الترجمان عن غريب القرآن

هوية الکتاب

اسم الكتاب: الترجمان عن غريب القرآن

كاتب: عبد الباقى بن عبد المجيد القرشى اليمانى

موضوع: غريب قرآن

تاريخ وفاة المؤلف: 743 ق

لسان: العربية

عدد المجلدات: 1

الناشر: دارالكتب العلمية

مكان النشر: بيروت

سنة الطباعة: 1425 / 2004

نشرت: اوّل

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة للناشر

الطبعة الأولى

1419ھ - 1998م

مکتبة البیان

الطَّائف : هَائِف : 7451414 ص.ب : 1050

ص: 2

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، الملك الحق المبين، أنزل الكتاب المبين؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، خاتم النبيين، كان خلقه القرآن، فاللهم صل و سلم و بارك عليه، و على آله و أصحابه، و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن أهم ما أعملت فيه القرائح كتاب اللّه عز و جل، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فهو عصمة و وقاية لمن اعتصم به و تمسك بهديه، و هو منبع كل علم، و أصل كل حكمة.

و لقد ذكر الإمام الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد اللّه المتوفى (794 ه) في مقدمة كتابه:" البرهان في علوم القرآن":" إن علوم القرآن لا تنحصر و معانيه لا تستقصى"، و ذكر من علوم القرآن و أنواعه:" معرفة غريبه"، و هو النوع الثامن عشر في كتابه، ثم قال بعد ما ذكر هذه الأنواع:" و اعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا و لو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره، ثم لم يحكم أمره، لكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله، و الرمز إلى بعض فصوله، فإن الصناعة طويلة و العمر قصير، و ما ذا عسى أن يبلغ لسان التقصير.

قالوا خذ العين من كلّ فقلت لهم في العين فضل و لكن ناظر العين

و من هنا تأتي أهمية نشر مثل هذا الكتاب القيم من كتب غريب القرآن، التي تركها لنا علماء السلف- رحمهم اللّه أجمعين-، فإن خير ما بذلت فيه الجهود، و كلّت من أجله القرائح و العقول كتاب اللّه العزيز.

و هذا الكتاب من الكتب الجامعة المختصرة في بابه، فلا هو بالطويل الممل، و لا بالقصير المخل، سهل العبارة، مشرق الديباجة، حسن الترتيب.

و قد رتب المؤلف كتابه هذا حسب ترتيب سور المصحف الشريف، ليتتبع ألفاظ السور التي هي بحاجة إلى الشرح و التفسير.

و اعتمد المؤلف في شرح الغريب على تفسير من سبقوه من أئمة التفسير و البيان و اللغة، كابن عباس، و الحسن البصري، و الأخفش، و ابن الأنباري، و غيرهم، فجاء

ص: 3

كتابه حاويا لآراء السلف الصالح في غريب القرآن.

غريب القرآن و أهميته

لم يخل عصر من العصور ممن جمع في هذا الفن شيئا، و انفرد فيه بتأليف، و استبد فيه بتصنيف، و استمر الحال إلى عهد صاحبنا، بل حتى عصرنا الذي نعيشه الآن؛ و ذلك لأهمية الموضوع.

تعريف الغريب لغة: قال الخطابي:" الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد عن الفهم، كالغريب من الناس، إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل، و منه قولك للرجل إذا نحيته أو أقصيته: اغرب عني: أي: ابعد، فيقال: غرب الرجل يغرب غربا إذا تنحى و ذهب، و غرب غربة إذا انقطع عن أهله و غربت الكلمة غرابة، و غربت الشمس غروبا، ثم إن الغريب يقال به على وجهين:

أحدهما: أن يراد به بعيد المعنى غامضه، لا يتناوله الفهم إلا عن بعد و معاناة فكر.

و الوجه الآخر: أن يراد به كلام من بعدت به الدار، و نأى به المحل من شواذ قبائل العرب، فإدا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها، و إنما هي من كلام القوم و بيانهم، و من هذا ما جاء عن بعضهم عند ما قال له قائل: أسألك عن حرف من الغريب فقال: هو كلام القوم، إنما الغريب أنت و أمثالك من الدخلاء فيه".

و قال أبو القاسم الزجاجي في معرض حديثه عن باب الفرق بين النحو و اللغة و الإعراب و الغريب:" و أما الغريب فهو ما قل استماعه من اللغة، و لم يدر في أفواه العامة كما دار في أفواه الخاصة، كقولهم: صكمت الرجل، أي: لكمته، و قولهم للشمس: يوح، و قولهم: رجل ظروري: للكيّس، و هذا كثير جدا، و هذا و ما أشبهه، و إن كان غريبا عند قوم فهو معروف عند العلماء، و ليس كل العرب يعرفون اللغة كلها، غريبها و واضحها، و مستعملها و شاذها، بل هم في ذلك طبقات يتفاضلون فيها".

و إذا تأملنا ما قاله في هذا الصدد الإمام الزركشي نجده أصاب كبد الحقيقة و المسألة، و قد تكلم بكلام قيم عظيم في كتابه البرهان، فقد قسم علوم القرآن إلى سبعة و أربعين نوعا، و جعل النوع الثامن عشر: لمعرفة الغريب، و قال:" هو معرفة

ص: 4

المدلول و ذكر طائفة من الذين ألفوا و صنفوا فيه (أي الغريب)، و ذكر من أحسنها كتاب:" المفردات" للراغب الأصفهاني، و هو يتصيد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة، و يحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة، اسما و فعلا و حرفا؛ فالحروف لقلتها تكلم النحاة على معانيها، فيؤخذ ذلك من كتبهم، و أما الأسماء و الأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة (1).

و قد ذكر صاحب اللسان في تعريفه للغريب، كلاما موجزا و هو قريب الشبه جدا من كلام الخطابي حيث قال:" و الغريب: الغامض من الكلام، و كلمة غريبة و قد غربت و هو من ذلك" (2).

و بعد هذه العجالة السريعة أعتقد أن تعريف الزركشي للغريب هو أشملها و أدقها، و أني أميل إليه.

غريب القرآن و أهميته: لا ريب أن معرفة الغريب في القرآن الكريم هي اللبنة الأولى في فهم كلام اللّه تعالى، و هي من أول ما يستعين به المفسر في التفسير و التأويل، و لقد نبه العلماء إلى وجوب معرفة و تعلم هذا الفن و وجوهه المختلفة.

يقول الزركشي:" و معرفة هذا الفن للمفسر ضرورية، و إلا فلا يحل له الإقدام على كتاب اللّه تعالى. قال يحيى بن نضلة المديني: سمعت مالك بن أنس يقول: لا أوتى برجل يفسر كتاب اللّه غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا. و قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يتكلم في كتاب اللّه إذا لم يكن عالما بلغات العرب.

و ينبغي العناية بتدبر الألفاظ كي لا يقع الخطأ كما وقع لجماعة من الكبار، و هذا الباب عظيم الخطر، و من هنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن، و تركوا القول فيه حذار أن يزلوا فيذهبوا عن المراد، و إن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين.

و اعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة و موضوعاتها تفسير شي ء من كلام اللّه،

ص: 5


1- البرهان في علوم القرآن، للزركشي: 1/ 292، 291 بتصرف.
2- لسان العرب، لابن منظور: 5/ 326، طبعة دار المعارف.

و لا يكفي في حقه تعلم اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا و هو يعلم أحد المعنيين و المراد المعنى الآخر (1)".

ثم أورد الزركشي أمثلة كثيرة- و هو يعرض لهذه المسألة- وقع فيها الكبار، و أمثلة أخرى عن تهيب عدد من السلف لتفسير القرآن.

و قال صاحب المفردات:" إن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، و من العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون في بناء ما يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، و ليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب و زبدته، و واسطته، و كرائمه، و عليها اعتماد الفقهاء و الحكماء في أحكامهم و حكمهم، و إليها مفزع حذاق الشعراء و البلغاء في نظمهم و نثرهم، و ما عداها و عدا الألفاظ المتفرعات عنها و المشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور و النوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، و كالحثالة و التبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة" (2).

تراث غريب القرآن:

إن الناظر للكتب التي ألفت في هذا النوع يجدها ركزت على توضيح الكلمة الغريبة أو المشكلة من القرآن، و شرحها و تفسيرها كي يقرب معناها و مدلولها، مع الاهتمام بالقراءات، و في بعضها اهتمام غير قليل بالنحو و الصرف و الدلالة، و عناية بالشواهد من الشعر و الحديث، و آراء أئمة اللغة، و أقوال العرب و اللغات، و غير ذلك.

و إذا تأملنا مسميات هذه الكتب نجدها لا تعدو هذه المسميات: غريب القرآن (3)، أو تفسير غريب القرآن (4)، أو تأويل مشكل القرآن، و معاني القرآن (5)،

ص: 6


1- البرهان في علوم القرآن: 1/ 294 و ما بعدها.
2- المفردات في غريب القرآن- للراغب الأصفهاني: ص 6، ت: محمد سيد كيلاني، ط. الحلبي الأخيرة 1381 ه- 1961 م.
3- من أقدم المؤلفات في ذلك:، غريب القرآن لابن عباس، برواية علي بن طلحة. قال السيوطي عن هذه الرواية في الإتقان (ط. دار الفكر- 1979 م. بيروت) 1/ 114:" ... من أصح الطرق عن ابن عباس، و عليها اعتمد البخاري في صحيحه مرتبا على السور". و قد وضع الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي:" معجم غريب القرآن مستخرجا من صحيح البخاري، و فيه ما ورد عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة، و كذلك ألحق هذا المعجم بمسائل نافع بن الأزرق، لابن عباس، ط (2) دار المعرفة، بيروت. - غريب القرآن، لليزيدي، ت: محمد سليم الحاج، ط. عالم الكتب 1405 ه- 1985 م. بيروت.
4- من الكتب التي وسمت بهذا الاسم:- تفسير مجاهد. تفسير غريب القرآن، للإمام زيد بن علي بن الحسين، و قد حقق رسالة دكتوراه في كلية الآداب جامعة عين شمس سنة 1986 م. تفسير غريب القرآن، للإمام مالك بن أنس. (ورد في معجم المصنفات في القرآن الكريم، لعلي شواخ 3/ 295- ط- مكتبة الرفاعي- 1404 ه- 1984 م. الرياض). و قد طبع مؤخرا بعنوان: مرويات الإمام مالك بن أنس في التفسير، جمع: محمد بن رزق الطرهوني، و د: حكمت بشير، ط (1) دار المؤيد 1415 ه- 1995 م الرياض. تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة.
5- من هذه الكتب: معاني القرآن، للفراء، ت: محمد علي النجار و أحمد يوسف نجاتي. ط. عالم الكتب بيروت (مصورة) 1980 م بيروت. معاني القرآن، للأخفش الأوسط، سعيد بن مسعدة، ت د: فائز فارس، ط. دار البشير و الأمل 1400 ه- 1979 م و ما بعدها. الكويت. معاني القرآن، للنحاس، ت: محمد علي الصابوني، ط. (1) مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى 1408 ه- 1988 م مكة المكرمة.

و مجاز القرآن (1)، المفردات في غريب القرآن (2)، و بعض هذه الكتب جمع غريبي القرآن و الحديث، فوسم باسم: الغريبين (3).

و منهج هذه الكتب من جهة الترتيب هو على ترتيب سور القرآن في المصحف و قليل منها رتب ترتيبا هجائيا.ة.

ص: 7


1- و هو لأبي عبيدة، معمر بن المثنى، ت د: فؤاد سزكين، ط. مؤسسة الرسالة 1404 ه- 1984 و طبع غير طبعة و لم أقف على كتاب وسم بهذا الاسم غيره، فيما بين يدي من مصادر.
2- منها كتاب: الأصفهاني، و سبق بيانه في المبحث الأول من هذا الفصل، و نأتي بضرب أمثلة منه في هذا الفصل بعد قليل، و ذكرت المصادر كتابا آخر وسم بهذا الاسم هو: مفردات القرآن، للسمين الحلبي. (كشف الظنون 2/ 1208 و هدية العارفين 1/ 89) و لم أقف عليه مطبوعا.
3- منها: كتاب الغريبين، للهروي، و هو أحد مصادر المؤلف، و يأتي الكلام عليه في الفصل الثالث، المبحث الثاني، و منها كتاب:، المجموع المغيث في غريبي القرآن و الحديث، لمحمد بن أبي بكر عيسى المديني، ت: عبد الكريم العزباوي، ط. (1) مركز البحث العلمي و إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى 1406 ه- 1986 م مكة المكرمة.

أما المنهج من حيث المادة العلمية فسوف أعرض له من خلال ذكر بعض الكتب و أمثلة منها، و ها هي ذي:

تفسير مجاهد بن جبر المكي (104 ه): إن معظم تفسير مجاهد يشتمل على شرح الغريب، و تعبيرات خاصة، و حل الكلمات الصعبة، و توضيح الألفاظ الغامضة، و تبيين العبارات العويصة أو غير المألوفة، و في كثير من آثاره التفسيرية يتجلى لنا مجاهد كأنه لغوي خبير، متمكن من كلام العرب و لغتهم عارف بأساليب بيانهم، و تصريف لسانهم و اصطلاحاتهم (1)، و هذه بعض أمثلة من كتابه: قال في قوله تعالى: بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29] أعتقه اللّه عز و جل من الجبابرة أن يدعيه أحد منهم (2).

الْمُسَوَّمَةِ: [آل عمران: 14] المصورة حسنا (3).

الْمُهَيْمِنُ: [الحشر: 23] الشاهد على ما قبله من الكتب (4).

وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً: [الكهف: 29] أي: مجتمعا (5).

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ: [يوسف: 83، 18] صبر ليس فيه جزع (6).

و قريب الشبه بهذا التفسير تفسير ابن عباس رضي اللّه عنه، و تفسير غريب القرآن للإمام مالك بن أنس.

مجاز القرآن، لأبي عبيدة معمر بن المثني (210 ه): ناقش محقق هذا الكتاب ما ذكرته التراجم أن لأبي عبيدة كتاب: غريب القرآن، و معاني القرآن، و إعراب القرآن، و قد بين أن ذلك أسماء متعددة و المسمى واحد، هو هذا الكتاب:" مجاز القرآن" و دلل على أن ليس هناك لأبي عبيدة غير كتابه هذا السالف ذكره، و أن هذه الأسماء أخذت من الموضوعات التي تناولها المجاز، فهو يتكلم في معاني القرآن، و تفسير غريبه، و في أثناء هذا يعرض لإعرابه، و يشرح أوجه تعبيره، و ذلك ما عبر

ص: 8


1- تفسير مجاهد: 27، ت: عبد الرحمن طاهر، ط. (1) الكويت 1396 ه- 1976 م).
2- تفسير مجاهد: 28.
3- تفسير مجاهد: 123.
4- تفسير مجاهد: 123.
5- تفسير مجاهد: 30.
6- تفسير مجاهد: 30.

عنه: بمجاز القرآن.

و مهما كان الأمر فإن أبا عبيدة يستعمل في تفسيره للآيات هذه الكلمات:

مجاز كذا، و تفسيره كذا، و معناه كذا، و غريبه كذا، و تقديره، و تأويله، على أن معانيها واحدة أو تكاد، و معنى هذا: أن كلمة المجاز عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن في تعبيراته (1).

و هذه أمثلة من الكتاب:

عَذابٌ مُقِيمٌ: [المائدة: 37] أي: دائم، قال:

فإن لكم بيوم الشعب مني عذابا دائما لكم مقيما (2)

وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا: [الأنعام: 111] و مجاز حشرنا: سقنا و جمعنا؛" قبلا": جميع، قبيل قبيل؛ أي: صنف صنف، و من قرأها" قبلا" فإنه يجعل مجازها عيانا، كقولهم:" من ذي قبل". و قال آخرون:" قبلا": أي مقابلة، كقولهم:

أقبل قبله، و سقاها قبلا، لم يكن أعد لها الماء، فاستأنفت سقيها، و بعضهم يقول:

من ذي قبل (3).

- لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75] أي: المتبصرين المتثبتين (4).

و ننتقل بعد ذلك إلى كتب:" معاني القرآن": يعني بهذا التركيب و هذا الاسم:

ما يشكل في القرآن و يحتاج إلى بعض العناء في فهمه، و كان هذا بإزاء معاني الآثار، و معاني الشعر، أو أبيات المعاني، و هذه الكتب- بجانب اهتمامها بالغريب و غيره- نجدها حفلت احتفالا كبيرا بقضايا النحو و الصرف، و الأفعال و أبنيتها، و الأصوات و الشواهد من القراءات، و الشعر، و أقوال العرب، و اللغات، و آراء العلماء في ذلك (5).

و لننظر إلى منهج بعض أصحاب هذه الكتب، و قد حدده في مقدمة كتابه بقوله:" فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني، و الغريب، و أحكام القرآن،

ص: 9


1- مجاز القرآن: 1/ 18- 19 بتصرف و اختصار.
2- مجاز القرآن: 1/ 165.
3- مجاز القرآن: 1/ 204.
4- مجاز القرآن: 1/ 354.
5- معاني القرآن، للفراء: 1/ 11- 13 و معاني القرآن، للأخفش: 1/ 70 و ما بعدها.

و الناسخ و المنسوخ عن المتقدمين من الأئمة، و أذكر من قول الجلة من العلماء باللغة، و أهل النظر ما حضرني، و أبين من تصريف الكلمة و اشتقاقها- إن علمت ذلك- و آتي من القراءات بما يحتاج إلى تفسير معناه و ما احتاج إليه من الإعراب، و بما احتج العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون، و أبين ما فيه حذف، أو اختصار، أو إطالة لإفهامه، و ما كان فيه تقديم أو تأخير، و أشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم، و ينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق اللّه و تسديده" (1).

و يلاحظ أن أحجام هذه الكتب أكبر من كتب الغريب بسبب المنهج الذي سلكته، و كثرة القضايا التي تناولتها في البحث، و لا سيما كتاب: معاني القرآن للنحاس، و هو قد جاء متأخرا بعد كتاب الفراء، و الأخفش، ففيه توسع عظيم إذا قورن بهما و إذا نظرنا إلى المادة العلمية في كتابه و المنهج الذي ذكره هنا نجده طبقه و زيادة (2).

و نختار من بين كتب المعاني: معاني القرآن، للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (215 ه) فهذه أمثلة من بعض ما تناوله:

- و قال تعالى: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: 161] و قال بعضهم" يغل" و كل صواب- و اللّه أعلم- لأن المعنى أن يخون أو يخان (3).

و قال تعالى: فَزادَهُمْ إِيماناً: [آل عمران: 173] فزاد قولهم إيمانا (4).

و قال تعالى: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ [المائدة: 106] ثم قال: اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي: شهادة بينكم شهادة اثنين، فلما ألقي الشهادة قام الاثنان مقامها، و ارتفعا بارتفاعها، كما قال: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] يريد أهل القرية، و انتصب القرية بانتصاب الأهل، و قامت مقامه، ثم عطف قوله: أَوْ آخَرانِ [المائدة: 106] على الاثنين (5).

ص: 10


1- معاني القرآن، للنحاس: 1/ 43، 42.
2- يقع هذا الكتاب في 6 مجلدات، و معاني القرآن، للفراء في 3 مجلدات، و معاني القرآن، للأخفش في مجلدين.
3- معاني القرآن، للأخفش: 1/ 220.
4- معاني القرآن، للأخفش: 1/ 221.
5- معاني القرآن، للأخفش: 1/ 266.

و من كتب المعاني كذلك: معاني القرآن و إعرابه، للزجاج (311 ه) (1):

و هذا الكتاب من أهم آثار الزجاج، و قد حدد منهجه في مقدمته لهذا الكتاب حيث يقول:" و إنما نذكر من الإعراب المعنى و التفسير؛ لأن كتاب اللّه ينبغي أن يتبين، أ لا ترى أن اللّه يقول: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ. فحضضنا على التدبر و النظر، و لكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة، أو ما يوافق نقله أهل العلم" (2).

و طريقة الزجاج في كتابه: أن يبدأ عقب ذكر الآية باختيار ألفاظ منها ليحللها على طريقته في الاشتقاق اللغوي، فيذكر أصل الكلمة و المعنى اللغوي الذي تدل عليه، ثم يورد الكلمات التي تشاركها في حروفها أو بعضها؛ ليردها جميعا إلى أصل واحد، و يستشهد على رأيه بما يؤيده من كلام العرب شعرا أو غير شعر، و قد يستطرد فيشرح الأمثلة التي يستشهد بها، ثم يعود لإعراب الآية إن كان فيها ما يحتاج إلى إعراب، و في هذا المقام يناقش النحويين الآخرين، فيرد رأيهم أو يؤيده، و يورد قراءات القراء، و يبين المعنى على هذه القراءات، فيقبله أو يرده، و في هذا الكتاب تتجلى قيمة الأساس اللغوي و النحوي في فهم القرآن، فالتفسير الذي لا يعتمد على فهم اللغة لا قيمة له، و هذا الأساس في الواقع قيم جدا، و قد يوجه إلى معان فرعية لم تلتفت إليها أذهان المفسرين و من مميزات هذا الكتاب أنه راجع المفسرين السابقين من النحويين و اللغويين و أشار إلى قراءاتهم، و ما يتجه عليها من المعاني (3).

و نصل الآن إلى الكتب التي و سمت باسم:" الغريب".

المتأمل لهذه الكتب يجدها اهتمت بالألفاظ الغريبة، و بعض التراكيب، مع العناية بالقراءات؛ لأنها أساسية في فهم المعنى، و عرض الشواهد في ذلك من الشعر و الحديث و أقوال أهل اللغة.

فمناهجها من جهة البحث وسط؛ و لهذا صارت أحجامها ما بين صغير في الحجم و متوسط، و أكبرها يعادل حجم مجلد من القطع المتوسط. فمن هذه الكتب:

ص: 11


1- ت. د: عبد الجليل شلبي، ط (1) عالم الكتب- بيروت 1408 ه- 1988 م. و يقع هذا الكتاب في 5 مجلدات.
2- معاني القرآن، للزجاج: ج 1/ 185.
3- معاني القرآن، للزجاج: ج 1/ 21 و ما بعدها. (بتصرف و اختصار).

المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني (502 ه):

و هذا الكتاب من أجل كتب الغريب و أجزلها فائدة، فهو تفسير جامع لما ورد في القرآن الكريم من الكلمات الصعبة، و قد رتبه بحسب الحروف الهجائية كما هو الشأن في المعاجم اللغوية، و بذلك كان من السهل على الباحث أن يحصل على مراده دون تعب و في مدة وجيزة، و قد أدى المؤلف إلى الباحثين خدمة كبرى بهذا الكتاب الذي أصبح من المراجع المهمة التي لا يستغني عنها المشتغلون بدراسة القرآن و تفسيره، و يتبين من هذا الكتاب أن مؤلفه كان متمكنا من اللغة تمكنا تاما، و محيطا بدقائقها، و ملما بالنحو و الصرف إلماما جيدا، و هو فوق ذلك وصف بأنه أحد أئمة أهل السنة و الجماعة، و يرد على المعتزلة و الجبرية و القدرية (1)، و يفند أقوالهم بالأدلة العقلية و النقلية (2)، فرحمه اللّه رحمة واسعة.

و من أمثلة ما ورد في هذا الكتاب: حدب: يجوز أن يكون الأصل في الحدب: حدب الظهر، يقال: حدب الرجل حدبا فهو أحدب، و احدودب، و ناقة حدباء تشبيها به، ثم شبه به ما ارتفع من الأرض فسمي حدبا، قال تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (3) [الأنبياء: 96]

حذر: أو الحذر: احتراز عن مخيف يقال: حذر حذرا حذرته، قال عز و جل:

يَحْذَرُ الْآخِرَةَ [الزمر: 9] و قرئ: و إنا لجميع حذرون- و حاذرون [الشعراء: 56] و قال تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] و قال عز و جل:

خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71] أي: ما فيه الحذر من السلاح و غيره، و قوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون: 4] و قال تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14] و حذار أي: احذر، نحو مناع:

أي امنع (4).

عدل: العدالة و المعادلة لفظ يقتضي معنى المساواة، و يستعمل باعتبار

ص: 12


1- انظر المفردات: مادة (جبر)، ص 85 و ما بعدها.
2- المفردات: ص 4، 3.
3- المفردات: ص 110.
4- المفردات: ص 111.

المضايفة، و العدل و العدل يتقاربان، لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، و على ذلك قوله تعالى: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [المائدة: 95].

و العدل و العديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات و المكيلات، فالعدل هو التقسيط على سواء، و على هذا روي:" بالعدل قامت السماوات و الأرض" تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.

و العدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه و لا يكون في شي ء من الأزمنة منسوخا، و لا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، و كف الأذية عمن كف أذاه عنك، و عدل يعرف كونه عدلا بالشرع، و يمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، و هذا النحو هو المعني بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ [النحل: 90] فإن العدل هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير، و إن شرا فشر، و الإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، و الشر بأقل منه، و رجل عدل عادل، و رجال عدل يقال في الواحد و الجمع، قال الشاعر:

فهم رضا و هم عدل و أصله مصدر كقوله: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2] أي:

عدالة (1).

و يعتبر هذا الكتاب من الكتب الكبيرة نسبيا و هناك بعض الكتب في الغريب فيها اختصار شديد، بحيث أنها لم تأت إلا بكلمة واحدة عن المعنى الغريب، و قد تصل إلى كلمتين، و هذا يكون نادرا، و خلت من إيراد الشواهد من القراءات و الشعر و الحديث، و آراء أهل اللغة، و ينطبق هذا على كتاب:" العمدة في غريب القرآن" لمكي بن أبي طالب (437 ه)، و من أمثلة ما ورد في هذا الكتاب ما يلي:

قَسَتْ [البقرة: 74]: صلبت (2).

«الأمنية» [البقرة: 78]: التلاوة (3)

ص: 13


1- المفردات: 325 و لو لا الإطالة لأوردت كل ما جاء في هذه الكلمة العظيمة.
2- العمدة في غريب القرآن، لمكي بن أبي طالب: 79 (ت- د: يوسف المرعشلي، ط. (1) مؤسسة الرسالة 1404 ه- 1981 م بيروت).
3- العمدة: 79.

تَظاهَرُونَ [البقرة: 85]: تعاونون.

غُلْفٌ [البقرة: 88]: في أغطية (1).

سابِغاتٍ [سبأ: 5]: الدروع الواسعات.

السَّرْدِ [سبأ: 11]: الثقب (2).

و من اللافت أن حركة التأليف في هذا الميدان ما زالت مستمرة، و ستظل إلى ما شاء اللّه؛ و ذلك لارتباطها بالقرآن الكريم، كتاب اللّه الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و صدق الحق سبحانه و تعالى إذ يقول: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف: 109] و قال عز و جل: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان: 27]. و كان سهل بن عبد الرحمن يقول:" لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف لم يبلغ نهاية ما أودعه اللّه في آية من كتابه؛ لأنه كلام اللّه، و كلامه صفته، و كما أنه ليس له نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه، و إنما يفهم كل بمقدار ما يفتح اللّه عليه، و كلام اللّه غير مخلوق، و لا تبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة" (3).

و إذا نظرنا إلى عصرنا هذا نجد طائفة من الكتب غير قليلة ألفت في هذا الموضوع، لكنها ركزت على الكلمة الغريبة ليس غير، و لم تكن تحتفل بشي ء مما حوته الكتب القديمة، مما أشرنا إليه سابقا (4).

ص: 14


1- العمدة: 79.
2- العمدة: 245.
3- البرهان في علوم القرآن: 1/ 9.
4- من هذه المؤلفات:، معجم غريب القرآن مستخرجا من صحيح البخاري، وضعه: محمد فؤاد عبد الباقي، و كلمات القرآن تفسير و بيان، للشيخ حسنين مخلوف.

ترجمة المؤلف

هو الإمام العلامة تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد اللّه القرشي اليماني من علماء القرن الثامن الهجري. المولود عام 680 ه. و المتوفى عام (743) ه.

جاء في شذرات الذهب لابن العماد: (و فيها تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد اللّه الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي، ولد في رجب سنة ثمانين و ستمائة بمكة و قدم دمشق و مصر و حلب، و درس بالمشهد النفيسي، و أقام باليمن مدة، و ولي الوزارة، ثم عزل و صودر، ثم استقر بالقدس، و درس به و اشتغل.

و له تآليف منها:" مطرب السمع في شرح حديث أم زرع" و منها:" لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان و سمع منه البرزالي و الذهبي، و ذكراه في معجميهما" و ابن رافع و خلائق، و كتب عنه الشيخ أبو حيان، و أثنى عليه كثيرا.

و عمل" تاريخا" للنحاة، و اختصر الصحاح) (1).

و أورد الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة: (... و عمل تاريخا لليمن و تاريخا للنحاة و كتب عنه أبو حيان سنة 708 ه و قرظه و أثنى عليه و مدحه و له مطرب السمع في حديث أم زرع و غير ذلك.

و ذكره البرزالي فقال: كان من أعيان الأدباء نظما و نثرا و له قصائد بليغة و فوائد و فنون و ذكره ابن فضل اللّه فقال: تاج الدين أبو المحاسن مكمل فضائل و مجمل أواخر و أوائل و استمر في وصفه إلى أن قال: حتى وضعت له بالقدس وظائف دام عليها حتى مات و بخط البرهان ابن جماعة في الهامش بل عاد إلى مصر تاركا الوظائف القدسية و أقام بها قليلا و مات.

و ذكر البرزالي في معجمه فقال: من أعيان الفضلاء له النظم، و النثر، و الخطب البليغة و له اشتغال كثير في العلوم من الفقه و الأصول و فنون الأدب) (2).

و أورد العلامة مصطفى بن عبد اللّه الرومي الحلبي في كشف الظنون ما نصه:

ص: 15


1- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، دار الآفاق، بيروت.
2- ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ج 1، ص 192.

(عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد اللّه اليماني ثم المكي تاج الدين أبو المحاسن السماوي الأديب اللغوي ولد سنة 680 و توفي سنة 743، له الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفا للقاضي عياض ذيل وفيات الأعيان لابن خلكان بثلاثين ترجمة" زهر الجنان في المناظرة بين القنديل و الشمعدان"." طبقات النحاة"." مطرب السمع في شرح حديث أم زرع" (1).

ص: 16


1- حاجي خليفة: كشف الظنون، ج 31، ص 959، 1054، 1055، 1107، 1718.

[صور من مخطوط الكتاب]

[تصوير] الورقة الأولى من مخطوط الترجمان عن غريب القرآن

ص: 17

[تصوير] الورقة الأخيرة من مخطوط الترجمان

ص: 18

[نص الكتاب]

سورة البقرة

لا رَيْبَ فِيهِ الرّيب: الشّك و التّهمة، و الرّيبة الاسم.

أَ أَنْذَرْتَهُمْ الإنذار: الإعلام و الإبلاغ و لا يكون إلّا في التّخويف، و الاسم:

النذر و النذير و الإنذار.

غِشاوَةٌ: غطاء، و يقال: غشوة و هي مثلثة الغين.

يُخادِعُونَ اللَّهَ يقال: خدعه يخدعه خدعا و خدعا: أراد به المكروه من حيث لا يعلم و الاسم: الخديعة.

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أراد به الكفر.

كَما آمَنَ السُّفَهاءُ السفه ضد الحلم و أصله الخفّة و الحركة، يقال: تسفهت الريح الشجر إذا أمالته يمنة و يسرة.

مُسْتَهْزِؤُنَ الهزؤ و الهزوء السخرية، يقال: هزيت منه و هزيت به.

يَعْمَهُونَ العمه: التحير و التردد.

أَوْ كَصَيِّبٍ الصيب: السحاب ذو الصوت، و صاب: نزل.

يَكادُ الْبَرْقُ يقارب.

أَنْداداً أمثالا له و نظراء يقال فيه: ند و نديد.

فَأْتُوا بِسُورَةٍ السورة في الأصل: القطعة من السور و هو البناء و جعلت من القرآن لأنها قطعة بعد قطعة.

وَ كُلا مِنْها رَغَداً الرغد: سعة العيش و أطيبه.

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ أي: لا تخلطوا، و اللبس: بالفتح الخلط، و بالضم: ما يلبس من الثياب و غيرها.

فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ العالم: لغة تطلق على جملة من المخلوق، و في الاصطلاح: كل موجود سوى اللّه تعالى.

لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً أي: لا تقضي، و الجزاء: القضاء تقول:

جزيته بكذا إذا فعلت معه مثل ما فعل معك.

وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ العدل هاهنا: الفداء أي: لا يقبل منها فدية، و منه قوله تعالى: وَ إِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أي: تفد كل فداء.

ص: 19

مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ آل الرجل: قومه الأدنون، و آله: من كان على دينه.

بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ: اختبار.

بارِئِكُمْ: مصوركم، من البرا: و هو التراب.

الْمَنَّ: طل ينعقد على الأشجار و طعمه حلو.

وَ السَّلْوى: طائر صغير لذيذ الطعم، قال الأخفش: لم يسمع له واحد، و السلوى أيضا: العسل.

وَ قُولُوا حِطَّةٌ أي: حط عنا أوزارنا، و قيل: كلمة أمر بنوا إسرائيل بها لو قالوها لحطت عنهم أوزارهم.

رِجْزاً مِنَ السَّماءِ الرجز: العذاب، و الرجز مثل الرجس و هو القذر، و بالضم: الصنم.

وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ أي: لا تفسدوا، و المصدر عثوا و عثيا، قيل: هو من تكرار التأكيد، و قيل: عثا خلط أي: لا تخلطوا مفسدين.

وَ فُومِها لغة في ثومها و قيل: الحنطة، و قيل: الحمص.

وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي: رجعوا.

وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ هذا ليس مفهوم (1).

وَ الصَّابِئِينَ: عباد النجوم؛ لأن العرب تقول: صبا النجم إذا طلع و كأنهم يعبدونها عند طلوعها فنسبوا إلى ذلك.

لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ الفارض: المسن من البقر، و البكر:

الصغير، و العوان: النّصف في سنها من كل شى ء، و الجمع عون، و في المثل:" العوان لا يعلم الخمرة"، و حرب عوان: إذا قوتل فيها مرة، و البقرة تطلق على الذكر و الأنثى كالحية، و قيل في صفراء: كانت سوداء.

فاقِعٌ لَوْنُها: اتباع يقتضي شدة الصفرة، كما تقول: أسود حالك، و أبيض يقق (2)، و أخضر ناصع (3).

ص: 20


1- أي: لا مفهوم مخالفة له، فلا يصح لأحد أن يقول: أما من قتل نبيا بحق فلا مانع من ذلك؛ لاستحالة إتيان النبي فعلا يستحق عليه القتل.
2- أبيض يقق: شديد البياض ناصعه.
3- الناصع و النصيع: البالغ من الألوان: الصافي أي لون كان، و أكثر ما يقال في البياض.

لا شِيَةَ فِيها أي: ليس منها لون آخر يخالف سائر ألوانها، و الجمع:

شيات (1).

فَادَّارَأْتُمْ فِيها أي: اختلفتم و تدافعتم، و الأصل: تدارأتم فأدغمت التاء في الدال.

يُحَرِّفُونَهُ التحريف: وضع الشي ء في غير موضعه.

وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ الأمي: الذي لا يحسن الكتابة.

إِلَّا أَمانِيَّ جمع أمنية، و هي: التلاوة (2)، قال تعالى:" إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" [الحج: 52].

تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ أي: تتعاونون، و المظاهرة: المعاونة.

بِالْآخِرَةِ التي ليس بعدها شى ء من جنسها بخلاف الأخرى فإنه يأتي بعدها أخرى، و أخرى من جنسها و هي تأنيث الآخر فاعرفه.

وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ أي: أتبعنا، التقفية: إلحاق الشي ء بعده، و اشتقاقه من القفا لأن الآتي بعده يكون في قفاه، و منه الكلام المقفّى، و يقال: للقفا قافية، و منه الحديث" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدهم" (3).

وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ: هو جبريل.

قُلُوبُنا غُلْفٌ أي: في غلاف، و الغلاف: الغطاء، و المعنى لا يصل إليها ما تفهمه، و منه غلاف السيف.

يَسْتَفْتِحُونَ أي: يستنصرون، و الاستفتاح: الاستنصار.

وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي: خالط قلوبهم حب العجل، من قولهم أشرب هذا حمرة أو صفرة، و قيل: إن موسى أحرق العجل و ذرى رماده في البحر الحلو فما شرب منه أحد إلا بقيت محبة العجل فيه.

ص: 21


1- شية: أصلها وشيه، و ذلك من باب الواو و الوزن فعلة من الوشي و شيت الشي ء و شيا جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه.
2- و الأماني أيضا الأكاذيب و منه قول عثمان- رضي اللّه عنه-:" ما تمنيت منذ أسلمت" أي: ما كذبت، و هو قول مجاهد.
3- صحيح مسلم: ج 1، ص 538، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. و معنى قافية: رأس أحدكم، القافية: آخر الرأس، و قافية كل شى ء آخره. و منه قافية الشعر.

نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ طرحه، و أصل النبذ: الإلقاء من اليد.

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها النسخ: الإزالة أو النقل، و الإنساء: التأخير، تقول: أنسيته و نسيته بمعنى.

كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ أي: خاضعون.

وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ الأسباط في بنى إسرائيل كالقبائل في العرب.

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً المثاب: الموضع الذي يرجع إليه مرة بعد أخرى.

وَ أَرِنا مَناسِكَنا المناسك: مواضع العبادة، و المنسك و المنسك: موضع النسيكة، و هي: الذبيحة.

وَ يُزَكِّيهِمْ أي: يطهرهم.

صِبْغَةَ اللَّهِ أي: دين اللّه، و كانت النصارى تصبغ أولادهم في ماء يقال له:

العمودي، و قيل يقال له: العمودية ليطهروهم بذلك، فأنزل اللّه تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ و وقعت بلفظ المشاكلة، و قيل: سمي الدين صبغة لظهور آثار العبادة على الجسد.

أُمَّةً وَسَطاً أي: خيارا.

شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي: نحوه و قصده.

الْمُمْتَرِينَ: الشاكين.

وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها أي: يولي تلك الجهة وجهه في الصلاة.

مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أي: من الأعمال التي عينها للحج و كل ما جعل علما لطاعة اللّه تعالى، قال الأصمعي: الواحد: شعيرة، و قال بعضهم: و شعارة، و الشعيرة:

البدنة تهدى، و المشعر الحرام: أحد المشاعر، و كسر الميم لغة، و المشاعر: الحواس أيضا.

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ الحج في اللغة: القصد و كذا الاعتمار، و في الشرع: عبارة عن أعمال مشروعة.

فَلا جُناحَ أي: فلا حرج.

أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أي: وجدنا.

كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ النعق: صوت الداعي بغنمه، يقال: نعق ينعق نعيقا، و نعاقا و نعقانا، و حكى ابن كيسان: نغق بغين معجمة.

ص: 22

وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أي: ذكر عليه غير اسم اللّه، و أصل الإهلال: رفع الصوت و أهلّ بالتسمية على الذبيحة.

لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي: مخالفة و عداوة.

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ أي: القود، و أصل القص: التتبع، و منه اقتص أثره (1).

جَنَفاً أَوْ إِثْماً الجنف: الميل.

الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ أي: الجماع، قيل: يسمى الكلام الفاحش: رفثا، و قيل: الكلام في حال الجماع، يقال: رفث أو أرفث.

أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ أي: دفعتم، مأخوذ من الفيض و كل دفعة: فيض.

تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ أي: تخونونها (2) بالمعاصي أي: تتهمونها بالمعاصي، و الخيانة: انتقاص الحق على جهة المستاترة (3).

حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي: حيث صادفتموهم.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أي: منعتم، من حصره حصرا ضيق عليه و أحاط به.

الْهَدْيِ: ما يهديه المحرم إلى الحرم، يقال فيه هدي.

أَلَدُّ الْخِصامِ أي: شديده، كأن اشتقاقه من اللديدين، و هما عرقان في جانبي العنق؛ لأن المخاصم الذي يشتد خصامه ترى عرقين في جانبي عنقه، و منه لديدا الوادي: جانباه.

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ أي: يبيع، يقال: شريته و أشريه إذا بعته، و اشتريته أيضا، و منه قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ أي باعوه و هو من الأضداد.

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً قرئ بالكسر و الفتح، فمن فتح أراد الصلح، و من كسر ذهب به إلى الإسلام، و هي قراءة أبي عمرو.

و كافة: جميعا، و لا تستعمل غير منصوبة على الحال و قيل: الهاء فيها للمبالغة، و مثله طرا و قاطبة.

ص: 23


1- القصاص: مقابلة الفعل بمثله، مأخوذ من قص الأثر أي: تتعبه.
2- الاختيان مراودة الخيانة، لم يقل تخونون أنفسكم لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الاختيان، فإن الاختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة.
3- كذا بالأصل، و لم أعثر لها على معنى.

حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي: ذهب ثوابهم، مأخوذ من ماء الركية، يقال: حبط ماء الركية إذا ذهب.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ في اشتقاق الخمر ثلاثة أقوال:

الأول: إنها تخمر العقل، أي: تستره و منه خمار المرأة.

ثاني: إنها تخمر نفسها أي: تغطي رأسها بما تنسجه لئلا يقع فيها ما يفسدها.

الثالث: إنها تخامر العقل أي: تخالطه و هو قريب من الأول، و الميسر: القمار حتى لعب الصبيان بالجوز قاله مجاهد، و قال الأزهري: الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليها، و سمّي ميسرا لأنه يجزأ أجزاء، و كل شى ء جزأته فقد يسرته، و الياسر: الجزار الذي يجزئها و الجمع أيسار.

لَأَعْنَتَكُمْ: لأثّمكم، أي: لأوقعكم في أمر شاق.

وَ لا تَنْكِحُوا النكاح: لفظ مشترك بين العقد و الوطء.

عَنِ الْمَحِيضِ تقول: المرأة تحيض حيضا و محيضا، و هو الدم الذي تراه عند بلوغها.

أَذىً و الأذى: ما يتأذى به و يتضرر و يريد به هاهنا الدم؛ لأنه قذر و نجس و لأن المجامع يتأذى به فينفر طبعه عن الجماع.

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ شبه الجماع بالحرث، و النطفة بالبذر، و الولد بالزرع.

أَنَّى شِئْتُمْ أي: كيف شئتم و أين شئتم، و قيل: و متى شئتم، و تأتي أنّى بمعنى كيف كقوله تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ [آل عمران: 47] و بمعنى: من أين كقوله تعالى: أَنَّى لَكِ هذا [آل عمران: 37].

عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أي: عذرا في ترك البر.

و العرضة تطلق و يراد بها ما ينصب (1)، و تارة ما يمنع (2)، و تطلق على العدّة و على ما يجعل عذرا.

ص: 24


1- ما ينصب أي: نصبا لأيمانكم و منه قولهم جعلت فلانا عرضة لكذا أي: نصبته له.
2- ما يمنع أي: من عرض يعرض، و كل مانع منعك من شغل و غيره من الأمراض فهو عارض، و قد عرض عارض أي: حال حائل و منع مانع.

بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ هو قول القائل: إي و اللّه، بلى و اللّه من غير أن يعقد بها يمينا.

يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ الإيلاء: أن يحلف أنه لا يقرب زوجته، أو يحلف بما يلزمه غرمه من صداق أو عتق أو طلاق، و كان إيلاء الجاهلية السنة و السنتين و أكثر، فوقّت اللّه تعالى في الإسلام أربعة أشهر.

يَتَرَبَّصْنَ أي: ينتظرن.

و القرء يطلق على الطهر، و الحيض، و على الوقت.

حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ النكاح هاهنا: الوطء بلا خلاف بين الجمهور.

وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً أي: يتركون و لا ماضي له، لا يقال: وذر لكن يقال في موضعه ترك.

فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أي: تمنعوهن من النكاح، و العضل: المنع و الشدة، و منه داء عضال للذي أعيا الطبيب، و في هذه الآية دلالة على أن المرأة لا تزوج نفسها.

أَوْ أَكْنَنْتُمْ: سترتم مأخوذ من الكن، تقول: كننته، و أكننته أي: أضمرته.

ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ و المس هاهنا: كناية عن الجماع.

أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ: هو شبه الصندوق (1) طوله ثلاثة أذرع في ذراعين، و قرأه الأعمش التابوة بالهاء و هي لغة الأنصار.

سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ السكينة للنفوس كالسكون للأجسام، و اختلف فيها فقيل: كانت طستا من ذهب يغسل فيه قلوب الأنبياء، و قيل: ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، و قيل: كرأس الهرة و جناحان، و قيل: روح من اللّه تكلمهم ببيان ما يقع فيه الاختلاف.

طالُوتَ و جالُوتَ: اسمان أعجميان عرّبا، و كذا عيسى و مريم.

وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ الخلة (2): الصداقة، و قيل: الخليل.

ص: 25


1- التابوت: أي: صندوق التوراة، و كان- موسى عليه السلام- إذا قاتل تقدم جيشه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل و لا يفرون.
2- الخلة: الصداقة كأنها تتخلل الأعضاء، أي: تدخل خلالها، أي: وسطها. و الخلة: الصديق نفسه.

سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ السنة: أول النوم فلو ترك المعطوف لجاز أن يتوهم أن يأخذه كثرة النوم فلما احتمل احترز بذكره.

يَؤُدُهُ يثقله.

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها العروة في الأصل: عروة القميص، و الكوز: و هو ما يمسك غيره، و الانفصام: الانقطاع، و فرق بين فصم و قصم، فالفصم: أن ينصدع الشي ء من غير أن يبين و بالقاف ضده.

فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ: انقطعت حجته، و البهت: الحيرة، و البهت: مواجهة الرجل بالكذب عليه

خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها: ساقطة على سقوفها.

مِائَةَ عامٍ: العام، السنة، و اشتقاقه من عوم الشمس في بروجها لأن سيرها سباحة لقوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33].

لَمْ يَتَسَنَّهْ: لم يتغير.

فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ: قيل: قطعهن، و قيل: أملهن، فمن قرأ بضم الصاد جعله من صار يصور، و من قرأ بكسرها جعله من صار يصير، و كلاهما بمعنى مال أو قطع، و قرأ ابن عباس: فصرهن بكسر الصاد و تشديد الراء، من صر إذا قطع، أو إذا جمع.

كَمَثَلِ صَفْوانٍ: حجر يخالطه التراب و الرمل لا ينبت شيئا، الواحد:

صفوانة، و قيل: هو اسم واحد بمعنى الجمع، و في الغريب عن ابن المسيب بفتح الفاء على فعلان و هو قليل في الأسماء كثير في الصفات و المصادر، و مما جاء فيه من الأسماء: الورشان و الكروان.

فَتَرَكَهُ صَلْداً أي: حجرا أملس براقا لذهاب التراب منه بالمطر، يقال:

حجر صلد، و أرض صلدة، و جبين صلد.

فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ الوابل: الغزير من المطر، و الطل: القليل منه، و هو دون الرذاذ.

فَأَصابَها إِعْصارٌ: ريح شديدة تثير سحابا ذات رعد و برق، و العصر

ص: 26

بالتحريك: الغبار و في الحديث: (مرت امرأة مطيبة لذيلها عصر) أي: ريح.

إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ الإغماض: المساهلة و المسامحة، يقال: غمضت عن فلان إذا تساهلت عليه، و أغمضت مثله و كأنه يرجع إليه تغميض العين حياء.

ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أي: سفرا.

إِلْحافاً (1) الإلحاف: كثرة السؤال، أي: ليس لهم إلحاف في السؤال، و قيل:

لا سؤال لهم فيكون لهم إلحاف و هو قوي في البلاغة.

مِنَ الْمَسِّ أي: من الجنون.

ص: 27


1- و الإلحاف و الإلحاح و الإحفاء متقاربة المعنى، و اشتقاقه من اللّحاف؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته و يعمهم، كما يشتمل اللحاف من تحته و يغطيه، و قيل: اشتقاقه من لحف الجبل و هو المكان الخشن.

سورة آل عمران

وَقُودُ النَّارِ: ما يوقد به كالحطب، و بالضم المصدر وقودا، و وقدا، و وقدانا وقدة و وقيدا.

و قال الجوهري: وقدت النار تقد وقودا، و وقدا، و وقيدا، وقدة، و وقدانا: أي:

توقدت

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ الدأب: العادة.

وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ القنطار مختلف فيه قيل: مائتي أوقية، و قيل: ألف أوقية من الفضة، و قيل: من الذهب، و قيل: مل ء جلد بعير ذهبا، و قيل: فضة، و قيل: أربعة آلاف دينار، و قيل: أربعة آلاف درهم.

و معنى مقنطرة: ثلاثة أدوار، و محصلها اثنا عشر ألف درهم.

قائِماً بِالْقِسْطِ: بالعدل، يقال: أقسط إذا عدل، و قسط: إذا جار و القسط في الأصل: النصيب.

يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ الفريق: الجماعة.

قُلِ اللَّهُمَّ رأي الخليل (1): حذف حرف النداء و عوّض في آخر الاسم ميما مشددة اتصلت بالهاء- و رأى الفراء أصله: يا اللّه أمنا. فحذف حرف النداء و أوصل بالهاء أم بغير مفعول، و هو مرجوح، و اختلف في وصفه فأجازه سيبويه و منعه آخرون و ما جاء بعده فمنادى محذوف منه حرف النداء كقوله: مالك الملك، فاطر السموات.

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ الإيلاج: الإدخال و معناه هنا: الزيادة و النقصان و قيل:" في" هاهنا بمعنى: على.

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ النسمة من النطفة، و الفروج من البيضة و النطفة من الإنسان و البيض من الدجاج.

إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً التقاة و التقية: مأخوذة من الاتقاء، و هو أن يظهر بلسانه خلاف ما ينطوي عليه قلبه للخوف على النفس.

ص: 28


1- هو الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ النحاة و اللغويين، صاحب معجم العين.

وَ آلَ إِبْراهِيمَ في إبراهيم لغات إبراهام، و إبرهم، و إبراهم.

مُحَرَّراً للعبادة، و قيل: خادما للمسجد، و قيل: عتيقا للّه من أمر الدنيا (1) مشتق من الحرية.

حَصُوراً أي: لا يأتي النساء مع القدرة

اقْنُتِي القنوت: الخضوع، و طول القيام، و الدعاء: كل قنوت.

يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ: أقداحهم التي كانوا يجيلونها في كفالة مريم- طلبا لمرضاة اللّه- و كل ما قطع طرفه من العيدان فهو قلم لغة، و خص العرف ما يكتب به، و يطلق على الجلم: قلم لأنه يقلم به الأظافر لأن القلم: القص من الشي ء الصلب كالظفر، و كعب الرمح، و القصب.

اسْمُهُ الْمَسِيحُ قيل: لأنه مسح بالبركة، و قيل: خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، و قيل: لأنه يمسح الأرض، و قيل: لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ، و قيل:

مسيح الرجلين ليس لرجله خمص و هو ما جفا عن الأرض.

و المسيح: لفظ مشترك يطلق على القطعة من الفضة، و على الأطلس (2)، و على المسيح الكذاب الدجال، و على العرق (3)، و على البلاس (4).

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ الأكمة: هو الذي ولد أعمى.

قالَ الْحَوارِيُّونَ الحواري: الناصر، قيل: كانوا ملوكا، و قيل: كانوا صيادين، و قيل: كانوا قصارين (5)، و التحوير (6): التبييض و منه خبز حوّارى (7).

