المكاسب

اشارة

سرشناسه : انصاري، مرتضي‌بن محمدامين، ق‌۱۲۸۱ - ۱۲۱۴
عنوان و نام پديدآور : ...المكاسب / مرتضي الانصاري؛ التحقيق مركز التحقيقات لموسسه احسن الحديث
مشخصات نشر : قم: احسن الحديث، ۱۴۲۱ق. = ۱۳۷۹.
مشخصات ظاهري : ج ۳
شابك : 964-5738-11-3(دوره) ؛ 964-5738-08-3۱۵۰۰۰ريال:(ج.۱) ؛ 964-5738-09-1۲۲۰۰۰ريال:(ج.۲) ؛ 964-5738-10-5۱۷۰۰۰ريال:(ج.۳)
يادداشت : فهرستنويسي براساس اطلاعات فيپا.
يادداشت : كتابنامه
موضوع : معاملات (فقه)
شناسه افزوده : موسسه احسن الحديث. مركز تحقيقات
رده بندي كنگره : BP۱۹۰/۱/الف‌۸م‌۷ ۱۳۷۹
رده بندي ديويي : ۲۹۷/۳۷۲
شماره كتابشناسي ملي : م‌۷۹-۲۷۷۱

الجزء الأول

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين

فالاكتساب المحرم أنواع

و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الأخبار

اشارة

الواردة علي سبيل الضابطة للمكاسب من حيث الحل و الحرمة فنقول مستعينا بالله تعالي

[رواية تحف العقول]

[رواية تحف العقول]
روي في الوسائل و الحدائق عن الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول: عن مولانا الصادق ص حيث سئل من معايش العباد فقال جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات و يكون فيها حلال من جهة و حرام من جهة فأول هذه الجهات الأربع الولاية- ثم التجارة ثم الصناعات ثم الإجارات و الفرض من الله تعالي علي العباد في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك و اجتناب جهات الحرام منها فإحدي الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم علي الناس و الجهة الأخري ولاية ولاة الجور فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل و ولاية ولاته بجهة ما أمر به الوالي العادل بلا زيادة و نقيصة فالولاية له و العمل معه و معونته و تقويته حلال محلل و أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته و العمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي‌ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية والي الجائر دروس الحق كله و إحياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب و قتل الأنبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلي الدم و الميتة و أما تفسير التجارات في جميع البيوع و وجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به في أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيرها مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و إمساكه و استعماله و هبته و عاريته و أما وجوه الحرام من البيع و الشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله و شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا أو بيع الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش أو الطير أو جلودها أو الخمر أو شي‌ء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام و كذلك كل مبيع ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله عز و جل أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلي ذلك و أما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه و ولده و مملوكه و أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي أو واليا للوالي فلا بأس أن يكون أجيرا يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته لأنهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي نظير الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشي‌ء معلوم فيجعل ذلك الشي‌ء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يؤاجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قبله فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلالا لمن كان من الناس ملكا أو سوقة أو كافرا أو مؤمنا فحلال إجارته و حلال كسبه من هذه الوجوه فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة نظير أن يؤاجر نفسه علي حمل ما يحرم أكله أو شربه أو
المكاسب، ج‌1، ص 3
يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي‌ء أو حفظه أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا أو قتل النفس بغير حق أو عمل التصاوير و الأصنام و المزامير و البرابط و الخمر و الخنازير و الميتة و الدم أو شي‌ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الإجارة فيه و كل أمر منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم علي الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شي‌ء منه أو له إلا لمنفعة من استأجرته كالذي يستأجر الأجير يحمل له الميتة ينحيها عن أذاه أو أذي غيره و ما أشبه ذلك إلي أن قال و كل من آجر نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة علي ما فسرناه مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله و كسبه و أما تفسير الصناعات فكل ما يتعلم العباد أو يعلمون غيرهم من أصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و النجارة و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني و أنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد منها منافعهم و بها قوامهم و فيها بلغه جميع حوائجهم فحلال فعله و تعليمه و العمل به و فيه لنفسه أو لغيره و إن كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها علي وجوه الفساد و وجوه المعاصي و تكون معونة علي الحق و الباطل فلا بأس بصناعته و تقلبه نظير الكتابة التي هي علي وجه من وجوه الفساد تقوية و معونة لولاه الجور و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف إلي وجوه الصلاح و جهات الفساد و تكون آلة و معونة عليهما فلا بأس بتعليمه و تعلمه و أخذ الأجر عليه و العمل به و فيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق و محرم عليهم تصريفه إلي جهات الفساد و المضار فليس علي العالم و لا المتعلم إثم و لا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم و قوامهم و بقائهم و إنما الإثم و الوزر علي المتصرف فيه في جهات الفساد و الحرام و ذلك إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي‌ء منها الفساد محضا نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي‌ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات إلا أن يكون صناعة قد تصرف إلي جهة المنافع و إن كان قد يتصرف فيها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي فلعله ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به و يحرم علي من صرفه إلي غير وجه الحق و الصلاح فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معائش العباد و تعلمهم في وجوه اكتسابهم إلي آخر الحديث المنقول عن تحف العقول: و حكاه غير واحد عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد قدس سره:

[رواية فقه الرضا]

[رواية فقه الرضا]
و في الفقه المنسوب إلي مولانا الرضا ص: اعلم يرحمك الله أن كل مأمور به علي العباد و قوام لهم في أمورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته و كل أمر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة أكله و شربه و لبسه و نكاحه و إمساكه بوجه الفساد مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلك فحرام ضار للجسم انتهي

[رواية الدعائم]

[رواية الدعائم]
و عن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري عن مولانا الصادق ع: أن الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك مما هو قوام للناس و يباح لهم الانتفاع و ما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه انتهي

[النبوي المشهور]

[النبوي المشهور]
و في النبوي المشهور: أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.

[تقسيم المكاسب إلي الأحكام الخمسة]

[تقسيم المكاسب إلي الأحكام الخمسة]
إذا عرفت ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته فنقول قد جرت عادة غير واحد علي تقسيم المكاسب إلي محرم و مكروه و مباح مهملين للمستحب و الواجب بناء علي عدم وجودهما في المكاسب مع إمكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة و الرعي- مما ندب إليه الشرع- و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية- خصوصا إذا تعذر قيام الغير به فتأمل.

و معني حرمة الاكتساب

و معني حرمة الاكتساب
حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الأثر المحرم. و أما حرمة أكل المال في مقابلها فهو متفرع علي فساد البيع لأنه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي و إن قلنا بعدم التحريم لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف إلي ما لو أراد ترتيب الآثار المحرمة أما لو قصد الأثر المحلل فلا دليل علي تحريم المعاملة إلا من حيث التشريع.
و كيف كان

فالاكتساب المحرم أنواع

اشارة

فالاكتساب المحرم أنواع
نذكر كلا منها في طي مسائل

[النوع] الأول الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني

و فيه مسائل ثمان

الأولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم

اشارة

الأولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم
بلا خلاف ظاهر لحرمته و نجاسته و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة فيما عدا بعض أفراده كبول الإبل الجلالة أو الموطوءة.

فرعان

الأول ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه

اشارة

الأول ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه
المحكوم بطهارتها عند المشهور إن قلنا بجواز شربها اختيارا كما عليه جماعة من القدماء و المتأخرين بل عن المرتضي دعوي الإجماع عليه فالظاهر جواز بيعها. و إن قلنا بحرمة شربها كما هو مذهب جماعة أخري لاستخباثها ففي جواز بيعها قولان من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شي‌ء. و التداوي بها لبعض الأوجاع لا يوجب قياسه علي الأدوية و العقاقير لأنه يوجب قياس كل شي‌ء عليها للانتفاع به في بعض الأوقات و من أن المنفعة الظاهرة و لو عند الضرورة المسوغة للشرب كافية في جواز البيع.
و الفرق بينها و بين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بأنه لا منفعة فيه و سيجي‌ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع.

[ما يستدل علي أن ضابط المنع تحريم الشي‌ء اختيارا]

[ما يستدل علي أن ضابط المنع تحريم الشي‌ء اختيارا]
نعم يمكن أن يقال إن قوله ص: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الإسلام يدل علي أن ضابطة المنع تحريم الشي‌ء اختيارا و إلا فلا حرام إلا و هو محلل عند الضرورة و المفروض حرمة شرب الأبوال اختيارا و المنافع الأخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا فلا ينتقض بالطين المحرم أكله فإن المنافع الأخر للطين أهم و أعم من منفعة الأكل المحرم بل لا يعد الأكل من منافع الطين فالنبوي دال علي أنه إذا حرم الله شيئا بقول مطلق بأن قال يحرم الشي‌ء الفلاني حرم بيعه لأن تحريم عينه إما راجع إلي تحريم جميع منافعه أو إلي تحريم أهم منافعه التي يتبادر عند الإطلاق بحيث يكون غيره غير مقصود منه.
المكاسب، ج‌1، ص 4
و علي التقديرين يدخل الشي‌ء لأجل ذلك فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة و الطين لم يحرم كذلك بل لم يحرم إلا بعض منافعه الغير المقصودة منه و هو الأكل بخلاف الأبوال فإنها حرمت كذلك فيكون التحريم راجعا إلي شربها و غيره من المنافع في حكم العدم. و بالجملة فالانتفاع بالشي‌ء حال الضرورة- منفعة محرمة في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه و لا ينتقض أيضا بالأدوية المحرمة في غير حال المرض لأجل الإضرار و لأن حلية هذه في حال المرض ليست لأجل الضرورة بل لأجل تبدل عنوان الإضرار بعنوان النفع- . و مما ذكرنا يظهر أن قوله ع في رواية تحف العقول المتقدمة و كل شي‌ء يكون فيه الصلاح من جهة من الجهات يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار دون الضرورة.

و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها

و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها
فإن الأول من قبيل الأبوال و الثاني من قبيل الطين في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها و لا ينافيه النبوي: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها لأن الظاهر أن الشحوم كانت محرمة الانتفاع علي اليهود بجميع الانتفاعات لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا هذا و لكن الموجود من النبوي في باب الأطعمة عن الخلاف: أن الله إذا حرم أكل شي‌ء حرم ثمنه و الجواب عنه مع ضعفه و عدم الجابر له سندا و دلالة لقصورها لزوم تخصيص الأكثر.

الثاني بول الإبل يجوز بيعه إجماعا

الثاني بول الإبل يجوز بيعه إجماعا
علي ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع إما لجواز شربه اختيارا كما يدل عليه قوله ع في رواية الجعفري: أبوال الإبل خير من ألبانها و إما لأجل الإجماع المنقول لو قلنا بعدم جواز شربها إلا لضرورة الاستشفاء كما يدل عليه رواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله ع عن بول الإبل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز أن يشرب قال نعم لا بأس به و موثقة عمار: عن بول البقر يشربه الرجل قال إن كان محتاجا إليه يتداوي بشربه فلا بأس و كذلك بول الإبل و الغنم. لكن الإنصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا أشكل الحكم بالجواز إن لم يكن إجماعيا كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة قال في النهاية و كذلك البول يعني يحرم بيعه و إن كان طاهرا للاستخباث كأبوال البقر و الإبل و إن انتفع به في شربه للدواء لأنه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به انتهي. أقول بل لأن المنفعة المحللة للاضطرار- و إن كانت كلية لا تسوغ البيع كما عرفت

الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان

اشارة

الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان
علي المشهور بل في التذكرة كما عن الخلاف الإجماع علي تحريم بيع السرجين النجس و يدل عليه مضافا إلي ما تقدم من الأخبار رواية يعقوب بن شعيب: ثمن العذرة من السحت. نعم في رواية محمد بن المصادف: لا بأس ببيع العذرة

[الجمع بين الروايات المانعة و المجوزة]

اشارة

[الجمع بين الروايات المانعة و المجوزة]
و جمع الشيخ بينهما بحمل الأول علي عذرة الإنسان و الثاني علي عذرة البهائم و لعله لأن الأول نص في عذرة الإنسان ظاهر في غيرها بعكس الخبر الثاني فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر. و يقرب هذا الجمع رواية سماعة قال: سأل رجل أبا عبد الله ع و أنا حاضر عن بيع العذرة فقال إني رجل أبيع العذرة فما تقول قال حرام بيعها و ثمنها و قال لا بأس ببيع العذرة. فإن الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل علي أن تعارض الأولين ليس إلا من حيث الدلالة فلا يرجع فيه إلي المرجحات السندية أو المرجحات الخارجية و به يدفع ما يقال من أن العلاج في الخبرين المتنافيين علي وجه التباين الكلي هو الرجوع إلي المرجحات الخارجية ثم التخيير أو التوقف لا إلغاء ظهور كل منهما و لهذا طعن علي من جمع بين الأمر و النهي بحمل الأمر علي الإباحة و النهي علي الكراهة. و احتمل السبزواري حمل خبر المنع علي الكراهة و فيه ما لا يخفي من البعد و أبعد منه ما عن المجلسي- من احتمال حمل خبر المنع علي بلاد لا ينتفع به و الجواز علي غيرها و نحوه حمل خبر المنع علي التقية- لكونه مذهب أكثر العامة

[الأظهر من وجوه الجمع]

[الأظهر من وجوه الجمع]
و الأظهر ما ذكره الشيخ رحمه الله- لو أريد التبرع بالحمل لكونه أولي من الطرح و إلا فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها- من وجوه لا تخفي.

[وجه ثبوت الحكم في غير عذرة الإنسان]

[وجه ثبوت الحكم في غير عذرة الإنسان]
ثم إن لفظ العذرة في الروايات إن قلنا إنه ظاهر في عذرة الإنسان كما حكي التصريح به عن بعض أهل اللغة فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامة المتقدمة و بالإجماع المتقدم علي السرجين النجس. و استشكل في الكفاية في الحكم تبعا للمقدس الأردبيلي رحمه الله إن لم يثبت الإجماع و هو حسن إلا أن الإجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة. و ربما يستظهر من عبارة الإستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الإنسان و فيه نظر.

فرع الأقوي جواز بيع الأرواث الطاهرة

فرع الأقوي جواز بيع الأرواث الطاهرة
التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة و عن الخلاف نفي الخلاف فيه. و حكي أيضا عن المرتضي رحمه الله الإجماع عليه. و عن المفيد حرمة بيع العذرة و الأبوال كلها إلا بول الإبل. و حكي عن سلار أيضا و لا أعرف مستندا لذلك إلا دعوي أن تحريم الخبائث في قوله تعالي وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ يشمل تحريم بيعها. و قوله ع: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه و ما تقدم من رواية دعائم الإسلام و غيرها. و يرد علي الأول أن المراد بقرينة مقابلته لقوله تعالي يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ الأكل لا مطلق الانتفاع و في النبوي و غيره ما عرفت من أن الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي‌ء بحيث يدل علي تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة و منفعة الروث ليست هي الأكل المحرم فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا

الثالثة يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف

اشارة

الثالثة يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف
بل عن النهاية و حاشية الإرشاد لفخر الدين و التنقيح الإجماع عليه و يدل عليه الأخبار السابقة- .

فرع و أما الدم الطاهر

فرع و أما الدم الطاهر
إذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ لو قلنا بجوازه ففي جواز بيعه وجهان أقواهما الجواز لأنها عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة. و أما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور أمير المؤمنين ع بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد و الطحال إلي آخرها فالظاهر إرادة حرمة البيع للأكل و لا شك في تحريمه لما سيجي‌ء من أن قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع بل بطلانه. و صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر لاستخباثه و لعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الأكل المحرم

الرابعة لا إشكال في حرمة بيع المني

اشارة

الرابعة لا إشكال في حرمة بيع المني
لنجاسته و عدم الانتفاع به إذا وقع في خارج الرحم و لو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري- لأن الولد نماء الأم في الحيوانات عرفا و للأب في الإنسان شرعا لكن
المكاسب، ج‌1، ص 5
الظاهر أن حكمهم بتبعية الأم متفرع علي عدم تملك المني و إلا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع فالمتعين التعليل بالنجاسة لكن قد منع بعض من نجاسته إذا دخل عن الباطن إلي الباطن.

[بيع العسيب]

[بيع العسيب]
و قد ذكر العلامة من المحرمات بيع عسيب الفحل و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم كما أن الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار كما في جامع المقاصد و عن غيره و علل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة و عدم القدرة علي التسليم

الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة

اشارة

الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة
علي المعروف من مذهب الأصحاب و في التذكرة كما عن المنتهي و التنقيح الإجماع عليه و عن رهن الخلاف الإجماع علي عدم ملكيتها. و يدل عليه مضافا إلي ما تقدم من الأخبار ما دل علي أن الميتة لا ينتفع بها منضما إلي اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلا يدخل في عموم النهي عن أكل المال بالباطل و خصوص عد ثمن الميتة من السحت في رواية السكوني.

[ظهور مكاتبة الصيقل في الجواز]

اشارة

[ظهور مكاتبة الصيقل في الجواز]
نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز مثل رواية صيقل قال: كتبوا إلي الرجل ع جعلنا الله فداك أنا قوم نعمل السيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و إنما غلافها من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون إلي جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها فكتب ع اجعلوا ثوبا للصلاة إلي آخر الحديث و نحوها رواية أخري بهذا المضمون و لذا قال في الكفاية و الحدائق إن الحكم لا يخلو عن إشكال.

[المناقشة في دلالتها علي جواز البيع]

[المناقشة في دلالتها علي جواز البيع]
و يمكن أن يقال إن مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا في ضمن السيف علي أن يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال و لذا جوز جماعة منهم الفاضلان في مختصر النافع و الإرشاد علي ما حكي عنهما الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب مع عدم قولهم بجواز بيعه مع أن الجواب لا ظهور فيه في الجواز إلا من حيث التقرير الغير الظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية

[بيع الميتة لو جاز الانتفاع بجلدها]

[بيع الميتة لو جاز الانتفاع بجلدها]
هذا. و لكن الإنصاف أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة كالاستقاء بها للبساتين و الزرع إذا فرض عده مالا عرفا فمجرد النجاسة لا يصلح علة لمنع البيع لو لا الإجماع علي حرمة بيع الميتة بقول مطلق لأن المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة لا مجرد النجاسة.
و إن قلنا إن مقتضي الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس فإن هذا كلام آخر سيجي‌ء ما فيه بعد ذكر النجاسات.

[ظهور ما دل علي المنع في كون المانع حرمة الانتفاع]

[ظهور ما دل علي المنع في كون المانع حرمة الانتفاع]
لكنا نقول إذا قام الدليل الخاص علي جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشي‌ء من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه لأن ما دل علي المنع عن بيع النجس من النص و الإجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع فإن رواية تحف العقول المتقدمة قد علل فيها المنع عن بيع شي‌ء من وجوه النجس بكونه منهيا عن أكله و شربه إلي آخر ما ذكر فيها. و مقتضي رواية دعائم الإسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه.

[ظهور كلام جماعة في ما استظهر من النص و الإجماع]

[ظهور كلام جماعة في ما استظهر من النص و الإجماع]
و أدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل الانتفاع بها و استدل أيضا علي جواز بيع الزيت النجس بأن النبي ص أذن في الاستصباح به تحت السماء قال و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك انتهي. فقد ظهر من أول كلامه و آخره أن المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع و أنه يجوز مع عدمها و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع حيث ذكر النبوي الدال علي إذن النبي ص في الاستصباح ثم قال و هذا يدل علي جواز بيعه انتهي.
و عن فخر الدين في شرح الإرشاد و الفاضل المقداد في التنقيح الاستدلال علي المنع عن بيع النجس بأنه محرم الانتفاع و كل ما كان كذلك لا يجوز بيعه. نعم ذكر في التذكرة شرط الانتفاع و حليته بعد اشتراط الطهارة. و استدل للطهارة بما دل علي وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة و الإنصاف إمكان إرجاعه إلي ما ذكرناه فتأمل. و يؤيده أنهم أطبقوا علي بيع العبد الكافر و كلب الصيد و علله في التذكرة بحل الانتفاع به و رد من منع عن بيعه لنجاسته بأن النجاسة غير مانعة و تعدي إلي كلب الحائط و الماشية و الزرع لأن المقتضي و هو النفع موجود فيها

[المعاوضة علي لبن اليهودية المرضعة]

[المعاوضة علي لبن اليهودية المرضعة]
و مما ذكرناه من قوة جواز بيع جلد الميتة- لو لا الإجماع إذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء يظهر حكم جواز المعاوضة علي لبن اليهودية المرضعة بأن يجعل تمام الأجرة أو بعضها في مقابل اللبن فإن نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه.

فرعان

الأول أنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة إلي مذكي

اشارة

الأول أنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة إلي مذكي
و لو باعها فإن كان المذكي ممتازا صح البيع فيه و بطل في الميتة كما سيجي‌ء في محله و إن كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا- لأنه لا ينتفع به منفعة محللة- بناء علي وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع فأكل المال بإزائه أكل المال بالباطل كما أن أكل كل من المشتبهين في حكم أكل الميتة

[هل يجوز بيع المختلط ممن يستحل الميتة]

اشارة

[هل يجوز بيع المختلط ممن يستحل الميتة]
و من هنا يعلم أنه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره

[دلالة روايتي الحلبي علي الجواز]

[دلالة روايتي الحلبي علي الجواز]
لكن في صحيحة الحلبي و حسنته إذا اختلط المذكي بالميتة بيع ممن يستحل الميتة و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر. و استوجه العمل بهذه الأخبار في الكفاية و هو مشكل مع أن المروي عن أمير المؤمنين ع أنه يرمي بهما

[تجويز بعضهم البيع بقصد بيع المذكي و الإيراد عليه]

[تجويز بعضهم البيع بقصد بيع المذكي و الإيراد عليه]
و جوز بعضهم البيع بقصد بيع المذكي. و فيه أن القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكي لأجل الاشتباه. نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة و جواز ارتكاب أحدهما جاز البيع بالقصد المذكور- و لكن لا ينبغي القول به في المقام لأن الأصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية غاية الأمر العلم الإجمالي بتذكية أحدهما و هو غير قادح في العمل بالأصلين و إنما يصح القول بجواز ارتكاب أحدهما في المشتبهين إذا كان الأصل في كل منهما الحل و علم إجمالا بوجود الحرام فقد يقال هنا بجواز ارتكاب أحدهما اتكالا علي أصالة الحل و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك
المكاسب، ج‌1، ص 6
حذرا عن ارتكاب الحرام الواقعي و إن كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا. لكن القول به ممكن هنا بخلاف ما نحن فيه لما ذكرنا فافهم- .

[حمل العلامة لروايتي الحلبي]

[حمل العلامة لروايتي الحلبي]
و عن العلامة حمل الخبرين علي جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه. و فيه أن المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه إلا بالأسباب الشرعية كالذمي

[حمل المؤلف لهما]

[حمل المؤلف لهما]
و يمكن حملهما علي صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلها الحياة من الصوف و العظم و الشعر و نحوها و تخصيص المشتري بالمستحل لأن الداعي له علي الاشتراء اللحم أيضا و لا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه.

[الانتفاع بأليات الغنم المقطوعة]

[الانتفاع بأليات الغنم المقطوعة]
و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا ع قال:
سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء يصلح له أن ينتفع بما قطع قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها. و استوجه في الكفاية العمل بها تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة في بعض أقواله و الرواية شاذة- ذكر الحلي بعد إيرادها أنها من نوادر الأخبار و الإجماع منعقد علي تحريم الميتة و التصرف فيها علي كل حال إلا أكلها للمضطر. أقول مع أنها معارضة بما دل علي المنع من موردها معللا بقوله ع: أ ما علمت أنه يصيب الثوب و اليد و هو حرام و مع الإغماض عن المرجحات يرجع إلي عموم ما دل علي المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا مع أن الصحيحة صريحة في المنع عن البيع إلا أن يحمل علي إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة.

الثاني أن الميتة من غير النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها

الثاني أن الميتة من غير النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها
إذا كانت مما ينتفع بها أو ببعض أجزائها كدهن السمك الميتة للإسراج و التدهين لوجود المقتضي و عدم المانع لأن أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة و صرح بما ذكرنا جماعة و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه

السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين

السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين
إجماعا علي الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة و كذلك أجزاؤهما. نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة

السابعة يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع إجماعا نصا و فتوي

السابعة يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع إجماعا نصا و فتوي
. و في بعض الأخبار: يكون لي علي الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا فقال خذها ثم أفسدها قال ابن أبي عمير يعني اجعلها خلا و المراد به إما أخذ الخمر مجانا ثم تخليلها أو أخذها و تخليلها لصاحبها ثم أخذ الخل وفاء عن الدراهم

الثامنة يحرم المعاوضة علي الأعيان المتنجسة- الغير القابلة للطهارة

الثامنة يحرم المعاوضة علي الأعيان المتنجسة- الغير القابلة للطهارة
إذا توقف منافعها المحللة المعتد بها علي الطهارة لما تقدم من النبوي: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه و نحوه المتقدم عن دعائم الإسلام. و أما التمسك بعموم قوله ع في رواية تحف العقول أو شي‌ء من وجوه النجس ففيه نظر لأن الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة لأن ظاهر الوجه هو العنوان. نعم يمكن الاستدلال علي ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك- و هو قوله ع لأن ذلك كله محرم أكله و شربه و لبسه إلي آخر ما ذكر. ثم اعلم أنه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها و لما كان الأقوي طهارتها لم يحتج إلي التكلم في جواز بيعها هنا. نعم لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة كان محل التعرض له ما سيجي‌ء من أن كل طاهر له منفعة محللة مقصودة يجوز بيعه. و سيجي‌ء ذلك في ذيل القسم الثاني مما لا يجوز الاكتساب به لأجل عدم المنفعة فيه

و أما المستثني من الأعيان المتقدمة

اشارة

و أما المستثني من الأعيان المتقدمة
فهي أربعة تذكر في مسائل أربع
@@@

الأولي يجوز بيع المملوك الكافر

اشارة

أصليا كان أم مرتدا مليا بلا خلاف ظاهر بل ادعي عليه الإجماع و ليس ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة كاسترقاق الكفار و شراء بعضهم من بعض و بيع العبد الكافر إذا أسلم علي مولاه الكافر و عتق الكافرة و بيع المرتد و ظهور كفر العبد المشتري علي ظاهر الإسلام و غير ذلك

[بيع العبد المرتد عن فطرة]

اشارة

و كذا الفطري علي الأقوي بل الظاهر أنه لا خلاف فيه من هذه الجهة و إن كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف لوجوب قتله و لم نجد من تأمل فيه من جهة نجاسته عدا ما يظهر من بعض الأساطين- في شرحه علي القواعد حيث احترز بقول العلامة ما لا يقبل التطهير من النجاسات عما يقبله و لو بالإسلام كالمرتد و لو عن فطرة علي أصح القولين فبني جواز بيع المرتد علي قبول توبته بل بني جواز بيع مطلق الكافر علي قبوله للطهر بالإسلام. و أنت خبير بأن حكم الأصحاب بجواز بيع الكافر نظير حكمهم بجواز بيع الكلب لا من حيث قابليته للتطهير نظير الماء المتنجس و إن اشتراطهم قبول التطهير إنما هو فيما يتوقف الانتفاع به علي طهارته- ليتصف بالملكية لا مثل الكلب و الكافر المملوكين مع النجاسة إجماعا. و بالغ تلميذه في مفتاح الكرامة فقال أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا لعدم قبول توبته فلا يقبل التطهير ثم ذكر جماعة ممن جوز بيعه إلي أن قال و لعل من جوز بيعه بني علي قبول توبته انتهي و تبعه علي ذلك شيخنا المعاصر. أقول لا إشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه و يجوز له الانتفاع به بالاستخدام ما لم يقتل و إنما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل بل واجب الإتلاف شرعا فكان الإجماع منعقد علي عدم المنع من بيعه من جهة عدم قابليته للطهارة بالتوبة

[نقل كلمات الأعلام في المسألة]

. قال في الشرائع و يصح رهن المرتد و إن كان عن فطرة و استشكل في المسالك من جهة وجوب إتلافه و كونه في معرض التلف ثم اختار الجواز لبقاء ماليته إلي زمان القتل. و قال في القواعد و يصح رهن المرتد و إن كان عن فطرة علي إشكال و ذكر في جامع المقاصد أن منشأ الإشكال أنه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق أولي و من أن مقصود البيع حاصل- و أما مقصود الرهن فقد لا يحصل بقتل الفطري حتما و الآخر قد لا يتوب ثم اختار الجواز و قال في التذكرة المرتد إن كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر ينشأ من تضاد الحكمين- و من بقاء الملك فإن كسبه لمولاه أما عن غير فطرة فالوجه صحة بيعه لعدم تحتم قتله ثم ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته- لوقوعها بعد القدرة عليه و استدل علي جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتد عن فطرة و جعله نظير المريض المأيوس عن برئه نعم منع في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة و المحارب إذا وجب قتله للوجه
المكاسب، ج‌1، ص 7
المتقدم. و عن التذكرة بل في الدروس أن بيع المرتد عن ملة أيضا مراعي بالتوبة و كيف كان فالمتتبع يقطع بأن اشتراط قابلية الطهارة إنما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به علي طهارته و لذا قسم في المبسوط المبيع إلي آدمي و غيره. ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي نعم استثني الكلب الصيود

الثانية يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة

اشارة

بلا خلاف ظاهر إلا ما عن ظاهر إطلاق العماني و لعله كإطلاق كثير من الأخبار بأن ثمن الكلب سحت محمول علي الهراش لتواتر الأخبار و استفاضة نقل الإجماع علي جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة. ثم إن ما عدا كلب الهراش علي أقسام

أحدها كلب الصيد السلوقي

و هو المتيقن من الأخبار و معاقد الإجماعات الدالة علي الجواز.

الثاني كلب الصيد غير السلوقي

اشارة

و بيعه جائز علي المعروف من غير ظاهر إطلاق المقنعة و النهاية. و يدل عليه قبل الإجماع المحكي عن الخلاف و المنتهي و الإيضاح و غيرها

الأخبار المستفيضة [الدالة علي الجواز]

منها قوله ع في رواية القاسم بن الوليد قال: سألت أبا عبد الله ع عن ثمن الكلب الذي لا يصيد قال سحت و أما الصيود فلا بأس به و منها الصحيح عن ابن فضال عن أبي جميلة عن ليث قال: سألت أبا عبد الله ع عن الكلب الصيود يباع قال ع نعم و يؤكل ثمنه و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ع عن ثمن كلب الصيد قال لا بأس به و أما الآخر فلا يحل ثمنه و منها ما عن دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري عن أمير المؤمنين ع أنه قال: لا بأس بثمن كلب الصيد و منها مفهوم رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت و منها مفهوم رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ع قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهرة و مرسلة الصدوق رحمه الله و فيها: ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت.
ثم إن دعوي انصراف هذه الأخبار كمعاقد الإجماعات المتقدمة إلي السلوقي ضعيفة لمنع الانصراف لعدم الغلبة المعتد بها علي فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف مع أنه لا يصح في مثل قوله ثمن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد لأن مرجع التقييد إلي إرادة ما يصح عنه سلب صفة الاصطياد. و كيف كان فلا مجال لدعوي الانصراف بل يمكن أن يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي مطلق الصيود علي ما شهد به بعض الفحول من إطلاقه عليه أحيانا. و يؤيد بما عن المنتهي- حيث إنه بعد ما حكي التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال و عني بالسلوقي كلب الصيد لأن سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة فنسب الكلب إليها و إن كان هذا الكلام من المنتهي يحتمل- لأن يكون مسوقا لإخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية و أن المراد بالسلوقي خصوص الصيود لا كل سلوقي لكن الوجه الأول أظهر فتدبر.

الثالث كلب الماشية و الحائط

اشارة

و هو البستان و الزرع و الأشهر بين القدماء علي ما قيل المنع لعله استظهر ذلك من الأخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدثين كالكليني و الصدوقين و من تقدمهم بل و أهل الفتوي كالمفيد و القاضي و ابن زهرة و ابن سعيد و المحقق بل ظاهر الخلاف و الغنية الإجماع عليه.

نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز

وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد قدس سره حيث قال لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع ثم قال لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس و ظاهر الفقرة الأخيرة لو لم يحمل علي الأولي جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها كحارس الدور و الخيام.
و حكي الجواز أيضا عن الشيخ و القاضي في كتاب الإجارة و عن سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة و ابن إدريس و أكثر المتأخرين كالعلامة و ولده السعيد و الشهيدين و المحقق الثاني و ابن القطان في المعالم و الصيمري و ابن فهد و غيرهم من متأخري المتأخرين

[ذهاب المحقق و قليل من متأخري المتأخرين إلي المنع]

عدا قليل وافق المحقق كالسبزواري و التقي المجلسي و صاحب الحدائق و العلامة الطباطبائي في مصابيحه و فقيه عصره في شرح القواعد و هو الأوفق بالعمومات المتقدمة المانعة إذ لم نجد مخصصا لها

[دلالة مرسلة المبسوط علي الجواز]

سوي ما أرسله في المبسوط من أنه روي ذلك يعني جواز البيع في كلب الماشية و الحائط المنجبر قصور سنده و دلالته لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها باشتهاره بين المتأخرين
بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ في كتاب الإجارة إن أحدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و إجارتها بعد ملاحظة الاتفاق علي صحة إجارتها و من قوله في التذكرة جوز بيع هذه الكلاب عندنا و من المحكي عن الشهيد في الحواشي أن أحدا لم يفرق بين الكلاب الأربعة فيكون هذه الدعاوي قرينة علي

حمل كلام من اقتصر علي كلب الصيد علي المثال

لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة. كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية حيث اعتبر أولا في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال و احترزنا بقولنا ينتفع به منفعة محللة عما يحرم الانتفاع به و يدخل في ذلك كل نجس إلا ما خرج بالدليل من بيع الكلب المعلم للصيد و الزيت النجس لفائدة الاستصباح تحت السماء و من المعلوم بالإجماع و السيرة جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة أهم من منفعة الصيد فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها و أن المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها

[التأييد بما أفاده العلامة و المناقشة فيه]

و يؤيد ذلك كله ما في التذكرة من أن المقتضي لجواز بيع كلب الصيد أعني المنفعة موجود في هذه الكلاب. و عنه رحمه الله في مواضع أخر أن تقدير الدية لها يدل علي مقابلتها بالمال و إن ضعف الأول برجوعه إلي القياس- و الثاني بأن الدية لو لم تدل علي عدم التملك و إلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل علي التملك لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي‌ء ينتفع به لا لإتلاف مال كما في إتلاف الحر

[المناقشة في أدلة الجواز]

و نحوهما في الضعف دعوي انجبار المرسلة بدعوي الاتفاق المتقدم عن الشيخ و العلامة و الشهيد قدس الله أسرارهم لوهنها بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية من الإجماع علي عدم جواز بيع غير المعلم من الكلاب بوجدان الخلاف العظيم من أهل الرواية و الفتوي.

[الفرق بين دعوي الاتفاق و دعوي الإجماع]

نعم لو ادعي الإجماع أمكن منع وهنها بمجرد الخلاف و لو من الكثير بناء علي ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الإجماع من كونه
المكاسب، ج‌1، ص 8
منوطا بحصول الكشف من اتفاق جماعة و لو خالفهم أكثر منهم مع أن دعوي الإجماع ممن لم يصطلح الإجماع علي مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها عند وجدان الخلاف. و أما شهرة الفتوي بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا مع مخالفة كثير من القدماء و مع كثرة ظاهر العمومات الواردة في مقام الحاجة و خلو كتب الرواية المشهورة عنها حتي أن الشيخ لم يذكرها في جامعية

و أما حمل كلمات القدماء علي المثال ففي غاية البعد

و أما كلام ابن زهرة المتقدم فهو مختل علي كل حال- لأنه استثني الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به مع أن الإجماع علي جواز الانتفاع بالكافر فحمل كلب الصيد علي المثال لا يصحح كلامه إلا أن يريد كونه مثالا و لو للكافر أيضا كما أن استثناء الزيت من باب المثال لسائر الأدهان المتنجسة هذا و لكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب يوجب الظن بالجواز حتي في غير هذه الكلاب مثل كلاب الدور و الخيام

[مختار المؤلف]

فالمسألة لا تخلو عن إشكال و إن كان الأقوي بحسب الأدلة- و الأحوط في العمل هو المنع فافهم

الثالثة الأقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي

اشارة

إذا غلي و لم يذهب ثلثاه و إن كان نجسا لعمومات البيع و التجارة الصادقة عليه بناء علي أنه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص لأصالة بقاء ماليته و عدم خروجه عنها بالنجاسة غاية الأمر أنه مال معيوب قابل لزوال عيبه و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتي حرم و نجس لم يكن في حكم التالف بل وجب عليه رده و وجب عليه غرامة الثلثين و أجرة العمل فيه حتي يذهب الثلثان كما صرح به في التذكرة معللا لغرامة الأجرة بأنه رده معيبا و يحتاج زوال العيب إلي خسارة و العيب من فعله فكانت الخسارة عليه نعم ناقشه في جامع المقاصد في الفرق بين هذا و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير لأن المالية قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت لكن لا يخفي الفرق الواضح بين العصير إذا غلي و بينه إذا صار خمرا فإن العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا و النجاسة إنما تمنع من المالية إذا لم تقبل التطهير كالخمر فإنه لا تزول نجاستها إلا بزوال موضوعها بخلاف العصير فإنه تزول نجاسته بنقصه نظير طهارة ماء البئر بالنزح-

[عدم شمول نجس العين للعصير]

و بالجملة فالنجاسة فيه و حرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير فلا يشمله قوله ع في رواية تحف العقول أو شي‌ء من وجوه النجس و لا يدخل تحت قوله ص إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه لأن الظاهر منها العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق لا ما تعرضانه في حال دون حال فيقال يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا. و بما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد إجماع التذكرة علي فساد بيع نجس العين للعصير لأن المراد بالعين هي الحقيقة و العصير ليس كذلك

[استظهار المنع من بيع العصير في مفتاح الكرامة]

و يمكن أن ينسب جواز بيع العصير إلي كل من قيد الأعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير و لم أجد مصرحا بالخلاف عدا ما في مفتاح الكرامة من أن الظاهر المنع للعمومات المتقدمة و خصوص بعض الأخبار- مثل قوله ع: و إن غلي فلا يحل بيعه و رواية أبي كهمس: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس و مرسل ابن الهيثم: إذا تغير عن حاله و غلي فلا خير فيه بناء علي أن الخير المنفي يشمل البيع.

و في الجميع نظر

أما في العمومات فلما تقدم. و أما الأدلة الخاصة فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان نظير بيع الدبس و الخل من غير اعتبار إعلام المكلف و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع إعلام المشتري نظير بيع الماء النجس و بالجملة فلو لم يكن إلا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفي و لم أعثر علي من تعرض للمسألة صريحا عدا جماعة من المعاصرين نعم قال المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول المصنف و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبولها التطهير بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الأصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير و دفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف- و لو تنجس العصير و نحوه فهل يجوز بيعه علي من يستحله فيه إشكال ثم ذكر أن الأقوي العدم لعموم وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ و الظاهر أنه أراد بيع العصير للشرب من غير التثليث كما يظهر من ذكر المشتري و الدليل فلا يظهر منه حكم بيعه علي من يطهره

الرابعة يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس

اشارة

علي المعروف من مذهب الأصحاب و جعل هذا من المستثني عن بيع الأعيان النجسة مبني علي المنع من الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل أو علي المنع من بيع المتنجس و إن جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا و إلا كان الاستثناء منقطعا من حيث إن المستثني منه ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات و قد تقدم أن المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس ليس إلا من حيث حرمة المنفعة المقصودة فإذا فرض حلها فلا مانع من البيع و يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك و أن جواز بيع الدهن للنص لا لجواز الانتفاع به و إلا لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا و أما حرمة الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل فسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالي و كيف كان فلا إشكال في جواز بيع الدهن المذكور و عن جماعة الإجماع عليه في الجملة

[الأخبار المستفيضة الدالة علي الجواز]

و الأخبار به مستفيضة منها الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله ع قال: قلت له جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل قال ع أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به و زاد في المحكي عن التهذيب أنه يبيع ذلك الزيت و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به و لعل الفرق بين الزيت و أخويه من جهة كونه مائعا غالبا بخلاف السمن و العسل و في رواية إسماعيل الآتية إشعار بذلك و منها الصحيح عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ع: في الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه قال ع إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا فإن كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و إن كان الصيف فادفعه حتي يسرج به و منها ما عن أبي بصير في الموثق: عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه قال ع إن كان جامدا فليطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته و منها رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سأله سعيد الأعرج السمان و أنا حاضر عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به قال ع أما الزيت فلا تبعه إلا أن تبين له فيبتاع للسراج
المكاسب، ج‌1، ص 9
و أما الأكل فلا و أما السمن فإن كان ذائبا فكذلك و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذه ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به و العسل كذلك إن كان جامدا

إذا عرفت هذا فالإشكال يقع في مواضع

@@@ الأول أن صحة بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به
صريحا أو يكفي قصدهما لذلك أو لا يشترط أحدهما ظاهر الحلي في السرائر الأول- فإنه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجسة جمع قال و يجوز بيعها بهذا الشرط عندنا و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني حيث قال جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و قال أبو حنيفة يجوز مطلقا و نحوه مجردا عن دعوي الإجماع عبارة المبسوط و زاد أنه لا يجوز بيعه إلا لذلك و ظاهره كفاية القصد و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله جاز بيعه للاستصباح- كما في الشرائع و القواعد و غيرهما. نعم ذكر المحقق الثاني ما حاصله أن التعليل راجع إلي الجواز يعني يجوز لأجل تحقق فائدة الاستصباح بيعه و كيف كان فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح.
[اعتبار قصد الاستصباح إذا كان من المنافع النادرة]
و يمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح إذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه و كان من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما و وجهه أن مالية الشي‌ء إنما هي باعتبار منافعه المحللة المقصودة منه لا باعتبار مطلق الفوائد غير الملحوظة في ماليته و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة فإذا فرض أن لا فائدة في الشي‌ء محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه علي الإطلاق لأن الإطلاق ينصرف إلي كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه و المفروض حرمتها فيكون أكلا للمال بالباطل و لا علي قصد الفائدة النادرة المحللة لأن قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي‌ء مالا. ثم إذا فرض ورود النص الخاص علي جواز بيعه كما فيما نحن فيه فلا بد من حمله علي إرادة صورة قصد الفائدة النادرة لأن أكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع بخلاف صورة عدم القصد لأن المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق المنصرف إلي الفوائد المحرمة فافهم و حينئذ فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن و تعاملا من غير قصد إلي هذه الفائدة كانت المعاملة باطلة لأن المال مبذول مع الإطلاق في مقابل الشي‌ء باعتبار الفوائد المحرمة. ثم لو علمنا عدم التفات المتعاملين إلي المنافع أصلا أمكن صحتها لأنه مال واقعي شرعا قابل لبذل المال بإزائه و لم يقصد به ما لا يصح بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة و مرجع هذا في الحقيقة إلي أنه لا يشترط إلا عدم قصد المنافع المحرمة فافهم.
[عدم اعتبار قصد الاستصباح إذا كان من المنافع الغالبة أو المساوية]
و أما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة بحيث كان مالية الدهن باعتباره كالأدهان المعدة للإسراج فلا يعتبر في صحة بيعه قصده أصلا لأن الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به و إن فرض حرمة سائر منافعه بناء علي أضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس علي مورد النص. و كذا إذا كان الاستصباح منفعة مقصودة مساوية لمنفعة الأكل المحرم كالألية و الزيت و عصارة السمسم فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه إذ يكفي في ماليته وجود المنفعة المقصودة المحللة غاية الأمر كون حرمة منفعته الأخري المقصودة نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل
نعم يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة
بأن يقول بعتك بشرط أن تأكله و إلا فسد العقد بفساد الشرط بل يمكن الفساد و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد لأن مرجع الاشتراط في هذا الفرض إلي تعيين المنفعة المحرمة عليه فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل لأن حقيقة النفع العائد إلي المشتري بإزاء ثمنه هو النفع المحرم فافهم بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد و إن لم يشترط في متن العقد و بالجملة فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد أكل الثمن أو بعضه بإزاء المنفعة المحرمة كان باطلا كما يومئ إلي ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها و صرح في التذكرة بأن الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء فالوجه التحريم انتهي.
ثم إن الأخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح
لأن موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها كافية في ماليتها العرفية و ربما يتوهم من قوله ع- في رواية الأعرج المتقدمة تبينه لمن يشتريه فيبتاع للسراج اعتبار القصد و يدفعه أن الابتياع للسراج إنما جعل غاية للإعلام بمعني أن المسلم إذا اطلع علي نجاسته فيشتريه للإسراج نظير قوله ع في رواية معاوية بن وهب: يبينه لمن اشتراه ليستصبح به.
الثاني أن ظاهر بعض الأخبار وجوب الإعلام فهل يجب مطلقا أم لا- و هل وجوبه نفسي أم شرطي
بمعني اعتبار اشتراطه في صحة البيع الذي ينبغي أن يقال إنه لا إشكال في وجوب الإعلام إن قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد أو تواطئهما عليه من الخارج لتوقف القصد علي العلم بالنجاسة و أما إذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد فالظاهر وجوب الإعلام وجوبا نفسيا- قبل العقد أو بعده لبعض الأخبار المتقدمة- و في قوله ع: يبينه لمن اشتراه ليستصبح به إشارة إلي وجوب الإعلام لئلا يأكله فإن الغاية للإعلام ليس هو تحقق الاستصباح إذ لا ترتب بينهما شرعا و لا عقلا و لا عادة- بل الفائدة حصر الانتفاع فيه بمعني عدم الانتفاع به في غيره
[وجوب إعلام الجاهل بما يعطي إذا كان الانتفاع الغالب به محرما]
ففيه إشارة إلي وجوب إعلام الجاهل بما يعطي إذا كان الانتفاع الغالب به محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الإعلام فكأنه قال أعلمه لأن لا يقع في الحرام الواقعي بتركك الإعلام
[الأخبار الدالة علي حرمة تعزير الجاهل بالحكم أو الموضوع]
و يشير إلي هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة علي حرمة تغرير الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات مثل ما دل علي أن من أفتي بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه فإن إثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي و حمله علي المفتي من حيث التسبيب و التغرير و مثل قوله ع: ما من إمام صلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير- إلا كان عليه أوزارهم: و في رواية أخري: فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه: و في رواية أخري:
لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلي بهم جنبا و مثل رواية أبي بصير المتضمنة لكراهة أن تسقي البهيمة أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه فإن في كراهة ذلك في البهائم إشعارا بحرمته بالنسبة إلي المكلف و يؤيده أن أكل الحرام و شربه من القبيح و لو في حق الجاهل و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك إذ لو كان
المكاسب، ج‌1، ص 10
للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط و حينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراء بالقبيح و هو قبيح عقلا. بل قد يقال بوجوب الإعلام و إن لم يكن منه تسبيب كما لو رأي نجسا في يده يريد أكله و هو الذي صرح به العلامة رحمه الله في أجوبة المسائل المهنائية حيث سأله السيد المهنا عمن رأي في ثوب المصلي نجاسة فأجاب بأنه يجب الإعلام لوجوب النهي عن المنكر لكن إثبات هذا مشكل
[أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية]
و الحاصل أن هنا أمورا أربعة. أحدها أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج كما إذا أكره غيره علي المحرم و لا إشكال في حرمته و كون وزر الحرام عليه بل أشد لظلمة. و ثانيها أن يكون فعله سببا للحرام كمن قدم إلي غيره محرما و مثله ما نحن فيه و قد ذكرنا أن الأقوي فيه التحريم لأن استناد الفعل إلي السبب أقوي- فنسبة فعل الحرام إليه أولي و لذا يستقر الضمان علي السبب دون المباشر الجاهل بل قيل إنه لا ضمان ابتداء إلا عليه. الثالث أن يكون شرطا لصدور الحرام و هذا يكون علي وجهين أحدهما أن يكون من قبيل إيجاد الداعي علي المعصية إما لحصول الرغبة فيها كترغيب الشخص علي المعصية و إما لحصول العناد من الشخص حتي يقع في المعصية كسب آلهة الكفار الموجب لإلقائهم في سب الحق عنادا أو سب آباء الناس الموقع لهم في سب أبيه و الظاهر حرمة القسمين و قد ورد في ذلك عدة من الأخبار. ثانيهما أن يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا و سيأتي الكلام فيه. الرابع أن يكون من قبيل عدم المانع و هذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل كسكوت الشخص عن المنع من المنكر و لا إشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر و أخري مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلي الفاعل كسكوت العالم عن إعلام الجاهل كما فيما نحن فيه فإن صدور الحرام منه مشروط بعدم إعلامه
فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا
فيه إشكال إلا إذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه فسادا قد أمر بدفعه كل من قدر عليه كما لو اطلع علي عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله أو عدم إباحة عرضه له أو لزم من سكوته ضرر مالي قد أمرنا بدفعه عن كل أحد فإنه يجب الإعلام و الردع لو لم يرتدع بالإعلام بل الواجب هو الردع و لو بدون الإعلام ففي الحقيقة الإعلام بنفسه غير واجب. و أما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق الله فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل لأن الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية فلا يدل علي وجوب إعلام الجاهل بكون فعله معصية نعم وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف إلي آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله ليتم الحجة علي الجاهل و يتحقق فيه قابلية الإطاعة و المعصية
[الاستدلال علي وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي و المناقشة فيه]
ثم إن بعضهم استدل علي وجوب الإعلام بأن النجاسة عيب خفي فيجب إظهارها و فيه مع أن وجوب الإعلام علي القول به ليس مختصا بالمعاوضات بل يشمل مثل الإباحة و الهبة من المجانيات أن كون النجاسة عيبا ليس إلا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا فإن ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب و إلا لم يكن عيبا فتأمل.
الثالث المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء
بل في السرائر أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف و في المبسوط أنه روي أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف لكن الأخبار المتقدمة علي كثرتها و ورودها في مقام البيان ساكتة عن هذا القيد و لا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعي من مرسلة الشيخ- المنجبرة بالشهرة المحققة و الاتفاق المحكي لكن لو سلم الانجبار فغاية الأمر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة أو حمل الجملة الخبرية علي الاستحباب أو الإرشاد لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس بناء علي ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة علي نجاسة الدخان النجس إذ قد لا يخلو من أجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة و لا ريب أن مخالفة الظاهر في المرسلة خصوصا بالحمل علي الإرشاد دون الاستحباب أولي خصوصا مع ابتناء التقييد إما علي ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية علي نجاسة الدخان المخالفة للمشهور و إما علي كون الحكم تعبدا محضا و هو في غاية البعد. و لعله لذلك أفتي في المبسوط بالكراهة مع روايته للمرسلة
و الإنصاف أن المسألة لا تخلو عن إشكال
من حيث ظاهر الروايات البعيدة عن التقييد لإبائها في أنفسها عنه و إباء المقيد عنه و من حيث الشهرة المحققة و الاتفاق المنقول و لو رجع إلي أصالة البراءة حينئذ لم يكن إلا بعيدا عن الاحتياط و جرأة علي مخالفة المشهور.
ثم إن العلامة في المختلف فصل
بين ما إذا علم بتصاعد شي‌ء من أجزاء الدهن و ما إذا لم يعلم فوافق المشهور في الأول و هو مبني علي ثبوت حرمة تنجيس السقف و لم يدل عليه دليل و إن كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا لا لنجاسة الدخان معللا بطهارة دخان النجس التسالم علي حرمة التنجيس و إلا لكان الأولي تعليل التعبد به لا بطهارة الدخان كما لا يخفي
الرابع هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح
بأن يعمل صابونا أو يطلي به الأجرب أو السفن قولان مبنيان علي أن الأصل في المتنجس جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل كالأكل و الشرب و الاستصباح تحت الظل أو أن القاعدة فيه المنع عن التصرف إلا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء و بيعه ليعمل صابونا علي رواية ضعيفة تأتي
[كلمات الفقهاء في المسألة]
و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين و هو ظاهر جماعة من القدماء كالشيخين و السيدين و الحلي و غيرهم.
[ما قاله السيد في الانتصار]
قال في الانتصار و مما انفردت به الإمامية أن كل طعام عالجه أهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز أكله و لا الانتفاع به و اختلف باقي الفقهاء في ذلك و قد دللنا علي ذلك في كتاب الطهارة حيث دللنا علي أن سؤر الكفار نجس.
[ما قاله الشيخ في المبسوط و النهاية و الخلاف]
و قال في المبسوط في الماء المضاف إنه مباح التصرف فيه بأنواع التصرف ما لم تقع فيه نجاسة فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله علي حال و قال في حكم الماء المتغير بالنجاسة إنه لا يجوز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير و قال في النهاية و إن كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله و وجب إهراقه انتهي و قريب منه عبارة المقنعة. و قال في الخلاف في حكم السمن و البذر و الشيرج و الزيت إذا وقعت فيه فأرة إنه جاز الاستصباح به و لا يجوز أكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح و به قال الشافعي و قال قوم من أصحاب الحديث لا ينتفع به بحال لا باستصباح و لا غيره بل يراق
المكاسب، ج‌1، ص 11
كالخمر و قال أبو حنيفة يستصبح به و يباع لذلك مطلقا و قال ابن داود إن كان المائع سمنا لم ينتفع به و إن كان غيره من الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه و يحل أكله و شربه لأن الخبر ورد في السمن فحسب دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم
[ما قاله الحلي في السرائر]
و في السرائر في حكم الدهن المتنجس أنه لا يجوز الادهان به و لا استعماله في شي‌ء من الأشياء عدا الاستصباح تحت السماء انتهي و ادعي في موضع آخر أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف
[ما قاله ابن زهرة في الغنية]
و قال ابن زهرة بعد أن اشترط في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة و شرطنا في المنفعة أن تكون مباحة تحفظا من المنافع المحرمة و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء و هو إجماع الطائفة ثم استدل علي جواز بيع الزيت بعد الإجماع بأن النبي ص أذن في الاستصباح به تحت السماء قال و هذا يدل علي جواز بيعه لذلك انتهي
و لكن الأقوي وفاقا لأكثر المتأخرين جواز الانتفاع إلا ما خرج بالدليل
و يدل عليه أصالة الجواز و قاعدة حل الانتفاع بما في الأرض و لا حاكم عليها سوي ما يتخيل من بعض الآيات و الأخبار و دعوي الجماعة المتقدمة الإجماع علي المنع
و الكل غير قابل لذلك.
[الاستدلال علي المنع بالآيات و الجواب عنه]
أما الآيات فمنها قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ دل بمقتضي التفريع علي وجوب اجتناب كل رجس و فيه أن الظاهر من الرجس ما كان كذلك في ذاته لا ما عرض له ذلك فيختص بالعناوين النجسة و هي النجاسات العشر مع أنه لو عم المتنجس لزم أن يخرج عنه أكثر الأفراد فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه مع أن وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان يعني من مبتدعاته فيختص وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان سواء أ كان نجسا كالخمر أم قذرا معنويا مثل الميسر. و من المعلوم أن المائعات المتنجسة كالدهن و الطين و الصبغ و الدبس إذا تنجست ليست من أعمال الشيطان و إن أريد من عمل الشيطان عمل المكلف المتحقق في الخارج بإغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها علي النحو الخاص فالمعني أن الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان كما يقال في سائر المعاصي إنها من عمل الشيطان فلا تدل أيضا علي وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس إلا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا و هو أول الكلام و كيف كان فالآية لا تدل علي المطلوب و من بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال علي ذلك بقوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ بناء علي أن الرجز هو الرجس و أضعف من الكل الاستدلال بآية تحريم الخبائث بناء علي أن كل متنجس خبيث و التحريم المطلق يفيد عموم الانتفاع إذ لا يخفي أن المراد هنا حرمة الأكل بقرينة مقابلته بحلية الطيبات.
[الاستدلال علي المنع بالأخبار و الجواب عنه]
و أما الأخبار فمنها ما تقدم في رواية تحف العقول حيث علل النهي عن بيع وجوه النجس بأن ذلك كله محرم أكله و شربه و إمساكه و جميع التقلب فيه. فجميع التقلب في ذلك حرام و فيه ما تقدم من أن المراد بوجوه النجس عنواناته المعهودة لأن الوجه هو العنوان و الدهن ليس عنوانا للنجاسة و الملاقي للنجس و إن كان عنوانا للنجاسة لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره و لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة مع ما عرفت من لزوم تخصيص الأكثر لو أريد به المنع عن استعمال كل متنجس. و منها ما دل علي الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة و إلقاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه و قد تقدم بعضها في مسألة الدهن و بعضها الآخر متفرقة مثل قوله يهريق المرق و نحو ذلك و فيه أن طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الأكل فإن ما أمر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به إجماعا فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل.
[الإجماعات المدعاة علي المنع و النظر في دلالتها]
و أما الإجماعات ففي دلالتها علي المدعي نظر يظهر من ملاحظتها فإن الظاهر من كلام السيد المتقدم أن مورد الإجماع هو نجاسة ما باشره أهل الكتاب و أما حرمة الأكل و الانتفاع فهي من فروعها المتفرعة علي النجاسة لا أن معقد الإجماع حرمة الانتفاع بالنجس فإن خلاف باقي الفقهاء في أصل النجاسة في أهل الكتاب لا في أحكام النجس. و أما إجماع الخلاف فالظاهر أن معقده ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين إذ فرق بين دعوي الإجماع علي محل النزاع بعد تحريره و بين دعواه ابتداء علي الأحكام المذكورات في عنوان المسألة فإن الثاني يشمل الأحكام كلها و الأول لا يشمل إلا الحكم الواقع مورد الخلاف- لأنه الظاهر من قوله دليلنا إجماع الفرقة فافهم و اغتنم و أما إجماع السيد في الغنية فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات و استثناء الكلب المعلم و الزيت المتنجس لا فيما ذكره من أن حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع نعم هو قائل بذلك و بالجملة فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي و العرضي و لكن دعواه الإجماع علي ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا و كذلك لا ينكر كون السيد و الشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس كما هو ظاهر المفيد و صريح الحلي لكن دعواهما الإجماع علي ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف ثم علي تقدير تسليم دعواهم الإجماعات فلا ريب في وهنها بما يظهر من أكثر المتأخرين من قصر حرمة الانتفاع علي أمور خاصة.
[ما قاله المحقق في المعتبر]
قال في المعتبر في أحكام الماء القليل المتنجس و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله إلي أن قال و نريد بالمنع عن استعماله الاستعمال في الطهارة و إزالة الخبث و الأكل و الشرب دون غيره مثل بل الطين و سقي الدابة انتهي. أقول إن بل الصبغ و الحناء بذلك الماء داخل في الغير فلا يحرم الانتفاع بهما
[ما قاله العلامة في كتبه]
و أما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الإرشاد علي الطهارة و الأكل و الشرب و جوز في المنتهي الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب محتجا بأن المحرم علي المكلف تناوله و بأنه انتفاع فيكون سائغا للأصل و لا يخفي أن كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين المتنجس.
[ما قاله الشهيد في قواعده و الذكري]
و قال الشهيد في قواعده النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية ثم ذكر ما يؤيد المطلوب. و قال في الذكري في أحكام النجاسة تجب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن ثم ذكر المساجد و غيرها إلي أن قال و عن كل مستعمل في أكل أو شرب أو ضوء تحت ظل للنهي عن النجس و للنص انتهي و مراده بالنهي عن النجس النهي عن أكله و مراده بالنص ما ورد عن النهي عن الاستصباح
المكاسب، ج‌1، ص 12
بالدهن المتنجس تحت السقف فانظر إلي صراحة كلامه في أن المحرم من الدهن المتنجس بعد الأكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل للنص
[ما حكاه المحقق الثاني عن بعض فوائد الشهيد]
و هو المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد عنه قدس سره في بعض فوائده من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في جميع ما يتصور من فوائده. و قال المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك و حاشية الإرشاد عند قول المحقق و العلامة قدس سرهما تجب إزالة النجاسة عن الأواني إن هذا إذا استعملت فيما يتوقف استعماله علي الطهارة كالأكل و الشرب و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في مسألة الانتفاع بالإصباغ المتنجسة ما يدل علي عدم توقف جواز الانتفاع بها علي الطهارة
[ما أفاده الشهيد الثاني في المسالك]
و في المسالك في ذيل قول المحقق قدس سره و كل مائع نجس عدا الأدهان قال لا فرق في عدم جواز بيعها علي القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيتها للانتفاع علي بعض الوجوه و عدمه و لا بين الإعلام بحالها و عدمه علي ما نص عليه الأصحاب و أما الأدهان المتنجسة بنجاسة عارضية كالزيت تقع فيه الفأرة فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها و إنما خرج هذا الفرد بالنص و إلا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه و قد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا أو يطلي بها الأجرب و نحو ذلك و يشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للأصل فإن جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها كالدبس يطعم للنحل و نحوه و لا يخفي ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجس و كون المنع من بيعه لأجل النص يقتصر علي مورده و كيف كان فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم و الذي أظن و إن كان الظن لا يغني لغيري شيئا أن كلمات القدماء يرجع إلي ما ذكره المتأخرون و أن المراد بالانتفاع في كلمات القدماء الانتفاعات الراجعة إلي الأكل و الشرب و إطعام الغير و بيعه علي نحو بيع ما يحل أكله ثم لو فرضنا مخالفة القدماء كفي موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن الأصل و القاعدة السالمين عما يرد عليهما
[جواز بيعه لغير الاستصباح من الانتفاعات بناء علي جوازها]
ثم إن علي تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات وفاقا للشهيد و المحقق الثاني قدس سرهما قال الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول العلامة إلا الدهن للاستصباح إن في بعض الحواشي المنسوبة إلي شيخنا الشهيد إن الفائدة لا تنحصر في ذلك إذ مع فرض فائدة أخري للدهن لا تتوقف علي طهارته يمكن بيعه لها كاتخاذ الصابون منه قال و هو مروي و مثله طلي الدواب. أقول لا بأس بالمصير إلي ما ذكره شيخنا و قد ذكر أن به رواية انتهي أقول و الرواية إشارة إلي ما عن الراوندي في كتاب النوادر بإسناده عن أبي الحسن موسي بن جعفر ع و فيه: سئل ع عن الشحم يقع فيه شي‌ء له دم فيموت قال ع تبيعه لمن يعمله صابونا إلي آخر الخبر
[حكم بيع غير الدهن من المتنجسات]
ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة فهل يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و الطين و نحوهما أم يقتصر علي المتنجس المنصوص و هو الدهن غاية الأمر التعدي من حيث غاية البيع- إلي غير الاستصباح إشكال
[وجه المنع]
من ظهور استثناء الدهن في كلام المشهور في عدم جواز بيع ما عداه بل عرفت من المسالك نسبه عدم الفرق بين ما له منفعة محللة و ما ليست له إلي نص الأصحاب
[وجه الجواز]
و مما تقدم في مسألة جلد الميتة- من أن الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين كالشيخ في الخلاف و ابن زهرة و العلامة و ولده و الفاضل المقداد و المحقق الثاني و غيرهم دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه إلا ما خرج بالنص كأليات الميتة مثلا أو مطلق نجس العين علي ما سيأتي من الكلام فيه و هذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجس و هي القاعدة المستفادة من قوله ع في رواية تحف العقول: أن كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال. و ما تقدم من رواية دعائم الإسلام من حل بيع كل ما يباح الانتفاع به و أما قوله تعالي فَاجْتَنِبُوهُ و قوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ
[توجيه ما يظهر منه المنع من النصوص]
فقد عرفت أنهما لا تدلان علي حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البيع علي تقدير جواز الانتفاع. و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه بالنهي في رواية تحف العقول عن بيع شي‌ء من وجوه النجس بعد ملاحظة تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع
[توجيه كلام من أطلق المنع]
و يمكن حمل كلام من أطلق المنع- عن بيع النجس إلا الدهن لفائدة الاستصباح علي إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الأكل و الشرب منفعة محللة مقصودة من أمثالها و يؤيده تعليل استثناء الدهن لفائدة الاستصباح نظير استثناء بول الإبل للاستشفاء و إن احتمل أن يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط أن يكون غاية للبيع. قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة قدس سره إلا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة قال ليس المراد بخاصة بيان حصر الفائدة في الاستصباح كما هو الظاهر و قد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه أن في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس و صرح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده به كطلي الدواب إن قيل إن العبارة تقتضي حصر الفائدة لأن الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر فإن المعني في العبارة إلا الدهن المتنجس لهذه الفائدة قلنا ليس المراد ذلك لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء أي إلا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح و هذا لا يستلزم الحصر و يكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر انتهي. و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء- لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك محل تأمل و ما نسبه في المسالك من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح فلم يثبت صحته مع ما عرفت من كثير من الأصحاب من إناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع
[استشكال المحقق الثاني في حاشية الإرشاد علي عبارة العلامة]
و لأجل ذلك استشكل المحقق الثاني في حاشية الإرشاد فيما ذكره العلامة بقوله و لا بأس بيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة حيث قال مقتضاه أنه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه و هو مشكل إذ الأصباغ المتنجسة لا تقبل عند الأكثر و الظاهر جواز بيعها لأن منافعها لا تتوقف علي الطهارة اللهم إلا أن يقال إنها تئول إلي حاله يقبل معها التطهير لكن بعد جفافها بل ذلك هو المقصود منها فاندفع الإشكال. أقول لو لم يعلم من مذهب العلامة- دوران المنع عن بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع لم يرد علي عبارته إشكال لأن المفروض
المكاسب، ج‌1، ص 13
حينئذ التزامه بجواز الانتفاع بالإصباغ مع عدم جواز بيعها إلا أن يرجع الإشكال إلي حكم العلامة و أنه مشكل علي مختار المحقق لا إلي كلامه و أن الحكم مشكل علي مذهب المتكلم فافهم ثم إن ما دفع به الإشكال من جعل الأصباغ قابلة للطهارة إنما ينفع في خصوص الأصباغ. و أما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الإشكال عنه بما ذكره- و قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا بناء علي أنه من فوائده المحللة. مع أن ما ذكره من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر لأن المقصود من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع و هو مفقود في الأصباغ لأن الانتفاع بها و هو الصبغ قبل الطهارة و أما ما يبقي منها بعد الجفاف و هو اللون فهي نفس المنفعة لا الانتفاع مع أنه لا يقبل التطهير و إنما القابل هو الثوب.
بقي الكلام في حكم نجس العين من حيث أصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبتت حرمته
أو أصالة العكس فاعلم أن ظاهر الأكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين بل ظاهر فخر الدين في شرح الإرشاد و الفاضل المقداد الإجماع علي ذلك حيث استدلا علي عدم جواز بيع الأعيان النجسة بأنها محرمة الانتفاع و كل ما هو كذلك لا يجوز بيعه قالا أما الصغري فإجماعية و يظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح نسبه ذلك إلي الأصحاب.
[دلالة ظواهر الكتاب و السنة علي حرمة الانتفاع بنجس العين مطلقا]
و يدل عليه ظواهر الكتاب و السنة مثل قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ بناء علي ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات و قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ الدال علي وجوب اجتناب كل رجس و هو نجس العين و قوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ بناء علي أن هجره لا يحصل إلا بالاجتناب عنه مطلقا و تعليله ع في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الأكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات فيه.
[دلالة كل ما دل حرمة البيع علي حرمة الانتفاع بالملازمة]
و يدل عليه أيضا كل ما دل من الأخبار و الإجماع علي عدم جواز بيع نجس العين بناء علي أن المنع من بيعه لا يكون إلا مع الانتفاع به
[مقتضي التأمل رفع اليد عما ذكر من الأدلة]
هذا و لكن التأمل يقتضي بعدم جواز الاعتماد في مقابلة أصالة الإباحة علي شي‌ء مما ذكر. أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر فلظهورها في الانتفاعات المقصودة- في كل نجس بحسبه و هي في مثل الميتة الأكل و في الخمر الشرب و في الميسر اللعب به و في الأنصاب و الأزلام ما يليق بحالهما و أما رواية تحف العقول فالمراد بالإمساك و التقلب فيه ما يرجع إلي الأكل و الشرب- و إلا فسيجي‌ء الاتفاق علي جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد- . و ما دل من الإجماع و الأخبار علي حرمة بيع نجس العين قد يدعي اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع المعتد به أو بمنع استلزامه لحرمة الانتفاع بناء علي أن نجاسة العين مانع مستقل عن جواز البيع من غير حاجة إلي إرجاعها إلي عدم المنفعة المحللة
[دفع توهم الإجماع علي الحرمة بظهور كلمات الفقهاء في الجواز]
و أما توهم الإجماع فمدفوع بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة. قال في المبسوط إن سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الإنسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم و أصول الشجر بلا خاف انتهي و قال العلامة في التذكرة يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة و نحوها في القواعد و قرره علي ذلك في جامع المقاصد و زاد عليه قوله لكن هذه لا تصيرها مالا بحيث يقابل بالمال و قال في باب الأطعمة و الأشربة من المختلف إن شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا مستدلا بأن نجاسته لا تمنع الانتفاع به لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل و قال الشهيد في قواعده النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية للاستقذار و للتوصل بها إلي الفرار ثم ذكر أن قيد الأغذية لبيان مورد الحكم و فيه تنبيه علي الأشربة كما أن في الصلاة تنبيها علي الطواف انتهي و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الأمور. و قال الشهيد الثاني في الروضة عند قول المصنف في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات و الدم قال و إن فرض له نفع حكمي كالصبغ و أبوال و أرواث ما لا يؤكل لحمه و إن فرض لهما نفع فإن الظاهر أن المراد بالنفع المفروض للدم و الأبوال و الأرواث هو النفع المحلل و إلا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الأشياء دون سائر النجاسات و لا ذكر خصوص الصبغ للدم مع أن الأكل هي المنفعة المتعارفة المنصرف إليها الإطلاق في قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ و المسوق لها الكلام في قوله تعالي أَوْ دَماً مَسْفُوحاً. و ما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني حيث حكي عن الشهيد أنه حكي عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة ثم قال و هو بعيد لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة فإن عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس إلي ذكر خصوص الميتة يدل علي عدم العموم في النجس- و كيف كان فلا يبقي بملاحظة ما ذكرنا وثوق بنقل الإجماع المتقدم عن شرح الإرشاد و التنقيح الجابر لرواية تحف العقول عن جميع التقلب في التنجس مع احتمال أن يراد من جميع التقلب جميع أنواع التعاطي لا الاستعمالات و يراد إمساكه إمساكه للوجه المحرم
[اختيار بعض الأساطين جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس]
و لعله للإحاطة بما ذكرنا اختار بعض الأساطين في شرحه علي القواعد جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس لكن مع تفصيل لا يرجع إلي مخالفة في محل الكلام فقال و يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمي استعمالا عرفا للأخبار و الإجماع و كذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال و ما دل علي المنع من الانتفاع بالنجس و المتنجس مخصوص أو منزل علي الانتفاع الدال علي عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة. و أما من استعمله ليغسله فغير مشمول للأدلة فيبقي علي حكم الأصل انتهي. و التقييد بما يسمي استعمالا في كلامه رحمه الله لعله لإخراج مثل الإيقاد بالميتة- و سد ساقية الماء بها و إطعامها لجوارح الطير و مراده سلب الاستعمال المضاف إلي الميتة عن هذه الأمور لأن استعمال كل شي‌ء إعماله في العمل المقصود منه عرفا فإن إيقاد الباب و السرير لا يسمي استعمالا لهما لكن يشكل بأن المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي‌ء و لذا قيد هو قدس سره الانتفاع بما يسمي استعمالا.
[ما هو الانتفاع المنهي عنه في النصوص]
نعم يمكن أن يقال إن مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة المعدوم- و لذا يقال للشي‌ء إنه مما لا ينتفع به مع قابليته للأمور المذكورة. فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي
المكاسب، ج‌1، ص 14
تعد عرفا غرضا من تملك الميتة لو لا كونها ميتة و إن كانت قد تملك لخصوص هذه الأمور كما قد يشتري اللحم لإطعام الطيور و السباع لكنها أغراض شخصية كما قد يشتري الجلاب لإطفاء النار و الباب للإيقاد و التسخين به.
[ما قاله العلامة في النهاية]
قال العلامة في النهاية في بيان أن الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواب منفعة جزئية لا يعتد بها قال إذ كل شي‌ء من المحرمات لا يخلو من منفعة كالخمر للتخليل و العذرة للتسميد و الميتة لأكل جوارح الطير و لم يعتبرها الشارع انتهي.
[عدم الاعتداد بالمنافع النادرة]
ثم إن الانتفاع المنفي في الميتة- و إن كان مطلقا في حيز النفي إلا أن اختصاصه بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشي‌ء دون الفوائد المترتبة عليه من دون أن تعد مقاصد ليس من جهة انصرافها إلي المقاصد حتي يمنع انصراف المطلق في حيز النفي بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم فإنه يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها إنها مما لا ينتفع به و مما ذكرنا ظهر الحال في البول و العذرة و المني فإنها مما لا ينتفع بها و إن استفيد منها بعض الفوائد كالتسميد و الإحراق كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب كما يدل عليه وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتي و يجصص به المسجد فقال الإمام ع: إن الماء و النار قد طهراه بل في الرواية إشعار بالتقرير فتفطن.
[استبعاد ما ذكره بعض الأساطين]
و أما ما ذكره من تنزيل ما دل علي المنع من الانتفاع بالنجس علي ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة لا من استعمله ليغسله فهو تنزيل بعيد.
[تنزيل ما دل علي المنع علي الانتفاع الموجب للتلويث]
نعم يمكن أن ينزل علي الانتفاع به علي وجه الانتفاع بالطاهر- بأن يستعمله علي وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع كالصبغ بالدم و إن بني علي غسل الجميع عند الحاجة إلي ما يشترط فيه الطهارة و في بعض الروايات إشارة إلي ذلك.
[دلالة رواية الوشاء علي ذلك]
ففي الكافي بسنده عن الوشاء قال: سألت أبا الحسن ع فقلت له جعلت فداك إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها فقال حرام هي فقلت جعلت فداك فنستصبح بها فقال أ ما علمت أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام بحملها علي حرمة الاستعمال- علي وجه يوجب تلويث البدن و الثياب. و أما حمل الحرام علي النجس كما في كلام بعض فلا شاهد عليه و الرواية في نجس العين فلا ينتقض بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضا للشارع كما يشير إليه قوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ
[المنفعة المحللة للنجس قد تجعله مالا عرفا و قد لا تجعله]
ثم إن منفعة النجس المحللة للأصل أو النص- قد تجعله مالا عرفا إلا أنه منع الشرع عن بيعه كجلد الميتة إذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء كما هو مذهب جماعة مع القول بعدم جواز بيعه لظاهر الإجماعات المحكية و شعر الخنزير إذا جوزنا استعماله اختيارا و الكلاب الثلاث إذا منعنا عن بيعها فمثل هذه أموال لا تجوز المعاوضة عليها و لا يبعد جواز هبتها لعدم المانع مع وجود المقتضي فتأمل- . و قد لا تجعله مالا عرفا- لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه له و إن ترتب عليه الفوائد كالميتة التي يجوز إطعامها لجوارح الطير و الإيقاد بها و العذرة للتسميد. فإن الظاهر أنها لا تعد أموالا عرفا كما اعترف به جامع المقاصد في شرح قول العلامة و يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة
[الظاهر ثبوت حق الاختصاص في الأعيان النجسة]
و الظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه الأمور الناشئ إما عن الحيازة و إما عن كون أصلها مالا للمالك كما لو مات حيوان له أو فسد لحم اشتراه للأكل علي وجه خرج عن المالية و الظاهر جواز المصالحة علي هذا الحق بلا عوض بناء علي صحة هذا الصلح بل دفع العوض بناء علي أنه لا يعد ثمنا لنفس العين- حتي يكون سحتا بمقتضي الأخبار.
[ما أفاده العلامة في التذكرة]
قال في التذكرة و تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات كالكلب المعلم و الزيت النجس لإشعاله تحت السماء و الزبل للانتفاع بإشعاله و التسميد به و جلد الميتة إن سوغنا الانتفاع به و الخمر المحترمة لثبوت الاختصاص فيها و انتقالها من يد إلي يد بالإرث و غيره انتهي و الظاهر أن مراده بغير الإرث الصلح الناقل. و أما اليد الحادثة بعد إعراض اليد الأولي فليس انتقالا لكن الإنصاف أن الحكم مشكل نعم لو بذل مالا علي أن يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا كما يبذل الرجل المال علي أن يرفع اليد عما في تصرفه من الأمكنة المشتركة كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق.
[ما ذكره بعض الأساطين]
و ذكر بعض الأساطين بعد إثبات حق الاختصاص أن دفع شي‌ء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور فيبقي علي أصالة الجواز
[اشتراط قصد الانتفاع في الحيازة الموجبة لحصول حق الاختصاص]
ثم إنه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع و لذا ذكروا أنه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث لم يحصل له حق و حينئذ فيشكل الأمر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتي إذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له مال فأخذت منه فإن الظاهر المقطوع أنه لم يحزها للانتفاع بها و إنما حازها لأخذ المال عليها و من المعلوم أن أخذ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف علي قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام و كذلك لو سبق إلي مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكني. نعم لو جمعها في مكانه المملوك فبذل له المال علي أن يتصرف في ذلك المكان بالدخول لأخذها لكان حسنا. كما أنه لو قلنا بكفاية مجرد الحيازة في الاختصاص و إن لم يقصد الانتفاع بعينه أو قلنا بجواز المعاوضة علي حق الاختصاص كان أسهل

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به

اشارة

و هو علي أقسام‌

الأول ما لا يقصد من وجوده علي نحوه الخاص إلا الحرام

اشارة

الأول ما لا يقصد من وجوده علي نحوه الخاص إلا الحرام
و هي أمور هياكل العبادة

منها هياكل العبادة المبتدعة

اشارة

الأول ما لا يقصد من وجوده علي نحوه الخاص إلا الحرام
و هي أمور هياكل العبادة

[ما يدل علي حرمة الاكتساب بهياكل العبادة]

[ما يدل علي حرمة الاكتساب بهياكل العبادة]
و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول المتقدمة في مثل قوله ع: و كل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه و قوله ع: أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد و قوله ع: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله و قوله ع: إنما حرم الله الصناعة التي حرام هي كلها مما يجي‌ء منها الفساد محضا نظير المزامير و البرابط و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام إلي أن قال فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من وجوه الحركات إلي آخر الحديث. هذا كله مضافا إلي أن أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل و إلي قوله ص: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه بناء علي أن تحريم هذه الأمور تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة فإن الصليب من حيث إنه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به إلا في الحرام و ليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم و لو فرض ذلك
المكاسب، ج‌1، ص 15
كان منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الذي هو المناط في تحريم الثمن.

