاب، باب: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ..، رقم: 4513، و مسلم: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش و نزول الحجاب ..، رقم: 1428، و زاد المسير في علم التفسير، ج 6/ 413، و الطبري بنحو لفظه، ج 22/ 37، و الدر المنثور، ج 5/ 213.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 282
كلام ابنة عمي لأتزوجنها من بعده، فأنزل اللّه هذه الآية. قال ابن عباس: فأعتق ذلك الرجل رقبة و حمل علي عشرة أبعرة في سبيل اللّه، و حجّ ماشيا توبة من كلمته «1».
قوله تعالي: وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ الآية. قال ابن عباس، في رواية عطاء: قال رجل من سادة قريش: لو توفي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لتزوجت عائشة. فأنزل اللّه تعالي ما أنزل «2».
الآية: 56- قوله تعالي: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن كعب بن عجرة قال: قيل للنبي صلي اللّه عليه و سلم: قد عرفنا السلام عليك، و كيف الصلاة عليك؟ فنزلت: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) «3».
عن الأصمعي قال: سمعت المهدي علي منبر البصرة يقول: إن اللّه أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه و ثني بملائكته، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) آثره صلي اللّه عليه و سلم بها من بين الرسل، و اختصكم بها من بين الأنام، فقابلوا نعمة اللّه بالشكر «4».
و عن عثمان الواعظ يقول: سمعت الإمام سهل بن محمد بن سليمان يقول: هذا التشريف الذي شرف اللّه تعالي به نبينا صلي اللّه عليه و سلم بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ أبلغ و أتم من تشريف آدم بأمر الملائكة بالسجود له، لأنه لا يجوز أن يكون اللّه مع الملائكة في ذلك التشريف، و قد أخبر اللّه تعالي عن نفسه بالصلاة علي النبي، ثم عن الملائكة بالصلاة عليه، فتشريف صدر عنه أبلغ من تشريف تختص به الملائكة، من غير جواز أن يكون اللّه معهم في ذلك «5».
__________________________________________________
(1) السيوطي 232، و الدر المنثور، ج 6/ 416، و تفسير الطبري، ج 22/ 26- 27، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 506.
(2) تفسير القرطبي، ج 14/ 228.
(3) مسند أحمد، ج 4/ 118- 241، و ابن أبي شيبة في مصنفه، ج 2/ 507- 508.
(4) أسباب النزول للنيسابوري 300.
(5) النيسابوري، 300- 301.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 283
و عن قتيبة و علي بن حجر قالا: أخبرنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال: «من صلي عليّ واحدة صلي اللّه عليه عشرا» «1».
قال مجاهد: لما نزلت: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ، قال أبو بكر:
ما أعطاك اللّه تعالي من خير إلا أشركنا فيه، فنزلت: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ [سورة الأحزاب، الآية: 43] «2».
الآية: 57- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (57).
قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الآية. أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ الآية. قال: نزلت في الذين طعنوا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم حين اتخذ صفية بنت حيي.
و قال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: أنزلت في عبد اللّه بن أبيّ و ناس معه قذفوا عائشة. فخطب النبي صلي اللّه عليه و سلم و قال: «من يعذرني من رجل يؤذيني و يجمع في بيته من يؤذيني». فنزلت «3».
الآية: 58- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا.
قال القرطبي: أذيّة المؤمنين و المؤمنات هي بالأفعال و الأقوال، كالبهتان و التكذيب الفاحش المختلق. و من الأذية تعييره بحسب مذموم أو حرفة مذمومة، أو شي‌ء يثقل عليه إذا سمعه، لأن أذاه في الجملة حرام «4».
__________________________________________________
(1) مسلم: الصلاة، باب: الصلاة علي النبي صلي اللّه عليه و سلم بعد التشهد، رقم: 408، و انظر فضل الصلاة علي النبي صلي اللّه عليه و سلم في تفسير ابن كثير، ج 3/ 506- 516.
(2) النيسابوري 302، و الدر المنثور، ج 5/ 206.
(3) السيوطي 233، و تفسير الطبري، ج 22/ 45، و زاد المسير، ج 6/ 420، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 517، و الدر المنثور، ج 5/ 220، و تفسير القرطبي، ج 14/ 237.
(4) تفسير القرطبي، ج 14/ 240.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 284
و قال الضحاك و السدي و الكلبي: نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة، يبتغون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها، فإن سكتت اتبعوها، و إن زجرتهم انتهوا عنها، و لم يكونوا يطلبون إلا الإماء، و لكن لم يكن يومئذ تعرف الحرة من الأمة، إنما يخرجن في درع و خمار «1»، فشكون ذلك إلي أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الدليل علي صحة هذا قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [سورة الأحزاب، الآية: 59].
و عن حصين، عن أبي مالك قال: كانت نساء المؤمنين يخرجن بالليل إلي حاجاتهن، و كان المنافقون يتعرضون لهن و يؤذونهن، فنزلت هذه الآية.
و قال السدي: كانت المدينة ضيقة المنازل، و كان النساء إذا كان الليل خرجن فقضين الحاجة، و كان فسّاق من فسّاق المدينة يخرجون، فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا: هذه حرة، فتركوها، و إذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا: هذه أمة، فكانوا يراودونها، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
الآية: 59- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْني أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ الآية. أخرج البخاري عن عائشة قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها و كانت امرأة جسيمة لا تخفي علي من يعرفها، فرآها عمر فقال: يا سودة، أما و اللّه ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في بيتي و إنه ليتمشي و في يده عرق فدخلت فقالت: يا رسول اللّه، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا و كذا،
__________________________________________________
(1) فيغمزونها: من الغمز، و هو العصر و الجسّ بالأصابع. الإماء: النساء المملوكات، جمع أمة.
درع: قميص يستر جميع البدن. خمار: هو غطاء الرأس.
(2) زاد المسير، ج 6/ 421.
(3) النيسابوري 303، و الدر المنثور، ج 5/ 222.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 285
قالت: فأوحي اللّه إليه ثم رفع عنه و إن العرق في يده ما وضعه، فقال: «إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكنّ» «1».
و أخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي مالك قال: كان نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم يخرجن بالليل لحاجتهن، و كان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا: إنما نفعله بالإماء، نزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْني أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ. ثم أخرج نحوه عن الحسن و محمد بن كعب القرظي «2».
__________________________________________________
(1) صحيح البخاري برقم 4795.
(2) السيوطي 233، و زاد المسير، ج 6/ 422، و تفسير القرطبي، ج 14/ 243، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 518.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 286

34- سورة سبأ

الآية: 15- قوله تعالي: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ (15).
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن رباح قال: حدثني فلان أن فروة بن مسيك الغطفاني قدم علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: يا نبي اللّه، إن سبأ قوم كان لهم في الجاهلية عزّ، و إني أخشي أن يرتدوا عن الإسلام، أ فأقاتلهم؟ فقال: «ما أمرت فيهم بشي‌ء بعد»، فأنزلت هذه الآية: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ الآيات «1».
الآية: 34- قوله تعالي: وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34).
و أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن ابن رزين قال:
كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلي الشام و بقي الآخر، فلما بعث النبي صلي اللّه عليه و سلم، كتب إلي صاحبه يسأله ما عمل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس و مساكينهم، فترك تجارته ثم أتي صاحبه فقال: دلني عليه، و كان يقرأ بعض الكتب، فأتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إلام تدعو؟ فقال: «إلي كذا و كذا» فقال: أشهد أنك رسول اللّه، فقال: «و ما علمك بذلك؟» قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس و مساكينهم، فنزلت هذه الآية: وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (34) فأرسل إليه النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه قد أنزل تصديق ما قلت» «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 234، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 531، و تفسير القرطبي، ج 14/ 282.
(2) السيوطي 235، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 540.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 287

35- سورة فاطر

الآية: 8- قوله تعالي: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ.
أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ الآية. حيث قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «اللهم أعزّ دينك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام»، فهدي اللّه عمر و أضل أبا جهل، ففيهما أنزلت «1».
الآية: 29- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (29).
و أخرج عبد العني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس: أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي، نزل فيه: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ الآية «2».
الآية: 35- قوله تعالي: الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35).
و أخرج البيهقي في البعث و ابن أبي حاتم من طريق نفيع بن الحارث عن عبد اللّه ابن أبي أوفي قال: قال رجل للنبي صلي اللّه عليه و سلم: يا رسول اللّه، إن النوم مما يقر اللّه به أعيننا في الدنيا فهل في الجنة من نوم؟ قال: «لا، إن النوم شريك الموت، و ليس في الجنة موت»، قال: فما راحتهم؟ فأعظم ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قال: «ليس فيها لغوب كل
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 236، و فيه جويبر، و هو متروك.
(2) السيوطي 236.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 288
أمرهم راحة» فنزلت: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (35) «1».
الآية: 42- قوله تعالي: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدي مِنْ إِحْدَي الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42).
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي هلال أنه بلغه أن قريشا كانت تقول: لو أن اللّه بعث منا نبيا ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها، و لا أسمع لنبيها، و لا أشد تمسكا بكتابها منّا، فأنزل اللّه: وَ إِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) [سورة الصافات، الآيتان: 167- 168] و لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدي مِنْهُمْ [سورة الأنعام، الآية: 157] وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدي مِنْ إِحْدَي الْأُمَمِ و كانت اليهود تستفتح به علي النصاري، فيقولون: إنا نجد نبيا يخرج «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 236- 237، و انظر تفسير القرطبي، ج 14/ 350- 351، و تفسير ابن كثير، ج 3/ 557- 558.
(2) السيوطي 237، و تفسير القرطبي، ج 14/ 358.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 289

36- سورة يس‌

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: يس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2).
أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يقرأ في السجدة فيجهر بالقراءة حتي تأذي به ناس من قريش حتي قاموا ليأخذوه، و إذا أيديهم مجموعة إلي أعناقهم، و إذا بهم عمي لا يبصرون، فجاءوا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا:
ننشدك اللّه و الرحم يا محمد، فدعا حتي ذهب ذلك عنهم، فنزلت: يس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إلي قوله: أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) [سورة يس، الآية: 10] قال: فلم يؤمن من ذلك النفر أحد «1».
الآية: 8- قوله تعالي: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَي الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8).
و أخرج ابن جرير عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا لأفعلن و لأفعلن، فأنزل اللّه: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا إلي قوله: لا يُبْصِرُونَ (9)، فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول: أين هو؟ أين هو؟ و لا يبصر «2».
الآية: 12- قوله تعالي: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتي وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ.
قال أبو سعيد الخدري: كان بنو سلمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلي قرب المسجد، فنزلت هذه الآية: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتي وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ فقال لهم النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن آثاركم تكتب، فلم تنتقلون» «3».
__________________________________________________
(1) دلائل النبوة لأبي نعيم برقم 153، و في إسناده النضر بن عبد الرحمن أبو عمر الخزاز، و هو متروك/ تقريب التهذيب.
(2) السيوطي 238، و تفسير الطبري، ج 22/ 99.
(3) سنن الترمذي برقم 3226.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 290
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: شكت بنو سلمة إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعد منازلهم من المسجد، فأنزل اللّه تعالي: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«عليكم منازلكم، فإنما تكتب آثاركم» «1».
الآية: 77- قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77).
و أخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس قال: جاء العاصي بن وائل إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعظم حائل ففتّه، فقال: يا محمد، أ يبعث هذا بعد ما أرم؟ قال: «نعم، يبعث اللّه هذا، ثم يميتك ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم»، فنزلت الآيات: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ إلي آخر السورة.
و أخرج ابن أبي حاتم من طرق عن مجاهد و عكرمة و عروة بن الزبير و السدي نحوه، و سموا الإنسان: أبيّ بن خلف «2».
الآية: 78- قوله تعالي: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ (78).
قال المفسرون: إنّ أبيّ بن خلف أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم بعظم حائل، فقال: يا محمد، أ تري اللّه يحيي هذا بعد ما قد رمّ؟ فقال: «نعم، و يبعثك و يدخلك في النار». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية: وَ ضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ (78) «3».
عن أحمد بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حصين، عن أبي مالك: أن أبيّ بن خلف الجمحي جاء إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعظم حائل ففتّه بين يديه، و قال: يا محمد، يبعث اللّه هذا بعد ما أرم؟ فقال: «نعم، يبعث اللّه هذا، و يميتك ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنم»، فنزلت هذه الآيات «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 303، و المستدرك، ج 2/ 428.
(2) السيوطي 239، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 429، و صححه و أقره الذهبي.
(3) تفسير ابن كثير، ج 3/ 581.
(4) النيسابوري 304، و الدر المنثور، ج 5/ 269.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 291

37- سورة الصافّات‌

الآية: 64- قوله تعالي: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64).
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قال أبو جهل: زعم صاحبكم هذا، إن في النار شجرة، و النار تأكل الشجر، و إنا و اللّه ما نعلم الزقوم إلا التمر و الزبد، فأنزل اللّه حين عجبوا أن يكون في النار شجرة: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) الآية.
و أخرج نحوه عن السدي «1».
الآية: 158- قوله تعالي: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ.
و أخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش: سليم، و خزاعة، و جهينة: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الآية.
و أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال: قال كبار قريش: الملائكة بنات اللّه، فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم؟ قالوا: بنات سراة الجن، فأنزل اللّه: وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) «2».
الآية: 165- قوله تعالي: وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165).
و أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك قال: كان الناس يصلون متبددين، فأنزل اللّه: وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) الآية، فأمرهم أن يصفوا.
و أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: حدثت، فذكر نحوه «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 240، و تفسير الطبري، ج 23/ 40، و تفسير القرطبي، ج 15/ 85.
(2) تفسير القرطبي، ج 15/ 134.
(3) تفسير القرطبي، ج 15/ 137.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 292
الآية: 176- قوله تعالي: أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176).
و أخرج جويبر عن ابن عباس قال: قالوا: يا محمد، أرنا العذاب تخوّفنا به، عجّله لنا، فنزلت: أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (176) الآية «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 241، و انظر تفسير الطبري، ج 23/ 73.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 293

38- سورة ص‌

عن سفيان، عن الأعمش، عن يحيي بن عمارة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب، فجاءت قريش و جاء النبي صلي اللّه عليه و سلم، و عند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه ذلك، فشكوه إلي أبي طالب فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب، و تؤدي إليهم الجزية بها العجم». قال: كلمة واحدة؟ قال: ما هي؟ قال: «لا إله إلا اللّه» فقالوا: أ جعل الآلهة إلها واحدا؟ قال: فنزل فيهم القرآن: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ (2) [سورة ص، الآيتان: 1- 2] حتي بلغ: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7) [سورة ص، الآية: 7] «1».
قال المفسرون: لما أسلم عمر بن الخطاب شق ذلك علي قريش و فرح المؤمنون، قال الوليد بن المغيرة لهلاص قريش، و هم الصناديد و الأشراف: امشوا إلي أبي طالب، فأتوه فقالوا له: أنت شيخنا و كبيرنا، قد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، و إنا أتيناك لتقضي بيننا و بين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فدعاه فقال: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك ذا السؤال، فلا تمل كل الميل علي قومك. قال: «و ما ذا يسألوني». قالوا: ارفضنا و ارفض ذكر آلهتنا و ندعك و إلهك. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«أ تعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب و تدين لكم بها العجم». فقال أبو جهل: للّه أبوك لنعطينكها و عشر أمثالها. فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «قولوا لا إله إلا اللّه». فنفروا من ذلك فقاموا فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا كيف يسع الخلق كلهم إله واحد؟ فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [سورة ص، الآية: 12] «2».
__________________________________________________
(1) سنن الترمذي برقم 3232، و حسّنه، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 432، و صححه و أقره الذهبي، و الدر المنثور، ج 5/ 295.
(2) النيسابوري، 304- 305، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 27. قوله: ارفضنا و ارفض .. أي: اتركنا و اترك ذكرك.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 294

39- سورة الزمر

الآية: 3- قوله تعالي: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَي اللَّهِ زُلْفي
أخرج جويبر عن ابن عباس في هذه الآية قال: أنزلت في ثلاثة أحياء: عامر، و كنانة، و بني سلمة، كانوا يعبدون الأوثان، و يقولون: الملائكة بنات اللّه، فقالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَي اللَّهِ زُلْفي «1».
و أخرج ابن جرير عن قتادة: قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا ليقرّبونا إلا ليشفعوا لنا عند اللّه «2».
الآية: 9- قوله تعالي: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه.
و قال ابن عمر: نزلت في عثمان بن عفان.
و قال مقاتل: نزلت في عمار بن ياسر «3».
الآية: 17- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَي اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْري فَبَشِّرْ عِبادِ (17).
قوله تعالي: فَبَشِّرْ عِبادِ (17). أخرج جويبر بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال:
لما نزلت: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ [سورة الحجر، الآية: 44]، أتي رجل من الأنصار إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم
__________________________________________________
(1) السيوطي 243.
(2) تفسير الطبري، ج 23/ 122.
(3) النيسابوري 305، و زاد المسير، ج 7/ 166- 167، و الدر المنثور، ج 5/ 323.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 295
فقال: يا رسول اللّه، إن لي سبعة مماليك و إني قد أعتقت لكل باب منها مملوكا، فنزلت فيه هذه الآية: فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «1».
قوله تعالي: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ الآية. أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يقولون: لا إله إلّا اللّه: زيد بن عمرو بن نفيل، و أبي ذرّ الغفاري، و سلمان الفارسي «2».
الآية: 18- قوله تعالي: فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ قال عطاء، عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه آمن بالنبي صلي اللّه عليه و سلم و صدقه، فجاء عثمان و عبد الرحمن بن عوف و طلحة و الزبير و سعيد بن زيد و سعد بن أبي وقاص، فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا، و نزلت فيهم: فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ قال: يريد من أبي بكر فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «3».
الآية: 22- قوله تعالي: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلي نُورٍ مِنْ رَبِّهِ.
نزلت في حمزة و علي و أبي لهب و ولده، فعلي و حمزة ممن شرح اللّه صدره، و أبو لهب و أولاده الذين قست قلوبهم عن ذكر اللّه. و هو قوله تعالي: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ «4».
الآية: 23- قوله تعالي: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلي ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَي اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23).
__________________________________________________
(1) جويبر ضعيف جدا.
(2) السيوطي، 243- 244، و تفسير الطبري، ج 23/ 123، و زاد المسير، ج 7/ 170.
(3) تفسير القرطبي، ج 15/ 244، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 48، و قال: إنها شاملة لهم و لغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان.
(4) تفسير القرطبي، ج 15/ 247، و قال: و الآية عامة فيمن شرح اللّه صدره بخلق الإيمان فيه.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 296
عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قالوا: يا رسول اللّه، لو حدثتنا، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
قال القرطبي: مُتَشابِهاً يشبه بعضه بعضا في الحسن و الحكمة و يصدّق بعضه بعضا، ليس فيه تناقض و لا اختلاف «2».
الآية: 36- قوله تعالي: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36).
قوله تعالي: وَ يُخَوِّفُونَكَ الآية. أخرج عبد الرزاق عن معمر: قال لي رجل:
قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: لتكفن عن شتم آلهتنا أو لنأمرنها فلتخبلنك، فنزلت: وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ الآية «3».
الآية: 45- قوله تعالي: وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45).
قوله تعالي: وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ الآية. أخرج ابن المنذر عن مجاهد: أنها نزلت في قراءة النبي صلي اللّه عليه و سلم النجم عند الكعبة و فرحهم عند ذكر الآلهة «4».
الآية: 53- قوله تعالي:* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53).
قوله تعالي:* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الآية. تقدم حديث الشيخين في سورة الفرقان.
و أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في مشركي أهل مكة.
__________________________________________________
(1) النيسابوري 306، و تفسير الطبري، ج 23/ 135، و تفسير القرطبي، ج 15/ 248.
(2) تفسير القرطبي، ج 15/ 249.
(3) زاد المسير، ج 7/ 184، و الدر المنثور، ج 5/ 328.
(4) السيوطي، 244- 245، و تفسير الطبري، ج 24/ 8.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 297
و أخرج الحاكم و الطبراني عن ابن عمر قال: كنا نقول: ما لمفتتن توبة إذا ترك دينه بعد إسلامه و معرفته، فلما قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة أنزل فيهم:* قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا الآية.
و أخرج الطبراني بسند فيه ضعف عن ابن عباس قال: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي وحشي قاتل حمزة يدعوه إلي الإسلام فأرسل إليه: كيف تدعوني و أنت تزعم أن من قتل أو زني أو أشرك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا، و أنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل اللّه: إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً [سورة مريم، الآية: 60]، فقال وحشي: هذا شرط شديد: إِلَّا مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فلعلي لا أقدر علي هذا، فأنزل اللّه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [سورة النساء، الآية: 48]، فقال وحشي: هذا أري بعده مشيئة فلا أدري أ يغفر لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل اللّه: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الآية. قال وحشي: هذا نعم، فأسلم «1».
و قال ابن عمر: نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة و الوليد بن الوليد، و نفر من المسلمين كانوا أسلموا، ثم فتنوا و عذبوا فافتتنوا، و كنا نقول: لا يقبل اللّه من هؤلاء صرفا و لا عدلا أبدا «2»، قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به؟ فنزلت هذه الآيات، و كان عمر كاتبا، فكتبها إلي عياش بن أبي ربيعة و الوليد بن الوليد، و أولئك النفر، فأسلموا و هاجروا «3».
و عن ابن جريج قال: حدثني يعلي بن مسلم: أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس: أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، و زنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن، إن تخبرنا لما عملناه كفارة. فنزلت هذه الآية: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 245- 246، و تفسير الطبري، ج 24/ 10- 11، و تفسير زاد المسير، ج 7/ 190، و الدر المنثور، ج 5/ 77.
(2) صرفا: أي نافلة، و عدلا: أي فريضة.
(3) النيسابوري، 306- 307، و تفسير القرطبي، ج 15/ 267- 268.
(4) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ الزمر، باب: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلي أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا ..، رقم: 4532، و انظر مسلم: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله ..،-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 298
و عن عمر أنه قال: لما اجتمعنا إلي الهجرة انبعثت أنا و عياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاص بن وائل، فقلنا: الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار، فمن حبس منكم لراياتها فقد حبس، فليمض صاحبه. فأصبحت عندها أنا و عياش و حبس عنّا هشام، و فتن و افتتن، فقدمنا المدينة. فكنا نقول: ما اللّه بقابل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا اللّه و رسوله، ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا. فأنزل اللّه تعالي:
يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إلي قوله: أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْويً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) [سورة الزمر، الآية: 60] قال عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثت بها، فقال هشام: فلما قدمت علي خرجت بها إلي ذي طوي، فقلت: اللهم فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا، فرجعت فجلست علي بعيري، فلحقت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم «1».
الآية: 64- قوله تعالي: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (64).
قوله تعالي: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ الآية. سيأتي سبب نزولها في سورة الكافرون.
و أخرج البيهقي في الدلائل عن الحسن البصري قال: قال المشركون للنبي صلي اللّه عليه و سلم:
أ تضلل آباءك و أجدادك يا محمد؟ فأنزل اللّه: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ إلي قوله:
مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) [سورة الزمر، الآية: 66] «2».
الآية: 67- قوله تعالي: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالي عَمَّا يُشْرِكُونَ (67).
و أخرج الترمذي و صححه عن ابن عباس قال: مرّ يهودي بالنبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم، إذا وضع اللّه السموات علي ذه و الأرضين علي ذه و الماء علي ذه و الجبال علي ذه، فأنزل اللّه: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية. و الحديث في الصحيح بلفظ «فتلا» دون «فأنزل» «3».
__________________________________________________
- رقم: 122، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 59- 60.
(1) النيسابوري 308، و السنن الكبري للبيهقي، ج 9/ 13- 14.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 61.
(3) سنن الترمذي برقم 3240، و صحيح البخاري برقم 7415 و 7451.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 299
و أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: غدت اليهود فنظروا في خلق السموات و الأرض و الملائكة، فلما فرغوا أخذوا يقدرونه، فأنزل اللّه: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «1».
و أخرج عن سعيد بن جبير قال: تكلمت اليهود في صفة الرب، فقالوا بما لم يعلموا و لم يروا، فأنزل اللّه الآية «2».
و عن علقمة، عن عبد اللّه قال: أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم رجل من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، بلغك أن اللّه يحمل الخلائق علي إصبع و الأرضين علي إصبع، و الشجر علي إصبع، و الثري علي إصبع؟ فضحك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حتي بدت نواجذه، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الآية «3».
و معني هذا: أن اللّه تعالي يقدر علي قبض الأرض و جميع ما فيها من الخلائق و الشجر قدرة أحدنا ما يحمله بإصبعه، فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم، أ لا تري أن اللّه تعالي قال: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: يقبضها بقدرته «4».
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 246.
(2) السيوطي 246.
(3) تفسير الطبري، ج 24/ 18.
(4) النيسابوري 308.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 300