ثُمَّ نَبْتَهِلْ: ندعوا بالهلاك على الكاذبين، و الابتهال: التضرع، و قيله.

ص: 29


1- محررا فيه ثلاثة أقاويل أحدهما: محررا أي: مخلصا للعبادة، و هذا قول الشعبي. و الثاني: يعني خادما للبيعة، و هذا قول مجاهد. و الثالث: يعني عتيقا من الدنيا لطاعة اللّه، و هذا قول محمد بن جعفر بن الزبير.
2- يقال للدرهم الأطلس: مسيح، و للمكان الأملس: أمسح.
3- و العرق القليل: مسيح.
4- و المسيح: البلاس، جمعه: مسوح، و أمساح.
5- لبياض ثيابهم.
6- الحوار: و هو شدة البياض، و منه الحواري من الطعام لشدة بياضه، و الحور: نقاء بياض العين، و يقال حورت الشي ء: بيضته و دورته.
7- الحوار: المدور، من قولهم دورته.

الابتهال: الالتعان، و المباهلة: الملاعنة، و يقال: بهله اللّه أي: لعنه من قولهم: ناقة باهلة (1) و باهل: إذا لم يكن عليها صرار (2) لأنها إذا لم يكن عليها صرار و لا لبن فيها فمعناه: المباعدة لعدم جدواها.

وَدَّتْ طائِفَةٌ: جماعة و يطلق على الواحد، و على القطعة من الشي ء و أصل الطرف الدوران حول الشي ء.

لا خَلاقَ لَهُمْ الخلاق: النصيب.

رَبَّانِيِّينَ: أرباب العلم و البيان، و قد ينسب إلى الربّ، و الألف و النون للمبالغة كقولهم: لحياني و شعراني، و قيل: منسوب إلى علم الرب كقولهم: قصابي لصاحب القصب.

عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي الإصر: العهد، و يطلق على الذنب، و على الثقل

بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ الحبل: العهد و الأمان، و يطلق و يراد به الوصال و يطلق و يراد به ما استطال من الرمل، و حبل العاتق: عصب، و حبل الوريد:

عرق، و حبل الذراع في اليد، و في المثل: هو على حبل ذراعك أى: بالقرب منك.

وَ باؤُ بِغَضَبٍ أي: رجعوا.

آناءَ اللَّيْلِ أي: ساعاته، واحدها: إنا، مثل معا، و قيل: إني، مثل أنو.

فِيها صِرٌّ أي: برد.

بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ بطانة الرجل: من يطلعه على سره ثقة به مشتقة من البطن.

لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ لا يألونكم أي: لا يقصرون، و الخبل:

الفساد و العنت: الإثم، و العنت: الخوف من الوقوع في الزنا، و العنت: الأمر المشق و هو قريب من بعضه.

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ: توطن لهم أمكنة، تقول: بوأته، و أبأته، و المباءة:

المنزل.

مَقاعِدَ لِلْقِتالِ المقدمة، و الميمنة، و الميسرة، و القلب، و الساقة و منه سمىا.

ص: 30


1- ناقة باهلة: ناقة مخلاة عن قيدها، و أصل البهل كون الشي ء غير مراعى.
2- الصرار: هو الخيط الذي يشد به ضرع الناقة لئلا يرضعها وليدها.

الجيش: خميسا.

أَنْ تَفْشَلا أن تجبنا.

بِبَدْرٍ: اسم بئر نسب المكان إليها و يقال: حافرها بدر، و قيل: لأن البدر يرى فيها لصفائها، و قيل: لاستدارتها.

مُسَوِّمِينَ أي: معلمين أنفسهم بعلامات، و قيل: مرسلين الخيل من قولهم:

سوم فيها الخيل أي: أرسلها.

طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: طائفة.

مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أي: سير، و السنة: السيرة

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ القرح بضم القاف و فتحها: الجراحة، و المعنى هاهنا:

الألم، و هو من باب إطلاق اللازم و أراد به الملزوم و هو الكناية.

وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ أى: ليختبر، و التمحيص: الابتلاء.

وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ أى: كم.

مَعَهُ رِبِّيُّونَ أي: علماء، و قيل: منسوب إلى الرب لعبادته تعالى، يقال:

ربي كما يقال: إمسي (1)، و ظهري، و قيل: الربي: أحد الربيين و هم الآلاف من الناس، و قيل الرب: الجماعة و نسب إليهم، و قيل: يقال العشرة آلاف ربة.

ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً أي: حجة، و السلطان يطلق على الملك، و على الحجة.

أَوْ كانُوا غُزًّى: جمع (2) غاز.

أَنْ يَغُلَّ: أي: يخفي ذلك على جهة الخيانة.

أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ: نؤخر المدة مأخوذة من الملوين الليل و النهار، واحدهما:

ملا.

إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ: ما يغتر به من متاع الدنيا أي: يخدع و الغرور بالفتح:

الشيطان.

ص: 31


1- إمسي بكسر الهمزة منسوب إلى أمس، و كذا ظهري.
2- أي: غزاة.

سورة النساء

مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ: أي: اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة.

صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً: جمع صداق، و نحلة أي: عطية واجبة و قيل: فريضة لازمة، تقول: نحلته أنحله نحلا بالضم، و أعطى المرأة مهرها نحلة بالكسر و النحلة:

الهبة، و النحلة: الدعوى و منه قولهم: أرباب الملل و النحل، و يقال فيه: نحلته أو أنحلته و كأن اشتقاقه من مادة النحل لأنها تعطي ما ينفع. و النحلة أخص من الهبة.

حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ: المراد به هاهنا: الاحتلام، فيتوجه إلى الوطء خاصة.

آنَسْتُمْ: أبصرتم و منه آنست نارا.

يُورَثُ كَلالَةً الكلالة: اسم لما عدا الولد و الوالد من الورثة، و عن ابن عباس هو اسم لما عدا الولد. روي أن الرسول صلّى الله عليه و سلم سئل عن الكلالة فقال:" من مات و ليس له ولد و لا والد". (1) فجعله اسم الميت و كلا القولين صحيح فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث و المورث، و قال قطرب: اسم لما عدا الأبوين و الأخ، و قال:

ابن الأعرابي الكلالة: بنو العم الأباعد و كأن مادته من تكلل النسب إذا أخذ بطرفيه من جهة الولد و الوالد و قد تطلق العرب الكلالة و تريد بها أن الرجل يختص بما كان لأسلافه، فيقولون: لم يرث هذا كلالة قال الفرزدق:

ورثتم قناة الملك غير الكلالة عن ابني مناف عبد شمس و هاشم

وَ قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ: أي: باشر كأن مادته من الفضاء و هو المكان الواسع و هو كناية عن الجماع، و تقول: أفضيت إلى فلان بسري، و أفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته في سجوده، و أفضى المرأة إذا جعل مسلكيها واحدا، و المفضاة: الشريم، و الفضا بالقصر: الشي ء المختلط و من ذلك قولهم: أمرهم فضى لا أمير لهم.

وَ رَبائِبُكُمُ: الربيبة: ابنة المرأة.

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ: الحليلة: الزوجة.

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ أي: المتزوجات و هن داخلات في حُرِّمَتْ،

ص: 32


1- الحديث أخرجه الترمذي، و ابن ماجة في سننه، و أحمد، و أبو يعلى في مسنده.

و الفتح في المحصنات هاهنا لا غير و في غير هذا المكان يجوز الفتح و الكسر.

فالمحصن بالفتح إذا تصور حصنها من غيرها، و المحصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها، و أحصن الرجل فهو محصن بالفتح و هو أحد ما جعل أفعل و هو مفعل.

و أحصنت المرأة: أي: عفت، زوجها فهي محصنة و محصنة قاله الجوهرى و قال ثعلب: كل امرأة عفيفة فهي محصنة و محصنة، و الإحصان له معان، أحدها: الموجب لرجم الزاني و لا ذكر له في القرآن إلا قوله تعالى: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [النساء- 24] قالوا: معناه مصيبين النكاح لا بالزنا.

الثاني: بمعنى العفة و منه قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النور: 4].

الثالث: بمعنى الحرية و منه قوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ.

الرابع: بمعنى التزوج و هو المراد بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء: 24] على ما تقدم.

الخامس: بمعنى الإسلام و هو المراد بقوله تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ [النساء: 24] أي: أسلمن عند جماعة، حكاه الواحدي عن الصحابة و التابعين و الجامع لأنواع الإحصان المنع- و قال بعضهم: يطلق الإحصان و يراد به: العقل و المادة مساعدة لكن لم أظفر له بمثال.

وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أي: الغنى و هو كناية عن ما يصرف إلى المهر.

كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ: قيل: الكبيرة ما تعظم عقوبتها كالقتل و الكفر و الزنا و السحر إلى غير ذلك من هذه المعاصي و قد تستعمل الكبيرة و يراد بها الأمر المشق لقوله تعالى: وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ [البقرة: 45] و قوله تعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ [الشورى: 13].

تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ: النشوز: خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه، مأخوذ من النشوز و هو الارتفاع تقول: نشزت المرأة تنشز و تنشز نشوزا، و نشز بعلها عليها إذا ضربها و منه قوله تعالى: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً

ص: 33

[النساء: 128].

وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما: الشقاق: الخلاف و العداوة.

لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ المثقال يطلق و يراد به ما يوازن الشي ء و يطلق و يراد به الدينار و يطلق و يراد به المئونة تقول: ألقى عليه مثاقله أي: مئونته.

وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا الفتيل: ما يكون في شق النواة و قيل: ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ، و الغرض: الحقارة.

يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ: كل ما يعبد من دون اللّه تعالى: كلمة تقع على الصنم و الكاهن و الساحر و الغسل (1).

و في الحديث:" الطيرة و العيافة و الطرق من الجبت" (2)، و ليس من محض العربية لاجتماع الجيم و التاء من غير حرف ذولقىّ (3) و قيل: التاء بدل من السين و هو الجبس و هو السفلة (4).

لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً: المراد به: الحقارة، مأخوذ من الحفرة التي تكون في ظهر النواة و النقير: خشبة تنقر فينبذ فيها و تجمع النواة الفتيل و النقير و القطمير فالفتيل: ما في بطنها، و النقير: ما في ظهرها، و القطمير: قشرها و كل ذلك يضرب به المثل في الحقارة.

فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ المشاجرة: المخالفة، و اشّجر الأمر بينهم: اختلف، و يقال: الشجار و المشاجرة و التشاجر.

فَانْفِرُوا ثُباتٍ الثّبة: الجماعة، و الجمع ثبات و يجمع على ثبون، و أثابي، و الثبة أيضا: وسط الحوض الذي يثوب الماء فيه.

فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ المشيدة: المطولة و قيل: المبنية بالشيد و هو الجص، و قصر مَشِيدٍ: أي: مبني بالشيد، و الإشادة: رفع الصوت، و أشاد بذكره أي: رفع من قدره. و قولهم: شيد قواعده أي: أحكمها. استعارة من البناء بالشيد.

بَيَّتَ طائِفَةٌ أي: قدّرت أمرا في أنفسها بخلاف ما أظهرت و منه قولهم:

ص: 34


1- الجبت و الحبس: الغسل الذي لا خير فيه.
2- أخرجه أحمد في المسند (3/ 477).
3- ذولقي: أي: من حروف الذلاقة، و هي: الفاء- الراء- ميم- نون- اللام- الباء.
4- الجبس: هو اللئيم.

" هذا أمر بيّت بليل"، و البيوت: ما يبيت عليه صاحبه مهتما به.

يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي: يستخرجونه، تقول:" استنبطت حمأة البئر" إذا استخرجتها.

يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها الكفل: الضعف و يقال: النصيب، و هو اسم مشترك يطلق على النصيب و على ذي الكفالة و منه ذو الكفل اسم نبي، و الكفل: الضعف و يقال: النصيب و هو اسم مشترك للذي لا يثبت على ظهر الخيل و الجمع: أكفال، و الكفل: ما يدار على سنام البعير من كساء أو غيره ثم يركب الراكب على نواحيه:

و الكفل في الآية اشتقاقه من الكفل و ذلك لما كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كل شدة كالسّيساء و هو العظم الناتئ في ظهر الحمار، يقال: لأحملنك على الكفل و على السّيساء إذا أرادوا إركابه المشاق، و معنى الآية من أعان فاعل الحسنة عليها فله نصيب منها و من أعان فاعل السيئة عليها ناله مشقة بسببها. انتهى كلام الراغب.

عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقِيتاً: المقيت: المقتدر، و قيل: الحافظ للشي ء.

فِئَتَيْنِ الفئة: الجماعة.

أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا: الركس: رد الشي ء مقلوبا، و ركسه و أركسه بمعنى و المعنى: ردهم إلى كفرهم.

أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ (1)؟ يريد به الاستسلام: و السلم: لفظ مشترك يطلق على السلف" و على الشجر من العضاة" و السلم: الحجارة واحدتها: سلمة و في الأمثال" لأعصبنكم عصب السلمة" أي: الشجرة.

مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ: جمع وليد و هو الصبي و العبد، و يجمع أيضا على ولدة و الوليدة: الصبية و الأمة و الجمع: الولائد.

مُراغَماً كَثِيراً: المراغم: المذهب الواسع، و الطريق المتسع و المراغم:

المضطرب في ذهابه.

كِتاباً مَوْقُوتاً: أي: مكتوبا مفروضا في الأوقات.

يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ الخيانة و النفاق واحد إلا أن الخيانة تختص بنقض العهد

ص: 35


1- كذا بالأصل و هي قراءة نافع و ابن عامر، و حمزة و أبى جعفر و خلف.

و الأمانة، و النفاق يختص بالدين، و يختانون هاهنا يراودون أنفسهم بالخيانة.

فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ النجوى: المساررة يقال: تناجى القوم إذا تسارروا أي: مالوا إلى نجوة من الأرض أي: خلوة يلقون عندها أسرارهم.

فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ البتك: القطع، يقول: بتكه بتّكه و شدّد للكثرة.

فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ الدركات: منازل أهل النار واحدها: دركة و درك و الدركات في النار مثل الدرجات في الجنة، و لفظ الدرك مشتق يطلق على قطعة حبل في أسفل الرشاء يقيه من عفن الماء.

و الدرك: منزل أهل النار، و يقال: ما لحقك من درك- بالفتح- فعلىّ خلاصه، و يسكّن (1) أيضا.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ أي: هيّأنا، و العتيد الشي ء المهيّأ.

ص: 36


1- قرأ عاصم و حمزة و الكسائي و خلف العاشر بإسكان الراء و الباقون بفتحها، و هما لغتان و معنى قوله ما لحقك من درك ... الخ الدرك هنا بمعنى التبعة، و الدرك: اللحق من التبعة، و منه ضمان الدرك في عهدة البيع. انظر لسان العرب مادة الدرك.

سورة المائدة

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ العقود: العهود و المفرد: عقد، و قيل: المراد بها ما أمر أهل الكتاب أن يعملوا به من تصديق النبي صلّى الله عليه و سلم، و قيل: أوفوا بعقود اللّه فيما حرم و أحل، و قيل: بعقد النكاح و الشركة و اليمين و الحلف و البيع، و قيل: العقود المذكورة من الفرائض المبينة في بدء السورة و هي إحدى عشرة، و قيل: ثماني عشرة و أصله الجمع بين الشيئين مما يعسر الانفصال عنه، و الوفاء: إتمام العقد بفعل ما عقد عليه يقال:

وفّى و أوفى.

بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ: ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام. لكن خص في التعارف بما عدا السباع و الطير و هي واحدة البهائم و الأنعام أصلها الإبل أخذ من نعمة الوطء و إضافة البهيمة إليها من باب إضافة ثوب خز ثم تستعمل للبقر و الشاء و لا يدخل فيها الحافر.

لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلائِدَ قيل:

الشعائر ما يحرم بالإحرام و قيل: مناسك الحج و قيل دين اللّه كله- و الشهر الحرام:

يريد به الأشهر الحرم- و الهدي: ما يهدى للذبح بمنى، و القلائد قيل: المراد المقلدات، و قيل القلائد نفسها أي: لا تأخذوا من لحاء شجر الحرم أي: لا تنزعوا من شجره شيئا تقلدونه هديكم و كانت الجاهلية تفعل ذلك.

وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أي: يحملنكم و يكسبنكم، تقول: جرم يجرم أي: كسب و فلان جريمة أهله أي: كاسبهم- و الجرم و الجريمة: الذنب، و اشتقاقه من أجرم النخل إذا حمل بتمر ردي ء فاستعير لكل كسب مكروه.

و الشنآن بالفتح: البغض و بالتسكين: بغيض قوم فإن المصدر على فعلان قليل قالوا ليان من قولهم لويته ألويه ليانا.

و قيل: يجوز أن يكون شنآن بالتسكين صفة و معناه: بغيض قوم أبو عبيد الشنان بغير همز مثل السنان. و عند الجوهري الشنآن بالتحريك و التسكين شاذان في القياس؛ لأن فعلان بالتحريك يقتضي الاضطراب كالنزوان و الضربان و الخفقان و بالتسكين لم يجئ فعلان.

وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ

ص: 37

السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل في رفع الصوت و منه إهلال الصبي و المراد في الآية: رفع الصوت بغير ذكر اللّه من ذكر أصنامهم و غيرها.

و المنخنقة: التي انخنقت بنفسها و موضعه من العنق: مخنّق، و الموقوذة: المقتولة بالخشب. و المتردية: هي التي تقع من علو كالجبل و نحوه أو إلى أسفل كالبئر و نحوه و لا تدركها الذكاة، مأخوذ من الردى و هو الهلاك، و النطيحة: التي ماتت من النطح و إنما جاءت بالهاء لغلبة الاسمية: لأن فعيلا إذا جاء و المراد به المفعول بلا هاء تقول:

امرأة قتيل أي: مقتولة و إذا كانت بمعنى الفاعل تعينت الهاء كقولهم: امرأة قتيلة أي:

قاتلة و إنما دخلت الهاء هاهنا لأن الشي ء في نفسه مما ينطح، و مثله الفريسة و مثله الأكيلة أي: في نفسه يفرس و يؤكل. و النصب: ما ينصب لغير عبادة اللّه تعالى يقال فيه: نصب و نصب و نصب و الجمع: الأنصاب.

وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ: قداح الميسر واحدها: زلم و زلم و هي عشرة.

أولها الفذ و التوأم و الرقيب و الحلس و النافس و المسبل و المعلى فهذه السبعة لها نصيب فالفذ: سهم و التوأم: سهمان و ما بعده فعلى رتبته من العدد و الثلاثة الأخر الوغد و السفيح و المنيح لا شي ء لها.

فِي مَخْمَصَةٍ المخمصة: المجاعة، لأنها تورث البطن خمصا أي: ضمورا.

غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ الجنف: الميل.

مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ الجوارح: ذوات الصيد من السباع و الطير و هي إما مشتقة من الاكتساب؛ لأن الاجتراح بمعنى الاكتساب أو لكونها تجرح للصيد- و جوارح الإنسان: أعضاؤه التي يكتسب بها و من ذلك قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ [الجاثية- 21].

مُكَلِّبِينَ: معلمين الكلاب الاصطياد.

مُتَّخِذِي أَخْدانٍ: أصحاب واحدها: خدن و يقال: خدين و أكثر ما تستعمل فيما تصاحب بشهوة و المخادنة: المصادقة.

مِنَ الْغائِطِ الأصل في الغائط: ما اطمأن من الأرض ثم نقل إلى ما يبرز

ص: 38

من تفل الإنسان، مجاز مجاورة.

فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ أي: ألصقنا و الغراء ما يلصق به يقال:

أغريت الكلب بالصيد، و الاسم: الغراة، و عن بعضهم: غاريت بين الشيئين غراء إذا واليت و قيل: أغرينا: هيجنا.

الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ: المطهرة قيل: دمشق و فلسطين و بعض الأردن. و قيل:

الطور و ما حوله و قيل: أرض الشام و هو من العريش إلى الفرات و قيل: إلى نابلس و قيل: أريحا و هي أرض بيت المقدس.

وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ الوسيلة: أفضل درجات الجنة و قيل: توسلوا بتقواه إلى ثوابه و الفعل وسل إلى ربه و توسل توسيلة إذا تقرب إليه بعمل، و الواسل: الراغب إلى اللّه تعالى.

أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ: يقال: سحت و سحت و هو الحرام و يقال: سحته و أسحته إذا استأصله و في الحديث المرفوع:" السحت الرشوة" (1).

وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ: كل مشرف على كنه الأمر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه و الإشراف يرجع إلى العلم، و الاستيلاء إلى كمال القدرة. و الحفظ إلى الفعل. و الجامع بين هذه المعاني اسم المهيمن. و لن يجمع ذلك على الإطلاق إلا اللّه سبحانه و تعالى.

و في الغريب عن مجاهد: مهيمن بفتح الميم الثانية و هو من هيمن عليه إذا ائتمنه فالمهيمن المؤتمن و قيل: أصله آأمن غيره الخوف و أصله أأمن فهو مأمن.

بهمزتين قلبت الثانية كراهية لاجتماعهما ياء فصار مأيمن ثم قلبت الهمزة هاء فصار مهيمنا.

شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً الشرعة: الشريعة و هي ما شرعه اللّه تعالى لعباده من الدين و المنهاج: الطريق، و الشارع أيضا الطريق الأعظم.

ص: 39


1- رواه ابن جرير (9/ 323) لسيده عمر بن حمزة بن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم:" كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" قيل: يا رسول اللّه ما السحت قال: الرشوة في الحكم و هذا حديث مرسل و نسبه السيوطي في الدر (3/ 81) لابن مردويه و عبد بن حميد و ابن جرير لعبد اللّه بن عمر الذي في الطبري كما تقدم عمر بن حمزة بن عبد اللّه بن عمر.

لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً الأمة: الدّين لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً [سورة الحج- 67] أي: لكل أهل دين- و الأمة: الملة- و لو شاء اللّه لجعلكم أمة واحدة أي:

ملة- و الأمة: العصبة.

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ أي: عصبة، و الأمة: العصبة وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [الزخرف: 33] و قوله: أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [القصص:

23] و الأمة: الإمام إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [النحل: 120] و الأمة: الطريق و السنة إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف: 23، 22]. و الأمة: الحين وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ [هود: 8] و قوله: وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف- 45] أي: بعد حين.

و الأمة: القوم أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ [النحل- 92] أي: قوم أزيد من قوم، و الأمة: القامة كقولك: فلان حسن الأمة أي: القامة، قال: حسان الوجوه طوال الأمم. و الأمة تطلق على الفريد في دينه كما قيل: في قس بن ساعدة يحشر يوم القيامة أمة وحده (1)، و الأمة: الأم، تقول: هذه أمة زيد أي: أمه.

و ثمّ أشياء ذكرت لكنها ترجع إلى الذي ذكرت فلأجل ذلك حذفتها.

بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً أي: ثوابا و الثواب يطلق في الخير و الشر لكن الأكثر في الخير.

مَغْلُولَةٌ أي: مقبوضة.

وَبالَ أَمْرِهِ أي: ثقيل أمره على مخالفته و الوبيل أيضا: الوخيم.

ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ البحيرة: الناقة التي تبحر أذنها أي: تشق، قال الفراء: و حكمها حكم السائبة و هي أمها، و السائبة:

الناقة التي ولدت عشرة أبطن كلها إناث سيبت فلم تركب و لم يشرب لبنها إلا

ص: 40


1- الحديث ورد بشأن زيد بن عمرو بن نفيل و ليس بشأن قس، و هذا الحديث يروى من طريق سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أخرجه الطيالسي في مسنده (32)، و الإمام أحمد في مسنده (1/ 189- 190)، و أبو يعلى في مسنده (2/ 260- 261)، و الطبراني في المعجم الكبير (1/ 114/ 115) و الحاكم في المستدرك (3/ 440)، و البيهقي في دلائل النبوة (2/ 20124)- و يروى من طريق جابر بن عبد اللّه، أخرجها أبو يعلى في مسنده (4/ 41) و إسناده حسن.

ولدها و الضيف حتى تموت و إذا ماتت أكلها الرجال و النساء.

و بحرت أذن ابنتها و الجمع: سيّب، و السائبة: العبد- كان الرجل إذا قال لغلامه أنت سائبة فقد عتق و لا يكون ولاؤه لمعتقه و يضع ماله حيث شاء و هو الذي ورد النهي عنه.

و الوصيلة: الشاة تلد سبعة أبطن عناقين عناقين، فإن ولدت في الثامنة ولدا ذبحوه لآلهتهم فإن ولدت جديا و عناقا قالوا: وصلت أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها و لا يشرب لبنها النساء و اختص به الرجال و جرت مجرى السائبة.

و لا حام: الفحل إذا ضرب في الإبل عشر سنين قيل: حمى ظهره فلا ينتفع بظهره، و قيل: إذا نتج من بطنه عشرة أبطن، و قيل: إذا ركب ولد ولده يركب و لا يحمل عليه و هذه أسماء وضعها عمرو (1) بن لحي سنّة لأصنامه.

فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً: يقال: عثر عليه يعثر عثرا و عثورا إذا اطلع عليه و أعثره عليه غيره و منه قوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ [الكهف: 21].

وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ: الأكمه: من ولد أعمى.

مائِدَةً مِنَ السَّماءِ: المائدة: خوان عليه طعام و إذا لم يكن كان خوانا.

و هي فاعلة بمعنى مفعولة مثل: عيشة راضية بمعنى مرضية، و المعنى أنه ممتاد منها الطعام أي: مستعطى، و اشتقاقها من ماده يميده إذا أعطاه و قيل: هي فاعلة على بابها لأنه يعطى الطعام و قيل: من ماد يميد إذا تحرك كأنها تميد بما عليها.

و قيل: إنهم استدعوا طعاما و قيل: استدعوا علما لأن العلم غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأشباح و فيه نظر لقوله تعالى: نَأْكُلَ مِنْها و تَكُونُ لَنا عِيداً [المائدة- 113، 114] لأن المعروف في الأعياد الاجتماع على الطعام لا على العلم و أيد ذلك قوله- صلى اللّه عليه و سلم-:" أيام أكل و شرب و بعال".).

ص: 41


1- هو عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف و قد ورد بشأنه حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم يقول لأكثم بن جون: (يا أكثم رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار) الحديث رواه الطبراني (11/ 18).

سورة الأنعام

بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أي: يشركون، تقول: عدل عن كذا إذا مال، و كأنهم عدلوا عن الإيمان إلى الكفر أو جعلوا له عديلا، و العدل و العدل متقاربان لكن العدل في المعاني مما يدرك بالبصيرة، و العدل في المرئيات مما يدرك بالبصر.

مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ القرن: الناس المتفرقون في زمن واحد، و القرن: لفظ مشترك يطلق و يراد به قرن الثور، و الخصلة من الشعر، و الحلبة (1) من العرق، و القرن:

ثمانون سنة، و قيل ثلاثون سنة، و القرن من الناس: أهل زمان واحد، و القرن:

العفلة (2) و منه امرأة قرناء.

مِدْراراً: كثرة در المطر.

وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ أي: لخلطنا عليهم. و اللّبس بالضم: مصدر لبست الثوب ألبسه لبسا، و اللّبس بالفتح: مصدر لبست عليه الأمر ألبس لبسا أي:

خلطت و يقال فيما يلبس: اللباس و اللبوس و اللبس، و القدر الجامع في اللبس و الإلباس: الستر، و الزوجة لباس من حيث إنها تمنع زوجها من تعاطي الفضيحة فكأنها ستر له.

و قيل: يبطنها و تبطنه و يؤيده قول الجعدي:

إذا ما الضجيع ثنى جيدها تثنت عليه فكانت لباسا

فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ أي: نزل بهم و بال فعلهم، و الحيق: ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.

وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية تقول: كننته و أكننته أي: سترته.

وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الوقر: الصمم بالفتح، و بالكسر الحمل و الجامع بينهما

ص: 42


1- القرن: حلبة من عرق، يقال: حلبنا الفرس قرنا أو قرنين أي: عرقناه، يقال: عصرنا الفرس قرنا أو قرنين. و القرون: العرق و القرون: الذي يعرق سريعا، و قيل: الذي يعرق سريعا إذا جرى، و قيل: الفرس الذي يعرق سريعا فخص.
2- العفلة: نبات لحم ينبت في قبل المرأة و هو القرن. و قال أبو عمر الشيباني العفل: شى ء مدور يخرج بالفرج، و لا يكون في الأبكار و لا يصيب المرأة إلا بعد ما تلد، و قال الليث العفل و العفلة: شى ء يخرج في قبل النساء و حياء الناقة شبه الأدرة التي للرجال في الخصية و منه حديث ابن عباس: أربع لا يجزن في البيع و لا النكاح المجنونة و المجذومة و البرصاء و العفلاء.

الثقل و يختص الوقر بحمل البغل و الحمار و أما الجمل فالوسق (1).

أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: أباطيل الأولين الواحد أسطورة بالضم و إسطارة بالكسر و السّطر و السّطر و يجمع على أسطار و يجمع على أساطير.

نَفَقاً فِي الْأَرْضِ النفق: الشق في الأرض و هو السّرب بالفتح- و له مكان يخلص إلى غيره و منه النافقاء إحدى جحر اليربوع إذا طلبه الصائد من جحر خرج من الآخر و من هذه المادة النفاق.

فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أي: آيسون، و الإبلاس: الإياس، و قيل: لفظ إبليس مشتق من هذه المادة و هو مشكل لكونه أعجميا.

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ أي: آخر من بقى منهم.

أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً: فرقا يدين بعضهم بخلاف ما يدين به البعض كاليهود و النصارى.

أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي: ترهن حتى لا محيص لها و قيل: أصل البسل: المنع و قيل: الحرام و الإبسال: التحريم.

قال الشاعر:

أ جارتكم بسل علينا محرم و جارتنا حل لكم و حليلها

و قيل: يبسل أي: يسلم و تقدير الآية: أن لا تبسل كقوله تعالى: أَنْ تَضِلُّوا أي: أن لا تضلوا.

أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا أي: رهنوا و قيل: حرموا الثواب أو منعوه و سمّي الرجل الشجاع: باسلا و الشجاعة: البسالة إما لكونه محرما على أقرانه أن ينالوه بمكروه أو لمنعه ما تحت يده عن أعدائه و منه أبسلت المكان: حفظته و البسلة: أجرة الراقي لقوله: جعلته مبسّلا أي: محرما (2) و بسلت الحنظل أي: أزلت مرارته و المعنى أزلت ما كان يمنع من أكله و هي مرارته و المستبسل: الموطّن نفسه

ص: 43


1- الوسق هو حمل البعير، و الوقر: حمل البغل أو الحمار.
2- قول الراقي أبسلت فلانا: أي: جعلته بسلا أي: شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيات و الهوام أو جعلته مبسلا أي: محرما عليها و سمي ما يعطى الراقي: بسلة- و حكي بسلت الحنظل أي: طيبته فإن يكن صحيحا فمعناه أزلت بسالته أي: شدته أو بسله أي: تحريمه و هو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرما.

على الموت و المكروه.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ الجمهور على أنه اسم أبيه و ظاهر القرآن يدل عليه و قيل: اسم أبيه تارخ و قيل: إن تارخ و آزر اسم يعقوب و اسرائيل و قيل:

آزر وصف له بالذم، و المعنى المعوج، و قال الثعلبي: معناه الشيخ بالفارسية و ليس بمعروف و قيل: آزر صنم كان يعبده هو و غيره فسمي بمعبوده.

مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي: ملكهما و الملكوت أعظم الملك كالرهبوت و الرحموت من الرهبة و الرحمة و الواو و التاء زائدتان و يقال بالتاء، و بالهاء:

ملكوه.

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أي: ستره، و يقال: جنّ عليه الليل و أجنّه و جنّه جنّا و جنانا و جنونا، و جنان الليل: ادلهمامه.

فَلَمَّا أَفَلَ أي: غاب و الأفول: الغيبة.

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً أي: طالعا، و البزوغ: الطلوع.

فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ: شدائده، واحدها: غمرة كأنها تغمره أي: تغطيه مأخوذ من الماء الغمر.

عَذابَ الْهُونِ أي: الإهانة.

وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى: جمع فريد كأسير و أسارى و قيل: فرادى اسم مفرد على فعالى، و قيل: جمع فردان كسكران و سكارى، و قيل: فرد فرد بمعنى مفرد، و قرئ في الشاذ منونا، و المعنى: للحساب و الجزاء.

خَوَّلْناكُمْ: ملّكناكم.

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ أي: وصلكم فيمن قرأ بالضم (1)، و من قرأ بالفتح أراد الظرف، و البين من الأضداد تطلق على الوصال و على الفراق و أصله الظرف المقتضى توسطا بين شيئين.

خَضِراً أي: نباتا أخضر.

قِنْوانٌ دانِيَةٌ: واحدها قنو: و هي شماريخ الرطب. و ليس في كلام العرب

ص: 44


1- قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و شعبة عن عاصم و حمزة و خلف و يعقوب بضم نون بينكم- و نافع و حفص و الكسائي و أبو جعفر بفتح نون بينكم.

ما صورة لفظه صورة التثنية و هو جمع غير قنوان و صنوان. و في الغريب عن ابن هرمز (1): قنوان بفتح القاف و عن ابن رجا: بالضم جمع قنو كذيب و ذوبان.

إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ الينع: مصدر ينع أي: أدرك أي: و ذا ينعه و هو النضيج من الثمر و قيل ينع: جمع يانع كتاجر و تجر و قرئ (2) يانعه أي: مدركه.

خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ (3) أي: خلقوا و هي لغة في التخلق من الكذب.

دَرَسْتَ (4) أي: درست الكتب أي: كررت عليها، نقول: دارست الكتب و ادارستها و تدارستها، و الدرس في الأصل: ما عفا، و درسته الريح، و درس المكان، يتعدى و لا يتعدى، و القدر الجامع الانتقال من حالة إلى حالة و كأن انتقاله من السطور إلى الصدور بمنزلة العفاء أو لأن الدرس هو التكرار و منه درس الحنطة.

فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً أي: عدوانا، و العدوان: التجاوز في الظلم.

كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا بضمتين أي: حشرنا عليهم العذاب صنفا صنفا أو جماعة جماعة و قيل: جمع قبيل: و هو الكفيل، و من قرأ قبلا أي: مقابلة.

زُخْرُفَ الْقَوْلِ أي: مزين القول مموّهه، و الزخرف: الذهب، و المراد به:

مزوّر القول، و زخارف الماء: طرائقه.

وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ أي: يخالطون الخطيئة، من قولهم: قارف فلان الشي ء أي: خالطه.

وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أي: يكذبون، و الخرّاص: الكذاب، و الخرص (5):

حزر ما على النخل من الرطب تمرا، و الاسم الخرص (بالكسر)، و الخرص (بالضم) حلقة الذهب أو الفضة و الجمع خرصان.

صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ الصغار: الذّل (بالفتح و الضم)، و كذلك الصغر (بالضم

ص: 45


1- ابن هرمز: هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج و لم يقرأ بفتح القاف كما زعم المؤلف و إنما قرأ بضم القاف.
2- هي قراءة ابن أبي عبلة و يانعه و هو اسم فاعل من ينع.
3- كذا بالأصل و هي قراءة نافع.
4- كذا بالأصل و هي قراءة ابن كثير و أبى عمرو و قرأ ابن عامر.
5- و الحزر: التقدير الظني للشي ء.

و الإسكان) و المصدر: الصّغر، و قيل: الصغار في القدر، و الصّغر في السن و غيره.

يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ أي: يوسعه و قيل: يقذف فيه النور.

ضَيِّقاً حَرَجاً الحرج (بالفتح و الكسر): الضيق، و المراد هاهنا: الإثم، و قيل: الشك يقال: حرج صدره، و حرج (بالفتح و الكسر) حرجا و حرجا، قيل:

الفتح مصدر، و الكسر صفة، كقولهم: قمن و قمن و فرد و فرد، و أصله: المكان الكثير الشجر لا تصل إليه الراعية و قد جاء فعل و فعل في كلامهم قالوا: وحد وحد، و دنف و دنف و فرد و فرد.

يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ الرجس هاهنا: العذاب، مثل:

الرجس و يراد به القذر.

عَلى مَكانَتِكُمْ قرئ بالإفراد و الجمع (1) و المعنى: على قدر منزلكم، من قولهم: له مكانه عند السلطان، من مكن يمكن مكانة، و المصادر قد تجمع على إرادة اختلاف الأنواع و يجوز أن تكون مفعلة من الكون، فيكون إما مصدرا بمعنى الكينونة أو موضعا كما يقال: مكان و مكانة و منزل و منزلة.

وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ أي: خلق.

وَ حَرْثٌ حِجْرٌ أي: حرام، و الحجر لفظ مشترك، فالحرام مثلث الحاء و الكسر أفصح، و الحجر: العقل، و الحجر: حجر الكعبة، و الحجر: منازل ثمود، و الحجر: الأنثى من الخيل و لا يقال: حجرة.

وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً الفرش: الصغار من الإبل التي لا تستطيع الحمل و الفرش لفظ مشترك يطلق على المفروش من متاع البيت، و على الزرع إذا فرش، و على صغار الإبل كل منها فرش. قال الفراء: لم يسمع له بجمع، و الفرش في رجل البعير: اتساع قليل و هو محمود.

أَوِ الْحَوايا: ما يتحوى في البطن و يستدير و يسمى: بنات اللبن. و قيل: هي المباعر واحدتها: حاوية، و قيل: حاوياء كقاصعاء و قواصع و قيل حوية: كسفينة و سفاين.

و قيل جمع الحوية: حوايا و هي الأمعاء و جمع الحاوياء و الحاوية حواوي على

ص: 46


1- قرأ شعبه عن عاصم مكاناتكم بالجمع و الباقون بالإفراد.

فواعل.

الحمولة: ما أطاق العمل و الحمل.

مِنْ إِمْلاقٍ الإملاق: الافتقار.

دِيناً قِيَماً أي: مستقيما.

جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ أي: ملوكها و الخليفة: السلطان الأعظم و جمعه:

خلائف، مثل: كريمة و كرائم و قالوا: خلفاء لأنه لا يقع إلا على الذكر فأسقطوا الهاء فصار مثل: ظريف فجمعوه على خلفاء كما قالوا: ظرفا

ص: 47

سورة الأعراف

بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ: بيّت العدو إذا أوقع بهم ليلا، و البيات: الاسم، و بيت الأمر: إذا دبره ليلا و منه قولهم: هذا أمر بيت بليل، و قائلون أي: أتاهم العذاب عند القيلولة و هي نصف النهار و منه قوله صلّى الله عليه و سلم:" قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (1).

مَعايِشَ: جمع معيشة و لا يجوز همزها (2).

مِنَ الصَّاغِرِينَ أي: الراضين بالذل و الضيم.

مَذْؤُماً مَدْحُوراً أي: مطرودا مقصى.

مِنْ سَوْآتِهِما السوأتان: القبل و الدبر.

وَ قاسَمَهُما أي: أقسم لهما بيمين فاجرة و هي من باب: طارقت النعل، و عافاه اللّه. و إبليس أول من حلف يمينا فاجرة.

وَ طَفِقا يَخْصِفانِ أي: جعلا و هو من أفعال الشروع تقول: طفق و طفق بالكسر و الفتح، و يخصفان: يلزقان الورق بعضه ببعض ليسترا به السوءة.

وَ رِيشاً: الريش و الرياش بمعنى و هو اللباس الفاخر، و يقال: الريش و الرياش: المال و الخصب.

هُوَ وَ قَبِيلُهُ أي: جماعته و جنوده.

خُذُوا زِينَتَكُمْ: الزينة: ما يتزين به من الثياب و المراكب و غيرها و قيل:

المراد ستر العورة.

فِي سَمِّ الْخِياطِ السم: الثقب الذي في أسفل المخيط. و سموم الإنسان و سمامه: فمه و منخره، و مسام الجسد: ثقبه، و ذهب إلى تثليث السم، و كذا القاتل، و الخياط و المخيط واحد.

مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ المهاد: الفراش، و مهد الصبي: ما يستقر عليه و الغواشي: الأغطية من فوقهم بمنزلة اللحف، و قيل: ظلل من الغمامة لقوله تعالى:

مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ [الزمر- 16] الآية.

ص: 48


1- الحديث رواه الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الطب عن أنس- رضي اللّه عنه- قال في صحيح الجامع حديث حسن انظر صحيح الجامع (4431) (ج 2 ص 815).
2- الصحيح أنه جائز و هي رواية خارجة عن نافع و منسوبة إلى أبي جعفر المدني و إلى الأعرج.

مِنْ غِلٍّ: الغل: الحقد.

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أي: اعوجاجا (بكسر العين): الاسم، (و بالفتح): المصدر و المعنى: بإيراد الشكوك و الشّبه على المؤمنين.

وَ عَلَى الْأَعْرافِ الأعراف: جبال بين الجنة و النار، و قيل: أعالي السور و أعالي كل شي ء: أعرافه، و العرف: ما ارتفع من الأرض.

كُلًّا بِسِيماهُمْ السيما مقصور من الواو: العلامة، و فيها ثلاث لغات السيما، و السيماء، السيمياء.

تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ أي: مواجهة أصحاب النار قبل الدخول و تقول:

جلس تلقاءه أي: حذاءه، و التلقاء مصدر كالبنيان و هو من المصادر التي جاءت على تفعال. و قيل: مشتق من التلقي، و قيل: مصدر مثل اللقاء.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أي: يغطي الليل بنور النهار و يغطي النهار بظلمة الليل فاكتفى بالأول.

حَثِيثاً أي: سريعا

مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ: مذللات بأمره.

نشرا بين يدي رحمته (1) يقال: ريح نشور و رياح نشر: و هي التي تسوق الغيث.

حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ حملت في الفلك، يطلق على المفرد و على الجمع و المراد:

السفينة.

فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الجثوم في الأصل للطائر و هو تلبده في الأرض يقال:

جثم: يجثم و يجثم جثوما.

كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أي: الباقين، و الغبر: الماضي أيضا و هو من الأضداد لأنه يطلق على الباقي.

أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا أي: لتصيرنّ.

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا: أي: يقيموا من المغاني.

ص: 49


1- كذا بالأصل و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و قرأ نشرا حمزة و الكسائي و خلف و قرأ نشرا ابن عامر- و عاصم بشرا.

فَكَيْفَ آسى: أحزن.

أَرْجِهْ وَ أَخاهُ أي: أخره، و الإرجاء: التأخير تقول أرجأت و أرجيت يهمز و لا يهمز فإذا وصفت الرجل به قلت: مرج و قومه مرجية، و إذا نسبت قلت: مرجّي بالتشديد.

وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ أي: جامعين لك الناس من الحشر و هو الجمع تقول: حشر يحشر و يحشر، و اسم المكان: المحشر (بكسر الشين).

وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا نقمت على الرجل أنقم بالكسر: إذا عبت عليه، و قال الكسائي: نقمت (بالكسر) لغة، و نقمت الأمر: إذا كرهته، و انتقم اللّه منه أي:

عاقبه، و الاسم منه النّقمة، و يجوز أن تقول: نقمة.

مَهْما تَأْتِنا بِهِ اسم تضمن معنى الشرط و ذلك لعود الضمير إليه في قوله به، قيل: أصله مأما قلبت الألف همزة ثم هاء، و قيل أصله مه أي: كفّ عما تقول، ثم استأنف فقال: ما تأتنا به، فما وحدها للشرط، و يؤيده قراءة الكسائي من الوقف على مه و الابتداء بما تأتنا، و قيل: مهما حرف بمنزلة حتى و ليس بمركب.

وَ الْقُمَّلَ: هو صغار الجراد المسمى بالدّبا لا أجنحة له، و قيل: نوع من القراد و هو القمقام يركب البعير عند الهزال، و قيل: السوس، و قيل: البرغوث، و قيل:

القمل، و قيل: دواب سود صغار.

مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ أي: مكسّر مهلك، من التّبار، و مادته من كسر التبر من المعدن.

مِيقاتُ رَبِّهِ الميقات: اسم للزمان الذي يوقت فيه الفعل أو المكان الذي يوقت فيه الفعل، و أصله: موقات، قلبت الواو كسرة على القاعدة.

سَبِيلَ الرُّشْدِ السبيل: الطريق يذكر و يؤنث و هو في هذه الآية مذكر و في غيرها مؤنث قُلْ هذِهِ سَبِيلِي.

لَهُ خُوارٌ أي: صوت و هو في الأصل للبقر، و خار الحرّ، و الرجل خئورا:

ضعف و انكسر، و الاستخارة يقال: إنها من رفع الصوت بالخوار، و الظاهر أنها من طلب الخيرة.

وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ كناية عن الندم و القلب محل الندم، و إنما أسند إلى

ص: 50

اليد مجازا كما أسندوا الملك و المحبوب و المكروه إليها، فيقولون: في يده ملكه، و في يده محبوبه و مكروهه، و قيل: وقع البلاء في أيديهم أي: وجدوه وجدان ما يقع في الكف، و قيل: من ندم وضع يده على رأسه، و يحتمل أن الإنسان إذا حزّبه أمر عظيم مسح كفه بكفه و حوقل. و قرئ في الغريب سقط بفتحتين، كأنه أضمر الندم و أجازها الأخفش و منع أبو عمرو (أسقط) بالألف، و جوزه الأخفش، و قال أبو عبيدة و ثعلب: لا يجوز (أسقط) بالألف.

وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ أي: وقّروه، و لفظ التعزير مشترك يطلق على التعظيم و النصرة و الإهانة.

فَانْبَجَسَتْ أي: انفجرت، تقول: بجست الماء فانبجس، و بجس الماء بنفسه ينبجس، يتعدى و لا يتعدى.

الْأُمِّيَّ الذي لا يقرأ و لا يكتب، و قيل: منسوب إلى أمه كما ولدته أمه، و قيل: منسوب إلى أم القرى مكة، و قيل: إلى أمته، فيقال: أمي فحذفت التاء.

حاضِرَةَ الْبَحْرِ أي: مقيمة عند البحر، و الحاضر: المقيم، و الحاضر:

خلاف البادي، و الحاضر: الحي العظيم، يقال: حاضر طيّ.

شُرَّعاً أي: رافعات رءوسها كشراع السفينة؛ لأنهم يقولون للبعير إذا رفع رأسه رفع شراعه.

بِعَذابٍ بَئِيسٍ أي: شديد.

فَلَمَّا عَتَوْا أي: استمروا على عدم قبول الموعظة؛ لأن العتو الاستمرار على الفساد، تقول: عتا يعتو عتوا و عتيا.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ أي: أعلم، و تأذن الأمير في الناس أي: أعلمهم و نادى فيهم.

مَنْ يَسُومُهُمْ تقول: سمته خسفا إياه، و أصل السوم: الذهاب و الابتغاء في أمر و منه السائمة، و منه السوم في البيع.

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الخلف و الخلف: ما جاء بعد، يقال: خلف سوء، و خلف صدق.

قال الأخفش: هما سواء، منهم من يحرك و منهم من يسكّن إذا أضاف،

ص: 51

و الخلف بالضم: الاسم من الإخلاف.

نَتَقْنَا الْجَبَلَ النتق: الزعزعة و النقض، تقول: نتقته أنتقته بالضم نتقا و المعنى: زعزعناه.

فَانْسَلَخَ مِنْها أي: خرج منها كما ينسلخ الجلد من جسم الشاة.

أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ أي: ركن إليها و أقام

وَ لَقَدْ ذَرَأْنا أي: خلقنا، و منه الذرية لأن العرب تركت همزها، و هي نسل الثّقلين.

أَيَّانَ مُرْساها أي: أيّ وقت يقع استقرارها، و يجوز في أيان كسر الهمزة، و تختص بالسؤال عن الزمن المستقبل، و هي عند الكوفيين أصلها: أي أوان، و ليس بفعال من آن. و مرساها: استقرارها، و الإرساء: استقرار الشي ء الثقيل.

لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها أي: لا يظهر خفاياها إلا هو.

كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أي: عالم بها، و الحفي: العالم بالشي ء الذي علمه باستقصاء.

خُذِ الْعَفْوَ أي: ما سهل قصده و تناوله، و قيل معناه: تعاطي العفو من على الناس.

وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ نزغ الشيطان ينزغ نزغا: أفسد و أغرى.

إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ الطيف: ما يتخيله الإنسان بعقله أو ما يراه في منامه، يقال منه: طاف الخيال يطيف طيفا و مطافا، و طاف الرجل يطوف طوفا و طوافا إذا أقبل و أدبر، و يجوز أن يكون من طاف الرجل فيكون طيّفا لكنه خفف مثل ميّت، و طيف الشيطان: لممه و وسوسته.

قال الشاعر (1):

أنّى ألمّ بك الخيال يطيف و مطافه لك ذكره و شعوف

و قيل: المراد هاهنا بطيف الشيطان ما ينالهم من غضب يخيل لهم أنهم جنّوا، قال (2):

ص: 52


1- الشاعر هو كعب بن زهير.
2- البيت لأبي العيال الهذلي.

فإذا بها و أبيك طيف جنون

و قرئ طيف (1) و طائف و هما بمعنى واحد.

لَوْ لا اجْتَبَيْتَها لو لا بمعنى هلا للتحضيض، و معناه: جمعتها؛ لأن الاجتباء:

الجمع تقول: جبيت الماء في الحوض إذا جمعته، و إنما قالوا له: هلا جمعتها تعريضا منهم بأنه يخترع الآيات و ليست من اللّه تعالى، و الاجتباء: الاصطفاء.

بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ الغدوة و الغداة: أول النهار، تقول: غدوت أغدو غدوا، و الآصال: أواخر النهار و هي العشايا، تقول للعشية: أصيل و أصيلة فجمع الأصيل أصل و آصال، و جمع الأصيلة: أصائل. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 53


1- قرأ أبو عمرو و ابن كثير و الكسائي" طيف" و الطيف: الخيال- و المس من الشيطان- و الطيف: الجنون ثم استعمل في الغضب و مس الشيطان، و في معنى الطيف أقوال منها: اللمم كالخيال يلم بالإنسان- و الثاني: الوسوسة و الثالث: الغضب- و الرابع: الفزع.

سورة الأنفال

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الأنفال- النفل: الغنيمة بعينها، لكن اختلفت العبارة عنها، فإذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له: غنيمة، و إذا اعتبر بكونه منحة من اللّه تعالى يقال له: نفل، و منهم من فرق بينهما من حيث العموم و الخصوص فقال:

الغنيمة: ما حصل مستغنما بتعب كان أو عن استحقاق و قبل الظفر أو بعده، و النفل:

ما حصل للمسلمين بغير قتال و هو الفي ء، و قيل: هو ما يفضل من المتاع و نحوه بعد ما تقسم الغنائم، و على ذلك حمل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ.

و أصل ذلك النفل و الزيادة على الواجب، و يقال له: النافلة، و يطلق ذلك على ولد الولد، و تقول: نفلته كذا، إذا أعطيته نفلا، و نفله السلطان: أعطاه سلب قتيله نفلا، و النّوفل: الكثير العطاء، و النوفل: البحر، و نوفل: اسم رجل، و النوفلة:

الممحلة، و السؤال على وجهين: سؤال استعلام، و سؤال الطلب، و هو هاهنا استعلام لأنه عدّي بعن و قيل: عن هاهنا مزيدة و السؤال للطلب، و قيل:" عن" بمعنى" من"، و في الغريب عن ابن مسعود و جماعة:" يسألونك الأنفال" من غير" عن"، سألوه الغنيمة دون الاستفتاء فيها.

وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي: راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة و الوصلة لأن ذات تأنيث ذو و هو بمعنى صاحب، و يأتي ذو بمعنى الذي في لغة طي كقوله:

ذاك خليلي و ذو يواصلني

ذاتِ الشَّوْكَةِ أي: صاحبة الشوكة، و قيل الشوكة: شدة الحرب و كلاهما مشتق من الشوك، و استعار أهل المعاني" الذات" فجعلوها عبارة عن عين الشي ء جوهرا كان أو عرضا، و استعملوها مفردة و مضافة إلى الضمير بالألف و اللام و أجروه مجرى النفس و الخاصة فقالوا: ذاته و نفسه و خاصته.

مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (1) قرئ بفتح الدال و كسرها فمن فتح جعله اسم مفعول من أردف إذا جعل بعده مثله، و من كسر جعله اسم فاعل من أردف أو من ردف، و المعنى مع كلّ: ملك ملك، و قيل: جاءوا على آثارهم لأن الرديف خلف

ص: 54


1- قرأ بفتح الدال نافع و أبو جعفر و يعقوب.

الراكب و ردف و أردف بمعنى (1).

أَمَنَةً مِنْهُ الأمنة: الأمن الحادث من النوم.

زَحْفاً الدنو قليلا قليلا مأخوذ من زحف الصبي إذا جر أسفله يتمشى و البعير إذا أعيا فجر خفّه.

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ فوق الأعناق: أعلاها و المراد الرءوس و البنان جمع بنانة، و المعنى: اقطعوا أناملهم لئلا تحمل السلاح.

و اشتقاقها من أبن (2) بالمكان إذا أقام، و جمع القلة: بنانات، استعاروا أكثر العدد لأقله فقالوا: خمس بنان قاني الأظفار، و قالوا: بنان مخضب؛ لأن كل جمع ليس بينه و بين واحده إلا الهاء فإنه يوحد و يذكر.

شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ المشاققة: المخالفة و حقيقته أن تكون في شق و غيرك في شق، و أكثر الباب من هذه المادة.

مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أي: منضما إلى الفئة، و الفئة: الجماعة و من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه حوزا و حيازة و احتازه أيضا، و المحاوزة: المخالطة، و تحوزت الحية و تحيزت أي: تلونت.

مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ أي: مضعف، و قرئ موهّن بفتح الواو و تشديد الهاء منونة، و قرئ موهن كيد الكافرين بالإضافة و التخفيف.

يقال: أوهنته و وهنته و وهن في نفسه.

يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً الفرق و الفرقان: القرآن و نظيره الخسر و الخسران.

إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً المكاء: الصفير، و التصدية: التصفيق، و قيل: المكاء صوت يشبه صوت المكّا و هو طائر، يقال: مكا يمكو، و قيل: هو أن يجعل بعض أصابع اليمين و بعض أصابع الشمال في الفم ثم يصفر فيه، و أصل التصدية من الصدى

ص: 55


1- قال ابن قتيبة: رادفين يقال ردفته و أردفته: إذا جئت بعده، قال الراغب و المردف: المتقدم الذي أردف غيره، و قال عباس مردفين: مع كل ملك ملك، و قال السدي و قتادة: متتابعين و قال مجاهد: ممدين، و الإرداف: إمداد المسلمين بهم.
2- البنان: الأصابع، قيل: سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبن بها، يريد أن يقيم به و يقال أبن بالمكان يبنّ، و لذلك خصّ في قوله تعالى:" و اضربوا منهم كل بنان" خصه لأجل أنهم بها تقاتل و تدافع.

و هو أن تسمع مثل صياحك في الجبل و غيره من الأماكن التي تمنع من النفود، يقال:

صمّ صداه و أصمّ اللّه صداه.

فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً (1) أي: يجعله.

نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ (2) رجع إلى ورائه، تقول: نكص ينكص و ينكص، و النكوص: الإحجام عن الشي ء.

فَشَرِّدْ بِهِمْ (3) طرّد بهم من خلفهم، من شرد البعير يشرد شرودا، و قيل شرد بهم: سمّع بهم، بلغة قريش، و عن الأعمش في الغريب بالذال المعجمة، و ليس في اللغة على هذا التركيب شى ء.

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا: المكان المتجاوز للقرب، و العدوة: جانب الوادي و حافته، و الدنيا: تأنيث الأدنى أي: الأقرب، و القصوى: البعدى.

وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الركب: أصحاب الإبل دون الدواب، و هم العشرة فما فوقها، و الجمع أركب، و الرّكبة بالفتح أقل من الرّكب، و الأركوب بالضم أكثر من الرّكب، و الرّكبان: الجماعة منهم.

وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ الريح: الهواء المتحرك في الأصل، و قد يعبّر به عن الغلبة كهذه الآية، و قد يجمع، كما قيل:-

إذا هبّت رياحك فاغتنمها فعقبى كلّ خافقة سكون

فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء: نبذه ينبذه إذا طرحه، و سواء أي: عدل.

مِنْ قُوَّةٍ أريد بالقوة هنا: القوس.

وَ إِنْ جَنَحُوا أي: مالوا مأخوذ من جنوح الطائر إذا نزل إلى الأرض.

حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ المعنى: يكثر القتل حتى تقع المهابة بخلاف الأسر و الفداء.

ص: 56


1- الركام: ما يلقى بعضه على بعض.
2- النكوص: الإحجام عن الشي ء.
3- " فشرد بهم" أي: اجعلهم نكالا لمن يعرض لك من بعدهم، و شردت فلانا في البلاد و شردت به: أي: فعلت به فعلة تشرد غيره أن يفعله كقولك نكلت به أي: جعلت ما فعلت به نكالا لغيره.

سورة التوبة

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ أي: برئ اللّه من المشركين من العهود التي كان قررها الرسول و المؤمنين و انقطعت العصمة بينهم- لأن مادته الخروج من الشي ء و المفارقة له، و من ذلك قولك: أبرأته من ما لي عليه و برأته تبرئة، و قيل لآخر ليلة من الشهر:

ليلة البراء لتبري القمر من الشمس، و يقال: بارأته إذا فارقته- و قرئ من اللّه بكسر الميم و النون لالتقاء الساكنين.

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ الحج مثلث الحاء- المصدر- و بالكسر: الاسم و الحج الأكبر- قيل: يوم عرفة، و قيل: يوم النحر، و العمرة: الحج الأصغر.

فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً الإلّ هاهنا: القرابة، قال:

لعمرك إنّ إلّك من قريش كإلّ السّقب من رأل النعام (1)

و الإل: لفظ مشترك يطلق على العهد، و الحلف و الجوار، و قيل الإل: اللّه تعالى، و استبعده الحذاق، و قالوا: هو إيل بالعبرانية كما في جبرائيل؛ لأن جبر هو العبد بالعبرانية و إيل هو اللّه تعالى و في قراءة عكرمة أيلا.

وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ أي: نقضوا، من نكث الغزل و هو نقضه.

وَلِيجَةً: قوما من غيرهم يلقون إليهم أسرارهم من ولج يلج ولوجا أي:

دخل، و الوليجة، و البطانة، و الدخيلة نظائر، و الولجة، بالفتح: موضع أو كهف تستتر به المارة من المطر أو غيره.

سِقايَةَ الْحاجِّ السقاية، مصدر سقيت الماء، و كان المشركون يسقون الحاج العسل و السويق و الماء.

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ (2) اسم مكان ينصرف و لا ينصرف، و يذكر و يؤنث نظرا إلى البقعة و المكان، فمن صرفه كالآية، و من تركه كقول الشاعر (3):

نصروا نبيهم و شدوا أزره بحنين يوم تواكل الأبطال

إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ أي: قذر فاجتنبوهم كما يجتنب الأنجاس و عن

ص: 57


1- البيت لحسان بن ثابت، ديوان حسان بن ثابت، ص 407.
2- حنين: واد بين مكة و الطائف قريب من ذي المجاز.
3- البيت لحسان الديوان (393) و اللسان، الطبري، الفراء.

الحسن: نجس العين فمن صافحهم وجب عليه غسل يده، و قيل: نجس أي:

منجوسة، لكونهم لا يغتسلون من الجنابة و لا يتوضئون من الحدث، و عن قطرب التثليث في ماضي نجس، و نجس بالفتح المصدر و بالكسر الاسم، و يقال: رجس نجس للموافقة، و التنجيس كالعوذة يدفع بها العين، يقال نجّسته: إذا جعلته نجسا، و نجسته إذا أزلت نجسته، و منه تنجيس العرب و هو شى ء يعلقونه على الصبي ليدفعوا بها نجس الشيطان، و الناجس: داء خبيث لا دواء له.

وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي: فقرا أو شدة، يقال عال الأمر: اشتد، و الاسم:

العائل، و الجمع: العيّل.

عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ قيل: عن سلطان و قوة، و قيل عن يد منكم أي:

إنعام لكونكم قبلتم الجزية بدل قتلهم، و قيل: عن يد و المراد: الجارحة أي: تسلّمون ذلك من أيد لهم، و قيل: عن غنى منهم، و قيل: عن ذل، فعلى هذا فإن اليد تستعمل في القوة و القهر و الذل فيكون من الأضداد، و فسر الجوهري اليد بالذل و الاستسلام قلت: ففي قوله:" و هم صاغرون" تأكيد، و إذا فسر بالقوة كان قوله:" و هم صاغرون" تأسيسا، و التأسيس أولى من التأكيد كما علم.

يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا يشبهون و المضاهاة: المشابهة.

أَنَّى يُؤْفَكُونَ: يصرفون عن الحق أو يكذبون، و الإفك: الصرف، و الإفك: الكذب، و منه الأفيكة.

وَ لا يُنْفِقُونَها الإنفاق: الإخراج للدراهم و غيرها في الواجب و التطوع، و النفقة: ما ينفق، و نفق الحيوان: إذا مات، و نفقت السلعة إذا بيعت، و الإنفاق:

الافتقار في قوله تعالى: خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ و هو كقوله: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

إِنَّمَا النَّسِي ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ قيل: هو تأخيرهم حرمة شهر حرمه اللّه تعالى إلى شهر لم يحرمه اللّه لحاجة تعرض لهم، و قيل: كانوا يؤخرون الحج في كل سنة شهرا فيجعلونه في المحرم ثم في صفر ثم هلم جرا شهرا بعد شهر سنة بعد سنة، و وافق حج أبي بكر حجهم في ذي القعدة و حج النبي صلّى الله عليه و سلم في ذي الحجة، و لذلك قال صلّى الله عليه و سلم:" إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات و الأرض" (1) و المصدر:

ص: 58


1- الحديث رواه البخاري و مسلم من رواية أبي بكرة.

النّسأ من أنسأه إذا أخره، و قيل: فعيل بمعنى مفعول، و الأول أولى، و في الغريب: إنما النسوء على فعول (1).

و عن جعفر بن محمد: إنما النّسي بإسكان السين و الياء من غير همز أصله عنده النس ء (2) أبدلت الهمزة ياء، و عن أبي جعفر (3) النّسيّ بالتشديد من غير همز.

انْفِرُوا النفور في الأصل: الانزعاج و التجافي عن الشي ء تقول: نفرت عنه، و المعنى: ابرزوا إلى الجهاد بسرعة، قيل: لا يقال انفروا إلا إلى الجهاد أو للحاج من منى.

عَرَضاً قَرِيباً العرض: ما يحصل من منافع الدنيا، و القريب: السهل بالتناول.

وَ سَفَراً قاصِداً سهلا لا طول فيه، و قيل: هينا غير شاق، القاصد و القصد:

المعتدل.

بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ: المسافة البعيدة، و قيل: الشّقة: القطعة من الأرض يشق ركوبها على صاحبها لبعدها، و يحتمل أن تكون مشتقة من الشق و هو القطع، أو من المشقة و هو التعب و ربما قالوه (4) بالكسر يريدون الشقة.

وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ الانبعاث: الخروج، و ثبطهم: شغلهم، و أثبطه المرض: إذا لم يفارقه.

وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ الوضيع: سير الدابة بالإسراع تقول: وضعت الدابة تضع وضعا و أوضعتها أنا، و الخلال بمعنى: الوسط، و قيل: الخلال هاهنا جمع خلل و هو الفساد في الأمر، و المعنى: لأسرعوا بينكم يلقون النميمة و الهزيمة.

وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا الفتنة في الأصل: الاختبار، من فتنت الدينار إذا عرضته على النار، و أجمع المفسرون أنها نزلت في جد بن قيس المنافق لما تأهب النبي صلّى الله عليه و سلم لغزوة تبوك فقال له: يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري و وصفاء، فقال: يا رسول اللّه أنا رجل مغرم بالنساء و أخشى أن أفتن

ص: 59


1- النسوء قراءة مجاهد و رويت هذه القراءة عن طلحة و السلمي.
2- قراءة النسي مروية عن شبل السلمي و طلحة و الأشهب.
3- قراءة أبي جعفر و ورش عن نافع النسي ء.
4- هي قراءة عيسى بن عمر.

إن رأيت بنات بني الأصفر. لا تفتني بهن و ائذن لي في القعود عنك بمال. الفتنة الثانية المراد بها: الشرك، و عاقبة الشرك النار و العذاب.

لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ: يسرعون، و الرجل الجموح: الذي يركب هواه و لا يمكن رده.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ اللمز: العيب و أصله الإشارة بالعين و نحوها، و قد لمزه يلمزه و يلمزه، و قرئ بهما (1)، و رجل لمّاز و لمزة أي: عيّاب، و يقال: لمزه إذا دفعه.

وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ يسمع كلام كل أحد و يعمل به، يستوي فيه الواحد و الجمع، و في تسميته قولان: أحدهما: أنه سمي بالعضو لإلقاء الكلام فيه كما قالوا للجاسوس: عينا لكثرة النظر بها، و الثاني: أنه مأخوذ من أذن يأذن إذنا إذا استمع و أصغى بأذنه قال:

بسماع يأذن الشيخ له و حديث مثل ماذيّ مشار

و يجوز في أذن التخفيف، فيقال: أذن، كما يقال: عنق، و طنب، و ظفر.

أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أي: يجانب اللّه و رسوله و المعنى: يكون في حد و اللّه و رسوله في حد، و هو معنى المشاققة أي: يكون في شق و اللّه و رسوله في شق.

فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ الخلاق: النصيب، و في هذه الآية رد على علماء البيان أن اللفظة اذا تكررت لا يعد الكلام فصيحا كقولهم:" و ليس قرب قبر حرب قبر".

بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ أي: مع النساء، واحدتهن: خالفة، و فلان خالفة أهله، و خالف أهل ببيته إذا كان لا خير معه، و منه قوله تعالى: فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ [التوبة 83] و الخالفة: عمود الخباء.

وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قرئ بالتشديد و التخفيف (2)، فبالتشديد قد يكون محقا و قد لا يكون، و المحق في معنى المعتذر لأن له عذرا، لكن التاء قلبت

ص: 60


1- قوله و قرئ بهما أقول قرأ الجمهور بلمزك بكسر الميم، و قرأ يعقوب الحضرمي بضمها.
2- هي قراءة يعقوب الحضرمي.

ذالا فأدغمت فيها و جعلت حركتها في العين، و أما غير المحق فهو بمعنى المعذر كالممرّض و المقصّر يعتذر لغير عذر، و كان ابن عباس يقرأ: و جاء المعذرون من أعذر، و يقول: و اللّه لهكذا أنزلت، و كان يقول: لعن اللّه المعذّرين كأن المعذّر عنده بالتشديد: المظهر العذر اعتلالا من غير حقيقة في العذر، و المعذر: الذي له عذر، و العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه يقال: عذر و عذر.

الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً العرب: جيل من الناس و هم سكان الأمصار، و الأعراب منهم سكان البادية خاصة، و النسبة إليهم أعرابي، لأنه لا واحد من لفظه و ليس الأعراب جمع عرب، و جاء في الشعر الفصيح الأعاريب، و العرب العاربة:

الخلّص منهم، أخذ من لفظه و أكّد به، كقولهم: ليل لائل، و ربما قالوا: العرب العرباء، قال الراغب: العرب ولد إسماعيل و الأعراب جمعه في الأصل و صار ذلك اسما لسكان البادية، و قيل في جمع الأعراب: أعاريب، قال الشاعر:

أعاريب ذوو إفك و فجر يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً أي غرما، يقال فيه: الغرم، و المغرم: الغرامة و هو ما يلزم أداؤه، و قد غرم الرجل الدابة إذا نفقت، فعلى هذا يطلق الغرم و يراد به ما ينال الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه، و الغريم يطلق على من له الدين و عليه.

مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: استمروا عليه و مرقوا، و منه المارد لاستمراره على الشيطنة و القدر الجامع فيما جاء من هذه المادة التجرد، أ لا ترى أنهم يقولون: رملة مرداء إذا تجردت عن النبات، و شاب أمرد إذا تجرد عن الشعر، و شيطان مارد إذا تجرد عن الخير، و يقال فيه: المارد و مريد.

عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ الجرف و الجرف: ما تجرفت به السيول، و المعنى: أذهبت باطنه و تركته مجوفا و أعلاه غير متماسك أدنى شي ء ينزله، و انهار بمعنى: تهوّر، مثل: انهال، و هار، يقال: جرف هار و هاير و منهار، و قال الجوهري:

أصله هاير فقدموا الياء إلى ما بعد الراء، كما قالوا في شائك السلاح: شاكي، و هوّرته فتهوّر، و انهار أي: انهدم.

ص: 61

سورة يونس

قَدَمَ صِدْقٍ القدم: واحد الأقدام، و القدم: السابقة في الأمر، يقال: لفلان قدم صدق أي: سابقة حسنة، و قيل: المراد: السعادة، و قيل (1): شفاعة محمد صلّى الله عليه و سلم، و المراد بالصدق: الصلاح و النفع و ليس هو ضد الكذب.

دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أي: دعاؤهم، و الدعوى مصدر كالدعاء، و المراد به: النداء أي: يدعون اللّه بقولهم:" سبحانك اللهم" تلذذا بذكره، لا عبادة، و قيل: دعواهم كلامهم و قولهم، و قيل: إذا اشتهوا شيئا قالوا:" سبحانك اللهم" (2) فيؤتون به، و منه قوله تعالى: فَما كانَ دَعْواهُمْ أي: دعاؤهم.

ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ تقول: دريته و دريت به دريا و درية و دراية أي: علمت به، المعنى: أعلمتكم به، و قال الراغب: و الدراية: المعرفة المدركة بضرب من الختل، و قال: الدراية لا تستعمل في اللّه. و قول الشاعر:

لا هم لا أدرى و أنت الداري في تعجرفات كلام أجلاف العرب.

جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ: عصفت الريح: اشتدت فهي عاصف و عصوف.

و يوم عاصف: تعصف فيه الريح و هو فاعل بمعنى مفعول، و بنو أسد يقولون:

أعصفت الريح، و العصف: الكسب، و كذلك الإعصاف، و العصف: الزرع (3).

حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ تقول: حصدت الزرع و غيره أحصده حصدا، و الزرع محصود و حصيد و حصيدة و حصد بالتحريك، و هذا زمن الحصاد و الحصاد، تغن بالأمس: تقم على هذه الصفة بالمغاني و هي المنازل، من قولهم: غنينا بمكان كذا أي: أقمنا بالمغنى، و قيل: من غنى أي: اكتفى، و قيل: تغن: تنعم (4)، كأن لم توجد و لم تكن تلك الأرض على هذه الصفة.

وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ أي: يعلوها غبار، يقال: ما علا من الغبار في

ص: 62


1- و هو قول أبي سعيد الخدري و علي بن أبي طالب، و اختاره ابن جرير.
2- أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال:" قال رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم: إذا قالوا: سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم".
3- هو قول الحسن.
4- هذا قول قتادة.

الهواء يسمى قترا، و ما دنا من الأرض يسمى غبرة.

تقول: رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي: غشيه، و أرهقه طغيانا أي: أغشاه إياه، و أرهقه عسرا كلفه إياه، و المرهق: أدرك ليقتل، و راهق الغلام: قارب الاحتلام.

و أرهق الصلاة: أخرها حتى دنا وقت الأخرى.

فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ أي: فرقنا، تقول: زلت الشي ء أزيله زيلا أي: مزته، يقال:

زل ضأنك من معزك، و زيلته فتزيل، و ليس من زال يزول؛ لأن ذلك يقتضي زوّلنا.

إِي وَ رَبِّي إي: توكيد للقسم يتقدم عليه، معناها: نعم، أي: نعم و اللّه أو بلى و اللّه.

وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ قيل: أظهروها، و قيل: كتموها، و الإسرار من الأضداد، أي: ظهرت آثار الندامة على أسرّة وجوههم، و قيل: تعاتبوا سرا من قوله: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى [الأنبياء: 3].

إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ أي: تخوضون و تنتشرون، و قيل: تندفعون في تكذيب العذاب، و الضمير في فيه يعود إلى القرآن، و قيل: إلى العمل.

وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ أي: يغيب، قرئ يعزب بالضم و الكسر للزاي.

و الوجه أنهما لغتان، و من هذه المادة عزبت الإبل: إذا بعدت في المرعى، و عزب طهر المرأة إذا غاب عنها زوجها. و في الحديث:" من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب" أي: بعد عهده بما ابتدأه منه.

فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ أي: ادعوا شركاءكم، لأنه لا يقال: أجمعت شركائي، و المعروف: أجمع على الأمر و جمع الشركاء و غيرهم، فأجمع في المعاني، و جمع في الدواب.

إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ السحر يقال على معاني خداع و تخيلات لا حقيقة لها كما يفعله المشعبذ بخفة يده، و لا يتمكن البصر من رؤية ذلك، و ما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع، و على ذلك قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف: 116]، و قال تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ [طه: 66]، و بهذا المعنى سموا موسى عليه السلام ساحرا، و الثاني: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه،" و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" و الثالث: ما يذهب

ص: 63

إليه الأغتام و هو اسم لفعل يزعمون أنه يغير الصور و الطبائع فيجعل الإنسان حمارا و لا حقيقة لذلك عند المحصلين. و قد يكون السحر في الكلام البليغ كقوله صلّى الله عليه و سلم:" إن من البيان لسحرا" و الجامع في ذلك كله هو الأخذة، و يطلق السحر على ما دق مأخذه و لطف تأثيره، حتى قال الأطباء:" الطبيعة ساحرة"، و سموا الغذاء سحرا من حيث إنه يدق و يلطف تأثيره.

وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ هذه اللام تسمى لام العاقبة، نظيرها قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً [القصص: 8].

رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ [يونس: 88] الطمس لغة: إزالة الأثر بالمحو، فتارة يتعدى بحرف الجر و تارة بنفسه، فالأول كالآية، و الثاني قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النساء- 47].

ص: 64

سورة هود

يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ قيل: يعطفونها على عداوة محمد صلّى الله عليه و سلم، و قيل: على حديث النفس.

لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أي: ليستتروا.

أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ أي: يجعلونها على وجوههم.

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (1) ذكروا في" لا" قولين، و في جرم قولين، فالأول: قيل:" لا" حرف نفي، و" جرم" اسمها، كما تقول: لا بد، و لا محالة، و معناه: حقا، و قيل: معناه حق له، و محله رفع بالابتداء، و أن و ما بعده في محل رفع بالخبر و الثاني: أن لا رد لكلام سابق و معنى جرم: كسب (2)، و فاعله مضمر أي:

كسب فعلهم أنهم في الآخرة، و كذا قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ قال (3):

و لقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها لم يغضبوا

و قيل معنى جرم: وجب، و أن لهم النار فاعله، و قيل معناه: قطع و لا لنفي الفعل، أي: لا قطع قاطع عن ذلك، و روي في كلامهم لا جرم إنه بكسرها، و روي لا جر إنه بكسر إن و حذف الميم.

وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أي: تواضعوا، و قيل: أنابوا، و اشتقاقه من الخبت و هي الأرض المنخفضة، و قيل: المستوية، كما تقول: أنجد و أتهم، يقال: أخبت للّه، و فيه خبتة أي: تواضع.

إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا قيل: جمع رذل على أرذل ثم أراذل ككلب و أكلب و أكالب، و قيل: هو جمع الأرذل و هو الناقص القدر، و الأول أظهر لأن الأفعل يقتضي الشركة أولا ثم الزيادة، و قد رذل فلان يرذل رذالة و رذولة فهو رذل و رذال بالضم من قوم رذول و أراذل و رذلاء- ذكر كله عن يعقوب.

بادِيَ الرَّأْيِ على أنه اسم فاعل من بدأت الشي ء أبدأه أي: اتبعوك من أول الأمر من غير روية، و البادي و المبدي، و مبتدأ الرأي: أول الرأي، و في الحاشية:

ص: 65


1- لا جرم لفظة مركبة من" لا" و من" جرم" و معنى لا جرم حق.
2- و هذا هو قول الزجاج.
3- هو الشاعر أسماء بن الضريبة، و قيل: عطية بن عفيف.

و نصبه على الحال من الكاف من" اتبعك" و هو ضمير نوح عليه السلام، و قيل: هو على النداء أي: يا بادئ الرأي، و من قرأ: بادي الرأي بغير همز فهو من بدا الشي ء إذا ظهر، و البادي: الظاهر، و في الرأي قولان: أحدهما من الرؤية، كقولك: رأي العين، و الثاني من التفكر و هو أظهر.

وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي أقلعت السماء: إذا ارتفع مطرها

وَ غِيضَ الْماءُ: غار.

وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ الجودي: جبل بجزيرة ابن عمر من أعمال الموصل.

بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي: مشوي، و المحنوذ: المشوي جميعه غير مفصل الأعضاء، و قيل: مطبوخ، و قيل: المحنوذ الذي يسيل دهنه من شدة حناذ الحجارة، و منه فرس محنوذ إذا سال عرقه من الجري، و قيل: حنيذ: سمين

نَكِرَهُمْ يقال: نكر الشي ء و أنكره، و أصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره، و قد ينكر باللسان ما هو في الجنان، لقوله تعالى:" يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها" و هو الكذب و قد جمع بين نكر و أنكر الشاعر و هو الأعشى:

و أنكرتني و ما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب و الصّلعا

بَعْلِي شَيْخاً البعل: الزوج، و البعال: ملاعبة الرجل أهله، و قيل: أصله:

القائم بالأمر، و منه: بعل النخلة التي تشرب بعروقها فتستغني عن تكلف السقي، و يقال للمرأة: بعل و بعلة مثل: زوج و زوجة، و بعل الرجل: صار بعلا، قال:

يا ربّ بعل ساء ما كان بعل

و يقولون: من بعل هذه الناقة؟ أي: من سيدها؟، و بعل: اسم صنم. قال الراغب أما قولهم: بعل هذه الناقة، فيريدون المستعلي عليها. و يقولون للأرض المستعلية على غيرها: بعل، قال الجوهري: و يقولون بعل الرجل بالكسر إذا دهش، و امرأة بعلة.

وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ الضحك: التبسم، و فيه أربع لغات: ضحكا و ضحكا و ضحكا و ضحكا. و الضّحك: الطّلع حين ينشق، و اختلف في تفسير ضحكها، فقيل: تبسمت سرورا بالأمر لأنها خافت كما خاف إبراهيم، و قيل:

ص: 66

ضحكت تعجبا من إحياء اللّه تعالى العجل المشوي و عوده إلى مرعاه، و قيل:

ضحكت من البشارة بالولد و فيه تقديم و تأخير، و التقدير: فبشرناها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب فضحكت، و قيل ضحكت: حاضت من ضحكت الأرنب اذا حاضت، و ضحكت السّمرة إذا سالت منها صمغة تشبه الدم، و قيل: ضحكت:

أشرق لونها حين بشرت بالولد من قولهم: ضحكت الروضة كما قال الأعشى:

يضاحك الروض منها كوكب شرق مؤزّر بعميم النّبت مكتهل

لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ الأواه: الذي يكثر التأوه، و يطلق على من يظهر خشية اللّه تعالى، و قيل في الأواه: المؤمن الداعي، و يقال: إيها إذا كففته، و ويها إذا أغريته، و واها إذا تعجبت منه.

وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً يقال لمن لا يطيق الأمر:" ضاق به ذرعا" و أصل الذّرع بسط اليد، فكأنك تريد مددت يدي إليه فلم أنله، و ربما قالوا: ضقت به ذراعا.

يَوْمٌ عَصِيبٌ: شديد الشر، و كذلك عصبصب، و أصله من العصب: و هو الشد و الحبل الذي يعصب به: عصاب.

يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ الإهراع: الإسراع.

آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ تقول: أوى فلان إلى منزله يأوي أويا، و إيواء، و إواء و آويته إيواء و أويته إذا أنزلته بك، و الركن ما يركن إليه الإنسان من مال أو جند أو عشيرة و كل ما يوجب قوة.

بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ القطع من الليل: الجزء من الساعة.

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها قال الجوهري: مطر و أمطر على حد سواء في لغة القوم، و كذا قال الراغب، لكن قال: يقال مطر في الخير، و أمطر في العذاب، و حجة من يقول مطر و أمطر بمعنى قوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا [الأحقاف- 24] و جميع ما جاء في القرآن في آية العذاب أمطر.

حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ السجيل: حجارة من طين مخلوط فيه حجارة مشوية بالنار.

مَنْضُودٍ: المتراكب بعضه على بعض من نضّدت المتاع أنضّدّه بالكسر إذا نزّلت بعضه فوق بعض.

ص: 67

مُسَوَّمَةً: معلّمة، عليها آثار الخواتيم، مكتوب عليها أسماء من تقع عليه.

بَقِيَّتُ اللَّهِ أي: بركته.

إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ متحبّب إلى عباده بالإحسان إليهم، و قيل: محب للمؤمنين، و جمعه: ودداء، يستوي فيه المذكر و المؤنث، و قال الثعلبي: محبوب للمؤمنين، و هو بعيد عن النحاة لأنه لم يأت فعول بمعنى مفعول، و الودود قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة تستدعي مرحوما ضعيفا، و أفعال الودود لا تستدعي ذلك بل الإنعام منه على سبيل الابتداء من نتائج الود.

وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ الرهط: ما دون العشرة ليس فيهم امرأة، و قيل:

يقال إلى الأربعين، و الجمع أرهط و أراهط، كأنه جمع أرهط و يجمع على أراهط، و الرهط: جلد تلبسه الحائض، و قيل: خرقة يحشى بها موضع الحيض، و الراهط:

جحر من جحرة اليربوع و يقال لها: رهطة.

كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ يقال: بعد يبعد بعدا إذا هلك.

وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ يقال: تببوهم تتبيبا أي: أهلكوهم و أصله من التباب و هو الخسران.

غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي: مقطوع، تقول جذّه يجذّه جذا إذا قطعه، و منه: جذّة الثوب لأنها تقطع عند الفراغ من الحياكة. و الجذاذ و الجذاذ بالضم و الكسر و الضم أفصح لما يقطع و يكسر.

ما أُتْرِفُوا فِيهِ يقال: أترفته النعمة أي: أطغته، لأن الترف: التوسع في النعمة، يقال: أترف فلان فهو مترف.

ص: 68

سورة يوسف

وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ: الشمس تطلق على القرصة و على الضوء المنتشر عنها و هي مؤنثة و تجمع على شموس، و يقال فلان شمس إذا ندّ و لم يستقر تشبيها له بالشمس في عدم استقرارها، و يقال للبعل: شمس، و الشمس: نوع من الحلي، و يقال:

شمس يومنا يشمس و يشمس، و يقال: أشمس بالألف، و شمس فلان: أبدى عداوته، و أما القمر فلا يسمى إلا بعد مضي ثلاث ليال و اختلف في اشتقاقه فقيل من قمر الكواكب: إذا قهر ضوؤها و قيل لبياضه فإن القمرة: البياض.

فِي غَيابَتِ الْجُبِّ الغيابة: القعر، و الجبّ: البئر التي لم تطو و جمعها جبات، و جببة. و كذا غيابة الوادي و أصل المادة من الغيبة، تقول: غاب عنه غيبا و غبية غيوبا و مغيبا، و تفرد نافع بقراءة غيابات نظرا إلى أن الجب له عدة أماكن يغيب الشخص فيها.

يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ السيارة: المسافرون لأنهم يسيرون في الأرض و نقلت العرب هذا الجمع و سمت به فقالوا: أبو سيارة، و من أمثالهم:" أصح من عير أبي سيارة" قيل: كان يدفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره. قال الراجز (1):

خلوا الطريق عن أبي سيارة

و عن مواليه بني فزارة

حتى يجيز سالما حماره

وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ العصبة: الجماعة من العشيرة إلى الأربعين.

يرتع و يلعب: الأصل في ذلك قولهم: رتعت الماشية ترتع رتوعا إذا أكلت ما شاءت، و استعارته العرب لخروجها للهو و التنعم و القدر الجامع عدم الاحتراس في الفعل و خروج الرجل كيف شاء كالماشية.

بِدَمٍ كَذِبٍ الكذب: نقيض الصدق، و الصدق: مطابقته للواقع، و الكذب: عدم مطابقته، و يوصف به القول و الفعل. أما القول: فلقوله تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ [النحل- 105]، و أما الفعل فكقولك: فعلة صادقة، و وصف الدم بالكذب من باب الفعل، و قرأت- عائشة رضي اللّه عنها-:" بدم كدب" بدال مكان

ص: 69


1- الرجز في اللسان منسوب إلى أبي سيارة العدواني اللسان (ج 6 ص 454).

المعجمة أي طري، و قولهم:" كذب لبن الناقة" إذا ظنّ أنه يدوم فلم يدم، و قولهم:

كذب عليك الحج، أي: وجب، و قولهم: كذب عليك العسل- بالنصب- أي: عليك بالعسل، و ذلك إغراء، و قيل: العسل هاهنا العسلان و هو العدو، و الكذابة: ثوب يصنع بلون فكأنه موشّى و ليس كذلك، و يقال: رجل كذاب و كذوب و كذبذب و كيذبان كل ذلك على جهة المبالغة و استعمل العرب كذب في معان منها:

قولهم:" ما كذب إن فعل" أي: ما لبث،" و حمل فما كذب" أي: فما جبن،" و حمل ثم كذب فلم يصدق".

وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً أي: أخفوه.

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي: باعوه، و قد تقدم بثمن بخس أي: ناقص.

دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ الدّرهم فيه ثلاث لغات: كسر الهاء و فتحها، و درهام و جمعه دراهيم، و ليس من باب الإشباع كما ذهب إليه ابن مالك و نص عليه الجوهري، قيل: كانت إحدى و عشرين، و قيل: أنقص منها.

أَكْرِمِي مَثْواهُ أي: إقامته.

بَلَغَ أَشُدَّهُ اختلف العلماء فيه: فقيل: ابتداء الأشدّ: بلوغ الحلم، و قيل:

ثمان عشرة سنة، و قيل: إحدى و عشرين، لأنه يتقوى بسبع سنين و يبلغ بسبع بعدها و يتناهى طوله و قوته بسبع بعدها، فآخر الابتداء أربعون سنة، و قيل: ستون، واحدها: شدّ، مثل: قدّ و أقد، و قيل: واحدها شدّ مثل: ذئب و أذؤب، و قيل: هو جمع لا واحد له مثل أبابيل و عبابيد، و قيل: واحد جاء على بناء الجمع مثل: الآنك و هو الأسرب و لا نظير لهما، و قيل: واحده شدّة، و هو أحسن في المعنى، من قولهم:" بلغ الغلام شدته" إلا أن فعلة لا تجمع على أفعل.

وَ راوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها أي: طالبته، و أصله من الرّود و هو الذهاب و المجي ء و كأن المراودة تختص بطلب المواقعة.

وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ أي: هلمّ لك يستوي فيه الواحد و الجمع و المؤنث إلا أن العدد فيما بعده، تقول: هيت لكما، و هيت لكن، و قرئ هيت (1) لك أي: تهيأ ذلك

ص: 70


1- قراءة أبي جعفر و نافع و ابن ذكوان.

لك، و اختلف فيها، فقيل: لغة قبطية عن السدي، و عن الحسن: سريانية معناها عليك، و الكسائي: حورانية، مجاهد: عربية و أصلها الصيحة، قال:

قد رابني الكرى اسكتا لو كان معنيا بنا لهيّتا (1)

و فيها لغات: هيت (2) و هيت (3) و هئت (4) و تهيأت، و هيئت.

مَعاذَ اللَّهِ مصدر أي: أعوذ معاذ ربي، و المعاذ: الالتجاء، لأنه يعاذ به من الخوف، و من هذا المادة العوذة و الرّقية فإنه يعاذ بها من العين، و معاذ اللّه: مصدر جعل بدلا من اللفظ بالفعل، مثل سبحانه اللّه، و يقال: معاذ اللّه، و معاذ وجه اللّه.

أَحْسَنَ مَثْوايَ المثوى يصلح للمصدر بمعنى: الإقامة، و يصلح مكان و موضع الإقامة، و تقول: ثوى بالمكان يثوي ثواء و ثويّا، و أثويت لغة في ثويت، و أبو مثواه: صاحب منزله، و الثّوية: مأوى الغنم، و كذلك الثّاية بلا همز.

هَمَّتْ بِهِ الهم: مراجعة النفس في أمر تريد فعله و لم تدخل فيه.

وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ أي: قطعته.

وَ أَلْفَيا سَيِّدَها: وجدا.

شَغَفَها حُبًّا: بلغ شغاف قلبها.

و الشغاف: غلاف القلب، و قرأ ابن محيصن (5)" شعفها" بالعين المهملة أي:

ذهب بها كل مذهب مأخوذ من شعف الجبال، و قيل: من شعف البعير: خاف الهناء و هو القطران.

وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً قيل: كان مجلسا فيه النمارق و الوسائد و فيه الطعام و الشراب، و قيل: متكأ، و طعاما، و قيل: موزا، و قيل: بطيخا، و قيل: أترجّا، و قيل:

كلّ ما يقطع بالمدية من الأطعمة.

فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ قيل: هالهنّ أمره، و قيل: أمذين، و قيل: حضن (6) قال:

يأتي النساء على أطهارهن و لا يأتي النساء إذا كبرن إكبارا

ص: 71


1- البيت لا يعرف قائله.
2- و هي قراءة أبي عمرو و عاصم و حمزة و الكسائي و يعقوب و خلف.
3- قراءة ابن كثير: هيت لك.
4- قراءة هشام: هئت لك.
5- قراءة ابن محيصن و الحسن.
6- و هذا القول منسوب إلى ابن عباس.

و على هذا فالهاء في" أكبرنه" (1) تعود إلى المصدر أي: أكبر إكبارا.

فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ يقال: بضع بكسر الباء و فتحها، و اختلف فيه فقيل: من الثلاثة إلى العشرة، و قيل: إلى التسعة، و قيل: إلى السبعة، و قيل:

الخمسة، و يقال: بضعة عشر رجلا و بضع عشرة امرأة إذا جاوزت لفظ العشرة ذهب البضع، لا تقول: بضع و عشرون، و هو قول الجوهري، و فيه نظر لأنه قد جاء في كلام أفصح الفصحاء:" الإيمان بضع و سبعون شعبة"، و البضعة: القطعة من اللحم بالفتح، و خرجت عن نظائر أخواتها كالقطعة و الفلذة و الغدرة و الكسفة و الحرقة و ما لا يحصى من هذه المادة، و الجمع: بضع، مثل: تمرة و تمر، و قيل: جمعها:

بضع مثل بدرة و بدر، و البضع بالضم النكاح، فإن قلت: ما القدر الجامع في مادة الاشتقاق بين البضعة من اللحم و البضعة من العدد و البضع؟ قلت: القدر الجامع:

القطع، فإن اللحمة مقطوعة من غيرها، و البضعة من العدد مقطوعة من الزمن، و الفرج مقطوع عن غيره من الجسد، معنى معدود لانتفاع خاص.

أَضْغاثُ أَحْلامٍ: جمع ضغث و هو الحزمة من الريحان أو الحشيش المختلط، و استعير للمنام المختلط الذي لا تتبين حقائقه.

سَبْعٌ عِجافٌ أي: هزالى.

دَأَباً تقول: دأب يدأب دأبا و دءوبا إذا جد و عمل.

تُحْصِنُونَ: تحرزون ذلك في الصحون.

الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أي: ظهر، من قولهم:" حصّ شعره": إذا استأصله فظهر ما تحته من الجلد.

ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ الرب: السيد، من ربّي النعمة، و إذا عرّف بالألف و اللام انصرف إلى اللّه تعالى فقط، و زعم أنه لا تجوز إضافته إلي ما لا روح فيه كرب الدار و غير ذلك. و فيه نظر بدليل الآية، بدليل إضافته إلى الملك.

وَ نَمِيرُ أَهْلَنا الميرة: الطعام يمتاره الإنسان، و مار أهله يميرهم ميرا، و منه قولهم:" ما عنده خير و لا مير" و الامتيار مثله، و جمع المائر: ميّار و ميّارة مثل رجّالة.

جَعَلَ السِّقايَةَ السقاية هاهنا: الصّواع و كان الملك يشرب فيه، فتسميته

ص: 72


1- و هو قول ابن الأنباري.

بالسقاية تنبيها على أنه كان يسقى به، و تسميته صواعا على أنه يكال به، و قيل:

الصواع لغة في الصاع، و قرأ أبو هريرة: صاع الملك، و ابن عوف: صوع الملك بالضم، و ابن جبير: صواغ الملك بالغين المعجمة، قيل: كان من فضة، و قيل: كان من ذهب، و كان عينها لا يكال بغيرها لعزة الطعام، و يذكر و يؤنث، فالأول:" نفقد صواع الملك"،" و لمن جاء به"،- و الثاني:" ثم استخرجها من وعاء أخيه".

وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي: كفيل و منه:" الزعيم غارم" (1).

خَلَصُوا نَجِيًّا: مصدر في موضع الحال أي: ناجين، و قيل: اسم جمع على أنجية، و قيل: يتناجون بالكلام. و اشتقاقه من النجوة: و هو ما ارتفع من الأرض.

تَاللَّهِ تَفْتَؤُا التقدير: لا تفتؤا أي: لا تزال، حتى تكون حرضا، الحرض:

الدّنف، و قيل: إذابة الجسم بالهم، و رجل حرض: يستوي فيه المفرد و المثنى و الجمع، و أنشد للعرجى:

إني امرؤ لجّ بي حبّ فأحرضني حتى بكيت و حتى شفّني السّقم

أَشْكُوا بَثِّي: البث: شدة الحزن، و قيل: ما لا صبر على كتمانه من الهم يقال: بثه و أبثه أي: ظهر ما عنده.

فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ أي: تعرفوا ذلك بالحواس و هو في الخير:

و التجسس في الشر.

مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أي: من رحمته، و قيل من فرجه، و قرأ الحسن بضم الراء أي: من معونة اللّه.

بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ أي: كاسدة، ابن عباس: خلق الحبال و الغرائر، مجاهد:

دراهم ردية، و قيل: صنوبر، و قيل: صوف و سمن، و قيل: سمن و أقط، و قيل: سويق المقل، و قيل: غير كافية، و اشتقاقها من أزجاه إذا دفعه.

آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا: ميزك علينا من المأثرة و هي المكرمة.

قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ التثريب: أقصى اللوم، و قيل: أشد التعيير و المعنى:

أن اللوم وصل إلى الثّرب و هو شحم الكرش، تقول: ثرّبت عليه، و عرّبت عليه

ص: 73


1- رواه أبو داود و الترمذي و حسنه.

بمعنى (1).

تُفَنِّدُونِ: تسفهون، و الفند: ضعف الرأي من الهرم.

لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ أي: لفي محبتك.

وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ البدو و البادية: ضد الحاضرة، و قيل: اسم المكان الذي كانوا فيه و النسبة إلى البدو بدوي، و إلى البادية بداوي، و المادة من بدا إذا ظهر.

وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ العرش: سرير الملك.

وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً أي: سقطوا، و كان السجود في ملتهم السلام.

ص: 74


1- قال الأصمعي: ثربت عليه و عربت عليه بمعنى: إذا قبحت عليه فعله.

سورة الرعد

صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ الصنو: الأخ للشي ء، و أصل ذلك أن النخلة إذا خرجت من عرضها نخلتين، قيل لكل واحد: صنو، و التثنية صنوان و الجمع صنوان، و في الحديث أن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم قال في حق العباس: (أما علمت أن عم الرجل صنو ابنه)، و ركيتان صنوان إذا تقاربتا و انبعثتا من عين واحدة،- و المعنى أشكال و غير أشكال، و قرئ صنوان (1) بضم الصاد فيهما، جمع على فعلان، كذئب و ذؤبان. و قد يأتي فعلان و فعلان لشي ء واحد أ لا ترى أنهم قالوا في جمع حشّ و هو البستان:

حشّان و حشّان، و في الشواذ (2) صنوان بفتح الصاد، و قيل: ليس بجمع كالأولين بل هو اسم جمع كالباقر و الجامل.

مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ المثلة: نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا ترتدع به غيره، و ذلك كالنكال، و جمعه: مثلات، و مثلات، و قد قرئ (3) المثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو عضد و عضد، و قد أمثل السلطان بفلان إذا نكّل به، و مثل مخفف يمثل مثلا إذا نكل به، و الاسم المثلة و المثلة بفتح الميم و ضم الثاء العقوبة و الجمع:

المثلات هذا قول الجوهري، و ما قبله كلام الراغب.

وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ أي: ظاهر السير فيه، و أصله قولهم: سرب الفحل يسرب سروبا إذا توجه للرعي.

وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ أي: من والي يلي أمره فينصره، و هو اسم فاعل من ولي يلي إذا تولى تدبير شي ء، و الوالي بمعناه.

وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ المحال: القوة، و قيل: شديد الغضب، و قيل: شديد الانتقام، و قيل: من المحل و هو القحط، و قيل: من المحل و هو المكر و الكيد، يقال:

محل به إلى السلطان إذا سعى به ليهلكه، و على هذا يجوز أن تكون الميم أصلية، إذا كان من محل به إذا عرضه للهلاك، و زائدة إذا كان من الحيلة أو الحول، و في الغريب

ص: 75


1- قراءة زيد بن علي و السلمي و ابن مصرف، و هي لغة تميم و قيس.
2- قراءة الحسن و قتادة: صنوان.
3- المثلات: قراءة ابن و ثاب، و هي لغة تميم.

عن ابن هرمز (1): شديد المحال بالفتح على مفعل (2) من الحيلة.

جُفاءً من قولهم: جفأت القدر و أجفأت إذا رمت زبدها عن الغليان، و هذا البناء و هو فعال لما يرمي و يطرح، و القدر الجامع بين الجفاء و الجفاء و جفى السّرج: إذا ارتفع عن ظهر الدابة، و جفى جنبه عن الفراش: الارتفاع.

طُوبى لَهُمْ فعلى من الطّيّب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها، يقال: طوبى لك، و طوباك بالإضافة، و لا يقال: طوبيك، و طوبى: اسم شجرة بالجنة (3) و قيل: إشارة إلى كل ما يستطاب في الجنة.

بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ القارعة: الشديدة من شدائد الدهر، و قارعة الدار: ساحتها، و قارعة الطريق: أعلاه، و قوارع القرآن: الآيات التي يحترس بها من الجن و الإنس.

مَثَلُ الْجَنَّةِ صفتها، يقال: مثل، و مثل، كما يقال: شبه و شبه.

وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الأم بإزاء الأب و هي الوالدة و القريبة: التي ولدته و البعيدة: التي ولدت من ولده، و لذلك يقال: حواء أمنا، و يقال لكل ما كان أصلا لوجود شي ء و انضم إليه سائر ما يليه: أم، و المراد بأم الكتاب: اللوح، و ذلك أن العلوم كلها منسوبة إليه و متولدة منه، و من ذلك أم القرى يراد بها مكة؛ لأن القرى دحيت منها، قال اللّه تعالي: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى و أم النجوم: المجرة، و يقال للكريم:

أم الأضياف، و لمقدم الجيش: أم الجيش، و قيل لفاتحة الكتاب: أم الكتاب؛ لكونه مبدأ الكتاب، و أصل الأم أمّهة لقولهم: أمهات، و قيل: أصله من المضاعف كقولهم:

أمّات و أميمة، و قال بعضهم: أمّات في البهائم، و أمّهات في الأناس، و قد يستعمل أمّات في الأناس كقوله:

جلوت الظلام بأمّاتكا

ص: 76


1- ترجمة الأعرج أبي داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة- أخذ القراءة عن أبي هريرة و ابن عباس و عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة، و قرأ عليه القرآن نافع بن أبي نعيم و غيره.
2- قرأ الأعرج و الضحاك بفتح الميم على وزن مفعل.
3- ورد مرفوعا إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال: و سأله أعرابي:" يا رسول اللّه أ في الجنة فاكهة. قال: نعم فيها شجرة تدعى طوبى" و ذكر الحديث.

سورة إبراهيم

سورة إبراهيم

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أي: زيغا.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ أي: أعلم، و أصله إيقاع الكلام في الأذن، و منه الأذان و الأذين.

فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أي: عضّوا عليها غيظا، و قيل: إشارة إلى أنهم سكّتوا الرّسل.

وَ اسْتَفْتَحُوا بمعنى: استنصروا، و قد تقدم.

أَ جَزِعْنا الجزع: ضد الصبر، و يقال: جزع يجزع جزعا.

ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي: من مهرب، تقول: حاص يحيص حيصا و حيوصا و محيصا و محاصا و حياصا أي: عدل و حاد.

ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ المصرخ: المغيث، المستصرخ: المستغيث، و الصّريخ:

صوت المستصرخ، و الصريخ: الصارخ.

اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ: جثّه و اجتثّه: اقتلعه، و الجثيث من النّخل:

الفسيل، و الجثية: النخلة، و الجثّ: العسل فيه الشمع، و يقال: للعسل الذي فيه أجنحة النحل، و الجثّ بالضم: المرتفع من الأرض.

تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ تقول: شخص بصره- بالفتح- إذا فتح عينيه و جعل لا يطرف، و يقال: شخص الرجل، إذا ورد عليه أمر أقلقه.

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ أي: رافعوها، هطع الرجل إذا أقبل ببصره على الشي ء لا يذهب عنه و لا يقلع الرجل رأسه إذا رفعه، و أقنع يده في الصلاة: إذا رفعها في القنوت مستقبلا ببطونها وجهه.

وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ الأفئدة: جمع فؤاد، و هواء أي: فارغ.

مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ القرن: حبل يجمع فيه بين بعيرين و أكثر، و المعنى:

أنهم مجموعون في صفد، و الأصفاد: جمع صفد و هو ما يؤثق به الأسير من قدّ و قيد و غلّ، و الصّفد أيضا: العطاء، و أصفدته إصفادا أي: أعطيته مالا، أو وهبت له عبدا.

سَرابِيلُهُمْ السربال: القميص، و القطران (1): معروف.

ص: 77


1- القطران: قطران الإبل الذي تهنأ به. و قيل: هو النحاس.

سورة الحجر

رُبَما: حرف موضوع للتقليل، و إن أفهم الكثرة فمن المقام، و اضطرب كلام ابن مالك فيه؛ فآونة يجعله للكثرة، و آونة يجعله للقلة، و هو في هذه الآية أفهم للكثرة.

فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ الشّيع: الفرق، و قد تقدّم في الأنعام.

نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ندخله، من قولهم: سلكته، و فسلك: أي:

أدخلته فدخل.