[جواز المعاوضة لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة أخري لعمل محلل]

[جواز المعاوضة لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة أخري لعمل محلل]
نعم لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل و آلة أخري لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة فالأقوي جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة كما اعترف به في المسالك.

[توجيه القول بعدم الفرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها]

[توجيه القول بعدم الفرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها]
فما ذكره بعض الأساطين من أن ظاهر الإجماع و الأخبار أنه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها فلعله محمول علي الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها أو النادرة التي مما للهيئة دخل فيه. نعم ذكر أيضا وفاقا لظاهر غيره بل الأكثر أنه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة.

[تحقيق حول قصد المادة]

[تحقيق حول قصد المادة]
أقول إن أراد بقصد المادة كونها هي الباعثة علي بذل المال بإزاء ذلك الشي‌ء و إن كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي‌ء فما استظهره من الإجماع و الأخبار حسن لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال علي الباطل. و إن أراد بقصد المادة كون المبيع هي المادة سواء تعلق البيع بها بالخصوص كأن يقول بعتك خشب هذا الصنم أو في ضمن مجموع مركب لو وزن له وزنه حطب فقال بعتك فظهر فيه صنم أو صليب فالحكم ببطلان البيع في الأول و في مقدار الصنم في الثاني مشكل لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد لأن المتيقن من الأدلة المتقدمة حرمة المعاوضة علي هذه الأمور نظير المعاوضة علي غيرها من الأموال العرفية و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي‌ء من المادة و الهيئة و الأوصاف. و الحاصل أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي‌ء من غير مدخلية الشكل أ لا تري أنه لو باعه وزنه نحاس فظهر فيها آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب لأن المبيع هي المادة و دعوي أن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة مدفوعة بما صرح به من أنه لو أتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها و حمله علي الإتلاف تدريجا تمحل.

[إذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر]

[إذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر]
و في محكي التذكرة أنه إذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته فإنه يجوز بيعها علي الأقوي انتهي و اختار ذلك صاحب الكفاية و صاحب الحدائق و صاحب الرياض نافيا عنه الريب.

[توجيه التقييد في كلام العلامة]

[توجيه التقييد في كلام العلامة]
و لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته لئلا يدخل في باب المساعدة علي المحرم فإن دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون باطلا كما في رواية تحف العقول لكن فيه مضافا إلي التأمل في بطلان البيع لمجرد الإعانة علي الإثم أنه يمكن الاستغناء عن هذا القيد بكسره قبل أن يقبضه إياه فإن الهيئة غير محترمة في هذه الأمور كما صرحوا به في باب الغصب بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا و لا يبعد أن يثبت لوجوب حسم مادة الفساد.

[ما أفاده المحقق الثاني في جامع المقاصد]

[ما أفاده المحقق الثاني في جامع المقاصد]
و في جامع المقاصد بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء و إن أمكن الانتفاع علي حالها في غير محرم منفعة لا تقصد منها قال و لا أثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل و يعد مالا لأن بذل المال في مقابلها و هي علي هيئتها بذل له في المحرم الذي لا يعد مالا عند الشارع. نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها و كان المشتري موثوقا به و أنه يكسرها أمكن القول بصحة البيع و مثله باقي الأمور المحرمة كأواني النقدين و الصنم انتهي
آلات القمار

و منها آلات القمار بأنواعه

اشارة

و منها آلات القمار بأنواعه
بلا خلاف ظاهرا و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة و يقوي هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة. و في المسالك أنه لو كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته ففي جواز بيعها وجهان و قوي في التذكرة الجواز مع زوال الصفة و هو حسن و الأكثر أطلقوا المنع انتهي. أقول إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الإشكال في الجواز و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و الأكثر

[بيان المراد بالقمار]

[بيان المراد بالقمار]
ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض فكل ما أعد لها بحيث لا يقصد منه علي ما فيه من الخصوصيات غيرها حرمت المعاوضة عليه و أما المراهنة بغير عوض فسيجي‌ء أنه ليس بقمار. نعم لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار مثل ما يعملونه شبه الكرة- يسمي عندنا الطوبة و الصولجان

و منها آلات اللهو علي اختلاف أصنافها

و منها آلات اللهو علي اختلاف أصنافها
بلا خلاف لجميع ما تقدم في المسألة السابقة و الكلام في بيع المادة كما تقدم و حيث إن المراد بآلات اللهو ما أعد له توقف علي تعيين معني اللهو و حرمة مطلق اللهو إلا أن المتيقن منه ما كان من جنس المزامير و آلات الأغاني و من جنس الطبول و سيأتي معني اللهو و حكمه
أواني الذهب و الفضة

و منها أواني الذهب و الفضة

و منها أواني الذهب و الفضة
إذا قلنا بتحريم اقتنائها و قصد المعاوضة علي مجموع الهيئة و المادة لا المادة فقط
الدراهم‌

و منها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس

اشارة

و منها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس
إذا لم يفرض علي هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها مثل التزيين أو الدفع إلي الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه بناء علي جواز ذلك و عدم وجوب إتلاف مثل هذه الدراهم و لو بكسرها من باب دفع مادة الفساد

[ما يدل علي وجوب إتلاف الدراهم المغشوشة]

[ما يدل علي وجوب إتلاف الدراهم المغشوشة]
كما يدل عليه قوله ع في رواية الجعفي مشيرا إلي درهم: اكسر هذا فإنه لا يحل بيعه و لا إنفاقه و في رواية موسي بن بكر: قطعه بنصفين ثم قال ألقه في البالوعة حتي لا يباع بشي‌ء فيه غش و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء الله

[لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال]

[لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال]
و لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صارت إليه فإن وقع عنوان المعاوضة علي الدرهم المنصرف إطلاقه إلي المسكوك بسكة السلطان بطل البيع و إن وقعت المعاوضة علي شخصه من دون عنوان فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب إن كانت المادة مغشوشة و إن كان الغش مجرد تفاوت السكة فهو خيار التدليس فتأمل.

[الفرق بين المعاوضة علي الدراهم المغشوشة و آلات القمار]

[الفرق بين المعاوضة علي الدراهم المغشوشة و آلات القمار]
و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات فإن البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بإمضائه من جهة المادة فقط و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع كما لو جمع بين الخل و الخمر لأن كل جزء من الخل و الخمر مال لا بد أن يقابل في المعاوضة بجزء من المال ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير بخلاف المادة و الهيئة فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال علي حدة ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة

[الوجوه المتصورة في قصد المنفعة المحرمة]

[الوجوه المتصورة في قصد المنفعة المحرمة]
و هو تارة علي وجه يرجع إلي بذل
المكاسب، ج‌1، ص 16
المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة علي العنب مع التزامهما أن لا يتصرف فيه إلا بالتخمير و أخري علي وجه يكون الحرام هو الداعي إلي المعاوضة لا غير كالمعاوضة علي العنب مع قصدهما تخميره و الأول إما أن يكون الحرام مقصودا لا غير كبيع العنب علي أن يعمله خمرا و نحو ذلك و إما أن يكون الحرام مقصودا مع الحلال بحيث يكون بذل المال بإزائهما كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني.
فهنا مسائل ثلاث

الأولي بيع العنب علي أن يعمل خمرا

اشارة

الأولي بيع العنب علي أن يعمل خمرا
و الخشب علي أن يعمل صنما أو آلة لهو أو قمار و إجارة المساكن ليباع أو يحرز فيها الخمر و كذا إجارة السفن و الحمولة لحملها و لا إشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته و لا خلاف فيه و يدل عليه مضافا إلي كونها إعانة علي الإثم و إلي أن الإلزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل و إيكال للمال بالباطل

[خبر جابر الدال علي حرمة مؤاجرة البيت ليباع فيه الخمر]

[خبر جابر الدال علي حرمة مؤاجرة البيت ليباع فيه الخمر]
خبر جابر قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر قال حرام أجرته فإنه إما مقيد بما إذا استأجره لذلك أو يدل عليه بالفحوي بناء علي ما سيجي‌ء من حرمة العقد مع من يعلم أنه يصرف المعقود عليه في الحرام.

[مصححة ابن أذينة الدالة علي الجواز]

[مصححة ابن أذينة الدالة علي الجواز]
نعم في مصححة ابن أذينة قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته لمن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير قال لا بأس

[الجمع بين الخبرين]

[الجمع بين الخبرين]
لكنها محمولة علي ما إذا اتفق الحمل من دون أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد بناء علي أن خبر جابر نص فيما نحن فيه و ظاهر في هذا عكس الصحيحة فيطرح ظاهر كل بنص الآخر فتأمل مع أنه لو سلم التعارض كفت العمومات المتقدمة.
و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه بالأخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا أو صنما مثل مكاتبة ابن أذينة: عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال لا و رواية عمرو بن الحريث: عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم قال لا و فيه أن حمل تلك الأخبار علي صورة اشتراط البائع المسلم علي المشتري أو تواطئهما علي التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد في الغاية. و الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و بيع الخشب علي أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد يخفي فإن بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الإجارة عليها من المسلم كثيرا كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات بخلاف جعل العنب خمرا و الخشب صليبا فإنه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه أو خشبة فلا يحمل عليه موارد السؤال. نعم لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب ممن يعلم أنه يعمله صنما لظاهر هذه الأخبار صح الاستدلال بفحواها علي ما نحن فيه لكن ظاهر هذه الأخبار معارض بمثله أو بأصرح منه كما سيجي‌ء.

[حرمة بيع كل ذي منفعة محللة علي أن يصرف في الحرام]

[حرمة بيع كل ذي منفعة محللة علي أن يصرف في الحرام]
ثم إنه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب علي أن يعملا خمرا أو صليبا بيع كل ذي منفعة محللة علي أن يصرف في الحرام لأن حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل. ثم إنه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد و بين التواطؤ عليه خارج العقد و وقوع العقد عليه و لو كان فرق فإنما هو في لزوم الشرط و عدمه لا فيما هو مناط الحكم هنا

[الأظهر فساد العقد المشروط فيه الحرام و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد]

[الأظهر فساد العقد المشروط فيه الحرام و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد]
و من ذلك يظهر أنه لا يبني فساد هذا العقد علي كون الشرط الفاسد مفسدا بل الأظهر فساده و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد لما عرفت من رجوعه في الحقيقة إلي أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة. و قد تقدم الحكم بفساد المعاوضة علي آلات المحرم مع كون موادها أموالا مشتملة علي منافع محللة مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط و سيجي‌ء أيضا في المسألة الآتية ما يؤيد هذا أيضا إن شاء الله.

المسألة الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية

اشارة

المسألة الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية
و كل عين مشتملة علي صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك و قصد اعتبارها في البيع علي وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن كالعبد الماهر في القمار أو اللهو و السرقة إذا لوحظ فيه هذه الصفة و بذل بإزائها شي‌ء من الثمن لا ما كان علي وجه الداعي و يدل عليه أن بذل شي‌ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل.

[التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف عرفا و غير واقع شرعا]

[التفكيك بين القيد و المقيد غير معروف عرفا و غير واقع شرعا]
و التفكيك بين القيد و المقيد بصحة العقد في المقيد و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا لأن القيد أمر معنوي لا يوزع عليه شي‌ء من المال و إن كان يبذل المال بملاحظة وجوده و غير واقع شرعا علي ما اشتهر من أن الثمن لا يوزع علي الشروط فتعين بطلان العقد رأسا. و قد ورد النص بأن ثمن الجارية المغنية سحت و أنه قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب. نعم لو لم تلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن فلا إشكال في الصحة

[بيع الجارية المغنية مع ملاحظة الصفة المحرمة و عدمها]

[بيع الجارية المغنية مع ملاحظة الصفة المحرمة و عدمها]
و لو لوحظت من حيث إنه صفة كمال قد تصرف إلي المحلل فيزيد لأجلها الثمن فإن كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا إشكال في الجواز و إن كانت نادرة بالنسبة إلي المنفعة المحرمة ففي إلحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلا لما اشتمل علي منفعة محللة غير نادرة بالنسبة إلي المنفعة المحرمة و عدمه لأن المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة المنفعة النادرة وجهان أقواهما الثاني إذ لا يعد أكلا للمال بالباطل و النص بأن ثمن المغنية سحت مبني علي الغالب

المسألة الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله

اشارة

المسألة الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله
و كذا بيع الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا لأن فيه إعانة علي الإثم و العدوان و لا إشكال و لا خلاف في ذلك

[الأخبار المجوزة للبيع مع عدم القصد]

[الأخبار المجوزة للبيع مع عدم القصد]
أما لو لم يقصد ذلك فالأكثر علي عدم التحريم للأخبار المستفيضة منها خبر ابن أذينة قال: كتبت إلي أبي عبد الله ع أسأله عن رجل له كرم [أ] يبيع العنب [و التمر] ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا فقال ع إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه و رواية أبي كهمس قال: سأل رجل أبا عبد الله ع إلي أن قال هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا إلي غير ذلك مما هو دونهما في الظهور

[الأخبار المانعة]

[الأخبار المانعة]
و قد تعارض تلك بمكاتبة ابن أذينة: عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال لا و رواية عمرو بن حريث: عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم قال لا

[الجمع بين الأخبار]

[الجمع بين الأخبار]
و قد يجمع بينهما و بين الأخبار المجوزة بحمل المانعة علي صورة اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما أو تواطئهما عليه و فيه أن هذا في غاية البعد إذ لا داعي للمسلم علي اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه أو خارجه ثم يجي‌ء و يسأل الإمام ع عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته و هل يحتمل أن يريد
المكاسب، ج‌1، ص 17
الراوي بقوله أبيع التوت ممن يصنع الصنم و الصليب أبيعه مشترطا عليه و ملزما في متن العقد أو قبله أن لا يتصرف فيه إلا بجعله صنما.

فالأولي حمل الأخبار المانعة علي الكراهة

فالأولي حمل الأخبار المانعة علي الكراهة
لشهادة غير واحد من الأخبار علي الكراهة كما أفتي به جماعة و يشهد له رواية الحلبي: عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا فقال بيعه ممن يصنعه خلا أحب إلي و لا أري به بأسا و غيرها أو الالتزام بالحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا أو صنما لظاهر تلك الأخبار و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها علي الأخبار المجوزة و هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل

[الاستدلال علي الحرمة بعموم النهي عن التعاون علي الإثم]

[الاستدلال علي الحرمة بعموم النهي عن التعاون علي الإثم]
و كيف كان فقد يستدل علي حرمة البيع- ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي علي التعاون علي الإثم و العدوان

[اعتبار القصد في مفهوم الإعانة]

[اعتبار القصد في مفهوم الإعانة]
و قد يستشكل في صدق الإعانة بل يمنع حيث لم يقع القصد إلي وقوع الفعل من المعان بناء علي أن الإعانة هو فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا و أول من أشار إلي هذا المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في هذه المسألة حيث إنه بعد حكاية القول بالمنع مستندا إلي الأخبار المانع قال و يؤيده قوله تعالي وَ لا تَعاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ و يشكل بلزوم عدم جواز بيع شي‌ء مما يعلم عادة التوصل به إلي محرم لو تم هذا الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس. و الجواب عن الآية المنع من كون محل النزاع معاونة مع أن الأصل الإباحة و إنما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك انتهي. و وافقه في اعتبار القصد في مفهوم الإعانة جماعة من متأخري المتأخرين كصاحب الكفاية و غيره هذا.

[زيادة بعض المعاصرين اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج]

[زيادة بعض المعاصرين اعتبار وقوع المعان عليه في الخارج]
و ربما زاد بعض المعاصرين علي اعتبار القصد اعتبار وقوع المعان عليه في تحقق مفهوم الإعانة في الخارج و تخيل أنه لو فعل فعلا بقصد تحقق الإثم الفلاني من الغير و لم يتحقق منه لم يحرم من جهة صدق الإعانة بل من جهة قصدها بناء علي ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه و أنه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد إلي المحرم و من جهة الإعانة و فيه تأمل فإن حقيقة الإعانة علي الشي‌ء هو الفعل بقصد حصول الشي‌ء سواء حصل أم لا. و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الإعانة علي الإثم و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب

[ظهور كلام الأكثر في عدم اعتبار القصد]

[ظهور كلام الأكثر في عدم اعتبار القصد]
و ما أبعد ما بين ما ذكره المعاصر و بين ما يظهر من الأكثر من عدم اعتبار القصد فعن المبسوط الاستدلال علي وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله ص:
من أعان علي قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله و قد استدل في التذكرة علي حرمة بيع السلاح من أعداء الدين بأن فيه إعانة علي الظلم و استدل المحقق الثاني علي حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بأن فيه إعانة علي الإثم و قد استدل المحقق الأردبيلي علي ما حكي عنه من القول بالحرمة في مسألتنا بأن فيه إعانة علي الإثم و قد قرره علي ذلك في الحدائق فقال إنه جيد في حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز و في الرياض بعد ذكر الأخبار السابقة الدالة علي الجواز قال و هذه النصوص و إن كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها بل ربما كان بعضها صريحا لكن في مقابلتها للأصول و النصوص المعتضدة بالعقول إشكال انتهي. و الظاهر أن مراده بالأصول قاعدة حرمة الإعانة علي الإثم و من العقول حكم العقل بوجوب التوصل إلي دفع المنكر مهما أمكن

[إطلاق الإعانة في غير واحد من الأخبار علي المجرد عن القصد]

[إطلاق الإعانة في غير واحد من الأخبار علي المجرد عن القصد]
و يؤيد ما ذكروه من صدق الإعانة بدون القصد إطلاقها في غير واحد من الأخبار. ففي النبوي المروي في الكافي عن أبي عبد الله ع: من أكل الطين فمات فقد أعان علي نفسه و في العلوي الوارد في الطين المروي أيضا في الكافي عن أبي عبد الله ع: فإن أكلته و مت فقد أعنت علي نفسك و يدل عليه غير واحد مما ورد في أعوان الظلمة و سيأتي. و حكي أنه سئل بعض الأكابر فقيل له إني رجل خياط أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك في أعوان الظلمة فقال له المعين لهم من يبيعك الإبر و الخيوط و أما أنت فمن الظلمة أنفسهم.

[ما أفاده المحقق الأردبيلي حول صدق مفهوم الإعانة]

[ما أفاده المحقق الأردبيلي حول صدق مفهوم الإعانة]
و قال المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه في الكلام علي الآية الظاهر أن المراد بالإعانة علي المعاصي مع القصد أو علي الوجه الذي يصدق أنها إعانة مثل أن يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها أو يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه إياه و نحو ذلك مما يعد معونة عرفا فلا تصدق علي التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور و لا علي الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما و غير ذلك مما لا يحصي فلا يعلم صدقها علي بيع العنب ممن يعمله خمرا أو الخشب ممن يعمله صنما و لذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه و عليه الأكثر و نحو ذلك مما لا يخفي انتهي كلامه رفع مقامه. و لقد دقق النظر حيث لم يعلق صدق الإعانة علي القصد و لا أطلق القول بصدقه بدونه بل علقه بالقصد أو بالصدق العرفي و إن لم يكن قصد

[تفصيل الكلام في تحقيق المرام]

[تفصيل الكلام في تحقيق المرام]
لكن أقول لا شك في أنه إذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير إلي مقصده و لا إلي مقدمة من مقدماته بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمي إعانة كما في تجارة التاجر بالنسبة إلي أخذ العشور و مسير الحاج بالنسبة إلي أخذ المال ظلما و كذلك لا إشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه وصول الغير إلي مطلبه الخاص فإنه يقال إنه إعانة علي ذلك المطلب فإن كان عدوانا مع علم المعين به صدق الإعانة علي العدوان. و إنما الإشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير إلي مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها مع العلم بصرف الغير إياها إلي المعصية كما إذا باعه العنب فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به فهي إعانة له بالنسبة إلي أصل تملك العنب و لذا لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع أموره أو في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا فمسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا نظير إعطاء السيف أو العصا لمن يريد قتلا أو ضربا حيث إن الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه كما أن الغرض من بيع العنب تملكه له فكل من البيع و الإعطاء بالنسبة إلي أصل تملك الشخص و استقراره في يده إعانة إلا أن الإشكال في أن العلم بصرف ما حصل بإعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الإعانة علي الحرام أم لا.

[هل الإعانة علي شرط الحرام إعانة علي الحرام]

[هل الإعانة علي شرط الحرام إعانة علي الحرام]
فحاصل محل الكلام هو أن الإعانة علي شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي إعانة علي الحرام أم لا. فظهر الفرق بين بيع
المكاسب، ج‌1، ص 18
العنب و بين تجارة التاجر و مسير الحاج و أن الفرق بين إعطاء السوط للظالم و بين بيع العنب لا وجه له و أن إعطاء السوط إذا كان إعانة كما اعترف به فيما تقدم من آيات الأحكام كان بيع العنب كذلك كما اعترف به في شرح الإرشاد فإذا بنينا علي أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا إلي الحرام- كما جزم به بعض دخل ما نحن فيه في الإعانة علي المحرم فيكون بيع العنب إعانة علي تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به إلي التخمير و إن لم يكن إعانة علي نفس التخمير أو علي شرب الخمر.
و إن شئت قلت إن شراء العنب للتخمير حرام كغرس العنب لأجل ذلك فالبائع إنما يعين علي الشراء المحرم.

[بيع الطعام علي من يرتكب المعاصي]

[بيع الطعام علي من يرتكب المعاصي]
نعم لو لم يعلم أن الشراء لأجل التخمير لم يحرم و إن علم أنه سيخمر العنب بإرادة جديدة منه و كذا الكلام في بائع الطعام علي من يرتكب المعاصي فإنه لو علم إرادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك علي المعصية حرم البيع منه. و أما العلم بأنه يحصل من هذا الطعام قوة علي المعصية يتوصل بها إليها فلا يوجب التحريم هذا و لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع إلا من حيث صدق التجري و البيع ليس إعانة عليه و إن كان إعانة علي الشراء إلا أنه في نفسه ليس تجريا فإن التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد و توهم أن الفعل مقدمة له فيحرم الإعانة مدفوع بأنه لم يوجد قصد إلي التجري حتي يحرم و إلا لزم التسلسل فافهم. نعم لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل الإعانة عليه في الإعانة علي الإثم كما أنه لو استدللنا بفحوي ما دل علي لعن الغارس علي حرمة التملك للتخمير حرم الإعانة عليه أيضا بالبيع.

[بيان المتحصل مما ذكر]

[بيان المتحصل مما ذكر]
فتحصل مما ذكرناه- أن قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين و أن محل الكلام هي الإعانة علي شرط الحرام بقصد تحقق الشرط دون المشروط و أنها هل تعد إعانة علي المشروط فتحرم أم لا فلا تحرم ما لم تثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري و أن مجرد بيع العنب ممن يعلم أنه سيجعله خمرا من دون العلم بقصده ذلك من الشراء ليس محرما أصلا لا من جهة الشرط و لا من جهة المشروط و من ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الإرشاد من أنه لو كان بيع العنب ممن يعمله خمرا إعانة لزم المنع عن معاملة أكثر الناس.

ثم إن محل الكلام فيما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير

ثم إن محل الكلام فيما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير
فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا إلي قوله ص من أعان علي قتل مسلم إلي آخر الحديث محل تأمل إلا أن يريد الفحوي و لذا استدل في المختلف بعد حكاية ذلك عن الشيخ بوجوب حفظ النفس مع القدرة و عدم الضرر.

ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها

ثم إنه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها
بين ما ينحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب أحد فإن ملكه للانتفاع بها في هذا الزمان تنحصر فائدته عرفا في الضرب و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيه و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار للعنب فإن منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة عرفا في الخمر حتي عند الخمار فيعد الأول عرفا إعانة علي المشروط المحرم بخلاف الثاني. و لعل من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة علي المحرم و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا كالفاضلين في الشرائع و التذكرة و غيرهما نظر إلي ذلك و كذلك المحقق الثاني حيث منع من بيع العصير المتنجس علي مستحله مستندا إلي كونه من الإعانة علي الإثم و منع من كون بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا من الإعانة فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة بخلاف تملك العنب و كيف كان فلو ثبت تميز موارد الإعانة من العرف فهو و إلا فالظاهر مدخلية قصد المعين.

[الاستدلال علي الحرمة في المسألة بوجوب دفع المنكر]

[الاستدلال علي الحرمة في المسألة بوجوب دفع المنكر]
نعم يمكن الاستدلال علي حرمة بيع الشي‌ء ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام بأن دفع المنكر كرفعه واجب و لا يتم إلا بترك البيع فيجب و إليه أشار المحقق الأردبيلي رحمه الله حيث استدل علي حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الإعانة بأدلة النهي عن المنكر.

[ما يشهد لهذا الاستدلال]

[ما يشهد لهذا الاستدلال]
و يشهد بهذا ما ورد من أنه: لو لا أن بني أمية وجدوا من يجبي لهم الصدقات و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا دل علي مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم يتحقق المعصية من بني أمية فدل علي ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم يتحقق المعصية من الغير و هذا و إن دل بظاهره علي حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم أنه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء إلا أنه لم يقم دليل علي وجوب تعجيز من يعلم أنه سيهم بالمعصية و إنما الثابت من النقل و العقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع من هم بها و أشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها أو استمر عليها

[توقف هذا الاستدلال علي علم البائع بعدم حصول المعصية لو لم يبعه]

[توقف هذا الاستدلال علي علم البائع بعدم حصول المعصية لو لم يبعه]
ثم إن الاستدلال المذكور إنما يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم تحصل المعصية لأنه حينئذ قادر علي الردع أما لو لم يعلم ذلك أو علم بأنه يحصل منه المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر و توهم أن البيع حرام علي كل أحد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو تركه لفعله غيره مدفوع بأن ذلك فيما كان محرما علي كل واحد علي سبيل الاستقلال فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري فلا ينفع تركي له. أما إذا وجب علي جماعة شي‌ء واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتفاق معه في إيجاد الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف علي تحقق ترك البيع من كل بائع فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية كما أن بيع واحد منهم علي البدل شرط لتحققها فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب و المفروض أن قيامه منفردا لغو سقط وجوبه.

[توجيه الخبر الدال علي ذم أتباع بني أمية]

[توجيه الخبر الدال علي ذم أتباع بني أمية]
و أما ما تقدم من الخبر في اتباع بني أمية فالذم فيه إنما هو علي إعانتهم بالأمور المذكورة في الرواية و سيأتي تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة حتي في المباحات التي لا دخل لها برئاستهم فضلا عن مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبهها مما هو من أعظم المحرمات.

[المتلخص مما ذكر]

[المتلخص مما ذكر]
و قد تلخص مما ذكرنا أن فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير من دون قصد توصل الغير به إلي المعصية غير محرم لعدم كونه في العرف إعانة مطلقا أو علي التفصيل الذي احتملناه أخيرا و أما
المكاسب، ج‌1، ص 19
ترك هذا الفعل فإن كان سببا يعني علة تامة لعدم المعصية من الغير كما إذا انحصر العنب عنده وجب لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا و أما لو لم يكن سببا بل كان السبب تركه منضما إلي ترك غيره فإن علم أو ظن أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا و إن علم أو ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك لأن تركه بنفسه ليس برادع حتي يجب. نعم هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب لكن يسقط وجوب الجزء إذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج

[الوجوه المتصورة في فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير]

[الوجوه المتصورة في فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير]
فعلم مما ذكرناه في هذا المقام أن فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع علي وجوه أحدها أن يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به إلي الحرام و هذا لا إشكال في حرمته لكونه إعانة. الثاني أن يقع منه من دون قصد لحصول الحرام و لا لحصول ما هو مقدمة له مثل تجارة التاجر بالنسبة إلي معصية العاشر فإنه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر و هذا لا إشكال في عدم حرمته. الثالث أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير لا لحصول نفس الحرام منه و هذا قد يكون من دون قصد الغير التوصل بذلك الشرط إلي الحرام كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره لا نفس التخمير مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء و هذا أيضا لا إشكال في عدم حرمته و قد يكون مع قصد الغير التوصل به إلي الحرام أعني التخمير حال شراء العنب و هذا أيضا علي وجهين أحدهما أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير و الأقوي هنا وجوب الترك و حرمة الفعل. و الثاني أن لا يكون كذلك بل يعلم عادة أو يظن بحصول الحرام من الغير من غير تأثير لترك ذلك الفعل و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ بناء علي ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الإعانة عليه مطلقا أو علي ما احتملناه من التفصيل.

[الظاهر عدم فساد البيع في كل مورد حكم فيه بالحرمة لأجل الإعانة علي الإثم]

[الظاهر عدم فساد البيع في كل مورد حكم فيه بالحرمة لأجل الإعانة علي الإثم]
ثم كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة- أعني الإعانة علي الإثم أو المسامحة في الردع عنه. و يحتمل الفساد لإشعار قوله ع في رواية تحف العقول المتقدمة بعد قوله: و كل بيع ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوي به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه إلخ [إلي آخر حديث تحف العقول] بناء علي أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية كما لا يخفي لكن في الدلالة تأمل و لو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام لأن الفساد لا يتبعض

القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا

اشارة

القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا
بمعني أن من شأنه أن يقصد منه الحرام و تحريم هذا مقصور علي النص إذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام

[حرمة بيع السلاح من أعداء الدين]

اشارة

[حرمة بيع السلاح من أعداء الدين]
كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد تقويهم بل و عدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين إلا أن المعروف بين الأصحاب حرمته بل لا خلاف فيها

[الأخبار الدالة علي الحرمة]

[الأخبار الدالة علي الحرمة]
و الأخبار بها مستفيضة منها رواية الحضرمي قال: دخلنا علي أبي عبد الله ع فقال له حكم السراج ما تري فيمن يحمل إلي الشام من السروج و أداتها قال لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله ص أنتم في هدنة فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح و السروج و منها رواية هند السراج قال: قلت لأبي جعفر ع أصلحك الله إني كنت أحمل السلاح إلي أهل الشام فأبيعه منهم فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك و قلت لا أحمل إلي أعداء الله فقال لي احمل إليهم و بعهم فإن الله يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل إلي عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك

[اختصاص الحرمة في الأخبار بصورة قيام الحرب]

[اختصاص الحرمة في الأخبار بصورة قيام الحرب]
و صريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين بمعني وجود المباينة في مقابل الهدنة و بهما تقيد المطلقات جوازا أو منعا مع إمكان دعوي ظهور بعضها في ذلك- مثل مكاتبة صيقل: أشتري السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها فكتب لا بأس به و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن حمل المسلمين إلي المشركين التجارة قال إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس و مثله: ما في وصية النبي ص لعلي ع يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة أصناف و عد منها بائع السلاح من أهل الحرب.

[نقد ما عن حواشي الشهيد]

[نقد ما عن حواشي الشهيد]
فما عن حواشي الشهيد من أن المنقول أن بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب و الصلح و الهدنة لأن فيه تقوية الكافر علي المسلم فلا يجوز علي كل حال شبه الاجتهاد في مقابل النص- مع ضعف دليله كما لا يخفي.

[شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة]

[شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة]
ثم إن ظاهر الروايات شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة أصلا بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند هي صورة عدم قصد ذلك فالقول باختصاص البيع بصورة قصد المساعدة كما يظهر من بعض العبائر ضعيف جدا. و كذلك ظاهرها الشمول لما إذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب للمبيع في الحرب بل يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع

[جواز بيع ما يكن]

[جواز بيع ما يكن]
و حينئذ فالحكم مخالف للأصول صير إليه للأخبار المذكورة و عموم رواية تحف العقول المتقدمة فيقتصر فيه علي مورد الدليل و هو السلاح دون ما لا يصدق عليه ذلك كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن وفاقا للنهاية و ظاهر السرائر و أكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني للأصل. و ما استدل به في التذكرة من رواية محمد بن قيس قال: سألت أبا عبد الله ع عن الفئتين من أهل الباطل تلتقيان أبيعهما السلاح قال بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحو هذا

[المناقشة في الجواز]

[المناقشة في الجواز]
و لكن يمكن أن يقال إن ظاهر رواية تحف العقول إناطة الحكم علي تقوي الكفر و وهن الحق. و ظاهر قوله ع في رواية هند من حمل إلي عدونا سلاحا يستعينون به علينا أن الحكم منوط بالاستعانة و الكل موجود فيما يكن أيضا كما لا يخفي مضافا إلي فحوي رواية الحكم المانعة عن بيع السروج و حملها علي السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية مع كون الراوي سراجا.

[رد دلالة رواية محمد بن قيس علي الجواز]

[رد دلالة رواية محمد بن قيس علي الجواز]
و أما رواية محمد بن قيس فلا دلالة لها علي المطلوب لأن مدلولها بمقتضي أن التفصيل قاطع للشركة الجواز فيما يكن و التحريم في غيره مع كون الفئتين من أهل الباطل فلا بد من حملها علي فريقين محقوني الدماء إذ لو كان كلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح علي صاحبه. فالمقصود من بيع ما يكن منهما- تحفظ كل منهما عن صاحبه
المكاسب، ج‌1، ص 20
و تترسه بما يكن و هذا غير مقصود فيما نحن فيه بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع فالتعدي عن مورد الرواية إلي ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق. و لعله لما ذكر قيد الشهيد فيما حكي عن حواشيه علي القواعد إطلاق العلامة جواز بيع ما يكن بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب

[هل يتعدي الحكم إلي غير أعداء الدين]

اشارة

[هل يتعدي الحكم إلي غير أعداء الدين]
ثم إن مقتضي الاقتصار علي مورد النص عدم التعدي إلي غير أعداء الدين كقطاع الطريق

[شمول رواية تحف العقول قطاع الطريق أيضا]

[شمول رواية تحف العقول قطاع الطريق أيضا]
إلا أن المستفاد من رواية تحف العقول إناطة الحكم بتقوي الباطل و وهن الحق فلعله يشمل ذلك و فيه تأمل. ثم إن النهي في هذه الأخبار لا يدل علي الفساد فلا مستند له سوي ظاهر خبر تحف العقول الواردة في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة و الله العالم

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها

اشارة

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها
عند العقلاء

[التحريم هنا وضعي]

[التحريم هنا وضعي]
و التحريم في هذا القسم ليس إلا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير.

و الدليل علي الفساد

و الدليل علي الفساد
في هذا القسم علي ما صرح به في الإيضاح كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل و فيه تأمل لأن منافع كثيرة من الأشياء التي ذكروها في المقام يقابل عرفا بمال و لو قليلا بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها

[استفادة عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة من كلمات العلماء]

[استفادة عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة من كلمات العلماء]
فالعمدة ما يستفاد من الفتاوي و النصوص من عدم اعتبار الشارع المنافع النادرة و كونها في نظره كالمعدومة. قال في المبسوط إن الحيوان الطاهر علي ضربين ضرب ينتفع به و الآخر لا ينتفع به إلي أن قال و إن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد و الذئب و سائر الحشرات مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و الحداءة و الرخمة و النسر و بغاث الطير و كذلك الغربان انتهي و ظاهر الغنية الإجماع علي ذلك أيضا. و يشعر به عبارة التذكرة حيث استدل علي ذلك بخسة تلك الأشياء و عدم نظر الشارع إلي مثلها في التقويم و لا يثبت يد لأحد عليها قال و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لأنها لا تعد مع ذلك مالا و كذا عند الشافعي انتهي و ظاهره اتفاقنا عليه. و ما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا إشكال فيه و إنما الكلام فما عدوه من هذا.

[تحسين ما قاله في محكي إيضاح النافع]

[تحسين ما قاله في محكي إيضاح النافع]
قال في محكي إيضاح النافع و نعم ما قال جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب و ذكر أشياء معينة علي سبيل المثال فإن كان ذلك لأن عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع و إن كان لأن ما مثل به لا يصح بيعه لأنه محكوم بعدم الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة انتهي. و بالجملة فكون الحيوان من المسوخ أو السباع أو الحشرات لا دليل علي كونه كالنجاسة مانعا

[جواز بيع ما يشتمل علي منفعة مقصودة للعقلاء]

[جواز بيع ما يشتمل علي منفعة مقصودة للعقلاء]
فالمتعين فيما اشتمل منها منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع فكل ما جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء فينبغي جواز بيعه إلا ما دل الدليل علي المنع فيه تعبدا. و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الأسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات و إن منعنا عن بيعها و ظاهر هذا الكلام أن المنع من بيعها علي القول به للتعبد لا لعدم المالية

[نقد ما أفاده العلامة في التذكرة]

[نقد ما أفاده العلامة في التذكرة]
ثم إن ما تقدم منه قدس سره من أنه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لأنها لا تعد مالا مع ذلك يشكل بأنه إذا اطلع العرف علي خاصية في إحدي الحشرات معلومة بالتجربة أو غيرها فأي فرق بينها و بين نبات من الأدوية علم فيه تلك الخاصية و حينئذ فعدم جواز بيعها و أخذ المال في مقابله بملاحظة تلك الخاصية يحتاج إلي دليل لأنه حينئذ ليس أكلا للمال بالباطل و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من أن: كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه إلي آخر الحديث.

[تحسين ما قاله في الدروس]

[تحسين ما قاله في الدروس]
و قد أجاد في الدروس حيث قال ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء كالخشار و فضلات الإنسان و عن التنقيح ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان

[النظر في منع العلامة بيع ما ينتفع به نادرا]

[النظر في منع العلامة بيع ما ينتفع به نادرا]
و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الإشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم و ديدان القز التي يصاد بها السمك ثم استقرب المنع فقال لندور الانتفاع فيشبه ما لا منفعة فيه إذ كل شي‌ء فله نفع ما انتهي. أقول و لا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما و لو فرض الشك في صدق المال علي مثل هذه الأشياء المستلزم للشك في صدق البيع أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها لعمومات التجارة و الصلح و العقود و الهبة المعوضة و غيرها و عدم المانع لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل و المفروض عدم تحققه هنا.

[انعقاد الإجماع علي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة]

[انعقاد الإجماع علي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة]
فالعمدة في المسألة الإجماع علي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة

[مقتضي التأمل في الأخبار عدم الاعتناء بالمنافع النادرة]

[مقتضي التأمل في الأخبار عدم الاعتناء بالمنافع النادرة]
و هو الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا مثل ما دل علي تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله علي منفعة نادرة محللة مثل قوله ص:
لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها بناء علي أن للشحوم منفعة نادرة محللة علي اليهود لأن ظاهر تحريمها عليهم تحريم أكلها أو سائر منافعها المتعارفة فلو لا أن النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع عن البيع- كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد (إلا أن يقال المنع فيها تعبد للنجاسة لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة فتأمل.) و أوضح من ذلك قوله ع- في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به: و كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه إلي آخر حديث تحف العقول إذ لا يراد منه مجرد المنفعة و إلا يعم الأشياء كلها.
و قوله في آخره: إنما حرم الله الصناعة التي يجي‌ء منها الفساد محضا نظير كذا و كذا إلي آخر ما ذكره فإن كثيرا من الأمثلة المذكورة هناك لها منافع محللة فإن الأشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب بل المرضي فجعلها مما يجي‌ء منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها إلا أن الإشكال في تعيين المنفعة النادرة و تمييزها عن غيرها فالواجب الرجوع في مقام الشك إلي أدلة التجارة و نحوها مما ذكر

[جواز بيع السباع بناء علي وقوع التذكية عليها]

[جواز بيع السباع بناء علي وقوع التذكية عليها]
و منه يظهر أن الأقوي جواز بيع السباع بناء علي وقوع التذكية عليها للانتفاع البين بجلودها و قد نص في الرواية علي بعضها و كذا شحومها و عظامها. و أما لحومها فالمصرح به في التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه كإطعام الكلاب المحترمة و جوارح الطير

[جواز بيع الهرة]

[جواز بيع الهرة]
و يظهر أيضا جواز بيع الهرة و هو المنصوص في غير واحد
المكاسب، ج‌1، ص 21
من الروايات و نسبه في موضع من التذكرة إلي علمائنا بخلاف القرد لأن المصلحة المقصودة منه و هو حفظ المتاع نادرة.

[عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلي خسة الشي‌ء و أخري إلي قلته]

[عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلي خسة الشي‌ء و أخري إلي قلته]
ثم اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلي خسة الشي‌ء كما ذكر من الأمثلة في عبارة المبسوط و أخري إلي قلته كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابلة مال كحبة حنطة. و الفرق أن الأول لا يملك و لا يدخل تحت اليد كما عرفت من التذكرة بخلاف الثاني فإنه يملك و لو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مثليا خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا كغير المثلي و ضعفه بعض بأن اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا و يمكن أن يلتزم فيه كما يلتزم في غير المثلي فافهم ثم إن منع حق الاختصاص في القسم الأول مشكل مع عموم قوله ص: من سبق إلي ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به مع عد أخذه قهرا ظلما عرفا

النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه

اشارة

النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه
و هذا النوع و إن كانت أفراده هي جميع الأعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة و الجعالة و غيرهما إلا أنه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات بل و لغير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به كالغيبة و الكذب و نحوهما و كيف كان فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل عنواناتهم إن شاء الله تدليس الماشطة

المسألة الأولي تدليس الماشطة

اشارة

المسألة الأولي تدليس الماشطة
المرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد بيعها حرام بلا خلاف كما عن الرياض و عن مجمع الفائدة الإجماع عليه و [كذا] فعل المرأة ذلك بنفسها

[بما ذا يحصل التدليس]

[بما ذا يحصل التدليس]
قال في المقنعة و كسب المواشط حلال إذا لم يغششن و لم يدلسن في عملهن فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس و يشمن الخدود و يستعملن ما لا يجوز في شريعة الإسلام فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن بذلك بأس و نحوه بعينه عبارة النهاية. و قال في السرائر في عداد المحرمات و عمل المواشط بالتدليس بأن يشمن الخدود و يحمرنها و ينقشن بالأيدي و الأرجل و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن و ما جري مجري ذلك انتهي و حكي نحوه عن الدروس و حاشية الإرشاد

[هل يعد وشم الخدود و وصل الشعر بشعر الغير من التدليس]

[هل يعد وشم الخدود و وصل الشعر بشعر الغير من التدليس]
و في عد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل لأن الوشم في نفسه زينة. و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الإنسان و وصله بشعر غيره فإن ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه إلا أن يوجه الأول بأنه قد يكون الغرض من الوشم حدوث نقطة خضراء في البدن حتي يتراءي بياض سائر البدن و صفاؤه أكثر مما كان يري لو لا هذه النقطة و يوجه الثاني بأن شعر غير المرأة لا يلتبس علي الشعر الأصلي للمرأة فلا يحصل التدليس به بخلاف شعر المرأة. و كيف كان يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير

[ظاهر بعض الأخبار المنع عن مطلق الوشم و وصل الشعر بشعر الغير]

[ظاهر بعض الأخبار المنع عن مطلق الوشم و وصل الشعر بشعر الغير]
و ظاهرها المنع و لو في غير مقام التدليس ففي مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله ع قال: دخلت ماشطة علي رسول الله ص فقال لها هل تركت عملك أو أقمت عليه فقالت يا رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فانتهي عنه فقال افعلي فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة فإنها تذهب بماء الوجه و لا تصلي شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز فلا بأس به بأن يوصل بشعر المرأة و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز فلا بأس بأن يوصله بشعر المرأة و عن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال: لعن رسول الله ص النامصة و المنتمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة. قال الصدوق قال علي بن غراب النامصة التي تنتف الشعر و المنتمصة التي يفعل ذلك بها و- الواشرة التي تشر أسنان المرأة و تفلجها و تحددها و الموتشرة التي يفعل ذلك بها و الواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و المستوصلة التي يفعل ذلك بها و الواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شي‌ء من بدنها و هو أن تغرز بدنها أو ظهر كفها بإبرة حتي تؤثر فيه ثم تحشوها بالكحل أو شي‌ء من النورة فتخضر و المستوشمة التي يفعل بها ذلك.

و ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة

و ظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة
مثل ما عن عبد الله بن الحسن قال: سألته عن القرامل قال و ما القرامل قلت صوف تجعله النساء في رءوسهن قال إن كان صوفا فلا بأس و إن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و المستوصلة.

و ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقا

و ظاهر بعض الأخبار الجواز مطلقا
ففي رواية سعد الإسكاف قال: سئل أبو جعفر ع عن القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن قال لا بأس علي المرأة بما تزينت به لزوجها قال فقلت له بلغنا أن رسول الله ص لعن الواصلة و المستوصلة فقال ليس هناك إنما لعن رسول الله ص الواصلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلي الرجال فتلك الواصلة

و يمكن الجمع بين الأخبار

و يمكن الجمع بين الأخبار
بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر كما في رواية عبد الله بن الحسن و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة. و عن الخلاف و المنتهي الإجماع علي أنه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان أو امرأة و أما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معاني الأخبار فيمكن حملها أيضا علي الكراهة لثبوت الرخصة من رواية سعد الإسكاف في مطلق الزينة خصوصا مع صرف الإمام للنبوي الوارد في الواصلة عن ظاهرها المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في النبوي و لعله أولي من تخصيص الرخصة بهذه الأمور- مع أنه لو لا الصرف لكان الواجب إما تخصيص الشعر بشعر المرأة أو تقييده بما إذا كان هو أو إحدي أخواته في مقام التدليس فلا دليل علي تحريمها في غير مقام التدليس كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها خصوصا بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه ع: عن المرأة تحف الشعر عن وجهها قال لا بأس و هذه أيضا قرينة علي صرف إطلاق لعن النامصة في النبوي عن ظاهره بإرادة التدليس و الحمل علي الكراهة.

نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال

نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال
من حيث إنه إيذاء لهم بغير مصلحة بناء علي أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المتزوجة إلا التدليس بإظهار شدة بياض البدن و صفائه بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن لكن الإنصاف أن كون ذلك تدليسا مشكل بل ممنوع بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة فهو تزيين لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء. نعم مثل نقش الأيدي و الأرجل بالسواد يمكن أن يكون الغالب فيه
المكاسب، ج‌1، ص 22
إرادة إيهام بياض البدن و صفائه و مثله الخط الأسود فوق الحاجبين أو وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما.

[حصول التدليس بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري و إن علما بذلك]

[حصول التدليس بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري و إن علما بذلك]
ثم إن التدليس بما ذكرنا إنما يحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري و إن علما أن هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا بل حدث بواسطة هذه الأمور فلا يقال إنها ليست بتدليس لعدم خفاء أثرها علي الناظر و حينئذ فينبغي أن يعد من التدليس لبس المرأة أو الأمة الثياب الحمر أو الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و الله العالم.

[كراهة كسب الماشطة مع شرط الأجرة المعينة]

[كراهة كسب الماشطة مع شرط الأجرة المعينة]
ثم إن المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت علي كراهة كسب الماشطة- مع شرط الأجرة المعينة و حكي الفتوي به عن المقنع و غيره. و المراد بقوله ع إذا قبلت ما تعطي البناء علي ذلك حين العمل و إلا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.

[الحكمة في أولوية قبول ما يعطاه الحجام و الختان و الماشطة]

[الحكمة في أولوية قبول ما يعطاه الحجام و الختان و الماشطة]
ثم إن أولوية قبول ما يعطي و عدم مطالبة الزائد إما لأن الغالب عدم نقص ما تعطي عن أجرة مثل العمل إلا أن مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون خصوصا من أولي المروءة و الثروة و ربما يبادرون إلي هتك العرض إذا منعوا و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة أو بعضه إلا استحياء و صيانة للعرض. و هذا لا يخلو عن شبهه فأمروا في الشريعة الإسلامية بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد و الامتناع عن قبول ما يعطي إذا اتفق كونه دون أجرة المثل و إما لأن المشارطة في مثل هذه الأمور لا يليق بشأن كثير من الأشخاص لأن المماكسة فيها خلاف المروءة و المسامحة فيها قد لا تكون مصلحة لكثرة طمع هذه الأصناف فأمروا بترك المشارطة و الإقدام علي العمل بأقل ما يعطي و قبوله و ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل و إن وجب علي من عمل له إيفاء تمام ما يستحقه من أجرة المثل فهو مكلف وجوبا بالإيفاء و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا علي ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء أو لأن الأولي في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطي علي وجه التبرع أيضا فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله ع: لا تستعملن أجيرا حتي تقاطعه
تزين الرجل بما يحرم عليه

المسألة الثانية [حرمة تزيين الرجل بما يختص بالنساء و كذا العكس]

اشارة

المسألة الثانية [حرمة تزيين الرجل بما يختص بالنساء و كذا العكس]
تزين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام لما ثبت في محله من حرمتها علي الرجال و ما يختص بالنساء من اللباس كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات علي ما ذكره في المسالك. و كذا العكس أعني تزين المرأة بما يخص الرجال كالمنطقة و العمامة و يختلف باختلاف العادات

[لا دليل علي الحرمة عدا النبوي]

اشارة

[لا دليل علي الحرمة عدا النبوي]
و اعترف غير واحد بعدم العثور علي دليل لهذا الحكم عدا النبوي المشهور المحكي عن الكافي و العلل: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال

و في دلالته قصور

و في دلالته قصور
لأن الظاهر من التشبه تأنث الذكر و تذكر الأنثي لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه. و يؤيده المحكي عن العلل: إن عليا ع رأي رجلا به تأنث في مسجد رسول الله ص فقال له اخرج من مسجد رسول الله ص فإني سمعت رسول الله ص يقول لعن الله إلي آخر الحديث و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة: أن فيهن قال رسول الله ص لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء إلي آخر الحديث و في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله ع: لعن رسول الله ص المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون و اللائي ينكحن بعضهن بعضا نعم في رواية سماعة عن أبي عبد الله ع: عن رجل يجر ثيابه قال إني لأكره أن يتشبه بالنساء و عنه عن آبائه ع: كان رسول الله ص يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و ينهي المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها و فيهما خصوصا الأولي بقرينة المورد ظهور في الكراهة فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال.

ثم الخنثي يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة

ثم الخنثي يجب عليها ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة
كما صرح به جماعة لأنها يحرم عليها لباس مخالفة في الذكورة و الأنوثة و هو مردد بين اللبسين فيجتنب عنهما مقدمة لأنهما له من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما و يشكل بناء علي كون مدرك الحكم حرمة التشبه بأن الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه
التشبيب

المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة

[بيان معني التشبيب]

[بيان معني التشبيب]
و هو كما في جامع المقاصد ذكر محاسنها و إظهار شدة حبها بالشعر حرام علي ما عن المبسوط و جماعة كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني

[أدلة الحرمة]

[أدلة الحرمة]
و استدل عليه بلزوم تفضيحها و هتك حرمتها و إيذائها و إغراء الفساق بها و إدخال النقص عليها و علي أهلها و لذا لا ترضي النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و أخواتهم بل البعيدات من قراباتهم.

و الإنصاف أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم

و الإنصاف أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم
مع كونه أخص من المدعي إذ قد لا يتحقق شي‌ء من المذكورات في التشبيب بل و أعم منه من وجه فإن التشبيب بالزوجة قد يوجب أكثر المذكورات.

[الاستدلال بعمومات حرمة اللهو و الباطل و الفحشاء و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب تهييج القوة الشهوية]

[الاستدلال بعمومات حرمة اللهو و الباطل و الفحشاء و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب تهييج القوة الشهوية]
و يمكن أن يستدل عليه بما سيجي‌ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل و ما دل علي حرمة الفحشاء و منافاته للعفاف المأخوذ في العدالة و فحوي ما دل علي حرمة ما يوجب و لو بعيدا تهييج القوة الشهوية بالنسبة إلي غير الحليلة مثل ما دل عن المنع عن النظر لأنه سهم من سهام إبليس و المنع عن الخلوة بالأجنبية لأن ثالثهما الشيطان و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتي يبرد المكان. و يرجحان التستر عن نساء أهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن و التستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يري. و النهي في الكتاب العزيز بقوله تعالي فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ و عن أن يضربن بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ إلي غير ذلك من المحرمات و المكروهات التي يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها خصوصا ذات البعل التي لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقوله رب راغب فيك

[لا يبعد القول بجواز التشبيب بالمخطوبة قبل العقد]

[لا يبعد القول بجواز التشبيب بالمخطوبة قبل العقد]
نعم لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد بل مطلق من يراد تزوجها لم يكن بعيدا لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها و المسألة غير صافية عن الاشتباه و الإشكال. ثم إن المحكي عن المبسوط و جماعة جواز التشبيب بالحليلة بزيادة الكراهة عن المبسوط

[جواز التشبيب بالمرأة المبهمة]

[جواز التشبيب بالمرأة المبهمة]
و ظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة بأن يتخيل امرأة و يتشبب بها و أما المعروفة عند القائل دون السامع سواء علم السامع إجمالا إنه يقصد معينة أم لا ففيه إشكال. و في جامع المقاصد كما عن الحواشي الحرمة في الصورة الأولي و فيه إشكال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم و كذا إذا لم يكن هنا سامع.

و أما اعتبار الإيمان

و أما اعتبار الإيمان
فاختاره في القواعد و التذكرة و تبعه بعض الأساطين
المكاسب، ج‌1، ص 23
لعدم احترام غير المؤمنة و في جامع المقاصد كما عن غيره حرمة التشبيب بنساء أهل الذمة لفحوي حرمة النظر إليهن و نقض بحرمة النظر إلي نساء أهل الحرب مع أنه صرح بجواز التشبيب بهن و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك أصل الحكم و كيف كان فإذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع كما صرح به في جامع المقاصد.

و أما التشبيب بالغلام فهو محرم علي كل حال

و أما التشبيب بالغلام فهو محرم علي كل حال
كما عن الشهيدين و المحقق الثاني و كاشف اللثام لأنه فحش محض فيشتمل علي الإغراء بالقبيح و عن المفاتيح أن في إطلاق الحكم نظرا و الله العالم
التصوير

المسألة الرابعة تصوير ذوات الأرواح حرام

اشارة

المسألة الرابعة تصوير ذوات الأرواح حرام
إذا كانت الصورة مجسمة بلا خلاف فتوي و نصا و كذا مع عدم التجسم وفاقا لظاهر النهاية و صريح السرائر و المحكي عن حواشي الشهيد و الميسية و المسالك و إيضاح النافع و الكفاية و مجمع البرهان و غيرهم

[الأخبار المستفيضة الدالة علي حرمة مجرد النقش]

[الأخبار المستفيضة الدالة علي حرمة مجرد النقش]
للروايات المستفيضة مثل قوله ع: نهي [رسول الله ص] أن ينقش شي‌ء من الحيوان علي الخاتم و قوله ع: و نهي عن تزويق البيوت قلت و ما تزويق البيوت قال تصاوير التماثيل و المتقدم عن تحف العقول: و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني و قوله ع في عدة أخبار: من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ. و قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة من حيث إن النفخ في الروح لا يكون إلا في المجسمة و إرادة تجسم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف الظاهر. و فيه أن النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله بل بدونها كما في أمر الإمام ع الأسد المنقوش علي البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة أو بملاحظة لون النقش الذي هو في الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ. و الحاصل أن مثل هذا لا يعد قرينة عرفا علي تخصيص الصورة بالمجسم و أظهر من الكل صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله ع عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان فإن ذكر الشمس و القمر قرينة علي إرادة مجرد النقش. و مثل قوله ع: من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام. فإن المثال و التصوير مترادفان علي ما حكاه كاشف اللثام عن أهل اللغة مع أن الشائع من التصوير و المطلوب منه هي الصور المنقوشة علي أشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع دون الأجسام المصنوعة علي تلك الإشكال

[استظهار أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق]

[استظهار أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق]
و يؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في إبداع الحيوانات و أعضائها علي الإشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها علي ما هي عليه فضلا عن اختراعها و لذا منع بعض الأساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك. و من المعلوم أن المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة فالتشبه إنما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير

و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح

و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح
فإن صور غيرها كثيرا ما يحصل بفعل الإنسان للدواعي الأخر غير قصد التصوير و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالي عن التشبيه بل كل ما يصنعه الإنسان من التصرف في الأجسام فيقع علي شكل واحد من مخلوقات الله تعالي.

[ما أفاده في كشف اللثام من النقض علي التعميم]

[ما أفاده في كشف اللثام من النقض علي التعميم]
و لذا قال كاشف اللثام علي ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل علي التماثيل أنه لو عمت الكراهة لتماثيل ذي الروح و غيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام لشبه الأعلام بالأخشاب و القصبات و نحوها و الثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها بل الثياب قاطبة لشبه خيوطها بالأخشاب و نحوها انتهي و إن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجي‌ء هذا. و لكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الأرواح أصالة الإباحة مضافا إلي ما دل علي الرخصة مثل صحيحة محمد بن مسلم السابقة و رواية التحف المتقدمة و ما ورد: في تفسير قوله تعالي يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ في قوله ع و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل الشجر و شبهه و الظاهر شمولها للجسم و غيره فبها يقيد بعض ما مر من الإطلاق خلافا لظاهر جماعة

[ظاهر بعض تعميم الحكم لغير ذي الروح]

[ظاهر بعض تعميم الحكم لغير ذي الروح]
حيث إنهم بين من يحكي عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح و لو لم يكن مجسما لبعض الإطلاقات اللازم تقييدها بما تقدم مثل قوله ع: و ينهي عن تزويق البيوت و قوله ع: من مثل مثالا إلي آخر الحديث

[ظاهر بعض تخصيص الحكم بالمجسم]

[ظاهر بعض تخصيص الحكم بالمجسم]
و بين من عبر بالتماثيل المجسمة بناء علي شمول التمثال لغير الحيوان كما هو كذلك فخص الحكم بالمجسم لأن المتيقن من المقيدات للإطلاقات و الظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال و الوجود النقوش لا غير و فيه أن هذا الظهور لو اعتبر لسقط الإطلاقات عن نهوضها لإثبات حرمة المجسم فتعين حملها علي الكراهة دون التخصيص بالمجسمة. و بالجملة التمثال في الإطلاقات المانعة مثل قوله ص من مثل مثالا إن كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان كرواية تحف العقول و صحيحة محمد بن مسلم و ما في تفسير الآية فدعوي ظهور الإطلاقات المانعة في العموم و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم.

[خروج تصوير ما هو مصنوع للعباد عن أدلة الحرمة]

[خروج تصوير ما هو مصنوع للعباد عن أدلة الحرمة]
ثم إنه لو عممنا الحكم بغير الحيوان مطلقا أو مع التجسم فالظاهر أن المراد به ما كان مخلوقا لله سبحانه علي هيئة خاصة معجبة للناظر علي وجه تميل النفس إلي مشاهدة صورتها المجردة عن المادة أو معها فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الأبنية و السفن مما هو مصنوع للعباد و إن كانت في هيئة حسنة معجبة خارج. و كذا مثل تمثال القصبات و الأخشاب و الجبال و الشطوط مما خلق الله لا علي هيئة معجبة للناظر بحيث تميل النفس إلي مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها لعدم شمول الأدلة لذلك كله هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل فلو دعت الحاجة إلي عمل شي‌ء يكون شبيها بشي‌ء من خلق الله و لو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا و منه يظهر النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.