40- سورة غافر

الآية: 4- قوله تعالي: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4).
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي مالك في قوله تعالي: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا قال: نزلت في الحارث بن قيس السهمي «1».
الآية: 56- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56).
و أخرج عن أبي العالية قال: جاءت اليهود إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فذكروا الدجال، فقالوا: يكون منا في آخر الزمان. فعظموا أمره و قالوا: يصنع كذا، فأنزل اللّه:
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فأمر نبيّه أن يتعوّذ من فتنة الدجال «2».
الآية: 57- قوله تعالي: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57).
قال السيوطي: نزلت في اليهود، فيما ينتظرونه من أمر الدجال «3».
الآية: 66- قوله تعالي:* قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 247.
(2) الدر المنثور، ج 5/ 353.
(3) أسباب النزول للسيوطي 248، و زاد المسير، ج 7/ 234.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 301
لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66).
أخرج جويبر عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة و شيبة بن ربيعة قالا: يا محمد، ارجع عما تقول، و عليك بدين آبائك و أجدادك، فأنزل اللّه تعالي:* قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية «1».
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للسيوطي 248، و جويبر ضعيف جدا.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 302

41- سورة فصّلت «السجدة»

الآية: 22- قوله تعالي: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ.
عن روح بن القاسم، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود، في هذه الآية: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ الآية، قال: كان رجلان من ثقيف و ختن لهما من قريش، أو رجلان من قريش و ختن لهما من ثقيف، في بيت، فقال بعضهم: أ ترون اللّه يسمع نجوانا أو حديثنا؟ فقال بعضهم: قد سمع بعضه و لم يسمع بعضه، قالوا: لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله، فنزلت هذه الآية:
وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ الآية «1».
عن عبد اللّه قال: كنت مستترا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة أنفار: كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، قرشي و ختناه ثقفيان، أو ثقفي و ختناه قرشيان، فتكلموا بكلام لم أفهمه، فقال بعضهم: أ ترون اللّه سمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إذا رفعنا أصواتنا سمع و إذا لم نرفع لم يسمع. و قال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله. قال:
فذكرت ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فنزل عليه: وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ إلي قوله تعالي: فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (23) [سورة فصلت، الآية: 23] «2».
الآية: 30- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا.
__________________________________________________
(1) النيسابوري 309، و رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ فصلت، باب:
قوله: وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ..، رقم: 4539، و مسلم: أوائل كتاب صفات المنافقين و أحكامهم، رقم: 2775، و زاد المسير، ج 7/ 250، و تفسير القرطبي، ج 15/ 351- 352، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 95- 96.
(2) النيسابوري 309، و السيوطي 249، و سنن الترمذي برقم 3249، و قال: حسن صحيح.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 303
قال عطاء، عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي اللّه عنه، و ذلك أن المشركين قالوا: ربنا اللّه و الملائكة بناته و هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، فلم يستقيموا.
و قالت اليهود: ربما اللّه و عزير ابنه و محمد- عليه السلام- ليس بنبي، فلم يستقيموا.
و قال أبو بكر رضي اللّه عنه: ربنا اللّه وحده لا شريك له، و محمد صلي اللّه عليه و سلم عبده و رسوله، و استقام «1».
الآية: 40- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَ فَمَنْ يُلْقي فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ.
أخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال: نزلت هذه الآية في أبي جهل، و عمار بن ياسر «2».
الآية: 44- قوله تعالي: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُديً وَ شِفاءٌ.
أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لو لا أنزل هذا القرآن أعجميا و عربيا، فأنزل اللّه تعالي: لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ الآية.
و أنزل اللّه بعد هذه الآية فيه بكل لسان. قال ابن جرير: و القراءة علي هذا «أعجمي» بلا استفهام «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 310، و زاد المسير، ج 7/ 254، و تفسير القرطبي، ج 15/ 357.
(2) تفسير القرطبي، ج 15/ 366.
(3) السيوطي، 249- 250، و تفسير الطبري، ج 24/ 80.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 304

42- سورة الشوري‌

الآية: 16- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16).
أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ (1) [سورة النصر، الآية: 1] قال المشركون بمكة لمن بين أظهرهم من المؤمنين:
قد دخل الناس في دين اللّه أفواجا فأخرجوا من بين أظهرنا، فعلام تقيمون بين أظهرنا، فنزلت: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ الآية.
و أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ الآية، قال: هم اليهود و النصاري قالوا: كتابنا قبل كتابكم، و نبينا قبل نبيكم، و نحن خير منكم «1».
الآية: 23- قوله تعالي: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23).
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: لو جمعنا لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مالا، فأنزل اللّه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبي فقال بعضهم:
إنما قال هذا ليقاتل عن أهل بيته و ينصرهم، فأنزل اللّه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَري عَلَي اللَّهِ كَذِباً [سورة الشوري، الآية: 24] إلي قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [سورة الشوري، الآية: 25] فعرض لهم التوبة، إلي قوله: وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [سورة الشوري، الآية: 26] «2».
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 4/ 110، و انظر تفسير الطبري، ج 25/ 15.
(2) السيوطي، 251- 252، و انظر تفسير القرطبي، ج 16/ 21- 22.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 305
قال ابن عباس: لما قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة كانت تنوبه نوائب و حقوق، و ليس في يده لذلك سعة، فقال الأنصار: إن هذا الرجل قد هداكم اللّه تعالي به، و هو ابن أختكم، و تنوبه نوائب و حقوق و ليس في يده لذلك سعة، فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم، فأتوه به ليعينه علي ما ينوبه. ففعلوا، ثم أتوا به، فقالوا: يا رسول اللّه، إنك ابن أختنا، و قد هدانا اللّه تعالي علي يديك، و تنوبك نوائب و حقوق، و ليست لك عندنا سعة، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به، فتستعين علي ما ينوبك، و هو هذا. فنزلت هذه الآية «1».
و قال قتادة: اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أ ترون محمدا- عليه السلام- يسأل علي ما يتعاطاه أجرا؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
الآية: 27- قوله تعالي:* وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27).
و أخرج الحاكم و صححه عن علي قال: نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ و ذلك أنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا الدنيا.
و أخرج الطبراني عن عمرو بن حريث مثله «3».
و قيل: نزلت في قوم من أهل الصّفّة تمنوا سعة الدنيا و الغني. قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية، و ذلك أنّا نظرنا إلي أموال قريظة و النضير فتمنيناها، فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه الآية «4».
عن الحسين بن الحسن بن حرب قال: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا حيوة قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني: أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه
__________________________________________________
(1) تفسير زاد المسير، ج 7/ 283.
(2) النيسابوري 310.
(3) السيوطي 252، و تفسير القرطبي، ج 16/ 27، و تفسير الطبري، ج 25/ 19.
(4) زاد المسير، ج 7/ 287.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 306
الآية في أصحاب الصفة:* وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ و ذلك أنهم قالوا: لو أن لنا الدنيا، فتمنوا الدنيا «1».
الآية: 51- قوله تعالي:* وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً.
و ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلي اللّه عليه و سلم: أ لا تكلم اللّه و تنظر إليه إن كنت نبيا، كما كلم اللّه موسي و نظر إليه، فإنّا لن نؤمن بك حتي تفعل ذلك. فقال: «لم ينظر موسي إلي اللّه»، و أنزلت هذه الآية «2».
__________________________________________________
(1) مجمع الزوائد، ج 7/ 104، و عزاه الهيثمي للطبراني و قال: رجاله رجال الصحيح.
(2) النيسابوري 311، و تفسير القرطبي، ج 16/ 53.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 307

43- سورة الزخرف‌

الآية: 19- قوله تعالي: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ (19).
أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: قال ناس من المنافقين: إن اللّه صاهر الجن فخرجت من بينهم الملائكة فنزل فيهم: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً «1».
الآية: 31- قوله تعالي: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلي رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31).
و تقدم في سورة يونس سبب قوله تعالي: وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ الآيتين «2».
الآية: 36- قوله تعالي: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36).
و أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: قال الوليد بن المغيرة: لو كان ما يقول محمد حقا أنزل عليّ هذا القرآن أو علي ابن مسعود الثقفي فنزلت.
و أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت: قيّضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه، فقيّضوا لأبي بكر طلحة، فأتاه و هو في القوم، فقال أبو بكر: إلام تدعوني؟ قال: أدعوك إلي عبادة اللات و العزي، قال: بنات اللّه، قال: فمن أمهم؟ فسكت طلحة فلم يجبه، فقال طلحة لأصحابه: أجيبوا الرجل،
__________________________________________________
(1) انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 125.
(2) السيوطي 253، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 127.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 308
فسكت القوم، فقال طلحة: قم يا أبا بكر!! أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أشهد أن محمدا رسول اللّه!! فأنزل اللّه: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً الآية «1».
الآية: 57- قوله تعالي:* وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا.
عن شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم بن أبي النجود، عن ابن رزين، عن أبي يحيي مولي ابن عفراء، عن ابن عباس: أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال لقريش: «يا معشر قريش، لا خير في أحد يعبد من دون اللّه». قالوا: أ ليس تزعم أن عيسي كان عبدا نبيا و عبدا صالحا؟ فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم. فأنزل اللّه تعالي:* وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا «2».
الآية: 80- قوله تعالي: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلي وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80).
أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي، قال: بينا ثلاثة بين الكعبة و أستارها قرشيان و ثقفي أو ثقفيان و قرشي، فقال واحد منهم: ترون اللّه يسمع كلامنا؟
فقال آخر: إذا جهرتم سمع و إذا أسررتم لم يسمع، فأنزل اللّه هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 253- 254.
(2) النيسابوري 311، و تفسير القرطبي، ج 16/ 102- 103.
(3) السيوطي 254، و تفسير القرطبي، ج 16/ 119، و تفسير الطبري، ج 25/ 60.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 309

44- سورة الدخان‌

الآية: 10- قوله تعالي: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10).
أخرج البخاري عن ابن مسعود قال: إن قريشا لمّا استعصوا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط حتي أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلي السماء فيري ما بينه و بينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل اللّه تعالي: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) فأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقيل له: يا رسول اللّه، استسق اللّه لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقي، فنزلت «1».
الآية: 15- قوله تعالي: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15).
فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلي حالهم، فأنزل اللّه تعالي: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْري إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) [سورة الدخان، الآية: 16] يعني يوم بدر «2».
الآية: 43- قوله تعالي: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43).
أخرج سعيد بن منصور عن أبي مالك قال: إن أبا جهل كان يأتي بالتمر و الزبد، فيقول: تزقّموا فهذا الزقّوم الذي يعدكم به محمد، فنزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ (44) «3».
الآية: 49- قوله تعالي: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49).
__________________________________________________
(1) السيوطي، 255- 256، و تفسير الطبري، ج 25/ 66، و زاد المسير، ج 7/ 340.
(2) تفسير الطبري، ج 25/ 66- 67.
(3) انظر تفسير الطبري، ج 23/ 40، و تفسير القرطبي، ج 15/ 85، و الآية 43 من سورة الصافات- فيما تقدم-.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 310
و أخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال: لقي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أبا جهل فقال:
«إن اللّه يأمرني أن أقول لك: أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (34) ثُمَّ أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (35)» [سورة القيامة، الآيتان: 34- 35] قال: فنزع ثوبه من يده فقال: ما تستطيع لي أنت و لا صاحبك من شي‌ء، لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء و أنا العزيز الكريم، فقتله اللّه يوم بدر و أذله و عيره بكلمته و نزل فيه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49).
و أخرج ابن جرير عن قتادة نحوه «1».
قال قتادة: نزلت في عدو اللّه أبي جهل، و ذلك أنه قال: أ يوعدني محمد؟ و اللّه لأنا أعز من بين جبليها. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
عن عكرمة قال: لقي النبي صلي اللّه عليه و سلم أبا جهل، فقال أبو جهل: لقد علمت أني أمنع أهل البطحاء، و أنا العزيز الكريم. قال: فقتله اللّه يوم بدر و أذله و عيره بكلمته. و نزل فيه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 312، و تفسير الطبري، ج 25/ 80.
(2) تفسير القرطبي، ج 16/ 151.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 146.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 311

45- سورة الجاثية

الآية: 14- قوله تعالي: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ.
قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد عمر بن الخطاب خاصة، و أراد بالذين لا يرجون أيام اللّه عبد اللّه بن أبيّ، و ذلك أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق علي بئر يقال لها المريسيع، فأرسل عبد اللّه غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه، فما أتاه قال:
ما حبسك؟ قال: غلام عمر، قعد علي قف البئر، فما ترك أحدا يستقي حتي ملأ قرب النبي و قرب أبي بكر و ملأ لمولاه. فقال عبد اللّه: ما مثلنا و مثل هؤلاء إلا كما قيل:
سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر رضي اللّه عنه، فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [سورة البقرة، الآية: 245] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص:
احتاج رب محمد. فلما سمع عمر بذلك اشتمل علي سيفه و خرج في طلبه، فجاء جبريل عليه السلام إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: إن ربك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ و اعلم أن عمر قد اشتمل علي سيفه و خرج في طلب اليهودي. فبعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في طلبه فلما جاء قال: «يا عمر، ضع سيفك». قال: صدقت يا رسول اللّه، أشهد أنك أرسلت بالحق. قال: «فإن ربك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ». قال: لا جرم و الذي بعثك بالحق، و لا يري الغضب في وجهي «2».
الآية: 23- قوله تعالي: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلي عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلي
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 312- 313، و زاد المسير، ج 7/ 357، و تفسير القرطبي، ج 16/ 161.
(2) النيسابوري 313، و تفسير القرطبي، ج 16/ 161.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 312
سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلي بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ (23).
أخرج ابن المنذر و ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تعبد الحجر حينا من الدهر، فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول و عبدوا الآخر، فأنزل اللّه:
أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ الآية «1».
الآية: 24- قوله تعالي: وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24).
و أخرج عن أبي هريرة قال: كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل و النهار، فأنزل اللّه: وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ «2».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 25/ 91، و انظر تفسير القرطبي، ج 16/ 167.
(2) السيوطي 257، و تفسير الطبري، ج 25/ 91، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 151.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 313

46- سورة الأحقاف‌

الآية: 9- قوله تعالي: وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ.
قال الثعلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رأي في المنام أنه يهاجر إلي أرض ذات نخل و شجر و ماء، فقصها علي أصحابه فاستبشروا بذلك، و رأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذي المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول اللّه، متي نهاجر إلي الأرض التي رأيت؟
فسكت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ يعني: لا أدري أخرج إلي الموضع الذي رأيته في منامي أو لا. ثم قال: «إنما هو شي‌ء رأيته في منامي، ما أتبع إلا ما يوحي إليّ» «1».
الآية: 10- قوله تعالي: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلي مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10).
أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلي اللّه عليه و سلم و أنا معه حتي دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم، فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه يحط اللّه عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه»، فسكتوا فما أجابه منهم أحد، ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد، فأقبل فقال: أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود؟ قالوا: و اللّه ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب اللّه و لا أفقه منك و لا من أبيك قبلك و لا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد أنه النبي الذي تجدون في التوراة، قالوا: كذبت، ثم ردوا عليه و قالوا فيه شرا، فأنزل اللّه: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ الآية «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 314، و زاد المسير، ج 7/ 372، و تفسير القرطبي، ج 16/ 185.
(2) معجم الطبراني الكبير، ج 18/ 46، برقم 83، و رجاله رجال الصحيح، و مجمع الزوائد،-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 314
و أخرج الشيخان عن سعد ابن أبي وقاص قال: في عبد اللّه بن سلام نزلت:
وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلي مِثْلِهِ.
و أخرج ابن جرير عن عبد اللّه بن سلام قال: فيّ نزلت «1».
الآية: 11- قوله تعالي: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11).
و أخرج الطبراني عن قتادة: قال ناس من المشركين: نحن أعز و نحن و نحن؛ فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان و فلان، فنزل: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا.
و أخرج ابن المنذر عن عون ابن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنين، فكان عمر يضربها علي إسلامها حتي يفتر، و كان كفار قريش يقولون: لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنين، فأنزل اللّه في شأنها: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً الآية.
و أخرج ابن سعد نحوه عن الضحاك و الحسن «2».
الآية: 15- قوله تعالي: حَتَّي إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، و ذلك أنه صحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو ابن ثمان عشرة سنة، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ابن عشرين سنة، و هم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في ظلها، و مضي أبو بكر إلي راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ فقال: ذاك محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب. قال: هذا و اللّه نبي، و ما استظل تحتها أحد بعد عيسي ابن مريم إلا محمد نبي اللّه. فوقع في قلب أبي بكر اليقين و التصديق، و كان لا يفارق رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في أسفاره و حضوره، فلما نبي‌ء رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو ابن أربعين سنة و أبو بكر ابن ثمان و ثلاثين سنة أسلم، و صدق رسول
__________________________________________________
- ج 7/ 106، و تفسير الطبري، ج 26/ 11- 12، و مسند أحمد، ج 6/ 25.
(1) السيوطي 258، و زاد المسير، ج 7/ 373، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 156.
(2) السيوطي 259، و زاد المسير، ج 7/ 375، و تفسير القرطبي، ج 16/ 189- 190.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 315
اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فلما بلغ أربعين سنة قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ «1».
الآية: 17- قوله تعالي: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17).
و أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: نزلت هذه الآية: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما في عبد الرحمن بن أبي بكر قال لأبويه و كانا قد أسلما و أبي هو أن يسلم فكانا يأمرانه بالإسلام فيرد عليهما و يكذبهما و يقول: فأين فلان، و أين فلان، يعني مشايخ قريش ممن قد مات، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فنزلت توبته في هذه الآية: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [سورة الأحقاف، الآية: 19]. و أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس مثله.
و لكن أخرج البخاري من طريق يوسف بن ماهان قال: قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: إن هذا الذي أنزل اللّه فيه: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن إلا أن اللّه أنزل عذري.
و أخرج عبد الرزاق من طريق مكي، أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر و قالت: إنما نزلت في فلان و سمّت رجلا. قال الحافظ ابن حجر: و نفي عائشة أصح إسنادا و أولي بالقبول «2».
الآية: 29- قوله تعالي: وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلي قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29).
و أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن الجن هبطوا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم و هو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا: أنصتوا، و كانوا تسعة أحدهم زوبعة، فأنزل اللّه:
وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ إلي قوله: ضَلالٍ مُبِينٍ (32) [سورة الأحقاف، الآية: 32] «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 314، و زاد المسير، ج 7/ 377، و الدر المنثور، ج 6/ 41، و تفسير القرطبي، ج 16/ 194.
(2) زاد المسير، ج 7/ 380- 381، و تفسير القرطبي، ج 16/ 197، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 159.
(3) السيوطي، 260- 261، و زاد المسير، ج 7/ 387- 388، و تفسير القرطبي، ج 16/ 210- 213.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 316