سُكِّرَتْ أَبْصارُنا أي: حيّرت، و قيل: غطّيت، و من هذه المادة تسكير الباب، و منه قيل للمغلاق: سكرة الباب، و السّكر بالكسر: الموضع المسدود.

مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ قيل: مقدّر بقدر، و قيل: مقسوم، و قيل: معلوم عند اللّه، و قيل: موزون على بابه، و المراد به: ما يكال و يوزن و يعدّ؛ لأن مآل الجميع إلى الوزن، و قيل: المراد بالموزون: ما له منزلة كما تقول: ليس له وزن أي: قدر.

الرِّياحَ لَواقِحَ: جمع لاقحة، و في معنى الملاقحة أقوال، قيل: حوامل للسحاب و قيل: ذات لقح، و قيل: لاقحة بمعنى: ملقحة؛ فإن الريح تلقح الأشجار.

صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ الصلصال: الطين الذي خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جفّ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخّار، و الحمأ: الطين الأسود، و مثله الحمأة بتسكين، و المسنون: المتغير، من أسن الماء يأسن إذا تغير، و يطلق المسنون و يراد به المصوّر، و يطلق و يراد به المملّس، و يطلق و يراد به ما وردت به السّنّة.

نارِ السَّمُومِ: مؤنثة و هي من الواو، لأن تصغيره: نويرة و الجمع: نور و أنور و نيران، انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها و السموم: الريح الحارة؛ لأنها تدخل في المسام، و هي مؤنثة لجمعهم إياها على سمائم، لا يقال: لها سموم إلا إذا هبت نهارا، و إذا هبت ليلا حرور، و قيل: تستعمل كل من السموم و الحرور في الليل و النهار.

مِنْ غِلٍّ الغلّ: الحقد.

فِيها نَصَبٌ النّصب: التعب.

الْعَذابُ الْأَلِيمُ: اختلف في مادته، فقيل من قولهم: عذب الرجل إذا ترك

ص: 78

المأكل و المشرب فهو عاذب و عذوب، و قيل: من عذبة السّوط، و قيل: التعذيب:

الضرب، و قيل: من قولهم: ماء عذب إذا كان كثير القذى، فيكون عذّبته: كدّرت عليه عيشه و رنّقت حياته، و الأليم بمعنى: المؤلم.

وَجِلُونَ أي: خائفون، تقول: وجل وجلا و موجلا، و في مستقبله أربع لغات: ياجل، يوجل، ييجل، ييجل، بكسر الياء و هي لغة بني أسد، و رجل أوجل و وجل، و لا يقال للمؤنث: وجلاء و لكن: وجلة.

وَ مَنْ يَقْنَطُ أي: ييأس، تقول: قنط يقنط، مثل: ضرب يضرب، و يقنط مثل: قعد يقعد، أو مثل: لعب يلعب.

فَما خَطْبُكُمْ ما سبب أمركم، و الخطب: الأمر المهم، و مادته من الخطبة لأنهم كانوا إذا دهمهم أمر اجتمعوا له فخطب ألسنهم ليوضح طريق ذلك الأمر.

أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الأيكة: الشجرة، و الأيك: الشجر الملتف، و من قرأ:

الأيكة (1) أراد الغيضة، و من قرأ: أيكة أراد القرية، و يقال: إنهما مثل: بكة و مكّة.

لَبِإِمامٍ مُبِينٍ قيل: الإمام: الطريق، و قيل: اللوح المحفوظ، و قيل: القرآن.

أَصْحابُ الْحِجْرِ: منازل ثمود.

لِلْمُتَوَسِّمِينَ: الذين يطلبون السّمة، و هي: العلامة.

الْمُقْتَسِمِينَ قيل: من القسم، و هم الذين حلفوا، و قيل: من القسمة، و نزلت في قوم اقتسموا طرق مكة و شعابها، يردّون من يطلب الإيمان بالهجرة.

عِضِينَ أي: جعلوا القرآن أعضاء و جزءوه أجزاء، و مادته من عضوته أي:

فرّقته؛ لأن المشركين قالوا فيه أقاويل، فجعلوه كذبا و سحرا و كهانة و شعرا.

ص: 79


1- قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر و أبو جعفر في موضعي الشعراء و ص: ليكة.

سورة النحل

لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ: هو ما يدفئ من الأكسية و القطف و غيرها، و قيل:

البيوت المتخذة من أوبار النعم، و قيل: الدف ء نتاج الإبل، و يؤيده قوله صلّى الله عليه و سلم:" لنا من دفئهم ما سلّموا بالميثاق"، نقول منه: دفي الرجل دفاءة مثل كره كراهة، و لك أن تقول: دفئ دفاء مثل ظمئ ظمأ، و الاسم الدّف ء بالكسر، و الجمع: الأدفاء، و رجل دفئ فعل إذا لبس ما يدفيه، و كذلك دفآن و امرأة دفأى.

بِشِقِّ الْأَنْفُسِ أي: بمشقتها، و الشّق: أحد نصفي الشي ء، و قرأ يزيد (1):

بشق الأنفس بفتح الشين على أنهما لغتان، و قيل: الفتح: مصدر، و الكسر بمعنى:

المشقة، و المعنى: لم تكونوا بالغيه إلا بنصف الأنفس، و قيل: المراد مكة، و قيل: من البلاد، و الذي عند الماوردي في البلد قولان أحدهما: أنه مكة لأنها من البلاد الفلوات، الثاني: أنه محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر.

وَ مِنْها جائِرٌ أي: مائل، و الجور: الميل عن القصد.

وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ مخرت السفينة تمخر، و تمخر مخرا و مخورا إذا جرت تشق الماء مع صوت، و يقال: مخرت الأرض أي: أرسلت الماء فيها، و بنات مخر: سحائب يجئن قبل الصيف مبيّضات.

يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ الفي ء: ما نسخته الشمس، و المعنى أن الظل يفعل الحركة يمنة و يسرة.

وَ هُمْ داخِرُونَ أي: صاغرون، تقول: دخر الرجل دخورا فهو داخر.

وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً دائما (2)، و منه قوله تعالى:" و لهم عذاب واصب" [الصافات: 9].

فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أي: ترفعون أصواتكم، يقال: جأر يجأر جؤارا و جؤرا، و الأصل فيه: الثور يرفع صوته.

ظَلَّ وَجْهُهُ أي: صار، و يجوز أن يكون من قولك: ظللت أعمل كذلك بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل.

ص: 80


1- يزيد بن القعقاع- أبو جعفر المدني أحد القراء العشرة. توفي بالمدينة عام 128 ه.
2- و هو قول الجمهور.

وَ هُوَ كَظِيمٌ: متجرّع غصصه ممسك عن الكلام.

أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ الهون و الهوان بمعنى و هو: الذل.

سائِغاً لِلشَّارِبِينَ أي: سهلا في الحلق، تقول: سغته أسوغه و أسيغه، و ساغ الشراب، يتعدّى و لا يتعدى.

وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ قرئ مفتوح الراء و مكسورها مخففا و مشددا (1)، فالمفتوح بمعنى: مقدّمون إلى النار، معجّلون إليها، من أفرطت فلانا و فرّطته في طلب الماء، و قيل: منسيون متروكون في النار، من أفرطت فلانا خلفي إذا نسيته، و المكسور المخفف: من الإفراط في المعاصي، و المكسور المثقّل: من التفريط في الطاعات.

سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً السّكر: نبيذ التمر، و الرزق الحسن: التمر و الزبيب و الخل و الدّبس، و الآية سابقة لتحريم الخمر، قيل: ما كان من العنب فهو خمر، و ما كان من التمر فهو سكر، و قيل: السّكر ما سدّ الجوع، مأخوذ من سكّرت النهر إذا سددته، و قيل: إنكار من اللّه تعالى عليهم، أ يتخذون منه سكرا و رزقهم اللّه إياه رزقا حسنا.

وَ أَوْحى رَبُّكَ بمعنى: ألهم، و الوحي في كلام العرب على معان: الوحي:

الكتابة، و جمعه وحيّ مثل حلي و حليّ، و الوحي: الإشارة و الإلهام و الرسالة و الكلام الخفي، و كل ما ألقيته إلى غيرك، و يقال: وحيت إليه الكلام و أوحيت، و هو أن يكلمه بكلام يخفيه.

فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا جمع ذلول من الذّل بكسر الذال ضد الصعوبة، منقادة بالتسخير، و يحتمل أن يكون حالا من السبل، و يحتمل أن يكون حالا من النحل أي منقادة.

أَرْذَلِ الْعُمُرِ: الهرم، و قد رذل يرذل رذالة، قيل: تسعون سنة، و قيل:

خمس و سبعون، و قيل: ثمانون.

بَنِينَ وَ حَفَدَةً الحفدة: الغلمان الذين يسرعون في الخدمة، و أصل الحفد:

ص: 81


1- قرأ نافع بكسر الراء و تخفيفها، و قرأ أبو جعفر المدني: مفرّطون بكسر الراء و تشديدها، و قرأ الباقون: مفرطون.

الإسراع، و قيل: أولاد الأولاد، و قيل: هم أزواج البنات، و هم الأختان، و قيل: البنات لأنهن يخدمن في البيوت أتم خدمة.

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ضرب اللّه هاهنا: وصف و بيّن، المثل: عبارة عن قول شي ء في شي ء يشبه قولا آخر في أمر تجمعهما مشابهة، ليس أحدهما كالآخر، كقولهم:" الصّيف ضيّعت اللبن" هذا القصة قيلت لامرأة كانت عند زوج له إبل، و كانت أيام الصيف قادرة على اللبن. فطلقت زوجها و تزوجت بفقير لا إبل له، فلما جاء وقت الصيف جاءت إلى مطلقها تطلب منه وقت الصيف اللبن، فقال لها:

الصيف ضيعت اللبن، فصار هذا مثل قولك: ضيعت المراد وقت الإمكان، و المثل على وجهين: أحدهما: كقولك: شبه و شبه و نقص و نقص، و يكون بمعنى الوصف، و منه قوله تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ و الثاني: عبارة عن المشابهة في غيره في معنى من المعاني، أي معنى كان، و هو من الألفاظ الموضوعة للمشابهة؛ و ذلك أن" النّد" يقال لما يشابه في الجوهر فقط، و" الشّبه" يقال لما يشاركه في الكيفية فقط، و" المساوي" يقال لما يشاركه الكمية فقط، و" الشّكل" يقال لما يشاركه في القدر و المساحة فقط، و" المثل" عام في جميع ذلك، و لهذا لما أراد اللّه تعالى نفي الشبيه من كل شي ء خصه بالذكر، فقال:" ليس كمثله شي ء" [الشورى: 11].

عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ مملوكا هاهنا: صفة اقتضت التخصيص، و ذلك أن العبد يطلق على الحر و القنّ بدليل قوله تعالى:" عِبادُ الرَّحْمنِ" [الفرقان: 63] و" يا عِبادِيَ" [العنكبوت: 56]، [الزمر: 53] فإنه جمع العبد و المراد به الحر و القنّ، و المراد:

القنّ في قوله:" لا يقدر على شي ء" تخصيص آخر ليخرج المكاتب و المأذون له من الكشاف (1).

أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ البكم: أن يولد المولود أخرس، و كلّ أبكم أخرس و ليس كل أخرس أبكم، يقال: بكم عن الكلام إذا ضعف عنه لضعف عقله فصار الأبكم.

كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أي: وبال و ثقل، و الكلّ: العيال، و الكلّ: الثقيل، و الكل:

اليتيم: و الكلّ: من لا ولد له و لا والد، و الجمع الكلول.

ص: 82


1- يعني تفسير الكشاف لجار اللّه محمود بن عمر الزمخشري توفي عام 538 ه.

وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ تقول: عتبت فلانا إذا أبرزت له ما عندك، و أعتبت فلانا إذا حملته على العتب، و يقال: أعتبته أزلت عتبه نحو أشكيته، و الاستعتاب: أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب، يقال: استعتبت فلانا، فقوله:" و لا هم يستعتبون" من هذه المادة، و العتبى: إزالة ما لأجله يعتب.

سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ جمع سربال: و هو القميص، و الثوب من الكتان و القطن و الصوف و غيرها، و التقدير: سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم البرد، فحذف الثاني لدلالة الأول، و ذكر الحر لأنه عندهم أهم، لكونهم في قطر حارّ، و قيل: ما دفع الحرّ دفع البرد.

وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً النّكث بالكسر: نقض الأخبية و الأكسية لتغزل مرة أخرى، و النكث: اسم رجل و الجمع: أنكاث، و استعير لنقض العهد و الأيمان، قيل: هذه التي ضرب لها المثل كانت حمقاء اسمها ريطة بنت عمرو بن تميم و كانت تأمر جواريها بالغزل فإذا بلغن نصف النهار أخذت ما غزلن و نقضته.

دَخَلًا بَيْنَكُمْ الدّخل: الفساد أي: يفسده.

لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ اختلف في البشر الذي نسب التعليم إليه؛ فقيل: غلام كان لحويطب بن عبد العزى أسلم و حسن إسلامه اسمه عائش و قيل: يعيش و كان صاحب كتب، و قيل: جبر، غلام رومي كان لعامر بن الحضرمي، و قيل: عبدان جبر و يسار كانا يصنعان السيوف بمكة و يقرءان التوراة و الإنجيل، و كان رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إذا مر عليهما وقف، و قيل: سلمان الفارسي. و اللسان: اللغة، و يقال: ألحد القبر و ألحده فهو ملحد إذا أمال حفره عن الاستقامة، و لذا فالملحد:

من أمال مذهبه عن الاستقامة. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 83

سورة الإسراء

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى سبحان قيل: علم على التسبيح، و هو غير مصروف للعلمية و الزيادة، و قيل: مصدر في موضع التسبيح، و أسرى قيل: سرى و أسرى لغتان، و قيل: الأصل سرى و الهمزة للتعدية، و التقدير: أسرى البراق بعبده، و قرئ بهما على أنهما لغتان فأسر و اسر على أن الهمزة أصلية، و يؤيد من يقول بأن الهمزة للتعدية قول حسان:

حيّ النضيرة ربّة الخدر أسرت إليّ و لم تكن تسري

التقدير: أسرت إلي خيالها و لم يكن منها سرى. فتأمله، و ليلا منصوب على الظرفية، فإن قيل: فالسّرى لا يكون إلا ليلا، قلنا: جي ء به منكّرا ليشعر بالمدة القليلة من الليل لإرادة البعضية، و يؤيد ذلك قراءة عبد اللّه و حذيفة:" من الليل".

وَ قَضَيْنا القضاء: فصل الأمر قولا كان أو فعلا، و كل منهما على وجهين:

إلهيّ، و بشريّ.

وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي: أمر، و قيل: عهد، و قيل: وصّى.

وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ هذا قضاء بالإعلام و الفصل، من وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ، و من الفعل الإلهي قوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ، و إشارة إلى إيجاده الإبداعي. و من الفعل البشرى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ و قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 29] بمعنى أدوا. و قال الجوهري: قضى بمعنى حكم، و قد تكون بمعنى الفراغ، تقول: قضيت حاجتي، و ضربه فقضى عليه، أي: قتله، و سمّ قاض أي:

قاتل، و قضى نحبه: مات. و قد يكون بمعنى الأداء، تقول: قضيت ديني، و قد يكون بمعنى الإعلام كقوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ، و قوله تعالى: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ [يونس- 17]، بمعنى: امضوا إلي، و قد يكون بمعنى الصنع و التقدير، كقوله تعالى:

فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [فصلت- 12]، و منه القضاء و القدر.

وَ أَمْدَدْناكُمْ قال أبو زيد: مددنا القوم: صرنا مددا لهم، و أمددناهم بغيرنا.

وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً أي: جماعة، و قد يقال للقوم الذين يتقدمون في الأمر: النفير، فيقال: جاءت نفيرة من فلان.

وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها أي: فعليها.

ص: 84

وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً التتبير: الهلاك.

جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً و الحصير هاهنا: المحبس، و هو لفظ مشترك، و يطلق الحصير على البخيل، و على الرجل الباريّة، و على الجنب، و على الملك، قال لبيد:

و قماقم غلب الرّقاب كأنهم جنّ لدى باب الحصير قيام

و الحصير: المحبس.

أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ طائر الرّجل: عمله الذي فعله.

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ أف كلمة معناها: الضجر، و قيل: كلمة تشعر بالأذى، و قيل: الأفّ: وسخ الأذن، و التّفّ: وسخ الظّفر، و فيها تسع لغات: أفّ، و أفّ و أفّا بالحركات الثلاث مع التشديد و التنوين، و بالحركات الثلاث بلا تنوين مع التشديد، و بالحركات الثلاث مع التخفيف هكذا نقله السجاوندي في" عين المعاني في التفسير" و نقل بعض المتأخرين أن فيها خمسين لغة و ضبطها و شكلها ذكر ذلك أبو حيان في" ارتشاف الضرب".

بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ القسطاس: الميزان بلغة الروم، و يجوز كسر القاف و ضمها (1)، و هو ما وافقت فيه العرب العجم.

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً المرح: شدة الفرح و النشاط، و قد مرح بالكسر فهو مرح و مرّيح بالتشديد، و الاسم المراح، و مرحت عنه بالكسر: فسدت.

خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإملاق: الفقر.

وَ إِذْ هُمْ نَجْوى أي: يتناجون بالكلام.

فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ نغض رأسه ينغض و ينغص نغضا و نغوضا أي:

تحرّك، و أنغض رأسه أي: حرّكه كالمتعجب من الشي ء.

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ الرؤية: في اليقظة، و الرؤيا: في المنام، و قد تمسك بهذه الآية من زعم إن الإسراء كان بالروح في المنام، و من قال في اليقظة أول الرؤيا بالرؤية، و قال: إنما سماها رؤيا و أن كانت رؤية لأن المكذبين قالوا: هي رؤيا

ص: 85


1- القسطاس بكسر القاف: قراءة حفص و حمزة و الكسائي و خلف، و بضم القاف: قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و شعبة و أبي جعفر و يعقوب.

رأيتها فذكرها اللّه تعالى كما قالوا، و قيل: هي على بابها؛ و هي رؤياه التي رآها من أنه يدخل مكة، و قيل: رأى في النوم أن أولاد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة.

وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قيل: المراد شجرة الزقوم، فإن قلت: في أي موضع لعنت، قلت: إنما لعن طاعمها من الكفرة، و إنما وصفت بلعن أصحابها من الكفرة على المجاز. و قيل: وصفها اللّه تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، و قيل: العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون، فيقولون: صاب ملعون، و قرأت بالرفع و التقدير: و الشجرة الملعونة، فكذلك، و قيل: أبو جهل، و قيل: الشيطان، و قيل: الكشوث الذي يلتوي على الشجر فيجففه، و قال الجوهري الكشوث: شجرة يلتوي على الشجر فيجففه من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر:

هو الكشوث فلا أصل و لا ورق و لا نسيم و لا ظل و لا ثمر

وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ: كرمه بأوصاف لم تكن في غيره من الحيوان؛ العقل و النطق و التمييز و الخط و اعتدال القامة، و قيل: تسليط بني آدم على ما في الأرض و تسخير ذلك لهم، و قيل: أكلهم بأيديهم.

إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ المراد بالحياة: الآخرة، و المراد بضعف الممات: عذاب القبر، و أن يضاعف الآخرة و يضاعف عذاب القبر.

لِدُلُوكِ الشَّمْسِ دلوك الشمس: زوالها إلى وقت غروبها، و اللام بمعنى عند الدلوك: الميل، و معنى اللفظ يجمعهما، و الشمس تميل إذا زالت أو غربت و الحمل على الزوال أولى القولين لكثرة (1) القائلين به و لكونه جامعا لمواقيت الصلاة كلها، لأن دلوك الشمس يتناول صلاة الظهر و العصر إلى غسق الليل، و يتناول المغرب و العشاء.

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ: صلاة الصبح، و غسق الليل: ظهور ظلمته.

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي: على مذهبه و طريقه التي تشاكل حاله في الهدى و الضلالة، من قولهم: طريق ذو شواكل، يؤيده تمام الآية فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ

ص: 86


1- قال القرطبي: هذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.

بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا.

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي: سألوه عن حقيقة الروح (1)، فأخبر أنه من أمر اللّه تعالى، أي: من وحيه و كلامه ليس من كلام البشر.

فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً الكفور: الجحود: و قال الأخفش هو جمع الكفر مثل: برد و برود.

تِسْعَ آياتٍ اختلف فيها، فقيل: هي العصا و خروج يده بيضاء، و انفلاق البحر و القمّل و الضفادع و الدم و الجراد، و انفجار الحجر بالماء، و المن و السلوى.

كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً خبت النار: إذا خمدت، و السعير: إيقادها.

جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً مختلطين أنتم و إياهم، و اللفيف: الجماعات من قبائل شتى.

عَلى مُكْثٍ بفتح الميم و ضمها و بهما قرئ أي: على تأنّ و تؤدة.

يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ: جمع ذقن، و اللام بمعنى: على و هو مجمع اللّحيين، و قال جار اللّه: جعل ذقنه و وجهه للخرور، و اختصه به لأن اللام للاختصاص و أنشد:

و خرّ صريعا لليدين و للفم

قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الدعاء هاهنا بمعنى: التسمية لا بمعنى النداء، و اللّه و الرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى، و الضمير في له ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين و لكن إلى مسماهما؛ لأن التسمية للذات لا للاسم، و المعنى:

أيّا ما تدعوا فهو حسن، فوضع موضعه.

فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءة صلاتك؛ لأن الجهر و المخافتة صنفان يتعاقبان على الصوت لا غير، و الصلاة: أفعال و أذكار، و قيل: الآية منسوخة لقوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً [سورة الأعراف: آية 55].".

ص: 87


1- روى البخاري و مسلم و الترمذي عن عبد اللّه قال: بينا أنا مع النبي صلّى الله عليه و سلم في حرث و هو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح قال: ما رابكم إليه؟ و قال بعضهم: لا يستقبلكم بشي ء تكرهونه، فقال: سلوه. فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلّى الله عليه و سلم فلم يرد عليهم شيئا؛ فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: " يسألونك عن الروح ... الآية".

سورة الكهف

وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً أي: اختلافا و تناقضا، و العوج- بكسر العين- في المعاني كالعوج في الأعيان. و اللام في له بمعنى" في".

قَيِّماً التقدير: جعله قيّما، أي: قيما على جميع الكتب السماوية؛ مصدقا شاهدا بصحتها، و قيل: قيما بمصالح العباد.

باخِعٌ نَفْسَكَ بخع نفسه بخعا أي: قتلها غمّا، و بخع بالحق بخوعا أقرّ به، و بخع بكسر الخاء. بخوعا و بخاعة.

صَعِيداً جُرُزاً الصعيد: وجه الأرض، و الجرز: الأرض البيضاء التي لا نبات بها و فيه أربع لغات: جرز و جرز و جرز و جرز، و جمع الجرز: جرزة مثل: جحرة، و جمع الجرز: أجراز، مثل: سبب و أسباب، تقول: منه أجراز القوم، كما تقول:

أيبسوا، و الجرز: السّنة المجدبة، و قولهم:" إنه لذو جرز" بالتحريك أي: غلظ، و الجرز بالضم: عمود من حديد، و سيف جراز بالضم: قطّاع، و ناقة جراز أي: أكول.

أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ الكهف: الغار الواسع في الجبل، و الرقيم مختلف فيه: قيل اسم كلبهم، و قيل: لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم، و قيل: إن الناس زعموا حديثهم نقرا في الجبل، و قيل: مكانهم دون فلسطين، و قيل: الرقيم بالرومية: الدواة، و قيل: الرقيم: قوم حالهم كحال أصحاب الكهف. و عن ابن عباس: ما أدري ما الرقيم أ كتاب أم بنيان. نقله الجوهري.

فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ كناية عن النوم، و التقدير: ضربنا حجابا على آذانهم فهم لا يسمعون، كما تقول: بنى على زوجته، أي: بنى قبّة، و حذف المفعول الأول للعلم به.

تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ أي: تخلّفهم و تجاوزهم و تتركهم عن شمالها، و يقول الرجل لصاحبه: هل مررت بكذا، فيقول: قرضته ذات اليمين ليلا. و المعنى:

لا تنالهم بحرّها، قال ذو الرمة:" لها طعن"

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف شمالا و عن أيمانهن الفوارس

فِي فَجْوَةٍ الفجوة: المكان المتسع.

ص: 88

بِالْوَصِيدِ: فناء الدار، و اختلف في اسم كلبهم و لونه، قيل: قطمير (1) و قيل:

ريّان، و قيل: قطمون، و قيل: لونه أغرّ، و قيل: أصفر، و قيل: يضرب إلى الحمرة، و سئل بعض الوعاظ عن لونه فقال: لونه لون الحجر؛ لأن الحجر ذو ألوان، فتخلّص.

بِوَرِقِكُمْ الورق: الفضة مضروبة و غير مضروبة، قرئ ساكنة الراء على أنه مخفّف من ورق، و قرئ: بورقكم مكسورة الراء على أنه أصل لم يخفف (2).

أَزْكى طَعاماً قيل: أحلّ ذبيحة؛ لأن عامتهم كانوا مجوسا، و قيل: أطيب و قيل: أرخص.

أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ: أطلعنا.

مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً: حرزا أو معدلا أو موئلا.

أَمْرُهُ فُرُطاً أي: ضياعا، و قيل: كذبا، و فرس فرط: إذا كان يسبق الخيل.

أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها: هو الحجرة التي تكون حول الفسطاط، و بيت مسردق، و قيل: هو دخان من النار يحيط بالكفار قبل دخولهم النار، و قيل: حائط من نار يحيط بهم.

كَالْمُهْلِ: درديّ الزيت، و قيل: ما أذيب من جواهر الأرض، و قيل:

المهل: القيح و الدم، و منه قول أبي بكر- رضي اللّه عنه-:" ادفنوني في ثوبيّ هذين فإنما هما للمهل و التراب".

وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً قيل: بمعنى الحساب، أي: مقدارا قدّره اللّه و حسبه بالحكم بتحريها، و قيل: عذاب حسبان، و قيل: حسبانا، يقال في الواحدة: حسبانة:

و هي الصواعق.

وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي: تنقص.

صَعِيداً زَلَقاً (3): أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها.

وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً الموبق: المهلك، و المعنى: جعلنا بينهم واديا من أودية جهنم يهلكون فيه، و قيل: موبقا: عداوة، تقول: وبق يبق وبوقا: هلك، و الموبق

ص: 89


1- قاله ابن عباس.
2- قرأ أبو عمرو و حمزة و شعبة و خلف و روح: بورقكم بسكون الراء. و الباقون: بكسرها. و المعنى: الدراهم. و أما الورق بفتح الراء فهو الإبل و الغنم.
3- مكان زلق: أي دحض. و المزلقة و المزلقة: الموضع الذي لا يثبت عليه قدم.

مفعل كالموعد، و فيه لغة أخرى: وبق يوبق و بقا، و فيه لغة ثالثة: وبق يبق بالكسر فيهما، و أوبقه: أهلكه.

أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا أي: عيانا، و قرئ: قبلا بفتحتين: مستقبلا (1).

لِيُدْحِضُوا أي: ليزيلوا، من إدحاض القدم، و هي إزلاقها و إزالتها عن مكانها.

وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً و هزءا- بالسكون- (2) أي: اتخذوها موضع استهزاء.

مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ قيل: بحر فارس و بحر الروم مما يلي المشرق، و قيل:

طنجة مما يلي المغرب.

أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أي: زمانا طويلا، و قيل: حينا، و قيل: سبعون سنة، و قيل:

ثمانون.

نَسِيا حُوتَهُما أي: يوشع و موسى.

سَرَباً: مسلكا.

وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً: وجه العجب أن الحوت كان مملوحا، فلما ناله رشاش ماء الحياة عاش و انساب في اليمّ.

شَيْئاً إِمْراً أي: عظيما، من أمر الشي ء إذا عظم.

وَراءَهُمْ مَلِكٌ: أمامهم، و قيل: هو على بابه، لأن الرجوع كان عليه، و اسم الملك جلندي، و قيل: هدد بن بدد.

عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ: هو الإسكندر (3)، و اختلف فيه، فقيل: نبي و قيل: ملك من الملائكة، و قيل: عبد صالح، و اختلف في تلقيبه، فقيل: هلك في زمانه قرنان، و قيل: كان له تاج فيه قرنان، و قيل: كان له ضفيرتان، و قيل: غير ذلك. و كان بعد نمروذ، يقال: ملك الدنيا بأجمعها مؤمنان: سليمان و ذو القرنين، و كافران: نمروذ

ص: 90


1- قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و يعقوب قبلا. و الباقون و هم الكوفيون و أبو جعفر قبلا.
2- قرأ حفص هزوا. و قرأ حمزة و خلف هزءا و الباقون هزؤا.
3- اختلف المؤرخون و أهل السير في اسم ذي القرنين، فقال ابن إسحاق: كان ذو القرنين من أهل مصر اسمه مرزبان اليوناني من ولد يونان بن يافث ابن نوح، و قال ابن هشام: اسمه الإسكندر و هو الذي بنى مدينة الإسكندرية.

و بختنصر.

لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً قيل: المراد الزّنج إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابا لهم فإذا انكسر حرّها خرجوا لمعايشهم، و سترا بمعنى ساتر لأن أرضهم لا تحتمل الأبنية. و قيل: المراد لا يلبسون الثياب فتكون سترا لهم من حرها.

يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ: قرآ مهموزين (1)، و قيل: آجوج و ماجوج، و هما من ولد يافث، و قيل: يأجوج من التّرك و مأجوج من الجيل و الدّيلم، و عن النبي صلّى الله عليه و سلم:" لا يموت واحد منهم حتى ينظر ألف ولد من صلبه قد حملوا السلاح" (2).

بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قرئ بفتحهما، و ضمهما (3)، و هما: جانبا الوادي.

قِطْراً: النحاس.

ص: 91


1- قرأ عاصم مهموزا، و الآخرون بغير همز. روى أبو هريرة مرفوعا:" ولد لنوح سام و حام و يافث فولد سام العرب و فارس و الروم و الخير فيهم و ولد يافث يأجوج و مأجوج و الترك و الصقالبة و لا خير فيهم و ولد حام القبط و البربر و السودان". و قال ابن حجر حديث ضعيف.
2- رواه ابن حبان من حديث ابن مسعود.
3- قرأ نافع و حفص و حمزة و الكسائي و خلف بفتحتين. و قرأ بضم الصاد و الدال ابن كثير و أبو عمر و ابن عامر و يعقوب. و قرأ شعبة. الصّدفين بضم الصاد و إسكان الدال.

سورة مريم

خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي الموالي: الأولياء الذين يخلفونه من ورائه دون من كان من نسله، و خاف أن يغيّروا الدّين، فطلب نسلا.

وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا العتيّ: يبس المفاصل، يقال: عتا العود عتيا، و قد تقدم.

تَحْتَكِ سَرِيًّا قيل: نهر صغير، و قيل: وصف لعيسى- عليه السلام- بالسّراية و النّجابة.

وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا أي: حينا طويلا، و الملوان: الليل و النهار، واحدهما: ملا- مقصور- و مضى مليّ من النهار أي: ساعة طويلة.

إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أي: آتيا، مفعول بمعنى فاعل، قال جار اللّه: الوجه أن الوعد: الجنة و هم يأتونها، أو هو من قولك: آتى إليه إحسانا أي: كان وعده مفعولا منجزا.

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا فلا يسمعون إلا ذلك، و هو من وادي قوله:

و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بها فلول من قراع الكتائب

و يجوز أن يكون على الاستثناء المنقطع.

بُكْرَةً وَ عَشِيًّا: على مقدار ما يعهدونه في الدنيا من الغذاء طرفي النهار (1).

أَثاثاً وَ رِءْياً الأثاث: متاع البيت، و الرّءي: حسن المنظر، و فيها لغات (2).

أَطَّلَعَ الْغَيْبَ: مأخوذ من قولهم اطّلع الجبل إذا ارتقى أعلاه، و طلع الثنيّة قال جرير:

لاقيت مطلع الجبال و عورا

ص: 92


1- قال العلماء: ليس في الجنة ليل و لانهار. و في الحديث:" ليس هناك ليل إنما هو ضوء و نور يرد الغدو على الرواح و الرواح على الغدو و تأتيهم طرف الهدايا من اللّه تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلونها فيها- في الدنيا- و تسلم عليهم الملائكة". (ج 2 ص 522) الكشاف.
2- اللغات هي: ريّا. و رئيّا، زيا. و معنى ريا: أن جلودهم مرتوية من النعمة.

هذا قول جار اللّه، و قال الجوهري: طلعت الجبل- بالكسر- إذا علوته، و اطلعت على باطن أمره.

تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (1) الأزّ و الهزّ كلّه بمعنى.

وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا خصماء.

أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً الرّكز: الصوت الخفي، و منه ركز الرّمح إذا غيّب طرفه في الأرض، و منه: الرّكاز.

ص: 93


1- تؤزهم: تزعجهم إزعاجا إلى المعصية. أو تغريهم بالشر. و أصل الأز: الحركة و الغليان و ائتزت القدر ائتزازا اشتد غليانها.

سورة طه

طه قيل: معناه بالسريانية يا رجل، و قيل: هي من الأسرار، و قيل: علائم أوائل السور، و قيل:" طه" نبطيّة.

قال الشاعر (1):

إن السفاهة طه من شمائلكم لا قدّس اللّه أرواح الملاعين

و قال الآخر (2):

هتفت بطه في القتال فلم يجب فخفت لعمري أن يكون موائلا

و قيل: بلغة عكّ و معناه: يا حبيبي، و قيل: أمره بالوطء و الهاء بدل الهمزة، لأنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فأمر أن يطأ الأرض.

وَ ما تَحْتَ الثَّرى الثرى: التراب النّديّ، و المراد: الصخرة التي تحت الأرض السابعة.

بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً علم على مكان مخصوص بالشام، يصرف و لا يصرف و قرئ بهما (3)، و فيه كسرها و ضمها؛ مثل: سوى و سوى، و ثنى و ثنى أي:

مثني، فمن كسر الطاء فعلى معنى أنه قدّس مرتين، و ذو طوى: جبل بمكة.

أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها: أعتمد عليها إذا أعييت.

وَ أَهُشُّ بِها: هشّ الورق: خبطه، تقول: هشّ الخبز يهشّ و يهشّ إذا كان ينكسر لهشاشته.

فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى الحية: اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير و الثعبان العظيم من الحيات، و الجانّ: الدقيق، و قد وصفت العصا بذلك.

سِيرَتَهَا الْأُولى السيرة من السّير، كالرّكبة من الركوب، يقال: سار فلان سيرة حسنة، ثم اتّسع فيها، فنقلت إلى معنى المذهب و الطريقة، فقيل: سير الأولين، و المعنى: سنعيدها إلى ما كانت عليه من كونها عصى.

إِلى جَناحِكَ أي: إلى جنبك، و جناحا الرّجل: جنباه.

ص: 94


1- يزيد بن المهلهل.
2- متمم بن نويرة.
3- طوى بالتنوين: قراءة ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف، و الباقون بدون تنوين.

وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً أي: معاونا، و اختلف في اشتقاقه، فقيل: من الوزر لأنه يتحمل أوزار الملك، و قيل: من الوزر و هو الملجأ، أو من المؤازرة: و هي المعاونة، و يقال: الوزارة و الوزارة.

أُوتِيتَ سُؤْلَكَ السّؤل: الطّلبة، و هو فعل بمعنى مفعول، مثل: خبز بمعنى مخبوز، و أكل بمعنى مأكول.

إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ إما أن يكون على لسان نبيّ وقتها، كقوله تعالى:

وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أو بعث لها ملكا كما بعث إلى مريم لا على وجه النبوة، أو أراها ذلك في المنام، أو ألهمها كما أوحى إلى النحل.

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ القذف مستعمل بمعنى الإلقاء و الوضع، و قد تقدّم ذكر التابوت في" البقرة"، و الضمائر كلها راجعة إلى موسى، و رجوع بعضها إليه و بعضها إلى التابوت في تنافر في النظم، و انتظام النظم هو قانون الإعجاز.

وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً أي: ابتليناك بفتن، و الفتنة: الاختبار.

فِي أَهْلِ مَدْيَنَ مدين على ثمان مراحل من مصر.

ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أي: جئت على قدر قدرته لك، يوحى فيه إلى الأنبياء و هو رأس أربعين سنة.

وَ لا تَنِيا الوني: الفتور و التقصير، و قرئ تنيا بكسر حرف المضارعة.

مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ اختلف فيه، فقيل: يوم العيد، و قيل: يوم النيروز، و قيل: يوم عاشوراء.

فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً أي: اعمل، من قولهم: ضرب اللبن، و اليبس: مصدر، يقال: يبس يبسا و يبسا، و نحوه: العدم و العدم، و من ثم وصف به المؤنث، فقيل: شاتنا يبس إذا جف لبنها.

دَرَكاً: و الدّرك و الدّرك اسمان من الإدراك، أي: لا يدركك فرعون.

وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ و قرئ: و أضلّهم (1)، و السامري: منسوب إلى قبيلة في بني إسرائيل يقال لها: السامرة، و قيل: كان علجا من كرمان يقال له: موسى بن ظفر، و كان منافقا قد أظهر الإسلام، و كان من قوم يعبدون البقر.

ص: 95


1- هي قراءة أبي معاذ على أنه أفعل تفضيل.

أَسِفاً الأسف (1): شدة الغضب.

أَوْزاراً: أثقالا من حليّ القبط، و قد استعاروها ليلة الخروج من مصر بتعلّة أن غدا لنا عيد.

لَهُ خُوارٌ أي: صوت، و هو مخصوص بالبقر.

مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ التقدير: من أثر حافر فرس الرسول، و اختلف في الرسول فقيل: جبريل، و قيل: موسى، و جبريل و هو الأشهر (2).

فَما خَطْبُكَ أي: سبب أمرك.

أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ: كان السامري إذا مس رجلا أو امرأة نالتهما الحمّى فكان يحذر الناس فيقول: لا مساس، فتحامى الناس و تحاموه. و بعض العرب يقول:

لا مساس، مثل: قطام، لأنه عنده معدول عن المصدر.

يَوْمَئِذٍ زُرْقاً قيل: عميا فإنّ من ذهب بصره رأى الظلمة كاللون الأزرق، و قيل: عطاشا؛ فإن من عطش ازرقت شفتاه، و قد يعبّر الزّرق عن العداوة، كما قيل:

نظر الدهر إليه بعين الأزرق، و قد يتشاءم به، قال:

لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر ألا كلّ عبسيّ من اللؤم أزرق

و العرب تقول: العدوّ الأزرق، تريد به الرّوم.

قاعاً صَفْصَفاً: أرضا لا نبات فيها، ملساء.

عِوَجاً وَ لا أَمْتاً العوج: الانحراف، و قد تقدم أن العوج- بالفتح- في الأعيان- و بالكسر- في المعاني، فإن قيل: كيف جاء الكسر في الأعيان؟ قلت: ثمّ لطيفة ذكرها جار اللّه ملخّصها: أن المسوّي للأرض إذا اجتهد في تناسبها و ظهر له التناسب بالعين ثم استطلع رأي مهندس بكشفها بالمقاييس الهندسية أبدى فيها ما لم يدرك بالحاسّة؛ بل لقضى عليه بالعقل، فنفى اللّه تعالى عن هذه الأرض هذا المعنى، و كان بالعوج أمسّ.

وَ لا أَمْتاً الأمت: النّتوء اليسير.

ص: 96


1- الأسف: الحزن أو الجزع.
2- قال العلماء: كان جبريل يغذو السامري صغيرا إذ جعلته أمه في غار حذرا عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل، فعرفه حين كبر.

فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً: و هو الصوت الخفي، قيل: هو من همس الإبل، أي صوت أخفافها، و أسد هموس: إذا كان خفيّ الوطء.

وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ أي: خضعت، و مادته القهر، من قولهم:" أخذوها عنوة".

ضَنْكاً: ضيقا، و الضنك: الضيق.

وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ أنى الليل: ساعاته- الأخفش-، واحدها: إنى، مثل:

معي، و قال: بعضهم: واحدها: إنى و إنو.

أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا يجوز في انتصاب" زهرة" أربعة أوجه الأول: على الذّم، و على تضمين" متّعنا" أعطينا، و على إبداله من محل الجار و المجرور، و على إبداله من" أزواجا" على تقدير" زهرة"، و يكون جمع أزهر، قلت: و في هذا الوجه نظر فإن البدل حقه الجمود، فلو جعل من باب: حذف المضاف لكان سائغا، و التقدير: ذوي زهرة، و ذهب مكيّ إلى أنه بدل من موضع ما، و هو لا يجوز، لأن" لنفتنهم" من صلة" متّعنا" فيلزم منه الفصل من الصلة و الموصول بأجنبي. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 97

سورة الأنبياء

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ اقترب: دنا، و اللام يحتمل أن تكون صلة و يحتمل أن تكون تأكيدا، كقولهم:" أزف للحيّ رحيلهم"، فإن قيل: كيف وصف القرب و قد غدت دونه سنون كثيرة، قلت: هو مقترب عند اللّه، كقوله تعالى:

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، و عن ابن عباس: المراد بالناس: المشركون، و هو من باب إطلاق اسم الجنس على بعضه للقرينة القائمة، لأن ما يتلوه من التلاوة من صفات المشركين.

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ الذكر: القرآن.

وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ أي: أهلكنا، و القصم بالقاف أقطع من الفصم، لأنه يبيّن الأجزاء بعضها من بعض، و عن ابن عباس: القرية: حضورا و السّحول قريتان من قرى اليمن بعث اللّه إليها نبيا فقتلوه، فسلط اللّه عليهم بخت نصّر فاستأصلهم، و ظاهر الآية على الكثرة، قيل: اسم النبي حنظلة بن صفوان.

فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أي: دعوتهم، و الضمير عائد إلى قوله:" يا ويلنا".

حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ فإن قيل: نصبت" جعل" ثلاثة مفاعيل، قلت: حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد، كقوله: جعلته حلوا حامضا، أي: جامعا للطعمين، و كذلك" حصيدا خامدا" جامعا للوصفين.

كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما الرّتق: الالتئام، و ضده الفتق، و التقدير: كانتا شيئا مرتوقا، أي متلاصقين أو متلاصقات، قيل: فتقهما بالمطر و النبات.

فِجاجاً سُبُلًا الفجّ: الطريق الواسع، و قد تقدّم، و قدّمت على" السّبل" هاهنا على أنها حال، لا صفة، بخلاف قوله تعالى: لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح- 20] فإن قيل: ما الفرق بين الصفة و الحال؟ قلت: أما الحال فإعلام من أول وهلة بأنه جعل طرقا واسعة في السبل، و الثاني: إعلام بالصفة لحصول الإبهام في النكرة ليحصل تخصّصها بذلك.

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ فسّر بالعجلة، و قيل: من طين، قال الشاعر:

و النّبع في الصخرة الصماء منبته و النّخل ينبت بين الماء و العجل

ص: 98

و العجلة: تقديم الشي ء على وقته، و قيل: المراد بالإنسان؛ النضر بن الحارث لأنه يستعجل العذاب.

وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ: اللام بمعنى" في" (1).

أَتَيْنا بِها و أنّث ضمير" المثقال" لإضافته إلى" الحبّة"، كقولهم: ذهبت بعض أصابعه.

فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً أي: قطعا صغارا، و قرئ مثلث الجيم، و قرئ: جذذا جمع: جذّة.

وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ قيل: سدوم.

وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ" من" بمعنى: على.

إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ النّفش: أن ترعى البهائم ليلا، و الهمل: أن ترعى نهارا.

لِحُكْمِهِمْ: فيه دليل لمن يقول بأن أقلّ الجمع اثنان.

صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يعني: الدروع.

وَ ذَا النُّونِ النون: الحوت.

وَ حَرامٌ: ممتنع على مهلك أن لا يرجع إلى اللّه، و قرئ بالكسر و الفتح، و حرم و حرّم، و معنى أهلكناها: عزمنا على إهلاكها.

مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (2) الحدب: النّشز من الأرض، و قرأ ابن عباس:

جدث، و ينسلون: يسرعون.

حَصَبُ جَهَنَّمَ: المحصوب به: أي المرمى به في النار، و قرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر، و قرئ حطب و قرئ بالضاد متحركا و ساكنا.

حَسِيسَها الحسيس: الصّوت.

الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: النفخة الأخيرة.

ص: 99


1- المشهور في اللام أنها بمعنى:" في" و هو مذهب الكوفيين. و الصحيح أنها للتعليل أي: لأجل يوم القيامة.
2- الحدب: ما ارتفع من الأرض و الجمع: الحداب مأخوذ من حدبة الظهر.

كَطَيِّ السِّجِلِّ (1) السّجل: ملك يطوي كتب بني آدم، و فيه لغات: سجلّ بوزن عتلّ، و سجل بلفظ دلو، و سجل بوزن حبر، و قيل: هو الصحيفة كما يطوى الطومار للكتابة ليكتب فيه أو لما يكتب فيه.

ص: 100


1- السجل: الدلو، تقول: ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا و نزع دلوا، ثم استعمل اللفظ في المكاتبة و المراجعة ثم بني هذا الاسم على فعل مثل: طمر، و السّجلّ: الصحيفة التي يكتب فيها.

سورة الحج

تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ الذهول: الغفلة عن الأمر مع دهشة، و قيل: مرضعة، و لم يأت مرضع؛ لأن المرضعة صفة لمن هي في حال الإرضاع، و المرضع أعم، أي: لها ولد ترضعه، تقول: رضع يرضع رضاعا مثل: سمع، و أهل نجد يقولون: رضع يرضع مثل: ضرب يضرب ضربا.

كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ ابن السّكّيت: الحمل:- بفتح الحاء- كل ما كان في بطن أو على رأس شجرة، و الحمل- بالكسر-: كل ما كان على ظهر أو رأس، و يقال:

امرأة حامل و حاملة إذا كانت حبلى، فمن جعله حاملا خصه بالإناث، و من قال:

حاملة بناه على: حملت شيئا على ظهرها أو رأسها فهي حاملة لا غير، و لا يفتقر إلى الفرق هاهنا، لأن ما لا يكون للتذكير يستغنى فيه عن علامة التأنيث، قلت: و فيه نظر لأنهم يقولون: رجل أيّم و امرأة أيّم، و رجل عانس و امرأة عانس مع الاشتراك، و قالوا: امرأة مصيبة، و كلبة مجربة من غير اشتراك.

كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ البهيج: المشرق.

عَلى حَرْفٍ: على طرف من الدّين، لا في وسطه و قلبه، و هذا مثل لكونهم على قلق من دينهم، كالذي يكون على طرف من العسكر، إن لاحت له غنيمة قرّ، و إن لاحت له هزيمة فرّ.

لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ المولى: الناصر، و العشير: الصاحب.

فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ السبب هاهنا: الحبل، و الأمر بمعنى الخبر.

يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ: يذاب.

مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ المقامع: السّياط.

الْحَرِيقِ: العظيم من النار المنتشرة.

وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال جار اللّه: لا يراد به حال و لا استقبال و إنما يراد به استمرار الحال، كما تقول: فلان يحسن إلى الفقراء، و ينعش المضطرّ، و إنما يراد وجود الإحسان و النعشة في جميع أزمنته.

وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ مفعول" يرد" محذوف طلبا للتعميم، و المجروران في موضعي حالين، و التقدير: و من يرد فيه أمرا ما قاصدا بإلحاد و بظلم نذقه.

ص: 101

تَفَثَهُمْ التّفث: إزالة ما طال من الشارب و الظفر و الإبط و العانة.

بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: المعتوق من المكاره، و قيل: لم يملك، و قيل: لم يقدر عليه جبّار، فإن قيل: فالحجاج أقدم عليه بالمنجنيق، فالجواب: إنما قدم عليه متأولا بإخراج ما أدخله ابن الزبير من الكعبة، لكونه كان على عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم.

فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أي: بعيد.

الْمُخْبِتِينَ: الخاشعين، أخبت للّه: أي: تواضع و خشع.

وَ الْبُدْنَ: جمع بدنة، و هي ناقة أو بقرة تنحر بمنى، مأخوذة من البدانة:

و هي السّمن، قاله الجوهري، و قال جار اللّه: البدن جمع بدنة، سميت لعظم بدنها و هي الإبل خاصة؛ لأن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم ألحق البقر بالإبل، فقال: البدنة عن سبعة، و البقرة عن سبعة. فجعل البقر في حكم الإبل فصارت البدنة متناولة للجنسين شرعا، و أما لغة: فهي الإبل خاصة، و عليه تدل الآية.

صَوافَّ: صافات أيديهن و أرجلهن، و قرئ: صوافن، من صفون الفرس:

و هو أن تقوم على ثلاث و تنصب الرابعة على طرف سنبكه، لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث، و قرئ: صوافى (1): أي خوالص.

وَجَبَتْ جُنُوبُها أي: وقعت.

الْقانِعَ: السائل.

وَ الْمُعْتَرَّ: المتعرّض بغير سؤال.

صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ الصوامع: جمع صومعة، متعبّد الراهب، و بيع: جمع بيعة- بكسر الباء-: متعبد النصارى، و الصلوات: جمع صلاة و هي كنيسة اليهود، قيل: هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية: صلوتا.

إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ الأمنية: التلاوة، قال الشاعر:

تمنّى كتاب اللّه أوّل ليله تمنّى داود الزّبور على رسل

و قيل: التمني على بابه، فإن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم تمنى أن لا ينزّل اللّه عليه ما

ص: 102


1- و هي قراءة الحسن.

يقتضي تنفيرهم، و صارت الأمنية على خاطره تجري على لسانه على سبيل السهو من الشيطان عند قوله تعالى: وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى فقال الشيطان:" تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهم لترتجى" فأدركته العصمة، و لم يسمع من لفظه، و إنما الشيطان هو الذي أظهرها، و لمّا سجد سجد كلّ من في النادي لمّا سمعوا تعظيم آلهتهم.

ص: 103

سورة المؤمنون

سَبْعَ طَرائِقَ واحدها: طريقة، و المراد: السماوات، لأنه طورق بعضها فوق بعض، و كلّ شي ء فوقه مثله فهو طريقه، أو لأنها طرق الملائكة، أو لأنها طرائق الكواكب لوجود سيرها فيها.

طُورِ سَيْناءَ لا يخلو إما أن يضاف الطور إلى بقعة اسمها سينا أو سينين، و إما أن يكون اسما للجبل مركّبا، كامرئ القيس، قيل: هو جبل فلسطين، و قيل: بين مصر و أيلة، و منه نودي موسى.

وَ فارَ التَّنُّورُ: موضع الخبز، و قيل: كان تنور آدم عليه السلام، و كان من حجارة، قيل: كان بمسجد الكوفة على يمين الداخل، و قيل: بالشام بموضع يقال له:

عين وردة، و قيل: بالهند، و عن ابن عباس: وجه الأرض، و عن قتادة: أشرف مكان على وجه الأرض، و قيل: كناية عن طلوع الفجر، و قيل: مثل، كقولهم: حمي الوطيس، و القول هو الأول.

فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً الغثاء: حميل السّيل، و هو ما اسود من الورق و العيدان.

تَتْرا: فعلى، الألف للتأنيث، لأن الرّسل جماعة، و قرئ: تترى بالتنوين و الياء بدل من الواو، متواترين واحدا بعد واحد بمهلة بينهم، بخلاف التتابع فإنه لا مهلة فيه بل الثاني في عقب الآخر.

إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ الربوة مثلّثة الرّاء، و في بعض لغاتها رباوة مثلثة الراء أيضا، قيل: إيليا و هي بيت المقدس، و إنها كبد الأرض، و قيل: دمشق و غوطتها، و قيل: فلسطين، و القرار: المستوى من الأرض المستقر، و المعين: الماء الجاري و اختلف في ميمه هل أصلية أو زائدة؛ فوجه من جعلها زائدة جعله من عانه فهو معيون فوزنه مفعول، و من جعله فعيلا أخذه من الماعون لوجود المنفعة.

زُبُراً: جمع زبور أي: كتبا مختلفة.

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ أي: دعهم في جهالتهم كأنهم مغمورون فيها، كالمغمور في الماء.

ص: 104

عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ نكص: إذا رجع في حافرته (1).

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ (2) أي: مكذبين به.

سامِراً تَهْجُرُونَ أي: تسمرون بذكر القرآن و بالطعن فيه، و أصل السّمر:

ظلّ القمر، و جعل الحديث فيه سمرا من باب إطلاق المحل على الحال، قرئ: سمّرا و سمّارا. و كانوا يجتمعون حول البيت، تهجرون: تأتون بالهجر- بضم الهاء- و هو الكلام الفاحش، و الهجر: بفتح الهاء: الهذيان أيضا، و هجر يهجر إذا تكلم بالهذيان.

لَناكِبُونَ أي: مائلون، تقول: نكب زيد عن الطريق.

تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ قال الزجاج: اللّفح و النّفح واحد إلا أن اللّفح أشدّ تأثيرا، و الكلوح: أن تتقلص الشفتان، و تتشمر عن الأسنان، كما ترى الرءوس المشوية، و قرئ: كلحون.

قالَ اخْسَؤُا فِيها أي: ذلّوا فيها، و هو في الأصل: زجر للكلب، يقال:

خسأ الكلب، و خسأ بنفسه.

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً أي: لعبا.

وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ هذا لا مفهوم له، و جي ء به على وجه التأكيد، و حمل معترضه بين الشرط و الجزاء، كقولك: من أحسن إلى زيد- لا أحق بالإحسان منه- فاللّه مثيبه.

افتتح اللّه السورة بفلاح المؤمنين، و ختمها بعدم فلاح الكافرين و شتان ما بين الفلاحين.

ص: 105


1- يقال رجع فلان في حافرته أي: رجع من حيث جاء.
2- مستكبرين به أي: بالبيت الحرام.

سورة النور

سُورَةٌ أَنْزَلْناها السورة: القطعة من أسأرت، ترك همزها، و قيل: الدرجة من سور البناء، و من ذلك قول الشاعر:

أ لم تر أن اللّه أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

أي: درجة.

وَ فَرَضْناها قرئ مشددا و مخففا (1)، أي: فرضنا فيها الفرائض، و أصل الفرض: القطع، و الفرض يطلق على التقدير أيضا، و منه: فرض القاضي النفقة، و الفرض: الحزّ الذي يقع فيه الوتر، و الفرض: جنس من التمر ببلاد عمان و هو أجودها، قال شاعرهم:

إذا أكلت سمكا و فرضا ذهبت طولا و ذهبت عرضا

و سمي الفرض الذي أوجبه اللّه بذلك لأنه معالم و حدود، كأنها محزوزة مقدّرة، و الفرض: التّرس، و الفرض: القدح، و الفرض: العطية الموسومة، و فرضت للرجل و أفرضته إذا أعطيته.

الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي" الزنا" يمدّ و يقصر، و القصر لأهل الحجاز و المد لنجد.

و النسبة إلى المقصور زنوىّ، و إلى الممدود زناويّ، و زنّاه قال له: يا زاني. و زنأ بالهمز زنا و زنوءا إذا صعد الجبل، و زنأت من الخمسين زنأ: دنوت منها، و زنأ الظل قصر، و زنأت إليه زنوءا لجأت، و الزّناء بالفتح و المد- و لا قصر- من الإنسان و الظل، و يطلق على الضّيق و الحاقن، و في الحديث" نهى أن يصلي الرجل و هو زنّاء" و منه زنأ بوله زنوءا إذا احتقن.

فَاجْلِدُوا سمي الضرب جلدا لوقوعه على الجلد.

جاؤُ بِالْإِفْكِ الإفك: الكذب، و الأفيكة مثله، و الجمع: الأفائك، و الإفك بالفتح مصدر، قوله: أفكه يأفكه أفكا أي: قلبه عن الشي ء و صرفه، و منه قوله تعالى:

أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا، نزلت في قوم كذبوا على عائشة- رضي اللّه عنها- و هم عبد اللّه بن أبي بن سلول، و زيد بن رفاعة، و مسطح بن أثاثة، و حمنة بنت جحش.

ص: 106


1- قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالتشديد، و الباقون بالتخفيف.

وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ أي: يحلف، من الأليّة: و هي القسم، و الجمع: ألايا، و الفعل: آلى يؤلي إيلاء، و منه قول الشاعر:

قليل الألايا حافظ ليمينه و إن سبقت منه الأليّة برّت

و فيها لغات: الألوة و الإلوة و الألوة، و أما الألوّة بالتشديد: فهو العود القماري الذي يتبخّر به.

يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ الغض: الخفض، و الغض: الطّرىّ. و الأمر من غض عند الحجاز اغضض، و عند نجد غضّ، و الشاهدان على ذلك:" اغضض من صوتك"، و:

فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت و لا كلابا

و غض منه يغض إذا وضع و نقص من قدره.

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الزينة: ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرا منها كالخاتم و الخضاب فلا بأس بإبدائه إذا دعت الحاجة إليه لكشفه للأجانب لوجه شرعي، و أما ما كان خافيا كالسوار و الخلخال و الدملج و القلادة و الإكليل و الوشاح و القرط فلا تبديه إلا للمذكورين في الآية.

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ واحدها: أيّم، يطلق على الرجل و المرأة إذا لم يتزوجا.

فَكاتِبُوهُمْ (1) الكتاب و المكاتبة، مثل: العتاب و المعاتبة: و هو أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على ألف درهم مثلا فإن أديتها عتقتك، و كتبت على نفس بالوفاء بالعتق، و الأمر للندب عند عامة الفقهاء، و عند الحسن: الإباحة، و في رأي عمر بن الخطاب: عزمة من عزمات اللّه، و هو مذهب داود و عند أبي حنيفة: تجوز المكاتبة حالّة و مؤجلة و منجّمة و غير منجمة، و عند الشافعي: لا يجوز إلا منجما مؤجلا، و لا يجوز بنجم واحد لأن العبد لا يملك شيئا و أول مكاتب كوتب في الإسلام عبد لعمر بن الخطاب يكنى: أبا أمية، و سبب نزولها أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك

ص: 107


1- نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى، يقال له: صبيح، سأل مولاه أن يكاتبه، فأبى عليه. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار، و وهب له منها عشرين دينارا، فأداها.

فسأله العبد المكاتبة فامتنع فنزلت.

وَ آتُوهُمْ قيل: الضمير للمسلمين في إعطائهم نصيبهم من الزكاة فيكون الأمر للوجوب، و قيل الضمير عائد إلى الموالي.

عَلَى الْبِغاءِ البغاء: الزنا و هذه الآية لا مفهوم لها (1).

فإن الإكراه على ما لا يريده الشخص. و أما إذا أراده فلا إكراه و قول الأصوليين خرج مخرج الغالب بشي ء لأنه يفهم أنه له مفهوما.

كَمِشْكاةٍ المشكاة: الكوة التي ليست بنافذة بلغة الهند، و قيل: لغة الحبش و الكلام فيها كالكلام الذي جاء من الألفاظ الموافقة للغة العرب- كالفسطاط، و السجيل و الإستبرق و غير ذلك.

كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ منسوب إلى الدر، و دري ء من الدرء و هو الطلوع مفاجأة، و دري بغير همز منسوب إلى الدر.

كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ السراب قد تقدم، و القيعة: جمع قاع.

فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ: منسوب إلى اللجة و هي معظم الماء.

يُزْجِي سَحاباً أي: يسوق، و منه بضاعة مزجاة أي: لا يسوقها كل أحد لطلب الربح.

ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ يجمع بعضه إلى بعض.

يَجْعَلُهُ رُكاماً أي: متراكما بعضه فوق بعض.

الْوَدْقَ: المطر.

مِنْ خِلالِهِ: من فتوقه، جمع خلل، كجبل و جبال.

سَنا مقصور: النور، و ممدود: الشرف.

ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ العورة: سوأة الإنسان و كل ما يستحى منه، و العورة: كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب، و عورات الجبال: شقوقها.

ص: 108


1- لم يعتبر مفهوم المخالفة في قوله تعالى: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لأن الآية نزلت على حادثة واقعة، فعن جابر- رضي اللّه تعالى عنه- أن جارية لعبد اللّه بن أبي سلول يقال لها: مسيكة و أخرى يقال لها: أميمة كان يكرهها على الزنا فشكتا ذلك إلى رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم فنزلت. أخرجه مسلم و أبو داود.

مِنَ الظَّهِيرَةِ الظهيرة: وقت وضع الثياب للقيلولة.

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ القاعدة: التي قعدت عن الحيض و الولد لكبرها.

أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ يريد بالثياب: الملحفة و الجلباب.

غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ: التبرج: تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه، و المراد هاهنا أن تكشف المرأة للرجال زينتها و تظهر محاسنها.

يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً أي: ملاوذة أي: يتستر بعضهم ببعض، و فعله:

لاوذ يلاوذ ملاوذة و لواذا، و لو كان من لاذ لكان:" لياذا" فاعله.

ص: 109

سورة الفرقان

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ البركة: كثرة الخير و زيادته، و منه تبارك اللّه و فيه معنيان تزايد خيره و تكاثر، أو تزايد عن كل شي ء و تعالى عنه في صفاته و لم يستعمل في مخلوق قط. و الفرقان: مصدر، و سمي القرآن به لكونه فرق بين الحق و الباطل، أو لكونه لم ينزل جملة واحدة لكونه نزل مفروقا بين بعضه و بعض. و يؤيد ذلك قوله تبارك و تعالى:" و قرآنا فرقناه".

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً قال سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ اللّه، و حجرا: هذه مصادر منصوبة يتكلمون بها عند لقاء العدو، فيقول الرجل للرجل: أ تفعل كذا و كذا، فيقول: حجرا محجورا، و هو من حجره إذا منعه، و قيل: من كلام الملائكة يقولون للكفار إذا رأوهم: أي حراما محرما عليكم البشرى، أو الجنة أو الغفران.

فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الهباء: ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار يضرب مثلا في محقرات الأمور.

وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ الباء في الغمام بمعنى:" عن"، فإن قلت: ما الفرق بين قولك: انشقت الأرض بالنبات، و انشقت عن النبات؟، قلت: معنى انشقت به: إن اللّه شقها لطلوعه فانشقت به، و معنى انشقت عنه: أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه.

اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً يجوز أن يكون بمعنى الهجر، كالمقتول و المجلود.

جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً الخلفة: من الخلف، كالرّكبة من ركب، و هي الحالة التي يخلف فيها الليل و النهار كل واحد منهما يخلف الآخر.

يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قرئ بضم الهاء، و المعنى: هيّنون، يجوز أن يكون حالا، و يجوز أن يكون صفة للمشي، و التقدير: يمشون مشيا هيّنا.

ص: 110

سورة الشعراء

زَوْجٍ كَرِيمٍ أي: صنف مرضيّ كثير المنافع.

وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ: و هو قتل القبطي.

أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: اتخذتهم عبيدا، و ذهب قتادة و الأخفش و الفراء إلى أنه مقدر فيه استفهام، أي: أو تلك نعمة؟ على طريق الاستفهام، كقوله:

هذا رَبِّي [الأنعام: 76]، فَهُمُ الْخالِدُونَ [الأنبياء: 34]، و قال الضحاك: إن الكلام خرج مخرج التبكيت، و التبكيت يكون باستفهام و بغير استفهام، و المعنى: لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي، فأي نعمة لك علي؟!، فأنت تمن عليّ بما لا يجب أن تمن به، و أن عبدت في موضع رفع على البدل من" نعمة"، و يجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى: لأن عبدت بني إسرائيل؛ أي: اتخذتهم عبيدا، يقال: عبدته و أعبدته بمعنى.

ثُعْبانٌ مُبِينٌ: حية عظيمة.

وَ نَزَعَ يَدَهُ: أخرجها من جيبه.

فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ: ذات شعاع، قيل: لما رأى فرعون الآية الأولى قال: هل لك غيرها؟ فأخرج يده، فقال: ما هذه؟ فقال فرعون: يدك، فما فيها؟ .. فأدخلها في إبطه ثم نزعها و لها شعاع يكاد يغشى الأبصار و يسد الأفق.

قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ: أخّر أمرهما.

حاشِرِينَ: جامعين للسحرة.

لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ: و هو وقت الضحى من يوم الزينة؛ و كان يوم عيد لهم، و قيل: يوم سوق.

فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ: تبتلع.

لا ضَيْرَ أي: لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا، قال الجوهري:

ضاره يضوره و يضيره ضيرا و ضورا أي: ضرّه.

أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي: بأن كنا، ف" أن" في موضع نصب.

إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ: طائفة.

لَغائِظُونَ: فاعلون ما يغيظنا.

ص: 111

وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ: خائفون، و حاذرون: متأهبون، و قيل: حذرون:

متيقظون، و حاذرون: مستعدون.

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ: وقت شروق الشمس، أو مصادفين شروقها أي:

طلوعها.

إِنَّا لَمُدْرَكُونَ أي: قرب منا العدو، و لا طاقة لنا به، و قرئ: لمدّركون، من ادّرك، قال النحاس: مدركون: ملحقون، و مدّركون: مجتهد في لحاقهم، كما يقال: كسبت بمعنى: أصبت و ظفرت، و اكتسبت بمعنى: اجتهدت و طلبت، و هذا معنى قول سيبويه.

فَانْفَلَقَ: فانشق.

كَالطَّوْدِ: الجبل.

وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ: جمعناهم في البحر حتى غرقوا، و منه قيل لليلة المزدلفة: ليلة جمع، و قيل: أزلفناهم أي: قربناهم من البحر حتى أغرقناهم فيه.

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً: معرفة بك و بحدودك و أحكامك.

لِسانَ صِدْقٍ: ثناء حسنا، و الثناء الحسن: هو اجتماع الأمم عليه، و لقد أجاب اللّه دعوته، فكل أمة تتمسك به و تعظمه، و فيه دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [مريم: 96] أي: حبا في قلوب عباده و ثناء حسنا.

وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ: قرّبت و أدنيت.

فَكُبْكِبُوا: ألقوا، و الكبكبة: تكرير الكب و هو الإلقاء على الوجه، بتكرير معناه، و الأصل: كبّبوا، فأبدل الباء الوسطى كافا استثقالا لاجتماع الباءات.

الْأَرْذَلُونَ: أهل الضّعة و الخساسة، و قيل: السّفلة كالحاكة و الأساكفة، و المعنى: فقراء الناس و ضعفاؤهم، و إنما بادروا للاتباع قبل غيرهم لصعوبة انقياد الأغنياء لاستيلاء الرئاسة عليهم و الأنفة عن الانقياد للغير.

فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً: احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا، أي:

أنزل العقوبة و الهلاك بهم، بدليل قوله:" و نجني" أي: مما ينزل بهم، و الفتاحة أي:

الحكومة و الفتّاح: الحاكم، سمي به لفتحه المغلق من الأمور.

ص: 112

رِيعٍ: ما ارتفع من الأرض، جمع ريعة، و الريع: الطريق، و المعنى الإجمالي للآية و اللّه أعلم: أ تبنون بكل طريق بنيانا تجعلونه مكانا للهو و اللعب، و تسمونه استراحة، و أنتم تعملون به أعمالا تعرضكم لسخط الرب، تعبثون بالمارة، و قيل: هو عبث العشّارين بأموال من يمر بهم.

مَصانِعَ: حصونا مشيدة، و قال أبو عبيدة: يقال لكل بناء: مصنعة، و هي بلغة اليمن القصور العالية.

بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ البطش: العسف قتلا بالسيف و ضربا بالسوط.

طَلْعُها هَضِيمٌ الطّلعة: هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف في جوفها شماريخ القنو؛ و القنو: اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه و شماريخه، و الهضيم:

اللطيف الرقيق، و قيل: هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر.

وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ فرهين (1): فرحين بطرين، و قرئ: فارهين أي: حاذقين، و الفره: شدة الفرح أو المرح.

مِنَ الْمُسَحَّرِينَ: من المخلوقين المعللين بالطعام و الشراب، و هو من السّحر و هو الرئة، أي: رئة تأكل و تشرب مثلنا، قال (2):

و نسحر بالطعام و بالشراب

و قيل: هو من السّحر، أي: أصبت بالسحر فبطل عقلك، و لو كان من السّحر- كما قيل- لما كان للجملة التي بعد هذه الجملة فائدة، لأن التأسيس مقدم على التأكيد.

الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ و قرئ بضم الجيم (3): الخلق.

فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ يروى أنه حبس عنهم الريح سبعا، و سلط عليهم الرمد فأخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة فاستروحوا بنسيمها

ص: 113


1- قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و أبو جعفر و يعقوب: فرهين، و الباقون و هم ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف: فارهين.
2- امرؤ القيس، و هو عجز بيت صدره: أرانا موضعين لأمر غيب
3- لم يقرأ أحد بضم الجيم و كسر الباء، و إنما قراءة الحسن بضم الجيم و الباء.

و بردها فأذن بعضهم بعضا بالاجتماع فلما تكاملوا تحتها أمطرت عليهم نارا فاحترقوا.

روي أن شعيبا بعث إلى أمّتين: مدين و أصحاب الأيكة، فأهلكت مدين بصيحة جبريل عليه السلام، و أصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة.

وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ قيل: معاني القرآن، و قيل: الضمير للنبي صلّى الله عليه و سلم، و قيل:

التوحيد و العبادة، و قيل: ذكر شرفها، و قيل: وصف دينه و أمته، زبر الأولين: كتب الأنبياء عليهم السلام.

فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ الهيمان: الذهاب على الوجه.

ص: 114

سورة النمل

يَعْمَهُونَ: يتحيرون، و العمه: التحير، و دخل أعرابي السوق و لم يكن يراها فقال: ما بال الناس يعمهون يترددون كالحائرين.

لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ: لتؤتاه.

إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ: يروى لم يكن معه غير امرأته، و لما كنى اللّه عنها بالأهل: ورد الخطاب على لفظ الجمع و هو قوله: امكثوا.

بِشِهابٍ قَبَسٍ: الشهاب: الشعلة الساطعة، و إن فلانا لشهاب حرب إذا كان ماضيا فيها و الجمع: شهب و شهبان .. عن الأخفش، و الشهاب: اللبن الضياح، و هو اللبن الرقيق الممزوج و القبس: النار المقبوسة.

وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ: أي ثبتت في ضمائرهم، و الاستيقان أبلغ من الإيقان.

وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ: النبوة و الملك دون سائر بنيه، و كانوا سبعة عشر.

يُوزَعُونَ: يحبس أولهم على آخرهم، و الوزوع: الذي يتقدم الصف فيصلحه و يقدم و يؤخر، و لا بد للناس من وزوع أي: من سلطان يكفهم يقال:

وزعت الجيش إذا حبست أوله على آخره، و إنما سموا الكلب وازعا لأنه كف الذئب عن الغنم.

حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ الأصل في النمل: النّمل مثال الرجل لكن الاستعمال اعتمد التخفيف كقولهم: السّبع و السّبع. و قرئ يا أيتها النمل بضم الميم و فتح النون و النملة التي نسب القول إليها اختلف في اسمها فقيل: كان اسمها مندر و قيل: طاخية و كانت عرجاء- و التاء فيها للتأنيث، و ليست بالتاء التي يفرق فيها بين الواحد و جنسه فإن النملة تطلق على الذكر و الأنثى، و مثل الحمامة و الحية و البقرة و الشاة، و الدليل على أنها للتأنيث لا للفرق قوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ [النمل- 18] و لو كان ذكرا لقال: قال نملة، أ لا ترى أنهم يقولون: حمامة ذكر و حمامة أنثى.

أَوْزِعْنِي أي: ألهمنى.

بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أي: بحجة واضحة.

وَ لَها عَرْشٌ عَظِيمٌ: العرش: السرير، و قيل: مختص بسرير الملك و كان

ص: 115

مرصعا بالجواهر طوله ثلاثون ذراعا، و ارتفاعه ثلاثون، عليه سبعة أبواب.

يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ: ما خبّئ و كذلك الخبي ء على فعيل، و خب ء السماوات القطر و خب ء الأرض: النبات.

لا قِبَلَ لَهُمْ بِها أي: لا طاقة و حقيقة المقابلة أي: لا قدرة لهم على مقاتلتها.

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ أي: القصر، و كل بناء عال صرح، و الصرح: متن الأرض.

فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ: أعاد الضمير بصيغة الجمع نظرا إلى أن الفريق جمع.

أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ: بمعنى تعلمون.

حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ البهجة: المنظر الشريق.

رَدِفَ لَكُمْ أي: دنا و قرب. و معناه: تبعكم و لذلك ضمن معنى دنا فعدي باللام و تعديته إنما هو بمن كقول من قال:

فلما ردفنا من عمير و صحبه تولوا سراعا و المنية تعنق

يعني: دنونا من عمير.

ص: 116

سورة القصص

وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً: أتباعا لما يريده أو تشيع بعضهم بعضا في طاعته أو فرقا مختلفة في خدمته.

وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي: فإن قيل: ما الفرق بين الخوف و الحزن؟ قلت:

الفرق بينهما أن الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع. و الحزن غم يلحقه لواقع. يروى أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد.

لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً: هذه اللام في الحقيقة لام التعليل؛ لكن الالتقاط لم يكن للعداوة و الحزن كما هو المعروف و إنما ينتجه الحال ولدت معنى هو أن العاقبة آلت إلى ذلك، و أهل المعاني يسمونها لام العاقبة و لام الصيرورة.

وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً أي: لا عقل فيه كقوله تعالى: وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ و قرئ فرغا أي: هدرا كما تقول: دماؤهم بينهم فرغ أي: هدر.

قُصِّيهِ أي: تتبعي أمره.

عَنْ جُنُبٍ أي: عن بعد إلى أمه. يقال: إن اسم أم موسى مريم.

وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ: جمع مرضع: و هي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع و هو موضع الرضاع يعني: الثدي.

وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ النصح: إخلاص العمل من شائب الفساد.

فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ الوكز: الدفع بأطراف الأصابع، و قيل: بجميع الكف و قرأ ابن مسعود: فلكزه، فقضى عليه: قتله.

يَأْتَمِرُونَ بِكَ: يتشاورون، لأن الائتمار التشاور، يقال: الرجلان يتآمرون و يأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشي ء أو يشير عليه بشي ء.

تِلْقاءَ مَدْيَنَ تلقاء الشي ء: قصده و نحوه، و جلس تلقاءه أي: حذاءه؛ و هو أحد المصادر التي جاءت على تفعال. و مدين: اسم مدينة شعيب عليه السلام سميت بمدين بن إبراهيم.

تَذُودانِ أي: تطردان؛ و الذود: الطرد، و الذود: العشرة من الإبل.

تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ: من أجرته إذا كنت له أجيرا مثل: أبوته إذا كنت له أبا و من آجرته إذا آتيته إياه، و منه تعزية الرسول صلّى الله عليه و سلم آجركم اللّه.

ص: 117

الجذوة:- مثلثة الجيم- العود الغليظ، أو الجذمة: و هي القطعة الغليظة من الخشب كان في طرفها نار أو لم يكن و هذا رأي أبي عبيدة. و غيره يقول الجمرة.

و ينشد على الرأي الأول (1):

باتت خواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار و لا دعر

و على الثاني:

و ألقى على قيس من النار جذوة شديدا عليه حرّها و التهابها

الْبُقْعَةِ: بالضم و الفتح المكان.

مِنَ الرَّهْبِ: بفتحتين و ضمتين و فتح و سكون- الخوف.

وَ لَقَدْ وَصَّلْنا: قرئ مثقلا و مخففا (2) و معناه أن القرآن أتاهم متتابعا بعضه في أثر بعض.

سَرْمَداً: دائما.

مَفاتِحَهُ واحده: مفتح بكسر الميم و القياس فتحها، و قيل: المراد الخزائن.

لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ: تقول ناء به الحمل أي: أثقله حتى أماله، و ناء به: نهض به و هو من الأضداد. و ذهب قوم إلى أنه من القلب، و ردّ ذلك بأن الباء فيه للتعدية كما يقال: ذهب به و أذهبه و عليه قول الشاعر:

تنوء بأخراها فلأيا قيامها و تمشي الهوينى عن قريب فتبهر

ص: 118


1- البيت ل تميم بن مقبل.
2- التخفيف قراءة الحسن.

سورة العنكبوت

الم أَ حَسِبَ النَّاسُ الحسبان: الظن تقول: حسب يحسب و يحسب.

وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ الإفتان: الاختبار، تقول فتنت الدينار إذا اختبرته.

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ الوصية: الأمر هاهنا.

فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ النادي: مجلس القوم و لا يقال له: ناد إلا إذا كان فيه الناس، و يقال: نديّ و منتدى، و الندوة، و يقال: ندوت إذا حضرت النادي و انتديت، و الجمع: أندية و المنكر عن ابن عباس (1): الحذف بالحصى و الرمي بالبنادق و الفرقعة و مضغ العلك و السواك بين الناس و حلّ الإزار و السباب و الفحش في المزاح. و عن عائشة: كانوا يتضارطون و قيل: السخرية بمن مر بهم، و قيل: المجاهرة في ناديهم بذلك العمل.

وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً الذرع: الطاقة، و قد جعلت العرب ضيق الذراع عبارة عن فقد الطاقة، كما قالوا: رحب الذراع بكذا إذا كان مطيقا له.

رِجْزاً: الرجز و الرجس: العذاب؛ من قولهم: ارتجز البعير و ارتجس إذا اضطرب لما يلحق المعذب من القلق.

وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ قيل الرجا هاهنا بمعنى: الخوف.

فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ: الرجفة: الزلزلة.

وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ: ممكّنين من النظر و الافتكار أو على بصيرة من الأمر لأن اللّه تعالى قد بيّن لهم على ألسنة الرسل.

سابِقِينَ: فائتين (2).

وَ كَأَيِّنْ: بمعنى كم موضوعة للتكثير.

وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أي: الحياة.

ص: 119


1- قالت أم هانئ: سألت رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم عن قول اللّه عز و جل: تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال:" كانوا يخذفون من يمر بهم و يسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه" رواه أحمد و الحاكم و صححه الترمذي و ابن أبي الدنيا في الصمت.
2- هذا أرجح أقوال أهل العلم في معنى: سابقين.

سورة الروم

فِي أَدْنَى الْأَرْضِ و أدنى الأرض أي: أقربها و يريد بالأرض أطراف الشام؛ لأنها أدنى أرض الروم إلى فارس، قيل: احتربت الروم و فارس بين أذرعات و بصرى فغلبت فارس الروم، و أخبر اللّه تعالى أنه من بعد غلبهم سيغلبون.

وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ: الغلب و الغلب مثل: الحلب و الحلب.

يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ: الإبلاس: الاكتئاب و الحزن، يقال: أبلس إذا سكت، و أبلست الناقة إذا لم ترع من شدة الضبعة.

فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ: يسرون؛ و الحبور: السرور. يقال: حبره إذا سره سرورا تهلل له وجهه و ظهر له أثره.

حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ: أفعال تامة و معناها: الدخول في المساء و الصباح و كذا تظهرون: تدخلون في الظهيرة. و هي استواء الشمس في كبد السماء.

وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ: الألسنة هاهنا اللغات أو أجناس النطق و أشكاله بحيث لا يسمع منطقان متفقان في همس واحد و لا جهارة و لا رخاوة و لا فصاحة و لا لكنه و كذلك الصور و تخطيطها و ألوانها- و لو اتفقت اتفاقا كليا لوقع الالتباس و لتعطلت مصالح كثيرة.

وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ: المنام و النوم واحد، و المنامة: ثوب ينام فيه.

وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ: أهون هاهنا بمعنى هين و هو اسم فاعل لا من صيغ التفضيل.

فِطْرَتَ اللَّهِ: الفطرة: الخلقة، و قد فطره يفطره بالضم فطرا، و الفطر أيضا الشق و الفطر: الابتداء و الاختراع، و الفطر: حلب الناقة بالسبابة و الإبهام.

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ الإنابة: الرجوع.

فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ: الإضعاف من الحسنات، و نظير المضعف:

القوي.

فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ التمهيد: التوطئة بمعنى: يوطئون. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 120

سورة لقمان

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اللهو: كل باطل ألهى عن الخير نحو:

السمر بالأساطير، و التحدث بالخرافات، و الغناء، و تعلم الموسيقى. نزلت في النضر بن الحارث؛ و كان يتجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا و يقول لهم: إن كان محمد يحدثكم عن عاد و ثمود، فأنا أحدثكم بحديث رستم و بهرام و الأكاسرة و ملوك الحيرة، فيستملحون حديثه و يتركون استماع القرآن (1).

كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً: الوقر بالفتح الثقل و بالكسر الحمل و أكثر ما تستعمل في البغل و الحمار و الوسق في حمل البعير.

بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها: يجوز أن تكون الجملة و هي: ترونها مستأنفة فلا محل لها من الإعراب و يكون استشهادا برؤيتهم لها غير معمودة، و يحتمل أن تكون صفة للعمد و يكون التقدير بغير عمد مرئية و المعنى: أنه عمدها بعمد لا ترى. و هي إمساكها بقدرته.

وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ: اختلف فيه (2)، فقيل: نبي، و قيل: حكيم و قيل: هو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب عليه السلام أو ابن خالته، و قيل: من أولاد آزر، و عاش ألف سنة و أدرك داود عليه السلام، و قيل: كان راعيا أسود يحتطب لمولاه، و قيل كان يفتي قبل ظهور داود فلما ظهر امتنع من الفتوى.

إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ: الضمير راجع إلى الإشارة. و الإحسان من الولد إلى الوالد قرئ برفعها و نصبها و أنث المثقال لإضافته إلى الحبة كما قالوا. كما شرقت صدر القناة من الدم.

ص: 121


1- أخرج ابن أبي شيبة و الحاكم و صححه و البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الصهباء قال: سألت عبد اللّه بن مسعود عن قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال: هو و اللّه الغناء، و سئل ابن عباس عن لهو الحديث فقال: هو الغناء و أشباهه.
2- ورد عن ابن عباس- رضي اللّه تعالى عنهما- أنه كان راعيا، و أكثر أهل العلم على أنه كان في زمن داود عليه السلام و لم يكن نبيا و كان حبشيا روي ذلك عن ابن عباس و مجاهد و أخرج ذلك ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا.

وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ التصعير: التمييل للخد، و الصّعر و الصّيد داء يلوى منه العنق، ثم استعير لمن يفعل ذلك تكبرا.

وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً المرح: شدة الفرح و النشاط. و قد مرح بالكسر فهو مرح و مريح بالتشديد.

كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ المختال: الذي به الخيلاء، و هو العجب و الكبرياء.

بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى: تقدم في البقرة.

كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ الختر: الغدر يقال: ختره فهو ختار.

ص: 122

سورة السجدة

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: التدبير في الأمر (1): أن ينظر فيما يؤول إليه عاقبته.

ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ: عرج في الدرجة يعرج بالضم عروجا أي: ارتقى، و عرج أيضا إذا أصابه شي ء في رجله فخمع و مشى مشية العرجان و ليس بخلقة؛ فإن كان خلقه قلت عرج بالكسر يعرج عرجا، و العرجان: مشية الأعرج.

تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ: التجافي: الارتفاع. و المضاجع: جمع مضجع و هو ما ينام عليه كالفرش و غيرها من مواضع النوم.

إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ: تقدم ذكره في الكهف.

ص: 123


1- قال ابن عباس: ينزل القضاء و القدر.

سورة الأحزاب

زاغَتِ الْأَبْصارُ زاغ البصر أي: مال و كلّ" و زاغ عن الطريق": مال، و زاغت الشمس: مالت.

وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ (1): جمع حنجرة و فيه لغة حنجور و هو الحلقوم.

يا أَهْلَ يَثْرِبَ: اسم المدينة، و قيل: أرض وقعت المدينة فيها؛ و أما يثرب فاسم مكان كان للعمالقة.

إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ: أي ذات خلل .. يقال: عور المكان عورا إذا بدا فيه خلل يخاف منه.

هَلُمَّ إِلَيْنا: هلم اسم فعل بمعنى: تعال. الخليل. أصله: لمّ من قولهم: لمّ اللّه شعثه أي: جمعه، كأنه أراد لمّ نفسك إلينا و الهاء للتنبيه و إنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال و جعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد و الجمع و التأنيث في لغة أهل الحجاز لقوله تعالى:" و القائلين لإخوانهم هلم إلينا" و أهل نجد يصرفونها فيقولون:

هلم و هلما و هلموا و هلممن و هلمّي، و الأول أفصح. و قد تدخل عليه النون الثقيلة فتقول: هلمنّ، و للمرأة هلمن بكسر الميم، و هلمّان للمؤنث و المذكر جميعا و هلمّنّ يا رجال بضم الميم و هلممنان يا نسوة.

سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي: بالغوا في إيذائكم، و منه خطيب مسلق و سلقت البقل و البيض إذا أنضجتهما.

أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ: فيها لغتان أسوة (2)، إسوة مثل: قدوة و قدوة. و هو ما يتأسى به أي: يقتدى به يقال:" لا تأتس بمن ليس لك بأسوة" و تأسى به تعزى.

قَضى نَحْبَهُ النحب: النذر، و النحب: الوقت، و النحب: الموت و قضى نحبه أي: مات.

وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ: كفى على قسمين تارة بمعنى: حسب فتدخل الباء زائدة على فاعلها و مفعولها كقوله تعالى: وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً و كقول الشاعر:

و كفى بنا فضلا على من غيرنا حب النبي محمد إيانا

ص: 124


1- بلغت القلوب الحناجر: أي خافت خوفا شديدا.
2- قرأ عاصم أسوة و الباقون إسوة.

و القسم الثاني بمعنى: وقى كالآية.

مِنْ صَياصِيهِمْ: من حصونهم، و الصياصي: قرون البقر، و الصيصة أيضا:

شوكة الديك، و الشوكة التي يصلح بها الحائك السّداة و اللّحمة.

وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: هي القديمة، و يقال لها: الجاهلية الجهلاء؛ و هو الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام. كانت المرأة تلبس الدرع اللؤلؤ و تمشي وسط الطريق لتعرض نفسها، و قيل: ما بين آدم و نوح. و قيل: بين إدريس و نوح، و قيل: زمن داود و سليمان و الجاهلية الأخرى ما بين عيسى و محمد صلى اللّه عليهما و سلم. و يجوز أن الجاهلية جاهلية الكفر قبل الإسلام، و الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام. و كأن المعنى" لا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام شبه جاهلية الكفر" و يعضده ما روي عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه قال لأبي الدرداء" إن فيك جاهلية" فقال جاهلية كفر أو جاهلية إسلام فقال: بل جاهلية كفر".

وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ قرئ: خاتم بفتح التاء و كسرها؛ فمن فتح أراد: الطابع بفتح الباء و من كسر أراد: الطابع بكسرها و هو الفاعل.

تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ: قرئ بهمز و بغير همز أي: تؤخر.

وَ تُؤْوِي أي: تضم و المعنى تمسك من تشاء و تطلق من تشاء.

وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ: أمره اللّه تعالى بالاقتصار عليهن و هن اللواتي مات عنهن: عائشة بنت أبي بكر، و حفصة بنت عمر، و أم حبيبة بنت أبي سفيان، و سودة بنت زمعة، و أم سلمة بنت أبي أمية، و صفية بنت حييّ، و ميمونة بنت الحارث الهلالية، و زينب بنت جحش الأسدية، و جويرية بنت الحارث المصطلقية.

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ تقول: أنى الشي ء يأني أنى أي: حان و أدرك. و في الحاشية و أناه يؤنيه أنيا: حبسه و أخره. و يقال أنى الحميم: انتهى حره و منه حميم آن و الاسم منه الأناء على فعال بالفتح، و قيل وقته، و قيل: هؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام النبي صلّى الله عليه و سلم عند نضجه.

أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ أي: أجدر و أولى.

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ الأمانة: الطاعة و الانقياد لأوامر اللّه تعالى و نواهيه.

ص: 125

سورة سبأ

لا يَعْزُبُ عَنْهُ أي: يبعد. من قولهم: روض عزيب أي: بعيد من الناس.

مِثْقالُ ذَرَّةٍ: مقداره زنة نملة.

سابِغاتٍ السابغات: الدروع واحدها: سابغة.

وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد: نسج الدروع. و التقدير: أن تكون المسامير نسبة الدرع لا غلاظا بصنعها و لا دقاقا.

وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ القطر: النحاس المذاب.

مَحارِيبَ: المجالس المصونة، و تطلق المحاريب على غابات الأسد. و قيل:

الغرفة العالية في البيت واحدها: محراب لأنه يحارب عنها، و سمي محراب المسجد محرابا لأن الإمام يحارب السلطان فيه.

وَ تَماثِيلَ: يعني صور الملائكة و النبيين و الصالحين كانت تعمل في المساجد من نحاس و زجاج و رخام ليراها الناس.

وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ الجوابى: الحياض الكبار. قال الشاعر (1)

تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق

و اشتقاق المادة من جبا الماء في الحوض إذا اجتمع. قيل: كان يقعد على الجفنة ألف رجل، و قرئ بحذف الياء اكتفاء بالكسرة (2).

راسِياتٍ: لا تنزل عن الأثافى (3).

دَابَّةُ الْأَرْضِ: الأرضة (4)، و هي التي يقال لها: السرفة.

مِنْسَأَتَهُ أي: عصاه لأنه ينسأ بها أي: يطرد بها.

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ: اختلف في العرم فقيل: الوادي، و قيل العرم

ص: 126


1- البيت للأعشى من قصيدة له مدح بها المحلق.
2- قرأ بإثبات الياء وصلا ورش و أبو عمرو، و قرأ بإثباتها في الحالين ابن كثير و يعقوب، و قرأ قالون و ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف و أبو جعفر بحذفها في الحالين.
3- راسيات أي: ثابتات على الأثافي.
4- الأرضة: دويبة صغيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة.

جمع عرمة و هي الحجارة المركومة و المراد المسنّاة (1) التي عقدوها سكرا (2)، و قيل العرم: المطر الشديد. و قيل العرم الجرذ الذي نقب السد و قرئ العرم بسكون الراء (3).

خَمْطٍ وَ أَثْلٍ: نبتان تأكلهما البهائم، و السدر: العسل و قيل الخمط:

شجر الأراك، و قيل: كل شجر ذي شوك.

الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها: هي قرى الشام.

وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ مزقت الشي ء أمزقه مزقا: خرقته، و مزقته تمزيقا إذا قطعته و مزقته، و الممزق كالتمزيق.

وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أنى بمعنى: كيف، و التناوش: التناول قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه: ناشه ينوشه نوشا و منه المناوشة في القتال، و رجل نئوش أي: ذو بطش، و الانتياش مثل التناوش. و معنى الآية أي: أنى لهم تناول الإيمان في الآخرة و قد كفروا به في الدنيا. و لك أن تهمز الواو و قرئ بهما (4)، و قيل التناوش تناول لسهولة الشي ء القريب.

ص: 127


1- المسناة: الجسر، و قال الهروي: الضفيرة تبنى للسيل ترده سميت مسناة لأن فيها مفاتح الماء.
2- السّكر: كل شي ء حاجز بين شيئين.
3- قراءة عروة بن الورد.
4- قرأ أبو عمرو و شعبة و حمزة و الكسائي و خلف: التناؤش، و الباقون بلا همز.

سورة الملائكة" فاطر"

هذا عَذْبٌ فُراتٌ الفرات: الماء العذب الذي يكسر العطش، يقال: ماء فرات و مياه فرات، اسم نهر الكوفة، و الفراتان الفرات و دجيل.

سائِغٌ شَرابُهُ السائغ: السهل الانحدار لعذوبته.

وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ الأجاج: الذي يحرق بملوحته.

حِلْيَةً تَلْبَسُونَها: يريد به اللؤلؤ.

ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ: لفافة النواة و هي القشرة الرقيقة الملتفة عليها.

وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ واحدها: جدّة و هي الطريقة.

بِيضٌ وَ حُمْرٌ أي: ألوانها مختلفة تخالف لون الجبل و منه قولهم:" كساء مجدد" إذا كانت ألوانه مختلفة، و يقال للحمار الذي في ظهره خط فخالف للونه جدّة.

وَ غَرابِيبُ سُودٌ التقدير: سود غرابيب، و أضمر المؤكد لدلالة الثاني عليه و هي سود المتأخرة؛ لأن القاعدة في كلامهم من حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولهم: أصفر فاقع، و أبيض يقق، و أسود حالك، و أحمر قاني، و نظيره قول الشاعر:

و المؤمن العائدات الطير و التقدير و المؤمن الطير العائدات.

و يفعل ذلك لزيادة التأكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار و الإضمار جميعا.

وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ اللغوب: التعب. لغب يلغب بالضم لغوبا، و لغب بالكسر يلغب لغبة، و رجل لغب بالتسكين: ضعيف بيّن اللغابة.

ص: 128

سورة يس

فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ الأذقان جمع ذقن و هو مجتمع اللحيين، و الأقماح: رفع الرأس و غض البصر يقال: أقمحه الغلّ إذا ترك رأسه مرفوعا من ضيقه.

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ: اضرب هاهنا بمعنى بيّن وصف.

فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ أي: قوينا، يقال المطر يعزز الأرض: إذا لبدها و شددها و تعزز لحم الناقة، و قرئ بالتخفيف (1) من: عزه يعزه إذا غلبه، أي: فغلبنا و قهرنا بثالث و هو شمعون.

إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ: أي تشاء منا بكم، و عادة الجهال أن يتيمنوا بما يميلون إليه و يتشاءموا بما تنفر طباعهم عنه و ذلك أنهم كرهوا دينهم و نفروا عنه.

قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ: و قرئ طيركم، أي: سبب شؤمكم معكم.

وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى: هو حبيب بن إسرائيل النجار؛ و كان ينحت الأصنام و هو ممن آمن برسول اللّه صلّى الله عليه و سلم كما آمن به تبّع الأكبر و ورقة بن نوفل.

نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ: سلخت جلد الشاة أسلخ و أسلخ سلخا: إذا أظهرته عن اللحم و سلخت المرأة: إذا نزعت درعها، استعير لإزالة الضوء و كشفه.

كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ العرجون: أصل العذق الذي يعوجّ و يبقى على أصل النخلة يابسا، و الغرض من تشبيه الهلال به اصفراره و دقته و انحناؤه، و الغرض تشبيه الهيئة بالهيئة و وزنه فعلول عند الأكثر و عند الفراء فعلون اشتقه من الانعراج.

و القديم: المحول، و قيل: أقل مدة الموصوف بالقدم الحول. فعلى هذا لو قال كل عبد لي قديم فهو حر عتق من مضى عليه حول.

فَلا صَرِيخَ لَهُمْ الصريخ: صوت المستصرخ، و الصريخ: الصارخ أيضا.

وَ هُمْ يَخِصِّمُونَ يقال: خصمت فلانا فخصمته أخصمه بالكسر و لا يقال بالضم و هو شاذ في الاستعمال، و قرئ يخصمون أراد: يختصمون، و الخصم بكسر

ص: 129


1- قرأ شعبة عن عاصم بالتخفيف، و الباقون بالتشديد.

الصاد الشديد الخصومة و الخصم بالضم.

وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ الصور: القرن، قال الكلبي: ما أدري ما الصور، و قال غيره: هو جمع صورة مثل: بسرة و بسر أي: ينفخ في صور الموتى الأرواح، و الصور لغة فيها.

مِنَ الْأَجْداثِ: جمع جدث و هو القبر، و قرئ بالفاء؛ لأن العرب تبدل الفاء ثاء و الثاء فاء فقالوا: ثوم و فوم.

يَنْسِلُونَ يعدون أي: يخرج بعضهم إثر بعض. من نسل الثوب، قرئ بضم السين و كسرها.

وَ امْتازُوا الْيَوْمَ يقال: مازه و انماز و امتاز أي: اعتزلوا عن كل خير.

جِبِلًّا كَثِيراً: قرئ بضمتين، و ضمة و سكون، و ضمتين و تشديدة، و كسرتين (1)، و كسرة (2) و سكون و كسرتين و تشديدة. و هذه لغات في معنى الخلق.

مُضِيًّا: قرأ بالحركات الثلاث.

رَكُوبُهُمْ: و ركوبهم كالحلوب و الحلوبة، و قيل: الركوبة جمع. و قرئ ركوبهم أي: ذو ركوبهم.

وَ هِيَ رَمِيمٌ: اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرّمة و الرّفات.

مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً: من أمثالهم:" في كل شجر نار" و استمجد المرخ و العفار يقطع الرجل منهما غصنين مثل: السواكين و هما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ و هو ذكر على العفار و هو أنثى فتنقدح النار، و عن العرب" كل شجرة فيها نار إلا العنّاب" و لذلك تتخذ منه مدقّات القصارين.

ص: 130


1- قرأ جبلا: بضمتين: ابن كثير و حمزة و الكسائي، و رويس، و خلف، و جبلا: بكسرتين: نافع و عاصم و أبو جعفر. و جبلا: أبو عمرو، و ابن عامر، و جبلّا: روح.
2- جبلا: قراءة شاذة، محكية عن حماد بن سلمة.

سورة الصافات

وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا: الملائكة صافّة أقدامها في العبادة و أجنحتها في الهواء.

فَالزَّاجِراتِ زَجْراً: السحاب، الملائكة، و التاليات: مثله.

وَ رَبُّ الْمَشارِقِ: لأن الشمس لها ثلاثمائة و ستون مشرقا و كذلك المغارب، و لا تطلع و لا تغرب في واحد يومين.

بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ الزينة: اسم يزان به كالليقة اسم لما يلاق به.

مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ المارد: الخارج عن الطاعة.

دُحُوراً الدحور: الطرد. و قرئ بفتح الدال على أنه جاء مجي ء القبول و الولوع.

مِنْ طِينٍ لازِبٍ اللازب: اللاصق.

وَ أَنْتُمْ داخِرُونَ أي: صاغرون.

زَجْرَةٌ واحِدَةٌ الزجرة: الصيحة، منه زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها قال الراجز:

زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم

أبو عروة هذا هو العباس بن عبد المطلب و كان صيّتا.

وَ أَزْواجَهُمْ: نظراؤهم و أقرانهم.

لا فِيها غَوْلٌ: الغول من غاله يغوله غولا: إذا أهلكه، و من الغول التي كانت في تكاذيب العرب. و من أمثالهم" الغضب غول الحلم".

يُنْزَفُونَ: من نزف الشارب إذا ذهب عقله، و يقال للمطعون: نزف فمات إذا خرج دمه كله، و أنزف القوم: إذا فرغ شرابهم، و نزفت القوم: فرّغت شربهم، و مثله أقشع السحاب و قشعته الريح. و المعنى:" ليس في خمر الآخرة فساد من أنواع الفساد كالمغص و الخمار و الصداع و العربدة و اللغو و التأثيم و غير ذلك".

قاصِراتُ الطَّرْفِ: قصرت أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن غيرهم.

عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ العين: ذوات الأعين النّجل، و البيض المكنون:

بيض النعام في الأداحي التي تبيض فيها، و لونها بياض بصفرة و هو أحسن الألوان.

أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا النزل: الرزق المهيّأ للنازل بالمكان.

ص: 131

الزَّقُّومِ: شجر منتن مر يقال لحمله (1).

رُؤُسُ الشَّياطِينِ: ينبت بتهامة، و قيل الزقوم: طعام الجاهلية فيه تمر و زبد و الزقم: أكله. قال ابن عباس لما أنزل اللّه تعالى إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ [الدخان:

43] قال أبو جهل" الزبد بالتمر" فأنزل اللّه تعالى إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.

عَلَيْها لَشَوْباً (2): قرئ بالضم و الفتح، و هو اسم ما تشاب به أي:

تخلط.

و الحميم: الحار.

يُهْرَعُونَ: هرع الرجل يهرع إذا أسرع، و المهروع: المجنون الذي يصرع، و أهرع الرجل إذا كان يرعد من غضب أو حمى أو فزع أو غير ذلك.

فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ راغ الثعلب يروغ روغا، و الاسم: الرواغ إذا ذهب في خفية.

فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الجحيم: النار الشديدة الوقود، و قيل: كل نار على نار و جمر على جمر.

فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ فلما أسلما: أخلصا من التسليم، و تله: صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض.

أَ تَدْعُونَ بَعْلًا: اسم صنم كان لهم قيل: كان من ذهب طوله عشرون ذراعا و له أربعة أوجه، فتنوا به حتى أخدموه أربع مائة سادن و جعلوهم أنبياء؛ لأن الشيطان كان يدخل في جوفه و يتكلم بكلامه، و السدنة يحفظونه فيجعلونه شريعة و يعلمونها الناس و به سميت بعل بك، و البكّ: الملك، و قيل البعل: الرب بلغة اليمن يقال من بعل هذه الدار أي: من ربها.

أَبَقَ: سمي هربه من قومه بغير إذن: إباقا على طريقة المجاز، و المساهمة:

المقارعة، و المدحض: المغلوب.

ص: 132


1- الحمل: الطلع.
2- الشوب: الشراب الممزوج بماء شديد الحرارة.

وَ هُوَ مُلِيمٌ: داخل في الملامة يقال رب لائم مليم، و قرئ مليم (1) بفتح الميم كما جاء مشيب في مشوب.

فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ النبذ: الإلقاء، و العراء: المكان الخالي من الشجر؛ كأن اشتقاقه من العري.

شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ اليقطين: ما لا ساق له من النبات كالبطيخ و القثاء و المراد به هاهنا الدباء. قلت و أهل اللغة يقولون: الشجر ماله ساق و النجم ما لا ساق له، و القرآن نطق بالشجر و هو مما لا ساق له، و قيل للنبي صلّى الله عليه و سلم: إنك تحب القرع قال:" هي شجرة أخي يونس" و قيل هي التين، و قيل: شجرة الموز تغطى بورقها و أكل من ثمارها.

وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً: أراد الملائكة مأخوذ من الاجتنان فمن خبث من الجنّة كان شيطانا و من طهر كان ملكا.

بِفاتِنِينَ أي: مفسدين.

إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ: صلى النار يصلاها تصلية إذا غشته: و منه صليت بالنار إذا لينتها.

بِساحَتِهِمْ ساحة الدار: فناؤها.

ص: 133


1- لم ينسبها في البحر لأحد- و مليم بفتح الميم اسم مفعول من لام.

سورة ص

وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ لا: هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب و ثم للتوكيد و تغير بذلك حكمها حيث لم يدخل إلا على الأحيان، و لا يقترن بها إلا الاسم أو الخبر، و امتنع بروزهما جميعا معها. هذا مذهب الخليل و سيبويه، و عند الأخفش: إنها التي لنفي الجنس زيدت عليها التاء و خصت بنفي الأحيان و حين منصوب بها و المناص: المنجى.

فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ: ملة عيسى- عليه السلام لأن النصارى يدعونها و هي مثلثة غير موحدة، أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا.

إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ: افتعال و كذب.

جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ الجند: الأعوان و الأنصار، و فلان جند الجنود. و في الحديث" الأرواح جنود مجندة" و الشام خمسة أجناد دمشق و حمص و قيسرون و أردن و فلسطين كل واحد منهما جند بإسكان النون و ضم الجيم، و ما مزيد فيها معنى الاستعظام كما في قول امرئ القيس:" و حديث على ما قصره" إلا أنه على سبيل الهزء و التهكم.

ذُو الْأَوْتادِ: اختلف فيه؛ فقيل: استعارة لثبات ملكه و عزة، و قيل: يشبح المعذب بين الأوتاد. و قيل كان له أوتاد و حبال يلعب بها بين يديه.

ما لَها مِنْ فَواقٍ: الفواق: مقدار ما بين حلبتي الحالب و رضعتي الراضع:

و قرئ بالضم.

عَجِّلْ لَنا قِطَّنا أي: لجائزتنا لأن القطّ: الصك أو الكتاب بالجائزة و اشتقاقه من القط و هو القطع؛ لأن الجائزة قطعة من القرطاس.

ذَا الْأَيْدِ الأيد: القوة يقال فلان ذو أيد و ذو آد. و أياد كل شي ء ما يتقوى به.

أَوَّابٌ: رجاع إلى مرضات اللّه تعالى.

وَ لا تُشْطِطْ أي: لا تبتعد عن الحق.

سَواءِ الصِّراطِ: وسطه.

هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً النعجة: الأنثى من الضأن، و المراد به:

ص: 134

الكناية عن المرأة الجميلة.

وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ أي: غلبني. من قولهم:" من عز بر" أي: من غلب أخذ السلب، و عزني في الخطاب: نقول عزه يعزه عزا بالفتح: غلبه، و عز الشي ء يعز عزا: إذا قل، و عز الشي ء يعز عزا، إذا صار عزيزا بعد ذل.

الصَّافِناتُ التقدير: الخيل الصافنات و الصفون: أن يقف الفرس على ثلاث قوائم و يثني طرف سنبكه، و لا يكون إلا في العراب الخلّص. أ لا ترى قول من قال:

ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا

فَطَفِقَ أي: جعل.

رُخاءً الرخاء: الريح اللينة.

فِي الْأَصْفادِ الأصفاد: الأغلال، و فرقوا بين صفده و أصفده. فالأول بمعنى:

قيده، و الثاني بمعنى: أعطاه؛ و الصفد يكون من حديد أو من قدّ.

بِنُصْبٍ: و النّصب كالرّشد و الرّشد و قرئ بنصب بضمتين: التعب.

ضِغْثاً: الحزمة الصغيرة من الحشيش أو الريحان أو غير ذلك.

الْمُصْطَفَيْنَ: المختارين، و الأخيار جمع: خير أو خير مثل: ميّت و ميت.

حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ: الغساق: صديد أهل النار. و قيل: الحميم يحرق بحرّه و الغساق يحرق ببرده قيل: لو قطرت منه قطرة في المشرق لأنتنت أهل المغرب.

هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ الفوج: الجمع، مقتحم: اقتحم الشي ء إذا دخل فيه و ارتكب الشدة فيه، و القحمة: الشدة.

لا مَرْحَباً بِهِمْ: دعاء عليهم. تقول لمن يدعوا له: مرحبا أي: أتيت رحبا من البلاد.

ضِعْفاً الضعف: أن يزاد عليه مثل عذابه.

ص: 135

سورة الزمر

يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ أي: يغشى هذا مكان هذا من تكوير العمامة لأن التكوير: اللف و اللي، و منه كور العمامة يقال: كارها و كورها.

ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: الإبل و البقر و الضأن و المعز ذكور و إناث، و الزوج: اسم لواحد معه آخر فإذا تفرد فهو فرد.

فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ: البطن و الرحم و المشيمة، و قيل: الصّلب و الرحم و البطن.

فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ أي: أدخل المطر في الأرض كما تدخل اللؤلؤة في السلك، و السلك الخيط الذي ينظم فيه الخرز، فاتخذ له مسالك في الأرض كالعروق في الأجساد.

مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي: أخرج به زرعا ألوانه من حمرة و خضرة و صفرة و بياض.

ثُمَّ يَهِيجُ: الهيجان: تمام الجفاف.

ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أي: فتاتا و دريسا.

مُتَشابِهاً مَثانِيَ: التشابه في المعاني الدالة على الصحة و الإحكام و البناء على الحق و الصدق و تناسب ألفاظه في التخير و الإصابة، و المثاني: جمع مثنى بمعنى مردد و مكرر لما ثنى من قصصه و أخباره.

تَقْشَعِرُّ الاقشعرار: تقبض الجلد تقبّضا شديدا، ركّب من حروف القشع زيدت عليه الراء ليكون رباعيا دالا على زائد في المعنى.

مُتَشاكِسُونَ التشاكس و التشاحن: الاختلاف، و رجل شكس بالتسكين:

صعب الخلق، و قوم شكس مثل: قوم صدق- و حكى الفراء شكس و هو القياس.

اشْمَأَزَّتْ أي: انقبضت. تقول اشمأز الرجل اشمئزازا.

ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ التخويل: مختص بالتفضيل يقال: خوله إذا أعطاه على غير جزاء.

فِي جَنْبِ اللَّهِ الجنب: الناحية في الأصل. تقول: أنا في جنب فلان و ناحيته

ص: 136

و فلان لين الجانب و الجنب ثم قالوا فرط في جانبه أي: في حقه، و المراد في طاعة اللّه و عبادته.

فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ تقول صعق الرجل صعقة و تصعاقا أي: غشي عليه و المراد في الآية مات.

زُمَراً: جماعة.

حَافِّينَ: محدقين من حف به إذا أحدق.

ص: 137

سورة المؤمن" غافر"

وَ قابِلِ التَّوْبِ التوب و الأوب: الرجوع و هما أخوان.

ذِي الطَّوْلِ الطّول: الفضل و الزيادة يقال: طال عليه و تطول عليه.

لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ الدحض و الدحض: المكان الزلق تقول دحضت رجله إذا زلقت، و دحضت الشمس: زالت.

يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ المقت: أشد البغض.

أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ: أراد خلقهم أمواتا أولا و أماتهم عند انقضاء آجالهم و بالإحياء بين الحياة الأولى في الدنيا و إحياء للبعث و ناهيك تفسيرا قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ.

وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ الآزفة: القيامة، سميت لأزوفها أي: لقربها تقول أزف الترحل يأزف أزفا أي: قرب، و أزف الرجل أي: عجل.

يَوْمَ التَّنادِ أي: يوم المناداة يريد به: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ و يجوز أن يكون تصايحهم بالويل و الثبور، و قرئ بالتشديد و هو من ند البعير إذا هرب كفر المرء من أخيه.

ابْنِ لِي صَرْحاً الصرح: القصر، و قيل: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر، اشتقوه من صرح الشي ء إذا ظهر.

أَسْبابَ السَّماواتِ: طرقها و أبوابها.

وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ معناه: رجع إليهم ما هموا به من المكر للمسلمين، و حاق به الشي ء يحيق أي: أحاط به.

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها: عرضهم على النار: تعذيبهم، من قولهم: عرض بنو فلان على السيف، و يجوز أن يراد: يعرض النار عليهم عرضهم على النار، فيكون من باب عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها.

ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ: من سجر التنور إذا ملأه بالوقود، و المعنى:

يسجرون بالنار مملوءة بها أجوافهم. و اللّه أعلم.

ص: 138

سورة فصلت

وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ الأكنة: جمع كنان و هو الغطاء.

أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الممنون: المقطوع، و قيل: من المنة.

ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ: و الأصل في هذا من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلوي على غيره و هو من الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج.

فَقَضاهُنَّ أي: صنعهن و منه قول الشاعر:

و عليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع

رِيحاً صَرْصَراً: الريح الصّرصر: القاصفة التي تصرصر، أي: تصوّت في هبوبها. و قيل: الباردة التي تحرق بشدة بردها.

الْعَذابِ الْهُونِ: الهون: الهوان.

فَهُمْ يُوزَعُونَ: يحبس أولهم على آخرهم، تستوقف سوابقهم حتى يلحق تواليهم، و هي عبارة عن كثرة أهل النار.

وَلِيٌّ حَمِيمٌ الحميم: الخالص في الصداقة.

وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ سئمت من الشي ء أسأم سأما و سآمة: إذا مليته، و رجل سئوم.

تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً أي: هامدة استعارة لها حالة قحوطها.

اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ استعارة لها خصبها. فالأولى استعارة لها بحال الخاضع الذليل و الثانية لها بحال المختال في ثيابه.

يُلْحِدُونَ: تقدم في الحج ذكر الإلحاد و ما فيه من الكلام.

مِنْ أَكْمامِها واحد الأكمام: كم بكسر الكاف و هو وعاء الثمرة كجفّ الطلعة و يطلق على وعاء التنور و جمعه: كمام و أكمام و أكاميم.

فِي الْآفاقِ الآفاق: جمع أفق و أفق و هي النواحي، و رجل أفقيّ- بفتح الهمزة و الفاء- إذا كان من آفاق الأرض.

ص: 139

سورة الشورى

لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى: مكة. و التقدير: أهل أم القرى.

لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ: الساعة مؤوّلة بالبعث فلذلك قيل: قريب. أو لعل مجي ء الساعة.

مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ: سمي ما يعمله العامل مما يبغي به الفائدة حرثا على المجاز.

وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ: السفن. واحدتها: جارية نسب إلى فعلها. و قرئ بغير ياء.

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى القربى: مصدر كالزّلفى و البشرى بمعنى: القرابة.

كَالْأَعْلامِ الأعلام: هي الجبال واحدها: علم.

فَيَظْلَلْنَ أي: يقمن من قولك ظل زيد يفعل كذا إذا أقام عليه.

أَوْ يُوبِقْهُنَّ أي: يهلكهن. تقول: أوبقه يوبقه إيباقا.

وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ الشورى- بضم الشين-: الاجتماع لقدح الرأي (1) كأن كل واحد منهم يشير إلى الآخر أي: يومئ إليه، و يقال لهما: المشورة بضم الشين.

وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها: سمى الثانية سيئة على حكم المقابلة.

ص: 140


1- قدح الرأي أي: إبداؤه.

سورة الزخرف

فِي أُمِّ الْكِتابِ أم الكتاب: اللوح المحفوظ و قد تقدم.

أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً: صفحا على وجهين: إما مصدر من صفح عنه إذا أعرض، و إما بمعنى الجانب من قولهم نظر إليه بصفح وجهه و المعنى على الأول.

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ سخر بمعنى: ذلل، مقرنين بمعنى: مطيقين يقال: أقرن الشي ء إذا أطاقه، قال ابن هرمة:

و أقرنت ما حملتني و لقل ما يطاق احتمال الصد يا دعد و الهجر

و حقيقته إنما هو مأخوذ من الاقتران به لأن الصعب لا يكون قرينا للضعيف إلا بلطف إلهي.

وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً: جعلوا هاهنا بمعنى: صيروا، و الجزء:

البعض، جعلوا الملائكة بعض اللّه و سموهم بناته، و من بدع التفسير أن الجزء اسم للإناث و ادعاء مثل ذلك على العرب كذب، و صنعوا في مثل ذلك شعرا، فمنه: إن أجزأت حرة يوما فلا عجب. و أنشدوا:" زوجتها من بنات الأوس مجزئة". و قرئ جزءا بضمتين (1).

أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي: يتربى في الزينة و النعمة ليس عنده حجة إذا احتاج إلى مجادلة الخصوم كان غير مبين (2).

إِنَّنِي بَراءٌ رجل براء: متبرئ.

عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ: المراد بهما مكة و الطائف. و التقدير من رجلي القريتين، و اختلف فيهما؛ فقيل: الوليد بن المغيرة، و حبيب بن عمرو الثقفي. ذلك عن ابن عباس و عن مجاهد: عتبة بن ربيعة، و كنانة بن عبد ياليل، و عن قتادة:

الوليد بن المغيرة، و عروة بن مسعود الثقفي.

وَ مَعارِجَ: جمع معرج أو اسم جمع لمعراج و هي المصاعد إلى العلالي.

عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي: يعلون الأسطحة.

ص: 141


1- قرأ شعبة عن عاصم بضم الجيم و الزاي معا.
2- قال ابن عباس: هن الجواري زيهن غير زي الرجال.

وَ زُخْرُفاً الزخرف: الذهب، و له أسماء عديدة؛ ذهب، و نضار، و تبر، و إبريز، و زخرف، و عسجد.

وَ مَنْ يَعْشُ (1): من العشى و هو سوء البصر ليلا.

وَ هذِهِ الْأَنْهارُ: خلجان النيل و معظمها أربعة: نهر الملك، و نهر طولون، و نهر دمياط و نهر تنيس، قيل: كانت تجري تحت قصره و قيل تحت سريره لارتفاعه.

أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ: أساور: جمع أسورة، و أساوير: جمع إسوار و هو السوار و أساورة على تعويض التاء من ياء أساوير.

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ: فاستفزهم، و حقيقته حملهم على أن يخفوا له لما أراد منهم.

آسَفُونا: من أسف إذا اشتد غضبه.

فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً أي: قوما سلفوا فمن فعل مثل فعلهم التحق بهم و يقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون.

لَجَعَلْنا مِنْكُمْ أي: بدلكم.

الْأَخِلَّاءُ: جمع خليل.

أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ أي: تسرون من السرور، و يظهر حباره في وجوهكم، أي: أثره.

وَ أَكْوابٍ: الكوب: الكوز بلا عروة.

وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ المبلس: الساكت سكوت يائس من الفرح.

فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ: فسر بأنه لو كان له ولد على زعمكم لكنت أول عابد، لكنه فرض ذلك كما يفرض المحالات، و كيف و قد قامت البراهين على خلاف ذلك، و قيل: إن كان للرحمن ولد على زعمكم فأنا أول الأنفين، من عبد إذا أنف.

و المصدر: عبدا و الاسم: العبدة مثل: الأنفة، قال الفرزدق:

أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم و أعبد أن أهجو كليبا بدارم

ص: 142


1- يعش: يتعامى و يتغافل.

سورة الدخان

فَارْتَقِبْ: تقول رقبت الشي ء و ارتقبته أرقبه رقوبا و رقبة و رقبانا بالكسر فيهما إذا رصدته.

الْبَطْشَةَ الْكُبْرى البطش: السطوة و الأخذ بالقوة و العنف. و قد بطش به يبطش و يبطش بطشا. قيل: المراد بها يوم بدر.

أَنْ أَدُّوا أي: سلموهم إلي و أرسلوهم معي، مأخوذ من أدّت الناقة إذا رجّعت الحنين في جوفها.

وَ أَنْ لا تَعْلُوا أي: ترتفعوا. أو لا تتكبروا.

وَ إِنِّي عُذْتُ أي: لذت من العياذة أي: استجرت به و التجأت إليه.

وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً: فيه وجهان:

أحدهما أنه الساكن قال الأعشى:

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة و لا الصدور على الأعجاز تتكل

أي: يمشين ساكنا على هينة.

و الثاني أن الرهو: الفجوة الواسعة، و عن بعض العرب أنه رأى جملا فالجا (1) فقال: سبحان اللّه رهو بين سنامين، أي: اتركه مفتوحا على حاله منفرجا.

وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ: النعمة بالفتح من التنعم و بالكسر من الإنعام و قرئ فاكهين (2) و فكهين. نعمة: تنعم أو نضارة عيش و لذاذته.

وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ يقال: نشرهم و أنشرهم إذا بعثهم.

يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً: قد تقدم أن لفظة المولى مشتركة بين محامل عديدة، أي: لا يغني مولى عن مولى كان من قرابة أو غيرها عن أي مولى كان.

أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ: على سبيل التهكم.

مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ السندس: رقيق الحرير. و الإستبرق: غليظه.

كَغَلْيِ الْحَمِيمِ الحميم: الماء الحار، و المهل و الزقوم قد تقدم في الصافات.

ص: 143


1- الفالج: البعير ذو السنامين.
2- فاكهين: قراءة متواترة من القراءات العشر، و أما فكهين؛ فشاذة نسبت إلى الحسن و أبي رجاء.

سورة الجاثية

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ الإفك: الكذب، و الآثم: الكثير الإثم.

ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً أصر الرجل على الشي ء إذا أقام عليه، و أصله من إصرار الحمار على العانة و هو أن ينحني عليها صارا أذنيه غير راجع عنها إذا ضمها إلى رأسه مادته من الدوام على الشي ء.

مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ الوراء هاهنا بمعنى: الأمام و قد تقدم في الكهف.

اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الاجتراح: الاكتساب و منه الجوارح؛ ففلان جارحة أهله أي: كاسبهم و قد تقدم.

وَ قالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا في تفسيرها أقوال: نموت و يحيى أولادنا، أو يموت بعض و يحيى بعض أو يصيبنا الأمران، أو يكون من باب التقديم و التأخير و التقدير: نحيى و نموت و ليس وراء ذلك حياة. و قرئ نحيى بضم النون.

وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً أي: باركة مستوفزة على الرّكب، و قرئ جاذية.

و الجذو أشد استيفازا من الجثو، لأن الجاذي هو الذي يجلس على رءوس أصابعه، و عن ابن عباس جاثية: مجتمعة، و عن قتادة: جماعات- من الجثوة- و جمعها جثي.

هذا كِتابُنا يَنْطِقُ أي: يشهد.

إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي: نستكتب الملائكة أعمالكم.

يُسْتَعْتَبُونَ أي: يطلب منهم العتبى أن يعتبوا ربهم أي: يرضوه.

ص: 144

سورة الأحقاف

أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ (1) أي: بقية من علم من علوم الأولين. من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من شحم، أي: على بقية شحم كانت بها، و قرئ أثرة و قرئ بالحركات الثلاث في الهمزة مع سكون الثاء.

بِما تُفِيضُونَ فِيهِ أي: بما تندفعون فيه من القدح في وحي اللّه تعالى و الطعن فيه.

ما كُنْتُ بِدْعاً البدع بمعنى: البديع، كالخف بمعنى الخفيف. و قرئ بدعا (2)- بفتح الدال- أي: ذا بدع و معناه ما كنت مخترعا أمرا لم أسبق إليه، و من ذلك البدعة الحدث في الدين بعد الإكمال.

حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ قيل: الأشد أن يبلغ الأربعين، و قيل: ثلاث و ثلاثون سنة و قرئ: فصله و فصاله كالفطم و الفطام.

إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ: جمع حقف و هو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشي ء إذا اعوج، و كانت عاد أصحاب عمد يسكنون بين رمال مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشّحر من بلاد اليمن، و قيل: بين عمان و مهره.

فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً أي: سحابا يعرض في الأفق و مثله الحبيّ و العنان إذا حبا، و عنّ إذا عرض.

فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ لو لا بمعنى: هلّا.

فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ: أهل الجد و الثبات كنوح و إبراهيم و يعقوب و يوسف و أيوب و عيسى، و المعنى كل نبي ابتلي و صبر على الابتلاء.

ص: 145


1- أثارة مصدر بمعنى: البقية من الشي ء.
2- نسبت هذه القراءة إلى عكرمة و أبي حيوة و ابن أبي عبلة جمع بدعة، أي: ذا بدع.

سورة القتال سورة محمد صلّى الله عليه و سلم

كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ التكفير: التغطية.

وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ: حالهم.

حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ: أكثرتم قتلهم و أعظمتموه مأخوذ من الشي ء الثخين.

فَشُدُّوا الْوَثاقَ أي: الأسر، و الوثاق- بالفتح و الكسر- اسم ما يوثق به.

حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها الأوزار للحرب: الآلات التي تقوم بها كالسلاح و الكراع قال الأعشى:

و أعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا و خيلا ذكورا

و قيل أوزارها: آثامها. يعني حتى يترك أهل الحرب و هم المشركون شركهم بأن يسلموا.

عَرَّفَها لَهُمْ فيه أقوال: قيل طيبها و قيل عرّفها أي: بينها، و قيل: حددها و أفرزها عن غيرها مأخوذ من العرفة و هي الحد، و كذلك الأرفة الحد أيضا.

فَتَعْساً لَهُمْ أي: عثورا و انحطاطا، و هو نقيض لعّا قال الأعشى: فالتعس أولى بها من أن أقول لعا. أي العثور أولى بها من الانتعاش.

دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ التدمير: الهلاك.

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ: المولى هاهنا الناصر لا المالك بدليل قوله تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام- 62].

مَثَلُ الْجَنَّةِ المثل هاهنا بمعنى: الصفة.

غَيْرِ آسِنٍ الآسن: المتغير و قد تقدم تصريفه.

ما ذا قالَ آنِفاً قال الزجاج: هو من استأنفت الشي ء إذا ابتدأته، و المعنى قال في أول وقت يقرب منا.

فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها أي: علاماتها.

أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ الأضغان: الحقود.

بِسِيماهُمْ: بعلامتهم.

فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أي: في أسلوبه، و هو قولهم: ما لنا من الثواب إن أطعنا:

و لا يقولون: ما علينا إن عصينا من العقاب.

ص: 146

وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (1): مادته من الوتر و هو الانفراد و منه و ترت الرجل إذا قتلت له قتيلا ينفرد به، و منه قول صلّى الله عليه و سلم:" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله و ماله" أي أفرد عنهما.

فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا الإحفاء: المبالغة في الشي ء، يقال: أحفى في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح. و منه أحفى شاربه إذا استأصله و المعنى: لو سألكم جميع أموالكم بخلتم.م.

ص: 147


1- يتركم أي: ينتقصكم في أعمالكم.

سورة الفتح

إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً: يريد فتح مكة، نزلت مرجع النبي صلّى الله عليه و سلم عن مكة عام الحديبية عدة له و جي ء بالماضي جزما بالوقوع على عادة إخبار رب العزة، و الفتح: الظفر بالبلد عنوة أو صلحا بحرب أو غير حرب لأنه متعلق بما لم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح ما كان معلقا بينه و بينه، و قيل: فتح الحديبية و هو مرجوح، و قيل: غير ذلك، و قيل فتحنا أي: قضينا لك قضاء بينا على أهل مكة أن تدخلها أنت و قومك من قابل لتطوفوا بالبيت من الفتاحة و هي الحكومة.

ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ فإن قيل: هل من فرق بين السوء و السوء؟ قلت: هما كالكرّة و الكرّة و الضّعف و الضعف إلا أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شي ء و أما المضموم فجرى مجرى الشر الذي هو نقيض الخير.

فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ: من عره إذا ألقاه بما يكرهه.

لَوْ تَزَيَّلُوا أي: تفرقوا و تميز بعضهم عن بعض، من أزاله يزيله و قرئ لو تزايلوا (1).

حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: الأنفة.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ السكينة: الوقار.

وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: هي بسم اللّه الرحمن الرحيم، و محمد رسول اللّه (2).

أَخْرَجَ شَطْأَهُ يقال: أشطأ الزرع إذا فرّخ و قرئ شطاه بالتخفيف و شطأه بالتحريك و شطوه بقلبها واوا (3).

فَآزَرَهُ: من المؤازرة: و هي المعاونة.

لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: يجوز أن يراد به: الزّراع، يسمى كافرا لستره البذر في الأرض، و يجوز أن يراد بالكفار: الجاحدين. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 148


1- تزايلوا: قراءة أبي حيوة.
2- روي عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه قال:" كلمة التقوى: هي قول لا إله إلا اللّه"، و قاله ابن عباس، قال مجاهد: الإخلاص، و قال الزهري: قول: بسم اللّه الرحمن الرحيم.
3- قرأ ابن كثير و ابن ذكوان: شطأه، و قرأ أنس و نصر بن عاصم و ابن وثّاب: شطاه على وزن عصاه. و قرأ الجحدري و ابن أبي إسحاق: شطه.

سورة الحجرات

مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ الحجرة: الرقعة من الأرض يحجر عليها بحائط، و حظيرة الإبل تسمى حجرة و هي فعلة بمعنى: مفعولة كالغرفة و القبصة، و جمعها:

حجرات بضمتين و الحجرات بضم الجيم، و الحجرات بتسكينها- و قرئ بهن جميعا (1)، و المراد: حجرات نساء النبي.

حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فاء: رجع، و منه في ء الظل.

لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ: لفظة قوم تطلق على جمع من الرجال ليس فيهم امرأة، و إن وجدت امرأة كانت على سبيل التبع كقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [نوح: 1].

وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ اللمز: العيب، و أصله الإشارة بالعين و نحوها، و قد لمزه يلمزه و يلمزه، و قرئ بهما، و رجل لماز و لمزة، و يقال: لمزه إذا دفعه.

وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ التنابز: التداعي بالألقاب، و النبز بالتحريك: اللقب و الجمع: الأنباز، و النبز بالتسكين المصدر.

وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، و إن لم يكن فيه فقد بهته.

وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً: جمع شعب، و هو الطبقة الأولى من النسب التي عليه العرب و هو الشعب و القبيلة و العمارة و البطن و الفخذ و الفصيلة، فالشعب و جمعه:

شعوب يجمع القبائل، و القبيلة تجمع العمائر، و العمائر تجمع البطون، و البطون تجمع الأفخاذ، و الأفخاذ، تجمع الفصائل. فخزيمة شعب، و كنانة قبيلة، و قريش عمارة، و قصي بطن، و هاشم فخذ، و العباس فصيلة.

لا يَلِتْكُمْ أي: لا ينقصكم. من ألته السلطان حقه أشد الألت، و هي لغة غطفان و أسد و أهل الحجاز يقولون: يلت، و قرئ باللغتين، و حكى الأصمعي عن أم هشام السلولية أنها قالت: الحمد للّه الذي لا يصلت و لا يلات و لا تصمه الأصوات.

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ: المن: العطاء أو المنّة: النعمة، و منّ في العطاء: إذا ذكره على سبيل الترفع، فكأنه يقتطع النعمة بما بيديه من الترفع. و اللّه أعلم.

ص: 149


1- قرأ الجمهور الحجرات، و قرأ أبو جعفر الحجرات بفتح الجيم.

سورة ق

ق قيل: أقسم باسم الجبل المحيط بالأرض، و قيل بالحرف.

فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ يقولون مرج الخاتم في إصبعي بالكسر أي: قلق، مثل جرج، و مرجت أمانات الناس فسدت، و مرج الدين الأمر: اختلط و اضطرب، و منه الهرج و المرج، قيل: إنما سكن المرج لأجل الهرج فأمر مريج: مختلط.

ما لَها مِنْ فُرُوجٍ: جمع فرج أي: ما لها من فتوق؛ يريد أنها ملساء سليمة من العيوب لا فتق فيها و لا صدع و لا خلل.

مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي: صنف. بهيج: يبتهج بحسنه.

وَ حَبَّ الْحَصِيدِ: فعيل بمعنى مفعول أي: حبّ ما يحصد.

باسِقاتٍ: طوالا، و قرأ رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم باصقات بإبدال السين صادا لأجل القاف (1).

نَضِيدٌ بمعنى: منضود و قد تقدم الفرق بين المنظوم و المنضود.

حَبْلِ الْوَرِيدِ الحبل: العرق المستطيل بالعاتق. و الوريد: العرق، و هما وريدان يكتنفان العنق و سمي وريدا لأن الروح يرده و المعنى: أنه أقرب إلى الإنسان من كل قريب.

وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ القعيد بمعنى: القاعد مثل الجليس بمعنى: الجالس.

رَقِيبٌ عَتِيدٌ: العتيد: الحاضر.

ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي: تميل. تقول حاد عن الشي ء يحيد حيودا و حيدودة.

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي: قوي.

هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ أي: مهيأ لجهنم فهو حاضر.

فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أي: فتشوا و بحثوا.

هَلْ مِنْ مَحِيصٍ تقول: حاص عنه محيصا و محاصا و حيوصا و حياصا إذا عدل عنه و حاد.

لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي: عقل.

وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ أي: تعب و فتور.

ص: 150


1- هذه قراءة غير صحيحة الإسناد، بل ثبت في الصحيح و السنن عن النبي صلّى الله عليه و سلم أنه قرأ بالسين و به قرأ الجمهور.

سورة الذاريات

وَ الذَّارِياتِ: الرياح، لأنها تذر التراب و غيره.

فَالْحامِلاتِ وِقْراً: السحاب، لأنها تحمل المطر، و قرئ وقرا و وقرا.

فَالْجارِياتِ يُسْراً: الفلك، و معنى يسر أي: سيرا ذا سهولة.

فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً: الملائكة، لأنها تقسم الأمطار و الأرزاق و غيرها.

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ الحبك: الطرائق مثل حبك الرمل و الماء إذا ضربته الريح قال زهير يصف غديرا:

مكلل بأصول النجم ينسجه ريح خريق لضاحى مائة حبك

و قيل: حبكها نجومها، و المعنى أنها يزينها كما يزين الموشى بطرائق الوشي- و قيل حبكها: صفاقها و إحكامها.

إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ: تارة يقولون عن النبي صلّى الله عليه و سلم: شاعر، و تارة ساحر، و تارة كاهن، و تارة مجنون، و تارة يقولون أساطير الأولين.

قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ: الكذابون.

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ الصّرّة: الصيحة و الصّرّة: الشدة، و الصّرّة:

الجماعة، و صرة القيظ: شدته.

السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ أي: بقوة.

ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ: الذنوب في الأصل: الدلو المملوءة، ثم استعمل في النصيب، لأن السقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب و لهذا ذنوب، قال الشاعر:

لكم ذنوب و لنا ذنوب فإن أبيتم قلنا القليب

ص: 151

سورة الطور

وَ الطُّورِ: الجبل الذي كلم اللّه تعالى موسى عليه و هو بمدين.

فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ الرق: الصحيفة، و قيل: الجلد الذي يكتب فيه.

وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ قيل: الضّراح الذي في السماء، و قيل: الكعبة.

وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ: السماء.

وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: المملوء، و قيل المسجور: الموقد عليه بالنار لما روي أن اللّه عز و جل يجعل يوم القيامة من البحار كلها نارا يسجر بها نار جهنم، و سأل علي يهوديا أين موضع النار من كتابكم؟ قال: في البحر قال علي: ما أراه إلا صدق.

يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً: تضطرب و تجي ء و تذهب، و قيل المور: تحرك في تموج و هو الشي ء يتردد.

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الدّعّ: الدفع العنيف، و ذلك أن خزنة النار تدفعهم على وجوههم و تزج في أقفيتهم، و قرئ يوم يدعون من الدعاء (1)، و هي قراءة منسوبة إلى زيد بن علي، يقال لهم: هلموا إلى النار.

يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً أي: يتعاطون.

كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ أي: مخزون لأنه إذا كان رطبا كان أحسن نضارة مما لم يكن في الصّدف.

مُشْفِقِينَ: أرقاء القلوب من خشية اللّه.

عَذابَ السَّمُومِ: الريح الحارة التي تدخل في المسام، قال أبو عبيدة:

الحرور بالليل و قد تكون بالنهار و السموم بالنهار و قد تكون بالليل، و قيل: الحرور بالليل، و السموم بالنهار.

أم هم المسيطرون أي: هم الذين يسطرون الأشياء ليدبروا الأمور. و قرئ بالصاد.

فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أي: لزمهم مغرم ثقيل فدحهم.

هُمُ الْمَكِيدُونَ أي: الذين يرجع عليهم كيدهم و يحيق بهم مكرهم.

ص: 152


1- نسبها أبو حيان في البحر إلى علي و أبي رجاء و السلمي و زيد بن علي.

و المغلوب في الكيد من كاديته فكدته.

كِسْفاً الكسف: القطعة و قد تقدم فإنك بأعيننا: مثل، أي: بحيث نراك و نكلؤك.

وَ إِدْبارَ النُّجُومِ: إذا أدبرت آخر الليل، و قرئ بالفتح (1) أي: في أعقاب النجوم و آثارها إذا غربت.

ص: 153


1- نسب أبو حيان في البحر قراءة و أدبار النجوم بفتح الهمزة إلى سالم بن أبي الجعد و المنهال ابن عمرو و يعقوب.

سورة و النجم

وَ النَّجْمِ النجم: الثريا، و هو اسم غالب لها- و من أمثالهم" إذا طلع النجم عشاء ابتغى الراعي كساء"، و قيل: نجم الرجم، و قيل: نجم القرآن، من نجومه، و قد نزل منجّما في عشرين سنة.

إِذا هَوى: إذا نزل، و قيل المراد بالنجم: النبات إذا ذبل فسقط على الأرض.

ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى أي: حصافة في عقله و دينه.

فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أي: مقدار قوسين عربيين، و القاب و القيب، و القاد و القيد و القيس: المقدار. و قد جاء بالتقدير بالقوس و الرمح و السوط و الذراع و الباع و الخطوة و الشبر و الفتر و الأصبع.

أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى: كان كل واحد من المجادلين يمري ما عند صاحبه، من مرى الناقة، و قرئ أ فتمرونه (1) أي: أ فتغلبونه من المراء من ماريته فمريته، و لما فيه من معنى الغلبة عدّى بعلى، كما تقول: غلبته على كذا و قيل:

أ فتمرونه: أ فتجحدونه، و أنشدوا:

لئن هجرت أخا صدق و مكرمة لقد مريت أخا ما كان يمريكا

يقال: مريته حقه إذا جحدته.

سِدْرَةِ الْمُنْتَهى: شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش، ثمرها كقلال هجر و ورقها كآذان الفيلة، تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها اللّه تعالى في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، و المنتهى: موضع الانتهاء عندها.

جَنَّةُ الْمَأْوى هي التي تصير إليها أرواح المتقين.

اللَّاتَ وَ الْعُزَّى و مَناةَ: هذه أسماء أصنام كانت للعرب. فاللات لثقيف، و سميت اللات لأنهم كانوا يلتوون عليها أي: يطوفون بها، و قيل: كان رجل يلت عندها السمن بالسويق و يطعمه الحاج. و العزى كانت لغطفان؛ و هي سمرة فبعث لها رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم خالد بن الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها، و هو يقول:" يا عزّ كفرانك لا سبحانك إني رأيت اللّه قد أهانك"، فرجع فأخبر النبي صلّى الله عليه و سلم فقال:" تلك

ص: 154


1- قرأ حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب: أ فتمرونه على معنى: أ فتجحدونه، و قراءة الجمهور: أ فتمارونه أي: أ تجادلونه و تدافعونه.

العزى و لن تعبد أبدا" و مناة صخرة كانت لهذيل و خزاعة، و عن ابن عباس لثقيف.

و قرئ مناءة (1) كأنها سميت بذلك لأن دماء النسائك تمنى عندها أي: تراق، و قيل:

اشتقاقها من النوء لأنهم كانوا يستمطرون عندها.

قِسْمَةٌ ضِيزى: من ضازه يضيزه إذا ضامه و الأصل: ضوزى، و قرئ ضئزى بالهمز (2) من ضازه و قرئ ضيزى بفتح الضاد (3).

إِلَّا اللَّمَمَ: الصغائر من الذنوب، و عن أبي سعيد الخدري:" هي النظرة و الغمزة و القبلة" و عن الكلبي:" كل ذنب لم يذكر اللّه عليه حدا و لا عقابا".

وَ أَكْدى أكدى الرجل: إذا أعطى القليل ثم قطعه. و أصله أكدى الحافر إذا وصل إلى الكدية و هي الأرض الصلبة.

إِذا تُمْنى أي: تراق في الرحم يقال: أمنى و امتنى.

أَغْنى وَ أَقْنى أي: صار المال قنية له.

رَبُّ الشِّعْرى: هما شعريان: العبور و هي المعبودة، و سميت عبورا لأنها عبرت المجرة، و الثانية: الغميصاء. كأن على أعينها الغمص لشدة بكائها على مفارقة أختها سهيل لكونها لم تعبر إليها المجرة.

أَهْلَكَ عاداً الْأُولى: قوم نوح، و عادا الأخرى إرم.

وَ الْمُؤْتَفِكَةَ: القرى التي ائتفكت بأهلها أي: انقلبت بهم و هم قوم لوط.

قلبها جبريل بجناحه.

تَتَمارى: تشكك.

هذا نَذِيرٌ: إشارة إلى القرآن و قيل: رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم.

أَزِفَتِ الْآزِفَةُ أي: قربت الموصوفة بالقرب من قوله: اقتربت الساعة.

لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ أي: مبينة أمرها متى تقوم، و قيل: الكاشفة مصدر بمعنى الكشف كالعاقبة.

سامِدُونَ قيل: شامخون، و قيل: لاهون لاعبون، و قال بعضهم لجاريته:

اسمدي لنا أي: غني لنا.

ص: 155


1- هي قراءة ابن كثير المكي.
2- قرأ ابن كثير: ضئزى.
3- قرأ زيد بن علي: ضيزى بفتح الضاد و سكون الياء.

سورة القمر

ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ: و هو موضع الازدجار.

مِنَ الْأَجْداثِ: هي القبور.

مُهْطِعِينَ: مسرعين مادّي أعناقهم.

بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي: منصب.

ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ: أراد السفينة، و دسر: جمع دسار و هو السفينة (1).

رِيحاً صَرْصَراً أي: باردة.

أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ: منقلع عن مغارسه.

كَذَّابٌ أَشِرٌ الأشر: البطر.

كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ الهشيم: الشجر اليابس، و المحتظر: الذي يصنع الحظيرة ليقي الإبل البرد و الريح.

فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ الضلال: الخطايا، و السّعر: جمع سعير و قيل السّعر:

الجنون، من قولهم ناقة مسعورة.

ص: 156


1- الدسر: المسامير.

سورة القمر

سورة الرحمن عز و جل

وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ النجم: من النبات ما لا ساق له، و الشجر ما له ساق.

وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ العصف: ورق الزرع، و قيل: التبن.

و الريحان: و هو اللب، و قيل: الريحان الذي يشم.

مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ المارج: اللهب بلا دخان، و قيل: المختلط بسواد النار من مرج الشي ء إذا اختلط.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أي: حاجز.

لا يَبْغِيانِ أي: لا يتجاوزان حدهما.

يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قيل المرجان: الخرز الأحمر المسمى بالسبد، و قيل المرجان: صغار اللؤلؤ. فإن قيل فهو لا يخرج إلا من الملح. قيل:

العرب من شأنهم أن ينسبوا أمرا إلى اثنين أو إلى جماعة و المقصود واحد. أ لا ترى إلى قوله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [الرحمن- 33] و الرسل إنما هم من الإنس. و ذهب بعضهم إلى أن اللؤلؤ إنما يكون من المطر، لأن السمكة تفتح صدفتها لتلقى القطر و هي في البحر، فصح أن اللؤلؤ من مجموع العذب و الملح.

يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ الشواظ: الخالص من النار، و النحاس: الدخان و أنشدوا:

يضي ء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا

و قيل: الصّفر المذاب يصب على رءوسهم.

وَرْدَةً كَالدِّهانِ الدهان: دردي الزيت. و هو جمع دهن، أو اسم ما يدهن به كالحزام و الإدام و قيل كالأديم الأحمر. أي: تصير السماء كذلك.

حَمِيمٍ آنٍ أي: حار.

ذَواتا أَفْنانٍ أي: أغصان و هي التي تثمر و تجنى و يحصل منها الظل.

قاصِراتُ الطَّرْفِ أي: أن طرفهن مقصور على أزواجهن. لا ينظرن غير الأزواج.

ص: 157

لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ: لم يجامعهن.

مُدْهامَّتانِ أي: سوداوتان من كثرة الشجر فيهما.

فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ: النضخ أكثر من النضح.

عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ الرفرف: ضرب من البسط، و قيل:

الوسادة: و يقال لكل ثوب قصير: رفرف. و قيل لأطراف البسط، و فضول الفسطاط: رفرف، و رفارف السحاب: هدبه.

و العبقري: منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه بلد للجن، فما أعجبهم نسبوه إلى عبقر، أي: إلى صنعة الجن. و اللّه أعلم.

ص: 158

سورة الواقعة

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ المراد: القيامة، كقولك: كانت الكائنة، و حدثت الحادثة.

لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي: نفس كاذبة.

إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أي: تحركت تحركا شديدا.

وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا: فتتت حتى تعود كالسويق.

هَباءً مُنْبَثًّا الهباء: ما يبث من ضوء الشمس في البيت.

فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ: هم الذين يتناولون كتبهم بأيمانهم، وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ: هم الذين يتناولون كتبهم بشمالهم.

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ الثلّة: الأمة من الناس الكثيرة. قال الشاعر:

و جاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد

و هي من الثلّ و هو الكسر. كما أن الأمّة من الأمّ و هو الشج. فكأنها كسرت من الأمم و قطعت منهم، و أما الثلة- بالفتح- فالكثير من الضأن. و لا يقال للكثير من المعز. و يقال لما خرج من البئر: ثلّة.

عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ أي: مشبكة بالذهب و الدر و الياقوت قد دوخل بعضها في بعض.

فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ المخضود: ما لا شوك فيه. و السدر: شجر النبق، و قيل المخضود: الشجر الذي تنثني أغصانه لكثرة حمله، من قولهم: خضد الغصن إذا ثناه.

وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ الطلح: شجر الموز.

عُرُباً: جمع عروب و هي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل.

أَتْراباً: المستويات في السن قيل: اشتقاقه من لعبهم في التراب في حال الصغر.

يَحْمُومٍ اليحموم: الدخان.

شُرْبَ الْهِيمِ: هي الإبل التي بها الهيام: و هو داء يشرب منه و لا يروى، جمع أهيم و هيماء، و الهيام- بالضم-: أشد العطش، و يطلق على الجنون، و على داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض و لا ترعى. يقال: ناقة هيماء، و الهيماء: المفازة التي لا

ص: 159

ماء فيها، و الهيام- بالفتح-: الرمل الذي لا يتماسك من كثرة لينه، و الجمع: هيم، و الهيام- بالكسر-: الإبل العطاش الواحد: هيمان. و ناقة هيماء.

لَجَعَلْناهُ حُطاماً الحطام: الفتات و هو ما صار هشيما.

تَفَكَّهُونَ: تتعجبون، و قيل: تندمون على تعبكم.

مِنَ الْمُزْنِ واحده: مزنة، قيل: هو السحاب الأبيض خاصة. و هو أعذب الماء.

وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ المقوين: الذين ينزلون القوا: و هو القفر، و قيل: الذين خلت بطونهم و مزاودهم من الطعام، من قولهم: أقويت منذ ثلاثة أيام أي: لم آكل.

بِمَواقِعِ النُّجُومِ أي: بمساقطها، و قيل: بمنازلها و مسايرها. و قيل: أوقات وقوع نجوم القرآن، أي: أوقات نزولها.

فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ أي: مصون.

أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أي: متهاونون به.

إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ الحلقوم: الحلق.

غَيْرَ مَدِينِينَ أي: غير مربوبين، من دان السلطان للرعية إذا ساسهم.

ص: 160

سورة الحديد

مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ: جعلكم خلفاء في ماله الذي أوجده.

وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي: المثوبة الحسنى.

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ: القرض لغة القطع و فيه لغتان- بكسر القاف و فتحها.

انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ أي: انظروا إلينا، و قرئ: أنظرونا من النظرة و هي الإمهال.

فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ أي: بحائط حائل بين أهل الجنة و أهل النار قيل:

هو الأعراف.

هِيَ مَوْلاكُمْ أي: أولى بكم، و يجوز أن تكون: هي ناصركم، على معنى لا ناصر لكم غيرها و المراد: نفي الناصر، و من هذه المادة قوله تعالى: يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ [سورة الكهف: آية 29] على معنى لا غوث.

ص: 161

سورة المجادلة

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها: هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة رآها و هي تصلي فلما سلمت راودها فأبت و غضب و ظاهر منها- و الظّهار كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم؛ كانوا يقولون: أنت علي كظهر أمي.

فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ التحرير: العتق، و الرقبة عبارة عن الذات كلها و هو من مجاز إطلاق البعض و إرادة الكل.

كُبِتُوا أي: أخزوا و أهلكوا.

مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ النجوى: التناجي؛ و هو السر بين اثنين.

وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا النشوز: الارتفاع و النهوض للتوسعة.

اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً أي: وقاية.

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ: استولى عليهم و هو أحد ما جاء على الأصل نحو استحوذ و استصوب و استوفز.

أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ حزبه: جنوده و أعوانه.

ص: 162

سورة الحشر

وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ الجلاء: الخروج من الأوطان، تقول: جلوا عن أوطانهم و جلوتهم يتعدى و لا يتعدى.

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ اللينة: النخلة- من الألوان- و هي ضروب النخل ما خلا العجوة و البرنية و قيل: النخلة الكريمة مشتقة من اللين.

فَما أَوْجَفْتُمْ الإيجاف: من الوجيف و هو السير السريع.

دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ: الدولة- بالضم و الفتح- ما يدول للإنسان أي: يدور من الجد.

وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى: متفرقة.

وَبالَ أَمْرِهِمْ الوبال: الخسران مأخوذ من قولهم: كلأ وبيل: أي: وخيم.

الْقُدُّوسُ: بالضم و الفتح: المطهر المنزه.

السَّلامُ بمعنى: ذو السلامة (1) و منه:" دار السلام" و قرئ المؤمن- بفتح الميم الثانية- و معناه: المؤمن به على حذف الجار.

الْمُهَيْمِنُ: الرقيب مفتعل من الأمن و قد تقدم.

الْجَبَّارُ: القهار.

الْمُتَكَبِّرُ: البليغ الكبرياء و العظمة.

الْبارِئُ: المميز بعض الأشياء من بعض بالأشكال و الصور.

ص: 163


1- قال ابن عباس: إنه مأخوذ من سلامة عباده من ظلمه.

سورة الممتحنة

تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ الإلقاء: عبارة عن اتصال المودة و الإفضاء بها إليهم، يقال: ألقى إليه خراشي صدره بالخاء المعجمة إذا أفضى إليه بأسراره.

وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ المظاهرة: المعاونة، و منه ظاهر بين درعين إذا لبسهما.

وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ العصم: ما يعتصم به من عهد و سبب. يعني إياكم و إياهم و لا يكن بينكم و بينهم عصمة و لا علقة زوجية. و عن ابن عباس:" من كانت له امرأة كافرة فلا يعتدن لها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه" و عن مجاهد هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر.

وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ: تقول لزوجها هذا ولدي منك، فكنى بالبهتان المفترى بين يديها و رجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا و ذلك بأنها تحمله بين يديها و فرجها.

ص: 164

سورة الصف

كَبُرَ مَقْتاً المقت: أشد البغض.

بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ: بعضه على بعض (1).

فَلَمَّا زاغُوا الزيغ: الميل.

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ نور اللّه: القرآن. تهكم جعلهم بمنزلة من يريد أن يطفئ ضوء الشمس بالنفخ.

مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ إلى بمعنى: مع، و لم يرتضه جار اللّه.

قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ: هم أصفياء اللّه و خلصاؤه و كانوا اثنى عشر رجلا. و الحواري: الدّرمك. و قيل: كانوا قصّارين كانوا يحورون الثياب، أي:

يبيضونها.

فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ أي: غالبين.

ص: 165


1- بنيان مرصوص: متلاصق محكم.

سورة الجمعة

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ الأمي: الذي لا يقرأ و لا يكتب، قيل: بدأت الكتابة بالطائف أخذوها من أهل الحيرة و أهل الحيرة من الأنبار. و قرئ: في الأميين بحذف ياء النسب.

يَحْمِلُ أَسْفاراً: جمع سفر، و السفر: الكتاب الكبير من كتب العلم.

إِنْ زَعَمْتُمْ: الزعم مثل الرأي، و يكون بمعنى: الظن، و بمعنى: الاعتقاد، و بمعنى: الكذب.

إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ النداء: الأذان، و قالوا المراد به الأذان عند قعود الإمام على المنبر، و أول من سماها جمعة" كعب بن لؤي" و فيها ثلاث لغات و كان يقال لها: العروبة.

تِجارَةً أَوْ لَهْواً اللهو: الغناء و المراد بها هنا: صوت الطبل و التصفيق، لأنهم كانوا إذا قدمت عليهم عير من الشام حاملة تجارة أو ميرة يتلقونها بالطبول و التصفيق (1).

ص: 166


1- روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد اللّه أن النبي صلّى الله عليه و سلم كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا- في رواية أنا فيهم- فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة. و عند الدارقطني من حديث جابر. أنهم انفضوا غير أربعين رجلا أنا فيهم. و السبب في تركهم استماع الخطبة ما ذكره أبو داود بسنده عن مقاتل بن حيان قال: كان رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة و النبي صلّى الله عليه و سلم يخطب، و قد صلى الجمعة، فدخل رجل فقال: إن دحية بن خليفة الكلبي قدم بتجارة، و كان دحية إذا تقدم تلقاه أهله بالدفاف؛ فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شي ء فنزلت.

سورة المنافقون

اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً الجنّة: الوقاية.

ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ: ساء أخت بئس.

كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ (1): جمع الخشبة خشب و خشب و خشب و خشبان شبههم بالخشب المسندة لعدم الانتفاع بها، و إنما ينتفع بها إذا كانت في سقف أو حائط أو باب و إذا كانت ملصقة إلى الجدر فلا نفع بها، و يجوز أن يكون شبههم بالأصنام المنحوتة لأنها لا ينتفع بها. فكأنهم مثلها في المنظر و عدم المخبر.

لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ أي: عطفوها إعراضا.

لَوْ لا أَخَّرْتَنِي: لو لا هاهنا بمعنى: هلّا للتحضيض.

ص: 167


1- قرأ قنبل و أبو عمرو و الكسائي خشب، واحدتها: خشبة مثل: بدنة و بدن.

سورة التغابن

لَهُ الْمُلْكُ الملك: اسم المصدر، و المصدر: الملك، و الملك عبارة عن استيلاء الملك على البلاد و العباد و تقديم في الملك و الحمد يدلان على الاختصاص و أما ملك غيره فتسليط و استرعاء.

زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا الزعم: ادعاء العلم، و منه قوله صلّى الله عليه و سلم: (و زعموا مظنة الكذب) و عن سريح:" لكل شي ء كنية و كنية الكذب زعموا"، فإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين.

ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ: مستعار من تغابن القوم في التجارة يفسره ما جاء في الحديث:" ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار- لو أساء- ليزداد شكرا، و ما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة" (1). و معنى ذلك يوم التغابن.

ص: 168


1- الحديث في الصحيح.

سورة الطلاق

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ: خص النبي صلّى الله عليه و سلم بالنداء و عمّ بالخطاب لأن النبي صلّى الله عليه و سلم إمام أمته و قدوتهم. كما يقال لرئيس القوم و كبيرهم: يا فلان افعلوا كيت و كيت إظهارا لتقدمه و اعتبارا برئاسته و كأنه وحده في حكم كلهم و معنى طلقتم: إذا أردتم الطلاق.

وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ: أحصى الشي ء يحصيه إحصاء إذا عدده و ضبطه، نحن أكثر منهم حصى، أي: عددا. و الحصو: المنع.

قال (1):

أ لا تخاف اللّه إذ حصوتني حقي بلا ذنب و إذ عنّيتني؟

ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ الوعظ: النصح و التذكير بالعواقب.

وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ اليأس: القنوط و قد يئس من الشي ء ييأس و فيه لغة يئس- بالكسر فيهما- و هو شاذ، قال المبرد: منهم من يبدل في المستقبل الياء الثانية ألفا ياأس، و يئس بمعنى علم في لغة النخع و منه قوله تعالى: أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا [الرعد- 31].

مِنْ وُجْدِكُمْ (2) الوجد: الوسع و الطاقة و قرئ بالحركات الثلاث.

وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ: الائتمار بمعنى: التآمر، كالاشتوار بمعنى:

التشاور و يقال: ائتمر القوم إذا أمر بعضهم بعضا.

عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها: أعرضت عنه على حد العتو و العناد.

ص: 169


1- هو بشير الفريري.
2- قرأ ابن يعقوب الحضرمي و هو صاحب قراءة متواترة من وجدكم. و قرأ الحسن و الأعرج و ابن أبي عسلة من وجدكم.

سورة التحريم

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ فيه معنيان، الأول: قد شرع اللّه لكم الاستثناء في أيمانكم من قولهم:" حل فلان في يمينه إذا استثنى فيه"، و منه:" حلا أبيت اللعن" أي: استثن، و منه" يا حالف اذكر حلّا في يمينك إذا طلقت". و ذلك أن يقول: إن شاء اللّه عقبها. و الثاني: قد شرع لكم تحليلها بالكفارة.

قانِتاتٍ القنوت: الطاعة، طاعة اللّه و طاعة رسوله.

ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً: وسطت الواو دون باقي الصفات لوجود التنافي إذ لا يجتمعان بخلاف البواقي لاحتمال الاجتماع فيهن.

تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً: وصفت التوبة بالنصح على سبيل المجاز، و النصح صفة التائبين أن يأتوا بها متداركة للفرطات ماحية للسيئات عازمين على أن لا يعودوا موطنين أنفسهم على ذلك. و عن علي تجمعها ستة أشياء: الندم على الماضي من الذنوب، و الإعادة للفروض، ورد المظالم و استحلال الخصوم، و العزم على عدم العود، و أن تدئبها في طاعة اللّه تعالى كما أدأبتها في معصيته، و أن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي.

جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ: الكفار بالسيف، و المنافقين بالاحتجاج.

امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ: لما نافقتا و خانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما شيئا، و إن كان قد وقعت صلة الزوجية. ثم ضرب اللّه المثل بالمرأتين الصالحتين و إن كان قومهما كفارا مريم و امرأة فرعون فإن قيل: ما خيانة امرأة نوح؟

قيل: إنها كانت تقول لقومها هو مجنون. و أما امرأة لوط فدلت على ضيفانه، و اسم امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، و قيل: هي عمة موسى آمنت حين سمعت بتلقف عصا موسى الإفك.

وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ: غلّب الذكورة على الأنوثة، و قيل: اسم امرأة نوح واغلة و اسم امرأة لوط و اهلة، قال جار اللّه: و حديث أثر الصنعة عليه ظاهر بيّن.

ص: 170

سورة الملك

تَبارَكَ: تعالى عن صفات المخلوقين و تعاظم.

بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي: هو مستول على كل موجود حاصل، و على كل موجود لم يوجد داخل تحت القدرة، و ذكر اليد مجاز (1) عن الإحاطة و الشمول.

خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الموت: عدم الإحساس، و الحياة: وجود الإحساس (2).

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ: ليس الغرض التثنية و إنما الغرض التكرار لأنه لا ينقلب خاسئا حسيرا بمرتين، و نظيره لبيك و سعديك أي: تلبية بعد تلبية.

رُجُوماً لِلشَّياطِينِ: جمع رجم و هو مصدر سمي به ما يرجم به، و معنى كونها ما يرجم به أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منفصلة من نار الكواكب.

لا أن الرجم يقع بالكواكب لأنها قارة في أفلاكها و ما ذاك إلا كقبس يؤخذ من النار.

تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ التميّز هاهنا: التقطع.

ذَلُولًا الذلول: المطيعة من النياق، و استعارها للأرض ثم جعل المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل، و المناكب هاهنا: الجبال و هو أبلغ في التذليل.

صافَّاتٍ: باسطات أجنحتها، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء.

مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ: فجعل أكبّ مطاوع كبّه لأنهم يقولون: كبه فأكبّ و لم يقولوا: فانكب و هو من الشواذ، و ذلك لأن الثلاثي متعد و الرباعي لازم، و نحوه قشعت الريح السحاب فأقشع و لا شي ء من بناء أفعل مطاوعا، و هذا منقول من جملة كتاب سيبويه، و قال الزمخشري: هو من باب انقض و معناه دخل في الكب فصار ذا كب و كذلك أقشع السحاب دخل في القشع بجعل الهمزة للصيرورة، مثل أغدّ البعير و أحصد الزرع.

سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا: عليها الكآبة و غشيها الكسوف كحال من

ص: 171


1- قال ابن عباس: بيده الملك يعز من يشاء و يذل من يشاء، و يحيي و يميت، و يغني و يفقر، و يعطي و يمنع، و المؤلف هاهنا يؤول صفة اليد تأويلا غير مراد، يشبه تأويل المعتزلة و الأشاعرة.
2- ما ذكره المؤلف هنا جرى فيه مجرى الزمخشري في تفسيره، و هو أشبه برأي المعتزلة في أن الموت عدم و هو خطأ، و معتقد أهل السنة و الجماعة أنه أمر وجودي يضاد الحياة.

يقاد إلى القتل أو يعرض على العذاب.

كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ: يجوز أن يكون تفتعلون من الدعاء تطلبونه و تستعجلونه، و قيل: من الدعوى أي: كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون.

ماؤُكُمْ غَوْراً أي: غائرا ذاهبا في الأرض، و عن الكلبي لا تناله الدلاء، و هو وصف بالمصدر كعدل و رضى. و عن بعض الجهال أنه لما قرأ هذه الآية قال:

تأتي به الفئوس و المعاول فذهب ماء عينه نعوذ باللّه من الجرأة على كلامه المعجز.

ص: 172

سورة ن

قال جار اللّه المراد بنون الحرف المعروف من حروف المعجم، و قول من قال: أراد به الدواة لا أدري أ هو وضع لغوي أم شرعي.

و قال الجوهري: النون: الحوت و جمعه أنوان و نينان، و النون: شفرة السيف، قال الشاعر:

بذي نونين مفصال مقط (1) و النون اسم سيف لبعض العرب قال الشاعر (الحارث بن زهير):

سأجعله مكان النون مني و ما أعطيته عرق الخلال

و النون حرف من حروف العجم.

وَ الْقَلَمِ: لا تسمى اليراعة قلما. إلا إذا بريت، و قد تقدم و أقسم به لما فيه من المنافع و الفوائد.

الْمَفْتُونُ و مفتون أي: مجنون لأنه فتن أي: مجن بالجنون، و المفتون مصدر كالمعقول و المجلود و المحصول و الميسور و المعسور، قال سيبويه: مهما جاء من هذا الوزن فهو صفة و لا يجي ء المصدر عندهم على وزن مفعول البتة. و يتأول قولهم:

دعه إلى ميسوره و معسوره إلى أمر يوسر فيه أو أمر يعسر فيه.

لَوْ تُدْهِنُ أي: تلين و تصانع.

هَمَّازٍ: كبير الغيبة، و قال الحسن: يلوي شدقيه في أقفية الناس.

مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ: نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية.

زَنِيمٍ (2): مجاوز للظلم.

عُتُلٍّ: جاف غليظ من عتله إذا ساقه بعنف، و قيل زنيم: دعي، قال حسان: و أنت زميم نيط في آل هاشم: كما نيط خلق الراكب القدح الفرد، قيل المراد به: الوليد بن المغيرة، و كان دعيا في قريش.

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ الوسم: العلامة، و الخرطوم: الأنف، و الخرطوم من أسماء الخمر و هو كناية عن الإهانة، لأن الأنف محل العز و الأنفة و الشمم.

إِنَّا بَلَوْناهُمْ: يريد أهل مكة.

ص: 173


1- البيت لا يعرف قائله، و قد ورد في اللسان هكذا: بذي نونين فصال مقط.
2- زنيم: دعي ملصق بقومه أو شرير.

أَصْحابَ الْجَنَّةِ: قوم من أهل الصلاة، كانت لأبيهم جنة، هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين، و كان يأخذ منها قوت سنته، و يتصدق بالباقي، فشحت نفوس أولاده فأحرقها اللّه تعالى.

وَ لا يَسْتَثْنُونَ: في يمينهم و هو قولهم: إن شاء اللّه، قال جار اللّه:

" كيف سمي استثناء و هو شرط؟ فأجاب: أنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء اللّه و لا أخرج إلا أن يشاء اللّه واحد".

كَالصَّرِيمِ أي: كالمصرومة لهلاك ثمرها، و قيل الصريم: الليل. أي:

احترقت فاسودت و قيل: النهار و هو من الأضداد، و قيل الصريم: الرمال.

يَتَخافَتُونَ: يتسارون، و خفي و خفت و خفد ثلاثتها في معنى الكتم.

عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ الحرد: المنع من حاردت السنة إذا منعت خيرها.

و حاردت الإبل إذا منعت درها و قيل الحرد: الحنق و الغضب و قيل: القصد و السرعة، يقال: حردت حردك إذا قصدت قصدك قال:

أقبل سيل جاء من عند اللّه يحرد حرد الحية المغلة (1)

و المعنى غدوا على جنتهم بسرعة.

لَوْ لا تُسَبِّحُونَ التسبيح هاهنا: الاستثناء، و قيل: المراد به الصلاة لأنهم كانوا يتوانون عنها.

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ: مثل يضرب لشدة الأمر (2).

مِنْ مَغْرَمٍ المغرم: الغرامة.

وَ هُوَ مَكْظُومٌ المكظوم: الممتلئ غيظا من كظم السقاء إذا ملأه.

لَيُزْلِقُونَكَ- بضم الياء و فتحها- (3): يعني أن عيونهم تؤثر فيك حتى تزلق قدمك. أو يهلكونك بأبصارهم.

ص: 174


1- البيت لا يعرف قائله، و المغلة: التي لها دخل و ثمار.
2- روى البخاري و مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلّى الله عليه و سلم يقول:" يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن و مؤمنة و يبقى من كان يسجد في الدنيا رياء و سمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا"، و أما ما ذهب إليه المؤلف من معنى و إن كان صحيحا في ذاته فهو غير مراد هنا؛ لأن الآية من المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه، فيجب الإيمان به على مراد اللّه منه.
3- قرأ نافع و أبو جعفر: ليزلقونك بفتح الياء.

سورة الحاقة

الْحَاقَّةُ: الساعة الواجبة الوقوع الآتية بلا ريب فيها، أو التي فيها حواق الأمور من الحساب و الثواب و العقاب. أو التي تحقّ فيها الأمور، من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها و هو لأهلها.

بِالْقارِعَةِ: التي تقرع الأسماع بالأهوال.

بِالطَّاغِيَةِ أي: بالواقعة المجاوزة الحد في الشدة، و اختلف فيها، فقيل:

الرجفة و قيل: الصاعقة، و قيل: الطاغية مصدر كالعافية.

بِرِيحٍ صَرْصَرٍ الصرصر: الشديدة الصوت لها صرصرة من قولهم: إذا صرصر البازي فلا ديك يصرخ، و قيل: الباردة من الصر عاتية، شديدة العصف، و قيل: عتت على عاد فلم تقدر على ردها؛ لأنها كانت تنزعهم من أماكنهم و من آبارهم التي ينزلون فيها.

وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً: إما أن تكون جمع حاسم و هو القاطع و منه الحسام:

السيف كشاهد و شهود، أو يكون مصدرا كالكفور و الشكور، و المراد بالحسوم أنها حسمت كل خير، قيل: إنها أيام العجوز و هي إشارة إلى عجوز من عاد تورات في سرب فانتزعتها الريح، و قيل: من عجز الشتاء و هي آخر الشتاء، و قيل: متتابعة، و يقال الحسوم: الشوم، و معنى سخرها عليهم أي: سلطها عليهم كما يشاء.

رابِيَةً: مرتفعة.

طَغَى الْماءُ أي: ارتفع و كبر شأنه.

حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ الجارية: السفينة اشتق لها من فعلها.

وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال جار اللّه: لم جي ء به على التوحيد و التنكير؟ قلت:

إيذان بأن الوعاة فيهم قلة.

فَدُكَّتا الدك: ضرب بعض الشي ء ببعضه حتى يندق، و هو أبلغ من الدق.

واهِيَةٌ أي: ضعيفة، و قيل مسترخية ساقطة القوة بعد أن كانت محكمة.

خافِيَةٌ سريرة.

هاؤُمُ: صوت يفهم منه خذ.

إِنِّي ظَنَنْتُ أي: علمت و إنما أجري الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات و الأحكام، يقال: أظن كاليقين أن السر كيت و كيت.

ص: 175

فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أي: راض صاحبها، و قيل: أسند إليها الرضى على حكم الملابسة.

قُطُوفُها دانِيَةٌ: ينالها القاعد و القائم.

الْخالِيَةِ: الماضية، و قيل: المراد بها أيام الصيام.

يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ أي: القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها. و قيل:

المراد الحالة التي شاهدها- ليتها كانت الموتة التي قضيت عليّ- لأنه رآها أبشع و أمرّ مما ذاقه من الموت فتمناه عندها.

ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ: يحتمل النفي و يحتمل الاستفهام على وجه الإنكار.

أي: أي شي ء أغنى عني مما كان لي من اليسار.

سُلْطانِيَهْ: الهاء للسكت، و السلطان هاهنا: الملك.

الْجَحِيمَ: النار العظمى.

فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ أي: اجعلوا السلسلة سلكا له كالسلك الواقع فيه الخرز و اللؤلؤ و هو الخيط، و وصفها بالسبعين إرادة الطول كقوله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً يريد: مرات كثيرة.

وَ لا يَحُضُّ أي: يحث.

غِسْلِينٍ الغسلين: ما يسيل من أبدانهم من الصديد و الدم.

الْخاطِؤُنَ: الآثمون. و خطئ الرجل إذا تعمد الذنب. قال الجوهري، و قال أبو عبيدة خطئ و أخطأ لغتان بمعنى واحد، و في المثل" مع الخواطئ سهم صائب"، و قال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، و الخاطئ من تعمد ما لا ينبغي.

تَقَوَّلَ عَلَيْنا: افتعل القول، و الأقاويل جمع أقوولة أفعولة تصغيرا لها و تحقيرا مثل: الأعاجيب و الأضاحيك.

لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ: أبرز هذا القول في جزاء من كذب على الملك و معنى هذا القول أنه يقتضي قتله صبرا لكونه يؤخذ بيمينه ثم يقطع و تينه، و الوتين: نياط القلب، و هو حبل الوريد إذا قطع مات صاحبه.

فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ: مانعين، و هو إخبار عن أحد لأن أحد؛ في معنى الجماعة، و الضمير في:" عنه" للقتل.

وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ أي: عين اليقين. و اللّه تعالى أعلم.

ص: 176

سورة المعارج

سَأَلَ سائِلٌ: ضمن سأل دعا؛ فلذلك عداه بحرف الجر، قيل الداعي:

النضر بن الحارث (1) لأنه قال: فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، و قيل: هو رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم استعجل عذاب الكافرين. و قرئ: سال سائل و هي لغة قريش.

ذِي الْمَعارِجِ أي: المصاعد، جمع معرج.

خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ: من سني الدنيا، و قيل فيه خمسون موطنا، كل موطن ألف سنة.

كَالْمُهْلِ المهل: دردي الزيت.

كَالْعِهْنِ و العهن: الصوف المصبوغ ألوانا؛ لأن الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود فإذا بست و طيّرت في الجو أشبهت العهن المنفوش.

يُبَصَّرُونَهُمْ: الضمير راجع إلى الحميم و الحميم، و هما اثنان و الضمير جمع.

قال جار اللّه: راعى معنى العموم أي: لكل حميمين حميمين لا لحميمين اثنين فقط.

وَ فَصِيلَتِهِ: عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم.

تُؤْوِيهِ: تضمه.

إِنَّها لَظى: الضمير للنار و لم يجر لها ذكر؛ لكن ذكر العذاب دل عليها.

و يجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر، أو ضمير القصة، و لظى: علم للنار منقول من اللظى و هو اللهب؛ لأن تلظّي النار التهابها.

نَزَّاعَةً لِلشَّوى الشوى: الأطراف، أو جمع شواه: و هو جلدة الرأس.

تَدْعُوا أي: تدعوهم مجاز (2) عن إحضارهم، و منه قول أبي النجم:

تقول للرائد أعشبت أنزل

و قيل: تدعو: تهلك. من قول العرب:" دعاك اللّه"، أي: أهلكك اللّه.

ص: 177


1- أخرج الحاكم عن سعيد بن جبير أنه النضر بن الحارث. قال الذهبي: حديث صحيح على شرط البخاري.
2- الصواب أن الدعاء على حقيقته، إذ يخلق اللّه تعالى فيها النار القدرة على الكلام فتناديهم بأسمائهم و أسماء آبائهم.

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً المراد الناس و يؤيده الاستثناء إلا المصلين، و الهلع: سرعة الجزع عند مس المكروه، و سرعة المنع عند مس الخير. و قولهم: ناقة هلواع، أي: سريعة السير، و الخير في الآية: المال.

لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المحروم: المتعفف الذي يظن أنه غني فيحرم.

قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ أي: يمدون أعناقهم مقبلين بأبصارهم.

عِزِينَ: مفترقين جمع عزة.

يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ الأجداث: القبور، و قيل: تبدل الثاء فاء.

إِلى نُصُبٍ: و هو كل ما نصب لغير عبادة اللّه تعالى.

يُوفِضُونَ: يسرعون.

ص: 178

سورة نوح

قال جار اللّه: لَيْلًا وَ نَهاراً دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها، قلت و في كلامه نظر إذ لا يمكن استغراق الأوقات لوجود الضرورات الإنسانية من قضاء الحاجة و الأكل و النوم، و إنما ذلك على سبيل المبالغة، كقولهم" إن فلانا لا يضع عصاه عن عاتقه".

وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ: وضعوا ثيابهم على وجوههم كراهة النظر إليه، و قيل لئلا يعرفهم و يعضده قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ [هود- 5].

وَ أَصَرُّوا: قال جار اللّه من أصرّ (1) الحمار على العانة صر أذنيه و أقبل عليها يكدمها و يطردها، و استعير للإقبال على المعاصي و الإكباب عليها، و يقال:

أصر على الشي ء إذا داوم عليه، و من ذلك قولهم في اليمين:" هي مني صرى" أي:

عزمة وجد، و هي مشتقة من أصررت على الشي ء.

مِدْراراً: كثير الدرور.

لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً أي: توقيرا.

أَطْواراً أي: تارات، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما و لحما ثم أنشأناه خلقا آخر.

وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً فإن قيل: فالقمر في سماء الدنيا، قلت بين السماوات ملابسة من حيث إنها طباق فجاز أن يقال: فيهن كذا، و إن لم يكن في جميعها. كما يقال: في المدينة كذا و هو في بعض نواحيها.

مَكْراً كُبَّاراً: أكبر من الكبير، و الكبّار: أبلغ الكبار، و نحوه: طوال و طوّال.

وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً: أسماء أصنامهم، و انتقلت من

ص: 179


1- أصر الحمار على العانة ... الخ، هو رأي الزمخشري و نقله عنه المؤلف، و لعل الصحيح و اللّه أعلم أن المراد بالصرّ: الشد و التعقد و هي مشتقة من قولهم:" أصررت على الشي ء" إذا أقمت و دمت عليه. و منه قوله تعالى: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران- 135]، و في الآية عزموا على الكفر. و اللّه أعلم.

قوم نوح إلى العرب، فود لكلب، و سواع لهمذان، و يغوث لمذحج، و يعوق لمراد، و نسر لحمير، و قيل: كان ود على صورة رجل، و سواع على صورة امرأة، و يغوث على صورة أسد، و يعوق على صورة فرس، و نسر على صورة نسر.

وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً: فإن قلت: بم علم أنهم يلدون إلا فاجرا كفارا؟ قلت: لأن نوحا لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم فقد عرفهم، و كان الرجل ينطلق إليه بابنه و يقول له: احذر هذا فإنه كذاب فيموت الكبير و ينشأ الصغير على ذلك. و أنصع من هذا الجواب أن اللّه تعالى أخبر عن قوم نوح: لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود- 36] فعلم أن من ولد لا يكون مؤمنا، و وصفهم بما يصيرون إليه من الكفر و الفجور كقوله عليه السلام:" من قتل قتيلا فله سلبه".

تَباراً: هلاكا.

ص: 180

سورة الجن

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ يقال: أوحي إليه و وحي إليه، و قرئ: و وحي و أصله وحي فقلبت الواو همزة كما يقال: وعد و أذن و مثله: أقتت في وقتت و هو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة و كذا المكسورة كإشاح، و إسادة، و إعاء أخيه، و قرأ ابن أبي عبلة: وحى على الأصل (1).

أَنَّهُ اسْتَمَعَ: بالفتح على أنه فاعل أوحي.

إِنَّا سَمِعْنا: بالكسر لأنه مبتدأ محكى بعد القول ثم يحمل عليهما البواقي.

نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ: جماعة ما بين الثلاثة إلى العشرة.

عَجَباً أي: عجيبا.

جَدُّ رَبِّنا: عظمته، من قولك: جد فلان في عيني، أي: عظم، استعارة من الجد و هو الحظ.

شَطَطاً: مجاوزة الحد في الظلم و غيره.

لِبَداً: مزدحمين متراكمين مأخوذ من لبدة الأسد، و قرئ لبد و هي في معنى اللبدة. و قرئ لبّدا كساجد و سجّدا، و لبدا مثل صابر و صبر.

مُلْتَحَداً: ملجأ.

فَزادُوهُمْ رَهَقاً الرهق: غشيان المحارم، و المعنى: أن الإنس باستعاذتهم زادوهم كفرا و كبرا. و المعنى: أن الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر و خاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فإذا سمعوا بذلك استكبروا و قالوا: سدنا الأنس و الجن فذلك رهقهم.

لَمَسْنَا اللمس: المس و استعير للطلب قال الشاعر:

مسسنا من الآباء شيئا و كلنا إلى نسب في قومه غير واضع

ص: 181


1- روى الأزهري عن أبي زيد في قوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ من أوحيت، قال: و ناس من العرب يقولون: و حيت إليه و وحيت له و أوحيت له و أوحيت إليه و له قال: و قرأ جؤية الأسدي: قل أحي إلي، من حيت، و في روح المعاني:" و قرأ ابن أبي عبلة وحى إلي بلا همزة و منه قال العجاج: وحى لها القرار فاستقرت. وحيت أحي وحيا، و أوحيت إليه أوحي إيحاء إذا أشرت إليه و أومأت".

يقال: لمسه و التمسه و تلمّسه مثل: طلبه و تطلبه و أطلبه و نحوه الجسّ.

حَرَساً الحرس: اسم مفرد في معنى الحراس كالخدم في معنى الخدام.

رَصَداً: الرصد مثل الحراس اسم جمع للراصد، و يجوز أن يكون صفة للشهاب.

قِدَداً أي: طرقا متفرقة من قد الشي ء إذا قطعه، شبه الطرق باختلافها كاختلاف السيور المقدودة.

وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ: الجائرون و قد تقدم.

وَ أَنَّا ظَنَنَّا: الظن هاهنا بمعنى: اليقين.

غَدَقاً أي: كثيرا. بكسر الدال و فتحها.

لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ: لنختبرهم فيه. و يحتمل: لو استمر الجن على طريقتهم الأولى التي كانوا عليها قبل الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم.

نسلكه قرئ بفتح النون و ضمها، و الياء. أي: ندخله عذابا، و التقدير: في عذاب كقوله: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر: 42].

صَعَداً: مصدر صعد صعدا و صعودا.

وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ معناه: يعبده، و حسن ذكر العبودية دون الرسول لإظهار التواضع و الخضوع.

ص: 182

سورة المزمل

الْمُزَّمِّلُ المتزمل، و هو الذي يلتف في ثيابه بإدغام التاء في الزاي، و نحوه:

المدثر في المتدثر، و قرئ المتزمل على الأصل، و قرئ المزمّل على أنه اسم مفعول.

قال جار اللّه: أراد بالمزمل الكناية عن الشخص الذي لا يهمه أمر و من أمثالهم:

أوردها سعد و سعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل

و من ذلك قول ذي الرمة:

و كائن تخطت ناقتي من مفازة و من نائم عن ليلها متزمل

و للمفسرين فيها أقوال (1).

تَرْتِيلًا: قراءة على تؤدة، و تبيين حروفه و إشباع حركاته حتى يجي ء المتلو منه شبيها بالثغر المرتل و هو المفلج المشبه بنور الأقحوان.

قَوْلًا ثَقِيلًا: وصف القرآن بالثقل لما تضمن من الأوامر و النواهي، و لا يخفى ما في ذلك من المشقة و قيل: ثقيل في الميزان، و قيل: ثقيل على المنافقين.

ناشِئَةَ اللَّيْلِ: هي العبادة التي حثت العابد على ارتفاعه من مضجعه، من نشأت السحابة إذا ارتفعت و نشأ من مكانه و نشز أي: نهض.

أَشَدُّ وَطْئاً أي: مواطأة، لأن القلب يواطئ فيها اللسان. بسكون الليل بخلاف النهار.

سَبْحاً طَوِيلًا أي: متصرّفا.

وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا أي: انقطع إليه.

هَجْراً جَمِيلًا أي: يجانبهم بقلبه و يخالطهم بالأعضاء و المداراة.

وَ ذَرْنِي: اتركني.

أَنْكالًا: قيودا.

مَهِيلًا: منتثرا.

ص: 183


1- هذا الكلام لا يليق بمقام النبوة، و الصحيح من أقوال أهل العلم: أن المزمل ليس من أسمائه صلّى الله عليه و سلم و إنما هو مشتق من حالته التي كان عليها وقت نزول الوحي عليه، و هذا نظير قوله صلّى الله عليه و سلم لعلي و قد نام و لصق بجنبه التراب:" قم أبا تراب" إشعارا بأنه ملاطف له، فقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ فيه تأنيس و ملاطفة.

وَبِيلًا الوبيل: الوخيم، و الوبيل: العصا الضخمة، و منه الوابل للمطر العظيم.

يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً: يحتمل أن يكون مفعول به، و يحتمل للظرفية.

السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي: ذات انفطار.

يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ: يريد بهم المجاهدين و التجار. و سوى بينهما لأن المقصد طلب الحلال.

ص: 184

سورة المدثر

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ: هو لابس الدثار؛ و هو ما فوق الشعار، لأنه الذي يلي الشعار، و منه قول النبي صلّى الله عليه و سلم:" الأنصار شعار، و الناس دثار" قيل: إنها أول سورة نزلت، و عن جابر (1) و عن الزهري أن أول سورة نزلت اقرأ.

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ قيل: نقها من النجاسات، و قيل: قصّر لمخالفة العرب و قيل: أمر بتطهير النفس (2) من قولهم:" فلان طاهر الأردان و الجيب"، إذا و صفوه بالنقاء من المعايب و فلان دنس الثياب كناية عن الغدر.

وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ: المعنى لا تعط مستكثرا لما تعطيه.

فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: نفخ في الصور.

وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً: يجوز أن يكون حالا من" اللّه" على معنيين، أحدهما: ذرني وحدي معه فأنا أنتقم منه، و الثاني: خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد، أو حال من المخلوق أي: خلقته وحيدا فريدا لا مال له، قيل نزلت في الوليد بن المغيرة. و كان يلقب في قومه بالوحيد. و لعله لقب بعد نزول الآية.

مالًا مَمْدُوداً: مبسوطا، و اختلف في كميته، فقيل: ألف مثقال، و قيل أربعة آلاف و قيل: تسعة، و قيل: ألف ألف، و عن ابن جريج:" غلة شهر بشهر".

وَ بَنِينَ شُهُوداً قيل: كانوا عشرة، و قيل ثلاثة عشر كلهم رجال، قيل أسماؤهم الوليد بن الوليد و خالد، و عمارة، و هشام، و العاص، و قيس، و عبد شمس، أسلم منهم ثلاثة خالد و هشام و عمارة.

ص: 185


1- روى البخاري عن جابر أنه كان يقول: أول شي ء نزل من القرآن يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ و روى البخاري و مسلم عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد اللّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم و هو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه:" فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء و الأرض، فجئثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني فدثروني، فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" و يقتضي هذا الحديث أنه قد نزل الوحي قبل هذا لقوله:" فإذا الملك الذي جاء بحراء" و هو جبريل أتاه بقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... ثم إنه حصل بعد ذلك فترة، ثم نزل الملك بعدها.
2- و هو قول قتادة و مجاهد و إبراهيم و الضحاك و الشعبي و الزهري، و قال ابن عباس: لا تلبسها على معصية و لا قذر، و العرب تقول في وصف الرجل بالصدق و الوفاء: طاهر الثياب، و تقول للفاجر و الغادر: دنس الثياب.

عَنِيداً: معاندا و العناد: المخالفة.

سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً: سأغشيه عقبة شاقة المصعد؛ و هو مثل لما يلقى من العذاب الشاق و قيل:" الصعود" جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا.

إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ: فكر في قولهم: ما ذا تقول في القرآن، و قدّر في نفسه ما يقوله.

فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ: تعجيب من تقديره و إصابته المحز. و معنى قول القائل" قتله اللّه ما أشجعه، و أخزاه اللّه ما أشعره" يريدون بذلك أنه قد بلغ المبلغ الذي يحسد عليه و يدعى عليه. روي أن الوليد بن المغيرة قال لبني مخزوم:" لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس و لا الجن. إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و إنه يعلو و لا يعلى .. فقالت قريش: صبأ و اللّه الوليد".

ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ: بسر الرجل وجهه إذا كلح.

لَوَّاحَةٌ التلويح: تغير الوجه. تقول: لوّحته الشمس إذا غيرته، و قيل:

اشتقاقه من اللوح بضم اللام و هو ما بين السماء و الأرض.

وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ الخوض: الشروع في الباطل و ما لا ينبغي.

حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ: قرئ بكسر الفاء و فتحها (1)؛ و هي الشديدة النفار.

فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قيل: المراد الرماة الذين يصيدونها، و قيل: الأسد و جمع القسورة: قساور، و اشتقاقه من القسر و هو القهر و الغلبة، و قيل: القسورة أصوات الناس، و قيل: ظلمة الليل.

كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ: الضمير في" إنه"،" ذكره" يعودان إلى التذكرة.

كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ: و إنما ذكر حملا على معنى الذكر أو القرآن.

هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أي: هو أهل أن يتقى و أهل أن يغفر لمن اتقاه.

ص: 186


1- قرأ نافع و ابن عامر و أبو جعفر بفتح الفاء، و الباقون بكسرها.

سورة القيامة

لا أُقْسِمُ: إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم و أشعارهم قال امرؤ القيس:

لا و أبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر

و فائدتها: توكيد القسم، و قالوا: إنها صلة مثل قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ [الحديد: 29] و اعترض هذا القول بأن زيادتها لا تقع إلا في وسط الكلام، و قيل: لا نفي لكلام تقدم ثم قال: أقسم، و قرئ لأقسم على أن اللام للابتداء (1)، و أقسم خبر مبتدأ محذوف معناه لأنا أقسم و يعضده كونه في الإمام بغير ألف.

بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ: هي التي تلوم النفوس يوم القيامة على تقصيرهن أو التي تلوم نفسها على التقصير.

نُسَوِّيَ بَنانَهُ أي: أصابعه بضم السّلاميات مع صغرها بعضها إلى بعض فكيف بالعظام الكبار.

لِيَفْجُرَ أَمامَهُ: ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات و فيما يستقبله من الزمان.

و عن سعيد بن جبير: يقدم الذنب و يؤخر التوبة إلى أن يغشاه الموت على أشر أحواله.

بَرِقَ الْبَصَرُ: تحير فزعا و أصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره بكسر الراء، و قرئ برق بفتح الراء (2) من البريق إذا شخص و لمعت عينه من شدة الشخوص و قرأ أبو السّمال بلق إذا انفتح و انفرج من بلق الباب و أبلقته إذا فتحته.

وَ خَسَفَ الْقَمَرُ: ذهب ضوؤه.

كَلَّا لا وَزَرَ أي: ملجأ.

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ أي: حجة بينة.

وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ أي: جاء بكل معذرة.

ص: 187


1- قرأ ابن كثير و الحسن و الزهري و ابن هرمز:" لأقسم".
2- قرأ نافع و أبو جعفر: برق بفتح الراء.

ناضِرَةٌ: ناعمة.

باسِرَةٌ: كالحة.

فاقِرَةٌ: داهية تكسر فقار الظهر، و المعاذير ليست جمع معذرة لأن جمعها معاذر و إنما المعاذير اسم جمع لها كالمناكير في المنكر.

بَلَغَتِ التَّراقِيَ التراقي: عظام الصدر واحدها ترقوة و الضمير للنفس و إن لم يجر لها ذكر، و حسن ذكر التراقي.

وَ قِيلَ مَنْ راقٍ أي: من يرقى بروحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب.

يَتَمَطَّى: يتبختر و أصله يتمطط أي: يتمدد مأخوذ من المطا و هو الظهر لأنه يلويه.

ص: 188

سورة الدهر

هَلْ: بمعنى قد في الاستفهام خاصة، و الأصل: أهل و التقدير: قد على جهة التقرير و التقريب.

سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم

مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ قيل: اختلاط الماءين و قيل: عروق النطفة، و قيل أمشاج ألوان و أطوار يريد أنها تكون نطفة ثم علقة ثم مضغة، و يقال من نطفة مشج، و الجمع أمشاج هذا رأي الجوهري. و قال جار اللّه: أمشاج ليس بجمع و هو مثل برمة أعشار فوصف المفرد بالمفرد، و مشج و مزج بمعنى.

كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً أي: منتشرا بالغا أقصى المبالغ من استطار الحريق، و استطار الفجر.

عَلى حُبِّهِ أي: حب الطعام، و قيل: على حب اللّه.

عَبُوساً قَمْطَرِيراً: القمطرير: الشديد العبوس الذي يجمع ما بين عينيه.

قال الزجاج: اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها و جمعت قطريها و زمت بأنفها فاشتقه من القطر و جعل الميم مزيدة.

قال أسد بن ناعصة:

و اصطليت الحروب في كل يوم باسل الشر قمطرير الصباح

وَ لا زَمْهَرِيراً: هو البرد الشديد، و قيل: هو القمر، يعني أن الجنة لا شمس فيها و لا قمر.

قال طائي:

و ليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها و الزمهرير ما زهر

وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا التذليل: أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا، و يجوز أن يراد أنها خاضعة لهم متقاصرة من قولهم: حائط ذليل إذا كان قصيرا.

وَ أَكْوابٍ الأكواب: كيزان بلا عروة.

سَلْسَبِيلًا: هو صفة لما كان في غاية السلاسة.

وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ: ثم بمعنى: هناك.

وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ الأسر: الربط و التوثيق، و منه أسر الرجل إذا أوثق بالقد، و هو الإسار.

ص: 189

سورة المرسلات

وَ الْمُرْسَلاتِ فيها أقوال، قيل: الملائكة، و قيل: الرياح، و قيل: السحاب.

عُرْفاً: متتابعة مأخوذ من عرف الضبع، و ما بعد ذلك من الناشرات و الفارقات و الملقيات يرجع إلى ما تقدم.

عُذْراً أَوْ نُذْراً: هما مصدران كالكفر و الشكر.

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ: محيت.

فُرِجَتْ: فتحت.

نُسِفَتْ قال الجوهري: نسفت البناء قلعته، و نسف البعير الكلأ ينسفه إذا اقتلعه بأصله و نسف الطعام: نقضه، و المنسف: ما ينسف به الطعام.

الرُّسُلُ أُقِّتَتْ و قرئ: وقتت، و قرئ بالتشديد و التخفيف فيها، و الأصل الواو، و معنى توقيت الرسل: تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أمرهم.

كِفاتاً: الكفات من كفتّ الشي ء إذا ضممته و جمعته و هو اسم ما يكفت كقولهم: الجماع و الضمام لما يضم و يجمع.

إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ: الظل هاهنا الدخان و لعظمه يتشعب ثلاث شعب.

كَالْقَصْرِ: قيل: أراد به البناء المعروف، و قيل أراد به الغليظ من الشجر، الواحدة: قصرة، نحو: جمرة و جمر، و قرئ كالقصر بفتحتين، و هي أعناق الإبل أو أعناق النخل نحو: شجرة و شجر.

كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ جمالات: جمع جمال أو جمالة، و جمالة جمع جمل، و قرئ: جمالات بالضم و هي قلوس (1) الجسور، و قيل: قلوس سفن البحر؛ و هي الجبال الغلاظ، و فسر صفر بتفسيرين أحدهما: صفر، و الثاني: سود.

ص: 190


1- قلوس: جمع قلس، و هو حبل ضخم من ليف و خوص، و قيل: هو حبل غليظ من حبال السفن.

سورة النبأ

عَمَّ: أصله عما، دخل عليه حرف الجر فحذف ألف ما الاستفهامية لأن حرف الجر الداخل على ما الاستفهامية يحذفها. فعلى ذلك عم، و علام، و حتّام.

و قرئ عما (1) و هي لغة القوم قال حسان:

على ما قام يشتمني لئيم كخنزير تمرغ في رماد

و المعنى عن أي شي ء يتساءلون، قيل القرآن، و قيل نبوة محمد عليه السلام.

مِهاداً: فراشا، و قرئ: مهدا (2) و المعنى: ممهودا فيكون بمعنى الخلق و الضرب.

سُباتاً: موتا، و المسبوت: الميت من السبت و هو القطع لأنه مقطوع عن الحركة بالنوم، و قيل السبات: الراحة.

الْمُعْصِراتِ: هي السحاب و المعنى: إذا عصرت أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولهم:" أجزّ الزرع" إذا حان له أن يجز، و منه أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض.

ثَجَّاجاً: منصبا بكثرة، يقال ثجه و ثج بنفسه.

أَلْفافاً: ملتفة لا واحد لها و قيل: الواحد لفّ و أنشد عليه:

جنة لف و عيش غدق و ندامى كلهم بيض زهر

و قيل: إن واحده لفاء ثم جمع على لف ثم جمع على ألفاف.

مَآباً: مرجعا.

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً: اللّبث، و اللّبث، و اللّبث: الإقامة.

أحقابا: جمع حقب، و لا يكاد يستعمل إلا حيث يراد تتابع الأزمنة، و قيل: هو ثمانون سنة.

وَ غَسَّاقاً الغسّاق: و هو ما يغسق أي: يسيل من صديدهم.

جَزاءً وِفاقاً: وصف المصدر أي: ذا وفاق.

كِذَّاباً: تكذيبا.

ص: 191


1- هي قراءة عبد اللّه و أبي و عكرمة و عيسى بإثبات الألف.
2- هي قراءة مجاهد و عيسى.

مَفازاً: موضع فوز.

وَ كَواعِبَ أَتْراباً الكاعب: التي استدار كالفلكة ثديها. و الأتراب: اللّذات.

وَ كَأْساً دِهاقاً أي: مترعة، و أدهق الحوض ملأه.

لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً أي: لا يملكون التكلم بين يديه فما ظنك بمن عدلهم.

ص: 192

سورة النازعات

وَ النَّازِعاتِ اختلف في النازعات فقال قوم: أقسم بالملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد، و كذا الناشطات التي تنشطها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، و بالطوائف التي تسبح في مضيها أي: تسرع فتسبق إلى ما أمروا به من تدبير أمر العباد.

غَرْقاً و غرقا: إغراقا في النزع أي: تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها و أظفارها. و قيل: أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب.

وَ النَّاشِطاتِ و ناشطات: خارجات في دار الإسلام إلى دار الحرب من قولهم: ثور ناشط إذا خرج من مكان إلى مكان، و التي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة و أسند التدبير إليها لأنها من أسبابه، و قيل المراد بالنازعات:

النجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب و إغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى المغرب و التي تخرج من برج إلى برج و التي تسبح في الفلك فتسبق فتدبر أمرا من علم الحساب، و قيل النازعات: أي في نزع القوس بإغراق السهام، و المقسم عليه محذوف و هو لتبعثن. لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.

الرَّاجِفَةُ: الواقعة التي ترجف عندها الأرض و الجبال، و هي النفخة الأولى.

الرَّادِفَةُ: النفخة الثانية.

واجِفَةٌ: مضطربة.

أَبْصارُها أي: أبصار أصحاب القلوب.

لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ يقال: رجع فلان في حافرته أي: في طريقه التي جاء فيها. بمشيه و ينشد:

أ حافرة على صلع و شيب معاذ اللّه من سفه و عار

يريد رجوعا إلى الحالة الأولى.

نَخِرَةً يقال: نخر العظم فهو نخر و ناخر كقولك: طمع فهو طمع و طامع

ص: 193

و فعل أبلغ من فاعل؛ و هو البالي الأجوف الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير.

كَرَّةٌ: رجعة.

خاسِرَةٌ: غير مربحة.

زَجْرَةٌ واحِدَةٌ: و هي الصيحة الثانية فإذا هم أحياء على وجه الأرض.

فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ: الأرض البيضاء.

الْآيَةَ الْكُبْرى: العصا، و ذكر الكبرى بالنسبة إلى الآيات التسع و قد تقدم ذكرها.

فَحَشَرَ فَنادى: يحتمل أنه باشر النداء، و يحتمل أنه أمر.

نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى: إشارة إلى الكلمتين الفظيعتين أولاهما: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: 38] و الآخرة هذه.

سَمْكَها: ارتفاعها.

وَ أَغْطَشَ: أظلم يتعدى و لا يتعدى؛ يقال: أغطش الليل، و أغطش اللّه الليل.

دَحاها: بسطها، و الدحو: البسط.

وَ مَرْعاها أصله: موضع الرعي فأطلقه على ما يرعى مجازا.

مَتاعاً المتاع: ما يتمتع به.

الطَّامَّةُ الْكُبْرى: الداهية التي تطمّ على الدواهي من قولهم: طم الوادي على القرى و قيل: النفخة الثانية.

الْمَأْوى: المكان الذي يأوي إليه الشخص أي: يسكن إليه.

أَيَّانَ مُرْساها: ظرف يستفهم به عن الزمان المستقبل و فيه كسر الهمزة.

ص: 194

سورة عبس

عَبَسَ يعبس عبوسا: قطب وجهه مثل كلح، و قرئ عبّس بالتشديد.

أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى يريد به: عبد اللّه بن أم مكتوم، و أم مكتوم أم أبيه، و اسمه عبد اللّه بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري، من بني عامر بن لؤي جاء إلى النبي صلّى الله عليه و سلم و عنده صناديد قريش، و رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم يعرض عليهم الإسلام، و كانوا:

عتبة، و شيبة بن ربيعة، و أبا جهل ابن هشام، و العباس بن عبد المطلب، و أمية بن خلف، و الوليد بن المغيرة. و رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم منصب إليهم فوقف ابن أم مكتوم، و قال يا رسول اللّه: أقرئني و علمني مما علمك اللّه، و اختار رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم أن لا يقطع كلامه رجاء أن يسلم منهم أحد فيسلم بإسلامه خلق كثير فعبّس رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم وجهه فنزلت و كان رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم إذا وجده يقول له: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي.

هل لك من حاجة؟ و استخلفه في المدينة مرتين.

تَصَدَّى: تتعرض، و قيل تصدى مشتق من الصدى، و هو عود الصوت أي مجاوبة.

تَلَهَّى يقال: لهى عنه و التهى و تلهى إذا تشاغل عنه.

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قيل: القراء، و قيل: أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم، و قيل: الكتبة الذين يسفرون الأوراق أي ينسخونها.

قُتِلَ الْإِنْسانُ: دعاء عليه و هي من أشنع دعواتهم لأن القتل قصارى شدائد الدنيا.

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ اختلف في السبيل فقيل: بطن أمه، و قيل: سبيل الخير و الشر بتقديره و تمكينه.

فَأَقْبَرَهُ: جعله صاحب قبر و لم يجعله مطروحا على وجه الأرض جزرا للسباع و الطير كسائر الحيوان، يقال: قبر الميت إذا قبره و أقبره إذا اتخذه له قبرا.

وَ قَضْباً القضب: الرطبة لأنه يقضب مرة بعد أخرى.

وَ حَدائِقَ: جمع حديقة و هي: البستان.

غُلْباً: متكاثفة الشجر كما يقال: ضخمة و الأصل في الوصف بالغلب للرقاب فاستعير.

ص: 195

وَ أَبًّا و الأبّ: المرعى لأنه يؤبّ أي: يؤم و ينتجع.

قال الشاعر:

جذمنا قيس و نجد دارنا و لنا الأب به و المكرع

الصَّاخَّةُ: النفخة و عبر عنها بالصاخة مجازا لأن الناس يصخون أي:

يصغون.

تَرْهَقُها: تعلوها.

قَتَرَةٌ: غبرة كالدخان، و لا يرى أوحش من اجتماع السواد و الغبرة كما يرى في وجوه الزنج.

ص: 196

سورة التكوير

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ في التكوير وجهان: أحدهما: من كورت العمامة إذا لففتها. أي: يلف ضوؤها لفا فيذهب ضوؤها، و الثاني: عبر بالتكوير عن لفها، و لفها عبارة عن سترها لأن الثوب إذا أريد لفه لف و طوى.

وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي: انقضت.

وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ: جمع عشراء؛ و هي التي أتى على حملها عشرة أشهر ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة و هي أنفس ما تكون عند أهلها، و معنى عطلت:

تركت مهملة، و قيل: عطلها أهلها عن الحلب و الصر لاشتغالهم بأنفسهم.

حُشِرَتْ: جمعت من كل ناحية.

سُجِّرَتْ: ملئت كما يسجر التنور بالحطب.

وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قيل: نفوس المؤمنين بالحور، و نفوس الكافرين بالشياطين (1).

وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ الوأد: قتل البنات و دفنهن في التراب، و كان هذا في الجاهلية و منعه صعصعة بن ناجية.

و في ذلك يقول الفرزدق يفتخر بذلك:

و منا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم توأد

كُشِطَتْ: كشفت و أزيلت كما يكشط الإهاب عن الذبيحة، و قرأ ابن مسعود: قشطت، و اعتقاب القاف و الكاف كثير في كلامهم، يقال: لبكت الثريد و لبقته، و الكافور، و القافور.

سُعِّرَتْ: إذا أوقدت إيقادا شديدا.

أُزْلِفَتْ أدنيت قيل هذه اثنا عشرة خصلة؛ ست منها في الدنيا، و ست منها في الآخرة.

بِالْخُنَّسِ: الرواجع، بينا ترى النجم في آخر البرج اذكر راجعا إلى أوله.

الْجَوارِ الْكُنَّسِ و الجواري: السيارة، و الكنس: الغيب من كنس الوحش إذا

ص: 197


1- عن النعمان بن بشير: قال النبي صلّى الله عليه و سلم: وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قال:" يقرن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون بعمله".

دخل كناسته و قيل: هي الدراري الخمسة: بهرام و زحل، و عطارد، و الزهرة و المشترى تجري مع الشمس و ترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها فلا يطلع نهارا و تكنس ليلا أي: تبدو في أبراجها كما يبدو الوحش في بيته.

وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ يقال: عسعس و سعسع إذا أدبر، قال العجاج:

حتى إذا الصبح لها تنفسا و انجاب عنها ليلها و عسعسا

و قيل عسعس: إذا أقبل بظلامه و هو من الأضداد.

وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ فإن قيل: ما معنى تنفس الصبح؟ قلت: إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح و نسيم، فجعل ذلك تنفسا على سبيل المجاز.

إِنَّهُ: الضمير للقرآن، و الرسول الكريم جبريل مطاع في ملائكته المقربين يصدرون عن أمره و يرجعون إلى رأيه، و ثمّ بمعنى: هناك.

وَ لَقَدْ رَآهُ و المعنى: لقد رأى رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم جبريل.

بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ: مطلع الشمس الأعلى.

بظنين: قرئ بالظاء فيكون من التهمة، و بالضاد فيكون من البخل (1).

وَ ما هُوَ: الضمير عائد إلى القرآن.

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ: استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافا أو ذهابا في بنيات الطريق: أين تذهب؟ مثلت حالهم بحالة تركهم الحق و عدولهم عنه إلى الباطل.

ص: 198


1- قرأ بالظاء المعجمة ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي، و الباقون بالضاد.

سورة الانفطار

انْفَطَرَتْ: انشقت.

فُجِّرَتْ: اختلط العذب بالملح و زال البرزخ.

بُعْثِرَتْ: أخرجت موتاها، و يقال: بحثرت، و هما مركبان من البعث و البحث مع راء مضمومة إليها، و قيل لها المبعثرة: لأنها بعثرت أسرار المنافقين.

ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ: ما حملك على الغرة حتى حصل التقصير.

فَسَوَّاكَ: جعلك سويّا سالم الأعضاء.

فَعَدَلَكَ: صيرك معتدل القامة، و خصك بهذه الخلقة دون سائر الحيوانات.

فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ: ما مزيدة.

يَوْمَ الدِّينِ: يوم الجزاء.

ص: 199

سورة المطففين

وَيْلٌ الويل كلمة تقال و يراد بها: العذاب.

لِلْمُطَفِّفِينَ التطفيف: البخس في الكيل و الوزن؛ لأن ما يبخس شي ء طفيف حقير، فنزلت في قوم بالمدينة كانوا من أبخس الناس كيلا و وزنا. و قيل:

نزلت في رجل يقال له: أبو جهينة كان معه صاعان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر.

لَفِي سِجِّينٍ: هو كتاب جامع، هو ديوان الشر، دوّن اللّه تعالى فيه أعمال الشياطين و أعمال الكفرة و الفسقة من الجن و الإنس.

مَرْقُومٌ: مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه.

كَلَّا بَلْ رانَ: بمعنى: ركبها الصدى و غلب عليها حتى اسودت. و منه قولهم ران فيه النوم: رسخ فيه و رانت به الخمر ذهبت به.

عِلِّيُّونَ: علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عليه الملائكة و صلحاء الثقلين منقول من جمع عليّ كما سجين منقول من السجن.

عَلَى الْأَرائِكِ: الأسرة في الحجال.

مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ الرحيق: الشراب الخالص من الغش، المختوم: الذي ختم بالمسك أي: يجعل ذلك في أكوابه و أباريقه.

مِنْ تَسْنِيمٍ: علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه إما لأنها أرفع شراب في الجنة، و إما لأنها تأتيهم من فوق، على ما روي أنها تجري في الهواء مسنمة فتصب في أوانيهم، و عينا نصب على المدح. و قال الزجاج:

نصب على الحال.

يَتَغامَزُونَ الغمز بالعيون أي: يغمز بعضهم بعضا و يشيرون بأعينهم.

ص: 200

سورة الانشقاق

وَ أَذِنَتْ أي: استمعت، من أذن له (1).

وَ حُقَّتْ أي: حق لها الانقياد لطاعته.

وَ تَخَلَّتْ: تكلفت الخلو حتى لم يبق فيها شي ء كما يقال: تكرم الكريم و ترحم الرحيم إذا بلغا جهدهما في الكرم و الرحمة و تكلفا فوق ما في طبعهما.