ثم إن المرجع في الصورة إلي العرف

ثم إن المرجع في الصورة إلي العرف
فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء و ليس فيما ورد من رجحان تغير الصورة بقلع عينها أو كسر رأسها دلالة علي جواز تصوير الناقص

و لو صور بعض أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر بل منع

و لو صور بعض أجزاء الحيوان ففي حرمته نظر بل منع
و عليه فلو صور نصف الحيوان من رأسه إلي وسطه فإن قدر الباقي موجودا بأن فرضه إنسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم و إن قصد النصف لا غير لم يحرم إلا مع صدق الحيوان علي هذا النصف و لو بدا له في إتمامه حرم الإتمام لصدق التصوير بإكمال الصورة لأنه إيجاد لها و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما حتي لو بدا له في إتمامه و هل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير أو لا يحرم إلا من حيث التجري وجهان من أنه لم يقع إلا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه و من أن معني حرمة الفعل عرفا ليس إلا حرمة الاشتغال به عمدا فلا تراعي الحرمة بإتمام
المكاسب، ج‌1، ص 24
العمل. و الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب علي إتمامه و بين الحرام هو قضاء العرف فتأمل

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه

اشارة

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه
فالمحكي عن شرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي أن المستفاد من الأخبار الصحيحة و أقوال الأصحاب عدم حرمة إبقاء الصور و قرره الحاكي علي هذه الاستفادة.
و ممن اعترف بعدم الدليل علي الحرمة المحقق الثاني في جامع المقاصد مفرعا علي ذلك جواز بيع الصور المعمولة و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار و أواني النقدين و صرح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها. لكن ظاهر كلام بعض القدماء حرمة بيع التماثيل و ابتياعها ففي المقنعة بعد أن ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها قال و عمل الأصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الشطرنج و النرد و ما أشبه ذلك حرام و بيعه و ابتياعه حرام انتهي و في النهاية و عمل الأصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة و الصور و الشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار حتي لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها و التصرف فيها و التكسب بها محظور انتهي و نحوها ظاهر السرائر

و يمكن أن يستدل للحرمة

و يمكن أن يستدل للحرمة
مضافا إلي أن الظاهر من تحريم عمل الشي‌ء مبغوضية وجود المعمول ابتداء و استدامة بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله ع: لا بأس ما لم يكن حيوانا بناء علي أن الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها العام البلوي و هو الاقتناء. و أما نفس الإيجاد فهو عمل مختص بالنقاش أ لا تري أنه لو سئل عن الخمر فأجاب بالحرمة أو عن العصير فأجاب بالإباحة انصرف الذهن إلي شربهما دون صنعتهما بل ما نحن فيه أولي بالانصراف لأن صنعة العصير و الخمر يقع من كل أحد بخلاف صنعة التماثيل و بما تقدم من الحصر في قوله ع في رواية تحف العقول: إنما حرم الله الصناعة التي يجي‌ء فيها الفساد محضا و لا يكون منه و فيه شي‌ء من وجوه الصلاح إلي قوله ع يحرم جميع التقلب فيه فإن ظاهره أن كل ما يحرم صنعته و منها التصاوير يجي‌ء منها الفساد محضا يحرم جميع التقلب فيه بمقتضي ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة. و بالنبوي: لا تدع صورة إلا محوتها و لا كلبا إلا قتلته بناء علي إرادة الكلب الهراش المؤذي الذي يحرم اقتناؤه. و ما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر ع عن أخيه ع قال: سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها قال لا و بما ورد في إنكار أن المعمول لسليمان علي نبينا و آله و عليه السلام هي تماثيل الرجال و النساء فإن الإنكار إنما يرجع إلي مشيه سليمان للمعمول كما هو ظاهر الآية دون أصل العمل فدل علي كون مشيه وجود التمثال من المنكرات التي لا يليق بمنصب النبوة. و بمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع: لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رءوسها و ترك ما سوي ذلك و رواية المثني عن أبي عبد الله ع: إن عليا ع يكره الصور في البيوت بضميمة ما ورد في رواية أخري مروية في باب الربا: إن عليا ع لم يكن يكره الحلال و رواية الحلبي المحكية عن مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله ع قال: أهديت إلي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر

[المناقشة في أدلة حرمة الاقتناء]

[المناقشة في أدلة حرمة الاقتناء]
هذا و في الجميع نظر أما الأول فلأن الممنوع هو إيجاد الصورة و ليس وجودها مبغوضا حتي يجب رفعه. نعم قد يفهم الملازمة من سياق الدليل أو من خارج كما أن حرمة إيجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم لوجوب رفعها. و أما الروايات فالصحيحة الأولي غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لأن عمل الصور مما هو مركوز في الأذهان حتي أن السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله. و أما الحصر في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منه الواردة في تقسيم الصناعات إلي ما يترتب عليه الحلال و الحرام و ما لا يترتب عليه إلا الحرام إضافي بالنسبة إلي هذين القسمين يعني لم يحرم من القسمين إلا ما ينحصر فائدته في الحرام و لا يترتب عليه إلا الفساد. نعم يمكن أن يقال إن الحصر وارد في مساق التعليل و إعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور. و أما النبوي فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الأمر بقتل الكلاب. و قوله ع في بعض هذه الروايات و لا قبرا إلا سويته. و أما رواية علي بن جعفر فلا تدل إلا علي كراهة اللعب بالصورة و لا نمنعها بل و لا الحرمة إذا كان اللعب علي وجه اللهو و أما ما في تفسير الآية فظاهره رجوع الإنكار إلي مشية سليمان علي نبينا و آله و عليه السلام لعملهم بمعني إذنه فيه أو إلي تقريره لهم في العمل و أما الصحيحة فالبأس فيها محمول علي الكراهة لأجل الصلاة أو مطلقا مع دلالته علي جواز الاقتناء و عدم وجوب المحو. و أما ما ورد من أن عليا ع لم يكن يكره الحلال فمحمول علي المباح المتساوي طرفاه لأنه ع كان يكره المكروه قطعا. و أما رواية الحلبي فلا دلالة لها علي الوجوب أصلا

[معارضة روايات حرمة الاقتناء مع روايات الجواز]

[معارضة روايات حرمة الاقتناء مع روايات الجواز]
و لو سلم الظهور في الجميع فهي معارضة بما هو أظهر و أكثر مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع: ربما قمت أصلي و بين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع: عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير أو سبع أ يصلي فيه قال لا بأس و عنه ع عن أخيه: عن البيت فيه صورة سمكة أو طير يعبث به أهل البيت هل يصلي فيه قال لا حتي يقطع رأسه و يفسد و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ع عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل قال لا بأس به يكون في البيت قلت ما التماثيل فقال كل شي‌ء يوطأ فلا بأس به و سياق السؤال مع عموم الجواب يأبي عن تقييد الحكم بما يجوز عمله كما لا يخفي. و رواية أخري لأبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها قال لا بأس بما يبسط و يفرش و يوطأ و إنما يكره منها ما نصب علي الحائط و علي السرير و عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر و لم يعلم بها و هو يصلي في ذلك البيت ثم علم ما عليه قال ع ليس عليه فيما لم يعلم شي‌ء فإذا علم فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل فإن ظاهره أن الأمر بالكسر لأجل كون البيت مما يصلي فيه و لذلك لم يأمر ع بتغيير ما علي الستر و اكتفي بنزعه و منه يظهر أن ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة مع عدم تغيير الرءوس إنما هو لأجل الصلاة.

[مختار المؤلف]

[مختار المؤلف]
و كيف كان
المكاسب، ج‌1، ص 25
فالمستفاد من جميع ما ورد من الأخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل إلا إذا غيرت أو كانت بعين واحدة أو ألقي عليها ثوب جواز اتخاذها و عمومها يشمل المجسمة و غيرها و يؤيد الكراهة الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت- و اقتناء الكلب و الإناء المجتمع فيه البول في الأخبار الكثيرة مثل ما روي عنهم ع مستفيضا عن جبرئيل علي نبينا و آله و عليه السلام: أننا لا ندخل بيتا فيه صورة إنسان و لا بيتا يبال فيه و لا بيتا فيه كلب و في بعض الأخبار إضافة الجنب إليها و الله العالم بأحكامه
التطفيف

المسألة الخامسة التطفيف حرام

اشارة

المسألة الخامسة التطفيف حرام
ذكره في القواعد في المكاسب و لعله استطرادا و المراد اتخاذه كسبا بأن ينصب نفسه كيالا أو وزانا فيطفف للبائع و كيف كان فلا إشكال في حرمته و يدل عليه الأدلة الأربعة.

ثم إن البخس في العد و الذرع- يلحق به حكما

ثم إن البخس في العد و الذرع- يلحق به حكما
و إن خرج عن موضوعه

و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما

و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما
فإن جرت المعاوضة علي الوزن المعلوم الكلي فيدفع الموزون علي أنه بذلك الوزن اشتغلت ذمته بما نقص و إن جرت علي الموزون المعين باعتقاد المشتري أنه بذلك الوزن فسدت المعاوضة في الجميع للزوم الربا و لو جرت عليه علي أنه بذلك الوزن يجعل ذلك عنوانا للعوض فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار إليه لم يبعد الصحة و يمكن ابتناؤه علي أن لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض أم لا فعلي الأول يصح دون الثاني
التنجيم

المسألة السادسة التنجيم حرام

اشارة

المسألة السادسة التنجيم حرام
و هو كما في جامع المقاصد الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية و توضيح المطلب يتوقف علي الكلام في مقامات

الأول الظاهر أنه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب

اشارة

الأول الظاهر أنه لا يحرم الإخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية علي سير الكواكب
كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيرين و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر أو غيره بل يجوز الإخبار بذلك إما جزما إذا استند إلي ما يعتقده برهانا أو ظنا إذا استند إلي الأمارات

و قد اعترف بذلك جملة ممن أنكر التنجيم

و قد اعترف بذلك جملة ممن أنكر التنجيم
منهم السيد المرتضي و الشيخ أبو الفتح الكراجكي فيما حكي عنهما في رد الاستدلال علي إصابتهم في الأحكام بإصابتهم في الأوضاع ما حاصله أن الكسوفات و اقتران الكواكب و انفصالها من باب الحساب و سير الكواكب و له أصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير و الشر و النفع و الضرر و لو لم يكن الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها خطأ و أن الخطأ الدائم المعهود إنما هو في الأحكام حتي أن الصواب فيها عزيز و ما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه فحمل أحد الأمرين علي الآخر بهت و قلة دين و حياء انتهي المحكي من كلام السيد رحمه الله و قد أشار إلي جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة السفر و التزويج في برج العقرب.

[عدم الإصابة الدائمة في إخبار الفلكين بالأوضاع]

[عدم الإصابة الدائمة في إخبار الفلكين بالأوضاع]
لكن ما ذكره السيد رحمه الله عن الإصابة الدائمة في الإخبار عن الأوضاع محل نظر لأن خطأهم في الحساب في غاية الكثرة و لذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك علي عدولهم فضلا عن فساقهم لأن حساباتهم مبتنية علي أمور نظرية مبتنية علي نظريات أخري إلا فيما هو كالبديهي مثل إخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب و انتقال الشمس عن برج إلي برج في هذا اليوم و إن كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلي تفاوت يسير و يمكن الاعتماد في مثل ذلك علي شهادة عدلين منهم إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين أو نحوه.

الثاني يجوز الإخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات و الحركات المذكورة

اشارة

الثاني يجوز الإخبار بحدوث الأحكام عن الاتصالات و الحركات المذكورة
بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع المعين من القرب و البعد و المقابلة و الاقتران بين الكوكبين إذا كان علي وجه الظن المستند إلي تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة الله عند الوضع الخاص من دون اعتقاد ربط بينهما أصلا بل الظاهر حينئذ جواز الإخبار علي وجه القطع إذا استند إلي تجربة قطعية إذ لا حرج علي من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة نظرا إلي ما جربه من نزول كلبه عن السطح إلي داخل البيت مثلا

[قصة المحقق نصير الدين الطوسي و الطحان]

[قصة المحقق نصير الدين الطوسي و الطحان]
كما حكي أنه اتفق ذلك لمروج هذا العلم بل محييه نصير الملة و الدين حيث نزل في بعض أسفاره علي طحان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل انزل و نم في البيت تحفظا من المطر فنظر المحقق إلي الأوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هي مظنة للتأثير في المطر فقال صاحب المنزل إن لي كلبا ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها إلي البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح فجاءه المطر في الليل و تعجب المحقق. ثم إن ما سيجي‌ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا أو ينصرف إلي غيره لما عرفت من معني التنجيم

الثالث الإخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا إلي تأثير الاتصالات المذكورة

اشارة

الثالث الإخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا إلي تأثير الاتصالات المذكورة
فيها بالاستقلال أو بالمدخلية و هو المصطلح عليه بالتنجيم فظاهر الفتاوي و النصوص حرمته مؤكدة

[النصوص الدالة علي الحرمة]

اشارة

[النصوص الدالة علي الحرمة]
فقد أرسل المحقق في المعتبر عن النبي ص: أنه من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد ص و هو يدل علي حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه. و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق ع: إن المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون

[محاورة أمير المؤمنين (ع) مع بعض المنجمين]

[محاورة أمير المؤمنين (ع) مع بعض المنجمين]
و في نهج البلاغة: أنه ع لما أراد المسير إلي بعض أسفاره فقال له بعض أصحابه إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال ع له أ تزعم أنك تهدي إلي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغني عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب و دفع المكروه إلي أن قال ع أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدي به في بر أو بحر فإنها تدعو إلي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار إلخ

[محاورة أمير المؤمنين (ع) مع منجم آخر]

[محاورة أمير المؤمنين (ع) مع منجم آخر]
و قريب منه ما وقع [بعينه] بينه و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا: فقال ع له أ تدري ما في بطن هذه الدابة أ ذكر أم أنثي قال إن حسبت علمت قال فمن صدقك علي هذا القول فقد كذب القرآن قال الله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ الآية [ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] ما كان محمد ص يدعي ما ادعيت أ تزعم أنك تهدي إلي الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغني بقولك عن الاستعانة بالله في ذلك الوجه و أحوج إلي الرغبة إليك في دفع المكروه عنه

[قول الصادق عليه السلام لعبد الملك بن أعين أحرق كتبك]

[قول الصادق عليه السلام لعبد الملك بن أعين أحرق كتبك]
و في رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه: قلت لأبي عبد الله ع إني قد ابتليت
المكاسب، ج‌1، ص 26
بالنظر في النجوم فأريد الحاجة فإذا نظرت إلي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و إذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي تقضي قلت نعم قال أحرق كتبك

[رواية المفضل بن عمر في قوله تعالي و إذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات]

[رواية المفضل بن عمر في قوله تعالي و إذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات]
و في رواية المفضل بن عمر المروية عن معاني الأخبار في قوله تعالي وَ إِذِ ابْتَلي إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ قال و أما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم بارئه و توحيده و تنزيهه عن التشبيه حتي النظر إلي الكواكب و القمر و الشمس و استدل بأفول كل واحد منها علي حدوثه و بحدوثه علي محدثة ثم أعلمه عز و جل أن الحكم بالنجوم خطأ.

[جواز النظر في النجوم لمجرد التفؤل إن فهم الخير و التحذر بالصدقة إن فهم الشر]

[جواز النظر في النجوم لمجرد التفؤل إن فهم الخير و التحذر بالصدقة إن فهم الشر]
ثم إن مقتضي الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء بالنجوم بعد النظر و عدمه: أنه لا بأس بالنظر إذا لم يقض به بل أريد به مجرد التفاؤل إن فهم الخير و التحذر بالصدقة إن فهم الشر كما يدل عليه ما عن المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‌ء فشكوت ذلك إلي أبي الحسن ع فقال إذا وقع في نفسك شي‌ء فتصدق علي أول مسكين ثم امض فإن الله عز و جل يدفع عنك.

[الحكم بالنجوم مع الاعتقاد بأن الله يمحو ما يشاء و يثبت]

[الحكم بالنجوم مع الاعتقاد بأن الله يمحو ما يشاء و يثبت]
و لو حكم بالنجوم علي جهة أن مقتضي الاتصال الفلاني و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية و إن كان الله يمحو ما يشاء و يثبت لم يدخل أيضا في الأخبار الناهية لأنها ظاهرة في الحكم علي سبيل البت كما يظهر من قوله ع: فمن صدقك بهذا فقد استغني عن الاستعانة بالله في دفع المكروه بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الأسباب نظير تأثير نحوسة الأيام الواردة في الروايات و رد نحوستها بالصدقة إلا أن جوازها مبني علي جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية و سيجي‌ء إنكار المشهور لذلك و إن كان يظهر ذلك من المحدث الكاشاني

[جواز الإخبار لا بنحو اقتضاء الأوضاع الفلكية]

[جواز الإخبار لا بنحو اقتضاء الأوضاع الفلكية]
و لو أخبر بالحوادث بطريق جريان العادة علي وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلا فهو أسلم- قال في الدروس و لو أخبر بأن الله تعالي يفعل كذا عند كذا لم يحرم و إن كره انتهي.

الرابع اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات

اشارة

الرابع اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات
و الربط يتصور علي وجوه

الأول الاستقلال في التأثير

اشارة

الأول الاستقلال في التأثير
بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية

و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا

و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا
. قال السيد المرتضي رحمه الله فيما حكي عنه و كيف يشتبه علي مسلم بطلان أحكام التنجيم و قد أجمع المسلمون قديما و حديثا علي تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان أحكامهم و معلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الإزراء عليهم و التعجيز لهم و في الروايات عنه ص ما لا يحصي كثرة و كذا عن علماء أهل بيته و خيار أصحابه و ما اشتهر بهذه الشهرة في دين الإسلام كيف يفتي بخلافه منتسب إلي الملة و مصل إلي القبلة انتهي و قال العلامة في المنتهي بعد ما أفتي بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد إنها مؤثرة أو أن لها مدخلا في التأثير في النفع و الضر و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر انتهي و قال الشهيد رحمه الله في قواعده كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب أنه كافر و قال في جامع المقاصد و اعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية و لو علي جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم علي هذا النحو بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر نعوذ بالله انتهي و قال شيخنا البهائي ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتني علي هذا كفر و علي هذا حمل ما ورد في الحديث عن التحذير من علم النجوم و النهي عن اعتقاد صحته انتهي و قال في البحار لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة لهذا العالم و الخالقة لما فيه من الحوادث و الخير و الشر فإنه يكون كافرا علي الإطلاق انتهي و عنه في موضع آخر أن القول بأنها علة فاعلية بالإرادة و الاختيار و إن توقف تأثيرها علي شرائط أخري كفر و مخالفة لضرورة الدين بل ظاهر الوسائل نسبة دعوي ضرورة الدين علي بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده إلي جميع علمائنا حيث قال قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في التأثير و ذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين انتهي.

[موافقة العامة علي هذا الحكم]

[موافقة العامة علي هذا الحكم]
بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أن الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة إن المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا معني قول أمير المؤمنين ع فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغني عن الاستعانة بالله انتهي

[ظاهرهم لا فرق بين استلزامه إنكار الصانع و عدمه]

[ظاهرهم لا فرق بين استلزامه إنكار الصانع و عدمه]
ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور إلي إنكار الصانع جل ذكره كما هو مذهب بعض المنجمين. و بين تعطيله تعالي عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية علي وجه تتحرك علي النحو المخصوص سواء قيل بقدمها كما هو مذهب بعض آخر أم قيل بحدوثها و تفويض التدبير إليها كما هو المحكي عن ثالث منهم و بين أن لا يرجع إلي شي‌ء من ذلك بأن يعتقد أن حركة الأفلاك تابعة لإرادة الخالق فهي مظاهر لإرادة الخالق تعالي و مجبولة علي الحركة علي طبق اختيار الصانع جل ذكره كالآلة أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالي عما يقول الظالمون. لكن ما تقدم في بعض الأخبار من أن المنجم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر من عدا الفرق الثلاث الأول إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث- من أكفر الكفار لا بمنزلتهم.

[معني كون تصديق المنجم كفرا]

[معني كون تصديق المنجم كفرا]
و منه يظهر أن ما رتبه ع علي تصديق المنجم من كونه تكذيبا للقرآن و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة بالله في جلب الخير و دفع الشر يراد منه إبطال قوله بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من تكذيب القرآن و الاستغناء عن الله كما هي طريقة كل مستدل من إنهاء بطلان التالي إلي ما هو بديهي البطلان عقلا أو شرعا أو حسا أو عادة و لا يلزم من مجرد ذلك الكفر و إنما يلزم ممن التفت إلي الملازمة و اعترف باللازم و إلا فكل من أفتي بما هو مخالف لقول الله واقعا إما لعدم تفطنه لقول الله أو لدلالته يكون مكذبا للقرآن. و أما قوله ص: فمن صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل علي محمد فلا يدل أيضا علي كفر المنجم و إنما يدل
المكاسب، ج‌1، ص 27
علي كذبه فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له و يدل عليه عطف أو كاهن عليه.

[لا بد في تكفير المنجم من مطابقة ما يعتقده لإحدي موجبات الكفر]

[لا بد في تكفير المنجم من مطابقة ما يعتقده لإحدي موجبات الكفر]
و بالجملة فلم يظهر من الروايات تكفير المنجم بالمعني الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة كفرا حقيقيا فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم إلي ملاحظة مطابقته لأحد موجبات الكفر من إنكار الصانع أو غيره مما علم من الدين بديهة و لعله لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم علي من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي‌ء تتمة كلامه السابق و لا شك أن هذا الاعتقاد إنكار إما للصانع و إما لما هو ضروري الدين من فعله تعالي و هو إيجاد العالم و تدبيره

[ما أفاده السيد شارح النخبة]

[ما أفاده السيد شارح النخبة]
بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الأول. قال السيد شارح النخبة إن المنجم من يقول بقدم الأفلاك و النجوم و لا يقولون بمفلك و لا خالق و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء معدودون من فرق الكفر في مسفورات الخاصة و العامة يعتقدون في الإنسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فإذا مات بطل و اضمحل و ينكرون جميع الأصول الخمسة انتهي ثم قال رحمه الله و أما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات و ربما يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الأقدمين مع صحة عقائدهم الإسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد انتهي.

[نقد كلام السيد]

[نقد كلام السيد]
أقول فيه مضافا إلي عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر بل هم علي فرق ثلاث كما أشرنا إليه و سيجي‌ء التصريح به من البحار في مسألة السحر أن النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعني الذي ذكره أخيرا و كما عرفت في جامع المقاصد- و المطاعن الواردة في الأخبار المتقدمة و غيرها كلها أو جلها علي هؤلاء دون المنجم بالمعني الذي ذكره أولا و ملخص الكلام أن ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه. و يؤيده ما رواه في البحار: عن محمد و هارون ابني سهل النوبختي أنهما كتبا إلي أبي عبد الله ع نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر فيها فكتب نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقولون إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر إلي أن قال فكتب ع نعم ما لم يخرج من التوحيد.

الثاني أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها

اشارة

الثاني أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها
و الله سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله بعضهم علي ما ذكره العلامة و غيره

[ما أفاده العلامة في أنوار الملكوت]

[ما أفاده العلامة في أنوار الملكوت]
قال العلامة في محكي شرح فص الياقوت اختلف قول المنجمين علي قولين أحدهما قول من يقول إنها حية مختارة الثاني قول من يقول إنها موجبة و القولان باطلان. و قد تقدم عن المجلسي رحمه الله أن القول بكونها فاعلة بالإرادة و الاختيار و إن توقف تأثيرها علي شرائط أخر كفر و هو ظاهر أكثر العبارات المتقدمة. و لعل وجهه أن نسبة الأفعال التي دلت علي ضرورة الدين علي استنادها إلي الله تعالي كالخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و غيرها إلي غيره تعالي مخالف لضرورة الدين.

[ظاهر الشهيد في قواعده عدم كفر المعتقد بذلك]

[ظاهر الشهيد في قواعده عدم كفر المعتقد بذلك]
لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم فإنه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقا قال و إن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و الله سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو مخطئ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي و لا نقلي انتهي. و ظاهره أن عدم القول بذلك لعدم المقتضي له و هو الدليل لا لوجود المانع منه و هو انعقاد الضرورة علي خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع.

[توجيه ما ذكره الشهيد]

[توجيه ما ذكره الشهيد]
و لعل وجهه أن الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلي فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار الله كما هو ظاهر قول المفوضة أما استنادها إلي الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيته و اختياره حتي يكون كالآلة بزيادة الشعور و قيام الاختيار به بحيث يصدق أنه فعله و فعل الله فلا إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلي الله تعالي علي وجه الحقيقة لا إثباته لغيره أيضا بحيث يصدق أنه فعله. نعم ما ذكره الشهيد رحمه الله من عدم الدليل عليه حق فالقول به تخرص و نسبة فعل الله إلي غيره بلا دليل و هو قبيح. و ما ذكره قدس سره كان مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال: سأل الزنديق أبا عبد الله ع فقال ما تقول فيمن يزعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة قال ع يحتاجون إلي دليل أن هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت متبعة لا تفتر و سائرة لا تقف ثم قال و إن كل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلي حال إلي آخر الخبر و الظاهر أن قوله بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين يعني في حركاتهم لا أنهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم فهي مدبرة باختياره المنبعث عن أمر الله تعالي.

[ما أفاده المحدث الكاشاني]

[ما أفاده المحدث الكاشاني]
نعم ذكر المحدث الكاشاني في الوافي في توجيه البداء كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور حيث قال فاعلم أن القوي المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة لعدم تناهي تلك الأمور بل إنما تنقش فيها الحوادث شيئا فشيئا [و جملة فجملة مع أسبابها و عللها علي نهج مستمر و نظام مستقر] فإن ما يحدث في عالم الكون و الفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخرة لله و نتائج بركاتها فهي تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا انتهي موضع الحاجة و ظاهره أنها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث.
و بالجملة فكفر المعتقد بالربط علي هذا الوجه الثاني لم يظهر من الأخبار و مخالفتها لضرورة الدين لم يثبت أيضا إذ ليس المراد العلية التامة فكيف و قد حاول المحدث الكاشاني بهذه المقدمات إثبات البداء.

الثالث استناد الأفعال إليها كإسناد الإحراق إلي النار

[ظاهر كثير كون هذا الاعتقاد كفرا]

[ظاهر كثير كون هذا الاعتقاد كفرا]
و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفرا إلا أنه قال شيخنا المتقدم في قواعده بعد الوجهين الأولين و أما ما يقال من استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلي النار و غيرها من العاديات بمعني أن الله تعالي أجري عادته أنها إذا كانت علي شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل ما ينسب إليها و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية و الأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الربط العقلي الحقيقي فهذا لا يكفر معتقده لكنه مخطئ و إن كان أقل خطأ من الأول لأن وقوع هذه الآثار عندها
المكاسب، ج‌1، ص 28
ليس بدائم و لا أكثري انتهي. و غرضه من التعليل المذكور الإشارة إلي عدم ثبوت الربط العادي لعدم ثبوته بالحس كالحرارة الحاصلة بسبب النار و الشمس و برودة القمر و لا بالعادة الدائمة و لا الغالبة لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتي يحصل العلم أو الظن ثم علي تقديره فليس فيه دلالة علي تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الأمر بالعكس أو كلتاهما مستندتان إلي مؤثر ثالث فيكونان من المتلازمين في الوجود. و بالجملة فمقتضي ما ورد من أنه أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها كون كل حادث مسببا و إما أن السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت و لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين.

[ظاهر بعض الأخبار ثبوت التأثير للكواكب]

[ظاهر بعض الأخبار ثبوت التأثير للكواكب]
بل في بعض الأخبار ما يدل بظاهره علي ثبوت التأثير للكواكب مثل ما في الاحتجاج عن أبان بن تغلب: في حديث اليماني الذي دخل علي أبي عبد الله ع و سماه باسمه الذي لم يعلمه أحد و هو سعد فقال له يا سعد و ما صناعتك قال إنا من أهل بيت ننظر في النجوم إلي أن قال ع ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل فقال ما أدري قال صدقت قال ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر قال ما أدري قال صدقت فقال ما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب قال ما أدري قال صدقت فقال ما زحل عندكم فقال سعد نجم نحس فقال له أبو عبد الله ع لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين ع و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي قال الله تعالي في كتابه [ النَّجْمُ الثَّاقِبُ] و في رواية المدائني المروية عن الكافي عن أبي عبد الله ع قال: إن الله خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار و هو نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم أمير المؤمنين ع يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و لباس الخشن و أكل الجشب و ما خلق الله نجما أقرب إلي الله [تعالي] منه [إلي آخر الخبر] و الظاهر أن أمر النجم بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها.

الرابع أن يكون ربط الحركات بالحوادث

اشارة

الرابع أن يكون ربط الحركات بالحوادث
من قبيل ربط الكاشف و المكشوف و الظاهر أن هذا الاعتقاد لم يقل أحد بكونه كفرا

[قول الشيخ البهائي فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده]

[قول الشيخ البهائي فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده]
قال شيخنا البهائي رحمه الله بعد كلامه المتقدم الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب أو مدخليتها ما هذا لفظه و إن قالوا إن اتصالات تلك الأجرام و ما يعرض لها من الأوضاع علامات علي بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و إرادته كما أن حركات النبض و اختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب علي ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه و كما يستدل باختلاج بعض الأعضاء علي بعض الأحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده و ما روي في صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول علي هذا المعني انتهي.

[ما أفاده العلامة]

[ما أفاده العلامة]
و ممن يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء علي المنجمين ما تقدم من قول العلامة رحمه الله إن المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة و بين من قال إنها موجبة

[ما يظهر من كلام السيد المرتضي]

[ما يظهر من كلام السيد المرتضي]
و يظهر ذلك من السيد رحمه الله حيث قال بعد إطالة الكلام في التشنيع عليهم ما هذا لفظه المحكي و ما فيهم أحد يذهب إلي أن الله تعالي أجري العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالا من غير أن يكون للكواكب أنفسها تأثير في ذلك قال و من ادعي منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء و منتحل بهذا المذهب عند أهل الإسلام انتهي

[إنكار السيد ابن طاوس علي علم الهدي]

[إنكار السيد ابن طاوس علي علم الهدي]
لكن ظاهر المحكي عن ابن طاوس إنكار السيد رحمه الله لذلك حيث إنه بعد ما ذكر أن للنجوم علامات و دلالات علي الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم تعالي أن يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الأسباب و جوز تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة و حمل أخبار النهي علي ما إذا اعتقد أنها كذلك ثم أنكر علي علم الهدي تحريم ذلك ثم ذكر لتأييد ذلك أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهي. و ما ذكر رحمه الله حق إلا أن مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدي مع عدم الإحاطة بتلك العلامات و معارضاتها و الحكم مع عدم الإحاطة لا يكون قطعيا بل و لا ظنيا

[خلاصة ما أنكره السيد أمران]

[خلاصة ما أنكره السيد أمران]
و السيد علم الهدي إنما أنكر من المنجمين أمرين أحدهما اعتقاد التأثير و قد اعترف به ابن طاوس و الثاني غلبة الإصابة في أحكامهم كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة و هذا أمر معلوم بعد فرض عدم الإحاطة بالعلامات و معارضاتها.

[ما أفاده الشيخ البهائي]

[ما أفاده الشيخ البهائي]
و لقد أجاد شيخنا البهائي أيضا حيث أنكر الأمرين و قال بعد كلامه المتقدم في إنكار التأثير و الاعتراف بالأمارة و العلامة اعلم أن الأمور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية أقسام لها أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي ع و بعضها يدعون لها التجربة و بعضها مبتن علي أمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها و الإحاطة بها كما يومئ إليه قول الصادق ع: كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرق الخطأ إلي بعض أحكامهم و من اتفق له الجري علي الأصول الصحيحة صح كلامه و صدقت أحكامه لا محالة كما نطق به الإمام الصادق ع و لكن هذا أمر عزيز المنال لا يظفر به إلا القليل و الله الهادي إلي سواء السبيل انتهي.

[ما أفاده الشيخ البهائي هو الذي صرح به الإمام الصادق عليه السلام]

اشارة

[ما أفاده الشيخ البهائي هو الذي صرح به الإمام الصادق عليه السلام]
و ما أفاده رحمه الله أولا من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية أمارات و علامات و آخرا من عدم النفع في علم النجوم إلا مع الإحاطة التامة هو الذي صرح به الإمام الصادق ع في رواية هشام الآتية بقوله: إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق و يدل أيضا علي كل من الأمرين الأخبار المتكثرة. فما يدل علي الأول و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة

[الأخبار الدالة علي صحة علم النجوم في نفسه]

[الأخبار الدالة علي صحة علم النجوم في نفسه]
مضافا إلي ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال علي سببية طلوع الكواكب لهيجان الإبل و البقر و الكلاب علي كونه أمارة و علامة عليه المروي في الاحتجاج: عن رواية الدهقان المنجم الذي استقبل أمير المؤمنين حين خروجه إلي النهروان فقال له يومك هذا يوم صعب قد انقلب منه كوكب و انقدح من برجك النيران و ليس لك الحرب بمكان فقال ع له أيها الدهقان المنبئ عن الآثار المحذر عن الأقدار ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم فاعترف الدهقان بجهلها إلي أن قال ع له أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي أما نوره و ضياؤه فعندي و أما حريقه و لهبه فذهب عني فهذه مسألة عميقة فاحسبها إن كنت حاسبا و في رواية أخري أنه ع قال له احسبها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار قال لو علمت هذا لعلمت أنك تحصي عقود القصب في
المكاسب، ج‌1، ص 29
هذه الأجمة و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة: هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقف عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلفها و عدد ما أمامها حتي لا يخفي عليه من قصب الأجمة واحدة

[عدة أخبار أوردها في البحار]

[عدة أخبار أوردها في البحار]
و في البحار وجد في كتاب عتيق عن عطاء قال: قيل لعلي بن أبي طالب ع هل كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه إنا لا نؤمن بك حتي تعلمنا بدء الخلق و آجالهم فأوحي الله عز و جل إلي غمامة فأمطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صاف ثم أوحي الله [عز و جل] إلي الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحي الله [عز و جل] إلي ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه علي الجبل فقاموا علي الماء حتي عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار و كان أحدهم يعرف متي يموت و متي يمرض و من ذا الذي يولد له و من ذا الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود ع قاتلهم علي الكفر فأخرجوا علي داود ع في القتال من لم يحضر أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود و لا يقتل من هؤلاء أحد فقال داود ع رب أقاتل علي طاعتك و يقاتل هؤلاء علي معصيتك يقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحي الله عز و جل إليه أني علمتهم بدء الخلق و آجالهم و إنما أخرجوا إليك من لم يحضره أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد قال داود ع رب علي ما ذا علمتهم قال علي مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار قال فدعا الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد النهار و لم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم قال علي ع فمن ثم كره النظر في علم النجوم و في البحار أيضا عن الوافي بالإسناد عن أبي عبد الله ع قال: سئل عن النجوم فقال لا يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند و بالإسناد عن محمد بن سالم قال قال أبو عبد الله ع: قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و ذلك كانت صحيحة حين لم ترد الشمس علي يوشع بن نون و أمير المؤمنين ع فلما رد الله الشمس عليهما ضل فيها علوم علماء النجوم و خبر يونس قال: قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو قال هو علم من علوم الأنبياء قال فقلت كان علي بن أبي طالب ع يعلمه قال كان أعلم الناس به و خبر ريان بن الصلت قال: حضر عند أبي الحسن الرضا ع الصباح بن نصر الهندي و سأله عن النجوم فقال هو علم في أصل صحيح ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس ع و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من [عند] الله [عز و جل] و عن معلي بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله ع عن النجوم أ حق هي فقال نعم إن الله عز و جل بعث المشتري إلي الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه فلم يستكملوا ذلك فأتي بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها. و قد قال قوم هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لأسباب شتي فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشاب الحق بالكذب إلي غير ذلك مما يدل علي صحة علم النجوم في نفسه.

[الأخبار الدالة علي كثرة الخطإ و الغلط في حساب المنجمين]

[الأخبار الدالة علي كثرة الخطإ و الغلط في حساب المنجمين]
و أما ما دل علي كثرة الخطإ و الغلط في حساب المنجمين فهي كثيرة منها ما تقدم في الروايات السابقة مثل قوله ع في الرواية الأخيرة فشابوا الحق بالكذب و قوله ع ضل فيها علماء النجوم و قوله ع في تخطئة ما ادعاه المنجم من أن زحل عندنا كوكب نحس إنه كوكب أمير المؤمنين ع و الأوصياء و تخطئة أمير المؤمنين ع للدهقان الذي حكم بالنجوم بنحوسة اليوم الذي خرج فيه أمير المؤمنين ع. و منها خبر عبد الرحمن بن سيابة قال:
قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك إن الناس يقولون إن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شي‌ء يضر بديني و إن كانت لا يضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال ليس كما يقولون لا يضر بدينك ثم قال إنكم تنظرون في شي‌ء كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به إلي آخر الخبر و منها خبر هشام قال: قال لي أبو عبد الله ع كيف بصرك بالنجوم قلت ما خلقت بالعراق أبصر بالنجوم مني ثم سأله عن أشياء لم يعرفها ثم قال فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و يحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النجوم قال فقلت لا و الله لا أعلم ذلك قال فقال ع صدقت إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم و منها المروي في الاحتجاج عن أبي عبد الله ع في حديث: إن زنديقا قال له ما تقول في علم النجوم قال ع هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره لأنه لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز عن القضاء و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه إلي آخر الخبر إلي غير ذلك من الأخبار الدالة علي أن ما وصل إليه المنجمون أقل بقليل من أمارات الحوادث من دون وصول إلي معارضاتها. و من تتبع هذه الأخبار لم يحصل له ظن بالأحكام المستخرجة منها فضلا عن القطع. نعم قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف الظن بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية.

فالأولي التجنب عن الحكم بها

فالأولي التجنب عن الحكم بها
و مع الارتكاب فالأولي الحكم علي سبيل التقريب و أنه لا يبعد أن يقع كذا عند كذا و الله المسدد
حفظ كتب الضلال

المسألة السابعة حفظ كتب الضلال حرام

اشارة

المسألة السابعة حفظ كتب الضلال حرام
في الجملة بلا خلاف كما في التذكرة و المنتهي

[أدلة الحرمة]

[أدلة الحرمة]
و يدل عليه مضافا إلي حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد و الذم المستفاد من قوله تعالي وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ و الأمر بالاجتناب عن قول الزور قوله ع فيما تقدم من رواية تحف العقول: إنما حرم الله تعالي الصناعة التي يجي‌ء منها الفساد محضا إلي آخر الحديث. بل قوله ع قبل ذلك: أو ما يقوي به الكفر في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق إلي آخره و قوله ع في رواية عبد الملك المتقدمة: حيث شكا إلي الإمام الصادق ع أني ابتليت بالنظر إلي النجوم فقال ع أ تقضي قال نعم قال أحرق كتب بناء علي أن الأمر للوجوب دون الإرشاد للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

[جواز الحفظ إذا لم يترتب علي إبقائها مفسدة]

[جواز الحفظ إذا لم يترتب علي إبقائها مفسدة]
و مقتضي الاستفصال في هذه الرواية أنه إذا لم يترتب علي إبقاء كتب الضلال مفسدة لم يحرم و هذا أيضا مقتضي ما تقدم من إناطة التحريم بما يجي‌ء منه الفساد محضا.

نعم المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها

نعم المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها
فلا يجوز الإبقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة علي ذلك مع كون الغالب ترتب المفسدة و كذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها. و قد
المكاسب، ج‌1، ص 30
تحصل من ذلك أن حفظ كتب الضلال لا يحرم إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا فإن لم يكن كذلك أو كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوي أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوي أو أقرب وقوعا منها فلا دليل علي الحرمة إلا أن يثبت إجماع أو يلزم بإطلاق عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الإجماع

[المراد بالضلال]

[المراد بالضلال]
و حينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان و أن المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه فالمراد الكتب المشتملة علي المطالب الباطلة أو أن المراد به مقابل الهداية فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال و أن يراد ما أوجب الضلال و إن كانت مطالبها حقه كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة علي ظواهر منكرة يدعون أن المراد غير ظاهرها فهذه أيضا كتب ضلال علي تقدير حقيتها.

ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرفة

ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرفة
لا تدخل في كتب الضلال. و أما المحرفة كالتوراة و الإنجيل علي ما صرح به جماعة فهي داخلة في كتب الضلال بالمعني الأول بالنسبة إلينا حيث إنها لا توجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة نعم توجب الضلالة لليهود و النصاري قبل نسخ دينهما فالأدلة المتقدمة لا تدل علي حرمة حفظهما.

[ما قاله الشيخ رحمه الله في المبسوط]

[ما قاله الشيخ رحمه الله في المبسوط]
قال رحمه الله في المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد فإن كان في المغنم كتب نظر فيها فإن كانت مباحة يجوز إقرار اليد عليها مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات فجميع ذلك غنيمة و كذلك المصاحف و علوم الشريعة كالفقه و الحديث [و نحوه] لأن هذا مال يباع و يشتري كالثياب و إن كانت كتبا لا يحل إمساكها كالكفر و الزندقة و ما أشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه و ينظر فيه فإن كان مما ينتفع بأوعيته كالجلود و نحوها فإنها غنيمة و إن كان مما لا ينتفع بأوعيته كالكاغد فإنها تمزق و تحرق إذ ما من كاغذ إلا و له قيمة و حكم التوراة و الإنجيل هكذا كالكاغد فإنه يمزق لأنه كتاب مغير مبدل انتهي. و كيف كان فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال و هو الذي دل عليه الأدلة المتقدمة.

[حكم الكتب الباطلة غير الموجبة للضلال]

[حكم الكتب الباطلة غير الموجبة للضلال]
نعم ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الأموال فلا يقابل بالمال لعدم المنفعة المحللة المقصودة فيه مضافا إلي آيتي لهو الحديث و قول الزور أما وجوب إتلافها فلا دليل عليه.

[حكم تصانيف المخالفين]

[حكم تصانيف المخالفين]
و مما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول و الفروع و الحديث و التفسير و أصول الفقه و ما دونها من العلوم فإن المناط في وجوب الإتلاف جريان الأدلة المتقدمة فإن الظاهر عدم جريانها في حفظ شي‌ء من تلك الكتب إلا القليل مما ألف في خصوص إثبات الجبر و نحوه و إثبات تفضيل الخلفاء أو فضائلهم و شبه ذلك

[استثناء الحفظ للنقض و الاحتجاج]

[استثناء الحفظ للنقض و الاحتجاج]
و مما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج علي أهلها أو للاطلاع علي مطالبهم ليحصل به التقية أو غير ذلك و لقد أحسن جامع المقاصد حيث قال إن فوائد الحفظ كثيرة.

[لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال]

[لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال]
و مما ذكرنا يعرف أيضا حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال فإن الواجب رفعه و لو بمحو جميع الكتاب إلا أن يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال و لو كان باطلا في نفسه كان خارجا عن المالية- فلو قوبل بجزء من العوض المبذول يبطل المعاوضة بالنسبة إليه

[المراد بالحفظ المحرم]

[المراد بالحفظ المحرم]
ثم إن الحفظ المحرم يراد منه الأعم من الحفظ بظهر القلب و النسخ و المذاكرة و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة
الرشوة

المسألة الثامنة الرشوة حرام

اشارة

المسألة الثامنة الرشوة حرام
و في جامع المقاصد و المسالك أن علي تحريمها إجماع المسلمين

[أدلة حرمة الرشوة]

[أدلة حرمة الرشوة]
و يدل عليه الكتاب و السنة و في المستفيضة: أنه كفر بالله العظيم أو شرك ففي رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ع قال: أيما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه و إن أخذ هدية كان غلولا و إن أخذ الرشوة فهو مشرك و عن الخصال في الصحيح عن عمار بن مروان قال: كل شي‌ء غل من الإمام فهو سحت و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة و منها أجور القضاة و أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة فأما الرشا يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم و برسوله: و مثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله ع: و في رواية يوسف بن جابر: لعن رسول الله ص من نظر إلي فرج امرأة لا تحل له و رجلا خان أخاه في امرأته و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه فتكون ظاهرة في حرمة أخذ الرشوة للحكم بالحق أو للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير أجرة.

[كلمات اللغويين حول الرشوة]

[كلمات اللغويين حول الرشوة]
و هذا المعني هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل و إليه نظر المحقق الثاني حيث فسر في حاشية الإرشاد الرشوة بما يبذله المتحاكمان. و ذكر في جامع المقاصد أن الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة و هو صريح الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة مطلقا و إعطائها إلا إذا كان علي إجراء حكم صحيح فلا يحرم علي المعطي هذا و لكن عن مجمع البحرين قلما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلي إبطال حق أو تمشية باطل و عن المصباح هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد و عن النهاية أنها الوصلة إلي الحاجة بالمصانعة و الراشي الذي يعطي ما يعينه علي الباطل و المرتشي الآخذ و الرائش هو الذي يسعي بينهما ليزيد لهذا أو ينقص لهذا و مما يدل علي عدم عموم الرشا لمطلق الجعل علي الحكم ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل الرشا في الحكم مقابلا لأجور القضاة خصوصا بكلمة إما.

[عدم اختصاص الحرمة بما يبذل علي الحكم الباطل]

[عدم اختصاص الحرمة بما يبذل علي الحكم الباطل]
نعم لا يختص بما يبذل علي خصوص الباطل بل يعم ما يبذل لحصول غرضه و هو الحكم له حقا كان أو باطلا و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية. و يمكن حمل رواية يوسف بن جابر علي سؤال الرشوة للحكم للراشي حقا أو باطلا أو يقال إن المراد الجعل فأطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة.

[حرمة أخذ الحاكم للجعل مع تعين الحكومة عليه]

[حرمة أخذ الحاكم للجعل مع تعين الحكومة عليه]
و منه يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين مع تعين الحكومة عليه كما يدل عليه قوله ع احتاج الناس إليه لفقهه و المشهور المنع مطلقا بل في جامع المقاصد دعوي النص و الإجماع و لعله لحمل الاحتياج في الرواية علي الاحتياج إلي نوعه و لإطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل أجور القضاة من السحت بناء علي أن الأجر في العرف يشمل الجعل و إن كان بينهما فرق عند المتشرعة.

[الاستدلال علي المنع عن أخذ الأجر مطلقا بصحيحة ابن سنان]

[الاستدلال علي المنع عن أخذ الأجر مطلقا بصحيحة ابن سنان]
و ربما يستدل علي المنع بصحيحة ابن سنان قال: سئل أبو عبد الله ع عن قاض بين قريتين يأخذ علي القضاء الرزق من السلطان قال ع ذلك السحت و فيه أن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان الظاهر بل الصريح في سلطان الجور إذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا و لا شك أن هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا
المكاسب، ج‌1، ص 31
الوجه و لو فرض كونه قابلا للقضاء لم يكن رزقه من بيت المال أو من جائزة السلطان محرما قطعا فيجب إخراجه عن العموم إلا أن يقال إن المراد الرزق من غير بيت المال و جعله علي القضاء بمعني المقابلة قرينة علي إرادة العوض و كيف كان فالأولي في الاستدلال علي المنع ما ذكرناه خلافا لظاهر الغنية و المحكي عن القاضي الجواز.

[مستند الجواز الأصل و ظاهر رواية حمزة بن حمران]

[مستند الجواز الأصل و ظاهر رواية حمزة بن حمران]
و لعله للأصل و ظاهر رواية حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: من استأكل بعلمه افتقر فقلت إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الإكرام فقال ع ليس أولئك بمستأكلين إنما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدي من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا إلي آخر الخبر و اللام في قوله ليبطل به الحقوق إما للغاية أو للعاقبة. و علي الأول فيدل علي حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل. و علي الثاني فيدل علي حرمة الانتصاب للفتوي من غير علم طمعا في الدنيا و علي كل تقدير فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لأجل الحكم بالباطل و مع عدم معرفة الحق فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق. و دعوي كون الحصر إضافيا بالنسبة إلي الفرد الذي ذكره علي حرمة السائل فلا يدل إلا علي عدم الذم علي هذا الفرد دون كل من كان غير المحصور فيه خلاف الظاهر

[تفصيل العلامة في جواز الأخذ للقاضي بين حاجته و عدمها]

[تفصيل العلامة في جواز الأخذ للقاضي بين حاجته و عدمها]
و فصل في المختلف فجوز أخذ الجعل و الأجرة مع حاجة القاضي و عدم تعيين القضاء عليه و منعه مع غناه أو عدم الغني عنه و لعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم من حرمة الأجرة علي الواجبات العينية و حاجته لا تسوغ أخذ الأجرة عليها و إنما يجب علي القاضي و غيره رفع حاجته من وجوه أخر. و أما اعتبار الحاجة فلظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء كما يظهر بالتأمل في روايتي يوسف و عمار المتقدمتين و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي كما هو أحد الأقوال في المسألة الآتية في محلها إن شاء الله.

و أما الارتزاق من بيت المال

و أما الارتزاق من بيت المال
فلا إشكال في جوازه للقاضي مع حاجته بل مطلقا إذا رأي الإمام المصلحة فيه لما سيجي‌ء من الأخبار الواردة في مصارف الأراضي الخراجية. و يدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين ع إلي مالك الأشتر من قوله ع: و افسح له أي للقاضي بالبذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته إلي الناس

[جواز أخذ الرزق من السلطان الجائر]

[جواز أخذ الرزق من السلطان الجائر]
و لا فرق بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل أو من الجائر لما سيجي‌ء من حلية بيت المال لأهله و لو خرج من يد الجائر. و أما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من أخذ الرزق من السلطان فقد عرفت الحال فيه

[حكم الهدية و بيان الفرق بينها و بين الرشوة]

[حكم الهدية و بيان الفرق بينها و بين الرشوة]
و أما الهدية و هي ما يبذله علي وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان أو باطلا و إن لم يقصد المبذول له الحكم إلا بالحق إذا عرف و لو من القرائن أن الباذل قصد الحكم له علي كل تقدير فيكون الفرق بينها و بين الرشوة أن الرشوة تبذل لأجل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له علي الحكم علي وفق مطلبه فالظاهر حرمتها لأنها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط. و عليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين ع: و إن أخذ يعني الوالي هدية كان غلولا و ما ورد من أن هدايا العمال غلول و في آخر سحت. و عن عيون الأخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا ع عن أمير المؤمنين ع: في تفسير قوله تعالي أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ قال هو الرجل يقضي لأخيه حاجته ثم يقبل هديته و للرواية توجيهات تكون الرواية علي بعضها محمولة علي ظاهرها من التحريم و علي بعضها محمولة علي المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من أهل الحاجة إليه لئلا يقع في الرشوة يوما.

و هل تحرم الرشوة في غير الحكم

اشارة

و هل تحرم الرشوة في غير الحكم
بناء علي صدقها كما يظهر مما تقدم عن المصباح و النهاية كأن يبذل له مالا علي أن يصلح أمره عند الأمير

[التفصيل بين الحاجة المحرمة و غيرها]

[التفصيل بين الحاجة المحرمة و غيرها]
فإن كان أمره منحصرا في المحرم أو مشتركا بينه و بين المحلل لكن بذل علي إصلاحه حراما أو حلالا فالظاهر حرمته لا لأجل الرشوة لعدم الدليل عليها عدا بعض الإطلاقات المنصرف إلي الرشا في الحكم بل لأنه أكل للمال بالباطل فتكون الحرمة هنا لأجل الفساد فلا يحرم القبض في نفسه و إنما يحرم التصرف لأنه باق علي ملك الغير. نعم يمكن أن يستدل علي حرمته بفحوي إطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال و أما بذل المال علي وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة فلا حظر فيه كما يدل عليه ما ورد: في أن الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله فيسكنه قال لا بأس به و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق و نحوها

و مما يدل علي التفصيل في الرشوة بين الحاجة المحرمة و غيرها رواية الصيرفي

و مما يدل علي التفصيل في الرشوة بين الحاجة المحرمة و غيرها رواية الصيرفي
قال: سمعت أبا الحسن ع و سأله حفص الأعور فقال إن عمال السلطان يشترون منا القرب و الإداوة فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتي يظلمنا فقال لا بأس بما تصلح به مالك ثم سكت ساعة ثم قال إذا أنت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط قلت نعم قال فسدت رشوتك. و مما يعد من الرشوة أو يلحق بها المعاملة المشتملة علي المحاباة كبيعه من القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم

[حكم المعاملة المشتملة علي المحاباة مع القاضي]

[حكم المعاملة المشتملة علي المحاباة مع القاضي]
فإن لم يقصد من المعاملة إلا المحاباة التي في ضمنها أو قصد المعاملة لكن جعل المحاباة لأجل الحكم له بأن كان الحكم له من قبيل ما تواطئا عليه من الشروط غير المصرح بها في العقد فهي الرشوة و إن قصد أصل المعاملة و حابي فيها لجلب قلب القاضي فهو كالهدية ملحقة بالرشوة. و في فساد المعاملة المحاباة فيها وجه قوي

[حكم المال المأخوذ حراما من حيث الضمان و عدمه]

اشارة

[حكم المال المأخوذ حراما من حيث الضمان و عدمه]
ثم إن كل ما حكم بحرمة أخذه وجب علي الآخذ رده و رد بدله مع التلف إذا قصد مقابلته بالحكم كالجعل و الأجرة- حيث حكم بتحريمها. و كذا الرشوة لأنها حقيقة جعل علي الباطل و لذا فسره في القاموس بالجعل

[الظاهر عدم ضمان ما أخذ هدية]

[الظاهر عدم ضمان ما أخذ هدية]
و لو لم يقصد بها المقابلة بل أعطي مجانا ليكون داعيا علي الحكم و هو المسمي بالهدية فالظاهر عدم ضمانه لأن مرجعه إلي هبة مجانية فاسدة إذ الداعي لا يعد عوضا و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و كونها من السحت إنما يدل علي حرمة الأخذ لا علي الضمان و عموم علي اليد مختص بغير اليد المتفرعة علي التسليط المجاني و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام.

[احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا و مناقشته]

[احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا و مناقشته]
و في كلام بعض المعاصرين أن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد معللا بتسليط المالك عليها مجانا و لأنها تشبه المعاوضة و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. و لا يخفي ما بين تعليله من التنافي لأن تشبيهه الرشوة بالمعاوضة يستلزم الضمان لأن المعاوضة الصحيحة يوجب ضمان كل منهما ما وصل إليه بعوضه الذي دفعه فيكون مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتي لا
المكاسب، ج‌1، ص 32
يضمن بفاسده. نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة إلي غير العوض كما أن العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالإجارة فربما يدعي أنها غير مضمونة إذا قبض بالإجارة الفاسدة. لكن هذا كلام آخر [قد ثبت فساده بما ذكرنا في باب الغصب من أن المراد مما لا يضمن بصحيحه أن يكون عدم الضمان مستندا إلي نفس العقد الصحيح لمكان الباء و عدم ضمان عين المستأجرة ليس مستندا إلي الإجازة الصحيحة بل إلي قاعدة الأمانة المالكية و الشرعية لكون التصرف في العين مقدمة لاستيفاء المنفعة مأذونا فيه شرعا فلا يترتب عليه الضمان بخلاف الإجازة الفاسدة فإن الإذن الشرعي فيها مفقود و الإذن المالكي غير مثمر لكونه تبعيا و لكونه لمصلحة القابض فتأمل] و الكلام في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة و التحقيق أن كونها معاوضة أو شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها لا لعدم الضمان

فروع في اختلاف الدافع و القابض

[دعوي الدافع الهدية و القابض الهبة الصحيحة]

[دعوي الدافع الهدية و القابض الهبة الصحيحة]
لو ادعي الدافع أنها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة و ادعي القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها احتمل تقديم الأول لأن الدافع أعرف بنيته و لأصالة الضمان في اليد إذا كانت الدعوي بعد التلف و الأقوي تقديم الثاني لأنه يدعي الصحة.

[دعوي الدافع الرشوة و القابض الهبة الصحيحة]

[دعوي الدافع الرشوة و القابض الهبة الصحيحة]
و لو ادعي الدافع أنها رشوة أو أجرة علي المحرم و ادعي القابض كونها هبة صحيحة احتمل أنه كذلك لأن الأمر يدور بين الهبة الصحيحة و الإجارة الفاسدة. و يحتمل العدم إذ لا عقد مشترك هنا اختلفا في صحته و فساده فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته فيحلف علي عدم وقوعه و ليس هذا من مورد التداعي كما لا يخفي.

[دعوي الدافع الرشوة و القابض الهبة الفاسدة]

[دعوي الدافع الرشوة و القابض الهبة الفاسدة]
و لو ادعي أنها رشوة و القابض أنها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه بناء علي ما سبق من أن الهدية المحرمة لا توجب الضمان ففي تقديم الأول لأصالة الضمان في اليد أو الآخر لأصالة عدم سبب الضمان و منع أصالة الضمان وجهان أقواهما الأول لأن عموم خبر علي اليد يقضي بالضمان إلا مع تسليط المالك مجانا و الأصل عدم تحققه و هذا حاكم علي أصالة عدم سبب الضمان فافهم
سب المؤمن

التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة

اشارة

التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة
بالأدلة الأربعة لأنه ظلم و إيذاء و إذلال

[الروايات الواردة في حرمة السب]

[الروايات الواردة في حرمة السب]
ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه و في رواية السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: سباب المؤمن كالمشرف علي الهلكة و في رواية أبي بصير عن أبي جعفر ع قال:
جاء رجل من تميم إلي رسول الله ص فقال له أوصني فكان فيما أوصاه لا تسبوا فتكتسبوا العداوة و في رواية ابن الحجاج عن أبي الحسن ع: في رجلين يتسابان قال البادي منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلي المظلوم و في مرجع الضمائر اغتشاش و يمكن الخطأ من الراوي. و المراد و الله أعلم أن مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه إياه في السب من غير أن يخفف عن صاحبه شي‌ء فإن اعتذر إلي المظلوم عن سبه و إيقاعه إياه في السب برأ من الوزرين. ثم إن المرجع في السب إلي العرف

[تفسير السب]

[تفسير السب]
و فسره في جامع المقاصد بإسناده ما يقتضي نقصه إليه مثل الوضيع و الناقص و في كلام بعض آخر أن السب و الشتم بمعني واحد و في كلام ثالث أن السب أن تصف الشخص بما هو إزراء و نقص فيدخل في النقص كل ما يوجب الأذي كالقذر و الحقير و الوضيع و الكلب و الكافر و المرتد و التعبير بشي‌ء من بلاء الله تعالي كالأجذم و الأبرص.

ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب

ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب
نعم يعتبر فيه قصد الإهانة و النقص فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم و خصوص من وجه و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع لأن مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه و لو لغير قصد الإهانة غيبة محرمة و الإهانة محرم آخر.

ثم إنه يستثني من المؤمن المظاهر بالفسق

ثم إنه يستثني من المؤمن المظاهر بالفسق
لما سيجي‌ء في الغيبة من أنه لا حرمة له و هل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي عن المنكر فيشترط بشروطه أم لا ظاهر النصوص و الفتاوي كما في الروضة الثاني و الأحوط الأول

و يستثني من ذلك المبتدع أيضا

و يستثني من ذلك المبتدع أيضا
لقوله ص: إذا رأيتم أهل البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم

و يمكن أن يستثني من ذلك ما إذا لم يتأثر المسبوب عرفا

و يمكن أن يستثني من ذلك ما إذا لم يتأثر المسبوب عرفا
بأن لا توجب قول هذا القائل في حقه مذلة و لا نقصا كقول الوالد لولده أو السيد لعبده عنده مشاهدة ما يكرهه يا حمار و عند غيظه يا خبيث و نحو ذلك سواء لم يتأثر بذلك بأن لم يكرهه أصلا أم تأثر به بناء علي أن العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا. و يشكل الثاني بعموم أدلة حرمة الإيذاء نعم لو قال السيد ذلك في مقام التأديب جاز لفحوي جواز الضرب. و أما الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم ع: أنت و مالك لأبيك فتأمل مضافا إلي استمرار السيرة بذلك إلا أن يقال إن استمرار السيرة إنما هو مع عدم تأثر السامع و تأذيه بذلك من هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلم للمتعلم فإن السيرة إنما نشأت في الأزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم بشتم المعلم لعد نفسه أدون من عبده بل ربما كان يفتخر بالسب لدلالته علي كمال لطفه. و أما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول و الفعل فحل إيذائه يحتاج إلي الدليل و الله الهادي إلي سواء السبيل
السحر

العاشرة السحر [فهو] حرام في الجملة

اشارة

العاشرة السحر [فهو] حرام في الجملة
بلا خلاف بل هو ضروري كما سيجي‌ء

و الأخبار بالحرمة مستفيضة

و الأخبار بالحرمة مستفيضة
منها ما تقدم من أن الساحر كالكافر. و منها قوله ع: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر و كان آخر عهده بربه وحده أن يقتل إلا أن يتوب و في رواية السكوني عن الصادق ع قال قال رسول الله ص: ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل قيل يا رسول الله لم لا يقتل ساحر الكفار قال لأن الشرك أعظم من السحر و لأن السحر و الشرك مقرونان و في نبوي آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر و مدمن سحر و قاطع رحم إلي غير ذلك من الأخبار
ثم إن الكلام هنا يقع في مقامين

الأول في المراد بالسحر

اشارة

الأول في المراد بالسحر
و هو لغة علي ما عن بعض أهل اللغة ما لطف مأخذه و دق و عن بعضهم أنه صرف الشي‌ء عن وجهه و عن ثالث أنه الخديعة و عن رابع أنه إخراج الباطل في صورة الحق و قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيانه

[كلمات الفقهاء]

اشارة

[كلمات الفقهاء]
قال العلامة رحمه الله في القواعد و التحرير إنه كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو يعمل شيئا تؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة و زاد في المنتهي أو عقدا

[اعتبار الإضرار في السحر عند بعض]

[اعتبار الإضرار في السحر عند بعض]
و زاد في المسالك أو أقساما أو عزائم يحدث بسببها ضرر علي الغير و زاد في الدروس الدخنة و التصوير و النفث و تصفية النفس و يمكن أن يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد أو يعمل شيئا. نعم ظاهر المسالك و محكي الدروس أن المعتبر في السحر الإضرار.
فإن أريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها خصوص الإضرار بالمسحور فهو و إلا كان أعم. ثم إن الشهيدين رحمهما الله عدا من السحر- استخدام الملائكة و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن صبي أو امرأة و كشف الغائبات علي لسانه و الظاهر أن المسحور فيما ذكراه هم الملائكة و الجن و الشياطين و الإضرار
المكاسب، ج‌1، ص 33
بهم يحصل بتسخيرهم و تعجيزهم من المخالفة له و إلجائهم إلي الخدمة. و قال في الإيضاح إنه استحداث الخوارق- إما بمجرد التأثيرات النفسانية و هو السحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط و هي دعوة الكواكب أو بتمزيج القوي السماوية بالقوي الأرضية و هي الطلسمات أو علي سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة و هي العزائم و يدخل فيه النيرنجات و الكل حرام في شريعة الإسلام و مستحله كافر انتهي. و تبعه علي هذا التفسير في محكي التنقيح و فسر النيرنجات في الدروس بإظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النيرين. و في الإيضاح أما ما كان علي سبيل الاستعانة- بخواص الأجسام السفلية فهو علم الخواص أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل و جر الأثقال و هذان ليسا من السحر انتهي. و ما جعله خارجا قد أدخله غيره و في بعض الروايات دلالة عليه و سيجي‌ء المحكي و المروي و لا يخفي أن هذا التعريف أعم من الأول لعدم اعتبار مسحور فيه فضلا عن الإضرار ببدنه أو عقله. و عن الفاضل المقداد في التنقيح أنه عمل يستفاد منه ملكه نفسانية يقتدر بها علي أفعال غريبة بأسباب خفية و هذا يشمل علمي الخواص و الحيل

[ما أفاده العلامة المجلسي في البحار في بيان أقسام السحر]

اشارة

[ما أفاده العلامة المجلسي في البحار في بيان أقسام السحر]
و قال في البحار بعد ما نقل عن أهل اللغة إنه ما لطف و خفي سببه إنه في عرف الشرع مختص بكل أمر مخفي سببها و يتخيل علي غير حقيقته و يجري مجري التمويه و الخداع انتهي و هذا أعم من الكل لأنه ذكر بعد ذلك ما حاصله أن السحر علي أقسام

الأول سحر الكلدانيين

الأول سحر الكلدانيين
الذين كانوا في قديم الدهر و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون أنها المدبرة لهذا العالم و منها تصدير الخيرات و الشرور و السعادات و النحوسات ثم ذكر أنهم علي ثلاثة مذاهب فمنهم من يزعم أنها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم و منهم من يزعم أنها قديمة لقدم العلة المؤثرة فيها و منهم من يزعم أنها حادثة مخلوقة فعالة مختارة فوض خالقها أمر العالم إليها و الساحر عند هذه الفرق من يعرف القوي الغالبة الفعالة بسائطها و مركباتها و يعرف ما يليق بالعالم السفلي معداتها ليعدها و عوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون من استحداث ما يخرق العادة.

الثاني سحر أصحاب الأوهام

الثاني سحر أصحاب الأوهام
و النفوس القوية.

الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية

الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية
و قد أنكرها بعض الفلاسفة و قال بها الأكابر منهم و هي في أنفسها مختلفة فمنهم خيرة و هم مؤمنو الجن و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم.

الرابع التخيلات الآخذة بالعيون مثل راكب السفينة

الرابع التخيلات الآخذة بالعيون مثل راكب السفينة
يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا.

الخامس الأعمال العجيبة

الخامس الأعمال العجيبة
التي تظهر من تركيب الآلات المركبة علي نسب الهندسة كرقاص يرقص و فارسان يقتتلان.

السادس الاستعانة بخواص الأدوية

السادس الاستعانة بخواص الأدوية
مثل أن يجعل في الطعام بعض الأدوية المبلدة أو المزيلة للعقل أو الدخن المسكر أو عصارة البنج المجعول في الملبس و هذا مما لا سبيل إلي إنكاره و أثر المغناطيس شاهد.

السابع تعليق القلب

السابع تعليق القلب
و هو أن يدعي الساحر أنه يعرف الكيمياء و علم السيمياء و الاسم الأعظم حتي يميل إليه العوام و ليس له أصل.

الثامن النميمة

الثامن النميمة
انتهي الملخص منه

[الإشارة إلي بعض أقسام السحر في الرواية]

[الإشارة إلي بعض أقسام السحر في الرواية]
و ما ذكره من وجوه السحر بعضها قد تقدم عن الإيضاح و بعضها قد ذكر فيما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله ع عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله: أخبرني عن السحر ما أصله و كيف يقدر الساحر علي ما يوصف من عجائبه و ما يفعل قال أبو عبد الله ع إن السحر علي وجوه شتي منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة و لكل عافية عاهة و لكل معني حلية و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع آخر منه ما يأخذه أولياء الشياطين منهم قال فمن أين علم الشياطين السحر قال من حيث علم الأطباء الطب بعضه بتجربة و بعضه بعلاج قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس إنهما يعلمان الناس السحر قال إنما هما موضع ابتلاء و موقف فتنة و تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم قال أ فيقدر الساحر علي أن يجعل الإنسان بسحره في صورة كلب أو حمار أو غير ذلك قال هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله تعالي و صوره و غيره فهو شريك الله في خلقه تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر علي ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض و لنفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته و إن من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين و يجلب العداوة بين المتصافين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام شر من وطئ علي الأرض بقدمه فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرأه إلي آخر الحديث. ثم لا يخفي أن الجمع بين ما ذكر في معني السحر في غاية الإشكال لكن المهم بيان حكمه لا موضوعه.

المقام الثاني في حكم الأقسام المذكورة

اشارة

المقام الثاني في حكم الأقسام المذكورة
فنقول أما الأقسام الأربعة المتقدمة من الإيضاح فيكفي في حرمتها مضافا إلي شهادة المحدث المجلسي رحمه الله في البحار بدخولها في المعني المعروف للسحر عند أهل الشرع فتشملها الإطلاقات

[دعوي ضرورة الدين علي حرمة أربعة أقسام منه]

[دعوي ضرورة الدين علي حرمة أربعة أقسام منه]
دعوي فخر المحققين في الإيضاح كون حرمتها من ضروريات الدين و أن مستحلها كافر و دعوي الشهيدين في الدروس و المسالك أن مستحله يقتل فإنا و إن لم نطمئن بدعوي الإجماعات المنقولة إلا أن دعوي ضرورة الدين مما يوجب الاطمئنان بالحكم و اتفاق العلماء عليه في جميع الأعصار.

[ما ذكره شارح النخبة حول الطلسمات]

[ما ذكره شارح النخبة حول الطلسمات]
نعم ذكر شارح النخبة أن ما كان من الطلسمات مشتملا علي إضرار أو تمويه علي المسلمين أو استهانة بشي‌ء من حرمات الله كالقرآن و أبعاضه و أسماء الله الحسني و نحو ذلك فهو حرام بلا ريب سواء عد من السحر أم لا و ما كان للأغراض كحضور الغائب و بقاء العمارة و فتح الحصون للمسلمين و نحوه فمقتضي الأصل جوازه و يحكي عن بعض الأصحاب و ربما يستندون في بعضها إلي أمير المؤمنين ع و السند غير واضح و ألحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر و وجهه غير واضح انتهي. و لا وجه أوضح من دعوي الضرورة من فخر المحققين و الشهيدين قدس سرهما

[حرمة السحر المضر بالنفس المحترمة]

[حرمة السحر المضر بالنفس المحترمة]
و أما غير تلك الأربعة فإن كان مما يضر بالنفس المحترمة فلا إشكال أيضا في حرمته و يكفي في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان علي مقتضي إرادته فمثل
المكاسب، ج‌1، ص 34
إحداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا. روي الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة علي أن تسحر زوجها بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع قال: قال رسول الله ص لامرأة سألته أن لي زوجا و به غلظة علي و إني صنعت شيئا لأعطفه علي أف لك كدرت البحار و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الأخيار و ملائكة السماوات و الأرض قال فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح فبلغ ذلك النبي ص فقال إن ذلك لا يقبل منها بناء علي أن الظاهر من قولها صنعت شيئا المعالجة بشي‌ء غير الأدعية و الصلوات و نحوها و لذا فهم الصدوق منها السحر و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.