47- سورة محمد

الآية: 1- قوله تعالي: الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1).
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالي: الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (1) قال: هم أهل مكة نزلت فيهم، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ [سورة البقرة، الآية: 82] قال: هم الأنصار «1».
الآية: 4- قوله تعالي: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّي إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّي تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (4).
و أخرج عن قتادة في قوله تعالي: وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في الشعب و قد نشبت فيهم الجراحات و القتل، و قد نادي المشركون يومئذ: أعل هبل، و نادي المسلمون: اللّه أعلي و أجل، فقال المشركون: إن لنا العزّي، و لا عزّي لكم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «قولوا: اللّه مولانا و لا مولي لكم» «2»!.
الآية: 13- قوله تعالي: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13).
أخرج أبو يعلي عن ابن عباس قال: لما خرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم تلقاء الغار نظر إلي مكة فقال: «أنت أحب بلاد اللّه إليّ، و لو لا أنّ أهلك أخرجوني منك لم أخرج منك»، فأنزل اللّه هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 16/ 223.
(2) السيوطي 261، و انظر تفسير القرطبي، ج 16/ 225- 228.
(3) مسند أبي يعلي، ج 5/ 69- 70، برقم 2662، و رجاله رجال الصحيح خلا محمود بن-
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 317
الآية: 16- قوله تعالي: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّي إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلي قُلُوبِهِمْ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (16).
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج، قال: كان المؤمنون و المنافقون يجتمعون إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فيستمع المؤمنون منهم ما يقول و يعونه، و يسمعه المنافقون فلا يعونه فإذا خرجوا سألوا المؤمنين: ما ذا قال آنفا؟ فنزلت: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ الآية «1».
الآية: 33- قوله تعالي:* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33).
أخرج ابن أبي حاتم و محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يرون أنه لا يضرّ مع «لا إله إلا اللّه» ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) فخافوا أن يبطل الذنب العمل «2».
__________________________________________________
- خداش و هو ثقة، و أخرجه أحمد، ج 1/ 242، و الترمذي برقم 3904.
(1) السيوطي 262، و تفسير القرطبي، ج 16/ 238.
(2) السيوطي، 262- 263، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 181.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 318

48- سورة الفتح‌

عن عروة، عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم قال: نزلت سورة الفتح بين مكة و المدينة في شأن الحديبية، من أولها إلي آخرها «1».
الآية: 1- قوله تعالي: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1).
أخرج الحاكم و غيره عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم قال: نزلت سورة الفتح بين مكة و المدينة في شأن الحديبية، من أولها إلي آخرها «2».
و عن المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية، و قد حيل بيننا و بين نسكنا، فنحن بين الحزن و الكآبة أنزل اللّه عزّ و جلّ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1). فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لقد أنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا و ما فيها كلها» «3».
و قال عطاء، عن ابن عباس: إن اليهود شمتوا بالنبي صلي اللّه عليه و سلم و المسلمين لما نزل قوله تعالي: وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ [سورة الأحقاف، الآية: 9]. و قالوا: كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به؟ فاشتد ذلك علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ «4».
الآية: 2- قوله تعالي: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2).
__________________________________________________
(1) النيسابوري 315.
(2) السيوطي 264، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 182.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 182.
(4) النيسابوري 315، و زاد المسير، ج 7/ 418، و تفسير القرطبي، ج 16/ 259- 260.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 319
و أخرج الشيخان و الترمذي و الحاكم «1» عن أنس قال: أنزلت علي النبي صلي اللّه عليه و سلم:
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «لقد نزلت عليّ آية أحب إليّ مما علي الأرض» ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئا مريئا لك يا رسول اللّه، قد بين اللّه لك ما ذا يفعل بك، فما ذا يفعل بنا؟ فنزلت: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ حتي بلغ: فَوْزاً عَظِيماً (5) «2».
الآية: 5- قوله تعالي: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ.
عن همام، عن قتادة، عن أنس قال: لما نزلت: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: هنيئا لك يا رسول اللّه ما أعطاك اللّه، فما لنا؟ فأنزل اللّه تعالي: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الآية «3».
و عن يزيد بن زريع قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: أنزلت هذه الآية علي النبي صلي اللّه عليه و سلم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) رجوعه من الحديبية، نزلت و أصحابه مخالطون الحزن، و قد حيل بينهم و بين نسكهم، و نحروا الهدي بالحديبية، فلما أنزلت هذه الآية قال لأصحابه: «لقد أنزلت عليّ آية خير من الدنيا جميعها». فلما تلاها النبي صلي اللّه عليه و سلم قال رجل من القوم: هنيئا مريئا يا رسول اللّه، قد بين اللّه ما يفعل بك، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل اللّه تعالي: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ الآية «4».
الآية: 18- قوله تعالي:* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18).
و أخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع قال: بينما نحن قائلون إذ نادي منادي
__________________________________________________
(1) السيوطي، 315- 316.
(2) صحيح مسلم برقم 1786.
(3) صحيح مسلم برقم 1786، و تفسير القرطبي، ج 16/ 264.
(4) النيسابوري 316، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 184.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 320
رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: يا أيها الناس، البيعة البيعة نزل روح القدس، فسرنا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فأنزل اللّه:* لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الآية «1».
الآية: 24- قوله تعالي: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24).
و أخرج مسلم و الترمذي و النسائي عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه ثمانون رجلا في السلاح من جبل التنعيم، يريدون غرة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأخذوا فأعتقهم فأنزل اللّه: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ الآية.
و أخرج مسلم نحوه من حديث سلمة بن الأكوع، و أحمد و النسائي نحوه من حديث عبد اللّه بن مغفل المزني، و ابن إسحاق نحوه من حديث ابن عباس «2».
عن أنس: أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من جبل التنعيم متسلحين، يريدون غرة النبي صلي اللّه عليه و سلم و أصحابه، فأخذهم أسراء فاستحياهم «3»، فأنزل اللّه تعالي: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ «4».
و قال عبد اللّه بن مغفل الهوني: كنا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالحديبية في أصل الشجرة «5» التي قال اللّه في القرآن «6»، فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي صلي اللّه عليه و سلم فأخذ اللّه تعالي بأبصارهم،
__________________________________________________
(1) السيوطي 265، و تفسير الطبري، ج 26/ 86، و زاد المسير، ج 7/ 434.
(2) السيوطي 265، و صحيح مسلم برقم 1786.
(3) يريدون غرة: يقصدون أن يغتنموا غفلتهم و انشغالهم في شأنهم ليغيروا عليهم و ينالوا منهم.
فاستحياهم: أبقاهم أحياء و لم يقتلهم.
(4) صحيح مسلم برقم 1808، و أبو داود برقم 2688، و الترمذي برقم 3264.
(5) أصل الشجرة أي: تحت ظلها و قريبا من جذعها.
(6) أي التي ذكرها اللّه تعالي في القرآن بقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [سورة: الفتح، الآية: 18].
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 321
و قمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «هل جئتم في عهد أحد، و هل جعل لكم أحد أمانا؟». قالوا: اللهم لا، فخلي سبيلهم، فأنزل اللّه تعالي: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ «1».
الآية: 25- قوله تعالي: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25).
و أخرج الطبراني و أبو يعلي عن أبي جمعة جنيد بن سبع قال: قاتلت النبيّ صلي اللّه عليه و سلم أول النهار كافرا، و قاتلت معه آخر النهار مسلما، و كنّا ثلاثة رجال و سبع نسوة، و فينا نزلت: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ الآية «2».
الآية: 27- قوله تعالي: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27).
أخرج الفريابي و عبد بن حميد و البيهقي في الدلائل عن مجاهد قال: أري النبي صلي اللّه عليه و سلم و هو بالحديبية أنه يدخل مكة هو و أصحابه آمنين محلّقين رءوسهم و مقصرين، فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك يا رسول اللّه؟ فنزلت: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا الآية «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 316- 317.
(2) السيوطي، 265- 266، و مسند أبي يعلي، ج 3/ 129، و رجاله ثقات، و مجمع الزوائد، ج 9/ 398.
(3) السيوطي 266، و زاد المسير، ج 7/ 242، و تفسير الطبري، ج 26/ 107.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 322

49- سورة الحجرات‌

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ.
عن ابن أبي مليكة: أن عبد اللّه بن الزبير أخبره: أنه قدم ركب من بني تميم علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد، و قال عمر: بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، و قال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتي ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إلي قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّي تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ [سورة الحجرات، الآية: 5] «1».
الآية: 2- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، كان في أذنه وقر، و كان جهوري الصوت، و كان إذا كلّم إنسانا جهر بصوته، فربما كان يكلم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيتأذي بصوته، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «2».
عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: أخبرنا ثابت، عن أنس: لما نزلت هذه الآية: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي، و أنا من أهل النار. فذكر ذلك لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «هو من أهل الجنة» «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 317، و أخرجه البخاري في صحيحه: التفسير/ الحجرات، باب: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، رقم: 4566، و زاد المسير، ج 7/ 454، و تفسير القرطبي، ج 16/ 300- 301، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 205.
(2) زاد المسير، ج 7/ 456.
(3) رواه مسلم في صحيحه: الإيمان، باب: مخافة المؤمن من أن يحبط عمله، رقم: 119، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 206، و تفسير القرطبي، ج 16/ 304.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 323
و قال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر و عمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلي اللّه عليه و سلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، و أشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، و قال عمر: ما أردت خلافك. و ارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل اللّه تعالي: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية.
و قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعد هذه الآية حتي يستفهمه «1».
الآية: 3- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ.
قال عطاء، عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالي: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ تألّي أبو بكر أن لا يكلّم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلا كأخي السرار، فأنزل اللّه تعالي في أبي بكر: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ «2».
عن حصين بن عمر الأحمسي قال: حدثنا مخارق، عن طارق، عن أبي بكر قال: لما نزلت علي النبي صلي اللّه عليه و سلم: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوي قال أبو بكر: فآليت علي نفسي أن لا أكلّم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلا كأخي السرار «3».
الآية: 4- قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4).
عن محمد بن يحيي العتكي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: حدثنا داود الطفواي قال: حدثنا أبو مسلم البجلي قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أتي ناس النبي صلي اللّه عليه و سلم فجعلوا ينادونه و هو في الحجرة: يا محمد، يا محمد، فأنزل اللّه تعالي:
__________________________________________________
(1) النيسابوري 317، و انظر صحيح البخاري برقم 4845.
(2) النيسابوري 317، و تفسير القرطبي، ج 16/ 308، و زاد المسير في علم التفسير، ج 7/ 457.
(3) المستدرك للحاكم، ج 3/ 74، و في سنده حصين بن عمر و هو واه، و مجمع الزوائد، ج 7/ 108.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 324
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) «1».
و قال محمد بن إسحاق و غيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم علي النبي صلي اللّه عليه و سلم فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلي اللّه عليه و سلم من وراء حجرته: أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين و إن ذمنا شين. فآذي ذلك من صياحهم النبي صلي اللّه عليه و سلم، فخرج إليهم فقالوا:
إنا جئناك يا محمد نفاخرك، و نزل فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4). و كان فيهم: الأقرع بن حابس، و عيينة بن حصن، و الزبرقان بن بدر، و قيس بن عاصم «2».
الآية: 6- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا.
نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي بني المصطلق مصدقا، و كان بينه و بينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم تلقوه تعظيما للّه تعالي و لرسوله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم، فرجع من الطريق إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم و أرادوا قتلي. فغضب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و همّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قالوا: سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه و نكرمه، و نؤدي إليه ما قبلنا من حق اللّه تعالي، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، و إنا نعوذ باللّه من غضبه و غضب رسوله. فأنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا يعني الوليد بن عقبة «3».
و في رواية أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعث الوليد بن عقبة إلي الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتي بلغ بعض الطريق فرق، فرجع فقال: يا رسول اللّه، إن الحارث منعني الزكاة و أراد قتلي. فضرب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم البعث إلي الحارث، و أقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث و قد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلي من بعثتم؟ قالوا: إليك،
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 4/ 208.
(2) النيسابوري 319، و السيوطي، 268- 269، و تفسير القرطبي، ج 16/ 309.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 208- 209، و تفسير القرطبي، ج 16/ 311.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 325
قال: و لم؟ قالوا: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فرجع إليه فزعم أنك منعته الزكاة و أردت قتله. قال: و الذي بعث محمدا بالحق ما رأيته و لا أتاني. فلما أن دخل الحارث علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال: «منعت الزكاة و أردت قتل رسولي». قال:
لا و الذي بعثك، ما رأيت رسولك، و لا أتاني، و لا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولك، خشية أن يكون سخط من اللّه و رسوله. فنزلت في الحجرات: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلي ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) إلي قوله تعالي: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) [سورة الحجرات، الآية: 8] «1».
الآية: 9- قوله تعالي: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا.
عن معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أنس قال: قلت: يا نبي اللّه، لو أتيت عبد اللّه بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلي اللّه عليه و سلم، فركب حمارا، و انطلق المسلمون يمشون، و هي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: إليك عني، فو اللّه لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار: لحمار رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبد اللّه رجل من قومه، و غضب لكل واحد منهما أصحابه، و كان بينهم ضرب بالجريد و الأيدي و النعال. فبلغنا أنه أنزلت فيهم: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما «2».
الآية: 11- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، و ذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أوسعوا له حتي يجلس إلي جنبه فيسمع ما يقول، فجاء يوما و قد أخذ الناس مجالسهم، فجعل يتخطي رقاب الناس و يقول: تفسحوا تفسحوا. فقال له
__________________________________________________
(1) مسند أحمد، ج 4/ 279، و المعجم الكبير للطبراني، ج 3/ 274، و مجمع الزوائد، ج 7/ 109، و قال: رجال أحمد ثقات.
(2) النيسابوري 324، و السيوطي، 270- 271، و رواه البخاري في صحيحه: أول كتاب الصلح، باب: ما جاء في الإصلاح بين الناس، رقم: 2545، و مسلم في صحيحه: الجهاد و السير، باب: في دعاء النبي صلي اللّه عليه و سلم و صبره علي أذي المنافقين، رقم: 1799، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 211، و تفسير القرطبي، ج 16/ 315- 316.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 326
رجل: قد أصبت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت مغضبا، فغمز الرجل فقال: من هذا؟
فقال: أنا فلان. فقال ثابت: ابن فلانة؟ و ذكر أما كانت له يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياء، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
قوله تعالي: وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسي أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ. نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم سخرتا من أم سلمة، و ذلك أنها ربطت حقويها بسبنية، و هي ثوب أبيض، و سدلت طرفها خلفها، فكانت تجرّه. فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجر خلفها، كأنه لسان كلب. فهذا كان سخريتها «2».
و قال أنس: نزلت في نساء النبي صلي اللّه عليه و سلم، عيرن أم سلمة بالقصر.
و قال عكرمة، عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقالت: إن النساء يعيرنني، و يقلن: يا يهودية بنت يهوديين. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «هلا قلت: إن أبي هارون، و إن عمي موسي، و إن زوجي محمد». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
قوله تعالي: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ. عن داود بن هند، عن الشعبي، عن أبي جبيرة بن الضحاك، عن أبيه و عمومته قالوا: قدم علينا النبي عليه السلام، فجعل الرجل يدعو للرجل ينبزه، فيقال: يا رسول اللّه، إنه يكرهه، فنزلت: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ «4».
الآية: 13- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثي
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس، و قوله في الرجل الذي لم يفسح له:
ابن فلانة؟ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «من الذاكر فلانة؟». فقام ثابت فقال: أنا يا رسول اللّه، فقال: «انظر في وجوه القوم». فنظر، فقال: «ما رأيت يا ثابت؟» فقال: رأيت أبيض و أحمر و أسود. قال: «فإنك لا تفضلهم إلا في الدين و التقوي». فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «5».
__________________________________________________
(1) تفسير زاد المسير، ج 7/ 465، و تفسير القرطبي، ج 16/ 324- 325.
(2) تفسير القرطبي، ج 16/ 326.
(3) النيسابوري 325، و تفسير القرطبي، ج 16/ 326.
(4) سنن أبي داود برقم 4962، و الترمذي برقم 3268، و قال: حسن صحيح.
(5) تفسير ابن كثير، ج 4/ 217.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 327
الآية: 14- قوله تعالي:* قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا.
نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة، قدموا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة في سنة جدبة، و أظهروا الشهادتين و لم يكونوا مؤمنين في السر، و أفسدوا طرق المدينة بالعذرات، و أغلوا أسعارها، و كانوا يقولون لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: أتيناك بالأثقال و العيال، و لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا من الصدقة. و جعلوا يمنون عليه، فأنزل اللّه تعالي فيهم هذه الآية «1».
الآية: 17- قوله تعالي: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (17).
قوله تعالي: يَمُنُّونَ الآية. أخرج الطبراني بسند حسن عن عبد اللّه بن أبي أوفي أن ناسا من العرب قالوا: يا رسول اللّه، أسلمنا و لم نقاتلك و قاتلك بنو فلان، فأنزل اللّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية.
و أخرج البزار من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله.
و أخرج ابن أبي حاتم مثله عن الحسن و أن ذلك لما فتحت مكة.
و أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي قال: قدم عشرة نفر من بني أسد علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سنة تسع، و فيهم طلحة بن خويلد، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في المسجد مع أصحابه، فسلموا و قال متكلمهم: يا رسول اللّه، إنا شهدنا أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أنك عبده و رسوله، و جئناك يا رسول اللّه و لم تبعث إلينا بعثا، و نحن لمن وراءنا سلم، فأنزل اللّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية.
و أخرج سعيد بن منصور في سننه عن سعيد بن جبير قال: أتي قوم من الأعراب من بني أسد النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: جئناك و لم نقاتلك، فأنزل اللّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 327، و زاد المسير، ج 7/ 475- 476، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 219- 220، و تفسير القرطبي، ج 16/ 348.
(2) السيوطي، 272- 273، و انظر فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 68- 69.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 328

50- سورة ق‌

الآية: 38- قوله تعالي: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38).
قال الحسن و قتادة: قالت اليهود: إن اللّه خلق الخلق في ستة أيام، و استراح يوم السابع و هو يوم السبت. يسمونه يوم الراحة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
عن ابن عباس: أن اليهود أتت النبي صلي اللّه عليه و سلم فسألت عن خلق السموات و الأرض، فقال: «خلق اللّه الأرض يوم الأحد و الاثنين، و خلق الجبال يوم الثلاثاء، و خلق السموات يوم الأربعاء و الخميس، و خلق يوم الجمعة النجوم و الشمس و القمر». قالت اليهود: ثم ما ذا يا محمد؟ قال: «ثم استوي علي العرش». قالوا: قد أصبت لو تممت: ثم استراح. فغضب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم غضبا شديدا، فنزلت: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ «2».
أخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس: أن اليهود أتت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسألته عن خلق السموات و الأرض، فقال: «خلق اللّه الأرض يوم الأحد و الاثنين، و خلق الجبال يوم الثلاثاء و ما فيهن من منافع، و خلق يوم الأربعاء الشجر و الماء و المدائن و العمران و الخراب، و خلق يوم الخميس السماء، و خلق يوم الجمعة النجوم و الشمس و القمر و الملائكة إلي ثلاث ساعات بقين منه، فخلق في أول ساعة الآجال حتي يموت من مات، و في الثانية ألقي الآفة علي كل شي‌ء مما ينتفع به الناس، و في الث 3 لثة خلق آدم و أسكنه الجنة، و أمر إبليس بالسجود له و أخرجه منها في آخر ساعة»، قالت اليهود: ثم ما ذا يا محمد؟ قال: «ثم استوي علي العرش»، قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثم
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 8/ 22، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 229، و تفسير القرطبي، ج 17/ 24.
(2) النيسابوري 328، و انظر تفسير الطبري، ج 26/ 112.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 329
استراح، فغضب النبي صلي اللّه عليه و سلم غضبا شديدا، فنزل: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلي ما يَقُولُونَ «1».
و أخرج ابن جرير من طريق عمرو بن قيس الملائي عن ابن عباس قال: قالوا:
يا رسول اللّه، لو خوفتنا، فنزلت: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45) [سورة ق، الآية: 45]، ثم أخرج عن عمر مرسلا مثله «2».
__________________________________________________
(1) المستدرك للحاكم، ج 2/ 543، و قال الذهبي: فيه أبو سعيد البقال، لا يكتب حديثه.
(2) السيوطي 274، و تفسير الطبري، ج 26/ 115.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 330