إِنَّكَ كادِحٌ الكدح: جهد النفس في العمل و الكد فيه، كدح جلده إذا خدشه و معنى كادح: جاهد إلى لقاء ربه و هو الموت و ما بعده من الحال.

حِساباً يَسِيراً: سهلا لا يناقش فيه (2).

ثُبُوراً: هلاكا.

أَنْ لَنْ يَحُورَ: يرجع إلى اللّه تعالى تكذيبا بالمعاد. قال لبيد: (3)

...... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

و عن ابن عباس: ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنيّة لها:

حوري أي: ارجعي.

بِالشَّفَقِ الشفق: الحمرة التي ترى بعد المغرب.

وَ ما وَسَقَ أي: ما جمع، و وسق و استوسق بمعنى و هو من باب افتعل و استفعل مثل اتسع و استوسع.

وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أي: استوى و هي ليلة أربع عشرة.

طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي: حالا بعد حال، و عن بمعنى: بعد، و المعنى: لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة.

لا يَسْجُدُونَ: لا يخضعون.

بِما يُوعُونَ: يجمعون في صدورهم من الكفر و الحسد و البغي و البغضاء، أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء.

ص: 201


1- جاء في الحديث:" ما أذن اللّه لشي ء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي: ما استمع اللّه لشي ء كاستماعه لنبي.
2- جاء في الحديث" ليس ذاك الحساب؛ إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي.
3- هذا عجز البيت، و صدره: و ما المرء إلا كالشهاب وضوئه.

سورة البروج

وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ يريد: الاثنى عشر؛ و هي قصور السماء على التشبيه، و قيل: منازل القمر، و قيل: عظام الكواكب.

وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ اضطربت فيها أقوال المفسرين؛ قيل: الشاهد و المشهود محمد و يوم القيامة و قيل عيسى و أمته لقوله وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ و قيل: أمة محمد صلّى الله عليه و سلم و سائر الأمم، و قيل: يوم التروية و يوم عرفة، و قيل: يوم عرفة و يوم الجمعة، و قيل: الحجر الأسود و الحجيج. و قيل: الأيام و الليالي و بنو آدم، و قيل:

الحفظة و بنو آدم، و قيل: الأنبياء و محمد عليهم السلام (1).

أَصْحابُ الْأُخْدُودِ الخد في الأرض: الشق، و اختلف في أصحاب الأخدود على ما هو مشروح في التفاسير.

وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ أي: عابوا؛ و عيبهم عندهم الإيمان باللّه؛ و هذا يسميه البديعيون تأكيد المدح بما يشبه الذم. و من ذلك قول الشاعر:

و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

و قرأ أبو حيوة نقموا بالكسر، و الفصيح: الفتح.

بَطْشَ رَبِّكَ البطش: الأخذ.

ص: 202


1- روى أبو هريرة مرفوعا:" اليوم الموعود يوم القيامة، و اليوم المشهود يوم عرفة، و الشاهد يوم الجمعة".

سورة الطارق

الطَّارِقِ: النجم لأنه يطرق ليلا، أو لأنه يطرق الجني أي: يصكه.

الثَّاقِبُ: المضي ء.

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ: لأن إن لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة بمعنى إلا أن تكون نافية، و فيمن قرأها مخففة تكون إن مخففة من الثقيلة، و تكون ما صلة إن (1).

دافِقٍ الدفق: صب فيه دفع.

مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الصلب: وسط الظهر، و الترائب: جمع تريبة و هي عظام الصدر حيث تكون القلادة، و في الصلب أربع لغات، الصلب بفتحتين، و ضمتين، و بضم الصاد و تسكين اللام و الرابع صالب.

إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ: الضمير يرجع إلى الإنسان.

السَّرائِرُ: جمع سريرة (2).

ذاتِ الرَّجْعِ الرجع: المطر، و ذلك أن العرب تزعم أن السحاب يحمل الماء من أبخرة البحر ثم يرجع إلى البحر فسموه رجعا و أوبا.

ذاتِ الصَّدْعِ: ما يتصدع عنه الأرض من النبات.

إِنَّهُ: الضمير للقرآن. إنه لقول فصل، أي: فاصل.

فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أي: لا تستعجل إهلاكهم.

رُوَيْداً: إمهالا يسيرا.

ص: 203


1- قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة:" لما"، و المعنى: ما كل نفس إلا عليها حافظ، و هي لغة هذيل يقولون: نشدتك لما قمت.
2- قال ابن عمر: يبدي اللّه يوم القيامة كل سر خفي، فيكون زينا في الوجوه و شينا في الوجوه، و في المقصود بالسرائر أقوال أقواها: الصلاة، و الصوم، و الوضوء، و الغسل من الجنابة. فإن اللّه ائتمن خلقه عليها، و في الحديث:" غسل الجنابة من الأمانة".

سورة الأعلى

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى تسبح اسمه: تنزه عما لا يصح فيه من المعاني، و قيل الاسم مقحم و المعنى: سبح ربك. مثل قول الشاعر:

ثم اسم السلام عليكما.

خَلَقَ فَسَوَّى أي عدل تعديلا لا تفاوت فيه.

قَدَّرَ فَهَدى: قدر لكل حيوان ما يصلحه، و هداه إليه، و من غرائب المخلوقات أن الحية إذا أتت عليها ألف سنة عميت، و أن اللّه تعالى يلهمها أن تمسح عينها بأصول الرازيانج الغض فيزول ما بها من العمى، تعالى اللّه علوا كبيرا، و ربما كانت في برية بعيدة من الرازيانج فتطوي إليه المراحل و السباسب حتى تهجم في بعض البساتين على الشجرة و لا تخطئها.

غُثاءً أَحْوى الغثاء: ما يعلو على وجه السيل، و الأحوى: الأسود الذي يضرب إلى خضرة.

النَّارَ الْكُبْرى قيل: السفلى من أطباق جهنم، و قيل: الكبرى نار جهنم، و الصغرى نار الدنيا.

ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى أي: لا يموت فيستريح، و لا يحيى حياة تنفعه.

إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى: الضمير راجع إلى معنى الآيات من قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى إلى قوله: خَيْرٌ وَ أَبْقى و إن معنى هذه الآيات: في الصحف المنزلة ثم بينها فقال: صحف إبراهيم و موسى. سئل رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم كم أنزل اللّه تعالى من كتاب فقال:" مائة و أربعة كتب منها على آدم عشرة صحائف، و على شيث خمسون صحيفة، و على إدريس ثلاثون صحيفة، و على إبراهيم عشر صحائف، و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان.

ص: 204

سورة الغاشية

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ الغاشية: الداهية التي تغشى بشدائدها يعني بها القيامة من قوله تعالى: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ [العنكبوت: 55]، و قيل الغاشية: النار من قوله: وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم: 50].

خاشِعَةٌ: ذليلة.

عامِلَةٌ ناصِبَةٌ: تعمل في النار عملا تتعب فيه و هو جرها السلاسل و الأغلال، و خوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، و قيل: هم أصحاب الصوامع، خشعت و عملت و نصبت في أعمالها ما أجدى عليها.

تَصْلى ناراً حامِيَةً قرئ بفتح التاء و ضمها (1)، و تصلّى بالتشديد، و قيل المصلى عند العرب أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور فلا يسمى مصليا.

آنِيَةٍ: متناهية في الحر.

مِنْ ضَرِيعٍ: هو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس تحامته الإبل و هو سم قاتل قال أبو ذؤيب:

رعى الشّبرق الريان حتى إذا ذوى و عاد ضريعا بان عنه النحائص

و النحائص: جمع نحيصة و هو اكتناز اللحم.

لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ: فائدة الطعام أمران: إماطة الجوع و حصول الشبع و السمن، و هاتان المنفعتان منتفيان، و يجوز أن يراد به أن لا طعام لهم؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الأناس كما يقال: ليس لفلان ظل إلا الشمس تريد: نفي الظل على التوكيد، و مثل ذلك كثير، منه قوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: 273] على أحد التفسيرين، و منه: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ [غافر: 18] و من ذلك قول امرئ القيس:

على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطيّ جرجرا

ص: 205


1- تصلّى: قراءة أبي عمرو و شعبة و يعقوب.

و من ذلك قوله:

لا يفزع الأرنب أهوالها و لا ترى الضب بها ينجحر

لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً أي: لا يتكلم فيها متكلم بما هو لغو، بل ينطق أهل الجنة بالحكمة.

وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ: جمع نمرقة و هي المساند.

وَ زَرابِيُّ: هي البسط العراض، و قيل: الطنافس التي لها خمل رقيق جمع زربية.

مَبْثُوثَةٌ: في المجالس.

أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ: فإن قلت كيف انتظم ذكر الإبل مع السماء و الأرض و الجبال و لا مناسبة؟ قلت: إنما حسن ذلك ما عليه العربي من الفكرة عند هبوبه من نومه إلى جمله ثم النظر في مخايل السماء يريد المطر، ثم إلى جبل يليه، ثم إلى مكان يرعى فيه فلما وجدت المناسبة حسن الجمع. أشار إليه جار اللّه بغير هذه العبارة.

بمسيطر المسيطر: المسلط.

إِيابَهُمْ: رجوعهم.

ص: 206

سورة الفجر

وَ الْفَجْرِ وَ لَيالٍ عَشْرٍ: أقسم بالفجر كما أقسم بالصبح، و أراد بالعشر:

عشر ذي الحجة.

وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ: فسّر بشفع الأشياء و وترها، أو شفع هذه الليالي و وترها. و الوتر بالكسر: الفرد، و الوتر بالفتح: الذحل (1) هذه لغة أهل العالية، فأما أهل الحجاز فبالضد منه، و أما تميم فبالكسر فيهما جميعا.

وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ: و حذف ياء يسري اكتفاء عنها بالكسرة؛ هذا حال الوصل، و أما حال الوقف فتحذف مع الكسرة، و قيل معنى يسري أي: فيه.

لِذِي حِجْرٍ أي: عقل لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي.

بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ قيل لقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.

عاد كما يقال لبني هاشم: هاشم، ثم قيل للأولين منهم: عاد الأولى و إرم تسمية لهم باسم جدهم و لمن بعدهم عاد الأخيرة. و إرم عطف بيان لعاد.

ذات العماد: اسم المدينة، و قرئ بعاد إرم ذات العماد، أي: جعلها رميما، و الإرم: العلم يعني بعاد أهل أعلام ذات العماد، و يجوز أن تكون صفة للقبيلة بمعنى أهل عمد يرحلون بها.

جابُوا الصَّخْرَ: قطعوه.

ذِي الْأَوْتادِ: لكثرة جنوده و مضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا.

لَبِالْمِرْصادِ: المكان الذي يترقب فيه الرصد. مفعال من رصده كالميقات من وقته.

وَ لا تَحَاضُّونَ: و لا يحثون.

وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ: الميراث أصله موراث انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، و التراث أصل التاء فيه واو، تقول: ورثت أبي أرثه بالكسر ورثا و وراثة و ورثة.

أَكْلًا لَمًّا أي: ذا لم و هو الجمع بين الحلال و الحرام.

ص: 207


1- الذحل: الحقد و العداوة.

قال الحطيئة:

إذا كان لما يتبع الذم ربه فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا

و المعنى: أنهم يجمعون في أكلهم من نصيبهم و نصيب غيرهم، و قيل: كانوا لا يورثون النساء و لا الصبيان. و يأكلون تراثهم مع تراثهم.

حُبًّا جَمًّا: كثيرا.

ص: 208

سورة البلد

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ: المراد الحرم.

كَبَدٍ أي: في مشاق.

مالًا لُبَداً قرئ بالضم و الكسر (1) جمع لبدة و هو ما تلبد يريد الكثرة.

وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ: طريقي الخير و الشر (2)، و قيل: الثديين (3).

ذِي مَسْغَبَةٍ المسغبة: المجاعة.

ذا مَقْرَبَةٍ يقال فلان ذو مقربة أي: ذو قرابتي و ذو مقربتي.

ذا مَتْرَبَةٍ أي: ذا فقر من ترب إذا افتقر، و أما أترب فمعناه: استغنى.

أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أي: أصحاب اليمين.

أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ: أصحاب الشمال.

مُؤْصَدَةٌ: مطبقة من أوصدت الباب و آصدته إذا أطبقته و أغلقته.

ص: 209


1- قرأ أبو جعفر لبدا، و قرأ زيد بن علي لبدا بسكون الباء، و مجاهد و ابن أبي الزناد بضمهما.
2- هو قول ابن مسعود أخرجه الحاكم و صححه.
3- أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنهما الثديان، و روي ذلك عن ابن المسيب أيضا.

سورة الشمس

وَ ضُحاها: ضوؤها إذا أشرقت، و قيل الضحوة: ارتفاع النهار، و الضحى فوق ذلك و الضحاء بالمد و الفتح امتداد النهار.

وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها: طالعا عند غروبها.

وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها: عند انتفاخ النهار و انبساطه لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء و قيل: الضمير للظلمة أو للأرض أو للدنيا و إن لم يجر لها ذكر كقولهم: أضحت باردة يريدون: الغداة، و أرسلت يريدون: السماء.

وَ ما طَحاها: دحاها، و الطحو: الدحو، و المراد البسط.

مَنْ دَسَّاها التدسية: النقص و الإخفاء بالفجور.

بِطَغْواها: من الطغيان.

إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها: هو عاقر الناقة و هو سالف بن قدار.

وَ سُقْياها: نصيبها من الشراب.

فَدَمْدَمَ أي: أطبق عليهم لم ينج صغير و لا كبير.

ص: 210

سورة الليل

وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى: يحتمل أن يكون المغشي الشمس و يحتمل أن يكون النهار أما الأول فلقوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها [الشمس: 4] و أما الثاني فلقوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ [الأعراف: 54]، و يحتمل كل شي ء يواريه بظلامه.

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى: جمع شتيت، أي إن مساعيكم مختلفة.

إِذا تَرَدَّى أي: نزل الحفرة، و قيل تردى أي: نزل في قعر جهنم.

إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى: الدلالة على الحق أو بيان طرقه.

ناراً تَلَظَّى: تتوقد و تتلهب.

لا يَصْلاها: لا يقاسي حرها أو لا يدخلها.

وَ سَيُجَنَّبُهَا: سيبعد عنها.

يَتَزَكَّى: يطهر به من الذنوب.

تُجْزى: تكافأ، و قد نزلت في أبي بكر رضي اللّه عنه.

ص: 211

سورة الضحى

وَ الضُّحى المراد بالضحى: صدر النهار و خصه بالقسم لأنه الوقت الذي كلم اللّه فيه موسى و ألقى فيه السحرة سجدا لقوله تعالى: وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه: 59].

وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى أي: سكن، و ركد ظلامه، و المراد: إما سكون الريح أو سكون أصوات العالم و منه قولهم:" ليلة ساجية" ساكنة الريح، و سجى البحر:

سكنت أمواجه.

ما وَدَّعَكَ أي: ما قطعك قطع المودّع، و قرئ بالتخفيف (1).

وَ ما قَلى أي: ما هجرك أو أبغضك، و حذف المفعول من قلى، طلبا لتشاكل الفواصل.

وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى: اختلفت أقوال المفسرين في معنى الضلال في هذه الآية، أي: محبا، أو ضالا في أزقة مكة، و الذي نراه أن ضالا بمعنى: غافلا عن أحكام الشرائع.

فهدى: فهداك إلى مناهجها بما أوحي إليك.

عائِلًا: فقيرا عديما.

فَأَغْنى: فرضاك بما أعطاك و منحك.

فَلا تَقْهَرْ: فلا تغلبه على ماله و لا تستند له.

فَلا تَنْهَرْ: فلا تزجره، و ارفق به.

ص: 212


1- روى البخاري عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا؛ فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث؛ فنزلت و الضحى. و عن ابن عباس و ابن الزبير (ما ودعك) بالتخفيف و معناه: تركك.

سورة أ لم نشرح

وِزْرَكَ الوزر: الذنب.

أَنْقَضَ الانتقاض: هو الصوت الصادر عن الظهر.

وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ: قرن اسمه مع اسم اللّه تعالى في الأذان و الإقامة و التشهد و الخطب و في غير موضع من القرآن.

فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ أي: اجتهد في العبادة، و النصب: التعب و المعنى و اللّه أعلم: أ لم نفسح لك صدرك- بالحكمة و النبوة- قد أفسحنا.

ص: 213

سورة التين

وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ أقسم بالتين و الزيتون، المراد بهما الفاكهتان المعروفتان و اختلف فيهما، فقيل: جبلان من جبال بيت المقدس أحدهما: طور زيتا و الثاني:

طور سينا، و قيل: الزيتون جبال حلوان، و همذان، و قيل: المراد منابت الجبلين.

وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ: مكة حماها اللّه تعالى، و الأمين من أمن الرجل أمانة فهو أمين.

و قيل: أمان كما قيل: كرام في كريم، و أمانة البلد: أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه، و يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالأمن في قوله تعالى: حَرَماً آمِناً [القصص: 57] بمعنى:

ذي أمن.

أَسْفَلَ سافِلِينَ: المراد بذلك أنه لما خلقه خلقا في أحسن تقويم لم يقابل ذلك بالشكر فردّ إلى أسفل سافلين، و اختلف في ذلك فقيل: المراد الدركات التي هي أسفل شي ء في النار، و قيل: المراد رجوعه إلى ما كان عليه أولا من ضعف التركيب و هو المراد بقوله تعالى: نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس: 68].

فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات.

ص: 214

سورة العلق

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ المراد بالإنسان: استغراق الجنس، و العلق: جمع علقة و هي الكائنة من النطفة و جمعت نظرا إلى الجنس.

كَلَّا: ردع لمن كفر النعمة بطغيانه.

الرُّجْعى: مصدر كالبشرى بمعنى: الرجوع.

لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ: السّفع: القبض على الشي ء، و الناصية: مقدم الرأس.

قال عمرو بن معدي كرب:

قوم إذا وقع الصريخ رأيتهم ما بين ملجم مهره أو سافع

سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ: الزبانية في كلام العرب الشّرط الواحد زبنيّة كعفرية من الزبن و هو الدفع، و قيل: زبني، و كأنه نسب إلى الزبن ثم غير النسب كقولهم: إمسي، و أصله زباني، فقيل: زبانية على التعويض و المراد: ملائكة العذاب.

كَلَّا: ردع و زجر.

وَ اقْتَرِبْ أي: تقرب إلى ربك، و في الحديث:" أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد".

ص: 215

سورة القدر

إِنَّا أَنْزَلْناهُ: الضمير يعود إلى القرآن، و ليلة القدر مختلف فيها فأكثرهم على أنها في العشر الأواخر من رمضان. و أكثر القول على أنها السابعة منها. و لعل الداعي لإخفائها أن يحيي من يريدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها فتكثر عبادته فيضاعف ثوابه، و معنى ليلة القدر: تقدير الأمور، من قوله تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: 4] و قيل: سميت بليلة القدر لخطرها و شرفها على سائر الليالي من ارتفاع القدر.

فإن قيل: ما الحكمة في تخصيص هذه المدة و هي ألف شهر؟ يروى أن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل اللّه ألف شهر، فعجب المؤمنون من ذلك و تقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي، و قيل: إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له: عابد حتى يعبد اللّه ألف شهر، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد.

سَلامٌ هِيَ: تقديره ما هي إلا سلامة، لا يقدر اللّه فيها إلا السلامة و الخير، و يقضي في غيرها بلاء و شقاء و سلامة. أو ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين.

مَطْلَعِ: بفتح اللام (1) و كسرها (2).

ص: 216


1- قراءة الجمهور.
2- قراءة الكسائي.

سورة القيمة" البينة"

مُنْفَكِّينَ: مأخوذ من انفكاك العظم من مفصله. كان الكفار من الفريقين أهل كتاب و عبدة الأوثان فكانوا يقولون: لا ننفك عن ديننا حتى يأتينا الرسول.

فأهل الكتاب كانوا يقولون: حتى يبعث اللّه محمدا الموصوف عندنا في التوراة و الإنجيل فلما جاءهم ما زادهم إلا طغيانا و كفرا. و المشركون لما جاءهم عاندوا.

قَيِّمَةٌ: مستقيمة ناطقة بالحق.

وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: فإن قلت جمع بين أهل الكتاب و المشركين ثم خص أهل الكتاب بالتفرق، قلت: لأنهم كانوا على علم بوجود النبي صلّى الله عليه و سلم فإذا وصفوا بالتفرق مع العلم كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.

حُنَفاءَ: غير مائلين.

وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ التقدير: دين الملة القيمة.

الْبَرِيَّةِ و قرأ نافع بهمز البرية، و البرية مما استمر الاستعمال على تخفيفه و رفض الأصل.

ص: 217

سورة الزلزلة

زِلْزالَها الزلزال: الاضطراب و التحرك، فإن قلت: ما معنى الإضافة؟ قلت:

ما تستوجبه في الحكمة و مشيئة اللّه تعالى، و هو الزلزال الشديد الذي بعده سكون.

أَثْقالَها: جمع ثقل و هو متاع البيت، جعل ما في جوفها من الذخائر أثقالا، و هذه الزلزلة تكون عند النفخة الثانية حين تلفظ الأرض أمواتها أحياء.

أَشْتاتاً: متفرقين إما إلى الجنة و إما إلى النار.

مِثْقالَ ذَرَّةٍ الذرة: النملة، و قيل: ما يرى في إشعاع الشمس، و حكي أن أعرابيا قرأ شرا يره مقدما فقيل له: قدمت و أخرت فقال: هذا مثل يستعمل في التخيير و أنشد:

خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشي لهن طريق

قلت: قال الجوهري: هرشي ثنية في طريق مكة في طريق الجحفة يرى منها البحر و لهما طريقان، و كل من سلكهما كان مصيبا.

ص: 218

سورة العاديات

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً: أقسم بخيل الغزاة عاديات، و الضبح: صوت يصدر من أجوافها، و حكى عن ابن عباس: الصوت، فقال: أح أح، قال عنترة:

و الخيل تكدح في حياض الموت ضبحا فَالْمُورِياتِ قَدْحاً: تورى بسنابكها النار و هو المسمى بنار الحباحب، و القدح: الصك و الإيراء: إخراج النار، تقول: قدح فأورى، و قدح فأصلد.

نَقْعاً النقع: الغبار الصادر من حوافر الخيل.

جَمْعاً: يريد به جمع الأعداء، و وسطه بمعنى: توسطه، و الضمير في" به" يحتمل أن يعود على مكان الغارة، أو على العدو الذي دل عليه و العاديات، و يحتمل أن يراد بالنقع الصوت من قوله عليه السلام:" ما لم يكن نقع و لا لقلقة".

و قرأ أبو حيوة: فأثّرن بالتشديد أي: أظهرن.

لَكَنُودٌ الكنود: الكفور و منه: كند النعمة إذا كفرها و منه سمي كنده لأنه كند أباه ففارقه. و عن الكلبي الكنود بلسان كنده: العاصي، و بلسان بني مالك:

البخيل، و بلسان مضر و ربيعة: الكفور.

ص: 219

سورة القارعة

الْقارِعَةُ: التي تقرع العالم بهولها مأخوذ من قرع العصا للرأس، و المراد بها القيامة و القارعة: الداهية، و القارعة: ساحة الدار.

كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ: الفراش اسم لطائر يدور حول السراج و يحرق نفسه فيه قال جرير يهجو الفرزدق:

إن الفرزدق ما علمت و قومه مثل الفراش غشين نار المصطلى

و سمي فراشا لتفرشه و انتشاره، و من أمثالهم:" أضعف من فراشة و أذل و أجهل".

كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ العهن: الصوف المصبوغ ألوانا، و وجه التشبيه أن الجبال بعضها حمر و بعضها بيض و بعضها سود، فإذا دكت و اختلطت أشبهت القطن المصبوغ قال اللّه تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ [فاطر: 27].

فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ: من قولهم: هوت أمه إذا دعي عليه بالهلكة؛ لأنه متى هلك هوت أمه أي: سقطت و تهالكت عليه ثكلا قال الشاعر: (1)

هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا و ما ذا يرد الليل حين يثوب

و قيل الهاوية: النار، و يقال للمأوى: أم على التشبيه لأن الأم مأوى الولد، و عن قتادة: فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا.

ما هِيَهْ: ضمير القارعة (2).

ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ: رجحت مقادير حسناته.

ص: 220


1- هو كعب بن سعد الغنوي.
2- الصواب أن الضمير إما يعود على الداهية التي دل عليها قوله تعالى: فأمه هاوية، أو ضمير هاوية.

سورة التكاثر

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ: ألهاه و أقهاه: إذا شغله. و التكاثر: التباري في الكثرة و التباهي بها، يقال: إن بني عبد مناف و بني سهم تفاخروا بكثرة المال و الرجال، فقالت بنو سهم: إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء و الأموات فعادوهم فكثرتهم بنو سهم، و المعنى: إنكم تكاثرتم بالأحياء حتى استوعبتموهم ثم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات، عبر عن بلوغهم إلى عدد الموتى بالزيارة للمقابر، و المعنى: ألهاكم ما لا يجدي عما يجدي من أمر الدين، و قيل: ألهاكم التكاثر بالأموال و الأولاد إلى أن متم و زرتم المقابر.

كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ: الإنذار الثاني أبلغ و نظيره أن تقول للمنصوح أقول لك ثم أقول لك لا تفعل، و المعنى سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء اللّه.

عِلْمَ الْيَقِينِ: ما يتحققه الإنسان و يستيقنه، و عين اليقين رؤية اليقين و المراد بالرؤية: العلم.

عَيْنَ الْيَقِينِ: نفس اليقين و هو المشاهدة.

ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ فإن قلت: ما النعيم المسئول عنه فما من أحد إلا و له نعيم؟ قلت: هو نعيم من عكف على لذاته البدنية غير ملتفت إلى تعلم علم و لا عمل، ما من تمتع بنعم اللّه تعالى و أرزاقه التي خلقها لعباده و تقوى بها على دراسة العلم و القيام بالعمل، و كان ناهضا بالشكر فهو من ذاك بمعزل.

ص: 221

سورة العصر

وَ الْعَصْرِ: المراد صلاة العصر و لذلك فضلت و جعلت الوسطى على أحد التفاسير و لذلك جاء في الحديث:" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله و ماله".

إِنَّ الْإِنْسانَ الإنسان: هو الجنس المستغرق لأن كلا تخلفه و لذلك حسن الاستثناء.

وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ: من توحيد اللّه بطاعته و اتباع كتبه و رسله و الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة.

وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ: عن المعاصي و الثبات على الطاعات.

ص: 222

سورة الهمزة

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ همزة: الكثير الهمز، و اللمز: الطعن، و المراد الأخذ من أعراض الناس و الغض منهم، و هذه الصيغة تدل على أن ذلك عادة مستمرة له و نحوهما اللعنة و الضحكة، و قرئ الهمزة اللمزة بسكون الميم و هو الآتي بما يسخر منه، قيل: نزلت في الأخنس بن شريق و كانت عادته الغيبة، و قيل: في أمية بن خلف، و قيل: في الوليد بن المغيرة و اغتيابه لرسول اللّه صلّى الله عليه و سلم.

وَ عَدَّدَهُ أي: جمع المال و ضبط عدده. و قيل: عده على فك الإدغام و المعنى: عدده.

أَخْلَدَهُ أي: طول المال أمله.

يَحْسَبُ: أن المال تركه خالدا في الدنيا لا يموت.

لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ: النبذ: الطرح. و الحطمة: من أسماء طبقات النار و يقال للرجل الأكول: إنه الحطمة و قرئ: الحاطمة (1).

الْأَفْئِدَةِ: القلوب، و خص الأفئدة لأنها مواطن الكفر و العقائد الفاسدة و معنى اطلاع النار عليها أنها تعلوها.

مُؤْصَدَةٌ: مطبقة، قال الشاعر:

تحن إلى أجبال مكة ناقتي و من دونها أبواب صنعاء مؤصدة

فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ: مثل المقاطر (2) التي تقطر فيها اللصوص. اللهم أجرنا من النار يا خير مستجار.

ص: 223


1- هي قراءة زيد بن علي.
2- المقاطر هي: خشب أو جذوع كبار فيها خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص.

سورة الفيل

بِأَصْحابِ الْفِيلِ: أبرهة الأشرم و جنوده، و كان ملك صنعاء و اليمن من قبل أصحمة ملك الحبشة، بنى كنيسة بصنعاء و سماها القلّيس على وزن القبيط، و أراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج من كنانة رجل من الحجاز إلى أن جاء صنعاء و دخلها، فأحدث فيها ليلا، فعلم الملك بذلك فغضب، و قيل: إن جماعة من العرب أججت نارا فحملتها الريح فأحرقتها، فحلف ليهد من الكعبة، فخرج بالحبشة و معه فيل اسمه محمود و هو في مقدم الفيلة التي كانت معه، قيل: كان عددها اثني عشر فيلا، و قيل: ثمانية، و قيل: ألف؛ فوجه أبرهة إلى مكة بالأفيلة و عساكره، و كان كلما وجه الفيل إلى الحرم برك، و إن وجه إلى اليمن سار، فلما نزل أبرهة بحرم اللّه فلقيه عبد المطلب، و عرض عليه ثلث أموال تهامة و يكرّ راجعا فامتنع و صمم على البغي؛ فأرسل اللّه طيرا سودا، و قيل: خضرا، و قيل: بيضا مع كل طائر حجر في منقاره و حجران في رجليه أكبر من العدسة و أصغر من الحمصة فرمتهم الطير بها، و كان الحجر يقع على الرأس فيخرج من الدبر فهلكوا و خرجوا خائبين، و أما أبرهة فتساقطت أنامله و آرابه و ما مات حتى انصدع صدره عن قلبه.

فِي تَضْلِيلٍ: في تضييع و إبطال، قال اللّه تعالى: وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر: 25] و منه سمي امرؤ القيس الملك الضليل؛ لأنه ضلل ملك أبيه أي: ضيعه، و وجه الكيد هاهنا أنهم كادوا البيت أولا ببناء الكنيسة ثم أرادوا أن يصرفوا الحاج إليها فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيها، و كادوه ثانيا بإرادة هدمه فضلّل بإرسال الطير عليهم.

أَبابِيلَ: جماعة الواحد إبالة و قيل: لا واحد له من لفظه مثل: عبابيد و شماطيط.

سِجِّيلٍ: علم لديوان أعمالهم كأنه قيل بحجارة من حملة العذاب المكتوب المدون، و اشتقاقه من الإسجال و هو الإرسال؛ لأن العذاب موصوف بذلك، و قيل: السجيل طين مطبوخ كما يطبخ الآجر، و قيل: هو معرب.

كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ العصف: ورق الزرع إذا أكلته الدواب، و قيل: هو التبن إذا أكلته الدواب وراثته، و لكنه جاء على آداب القرآن كقوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [المائدة: 75] و يحتمل أن يراد بالعصف المأكول أنه أكل حبه فبقى صفرا.

و اللّه تعالى أعلم.

ص: 224

سورة قريش

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ تقول: ألفت المكان أولفه إيلافا إذا ألفته فأنا مؤلف، و يقال: ألفت المكان أولفه إلافا، فصار صورة أفعل و فاعل في الماضي واحد، و قرئ لإلاف قريش أي: لمؤالفة قريش، و اختلف في اللام بما ذا تتعلق؟ فقيل: تتعلق بقوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا لإيلافهم على معنى أن اللّه تعالى أنعم عليهم نعما لا تحصى فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة، و قيل: المعنى اعجبوا لإيلاف قريش، و قيل: متعلقة بما قبله أي: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، قال جار اللّه:

و هذه بمنزلة التضمين في الشعر و هو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقا لا يصح إلا به، و هما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل، و كانت لقريش رحلتان:

رحلة في الشتاء إلى اليمن و رحلة في الصيف إلى الشام و كانوا في رحلتيهم آمنين لأنهم أهل حرم اللّه و ولاة بيته فلا يتعرض لهم.

و قرأ أبو جعفر (1) لإلف قريش و قد جمعها من قال (2):

زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف و ليس لكم إلاف

و قرأ عكرمة:" ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء و الصيف".

و قريش ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش و هو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن و ينشد قول من قال:

و قريش هي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا

و التصغير للتعظيم، و قيل: من القرش الذي هو الكسب لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم و ضربهم في البلاد.

و قرئ رحلة بكسر الراء و ضمها. و هي الجهة التي يرحل إليها، و المراد بالجوع: جدب نزل بقريش حتى أكلت الجيف و العظام المحرقة.

خَوْفٍ و المراد بالخوف: قيل: الخوف من أهل الفيل، و قيل: الأمن من التخطف، و من بدع التفاسير: آمنهم من خوف أن تكون الخلافة في غيرهم.

ص: 225


1- الصواب أن ابن عامر فهو الذي قرأ لئلاف، أما أبا جعفر فقرأ: ليلاف.
2- البيت لمساور بن قيس.

سورة الماعون

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ قرئ أ رأيت بحذف الهمزة و ليس بمختار (1) لأن حذفها مختص بالمضارع و لم يصح عن العرب ريت و لكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام و نحوه ما سمع من قول الشاعر:

صاح هل ريت أو سمعت براع ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب

و الدين: هاهنا الجزاء.

يَدُعُّ الْيَتِيمَ: يدفعه دفعا عنيفا بجفوة و أذى.

وَ لا يَحُضُّ: لا يبعث.

الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ المراد بالسهو: قلة المبالاة بها حتى يفوت وقتها و لا يصلونها (2)، أو يصلونها على غير وضعها من غير خشوع و إخبات، بل العبث باللحية و الثياب و كثرة التثاؤب و الالتفات؛ لا يدري كم صلى و لا ما قرأ.

يُراؤُنَ: فإن قلت: ما معنى المراءاة؟ قلت: هي مفاعلة من الإراءة لأن المرائي يرى الناس عمله و هم يرونه الثناء عليه و الإعجاب من أعماله.

وَ يَمْنَعُونَ الْماعُونَ: ما يتعاوره الناس في العادة من الفأس و القدر و المقدحة و القربة و الصحفة، و عن عائشة: الماء و الملح و النار.

ص: 226


1- قوله: و ليس بمختار كلام خطأ، لأنها من القراءات السبع المتواترة عن الكسائي.
2- المراد بالسهو في الصلاة: تأخيرها عن وقتها لحديث سعد بن أبي وقاص، يرفعه بعضهم، و قال الحاكم و البيهقي: وقفه أصح.

سورة الكوثر

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ: و في قراءة: إنا أنطيناك (1)، و الكوثر: اسم النهر الذي في الجنة، و فوعل من صيغ الكثرة قال الشاعر (2):

و أنت كثير يا ابن مروان طيب و كان أبوك ابن العقائل كوثرا

و في الحديث:" أنه نهر في الجنة وعدنيه ربي فيه خير كثير" (3) و روي في صفته: أنه أحلى من العسل و أشد بياضا من اللبن و أبرد من الثلج و ألين من الزبد و أوانيه من فضة عدد نجوم السماء، و فسره سعيد بن جبير بالخير الكثير.

وَ انْحَرْ: نحر البدن بمنى، و قيل: صلاة العيد و التضحية، و عن عطية: أنها صلاة الفجر بجمع، و النحر بمنى.

الْأَبْتَرُ: في الأصل المقطوع الذنب ثم استعير هاهنا لمن لا عقب له.

ص: 227


1- هي قراءة الحسن و طلحة و ابن محيصن و الزعفراني، و هي قراءة مروية عن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم.
2- هو الكميت بن زيد الهاشمي.
3- روى مسلم في صحيحه عن النبي صلّى الله عليه و سلم:" أ تدرون ما الكوثر؟ قلنا اللّه و رسوله أعلم، قال: نهر وعدنيه ربي، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم".

سورة الكافرون

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ المخاطبون كفرة مخصوصون قد علم اللّه تعالى أنهم لا يؤمنون، روي أن رهطا من قريش قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا و نتبع دينك؛ تعبد آلهتنا سنة و نعبد إلهك سنة، فقال: معاذ اللّه أن أشرك باللّه، قالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك و نعبد إلهك فنزلت.

فغدا إلى المسجد الحرام و فيه الملأ من قريش فقام على رءوسهم فقرأها عليهم فأيسوا.

لا أَعْبُدُ: في المستقبل ما تعبدونه؛ لأن لا النافية تختص بالمستقبل، و لا أنتم فاعلون العبادة المطلوبة منكم من عبادة إلهي.

وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ: في الزمن الماضي، و لم يعرف مني عبادة صنم في الجاهلية فكيف يرجى مني في الإسلام.

وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ: في الحال.

وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ: فيما مضى، و جاء على" ما" دون من لأن المراد الصفة، كأنه قال: لا أعبد الباطل و لا تعبدون الحق، و قيل: إن" ما" مصدرية، أي: لا أعبد عبادتكم و لا تعبدون عبادتي.

لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ أي: لكم شرككم، و لي توحيدي و الآية منسوخة بآية السيف.

ص: 228

سورة النصر

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ النصر: الإظهار و الإعانة على العدو، و منه:

نصر اللّه الأرض أغاثها، و الفتح: فتح البلاد و المعنى: نصر رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم على العرب، و الفتح: فتح مكة و الإخبار بذلك قبل وقوعه من إعلام النبوة، و كان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان المبارك سنة ثمان من الهجرة، و كان معه عشرة آلاف من المهاجرين و الأنصار و طوائف العرب، و أقام بها خمس عشرة ليلة ثم خرج إلى هوازن و حنين و لما رجع من ذلك وقف بباب الكعبة فقال: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده، ثم قال: يا كل مكة ما ذا ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فأعتقهم رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم، و قد كان اللّه أمكنه من رقابهم عنوة.

فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أي: جماعات، و قد كانوا يدخلون في الإسلام قبل ذلك واحدا واحدا، فلما ظهر لهم الحال و تبين لهم الصبح لذي عينين دخل الناس قبائل فقبائل.

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ: عن عائشة- رضي اللّه عنها- كان رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم يكثر قبل موته من قول:" سبحانك اللهم و بحمدك أستغفرك و أتوب إليك"، و الأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل الأمر بما هو قوام الدين من الجمع بين الطاعة و الاحتراس من المعصية. روي أن رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم لما تلاها على أصحابه استبشروا و بكى العباس فقال له رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم:" ما يبكيك يا عم" فقال: نعيت إليك نفسك، فقال:" إنها لكما تقول" فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكا.

و لذلك تسمى هذه السورة سورة التوديع.

تَوَّاباً: من صيغ المبالغة أي: كثير الإنابة، أي: كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.

ص: 229

سورة أبي لهب" و هي سورة المسد"

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ التباب: الهلاك و الخسران، و من أمثالهم:" أ شابّة أم تابّة" أي: هالكة من الهرم و التعجيز، و المعنى هلكت يداه، لأنه فيما يروى أخذ حجرا ليرمي به رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم، و يحتمل أنه عنى باليدين عن ذاته كلها كقوله تعالى: بِما قَدَّمَتْ يَداكَ [الحج: 10].

وَ تَبَّ أي: حصل ذلك و وقع، و ذلك كقول من قال: (1)

جزاني جزاه اللّه شر جزائه جزاء الكلاب العاديات و قد فعل

و تدل عليه قراءة ابن مسعود:" و قد تب"، و روي أنه لما نزل: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] رقي رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم الصفا، و قال: يا صباحاه، فاستجمع إليه الناس من كل أوب فقال:" يا بني عبد المطلب يا بني فهر إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أ كنتم مصدقي؟" قالوا: نعم، قال:" فإني نذير لكم بين يدي الساعة"، فقال أبو لهب: تبا لك أ لهذا دعوتنا؟ فنزلت. فإن قلت: لم كناه و التكنية تكرمة؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون مشتهرا بالكنية دون الاسم، فقد يكون الرجل مشهورا بأحدهما و لذلك تجري الكنية على الاسم أو الاسم على الكنية عطف بيان، فلما أريد تشهيره بدعوة السوء و أن تبقى سمة له ذكر الأشهر من علميه، و يؤيد ذلك قراءة من قرأ: يدا أبو لهب كما قيل: علي بن أبو طالب و معاوية بن أبو سفيان؛ لئلا يغير منه شي ء فيشكل على السامع، و الثاني: أن اسمه عبد العزى فعدل عنه إلى كنيته، و الثالث: أنه لما كان من أهل النار و مآله إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديرا بأن يذكر بها، و يقال: أبو لهب كما يقال: أبو الشر للشرير، و أبو الخير للخير، و قيل: كني بذلك لتلهب وجنتيه و إشراقهما.

و قرئ: أبي لهب (2) بسكون الهاء و هو من باب تغيير الأعلام.

وَ ما كَسَبَ: يحتمل ما يكسبه من ربح ماله، أو ما يوجده من ولده فإن الولد من كسب أبيه، و يحتمل التالد و الطارف من ماله.

ص: 230


1- البيت للنابغة.
2- و هي قراءة مجاهد و حميد و ابن محيصن و ابن كثير من القراء السبعة.

سَيَصْلى: قرئ بفتح الياء و ضمها (1)، و السين للوعيد الكائن لا محالة و إن تراخى وقته.

وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ: هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، و كانت تحمل في ظلام الليل الشوك و ترميه في طريق رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم، و قيل: حمل الحطب كناية عن المشي بالنميمة، يقال للنمام: حمال الحطب، و المعنى يوقد النائرة، قال الشاعر:

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة و لم تمش بين الحي بالحطب الرطب

فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ: الجيد: العنق، و المسد: ما يفتل فتلا جيدا من ليف أو غيره.

و قرئ: حمالة (2) بالنصب على الذم، و المعنى: أنها تحمل تلك الحزمة من الشوك و تربطها في جيدها كما يفعل الحطابون تخسيسا لحالها و تحقيرا لها و تصويرا لها بصورة بعض الحطابات لتمتعض من ذلك و يمتعض بعلها و هما في بيت العز و الشرف.

و عيّر بعض الناس الفضل بن العباس بن عتيبة بن أبي لهب فقال له: يا ابن حمالة الحطب فقال:

ما ذا أردت إلى شتمي و منقصتي أما ما تعير من حمالة الحطب

غراء شادخة في المجد عرتها كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب

و يحتمل أن يكون المعنى: أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها في الدنيا، و أن الحزمة من الحطب تكون نارا، أو أن الحبل سلاسل من نار.".

ص: 231


1- قرأ الجمهور بفتح الياء، و قرأ الأعمش بضمها.
2- هي قراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي، و قرأ أبو قلابة" حاملة الحطب".

سورة الإخلاص

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: هو: ضمير الشأن و الجملة مفسرة كقولك: هو زيد منطلق و عن ابن عباس قال:" قالت قريش: يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه، فنزلت". قلت: و هذا مشكل من جهة العربية لأن من حق ضمير الشأن أن لا يعود على مذكور لا لفظا و لا معنى (1).

اللَّهُ الصَّمَدُ الصمد: الذي يصمد إليه في الحوائج و هو فعل بمعنى مفعول و المعنى: هو اللّه الذي تعرفونه و تقرون بأنه خالق السماوات و الأرض (2).

لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ: حتى لا يجانس مخلوقه.

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ: قرئ بضم الكاف و الفاء، و بضم الكاف و كسرها مع سكون الفاء (3) و المعنى: مكاف له في جميع صفاته تعالى اللّه علوا كبيرا، و ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير، قلت: و لنذكر كلاما مفيدا يتعلق ب أَحَدٌ:

اعلم أن أحدا على قسمين،: قسم يستعمل في الأعداد كقولك: أحد و عشرون و أحد و ثلاثون؛ فهذا همزته منقلبة عن واو لأنه من وحد فهو واحد؛ و يصرف فيقال: توحد مثل توكل و قل إبدال الهمزة من الواو المفتوحة، و إنما جاء في أناة في معنى وناة، و أما إبدال الهمزة من الواو المكسورة فكثير مثل و سادة، و وشاح فقالوا:

إسادة و إشاح إلى غير ذلك.

و مؤنث أحد: إحدى و أصلها وحدى، و أما القسم الثاني: فهو الذي للاستغراق و لا يستعمل إلا في النفي و يستوي فيه المفرد و المثنى و الجمع و المذكر و المؤنث و همزته أصلية. قال اللّه تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ [الأحزاب: 32] و قال تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة: 47] و لا تستعمل في

ص: 232


1- أخرج الإمام أحمد في المسند و البخاري في تاريخه و الترمذي في سننه و ابن عاصم في السنة و الحاكم و صححه عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلّى الله عليه و سلم: يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل اللّه تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد.
3- قراءة حفص دون همز، و قرأ حمزة و يعقوب و خلف بإسكان الفاء مهموزا، و قرأ سليمان بن علي بن عبد اللّه بن العباس: كفاء.

الإيجاب و تختص بمن يعقل، فإن قلت: فقد جاء في الإيجاب أ لا ترى إلى قول الشاعر العربي:

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد إلا على أحد لا يعرف القمران

أما الأول فعلى بابه من الاستغراق و النفي، و أما الثاني فمخالف للقاعدة، فالجواب إنما جاز لكونه محكيّا أو لكونه قد تقدمه نفي، قال ابن السراج: نظيره أن يقول القائل:" ما في الدار أحد" فيقول مجيب له: بل أحد تريد واحدا، و كذلك الذي في قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ هو أيضا بمعنى واحد، و قد جاء به النابغة على أصله فقال:

كأن رحلي و قد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد

و المستعمل في العدد جاء مجموعا جمع السلامة قال:

و قد رجعوا لحي واحدينا و قد ثني في قول الشاعر:

فلما التقينا واحدين علوته و الهمزة التي فيه للتأنيث و أصلها وحدى و وزنها فعلى.

ص: 233

سورة الفلق

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ الفلق: الصبح، و يقال له: الفرق أيضا، لأن الليل يفلق عنه، و فلق بمعنى: مفلوق، و يقال في المثل: هو أبين من فلق الصبح و من فرق الصبح، و قيل: كل ما يفلقه اللّه كالأرض عن النبات و الجبال عن العيون و السحاب عن المطر و الأرحام عن الأولاد و الحب و النوى و غير ذلك، و قيل: هو واد في جهنم.

مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ أي: من شر مخلوقاته، و شرور المخلوقين تختلف أما شر الإنسان فمعلوم كالقتل و الضرب و ما إليه، و العدوان و الظلم و غير ذلك، و أما غير الإنسان فكالنهش و اللدغ و العض و ما يصدر من الوحوش و السباع و الحشرات و ما وضعه اللّه تعالى في الجمادات من أنواع الضرر كالإحراق و الإغراق.

وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه و منه غسقت العين إذا امتلأت دمعا، و غسقت الجراحة: امتلأت دما، و وقوبه: دخول ظلامه و منه وقبت الشمس إذا غابت، و قيل المراد بالغاسق إذا وقب: القمر إذا امتلأ نورا و وقب، و وقوبه دخوله في الكسوف (1)، و يجوز أن يراد بالغاسق: الأسود من الحيات و وقبه: ضربه و نقبه، و الوقب: النقب و منه وقبة الثريد.

وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ: يجوز أن يراد: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللائي يعقدن عقدا في خيط و ينفثن عليها و يرقين (2).

و النفث: النفخ مع ريق

وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ و المعنى: إذا أظهره، و إن لم يظهره فلا يعود ضرره على المحسود و إنما هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره.

ص: 234


1- روى الترمذي عن عائشة: أن النبي صلّى الله عليه و سلم نظر إلى القمر، فقال:" يا عائشة استعيذي باللّه من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب".
2- قال ابن زيد: كن من اليهود، و قيل: هن بنات لبيد بن الأعصم.

سورة الناس

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ: هما عطفا بيان، و زاد بإله ما يحسم به مادة الاشتراك، لأنه قد يقال لغيره رب الناس كقوله: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] و أما إله الناس فخاص لا يشركه فيه أحد فجعل غاية للبيان.

مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ اسم بمعنى: الوسوسة كالزلزال بمعنى: الزلزلة، و أما المصدر فبالكسر، و المراد بالوسواس: الشيطان سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه لأنها صنعته التي هو عليها عاكف، و الوسوسة: صوت خفي أو أريد به ذو الوسواس، و يجوز أن يراد بالوسوسة: وسوسة الحلي.

و الخناس: الذي من عادته أن يخنس، منسوب إلى الخنوس و هو الرجوع.

مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ: بيان للموسوس، و هما ضربان: إنسي و جني، كما قال تعالى: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ [الأنعام: 112].

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا

و الصلاة و السلام على خاتم النبيين محمد و آله و صحبه أجمعين

حسبنا الله و نعم الوكيل

ص: 235

ص: 236

الفهرس

المقدمة 3

بحث مختصر حول غريب القرآن و أهميته 4

سورة البقرة 17

سورة آل عمران 26

سورة النساء 30

سورة المائدة 35

سورة الأنعام 40

سورة الأعراف 46

سورة الأنفال 52

سورة التوبة 55

سورة يونس 60

سورة هود 63

سورة يوسف 65

سورة الرعد 71

سورة إبراهيم 73

سورة الحجر 74

سورة النحل 76

سورة الإسراء 80

سورة الكهف 84

سورة مريم 88

سورة طه 90

سورة الأنبياء 94

سورة الحج 97

سورة المؤمنون 100

سورة النور 102

سورة الفرقان 106

سورة الشعراء 107

سورة النمل 111

سورة القصص 113

سورة العنكبوت 115

ص: 237

سورة الروم 116

سورة لقمان 117

سورة السجدة 119

سورة الأحزاب 120

سورة سبأ 122

سورة فاطر 124

سورة يس 125

سورة الصافات 127

سورة ص 130

سورة الزمر 132

سورة المؤمن" غافر" 134

سورة فصلت 135

سورة الشورى 136

سورة الزخرف 137

سورة الدخان 139

سورة الجاثية 140

سورة الأحقاف 141

سورة القتال (سورة محمد- صلى اللّه عيه و سلم-) 142

سورة الفتح 144

سورة الحجرات 146

سورة ق 147

سورة الذاريات 149

سورة و الطور 150

سورة و النجم 152

سورة القمر 155

سورة الرحمن- عز و جل 156

سورة الواقعة 158

سورة الحديد 160

سورة المجادلة 161

سورة الحشر 162

سورة الممتحنة 163

سورة الصف 164

ص: 238

سورة الجمعة 165

سورة المنافقون 166

سورة التغابن 167

سورة الطلاق 168

سورة التحريم 169

سورة الملك 170

سورة ن 172

سورة الحاقة 175

سورة المعارج 178

سورة نوح 180

سورة الجن 182

سورة المزمل 184

سورة المدثر 186

سورة القيامة 188

سورة الدهر 190

سورة المرسلات 192

سورة النبأ 193

سورة النازعات 195

سورة عبس 197

سورة التكوير 199

سورة الانفطار 201

سورة المطففين 202

سورة الانشقاق 203

سورة البروج 204

سورة الطارق 205

سورة الأعلى 206

سورة الغاشية 207

سورة الفجر 209

سورة البلد 211

سورة الشمس 212

سورة الليل 213

سورة الضحى 214

ص: 239

سورة أ لم نشرح 215

سورة التين 216

سورة العلق 217

سورة القدر 218

سورة القيمة" البينة" 219

سورة الزلزلة 220

سورة العاديات 221

سورة القارعة 222

سورة التكاثر 223

سورة العصر 224

سورة الهمزة 225

سورة الفيل 226

سورة قريش 228

سورة الماعون 229

سورة الكوثر 230

سورة الكافرون 231

سورة النصر 232

سورة أبي لهب" و هي سورة المسد" 233

سورة الإخلاص 235

سورة الفلق 237

سورة الناس 238

الفهرس 237

ص: 240

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.