[الظاهر جواز ما لا يضر مع الشك في صدق اسم السحر عليه]

[الظاهر جواز ما لا يضر مع الشك في صدق اسم السحر عليه]
و أما ما لا يضر فإن قصد به دفع ضرر السحر أو غيره من المضار الدنيوية أو الأخروية فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه للأصل بل فحوي ما سيجي‌ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا و إلا فلا دليل علي تحريمه إلا أن يدخل في اللهو أو الشعوذة.

نعم لو صح سند رواية الاحتجاج صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنته

نعم لو صح سند رواية الاحتجاج صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنته
و كذا لو عمل بشهادة من تقدم كالفاضل المقداد و المحدث المجلسي رحمهما الله بكون جميع ما تقدم من الأقسام داخلا في السحر اتجه الحكم بدخولها تحت إطلاقات المنع عن السحر لكن الظاهر استناد شهادتهم إلي الاجتهاد مع معارضته بما تقدم من الفخر من إخراج علمي الخواص و الحيل من السحر.
و ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره السحر بما يحدث ضررا بل عرفت تخصيص العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله فهذه شهادة من هؤلاء علي عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الأقسام. و تقديم شهادة الإثبات لا يجري في هذا الموضع لأن الظاهر استناد المثبتين إلي الاستعمال و النافين إلي الاطلاع علي كون الاستعمال مجازا للمناسبة

و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام

و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام
في البحار بل لعله لا يخلو عن قوة لقوة الظن من خبر الاحتجاج و غيره

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر

اشارة

بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر
و يمكن أن يستدل له مضافا إلي الأصل بعد دعوي انصراف الأدلة إلي غير ما قصد به غرض راجح شرعا بالأخبار

[الأخبار الواردة في جواز دفع ضرر السحر بالسحر]

اشارة

[الأخبار الواردة في جواز دفع ضرر السحر بالسحر]
منها ما تقدم في خبر الاحتجاج و منها ما في الكافي عن القمي عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: دخل عيسي بن سقفي علي أبي عبد الله ع قال جعلت فداك إنا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت منه و قد من الله علي بلقائك و قد تبت إلي الله عز و جل من ذلك فهل لي في شي‌ء من ذلك مخرج فقال له أبو عبد الله ع حل و لا تعقد. و كان الصدوق رحمه الله في العلل أشار إلي هذه الرواية حيث قال روي أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد و ظاهر المقابلة بين الحل و العقد في الجواز و العدم كون كل منهما بالسحر فحمل الحل علي ما كان بغير السحر من الدعاء و الآيات و نحوهما كما عن بعض لا يخلو عن بعد.

[ما ورد في قصة هاروت و ماروت]

[ما ورد في قصة هاروت و ماروت]
و منها ما عن العسكري عن آبائه ع: في قوله تعالي وَ ما أُنْزِلَ عَلَي الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ قال كان بعد نوح قد كثرت السحرة و الموهون فبعث الله ملكين إلي نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة و يذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه إلي عباد الله بأمر الله و أمرهم أن يقضوا به علي السحر و أن يبطلوه و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كما يقال إن السم ما هو و إن ما يدفع به غائلة السم ما هو ثم يقال للمتعلم هذا السم فمن رأيته سم فادفع غائلته بهذا و لا تقتل بالسم إلي أن قال و ما يعلمان من أحد ذلك السحر و إبطاله حتي يقولا للمتعلم إنما نحن فتنة و امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا و يبطل به كيد السحرة و لا تسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار و دعاء الناس إلي أن يعتقدوا أنك تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه إلا الله عز و جل فإن ذلك كفر إلي أن قال وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به فقد تعملوا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم إلي آخر الحديث و في رواية محمد بن الجهم عن مولانا الرضا ع في حديث قال: أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به عن سحر السحرة فيبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي قالا إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه قال الله تعالي وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بعلمه.
هذا كله مضافا إلي أن ظاهر أخبار الساحر إرادة من يخشي ضرره كما اعترف به بعض الأساطين و استقرب لذلك جواز الحل به بعد أن نسبه إلي كثير من أصحابنا.

[منع جمع من الأعلام من حل السحر بالسحر]

[منع جمع من الأعلام من حل السحر بالسحر]
لكنه مع ذلك كله فقد منع العلامة في غير واحد من كتبه و الشهيد رحمه الله في الدروس و الفاضل الميسي و الشهيد الثاني من حل السحر به و لعلهم حملوا ما دل علي الجواز مع اعتبار سنده علي حالة الضرورة و انحصار سبب الحل فيه لا مجرد دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية و التعويذات و لذا ذهب جماعة منهم الشهيدان و الميسي و غيرهم إلي جواز تعلمه ليتوقي به من السحر و يدفع به دعوي المتنبي. و ربما حملت أخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت و ماروت علي جواز ذلك في الشريعة السابقة و فيه نظر.

ثم الظاهر أن التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر

ثم الظاهر أن التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر
علي جميع تعاريفه و قد عرفت أن الشهيدين مع أخذ الإضرار في تعريف السحر ذكرا أن استخدام الملائكة و الجن من السحر و لعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره. و أما سائر التعاريف فالظاهر شمولها لها و ظاهر عبارة الإيضاح أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة علي التحريم لأن الظاهر دخولها في الأقسام و العزائم و النفث و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات- من الهوام و السباع و الوحوش و غير ذلك خصوصا الإنسان.

و عمل السيمياء ملحق بالسحر اسما أو حكما

و عمل السيمياء ملحق بالسحر اسما أو حكما
و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس و المراد به علي ما قيل إحداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شي‌ء آخر
الشعوذة

الحادية عشرة الشعوذة و هي حرام بلا خلاف

[تعريف الشعوذة]

و هي الحركة السريعة بحيث يوجب علي الحس الانتقال من الشي‌ء إلي شبهه كما تري النار المتحركة علي الاستدارة دائرة متصلة لعدم إدراك السكونات المتخللة بين الحركات.

[أدلة الحرمة]

و يدل علي الحرمة بعد الإجماع مضافا إلي أنه من الباطل و اللهو دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج المنجبر وهنها بالإجماع المحكي. و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها
الغش

الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف

[الروايات الدالة علي الحرمة]

و الأخبار به متواترة نذكر بعضها متيمنا فعن النبي ص بأسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم
المكاسب، ج‌1، ص 35
و في رواية العيون بأسانيد قال رسول الله ص: ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره و في عقاب الأعمال عن النبي ص: من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيامة لأنه من غش الناس فليس بمسلم إلي أن قال و من غشنا فليس منا قالها ثلاثا و من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه و أفسد عليه معيشته و وكله إلي نفسه و في مرسلة هشام عن أبي عبد الله ع: أنه قال لرجل يبيع الدقيق إياك و الغش فإن من غش غش في ماله فإن لم يكن له مال غش في أهله و في رواية سعد الإسكاف عن أبي جعفر ع قال: مر النبي ص في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه ما أري طعامك إلا طيبا فأوحي الله إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا فقال لصاحبه ما أراك إلا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين و رواية موسي بن بكر عن أبي الحسن ع: أنه أخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه فقطعها نصفين ثم قال ألقه في البالوعة حتي لا يباع بشي‌ء فيه غش و قوله فيه غش جملة ابتدائية و الضمير في لا يباع راجع إلي الدينار. و في رواية هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي أبو الحسن فقال لي يا هشام إن البيع في الظلال غش و الغش لا يحل و في رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له و اتفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته فقال إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس و إن كان إنما يغش به المسلمين فلا يصلح و روايته الأخري قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما شتي و أحدهما أجود من الآخر و يخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد فقال لا يصلح له أن يغش المسلمين حتي يبينه و رواية داود بن سرحان قال: كان معي جرابان من مسك أحدهما رطب و الآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثم أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوي و لا يزيدوني علي ثمن الرطب فسألت أبا عبد الله ع عن ذلك أ يصلح لي أن أنديه قال لا إلا أن تعلمهم قال فنديته ثم أعلمتهم قال لا بأس.

ثم إن ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفي

كمزج اللبن بالماء و خلط الجيد بالردي‌ء في مثل الدهن و منه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا و نحو ذلك

و أما المزج و الخلط بما لا يخفي فلا يحرم

لعدم انصراف الغش إليه.
و يدل عليه مضافا إلي بعض الأخبار المتقدمة صحيحة ابن مسلم عن أحدهما ع: أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه أجود من بعض قال إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي‌ء. و مقتضي هذه الرواية بل رواية الحلبي الثانية و رواية سعد الإسكاف أنه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع فيجب الإعلام بالعيب غير الخفي إلا أن تنزيل الحرمة في موارد الروايات الثلاث علي ما إذا تعمد الغش برجاء التلبيس علي المشتري و عدم التفطن له و إن كان من شأن ذلك العيب أن يتفطن له فلا تدل الروايات علي وجوب الإعلام إذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشتري و سامح في الملاحظة

[وجوب الإعلام بالعيب الخفي لو حصل الغش]

ثم إن غش المسلم إنما هو بيع المغشوش عليه مع جهله فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله أو بغيره فلو حصل اتفاقا أو لغرض وجب الإعلام بالعيب الخفي و يمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلا علي ما إذا قصد التلبيس و أما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الإعلام. نعم يحرم عليه إظهار ما يدل علي سلامته من ذلك فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الأمر علي المشتري سواء أ كان العيب خفيا أم جليا كما تقدم لا بكتمان العيب مطلقا أو خصوص الخفي و إن لم يقصد التلبيس و من هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الإعلام بالعيب غشا. و في التفصيل المذكور في رواية الحلبي إشارة إلي هذا المعني حيث إنه ع جوز بل الطعام بدون قيد الإعلام إذا لم يقصد به الزيادة و إن حصلت به و حرمه مع قصد الغش. نعم يمكن أن يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضي خلقته الأصلية بعيب خفي أو جلي أن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشتري كما لو صرح باشتراط السلامة فإن العرف يحكمون علي البائع بهذا الشرط مع علمه بالعيب أنه غاش

[أقسام الغش]

ثم إن الغش يكون بإخفاء الأدني في الأعلي كمزج الجيد بالردي‌ء أو غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن أو بإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا و هو التدليس أو بإظهار الشي‌ء علي خلاف جنسه كبيع المموه علي أنه ذهب أو فضة

[ما أفاده المحقق الثاني في صحة المعاملة و فسادها]

ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفي- بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء وجهين في صحة المعاملة و فسادها من حيث إن المحرم هو الغش و المبيع عين مملوكة ينتفع بها و من أن المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب. ثم قال و في الذكري في باب الجماعة ما حاصله إنه لو نوي الاقتداء بإمام معين علي أنه زيد فبان عمرا إن في الحكم نظرا و مثله ما لو قال بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار و جعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف انتهي.

[نقد ما ذكره المحقق الثاني]

و ما ذكره من وجهي الصحة و الفساد جار في مطلق العيب لأن المقصود هو الصحيح و الجاري عليه العقد هو المعيب و جعله من باب تعارض الإشارة و الوصف مبني علي إرادة الصحيح من عنوان المبيع فيكون قوله بعتك هذا العبد بعد تبين كونه أعمي بمنزلة قوله بعتك هذا البصير. و أنت خبير بأنه ليس الأمر كذلك كما سيجي‌ء في باب العيب بل وصف الصحة ملحوظ علي وجه الشرطية و عدم كونه مقوما للمبيع كما يشهد به العرف و الشرع. ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح لم يكن إشكال في تقديم العنوان علي الإشارة بعد ما فرض رحمه الله أن المقصود بالبيع هو اللبن و الجاري عليه العقد هو المشوب لأن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و لذا اتفقوا علي بطلان الصرف فيما إذا تبين أحد العوضين معيبا من غير الجنس. و أما التردد في مسألة تعارض الإشارة و العنوان فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية فإنها مرددة بين كون متعلق القصد أولا و بالذات هو العين الحاضرة و يكون اتصافه بالعنوان مبنيا علي الاعتقاد و كون متعلقة هو العنوان و الإشارة إليه باعتبار حضوره. أما علي تقدير العلم بما هو المقصود بالذات و مغايرته للموجود الخارجي كما فيما نحن فيه فلا يتردد أحد في البطلان.

[توجيه ما عن الذكري في مسألة الاقتداء]

و أما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكري بما يتعارض فيه الإشارة و الوصف في الكلام مع عدم الإجمال في النية فباعتبار عروض الاشتباه
المكاسب، ج‌1، ص 36
للناوي بعد ذلك فيما نواه إذ كثيرا ما يشتبه علي الناوي أنه خطر في ذهنه العنوان و نوي الاقتداء به معتقدا لحضوره المعتبر في إمام الجماعة فيكون الإمام هو المعنون بذلك العنوان و إنما أشار إليه معتقدا لحضوره أو أنه نوي الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان لإحراز معرفته بالعدالة أو تعنون به بمقتضي الاعتقاد من دون اختيار هذا.

[الاستدلال علي فساد بيع المغشوش بورود النهي عنه]

ثم إنه قد يستدل علي الفساد- كما نسب إلي المحقق الأردبيلي رحمه الله بورود النهي عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعه كما أشير إليه في رواية قطع الدينار و الأمر بإلقائه في البالوعة معللا بقوله حتي لا يباع بشي‌ء و لأن نفس البيع غش منهي عنه

[المناقشة في هذا الاستدلال]

و فيه نظر فإن النهي عن البيع لكونه مصداقا لمحرم هو الغش لا يوجب فساده كما تقدم في بيع العنب علي من يعمله خمرا. و أما النهي عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر و أما خبر الدينار فلو عمل به لخرجت المسألة عن مسألة الغش لأنه إذا وجب إتلاف الدينار و إلقاؤه في البالوعة كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما نظير آلات اللهو و القمار و قد ذكرنا ذلك فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما فيحمل الدينار علي المضروب من غير جنس النقدين أو من غير الخالص منهما لأجل التلبيس علي الناس و معلوم أن مثله بهيئته لا يقصد منه إلا التلبيس فهي آلة الفساد لكل من دفعت إليه و أين هو من اللبن الممزوج بالماء و شبهه.

فالأقوي حينئذ في المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع

ثم العمل علي ما تقتضيه القاعدة عند تبين الغش فإن كان قد غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس و إن كان من قبيل شوب اللبن بالماء فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمي اللبن فهو لبن معيوب و إن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة و ينقص من الثمن بمقدار التراب الزائد لأنه غير متمول و لو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله
الغناء

الثالثة عشرة الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة

[الأخبار المستفيضة الدالة علي الحرمة]

و الأخبار بها مستفيضة و ادعي في الإيضاح تواترها منها ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور في قوله تعالي وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ففي صحيحة زيد الشحام و مرسلة ابن أبي عمير و موثقة أبي بصير المرويات عن الكافي و رواية عبد الأعلي المحكية عن معاني الأخبار و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمي رحمه الله تفسير قَوْلَ الزُّورِ بالغناء. و منها ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم و رواية مهران بن محمد و رواية الوشاء و رواية حسن بن هارون و رواية عبد الأعلي السابقة. و منها ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالي وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ كما في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله ع تارة بلا واسطة و أخري بواسطة أبي الصباح الكناني.
[المناقشة في دلالة الروايات علي حرمة الكيفية]
و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الأولي بل الثانية في أن الغناء من مقولة الكلام لتفسير قول الزور به. و يؤيده ما في بعض الأخبار من أن قول الزور أن تقول للذي يغني أحسنت و يشهد له قول علي بن الحسين ع في مرسلة الفقيه الآتية: في الجارية التي لها صوت لا بأس لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء و لو جعل التفسير من الصدوق دل علي الاستعمال أيضا. و كذا لهو الحديث بناء علي أنه من إضافة الصفة إلي الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا علي الكلام الباطل فلا تدل علي حرمة نفس الكيفية و هو لم يكن في كلام باطل و منه تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة حيث إن مشاهد الزور التي مدح الله تعالي من لا يشهدها هي مجالس التغني بالأباطيل من الكلام

[إشعار بعض النصوص بكون اللهو علي إطلاقه مبغوضا لله تعالي]

فالإنصاف أنها لا تدل علي حرمة نفس الكيفية إلا من حيث إشعار لهو الحديث بكون لهو الحديث علي إطلاقه مبغوضا لله تعالي. و كذا الزور بمعني الباطل و إن تحققا في كيفية الكلام لا في نفسه كما إذا تغني في كلام حق من قرآن أو دعاء أو مرثية. و بالجملة فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا و باطلا فهو حرام

[الروايات الدالة علي حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا]

و مما يدل علي حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا رواية عبد الأعلي و فيها ابن فضال قال: سألت أبا عبد الله ع عن الغناء و قلت إنهم يزعمون أن رسول الله ص رخص في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم فقال كذبوا إن الله تعالي يقول ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ثم قال قال ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس إلي آخر الخبر. فإن الكلام المذكور المرخص فيه بزعمهم ليس بالباطل و اللهو اللذين يكذب الإمام ع رخصة النبي ص فيه فليس الإنكار الشديد و جعل ما زعموا الرخصة فيه من اللهو بالباطل إلا من جهة التغني به. و رواية يونس قال: سألت الخراساني ص عن الغناء و قلت إن العباسي زعم أنك ترخص في الغناء فقال كذب الزنديق ما هكذا قلت له سألني عن الغناء فقلت له إن رجلا أتي أبا جعفر ع فسأله عن الغناء فقال له يا فلان إذا ميز الله بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء قال مع الباطل فقال ع حسبك فقد حكمت و رواية محمد بن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع و بشرب النبيذ قال: سألت الرضا ع عن السماع قال لأهل الحجاز فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو أ ما سمعت الله عز و جل يقول وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً. و الغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح و قال أيضا جارية مسمعة أي مغنية. و في رواية الأعمش الواردة في تعداد الكبائر قوله: و الملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الأوتار و قوله ع: و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل جارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب. و ظاهر هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل فالغناء و هي من مقولة الكيفية للأصوات كما سيجي‌ء إن كان مساويا للصوت اللهوي و الباطل كما هو الأقوي و سيجي‌ء فهو و إن كان أعم وجب تقييد بما كان من هذا العنوان كما أنه لو كان أخص وجب التعدي منه إلي مطلق الصوت الخارج علي وجه اللهو.

[المحرم ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي]

و بالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق و المعاصي التي ورد النهي عن قراءة القرآن بها سواء أ كان مساويا للغناء أم أعم أو أخص مع أن الظاهر أنه ليس الغناء إلا هو

[كلمات اللغويين في معني الغناء]

و إن اختلفت فيه عبارات الفقهاء و اللغويين فعن المصباح أن الغناء الصوت و عن آخر أنه مد الصوت و عن النهاية عن الشافعي أنه تحسين الصوت و ترقيقه و عنها أيضا أن كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء. و كل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها و عدم صدق الغناء عليها فكلها إشارة إلي المفهوم المعين عرفا

[تعريف المشهور للغناء]

و الأحسن
المكاسب، ج‌1، ص 37
من الكل ما تقدم من الصحاح و يقرب منه المحكي عن المشهور بين الفقهاء من أنه مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب

[معني الطرب]

و الطرب علي ما في الصحاح خفة تعتري الإنسان لشدة حزن أو سرور و عن الأساس للزمخشري خفة لسرور أو هم. و هذا القيد هو المدخل للصوت في أفراد اللهو و هو الذي أراده الشاعر بقوله أ طربا و أنت قنسري أي شيخ كبير و إلا فمجرد السرور أو الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير.

[مجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب لا يعد لهوا]

و بالجملة فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب أو و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا و من اكتفي بذكر الترجيع كالقواعد أراد به المقتضي للإطراب.
قال في جامع المقاصد في الشرح ليس مجرد مد الصوت محرما و إن مالت إليه النفوس ما لم ينته إلي حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للإطراب انتهي.

[هل المراد بالمطرب كونه مطربا فعلا]

ثم إن المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة إلي المغني أو المستمع أو ما كان من شأنه الإطراب و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت أو غيره. و أما لو اعتبر الإطراب فعلا خصوصا بالنسبة إلي كل أحد و خصوصا بمعني الخفة لشدة السرور أو الحزن فيشكل لخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه و كان هذا هو الذي دعا الشهيد الثاني إلي أن زاد في الروضة و المسالك بعد تعريف المشهور قوله أو ما يسمي في العرف غناء و تبعه في مجمع الفائدة و غيره.

[ما زعمه صاحب مفتاح الكرامة من أن الإطراب غير الطرب]

و لعل هذا أيضا دعا صاحب مفتاح الكرامة إلي زعم أن الإطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسر في الصحاح بخفة لشدة سرور أو حزن و إن توهمه صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا. و استشهد علي ذلك بما في الصحاح من أن التطريب في الصوت مدة و تحسينه. و ما عن المصباح من أن طرب في صوته مدة و رجعة. و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به و أن التطريب الإطراب كالتطرب و التغني. قال رحمه الله فتحصل من ذلك أن المراد بالتطريب و الإطراب غير الطرب بمعني الخفة لشدة حزن أو سرور كما توهمه صاحب مجمع البحرين و غيره من أصحابنا فكأنه قال في القاموس الغناء من الصوت ما مد و حسن و رجع فانطبق علي المشهور إذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس فكان لازما للإطراب و التطريب انتهي كلامه.

[نقد ما أفاده في مفتاح الكرامة]

و فيه أن الطرب إذا كان معناه علي ما تقدم من الجوهري و الزمخشري هو ما يحصل للإنسان من الخفة لا جرم يكون المراد بالإطراب و التطريب إيجاد هذه الحالة و إلا لزم الاشتراك اللفظي به مع أنهم لم يذكروا للطرب معني آخر ليشتق منه لفظ التطريب و الإطراب. مضافا إلي أن ما ذكر في معني التطريب من الصحاح و المصباح إنما هو للفعل القائم بذي الصوت لا الإطراب القائم بالصوت و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور دون فعل الشخص فيمكن أن يكون معني تطريب الشخص في صوته إيجاد سبب الطرب بمعني الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه كما أن تفريح الشخص إيجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه فلا ينافي ذلك ما ذكر ما معني الطرب. و كذا ما في القاموس من قوله ما طرب به يعني ما أوجد به الطرب
مع أنه لا مجال لتوهم كون التطريب بمادته بمعني التحسين و الترجيع
إذ لم يتوهم أحد كون الطرب بمعني الحسن و الرجوع أو كون التطريب هو نفس المد فليست هذه الأمور إلا أسبابا للطرب يراد إيجاده من فعل هذه الأسباب. هذا كله مضافا إلي عدم إمكان إرادة ما ذكر من المد و التحسين و الترجيع من المطرب في قول الأكثر إن الغناء مد الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب كما لا يخفي مع أن مجرد المد و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر و سيجي‌ء فتبين من جميع ما ذكرنا أن المتعين حمل المطرب في تعريف الأكثر للغناء علي الطرب بمعني الخفة. و توجيه كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض له بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و إن لم يطرب شخصه لمانع من غلظة الصوت و مج الإسماع له. و لقد أجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع و هو المعروف عند أهل العرف و قد تقدم في رواية محمد بن أبي عباد المستهتر بالسماع.

[المتحصل من الأدلة حرمة الصوت المرجع فيه علي سبيل اللهو]

و كيف كان فالمحصل من الأدلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه علي سبيل اللهو فإن اللهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الأوتار و نحوه و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد فكل صوت يكون لهوا بكيفية و معدودا من ألحان أهل الفسوق و المعاصي فهو حرام و إن فرض أنه ليس بغناء و كل ما لا يعد لهوا فليس بحرام و إن فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق لعدم الدليل علي حرمة الغناء إلا من حيث كونه باطلا و لهوا و لغوا و زورا
ثم إن اللهو يتحقق بأمرين
أحدهما قصد التلهي و إن لم يكن لهوا الثاني كونه لهوا في نفسه عند المستمعين و إن لم يقصد به التلهي
ثم إن المرجع في اللهو إلي العرف
و الحاكم بتحققه هو الوجدان حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص و لحضور ما يستلذ القوي الشهوية من كون المغني جارية أو أمرد أو نحو ذلك و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء فقد يحس بعض الترجيع من مبادي الغناء و لم يبلغه.
و ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق أو باطل
فقراءة القرآن و الدعاء و المراثي بصوت يرجع فيه علي سبيل اللهو لا إشكال في حرمتها و لا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة و استخفافا بالمقرو و المدعو و المرثي. و من أوضح تسويلات الشيطان أن الرجل المتستر- قد تدعوه نفسه لأجل التفرج و التنزه و التلذذ إلي ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهية فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثي و نحوها فيتغني به أو يحضر عند من يفعل ذلك. و ربما يعد مجلسا لأجل إحضار أصحاب الألحان و يسميه مجلس المرثية فيحصل له بذلك ما لا يحصل له من ضرب الأوتار من النشاط و الانبساط. و ربما يبكي في خلال ذلك- لأجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما يستحضره القوي الشهوية و يتخيل أنه بكي في المرثية و فاز بالمرتبة العالية و قد أشرف علي النزول إلي دركات الهاوية فلا ملجأ إلا إلي الله من شر الشيطان و النفس الغاوية.

[عروض بعض الشبهات في الحكم أو الموضوع]

اشارة

[عروض بعض الشبهات في الحكم أو الموضوع]
و ربما يجري علي هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخرة في هذه المسألة فتارة من حيث أصل الحكم و أخري من حيث الموضوع و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

[الأول الشبهة في أصل الحكم]

[كلام الكاشاني في جواز الغناء في نفسه]

اشارة

أما الأول فلأنه حكي عن المحدث الكاشاني- أنه خص الحرام منه بما اشتمل علي محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال علي النساء و الكلام بالباطل و إلا فهو في نفسه غير محرم. و المحكي من كلامه في الوافي أنه بعد حكاية الأخبار التي يأتي بعضها قال الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه اختصاص حرمة الغناء و ما يتعلق به من الأجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها بما كان علي النحو المعهود المتعارف في زمن الخلفاء [بني أمية و بني العباس] من دخول الرجال عليهن و تكلمهن بالأباطيل
المكاسب، ج‌1، ص 38
و لعبهن بالملاهي من العيدان و القصب و غيرهما دون ما سوي ذلك من أنواعه كما يشعر به قوله ع ليست بالتي يدخل عليها الرجال إلي أن قال و علي هذا فلا بأس بسماع التغني بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة و النار و التشويق إلي دار القرار و وصف نعم الله الملك الجبار و ذكر العبادات و الترغيب في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك كما أشير إليه في حديث الفقيه بقوله فذكرتك الجنة و ذلك لأن هذا كله ذكر الله و ربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلي ذكر الله.
و بالجملة فلا يخفي علي أهل الحجي بعد سماع هذه الأخبار تمييز حق الغناء عن باطله و أن أكثر ما يتغني به المتصوفة في محافلهم من قبيل الباطل انتهي.

[نقد ما أفاده المحدث الكاشاني]

[نقد ما أفاده المحدث الكاشاني]
أقول لو لا استشهاده بقوله ليست بالتي يدخل عليها الرجال أمكن بلا تكلف تطبيق كلامه علي ما ذكرناه من أن المحرم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي و التكلم بالأباطيل و دخول الرجال علي النساء لحظ السمع و البصر من شهوة الزني دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر أمور الآخرة و ينسي شهوات الدنيا. إلا أن استشهاده بالرواية ليست بالتي يدخل عليها الرجال ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه فإن صوت المغنية التي تزف العرائس علي سبيل اللهو لا محالة و لذا لو قلنا بإباحته فيما يأتي كنا قد خصصناه بالدليل

[نسبة ما قاله المحدث الكاشاني إلي صاحب الكفاية]

و نسب القول المذكور إلي صاحب الكفاية أيضا. و الموجود فيها بعد ذكر الأخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره

[كلام صاحب الكفاية في الجمع بين الأخبار]

اشارة

أن الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين أحدهما تخصيص تلك الأخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن و حمل ما يدل علي ذم التغني بالقرآن علي قراءة تكون علي سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في غنائهم و يؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة: اقرءوا القرآن بألحان العرب و إياكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر و سيجي‌ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء. و ثانيهما أن يقال و حاصل ما قال حمل الأخبار المانعة علي الفرد الشائع في ذلك الزمان قال و الشائع في ذلك الزمان الغناء علي سبيل اللهو من الجواري و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهي و التكلم بالباطل و إسماعهن الرجال فحمل المفرد المعرف يعني لفظ الغناء علي تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد. ثم ذكر رواية علي بن جعفر الآتية و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة و قوله ليست بالتي يدخل عليها الرجال مؤيدا لهذا الحمل قال إن فيه إشعارا بأن منشأ المنع في الغناء هو بعض الأمور المحرمة المقترنة به كالالتهاء و غيره إلي أن قال إن في عدة من أخبار المنع عن الغناء إشعارا بكونه لهوا باطلا و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الأذكار المقروة بالأصوات الطيبة المذكرة للجنة المهيجة للشوق إلي العالم الأعلي محل تأمل علي أن التعارض واقع بين أخبار الغناء و الأخبار الكثيرة المتواترة الدالة علي فضل قراءة القرآن و الأدعية و الأذكار بالصوت الحسن مع عمومها لغة و كثرتها و موافقتها للأصل. و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه فإذا لا ريب في تحريم الغناء علي سبيل اللهو و الاقتران بالملاهي و نحوهما ثم إن ثبت إجماع في غيره و إلا بقي حكمه علي الإباحة و طريق الاحتياط واضح انتهي

[نقد ما أفاده صاحب الكفاية]

أقول لا يخفي أن الغناء علي ما استفدناه من الأخبار بل و فتاوي الأصحاب و قول أهل اللغة هو من الملاهي نظير ضرب الأوتار و النفخ في القصب و المزمار و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الأعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج في حرمته إلي أن يقترن بالمحرمات الأخر كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.

[المظنون عدم إفتاء أحد بحرمة الصوت الحسن]

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معني التطريب توجه ما ذكر بل لا أظن أحدا يفتي بإطلاق حرمة الصوت الحسن. و الأخبار بمدح الصوت الحسن و أنه من أجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و أنه حلية القرآن و اتصاف الأنبياء و الأئمة به في غاية الكثرة

[الأخبار في مدح الصوت الحسن في غاية الكثرة]

و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر أن غير واحد من الأخبار يدل علي جواز الغناء في القرآن بل استحبابه بناء علي دلالة الروايات علي استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به و الظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء علي ما استفيد من كلام أهل اللغة و غيرهم علي ما فصلناه في بعض رسائلنا انتهي و قد صرح في شرح قوله ص: اقرءوا القرآن بألحان العرب إن اللحن هو الغناء. و بالجملة فنسبة الخلاف إليه في معني الغناء أولي من نسبة التفصيل إليه بل ظاهر أكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك لأنه في مقام نفي التحريم عن الصوت الحسن المذكر لأمور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا.

[ظهور بعض كلمات المحقق السبزواري و المحدث الكاشاني في ما نسب إليهما]

نعم بعض كلماتهما ظاهرة فيما نسب إليهما التفصيل في الصوت اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل قول بإطلاق جواز الغناء و أنه لا حرمة فيه أصلا و إنما الحرام ما يقترن به من المحرمات فهو علي تقدير صدق نسبته إليهما في غاية الضعف لا شاهد له يقيد الإطلاقات الكثيرة المدعي تواترها إلا بعض الروايات التي ذكراها

[بعض الروايات التي يمكن أن تكون شاهدة لما نسب إليهما]

اشارة

منها ما عن الحميري بسند لم يبعد في الكفاية إلحاقه بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن الغناء في الفطر و الأضحي و الفرح قال لا بأس به ما لم يعص به و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية و لا مقدمة للمعاصي المقارنة له و منها ما في كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحي و الفرح قال لا بأس ما لم يزمر به و الظاهر أن المراد بقوله ما لم يزمر به ما لم يلعب معه بالمزمار أو ما لم يكن الغناء بالمزمار و نحوه من آلات الأغاني. و رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ع عن كسب المغنيات فقال التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي إلي الأعراس لا بأس به و هو قول الله عز و جل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ و عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: أجر المغنية التي تزف العرائس لبس به بأس ليست بالتي يدخل عليها الرجال فإن ظاهر الثانية و صريح الأولي أن حرمة الغناء منوطة بما يقصد منه فإن كان المقصود إقامة مجلس اللهو حرم و إلا فلا. و قوله في الرواية و هو قول الله إشارة إلي ما ذكره من التفصيل و يظهر منه أن كلا الغناءين من لهو الحديث لكن يقصد بأحدهما إدخال الناس في المعاصي و الإخراج عن سبيل الحق و طريق الطاعة دون الآخر.

[توجيه الروايات]

و أنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار للإطلاقات لعدم ظهور يعتد به في دلالتها فإن الرواية الأولي لعلي بن جعفر
المكاسب، ج‌1، ص 39
ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل علي الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم و قد لا ينتهي إلي ذلك الحد فلا يعصي به و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلي بن جعفر ع فإن معني قوله لم يزمر به لم يرجع فيه ترجيع المزمار أو أن المراد من الزمر التغني علي سبيل اللهو. و أما رواية أبي بصير مع ضعفها سندا بعلي بن أبي حمزة البطائني فلا تدل إلا علي كون غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية و عدم دخول غناء التي تدعي إلي الأعراس فيه و هذا لا يدل علي دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا فإذا فرضنا أن المغني يغني بإشعار باطلة فدخول هذا في الآية أقرب من خروجه. و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب من أنها تطلب للتغني إما في المجالس المختصة بالنساء كما في الأعراس و إما للتغني في مجالس الرجال.

[عدم رفع اليد عن إطلاق الحرمة لأجل إشعار بعض الروايات بالجواز]

نعم الإنصاف أنه لا يخلو من إشعار بكون المحرم هو الذي يدخل فيه الرجال علي المغنيات لكن المنصف لا يرفع اليد عن الإطلاقات لأجل هذا الإشعار خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية و لو لخصوص مولاها كما تقدم من قوله ع: قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب فتأمل. و بالجملة فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص أظهر من أن يحتاج إلي الإظهار و ما أبعد ما بين هذا و بين ما سيجي‌ء من فخر الدين من عدم تجويز الغناء في الأعراس لأن الروايتين و إن كانتا نصين في الجواز إلا أنهما لا تقاومان الأخبار المانعة لتواترها. و أما ما ذكره في الكفاية من تعارض أخبار المنع للأخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل

و أما الثاني و هو الاشتباه في الموضوع

فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليدا لمن سبقه من أعياننا من منع صدق الغناء في المراثي و هو عجيب فإنه إن أراد أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه فهو تكذيب للعرف و اللغة. أما اللغة فقد عرفت و أما العرف فلأنه لا ريب في أن من سمع من بعيد صوتا مشتملا علي الإطراب المقتضي للرقص أو ضرب آلات اللهو لا يتأمل في إطلاق الغناء عليه إلي أن يعلم مواد الألفاظ و إن أراد أن الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء فهو تكذيب للحسن.

و أما الثالث و هو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع

اشارة

فقد حكي في جامع المقاصد قولا لم يسم قائله باستثناء الغناء في المراثي نظير استثنائه في الأعراس و لم يذكر وجهه و ربما وجهه بعض من متأخري المتأخرين لعمومات أدلة الإبكاء و الرثاء و قد أخذ ذلك مما تقدم عن صاحب الكفاية من الاستدلال بإطلاق أدلة قراءة القرآن.

[المناقشة فيه أن أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات]

و فيه أن أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات خصوصا التي تكون من مقدماتها فإن مرجع أدلة الاستحباب- إلي استحباب إيجاد الشي‌ء بسببه المباح لا بسببه المحرم أ لا تري أنه لا يجوز إدخال السرور في قلب المؤمن و إجابته بالمحرمات كالزنا و اللواط و الغناء و السر في ذلك أن دليل الاستحباب إنما يدل علي كون الفعل لو خلي و طبعه خاليا عما يوجب لزوم أحد طرفيه فلا ينافي ذلك طرو عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه كما إذا صار مقدمة لواجب أو صادفه عنوان محرم فأجابه المؤمن و إدخال السرور في قلبه ليس في نفسه شي‌ء ملزما لفعله أو تركه فإذا تحقق في ضمن الزني فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه كما أنه إذا أمر به الوالد أو السيد طرأ عليه عنوان ملزم لفعله. و الحاصل أن جهات الأحكام الثلاثة أعني الإباحة و الاستحباب و الكراهة لا تزاحم جهة الوجوب أو الحرمة فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدي الجهات الثلاث.

[الاستشهاد بالنبوي]

و يشهد لما ذكرنا من عدم تأدي المستحبات في ضمن المحرمات قوله ص: اقرءوا القرآن بألحان العرب و إياكم و لحون أهل الفسوق و الكبائر و سيجي‌ء بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم قال في الصحاح اللحن واحد الألحان و اللحون و منه الحديث اقرءوا القرآن بلحون العرب و قد لحن في قراءته إذا طرب بها و غرد و هو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء انتهي.

[ما أفاده صاحب الحدائق حول كلمة اللحن]

و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعني اللغة أي بلغة العرب و كأنه أراد باللغة اللهجة و تخيل أن إبقاءه علي معناه يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن.

[المناقشة في ما أفاده صاحب الحدائق]

و فيه ما تقدم من أن مطلق اللحن إذا لم يكن علي سبيل اللهو ليس غناء. و قوله ص و إياكم و لحون أهل الفسوق نهي عن الغناء في القرآن ثم إن في قوله لا يجوز تراقيهم إشارة إلي أن مقصودهم ليس تدبر معاني القرآن بل هو مجرد الصوت المطرب.

[لا منافاة بين حرمة الغناء في القرآن و بين ما روي في الترجيع بالقرآن]

و ظهر مما ذكرنا أنه لا تنافي بين حرمة الغناء في القرآن و ما ورد من قوله ع: و رجع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن فإن المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق و من المعلوم أن مجرد ذلك لا يكون غناء إذا لم يكن علي سبيل اللهو فالمقصود من الأمر بالترجيع أن لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء و لذا جعله نوعا منه في قوله ص يرجعون القرآن ترجيع الغناء. و في محكي شمس العلوم أن الترجيع ترديد الصوت مثل ترجيع أهل الألحان و القراءة و الغناء انتهي. و بالجملة فلا تنافي بين الخبرين و لا بينهما و بين ما دل علي حرمة الغناء حتي في القرآن كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية في بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره

[ما ذكره المحقق الأردبيلي في تأييد استثناء المراثي و المناقشة فيه]

تبعا لما ذكره المحقق الأردبيلي رحمه الله حيث إنه بعد ما وجه استثناء المراثي و غيرها من الغناء بأنه ما ثبت الإجماع إلا في غيرها. و الأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا أيد استثناء المراثي بأن البكاء و التفجع مطلوب مرغوب و فيه ثواب عظيم و الغناء معين علي ذلك و أنه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلي زماننا هذا من غير نكير ثم أيده بجواز النياحة و جواز أخذ الأجرة عليها و الظاهر أنها لا تكون إلا معه و بأن تحريم الغناء للطرب علي الظاهر و ليس في المراثي طرب بل ليس إلا الحزن انتهي. و أنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء علي الوجه الذي ذكرناه

[منع كون الغناء معينا علي البكاء]

أما كون الغناء معينا علي البكاء و التفجع فهو ممنوع بناء علي ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوي بل و علي ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب لأن الطرب الحاصل منه إن كان سرورا فهو مناف للتفجيع لا معين له و إن كان حزنا فهو علي ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد
المكاسب، ج‌1، ص 40
المشتهيات النفسانية لا علي ما أصاب سادات الزمان مع أنه علي تقدير الإعانة لا ينفع في جواز الشي‌ء كونه مقدمة لمستحب أو مباح بل لا بد من ملاحظة عموم دليل الحرمة له فإن كان فهو و إلا فيحكم بإباحته للأصل و علي أي حال فلا يجوز التمسك في الإباحة بكونه مقدمة لغير حرام لما عرفت

[توجيه كلام الأردبيلي في نفيه الطرب في المراثي]

ثم إنه يظهر من هذا و ما ذكر أخيرا من أن المراثي ليس فيها طرب أن نظره إلي المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها إلا للتفجع و كأنه لم يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو و المترفون من الرجال و النساء بها عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الأوتار و التغني بالقصب و المزمار كما هو الشائع في زماننا الذي قد أخبر النبي ص بنظيره في قوله يتخذون القرآن مزامير كما أن زيارة سيدنا و مولانا أبي عبد الله ع صار سفرها من أسفار اللهو و النزاهة لكثير من المترفين. و قد أخبر النبي ص بنظيره في سفر الحج: و أنه يحج أغنياء أمتي للنزهة و الأوساط للتجارة و الفقراء للسمعة و كان كلامه ص كالكتاب العزيز واردا في مورد و جاريا في نظيره. و الذي أظن أن ما ذكرناه في معني الغناء المحرم من أنه الصوت اللهوي أن هؤلاء و غيرهم غير مخالفين فيه و أما ما لم يكن علي جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل علي تحريمه لو فرض شمول الغناء له لأن مطلقات الغناء منزلة علي ما دل علي إناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الأخبار المتقدمة خصوصا مع انصرافها في أنفسها كأخبار المغنية إلي هذا الفرد.

بقي الكلام فيما استثناه المشهور

اشارة

و هو أمران

أحدهما الحداء

بالضم كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالإبل. و في الكفاية أن المشهور استثناؤه و قد صرح بذلك في شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس و علي تقدير كونه من الأصوات اللهوية كما يشهد به استثناؤهم إياه عن الغناء بعد أخذهم الإطراب في تعريفه فلم أجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الأخبار بالتحريم عدا رواية نبوية ذكرها في المسالك من تقرير النبي ص لعبد الله بن رواحة حيث حدا للإبل و كان حسن الصوت و في دلالته و سنده ما لا يخفي.

الثاني غناء المغنية في الأعراس

إذا لم يكتنف بها محرم آخر من التكلم بالأباطيل و اللعب بآلات الملاهي المحرمة و دخول الرجال علي النساء و المشهور استثناؤه للخبرين المتقدمين عن أبي بصير في أجر المغنية التي تزف العرائس و نحوهما ثالث عنه أيضا. و إباحة الأجر لازمة لإباحة الفعل و دعوي أن الأجر لمجرد الزف لا للغناء عنده مخالفة للظاهر لكن في سند الروايات أبو بصير و هو غير صحيح و الشهرة علي وجه يوجب الانجبار غير ثابتة لأن المحكي عن المفيد رحمه الله و المرتضي و ظاهر الحلبي و صريح الحلي و التذكرة و الإيضاح بل كل من لم يذكر الاستثناء بعد التعميم المنع. لكن الإنصاف أن سند الروايات و إن انتهت إلي أبي بصير إلا أنه لا يخلو من وثوق فالعمل بها تبعا للأكثر غير بعيد و إن كان الأحوط كما في الدروس الترك و الله العالم
الغيبة

الرابعة عشرة الغيبة حرام بالأدلة الأربعة

و يدل عليه من الكتاب

قوله تعالي وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ فجعل المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكه به أكلا و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.
و قوله تعالي وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ و قوله تعالي لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ و قوله تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

و يدل عليه من الأخبار

ما لا يحصي فمنها ما روي عن النبي ص بعده طرق: أن الغيبة أشد من الزني و إن الرجل يزني فيتوب و يتوب الله عليه و إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه و عنه ص: أنه خطب يوما فذكر الربا و عظم شأنه فقال إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثين زنية و إن أربي الربا عرض الرجل المسلم و عنه ص: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه و عنه ص: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير و عنه ع: كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة فاجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار و عنه ع: من مشي في غيبة أخيه و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم و روي: أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة و إن لم يتب فهو أول من يدخل النار و عنه ص: إن الغيبة حرام علي كل مسلم و إن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب و أكل الحسنات إما أن يكون علي وجه الإحباط أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه أو لأنها تنقل الحسنات إلي المغتاب كما في غير واحد من الأخبار. و منها النبوي ص: يؤتي بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع إليه كتابه فلا يري حسناته فيه فيقول إلهي ليس هذا كتابي لا أري فيه حسناتي فيقال له إن ربك لا يضل و لا ينسي ذهب عملك باغتياب الناس ثم يؤتي بآخر و يدفع إليه كتابه فيري فيه طاعات كثيرة فيقول إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات فيقال له إن فلانا اغتابك فدفعت حسناته إليك الخبر و منها ما ذكره كاشف الريبة رحمه الله رواية عن عبد الله بن سليمان النوفلي الطويلة عن الصادق ع و فيها عن النبي ص: أدني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها أولئك لا خلاق لهم و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع أنه: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعت أذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

ثم إن ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة من الكبائر

كما ذكر جماعة بل أشد من بعضها- و عد في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة و يمكن إرجاع الغيبة إليها فأي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه و عدم شعوره بذلك. و كيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر إظهار في غير المحل

ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن

فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الإسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة و حل ذبائحهم و مناكحتهم
المكاسب، ج‌1، ص 41
و حرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة و نسائهم لأن لكل قوم نكاحا و نحو ذلك مع أن التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت إخوته فلا يعم من وجب التبري عنه و كيف كان فلا إشكال في المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمه حرمتها و في حال غير المؤمن في نظر الشارع.

ثم الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها

لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة علي حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالي وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ في الدين مضافا إلي إمكان الاستدلال بالآية و إن كان الخطاب للمكلفين بناء علي عد أطفالهم منهم تغليبا و إمكان دعوي صدق المؤمن عليه مطلقا أو في الجملة و لعله لما ذكرنا صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير و الكبير و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا

و منه يظهر حكم المجنون

إلا أنه صرح بعض الأساطين باستثناء من لا عقل له و لا تمييز معللا بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة و لعله من جهة أن الإطلاقات منصرفة إلي من يتأثر لو سمع و سيتضح ذلك زيادة علي ذلك.

بقي الكلام في أمور

الأول [حقيقة] الغيبة

اشارة

اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب ففي المصباح اغتابه إذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق و الاسم الغيبة و عن القاموس غابه أي عابه و ذكره بما فيه من السوء و عن النهاية أن يذكر الإنسان في غيبته بسوء مما يكون فيه. و الظاهر من الكل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب أن المراد ذكره في مقام الانتقاص و المراد بالموصول هو نفس النقص الذي فيه و الظاهر من الكراهة في عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا فالمراد إما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده كالميل إلي القبائح و إما كراهة ذكره بذلك العيب. و علي هذا التعريف دلت جملة من الأخبار مثل: قوله ع و قد سأله أبو ذر عن الغيبة أنها ذكرك أخاك بما يكرهه و في نبوي آخر قال ص: أ تدرون ما الغيبة قالوا الله و رسوله أعلم قال ذكركم أخاكم بما يكرهه

[ما قاله في جامع المقاصد في حقيقة الغيبة]

و لذا قال في جامع المقاصد إن حد الغيبة علي ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه. و المراد بما يكرهه كما تقدم في عبارة المصنف ما يكرهه ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام أم لا كالميل إلي القبائح و يحتمل أن يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر الشخص به و يكون كراهته إما لكونه إظهارا للعيب و إما لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم يكن العيب مما يكره إظهاره لكونه ظاهرا بنفسه و إما لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به كالألقاب المشعرة بالذم قال في الصحاح الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه. و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه

بل في كلام بعض من قارب عصرنا

أن الإجماع و الأخبار متطابقان علي أن حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكره لو سمعه سواء أ كان بنقص في نفسه أو بدنه أو دينه أو دنياه أو فيما يتعلق به من الأشياء و ظاهره أيضا إرادة الكلام المكروه.

و قال الشهيد الثاني في كشف الريبة

أن الغيبة ذكر الإنسان في حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم و يخرج علي هذا التعريف ما إذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع أنه داخل في التعريف عند الشهيد أيضا حيث عد من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها كالأعمش و الأعور و نحوهما. و كذلك ذكر عيوب الجارية التي يراد شراؤها إذا لم يقصد من ذكرها إلا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات و دعوي أن قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا.

[أولي التعاريف بملاحظة الأخبار و كلمات الأصحاب]

و الأولي بملاحظة ما تقدم من الأخبار و كلمات الأصحاب بناء علي إرجاع الكراهة إلي الكلام المذكور به لا إلي الوصف ما تقدم من أن الغيبة أن يذكر الإنسان بكلام يسوؤه إما بإظهار عيبه المستور و إن لم يقصد انتقاصه و إما بانتقاصه بعيب غير مستور إما بقصد التكلم أو بكون الكلام بنفسه منقصا له كما إذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم. نعم لو أرجعت الكراهة إلي الوصف الذي يسند إلي الإنسان تعين إرادة كراهة ظهورها فيختص بالقسم الأول و هو ما كان إظهارا لأمر مستور.

و يؤيد هذا الاحتمال بل يعينه الأخبار المستفيضة الدالة علي اعتبار كون المقول مستورا غير منكشف

مثل قوله ع فيما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: الغيبة أن تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه و رواية داود بن سرحان المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد الله ع عن الغيبة قال هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمر قد ستره الله تعالي عليه لم يقم عليه فيه حد و رواية أبان عن رجل لا يعلمه إلا يحيي الأزرق قال: قال لي أبو الحسن ع من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس فقد اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته و حسنة عبد الرحمن بن سيابة بابن هاشم قال قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه و أما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه و هذه الأخبار كما تري صريحة في اعتبار كون الشي‌ء غير منكشف. و يؤيد ذلك ما في الصحاح من أن الغيبة أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة و إن كان كذبا سمي بهتانا فإن أراد من المستور من حيث ذلك المقول وافق الأخبار و إن أراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة.

و الملخص من مجموع ما ورد في المقام أن الشي‌ء المقول إن لم يكن نقصا

فلا يكون ذكر الشخص حينئذ غيبة و إن اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه نظير ما إذا نفي عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا في حقه إلا أنه معتقد باجتهاد نفسه. نعم قد يحرم هذا من وجه آخر

و إن كان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب

فإن كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس و أراد القائل تنقيص المغتاب به فهو المتيقن من أفراد الغيبة و إن لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر من مشي في غيبة أخيه و كشف عورته. و في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال: قلت عورة المؤمن علي المؤمن حرام قال نعم قلت تعني سفلتيه قال ليس حيث تذهب إنما هي إذاعة سره و في رواية محمد بن فضل عن أبي الحسن ع: و لا
المكاسب، ج‌1، ص 42
تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروته فتكون من الذين قال الله عز و جل في كتابه إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و لا يقيد إطلاق النهي بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة بل الظاهر أن المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها مع أنه لا فائدة كثيرة في التنبيه علي دخول القاصد لإشاعة الفاحشة في عموم الآية و إنما يحسن التنبيه علي أن قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم يقصده بعنوانه.

[إذاعة ما يوجب مهانة المؤمن هل هي غيبة أم لا]

و كيف كان فلا إشكال من حيث النقل و العقل في حرمة إذاعة ما يوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعين الناس في الجملة. و إنما الكلام في أنها غيبة أم لا مقتضي الأخبار المتقدمة بأسرها ذلك خصوصا المستفيضة الأخيرة فإن التفصيل فيها بين الظاهر و الخفي إنما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص و أما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة و المنفي في تلك الأخبار و إن كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة إلا أن ظاهر سياقها نفي الحرمة فيما عداها أيضا لكن مقتضي ظاهر التعريف المتقدم عن كشف الريبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص و الذم إلا أن يراد اعتبار ذلك فيما يقع علي وجهين دون ما لا يقع إلا علي وجه واحد فإن قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له

و إن كان المقول نقصا ظاهرا للسامع

فإن لم يقصد القائل الذم و لم يكن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظير الألقاب المشعرة به فالظاهر أنه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه لا من حيث الإظهار و لا من حيث ذم المتكلم و لا من حيث الإشعار و إن كان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتكلم التعيير و المذمة لوجوده فلا إشكال في حرمة الثاني بل و كذا الأول لعموم ما دل علي حرمة إيذاء المؤمن و إهانته- و حرمة التنابز بالألقاب و حرمة تعيير المؤمن علي صدور معصية منه فضلا عن غيرها. ففي عدة من الأخبار: من عير مؤمنا علي معصية لم يمت حتي يرتكبه و إنما الكلام في كونهما من الغيبة فإن ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها. و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء علي إرجاع الكراهة فيها إلي كراهة الكلام الذي يذكر به الغير و كذلك كلام أهل اللغة عدا الصحاح علي بعض احتمالاته كونهما غيبة. و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة و إن كان ظاهر الأكثر خلافه فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة التي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر ليس غيبة- فلا يحرم إلا إذا ثبتت الحرمة من حيث المذمة و التعيير أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب و لو باعتبار بعض التعبيرات فيحرم من جهة الإيذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

[عدم الفرق في النقص بين أن يكون في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه]

ثم الظاهر المصرح به في بعض الروايات- عدم الفرق في ذلك علي ما صرح به غير واحد بين ما كان نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتي في ثوبه أو داره أو دابته أو غير ذلك. و قد روي عن مولانا الصادق ع الإشارة إلي ذلك بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه

[ما أفاده بعض في بيان وجوه النقص]

قيل أما البدن فكذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه. و أما النسب فبأن تقول أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو إسكاف أو حائك أو نحو ذلك مما يكره. و أما الخلق فبأن تقول إنه سيئ الخلق بخيل مراء متكبر شديد الغضب جبان ضعيف القلب و نحو ذلك. و أما في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك إنه سارق كذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع و السجود و لا يجتنب من النجاسات ليس بارا بوالديه لا يحرس نفسه من الغيبة و التعرض لإعراض الناس. و أما أفعاله المتعلقة بالدنيا فكقولك إنه قليل الأدب متهاون بالناس لا يري لأحد عليه حقا كثير الكلام كثير الأكل نئوم يجلس في غير موضعه. و أما في ثوبه فكقولك إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب و نحو ذلك.

[حرمة الاغتياب بغير اللسان من الفعل و الإشارة]

ثم إن ظاهر النص و إن كان منصرفا إلي الذكر باللسان لكن المراد حقيقة الذكر فهو مقابل الإغفال فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الإشارة و غيرها فهو ذكر له و من ذلك المبالغة في تهجين المطلب الذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الإزراء بحال ذلك المصنف فإن قولك إن هذا المطلب بديهي البطلان تعريض لصاحبه بأنه لا يعرف البديهيات- بخلاف ما إذا قيل إنه مستلزم لما هو بديهي البطلان لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل إلي الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهي البطلان و لعل الملازمة نظرية و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلي بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه- أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده علي غيره و الاستيكال بالعلم.

ثم إن دواعي الغيبة كثيرة

روي عن مولانا الصادق ع التنبيه عليها إجمالا بقوله ع: أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع شفاء غيظ و مساعدة قوم و تصديق خبر بلا كشف- و تهمة و سوء ظن و حسد و سخرية و تعجب و تبرم و تزين- إلي آخر الخبر.

ثم إن ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة و قد يخفي علي النفس لحب أو بغض

فيري أنه لم يغتب و قد وقع في أعظمها و من ذلك أن الإنسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به أخوه في الدين لأجل أمر يرجع إلي نقص في فعله أو رأيه فيذكره المغتم في مقام التأسف عليه بما يكره ظهوره للغير مع أنه كان يمكنه بيان حاله للغير علي وجه لا يذكر اسمه ليكون قد أحرز ثواب الاغتمام علي ما أصاب المؤمن لكن الشيطان يخدعه و يوقعه في ذكر الاسم.

بقي الكلام في أنه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب

أو يكفي ذكره عند نفسه ظاهر الأكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين.
نعم ربما يستثني من حكمها عند من استثني ما لو علم اثنان صفة شخص فيذكر أحدهما بحضرة الآخر و أما علي ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة إلي ما دلت عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك سر مستور فلا يدخل ذلك في الغيبة.

[حكم غيبة شخص مجهول]

و منه يظهر أيضا أنه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب
المكاسب، ج‌1، ص 43
مجهولا عند المخاطب مرددا بين أشخاص غير محصورة كما إذا قال جاءني اليوم رجل بخيل دني ذميم فإن ظاهر تعريف الأكثر دخوله و إن خرج عن الحكم بناء علي اعتبار التأثير عند السامع و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة و التعيير حرم من هذه الجهة فيجب علي السامع نهي المتكلم عنه إلا إذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم علي المصلحة كما سيجي‌ء في مسألة الاستماع و الظاهر أن الذم و التعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم و التعبير في موقعهما بأن كان مستحقا لهما- و إن لم يستحق مواجهته بالذم أو ذكره عند غيره بالذم

هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها علي الإطلاق أما لو كان مرددا بين أشخاص

فإن كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه علي الإطلاق كما لو قال جاءني عجمي أو عربي كذا و كذا إذا لم يكن الذم راجعا إلي العنوان كأن يكون في المثالين تعريض إلي ذم تمام العجم أو العرب و إن كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كأن يقول أحد ابني زيد أو أحد أخويه كذا و كذا ففي كونه اغتيابا لكل منهما لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب و عدمه لعدم تهتك ستر العيوب منهما كما لو قال أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا و إن كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة إلي المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال أو كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما و إساءة بالنسبة إلي غيره لأنه هتك بالنسبة إليه لأنه إظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركيه في احتمال المعيب فيكون الاطلاع عليه قريبا. و أما الآخر فقد أساء بالنسبة إليه حيث عرضه لاحتمال العيب وجوه

[ما حكاه في جامع المقاصد عن بعض الفضلاء]

قال في جامع المقاصد و يوجد في كلام بعض الفضلاء أن من شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا و إلا فلا تعد غيبة فلو قال عن أهل بلدة غير محصورين ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبته لم يحتسب غيبته انتهي.

[نقد ما أفاده الفاضل المذكور]

أقول إن أراد أن ذم جمع غير محصور لا يعد غيبة و إن قصد انتقاص كل منهم كما لو قال أهل هذه القرية أو هذه البلدة كلهم كذا و كذا فلا إشكال في كونها غيبة محرمة و لا وجه لإخراجه عن موضوعها أو حكمها و إن أراد ذم المتردد بين غير المحصور لا يعد غيبة فلا بأس كما ذكرنا و لذا ذكر بعض تبعا لبعض الأساطين في مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قرية مع قيام القرينة علي عدم إرادة الجمع كذم العرب أو العجم أو أهل الكوفة أو البصرة أو بعض القري انتهي. و لو أراد الأغلب ففي كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه ما تقدم في المحصور
و بالجملة فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة و بينهما عموم من وجه.

الثاني في كفارة الغيبة الماحية لها

اشارة

و مقتضي كونها من حقوق الناس توقف رفعها علي إسقاط صاحبها حقه.

أما كونها من حقوق الناس

فلأنه ظلم علي المغتاب و للأخبار في أن من حق المؤمن علي المؤمن أن لا يغتابه و أن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله و أما توقف رفعها علي إبراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل-

[الأخبار الدالة علي توقف رفعها علي إبراء ذي الحق]

منها ما تقدم من أن الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها و أنها نافلة للحسنات و السيئات. و منها ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل إلي علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص: للمؤمن علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة منها إلا بأدائها أو العفو إلي أن قال سمعت رسول الله ص يقول إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له و عليه و النبوي المحكي في السرائر و كشف الريبة: من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار فيؤخذ من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فتتزايد علي سيئاته و في نبوي آخر: من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة إلا أن يغفر له صاحبه. و في دعاء التاسع و الثلاثين من أدعية الصحيفة السجادية و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل علي هذا المعني أيضا.

[عدم الفرق بين التمكن من الاستبراء و تعذره]

و لا فرق في مقتضي الأصل و الأخبار بين التمكن من الوصول إلي صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق كما في غير هذا المقام

[النبوي المعارض للإطلاقات المتقدمة]

لكن روي السكوني عن أبي عبد الله ع عن النبي ص: إن كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته و لو صح سنده أمكن تخصيص الإطلاقات المتقدمة به فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلي البراءة مع احتمال العدم أيضا لأن كون الاستغفار كفارة لا يدل علي البراءة فلعله كفارة للذنب من حيث كونه حقا لله تعالي- نظير كفارة قتل الخطاء التي لا توجب براءة القاتل إلا أن يدعي ظهور السياق في البراءة.

[ما أفاده في كشف الريبة في الجمع بين النبويين المتعارضين]

قال في كشف الريبة بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار- علي من لم تبلغه غيبته المغتاب فينبغي له الاقتصار علي الدعاء و الاستغفار لأن في محالته إثارة للفتنة و جلبا للضغائن و في حكم من لم تبلغه من لم يقدر علي الوصول إليه لموت أو غيبة و حمل المحالة علي من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة

[ما أفاده المؤلف]

أقول إن صح النبوي الأخير سندا فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلي البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء و إلا تعين طرحه و الرجوع إلي الأصل لإطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرئ آخر. نعم أرسل بعض من قارب عصرنا عن الإمام الصادق ع: أنك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم يبلغه فاستغفر الله له و في رواية السكوني المروية في الكافي في باب الظلم عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فإنه كفارة له

و الإنصاف أن الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند

و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال و الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب بالفتح- علي المغتاب بالكسر تقتضي عدم الخروج منه إلا بالاستحلال خاصة لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعني وجوب البراءة منه ليس إلا الأخبار غير نقية السند مع أن السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة- لذكر حقوق أخري في الروايات لا قائل بوجوب البراءة منها. و معني
المكاسب، ج‌1، ص 44
القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما لا يخفي علي من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي.

[مختار المؤلف في المسألة]

فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعني وجوب البراءة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة و إن كان الاحتياط في خلافه بل لا يخلو عن قرب من جهة كثرة الأخبار الدالة علي وجوب الاستبراء منها بل اعتبار سند بعضها و الأحوط الاستحلال إن تيسر و إلا الاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

الثالث فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها بالمعني الأعم

. [استثناء ما فيه مصلحة عظمي]

فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غيرها- أن حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه فإذا فرض هناك مصلحة راجعة إلي المغتاب بالكسر أو بالفتح أو ثالث دل العقل أو الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد. قال في جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة إن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو إضحاك الناس منه و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل و رد من ادعي نسبا ليس له و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين انتهي و في كشف الريبة اعلم أن المرخص في ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا بها انتهي. و علي هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر في عدد

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة

أحدهما ما إذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق

اشارة

فإن من لم يبال بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق نعم لو كان في مقام ذمه كرهه من حيث المذمة لكن المذمة علي الفسق المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه. و قد تقدم عن الصحاح أخذ المستور في المغتاب

[الأخبار المستفيضة الدالة علي الجواز]

و قد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر منها قوله ع في رواية هارون بن الجهم:
إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة و قوله ع: من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له و رواية أبي البختري: ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوي مبتدع و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه و مفهوم قوله ع: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته و ظهرت عدالته و وجبت إخوته و حرمت غيبته و في صحيحة ابن أبي يعفور الواردة: في بيان العدالة بعد تعريف العدالة أن الدليل علي ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته دل علي ترتب حرمة التفتيش علي كون الرجل ساترا فتنتفي عند انتفائه. و مفهوم قوله ع في رواية علقمة المحكية عن المحاسن: من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و إن كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالي داخل في ولاية الشيطان إلي آخر الخبر دل علي ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر و كونه من أهل العدالة علي طريق اللف و النشر أو علي اشتراط الكل- بكون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهود عليه بها و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر.
و كون قوله من اغتابه إلي آخره جملة مستأنفة غير معطوفة علي الجزاء خلاف الظاهر.

[عدم اعتبار قصد الغرض الصحيح في غيبة المتجاهر]

ثم إن مقتضي إطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر. نعم تقدم عن الشهيد الثاني- احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوي عدمه

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به

صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز و حكي عن الشهيد أيضا. و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر هو الجواز و استظهره في الحدائق من كلام جملة من الإعلام و صرح به بعض الأساطين.
و ينبغي إلحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح فمن تجاهر باللواط العياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجنبيات و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح و لعل هذا هو المراد بمن ألقي جلباب الحياء لا من تجاهر بمعصية خاصة و عد مستورا بالنسبة إلي غيرها كبعض عمال الظلمة

ثم المراد بالمتجاهر

من تجاهر بالقبيح بعنوان أنه قبيح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده إلا القليل كما إذا كان من عمال الظلمة ادعي في ذلك عذرا مخالفا للواقع أو غير مسموع منه لم يعد متجاهرا. نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن التجاهر

و لو كان متجاهرا عند أهل بلده أو محلته مستورا عند غيرهم

هل يجوز ذكره عند غيرهم ففيه إشكال من إمكان دعوي ظهور روايات المرخصة فيمن لا يستنكف عن الإطلاق علي عمله مطلقا فرب متجاهر في بلده متستر في بلاد الغربة أو في طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس. و بالجملة فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام علي الإطلاق وجب الاقتصار علي ما تيقن خروجه فالأحوط الاقتصار علي ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير. نعم لو تأذي من ذمه بذلك دون ظهوره لم يقدح في الجواز و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا

و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة

حيث إن مناط الأول المذمة و التنقيص فيجوز و مناط الثاني إظهار عيوبه فلا يجوز إلا بمقدار الرخصة.

الثاني تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم

اشارة

و إن كان متسترا به كما إذا ضربه في الليل الماضي و شتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه

[أدلة الاستثناء]

لظاهر قوله تعالي وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ و قوله تعالي لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فعن تفسير القمي أنه لا يحب الله أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و يظلم إلا من ظلم فقد أطلق له
المكاسب، ج‌1، ص 45
أن يعارضه بالظلم و عن تفسير العياشي عنه ع: من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه و هذه الرواية و إن وجب توجيهها إما بحمل الإساءة علي ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم أو بغير ذلك إلا أنها دالة علي عموم من ظلم في الآية الشريفة و أن كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم و نحوها في وجوب التوجيه رواية أخري في هذا المعني محكية عن المجمع: إن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله

و يؤيد الحكم فيما نحن فيه أن في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما

و لأن في تشريع الجواز مظنة ردع للظالم و هي مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز لأن الأحكام تابعة للمصالح. و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر بناء علي أن عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره و إلا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق و في النبوي: لصاحب الحق مقال.

[هل يقيد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه]

و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه بسببه و قواه بعض الأساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه فقيدوه اقتصارا في مخالفة الأصل علي المتيقن من الأدلة لعدم عموم في الآية و عدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية مع أن المروي عن الإمام الباقر ع في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان أنه: لا يحب الله الشتم في الانتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين. قال في الكتاب المذكور و نظيره وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية و مقتضاه الاقتصار علي مورد رجاء تدارك الظلم فلو لم يكن قابلا للتدارك لم تكن فائدة في هتك الظالم

[ظاهر بعض الأخبار جواز الاشتكاء لترك الأولي]

و كذا لو لم يكن ما فعل به ظلما- بل كان من ترك الأولي و إن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك فعن الكافي و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان قال: دخل رجل علي أبي عبد الله ع فشكا إليه رجلا من أصحابه فلم يلبث إن جاء المشكو عليه فقال أبو عبد الله ع ما لفلان يشكوك فقال له يشكوني أني استقضيت منه حقي قال فجلس أبو عبد الله ع مغضبا ثم قال فقال كأنك إذا استقضيت حقك لم تسئ أ رأيت ما حكي الله عز و جل في كتابه وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ أ تري أنهم خافوا الله عز و جل أن يجوز عليهم لا و الله ما خافوا إلا الاستقضاء فسماه الله عز و جل سوء الحساب فمن استقضي فقد أساء و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي قال: كان عنده قوم يحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه و شكاه فقال له أبو عبد الله ع و أني لك بأخيك الكامل و أي الرجال المهذب فإن الظاهر من الجواب أن الشكوي إنما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب. و مع ذلك كله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوي من مصلحة احترام المغتاب كما أن الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها

فيبقي من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها

منها نصح المستشير

فإن النصيحة واجبة للمستشير فإن خيانته قد تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب. و كذلك النصح من غير استشاره فإن من أراد تزوج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة و الفساد فلا ريب أن التنبيه علي بعضها و إن أوجب الوقيعة فيها أولي من ترك نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه.

و منها الاستفتاء

بأن يقول للمفتي ظلمني فلان في حقي فكيف طريقي في الخلاص هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا علي ذكر الظالم بالخصوص و إلا فلا يجوز
[حكاية هند زوجة أبي سفيان]
و يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة أبي سفيان و اشتكائها إلي رسول الله ص و قولها إنه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي فلم يرد ص عليها غيبة أبي سفيان. و لو نوقش في هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال: جاء رجل إلي النبي ص فقال إن أمي لا تدفع يد لامس فقال احبسها قال قد فعلت فقال ص فامنع من يدخل عليها قال قد فعلت قال ص فقيدها فإنك لا تبرها بشي‌ء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز و جل إلي آخر الخبر و احتمال كونها متجاهرة مدفوع بالأصل.

و منها قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله

فإنه أولي من ستر المنكر عليه فهو في الحقيقة إحسان في حقه مضافا إلي عموم أدلة النهي عن المنكر.

و منها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس

كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس و يدل عليه مضافا إلي أن مصلحة دفع فتنته عن الناس أولي من ستر المغتاب ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات.

و منها جرح الشهود

فإن الإجماع دل علي جوازه و لأن مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق أولي من الستر علي الفاسق و مثله بل أولي بالجواز جرح الرواة فإن مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و يلحق بذلك الشهادة بالزني و غيره لإقامة الحدود.