51- سورة الذاريات‌

الآية: 19- قوله تعالي: وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (19).
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الحنفية: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعث سرية فأصابوا و غنموا، فجاء قوم بعد ما فرغوا، فنزلت: وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (19) «1».
الآيتان: 54- 55- قوله تعالي: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55).
و أخرج أيضا ابن منيع و ابن راهويه و الهيثم بن كليب في مسانيدهم من طريق مجاهد عن علي قال: لما نزلت: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) لم يبق منا أحد إلا أيقن بالهلكة إذ أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم أن يتولي عنا، فنزلت: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) فطابت أنفسنا.
و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما نزلت: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ الآية، اشتد علي أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و رأوا أن الوحي قد انقطع و أن العذاب قد حضر، فأنزل اللّه: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْري تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 275، و تفسير الطبري، ج 26/ 125.
(2) السيوطي 275، و تفسير الطبري، ج 27/ 7، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 238.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 331

52- سورة الطور

الآية: 30- قوله تعالي: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30).
أخرج ابن جرير عن ابن عباس: أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندرة في أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتي يهلك، كما هلك من قبله من الشعراء زهير و النابغة، فإنما هو كأحدهم، فأنزل اللّه في ذلك: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 276، و تفسير الطبري، ج 27/ 19، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 243.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 332

53- سورة النجم‌

الآية: 32- قوله تعالي: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقي (32).
أخرج الواحدي و الطبراني و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول: إذا هلك لهم صبي صغير هو صديق، فبلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: «كذبت اليهود ما من نسمة يخلقه اللّه في بطن أمه إلا و يعلم أنه شقي أو سعيد»، فأنزل اللّه عند ذلك هذه الآية: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ الآية «1».
الآيتان: 33- 41- قوله تعالي: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي (33)، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفي (41) و أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: أن النبي صلي اللّه عليه و سلم خرج في غزوة، فجاء رجل يريد أن يحمل فلم يجد ما يخرج عليه، فلقي صديقا له فقال: أعطني شيئا، فقال: أعطيك بكري هذا علي أن تتحمل ذنوبي، فقال له: نعم، فأنزل اللّه: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي (33) الآيات.
و أخرج عن دراج أبي السمح قال: خرجت سرية غازية، فسأل رجل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يحمله، فقال: «لا أجد ما أحملك عليه»، فانصرف حزينا، فمر برجل رحاله منيخة بين يديه، فشكا إليه، فقال الرجل: هل لك أن أحملك فتلحق الجيش بحسناتك، فقال: نعم، فركب، فنزلت: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي (33) إلي قوله: ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفي (41).
__________________________________________________
(1) السيوطي 277، و النيسابوري 328، و تفسير القرطبي، ج 17/ 110.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 333
و أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: إن رجلا أسلم فلقيه بعض من يعيره، فقال:
أ تركت دين الأشياخ و ضللتهم و زعمت أنهم في النار؟ قال: إني خشيت عذاب اللّه، قال: أعطني شيئا و أنا أحمل كل عذاب كان عليك، فأعطاه شيئا فقال: زدني، فتعاسرا حتي أعطاه شيئا و كتب كتابا و أشهد له، ففيه نزلت هذه الآية: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي (33) وَ أَعْطي قَلِيلًا وَ أَكْدي (34) «1».
قال ابن عباس و السدي و الكلبي و المسيب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان، كان يتصدق و ينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة عبد اللّه بن أبي سرح:
ما هذا الذي تصنع؟ يوشك أن لا يبقي لك شيئا. فقال عثمان: إن لي ذنوبا و خطايا، و إني أطلب بما أصنع رضا اللّه سبحانه و تعالي، و أرجو عفوه. فقال له عبد اللّه: أعطني ناقتك برحلها، و أنا أتحمل عنك ذنوبك كلها. فأعطاه و أشهد عليه، و أمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل اللّه تبارك و تعالي: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي (33) وَ أَعْطي قَلِيلًا وَ أَكْدي (34) فعاد عثمان إلي أحسن ذلك و أجمله «2».
و قال مجاهد و ابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، و كان قد اتبع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي دينه، فعيره بعض المشركين و قال: لم تركت دين الأشياخ و ضللتهم، و زعمت أنهم في النار؟ قال: إني خشيت عذاب اللّه. فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله و رجع إلي شركه أن يتحمل عنه عذاب اللّه سبحانه و تعالي، فأعطي الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له، ثم بخل و منعه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
الآية: 43- قوله تعالي: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكي (43).
عن محمد بن أبي بكر المقدمي قال: أخبرتنا دلالة بنت أبي المدل قالت:
حدثتنا الصهباء، عن عائشة قالت: مر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بقوم يضحكون، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا و لضحكتم قليلا». فنزل عليه جبريل عليه السلام بقوله:
وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكي (43) فرجع إليهم فقال: «ما خطوت أربعين خطوة حتي أتاني
__________________________________________________
(1) السيوطي 278، و تفسير الطبري، ج 27/ 41- 44، و انظر تفسير زاد المسير، ج 8/ 77- 78.
(2) تفسير القرطبي، ج 17/ 111.
(3) النيسابوري 329، و تفسير القرطبي، ج 17/ 112.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 334
جبريل عليه السلام، فقال: ائت هؤلاء و قل لهم: إن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكي (43) «1».
الآية: 61- قوله تعالي: وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ (61).
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا يمرون علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو يصلي شامخين، فنزلت: وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ (61) «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 330، و تفسير القرطبي، ج 17/ 116.
(2) السيوطي 278، و تفسير الطبري، ج 27/ 49، و لفظه: عن مجاهد قال: كانوا يمرّون علي النبي صلي اللّه عليه و سلم غضابا مبرطمين.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 335

54- سورة القمر

الآية: 1- قوله تعالي: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (1).
عن أبي الضحي، عن مسروق، عن عبد اللّه قال: انشق القمر علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فاسألوا السفار، فسألوهم فقالوا: نعم قد رأينا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) «1».
الآية: 45- قوله تعالي: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45).
و أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قالوا يوم بدر: نحن جميع منتصر، فنزلت: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) «2».
الآية: 47- قوله تعالي: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ (47).
و أخرج مسلم و الترمذي عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في القدر فنزلت: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ (47) إلي قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) [سورة القمر، الآية: 49] «3».
عن أبي أمامة الباهلي يقول: أشهد باللّه لسمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يقول: «إن هذه الآية نزلت في القدرية: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلي وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)» «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 330، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 262، و تفسير القرطبي، ج 17/ 126- 127.
(2) السيوطي 279، و تفسير القرطبي، ج 17/ 146، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 266.
(3) مسلم: كتاب القدر، باب: كل شي‌ء خلقه بقدر، رقم: 2656، و السيوطي 279، و النيسابوري 331، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 267.
(4) تفسير ابن كثير، ج 4/ 267، و زاد المسير، ج 8/ 101، و الدر المنثور، ج 6/ 137.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 336

56- سورة الواقعة

الآيتان: 13- 14- قوله تعالي: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14).
أخرج أحمد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال: لما نزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) شق ذلك علي المسلمين، فنزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40).
و أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بسند فيه نظر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد اللّه قال: لما نزلت: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) [سورة الواقعة، الآية: 1] و ذكر فيها: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) قال عمر: يا رسول اللّه، ثلة من الأولين و قليل منا؟ فأمسك آخر السورة سنة، ثم نزلت: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40) فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «يا عمر، تعال فاسمع ما قد أنزل اللّه: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40).
و أخرجه ابن أبي حاتم عن عروة بن رويم مرسلا «1».
الآية: 27- قوله تعالي: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27).
و أخرج سعيد بن منصور في سننه، و البيهقي في البعث، عن عطاء و مجاهد قالا:
لما سأل أهل الطائف الوادي يحمي لهم و فيه عسل ففعل، و هو واد معجب، فسمعوا الناس يقولون: إن في الجنة كذا و كذا، قالوا: يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي، فأنزل اللّه: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) الآيات «2».
الآية: 29- قوله تعالي: وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29).
__________________________________________________
(1) السيوطي 281، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 284- 285، و تفسير القرطبي، ج 17/ 200- 201.
(2) السيوطي 282، و تفسير القرطبي، ج 17/ 207.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 337
و أخرج البيهقي من وجه آخر عن مجاهد قال: كانوا يعجبون بوجّ- واد في الطائف- و ظلاله و طلحه و سدره، فأنزل اللّه: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) «1».
و في تفسير ابن كثير، عن أبي سعيد: وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) قال: الموز.
الآيتان: 39- 40- قوله تعالي: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ.
قال عروة بن رويم: لما أنزل اللّه تعالي: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) [سورة الواقعة، الآيتان: 13- 14] بكي عمر و قال: يا رسول اللّه، آمنا بك و صدقناك، و مع هذا كله من ينجو منا قليل؟ فأنزل اللّه تعالي: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40). فدعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عمر فقال: «يا عمر بن الخطاب، قد أنزل اللّه فيما قلت، فجعل ثلة من الأولين و ثلة من الآخرين». فقال عمر: رضينا عن ربنا و تصديق نبينا، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «من آدم إلينا ثلة، و مني إلي يوم القيامة ثلة، و لا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا اللّه» «2».
الآية: 75- قوله تعالي:* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75).
و أخرج مسلم عن ابن عباس قال: مطر الناس علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أصبح من الناس شاكر و منهم كافر»، قالوا: هذه رحمة وضعها اللّه، و قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات:* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) حتي بلغ: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) [سورة الواقعة، الآية: 82] «3».
و أخرج ابن أبي حاتم عن أبي حزرة قال: نزلت هذه الآيات في رجل من الأنصار في غزوة تبوك، نزلوا الحجر فأمرهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن لا يحملوا من مائها شيئا، ثم ارتحل و نزل منزلا آخر و ليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقام فصلي ركعتين ثم دعا، فأرسل اللّه سحابة فأمطرت عليهم حتي استقوا منها. فقال رجل من الأنصار
__________________________________________________
(1) السيوطي 282، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 288.
(2) النيسابوري، 332- 333، و هذه الرواية لا تصح، فقد ذكرها النيسابوري بغير إسناد.
(3) صحيح مسلم برقم 127/ 73، كتاب الإيمان.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 338
لآخر من قومه يتّهم بالنفاق: ويحك أما تري ما دعا النبي صلي اللّه عليه و سلم فأمطر اللّه علينا السماء؟
فقال: إنما مطرنا بنوء كذا و كذا «1».
الآية: 82- قوله تعالي: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82).
عن النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال:
حدثني ابن عباس قال: مطر الناس علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«أصبح من الناس شاكر و منهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها اللّه تعالي، و قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا». فنزلت هذه الآيات:* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) حتي بلغ: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) «2».
و روي أن النبي صلي اللّه عليه و سلم خرج في سفر فنزلوا، و أصابهم العطش، و ليس معهم ماء، فذكروا ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: «أ رأيتم إن دعوت لكم فسقيتم، فلعلكم تقولون: سقينا هذا المطر بنوء كذا». فقالوا: يا رسول اللّه، ما هذا بحين الأنواء، قال: فصلي ركعتين، و دعا اللّه تبارك و تعالي، فهاجت ريح، ثم هاجت سحابة، فمطروا حتي سالت الأودية و ملئوا الأسقية، ثم مر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم برجل يغترف بقدح له و يقول: سقينا بنوء كذا، و لم يقل: هذا من رزق اللّه سبحانه، فأنزل اللّه سبحانه: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) «3».
عن عبيد اللّه بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال:
أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة: أن أبا هريرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أ لم تروا إلي ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت علي عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين، يقول: الكوكب و بالكوكب» «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي 281، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 297- 298.
(2) النيسابوري 333، و رواه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب: كفر من قال مطرنا بنوء كذا، رقم: 73، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 299.
(3) الدر المنثور، ج 6/ 162.
(4) النيسابوري، 333- 334، و مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، باب: بيان كفر من قال مطرنا بالنوء، رقم: 72، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 299.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 339

57- سورة الحديد

الآية: 10- قوله تعالي: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ.
عن سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر قال: بينا النبي صلي اللّه عليه و سلم جالس و عنده أبو بكر الصديق، و عليه عباءة قد خلها علي صدره بخلال، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فأقرأه من اللّه السلام، و قال: يا محمد، ما لي أري أبا بكر عليه عباءة، قد خلها علي صدره بخلال؟ فقال: يا جبريل، أنفق ماله قبل الفتح عليّ». قال: فأقرئه من اللّه سبحانه و تعالي السلام، و قل له: يقول لك ربك: أ راض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلي اللّه عليه و سلم إلي أبي بكر فقال: «يا أبا بكر، هذا جبريل يقرئك من اللّه سبحانه السلام، و يقول لك ربك: أ راض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط». فبكي أبو بكر و قال: علي ربي أغضب؟ أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض «1».
الآية: 16- قوله تعالي:* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ.
قال الكلبي و مقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، و ذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عما في التوراة، فإن فيها العجائب. فنزلت هذه الآية [و هذا غير صحيح فهي في الذين آمنوا]. و قال غيرهما: نزلت في المؤمنين [و هذا هو الصحيح «2».
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد العزيز بن أبي رواد أن أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم ظهر فيهم المزاح و الضحك، فنزلت:* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية.
__________________________________________________
(1) أسباب النزول للنيسابوري 334، و في إسناده العلاء بن عمرو تكلّم فيه ابن حبان في المجروحين، ج 2/ 185.
(2) النيسابوري، 334- 335، و زاد المسير، ج 8/ 167.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 340
و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: كان أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم قد أخذوا في شي‌ء من المزاح، فأنزل اللّه:* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ الآية.
و أخرج عن السدي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ملة، فقالوا:
حدثنا يا رسول اللّه، فأنزل اللّه: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [سورة يوسف، الآية: 3]، ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يا رسول اللّه، فأنزل اللّه:* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ الآية.
و أخرج ابن المبارك في الزهد: أنبأنا سفيان عن الأعمش قال: لما قدم أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة فأصابوا من العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه، فنزلت:* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ الآية «1».
و عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أنزل القرآن زمانا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول اللّه، لو قصصت؟ فأنزل اللّه تعالي: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول اللّه، لو حدثتنا؟ فأنزل اللّه تعالي: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [سورة الزمر، الآية: 23]، قال: كل ذلك يؤمرون بالقرآن «2».
قال خلاد: و زاد فيه آخر: قالوا: يا رسول اللّه، لو ذكرتنا؟ فأنزل اللّه تعالي:
* أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ «3».
الآية: 28- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28).
__________________________________________________
(1) السيوطي 283، و انظر تفسير زاد المسير، ج 8/ 167- 168، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 310، و تفسير القرطبي، ج 17/ 248- 249.
(2) المستدرك للحاكم، ج 2/ 345، و صححه و أقره الذهبي.
(3) النيسابوري 335.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 341
أخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه من لا يعرف، عن ابن عباس: أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فشهدوا معه أحدا فكانت فيهم جراحات و لم يقتل منهم أحد، فلما رأوا ما بالمؤمنين من الحاجة قالوا: يا رسول اللّه، إنا أهل ميسرة فأذن لنا نجي‌ء بأموالنا نواسي بها المسلمين، فأنزل اللّه فيهم: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) الآيات [سورة القصص، الآية: 52]. فلما نزلت قالوا:
يا معشر المسلمين، أما من آمن منا بكتابكم فله أجران، و من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الآية.
و أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما نزلت: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا [سورة القصص، الآية: 54]. فخر مؤمنو أهل الكتاب علي أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا:
لنا أجران و لكم أجر، فاشتد ذلك علي الصحابة، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الآية، فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب «1».
الآية: 29- قوله تعالي: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلي شَيْ‌ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29).
و أخرج ابن جرير عن قتادة قال: بلغنا أنه لما نزلت: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل اللّه: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الآية.
و أخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: قالت اليهود: يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي و الأرجل، فلما خرج من العرب كفروا، فأنزل اللّه: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الآية، يعني بالفضل النبوة «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 284، و انظر تفسير زاد المسير، ج 8/ 178، و تفسير القرطبي، ج 17/ 266، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 317.
(2) النيسابوري، 284- 285، و تفسير القرطبي، ج 17/ 268.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 342

58- سورة المجادلة

الآية: 1- قوله تعالي: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1).
أخرج الحاكم و صححه عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شي‌ء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة و يخفي عليّ بعضه، و هي تشتكي زوجها إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و تقول: يا رسول اللّه، أكل شبابي، و نثرت له بطني حتي إذا كبرت سني و انقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك. فما برحت حتي نزل جبريل بهذه الآية: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها و هو أوس بن الصامت «1».
عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمد للّه الذي توسع لسمع الأصوات كلها، لقد جاءت المجادلة، فكلمت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أنا في جانب البيت، لا أدري ما يقول، فأنزل اللّه تعالي: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها «2».
الآية: 2- قوله تعالي: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ.
عن محمد بن بكار قال: أخبرنا سعيد بن بشير، أنه سأل قتادة عن الظهار، قال:
فحدثني أن أنس بن مالك قال: إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة، فشكت ذلك إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالت: ظاهر مني حين كبر سنّي و رقّ عظمي. فأنزل اللّه تعالي آية الظهار، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لأوس: «أعتق رقبة»، فقال: ما لي بذلك يدان قال: «فصم شهرين متتابعين»، قال: أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم كلّ
__________________________________________________
(1) الحاكم في المستدرك، ج 2/ 481، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 318، و تفسير الطبري، ج 28/ 2- 3، و النسائي في التفسير برقم 950، و ابن ماجة في سننه برقم 188.
(2) النيسابوري 336، و تفسير القرطبي، ج 17/ 269- 270.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 343
بصري. قال: «فأطعم ستين مسكينا»، قال: لا أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة.
قال: فأعانه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بخمسة عشر صاعا، حتي جمع اللّه له، و اللّه رحيم، و كانوا يرون أن عنده مثلها، و ذلك ستون مسكينا «1».
عن محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد اللّه بن حنظلة، عن يوسف بن عبد اللّه بن سلام قال: حدثتني خويلة بنت ثعلبة، و كانت عند أوس بن الصامت، أخي عبادة بن الصامت، قالت: دخل علي ذات يوم و كلمني بشي‌ء و هو فيه كالضجر، فراددته فغضب، فقال: أنت علي كظهر أمي. ثم خرج في نادي قومه، ثم رجع إليّ فراودني عن نفسي، فامتنعت منه، فشادني فشاددته، فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف، فقلت: كلا و الذي نفس خويلة بيده، لا تصل إليّ حتي يحكم اللّه تعالي فيّ و فيك بحكمه. ثم أتيت النبي صلي اللّه عليه و سلم أشكو ما لقيت، فقال: «زوجك و ابن عمك، اتقي اللّه و أحسني صحبته». فما برحت حتي نزل القرآن: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها إلي قوله: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) حتي انتهي إلي الكفارة. قال: «مريه فليعتق رقبة»، قلت: يا نبي اللّه، و اللّه ما عنده رقبة يعتقها. قال: «مريه فليصم شهرين متتابعين»، قلت: يا نبي اللّه، شيخ كبير ما به من صيام. قال: «فليطعم ستين مسكينا»، قلت: يا نبي اللّه، و اللّه ما عنده ما يطعم. قال: «بلي، سنعينه بعرق من تمر» مكتل يسع ثلاثين صاعا. قالت: قلت: و أنا أعينه بعرق آخر. قال: «قد أحسنت، فليتصدق» «2».
الآية: 8- قوله تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوي إلي قوله: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ.
قال ابن عباس و مجاهد: نزلت في اليهود و المنافقين، و ذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، و ينظرون إلي المؤمنين و يتغامزون بأعينهم، فإذا رأي المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا و قد بلغهم عن أقربائنا و إخواننا الذين خرجوا في
__________________________________________________
(1) النيسابوري 337، و الدر المنثور للسيوطي، ج 6/ 180، و انظر تفسير القرطبي، ج 17/ 273- 275.
(2) النيسابوري، 337- 338، و مسند أحمد، ج 6/ 410، و أبو داود في سننه 2214- 2215، و البيهقي في سننه، ج 7/ 389.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 344
السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم و يحزنهم، فلا يزالون كذلك حتي يقدم أصحابهم و أقرباؤهم، فلما طال ذلك و كثر شكوا إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، و عادوا إلي مناجاتهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
قوله تعالي: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ الآية. عن قتيبة بن سعيد قال:
أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم. فقلت: السام عليكم، و فعل اللّه بكم. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «مه يا عائشة، فإن اللّه تعالي لا يحب الفحش و لا التفحش». فقلت: يا رسول اللّه، أ لست أدري ما يقولون؟ قال: «أ لست ترين أردّ عليهم ما يقولون؟ أقول: و عليكم». و نزلت هذه الآية في ذلك: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [و السامّ: الموت «2».
عن زهير بن محمد قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: أخبرنا شيبان عن قتادة، عن أنس: أن يهوديا أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: السام عليك. فرد القوم، فقال نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم:
«هل تدرون ما قال؟»، قالوا: اللّه و رسوله أعلم يا نبي اللّه. قال: «لا، و لكن قال كذا و كذا، ردوه عليّ». فردوه عليه، فقال: «قلت: السام عليكم»، قال: نعم. فقال نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم عند ذلك: «إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: عليك»، أي: عليك ما قلت، و نزل قوله تعالي: وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ «3».
الآية: 11- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ.
قال مقاتل: كان النبي صلي اللّه عليه و سلم في الصفة و في المكان ضيق، و ذلك يوم الجمعة، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يكرم أهل بدر من المهاجرين و الأنصار، فجاء ناس من أهل بدر
__________________________________________________
(1) النيسابوري 338، و زاد المسير لابن الجوزي، ج 8/ 188، و تفسير القرطبي، ج 17/ 391، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 323.
(2) صحيح مسلم برقم 2165- 11.
(3) النيسابوري 339، و سنن الترمذي برقم 3301، و قال: حسن صحيح.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 345
و قد سبقوا إلي المجلس، فقاموا حيال النبي صلي اللّه عليه و سلم علي أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، و شق ذلك علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال لمن حوله من غير أهل بدر:
«قم يا فلان، و أنت يا فلان». فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك علي من أقيم من مجلسه، و عرف النبي صلي اللّه عليه و سلم الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين: أ لستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس، فو اللّه ما عدل علي هؤلاء، قوم أخذوا مجالسهم و أحبوا القرب من نبيهم، أقامهم و أجلس من أبطأ عنهم مقامهم؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 12- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ.
قال مقاتل بن حيان: نزلت الآية في الأغنياء، و ذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلي اللّه عليه و سلم فيكثرون مناجاته، و يغلبون الفقراء علي المجالس، حتي كره رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذلك من طول جلوسهم و مناجاتهم، فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه الآية، و أمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا، و أما أهل الميسرة فبخلوا، و اشتد ذلك علي أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم، فنزلت الرخصة.
و قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: إن في كتاب اللّه لآية ما عمل بها أحد قبلي، و لا يعمل بها أحد بعدي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ كان لي دينار فبعته، و كنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتي نفد، فنسخت بالآية الأخري:
أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ [سورة المجادلة، الآية: 13] «2».
الآيتان: 14- 18- قوله تعالي:* أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلي شَيْ‌ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18).
قال السدي و مقاتل: نزلت في عبد اللّه بن نبتل المنافق، كان يجالس النبي صلي اللّه عليه و سلم،
__________________________________________________
(1) النيسابوري 339، و السيوطي 286، و الدر المنثور، ج 6/ 184، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 324، و تفسير القرطبي، ج 17/ 296.
(2) النيسابوري 340، و السيوطي 287، و زاد المسير، ج 8/ 194- 195، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 326- 327.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 346
ثم يرفع حديثه إلي اليهود، فبينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في حجرة من حجره إذ قال: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار، و ينظر بعيني شيطان». فدخل عبد اللّه بن نبتل، و كان أزرق، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «علام تشتمني أنت و أصحابك»، فحلف باللّه ما فعل ذلك، فقال له النبي صلي اللّه عليه و سلم: «فعلت». فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما سبّوه، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و عن زهير بن معاوية، أخبرنا سماك بن حرب قال: حدثني سعيد بن جبير: أن ابن عباس حدّثه: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم كان في ظل حجرة من حجره و عنده نفر من المسلمين، قد كاد الظل يقلص عنهم، فقال لهم: «إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين شيطان، و إذا أتاكم فلا تكلموه». فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و كلّمه، فقال: «علام تشتمني أنت و فلان و فلان». نفر دعا بأسمائهم، فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا باللّه و اعتذروا إليه، فأنزل اللّه تعالي: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلي شَيْ‌ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18) «2».
الآية: 22- قوله تعالي: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ.
قال ابن جريج: حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلي اللّه عليه و سلم، فصكّه أبو بكر صكّة شديدة سقط منها، ثم ذكر ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم، قال: «أ و فعلته؟»، قال: نعم. قال: «فلا تعد إليه»، فقال أبو بكر: و اللّه لو كان السيف قريبا مني لقتلته. فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه الآية «3».
و روي عن ابن مسعود أنه قال: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبد اللّه بن الجراح يوم أحد، و في أبي بكر، دعا ابنه يوم بدر إلي البراز، فقال:
يا رسول اللّه، دعني أكن في الرعلة الأولي. فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «متعنا بنفسك يا أبا
__________________________________________________
(1) النيسابوري 340، و السيوطي 287، و الدر المنثور للسيوطي، ج 6/ 176.
(2) النيسابوري 341، و الحاكم في المستدرك، ج 2/ 482، و صححه و أقره الذهبي، و مسند أحمد، ج 1/ 240، و مجمع الزوائد، ج 7/ 122، و قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
(3) زاد المسير، ج 8/ 198.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 347
بكر، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي و بصري؟». و في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد، و في عمر، قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، و في علي و حمزة، قتلوا عتبة و شيبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة يوم بدر، و ذلك قوله:
وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ «1».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 342، و السيوطي 288، و تفسير القرطبي، ج 17/ 307. و تفسير ابن كثير ج 4/ 329.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 348

59- سورة الحشر

الآية: 2- قوله تعالي: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ.
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير، و ذلك أن النبي صلي اللّه عليه و سلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير علي أن لا يقاتلوه و لا يقاتلوا معه، و قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذلك منهم، فلما غزا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بدرا و ظهر علي المشركين، قالت بنو النضير: و اللّه إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة، لا ترد له راية. فلما غزا أحدا و هزم المسلمون نقضوا العهد، و أظهروا العداوة لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و المؤمنين، فحاصرهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة «1».
عن عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم: أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلي اليهود: إنكم أهل الحلقة و الحصون، و إنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا، و لا يحول بيننا و بين خدم نسائكم و بين الخلاخل شي‌ء. فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر، و أرسلوا إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم أن أخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، و ليخرج معنا ثلاثون حبرا، حتي نلتقي بمكان نصف بيننا و بينك، ليسمعوا منك، فإن صدقوك و آمنوا بك آمنا بك كلنا. فخرج النبي صلي اللّه عليه و سلم في ثلاثين من أصحابه و خرج إليه ثلاثون حبرا من اليهود، حتي إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلصون إليه و معه ثلاثون رجلا من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا: كيف نتفق و نحن ستون رجلا؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك و تخرج إليك ثلاثة من علمائنا، إن آمنوا بك آمنا بك كلنا و صدقناك. فخرج النبي صلي اللّه عليه و سلم في ثلاثة من أصحابه و خرج ثلاثة من اليهود، و اشتملوا علي الخناجر، و أرادوا الفتك برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأرسلت امرأة ناصحة من بني
__________________________________________________
(1) النيسابوري 342، و السيوطي 290، و انظر زاد المسير، ج 8/ 204، و تفسير القرطبي، ج 18/ 2- 3، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 330- 332.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 349
النضير إلي أخيها، و هو رجل مسلم من الأنصار، فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و أقبل أخوها سريعا حتي أدرك النبي صلي اللّه عليه و سلم فسارّه بخبرهم، فرجع النبي صلي اللّه عليه و سلم، فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتي نزلوا علي الجلاء، علي أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة، و هي السلاح، و كانوا يخربون بيوتهم فيأخذون ما وافقهم من خشبها، فأنزل اللّه تعالي: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ حتي بلغ: وَ اللَّهُ عَلي كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ (6) [سورة الحشر، الآيات: 1- 6] «1».
الآية: 5- قوله تعالي: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ.
و ذلك أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما نزل ببني النضير، و تحصنوا في حصونهم، أمر بقطع نخيلهم و إحراقها، فجزع أعداء اللّه عند ذلك و قالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح، أ فمن الصلاح عقر الشجر المثمر و قطع النخيل؟ و هي وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟ فشق ذلك علي النبي صلي اللّه عليه و سلم، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم، و خشوا أن يكون ذلك فسادا، و اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم:
لا تقطعوا، فإنه مما أفاء اللّه علينا، و قال بعضهم: بل اقطعوا. فأنزل اللّه تبارك و تعالي:
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ الآية، تصديقا لمن نهي عن قطعه و تحليلا لمن قطعه، و أخبر أن قطعه و تركه بإذن اللّه تعالي «2».
عن قتيبة: أخبرنا الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حرق نخل النضير و قطع، و هي البويرة «3»، فأنزل اللّه تعالي: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلي أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (5) «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 343، و السيوطي 290، و سنن أبي داود برقم 3004 بنحو هذا اللفظ، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 331- 332.
(2) النيسابوري، 343- 344، و السيوطي، 290- 291، و انظر سنن الترمذي برقم 3303، و قال: حديث حسن غريب.
(3) البويرة: موضع معروف من بلد بني النضير.
(4) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ الحشر، باب: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، رقم: 4602، و مسلم: الجهاد و السير، باب: جواز قطع أشجار الكفار و تحريقها، رقم: 1746، و انظر تفسير القرطبي، ج 18/ 6- 8، و زاد المسير، ج 8/ 207.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 350
الآية: 9- قوله تعالي: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ إلي قوله:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.
روي جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم: أن الأنصار قالوا: يا رسول اللّه، اقسم بيننا و بين إخواننا من المهاجرين الأرض نصفين. قال: «لا، و لكنهم يكفونكم المئونة و تقاسمونهم الثمرة، و الأرض أرضكم»، قالوا: رضينا. فأنزل اللّه تعالي:
وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ «1».
قوله تعالي: وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. عن عبد اللّه بن داود، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم دفع إلي رجل من الأنصار رجلا من أهل الصفة، فذهب به الأنصاري إلي أهله، فقال للمرأة:
هل من شي‌ء؟ قالت: لا، إلا قوت الصبية. قال: فنوميهم، فإذا ناموا فأتيني، فإذا وضعت فاطفئي السراج. قال: ففعلت، و جعل الأنصاري يقدم إلي ضيفه ما بين يديه، ثم غدا به إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فقال: «لقد عجب من فعالكما أهل السماء». و نزلت:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ «2».
الآية: 11- قوله تعالي:* أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11).
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: أسلم ناس من أهل قريظة، و كان فيهم منافقون، و كانوا يقولون لأهل النضير: لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم. فنزلت هذه الآية فيهم «3».
__________________________________________________
(1) انظر تفسير القرطبي، ج 18/ 20- 22.
(2) النيسابوري 346، و رواه الشيخان في صحيحيهما: البخاري: فضائل الصحابة، باب: قول اللّه:
وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، رقم: 3587، و زاد المسير، ج 8/ 213- 214، و تفسير القرطبي، ج 18/ 24- 25، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 337- 338.
(3) السيوطي 292، و انظر زاد المسير، ج 8/ 217، و تفسير القرطبي، ج 18/ 34.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 351

60- سورة الممتحنة

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ.
قال جماعة المفسرين: نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة، و ذلك أن سارة مولاة أبي عمر بن صهيب بن هشام بن عبد مناف أتت رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من مكة إلي المدينة، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يتجهز لفتح مكة، فقال لها: «أ مسلمة جئت»، قالت: لا. قال:
«فما جاء بك؟»، قالت: أنتم الأهل و العشيرة و الموالي، و قد احتجت حاجة شديدة، فقدمت عليكم لتعطوني و تكسوني. قال لها: «فأين أنت من شباب أهل مكة؟»- و كانت مغنية- قالت: ما طلب مني شي‌ء بعد وقعة بدر. فحث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بني عبد المطلب و بني المطلب فكسوها و حملوها و أعطوها، فأتاها حاطب ابن أبي بلتعة، و كتب معها إلي أهل مكة، و أعطاها عشرة دنانير، علي أن توصل إلي أهل مكة، و كتب في الكتاب: من حاطب إلي أهل مكة، إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يريدكم، فخذوا حذركم.
فخرجت سارة، و نزل جبريل عليه السلام فأخبر النبي صلي اللّه عليه و سلم بما فعل حاطب، فبعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم عليا و عمارا و الزبير و طلحة و المقداد بن الأسود و أبا مرثد، و كانوا كلهم فرسانا، و قال لهم: «انطلقوا حتي تأتوا روضة خاخ، فإن فيها ظغينة معها كتاب من حاطب إلي المشركين، فخذوه منها و خلوا سبيلها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها». فخرجوا حتي أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتاب؟ فحلفت باللّه ما معها كتاب، ففتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا، فهمّوا بالرجوع، فقال علي: و اللّه ما كذبنا و لا كذبنا. و سلّ سيفه و قال: أخرجي الكتاب و إلا و اللّه لأجزرنك و لأضربن عنقك. فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها، فد خبأته في شعرها، فخلوا سبيلها و رجعوا بالكتاب إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأرسل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي حاطب فأتاه، فقال له:
«هل تعرف الكتاب؟»، قال: نعم. قال: «فما حملك علي ما صنعت؟»، فقال:
يا رسول اللّه، و اللّه ما كفرت منذ أسلمت، و لا غششتك منذ نصحتك، و لا أحببتهم منذ
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 352
فارقتهم، و لكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا و له بمكة من يمنع عشيرته، و كنت غريبا فيهم، و كان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت علي أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، و قد علمت أن اللّه ينزل بهم بأسه، و كتابي لا يغني عنهم شيئا. فصدقه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و عذره، فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ. فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «و ما يدريك يا عمر، لعل اللّه قد اطلع علي أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم، قد غفرت لكم» «1».
و عن الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد: أخبرنا محمد بن يعقوب بن علي بن عبيد اللّه بن أبي رافع قال: سمعت عليا يقول: بعثنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أنا و الزبير و المقداد، قال: «انطلقوا حتي تأتوا روضة خاخ، فإن فيها ظعينة معها كتاب». فقلنا لها: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلي ناس من المشركين ممن بمكة، يخبر بعض أمر النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقال: «ما هذا يا حاطب؟»، فقال:
لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقا في قريش، و لم أكن من نفسها، و كان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، و لم يكن لي بمكة قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا، و اللّه ما فعلته شاكا في ديني و لا رضا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إنه قد صدق». فقال عمر: دعني يا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق. فقال: «إنه قد شهد بدرا، و ما يدريك لعل اللّه اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم». و نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ «2».
الآية: 7- قوله تعالي:* عَسَي اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِيرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7).
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 346- 347، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 345- 346.
(2) أخرجه الشيخان في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ الممتحنة، باب: لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ، رقم: 4608، و مسلم: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أهل بدر رضي اللّه عنهم، رقم: 2494، و تفسير القرطبي، ج 18/ 50- 52.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 353
نزلت هذه الآية حين عادي المؤمنون أقرباءهم المشركين في اللّه، و أظهروا لهم العداوة و البراءة، و علم اللّه تعالي شدة وجد المؤمنين بذلك، فأنزل اللّه:* عَسَي اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً.
ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم، و صاروا لهم أولياء و إخوانا، و خالطوهم و ناكحوهم، و تزوج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب، فلان لهم أبو سفيان، و بلغه ذلك فقال: «ذاك الفحل لا يقرع أنفه» «1».
الآية: 8- قوله تعالي: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8).
و أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتتني أمي راغبة، فسألت النبي صلي اللّه عليه و سلم: أ أصلها؟ قال: «نعم». فأنزل اللّه فيها: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ.
و أخرج أحمد و البزار و الحاكم و صححه «2» عن عبد اللّه بن الزبير قال: قدمت قتيلة علي ابنتها أسماء بنت أبي بكر، و كان أبو بكر طلقها في الجاهلية، فقدمت علي بنتها بهدايا، فأبت أسماء أن تقبل منها أو تدخلها منزلها، حتي أرسلت إلي عائشة أن سلي عن هذا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأخبرته فأمرها أن تقبل هداياها و تدخلها منزلها، فأنزل اللّه: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ «3».
الآية: 10- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10).
__________________________________________________
(1) النيسابوري 349، و انظر تفسير القرطبي، ج 18/ 58، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 349.
(2) المستدرك، ج 2/ 485، و صححه الحاكم و أقره الذهبي.
(3) السيوطي 294، و زاد المسير، ج 8/ 236، و تفسير القرطبي، ج 18/ 59، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 349.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 354
و أخرج الشيخان عن المسور و مروان بن الحكم: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء من المؤمنات، فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ إلي قوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.
و أخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد اللّه بن أبي أحمد قال: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهدنة، فخرج أخواها عمارة و الوليد ابنا عقبة حتي قدما علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و كلماه في أم كلثوم أن يردّها إليهم، فنقض اللّه العهد بينه و بين المشركين خاصة في النساء، و منع أن يرددن إلي المشركين، فأنزل اللّه آية الامتحان.
و أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد ابن أبي حبيب أنه بلغه أنها نزلت في أميمة بنت بشر امرأة أبي حسان الدحداحة.
و أخرج عن مقاتل أن امرأة تسمي سعيدة كانت تحت صيفي بن الراهب و هو مشرك من أهل مكة جاءت زمن الهدنة فقالوا: ردها علينا، فنزلت.
و أخرج ابن جرير عن الزهري أنها نزلت عليه و هو بأسفل الحديبية، و كان صالحهم أنه من أتاه رد إليهم، فلما جاءه النساء نزلت هذه الآية.
و أخرج ابن منيع من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
أسلم عمر بن الخطاب فتأخرت امرأته في المشركين، فأنزل اللّه: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ «1».
الآية: 11- قوله تعالي: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَي الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11).
و أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن، في قوله تعالي: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ الآية، قال: نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان، ارتدت فتزوجها رجل ثقفي، و لم ترتد امرأة من قريش غيرها «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 295، و النيسابوري، 349- 350، و زاد المسير، ج 8/ 238- 240، و تفسير القرطبي، ج 18/ 61- 62، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 350- 352.
(2) السيوطي 295، و زاد المسير، ج 8/ 243- 244.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 355
الآية: 13- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
نزلت في ناس من فقراء المسلمين، كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين و تواصلوا بهم، فيصيبون بذلك من ثمارهم، فنهاهم اللّه تبارك و تعالي عن ذلك «1».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 350، و السيوطي 296، و زاد المسير، ج 8/ 247، و الدر المنثور، ج 6/ 211.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 356

61- سورة الصف‌

الآية: 1- قوله تعالي: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1).
عن محمد بن كثير الصنعاني، عن الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبد اللّه بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب النبي صلي اللّه عليه و سلم و قلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلي اللّه تبارك و تعالي عملناه. فأنزل اللّه تعالي: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) إلي قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [سورة الصف، الآية: 4] إلي آخر السورة، فقرأها علينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم «1».
الآية: 2- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2).
قال المفسرون: كان المسلمون يقولون: لو نعلم أحب الأعمال إلي اللّه تعالي لبذلنا فيه أموالنا و أنفسنا، فدلهم اللّه علي أحب الأعمال إليه فقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا الآية، فابتلوا يوما بذلك فولوا مدبرين، فأنزل اللّه تعالي: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) «2».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 8/ 249، و سنن الدارمي، ج 2/ 200، و مسند أحمد، ج 5/ 452، و المستدرك، ج 2/ 486، و الدر المنثور، ج 6/ 112.
(2) النيسابوري 351، و انظر تفسير القرطبي، ج 18/ 77- 78، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 357.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 357

62- سورة الجمعة

الآية: 11- قوله تعالي: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها.
عن حصين بن عبد الرحمن، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الرحمن قال:
كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير «1» قد قدمت، فخرجوا إليها حتي لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأنزل اللّه تبارك و تعالي: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً «2».
و عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم في الجمعة، فمرت عير تحمل الطعام، فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا، فنزلت آية الجمعة «3».
قال المفسرون: أصحاب أهل المدينة أصحاب الضرار «4» جوع و غلاء سعر، فقدم دحية بن خليفة الكلبي في تجارة من الشام، و ضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومه، و رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يخطب يوم الجمعة، فخرج إليه الناس، فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا، منهم أبو بكر و عمر، فنزلت هذه الآية، فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «و الذي نفس محمد بيده، لو تتابعتم حتي لم يبق أحد منكم لسال بكم الوادي نارا» «5».
__________________________________________________
(1) عير: الإبل المحملة بالتجارة.
(2) صحيح البخاري: التفسير/ الجمعة، باب: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً، رقم: 4616، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 397.
(3) رواه الشيخان في صحيحيهما: البخاري: الجمعة، باب: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة ..، رقم: 894، و مسلم: الجمعة، باب: قوله تعالي: وَ إِذا رَأَوْا ..، رقم: 863، و انظر تفسير القرطبي، ج 18/ 109- 111.
(4) الضرار: الحاجة و الشدة.
(5) انظر زاد المسير، ج 8/ 269، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 367.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 358