و منها دفع الضرر عن المغتاب و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة

من عدة أحاديث و قد بين ذلك الإمام ع بقوله في بعض ما أمر به عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه: اقرأ مني علي والدك السلام فقل له إنما أعيبك دفاعا مني عنك فإن الناس يسارعون إلي كل من قربناه و حمدناه لإدخال الأذي عليه فيمن نحبه و نقربه و يذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوة منا و يرون إدخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عيبناه نحن و إنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت منا بميلك إلينا و أنت في ذلك مذموم غير محمود الأمر بمودتك لنا و ميلك إلينا فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك يقول الله عز و جل أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً هذا التنزيل من عند الله ألا و الله ما عابها إلا لكي
المكاسب، ج‌1، ص 46
تسلم من الملك و لا تغصب علي يديه و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد لله فافهم المثل رحمك الله فإنك أحب الناس إلي و أحب أصحاب أبي إلي حيا و ميتا و إنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر و إن وراءك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا و يغصب أهلها فرحمة الله عليك حيا و رحمة الله عليك ميتا إلي آخر الخبر.

و يلحق بذلك الغيبة للتقية علي نفس المتكلم

أو ماله أو عرضه أو علي ثالث فإن الضرورات تبيح المحظورات.

و منها ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة له

التي لا يعرف إلا بها كالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول و نحوها و في الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء إلي نساء رسول الله ص. و لا بأس بذلك فيما إذا صارت الصفة في اشتهار يوصف الشخص بها إلي حيث لا يكره ذلك صاحبها و عليه يحمل ما صدر عن الإمام ع و غيره من العلماء الأعلام لكن كون هذا مستثني مبني علي كون مجرد العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة و قد منعنا ذلك سابقا إذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونها إظهارا لعيب غير ظاهر و المفروض عدم قصد الذم أيضا اللهم إلا أن يقال إن الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به يكره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم بها فإن إشعارها بالذم كاف في الكراهة.

و منها [ذكر الشخص بما لا يؤثر عند السامع شيئا لكونه عالما به]

ما حكاه في كشف الريبة عن بعض من أنه إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجري أحدهما ذكره في غيبته ذلك العاصي جاز لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا و إن كان الأولي تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك أو خوف اشتهارها عنهما انتهي. أقول إذا فرض عدم كون ذكرهما في مقام التعيير و المذمة و ليس هنا هتك ستر أيضا فلا وجه للتحريم و لا لكونها غيبة إلا علي ظاهر بعض التعاريف المتقدمة.
و منها رد من ادعي نسبا ليس له
فإن مصلحة حفظ الأنساب أولي من مراعاة حرمة المغتاب

و منها القدح في مقالة باطلة

و إن دل علي نقصان قائلها إذا توقف حفظ الحق و إضاعة الباطل عليه و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلي من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم يعرف له وجه مع شيوعه بينهم من قديم الأيام ثم إنهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة إلي ذكرها بعد ما قدمنا أن الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة علي مفسدة هتك احترام المؤمن و هذا يختلف باختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن فإنها متدرجة في القوة و الضعف فرب مؤمن لا يساوي عرضه شي‌ء فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع يحرم استماع الغيبة بلا خلاف

اشارة

فقد ورد: أن السامع للغيبة أحد المغتابين. و الأخبار في حرمته كثيرة إلا أن ما يدل علي كونه من الكبائر كالرواية المذكورة و نحوها ضعيفة السند ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها

و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع

و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم- فالمحكي جواز الاستماع من احتمال كونه متجاهرا إلا مع العلم بعدمه.

قال في كشف الريبة إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة

و لا عدمه قيل لا يجب نهي القائل لإمكان الاستحقاق فيحمل فعل القائل علي الصحة ما لم يعلم فساده لأن ردعه يستلزم انتهاك حرمته و هو أحد المحرمين ثم قال و الأولي التنزيه عن ذلك حتي يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها و هو دليل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل و لأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول فيه بالنسبة إلي السامع مع احتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة انتهي أقول و المحكي بقوله قيل لا دلالة فيه علي جواز الاستماع و إنما يدل علي عدم وجوب النهي عنه و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل لأن السامع أحد المغتابين فكما أن المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا إذا علم التجاهر المسوغ كذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا إذا علم التجاهر و إما نهي القائل فغير لازم مع دعوي القائل العذر المسوغ بل مع احتماله في حقه و إن اعتقد الناهي عدم التجاهر. نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه

[مختار المؤلف]

هذا و لكن الأقوي جواز الاستماع إذا جاز للقائل لأنه قول غير منكر فلا يحرم الإصغاء إليه للأصل. و الرواية علي تقدير صحتها تدل علي أن السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك فتكون دليلا علي الجواز فيما نحن فيه. نعم لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها فإن جاز السامع التكلم بغيبة جاز سماعها و إن حرم عليه حرم سماعها أيضا لكانت الرواية علي تقدير صحتها دليلا للتحريم فيما نحن فيه لكنه خلاف الظاهر من الرواية علي تقدير قراءة المغتابين بالتثنية و إن كان هو الظاهر علي تقدير قراءته بالجمع لكن هذا التقدير خلاف الظاهر و قد تقدم في مسألة التشبيب أنه إذا كان شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع

ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة

. فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر رضوان الله عليه عن النبي ص: من اغتيب عنده أخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره نصره الله تعالي في الدنيا و الآخرة و إن خذله و هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا و الآخرة و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه ع في وصية النبي ص لعلي ع. و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي ص: من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتابه و عن الصدوق بإسناده عن الصادق ع في حديث الملاهي عن النبي ص: من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة إلي آخر الخبر. و لعل وجه زيادة عقابه أنه إذا لم يرده تجري المغتاب علي الغيبة فيصر علي هذه الغيبة و غيرها

[المراد بالرد الانتصار للغائب لا صرف النهي عن الغيبة]

و الظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة و المراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة فإن كان عيبا دنيويا انتصر له بأن العيب ليس إلا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبأ الله به و إن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية فإن لم يقبل
المكاسب، ج‌1، ص 47
التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية فينبغي أن تستغفر له و تهتم له لا أن تعيره و أن تعييرك إياه لعله أعظم عند الله من معصيته و نحو ذلك. ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة
. فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر رضوان الله عليه عن النبي ص: من اغتيب عنده أخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره نصره الله تعالي في الدنيا و الآخرة و إن خذله و هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا و الآخرة و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه ع في وصية النبي ص لعلي ع. و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي ص: من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتابه و عن الصدوق بإسناده عن الصادق ع في حديث الملاهي عن النبي ص: من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة إلي آخر الخبر. و لعل وجه زيادة عقابه أنه إذا لم يرده تجري المغتاب علي الغيبة فيصر علي هذه الغيبة و غيرها

[الأخبار الواردة في عقوبة ذي اللسانين و ذمه]

ثم إنه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره و هذا و إن كان في نفسه مباحا إلا أنه إذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذا لسانين يوم القيامة و تتأكد حرمتها و لذا ورد في المستفيضة أنه يجي‌ء ذو لسانين يوم القيامة و له لسانان من النار فإن لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار إلا أنه إذا انضم إلي لسان الذم في الغياب صار كذلك. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال رسول الله ص:
من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بينهما من العصمة و عن الباقر ع: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطرأ أخاه شاهدا و يأكله غائبا إن أعطي حسده و إن ابتلي خذله

[البهتان أغلظ تحريما من الغيبة]

و اعلم أنه قد يطلق الاغتياب علي البهتان و هو أن يقال في شخص ما ليس فيه و هو أغلظ تحريما من الغيبة و وجهه ظاهر لأنه جامع بين مفسدتي الكذب و الغيبة و يمكن القول بتعدد العقاب- من جهة كل من العنوانين و المركب. و في رواية علقمة عن الصادق ع حدثني أبي عن آبائه ع عن رسول الله ص أنه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير.

خاتمة في بعض ما ورد من حقوق المسلم علي أخيه

اشارة

ففي صحيحة مرازم عن أبي عبد الله ع: ما عبد الله بشي‌ء أفضل من أداء حق المؤمن و روي في الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن علي الجعابي عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال: قال رسول الله ص للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو يغفر زلته و يرحم عبرته و يستر عورته و يقيل عثرته و يقبل معذرته و يرد غيبته و يديم نصيحته و يحفظ خلته و يرعي ذمته و يعود مرضه و يشهد ميته و يجيب دعوته و يقبل هديته و يكافئ صلته و يشكر نعمته و يحسن نصرته و يحفظ حليلته و يقضي حاجته و يستنجح مسألته و يسمت عطسته و يرشد ضالته و يرد سلامه و يطيب كلامه و يبر إنعامه- و يصدق أقسامه و يوالي وليه و لا يعاديه و ينصره ظالما و مظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه و لا يسلمه و لا يخذله و يحب له من الخير ما يحب لنفسه و يكره له من الشر ما يكره لنفسه ثم قال ع سمعت رسول الله ص يقول إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له و عليه. و الأخبار في حقوق المؤمن كثيرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها. و معني القضاء لذيها علي من هي عليه المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدي حقوق الإخوة

ثم إن ظاهرها و إن كان عاما إلا أنه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر

أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه و لا يوجب إهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة فإن التهاتر يقع في الحقوق كما يقع في الأموال.

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق

لبعض الإخوان بل لجميعهم إلا القليل منهم. فعن الصدوق رحمه الله في الخصال و كتاب الإخوان و الكليني بسندهما عن أبي جعفر ع قال: قام إلي أمير المؤمنين ص رجل بالبصرة فقال أخبرنا عن الإخوان فقال ع الإخوان صنفان إخوان الثقة و إخوان المكاشرة فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فإذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن و اعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان

[حدود الصداقة]

و في رواية عبيد الله الحلبي المروية في الكافي عن أبي عبد الله ع قال: لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شي‌ء منها فانسبه إلي الصداقة و من لم يكن فيه شي‌ء منها فلا تنسبه إلي شي‌ء من الصداقة فأولها أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة و الثانية أن يري زينك زينه و شينك شينه و الثالثة أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال و الرابعة أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته و الخامسة و هي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات و لا يخفي أنه إذا لم تكن الصداقة لم تكن الأخوة فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه. و في نهج البلاغة: لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث في نكبته و في غيبته و في وفاته و في كتاب الإخوان بسنده عن الوصافي عن أبي جعفر ع قال: قال لي أ رأيت من قبلكم إذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه قلت لا قال فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتي يجد له إزارا قلت لا قال فضرب بيده علي فخذه و قال ما هؤلاء بإخوة إلي آخر الخبر دل علي أن من لا يواسي المؤمن ليس بأخ له فلا يكون له حقوق الأخوة المذكورة في روايات الحقوق. و نحوه رواية ابن أبي عمير عن خلاد رفعه قال: أبطأ علي رسول الله ص رجل فقال ما أبطأ بك فقال العري يا رسول الله فقال ص أ ما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما فقال بلي يا رسول الله فقال ص ما هذا لك بأخ و في رواية يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد الله ع: اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم و إلا فأعزب ثم اعزب ثم اعزب المحافظة علي الصلاة في مواقيتها و البر بالإخوان في اليسر و العسر
القمار

الخامسة عشرة القمار و هو حرام إجماعا

اشارة

و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة

[معني القمار لغة و شرعا]

و هو بكسر القاف كما عن بعض أهل اللغة الرهن علي اللعب بشي‌ء بالآلات المعروفة و حكي عن جماعة أنه قد يطلق علي اللعب بهذه الأشياء مطلقا و لو من دون رهن و به صرح في جامع المقاصد و عن بعض أن أصل المقامرة المغالبة.
فكيف كان فهنا مسائل أربع لأن اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن و قد يكون بدونه و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض و قد تكون بدونه.

فالأولي اللعب بآلات القمار مع الرهن

و لا إشكال في حرمتها و حرمة العوض و الإجماع عليها محقق و الأخبار بها متواترة.

الثانية اللعب بآلات القمار من دون رهن

اشارة

المكاسب، ج‌1، ص 48
و في صدق القمار عليه نظر لما عرفت و مجرد الاستعمال لا يوجب إجراء أحكام المطلقات و لو مع البناء علي أصالة الحقيقة في الاستعمال لقوة انصرافها إلي الغالب من وجود الرهن في اللعب بها. و منها تظهر الخدشة في الاستدلال علي المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات بناء علي انصرافه إلي المتعارف من ثبوت الرهن. نعم قد يبعد دعوي الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي: عن الشطرنج و النرد قال لا تقربوهما قلت فالغناء قال لا خير فيه لا تقربه.

[الأخبار الدالة علي الحرمة]

و الأولي الاستدلال علي ذلك بما تقدم في رواية تحف العقول من أن ما يجي‌ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. و في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع: في قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ قال أما الخمر فكل مسكر من الشراب إلي أن قال و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر إلي أن قال و كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي‌ء من هذا حرام محرم. و ليس المراد بالقمار هنا المعني المصدري حتي يرد ما تقدم من انصرافه إلي اللعب مع الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله بيعه و شراؤه و قوله و أما الميسر فهو النرد إلي آخر الحديث. و يؤيد الحكم ما عن مجالس المفيد الثاني ولد شيخنا الطوسي رحمهما الله بسنده عن أمير المؤمنين ع: في تفسير الميسر في أن كل ما ألهي عن ذكر الله فهو الميسر و رواية الفضيل قال: سألت أبا جعفر ع عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتي انتهيت إلي السدر قال إذا ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون قال مع الباطل قال و مالك و الباطل و في موثقة زرارة عن أبي عبد الله ع: أنه سئل عن الشطرنج و عن لعبة الشبيب التي يقال لها لعبة الأمير و عن لعبة الثلاث فقال رأيت إذا ميز الله بين الحق و الباطل مع أيهما يكون قلت مع الباطل قال فلا خير فيه و في رواية عبد الواحد بن مختار: عن اللعب بالشطرنج قال إن المؤمن لمشغول عن اللعب فإن مقتضي إناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار الرهن في حرمة اللعب بهذه الأشياء و لا يجري دعوي الانصراف هنا.

الثالثة المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار

اشارة

كالمراهنة علي حمل الحجر الثقيل و علي المصارعة و علي الطيور و علي الطفرة و نحو ذلك مما عدوها في باب السبق و الرماية من أفراد غير ما نص علي جوازه و الظاهر الإلحاق بالقمار في الحرمة و الفساد بل صريح بعض أنه قمار.

و صرح العلامة الطباطبائي رحمه الله في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد

و هو ظاهر كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيه بدون العوض فإن ظاهر ذلك أن محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك و من المعلوم أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد.

[الأخبار الدالة علي الحرمة]

و يدل عليه أيضا قول الإمام الصادق ع إنه قال رسول الله ص: إن الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك قمار حرام و في رواية أبي العلاء بن سيابة عن الإمام الصادق ع عن النبي ص: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل و المحكي عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الإمام الرضا ع قال: سألته عن الميسر قال الثفل من كل شي‌ء قال و الثفل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها و في صحيحة معمر بن خلاد: كل ما قومر عليه فهو ميسر و في رواية جابر عن أبي جعفر ع: قيل يا رسول الله ما الميسر قال كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز و الظاهر أن المقامرة بمعني المغالبة علي الرهن

[استظهار بعض اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار و المناقشة فيه]

و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في الحرمة المعتضدة بدعوي عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار. و أما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه إلا فساد المعاملة و عدم تملك الراهن فيحرم التصرف فيه لأنه أكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما في القمار بل لو أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو نذر له- لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان أن المقامرة المذكورة أوجبته و ألزمته أمكن القول بجوازه. و قد عرفت من الأخبار إطلاق القمار عليه- و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم و أنه من الميسر المقرون بالخمر. و أما ما ذكره أخيرا من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد فلم أفهم معناه لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معني لاستحباب الوفاء به إذ لا يستحب ترتيب آثار الملك علي ما لم يحصل فيه سبب تملك إلا أن يراد صورة الوفاء بأن يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة في اللعب لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم أيضا غاية الأمر الفرق بينهما بأن الوفاء لا يستحب في المحرم لكن الكلام في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد لا في فعل الباذل و أنه يستحب له أو لا

[عدم الخلاف في الحكم بالحرمة و الفساد]


و كيف كان فلا أظن أن الحكم بحرمة الفعل مضافا إلي الفساد محل إشكال بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية و كتاب الشهادات و قد تقدم دعواه صريحا من بعض الأعلام.

[قضاء أمير المؤمنين (ع) في رجل آكل و أصحاب له شاة]

نعم عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في رجل أكل و أصحاب له شاة- فقال إن أكلتموها فهي لكم و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضي فيه و أن ذلك باطل لا شي‌ء في المؤاكلة في الطعام ما قل منه أو كثر و منع غرامة فيه.

[ظهور الرواية في الجواز]

و ظاهرها من حيث عدم ردع الإمام ع عن فعل مثل هذا أنه ليس بحرام إلا أنه لا يترتب عليه الأثر لكن هذا وارد علي تقدير القول بالبطلان و عدم التحريم أيضا لأن التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا فتأمل.

ثم إن حكم المعوض من حيث الفساد

حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة يجب رده علي مالكه مع بقائه و مع التلف فالبدل مثلا أو قيمة.

و ما ورد من قي‌ء الإمام ع- البيض الذي قامر به الغلام

فلعله للحذر من أن يصير الحرام جزء من بدنه لا للرد علي المالك لكن يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك كيف أكل المعصوم ع له جهلا بناء علي عدم إقدامه علي المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم لا جهلا و لا غفلة لأن ما دل علي عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب و فعل الحرام دل علي عدم جواز الجهل عليه في ذلك اللهم إلا أن يقال إن مجرد التصرف من المحرمات العلمية- و التأثير الواقعي غير المتبدل بالجهل إنما هو في بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه ع و الفرض اطلاعه عليه في أوائل وقت تصرف المعدة و لم يستمر جهله. هذا كله لتطبيق فعلهم علي القواعد و إلا فلهم في حركاتهم من أفعالهم و أقوالهم شئون لا يعلمها
المكاسب، ج‌1، ص 49
غيرهم.

الرابعة المغالبة بغير عوض- في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه

اشارة

و الأكثر علي ما في الرياض علي التحريم بل حكي فيها عن جماعة دعوي الإجماع عليه و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة.

[الظاهر من بعض عبارات التذكرة الإجماع علي التحريم]

فعن موضع منها أنه لا يجوز المسابقة في المصارعة بعوض و بغير عوض عند علمائنا أجمع لعموم النهي إلا في الثلاثة الخف و الحافر و النصل و ظاهر استدلاله أن مستند الإجماع هو النهي و هو جار في غير المصارعة أيضا. و عن موضع آخر لا يجوز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق سواء أ كان بعوض أم بغير عوض عند علمائنا و فيه أيضا لا يجوز المسابقة علي المراكب و السفن و الطيارات عند علمائنا و قال أيضا لا يجوز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديك بعوض و بغير عوض قال و كذلك لا يجوز المسابقة بما لا ينتفع به في الحرب و عد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف علي رجل واحدة و معرفة ما في اليد من الزوج و الفرد و سائر الألعاب و كذلك اللبث في الماء قال و جوزه بعض الشافعية و ليس بجيد انتهي.

و ظاهر المسالك الميل إلي الجواز

و استجوده في الكفاية و تبعه بعض من تأخر عنه للأصل و عدم ثبوت الإجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهي و هو غير دال لأن السبق في الرواية يحتمل التحريك بل في المسالك أنه المشهور في الرواية و عليه فلا تدل إلا علي تحريم المراهنة بل هي غير ظاهرة في التحريم أيضا لاحتمال إرادة فسادها بل هو الأظهر لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه و إرادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد. و علي تقدير السكون فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي فيحتمل نفي الصحة لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علي العوض

و قد يستدل للتحريم أيضا بأدلة القمار

بناء علي أنه مطلق المغالبة و لو بدون العوض كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية- بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا. و دعوي أنه يشترط في صدق القمار أحد الأمرين إما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار و إن لم يكن عوض و إما المغالبة مع العوض و إن لم يكن بالآلات المعدة للقمار علي ما يشهد به إطلاقه في رواية الرهان في الخف و الحافر في غاية البعد بل الأظهر أنه مطلق المغالبة. و يشهد له أن إطلاق آلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار كما في سائر الآلات المضافة إلي الأعمال حيث إن الآلة غير مأخوذة في المفهوم و قد عرفت أن العوض أيضا غير مأخوذ فيه فتأمل.

و يمكن أن يستدل علي التحريم أيضا بما تقدم من أخبار حرمة الشطرنج و النرد

معللة بكونها من الباطل و اللعب و أن كل ما ألهي عن ذكر الله عز و جل فهو الميسر. و قوله ع: في بيان حكم اللعب بالأربعة عشر لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي و المراد رهان الفرس و لا شك في صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه ضرورة أن العوض لا دخل له في ذلك.

و يؤيده ما دل علي أن كل لهو المؤمن باطل

خلا ثلاثة و عد منها إجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته و لعله لذلك كله استدل في الرياض تبعا للمهذب في مسألتنا بما دل علي حرمة اللعب لكن قد يشكل الاستدلال فيما إذا تعلق بهذه الأفعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا فيمكن إناطة الحكم باللهو و يحكم في غير مصاديقه بالإباحة إلا أن يكون قولا بالفصل و هو غير معلوم و سيجي‌ء بعض الكلام في ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه إن شاء الله
القيادة

السادسة عشرة القيادة- و هو السعي بين الشخصين لجمعهما علي الوطء المحرم

السادسة عشرة القيادة- و هو السعي بين الشخصين لجمعهما علي الوطء المحرم
و هي من الكبائر و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك في مسألة تدليس الماشطة. و في صحيحة ابن سنام: أنه يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعون سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه
القيافة

السابعة عشرة القيافة و هو حرام في الجملة

اشارة

السابعة عشرة القيافة و هو حرام في الجملة
نسبه في الحدائق إلي الأصحاب و في الكفاية لا أعرف له خلافا و عن المنتهي الإجماع.

[القائف لغة و اصطلاحا]

و القائف كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار- و عن النهاية و مجمع البحرين زيادة أنه يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه و في جامع المقاصد و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية أنها إلحاق الناس بعضهم ببعض و قيد في الدروس و جامع المقاصد كما في التنقيح حرمتها بما إذا ترتب عليها محرم و الظاهر أنه مراد الكل و إلا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخص لا دليل علي تحريمه

[الأخبار الناهية عن مراجعة القائف]

و لذا نهي في بعض الأخبار عن إتيان القائف و الآخذ بقوله. ففي المحكي عن الخصال ما أحب أن تأتيهم و عن مجمع البحرين أن في الحديث لا تأخذ بقول القائف. و نسب بعض أهل السنة أن رسول الله ص قضي بقول القافة و قد أنكر ذلك عليهم في أخبارنا كما يشهد به ما في الكافي عن زكريا بن يحيي بن نعمان الصيرفي قال: سمعت علي بن جعفر يحدث حسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا ع فقال الحسن إي و الله جعلت فداك لقد بغي عليه إخوته فقال علي بن جعفر إي و الله و نحن عمومته بغينا عليه فقال له الحسن جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم قال قال له إخوته و نحن أيضا- ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال لهم الرضا ع هو ابني قالوا فإن رسول الله ص قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة قال ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا و لا تعلموهم لما دعوتموهم إليه و لتكونوا في بيوتكم فلما جاءوا أقعدونا في البستان و اصطف عمومته و إخوته و أخواته و أخذوا الرضا ع و ألبسوه جبة من صوف و قلنسوة منها و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له ادخل البستان كأنك تعمل فيه ثم جاءوا بأبي جعفر ع فقالوا ألحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا ليس له هاهنا أب و لكن هذا عم أبيه و هذا عمه و هذه عمته و إن يكن له هاهنا أب فهو صاحب البستان فإن قدميه و قدميه واحدة فلما رجع أبو الحسن ع قالوا هذا أبوه قال علي بن جعفر فقمت فمصصت ريق أبي جعفر ع ثم قلت له أشهد أنك إمامي إلي آخر الخبر نقلناه بطوله تيمنا
الكذب

الثامنة عشرة الكذب و هو حرام بضرورة العقول و الأديان

اشارة

الثامنة عشرة الكذب و هو حرام بضرورة العقول و الأديان
و يدل عليه الأدلة الأربعة إلا أن الذي ينبغي الكلام فيه مقامان أحدهما في أنه من الكبائر ثانيهما في مسوغاته

أما الأول [هل المستفاد من الأخبار أن الكذب من الكبائر]

اشارة

فالظاهر من غير واحد من الأخبار كالمروي في العيون بسنده عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح و المروي عن الأعمش في حديث شرائع الدين عده من الكبائر. و في الموثقة بعثمان بن عيسي: إن الله تعالي جعل
المكاسب، ج‌1، ص 50
للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شر من الشراب و أرسل عن رسول الله ص: أ لا أخبركم بأكبر الكبائر الإشراك بالله و عقوق الوالدين و قول الزور أي الكذب و عنه ص: إن المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و كتب عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه و يؤيده ما عن العسكري ع: جعلت الخبائث كلها في بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب إلي آخر الحديث فإن مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة. و يمكن الاستدلال علي كونه من الكبائر بقوله تعالي إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها و لذلك كله أطلق جماعة كالفاضلين و الشهيد الثاني في ظاهر كلماتهم كونه من الكبائر من غير فرق بين أن يترتب علي الخبر الكاذب مفسدة أو لا يترتب عليه شي‌ء أصلا. و يؤيده ما روي: عن النبي ص في وصيته لأبي ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ويل له فإن الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا إيقاع في المفسدة.

[هل الكذب كله من الكبائر]

نعم في الأخبار ما يظهر من عدم كونه علي الإطلاق كبيرة- مثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله ع: إن الكذب علي الله و علي رسوله من الكبائر فإنها ظاهرة باختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص لكن يمكن حملها علي كون هذا الكذب الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة و لعل هذا أولي من تقييد المطلقات المتقدمة. و في مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر ع قال: كان علي بن الحسين ع يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير- إلي آخر الخبر و يستفاد منه أن عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

[هل الكذب من اللمم]

و في صحيحة ابن الحجاج: قلت لأبي عبد الله ع الكذاب هو الذي يكذب في الشي‌ء قال لا ما من أحد إلا يكون ذاك منه و لكن المطبوع علي الكذب فإن قوله ما من أحد إلا يكون ذاك منه يدل علي أن الكذب- من اللمم التي تصدر من كل أحد لا من الكبائر. و عن الحارث الأعور عن علي ع قال: لا يصلح من الكذب جد و لا هزل و أن لا يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له إن الكذب يهدي إلي الفجور و الفجور يهدي إلي النار و ما زال أحدكم يكذب حتي يقال كذب و فجر إلي آخر الخبر و فيه أيضا إشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا.

[حكم الإنشاء المنبئ عن الكذب]

و قوله و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له لا بد أن يراد منه النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالي كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا و أن إطلاق الكذب عليه في الرواية- لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأن الوعد مستلزم للإخبار بوقوع الفعل كما أن سائر الإنشاءات كذلك و لذا ذكر بعض الأساطين أن الكذب و إن كان من صفات الخبر إلا أن حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه كمدح المذموم و ذم الممدوح و تمني المكاره و ترجي غير المتوقع و إيجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم

[خلف الوعد لا يدخل في الكذب]

و كيف كان فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب لعدم كونه من مقولة الكلام. نعم هو كذب للوعد بمعني جعله مخالفا للواقع كما أن إنجاز الوعد صدق له بمعني جعله مطابقا للواقع فيقال صادق الوعد و وعد غير مكذوب و الكذب بهذا المعني ليس محرما علي المشهور و إن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته و في بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة

[الكذب في الهزل]

ثم إن ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتي في الهزل و يمكن أن يراد بها الكذب في مقام الهزل. و أما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد إلي تحقق مدلوله فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة علي إرادة الهزل كما صرح به بعض و لعله لانصراف الكذب إلي الخبر المقصود و للسيرة و يمكن حمل الخبرين علي مطلق المرجوحية- و يحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين- و النبوي في وصية أبي ذر لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل. و عن الخصال بسنده عن رسول الله ص: أنا زعيم بيت في أعلي الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا و لمن حسن خلقه و قال أمير المؤمنين ص: لا يجد الرجل طعم الإيمان حتي يترك الكذب هزله و جده

ثم إنه لا ينبغي الإشكال في أن المبالغة في الادعاء و إن بلغت ما بلغت ليست من الكذب

و ربما يدخل فيه إذا كانت في غير محلها كما لو مدح إنسانا قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر إلا إذا بني علي كونه كذلك في نظر المادح فإن الأنظار تختلف في التحسين و التقبيح كالذائقات في المطعومات.

و أما التورية

اشارة

و هو أن يريد بلفظ معني مطابقا للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد علم الله ما قلته و أردت بكلمة ما الموصولة و فهم المخاطب النافية و كما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له ما هو هاهنا و أشار إلي موضع فارغ في البيت و كما لو قلت اليوم ما أكلت الخبز تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة إلي غير ذلك فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب و لذا صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة بأنه يؤدي بما يخرجه عن الكذب بل اعترض جامع المقاصد علي قول العلامة في القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم بأنه يجوز الحلف كاذبا و تجب التورية علي العارف بها بأن العبارة لا تخلو عن مناقشة حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية و معلوم أن لا كذب معها انتهي. و وجه ذلك أن الخبر باعتبار معناه و هو المستعمل فيه كلامه ليس مخالفا للواقع و إنما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ. نعم لو ترتبت عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة اللهم إلا أن يدعي أن مفسدة الكذب و هو الإغراء موجودة فيها و هي ممنوعة لأن الكذب محرم لا لمجرد الإغراء.

[الملاك في اتصاف الخبر بالكذب عند بعض الأفاضل]

و ذكر بعض الأفاضل أن المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام لا ما هو المراد منه فلو قال رأيت حمارا و أراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف بالكذب و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع انتهي موضع الحاجة. أقول فإن أراد اتصاف الخبر في
المكاسب، ج‌1، ص 51
الواقع فقد تقدم أنه دائر مدار موافقة المخبر و مخالفته للواقع لأنه معني الخبر و المقصود منه دون ظاهره الذي لم يقصد. و إن أراد اتصافه عند الواصف فهو حق مع فرض جهله بإرادة خلاف الظاهر. لكن توصيفه حينئذ باعتقاد أن هذا هو مراد المخبر و مقصوده فيرجع الأمر إلي إناطة الاتصاف بمراد المتكلم و إن كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب.

و مما يدل علي سلب الكذب عن التورية

ما روي في الاحتجاج: أنه سئل الإمام الصادق ع عن قول الله عز و جل في قصة إبراهيم علي نبينا و آله و عليه السلام بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ قال ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم قيل و كيف ذلك فقال إنما قال إبراهيم فسئلوهم إن كانوا ينطقون أي إن نطقوا فكبيرهم فعل- و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب إبراهيم: و سئل [أبو عبد الله ع] عن قول الله تعالي [في يوسف] أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قال إنهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا تري أنهم قالوا نفقد صواع الملك و لم يقولوا سرقتم صواع الملك: و سئل عن قول الله عز و جل حكاية عن إبراهيم ع إِنِّي سَقِيمٌ قال ما كان إبراهيم سقيما و ما كذب إنما عني سقيما في دينه أي مرتادا و في مستطرفات السرائر من كتاب ابن كثير قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية قولي ليس هو هاهنا فقال ع لا بأس ليس بكذب فإن سلب الكذب مبني علي أن المشار إليه بقوله هاهنا موضع خال من الدار إذ لا وجه له سوي ذلك. و روي في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط: أن واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما في الطريق أعداء المصحوب فأنكر الصاحب أنه هو فأحلفوه فحلف لهم أنه أخوه فلما أتي النبي ص قال له صدقت المسلم أخو المسلم إلي غير ذلك مما يظهر منه ذلك

أما الكلام في المقام الثاني و هي مسوغات الكذب

اشارة

فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين

أحدهما الضرورة إليه

اشارة

فيسوق معها بالأدلة الأربعة قال الله تعالي إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ و قال تعالي لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. و قوله ع: ما من شي‌ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر إليه و قد اشتهر أن الضرورات تبيح المحظورات. و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي و قد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه. و الإجماع أظهر من أن يدعي أو يحكي و العقل مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين مع بقائه علي قبحه أو انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه علي القولين و هما كون القبح العقلي مطلقا أو في خصوص الكذب لأجل الذات فيختلف الوجوه و الاعتبارات و لا إشكال في ذلك

و إنما الإشكال و الخلاف في أنه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا

اشارة

ظاهر المشهور هو الأول كما يظهر من المقنعة و المبسوط و الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها و التحرير و جامع المقاصد و الرياض و محكي مجمع البرهان في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة.

[ما يدل علي الوجوب من كلمات الفقهاء]

قال في المقنعة من كانت عنده أمانة فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها ليحفظها علي المؤتمن له عليها و إن استحلفه علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب فليجهد و إن استحلفه ظالم علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب إلي أن قال فإن لم يحسن التورية و كانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية و كان مأجورا انتهي. و قال في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف و يوري في ذلك انتهي. و في الغنية في هذه المسألة و يجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة و يوري في يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل إجماع الشيعة انتهي و قال في المختصر النافع حلف موريا و في القواعد و تجب التورية علي العارف بها انتهي و في السرائر في باب الحيل من كتاب الطلاق لو أنكر الاستدانة خوفا من الإقرار بالإبراء أو القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب انتهي و في اللمعة يحلف عليه فيوري و قريب منه في شرحها و في جامع المقاصد في باب المكاسب تجب التورية بما يخرجه عن الكذب انتهي.

[وجه ما ذكره الفقهاء في وجوب التورية]

و وجه ما ذكروه أن الكذب حرام و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة علي التورية فيدخل تحت العمومات مع أن قبح الكذب عقلي فلا يسوغ إلا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه علي قبحه و يتوقف تحققه علي تحققه و لا يكون التوقف إلا مع العجز عن التورية

[مقتضي الإطلاقات عدم الوجوب]

و هذا الحكم جيد إلا أن مقتضي إطلاقات أدلة الترخيص في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه عدم اعتبار ذلك. ففي رواية السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص: احلف بالله كاذبا و نج أخاك من القتل و صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا ع قال: سألته عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه قال لا بأس و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي مال نفسه قال نعم و عن الفقيه قال قال الصادق ع: اليمين علي وجهين إلي أن قال فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرأ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص أو غيره و في موثقة زرارة بابن بكير: أنا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفوننا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها فقال يا زرارة إذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا و رواية سماعة عن أبي عبد الله ع: إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر إليه و قال ليس شي‌ء مما حرم الله إلا و قد أحله لمن اضطر إليه إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب و فيما يأتي من جواز الكذب في الإصلاح التي يصعب علي الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة علي التورية. و أما حكم العقل بقبح الكذب في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و إن كان مسلما إلا أنه يمكن القول بالعفو عنه شرعا- للأخبار المذكورة كما عفي عن الكذب في الإصلاح و عن السب و التبري مع الإكراه مع أنه قبيح عقلا أيضا مع أن إيجاب التورية علي القادر لا يخلو عن الالتزام بالعسر كما لا يخفي

[المختار اشتراط جواز الكذب بعدم إمكان التورية]

فلو قيل بتوسعة الشارع علي العباد بعدم ترتب الآثار علي الكذب فيما نحن فيه و إن قدر علي التورية كان حسنا إلا أن الاحتياط في خلافه بل هو المطابق للقواعد لو لا استبعاد التقييد في هذه المطلقات لأن النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل كالرواية الأخيرة و غيرها علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه
المكاسب، ج‌1، ص 52
مطلقا عموم من وجه فيرجع إلي عمومات حرمة الكذب فتأمل. هذا مع إمكان منع الاستبعاد المذكور لأن مورد الأخبار عدم التفات إلي التورية في مقام الضرورة إلي الكذب إذ مع الالتفات فالغالب اختيارها إذ لا داعي إلي العدول عنها إلي الكذب

[هل يتحقق الإكراه في صورة القدرة علي التورية]

ثم إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة علي التورية أطلقوا القول بلغوية ما أكره عليه من العقود و الإيقاعات و أقوال المحرمة كالسب و التبري من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية بل صرح بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة و المسالك في باب الطلاق بعدم اعتبار العجز عنها بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه مع أنه يمكن أن يقال إن المكره علي البيع إنما أكره علي التلفظ بالصيغة. و أما إرادة المعني فمما لا يقبل الإكراه فإذا أراده مع القدرة علي عدم إرادته فقد اختاره فالإكراه علي البيع الواقعي يختص بغير القادر علي التورية لعدم المعرفة بها أو عدم الالتفات إليها كما أن الاضطرار إلي الكذب يختص بغير القادر عليها

[الفرق بين الإكراه و الكذب]

و يمكن أن يفرق بين المقامين بأن الإكراه إنما يتعلق بالبيع الحقيقي أو الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون إرادة المعني لكنه غير المكره عليه. و حيث إن الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه لم يعتبر ذلك في حكم الإكراه و هذا بخلاف الكذب فإنه لم يسوغ إلا عند الاضطرار إليه و لا اضطرار مع القدرة. نعم لو كان الإكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر علي المكره عليه من حيث إنه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال كان ينبغي فيه اعتبار العجز من التورية لعدم اضطرار مع القدرة عليها. و الحاصل أن المكره إذا قصد المعني مع التمكن من التورية صدق علي ما أوقع أنه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما أكرهوا عليه. و أما المضطر فإذا كذب مع القدرة علي التورية لم يصدق أنه مضطر إليه فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا إليه هذا كله علي مذاق المشهور من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه حتي من جهة العجز عن التورية. و أما علي ما استظهرناه من الأخبار كما اعترف به جماعة من جوازه مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية فلا فرق بينه و بين الإكراه كما أن الظاهر أن أدلة نفي الإكراه راجعة إلي الاضطرار لكن من غير جهة التورية. فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر إليه للإكراه عليه أو دفع الضرر به هذا و لكن الأحوط التورية في البابين

ثم إن الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات

. نعم يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف و عليه يحمل قول أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة: علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك-

[الأنسب حمل روايات التقية علي خلاف الظاهر لا الكذب لمصلحة]

ثم إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا في مقام التقية في بيان الأحكام مثل قولهم: لا بأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر و نحو ذلك و إن أمكن حمله علي الكذب لمصلحة بناء علي ما استظهرنا جوازه من الأخبار إلا أن الأليق بشأنهم ع هو الحمل علي إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلي اللبس و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد مثل أنه: ذكر ع أن النافلة فريضة ففزع المخاطب ثم قال إنما أردت صلاة الوتر علي النبي ص

و من هنا يعلم أنه إذا دار الأمر في بعض المواضع بين الحمل علي التقية و الحمل علي الاستحباب

كما في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثاني لأن التقية تتأدي بإرادة المجاز و إخفاء القرينة.

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح

و قد استفاضت الأخبار بجواز الكذب عند إرادة الإصلاح.
ففي صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب و نحوها رواية معاوية بن حكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله ع. و في رواية عيسي بن حسان في الوسائل عن الصادق ع: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلا كذبا في ثلاثة رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الإصلاح أو رجل وعد أهله و هو لا يريد أن يتم لهم و بمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة روايات. و في مرسلة الواسطي عن أبي عبد الله ع قال: الكلام ثلاثة صدق و كذب و إصلاح بين الناس قال قيل له جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس قال تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فيقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه و عن الصدوق في كتاب الإخوان بسنده عن أبي الحسن الرضا ع قال: إن الرجل ليصدق علي أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و إن الرجل ليكذب علي أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقا ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام. و تقييد الأخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد و إن كان مراعاته مقتضي الاحتياط. ثم إنه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة بل مطلق الأهل و الله العالم
الكهانة

التاسعة عشرة الكهانة

اشارة

من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما في الصحاح إذا تكهن قال و يقال كهن بالضم كهانة بالفتح إذا صار كاهنا. و عن القاموس أيضا الكهانة بالكسر لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل يقتل كهانة بالفتح

[من هو الكاهن]

و كيف كان فعن النهاية أن الكاهن من يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان. فقد كان في العرب كهنة فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار و منهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات و أسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من سأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف. و المحكي عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد من أنه من كان له رأي من الجن يأتيه الأخبار. و عن التنقيح أنه المشهور و نسبه في السرائر إلي القيل و رأي علي فعيل من رأي يقال فلان رأي القوم أي صاحب رأيهم قيل و قد تكسر راؤه اتباعا و عن القاموس و السرائر رأي كغني جني يري فيخبر و عن النهاية يقال للتابع من الجن رأي بوزن كمي.
المكاسب، ج‌1، ص 53

[تفسير الكهانة في رواية الاحتجاج]

أقول روي الطبرسي في الاحتجاج: في جملة الأسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد الله ع قال الزنديق فمن أين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث قال ع إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم عن أشياء تحدث و ذلك من وجوه شتي فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فطنة الروح مع قذف في قلبه لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلي الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء و يلبس علي أهل الأرض بما جاءهم من الله تعالي لإثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلي الأرض فيقذفها إلي الكاهن فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فلما أصاب الكاهن من خبر يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة. و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلي كهانها أخبار الناس بما يتحدثون به و ما يحدثونه و الشياطين تؤدي إلي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق و من قاتل قتل و من غائب غاب و هم بمنزلة الناس أيضا صدوق و كذوب إلي آخر الخبر. و قوله ع مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير و هو فطنة الروح فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم من النهاية و يحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب أخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث في نفسه لتلك الوجوه و غيرها كما يدل عليه قوله ع بعد ذلك زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل و كيف كان ففي قوله ع انقطعت الكهانة دلالة ما عن المغرب من أن الكهانة في العرب كانت قبل المبعث و قبل منع الشيطان عن استراق السمع لكن قوله ع إنما تؤدي الشياطين إلي كهانها أخبار الناس و قوله ع قبل ذلك مع قذف في قلبه إلي آخر الكلمات دلالة علي صدق الكاهن علي من لا يخبر إلا بإخبار الأرض فيكون المراد من الكهانة المنقطعة الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها حاكما في جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات كما ذكر في أول الرواية

و كيف كان فلا خلاف في حرمة الكهانة

. و في المروي عن الخصال: من تكهن أو تكهن له فقد برأ من دين محمد ص و قد تقدم رواية أن الكاهن كالساحر و أن تعلم النجوم يدعو إلي الكهانة. و روي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم قال: قلت لأبي عبد الله ع إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي‌ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله فقال قال رسول الله ص من مشي إلي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب.

[حرمة الإخبار عن الغائبات جزما و لو بغير الكهانة]

و ظاهر هذه الصحيحة أن الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرم مطلقا سواء أ كان بالكهانة أم بغيرها لأنه ع جعل المخبر بالشي‌ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب و جعل الكل حراما و يؤيدها النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي أنه نهي عن إتيان العراف.
و قال ص: من أتاه و صدقه فقد برأ بما أنزل الله عز و جل علي محمد ص. و قد عرفت من النهاية أن المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن و يخص باسم العراف و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية الاحتجاج من قوله ع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي إلي آخر الحديث فإن ظاهر قوله هذا أن ذلك مبغوض للشارع من أي سبب كان فتبين من ذلك أن الإخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صح اعتباره كبعض الجفر و الرمل محرم و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الإخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم لغير نبي أو وصي نبي سواء أ كان بالتنجيم أم الكهانة أم القيافة أو غير ذلك
اللهو

العشرون اللهو حرام

العشرون اللهو حرام

اشارة

علي ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكري و الجعفري و غيرها حيث عللوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو.

[كلمات الفقهاء في حرمة اللهو]

قال في المبسوط السفر علي أربعة أقسام و ذكر الواجب و الندب و المباح ثم قال الرابع سفر المعصية و عد من أمثلتها من طلب الصيد للهو و البطر و نحوه بعينه عبارة السرائر. و قال في المعتبر قال علماؤنا اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا أن اللهو حرام فالسفر له معصية انتهي و قال في القواعد الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر و المتصيد لهوا انتهي و قال في المختلف في كتاب المتاجر حرم الحلي الرمي من قوس الجلاهق قال و هذا الإطلاق ليس بجيد بل ينبغي تقييده باللهو و البطر و قد صرح الحلي في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته و قال إن اللعب بجميع الأشياء قبيح و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب. و انتصر في الرياض للحي بأن ما دل علي قبح اللعب و ورود الذم به من الآيات و الروايات أظهر من أن يخفي فإذا ثبت القبح ثبت النهي ثم قال و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير إلي قوله ليس بذلك البعيد انتهي. و لا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ القول بحرمته مع دعوي كثرة الروايات بل الآيات علي حرمة مطلق اللهو لأجل النص علي الجواز فيه في قوله ع: لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام و استدل في الرياض أيضا تبعا للمهذب علي حرمة المسابقة بغير المنصوص علي جوازه بغير عوض بما دل علي تحريم اللهو و اللعب قال لكونها منه بلا تأمل انتهي.

و الأخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا

منها ما تقدم من قوله ع في رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي‌ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و منها ما تقدم من رواية الأعمش حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الأوتار فإن الملاهي جمع ملهي مصدرا أو ملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل و نحوها في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر رواية العيون الواردة في الكبائر و هي حسنة كالصحيحة بل صحيحة. و منها ما تقدم في روايات القمار في قوله ع: كل ما ألهي عن ذكر الله فهو الميسر و منها: قوله ع في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة و الصقور إنما خرج في لهو لا يقصر و منها ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا ع: في جواب من سأله عن السماع فقال
المكاسب، ج‌1، ص 54
إن لأهل الحجاز فيه رأي قال و هو في حيز اللهو: و قوله ع في رد من زعم أن النبي ص رخص في أن يقال جئناكم جئناكم إلخ [حيونا نحيكم إلي آخر الحديث] كذبوا إن الله يقول لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إلي آخر الآيتين و منها ما دل علي أن اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء. ففي بعض الروايات: كل لهو المؤمن من الباطل ما خلا ثلاثة المسابقة و ملاعبة الرجل أهله إلي آخر الحديث و في رواية علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن اللعب بالأربعة عشر و شبهها قال لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي إلي غير ذلك مما يتوقف عليه المتتبع و يؤيدها أن حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر أنه من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة. ففي رواية سماعة قال قال أبو عبد الله ع: لما مات آدم شمت به إبليس و قابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم علي نبينا و آله و عليه السلام فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فإنما هو من ذلك فإن فيه إشارة إلي أن المناط هو مطلق التلهي و التلذذ و يؤيدها ما تقدم من أن المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض فإن الظاهر أنه لا وجه له عدا كونه لهوا- و إن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم كما تقدم. نعم صرح في التذكرة بحرمة المسابقة علي جميع الألعاب كما تقدم في نقل كلامه في مسألة القمار

هذا و لكن الإشكال في معني اللهو

فإنه إن أريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة فإن اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي و لا خلاف ظاهرا في عدم حرمته علي الإطلاق. نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر و فسر بشدة الفرح كان الأقوي تحريمه و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطست بدل الدف و كل ما يفيد فائدة آلات اللهو و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوي الشهوية ففي حرمته تردد.
و اعلم أن هنا عنوانين آخرين اللعب و اللغو.

أما اللعب

فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما و لكن مقتضي تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين إذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا و لعل اللعب يشمل مثل حركات الأطفال غير المنبعثة عن القوي الشهوية.
و اللهو ما تلتذ به النفس و ينبعث عن القوي الشهوية. و قد ذكر غير واحد أن قوله تعالي أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ إلي آخر الآية بيان ملاذ الدنيا علي ترتيب تدرجه في العمر و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين و كيف كان فلم أجد من أفتي بحرمة اللعب عدا الحلي علي ما عرفت من كلامه- و لعله يريد اللهو و إلا فالأقوي الكراهة.

و أما اللغو

فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار كان في حكمه. ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة عن أبي الحسن الرضا ع: إن السماع في حيز اللهو و الباطل أ ما سمعت قول الله تعالي وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً و نحوها رواية أبي أيوب حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية و إن أريد به مطلق الحركات اللاغية فالأقوي فيها الكراهة. و في رواية أبي خالد الكابلي عن سيد الساجدين: تفسير الذنوب التي تهتك العصم بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح و ذكر عيوب الناس: و في وصية النبي ص لأبي ذر رضي الله عنه أن الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوي ما بين السماء و الأرض
مدح من لا يستحق المدح

الحادية و العشرون مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم

اشارة

ذكره العلامة في المكاسب المحرمة و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا.

[ما يدل علي الحرمة]

و يدل عليه من الشرع قوله تعالي وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ و عن النبي ص فيما رواه الصدوق: من عظم صاحب دنيا و أحبه طمعا في دنياه سخط الله عليه و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار و في النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي: من مدح سلطانا جائرا أو تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينة في النار.

[وجوب مدح من لا يستحق المدح لدفع شره]

و مقتضي هذه الأدلة حرمة المدح طمعا في الممدوح و أما لدفع شره فهو واجب و قد ورد في عدة أخبار: أن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم
معونة الظالمين

الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة

الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة

اشارة

و هو من الكبائر. فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس قال قال ع: من مشي إلي ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الإسلام قال و قال ع: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة أين أعوان الظلمة أين أشباه الظلمة حتي من بري‌ء لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم و في النبوي ص: من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلط الله عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا.

و أما معونتهم في غير المحرمات

فظاهر كثير من الأخبار حرمتها أيضا كبعض ما تقدم. و قول الصادق ع في رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم علي بناء مسجد و قوله ع ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يفرغ الله من الحساب لكن المشهور الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم و الأقوي التحريم مع عد الشخص من الأعوان فإن مجرد إعانتهم علي بناء المسجد ليست محرمة إلا أنه إذا عد الشخص معمارا للظالم أو بناء له في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان كان محرما و يدل علي ذلك جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة. و قول أبي عبد الله ع في رواية الكاهلي: من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيرا و قوله ع: ما اقترب عبد من سلطان جائر إلا تباعد من الله و عن النبي ص: إياكم و أبواب السلطان و حواشيها فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم عن الله عز و جل

و أما العمل له في المباحات لأجره أو تبرعا من غير أن يعد معينا له في ذلك

اشارة

فضلا من أن يعد من أعوانه فالأولي عدم الحرمة للأصل و عدم الدليل

[ظهور بعض الأخبار في التحريم]

اشارة

عدا ظاهر الأخبار مثل رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد الله ع إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له جعلت فداك ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعي إلي البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك فقال أبو عبد الله ع ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها إلي آخر ما تقدم. و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله ع يا عذافر بلغني أنك تعامل أبا أيوب و أبا الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة قال فوجم أبي فقال له
المكاسب، ج‌1، ص 55
أبو عبد الله ع لما رأي ما أصابه أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عز و جل به قال محمد فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات و رواية صفوان بن مهران الجمال: دخلت علي أبي الحسن الأول ع فقال لي يا صفوان كل شي‌ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا فقلت جعلت فداك أي شي‌ء قال ع إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون قلت و الله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا لهو و لكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة و لا أتولاه بنفسي و لكن أبعث معه غلماني فقال لي يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم قلت نعم جعلت فداك قال أ تحب بقاءهم حتي يخرج كراؤك قلت نعم قال من أحب بقاءهم فهو منهم و من كان منهم كان وروده إلي النار قال صفوان فذهبت و بعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلي هارون فدعاني فقال لي يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك قلت نعم قال و لم قلت أنا شيخ كبير و إن الغلمان لا يقومون بالأعمال فقال هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا إنما أشار عليك بهذا موسي بن جعفر قلت ما لي و لموسي بن جعفر قال دع هذا عنك فو الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك. و ما ورد في تفسير الركون إلي الظالم من أن الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلي أن يدخل يده في كيسه فيعطيه و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم. و من هنا لما قيل لبعض إني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة قال له المعين من يبيعك الإبر و الخيوط و أما أنت فمن الظلمة أنفسهم. و في رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي: أن الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر و النظر إليهم علي العمد من الكبائر التي يستحق بها النار

[مناقشة ظهور الأخبار في التحريم]

لكن الإنصاف أن شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم علي غير جهة المعونة. أما الرواية الأولي فلأن التعبير فيها في الجواب بقوله لا أحب ظاهر في الكراهة. و أما قوله ع إن أعوان الظلمة إلي آخر الحديث فهو من باب التنبيه علي أن القرب إلي الظلمة و المخالطة معهم مرجوح و إلا فليس من يعمل لهم الأعمال المذكورة في السؤال خصوصا مرة أو مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من أعوانهم و كذلك يقال في رواية عذافر مع احتمال أن تكون معاملة عذافر مع أبي أيوب و أبي الربيع علي وجه يكون معدودا من أعوانهم و عمالهم. و أما رواية صفوان فالظاهر منها أن نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم و إن لم تكن معهم معاملة و لا يخفي علي الفطن العارف بأساليب الكلام أن قوله ع و من أحب بقاءهم كان منهم لا يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقاءهم حتي يخرج كراؤه بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتي لا يفضي ذلك إلي صيرورتهم من أعوانهم و أن يشرب القلب حبهم لأن القلوب مجبولة علي حب من أحسن إليها.

و قد تبين مما ذكرنا أن المحرم من العمل للظلمة قسمان

أحدهما الإعانة لهم علي الظلم. الثاني ما يعد معه من أعوانهم و المنسوبين إليهم بأن يقال هذا خياط السلطان و هذا معماره. و أما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر علي تحريمه
النجش

الثالثة و العشرون النجش بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة- حرام

الثالثة و العشرون النجش بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة- حرام

اشارة

لما في النبوي المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد من لعن الناجش و المنجوش له و قوله ص: و لا تناجشوا. و يدل علي قبحه العقل لأنه غش و تلبيس و إضرار

[معني النجش]

و هو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض و حكي تفسيره أيضا بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها لمواطأة بينه و بين البائع أو لا معها. و حرمته بالتفسير الثاني خصوصا لا مع المواطاة يحتاج إلي دليل و حكيت الكراهة عن بعض
النميمة

الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلة الأربعة

الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلة الأربعة

[معني النميمة]

و هي نقل قول الغير إلي المقول فيه كأن يقول تكلم فلان فيك بكذا و كذا قيل هي من نم الحديث من باب قتل و ضرب أي سعي به لإيقاع فتنة أو وحشة

و هي من الكبائر

قال الله تعالي وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ و النمام قاطع لما أمر الله بصلته و مفسد. قيل و هو المراد بقوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ. و قد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الاحتجاج من وجوه السحر: و أن من أكبر السحر النميمة بين المتحابين و عن عقاب الأعمال عن النبي ص: من مشي في نميمة بين اثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه و إذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار. و قد استفاضت الأخبار بعدم دخول النمام الجنة و يدل علي حرمتها مع كراهة المقول عنه لإظهار القول عند المقول فيه جميع ما دل علي حرمة الغيبة و تتفاوت عقوبتها بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد.

و قيل إن حد النميمة بالمعني الأعم كشف ما يكره كشفه

سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث و سواء أ كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة و الرمز و الإيماء و سواء أ كان المنقول من الأعمال أم من الأقوال و سواء أ كان ذلك عيبا و نقصانا علي المنقول عنه أم لا بل حقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه انتهي موضع الحاجة.

[متي تباح النميمة و متي تجب]

ثم إنه قد يباح ذلك لبعض المصالح التي هي آكد من مفسدة إفشاء السر كما تقدم في الغيبة بل قيل إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين لكن الكلام في النميمة علي المؤمنين
النوح بالباطل

الخامسة و العشرون النوح بالباطل

اشارة

ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلي و المحقق و من تأخر عنه

[وجه حرمة النوح بالباطل]

و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعني الكذب و إلا فهو في نفسه ليس بمحرم و علي هذا التفصيل دل غير واحد من الأخبار. و ظاهر المبسوط و ابن حمزة التحريم مطلقا كبعض الأخبار و كلاهما محمول علي المقيد جمعا
الولاية

السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر

اشارة

و هي صيرورته واليا علي قوم منصوبا من قبله محرمة

[وجه حرمة الولاية من قبل الجائر]

لأن الوالي من أعظم الأعوان و لما تقدم في رواية تحف العقول من قوله ع: و أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته و العمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي‌ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و إحياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب و قتل الأنبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلي الدم و الميتة إلي آخر الخبر و في رواية زياد بن أبي سلمة: أهون ما يصنع الله
المكاسب، ج‌1، ص 56
عز و جل بمن تولي لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلي أن يفرغ الله من حساب الخلائق.

ثم إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه

من ظلم الغير مع أن الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية و ربما كان في بعض الأخبار إشارة إلي كونه من جهة الحرام الخارجي- . ففي صحيحة داود بن زربي قال أخبرني مولي لعلي بن الحسين ع قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله ع الحيرة فأتيته فقلت له جعلت فداك لو كلمت داود بن علي- أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات فقال ما كنت لأفعل فانصرفت إلي منزلي فتفكرت فقلت ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور و الله لآتينه و أعطينه الطلاق و العتاق و الأيمان المغلظة أن لا أجورن علي أحد و لا أظلمن و لأعدلن قال فأتيته فقلت جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي و ظننت أنك إنما منعتني و كرهت ذلك مخافة أن أظلم أو أجور و إن كل امرأة لي طالق و كل مملوك لي حر إن ظلمت أحدا أو جرت علي أحد و إن لم أعدل قال كيف قلت قلت فأعدت عليه الإيمان فرفع رأسه إلي السماء فقال تناول السماء أيسر عليك من ذلك بناء علي أن المشار إليه هو العدل و ترك الظلم و يحتمل أن يكون هو الترخص في الدخول.

ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة أمران

أحدهما القيام بمصالح العباد

اشارة

بلا خلاف علي الظاهر المصرح به في المحكي عن بعض حيث قال أن تقلد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن معه من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع و السنة الصحيحة. و قوله تعالي اجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ

و يدل عليه

قبل الإجماع أن الولاية إن كانت محرمة لذاتها جاز ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هو أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر و إن كانت لاستلزامها الظلم علي الغير فالمفروض عدم تحققه هنا و يدل عليه النبوي الذي رواه الصدوق في حديث المناهي قال: من تولي عرافة قوم أتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان إلي عنقه فإن قام فيهم بأمر الله تعالي أطلقه الله و إن كان ظالما يهوي به في نار جهنم و بئس المصير و عن عقاب الأعمال: و من تولي عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس علي شفير جهنم بكل يوم ألف سنة و حشر و يداه مغلولتان إلي عنقه فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا و لا يخفي أن العريف سيما في ذلك الزمان لا يكون إلا من قبل الجائر. و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الأمالي عن أبي عبد الله ع: من تولي أمرا من أمور الناس فعدل فيهم و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس كان حقا علي الله أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخل الجنة و رواية زياد بن أبي سلمة عن أبي الحسن موسي ع: يا زياد لأن أسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة أحب إلي من أن أتولي لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لما ذا قلت ما أدري جعلت فداك قال إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه و رواية علي بن يقطين: إن لله تبارك و تعالي مع السلطان من يدفع بهم عن أوليائه قال الصدوق و في آخر أولئك عتقاء الله من النار قال و قال الصادق ع:
كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان و عن المقنع: سئل أبو عبد الله ع عن رجل يحب آل محمد و هو في ديوان هؤلاء يقتل تحت رايتهم قال يحشره الله علي نيته إلي غير ذلك. و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الإحسان بالإخوان فيكون نظير الكذب في الإصلاح و ربما يظهر من بعضها الاستحباب و ربما يظهر من بعضها أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الإحسان إلي الإخوان كفارة له كمرسلة الصدوق المتقدمة. و في ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة: فإن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن إلي إخوانك فواحدة بواحدة

و الأولي أن يقال إن الولاية غير المحرمة.

منها ما يكون مرجوحة

و هو من تولي لهم لنظام معاشه قاصدا الإحسان في خلال ذلك إلي المؤمنين و دفع الضرر عنهم. ففي رواية أبي بصير: ما من جبار إلا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين و هو أقلهم حظا في الآخرة لصحبة الجبار

و منها ما يكون مستحبة

و هي ولاية من لم يقصد بدخوله إلا الإحسان إلي المؤمنين فعن رجال النجاشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا ع قال: إن لله بأبواب الظالمين من نور الله به البرهان و مكن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح الله بهم أمور المسلمين إليهم ملجأ المؤمنين من الضر و إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا و بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة أولئك المؤمنون حقا أولئك أمناء الله في أرضه أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة و يزهر نورهم لأهل السماوات كما يزهر نور الكواكب الدرية لأهل الأرض أولئك من نورهم يضي‌ء يوم القيامة خلقوا و الله للجنة و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله قال قلت بما ذا جعلت فداك قال يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد

و منها ما يكون واجبة و هو ما توقف الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه

اشارة

فإن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة و ربما يظهر من

كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة أيضا

قال في النهاية

تولي الأمر من قبل السلطان العادل جائز مرغوب فيه و ربما بلغ حد الوجوب لما في ذلك من التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و وضع الأشياء مواقعها و أما السلطان الجور فمتي علم الإنسان أو غلب علي ظنه أنه متي تولي الأمر من قبله أمكن التوصل إلي إقامة الحدود و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قسمة الأخماس و الصدقات في أربابها و صلة الإخوان و لا يكون جميع ذلك مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح فإنه استحب له أن يتعرض لتولي الأمر من قبله انتهي

و قال في السرائر

و أما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولي شيئا من الأمور مختارا من قبله إلا أن يعلم أو يغلب علي ظنه إلي آخر عبارة النهاية بعينها

و في الشرائع

و لو أمن من ذلك أي اعتمار ما يحرم و قدر علي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استحبت

قال في المسالك

اشارة

بعد أن اعترف أن مقتضي ذلك وجوبها و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم و عموم النهي عن الدخول معهم و تسويد الاسم في ديوانهم فإذا لم تبلغ حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب.

و لا يخفي ما في ظاهره من الضعف

كما اعترف به غير واحد لأن الأمر بالمعروف واجب فإذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب عن الظالم حد المنع فلا مانع من الوجوب المقدمي للواجب

و يمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيحة محرمة

المكاسب، ج‌1، ص 57
لأنها توجب إعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكة الظالم فإذا عارضها قبيح آخر و هو ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ليس أحدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف فعلها تحصيلا لمصلحة لأمر بالمعروف و تركها دفعا لمفسدة تسويد اسمهم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم و تقوية شوكتهم. نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم تبلغ حد الإلزام حتي يجعل أحدهما أقل قبحا ليصير واجبا. و الحاصل أن جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية و تخصيص دليله بغير هذه الصورة بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الأمر بالمعروف فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين في غير هذا المقام هذا ما أشار إليه الشهيد بقوله لعموم النهي إلي آخره.

و في الكفاية

أن الوجوب فيما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الأمر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة و ليس بثابت و هو ضعيف لأن عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية كاف مع إطلاق أدلة الأمر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام. نعم ربما يتوهم انصراف الإطلاقات الواردة إلي القدرة العرفية غير المحققة في المقام لكنه تشكيك ابتدائي لا يضر بالإطلاقات

و أضعف منه ما ذكره بعض [صاحب الجواهر]

اشارة

بعد الاعتراض علي ما في المسالك بقوله و لا يخفي ما فيه قال و يمكن تقوية عدم الوجوب- بتعارض ما دل علي وجوب الأمر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية عن الجائر بناء علي حرمتها في ذاتها و النسبة عموم من وجه فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب و قيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة. و أما الاستحباب فيستفاد من خبر محمد بن إسماعيل و غيره الذي هو أيضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوي المشهور و بذلك يرتفع إشكال عدم معقولية الجواز بالمعني الأخص في مقدمة الواجب ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض الوجوب انتهي.

[مناقشة ما أفاده صاحب الجواهر]

و فيه أن الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف و الرجوع إلي الأصول لا التخيير كما قرر في محله و مقتضاها إباحة الولاية للأصل و وجوب الأمر بالمعروف لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه ثم علي تقدير الحكم بالتخيير الذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهري و هو الأخذ بأحدهما بالتزام الفعل أو الترك لا التخيير الواقعي ثم المتعارضان بالعموم من وجه لا يمكن إلغاء ظاهر كل منهما مطلقا بل بالنسبة إلي مادة الاجتماع لوجب إبقاؤهما علي ظاهرهما في مادتي الافتراق فيلزمك استعمال كل من الأمر و النهي في أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن الولاية في الإلزام و الإباحة ثم دليل الاستحباب أخص لا محالة من أدلة التحريم- فتخصص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين أدلة وجوب الأمر بالمعروف. و من المعلوم المقرر في غير مقام أن دليل استحباب الشي‌ء الذي قد يكون مقدمة للواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا علي الخروج عن مقتضاها لأن دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي‌ء في نفسه مع قطع النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن يجب إطاعته أو منذورا و شبهه

فالأحسن في توجيه كلام من عبر بالجواز

مع التمكن من الأمر بالمعروف إرادة الجواز بالمعني الأعم. و أما من عبر بالاستحباب فظاهره إرادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي نظير قولهم يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه مع أنه واجب كفائي لأجل الأمر بالمعروف الواجب كفاية أو يقال إن مورد كلامهم ما إذا لم يكن هناك معروف متروك يجب فعلا الأمر به أو منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك بل يعلم بحسب العادة تحقق مورد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد ذلك و من المعلوم أنه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه و كيف كان فلا إشكال في وجوب تحصيل الولاية إذا كان هناك معروف متروك أو منكر مرتكب يجب فعلا الأمر بالأول و النهي عن الثاني

الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه بالتوعيد علي تركها من الجائر

اشارة

بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه أو علي من يتعلق به بحيث يعد الإضرار به إضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا علي النفس كالأب و الولد و من جري مجراهما و هذا مما لا إشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها لعموم قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً في الاستثناء عن عموم لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ و النبوي ص: رفع عن أمتي ما أكرهوا عليه و قولهم ع: التقية في كل ضرورة و ما من شي‌ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر إليه. إلي غير ذلك مما لا يحصي كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام.

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول [إباحة ما يلزم الولاية بالإكراه من المحرمات عدا إراقة الدم]

اشارة

أنه كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر و ما يتفق في خلالها مما يصدر الأمر به من السلطان الجائر ما عدا إراقة الدم إذا لم يمكن التفصي عنه و لا إشكال في ذلك و إنما الإشكال في أن ما يرجع إلي الإضرار بالغير من نهب الأموال و هتك الأعراض و غير ذلك من العظائم هل تباح كل ذلك بالإكراه و لو كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما إذا خاف علي عرضه من كلمة خشنة لا تليق به فهل يباح بذلك أعراض الناس و أموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة أم لا بد من ملاحظة الضررين و الترجيح بينهما وجهان من إطلاق أدلة الإكراه و أن الضرورات تبيح المحظورات و من أن المستفاد من أدلة الإكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالإضرار بالغير و لو كان ضرر الغير أدون فضلا عن أن يكون أعظم. و إن شئت قلت إن حديث رفع الإكراه و رفع الاضطرار مسوق للامتنان علي جنس الأمة و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بترخيصه في الإضرار بالبعض الآخر فإذا توقف دفع الضرر عن نفسه علي الإضرار بالغير لم يجز و وجب تحمل الضرر هذا و لكن الأقوي هو الأول لعموم دليل نفي الإكراه لجميع المحرمات حتي الإضرار بالغير ما لم يبلغ الدم و عموم نفي الحرج فإن إلزام الغير تحمل الضرر و ترك ما أكره عليه حرج. و قوله ص: إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فإذا بلغ الدم فليس تقية حيث إنه دل علي أن حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.

[حكم دفع الضرر بالإضرار بالغير]

و أما
المكاسب، ج‌1، ص 58
ما ذكر من استفادة كون نفي الإكراه لدفع الضرر فهو مسلم بمعني دفع توجه الضرر و حدوث مقتضية لا بمعني دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضية. بيان ذلك أنه إذا توجه الضرر إلي شخص بمعني حصول مقتضية فرفعه عنه بالإضرار بغيره غير لازم بل غير جائز في الجملة فإذا توجه ضرر علي المكلف بإجباره علي مال و فرض أن نهب مال الغير دافع له فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لرفع الجبر عن نفسه و كذلك إذا أكره علي نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه إلي الغير و توهم أنه كما يسوغ النهب في الثاني لكونه مكرها عليه فترتفع حرمته كذلك يسوغ في الأول لكونه مضطرا إليه أ لا تري أنه لو توقف دفع الضرر علي محرم آخر غير الإضرار بالغير كالإفطار في شهر رمضان أو ترك الصلاة أو غيرهما ساغ له ذلك المحرم. و بعبارة أخري الإضرار بالغير من المحرمات فكما ترتفع حرمته بالإكراه كذلك ترتفع بالاضطرار لأن نسبة الرفع إلي ما أكرهوا عليه و ما اضطروا إليه علي حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين في الصغري بعد اشتراكهما في الكبري المتقدمة و هي أن الضرر المتوجه إلي شخص لا يجب دفعه بالإضرار بغيره بأن الضرر في الأول متوجه إلي نفس الشخص فرفعه عن نفسه بالإضرار بالغير غير جائز و عموم رفع ما اضطروا إليه لا يشمل الإضرار بالغير المضطر إليه لأنه مسوق للامتنان علي الأمة فترخيص بعضهم في الإضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه و صرفه إلي غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح فعموم ما اضطروا إليه في حديث الرفع مختص بغير الإضرار بالغير من المحرمات. و أما الثاني فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلي الغير بحسب التزام المكره بالكسر و إرادته الحتمية و المكره بالفتح و إن كان مباشرا إلا أنه ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر إلي الغير حتي يقال إنه أضر بالغير لئلا تتضرر نفسه. نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلي نفسه عرفا لكن الشارع لم يوجب هذا و الامتنان بهذا علي بعض الأمة لا قبح فيه كما أنه لو أراد ثالث الإضرار بالغير لم يجب علي الغير تحمل الضرر و صرفه عنه إلي نفسه هذا كله مع أن أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين فإنه لا حرج في أن لا يرخص الشارع في دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره بخلاف ما لو ألزم الشارع الإضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه إلي الغير فإنه حرج قطعا.

الثاني أن الإكراه يتحقق بالتوعد بالضرر

اشارة

علي ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله ممن يكون ضرره راجعا إلي تضرره و تألمه و أما إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه إلا الضرر علي بعض المؤمنين ممن يعد أجنبيا من المكره بالفتح فالظاهر أنه لا يعد ذلك إكراها عرفا إذ لا خوف له يحمله علي فعل ما أمر به و بما ذكرنا من اختصاص الإكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه أو بمن يجري مجراه كالأب و الولد صرح في الشرائع و السرائر و التحرير و الروضة البهية و غيرها. نعم لو خاف علي بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين لقيام الدليل علي وجوب مراعاة المؤمنين و عدم تعريضهم للضرر مثل ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين ع قال: و لأن تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحك التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك من أوليائنا و إخواننا فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك و تتقطع به عن عمل في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين و إياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك و دماء إخوانك معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال مذل لهم في أيدي أعداء دين الله و قد أمرك الله بإعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك علي إخوانك و نفسك أشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا إلي آخر الحديث. لكن لا يخفي أنه لا يباح بهذا النحو من التقية الإضرار بالغير لعدم شمول أدلة الإكراه لهذا لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره بالفتح و لا بمن يتعلق به و عدم جريان أدلة نفي الحرج إذ لا حرج علي المأمور لأن المفروض تساوي من أمر بالإضرار به و من يتضرر بترك هذا الأمر من حيث النسبة إلي المأمور مثلا لو أمر الشخص بنهب مال المؤمن و لا يترتب علي مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر فلا حرج حينئذ في تحريم نهب مال الأول بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة من الغرض في التقية خصوصا مع كون المال المنهوب للأول أعظم بمراتب فإنه يشبه بمن فر من المطر إلي الميزاب بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الإضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الأعظم من غيره. نعم إلا لدفع ضرر النفس في وجه مع ضمان ذلك الضرر

[المناقشة في إطلاق تسويغ ما عدا إراقة الدم بالإكراه]

و بما ذكرنا ظهر أن إطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات بترتب ضرر مخالفة المكره عليه علي نفس المكره أو علي أهله أو علي الأجانب من المؤمنين لا يخلو عن بحث إلا أن يريدوا الخوف علي خصوص نفس بعض المؤمنين فلا إشكال في تسويغه لما عدا الدم من المحرمات إذ لا يعادل نفس المؤمن شي‌ء فتأمل. قال في القواعد و تحرم الولاية من الجائر إلا مع التمكن من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أو مع الإكراه بالخوف علي النفس أو المال أو الأهل أو علي بعض المؤمنين فيجوز ائتمار ما يأمره إلا القتل انتهي. و لو أراد بالخوف علي بعض المؤمنين الخوف علي أنفسهم دون أموالهم و أعراضهم لم يخالف ما ذكرناه و قد شرح العبارة بذلك بعض الأساطين فقال إلا مع الإكراه بالخوف علي النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بالحال من تلف أو حجب أو العرض من جهة النفس أو الأهل أو الخوف فيما عدا الوسط علي بعض المؤمنين فيجوز حينئذ ائتمار ما يأمره انتهي. و مراده بما عدا الوسط الخوف علي نفس بعض المؤمنين و أهله

[الفرق بين الإكراه و دفع الضرر المخوف]

و كيف كان فهنا عنوانان الإكراه و دفع الضرر للخوف عن نفسه و عن غيره من المؤمنين من دون إكراه. و الأول يباح به كل محرم و الثاني إن كان متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتي الإضرار المالي بالغير لكن الأقوي استقرار الضمان عليه إذا تحقق سببه لعدم الإكراه المانع عن الضمان أو استقراره. و أما الإضرار بالعرض بالزني و نحوه ففيه تأمل و لا يبعد ترجيح النفس عليه و إن كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الإضرار بالغير أصلا حتي في اليسير من المال فإذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز و إن كان متعلقا بالعرض- ففي جواز الإضرار
المكاسب، ج‌1، ص 59
بالمال مع الضمان أو العرض الأخف من العرض المدفوع عنه تأمل. و أما الإضرار بالنفس أو العرض الأعظم فلا يجوز بلا إشكال هذا و قد وقع في كلام بعض تفسير الإكراه بما يعم لحوق الضرر. قال في المسالك ضابط الإكراه المسوغ للولاية الخوف علي نفس أو المال أو العرض عليه أو علي بعض المؤمنين انتهي. و يمكن أن يريد بالإكراه مطلق المسوغ للولاية لكن صار هذا التعبير منه منشأ لتخيل غير واحد أن الإكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعني.

الثالث [في اعتبار عدم القدرة علي التفصي]

أنه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين أنه يظهر من الأصحاب أن في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه أقوالا ثالثها التفصيل بين الإكراه علي نفس الولاية المحرمة فلا تعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي و الذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الإكراه عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا و لم يتوقف علي ضرر كما إذا أكره علي أخذ المال من مؤمن فيظهر أنه أخذ المال و جعله في بيت المال مع عدم أخذه واقعا أو أخذه جهرا ثم رده إليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين و كما إذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد و يحسن ضيافته و يظهر أنه حبسه و شدد عليه و كذا لا خلاف في أنه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير و كأن منشأ زعم الخلاف ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه خلاف ما اعتمد عليه. قال في الشرائع بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية دفعا للضرر اليسير مع الكراهة و الكثير بدونها إذا أكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره مع عدم القدرة علي التفصي منه إلا في دماء المحرمة فإنه لا تقية فيها انتهي قال في المسالك ما ملخصه أن المصنف ذكر في هذه المسألة شرطين الإكراه و العجز عن التفصي و هما متغايران و الثاني أخص و الظاهر أن مشروطهما مختلف فالأول شرط في أصل قبول الولاية و الثاني شرط للعمل بما يأمره ثم فرع عليه أن الولاية إن أخذت مجردة عن الأمر بالمحرم فلا يشترط في جوازه بالإكراه. و أما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالإكراه خاصة و لا يشترط فيه الإلجاء بحيث لا يقدر علي خلافه و قد صرح به الأصحاب في كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح إلا أن يريد به أصل الإكراه إلي أن قال إن الإكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و إن قدر علي المخالفة مع خوف الضرر انتهي موضع الحاجة من كلامه. أقول لا يخفي علي المتأمل أن المحقق رحمه الله لم يعتبر شرطا زائدا علي الإكراه إلا أن الجائر إذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته كما هو الغالب و أمكن في بعضها المخالفة واقعا و دعوي الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي. و كيف كان فعبارة الشرائع واقعة علي طبق المتعارف من تولية الولاة و أمرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها و ليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفي. و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسبة عدم الخلاف المتقدم إلي الأصحاب و من أنه علي القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة علي بذل مال كثير لزم ثم قال و هو أحوط بل أقرب.

الرابع أن قبول الولاية مع الضرر المالي

الذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة فيجوز تحمل الضرر المذكور لأن الناس مسلطون علي أموالهم بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.

الخامس لا يباح بالإكراه قتل المؤمن

اشارة

و لو توعد علي تركه بالقتل إجماعا علي الظاهر المصرح به في بعض الكتب و إن كان مقتضي عموم نفي الإكراه و الحرج الجواز إلا أنه قد صح عن الصادقين ص أنه: إنما شرعت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية. و مقتضي العموم أنه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الأنوثة و العلم و الجهل و الحر و العبد و غير ذلك

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل لحد

ففي العموم وجهان من إطلاق قولهم لا تقية في الدماء و من أن المستفاد من قوله ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية أن المراد الدم المحقون دون المأمور بإهراقه و ظاهر المشهور الأول.

و أما المستحق للقتل قصاصا

فهو محقون الدم بالنسبة إلي غير ولي الدم

و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف

لأن التقية إنما شرعت لحقن دماء الشيعة فحدها بلوغ دمهم لآدم غيرهم و بعبارة أخري محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء لأنها شرعت لحقنها فلا يشرع لأجلها إهراقها و من المعلوم أنه إذا أكره المؤمن علي قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه هذا كله في غير الناصب و أما الناصب لأنه غير محقون الدم و إنما منع منه حدوث الفتنة فلا إشكال في مشروعية قتله للتقية و مما ذكرنا يظهر حكم دم الذمي و شرعية التقية في إهراقه. و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها.

بقي الكلام في أن الدم يشمل الجرح و قطع الأعضاء أو يختص بالقتل

وجهان من إطلاق الدم و هو المحكي عن الشيخ و من عمومات التقية و نفي الحرج و الإكراه و ظهور الدم المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح و هو المحكي عن الروضة البهية و المصابيح و الرياض و لا يخلو عن قوة

خاتمة فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه و في رعيته

[رسالة النجاشي إلي الإمام الصادق عليه السلام]

روي شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة بإسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه محمد بن عيسي الأشعري عن عبد الله بن سليمان النوفلي قال: كنت عند أبي عبد الله ع فإذا بمولي لعبد الله النجاشي- و قد ورد عليه فسلم و أوصل إليه كتابا ففضه و قرأه فإذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي و جعلني من كل سوء فداه و لا أراني فيه مكروها فإنه ولي ذلك و القادر عليه اعلم سيدي و مولاي إني بليت بولاية الأهواز فإن رأي سيدي و مولاي أن يحد لي حدا و يمثل لي مثالا استدل به علي ما يقربني إلي الله عز و جل و إلي رسوله و يلخص لي في كتابه ما يري لي العمل به و فيما أبذله و أين أضع زكاتي و فيمن أصرفها و بمن آنس و إلي من أستريح و بمن أثق و آمن و ألجأ إليه في سري فعسي أن يخلصني الله تعالي بهدايتك و ولايتك
المكاسب، ج‌1، ص 60
فإنك حجة الله علي خلقه و أمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك

[جواب الإمام الصادق عليه السلام عن رسالة النجاشي]

اشارة

قال عبد الله بن سليمان فأجابه أبو عبد الله ع بسم الله الرحمن الرحيم أحاطك الله بصنعه و لطف بك بمنه و كلأك برعايته فإنه ولي ذلك أما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه و ذكرت أنك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك و ساءني و سأخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني إن شاء الله تعالي

[علة سرور الإمام عليه السلام بولاية النجاشي]

فأما سروري بولايتك فقلت عسي أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد ص و يعز بك ذليلهم و يكسو بك عاريهم و يقوي بك ضعيفهم و يطفئ بك نار المخالفين عنهم

[علة استياء الإمام عليه السلام بولاية النجاشي]

و أما الذي ساءني من ذلك فإن أدني ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حظيرة القدس فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه إن أنت عملت به و لم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالي أخبرني يا عبد الله أبي عن آبائه عن علي ع عن رسول الله ص أنه قال من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلب الله لبه عنه

[ما رسمه الإمام عليه السلام للنجاشي للنجاة من تبعات الولاية]

و أعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت تخافه و اعلم أن خلاصك و نجاتك في حقن الدماء و كف الأذي عن أولياء الله و الرفق بالرعية و التأني و حسن المعاشرة مع لين في غير ضعف و شدة في غير عنف و مداراة صاحبك و من يرد عليك من رسله و أرفق برعيتك بأن توقفهم علي ما وافق الحق و العدل إن شاء الله تعالي و إياك و السعاة و أهل النمائم فلا يلزقن بك منهم أحد و لا يراك الله يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط الله عليك و يهتك سترك و احذر مكر خوزي الأهواز فإن أبي أخبرني عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال إن الإيمان لا يثبت في قلب يهودي و لا خوزي أبدا و أما من تأنس به و تستريح إليه و تلجي‌ء أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك علي دينك و ميز أعوانك و جرب الفريقين فإن رأيت هناك رشدا فشأنك و إياه

[ما ينبغي للوالي الحذر منه]

و إياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل علي دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممزح إلا أعطيت مثله في ذات الله و لتكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الأجناد و أصحاب الرسائل و أصحاب الشرط و الأخماس و ما أردت أن تصرفه في وجوه البر و النجاح و الفطرة و الصدقة و الحج و الشرب و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها و الهدية التي تهديها إلي الله عز و جل و إلي رسول الله ص من أطيب كسبك يا عبد الله اجهد أن لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من أهل هذه الآية وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ و لا تستصغرن من حلو و لا من فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك و تعالي و أعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين ع أنه سمع عن النبي ص يقول لأصحابه يوما ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع فقلنا هلكنا يا رسول الله فقال من فضل طعامكم و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب

و سأنبئك بهوان الدنيا و هوان شرفها علي من مضي من السلف

و التابعين فقد حدثني أبي محمد بن علي بن الحسين ع قال لما تجهز الحسين ع إلي الكوفة أتاه ابن عباس فناشده الله و الرحم أن يكون هو المقتول بالطف فقال أنا أعلم بمصرعي منك و ما وكدي من الدنيا إلا فراقها أ لا أخبرك يا بن عباس بحديث أمير المؤمنين ع و الدنيا فقال له بلي لعمري إني أحب أن تحدثني بأمرها

[تجسم الدنيا لعلي عليه السلام و رفضه لها]

فقال أبي قال علي بن الحسين سمعت أبا عبد الله يقول حدثني أمير المؤمنين ع قال إني [كنت] بفدك في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة ع فإذا أنا بامرأة قد قحمت علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما يداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة الجمحي بنت عامر و كانت من أجمل نساء قريش فقالت يا بن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فأغنيك عن هذه المسحاة و أدلك علي خزائن الأرض فيكون لك الملك ما بقيت و لعقبك من بعدك فقال لها علي ع من أنت حتي أخطبك من أهلك فقالت أنا الدنيا قال لها فارجعي و اطلبي زوجا غيري فأقبلت علي مسحاتي و أنشأت أقول
لقد خاب من غرته دنيا دنية و ما هي إن غرت قرونا بطائل
أتتنا علي زي العزيز بثينة و زينتها في مثل تلك الشمائل
فقلت لها غري سواي فإنني عزوف عن الدنيا و لست بجاهل
و ما أنا و الدنيا فإن محمدا أحل صريعا بين تلك الجنادل
و هيها أتتني بالكنوز و درها و أموال قارون و ملك القبائل
أ ليس جميعا للفناء مصيرها و يطلب من خزانها بالطوائل
فغري سواي إنني غير راغب بما فيك من ملك و عز و نائل
فقد قنعت نفسي بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل
فإني أخاف الله يوم لقائه و أخشي عذابا دائما غير زائل فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتي لقي الله تعالي محمودا غير ملوم و لا مذموم ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشي‌ء من بوائقها

[ما يكفر عن الوالي]

و قد وجهت إليك بمكارم الدنيا و الآخرة: و عن الصادق المصدق رسول الله ص فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا كمثل أوزان الجبال و أمواج البحار رجوت الله أن يتجاوز عنك جل و عز بقدرته

[جملة من حقوق المؤمن علي المؤمن]

يا عبد الله إياك أن تخيف مؤمنا فإن أبي محمد بن علي ع حدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ع أنه كان يقول من نظر إلي مؤمن نظره ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله و حشره في صورة الذر لحمه و جسده و جميع أعضائه حتي يورده مورده و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع عن النبي ص قال من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله و آمنه الفزع الأكبر و آمنه من سوء المنقلب و من قضي لأخيه المؤمن حاجة قضي الله له حوائج كثيرة إحداها الجنة و من كسا أخاه المؤمن جبة عن عري كساه الله من سندس الجنة و إستبرقها و حريرها و لم يزل يخوض في رضوان الله ما دام علي المكسو منها سلك و من أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظمإ سقاه الله من الرحيق المختوم و من أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين و أسكنه مع أوليائه الطاهرين و من حمل أخاه المؤمن علي راحلة حمله الله علي ناقة من نوق الجنة و باهي به الملائكة المقربين يوم القيامة و من زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها و تشد عضده و يستريح إليها زوجه الله من الحور العين و آنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه ع و إخوانه
المكاسب، ج‌1، ص 61
و آنسهم به و من أعان أخاه المؤمن علي سلطان جائر أعانه الله علي إجازة الصراط عند زلة الأقدام و من زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله و كان حقيقا علي الله أن يكرم زائره يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع أنه سمع رسول الله ص يقول لأصحابه يوما معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين فإنه من تتبع عثرة مؤمن أتبع الله عثراته يوم القيامة و فضحه في جوف بيته و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع أنه قال أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته و لا ينتصف من عدوه علي أن لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه لأن كل مؤمن ملجم و ذلك لغاية قصيرة و راحة طويلة و أخذ الله ميثاق المؤمن علي أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يعيبه و يحسده و الشيطان يغويه و يمقته و السلطان يقفو أثره و يتبع عثراته و كافر بالذي هو مؤمن به يري سفك دمه دينا و إباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه ع عن علي عن النبي ص قال نزل جبرئيل ع فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام و يقول اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي سميته مؤمنا فالمؤمن مني و أنا منه من استهان بمؤمن فقد استقبلني بالمحاربة يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عن النبي صلي الله عليهم أجمعين أنه قال يوما يا علي لا تناظر رجلا حتي تنظر في سريرته فإن كانت سريرته حسنة فإن الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه و إن كانت سريرته ردية فقد تكفيه مساوية فلو جهدت أن تعمل به أكثر مما عمل به عن معاصي الله عز و جل ما قدرت عليه يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع عن النبي ص قال إنه قال أدني الكفر أن يسمع الرجل عن أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها أولئك لا خلاق لهم يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع أنه قال من قال في مؤمن ما رأت عيناه و سمعت أذناه ما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي ع أنه قال من روي عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و ثلبه أوبقه الله بخطيئته يوم القيامة حتي يأتي بمخرج مما قال و من أدخل علي أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل علي أهل بيت نبيه ص سرورا و من أدخل علي بيت نبيه سرورا فقد أدخل علي رسول الله ص سرورا و من أدخل علي رسول الله ص سرورا فقد سر الله و من سر الله فحقيق علي الله أن يدخله جنته ثم إني أوصيك بتقوي الله و إيثار طاعته و الاعتصام بحبله فإنه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلي صراط مستقيم فاتق الله و لا تؤثر أحدا علي رضاه و هواه فإنه وصية الله عز و جل إلي خلقه لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها و اعلم أن الخلق لم يوكلوا بشي‌ء أعظم من تقوي الله فإنه وصيتنا أهل البيت فإن استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل

[ما قاله النجاشي عند وصول كتاب الإمام إليه]

قال عبد الله بن سليمان فلما وصل كتاب الصادق ع إلي النجاشي نظر فيه فقال صدق و الله الذي لا إله إلا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا قال فلم يزل عبد الله يعمل به أيام حياته
هجاء المؤمن

السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة

اشارة

لأنه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر و كل ذلك كبيرة موبقة

[تفسير الهجاء]

و يدل عليه فحوي ما تقدم في الغيبة بل البهتان أيضا بناء علي تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح فيعم ما فيه من المعايب و ما ليس فيه كما عن القاموس و النهاية و المصباح لكن مع تخصيصه فيها بالشعر. و أما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد فلا يخلو عن تأمل و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره. و أما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين فالمراد به الخارجون عن الإيمان أو المتجاهرون بالفسق

[هجاء المخالف و الفاسق المبدع]

و احترز بالمؤمن عن المخالف فإنه يجوز هجوه لعدم احترامه و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع لئلا يؤخذ ببدعة لكن بشرط الاقتصار علي المعايب الموجودة فيه فلا يجوز بهته بما ليس فيه لعموم حرمة الكذب و ما تقدم من الخبر في الغيبة- من قوله ع في حق المبتدعة: باهتوهم كيلا يطمعوا في إضلالكم محمول علي اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به بأن يقال لعله زان أو سارق و كذا إذا زاد ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة- و يحتمل إبقاؤه علي ظاهره بتجويز الكذب عليهم لأجل المصلحة فإن مصلحة تنفير الخلق عنهم أقوي من مفسدة الكذب.
و في رواية أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال: قلت له إن بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم فقال الكف عنهم أجمل ثم قال لي و الله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ثم قال نحن أصحاب الخمس و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا و في صدرها دلالة علي جواز الافتراء و هو القذف علي كراهة ثم أشار ع إلي أولوية قصد الصدق بإرادة الزني من حيث استحلال حقوق الأئمة
الهجر

الثامنة و العشرون الهجر بالضم و هو الفحش من القول و ما استقبح

التصريح به منه
ففي صحيحة أبي عبيدة: البذاء من الجفاء و الجفاء في النار و في النبوي: إن الله حرم الجنة علي كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه و في رواية سماعة: إياك أن تكون فحاشا و في النبوي: إن من شر عباد الله من يكره مجالسته لفحشه و في رواية: من علامات شرك الشيطان الذي لا شك فيه أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال و لا ما قيل فيه إلي غير ذلك من الأخبار. هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة
الأجرة علي الواجبات

[النوع] الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الإنسان فعله

[أخذ الأجرة علي الواجب]

اشارة

عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا علي المشهور كما في المسالك بل عن مجمع البرهان كان دليله الإجماع و الظاهر أن نسبته إلي الشهرة في المسالك في مقابل قول السيد المخالف في وجوب تجهيز الميت علي غير الولي لا في حرمة أخذ الأجرة علي تقدير الوجوب عليه. و في جامع المقاصد الإجماع علي عدم جواز أخذ الأجرة علي تعليم صيغة النكاح أو إلقائها علي المتعاقدين انتهي. و كأن لمثل هذا و نحوه ذكر في الرياض أن علي هذا الحكم الإجماع في كلام جماعة و هو الحجة انتهي.

[تحديد موضوع المسألة]

و اعلم أن موضوع هذه المسألة ما إذا كان للواجب علي العامل منفعة تعود إلي من يبذل بإزائه المال كما لو كان كفائيا و أراد سقوطه منه فاستأجر غيره أو كان عينيا علي العامل و رجع نفعه منه إلي باذل المال كالقضاء للمدعي إذا وجب عينا. و بعبارة أخري مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستيجار عليه لا أن الكلام في كون مجرد
المكاسب، ج‌1، ص 62
الوجوب علي الشخص مانعا عن أخذ الأجرة عليه فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال إلي باذله فإن النافلة أيضا كذلك

و من هنا يعلم فساد الاستدلال علي هذا المطلب بمنافاة ذلك للإخلاص في العمل

لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلي. و قد يرد ذلك بأن تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد الإخلاص و فيه مضافا إلي اقتضاء ذلك الفرق بين الإجارة و الجعالة حيث إن الجعالة لا توجب العمل علي العامل أنه إن أريد أن تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الإخلاص فلا ريب أن الوجوب الحاصل بالإجارة توصلي لا يشترط في حصول ما وجب به قصد القربة مع أن غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الإخلاص في العمل لا لاعتباره في وجوبه. و إن أريد أنه يؤكد تحقق الإخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا لأن ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان هذا مع أن الوجوب الناشئ من الإجارة إنما يتعلق بالوفاء بعقد الإجارة. و مقتضي الإخلاص المعتبر في ترتب الثواب علي موافقة هذا الأمر و لو لم يعتبر في سقوطه هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله فهذا المعني ينافي وجوب إتيان العبادة لأجل استحقاقه تعالي إياه و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء كما في الجعالة لم يمكن قصد الإخلاص مع قصد استحقاق العوض فلا إخلاص هنا حتي يؤكده وجوب الوفاء بعد إيجاب بالإجارة فالمانع حقيقة هو عدم القدرة علي إيجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض سواء أ كانت المعاوضة لازمة أم جائزة

و أما تأتي القربة في العبادات المستأجرة

- فلأن الإجارة إنما تقع علي الفعل المأتي به تقربا إلي الله نيابة عن فلان. توضيحه أن الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا إلي الله فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالي بعمل نائبه و تقربه و هذا الجعل في نفسه مستحب لأنه إحسان إلي المنوب عنه و إيصال نفع إليه و قد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالإجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه التقرب فالأجير إنما يجعل نفسه لأجل استحقاق الأجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا إلي الله فالأجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به إلي الله التي مرجع نفعها إلي المنوب عنه و هذا بخلاف ما نحن فيه لأن الأجرة هنا في مقابل العمل تقربا إلي الله لأن العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه إلي العامل لأن المفروض أنه يمتثل ما وجب علي نفسه بل في مقابل نفس العمل فهو يستحق نفس العمل و المفروض أن الإخلاص هو إتيان العمل لخصوص أمر الله تعالي و التقرب يقع للعامل دون الباذل و وقوعه للعامل يتوقف علي أن لا يقصد بالعبادة سوي امتثال أمر الله تعالي. فإن قلت يمكن للأجير أن يأتي بالفعل مخلصا لله تعالي بحيث لا يكون للإجارة دخل في إتيانه فيستحق الأجرة فالإجارة غير مانعة من قصد الإخلاص. قلت الكلام في أن مورد الإجارة لا بد أن يكون عملا قابلا لأن يوفي به بعقد الإجارة و يؤتي به لأجل استحقاق المستأجر إياه و من باب تسليم مال الغير إليه و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك. فإن قلت يمكن أن تكون غاية الفعل التقرب و المقصود من إتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الأجرة كما يؤتي بالفعل تقربا إلي الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين و سعة الرزق و غيرهما من الحاجات الدنيوية. قلت فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب إليه بالعمل و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الأجرة فإن طلب الحاجة من الله تعالي سبحانه و لو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها. و كيف كان فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدي في الجملة إلا أن مقتضاه جواز أخذ الأجرة في التوصليات و عدم جوازه في المندوبات التعبدية فليس مطردا و لا منعكسا.

[استدلال بعض الأساطين علي الحرمة و توضيحه]

اشارة

نعم قد استدل علي المطلب بعض الأساطين في شرحه علي القواعد بوجوه أقواها أن التنافي بين صفة الوجوب و التملك ذاتي لأن الملوك المستحق لا يملك و لا يستحق ثانيا. توضيحه أن الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتي يملكه المستأجر في مقابل تمليكه المال إياه فإذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه فيصير نظير العمل المملوك للغير. أ لا تري أنه إذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز له أن يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل و ليس إلا لأن الفعل صار مستحقا للأول و مملوكا له فلا معني لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه علي ملك الأول و هذا المعني موجود فيما أوجبه الله تعالي خصوصا فيما يرجع إلي حقوق الغير حيث إن حاصل الإيجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها علي الحي فلا يستحقها غيره ثانيا هذا.

[المناقشة في الاستدلال]

و لكن الإنصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل و بين استحقاق المستأجر له و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمي و تملكه الذي ينافي تملك الغير و استحقاقه

[الاستدلال علي الحرمة في الواجب الكفائي و مناقشته]

ثم إن هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العيني. و أما الكفائي فاستدل علي عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره لأنه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك و فيه منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغير فإن آثار الفعل حينئذ ترجع إلي الغير فإذا وجب إنقاذ غريق كفاية أو إزالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحدا غيره فثواب الإنقاذ و الإزالة يقع للمستأجر دون الأجير المباشر لهما. نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة و من هذا القبيل الاستيجار للجهاد مع وجوبه كفاية علي الأجير و المستأجر.

[عدم وجدان الدليل علي الحرمة غير الإجماع]

و بالجملة فلم أجد دليلا علي هذا المطلب وافيا بجميع أفراده عدا الإجماع الذي لم يصرح به إلا المحقق الثاني لكنه موهون بوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء و المتأخرين علي ما يشهد به الحكاية و الوجدان.

[وهن الإجماع بنقل الخلاف عن الفقهاء]

إما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة رحمهما الله و غيرهما القول بجواز أخذ الأجرة علي القضاء عن بعض. فقد قال في الشرائع أما
المكاسب، ج‌1، ص 63
لو أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف و كذلك العلامة في المختلف. و قد حكي العلامة الطباطبائي في مصابيحه عن فخر الدين و جماعة التفصيل بين العبادات و غيرها.
و يكفي في ذلك ملاحظة الأقوال التي ذكرها في المسالك في باب المتاجر و أما ما وجدناه فهو أن ظاهر المقنعة بل النهاية و محكي المرتضي جواز الأجر علي القضاء مطلقا و إن أول بعض كلامهم بإرادة الارتزاق. و قد اختار جماعة جواز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن متعينا أو تعين و كان القاضي محتاجا. و قد صرح فخر الدين في الإيضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها فجوز أخذ الأجرة في الأول قال في شرح عبارة والده في القواعد في الاستيجار علي تعليم الفقه ما لفظه الحق عندي أن كل واجب علي شخص معين لا يجوز للمكلف أخذ الأجرة عليه و الذي وجب كفاية فإن كان مما لو أوقعه بغير نية لم يصح و لم يزل الوجوب فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنه عبادة محضة قال الله تعالي وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك و غير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه إلا ما نص الشارع علي تحريمه كالدفن انتهي. نعم رده في محكي جامع المقاصد لمخالفة هذا التفصيل لنص الأصحاب. أقول لا يخفي أن الفخر أعرف بنص الأصحاب من المحقق الثاني فهذا والده قد صرح في المختلف بجواز أخذ الأجرة علي القضاء إذا لم يتعين و قبله المحقق في الشرائع غير أنه قيد صورة عدم التعيين بالحاجة و لأجل ذلك اختار العلامة الطباطبائي في مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل و مع هذا فمن أين الوثوق علي إجماع لم يصرح به إلا المحقق الثاني مع ما طعن به الشهيد الثاني علي إجماعاته بالخصوص في رسالته في صلاة الجمعة

[مقتضي القاعدة في المقام]

و الذي ينساق إليه النظر- أن مقتضي القاعدة في كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز أخذ الأجرة و الجعل عليه و إن كان داخلا في العنوان الذي أوجبه الله علي المكلف ثم إن صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور أو إسقاطه به أو عنده سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة و إن لم يصلح استحق الأجرة و بقي الواجب في ذمته لو بقي وقته و إلا عوقب علي تركه. و أما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة علي الفعل فلم تثبت علي الإطلاق

[اللازم التفصيل بين العيني التعييني فلا يجوز و بين غيره فيجوز]

بل اللازم التفصيل فإن كان العمل واجبا عينيا تعيينيا لم يجز أخذ الأجرة لأن أخذ الأجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله أكل للمال بالباطل لأن عمله هذا لا يكون محترما لأن استيفاءه منه لا يتوقف علي طيب نفسه لأنه يقهر عليها مع عدم طيب النفس و الامتناع. و مما يشهد بما ذكرناه أنه لو فرض أن المولي أمر بعض عبيده بفعل لغرض و كان مما يرجع نفعه أو بعض نفعه إلي غيره فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا و بلا عوض ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه حكم الشارع بجواز أخذ الأجرة علي العمل بعد إيقاعه كما أجاز للوصي أخذ أجرة المثل أو مقدار الكفاية لأن هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة

ثم لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدي من الواجب و التوصلي

مضافا في التعبدي إلي ما تقدم من منافاة أخذ الأجرة علي العمل للإخلاص كما نبهنا عليه سابقا و تقدم عن الفخر و قرره عليه بعض من تأخر عنه.

[حرمة أخذ الأجرة علي المندوب التعبدي]

و منه يظهر عدم جواز أخذ الأجرة علي المندوب إذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب.

[جواز أخذ الأجرة علي الواجب التوصلي التخييري]

و أما الواجب التخييري فإن كان توصليا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة علي أحد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه مشتملا علي نفع محلل للمستأجر و المفروض أنه محترم لا يقهر المكلف عليه فجاز أخذ الأجرة بإزائه فإذا تعين دفن الميت علي شخص و تردد الأمر بين حفر أحد موضعين فاختار الولي أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن

[التفصيل في الواجب التعبدي التخييري]

و إن كان تعبديا فإن قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك و إن كان إيجاد خصوص بعض الأفراد لداع غير الإخلاص فهو كالتوصلي و إن قلنا إن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد كان حكمه كالتعيني.

[التفصيل في الكفائي بين التوصلي و التعبدي]

و أما الكفائي فإن كان توصليا أمكن أخذ الأجرة علي إتيانه لأجل باذل الأجرة فهو العامل في الحقيقة و إن كان تعبديا لم يجز الامتثال به و أخذ الأجرة عليه. نعم يجوز النيابة إن كان مما يقبل النيابة لكنه يخرج عن محل الكلام لأن محل الكلام أخذ الأجرة علي ما هو واجب علي الأجير لا علي النيابة فيما هو واجب علي المستأجر فافهم- .

[حرمة أخذ الأجرة في الكفائي لو كان حقا لمخلوق علي المكلفين]

ثم إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشي‌ء كفاية كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين فكل من أقدم عليه فقد أدي حق ذلك المخلوق فلا يجوز له أخذ الأجرة منه و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و إنقاذ الغريق بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك.

[الإشكال علي أخذ الأجرة علي الصناعات التي يتوقف عليها النظام]

اشارة

ثم إن هنا إشكالا مشهورا و هو أن الصناعات التي يتوقف النظام عليها تجب كفاية لوجوب إقامة النظام بل قد يتعين بعضها علي بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه مع أن جواز أخذ الأجرة عليها مما لا كلام لهم فيه و كذا يلزم أن يحرم علي الطبيب أخذ الأجرة علي الطبابة لوجوبها عليه كفاية أو عينا كالفقاهة

و قد تفصي عنه بوجوه

أحدها

الالتزام بخروج ذلك بالإجماع و السيرة القطعيين.

الثاني الالتزام بجواز أخذ الأجرة علي الواجبات إذا لم تكن تعبدية

و قد حكاه في المصابيح عن جماعة و هو ظاهر كل من جوز أخذ الأجرة علي القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته في الشرائع و المختلف عن بعض و فيه ما تقدم سابقا- من أن الأقوي عدم جواز أخذ الأجرة عليه.

الثالث ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الأخذ بصورة قيام من به الكفاية

فلا يكون حينئذ واجبا و فيه أن ظاهر العمل و الفتوي جواز الأخذ و لو مع بقاء الوجوب الكفائي بل و مع وجوبه عينا للانحصار.

الرابع ما في مفتاح الكرامة من أن المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها

كأحكام الموتي و تعليم الفقه دون ما يجب لغيره كالصنائع و فيه أن هذا التخصيص إن كان لاختصاص معاقد إجماعاتهم و عنوانات كلامهم فهو خلاف الموجود منها و إن كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه.

الخامس أن المنع عن أخذ الأجرة علي الصناعات الواجبة لإقامة النظام يوجب اختلال النظام

لوقوع أكثر الناس في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها و الالتزام بالأسهل فإنهم لا يرغبون بالصناعات
المكاسب، ج‌1، ص 64
الشاقة أو الدقيقة إلا طمعا في الأجرة و زيادتها علي ما يبذل لغيرها من الصناعات و تسويغ أخذ الأجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام. و فيه أن المشاهد بالوجدان أن اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها ناش عن الدواعي الأخر غير زيادة الأجرة مثل عدم قابليته لغير ما يختار أو عدم ميلة إليه أو عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشأ في تحمل المشقة أ لا تري أن أغلب الصنائع الشاقة من الكفائيات كالفلاحة و الحرث و الحصاد و شبه ذلك لا تزيد أجرتها علي الأعمال السهلة.

السادس أن الوجوب في هذه الأمور مشروط بالعوض

. قال بعض الأساطين بعد ذكر ما يدل علي المنع عن أخذ الأجرة علي الواجب أما ما كان واجبا مشروطا فليس بواجب قبل حصول الشرط فتعلق الإجارة به قبله لا مانع منه و لو كانت هو الشرط في وجوبه فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات لم تجب إلا بشرط العوض بإجارة أو جعالة أو نحوهما فلا فرق بين وجوبها العيني للانحصار و وجوبها الكفائي لتأخير الوجوب عنها و عدمه قبلها كما أن بذل الطعام و الشراب للمضطر إن بقي علي الكفاية أو تعين يستحق فيه أخذ العوض علي الأصح لأن وجوبه مشروط بخلاف ما وجب مطلقا بالأصالة كالنفقات أو بالعارض كالمنذور و نحوه انتهي كلامه رحمه الله و فيه أن وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض لأنه لإقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة فإن الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة في بعض الأوقات واجبة بذل له العوض أم لم يبذل

السابع أن وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها

و إنما ثبت من حيث الأمر بإقامة النظام غير متوقفة علي العمل تبرعا بل يحصل به و بالعمل بالأجرة فالذي يجب علي الطبيب لأجل إحياء النفس و إقامة النظام بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به بل له أن يتبرع به و له أن يطلب الأجرة و حينئذ فإن بذل المريض الأجرة وجب عليه العلاج و إن لم يبذل الأجرة و المفروض أداء ترك العلاج إلي الهلاك أجبره الحاكم حسبة علي بذل الأجرة للطبيب و إن كان المريض مغمي عليه دفع عنه وليه و إلا جاز للطبيب العمل بقصد الأجرة فيستحق الأجرة في ماله و إن لم يكن له مال ففي ذمته فيؤدي في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها. و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بناء علي المشهور و أما ما أمر به من باب إقامة النظام فأقامه النظام تحصل ببذل النفس للعمل في الجملة و أما العمل تبرعا فلا و حينئذ فيجوز طلب الأجرة من المعمول له إذا كان أهلا للطلب منه و قصدها إذا لم يكن ممن يطلب منه كالغائب الذي يعمل فيما له عمل لدفع الهلاك عنه و كالمريض المغمي عليه و فيه أنه إذا فرض وجوب إحياء النفس و وجب العلاج مقدمة له فأخذ الأجرة عليه غير جائز- .

[مختار المؤلف]

فالتحقيق علي ما ذكرنا سابقا أن الواجب إذا كان عينيا تعينيا لم يجز أخذ الأجرة عليه و لو كان من الصناعات فلا يجوز للطبيب أخذ الأجرة علي بيان الدواء أو بعد تشخيص الدواء و أما أخذ الوصي الأجرة علي تولي أموال الطفل الموصي عليه الشامل بإطلاقه لصورة تعين العمل عليه فهو من جهة الإجماع و النصوص المستفيضة علي أن له أن يأخذ شيئا و إنما وقع الخلاف في تعيينه فذهب جماعة إلي أن له أجرة المثل حملا للأخبار علي ذلك و لأنه إذا فرض احترام عمله بالنص و الإجماع فلا بد من كون العوض أجرة المثل. و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوي في تلك المسألة ترشد إلي خروجها عما نحن فيه و أما باذل المال للمضطر- فهو إنما يرجع بعوض المبذول لا بأجرة البذل- فلا يرد نقضا في المسألة و أما رجوع الأم المرضعة بعض إرضاع اللبأ مع وجوبه عليها بناء علي توقف حياة الولد عليه فهو إما من قبيل بذل المال للمضطر و إما من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل من جهة عموم الآية فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فافهم و إن كان كفائيا جاز الاستيجار عليه فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه و عن غيره و إن لم يحصل الامتثال. و من هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة علي حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه فإن العلاج و إن كان معينا عليه إلا أن الجمع بينه و بين المريض مقدمة للعلاج واجب كفائي بينه و بين أولياء المريض فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الأولياء إلا أنه لا بأس بأخذ الأجرة عليه. نعم يستثني من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير يستحقه من المكلف كما قد يدعي أن الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت أن للميت حقا علي الأحياء في التجهيز فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد أدي حق الميت فلا يجوز أخذ الأجرة عليه و كذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه و ما يحتاج إليه كصيغة النكاح و نحوها لكن تعيين هذا يحتاج إلي لطف قريحة هذا تمام الكلام في أخذ الأجرة علي الواجب.

و أما الحرام

فقد عرفت عدم جواز أخذ الأجرة عليه

و أما المكروه و المباح

فلا إشكال في جواز أخذ الأجرة عليهما

و أما المستحب

اشارة

و المراد منه ما كان له نفع قابل لأن يرجع إلي المستأجر لتصح الإجارة من هذه الجهة فهو بوصف كونه مستحبا علي المكلف لا يجوز أخذ الأجرة عليه لأن الموجود من هذا الفعل في الخارج لا يتصف بالاستحباب إلا مع الإخلاص الذي ينافيه إتيان الفعل لاستحقاق المستأجر إياه كما تقدم في الواجب. و حينئذ فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقفا علي نية القربة لم يجز أخذ الأجرة عليه كما إذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدي به لأن المفروض بعد الإجارة عدم تحقق الإخلاص و المفروض مع عدم تحقق الإخلاص عدم حصول نفع منه عائد إلي المستأجر و ما يخرج بالإجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستيجار عليه و من هذا القبيل الاستيجار علي العبادة لله تعالي أصالة- لا نيابة و إهداء ثوابها إلي المستأجر فإن ثبوت الثواب للعامل موقوف علي قصد الإخلاص المنفي مع الإجارة و إن كان حصول النفع غير متوقف علي الإخلاص جاز الاستيجار عليه كبناء المساجد و إعانة المحاويج فإن من بني لغيره مسجدا عاد إلي الغير نفع بناء المسجد و هو ثوابه و إن لم يقصد البناء من عمله إلا أخذ الأجرة. و كذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج و المشي في حوائجهم فإن الماشي لا يقصد إلا الأجرة إلا أن نفع المشي عائد إلي المستأجر

و من هذا القبيل استيجار الشخص للنيابة عنه في العبادات التي تقبل النيابة

المكاسب، ج‌1، ص 65
كالحج و الزيارة و نحوهما فإن نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر و إن كانت مستحبة إلا أن ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف علي قصد النائب الإخلاص في نيابته بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير و عمل العمل بقصد التقرب الذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الإخلاص في امتثال أو أمر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها أصلا و لم يعلم بوجودها فضلا عن أن يقصد امتثالها أ لا تري أن أكثر العوام الذين يعملون الخيرات لأمواتهم لا يعلمون ثبوت الثواب لأنفسهم في هذه النيابة بل يتخيلون النيابة مجرد إحسان إلي الميت لا يعود نفع منه إلي نفسه و التقرب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا هو تقرب المنوب عنه لا تقرب النائب فيجوز أن ينوب لأجل مجرد استحقاق الأجرة عن فلان بأن ينزل نفسه منزلته في إتيان الفعل قربة إلي الله ثم إذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الإجارة فالأجير غير متقرب في نيابته لأن الفرض عدم علمه أحيانا بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير فالتقرب يحصل للغير.

[الإشكال بكون الإخلاص منافيا للإجارة و الجواب عنه]

فإن قلت الموجود في الخارج من الأجير ليس إلا الصلاة عن الميت مثلا و هذا متعلق الإجارة و النيابة فإن لم يمكن الإخلاص في متعلق الإجارة لم يترتب علي تلك الصلاة نفع للميت و إن أمكن لم يناف الإخلاص لأخذ الأجرة كما ادعيت و ليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها إلي الله تعالي شيئا و نفس الصلاة شيئا آخر حتي يكون الأول متعلقا للإجارة و الثاني موردا للإخلاص. قلت القربة المانع اعتبارها من تعلق الإجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الإجارة و إن اتحد خارجا مع ما يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للإجارة فالصلاة الموجودة في الخارج علي جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنها نيابة عن الغير و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه إلي المباح و الراجح و المرجوح و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار تترتب عليه الآثار الدنيوية و الأخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة و الإجارة تتعلق به بالاعتبار الأول و التقرب بالاعتبار الثاني فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال ناب عن فلان و فعل كأنه صادر عن المنوب عنه فيمكن أن يقال علي سبيل المجاز صلي فلان و لا يمكن أن يقال ناب فلان فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستيجار علي الأول الذي لا يعتبر فيه القربة.

[جواز الاستئجار للميت]

و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوي و عملا من جواز الاستيجار علي العبادات للميت و أن الاستشكال في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار القربة فيها ممكن الدفع- خصوصا بملاحظة و ما ورد من الاستيجار للحج و دعوي خروجه بالنص فاسدة لأن مرجعها إلي عدم اعتبار القربة في الحج و أضعف منها دعوي أن الاستيجار علي المقدمات كما لا يخفي مع أن ظاهر ما ورد في استيجار مولانا الصادق ع للحج عن ولده إسماعيل كون الإجارة علي نفس الأفعال.

[عدم جواز إتيان ما وجب بالإجارة عن نفسه]

ثم اعلم أنه كما لا يستحق الغير بالإجارة- ما وجب علي المكلف علي وجه العبادة كذلك لا يؤتي علي وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالإجارة فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه كما صرح به في المختلف بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف- كما صرح به جماعة تبعا للإسكافي لأن المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة لأن استحقاق الحمل غير استحقاق الإطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع. و في المسألة أقوال قال في الشرائع و لو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه انتهي و قال في المسالك هذا إذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه أما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لأن الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره فلا يجوز صرفها إلي نفسه- و في المسألة أقوال هذا أجودها انتهي و أشار بالأقوال إلي القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد علي إشكال. و القول الآخر ما في الدروس من أنه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه انتهي. و الثالث ما ذكره في المسالك من التفصيل. و الرابع ما ذكره بعض محشي الشرائع من استثناء صورة الاستيجار علي الحمل. و الخامس الفرق بين الاستيجار للطواف به و بين الاستيجار لحمله في الطواف و هو ما اختاره في المختلف. و بني فخر الدين في الإيضاح جواز الاحتساب في صورة الاستيجار للحمل التي استشكل والده رحمه الله فيها علي أن ضم نية التبرد إلي الوضوء قادح أم لا. و المسألة مورد نظر و إن كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.

[أخذ الأجرة علي الأذان]

اشارة

ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه- من عدم جواز الاستيجار علي المستحب إذا كان من العبادات أنه لا يجوز أخذ الأجرة علي أذان المكلف لصلاة نفسه إذا كان مما يرجع نفع منه إلي الغير لأجله يصح الاستيجار كالإعلام بدخول الوقت و الاجتزاء به في الصلاة و كذا أذان المكلف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكري و علي الأشهر كما في الروضة و هو المشهور كما في المختلف و مذهب الأصحاب إلا من شذ كما عنه و عن جامع المقاصد و بالإجماع كما عن محكي الخلاف بناء علي أنه عبادة يعتبر فيها وقوعها لله فلا يجوز أن يستحقه الغير.

[ما يدل علي عدم جواز الأجرة علي الأذان]

و في رواية زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي ع: أنه أتاه رجل فقال له و الله إني أحبك لله فقال له لكني أبغضك لله قال و لم قال لأنك تبغي في الأذان أجرا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا و في رواية حمران الواردة في فساد الدنيا و اضمحلال الدين و فيها قوله ع: و رأيت الأذان بالأجرة و الصلاة بالأجر و يمكن أن يقال إن مقتضي كونه عبادة عدم حصول الثواب إذا لم يتقرب به لا فساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به و إن لم يتقرب به نعم لو قلنا بأن الإعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتي بالأذان الذي لا يتقرب به صح ما ذكر لكن ليس كذلك و أما الرواية فضعيفة- و من هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكري و المسالك و مجمع البرهان و البحار بعد أن حكي عن علم الهدي رحمه الله و لو اتضحت دلالة الروايات أمكن جبر سند الأولي
المكاسب، ج‌1، ص 66
بالشهرة مع أن رواية حمران حسنة علي الظاهر بابن هاشم

[الأجرة علي الإمامة]

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأجرة علي الإمامة مضافا إلي موافقتها للقاعدة المتقدمة من أن ما كان انتفاع الغير به موقوفا علي تحققه علي وجه الإخلاص لا يجوز الاستيجار عليه لأن شرط العمل المستأجر عليه قابلية إيقاعه لأجل استحقاق المستأجر له حتي يكون وفاء بالعقد و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك

[الأجرة علي تحمل الشهادة]

ثم إن من الواجبات التي يحرم أخذ الأجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة بناء علي وجوبه كما هو أحد الأقوال في المسألة لقوله تعالي وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا المفسر في الصحيح بالدعاء للتحمل و كذلك أداء الشهادة لوجوبه عينا أو كفاية و هو مع الوجوب العيني واضح و أما مع الوجوب الكفائي فلأن المستفاد من أدلة الشهادة كون التحمل و الأداء حقا للمشهود له علي الشاهد فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشي‌ء من ماله فيرجع إلي أكل المال بالباطل.
و منه يظهر أنه كما لا يجوز أخذ الأجرة من المشهود له كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية إذا استأجره لفائدة إسقاطها عن نفسه ثم إنه لا فرق في حرمة الأجرة بين توقف التحمل أو الأداء علي قطع مسافة طويلة و عدمه. نعم لو احتاج إلي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه و لو أمكن إحضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة فله أن يمتنع من الحضور و يطلب الإحضار.

[الارتزاق من بيت المال لمن يحرم عليه أخذ الأجرة]

اشارة

بقي الكلام في شي‌ء و هو أن كثيرا من الأصحاب صرحوا في كثير من الواجبات و المستحبات التي يحرم أخذ الأجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد أخذ الأجرة أو الجعل من بيت المال لأن ما دل علي تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أو من غيره بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب أداؤه إليه عينا أو كفاية فيكون أكل المال بإزائه أكلا له بالباطل كان إعطاؤه العوض من بيت المال أولي بالحرمة لأنه تضييع له و إعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون علي العامل بل المراد أنه إذا قام المكلف بما يجب عليه كفاية أو عينا مما يرجع إلي مصالح المؤمنين و حقوقهم كالقضاء و الإفتاء و الأذان و الإقامة و نحوها و رأي ولي المسلمين المصلحة في تعيين شي‌ء من بيت المال له في اليوم أو الشهر أو السنة من جهة قيامه بذلك الأمر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته فيعين له ما يرفع حاجته و إن كان أزيد من أجرة المثل أو أقل منها. و لا فرق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام أو قبله حتي أنه لو قيل له اقض في البلد و أنا أكفيك مئونتك من بيت المال جاز و لم يكن جعالة

و كيف كان فمقتضي القاعدة عدم جواز الارتزاق إلا مع الحاجة

علي وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز و يظهر من إطلاق جماعة في باب القضاء خلاف ذلك بل صرح غير واحد بالجواز مع وجدان الكفاية

خاتمة تشتمل علي مسائل

الأولي [بيع المصحف]

اشارة

صرح جماعة كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد بحرمة بيع المصحف و المراد به كما صرح في الدروس خطه و ظاهر المحكي عن نهاية الأحكام اشتهارها بين الصحابة حيث تمسك علي الحرمة بمنع الصحابة و عليه تدل ظواهر الأخبار المستفيضة.

[روايات المنع عن بيع المصحف]

ففي موثقة سماعة: لا تبيعوا المصاحف فإن بيعها حرام قلت فما تقول في شرائها قال اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و إياك أن تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما و علي من باعه حراما و مضمرة عثمان بن عيسي قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال لا تشتر كلام الله و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفتر و قل أشتري منك هذا بكذا و كذا: و رواها في الكافي عن عثمان بن عيسي عن سماعة عن أبي عبد الله ع: و رواية جراح المدائني: في بيع المصاحف قال لا تبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الأديم و الحديد 258 و رواية عبد الرحمن بن سيابة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن المصاحف لن يشتري فإذا اشتريت فقل إنما أشتري منك الورق و ما فيه من الأديم و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا. و ظاهر قوله ع إن المصاحف لن تشتري أنها لا تدخل في ملك أحد علي وجه العوضية عما بذله من الثمن و أنها أجل من ذلك و يشير إليه تعبير الإمام في بعض الأخبار بكتاب الله و كلام الله الدال علي التعظيم و كيف كان فالحكم في المسألة واضح بعد الأخبار و عمل من عرفت حتي مثل الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد.

[توهم استفادة الجواز من بعض الروايات]

و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها مثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله ع عن بيع المصاحف و شرائها فقال إنما كان يوضع عند القامة و المنبر قال كان بين الحائط و المنبر قيد ممر شاة أو رجل و هو منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي‌ء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا ثم إنهم اشتروا بعد ذلك- قلت فما تري في ذلك قال أشتريه أحب إلي من أن أبيعه: و مثلها رواية روح بن عبد الرحيم و زاد فيها: قلت فما تري إن أعطي علي كتابته أجرا قال لا بأس و لكن هكذا كانوا يصنعون فإنها تدل علي جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله ثم إنهم اشتروا بعد ذلك و قوله أشتريه أحب إلي من أن أبيعه و نفي البأس عن الاستيجار لكتابته كما في أخبار أخري غيرها فيجوز تملك الكتابة بالأجرة فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها و من القرطاس و غيرها

[عدم دلالة الروايات علي جواز المعاوضة علي الخط]

لكن الإنصاف أن لا دلالة فيها علي جواز اشتراء خط المصحف و إنما تدل علي أن تحصيل المصحف في الصدر الأول كان بمباشرة كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم و حصلوا المصاحف بأموالهم شراء و استئجارا و لا دلالة فيها علي كيفية الشراء و أن الشراء و المعاوضة لا بد أن لا تقع إلا علي ما عدا الخط من القرطاس و غيره. و في بعض الروايات دلالة علي أن الأولي- مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله ع قال: إن أم عبد الله بن الحارث أرادت أن تكتب مصحفا فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها علي غير شرط فأعطته حين
المكاسب، ج‌1، ص 67
فرغ خمسين دينارا و أنه لم تبع المصاحف إلا حديثا

[رواية عنبسة الوراق و توجيها]

و مما يدل علي الجواز رواية عنبسة الوراق قال: قلت لأبي عبد الله ع أنا رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها قال أ لست تشتري ورقا و تكتب فيه قلت بلي و أعالجها قال لا بأس بها و هي و إن كانت ظاهرة في الجواز إلا أن ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع في مقام الحاجة إلي البيان فلا تعارض ما تقدم من الأخبار المتضمنة للبيان و كيف كان فالأظهر في الاخبار- ما تقدم من الأساطين المتقدمة إليهم الإشارة.

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء

بعد فرض أن الكاتب للمصحف في الأوراق المملوكة مالك للأوراق و ما فيها من النقوش فإن النقوش إن لم تعد من الأعيان المملوكة بل من صفات النقوش التي تتفاوت قيمته بوجودها و عدمها فلا حاجة إلي النهي عن بيع الخط فلا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع- و إن عدت من الأعيان المملوكة فإن فرض بقاؤها علي ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد فيلزم شركته مع المشتري و هو خلاف الاتفاق و إن انتقلت إلي المشتري فإن كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه لأن بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس إلا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط و إن انتقلت إليه قهرا تبعا لغيرها لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل في المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين مع أن هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق و النقوش فإن النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صوري إذ لا أظن أن تعطل أحكام الملك فلا تجري علي الخط المذكور إذا بنينا علي أنه ملك عرفا قد نهي عن المعاوضة عليه بل الظاهر أنه إذا لم يقصد بالشراء إلا الجلد و الورق كان الخط باقيا علي ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة فالظاهر أنه لا مناص عن التزام التكليف الصوري أو يقال إن الخط لا يدخل في الملك شرعا و إن دخل فيه عرفا فتأمل. و لأجل ما ذكرناه التجأ بعض إلي الحكم بالكراهة و أولوية الاقتصار في المعاملة علي ذكر الجلد و الورق بترك إدخال الخط فيه احتراما و قد تعارف إلي الآن تسمية ثمن القرآن هدية

[بيع المصحف من الكافر]

ثم إن المشهور بين العلامة رحمه الله و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر علي الوجه الذي يجوز بيعه من المسلم و لعله لفحوي ما دل علي عدم تملك الكافر للمسلم و أن الإسلام يعلو و لا يعلي عليه فإن الشيخ رحمه الله قد استدل به علي عدم تملك الكافر للمسلم و من المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا علي الإسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه- و إجباره علي البيع كما قيل به في العبد المسلم و حينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه إلي وارثه و لو كان الوارث هو الإمام هذا

[تملك الكفار للمصاحف]

و لكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم أن ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنيمة و يجوز بيعها و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف و إلا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة بل كانت من مجهول المالك المسلم- و إرادة غير القرآن من الصاحف بعيدة

و الظاهر أن أبعاض المصحف في حكم الكل

إذا كانت مستقلة. و أما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه أو معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الإهانة و العلو و في إلحاق الأدعية المشتملة علي أسماء الله تعالي كالجوشن الكبير مطلقا أو مع كونه الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم لأسمائه- لعدم الإهانة و العلو وجوه.

و في إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن

وجهان حكي الجزم به عن الكركي و فخر الدين قدس سرهما و التردد بينهما عن التذكرة. و علي اللحوق فيلحق اسم النبي ص بطريق أولي لأنه أعظم من كلامه و حينئذ فيشكل أن يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة في زماننا المكتوب عليها اسم النبي ص إلا أن يقال إن المكتوب عليها غير مملوك عرفا و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث إنه اسمه جزء من الثمن فهو كاسمه المبارك المكتوب علي سيف أو علي باب دار أو جدار إلا أن يقال إن مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة بل و لا التمليك و يشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه إياه خصوصا مع الرطوبة

الثانية جوائز السلطان و عماله

اشارة

بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا لا يخلو عن أحوال لأنه إما أن لا يعلم أن في جملة أموال هذا الظالم مالا محرما يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال و إما أن يعلم و علي الثاني فإما أن لا يعلم ذلك المحرم أو شيئا منه داخل في المأخوذ و إما أن يعلم ذلك و علي الثاني فإما أن يعلم تفصيلا و إما أن يعلم إجمالا فالصور أربع

[الصورة الأولي أن لا يعلم بأن للجائر مال حرام يحتمل كون الجائزة منها]

أما الأولي فلا إشكال فيها في جواز الأخذ و حلية التصرف للأصل و الإجماع و الأخبار الآتية لكن ربما يوهم بعض الأخبار أنه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له مثل ما عن الاحتجاج عن الحميري: أنه كتب إلي صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده لا يتورع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته و هو فيها أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم آكل عاداني عليه فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة و إن أهدي هذا الوكيل هدية إلي رجل آخر فيدعوني إلي أن أنال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شي‌ء إن أنا نلت منها الجواب إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره و إلا فلا بناء علي أن الشرط في الحلية هو وجود مال آخر فإذا لم يعلم به لم يثبت الحل لكن هذه الصورة قليلة التحقق.

و أما الثانية [أن يعلم بوجود مال محرم للجائر لكن لا يعلم بكون الجائزة منها]

[الحالة الأولي أن تكون الشبهة غير محصورة]

اشارة

فإن كانت الشبهة فيها غير محصورة فحكمها كالصورة الأولي و كذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به كما إذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب و ذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا لو فرض كونه هو المحرم الواقعي لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفاؤه في أحدهما في المثال فإن التكليف غير منجز بالحرام الواقعي علي أي تقدير لاحتمال كون المحرم في المثال هي أم الولد و توضيح المطلب في محله

ثم إنه صرح جماعة بكراهة الأخذ

اشارة

و عن المنتهي الاستدلال له باحتمال الحرمة و بمثل قوله ع: دع ما يريبك و قولهم ع: من ترك الشبهات نجا من المحرمات إلي آخر الحديث. و ربما يزاد علي ذلك بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم فإن القلوب مجبولة علي حب من أحسن
المكاسب، ج‌1، ص 68
إليها و يترتب عليها من المفاسد ما لا يخفي. و في الصحيح: إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله و ما عن الإمام الكاظم ع من قوله: لو لا أني أري من أزوجه من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا

ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور-

منها أخبار المجيز بحليته

بأن يقول هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي أو نحو ذلك مما يحل للآخذ التصرف فيه. و ظاهر المحكي عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق أنه مما لا خلاف فيه و اعترف ولده في المناهل بأنه لم نجد له مستندا مع أنه لم يحك التصريح به إلا عن الأردبيلي ثم عن العلامة الطباطبائي و يمكن أن يكون المستند ما دل علي قبول قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة علي تملكه و شبهه الحرمة و إن لم ترتفع بذلك إلا أن الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال و إلا لعمت الكراهة أخذ المال من كل أحد بل الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و غير متورع عن المحارم نظير كراهة سؤر من لا يتوقي النجاسة و هذا المعني يرتفع بإخباره إلا إذا كان خبره كيده مظنة للكذب لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده و تصرفه غير مفيد إلا للإباحة الظاهرية غير المنافية للكراهة فيختص الحكم برفع الكراهة بما إذا كان مأمونا في خبره و قد صرح الأردبيلي بهذا القيد في إخبار وكيله و بذلك يندفع ما يقال من أنه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه و بين خبره في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد و ارتفاعها مع الأخبار فتأمل.

و منها إخراج الخمس منه

حكي عن المنتهي و المحقق الأردبيلي و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف و لعله لما ذكر في المنتهي في وجه استحباب إخراج الخمس من هذا المال أن الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام فمحتمل الحرمة أولي بالتطهير به فإن مقتضي الطهارة بالخمس صيرورة المال حلالا واقعيا فلا يبقي حكم الشبهة- كما لا يبقي في المال المختلط يقينا بعد إخراج الخمس. نعم يمكن الخدشة في أصل الاستدلال بأن الخمس إنما يطهر المختلط بالحرام حيث إن بعضه حرام و بعضه حلال فكان الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام فمعني تطهيره تخليصه بإخراج الخمس مما فيه من الحرام فكان مقدار الحلال طاهرا في نفسه إلا أنه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام فصار محكوما بحكم الحرام و هو وجوب الاجتناب فإخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية و أما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما و قذرا ذاتيا فلا معني لتطهيره بإخراج خمسة بل المناسب لحكم الأصل- حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين و لازمه أن المال المحتمل الحرمة غير قابل للطهارة فلا بد من الاجتناب عنه. نعم يمكن أن يستأنس أو يستدل علي استحباب الخمس بعد فتوي النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية في الحكم بالاستحباب و كذلك فتوي السرائر مع عدم العمل فيها إلا بالقطعيات: بالموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال ع لا إلا أن لا يقدر علي شي‌ء يأكل و يشرب و لا يقدر علي حيلة فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلي أهل البيت فإن موردها و إن كان ما يقع في يده بإزاء العمل إلا أن الظاهر عدم الفرق بينه و بين ما يقع في اليد علي وجه الجائزة و يمكن أن يستدل له أيضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة مطلقا- و هي عدة أخبار مذكورة في محلها و حيث إن المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة حملوا تلك الأخبار علي الاستحباب ثم إن المستفاد مما تقدم من اعتذار الإمام الكاظم ع من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم و من غيره أن الكراهة ترتفع بكل مصلحة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة و يمكن أن يكون اعتذاره ع إشارة إلي أن لو لا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب أو ينبغي أن يأخذها ثم يصرفها في مصارفها. و هذه الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة أخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها صورة عدم العلم بالحرام في ماله أصلا أو العلم بوجود الحرام من كون الشبهة غير محصورة أو محصورة ملحقة بغير المحصورة علي ما عرفت

[الحالة الثانية] و إن كانت الشبهة محصورة

اشارة

بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم إجمالا فظاهر جماعة المصرح به في المسالك و غيره الحل و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.

[ظاهر جماعة حلية الجائزة في هذه الحالة]

قال في الشرائع جوائز السلطان الجائر [الظالم] إن علمت حراما بعينها فهو حرام و نحوه عن نهاية الأحكام و الدروس و غيرهما. قال في المسالك التقييد بالعين إشارة إلي جواز أخذها إن علم [إجمالا] أن في أمواله مظالم كما هو مقتضي حال الظالم و لا يكون حكمها حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع للنص علي ذلك انتهي.

[مناقشة القول بالحلية]

أقول ليس في أخبار الباب ما يكون حاكما علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة بل هي مطلقة أقصاها كونها من قبيل قولهم ع كل شي‌ء لك حلال أو كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال. و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك فلا بد حينئذ من حمل الأخبار علي مورد لا تقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي لم يكن كل محتملاتها موردا لابتلاء المكلف- أو علي أن ما يتصرف فيه الجائر بالإعطاء يجوز أخذه حملا لتصرفه علي الصحيح أو لأن تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلي به المكلف و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي غير منجز عليه كما أشرنا إليه سابقا فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما إذا أراد أخذ شي‌ء من ماله مقاصة أو أذن له الجائر في أخذ شي‌ء من أمواله علي سبيل التخيير أو علم أن المجيز قد أجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام بناء علي أن اليد لا تؤثر في حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه كما لو علمنا أن شخصا أعارنا أحد الثوبين المشتبهين في نظره فإنه لا يحكم بطهارته. فالحكم في هذه الصور بجواز أخذ بعض ذلك مع العلم بوجود الحرام فيه و طرح قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة في غاية الإشكال بل الضعف.

فلنذكر النصوص الواردة في هذا المقام و نتكلم في مقدار شمول كل واحد منها

اشارة

بعد ذكره حتي يعلم عدم
المكاسب، ج‌1، ص 69
نهوضها للحكومة علي القاعدة.

[قوله عليه السلام كل شي‌ء فيه حلال و حرام و المناقشة فيه]

فمن الأخبار التي استدل بها في هذا المقام قول الإمام الصادق ع: كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا حتي تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و قوله ع:
كل شي‌ء هو لك حلال حتي تعرف أنه حرام بعينه و لا يخفي أن المستند في المسألة- لو كان مثل هذا لكان الواجب إما التزام أن القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين أو أن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الأصحاب و علي أي تقدير فهو علي طرف النقيض مما تقدم عن المسالك.

[صحيحة أبي ولاد و المناقشة فيها]

و منها صحيحة أبي ولاد قال: قلت لأبي عبد الله ع ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به و أنزل عليه فيضيفني و يحسن إلي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي كل و خذ منها فلك المهنأ و عليه الوزر إلي آخر الخبر. و الاستدلال بها علي المدعي لا يخلو عن نظر لأن الاستشهاد إن كان من حيث حكمه ع بحل مال العامل المجيز للسائل- فلا يخفي أن الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له و أن العمل للسلطان من المكاسب المحرمة فالحكم بالحل ليس إلا من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان بل مما اقترضته أو اشتراه في الذمة و أما من حيث إن ما يقع من العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده فيتم الاستشهاد لكن فيه مع أن الاحتمال الأول مسقط للاستدلال علي حل المشتبه المحصور الذي تقتضي القاعدة لزوم الاحتياط فيه لأن الاعتماد حينئذ علي اليد كما لو فرض مثله في غير الظلمة أن الحكم بالحل علي هذا الاحتمال غير وجيه إلا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير المالك بغير رضاه لأن المفروض حرمته علي العامل لعدم احترام عمله و كيف كان فالرواية إما من أدلة حل مال السلطان المحمول بحكم الغلبة إلي الخراج و المقاسمة و إما من أدلة حل المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطي مالكا له و لا اختصاص له بالسلطان أو عماله أو مطلق الظالم أو غيره و أين هذا من المطلب الذي هو حل ما في يد الجائر مع العلم إجمالا بحرمة بعضه المقتضي مع حصر الشبهة للاجتناب عن جميعه

[روايات أخر]

و مما ذكرنا يظهر الكلام في مصححة أبي المعزي: أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها قال نعم قلت و أحج بها قال نعم و رواية محمد بن هشام: أمر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها قال نعم قلت و أحج بها قال نعم و حج بها و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر ع: جوائز السلطان ليس بها بأس

[حمل النصوص علي الشبهة غير المحصورة]

إلي غير ذلك من الإطلاقات التي لا تشمل من صورة العلم الإجمالي بوجود الحرام إلا الشبهة غير المحصورة.

[محامل أخر للنصوص علي فرض شمولها للشبهة المحصورة]

و علي تقدير شمولها لصورة العلم الإجمالي مع انحصار الشبهة فلا تجدي- لأن الحل فيها مستند إلي تصرف الجائر بالإباحة و التمليك و هو محمول علي الصحيح مع أنه لو أغمض النظر عن هذا أو رده بشمول الأخبار لما إذا أجاز الجائر من المشتبهات في نظره بالشبهة المحصورة و لا يجري هنا أصالة الصحة في تصرفه فيمكن استناد الحل فيها إلي ما ذكر سابقا من أن تردد الحرام بين ما أباحه الجائر أو ملكه و بين ما بقي تحت يده من الأموال التي لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلي به المكلف من المشتبهين و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ عن شي‌ء منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها من موارد الاشتباه مع كون أحد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به ثم لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة كما لا ينهض ما تقدم من قولهم ع كل شي‌ء حلال إلي آخر الحديث. و مما ذكرنا يظهر أن إطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا إن كان شاملا لصورة العلم الإجمالي بوجود حرام في الجائزة مردد بين هذا و بين غيره مع انحصار الشبهة إنما هو مستند إلي حمل تصرفه علي الصحة- أو علي عدم الاعتناء بالعلم الإجمالي لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص عن حكم الشبهة المحصورة. نعم قد يخدش في حل تصرف الظالم علي الصحيح- من حيث إنه مقدم علي التصرف فيما في يده من المال المشتمل علي الحرام- علي وجه عدم المبالاة بالتصرف في الحرام فهو كمن أقدم علي ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام و لم يقل أحد بحمل تصرفه حينئذ علي الصحيح لكن الظاهر أن هذه الخدشة غير مسموعة عند الأصحاب فإنهم لا يعتبرون في الحمل علي الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع أخري- . و أما عدم الحمل فيما إذا أقدم المتصرف علي الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده فلفساد تصرفه في ظاهر الشرع فلا يحمل علي الصحيح الواقعي فتأمل فإن المقام لا يخلو عن إشكال.