63- سورة المنافقون‌

نزلت هذه السورة في المنافقين الذين كانوا يتربصون برسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و بأصحابه الدوائر.
فهي تحكي عن عقائدهم الباطلة و عن أفعالهم المشينة.
قال ابن كثير: يقول اللّه تعالي مخبرا عن المنافقين أنهم إنما يتفوّهون بالإسلام إذا جاءوا النبي صلي اللّه عليه و سلم، فأما في باطن الأمر فليسوا كذلك بل علي الضد من ذلك، اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة ليصدّقوا فيما يقولون فاغترّ بهم من لا يعرف جليّة أمرهم، فاعتقد أنهم مسلمون «1».
قال أهل التفسير و أصحاب السير: غزا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بني المصطلق، فنزل علي ماء من مياههم يقال له المريسيع، فوردت واردة الناس و مع عمر بن الخطاب أجير من بني غفار- يقال له: جهجاه بن سعيد- يقود فرسه، فازدحم جهجاه و سنان الجهني- حليف بني العوف من الخزرج- علي الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، و صرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين، فلما أن جاء عبد اللّه بن أبيّ قال ابنه:
وراءك، قال: ما لك ويلك، قال: لا و اللّه لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و لتعلم اليوم من الأعز من الأذل. فشكا عبد اللّه إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ما صنع ابنه، فأرسل إليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ارتحل عنه حتي يدخل». فقال: أما إذ جاء أمر النبي عليه السلام فنعم. فدخل، فلما نزلت هذه السورة و بان كذبه قيل له: يا أبا حباب، إنه قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ليستغفر لك. فلوي رأسه، فذلك قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ [سورة المنافقون، الآية: 5] «2».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 353- 354، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 368.
(2) النيسابوري، 353- 354، و تفسير القرطبي، ج 18/ 121.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 359
الآية: 5- قوله تعالي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5).
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: قيل لعبد اللّه بن أبيّ: لو أتيت النبي صلي اللّه عليه و سلم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ الآية.
و أخرج ابن المنذر عن عكرمة مثله «1».
الآية: 6- قوله تعالي: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (6).
و أخرج عن عروة قال: لما نزلت: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [سورة التوبة، الآية: 80] قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «لأزيدن علي السبعين»، فأنزل اللّه: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ الآية. و أخرج عن مجاهد و قتادة مثله.
و أخرج من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية براءة قال النبي صلي اللّه عليه و سلم:
«و أنا أسمع أني قد رخص لي فيهم، فو اللّه لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل اللّه أن يغفر لهم»، فنزلت «2».
الآيتان: 7- 8- قوله تعالي: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلي مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّي يَنْفَضُّوا وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَي الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8).
أخرج البخاري عن زيد بن أرقم قال: سمعت عبد اللّه بن أبيّ يقول لأصحابه:
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 28/ 71.
(2) السيوطي، 300- 301، و تفسير الطبري، ج 28/ 72.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 360
لا تنفقوا علي من عند رسول اللّه حتي ينفضوا، فلئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فذكرت ذلك لعمي، فذكر عمي ذلك للنبي صلي اللّه عليه و سلم، فدعاني النبي صلي اللّه عليه و سلم فحدثته، فأرسل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني و صدقه، فأصابني شي‌ء لم يصبني قط مثله، فجلست في البيت، فقال عمي: ما أردت إلا أن كذبك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و مقتك، فأنزل اللّه: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ فبعث إليّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقرأها ثم قال: «إن اللّه قد صدقك». له طرق كثيرة عن زيد و في بعضها أن ذلك في غزوة تبوك و أن نزول السورة ليلا «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 301، و صحيح البخاري برقم 4900، و فتح الباري، ج 8/ 644.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 361

64- سورة التغابن‌

الآية: 14- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ.
قال ابن عباس: كان الرجل يسلم، فإذا أراد أن يهاجر منعه أهله و ولده، و قالوا:
ننشدك اللّه أن تذهب فتدع أهلك و عشيرتك، و تصير إلي المدينة بلا أهل و لا مال.
فمنهم من يرق لهم و يقيم و لا يهاجر، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 16- قوله تعالي: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16).
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [سورة آل عمران، الآية: 102]، اشتد علي القوم العمل، فقاموا حتي و رمت عراقيبهم و تقرّحت جباههم، فأنزل اللّه تعالي تخفيفا علي المسلمين: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ «2».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 8/ 284، و تفسير الطبري، ج 28/ 124.
(2) السيوطي، 302- 303، و تفسير الطبري، ج 18/ 144.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 362

65- سورة الطلاق‌

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
روي قتادة، عن أنس قال: طلق رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم حفصة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، و قيل له: راجعها، فإنها صوامة قوامة، و هي من إحدي أزواجك و نسائك في الجنة «1».
و قال السدي: نزلت في عبد اللّه بن عمر، و ذلك أنه طلق امرأته حائضا، فأمره رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يراجعها و يمسكها حتي تطهر، ثم تحيض حيضة أخري، فإذا طهرت طلقها إن شاء قبل أن يجامعها، فإنها العدة التي أمر اللّه بها «2».
عن الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلق امرأته و هي حائض تطليقة واحدة، فأمره رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أن يراجعها، ثم يمسكها حتي تطهر و تحيض عنده حيضة أخري، ثم يمهلها حتي تطهر من حيضتها، فإن أراد أن يطلقها فيطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها، فتلك العدة التي أمر اللّه تعالي أن تطلق لها النساء «3».
الآيتان: 2- 3- قوله تعالي: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.
نزلت الآية في عوف بن مالك الأشجعي، و ذلك أن المشركين أسروا ابنا له، فأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و شكا إليه الفاقة، و قال: إن العدو أسر ابني و جزعت الأم، فما تأمرني؟ فقال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «اتق اللّه و اصبر، و آمرك و إياها أن تستكثر من قول:
لا حول و لا قوة إلا باللّه». فعاد إلي بيته و قال لامرأته: إن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أمرني و إياك أن
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 18/ 148.
(2) زاد المسير، ج 8/ 287- 288.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 377.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 363
نستكثر من قول: لا حول و لا قوة إلا باللّه. فقالت: نعم ما أمرنا به، فجعلا يقولان، فغفل العدو عن ابنه، فساق غنمهم و جاء بها إلي أبيه، و هي أربعة آلاف شاة، فنزلت هذه الآية «1».
عن عمار بن معاوية، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللّه قال: نزلت هذه الآية: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ في رجل من أشجع كان فقيرا، خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسأله فقال: «اتق اللّه و اصبر». فرجع إلي أصحابه فقالوا: ما أعطاك رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم؟ فقال: ما أعطاني شيئا، قال: «اتق اللّه و اصبر». فلم يلبث إلا يسيرا حتي جاء ابن له بغنم، و كان العدو أصابوه، فأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فسأله عنها و أخبره خبرها، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «إياكها» «2».
الآية: 4- قوله تعالي: وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ.
قال مقاتل: لما نزلت: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [سورة البقرة، الآية: 228] قال خلاد بن النعمان بن قيس الأنصاري: يا رسول اللّه، فما عدة التي لا تحيض، و عدة التي لم تحض، و عدة الحبلي؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
و أخرج ابن جرير و إسحاق بن راهويه و الحاكم و غيرهم عن أبيّ بن كعب قال:
لما نزلت الآية في سورة البقرة في عدد من عدد النساء قالوا: قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن: الصغار و الكبار و أولات الأحمال، فأنزلت: وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ الآية. [صحيح الإسناد].
و أخرج مقاتل في تفسيره: أن خلاد بن عمرو بن الجموح سأل النبي صلي اللّه عليه و سلم عن عدة التي لا تحيض فنزلت «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 355، و السيوطي 304، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 380، و تفسير القرطبي، ج 18/ 160.
(2) النيسابوري 356، و السيوطي، 305- 306، و تفسير القرطبي، ج 18/ 160.
(3) النيسابوري، 356- 357، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 381، و تفسير القرطبي، ج 18/ 162.
(4) السيوطي 306، و تفسير الطبري، ج 27/ 91، و زاد المسير، ج 8/ 293، و تفسير القرطبي، ج 18/ 162، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 381.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 364

66- سورة التحريم‌

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ.
عن علي بن عباس، عن ابن عباس، عن عمر قال: دخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بأم ولده مارية في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها، فقالت: لم تدخلها بيتي؟ ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك. فقال لها: «لا تذكري هذا لعائشة، هي عليّ حرام إن قربتها». قالت حفصة: و كيف تحرم عليك و هي جاريتك؟ فحلف لها لا يقربها، و قال لها: «لا تذكريه لأحد». فذكرته لعائشة، فآلي أن لا يدخل علي نسائه شهرا، و اعتزلهن تسعا و عشرين ليلة، فأنزل اللّه تبارك و تعالي:
لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ «1».
عن علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يحب الحلواء و العسل، و كان إذا انصرف من العصر دخل علي نسائه، فدخل علي حفصة بنت عمر و احتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فعرفت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت منه النبي صلي اللّه عليه و سلم شربة، قلت: أما و اللّه لنحتال له. فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، إذا دخل عليك فقولي له: يا رسول اللّه، أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي: جرست نحله العرفط «2»، و سأقول ذلك، و قولي أنت يا صفية ذلك. قالت:
تقول سودة: فو اللّه ما هو إلا أن قام علي الباب فكدت أن أبادئه بما أمرتني به، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول اللّه، أكلت مغافير؟ قال: «لا». قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل». قالت: جرست نحله العرفط،
__________________________________________________
(1) النيسابوري 358، و السيوطي، 307- 308، و في إسناد النيسابوري عبد اللّه بن شبيب، و هو ضعيف.
(2) جرست: رعت. العرفط: شجر يخرج منه المغافير.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 365
قالت: فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك، فلما دار إلي صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلي حفصة قالت: يا رسول اللّه، أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه». تقول سودة: سبحان اللّه، لقد حرمناه. قالت لها: اسكتي «1».
عن ابن أبي مليكة: أن سودة بنت زمعة كانت لها خئولة باليمن، و كان يهدي إليها العسل، و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يأتيها في غير يومها يصيب من ذلك العسل، و كانت حفصة و عائشة متآخيتين علي سائر أزواج النبي صلي اللّه عليه و سلم، فقالت إحداهما للأخري: ما ترين إلي هذا؟ قد اعتاد هذه يأتيها في غير يومها، يصيب من ذلك العسل، فإذا دخل فخذي بأنفك، فإذا قال ما لك؟ قولي: أجد منك ريحا لا أدري ما هي، فإنه إذا دخل عليّ قلت مثل ذلك. فدخل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فأخذت بأنفها، فقال: «ما لك؟»، قالت: ريحا أجد منك، و ما أراه إلا مغافير. و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يعجبه أن يأخذ من الريح الطيبة إذ وجدها، ثم إذ دخل علي الأخري فقالت له مثل ذلك، فقال: «لقد قالت لي هذا فلانة، و ما هذا إلا من شي‌ء أصبته في بيت سودة، و و اللّه لا أذوقه أبدا» «2».
قال ابن أبي مليكة: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في هذا: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ.
الآية: 4- قوله تعالي: إِنْ تَتُوبا إِلَي اللَّهِ.
عن ابن عباس قال: وجدت حفصة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة، فقالت: لأخبرنّها، فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «هي عليّ حرام إن قربتها». فأخبرت عائشة بذلك، فأعلم اللّه رسوله ذلك، فعرّف حفصة بعض ما قالت، فقالت له: من أخبرك؟
قال: «أنبأني العليم الخبير». فآلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من نسائه شهرا، فأنزل اللّه تبارك و تعالي: إِنْ تَتُوبا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما الآية «3».
__________________________________________________
(1) رواه البخاري: الطلاق، باب: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، رقم: 4967، و رواه مسلم:
الطلاق، باب: وجوب الكفارة علي من حرم امرأته و لم ينو الطلاق، رقم: 1474، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 387- 388.
(2) مجمع الزوائد، ج 7/ 127، و قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
(3) النيسابوري، 359- 360، و السيوطي، 307- 308، و في إسناده عبد اللّه بن شبيب، و هو ضعيف.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 366

67- سورة الملك‌

الآية: 13- قوله تعالي: وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ.
قال ابن عباس: نزلت في المشركين، كانوا ينالون من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فيه و نالوا منه، فيقول بعضهم لبعض: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد «1».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 8/ 321، و تفسير القرطبي، ج 18/ 214.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 367

68- سورة القلم‌

الآية: 4- قوله تعالي: وَ إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ (4).
عن هشام عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، ما دعاه أحد من أصحابه و لا من أهل بيته إلا قال: «لبيك». و لذلك أنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) «1».
الآية: 51- قوله تعالي: وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
نزلت حين أراد الكفار أن يعينوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فيصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش فقالوا: ما رأينا مثله و لا مثل حججه، و كانت العين في بني أسد، حتي إن كانت الناقة السمينة و البقرة السمينة تمر بأحدهم فيعينها، ثم يقول: يا جارية، خذي المكتل و الدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه، فما تبرح حتي تقع بالموت، فتنحر «2».
و قال الكلبي: كان رجل يمكث، لا يأكل يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم، فيقول: ما رعي اليوم إبل و لا غنم أحسن من هذه، فما تذهب إلا قريبا حتي يسقط منها طائفة و عدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بالعين، و يفعل به مثل ذلك، فعصم اللّه تعالي نبيه و أنزل هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 361- 362، و السيوطي 309، و مسند أحمد، ج 6/ 51- 52، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 499 مختصرا، و صححه و وافقه الذهبي، و زاد المسير، ج 8/ 428- 429، و الدر المنثور، ج 6/ 250.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 409، و تفسير القرطبي، ج 18/ 254- 255.
(3) النيسابوري 361، و السيوطي، 309- 310.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 368

69- سورة الحاقّة

الآية: 12- قوله تعالي: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12).
عن العباس الدوري: أخبرنا بشر بن آدم، أخبرنا عبد اللّه بن الزبير قال: سمعت صالح بن هشيم يقول: سمعت بريدة يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لعلي: «إن اللّه أمرني أن أدنيك و لا أقصيك، و أن أعلمك و تعي، و حق علي اللّه أن تعي». فنزلت: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12) «1».

70- سورة المعارج‌

الآية: 1- قوله تعالي: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1).
نزلت في النضر بن الحارث حين قال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [سورة الأنفال، الآية: 32]، فدعا علي نفسه و سأل العذاب، فنزل به ما سأل يوم بدر، فقتل صبرا، و نزل فيه: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) الآية «2».
الآية: 38- قوله تعالي: أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا.
قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صلي اللّه عليه و سلم يستمعون كلامه و لا ينتفعون به، بل يكذبون به و يستهزءون، و يقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم، و ليكونن لنا فيها أكثر مما لهم. فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 361، و السيوطي 311، و تفسير الطبري، ج 29/ 36، و في سنده ضعف، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 43.
(2) زاد المسير، ج 8/ 357، و الدر المنثور، ج 6/ 263، و المستدرك، ج 2/ 502.
(3) زاد المسير، ج 8/ 364.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 369

72- سورة الجن‌

الآية: 1- قوله تعالي: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1).
أخرج البخاري و الترمذي و غيرهما عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم علي الجن و لا رآهم، و لكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلي سوق عكاظ، و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء، و أرسلت عليهم الشهب فرجعوا إلي قومهم، فقالوا: ما هذا إلا لشي‌ء قد حدث، فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها، فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا. فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و هو بنخلة يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سعوا القرآن استمعوا له فقالوا:
هذا و اللّه الذي حال بينكم و بين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلي قومهم فقالوا:
يا قومنا، إنا سمعنا قرآنا عجبا، فأنزل اللّه علي نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ و إنما أوحي إليه قول الجن.
و أخرج ابن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة بسنده عن سهل بن عبد اللّه قال:
كنت في ناحية ديار عاد إذ رأيت مدينة من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة، تأويه الجن، فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة و عليه جبة صوف فيها طراوة، فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته، فسلمت عليه فرد عليّ السلام، و قال: يا سهل، إن الأبدان لا تخلق الثياب، و إنما تخلقها روائح الذنوب، و مطاعم السحت، و إن هذه الجبة عليّ منذ سبعمائة سنة لقيت فيها عيسي و محمدا عليهما الصلاة و السلام، فآمنت بهما، فقلت له: و من أنت؟ قال: من الذين نزلت فيهم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 313- 314، و زاد المسير، ج 7/ 387- 388، و الدر المنثور، ج 6/ 270.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 370
الآية: 6- قوله تعالي: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً.
و أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ في العظمة عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلي المدينة في حاجة، و ذلك أول ما ذكر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فآوانا المبيت إلي راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال: عامر الوادي جارك، فنادي مناد: لا نراه يا سرحان، فأتي الحمل يشتد حتي دخل في الغنم، و أنزل اللّه علي رسوله بمكة: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الآية.
و أخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و قد رعيت علي أهلي و كفيت مهنتهم، فلما بعث النبي صلي اللّه عليه و سلم خرجنا هرابا فأتينا علي فلاة من الأرض، و كنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا: إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقلنا ذاك، فقيل لنا: إنما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه، من أقرّ بها أمن علي دمه و ماله، فرجعنا فدخلنا في الإسلام. قال أبو رجاء:
إني لأري هذه الآية نزلت فيّ و في أصحابي: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) الآية «1».
و أخرج الخرائطي في كتاب هواتف الجان، حدثنا عبد اللّه بن محمد البلوي، حدثنا عمارة بن زيد، حدثني عبد اللّه بن العلاء، حدثنا محمد بن عكبر عن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم يقال له: رافع بن عمير، حدث عن بدء إسلامه قال: إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم فنزلت عن راحلتي و أنختها و نمت، و قد تعوّذت قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن، فرأيت في منامي رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي فانتبهت فزعا، فنظرت يمينا و شمالا فلم أر شيئا، فقلت: هذا حلم، ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب، و التفت و إذا برجل شاب كالذي رأيته بالمنام بيده حربة، و رجل شيخ ممسك بيده يدفعه عنها، فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش، فقال الشيخ
__________________________________________________
(1) تفسير ابن كثير، ج 4/ 429.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 371
للفتي: قم فخذ أيتها شئت فداء لناقة جاري الإنسي، فقام الفتي فأخذ ثورا و انصرف، ثم التفت إلي الشيخ و قال: يا هذا، إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي و لا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها، فقلت له:
و من محمد هذا؟ قال: نبي عربي لا شرقي و لا غربي، بعث يوم الاثنين، قلت: فأين مسكنه؟ قال: يثرب ذات النخل، فركبت راحلتي حين ترقي لي الصبح و جددت السير حتي تقحمت المدينة، فرآني رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر منه شيئا، و دعاني إلي الإسلام فأسلمت. قال سعيد بن جبير: و كنا نري أنه هو الذي أنزل اللّه فيه: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6) «1».
الآية: 16- قوله تعالي: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16).
و أخرج عن مقاتل في قوله: وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (16) قال: نزلت في كفار قريش حين منع المطر سبع سنين «2».
الآية: 18- قوله تعالي: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18).
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال: قالت الجن:
يا رسول اللّه، ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك، فأنزل اللّه: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18).
و أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قالت الجن للنبي صلي اللّه عليه و سلم: كيف لنا أن نأتي المسجد و نحن ناءون عنك، أو كيف نشهد الصلاة و نحن ناءون عنك؟ فنزلت:
وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ الآية «3».
الآية: 22- قوله تعالي: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22).
__________________________________________________
(1) في سنده عمارة بن زيد كان يضع الحديث، و عبد اللّه بن العلاء مجهول.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 431.
(3) السيوطي 315، و تفسير الطبري، ج 28/ 73، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 431.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 372
و أخرج ابن جرير عن حضرمي، أنه ذكر له أن جنيا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال: إنما يريد محمد أن يجيره اللّه و أنا أجيره، فأنزل اللّه: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ الآية «1».
__________________________________________________
(1) تفسير الطبري، ج 28/ 75- 76.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 373