[عدم ثبوت ما يدل علي إلغاء قاعدة الاحتياط]

و علي أي تقدير فلم يثبت من النص و لا الفتوي مع شرائط إعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاجتناب في المقام و إلغاء تلك القاعدة. و أوضح ما في هذا الباب من عبارات الأصحاب ما في السرائر حيث قال إن كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها علي جهة الخراج فلا بأس أيضا بشرائه منها و قبول صلته منها لأنها صارت بمنزلة المستهلك لأنه غير قادر علي ردها بعينها انتهي. و قريب منها ظاهر عبارة النهاية بدون ذكر التعليل و لا ريب أن الحلي لم يستند في تجويز أخذ المال المردد إلي النص بل إلي ما زعمه من القاعدة و لا يخفي عدم تماميتها إلا أن يريد بها الشبهة غير المحصورة بقرينة الاستهلاك فتأمل.

و أما الصورة الثالثة أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه و لا إشكال في حرمته حينئذ علي الأخذ

إلا أن الكلام في حكمه إذا وقع في يده
فنقول علمه بحرمته إما أن يكون قبل وقوعه في يده و إما أن يكون بعده
[إذا علم بحرمة الجائزة قبل وقوعها في اليد]
فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد إلي صاحبه سواء أخذه اختيارا أم تقية لأن أخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به و التقية تتأدي بقصد الرد فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا ترتبت عليه أحكامه و إن أخذه بنية الرد كان محسنا و كان في يده أمانة شرعية
و إن كان العلم بها بعد وقوعه في يده
كان كذلك و يحتمل قويا الضمان هنا لأنه أخذه بنية التملك لا بنية الحفظ و الرد و مقتضي عموم علي اليد الضمان. و ظاهر المسالك عدم
المكاسب، ج‌1، ص 70
الضمان رأسا مع القبض جاهلا- قال لأنه يد أمانة فتستصحب و حكي موافقته عن العلامة الطباطبائي رحمه الله في مصابيحه لكن المعروف من المسالك و غيره في مسألة ترتب الأيدي علي مال الغير ضمان كل منهم و لو مع الجهل غاية الأمر رجوع الجاهل علي العالم- إذا لم يقدم علي أخذه مضمونا- و لا إشكال عندهم ظاهرا في أنه لو استمر جهل القابض المتهب إن تلف في يده كان للمالك الرجوع عليه و لا دافع لهذا المعني مع حصول العلم بكونه مال الغير فيستصحب ضمان لا عدمه. و ذكر في المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا أنه يرده إليه مع الإمكان و لو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر و الذي تقتضيه قواعد الغصب أن للمالك الرجوع علي أيهما شاء و إن كان قرار الضمان علي الغاصب انتهي. و الظاهر أن مورد كلامه ما إذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلا بغصبه ثم تبين له و هو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط
و علي أي حال فيجب علي المجاز رد الجائزة- بعد العلم بغصبيتها إلي مالكها أو وليه
و الظاهر أنه لا خلاف في كونه فوريا. نعم تسقط بإعلام صاحبه به و ظاهر أدلة وجوب أداء الأمانة وجوب الإقباض و عدم كفاية التخلية إلا أن يدعي أنها في مقام حرمة الحبس و وجوب التمكين لا تكليف الأمين بالإقباض و من هنا ذكر غير واحد كما عن التذكرة و المسالك و جامع المقاصد أن المراد برد الأمانة رفع اليد عنها و التخلية بينه و بينها و علي هذا فيشكل حملها إليه لأنه تصرف لم يؤذن فيه إلا إذا كان الحمل مساويا لمكانة الموجود فيه أو أحفظ فإن الظاهر جواز نقل الأمانة الشرعية من مكان إلي ما لا يكون أدون من الأول في الحفظ
[هل يجب الفحص عن المغصوب منه]
و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان لتوقف الأداء الواجب بمعني التمكين و عدم الحبس علي الفحص- مضافا إلي الأمر به في الدين المجهول المالك ثم لو ادعاه مدع ففي سماع قول من يدعيه مطلقا لأنه لا معارض له- أو مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة أو يعتبر الثبوت شرعا للأصل وجوه و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لإطلاق غير واحد من الأخبار ثم إن المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة
و لو احتاج الفحص إلي بذل مال
كأجرة دلال صائح عليه فالظاهر عدم وجوبه علي الواجد بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه- و يخرج عن العين أجرة الدلال ثم يتصدق بالباقي إن لم يوجد صاحبه و يحتمل وجوبه عليه لتوقف الواجب عليه. و ذكر جماعة في اللقطة أن أجرة التعريف علي الواجد لكن حكي عن التذكرة أنه إن قصد الحفظ دائما يرجع أمره إلي الحاكم ليبذل أجرته من بيت المال أو يستقرض علي المالك أو يبيع بعضها إن رءاه أصلح و استوجه ذلك جامع المقاصد.
ثم إن الفحص لا يتقيد بالسنة
علي ما ذكره الأكثر هنا بل حده اليأس و هو مقتضي الأصل- القول بوجوب الفحص سنة في المال المغصوب إلا أن المشهور كما في جامع المقاصد أنه إذا أودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد إليه بل يجب رده إلي مالكه فإن جهل عرف سنة ثم يتصدق به عنه
[تأييد ذلك برواية حفص الواردة في اللص]
و به رواية حفص بن غياث لكن موردها في من أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم فهل يرد عليه فقال لا يرده فإن أمكنه أن يرده علي صاحبه فعل و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه و إلا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خير بين الغرم و الأجر فإن اختار الأجر فالأجر له و إن اختار الغرم غرم له و كان الأجر له و قد تعدي الأصحاب من اللص إلي مطلق الغاصب بل الظالم و لم يتعدوا من الوديعة المجهول مالكها إلي مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة كما فيما نحن فيه. نعم ذكر في السرائر فيما نحن فيه أنه روي أنه بمنزلة اللقطة ففهم التعدي من الرواية. و ذكر في السرائر أن إجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما أنه عكس في النهاية و التحرير فألحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك. و الإنصاف أن الرواية يعمل بها في الوديعة و فيما أخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك لا مطلق ما أخذ منه حتي لمصلحة الآخذ فإن الأقوي فيه تحديد التعريف باليأس للأصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه مضافا إلي ما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني أمية من الأمر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما يقع في يده من أموال الناس بغير حق.
ثم الحكم بالصدقة هو المشهور فيما نحن فيه أعني جوائز الظالم
- و نسبه في السرائر إلي رواية أصحابنا فهي مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بأن التصدق أقرب طرق الإيصال. و ما ذكره الحلي من إبقائها أمانة في يده و الوصية بها معرض المال للتلف مع أنه لا يبعد دعوي شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة علي تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا هذا
[الحكم بالصدقة]
و العمدة ما أرسله في السرائر مؤيدا بأخبار اللقطة و ما في منزلتها و ببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني أمية الشامل بإطلاقه لما نحن فيه من جوائز بني أمية: حيث قال له ع أخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به. و يؤيده أيضا الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من أجزاء النقدين و ما ورد من الأمر بالتصدق بغلة الوقف المجهول أربابه و ما ورد من الأمر بالتصدق بما يبقي في ذمة الشخص لأجير استأجره و مثله مصححة يونس: فقلت جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم و حملنا بعض متاعهم بغير علم و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم و قد بقي المتاع عندنا فما نصنع به قال ع تحملونه حتي تحملوه إلي الكوفة قال يونس قلت له لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنهم قال بعه و أعط ثمنه أصحابك قلت جعلت فداك أهل الولاية قال نعم.
نعم يظهر من بعض الروايات أن مجهول المالك مال الإمام ع
كرواية داود بن أبي يزيد عن أبي عبد الله قال: قال له رجل إني قد أصبت مالا و إني قد خفت فيه علي نفسي فلو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلصت منه فقال له أبو عبد الله ع لو أصبته كنت تدفعه إليه فقال إي و الله فقال ع فأنا و الله ما له صاحب غيري قال فاستحلفه أن يدفعه إلي من يأمره قال فحلف قال فاذهب فاقسمه بين إخوانك و لك الأمن مما خفت فيه قال فقسمته بين إخواني هذا.
[المناقشة فيما ذكر توجيها للحكم بالتصدق]
و أما ما ذكرناه في وجه التصدق من أنه إحسان و أنه أقرب طرق الإيصال و أن الإذن فيه حاصل بشهادة الحال فلا يصلح شي‌ء منها للتأييد فضلا عن الاستدلال لمنع جواز كل إحسان في مال الغائب و منع كونه
المكاسب، ج‌1، ص 71
أقرب طرق الإيصال بل الأقرب دفعه إلي الحاكم الذي هو ولي الغائب- . و أما شهادة الحال فغير مطردة إذ بعض الناس لا يرضي بالتصدق لعدم يأسه عن وصوله إليه خصوصا إذا كان المالك مخالفا أو ذميا يرضي بالتلف و لا يرضي بالتصدق علي الشيعة
فمقتضي القاعدة لو لا ما تقدم من النص هو لزوم الدفع إلي الحاكم
- ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك فإن شهدت برضاه بالصدقة أو بالإمساك عمل عليها و إلا تخير بينهما لأن كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا بد من أحدهما و لا ضمان فيهما و يحتمل قويا تعين الإمساك لأن الشك في جواز التصدق يوجب بطلانه لأصالة الفساد. و أما بملاحظة ورود النص بالتصدق فالظاهر عدم جواز الإمساك أمانة لأنه تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا الشارع- و يبقي الدفع إلي الحاكم و التصدق- .
[القول بالتخيير بين الصدقة و الدفع إلي الحاكم و المناقشة فيه]
و قد يقال إن مقتضي الجمع بينه و بين دليل ولاية الحاكم- هو التخيير بين الصدقة و الدفع إلي الحاكم فلكل منهما الولاية و يشكل بظهور النص في تعيين الصدقة. نعم يجوز الدفع إليه من حيث ولايته علي مستحقي الصدقة و كونه أعرف بمواقعها
[توجيه أخبار التصدق]
و يمكن أن يقال إن أخبار التصدق واردة في مقام إذن الإمام بالصدقة- أو محمولة علي بيان المصرف فإنك إذا تأملت في كثير من التصرفات الموقوفة علي إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص علي طريق الحكم العام كإقامة البينة و الإحلاف و المقاصة
[مقتضي قاعدة الاحتياط]
و كيف كان فالأحوط خصوصا بملاحظة ما دل علي أن مجهول المالك مال الإمام ع مراجعة الحاكم في الدفع إليه أو استيذانه و يتأكد ذلك في الدين المجهول المالك إذا الكلي لا يتشخص للغريم إلا بقبض الحاكم الذي هو وليه و إن كان ظاهر الأخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمدين
ثم إن حكم تعذر الإيصال إلي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك
و تردده بين غير محصورين في التصدق استقلالا أو بإذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق في الشرائع و غيره
ثم إن مستحق هذه الصدقة هو الفقير
لأنه المتبادر من إطلاق الأمر بالتصدق
و في جواز إعطائها للهاشمي قولان
من أنها صدقة مندوبة علي المالك و إن وجبت علي من هي بيده إلا أنه نائب كالوكيل و الوصي و من أنها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بأمر المالك حتي تكون مندوبة مع أن كونها من المالك غير معلوم فلعلها ممن تجب عليه
ثم إن في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق و عدمه
مطلقا أو بشرط عدم ترتب يد الضمان كما إذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التمليك وجوه من أصالة براءة ذمة المتصدق- و أصالة لزوم الصدقة بمعني عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه- و من عموم ضمان من أتلف. و لا ينافيه إذن الشارع لاحتمال أنه أذن في التصدق علي هذا الوجه- كإذنه في التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف و بما استودع من الغاصب و ليس هنا أمر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتي يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه و لكن يضعف هذا الوجه- بأن ظاهر دليل الإتلاف كونها علة تامة للضمان و ما نحن فيه ليس كذلك- و إيجابه للضمان مراعي بعدم إجازة المالك يحتاج إلي دليل آخر إلا أن يقال إنه ضامن بمجرد التصدق و يرتفع بإجازته فتأمل.
[عدم الضمان فيما لو كان الإتلاف إحسانا إلي المالك]
هذا مع أن الظاهر من دليل الإتلاف اختصاصه بالإتلاف علي المالك لا الإتلاف له و الإحسان إليه و المفروض أن الصدقة إنما قلنا بها لكونها إحسانا و أقرب طرق الإيصال بعد اليأس من وصول إليه. و أما احتمال كون التصدق مراعي كالفضولي- فمفروض الانتفاء إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير مع بقاء العين و انتقال الثواب من شخص إلي غيره حكم شرعي و كيف كان فلا مقتضي للضمان- و إن كان مجرد الإذن في الصدقة غير مقتض لعدمه فلا بد من الرجوع إلي الأصل لكن الرجوع إلي أصالة البراءة إنما يصح فيما لم تسبق يد الضمان و هو ما إذا أخذ المال من الغاصب حسبة و أما إذا تملكه منه ثم علم بكونه مغصوبا فالأجود استصحاب الضمان في هذه الصورة لأن المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الذي يرضي به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا.
[الأوجه الضمان مطلقا]
فتبين أن التفصيل بين يد الضمان و غيرها أوفق بالقاعدة لكن الأوجه الضمان مطلقا إما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة و لو بضميمة عدم القول بالفصل و إما للمرسلة المتقدمة عن السرائر و إما لاستفادة ذلك من خبر الوديعة إن لم نتعد عن مورده إلي ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة لكن يستفاد منه أن الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك
[متي يثبت الضمان]
ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق و إجازته رافعة أو يثبت بالرد من حينه أو من حين التصدق وجوه من دليل الإتلاف و الاستصحاب و من أصالة عدم الضمان قبل الرد- و من ظاهر الرواية المتقدمة في أنه بمنزلة اللقطة.
[هل إجازة التصدق حق موروث يرثه الوارث]
و لو مات المالك ففي قيام وارثه مقامه في إجازة التصدق و رده وجه قوي لأن ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بتلك الأموال فيورث كغيره من الحقوق و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة إلي العين فلا حق لأحد فيه و المتيقن من الرجوع إلي القيمة هو المالك.
[رد المالك بعد موت المتصدق]
و لو مات المتصدق فرد المالك فالظاهر خروج الغرامة من تركته لأنه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله
[هل يضمن لو دفعه إلي الحاكم و تصدق بعد اليأس]
هذا كله علي تقدير مباشرة المتصدق له و لو دفعه إلي الحاكم فتصدق به بعد اليأس فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع إلي ولي الغائب و تصرف الولي كتصرف المولي عليه و يحتمل الضمان- لأن الغرامة هنا ليست لأجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق حتي يفرق بين تصرف الولي و غيره لثبوت الولاية للمتصدق في هذا التصرف لأن المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم و لذا لا تسترد العين من الفقير إذا رد المالك فالتصرف لازم و الغرامة حكم شرعي تعلقت بالمتصدق كائنا من كان فإذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع في يده لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا كان الغرم علي الموكل- و إن كان المكلف هو الحاكم لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثم التصدق كان الضمان عليه.

و أما الصورة الرابعة- و هو ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام

[صور المسألة]
فإما أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة و الاشتراك و إما أن لا يكون. و علي الأول فالقدر و المالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان و علي الأول فلا إشكال. و علي الثاني فالمعروف إخراج الخمس علي تفصيل مذكور في باب الخمس و لو علم القدر فقد تقدم في القسم الثالث و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة و علي الثاني تتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن و تفصيل ذلك كله في كتاب الخمس
[انقسام الأخذ من الظالم بحسب الأحكام الخمسة و انقسام المأخوذ إلي المحرم و الواجب و المكروه]
و اعلم أن أخذ
المكاسب، ج‌1، ص 72
ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ إلي الأحكام الخمسة و باعتبار نفس المال إلي المحرم و المكروه و الواجب فالمحرم ما علم كونه من مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ و المكروه المال المشتبه و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتي أنه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته من حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استيذان الحاكم
[ما يتلفه الظالم غصبا يحتسب من ديونه]
و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال في كون ما في ذمته من قيم المتلفات غصبا من جملة ديونه نظير ما استقر في ذمته بقرض أو ثمن مبيع أو صداق أو غيرها. و مقتضي القاعدة كونها كذلك بعد موته فيقدم جميع ذلك علي الإرث و الوصية إلا أنه ذكر بعض الأساطين أن ما في يده من المظالم تالفا- لا يلحقه حكم الديون في التقديم علي الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و الميراث علي حاله و للسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدإ الإسلام إلي يومنا هذا فعلي هذا لو أوصي بها بعد التلف أخرجت من الثلث و فيه منع عدم الانصراف فإنا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما أتلفه نسيانا و لا بين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما أتلفه شخص آخر من غير الظلمة مع أنه لا إشكال في جريان أحكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غير ذلك فلو تم عدم الانصراف لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجودا و عدما من غير فرق بين حياته و موته. و ما ادعاه من السيرة فهو ناش من قلة مبالاة الناس كما هو دينهم في أكثر السير التي استمروا عليها و لذا لا يفرقون في ذلك بين الظلمة و غيرهم ممن علموا باشتغال ذمتهم بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاتهم و لا في إنفاذ وصايا الظلمة و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و أرش الجنايات و بين اشتغالهم بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجبة عليهم و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا و بين ما لم يعلم فإنك إذا تتبعت أحوال الظلمة وجدت ما استقر في ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا أو من جهة خصوص أشخاص معلومين تفصيلا أو مشتبهين في محصور كافيا في استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية أو الإرث. و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوي عدم الانصراف السابقة فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمهما- و من الأنعام باسم الزكاة

اشارة

يجوز أن يقبض منه مجانا أو بالمعاوضة و إن كان مقتضي القاعدة حرمته لأنه غير مستحق لأخذه فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة في تعيين شي‌ء من ماله لأجلها فاسد- كما إذا تراضي الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع شي‌ء إليه عوض الأجرة هذا مع التراضي و أما إذا قهره علي أخذ شي‌ء بهذه العنوانات ففساده أوضح

[دعوي الإجماع علي جواز شراء ما يأخذه الجائر]

و كيف كان فما يأخذه الجائر باق علي ملك المأخوذ منه و مع ذلك يجوز قبضه من الجائر بلا خلاف يعتد به بين الأصحاب و عن بعض حكاية الإجماع عليه. قال في محكي لأن الدليل علي جواز شراء الثلاثة من التنقيح الجائر و إن لم يكن مستحقا له النصوص الواردة عنهم ع و الإجماع و إن لم يعلم مستنده و يمكن أن يكون مستنده- أن ذلك حق للأئمة ع و قد أذنوا لشيعتهم في شراء ذلك فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولي إذا انضم إليه إذن المالك انتهي. أقول و الأولي أن يقال إذا انضم إليه إذن متولي الملك كما لا يخفي.
و في جامع المقاصد أن عليه إجماع فقهاء الإمامية و الأخبار المتواترة عن الأئمة الهداة ع و في المسالك أطبق عليه علماؤنا و لا نعلم فيه مخالفا و عن المفاتيح أنه لا خلاف فيه و في الرياض أنه استفاض نقل الإجماع عليه- . و قد تأيدت دعوي هؤلاء بالشهرة المحققة بين و من تأخر عنه

[الاستدلال علي الجواز بلزوم الحرج و اختلال النظام من عدمه]

و يدل عليه قبل الإجماع مضافا إلي لزوم الحرج العظيم في الاجتناب عن هذه الأموال بل اختلال النظام و إلي الروايات المتقدمة لأخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التي لا يحتمل عادة أن تكون من غير الخراج و كان الإمام ع يأبي عن أخذها أحيانا معللا بأن فيها حقوق الأمة

[الاستدلال بالروايات علي جواز الشراء من الجائر]

اشارة

روايات عن أبي جعفر ع

منها صحيحة الحذاء

اشارة

قال: سألته عن الرجل منا يشتري من عمال السلطان من إبل الصدقة و غنمها و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم فقال ما الإبل و الغنم الأمثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه فيجتنب قلت فما تري في متصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فيبيعنا إياها فما تري في شرائها منه فقال إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس قيل له فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه فيعزله بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه فقال إن كان قد قبضه بكيل و أنتم حضور فلا بأس بشرائه منهم بغير كيل. دلت هذه الرواية علي أن شراء الصدقات من الأنعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل و إنما سأل أولا عن الجواز مع العلم الإجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال و ثانيا من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة كما ذكر في باب الزكاة و ثالثا من جهة كفاية الكيل الأول و بالجملة ففي هذه الرواية سؤالا و جوابا إشعار بأن الجواز كان من الواضحات غير المحتاجة إلي السؤال و إلا لكان أصل الجواز أولي بالسؤال حيث إن ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا فلا فرق بين أخذ الحق الذي يجب عليهم و بين أخذ أكثر منه. و يكفي قوله ع حتي تعرف الحرام بعينه في الدلالة علي مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و أن الحرام هو الزائد و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلي من ينتقل إليه و إن كان حراما بالنسبة إلي الجائر الآخذ له بمعني معاقبته علي أخذه و ضمانه و حرمة التصرف في ثمنه

[دفع ما قيل من أن الرواية مختصة بالشراء]

ففي وصفه ع للمأخوذ بالحلية- دلالة علي عدم اختصاص الرخصة بالشراء بل يعم جميع أنواع الانتقال إلي الشخص. فاندفع ما قيل إن الرواية مختصة بالشراء فليقتصر في مخالفة القواعد عليه

[مناقشة الفاضل القطيفي و المحقق الأردبيلي و الجواب عنها]

ثم الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة فاعتراض الفاضل القطيفي الذي صنف في الرد علي رسالة المحقق الكركي المسماة بقاطعة اللجاج في حل الخراج رسالة زيف فيها جميع ما في الرسالة من أدلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثانية علي حكم المقاسمة و احتمال كون القاسم هو زارع الأرض- أو وكيله ضعيف جدا و تبعه علي هذا الاعتراض المحقق الأردبيلي و زاد عليه ما سكت هو عنه من عدم دلالة الفقرة الأولي علي حل شراء الزكاة بدعوي أن قوله ع
المكاسب، ج‌1، ص 73
لا بأس حتي تعرف الحرام بعينه لا يدل إلا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها و عدم جواز شراء ما كان معروفا أنه حرام بعينه و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا. نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل و يمكن أن يكون سبب الإجمال فيه التقية. و يؤيد عدم الحمل علي الظاهر أنه غير مراد بالاتفاق إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمل انتهي. و أنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور و أي فارق بين هذا و بين ما أحلوه لشيعتهم مما فيه حقوقهم و لا في النقل إلا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذه الصحيحة و غيرها المشهورة بين الأصحاب رواية و عملا مع نقل الاتفاق عن جماعة و أما الحمل علي التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفي.

و منها رواية إسحاق بن عمار

قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم قال يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا. وجه الدلالة أن الظاهر أن الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان. نعم لو بني علي المناقشة احتمل أن يريد السائل شراء أملاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة لكنه خلاف الإنصاف و إن ارتكبه صاحب الرسالة.

و منها رواية أبي بكر الحضرمي

قال: دخلت علي أبي عبد الله ع و عنده ابنه إسماعيل فقال ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس قال ثم قال لي لم تركت عطاءك قلت مخافة علي ديني قال ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك أ ما علم أن لك في بيت المال نصيبا. فإن ظاهره حل ما يعطي من بيت المال عطاء أو أجرة للعمل فيما يتعلق به بل قال المحقق الكركي إن هذا الخبر نص في الباب لأنه ع بين أن لا خوف علي السائل في دينه لأنه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال و قد ثبت في الأصول تعدي الحكم بتعدي العلة المنصوصة انتهي و إن تعجب منه الأردبيلي رحمه الله فقال أنا ما فهمت منه دلالة ما و ذلك لأن غايته ما ذكر و قد يكون الشي‌ء من بيت المال [و] يجوز أخذه و إعطاؤه للمستحقين بأن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك انتهي. و قد تبع في ذلك صاحب الرسالة حيث قال إن الدليل لا إشعار فيه بالخراج. أقول الإنصاف أن الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر.

و منها الأخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان

اشارة

علي وجه يستفاد من بعضها كون أصل التقبل مسلم الجواز عندهم.

و منها صحيحة الحلبي

عن أبي عبد الله ع في جملة الحديث قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الربع و الثلث قال نعم لا بأس به و قد قبل رسول الله ص خيبر أعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف

و منها الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي

عن أبي عبد الله ع قال: سألته في الرجل يتقبل خراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون أ يشتريه أو في أي زمان يشتريه يتقبل منه فقال إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به.

و نحوها الموثق المروي في الكافي و التهذيب عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي

بأدني تفاوت.

و رواية الفيض بن المختار

قال: قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها من أكرتي علي أن ما أخرج الله تعالي منها من شي‌ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان قال لا بأس كذلك أعامل أكرتي
إلي غير ذلك من الأخبار الواردة في باب قبالة الأرض و استيجار أرض الخراج من السلطان ثم إجارتها للزارع بأزيد من ذلك

و قد يستدل بروايات أخري لا تخلو عن قصور في الدلالة

منها الصحيح عن جميل بن صالح

قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد فأردت أن أشتريه فقلت لا حتي أستأذن أبا عبد الله ع فسألت معاذا أن يستأمره فسأله فقال قل له فليشتره فإنه إن لم يشتره اشتراه غيره و دلالته مبنية علي كون عين أبي زياد من الأملاك الخراجية و لعلها من الأملاك المغصوبة من الإمام أو غيره الموقوف اشتراء حاصلها علي إذن الإمام ع و يظهر من بعض الأخبار أن عين أبي زياد كانت ملكا لأبي عبد الله ع.

و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج

قال: قال لي أبو الحسن موسي ع ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام إني أظنك ضيقا قال قلت نعم فإن شئت وسعت علي قال اشتره. و بالجملة ففي الأخبار المتقدمة غني عن ذلك

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول أن ظاهر عبارات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان

فقبل أخذه الخراج لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما في ذمة مستعمل الأرض أو الحوالة عليه و نحو ذلك و به صرح السيد العميد فيما حكي من شرحه علي النافع حيث قال إنما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه و لذا قال المصنف يأخذه انتهي. لكن صريح جماعة عدم الفرق بل صرح المحقق الثاني بالإجماع- علي عدم الفرق بين القبض و عدمه و في الرياض صرح بعدم الخلاف و هذا هو الظاهر من الأخبار المتقدمة الواردة في قبالة الأرض و جزية الرءوس حيث دلت علي أنه يحل ما في ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمن تقبل الأرض من السلطان. و الظاهر من الأصحاب في باب المساقاة- حيث يذكرون أن خراج السلطان علي مالك الأشجار إلا أن يشترط خلافه إجراء ما يأخذه العادل في إبراء ذمة مستعمل الأرض- الذي استقر عليه أجرتها بأداء غيره بل ذكروا في المزارعة أيضا أن خراج الأرض كما في كلام الأكثر أو الأرض الخراجية كما في الغنية و السرائر علي مالكها و إن كان يشكل توجيهه من جهة عدم مالك للأراضي الخراجية و كيف كان فالأقوي أن المعاملة علي الخراج جائزة و لو قبل قبضها. و أما تعبير الأكثر بما يأخذه فالمراد به إما الأعم مما يبني علي أخذه و لو لم يأخذه فعلا و إما المأخوذ فعلا لكن الوجه في تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثني من جوائز السلطان التي حكموا بوجوب ردها علي مالكها إذا علمت حراما بعينها فافهم- . و يؤيد الثاني سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجوائز خصوصا عبارة القواعد حيث صرح بتعميم الحكم بقوله و إن عرفت أربابه فافهم. و يؤيد الأول أن المحكي عن الشهيد عن حواشيه علي القواعد أنه علق علي قول العلامة أن الذي يأخذه الجائر إلي آخر قوله و إن لم يقبضها الجائر انتهي.

الثاني [هل للجائر سلطنة علي أخذ الخراج فلا يجوز منعه منه]

اشارة

هل يختص الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا فلم يمض الشارع من هذه المعاملة إلا حل ذلك
المكاسب، ج‌1، ص 74
للمنتقل إليه أو يكون الشارع قد أمضي سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه في العقد معه حراما

صريح الشهيدين و المحكي عن جماعة ذلك

. قال المحقق الكركي في رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم و لا سيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال رحمه الله أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا منعه و لا شي‌ء منه- لأن ذلك حق واجب عليه انتهي و في المسالك في باب الأرضين- و ذكر الأصحاب أنه لا يجوز لأحد جحدها و لا منعها و لا التصرف فيها بغير إذنه- بل ادعي بعضهم الاتفاق عليه انتهي و في آخر كلامه أيضا أن ظاهر الأصحاب أن الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه أو يتوقف علي إذنه انتهي و علي هذا عول بعض الأساطين في شرحه علي القواعد حيث قال و تقوي حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع من تسليم ثمنها بعد شرائها إلي الجائر و إن حرمت عليه و دخل تسليمها في الإعانة علي الإثم في البداية أو الغاية لنص الأصحاب علي ذلك و دعوي الإجماع عليه انتهي أقول إن أريد منع الحصة مطلقا فتصرف في الأرض من دون أجرة فله وجه لأنها ملك المسلمين فلا بد لها من أجرة تصرف في مصالحهم و إن أريد منعها من خصوص الجائر فلا دليل علي حرمته لأن اشتغال ذمة مستعمل الأرض بالأجرة لا يوجب دفعها إلي الجائر بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن لأنه غير مستحق فيسلم إلي العادل أو نائبه الخاص أو العام و مع التعذر يتولي صرفه في المصالح حسبة

مع أن في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع

مثل صحيحة زرارة:

اشتري ضريس بن عبد الملك و أخوه أرزا من هبيرة بثلاثمائة ألف درهم قال قلت له ويلك أو ويحك انظر إلي خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي قال فأبي علي و أدي المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية قال فقلت ذلك لأبي عبد الله ع فقال مبادرا للجواب هو له هو له فقلت له إنه أداها فعض علي إصبعه فإن أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الأرز من المقاسمة و أما حمله علي كونه من الناصب أعني هبيرة أو بعض بني أمية فيكون دليلا علي حل مال الناصب بعد إخراج خمسة كما استظهرها في الحدائق فقد ضعف في محله بمنع هذا الحكم و مخالفته لاتفاق أصحابنا كما حقق في باب الخمس و إن ورد بها غير واحد من الأخبار و أما الأمر بإخراج الخمس في هذه الرواية فلعله من جهة اختلاط مال المقاسمة بغيره من وجوه الحرام فيجب تخميسه أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه كما تقدم في جوائز الظلمة.

و ما روي: من أن علي بن يقطين قال له الإمام [أبو الحسن موسي] ع إن كنت و لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة

و [قال فأخبرني علي] أنه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر
قال المحقق الكركي في قاطعة اللجاج
إنه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة و يمكن أن يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات لأنها و إن كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر فلا يجوز جمعه لأجله إلا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم و لا سيما شيخنا الأعظم إلي آخر ما تقدم نقله عنه عن مشايخه
[مناقشة كلام المحقق الكركي]
أقول ما ذكره من الحمل علي وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام في قول الإمام ع فاتق أموال الشيعة فالاحتمال الثاني أولي لكن بالنسبة إلي ما عدا الزكوات لأنها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء علي عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة لقوله ع: إنما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم و إنما الزكاة لأهلها و قوله ع: لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا ينبغي أن يزكي مرتين. و فيما ذكره المحقق من الوجه الثاني- دلالة علي أن مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة إلي خصوص الجائر و جواز منعه عنه و إن نقل بعد عن مشايخه في كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك- لكن يمكن بل لا يبعد أن يكون مراد مشايخه المنع عن سرقة الخراج أو جحوده رأسا حتي عن نائب العادل لا منعه عن خصوص الجائر مع دفعه إلي نائب العادل أو صرفه حسبة في وجوه بيت المال كما يشهد لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فإن وجوبه عليه إنما يقتضي حرمة منعه رأسا لا عن خصوص الجائر لأنه ليس حقا واجبا له. و لعل ما ذكرناه هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه رحمهم الله بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون إشعار بمخالفته لذلك الوجه و مما يؤيد ذلك أن المحقق المذكور بعد ما ذكر أن هذا يعني حل ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة مما وردت به النصوص و أجمع عليه الأصحاب بل المسلمون قاطبة قال فإن قلت فهل يجوز أن يتولي من له النيابة حال الغيبة ذلك أعني الفقيه الجامع للشرائط قلنا لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا لكن من جوز للفقهاء حال الغيبة تولي استيفاء الحدود و غير ذلك من توابع منصب الإمامة ينبغي له تجويز ذلك بطريق أولي- و لا سيما المستحقون لذلك موجودون في كل عصر- و من تأمل في أقوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدي و علم المحققين نصير الملة و الدين و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة و غيرهم نظر متأمل منصف لم يشك في أنهم كانوا يسلكون هذا المسلك و ما كانوا يودعون في كتبهم إلا ما يعتقدون صحته انتهي. و حمل ما ذكره من تولي الفقيه علي صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر و أما قوله و من تأمل إلي آخره فهو استشهاد علي أصل المطلب- و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج علي وجه الاتهاب و من الأراضي علي وجه الانقطاع و لا دخل له بقوله فإن قلت قلنا أصلا فإن علماءنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال علي أراضي الخراج بغير إذن السلطان.

[ما قاله الشهيد في حرمة منع الخراج و توجيهه]

و ممن يتراءي منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد في الدروس حيث قال يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و المقاسمة و الزكاة و إن لم يكن مستحقا له ثم قال و لا يجب رد المقاسمة و شبهها علي المالك و لا يعتبر رضاه و لا يمنع تظلمه من الشراء و كذا لو علم أن العامل يظلم إلا أن يعلم الظلم بعينه نعم يكره معاملة الظلمة و لا يحرم لقول الإمام الصادق ع: كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو حلال حتي تعرف الحرام بعينه و لا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله و بين عدم القبض فلو أحاله بها و قبل الثلاثة- أو وكله في قبضها أو باعها و هي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول و يحرم علي المالك المنع- و كما يجوز الشراء تجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك انتهي لكن الظاهر من قوله و يحرم علي المالك المنع أنه عطف علي قوله جاز التناول فيكون من أحكام الإحالة بها و التوكيل و البيع فالمراد منع المالك المحال و
المكاسب، ج‌1، ص 75
المشتري عنها و هذا لا إشكال فيه لأن اللازم من فرض صحة الإحالة و الشراء تملك المحال و المشتري فلا يجوز منعهما عن ملكهما. و أما قوله رحمه الله و لا يحل تناولها بغير ذلك فلعل المراد به ما تقدم في كلام مشايخ الكركي من إرادة تناولها بغير إذن أحد حتي الفقيه النائب عن السلطان العادل و قد عرفت أن هذا مسلم فتوي و نصا- و أن الخراج لا يسقط من مستعملي أراضي المسلمين ثم إن ما ذكره من جواز الوقف لا يناسب ذكره في جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر و إن أراد وقف الأرض المأخوذة منه إذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين فلا يخلو عن إشكال

[توجيه كلام الشهيد الثاني في حرمة منع الخراج]

و أما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق علي عدم جواز المنع عن الجائر و الجحود فالظاهر منه أيضا ما ذكرناه من جحود الخراج و منعه رأسا لا عن خصوص الجائر مع تسليمه إلي الفقيه النائب عن العادل فإنه رحمه الله بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق قال بلا فصل و هل يتوقف التصرف في هذا القسم- علي إذن الحاكم الشرعي إذا كان متمكنا من صرفها علي وجهها بناء علي كونه نائبا عن المستحق- و مفوضا إليه ما هو أعظم من ذلك الظاهر ذلك و حينئذ يجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين و مع عدم التمكن أمرها إلي الجائر. و أما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين فبعيد جدا بل لم أقف علي قائل به لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر و توقف التصرف علي إذنه و بين مفوض الأمر إلي الإمام ع و مع غيبته يرجع الأمر إلي نائبه فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهي. و ليس مراده رحمه الله من التوقف التوقف علي إذن الحاكم بعد الأخذ من الجائر و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر علي الأرض كما لا يخفي

و كيف كان فقد تحقق مما ذكرناه أن غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوي كفاية إذن الجائر في حل الخراج

و كون تصرفه بالإعطاء و المعاوضة و الإسقاط و غير ذلك نافذا و أما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل و لا أمارة بل لو نوقش في كفاية تصرفه في الحلية و عدم توقفها علي إذن الحاكم الشرعي مع التمكن بناء علي أن الأخبار الظاهرة في الكفاية منصرفة إلي الغالب من عدم تيسر استيذان الإمام ع أو نائبه أمكن ذلك إلا أن المناقشة في غير محلها لأن المستفاد من الأخبار الإذن العام من الأئمة الأطهار ع بحيث لا يحتاج بعد ذلك إلي إذن خاص في الموارد الخاصة منهم ع و لا من نوابهم

[عدم نفوذ إذن الجائر فيما لا تسلط له عليه]

هذا كله مع استيلاء الجائر علي تلك الأرض و التمكن من استيذانه و أما مع عدم استيلائه علي أرض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد أهلها له ابتداء أو طغيانهم عليه بعد السلطنة عليهم فالأقوي خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداء عدم جواز استيذانه و عدم مضي إذنه فيها كما صرح به بعض الأساطين حيث قال بعد بيان أن الحكم مع حضور الإمام مراجعته أو مراجعة الجائر مع التمكن و أما مع فقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط أو عدم التمكن من مراجعته فالواجب الرجوع إلي الحاكم الشرعي إذ ولاية الجائر إنما ثبتت علي من دخل في قسم رعيته حتي يكون في سلطانه و يكون مشمولا لحفظه من الأعداء و حمايته فمن بعد عن سلطانهم أو كان علي الحد فيما بينهم أو يقوي عليهم فخرج عن مأموريتهم فلا يجري عليه حكمهم اقتصارا علي المقطوع به من الأخبار و كلام الأصحاب في قطع الحكم بالأصول و القواعد و تخصيص ما دل علي المنع عن الركون إليهم و الانقياد لهم.

الثالث [هل يحل ما يعتقده الجائر خراجيا و إن كان عندنا من الأنفال أم يثبت حق الاختصاص]

أن ظاهر الأخبار و إطلاق الأصحاب حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية و إن كانت عندنا من الأنفال و هو الذي يقتضيه نفي الحرج. نعم مقتضي بعض أدلتهم و بعض كلماتهم هو الاختصاص فإن العلامة قد استدل في كتبه علي حل الخراج و المقاسمة بأن هذا مال لا يملكه الزارع و لا صاحب الأرض بل هو حق الله عز و جل أخذه غير مستحقة فبرأت ذمته و جاز شراؤه و هذا الدليل و إن كان فيه ما لا يخفي من الخلل إلا أنه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الأراضي التي لها حق علي الزارع و ليست الأنفال كذلك لكونها مباحة للشيعة. نعم لو قلنا بأن غيرهم يجب عليه أجرة الأرض كما لا يبعد أمكن تحليل ما يأخذه منهم الجائر بالدليل المذكور لو تم و مما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد و مشايخ المحقق الثاني من حرمة جحود الخراج و المقاسمة معللين ذلك بأن ذلك حق عليه فإن الأنفال لا حق و لا أجرة في التصرف فيها و كذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوي الإجماع علي الحكم أن تصرف الجائر في الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولي إذا أجاز المالك. و الإنصاف أن كلمات الأصحاب بعد التأمل في أطرافها ظاهرة في الاختصاص بأراضي المسلمين خلافا لما استظهره المحقق الكركي قدس سره من كلمات الأصحاب و إطلاق الأخبار مع أن الأخبار أكثرها لا عموم فيها و لا إطلاق- . نعم بعض الأخبار الواردة في المعاملة علي الأراضي الخراجية التي جمعها صاحب الكفاية شاملة لمطلق الأرض المضروب عليها الخراج من السلطان. نعم لو فرض أنه ضرب الخراج علي ملك غير الإمام أو علي ملك الإمام لا بالإمامة أو علي الأراضي التي أسلم أهلها عليها طوعا لم يدخل في منصرف الأخبار قطعا و لو أخذ الخراج من الأرض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه إياها ففيه وجهان.

الرابع ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله

اشارة

الرابع ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله
فلا يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجا علي سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين. نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له لكنك عرفت أنه قاصر عن إفادة المدعي كما أن ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج و المؤمن و الكافر و إن اعترفا بعدم الاستحقاق إلا أن ظاهر الأخبار الاختصاص بالمخالف

و المسألة مشكلة

من اختصاص موارد الأخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاق أخذه و لا عموم فيها لغير المورد فيقتصر في مخالفة القاعدة عليه و من لزوم الحرج- و دعوي الإطلاق في بعض الأخبار المتقدمة مثل قوله ع في صحيحة الحلبي: لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان و قوله ع في صحيحة محمد بن مسلم: كل أرض دفعها إليك سلطان فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و غير ذلك

[دفع بعض وجوه الإشكال]

و يمكن أن يرد لزوم الحرج بلزومه علي كل تقدير لأن المفروض أن السلطان المؤمن خصوصا في هذه الأزمنة
المكاسب، ج‌1، ص 76
يأخذ الخراج عن كل أرض و لو لم تكن خراجية و أنهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما إلي الخراج و ليس الخراج ممتازا عندهم عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفي علي من لاحظ سيرة عمالهم فلا بد إما من الحكم بحل ذلك كله لدفع الحرج و إما من الحكم بكون ما في يد السلطان و عماله من الأموال المجهولة المالك و أما الإطلاقات فهي مضافا إلي إمكان دعوي انصرافها إلي الغالب كما في المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز إدخال أهل الأرض الخراجية في تقبل الأرض في صحيحة الحلبي لدفع توهم حرمة ذلك كما يظهر من أخبار أخري- و كجواز أخذ أكثر مما تقبل به الأرض من السلطان في رواية الفيض بن المختار و كغير ذلك من أحكام قبالة الأرض و استيجارها فيما عداها من الروايات. و الحاصل أن الاستدلال بهذه الأخبار علي عدم البأس بأخذ أموالهم- مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل

[ما يدل علي عدم شمول كلمات الأصحاب للجائر المؤمن]

و مما يدل علي عدم شمول كلمات الأصحاب أن عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهي أو باسم الخراج و المقاسمة كما في غيره. و ما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج و المقاسمة لأن المراد بشبهتهما- شبهه استحقاقهما الحاصلة في مذهب العامة نظير شبهه تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون لأن مذهب الشيعة أن الولاية في الأراضي الخراجية إنما هي للإمام أو نائبه الخاص أو العام فما يأخذه الجائر المعتقد لذلك- إنما هو شي‌ء يظلم به في اعتقاده معترفا بعدم براءة ذمة زارع الأرض من أجرتها شرعا نظير ما يأخذه من الأملاك الخاصة التي لا خراج عليها أصلا و لو فرض حصول شبهه الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل ذلك في عناوين الأصحاب قطعا لأن مرادهم من الشبهة الشبهة من حيث المذهب التي أمضاها الشارع للشيعة لا الشبهة في نظر شخص خاص لأن الشبهة الخاصة إن كانت عن سبب صحيح كاجتهاد أو تقليد فلا إشكال في حليته له و استحقاقه للآخذ بالنسبة إليه و إلا كانت باطلة غير نافذة في حق أحد.

[ما يؤيد عدم شمول الكلمات للجائر الموافق]

و الحاصل أن آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلا الجائر المخالف و مما يؤيده أيضا عطف الزكاة عليها مع أن الجائر الموافق لا يري لنفسه ولاية جباية الصدقات و كيف كان فالذي أتخيل أنه كلما ازداد المنصف المتأمل في كلماتهم يزداد له هذا المعني وضوحا فما أطنب به بعض في دعوي عموم النص و كلمات الأصحاب مما لا ينبغي أن يغتر به

[تفسير الفاضل القطيفي للجائر]

و لأجل ما ذكرنا و غيره فسر صاحب إيضاح النافع- الجائر [الواقع] في عبارة النافع بالمخالف فالقول بالاختصاص كما استظهره في المسالك و جزم به في إيضاح النافع و جعله الأصح في الرياض لا يخلو عن قوة.

[لزوم مراجعة الحاكم الشرعي]

فينبغي في الأراضي التي بيد الجائر الموافق في المعاملة علي عينها أو علي ما يؤخذ عليها مراجعة الحاكم الشرعي
و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يري نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه
و إنما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه علي غير الأراضي الخراجية من الأملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل في منصرف الأخبار و لا في كلمات الأصحاب فحكمه حكم السلطان الموافق

و أما السلطان الكافر

فلم أجد فيه نصا. و ينبغي لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوي التزام دخوله فيهما لكن الإنصاف انصرافهما إلي غيره مضافا إلي ما تقدم في السلطان الموافق من اعتبار كون الأخذ بشبهة الاستحقاق و قد تمسك في ذلك بعض بنفي السبيل للكافر علي المؤمن فتأمل.

الخامس الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الأخذ للآخذ

فلا فرق حينئذ بين المؤمن و المخالف و الكافر لإطلاق بعض الأخبار المتقدمة- و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن كما في روايتي الحذاء و إسحاق بن عمار و بعض روايات قبالة الأراضي الخراجية و لم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الأخذ مع اعترافه بأن ظاهر الأصحاب التعميم و كأنه أدخل هذه المسألة يعني مسألة حل الخراج و المقاسمة في القاعدة المعروفة من إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم و وجوب المضي معهم في أحكامهم علي ما يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن ما باعه من الخمر و الخنزير و الأقوي أن المسألة أعم من ذلك و أن الممضي فيما نحن فيه تصرف الجائر في تلك الأراضي مطلقا.

السادس ليس للخراج قدر معين

اشارة

بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الأرض لأن الخراج هي أجرة الأرض فيناط برضا الموجر و المستأجر. نعم لو استعمل أحد الأرض قبل تعيين الأجرة تعين عليه أجرة المثل و هي مضبوطة عند أهل الخبرة و أما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه و نسب ما ذكرناه إلي ظاهر الأصحاب و يدل عليه قول أبي الحسن ع في مرسلة حماد بن عيسي: و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي- علي قدر طاقتهم من الحق الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرهم إلي آخر الحديث.

حكم ما إذا كان الخراج المجعول مضرا بحال المزارعين]

و يستفاد منه أنه إذا جعل عليهم من الخراج أو المقاسمة ما يضر بهم لم يجز ذلك كالذي يؤخذ من بعض مزارعي بعض بلادنا بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج فيجبرونه علي الزراعة و حينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد علي ما تضر الزيادة عليه وجهان. و حكي عن بعض أنه يشترط أن لا يزيد علي ما كان يأخذه المتولي له الإمام العادل إلا برضاه و التحقيق أن مستعمل الأرض بالزرع و الغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعه الخراج و المقاسمة باختياره و اختيار الجائر فإذا تراضيا علي شي‌ء فهو الحق قليلا كان أو كثيرا و إن كان لا بد من استعمال الأرض لأنها كانت مزرعة له مدة سنين و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية إلي غيرها فالمناط ما ذكر في المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بأن لا يبقي لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما أنفقوا علي الزرع من المال و بذلوا له من أبدانهم الأعمال.

السابع ظاهر إطلاق الأصحاب- أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج [الاستحقاق]

اشارة

أو الزكاة من السلطان علي وجه الهدية أو يقطعه الأرض الخراجية إقطاعا أن يكون مستحقا له- و نسبه الكركي في رسالته إلي إطلاق الأخبار و الأصحاب و لعله أراد إطلاق ما دل علي حل جوائز السلطان و عماله مع كونها غالبا من بيت المال- و إلا فما استدلوا به لأصل المسألة إنما هي الأخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة و الواردة في حل تقبل الأرض الخراجية من السلطان و لا ريب في عدم اشتراط
المكاسب، ج‌1، ص 77
كون المشتري و المتقبل مستحقا لشي‌ء من بيت المال و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتي يتمسك بإطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان مع أن تلك الأخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال فالحكم بنفوذ تصرف الجائر علي الإطلاق في الخراج من حيث البذل و التفريق كنفوذ تصرفه علي الإطلاق فيه بالقبض و الأخذ و المعاملة عليه مشكل.

[عدم دلالة رواية الحضرمي و كلام العلامة علي الاشتراط] و أما قوله ع في رواية الحضرمي السابقة:

ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك أ ما علم أن لك نصيبا من بيت المال فإنما يدل علي أن كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ لا أن كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه. و كذا تعليل العلامة رحمه الله فيما تقدم من دليله بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقة فإن هذا لا ينافي إمضاء الشارع لبذل الجائر إياه كيف شاء كما أن للإمام ع أن يتصرف في بيت المال كيف شاء. فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة و بالمذكور في كلام العلامة رحمه الله علي اعتبار استحقاق الآخذ لشي‌ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر

[الإشكال في تحليل الزكاة الذي يأخذه الجائر لكل أحد]

ثم أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد كما هو ظاهر إطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة.
[كلام الشهيد الثاني في اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة]
و في المسالك أنه يشترط أن يكون صرفه لها علي وجهه المعتبر بحيث لا يعد عندهم عاصيا إذ يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا ثم قال و يحتمل الجواز مطلقا نظرا إلي إطلاق النص و الفتوي قال و يجي‌ء مثله في الخراج و المقاسمة فإن مصرفهما بيت المال و له أرباب مخصوصون عندهم أيضا انتهي.

الثامن [ما يعتبر في كون الأرض خراجية]

اشارة

أن كون الأرض بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة يتوقف علي أمور ثلاثة

الأول كونها مفتوحة عنوة

اشارة

أو صلحا علي أن تكون الأرض للمسلمين إذ ما عداهما من الأرضين لا خراج عليها. نعم لو قلنا بأن حكم ما يأخذه الجائر من الأنفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج دخل ما يثبت كونه من الأنفال في حكمها.

[كيف يثبت كون الأرض مفتوحة عنوة]

فنقول يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم و بشهادة عدلين و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم بنا علي كفايته في كل ما يعسر إقامة البينة عليه كالنسب و الوقف و الملك المطلق و أما ثبوتها بغير ذلك من الأمارات الظنية حتي بقول من يوثق به من المؤرخين فمحل إشكال لأن الأصل عدم الفتح عنوة و عدم تملك المسلمين. نعم الأصل عدم تملك غيرهم أيضا- فإن فرض دخولها بذلك في الأنفال- و ألحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو و إلا فمقتضي القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ من زراعها قهرا و أما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع فيعمل فيها معهم علي طبق ما تقتضيه القواعد عنده من كونه مال الإمام ع أو مجهول المالك أو غير ذلك.

و المعروف بين الإمامية بلا خلاف ظاهر أن أرض العراق فتحت عنوة

و حكي ذلك عن التواريخ المعتبرة. و حكي عن بعض العامة أنها فتحت صلحا و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الأمرين. ففي صحيحة الحلبي: أنه سئل أبو عبد الله ع عن أرض السواد ما منزلته فقال هو لجميع المسلمين لمن اليوم مسلم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد و رواية أبي الربيع الشامي: لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هي في‌ء للمسلمين و قريب منها صحيحة ابن الحجاج.

[حكم غير أرض العراق]

اشارة

و أما غير هذه الأرض مما ذكر و اشتهر فتحها عنوة فإن أخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع- أو الظن المتاخم من الشياع أخذ به علي تأمل في الأخير- كما في العدل الواحد- و إلا فقد عرفت الإشكال في الاعتماد علي مطلق الظن

و أما العمل بقول المؤرخين

بناء علي أن قولهم في المقام نظير قول اللغوي في اللغة و قول الطبيب و شبههما فدون إثباته خرط القتاد

و أشكل منه إثبات ذلك باستمرار السيرة علي أخذ الخراج من أرض

لأن ذلك إما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الأول من غير نكير إذ لو كان شيئا حادثا لنقل في كتب التواريخ لاعتناء أربابها بالمبتدعات و الحوادث و إما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو أخذهم الخراج علي الصحيح. و يرد علي الأول مع أن عدم التعرض يحتمل كونه لأجل عدم اطلاعهم الذي لا يدل علي العدم أن هذه الأمارات ليست بأولي من تنصيص أهل التواريخ الذي عرفت حاله. و علي الثاني أنه إن أريد بفعل المسلم تصرف السلطان بأخذ الخراج فلا ريب أن أخذه حرام و إن علم كون الأرض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله. و دعوي أن أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا من أخذه من غيرها توهم لأن مناط الحرمة في المقامين واحد و هو أخذ مال الغير من غير استحقاق و اشتغال ذمة المأخوذ منه بأجرة الأرض الخراجية و عدمه في غيرها لا يهون الفساد.
نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان و هو من يقع في يده شي‌ء من الخراج بمعاوضة أو تبرع فيحل في الأرض الخراجية دون غيرها مع أنه لا دليل علي وجوب حمل الفاسد علي الأقل فسادا إذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الأمر بين الزني مكرها للمرأة و بين الزني برضائها حيث إن الظلم محرم آخر غير الزني بخلاف ما نحن فيه مع أن أصالة الصحة لا تثبت الموضوع و هو كون الأرض خراجية إلا أن يقال إن المقصود ترتب آثار الأخذ الذي هو أقل فسادا و هو حل تناوله من الأخذ و إن لم يثبت كون الأرض خراجية بحيث تترتب عليها آثار أخري مثل وجوب دفع أجرة الأرض إلي حاكم الشرع ليصرفه في المصالح إذا فرض عدم السلطان الجائر و مثل حرمة التصرف فيه من دون دفع أجرة أصلا لا إلي الجائر و لا إلي حاكم الشرع و إن أريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الأرض ففيه أنه لا عبرة بفعلهم إذا علمنا بأنهم لا يعلمون حال هذه الأراضي كما هو الغالب في محل الكلام إذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم إحراز الموضوع و لو احتمل تقليدهم لمن يري تلك الأرض خراجية لم ينفع و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية- كان اللازم من ذلك جواز التناول من أيديهم لا من يد السلطان كما لا يخفي.

الثاني أن يكون الفتح بإذن الإمام

اشارة

و إلا كان المفتوح مال الإمام بناء علي المشهور بل عن المجمع أنه كاد يكون إجماعا و نسبه في المبسوط إلي رواية أصحابنا و هي مرسلة العباس الوراق: و فيها أنه إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ع قال في المبسوط و علي هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي ص إلا ما فتحت في زمان الوصي ع من مال الإمام انتهي. أقول فيبتني حل المأخوذ منها خراجا علي ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الأنفال

و الظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن

المكاسب، ج‌1، ص 78
كما يكشف عن ذلك ما دل علي أنها للمسلمين

و أما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني

اشارة

و هي أغلب ما فتحت

فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضا بإذن مولانا أمير المؤمنين ع و أمره

اشارة

. ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن الله تعالي يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن و بعد وفاتهم في سبعة مواطن عن أبيه و شيخه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن جعفر بن محمد النوفلي عن يعقوب بن الرائد عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن أبي طالب عن يعقوب بن عبد الله الكوفي عن موسي بن عبيد عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع: أنه أتي يهودي أمير المؤمنين ع في منصرفة عن وقعة النهروان فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله ع و أما الرابعة يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي ص فإن القائم بعد صاحبه يعني عمر بعد أبي بكر كان يشاورني في موارد الأمور و مصادرها فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي لا يعلمه أحد و لا يعلمه أصحابي و لا يناظرني غيره إلي آخر الخبر. و الظاهر أن عموم الأمور إضافي بالنسبة إلي ما يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة و لا يخفي أن الخروج إلي الكفار و دعاءهم إلي الإسلام من أعظم تلك الأمور بل لا أعظم منه.

[المناقشة في سند الرواية و دفعها]

و في سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار إلا أن اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يثبتون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها في الجملة

[ما يؤيد مضمون الرواية]

مضافا إلي ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن ع في بعض الغزوات و دخول بعض خواص أمير المؤمنين ع من الصحابة كعمار في أمرهم. و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال: سألته عن سيرة الإمام ع في الأرض التي فتحت بعد رسول الله ص فقال إن أمير المؤمنين ع قد سار في أهل العراق بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين إلي آخر الخبر. و ظاهرها أن سائر الأرضين المفتوحة بعد النبي ص حكمها حكم أرض العراق مضافا إلي أنه يمكن الاكتفاء عن إذن الإمام- المنصوص في مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا أمير المؤمنين ع و سائر الأئمة بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأييد هذا الدين. و قد ورد أن الله تعالي يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه مع أنه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علي الوجه الصحيح- و هو كونه بأمر الإمام ع مع أنه يمكن أن يقال إن عموم ما دل من الأخبار الكثيرة علي تقييد الأرض المعدودة من الأنفال بكونها ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب معارض بالعموم من وجه- و علي أن ما أخذت بالسيف من الأرضين يصرفها في مصالح المسلمين لمرسلة الوراق فيرجع إلي عموم قوله تعالي وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فيكون الباقي للمسلمين إذ ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين نصا و إجماعا

الثالث أن يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام ع محياة حال الفتح

اشارة

لتدخل في الغنائم و يخرج منها الخمس أولا علي المشهور و بقي الباقي للمسلمين فإن كانت حينئذ مواتا كانت للإمام ع كما هو المشهور بل المتفق عليه علي الظاهر المصرح به عن الكفاية و محكي التذكرة و يقتضيه إطلاق الإجماعات المحكية علي أن الموات من الأنفال لإطلاق الأخبار الدالة علي أن الموات بقول مطلق له ع و لا يعارضها إطلاق الإجماعات و الأخبار الدالة علي أن المفتوحة عنوة للمسلمين لأن موارد الإجماعات هي الأرض المغنومة من الكفار كسائر الغنائم التي يملكونها منهم و يجب فيها الخمس و ليست الموات من أموالهم و إنما هي مال الإمام و لو فرض جريان أيديهم عليها كان بحكم المغصوب لا يعد في الغنيمة و ظواهر الأخبار خصوص المحياة- مع أن الظاهر عدم الخلاف.

نعم لو ماتت المحياة حال الفتح

فالظاهر بقاؤها علي ملك المسلمين بل عن ظاهر الرياض استفادة عدم الخلاف في ذلك من السرائر لاختصاص أدلة الموات بما إذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه

ثم إنه تثبت الحياة حال الفتح

بما كان يثبت به الفتح عنوة و مع الشك فيها فالأصل العدم و إن وجدناها الآن محياة لأصالة عدمها حال الفتح فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة. نعم ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له أما إذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لأجلها بكونها خراجية لأن يد السلطان عادية علي الأراضي الخراجية أيضا

و ما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين

و مالك خاص مردد بين الإمام لكونها تركة من لا وارث له و بين غيره فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها و وظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذ منها إما القرعة و إما صرفها في مصرف مشترك بين الكل كفقير يستحق الإنفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين

[هل كانت أرض السواد كلها عامرة حال الفتح]

ثم اعلم أن ظاهر الأخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق المسمي بأرض السواد من غير تقييد بالعامر فينزل علي أن كلها كانت عامرة حال الفتح.

[حد سواد العراق]

اشارة

و يؤيده أنهم ضبطوا أرض الخراج كما في المنتهي و غيره بعد المساحة بستة أو اثنين و ثلاثين ألف ألف جريب و حينئذ فالظاهر أن البلاد الإسلامية المبنية في العراق و هي مع ما يتبعها من القري من المحياة حال الفتح التي تملكها المسلمون.

[ما ذكره العلامة في تحديد سواد العراق]

و ذكر العلامة في كتبه تبعا لبعض ما عن ظاهر المبسوط و الخلاف أن حد سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان إلي أطراف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب عرضا و من تخوم الموصل إلي ساحل البحر ببلاد عبادان طولا و زاد العلامة رحمه الله قوله من شرقي دجلة فأما الغربي الذي تليه البصرة فإنما هو إسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا مماتا فأحياها عثمان و يظهر من هذا التقييد- أن ما عدا ذلك كانت محياة كما يؤيده ما تقدم من تقدير الأرض المذكور بعد المساحة بما ذكر من الجريب

[النظر فيما قيل من أن البلاد المحدثة في العراق لم تفتح عنوة]

فما قيل من أن البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة إسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة و لم يثبت أن أرضها تملكها المسلمون بالاستغنام و التي فتحت عنوة و أخذت من الكفار قهرا قد انهدمت لا يخلو عن نظر لأن المفتوح عنوة لا يختص بالأبنية حتي يقال إنها انهدمت فإذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قرأها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدرة بستة و ثلاثين ألف ألف جريب و أيضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن علي طرف العراق بحيث يكون الخارج منها مما يليه [و هي] البلاد المذكورة مواتا غير معمورة وقت الفتح و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا [و به نستعين]
المكاسب، ج‌2، ص 79

الجزء الثاني

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم إلي يوم الدين
كتاب البيع

[تعريف البيع

اشارة

و هو في الأصل كما عن المصباح المنير مبادلة مال بمال

و الظاهر اختصاص المعوض بالعين

فلا يعم إبدال المنافع بغيرها و عليه استقر اصطلاح الفقهاء في البيع. نعم ربما يستعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها بل يظهر ذلك من كثير من الأخبار كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر و بيع سكني الدار التي لا يعلم صاحبها و كأخبار بيع الأرض الخراجية و شرائها و الظاهر أنها مسامحة في التعبير كما أن لفظة الإجارة تستعمل عرفا في نقل بعض الأعيان كالثمرة علي الشجرة.

و أما العوض فلا إشكال في جواز كونه منفعة

كما في غير موضع من القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و لا يبعد عدم الخلاف فيه. نعم نسب إلي بعض الأعيان الخلاف فيه و لعله لما اشتهر في كلامهم من أن البيع لنقل الأعيان و الظاهر إرادتهم بيان المبيع نظير قولهم إن الإجارة لنقل المنافع.

[جعل عمل الحر عوضا]

و أما عمل الحر فإن قلنا إنه قبل المعاوضة عليه من الأموال فلا إشكال و إلا ففيه إشكال من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة يدل عليه ما تقدم عن المصباح.

[أقسام الحق و ما يقع منها عوضا]

و أما الحقوق فإن لم تقبل المعاوضة بالمال- كحق الحضانة و الولاية فلا إشكال و كذا لو لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار لأن البيع تمليك الغير و لا ينتقض ببيع الدين علي من هو عليه لأنه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط و لذا جعل الشهيد في قواعده الإبراء مرددا بين الإسقاط و التمليك. و الحاصل أنه يعقل أن يكون مالكا في ذمته فيؤثر تمليكه السقوطو لا يعقل أن يتسلط علي نفسه و السر أن مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد بخلاف الملك فإنها نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج إلي من يملك عليه يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه فافهم. و أما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه فهي و إن قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح إلا أن في جواز وقوعها عوضا للبيع إشكالا من أخذ المال في عوضي المبايعة لغة و عرفا مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين و لما يصح أن يكون أجرة في الإجارة في حصر الثمن في المال.

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]

ثم الظاهر أن لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية بل هو باق علي معناه العرفي كما سنوضحه إن شاء الله إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه ففي المبسوط و التذكرة و غيرهما انتقال عين من شخص إلي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي و حيث إن في هذا التعريف مسامحة واضحة عدل آخرون إلي تعريفه بالإيجاب و القبول الدالين علي الانتقال و حيث إن البيع من مقولة المعني دون اللفظ مجردا أو بشرط قصد المعني و إلا لم يعقل إنشاؤه باللفظ عدل جامع المقاصد إلي تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة.
و يرد عليه مع أن النقل ليس مترادفا للبيع و لذا صرح في التذكرة بأن إيجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات و أن المعاطاة عنده بيع مع خلوها عن الصيغة أن النقل بالصيغة أيضا لا يعقل إنشاؤه بالصيغة و لا يندفع هذا بأن المراد أن البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة فجعله مدلول الصيغة إشارة إلي تعيين ذلك الفرد من النقل لا أنه مأخوذ في مفهومه حتي يكون مدلول بعت نقلت بالصيغة لأنه إن أريد بالصيغة خصوص بعت لزم الدور لأن المقصود معرفة مادة بعت و إن أريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار علي مجرد التمليك و النقل

[أولي التعاريف للبيع

اشارة

فالأولي تعريفه بأنه إنشاء تمليك عين بمال و لا يلزم عليه شي‌ء مما تقدم.

نعم يبقي عليه أمور

منها أنه موقوف علي جواز الإيجاب بلفظ ملكت

و إلا لم يكن مرادفا له و يرده أنه الحق كما سيجي‌ء.

و منها أنه لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه

لأن الإنسان لا يملك مالا علي نفسه و فيه مع ما عرفت و ستعرف من تعقل تملك ما علي نفسه- و رجوعه إلي سقوطه عنه نظير تملك ما هو مساو لما في ذمته و سقوطه بالتهاتر أنه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع إذ ليس للبيع لغة و عرفا معني غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الألفاظ و لذا قال فخر الدين إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شي‌ء مما يساويها فلا يعقل البيع.

و منها أنه يشمل التمليك بالمعاطاة

مع حكم المشهور بل دعوي الإجماع علي أنها ليست بيعا و فيه ما سيجي‌ء من كون المعاطاة بيعا و أن مراد النافين نفي صحته.

و منها صدقه علي الشراء

فإن المشتري بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع و فيه أن التمليك فيه ضمني و إنما حقيقته التملك بعوض و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت تقدم علي الإيجاب أو تأخر و به يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين حيث إن الاستيجار يتضمن تمليك العين بمال أعني المنفعة.

و منها انتقاض طرده بالصلح علي العين بمال

اشارة

و بالهبة المعوضة و فيه أن حقيقة الصلح و لو تعلق بالعين ليست هو التمليك علي وجه المقابلة و المعاوضة بل معناه الأصلي هو التسالم- و لذا لا يتعدي بنفسه إلي المال. نعم هو متضمن للتمليك إذا تعلق بعين لا أنه نفسه

[حقيقة الصلح

و الذي يدلك علي هذا أن الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة فيفيد التمليك و قد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية و هو مجرد التسليط و قد يتعلق بالحقوق فيفيد الإسقاط أو الانتقال و قد يتعلق بتقرير أمر بين المتصالحين كما في قول أحد الشريكين
المكاسب، ج‌2، ص 80
لصاحبه صالحتك علي أن يكون الربح لك و الخسران عليك فيفيد مجرد التقرير فلو كانت حقيقة الصلح هي عين كل من هذه المعاني الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا و هو واضح البطلان فلم يبق إلا أن يكون مفهومه معني آخر و هو التسالم فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقة.
فالصلح علي العين بعوض تسالم عليه و هو يتضمن التمليك لا أن مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام و حقيقته هو إنشاء التمليك و من هنا لم يكن طلبه من الخصم إقرارا له بخلاف طلب التمليك.

و أما الهبة المعوضة

و المراد بها هنا ما اشترط فيه العوض فليست إنشاء تمليك بعوض علي جهة المقابلة و إلا لم يعقل تملك أحدهما لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر مع أن ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب الهبة بل غاية الأمر أن المتهب لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع في هبته فالظاهر أن التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه عوضا لا أن حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن الهبة الأولي. فقد تحقق مما ذكرنا أن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلا البيع فلو قال ملكتك كذا بكذا كان بيعا و لا يصح صلحا و لا هبة معوضة و إن قصدهما إذ التمليك علي جهة المقابلة الحقيقية ليس صلحا و لا هبة فلا يقعان به. نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجه تحققهما مع قصدهما فما قيل من أن البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض فيقدم علي الصلح و الهبة المعوضة محل تأمل بل منع لما عرفت من أن تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير. نعم لو أتي بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة غير حقيقته كان مقتضي الأصل اللفظي- حمله علي المعني الحقيقي فيحكم بالبيع لكن الظاهر أن الأصل بهذا المعني ليس مراد القائل المتقدم و سيجي‌ء توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله

بقي القرض داخلا في ظاهر الحد

و يمكن إخراجه بأن مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة لا معاوضة للعين بهما و لذا لا يجري فيه ربا المعاوضة و لا الغرر المنفي فيها و لا ذكر العوض و لا العلم به فتأمل.

[استعمال البيع في معان أخر]

اشارة

ثم إن ما ذكرناه تعريف للبيع المأخوذ في صيغة بعت و غيره من المشتقات و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله في معان أخري غير ما ذكر

أحدها التمليك المذكور

لكن بشرط تعقبه بتملك المشتري و إليه نظر بعض مشايخنا حيث أخذ قيد التعقب بالقبول مأخوذا في تعريف البيع المصطلح و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل و صحة السلب عن المجرد و لهذا لا يقال باع فلان ماله إلا بعد أن يكون قد اشتراه غيره و يستفاد من قول القائل بعت مالي أنه اشتراه غيره لا أنه أوجب البيع فقط.

الثاني الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول

و هو الانتقال كما يظهر من المبسوط و غيره.

الثالث نفس العقد المركب من الإيجاب و القبول

و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد قال بل الظاهر اتفاقهم علي إرادة هذا المعني في عناوين أبواب المعاملات حتي الإجارة و شبهها التي ليست في الأصل اسما لأحد طرفي العقد.