73- سورة المزمّل‌

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1).
أخرج البزار و الطبراني بسند واه عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالت: سموا هذا الرجل اسما يصدر عنه الناس، قالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، فبلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و سلم فتزمل في ثيابه فتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1).
و أخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قال:
نزلت و هو في قطيفة «1».
الآية: 2- قوله تعالي: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2).
و أخرج الحاكم عن عائشة قالت: لما أنزلت: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) قاموا سنة حتي و رمت أقدامهم، فأنزلت: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ.
و أخرج ابن جرير مثله عن ابن عباس و غيره «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 316- 317، و انظر زاد المسير، ج 8/ 388، و تفسير القرطبي، ج 19/ 31- 32، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 434، و فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 315.
(2) انظر تفسير القرطبي، ج 19/ 34.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 374

74- سورة المدثر

الآية: 1- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1).
عن الأوزاعي: أخبرنا يحيي بن أبي كثير قال: سمعت أبا سلمة، عن جابر قال: حدثنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي و خلفي، و عن يميني و عن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت، فرفعت رأسي فإذا هو علي العرش في الهواء- يعني جبريل عليه السلام- فقلت: دثروني دثروني، فصبوا عليّ ماء، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) [سورة المدثر، الآيات: 1- 4] «1».
و أخرج الشيخان عن جابر قال: رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فلم أر أحدا، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء، فرجعت فقلت: دثّروني، فأنزل اللّه تعالي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) «2».
الآية: 11- قوله تعالي: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11).
أخرج الحاكم و صححه عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتتعرّض لما قبله، فقال: لقد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له و أنت له
__________________________________________________
(1) رواه الشيخان في صحيحيهما: مسلم: الإيمان، باب: بدء الوحي إلي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، رقم: 161، و انظر البخاري: التفسير/ المدثر، باب: وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، رقم: 4640، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 440، و تفسير القرطبي، ج 19/ 59- 61.
(2) السيوطي 318، و صحيح البخاري برقم 4 و 3238، و صحيح مسلم برقم 257.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 375
كاره، فقال: و ما ذا أقول؟ فو اللّه ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني و لا برجزه و لا بقصيده مني، و لا بأشعار الجن، و اللّه ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا! و إن لقوله لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إنه لمنير أعلاه مشرق أسفله، و إنه ليعلو و ما يعلي عليه، و إنه ليحطم ما تحته!! قال: لا يرضي عنك قومك حتي تقول فيه، قال: دعني حتي أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11).
و إسناده صحيح علي شرط البخاري «1».
و عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقرأ عليه القرآن، و كأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فقال له:
يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قبله. فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له و كاره. قال: و ما ذا أقول؟ فو اللّه ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، و لا أعلم بزجرها و بقصيدها مني، و اللّه ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، و اللّه إن لقوله الذي يقول حلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إنه لمثمر أعلاه معذق أسفله، و إنه ليعلو و ما يعلي.
قال: لا يرضي عنك قومك حتي تقول فيه. قال: فدعني حتي أفكر فيه. فقال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنزلت: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) الآيات كلها «2».
قال مجاهد: إن الوليد بن المغيرة كان يغشي النبي صلي اللّه عليه و سلم و أبا بكر رضي اللّه عنه، حتي حسبت قريش أنه يسلم، فقال له أبو جهل: إن قريشا تزعم أنك إنما تأتي محمدا و ابن أبي قحافة تصيب من طعامهما. فقال الوليد لقريش: إنكم ذوو أحساب و ذوو أحلام، و إنكم تزعمون أن محمدا مجنون، و هل رأيتموه يتكهن قط؟ قالوا: اللهم لا.
قال: تزعمون أنه شاعر، هي رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا: لا. قال: فتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا: لا. قالت قريش للوليد: فما هو؟
فما هو إلا ساحر، و ما يقوله سحر. فذلك قوله: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ (18) إلي قوله تعالي:
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) [سورة المدثر، الآيات: 18- 24] «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 319، و المستدرك، ج 2/ 506.
(2) النيسابوري 363، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 506، و صححه و أقره الذهبي.
(3) النيسابوري 364، و ذكره ابن الجوزي بنحو هذا اللفظ في زاد المسير، ج 8/ 403- 404.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 376
الآية: 31- قوله تعالي: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق قال: قال أبو جهل يوما: يا معشر قريش، يزعم محمد أن جنود اللّه الذين يعذبونكم في النار تسعة عشر، و أنتم أكثر الناس عددا، أ فيعجز مائة رجل منكم علي رجل منهم؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
و أخرج نحوه عن قتادة قال: ذكر لنا، فذكر هذا الخبر.
و أخرج عن السدي قال: لما نزلت: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) [سورة المدثر، الآية: 30] قال رجل من قريش يدعي أبا الأشدّ: يا معشر قريش، لا يهولنكم التسعة عشر، أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة، و بمنكبي الأيسر التسعة، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً «2» الآية.
__________________________________________________
(1) فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 329.
(2) السيوطي، 319- 320، و فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 329- 330.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 377

75- سورة القيامة

الآية: 3- قوله تعالي: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3).
نزلت في عمر بن ربيعة، و ذلك أنه أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقال: حدثني عن يوم القيامة متي يكون، و كيف أمرها و حالها؟ فأخبره النبي صلي اللّه عليه و سلم بذلك، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد و لم أومن به، أو يجمع اللّه هذه العظام؟ فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «1».
الآية: 16- قوله تعالي: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16).
و أخرج البخاري عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إذا أنزل الوحي يحرك به لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل اللّه: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) الآية «2».
الآيتان: 34- 35- قوله تعالي: أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (34) ثُمَّ أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (35).
و أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما نزلت: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، يخبركم ابن أبي كبشة أن خزنة جهنم تسعة عشر و أنتم الدهم، أ فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟
فأوحي اللّه إلي رسوله أن يأتي أبا جهل فيقول له: أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (34) ثُمَّ أَوْلي لَكَ فَأَوْلي «3».
و أخرج النسائي عن سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عن قوله: أَوْلي لَكَ فَأَوْلي (34) أ شي‌ء قاله رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من قبل نفسه أم أمره اللّه به؟ قال: بل قاله من قبل نفسه ثم أنزله اللّه «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 364، و زاد المسير في علم التفسير، ج 8/ 416- 417، و تفسير القرطبي، ج 19/ 93.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 449، و فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 338.
(3) تفسير الطبري، ج 29/ 124.
(4) السيوطي 321، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 451.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 378

76- سورة الإنسان‌

الآية: 8- قوله تعالي: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلي حُبِّهِ مِسْكِيناً.
قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أجر نفسه نوبة، يسقي نخلا بشي‌ء من شعير، ليلة حتي أصبح، و قبض الشعير و طحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الخزيرة، فلما تمّ إنضاجه أتي مسكين، فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تمّ إنضاجه أتي يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تمّ إنضاجه أتي أسير من المشركين فأطعموه، و طووا يومهم ذلك، فأنزلت فيه هذه الآية «1».
و أخرج ابن المنذر عن ابن جرير في قوله: وَ أَسِيراً (8) قال: لم يكن النبي صلي اللّه عليه و سلم يأسر أهل الإسلام، و لكنها نزلت في أساري أهل الشرك، كانوا يأسرونهم في العذاب، فنزلت فيهم، فكان النبي صلي اللّه عليه و سلم يأمرهم بالإصلاح إليهم «2».
الآية: 20- قوله تعالي: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً (20).
و أخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: دخل عمر بن الخطاب علي النبي صلي اللّه عليه و سلم و هو راقد علي حصير من جريد، و قد أثر في جنبه، فبكي عمر، فقال صلي اللّه عليه و سلم: «ما يبكيك؟» قال عمر: ذكرت كسري و ملكه، و هرمز و ملكه، و صاحب الحبشة و ملكه، و أنت رسول اللّه علي حصير من جريد! فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «أما ترضي أن لهم الدنيا و لنا الآخرة؟» فأنزل اللّه: وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً (20) «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 364- 365، و الدر المنثور، ج 6/ 299.
(2) تفسير الطبري، ج 29/ 129.
(3) السيوطي 322، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 457.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 379
الآية: 24- قوله تعالي: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24).
و أخرج عبد الرزاق و ابن جرير و ابن المنذر عن قتادة: أنه بلغه أن أبا جهل قال:
لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه، فأنزل اللّه: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) «1».

77- سورة المرسلات‌

الآية: 48- قوله تعالي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48).
أخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله تعالي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (48) قال: نزلت في ثقيف «2».

78- سورة النبأ

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2).
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن الحسن قال: لما بعث النبي صلي اللّه عليه و سلم جعلوا يتساءلون بينهم، فنزلت: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 323، و تفسير الطبري، ج 29/ 138.
(2) السيوطي، 324- 325، و تفسير القرطبي، ج 19/ 168، و زاد المسير، ج 8/ 452.
(3) تفسير القرطبي، ج 19/ 170، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 462.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 380

79- سورة النازعات‌

الآيتان: 10- 12- قوله تعالي: يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10)، قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12).
أخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال: لما نزل قوله: أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10) قال كفار قريش: لئن حيينا بعد الموت لنخسرن، فنزلت: قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12) «1».
الآية: 42- قوله تعالي: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42).
أخرج الحاكم و ابن جرير عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يسأل عن الساعة، حتي أنزل عليه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلي رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) فانتهي.
و أخرج ابن أبي حاتم عن طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، أن مشركي أهل مكة سألوا النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: متي تقوم الساعة؟ استهزاء منهم، فأنزل اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) إلي آخر السورة.
و أخرج الطبراني و ابن جرير عن طارق بن شهاب قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يكثر ذكر الساعة حتي نزلت: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلي رَبِّكَ مُنْتَهاها (44).
و أخرج ابن أبي حاتم مثله عن عروة «2».
__________________________________________________
(1) السيوطي 326، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 467.
(2) السيوطي 326، و تفسير الطبري، ج 30/ 31، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 469، و تفسير القرطبي، ج 19/ 209.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 381

80- سورة عبس‌

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: عَبَسَ وَ تَوَلَّي (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمي (2).
و هو ابن أم مكتوم، و ذلك أنه أتي النبي صلي اللّه عليه و سلم و هو يناجي عتبة بن ربيعة و أبا جهل بن هشام و عباس بن عبد المطلب و أبيّا و أمية ابني خلف، و يدعوهم إلي اللّه تعالي و يرجو إسلامهم، فقام ابن أم مكتوم و قال: يا رسول اللّه، علمني مما علمك اللّه.
و جعل يناديه و يكرر النداء، و لا يدري أنه مشتغل مقبل علي غيره، حتي ظهرت الكراهية في وجه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم لقطعه كلامه، و قال في نفسه: «يقول هؤلاء الصناديد:
إنما أتباعه العميان و السفلة و العبيد» فعبس رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و أعرض عنه، و أقبل علي القوم الذين يكلمهم، فأنزل اللّه تعالي هذه الآيات، فكان رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعد ذلك يكرمه، و إذا رآه يقول: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» «1».
عن سعد بن يحيي بن سعيد: حدثنا أبي قال: هذا ما قرأنا علي هشام بن عروة، عن عائشة قالت: أنزلت: عَبَسَ وَ تَوَلَّي في ابن أم مكتوم الأعمي، أتي إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فجعل يقول: يا رسول اللّه، أرشدني. و عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رجال من عظماء المشركين، فجعل النبي صلي اللّه عليه و سلم يعرض عنه و يقبل علي الآخرين، ففي هذا أنزلت: عَبَسَ وَ تَوَلَّي (1) «2».
أخرج الترمذي و الحاكم عن عائشة قالت: أنزل: عَبَسَ وَ تَوَلَّي (1) في ابن أم مكتوم الأعمي، أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فجعل يقول: يا رسول اللّه، أرشدني، و عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يعرض عنه و يقبل علي
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 9/ 27، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 470.
(2) النيسابوري 365، و تفسير القرطبي، ج 19/ 211.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 382
الآخر، فيقول له: «أ تري بما أقول بأسا؟» فيقول: لا. فنزلت: عَبَسَ وَ تَوَلَّي (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمي (2). و أخرج أبو يعلي مثله عن أنس «1».
الآية: 17- قوله تعالي: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17).
و أخرج ابن المنذر عن عكرمة، في قوله تعالي: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) قال:
نزلت في عتبة بن أبي لهب حين قال: كفرت برب النجم «2».
الآية: 37- قوله تعالي: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37).
عن إبراهيم بن هراسة: حدثنا عائذ بن شريح الكندي قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت عائشة للنبي صلي اللّه عليه و سلم: أ نحشر عراة؟ قال: «نعم». قالت: وا سوأتاه. فأنزل اللّه تعالي: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) «3».

81- سورة التكوير

الآية: 29- قوله تعالي: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29).
عن سعيد بن عبد العزيز، عن سلمان بن موسي قال: لما أنزل اللّه عزّ و جلّ:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) [سورة التكوير، الآية: 28]، قال: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، و إن لم نشأ لم نستقم. فأنزل اللّه تعالي: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29) «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي 327، و سنن الترمذي برقم 3331، و قال: هذا حديث غريب، و المستدرك للحاكم، ج 2/ 514.
(2) زاد المسير، ج 9/ 30، و تفسير القرطبي، ج 19/ 217.
(3) في إسناده عند النيسابوري عائذ بن شريح، و هو ضعيف، المجروحين لابن حبان، ج 2/ 193.
(4) النيسابوري 367، و تفسير الطبري، ج 30/ 53، و تفسير القرطبي، ج 19/ 243.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 383

82- سورة الانفطار

الآية: 6- قوله تعالي: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6).
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالي: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ الآية، قال: نزلت في أبيّ بن خلف «1».

83- سورة المطففين‌

الآية: 1- قوله تعالي: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1).
عن عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني يزيد النحوي: أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلي اللّه عليه و سلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل اللّه تعالي: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) فأحسنوا الكيل بعد ذلك «2».
قال القرطبي: كان بالمدينة تجار يطففون، و كانت بياعاتهم كشبه القمار: المنابذة و الملامسة و المخاطرة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية، فخرج رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي السوق و قرأها.
و قال السدي: قدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم المدينة و بها رجل يقال له أبو جهينة، و معه صاعان: يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 329، و تفسير القرطبي، ج 19/ 245، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 481.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 483، و تفسير القرطبي، ج 19/ 250.
(3) النيسابوري 370، و تفسير القرطبي، ج 19/ 250، و زاد المسير، ج 9/ 52.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 384

86- سورة الطارق‌

الآية: 5- قوله تعالي: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5).
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالي: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (5) قال:
نزلت في أبي الأشر، كان يقوم علي الأديم فيقول: يا معشر قريش، من أزالني عنه فله كذا، و يقول: إن محمدا يزعم أن خزنة جهنم تسعة عشر، فأنا أكفيكم وحدي عشرة، و اكفوني أنتم تسعة «1».

87- سورة الأعلي‌

الآية: 6- قوله تعالي: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسي (6).
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان النبي صلي اللّه عليه و سلم إذا أتاه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من الوحي حتي يتكلم النبي صلي اللّه عليه و سلم بأوّله، مخافة أن ينساه، فأنزل اللّه هذه الآية «2».

88- سورة الغاشية

الآية: 17- قوله تعالي: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَي الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17).
أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن قتادة قال: لما نعت اللّه ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل اللّه تعالي هذه الآية «3».
__________________________________________________
(1) السيوطي 331، و انظر تفسير الطبري، ج 30/ 91- 92، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 498.
(2) السيوطي 332، و في إسناده جويبر، و هو ضعيف جدا.
(3) السيوطي 333، و تفسير الطبري، ج 30/ 105.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 385

89- سورة الفجر

الآية: 27- قوله تعالي: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27).
أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله تعالي: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) قال:
نزلت في حمزة.
و أخرج من طريق جويبر [و هو ضعيف جدا] عن الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلي اللّه عليه و سلم قال: «من يشتري بئر رومة يستعذب بها، غفر اللّه له»، فاشتراها عثمان، فقال: «هل لك أن تجعلها سقاية للناس؟» قال: نعم، فأنزل اللّه في عثمان: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) «1».
__________________________________________________
(1) السيوطي 334، و زاد المسير، ج 9/ 123، و تفسير القرطبي، ج 20/ 58.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 386

92- سورة الليل‌

الآيتان: 5- 6- قوله تعالي: فَأَمَّا مَنْ أَعْطي وَ اتَّقي (5) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْني (6).
أخرج الحاكم «1» عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه قال: قال أبو قحافة لأبي بكر: أراك تعتق رقابا ضعافا؟ فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يمنعونك و يقومون دونك يا بني؟ فقال: يا أبت إنما أريد ما عند اللّه، فنزلت هذه الآيات.
و أخرج ابن أبي حاتم عن عروة: أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذّب في اللّه، و فيه نزلت: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَي (17) [سورة الليل، الآية: 17] إلي آخر الآيات «2».
قال ابن كثير: هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، و لفظها لفظ العموم، و هو أولي الأمة بعمومها، و هو سابقها في جميع هذه الأوصاف و سائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صدّيقا تقيا كريما جوادا بذّالا لأمواله في طاعة اللّه و نصرة رسوله صلي اللّه عليه و سلم «3».
و قال عطاء عن ابن عباس: أن بلالا لما أسلم ذهب إلي الأصنام فسلح عليها، و كان عبدا لعبد اللّه بن جدعان، فشكي إليه المشركون ما فعل، فوهبه لهم و مائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوه يعذبونه في الرمضاء، و هو يقول: أحد أحد، فمر به رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «ينجيك أحد أحد». ثم أخبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم أبا بكر أن بلالا يعذّب في اللّه، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به، فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت لبلال عنده، فأنزل اللّه تعالي: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزي (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلي (20) [سورة الليل، الآيتان: 19- 20] «4».
__________________________________________________
(1) السيوطي، 335- 336، و صححه الحاكم في المستدرك، ج 2/ 525.
(2) السيوطي، 335- 336، و تفسير الطبري، ج 30/ 142، و زاد المسير، ج 9/ 148، و تفسير القرطبي، ج 20/ 82- 83.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 521.
(4) النيسابوري 367، و تفسير القرطبي، ج 20/ 88- 89.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 387
عن يونس، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه: أن أبا بكر اشتري بلالا من أمية بن خلف ببردة و عشر أواق، فأعتقه، فأنزل اللّه تبارك و تعالي: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (1) إلي قوله: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّي (4). سعي أبي بكر و أمية و أبيّ بن خلف «1».
عن منصور و الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة و مقعده من النار». قالوا: يا رسول اللّه، أ فلا نتكل؟ قال: «و اعملوا فكل ميسر». ثم قرأ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطي وَ اتَّقي (5) وَ صَدَّقَ بِالْحُسْني (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْري (7) «2».
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 9/ 146، و الدر المنثور، ج 6/ 358.
(2) رواه الشيخان في صحيحيهما: البخاري: التفسير/ الليل، باب: قوله تعالي: فَأَمَّا مَنْ أَعْطي وَ اتَّقي رقم: 4661، و مسلم: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه و كتابة رزقه ..، رقم: 2647، و تفسير الطبري، ج 30/ 144، و زاد المسير، ج 9/ 150، و تفسير القرطبي، ج 20/ 84، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 518.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 388

93- سورة الضحي‌

الآيات: 1- 3- قوله تعالي: وَ الضُّحي (1) وَ اللَّيْلِ إِذا سَجي (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلي (3).
عن الحسن بن مثني بن معاذ، أخبرنا أبو حذيفة، أخبرنا سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن جندب قال: قالت امرأة من قريش للنبي صلي اللّه عليه و سلم: ما أري شيطانك إلا ودعك. فنزل: وَ الضُّحي (1) وَ اللَّيْلِ إِذا سَجي (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلي (3) [سورة الضحي، الآيات: 1- 3] «1».
عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أبطأ جبريل عليه السلام علي النبي صلي اللّه عليه و سلم فجزع جزعا شديدا، فقالت خديجة: قد قلاك ربّك لما يري من جزعك «2». فأنزل اللّه تعالي:
وَ الضُّحي (1) وَ اللَّيْلِ إِذا سَجي (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلي (3) «3».
عن محمد بن يونس: أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا حفص بن سعيد القرشي قال:
حدثتني أمي، عن أمها خولة، و كانت خادمة رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: أن جروا دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم أياما لا ينزل عليه الوحي، فقال:
«يا خولة، ما حدث في بيتي؟ جبريل عليه السلام لا يأتيني». قالت خولة: لو هيأت البيت و كنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا شي‌ء ثقيل، فلم أزل حتي أخرجته فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبي اللّه صلي اللّه عليه و سلم ترعد لحياه، و كان إذا
__________________________________________________
(1) ودعك: تركك. قلي: أبغض. البخاري: التفسير، باب: تفسير سورة وَ الضُّحي رقم:
4667، و مسلم: الجهاد و السير، باب: ما لقي النبي صلي اللّه عليه و سلم من أذي المشركين و المنافقين، رقم: 1797، و تفسير الطبري، ج 30/ 148، و تفسير القرطبي، ج 20/ 91- 93.
(2) فجزع: خاف و اشتد خوفه. قلاك: أبغضك.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 521- 522.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 389
نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة، فقال: «يا خولة، دثريني». فأنزل اللّه تعالي:
وَ الضُّحي (1) وَ اللَّيْلِ إِذا سَجي (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلي (3) «1».
الآية: 4- قوله تعالي: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولي (4).
عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبد اللّه قال: حدثني علي بن عبد اللّه بن عباس، عن أبيه قال: رأي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ما يفتح علي أمته من بعده، فسرّ بذلك، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولي (4) وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضي (5).
قال: فأعطاه ألف قصر في الجنة من لؤلؤ، ترابه المسك، في كل قصر منها ما ينبغي له «2».
الآية: 6- قوله تعالي: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوي (6).
قال القرطبي: عدّد سبحانه مننه علي نبيه محمد صلي اللّه عليه و سلم فقال: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً لا أب لك قد مات أبوك فَآوي (6) أي: عند عمك أبي طالب فكفلك «3».
عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لقد سألت ربي مسألة و وددت أني لم أكن سألته، قلت: يا رب، إنه قد كانت الأنبياء قبلي، منهم من سخرت له الريح- و ذكر سليمان بن داود- و منهم من كان يحيي الموتي- و ذكر عيسي ابن مريم- و منهم و منهم». قال: «قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك؟» قال: «قلت: بلي، قال: أ لم أجدك ضالّا فهديتك؟» قال: «قلت: بلي يا رب، قال: أ لم أجدك عائلا فأغنيتك؟» قال: «قلت: بلي يا رب، قال: أ لم أشرح لك صدرك و وضعت عنك وزرك؟» قال: «قلت: بلي يا رب» «4».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 371- 372، و مجمع الزوائد، ج 7/ 138، و قال الهيثمي: رواه الطبراني و فيه أم حفص لم أعرفها.
(2) النيسابوري 372، و تفسير الطبري، ج 30/ 149، و تفسير القرطبي، ج 20/ 95.
(3) تفسير القرطبي، ج 20/ 96.
(4) النيسابوري 373، و فيه عطاء بن السائب، قال ابن معين: لا يحتج بحديثه، المغني في الضعفاء، ج 2/ 434 للذهبي.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 390

96- سورة اقرأ «العلق»

ذكرنا نزول هذه السورة في أول هذا الكتاب «1».
الآيتان: 17- 18- قوله تعالي: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18) إلي آخر الآيات.
نزلت في أبي جهل «2».
عن إبراهيم بن محمد بن سفيان: أخبرنا أبو سعيد الأشج: أخبرنا أبو خالد عبد العزيز بن هند، عن ابن عباس قال: كان النبي صلي اللّه عليه و سلم يصلي، فجاء أبو جهل فقال: أ لم أنهك عن هذا؟ فانصرف إليه النبي صلي اللّه عليه و سلم فزبره، فقال أبو جهل: و اللّه إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني. فأنزل اللّه تعالي: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18). قال ابن عباس: و اللّه لو دعا ناديه لأخذته زبانية اللّه تبارك و تعالي «3».

97- سورة القدر

عن إسماعيل العسكري: أخبرنا يحيي بن أبي زائدة، عن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ذكر النبي صلي اللّه عليه و سلم رجلا من بني إسرائيل، لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل اللّه تعالي: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3). قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل «4».
__________________________________________________
(1) انظر تفسير الطبري، ج 30/ 161.
(2) تفسير ابن كثير، ج 4/ 528.
(3) النيسابوري 373، و السيوطي 341، و تفسير الطبري، ج 30/ 164، و تفسير القرطبي ج 20/ 127.
(4) النيسابوري، 373- 374، و زاد المسير، ج 9/ 191- 192، و الدر المنثور، ج 6/ 371، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 530.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 391

99- سورة الزلزلة

عن حسين بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرحمن الجيلي، عن عبد اللّه بن عمر قال: نزلت: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1) و أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه قاعد، فبكي أبو بكر، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «ما يبكيك يا أبا بكر؟» قال: أبكاني هذه السورة.
فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: «لو أنكم لا تخطئون و لا تذنبون لخلق اللّه أمة من بعدكم يخطئون و يذنبون، فيغفر لهم» «1».
الآيتان: 7- 8- قوله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8).
قال مقاتل: نزلت في رجلين، كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة و الكسرة و الجوزة، و يقول: ما هذا شي‌ء، و إنما نؤجر علي ما نعطي و نحن نحبه. و كان الآخر يتهاون بالذنب اليسير: الكذبة و الغيبة و النظرة، و يقول: ليس عليّ من هذا شي‌ء، إنما أوعد اللّه بالنار علي الكبائر. فأنزل اللّه عزّ و جلّ يرغبهم في القليل من الخير، فإنه يوشك أن يكثر، و يحذرهم اليسير من الذنب، فإنه يوشك أن يكثر: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) «2».
__________________________________________________
(1) مجمع الزوائد، ج 7/ 141، و قال الهيثمي: رواه الطبراني و رجاله ثقات.
(2) النيسابوري 373، و زاد المسير، ج 9/ 205، و تفسير البغوي، ج 4/ 516.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 392

100- سورة العاديات‌

قال مقاتل: بعث رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم سرية إلي حي من كنانة، و استعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري، فتأخر خبرهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعا. فأخبر اللّه تعالي عنها، فأنزل: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1) يعني تلك الخيل «1».
عن حفص بن جميع: أخبرنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم بعث خيلا، فأسهبت شهرا لم يأته منها خبر، فنزلت: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً (1) ضبحت بمناخرها، إلي آخر السورة «2».
و معني أسهبت: أمعنت في السهوب، و هي الأرض الواسعة، جمع سهب «3».
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 20/ 155.
(2) مجمع الزوائد، ج 7/ 142، و ضعّفه الهيثمي.
(3) النيسابوري 374.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 393

102- سورة التكاثر

الآيتان: 1- 2- قوله تعالي: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّي زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2).
قال مقاتل و الكلبي: نزلت في حيين من قريش: بني عبد مناف و بني سهم، كان بينهما لحا، فتعاند السادة و الأشراف أيهم أكثر، فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيدا و عزا و عزيزا، و أعظم نفرا. و قال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا:
نعد موتانا، حتي زاروا القبور فعدوا موتاهم، فكثرهم بنو سهم، لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية «1».
و قال قتادة: نزلت في اليهود، قالوا: نحن أكثر من بني فلان، و بنو فلان أكثر من بني فلان. ألهاهم ذلك حتي ماتوا ضلالا «2».

105- سورة الفيل‌

نزلت في قصة أصحاب الفيل و قصدهم تخريب الكعبة، و ما فعل اللّه تعالي بهم من إهلاكهم و صرفهم عن البيت، و هي معروفة «3».
__________________________________________________
(1) تفسير البغوي، ج 4/ 520.
(2) النيسابوري 375، و تفسير البغوي، ج 4/ 520.
(3) تفسير ابن كثير، ج 4/ 549، و تفسير القرطبي، ج 20/ 187- 188، و زاد المسير، ج 9/ 232- 234.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 394

106- سورة لإيلاف قريش‌

نزلت في قريش و ذكر منّة اللّه عليهم.
عن عثمان بن عبد اللّه بن عتيق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن أبيه، عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب قالت: قال النبي صلي اللّه عليه و سلم: «إن اللّه فضّل قريشا بسبع خصال، لم يعطها قبلهم أحدا و لا يعطيها أحدا بعدهم: إن الخلافة فيهم، و الحجابة فيهم، و إن السقاية فيهم، و إن النبوة فيهم، و نصروا علي الفيل، و عبدوا اللّه سبع سنين لم يعبده أحد غيرهم، و نزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ «1».

107- سورة الماعون‌

الآية: 1- قوله تعالي: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1).
قال مقاتل و الكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي «2».
و قال ابن جريج: كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين، فأتاه يتيم فسأله شيئا فقرعه بعصا، فأنزل اللّه تعالي: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري، 375- 376، و في إسناده إبراهيم بن محمد بن ثابت، قال فيه الذهبي: صاحب مناكير، و المستدرك، ج 2/ 536.
(2) تفسير البغوي، ج 4/ 531.
(3) النيسابوري، 375- 376، و تفسير القرطبي، ج 20/ 210، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 554.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 395

108- سورة الكوثر

قال ابن عباس: نزلت في العاص، و ذلك أنه رأي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم يخرج من المسجد و هو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم و تحدثا، و أناس من صناديد قريش في المسجد جلوس، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث؟ قال: ذاك الأبتر، يعني النبي صلوات اللّه و سلامه عليه، و كان قد توفي قبل ذلك عبد اللّه ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، و كان من خديجة، و كانوا يسمون من ليس له ابن أبتر، فأنزل اللّه تعالي هذه السورة «1».
عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه. فأنزل اللّه تعالي في ذلك: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) إلي آخر السورة «2».
و قال عطاء، عن ابن عباس: كان العاص بن وائل يمر بمحمد صلي اللّه عليه و سلم و يقول: إني لأشنؤك، و إنك لأبتر من الرجال. فأنزل اللّه تعالي: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) من خير الدنيا و الآخرة «3».
__________________________________________________
(1) تفسير البغوي، ج 4/ 534.
(2) تفسير البغوي، ج 4/ 534، و تفسير القرطبي، ج 20/ 222.
(3) النيسابوري 377، و تفسير الطبري، ج 30/ 212، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 559.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 396

109- سورة الكافرون‌

نزلت في رهط من قريش، قالوا: يا محمد، هلم اتبع ديننا و نتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة و نعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا قد شركناك فيه و أخذنا بحظنا منه، و إن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك قد شركت في أمرنا و أخذت بحظك. فقال: «معاذ اللّه أن أشرك به غيره». فأنزل اللّه تعالي: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ إلي آخر السورة، فغدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم إلي المسجد الحرام و فيه الملأ من قريش، فقرأها عليهم حتي فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك «1».

110- سورة النصر

نزلت في منصرف النبي صلي اللّه عليه و سلم من غزوة حنين، و عاش سنتين بعد نزولها.
عن إسحاق بن عبد اللّه بن كيسان قال: حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما أقبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم من غزوة حنين، و أنزل اللّه تعالي: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ قال: «يا علي بن أبي طالب، و يا فاطمة، قولا: جاء نصر اللّه و الفتح وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فسبحان ربي و بحمده وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)» «2».
__________________________________________________
(1) تفسير البغوي، ج 4/ 535، و تفسير القرطبي، ج 20/ 225- 226.
(2) النيسابوري 378، و انظر تفسير ابن كثير، ج 4/ 561- 562، و تفسير القرطبي، ج 20/ 229- 233.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 397

111- سورة تبت «المسد»

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم ذات يوم الصفا، فقال: «يا صباحاه» «1». فاجتمعت إليه قريش، فقالوا له: ما لك؟ قال: «أ رأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أ ما كنتم تصدقون؟»، قالوا: بلي. قال:
«فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبا لك «2»، لهذا دعوتنا جميعا. فأنزل اللّه عزّ و جلّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ (1) إلي آخرها «3».
عن يزيد بن زريع، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قام رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «يا آل غالب، يا آل لؤي، يا آل مرة، يا آل كلاب، يا آل عبد مناف، يا آل قصي، إني لا أملك لكم من اللّه منفعة و لا من الدنيا نصيبا، إلا أن تقولوا: لا إله إلا اللّه».
فقال أبو لهب: تبا لك، لهذا دعوتنا. فأنزل اللّه تعالي: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ «4».
عن عبد اللّه بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما أنزل اللّه تعالي: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) [سورة الشعراء، الآية: 214] أتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم الصفا فصعد عليه، ثم نادي: «يا صباحاه». فاجتمع إليه الناس، من بين رجل يجي‌ء و رجل يبعث رسوله، فقال: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم، صدقتموني». قالوا: نعم. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلا لهذا. فأنزل اللّه تعالي: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ (1) «5».
__________________________________________________
(1) يا صباحاه: عبارة تنادي بها العرب إذا أرادت الاجتماع لأمر ما.
(2) تبا: هلاكا.
(3) رواه البخاري في صحيحه: التفسير/ المسد، باب: قوله تعالي: وَ تَبَّ. ما أَغْني عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ، رقم: 4688، و انظر تفسير الطبري، ج 30/ 217- 218.
(4) تفرّد بإخراجه بهذا الإسناد الذي لا تقوم به حجّة، النيسابوري في أسباب النزول 379.
(5) النيسابوري، 379- 380، و تفسير البغوي، ج 4/ 543، و زاد المسير، ج 9/ 258.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 398

112- سورة الإخلاص‌

قال قتادة و الضحاك و مقاتل: جاء ناس من اليهود إلي النبي صلي اللّه عليه و سلم فقالوا: صف لنا ربك، فإن اللّه أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شي‌ء هو، و من أي جنس هو، أذهب هو أم نحاس أم فضة؟ و هل يأكل و يشرب، و ممن ورث الدنيا و من يورثها؟
فأنزل اللّه تبارك و تعالي هذه السورة، و هي نسبة اللّه خاصة «1».
و عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: انسب لنا ربك. فأنزل اللّه تعالي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) «2».
قال: فالصمد: الذي لم يلد و لم يولد، لأنه ليس شي‌ء يولد إلا سيموت، و ليس شي‌ء يموت إلا سيورث، و إن اللّه تعالي لا يموت و لا يورث.
وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) قال: لم يكن له شبيه و لا عدل، و ليس كمثله شي‌ء «3».
__________________________________________________
(1) النيسابوري 380، و سنن الترمذي برقم 3364- 3365، و تفسير البغوي، ج 4/ 544، و زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، ج 9/ 266.
(2) المستدرك للحاكم، ج 2/ 540، و تفسير البغوي، ج 4/ 544.
(3) النيسابوري 380، و تفسير القرطبي، ج 20/ 244- 246.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 399

113- 114- المعوّذتان‌

قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم، فأتت إليه اليهود، و لم يزالوا به حتي أخذ مشاطة النبي صلي اللّه عليه و سلم و عدّة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، و كان الذي تولي ذلك لبيد بن أعصم اليهودي، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم و انتثر شعر رأسه، و يري أنه يأتي نساءه و لا يأتيهن، و جعل يدور و لا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال:
طب، قال: و ما طب؟ قال: سحر، قال: و من سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي، قال: و بم طبه؟ قال: بمشط و مشاطة، قال: و أين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان «1».
و الجف قشر الطلع، و الراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح.
فانتبه رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم فقال: «يا عائشة، ما شعرت أن اللّه أخبرني بدائي». ثم بعث عليا و الزبير و عمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة و أخرجوا الجف، فإذا هو مشاطة رأسه و أسنان مشطه، و إذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل اللّه تعالي سورتي المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، و وجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم خفة حتي انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، و جعل جبريل عليه السلام يقول: بسم اللّه أرقيك من كل شي‌ء يؤذيك، و من كل حاسد و عين، اللّه يشفيك «2». فقالوا: يا رسول اللّه، أولا نأخذ
__________________________________________________
(1) زاد المسير، ج 9/ 270- 271.
(2) مشاطة: ما يجتمع علي المشط بعد تمشيط الشعر. عراه: أصابه و طرأ عليه. الطلع: زهر النخيل و نحوه. المائح: هو الذي ينزل إلي البئر ليملأ دلوه منه لقلة مائه. نشط من عقال:
فك من حبل كان قد أوثق به. أرقيك: من الرّقية، و هي القراءة علي المريض ليبرأ من علته.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 400
الخبيث فنقتله؟ فقال: «أما أنا فقد شفاني اللّه، و أكره أن أثير علي الناس شرا» «1».
عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:
سحر النبي صلي اللّه عليه و سلم حتي إنه ليتخيل إليه أنه فعل الشي‌ء و ما فعل، حتي إذا كان ذات يوم و هو عندي دعا اللّه و دعا، ثم قال: «أشعرت يا عائشة أن اللّه قد أفتاني فيما استفتيته فيه». قلت: و ما ذاك يا رسول اللّه؟ قال: «أتاني ملكان ..» و ذكر القصة بطولها «2».
و لهذا الحديث طريق في الصحيحين «3».
تمّ بحمد اللّه تبارك و تعالي هذا الكتاب «تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول» الجامع بين روايات الطبري و النيسابوري و ابن الجوزي و القرطبي و ابن كثير و السيوطي و باللّه عزّ و جلّ التوفيق
__________________________________________________
(1) تفسير القرطبي، ج 20/ 253- 254.
(2) رواه البخاري في صحيحه: الطب، باب: السحر، رقم: 5433.
(3) انظر البخاري: الطب، باب: هي يستخرج السحر، رقم: 5432، و مسلم: السلام، باب:
السحر، رقم: 2189، و تفسير الطبري، ج 30/ 227- 229، و تفسير البغوي، ج 4/ 546- 549، و زاد المسير، ج 9/ 270- 280، و تفسير القرطبي، ج 20/ 252- 264، و تفسير ابن كثير، ج 4/ 571- 572، و فتح القدير للشوكاني، ج 5/ 518- 524.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 401

المصادر و المراجع‌

1- تفسير الطبري [ت سنة 310 ه] طبعة بولاق، تصوير دار المعرفة- بيروت.
2- تفسير البغوي [ت سنة 516 ه] طبعة دار المعرفة- بيروت.
3- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي [ت سنة 508 ه] طبعة المكتب الإسلامي- بيروت.
4- أسباب النزول للنيسابوري الواحدي- عليّ بن أحمد بن محمد بن علي [ت سنة 468 ه] طبعة دار العلوم- دمشق.
5- تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن» [ت سنة 671 ه] طبعة دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية، دار القلم- القاهرة.
6- تفسير ابن كثير [ت سنة 774 ه] طبعة مكتبة دار التراث- القاهرة.
7- الدر المنثور للسيوطي [ت سنة 911 ه] طبعة القاهرة.
8- أسباب النزول للسيوطي [ت سنة 911 ه] طبعة بيروت.
9- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية و الدراية من علم التفسير للشوكاني [ت سنة 1250 ه] طبعة القاهرة.
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 402

الفهرس‌

المقدمة 5 أهمية علم أسباب النزول 8 معرفة أسباب النزول و مكانته في التفسير 8 آية التسمية و بيان نزولها 14 نزول القرآن مفرقا 15 أول ما نزل من القرآن 16 آخر ما نزل من القرآن 18 1- سورة الفاتحة 19 2- سورة البقرة 20 3- سورة آل عمران 66 4- سورة النساء 93 5- سورة المائدة 123 6- سورة الأنعام 142 7- سورة الأعراف 152 8- سورة الأنفال 156 9- سورة التوبة 169 10- سورة يونس 186 11- سورة هود 187 12- سورة يوسف 189 13- سورة الرعد 190 14- سورة إبراهيم 194
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 404
15- سورة الحجر 195 16- سورة النحل 198 17- سورة الإسراء 205 18- سورة الكهف 214 19- سورة مريم 218 20- سورة طه 220 21- سورة الأنبياء 222 22- سورة الحج 224 23- سورة المؤمنون 230 24- سورة النور 232 25- سورة الفرقان 248 26- سورة الشعراء 352 28- سورة القصص 254 29- سورة العنكبوت 257 30- سورة الروم 261 31- سورة لقمان 263 32- سورة السجدة 266 33- سورة الأحزاب 268 34- سورة سبأ 286 35- سورة فاطر 287 36- سورة يس 289 37- سورة الصافات 291 38- سورة ص 293 39- سورة الزمر 294 40- سورة غافر 300 41- سورة فصلت 302
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 405
42- سورة الشوري 304 43- سورة الزخرف 307 44- سورة الدخان 309 45- سورة الجاثية 311 46- سورة الأحقاف 313 47- سورة محمد 316 48- سورة الفتح 318 49- سورة الحجرات 322 50- سورة ق 328 51- سورة الذاريات 330 52- سورة الطور 331 53- سورة النجم 332 54- سورة القمر 335 56- سورة الواقعة 336 57- سورة الحديد 339 58- سورة المجادلة 342 59- سورة الحشر 348 60- سورة الممتحنة 351 61- سورة الصف 356 62- سورة الجمعة 357 63- سورة المنافقون 358 64- سورة التغابن 361 65- سورة الطلاق 362 66- سورة التحريم 364 67- سورة الملك 366 68- سورة القلم 367
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 406
69- سورة الحاقة 368 72- سورة الجن 369 73- سورة المزمل 373 74- سورة المدثر 374 75- سورة القيامة 377 76- سورة الإنسان 378 77- سورة المرسلات 379 78- سورة النبأ 379 79- سورة النازعات 380 80- سورة عبس 381 81- سورة التكوير 382 82- سورة الانفطار 383 83- سورة المطففين 383 86- سورة الطارق 384 87- سورة الأعلي 384 88- سورة الغاشية 384 89- سورة الفجر 385 92- سورة الليل 386 93- سورة الضحي 388 96- سورة العلق 390 97- سورة القدر 390 99- سورة الزلزلة 391 100- سورة العاديات 392 102- سورة التكاثر 393 105- سورة الفيل 393 106- سورة قريش 394
تسهيل الوصول إلي معرفة أسباب النزول، ص: 407
107- سورة الماعون 394 108- سورة الكوثر 395 109- سورة الكافرون 396 110- سورة النصر 396 111- سورة المسد 397 112- سورة الإخلاص 398 113- 114- سورة المعوذتان 399 المصادر و المراجع 401 الفهرس 403

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.