[المناقشة في هذه الاستعمالات

أقول أما البيع بمعني الإيجاب المتعقب للقبول فالظاهر أنه ليس مقابلا للأول و إنما هو فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة علي إرادة الإيجاب المثمر إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرد فقول المخبر بعت إنما أراد الإيجاب المقيد فالقيد مستفاد من الخارج لا أن البيع مستعمل في الإيجاب المتعقب للقبول و كذلك لفظ النقل و الإبدال و التمليك و شبهها مع أنه لم يقل أحد بأن تعقب القبول له دخل في معناها. نعم تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج في نظر الشارع لا في نظر الناقل إذ التأثير لا ينفك عن الأثر فالبيع و ما يساويه معني من قبيل الإيجاب و الوجوب- لا الكسر و الانكسار كما تخيله بعض فتأمل و منه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معني البيع المصطلح فضلا عن أن يجعل أحد معانيه. و أما البيع بمعني الأثر و هو الانتقال فلم يوجد في اللغة و لا في العرف و إنما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط و قد يوجه بأن المراد من البيع المحدود المصدر من المبني للمفعول أعني المبيعية و هو تكلف حسن و أما البيع بمعني العقد فقد صرح الشهيد الثاني رحمه الله بأن إطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية و الظاهر أن المسبب هو الأثر الحاصل في نظر الشارع لأنه المسبب عن العقد لا النقل الحاصل من فعل الموجب لما عرفت من أنه حاصل بنفس إنشاء الموجب من دون توقفه علي شي‌ء كحصول وجوب الضرب في نظر الأمر بمجرد الأمر و إن لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره. و إلي هذا نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوي من قولهم لزم البيع أو وجب أو لا بيع بينهما أو إقالة في البيع و نحو ذلك. و الحاصل أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعني اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف علي تحقق الإيجاب و القبول فإضافة العقد إلي البيع بهذا المعني ليست بيانية و لذا يقال انعقد البيع و لا ينعقد البيع.

[البيع و نحوه من العقود اسم للصحيح أو الأعم

[اختيار الشهيدين كونه للصحيح

اشارة

ثم إن الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك علي أن عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد لوجود خواص الحقيقة و المجاز كالتبادر و صحة السلب قال و من ثم حمل الإقرار به عليه حتي لو ادعي إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة و انقسامه إلي الصحيح و الفاسد أعم من الحقيقة انتهي و قال الشهيد الأول في قواعده الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق علي الفاسد إلا الحج لوجوب المضي فيه و ظاهره إرادة الإطلاق الحقيقي

[المناقشة فيما أفاده الشهيدان

و يشكل ما ذكراه بأن وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و إطلاقات أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شي‌ء فيها مع أن سيرة علماء الإسلام التمسك بها في هذه المقامات.

[توجيه ما أفاده الشهيدان

نعم يمكن أن يقال إن البيع و شبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل بعت عقد الإنشاء لا يستعمل حقيقة- إلا فيما كان صحيحا مؤثرا و لو في نظر القائل ثم إذا كان مؤثرا في نظر الشارع كان بيعا عنده و إلا كان صورة بيع نظير الهازل عند العرف. فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد
المكاسب، ج‌2، ص 81
للأثر و مجاز في غيره إلا أن الإفادة و ثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف و الشرع.

و أما وجه تمسك العلماء بإطلاق أدلة البيع و نحوها

فلأن الخطابات لما وردت علي طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشرعية علي ما هو الصحيح المؤثر عند العرف أو علي المصدر الذي يراد من لفظ بعت فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء علي كونه مؤثرا في نظر الشارع أيضا فتأمل فإن للكلام محلا آخر

الكلام في المعاطاة

[حقيقة المعاطاة]

اعلم أن المعاطاة علي ما فسره جماعة أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر

[صور المعاطاة]

و هو يتصور علي وجهين أحدهما أن يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر إلي تمليكه. الثاني أن يتعاطيا علي وجه التمليك. و ربما يذكر وجهان آخران أحدهما أن يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة بل يعطي شيئا ليتناول شيئا فدفعه الآخر إليه. الثاني أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع. و يرد الأول بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الإباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العناوين الخاصة و الثاني بما تقدم في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض علي وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير. نعم يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك كون التمليك المطلق أعم من البيع

ثم إن المعروف بين علمائنا في حكمها أنها مفيدة لإباحة التصرف

اشارة

و يحصل الملك بتلف إحدي العينين و عن المفيد و بعض العامة القول بكونها لازمة كالبيع و عن العلامة رحمه الله في النهاية احتمال كونها بيعا فاسدا في عدم إفادتها إباحة التصرف

[محل النزاع في المعاطاة]

و لا بد أولا من ملاحظة أن النزاع في المعاطاة هل المقصود بها الإباحة أو المقصود بها التمليك الظاهر من الخاصة و العامة هو المعني الثاني.
[تنزيل المحقق الثاني الإباحة علي الملك الجائز]
و حيث إن الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزل المحقق الكركي الإباحة في كلامهم علي الملك الجائز المتزلزل و أنه يلزم بذهاب إحدي العينين و حقق ذلك في شرحه علي القواعد و في تعليقه علي الإرشاد بما لا مزيد عليه

[توجيه صاحب الجواهر بأن محل النزاع هي المعاطاة بقصد الإباحة]

لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ إلي جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرد الإباحة و رجح بقاء الإباحة في كلامهم علي ظاهرها المقابل للملك و نزل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة علي هذا الوجه و طعن علي من جعل محل النزاع في المعاطاة بقصد التمليك قائلا إن القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب إلي أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب و كبرائهم.

[المناقشة في توجيه المحقق الثاني

و الإنصاف أن ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب مثل الشيخ في المبسوط و الخلاف و الحلي في السرائر و ابن زهرة في الغنية و الحلبي في الكافي و العلامة في التذكرة و غيرها

[المناقشة في توجيه صاحب الجواهر]

بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف إلا أن جعل محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك أبعد منه بل لا يكاد يوجد في كلام أحد منهم ما يقبل الحمل علي هذا المعني

[دلالة كلام الفقهاء علي بعد التوجيهين

و لننقل أولا كلمات جماعة ممن ظفرنا علي كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة علي الملك المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي و أبعدية جعل محل الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك فنقول و بالله التوفيق قال في الخلاف إذا دفع قطعة إلي البقلي أو الشارب فقال أعطني بها بقلة أو ماء فأعطاه فإنه لا يكون بيعا و كذلك سائر المحقرات و إنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه و فائدة ذلك أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك لأن الملك لم يحصل لهما و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة يكون بيعا صحيحا و إن لم يحصل الإيجاب و القبول و قال ذلك في المحقرات دون غيرها. دليلنا أن العقد حكم شرعي و لا دلالة في الشرع علي وجوده هنا فيجب أن لا يثبت و أما الإباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهي. و لا يخفي صراحة هذا الكلام في عدم حصول الملك و في أن محل الخلاف بينه و بين أبي حنيفة ما لو قصد البيع لا الإباحة المجردة كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية حيث إنه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال و ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي أيضا فتمسكه بأن العقد حكم شرعي يدل علي عدم انتفاء قصد البيع و إلا لكان الأولي بل المتعين التعليل به إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معني للتمسك بتوقفه علي الأسباب الشرعية كما لا يخفي. و قال في السرائر بعد ذكر اعتبار الإيجاب و القبول و اعتبار تقدم الأول علي الثاني ما لفظه فإذا دفع قطعة إلي البقلي أو إلي الشارب فقال أعطني فإنه لا يكون بيعا و لا عقدا لأن الإيجاب و القبول ما حصلا و كذلك سائر المحقرات و سائر الأشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان أو غير ذلك و إنما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه و لكل منهما أن يرجع فيما بذله لأن الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود الفاسدة لأنه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار إلي كل واحد منهما و إنما ذلك علي جهة الإباحة انتهي. فإن تعليله عدم الملك بعدم حصول الإيجاب و القبول يدل علي أن ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك مع أن ذكره في حيز شروط العقد يدل علي ما ذكرناه و لا ينافي ذلك قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة إلي آخر قوله كما لا يخفي. و قال في الغنية بعد ذكر الإيجاب و القبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي و معلومية العوضين و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ما هذا لفظه و اعتبرنا حصول الإيجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الإيجاب من البائع بأن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك بألف فإنه لا ينعقد بذلك بل لا بد أن يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت حتي ينعقد و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو أن يدفع إلي البقلي قطعة و يقول أعطني بقلا فيعطيه فإن ذلك ليس ببيع و إنما هو إباحة للتصرف. يدل علي ما قلناه الإجماع المشار إليه و أيضا فما اعتبرناه مجمع علي صحة العقد به و ليس علي صحة مما عداه دليل
المكاسب، ج‌2، ص 82
و لما ذكرناه نهي ص عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة علي التأويل الآخر و معني ذلك أن يجعل اللمس بشي‌ء أو النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا انتهي. فإن دلالة هذا الكلام علي أن المفروض من قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة منها ظهور أدلته الثلاثة في ذلك. و منها احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد. و قال الحلبي في الكافي بعد ذكر أنه يشترط في صحة البيع أمور ثمانية ما لفظه و اشترط الإيجاب و القبول لخروجه من دونهما عن قبول حكم البيع إلي أن قال فإن اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع و لم يستحق التسليم و إن جاز التصرف مع إخلال بعضها للتراضي دون عقد البيع و يصح معه الرجوع انتهي و هو في الظهور قريب من عبارة الغنية. و قال المحقق رحمه الله في الشرائع- و لا يكفي التقابض من غير لفظ و إن حصل من الأمارات ما دل علي إرادة البيع انتهي. و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد به البيع بل للتنبيه علي أنه لا عبرة بقصد البيع من الفعل. و قال في التذكرة في حكم الصيغة الأشهر عندنا أنه لا بد منها فلا يكفي التعاطي في الجليل و الحقير مثل أعطني بهذا الدينار ثوبا فيعطيه ما يرضيه أو يقول خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه و به قال الشافعي مطلقا لأصالة بقاء الملك و قصور الأفعال عن الدلالة علي المقاصد و عن بعض الحنفية و ابن شريح في الجليل و قال أحمد ينعقد مطلقا و نحوه قال مالك فإنه قال بع بما يعتقده الناس بيعا انتهي و دلالته علي قصد المتعاطيين للملك لا تخفي من وجوه أدونها جعل مالك موافقا لأحمد في الانعقاد من جهة أنه قال بع بما يعتقده الناس بيعا و قال الشهيد في قواعده بعد قوله قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي و ذكر أمثلة لذلك ما لفظه و أما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك و إن كان في الحقير عندنا و دلالتها علي قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفي هذا كله مع أن الواقع في أيدي الناس- هي المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس مع أنهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس ثم إنك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد و مع ذلك كله فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد أنهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل فقال المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع و إن لم تكن كالعقد في اللزوم خلافا لظاهر عبارة المفيد و لا يقول أحد من الأصحاب إنها بيع فاسد سوي المصنف في النهاية و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها و قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يتناولها لأنها بيع بالاتفاق حتي من القائلين بفسادها لأنهم يقولون هو بيع فاسد و قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ عام إلا ما أخرجه الدليل. و ما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدي العينين يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر و بالذهاب يتحقق اللزوم لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك فإذا لم يحصل كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف في العين و كافة الأصحاب علي خلافه و أيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده. و إنما الأفعال لما لم تكن دلالتها علي المراد بالصراحة كالأقوال لأنها تدل بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها فيجوز التراد ما دام ممكنا و مع تلف إحدي العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم لأن إحداهما في مقابل الآخر و يكفي تلف بعض إحدي العينين لامتناع التراد في الباقي إذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر انتهي و نحوه المحكي عنه في تعليقته علي الإرشاد و زاد فيه أن مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة علي ملك الرقبة كسائر البيوع فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلناه و إلا لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد إذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل و عليه يتفرع النماء و جواز وطء الجارية- و من منع فقد أغرب انتهي. و الذي يقوي في النفس إبقاء ظواهر كلماتهم علي حالها و أنهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و أن الإباحة لم
تحصل بإنشائها ابتداء بل إنما حصلت كما اعترف به في المسالك من استلزام إعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليه الإذن في التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة و حاصله أن المقصود هو الملك فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنه لم يصدر منه إلا التمليك و إن كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد إلي نص في ذلك مع أن إلغاء الشارع للأثر المقصود و ترتب غيره بعيد جدا مع أن التأمل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية. و يؤيد إرادة الملك أن ظاهر إطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصح إلا من المالك كالوطئ و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات كما إذا وقعت هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع بعيد. و سيجي‌ء ما ذكره بعض الأساطين و من أن هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة لكن الإنصاف أن القول بالتزامهم لهذه الأمور أهون من توجيه كلماتهم فإن هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضي الأصل عدم الملكية و لم يساعد عليها دليل معتبر و اقتضي الدليل صحة التصرفات المذكورة مع أن المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد المنع عما يتوقف علي الملك كإخراجه في خمس أو زكاة و كوطئ الجارية. [و صرح الشيخ في المبسوط بأن الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب و القبول و لا يحل وطؤها.] و مما يشهد علي نفي البعد عما ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك أنه قد صرح الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و كظاهر العلامة في القواعد بعدم حصول الملك بإهداء الهدية بدون الإيجاب و القبول و لو من الرسول نعم يفيد ذلك إباحة التصرف لكن الشيخ استثني وطء الجارية ثم إن المعروف بين المتأخرين- أن من قال بالإباحة المجردة في المعاطاة قال إنها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة و معقد إجماع الغنية و ما أبعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم و كلاهما خلاف الظاهر. و يدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد أن الإيجاب و القبول من شرائط
المكاسب، ج‌2، ص 83
صحة انعقاد البيع بالصيغة و أما الأول فإن قلنا إن البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح و لو بناء علي ما قدمناه في آخر تعريف البيع من أن البيع في العرف اسم للمؤثر منه في النقل فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث إنهم متشرعة و متدينون بالشرع صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيا و إلا كان صوريا نظير بيع الهازل في نظر العرف فيصح علي ذلك نفي البيعية عنه علي وجه الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسره بالعقد لأنهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر في النقل في نظر الشارع. إذا عرفت ما ذكرناه فالأقوال في المعاطاة علي ما تساعده ظواهر كلماتهم ستة اللزوم مطلقا كما هو ظاهر شيخنا المفيد و يكفي في وجود القائل به قول العلامة رحمه الله في التذكرة الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة و اللزوم بشرط كون الدال علي التراضي أو المعاملة لفظا حكي ذلك عن بعض معاصري الشهيد الثاني و بعض متأخري المحدثين لكن في عد هذا من الأقوال في المعاطاة تأمل و الملك الغير اللازم ذهب إليه المحقق الثاني و نسبه إلي كل من قال بالإباحة و سوغ جميع التصرفات و في النسبة ما عرفت و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كما هو ظاهر عبائر كثيرة بل ذكر في المسالك أن كل من قال بالإباحة يسوغ جميع التصرفات و إباحة ما لا يتوقف علي الملك و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد علي القواعد و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب و قبول و القول بعدم إباحة التصرف مطلقا نسب إلي ظاهر [المبسوط] و النهاية لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها. و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة [و إن قصد المتعاطيان بها التمليك بل لم نجد قائلا به إلي زمان المحقق الثاني الذي قال به و لم يقتصر علي ذلك حتي نسبه إلي الأصحاب. نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه الأقوي أن المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فإن تلفت لزمت انتهي و لذا نسب ذلك إليه في المسالك لكن قوله بعد ذلك و لا يحرم علي كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد ظاهر في أن مراده مجرد الانتفاع إذ لا معني لهذه العبارة بعد الحكم بالملك. و أما قوله و الأقوي إلي آخره فهو إشارة إلي خلاف المفيد رحمه الله و العامة القائلين باللزوم و إطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و إطلاق الفسخ علي الرد بهذا الاعتبار أيضا و كذا اللزوم. و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه أن الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها علي الإيجاب و القبول ثم قال و هل يستغني عن الإيجاب و القبول في هدية الأطعمة الأقرب عدمه نعم يباح التصرف بشاهد الحال انتهي. و صرح بذلك أيضا في الهدية فإذا لم يقل في الهدية بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع. و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثاني إلي حصول الملك و لا يخلو عن قوة للسيرة المستمرة علي المعاملة المأخوذة بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الإيصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك و يدل عليه أيضا عموم قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ حيث إنه يدل علي حلية جميع التصرفات المترتبة علي البيع بل قد يقال إن الآية دالة عرفا بالمطابقة علي صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفي لكنها محل تأمل. و أما منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة و أما دعوي الإجماع في كلام بعضهم علي عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التي هو أحد العقود و لذا صرح في الغنية بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع و دعوي أن البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها. و مما ذكرنا يظهر وجه التمسك بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ- . و أما قوله ص: إن الناس مسلطون علي أموالهم فلا دلالة فيه علي المدعي- لأن عمومه باعتبار أنواع السلطنة فهو إنما يجدي فيما إذا شك في أن هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا في حقه أم لا أما إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة في حقه و ماضية شرعا لكن شك في أن هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطي مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه فلا يجوز الاستدلال علي سببية المعاطاة في
الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس علي أموالهم و منه يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجي‌ء من شروط الصيغة و كيف كان ففي الآيتين مع السيرة كفاية اللهم إلا أن يقال إنهما لا تدلان علي الملك و إنما تدلان علي إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك كالبيع و الوطي و العتق و الإيصاء و إباحة هذه التصرفات إنما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع و عدم القول بالانفكاك دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم- حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات. و صرح في المسالك أن من أجاز المعاطاة سوغ جميع التصرفات غاية الأمر أنه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف علي الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فإن الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها علي الملك يحصل بالتزام هذا المقدار و لا يتوقف علي الالتزام بالملك من أول الأمر فيقال إن مرجع هذه الإباحة أيضا إلي التمليك. و أما ثبوت السيرة و استمرارها علي التوريث فهي كسائر سيرهم الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة في الدين مما لا يحصي في عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفي و دعوي أنه لم يعلم من القائل بالإباحة- جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة علي الملك كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد علي القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و عدم جواز وطء الجارية المأخوذ بها. و قد صرح الشيخ رحمه الله بالأخير في معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية علي جوازها فيثبت الملك مدفوعة بأنه و إن لم يثبت ذلك إلا أنه لم يثبت أن كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من أول الأمر فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف علي الملك لا من أول الأمر. فالأولي حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا هذا مع إمكان إثبات صحة المعاطاة في الهبة و الإجارة ببعض إطلاقاتهما و تتميمه في البيع بالإجماع المركب هذا مع أن ما ذكر من أن للفقيه- التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه و لذا ذكر بعض الأساطين في شرحه علي القواعد
المكاسب، ج‌2، ص 84
في مقام الاستبعاد أن القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة منها أن العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود. و منها أن يكون إرادة التصرف من المملكات- فتملك العين أو المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة و إن لم يخطر ببال مالك الأول الإذن في شي‌ء من هذه التصرفات لأنه قاصد للنقل من حين الدفع و أنه لا سلطان له بعد ذلك بخلاف من قال أعتق عبدك عني أو تصدق بمالك عني. و منها أن الأخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا يتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه أو عدم العلم به فينفي بالأصل- فيكون متعلقة بغير الأملاك و أن صفة الغني و الفقر تترتب عليه كذلك فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك. و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا إلي غرابة استناد الملك إلي التصرف. و منها جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الآخر و التلف من الجانبين مع التفريط معينا للمسمي من الطرفين و لا رجوع إلي قيمة المثل حتي يكون له الرجوع بالتفاوت و مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها فالقول بأنه المطالب لأنه يملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب و القول بعدم الملك بعيد جدا مع أن في التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه بعيد لعدم قابليته حينئذ و بعده ملك معدوم و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين. و منها أن التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية- فلا يتوقف علي النية فهو بعيد و إن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطئا بالشبهة و الجاني عليها و المتلف لها جانيا علي مال الغير و متلفا له. و منها أن النماء الحادث قبل التصرف- إن جعلنا حدوثه مملكا له دون العين فبعيد و معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الأكثر و شمول الإذن له خفي. و منها قصر التمليك علي التصرف مع الاستناد فيه إلي أن إذن المالك فيه إذن في التمليك فيرجع إلي كون المتصرف في تمليك نفسه موجبا قابلا و ذلك جار في القبض بل هو أولي منه لاقترانه بقصد التمليك دونه انتهي. و المقصود من ذلك كله استبعاد هذا القول لا أن الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول و العمومات إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء أما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود ففيها أولا أن المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقامها شرعا فإن تبعية العقود للقصود- و عدم انفكاكها عنها إنما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعني ترتب الأثر المقصود عليه فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه أما المعاملات الفعلية التي لم يدل علي صحتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها كما نبه عليه الشهيد في كلامه المتقدم من أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات نعم إذا دل الدليل علي ترتب أثر عليه حكم به و إن لم يكن مقصودا. و ثانيا أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير فإنهم أطبقوا علي أن عقد المعاوضة إذا كان فاسدا يؤثر في ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحة مع أنهما لم يقصدا إلا ضمان كل منهما بالآخر و توهم أن دليلهم علي ذلك قاعدة اليد مدفوع بأنه لم يذكر هذا الوجه إلا بعضهم معطوفا علي الوجه الأول و هو إقدامهما علي الضمان فلاحظ المسالك و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك- مع إجازته علي قول كثير و ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما علي قول نسبه في المسالك و كشف اللثام إلي المشهور. نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه أن التخلف عن المقصود يحتاج إلي الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للأصل. و أما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضي الجمع بين الأصل و دليل جواز تصرف المطلق و أدلة توقف بعض التصرفات علي الملك فيكون كتصرف ذي الخيار- و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطء و البيع و العتق و شبههما
. و أما ما ذكره من تعلق الأخماس و الزكوات- إلي آخر ما ذكره فهو استبعاد محض و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها مع أن تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغني المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان علي الملك. و أما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه. و أما كون التلف مملكا للجانبين فإن ثبت بإجماع أو سيرة كما هو الظاهر كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه في يد كل منهما من ماله مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع لأن هذا هو مقتضي الجمع بين هذا الإجماع و بين عموم علي اليد ما أخذت و بين أصالة عدم الملك إلا في الزمان المتيقن وقوعه فيه توضيحه أن الإجماع لما دل علي عدم ضمانه بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد رعاية لعموم علي اليد ما أخذت فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية في أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه فإذا قدر التلف من مال ذي اليد فلا بد من أن يقدر في آخر أزمنة إمكان تقديره رعاية لأصالة عدم حدوث الملكية قبله كما تقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد. و أما ما ذكر من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر علي القول بالإباحة أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا- و إذا تلف فظاهر إطلاقهم التملك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه نعم لو قام إجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله. و أما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي عن بعض أن القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلي الآخذ بل حكمه حكم أصله و يحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرد الإباحة ثم إنك بملاحظة ما ذكرنا تقدر علي التخلص من سائر ما ذكره مع أنه رحمه الله لم يذكرها للاعتماد و الإنصاف أنها استبعادات في محلها. و بالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك- المعتضدة بالشهرة المحققة إلي زمان المحقق الثاني و بالاتفاق المدعي في الغنية و القواعد هنا و في المسالك في مسألة توقف الهبة علي الإيجاب و القبول
المكاسب، ج‌2، ص 85
مشكل و رفع اليد عن عموم أدلة البيع و الهبة و نحوهما المعتضد بالسيرة القطعية المستمرة و بدعوي الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني بناء علي تأويله لكلمات القائلين بالإباحة أشكل. فالقول الثاني لا يخلو عن قوة و عليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا- كما حكي عن ظاهر المفيد أو بشرط كون الدال علي التراضي لفظا كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني و قواه جماعة من متأخري المحدثين أو هي غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع في ماله كما عليه أكثر القائلين بالملك بل كلهم عدا من عرفت وجوه أوفقها بالقواعد هو الأول بناء علي أصالة اللزوم في الملك- و للشك في زواله بمجرد رجوع مالكه الأصلي. و دعوي أن الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر و المفروض انتفاء الفرد الأول بعد الرجوع و الفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أول الأمر فلا ينفع الاستصحاب بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأول مدفوعة مضافا إلي إمكان دعوي كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب- فتأمل بأن انقسام الملك إلي المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف في حقيقته و إنما هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك. فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب و يدل عليه مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في أن اللزوم من خصوصيات الملك- أو من لوازم السبب المملك و مع أن المحسوس بالوجدان أن إنشاء الملك في الهبة اللازمة و غيرها علي نهج واحد أن اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك- فإما أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدي الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع فإن كان الأول كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و قصد عدمه أو عدم قصده و هو بديهي البطلان إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع و عدمه و إن كان الثاني لزم إمضاء الشارع العقد علي غير ما قصده المنشئ و هو باطل في العقود لما تقدم من أن العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود و إن أمكن القول بالتخلف هنا في مسألة المعاطاة بناء علي ما ذكرنا سابقا انتصارا للقائل بعدم الملك من منع وجوب إمضاء المعاملات الفعلية علي طبق قصود المتعاطيين لكن الكلام في قاعدة اللزوم في الملك تشمل العقود أيضا و بالجملة فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه شرعا- و كذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم- أو الجائز كالصلح من دون عوض و الهبة. نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة و يدل علي اللزوم مضافا إلي ما ذكر عموم قوله ص: الناس مسلطون علي أموالهم فإن مقتضي السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته بغير اختياره- فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة. فاندفع ما ربما يتوهم أن من غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص علي ملكه و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الأصلي و بما ذكرنا تمسك المحقق رحمه الله في الشرائع علي لزوم القرض بعد القبض بأن فائدة الملك السلطنة و نحوه العلامة في موضع آخر و منه يظهر جواز التمسك بقوله ع: لا يحل مال أمرا إلا عن طيب نفسه حيث دل علي انحصار سبب حل مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك فلا يحل بغير رضاه. و توهم تعلق الحل بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع أول الكلام مدفوع بما تقدم من أن تعلق الحل بالمال يفيد العموم بحيث يشمل التملك أيضا فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه إلا بطيب نفس المالك و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لا ريب أن الرجوع ليس تجارة و لا عن تراض فلا يجوز أكل المال. و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا لأن حصر مجوز أكل المال في التجارة إنما يراد به أكله علي أن يكون ملكا للأكل لا لغيره و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثني منها حيث إن أكل المال و نقله عن مالكه بغير رضا المالك أكل و تصرف بالباطل عرفا. نعم بعد إذن المالك الحقيقي و هو الشارع و حكمه التسلط علي فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن البطلان- و لذا كان أكل المارة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لو لا إذن المالك الحقيقي و كذا الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية هذا كله مضافا إلي ما دل علي لزوم
خصوص البيع مثل قوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا. و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي أن العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد الله بن سنان أو العهد المشدد كما عن بعض أهل اللغة و كيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة و كذلك قوله ص: المؤمنون عند شروطهم فإن الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ. و الحاصل أن الحكم باللزوم في مطلق الملك و في خصوص البيع مما لا ينكر إلا أن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع علي عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه صريحا بعض الأساطين في شرحه علي القواعد و تعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به قائل إلي زمان بعض متأخري المتأخرين فإن العبارة المحكية عن المفيد رحمه الله في المقنعة لا تدل علي هذا القول كما عن الخلاف الاعتراف به فإن المحكي عنه أنه قال ينعقد البيع علي تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا أيضا و افترقا بالأبدان انتهي.
و يقوي إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره في اللزوم و كأنه لذلك حكي كاشف الرموز عن المفيد و الشيخ رحمهما الله أنه لا بد في البيع عندهما من لفظ مخصوص. و قد تقدم دعوي الإجماع من الغنية علي عدم كونها بيعا و هو نص في عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا في عدم الملكية الذي لا نقول به. و عن جامع المقاصد يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع نعم قول العلامة رحمه الله في التذكرة إن الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة يدل علي وجود الخلاف المعتد به في المسألة و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور و كذلك نسبته في المختلف إلي الأكثر. و في التحرير الأقوي أن المعاطاة غير لازمة ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء علي
المكاسب، ج‌2، ص 86
عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلي أنها ليست مملكة و إنما تفيد الإباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا إذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها إلا بعض من تأخر عن المحقق الثاني تبعا له و هذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور لأن قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع.
نعم يمكن أن يقال بعد ثبوت الاتفاق المذكور إن أصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل و كيف كان فتحصيل الإجماع علي وجه استكشاف قول الإمام ع من قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا و إن كان هذا لا يقدح في الإجماع علي طريق القدماء كما تبين في الأصول. و بالجملة فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ في اللزوم- ما أحسنه و ما أمتن دليله إن لم ينعقد إجماع علي خلافه في غاية الحسن و المتانة و الإجماع و إن لم يكن محققا علي وجه يوجب القطع إلا أن المظنون قويا تحققه علي عدم اللزوم مع عدم لفظ دال علي إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ أصلا أم وجد و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض و قد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار بل يظهر منها أن إيجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين أهل السوق و التجار بل يمكن دعوي السيرة علي عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة- التي يراد بها عدم الرجوع بمجرد التراضي. نعم ربما يكتفون بالمصافقة فيقول البائع بارك الله لك أو ما أدي هذا المعني بالفارسية نعم يكتفون بالتعاطي في المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها بل ينكرون علي الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين نعم الاكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد للسيرة و لغير واحد من الأخبار كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالي في شروط الصيغة

بقي الكلام في الخبر الذي يتمسك به في باب المعاطاة

بقي الكلام في الخبر الذي يتمسك به في باب المعاطاة
تارة علي عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف و أخري علي عدم إفادتها اللزوم جمعا بينه و بين ما دل علي صحة مطلق البيع كما صنعه في الرياض و هو قوله ع:
إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام و توضيح المراد منه يتوقف علي بيان تمام الخبر و هو ما رواه ثقة الإسلام الكليني في باب بيع ما ليس عنده و الشيخ في باب النقد و النسيئة عن ابن أبي عمير عن يحيي بن الحجاج عن خالد بن الحجاج أو ابن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني و يقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا فقال أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك قلت بلي قال لا بأس إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام إلي آخر الخبر. و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أخري مجردة عن قوله ع إنما يحلل إلي آخر كلامه كلها تدل علي أنه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه و نقول إن هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها الأول أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ الدال علي التحريم و التحليل بمعني أن تحريم شي‌ء و تحليله لا يكون إلا بالنطق بهما فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال. الثاني أن يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه كما في قولك هذا الكلام صحيح أو فاسد لا مجرد اللفظ أعني الصوت و يكون المراد أن المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة بالكلام مثلا المقصود الواحد و هو التسليط علي البضع مدة معينة يتأتي بقولها ملكتك بضعي أو سلطتك عليه أو آجرتك نفسي أو أحللتها لك و بقولها متعت نفسي بكذا فما عدا الأخير موجب لتحريمه و الأخير محلل و علي هذا المعني ورد قوله ع: إنما يحرم الكلام في عدة من روايات المزارعة منها ما في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله ع: عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط ثلاثة للبذر و ثلاثة للبقر قال لا ينبغي أن يسمي بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض ازرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمي بذرا و لا بقرا فإنما يحرم الكلام. الثالث أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه فيكون وجوده محللا و عدمه محرما أو بالعكس أو باعتبار محله و غير محله فيحل في محله و يحرم في غيره و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة. الرابع أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة- و من الكلام المحرم إيجاب البيع و إيقاعه ثم إن الظاهر عدم إرادة المعني الأول لأنه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث إن ظاهره حصر أسباب التحليل و التحريم في الشريعة في اللفظ يوجب عدم ارتباط له في الحكم المذكور في الخبر. جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لأن ظاهر الحكم كما يستفاد من عدة روايات أخر تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع علي الرجل قبل شراء المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق في التحليل و التحريم في هذا الحكم أصلا فكيف يعلل به و كذا المعني الثاني إذ ليس هنا مطلب واحد حتي يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما فتعين الثالث و هو أن الكلام الدال علي الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة إلا وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل لأنه بيع ما ليس عنده و لا يحلل إلا عدمه إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر. فحاصل الرواية أن سبب التحليل و التحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدما و وجودا و المعني الرابع و هو أن المقاولة و المراضاة مع المشتري الثاني قبل اشتراء العين محلل للمعاملة و إيجاب البيع معه محرم لها و علي كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة علي اعتبار الكلام في التحليل كما هو المقصود في مسألة المعاطاة. نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجه آخر بعد ما عرفت من أن المراد بالكلام هو إيجاب البيع بأن يقال إن حصر المحلل و المحرم في الكلام لا يتأتي إلا مع انحصار إيجاب البيع في الكلام إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم في الكلام إلا أن يقال إن وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد إذ المفروض أن المبيع عند مالكه الأول فتأمل. و كيف كان فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور كما يشعر به قوله ع في
رواية أخري- واردة في هذا الحكم أيضا و هي رواية يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ع
المكاسب، ج‌2، ص 87
عن رجل قال لي اشتر هذا الثوب أو هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها فإن الظاهر أن المراد من مواجبة البيع ليس مجرد إعطاء العين للمشتري و يشعر به أيضا رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلي أصل المال قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يريد أن يبيع بيعا فيقول أبيعك به ده دوازده أو ده يازده فقال لا بأس إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة فإن ظاهره علي ما فهمه بعض الشراح أنه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد و إنما يكره حين العقد و في صحيحة ابن سنان: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ثم توجبه علي نفسك ثم تبيعه منه بعده

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم علي القول بإفادتها الملك بيع

- بل الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد أنه مما لا كلام فيه حتي عند القائلين بكونها فاسدة كالعلامة في النهاية و دل علي ذلك تمسكهم له بقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و أما علي القول بإفادتها الإباحة فالظاهر أنها بيع عرفي لم تؤثر شرعا إلا الإباحة فنفي البيع عنها في كلامهم و معاقد إجماعاتهم هو نفي البيع المفيد شرعا للزوم زيادة علي الملك هذا علي ما اخترناه سابقا من أن مقصود المتعاطيين في المعاطاة التمليك و البيع و أما علي ما احتمله بعضهم بل استظهره من أن محل الكلام هو ما إذا قصدا مجرد الإباحة فلا إشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا و علي هذا فلا بد عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلي الأدلة الدالة علي صحة هذه الإباحة العوضية من خصوص أو عموم و حيث إن المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم: إن الناس مسلطون علي أموالهم كان مقتضي القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبتت شرطيته كما أنه لو تمسك لها بالسيرة كان مقتضي القاعدة العكس. و الحاصل أن المرجع علي هذا عند الشك في شروطها هي أدلة هذه المعاملة سواء اعتبرت في البيع أم لا و أما علي المختار من أن الكلام فيما إذا قصد به البيع فهل يشترط فيه شروط البيع مطلقا أم لا كذلك أم تبني علي القول بإفادتها الملك و القول بعدم إفادتها إلا الإباحة وجوه يشهد للأول كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل علي اشتراطه في البيع و يؤيده أن محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو أن الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشروط أم لا كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثير من العامة و الخاصة فما انتفي فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و إن فرض مشاركا له في الحكم و لذا ادعي في الحدائق أن المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة إذا استكمل فيها شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و أنها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض و مقابل المشهور في كلامه قول العلامة رحمه الله في النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف في اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شروط البيع. و يشهد للثاني أن البيع في النص و الفتوي ظاهر فيما حكم به باللزوم و ثبت له الخيار في قولهم:
البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه أما علي القول بالإباحة فواضح لأن المعاطاة ليست علي هذا القول بيعا في نظر الشارع و المتشرعة إذ لا نقل فيه عند الشارع فإذا ثبت إطلاق الشارع عليه في مقام فنحمله علي الجري علي ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله علي النقل في نظرهم. و قد تقدم سابقا في تصحيح دعوي الإجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك و أما علي القول بالملك فلأن المطلق ينصرف إلي الفرد المحكوم باللزوم في قولهم البيعان بالخيار و قولهم إن الأصل في البيع اللزوم و الخيار إنما ثبت لدليل و إن البيع بقول مطلق من العقود اللازمة و قولهم البيع هو العقد الدال علي كذا و نحو ذلك. و بالجملة فلا يبقي للمتأمل شك في أن إطلاق البيع في النص و الفتوي يراد به ما لا يجوز فسخه إلا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل و وجه الثالث ما تقدم للثاني علي القول بالإباحة من سلب البيع عنه و للأول علي القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ و إن لم يكن لازما و يمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص فيحمل علي العرفي و إن لم يفد عند الشارع إلا الإباحة و بين ما ثبت بالإجماع علي اعتباره في البيع بناء علي انصراف البيع في كلمات المجمعين إلي العقد اللازم. و الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة لكونها بيعا ظاهرا علي القول بالملك كما عرفت من جامع المقاصد و أما علي القول بالإباحة فلأنها لم تثبت إلا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط فلا يشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا ثم إنه حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه علي القواعد أنه بعد ما منع من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي إلا بعد تلف العين يعني العين الأخري ذكر أنه يجوز أن يكون الثمن و المثمن في المعاطاة مجهولين لأنها ليست عقدا و كذا جهالة الأجل و أنه لو اشتريت أمة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن انتهي و حكي عنه في باب الصرف أيضا أنه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين. أقول حكمه قدس سره بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم إفادتها للملك إلا أن حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف معللا بأن المعاطاة ليست عقدا يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك حيث إن المفيد للملك منحصر في العقد و أن يكون باعتبار عدم اللزوم حيث إن الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم و الأقوي اعتبارها و إن قلنا بالإباحة- لأنها بيع عرفي و إن لم يفد شرعا إلا الإباحة. و مورد الأدلة الدالة علي اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب و لما عرفت من أن الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد و عدم تأثيره شيئا خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقي الباقي و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيه أيضا و إن خصصنا الحكم بالبيع بل الظاهر التحريم حتي عند من لا يراها مفيدة للملك لأنها معاوضة عرفية و إن لم تفد الملك بل معاوضة شرعية- كما اعترف بها الشهيد رحمه الله في موضع من الحواشي حيث قال إن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة انتهي و لو قلنا إن المقصود للمتعاطيين الإباحة لا الملك فلا يبعد أيضا جريان
المكاسب، ج‌2، ص 88
الربا لكونها معاوضة عرفا فتأمل و أما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم فيمكن نفيه علي المشهور لأنها جائزة عندهم فلا معني للخيار و إن قلنا بإفادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمن المعاطاة إلا أن أثره يظهر بعد اللزوم و علي هذا فيصح إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم و يحتمل أن يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع فلا تجري لاختصاص أدلتها بما وضع علي اللزوم من غير جهة الخيار و بين غيرها كخيار الغبن و العيب بالنسبة إلي الرد دون الأرش فتجري لعموم أدلتها و أما حكم الخيار بعدم اللزوم فسيأتي بعد ذكر الملزمات.

الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين

فالملك أو الإباحة في كل منهما بالإعطاء فلو حصل الإعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيته فلا يتحقق المعاوضة و لا الإباحة رأسا لأن كلا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية الآخر أو الإباحة إلا أن الظاهر من جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في الدروس جعله من المعاطاة و لا ريب أنه لا يصدق معني المعاطاة- لكن هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء علي عموم الحكم لكل بيع فعلي فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض أو مبيحا له به و أخذ الآخر له تملكا له بالعوض أو إباحة له بإزائه فلو كان المعطي هو الثمن كان دفعه علي القول بالملك و البيع اشتراء و أخذه بيعا للمثمن به فيحصل الإيجاب و القبول الفعليان بفعل واحد [في زمان واحد ثم صحة هذا علي القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة إذ يدل عليها ما دل علي صحة المعاطاة من الطرفين. و أما علي القول بالإباحة فيشكل بأنه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل علي تأثيرها في الإباحة اللهم إلا أن يدعي قيام السيرة عليها كقيامها علي المعاطاة الحقيقي و ربما يدعي انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن- من غير صدق إعطاء أصلا فضلا عن التعاطي كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من المحقرات كالخضراوات و نحوها و من هذا القبيل الدخول في الحمام و وضع الأجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته فالمعيار في المعاطاة وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا في التصرف و يظهر ذلك من المحقق الأردبيلي رحمه الله أيضا في مسألة المعاطاة و سيأتي توضيح ذلك في مقامه إن شاء الله. ثم إنه لو قلنا إن اللفظ غير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة أمكن خلو المعاطاة من الإعطاء و الإيصال رأسا فيتقاولان علي مبادلة شي‌ء بشي‌ء من غير إيصال و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء علي الملك و أما علي القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد.

الأمر الثالث تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية

مع كون أحد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح فإن صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرح بالخلاف و أما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام المثمن في العوضية فإذا أعطي الحنطة في مقام اللحم قاصدا أن هذا المقدار من الحنطة يساوي درهما هو ثمن اللحم فيصدق عرفا أنه اشتري اللحم بالحنطة و إذا انعكس انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدراهم و الدنانير هو الثمن و صاحبه هو المشتري و لو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نية قيام أحدهما مقام المثمن في العوضية أو لوحظت القيمة في كليهما بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل علي كون أحدهما بالخصوص بائعا ففي كونه بيعا و شراء بالنسبة إلي كل منهما بناء علي أن البيع لغة كما عرفت مبادلة مال بمال و الشراء ترك شي‌ء و أخذ غيره كما عن بعض أهل اللغة فيصدق علي صاحب اللحم أنه باعه بحنطة و أنه اشتري الحنطة فيحنث لو حلف علي عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة. نعم لا يترتب عليهما أحكام البائع و لا المشتري لانصرافهما في أدلة تلك إلي من اختص بصفة البيع أو الشراء فلا تعم من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين أو كونه بيعا بالنسبة إلي من يعطي أولا لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة إلي الآخذ لكونه قابلا عرفا أو كونه معاطاة مصالحة لأنها بمعني التسالم علي شي‌ء و لذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه لك ما عندك و لي ما عندي علي الصلح أو كونه معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة لصدق تعريف البائع لغة و عرفا علي الدافع أولا دون الآخر و صدق المشتري علي الآخذ أولا دون الآخر فتدبر.

الرابع أن أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله

يتصور بحسب قصد المتعاطيين علي وجوه أحدها أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر- و الآخر في أخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليك بل دفع لما التزمه علي نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الإيجاب و القبول بدفع العين الأولي و قبضها فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه صححنا سابقا عدم توقف المعاطاة علي قبض كلا العوضين فيكون إطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقومة بالعطاء من الطرفين و مثله في هذا الإطلاق لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها و بهذا الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم يكن إعطاء و في صحته تأمل ثانيها أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إياه فيكون تمليك بإزاء تمليك فالمقابلة بين التملكين لا الملكين و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة و هذا بعيد عن معني البيع و قريب إلي الهبة المعوضة لكون كل من المالين خاليا عن العوض لكن إجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الأول لأنه إنما ملكه بإزاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك من الثاني لم يتحقق تملكه إلا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأول علي نحو الداعي لا العوض فلا يقدح تخلفه فالأولي أن يقال إنها مصالحة و تسالم علي أمر معين أو
المكاسب، ج‌2، ص 89
معاوضة مستقلة. ثالثها أن يقصد الأول إباحة ماله بعوض- فيقبل الآخر بأخذه إياه فيكون الصادر من الأول الإباحة بالعوض و من الثاني بقبوله لها التمليك كما لو صرح بقوله أبحت لك كذا بدرهم. رابعها أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة أخري فيكون إباحة بإزاء إباحة أو إباحة بداعي إباحة علي ما تقدم نظيره في الوجه الثاني من إمكان تصوره علي نحو الداعي و علي نحو العوضية و كيف كان فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين علي فرض قصد المتعاطيين لهما و منشأ الإشكال أولا الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي ملكية المتصرف بأن يقول أبحت لك كل تصرف من دون أن يملكه العين و ثانيا الإشكال في صحة الإباحة بالعوض الراجعة إلي عقد مركب من إباحة و تمليك. فنقول أما إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك فالظاهر أنه لا يجوز- إذ التصرف الموقوف علي الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد إذن المالك فإن إذن المالك ليس مشرعا و إنما يمضي فيما يجوز شرعا فإذا كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول كما صرح به العلامة في القواعد فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه. نعم يصح ذلك بأحد الوجهين كلاهما في المقام مفقود أحدهما أن يقصد المبيح بقوله أبحت لك أن تبيع مالي أن ينشئ توكيلا له لنفسك [إنشاء توكيل له في بيع ماله له ثم نقل الثمن إلي نفسه بالهبة أو في نقله أولا إلي نفسه ثم بيعه أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة فيكون إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله كما صرح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد أعتق عبدك عني بكذا استدعاء لتمليكه و إعتاق المولي عنه جواب لذلك الاستدعاء فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدر وقوعه قبل العتق آنا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج إلي الشروط المقررة لعقد البيع و لا شك أن المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلي نفسه أولا و لا في نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة و لا قصد المخاطب التملك عند البيع حتي يتحقق تمليك ضمني مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو إجمالا في مسألة أعتق عبدك عني و لذا عد العامة و الخاصة من الأصوليين دلالة هذا الكلام علي التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرفوها بأنها دلالة مقصودة للمتكلم تتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه فمثلوا للعقلي بقوله تعالي وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و للشرعي بهذا المثال و من المعلوم بحكم الفرض أن المقصود فيما نحن فيه ليس إلا مجرد الإباحة. الثاني أن يدل دليل شرعي- علي حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة- فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما فيقع البيع في ملكه أو يدل دليل شرعي علي انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل غير العتق فإنه حينئذ يقال بالملك المقدر آنا ما للجمع بين الأدلة و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه إذ المفروض أنه لم يدل دليل بالخصوص علي صحة هذه الإباحة العامة و إثبات صحته بعموم مثل الناس مسلطون علي أموالهم يتوقف علي عدم مخالفة مؤداه لقواعد أخري مثل توقف انتقال الثمن إلي الشخص علي كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق علي الملك و صحة الوطي علي التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الإذن في مطلق التصرف. و لأجل ما ذكرنا صرح المشهور بل قيل لم يوجد خلاف في أنه لو دفع إلي غيره مالا و قال اشتر به لنفسك طعاما من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء أو اقتراض الطعام أو استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصح كما صرح به في مواضع من القواعد و علله في بعضها بأنه لا يعقل شراء شي‌ء لنفسه بمال الغير و هو كذلك فإن مقتضي مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه و إلا لم يكن عوضا و بدلا و لما ذكرنا حكم الشيخ و غيره بأن الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف لكن لا يجوز وطء الجارية مع أن الإباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات. و عرفت أيضا أن الشهيد في الحواشي لم يجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي و لا وطء الجارية مع أن مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة و دعوي أن الملك التقديري هنا أيضا لا يتوقف علي دلالة دليل خاص بل تكفي الدلالة بمجرد الجمع بين عموم
الناس مسلطون علي أموالهم الدال علي جواز هذه الإباحة المطلقة و بين أدلة توقف مثل العتق و البيع علي الملك نظير الجمع بين الأدلة في الملك التقديري مدفوعة بأن عموم الناس مسلطون علي أموالهم إنما يدل علي تسلط الناس علي أموالهم لا علي أحكامهم فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا فالإباحة و إن كانت مطلقة إلا أنه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلا ما هو جائز بذاته في الشريعة. و من المعلوم أن بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضي العقل و النقل الدالين علي لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض فلا يشمله العموم في الناس مسلطون علي أموالهم حتي يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة علي توقف البيع علي الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم علي عموم- الناس مسلطون علي أموالهم الدال علي إمضاء الإباحة المطلقة من المالك علي إطلاقها نظير حكومة الدليل علي عدم جواز عتق مال الغير علي وجوب الوفاء بالنذر و العهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر. نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آنا ما فتأمل. و أما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع أو العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلي الميت- أو شراء العبد المعتق عليه- بل هو ملك حقيقي حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتصل بناء علي الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه. و بالجملة فما نحن فيه لا ينطبق علي التمليك الضمني المذكور أولا في أعتق عبدك عني لتوقفه علي القصد و لا علي الملك المذكور ثانيا في شراء من ينعتق عليه
المكاسب، ج‌2، ص 90
لتوقفه علي التنافي بين دليل التسلط و دليل توقف العتق علي الملك و عدم حكومة الثاني علي الأول و لا علي التمليك الضمني المذكور ثالثا في بيع الواهب و ذي الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق إلا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره- سواء صرح بذلك كما لو قال بع مالي لنفسك أو اشتر بمالي لنفسك أم أدخله في عموم قوله أبحت لك كل تصرف فإذا باع المباح له علي هذا الوجه وقع البيع للمالك إما لازما بناء علي أن قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثر أو موقوفا علي الإجازة بناء علي أن المالك لم ينو تملك الثمن هذا و لكن الذي يظهر من جماعة- منهم قطب الدين و الشهيد رحمهما الله في باب بيع الغاصب أن تسليط المشتري البائع الغاصب علي الثمن و الإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا و أنه يملك الثمن بدفعه إليه فليس للمالك إجازة هذا الشراء و يظهر أيضا من محكي المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشتري جارية بعين مغصوبة أن له وطء الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع.
و مقتضي ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره علي ماله و إن لم يكن علي وجه الملكية يوجب جواز التصرفات المتوقفة علي الملك فتأمل و سيأتي توضيحه في مسألة البيع الفضولي إن شاء الله. و أما الكلام في صحة الإباحة بالعوض- سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة علي الملك أم خصصنا الإباحة بغيرها فمحصله أن هذا النحو من الإباحة المعوضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر بل كلاهما ملك للمبيح إلا أن المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا مع التأمل في صدق التجارة عليها فضلا عن البيع إلا أن يكون نوعا من الصلح لمناسبة له لغة لأنه في معني التسالم علي أمر بناء علي أنه لا يشترط فيه لفظ الصلح كما يستفاد من بعض الأخبار الدال علي صحته بقول المتصالحين لك ما عندك و لي ما عندي و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين و لو كانت معاملة مستقلة كفي فيها عموم الناس مسلطون علي أموالهم و المؤمنون عند شروطهم و علي تقدير الصحة ففي لزومها مطلقا- لعموم المؤمنون عند شروطهم أو من طرف المباح له حيث إنه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح حيث إن ماله باق علي ملكه فهو مسلط عليه أو جوازها مطلقا وجوه أقواها أولها ثم أوسطها. و أما حكم الإباحة بالإباحة فالإشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا في سابقه و الأقوي فيها أيضا الصحة و اللزوم للعموم أو الجواز من الطرفين لأصالة التسلط.

الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه

اعلم أنه ذكر المحقق الثاني رحمه الله في جامع المقاصد- علي ما حكي عنه أن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة و كذا في الهبة و ذلك لأنه إذا أمره بعمل علي عوض معين فعمله استحق الأجرة و لو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل و لم يستحق أجرة مع علمه بالفساد و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد فإن ظاهرهم جواز الإتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز بل يمنع من مطلق التصرف و هي ملاحظة وجيهة انتهي.
و فيه أن معني جريان المعاطاة في الإجارة علي مذهب المحقق الثاني- الحكم بملك المأمور الأجر المعين علي الأمر و ملك الأمر العمل المعين علي المأمور به و لم نجد من صرح به في المعاطاة. و أما قوله لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل و لا سيما إذا لم يكن العمل تصرفا في عين من أموال المستأجر. و قوله لم يستحق أجرة مع علمه بالفساد ممنوع لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل لأنه لم يقصد التبرع و إنما قصد عوضا لم يسلم إليه. و أما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدل علي جريان المعاطاة فيها إلا إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة فإن جماعة كالشيخ و الحلي و العلامة صرحوا بأن إعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة دون الملك لكن المحقق الثاني رحمه الله ممن لا يري كون المعاطاة عند القائلين بهما مفيدة للإباحة المجردة و توقف الملك في الهبة علي الإيجاب و القبول كاد أن يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك و مما ذكرنا يظهر المنع في قوله بل مطلق التصرف هذا و لكن الأظهر بناء علي جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره من الإجارة و الهبة لكون الفعل مفيدا لتمليك فيهما. و ظاهر المحكي عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره حيث قال في باب الرهن إن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه المذكور في البيع آت هنا لكن استشكله في محكي جامع المقاصد بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع بخلاف ما هنا و لعل وجه الإشكال عدم تأدي المعاطاة بالإجماع في الرهن علي النحو الذي أجروها في البيع- لأنها هناك إما مفيدة للإباحة أو الملكية الجائزة علي الخلاف و الأول غير متصور هنا و أما الجواز فكذلك لأنه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن خصوصا بملاحظة أنه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها إلي اللزوم ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان و إن جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما أطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة علي اللفظ و كان هذا هو الذي دعا المحقق الثاني إلي الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة و الهبة و القرض و الاستشكال في الرهن. نعم من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة علي اللفظ أو حمل تلك العقود علي اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن و لذا جوز بعضهم الإيجاب بلفظ الأمر كخذه و الجملة الخبرية أمكن أن يكون بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم لإطلاق بعض أدلة الرهن و لم يقم هنا إجماع- علي عدم اللزوم كما قام في المعاوضات. و لأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف بأن يكتفي فيه بالإقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم علي اللفظ و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع فتأمل. نعم يظهر الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من الذكري تبعا للشيخ رحمه الله ثم إن الملزم فيما تجري فيه من العقود الأخر هو الملزم في باب البيع كما سننبه به بعد هذا

الأمر السادس في ملزمات المعاطاة علي كل من القول بالملك و القول بالإباحة

. اعلم أن الأصل علي القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة و أما علي القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم- لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم و أصالة سلطنة المالك
المكاسب، ج‌2، ص 91
الثابتة قبل المعاطاة و هي حاكمة علي أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها إذا عرفت هذا فاعلم أن تلف العوضين ملزم إجماعا علي الظاهر المصرح به في بعض العبائر أما علي القول بالإباحة فواضح لأن تلفهما من مال المالك و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه- و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفع بما سيجي‌ء. و أما علي القول بالملك فلما عرفت من أصالة اللزوم و المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة علي نحو جواز البيع الخياري- حتي يستصحب بعد التلف لأن هذا الجواز من عوارض العقد لا العوضين- فلا مانع من بقائه- بل لا دليل علي ارتفاعه بعد تلفهما بخلاف ما نحن فيه فإن الجواز فيه هنا بمعني جواز الرجوع في العين نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة فلا يبقي بعد التلف متعلق الجواز بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة هذا مع أن الشك في أن متعلق الجواز هل هو أصل المعاملة أو الرجوع في العين أو تراد العينين يمنع من استصحابه فإن المتيقن تعلقه بالتراد إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم علي ثبوت أزيد من جواز تراد العينين الذي لا يتحقق إلا مع بقائهما و منه يعلم حكم ما لو تلفت إحدي العينين- أو بعضها علي القول بالملك. و أما علي القول بالإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك أصالة عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها- و فيه أنها معارضة- بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده أو قيمته- و التمسك بعموم علي اليد هنا في غير محله- بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم يكن يد ضمان و لا بعده إذا بني مالك العين الموجودة علي إمضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع إنما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع و ليس هذا من مقتضي اليد قطعا هذا و لكن يمكن أن يقال إن أصالة بقاء السلطنة حاكمة علي أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة مع أن ضمان التالف ببدله معلوم- إلا أن الكلام في أن البدل هو البدل الحقيقي أعني المثل أو القيمة أو البدل الجعلي أعني العين الموجودة فلا أصل هذا مضافا إلي ما قد يقال من أن عموم الناس مسلطون علي أموالهم يدل علي السلطنة علي المال الموجود بأخذه و علي المال التالف بأخذ بدله الحقيقي و هو المثل أو القيمة فتدبر. و لو كان أحد العوضين دينا في ذمة أحد المتعاطيين- فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه و الظاهر أنه في حكم التلف لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف- و الظاهر أن الحكم كذلك علي القول بالإباحة فافهم. و لو نقلت العينان أو إحداهما بعقد لازم فهو كالتلف علي القول بالملك لامتناع التراد- و كذا علي القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة. و لو عادت العين بفسخ ففي جواز التراد علي القول بالملك لإمكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان أجودهما ذلك إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز التراد بقول مطلق بل المتيقن منه غير ذلك- فالموضوع غير محرز في الاستصحاب.
و كذا علي القول بالإباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ إلي ملك الثاني فلا دليل علي زواله بل الحكم هنا أولي منه علي القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا حتي يستصحب بل المحقق أصالة بقاء سلطنة المالك الأول المقطوع بانتفائها. نعم لو قلنا إن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلي المالك الأول و إن كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه كان مقتضي قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا علي ملك مالكه الأول أو عائدا إليه بفسخ و كذا لو قلنا إن البيع لا يتوقف علي سبق الملك بل يكفي فيه إباحة التصرف و الإتلاف و يملك الثمن بالبيع كما تقدم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع لكن الوجهين ضعيفان بل الأقوي رجوعه بالفسخ إلي البائع. و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيها و لا رجوعه بنفسه إلي عينه فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب و كذا علي القول بالإباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك. نعم لو كان غير معاوضة كالهبة- و قلنا إن التصرف في مثله لا يكشف عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتي لا يعقل كون العوض ما لا لأحد و انتقال المعوض إلي الآخر بل الهبة ناقلة للملك عن ملك المالك المتهب فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلي المالك لا الواهب اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخري أو عودها إلي مالكها بهذا النحو من العود إذ لو عادت بوجه آخر كان حكمه حكم التلف. و لو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول علي القول بالملك لم يبعد كون إجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة. و لو أجاز المالك الثاني نفذت بغير إشكال و ينعكس الحكم إشكالا و وضوحا علي القول بالإباحة و لكل منهما رد العين قبل إجازة الآخر- . و لو رجع الأول فأجاز الثاني فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغا الرجوع و يحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و تلغو الإجازة و إن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا. و لو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرجوع علي القول بالملك لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف. أما علي القول بالإباحة فالأصل بقاء التسلط علي ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع المال الممتزج به نعم لو كان المزج ملحقا له بالإتلاف- جري عليه حكم التلف. و لو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة- كطحن الحنطة و فصل الثوب فلا لزوم علي القول بالإباحة و علي القول بالملك ففي اللزوم وجهان مبنيان علي جريان استصحاب جواز التراد و منشأ الإشكال أن الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة- نظير الفسخ في العقود اللازمة حتي يورث بالموت و يسقط بالإسقاط ابتداء أو في ضمن معاملة بل هو علي القول بالملك نظير الرجوع في الهبة- و علي القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرضا
المكاسب، ج‌2، ص 92
الباطني بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف فلو مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع علي القول بالملك للأصل لأن من له و إليه الرجوع هو المالك الأصلي و لا يجري الاستصحاب. و لو جن أحدهما فالظاهر قيام وليه مقامه في الرجوع علي القولين.

السابع أن الشهيد الثاني في المسالك ذكر وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة

قال يحتمل الأول لأن المعاوضات محصورة و ليست إحداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج إلي دليل و يحتمل الثاني لإطباقهم علي أنها ليست بيعا حال وقوعها فكيف تصير بيعا بعد التلف و تظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن أو بعضه- و علي تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حين المعاطاة أو من حين اللزوم كل محتمل و يشكل الأول بقولهم إنها ليست بيعا و الثاني بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها اللهم إلا أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه و الأقوي عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء علي أنها ليست لازمة و إنما يتم علي قول المفيد و من تبعه و أما خيار العيب و الغبن فيثبتان علي التقديرين كما أن خيار المجلس منتف انتهي. و الظاهر أن هذا تفريع علي القول بالإباحة في المعاطاة و أما علي القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل فينبغي الكلام في كونها معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتي يتبعه حكمها بعد اللزوم إذ الظاهر أنه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال في ذلك عندهم علي ما تقدم من المحقق الثاني فإذا لزم صار بيعا لازما فتلحقه أحكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه علي اللزوم لو لا الخيار. و قد تقدم أن الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار و كيف كان فالأقوي أنها علي القول بالإباحة بيع عرفي لم يصححه الشارع و لم يمضه إلا بعد تلف إحدي العينين أو ما في حكمه و بعد التلف تترتب عليه أحكام البيع- عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من أول الأمر. و المحكي من حواشي الشهيد- أن المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة- و الظاهر أنه أراد التفريع علي مذهبه من الإباحة و كونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الأخري لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفي فلا بد أن يقول بالإباحة اللازمة فافهم.

الثامن لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة بما إذا تحقق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل

و هو قبض العينين أما إذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللزوم فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي‌ء زائد علي الإنشاء اللفظي كما قويناه سابقا بناء علي التخلص بذلك عن اتفاقهم علي توقف العقود اللازمة علي اللفظ فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما و إن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار أمور زائدة علي اللفظ فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلي حكم المعاطاة مطلقا أو بشرط تحقق قبض العين معه أو لا يتحقق به مطلقا. نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة فالإنشاء القولي السابق كالعدم لا عبرة به و لا بوقوع القبض به خاليا عن قصد الإنشاء بل بانيا علي كونه حقا لازما لكونه من آثار الإنشاء القولي السابق نظير القبض في العقد الجامع للشرائط ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الأول تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين. قال المحقق في صيغ عقوده [علي ما حكي عنه بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة] إنه لو أوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة انتهي و في الروضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة علي النطق أنها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح انتهي و ظاهر الكلامين صورة وقوع الإنشاء بغير القبض بل يكون القبض من آثاره و ظاهره كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة أنه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه هو الوجه الأخير لأن مرادهم بالعقد الفاسد إما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين و إما ما يشتمل هذا و غيره كما هو الظاهر و كيف كان فالصورة الأولي داخلة قطعا و لا يخفي أن الحكم فيها بالضمان مناف لجريان الحكم بالمعاطاة و ربما يجمع بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين فيقال إن موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلا بزعم صحة المعاطاة فإذا انتفت الصحة انتفي الإذن لترتبه علي زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير إذن و أكلا للمال بالباطل لانحصار وجه الحل في كون المعاملة بيعا أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال بغير عوض. و الأولان قد انتفيا بمقتضي الفرض و كذا البواقي للقطع من جهة زعمهما صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي‌ء في المقابل فالرضا المتقدم كالعدم فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد و استمر رضاهما فلا كلام في صحة المعاملة و رجعت إلي المعاطاة كما إذا علم الرضا من أول الأمر بإباحتهما التصرف بأي وجه اتفق سواء صحت المعاملة أم فسدت فإن ذلك ليس من البيع الفاسد في شي‌ء. أقول المفروض أن الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن إلا إنشاء واحدا هو التمليك و من المعلوم أن هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك و الموجود بعده إن كان إنشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ إنما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط مع أنك عرفت أن ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما و منه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد العقد غير مبني علي صحة العقد ثم إن ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد دون غيره من الصور مع أن كلام الجميع مطلق. يرد عليه أن هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد فإن كان لا علي وجه المعاطاة بل كل منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضا صاحبه بتصرفه في ماله فهذا ليس
المكاسب، ج‌2، ص 93
من المعاطاة بل هي إباحة مجانية من الطرفين تبقي ما دام العلم بالرضا و لا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع لأنه كالإذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه أثر المعاطاة من اللزوم بتلف إحدي العينين أو جواز التصرف إلي حين العلم بالرجوع أو مع ثبوت أحدهما و إن كان علي وجه المعاطاة فهذا ليس إلا التراضي السابق علي ملكية كل منهما لمال الآخر و ليس تراضيا جديدا بناء علي أن المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثاني فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدم عن صيغ العقود أن الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي يدخل في المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا علي وجه المعاوضة. و تفصيل الكلام أن المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط إما أن يقع تقابضهما بغير رضا من كل منهما في تصرف الآخر بل حصل قهرا عليهما أو علي أحدهما و إجبارا علي العمل بمقتضي العقد فلا إشكال في حرمة التصرف في المقبوض علي هذا الوجه و كذا إن وقع علي وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما علي ملكية الآخر اعتقادا أو تشريعا كما في كل قبض وقع علي هذا الوجه لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع كما في نظائره. و هذان الوجهان مما لا إشكال فيه في حرمة التصرف في العوضين كما أنه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد و إما إن وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه علي استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لإنشاء تمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لولاها لكان الرضا أيضا موجودا و كان المقصود الأصلي من المعاملة التصرف و أوقعا العقد الفاسد وسيلة له و يكشف عنه أنه لو سئل كل منهما عن رضاه بتصرف صاحبه علي تقدير عدم التمليك أو بعد تنبيهه علي عدم حصول الملك كان راضيا فإدخال هذا في المعاطاة يتوقف علي أمرين الأول كفاية هذا الرضا المركوز في النفس بل الرضا الشأني لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره إلي هذا و لعله لصدق طيب النفس علي هذا الأمر المركوز في النفس. الثاني أنه لا يشترط في المعاطاة إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض بل و لا بمطلق الفعل بل يكفي وصول كل من العوضين إلي المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله أو بعده علي الوجه المذكور و فيه إشكال من أن ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلامة رحمه الله في رد كفاية المعاطاة في البيع إن الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد و كذا استدلال المحقق الثاني علي عدم لزومها بأن الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة و كذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله في قواعده من أن الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول و إنما يفيد الإباحة إلي غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أن محل الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض و كذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم أن البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي. و من أن الظاهر أن عنوان التعاطي في كلماتهم لمجرد الدلالة علي الرضا و أن عمدة الدليل علي ذلك هي السيرة و لذا تعدوا إلي ما إذا لم يحصل إلا قبض أحد العوضين و السيرة موجودة في المقام فإن بناء الناس علي أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضورهم و وضعهم الفلوس في الموضع المعد له و علي دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس في كوز الحمامي. فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف و هذا ليس ببعيد علي القول بالإباحة

مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع

اشارة

قد عرفت أن اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود مما نقل عليه عقد الإجماع و تحقق فيه الشهرة العظيمة مع الإشارة إليه في بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة أما مع العجز عنه كالأخرس فمع عدم القدرة علي التوكيل لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار اللفظ و قيام الإشارة مقامه و كذا مع القدرة علي التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل لأن الوجوب بمعني الاشتراط كما فيما نحن فيه هو الأصل بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس فإن حمله علي صورة عجزه عن التوكيل حمل للمطلق علي الفرد النادر مع أن الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب. ثم لو قلنا إن الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكية فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين علي مباشرة اللفظ و الظاهر أيضا كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه و أما مع القدرة علي الإشارة فقد رجح بعض الإشارة و لعله لأنها أصرح في الإنشاء من الكتابة. و في بعض روايات الطلاق ما يدل علي العكس و إليه ذهب الحلي رحمه الله هناك. ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ تارة يقع في مواد الألفاظ من حيث إفادة المعني بالصراحة و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية و من حيث اللغة المستعملة في معني المعاملة و أخري في هيئة كل من الإيجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضي و ثالثة في هيئة تركيب الإيجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات. قال في التذكرة الرابع من شروط الصيغة التصريح فلا يقع بالكناية بيع البتة مثل قوله أدخلته في ملكك أو جعلته لك أو خذه مني أو سلطتك عليه بكذا عملا بأصالة بقاء الملك و لأن المخاطب لا يدري بم خوطب انتهي. و زاد في غاية المراد علي الأمثلة مثل قوله أعطيتكه بكذا أو تسلط عليه بكذا و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة فلا ينعقد بالمجازات حتي صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد. و المراد بالصريح كما يظهر من جماعة من الخاصة
المكاسب، ج‌2، ص 94
و العامة في باب الطلاق و غيره ما كان موضوعا بعنوان ذلك العقد لغة أو شرعا و من الكناية ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع فيفيد إرادة نفسه بالقرائن و هي علي قسمين عندهم جلية و خفية. و الذي يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللازمة و الفتاوي المتعرضة لصيغها في البيع بقول مطلق و في بعض أنواعه و في غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتد به في المعني المقصود فلا فرق بين قوله بعت و ملكت و بين قوله نقلت إلي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا و هذا هو الذي قواه جماعة من متأخري المتأخرين. و حكي عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق حيث حكي عن تلميذه كاشف الرموز أنه حكي عن شيخه المحقق أن عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و أنه اختاره أيضا و حكي عن الشهيد رحمه الله في حواشيه أنه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل أسلمت إليك و عاوضتك. و حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين بل هو ظاهر العلامة رحمه الله في التحرير حيث قال إن الإيجاب هو اللفظ الدال علي النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما و نحوه المحكي عن التبصرة و الإرشاد و شرحه لفخر الإسلام فإذا كان الإيجاب هو اللفظ الدال علي النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته إلي ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا بل قد يدعي أنه ظاهر كل من أطلق اعتبار الإيجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و أتباعه فتأمل. و قد حكي عن الأكثر تجويز البيع حالا بلفظ المسلم. و صرح جماعة أيضا في بيع التولية بانعقاده بقوله وليتك العقد أو وليتك السلعة و التشريك في المبيع بلفظ شركتك. و عن المسالك في مسألة تقبل أحد الشريكين في النخل حصة صاحبه بشي‌ء معلوم من الثمرة أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل مع أنه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع و أما في غيره فظاهر جماعة في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله تصرف فيه أو انتفع به و عليك رد عوضه أو خذه بمثله و أسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله في البيع من الكنايات مع أن القرض من العقود اللازمة علي حسب لزوم البيع و الإجارة. و حكي عن جماعة في الرهن أن إيجابه يؤدي بكل لفظ يدل عليه مثل قوله هذه وثيقة عندك. و عن الدروس تجويزه بقوله خذه أو أمسكه بمالك. و حكي عن غير واحد تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ تعهدت المال و تقلدته و شبه ذلك. و لقد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الإجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد و تردد جماعة في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل علي تسليم الأرض للمزارعة. و عن مجمع البرهان كما في غيره أنه لا خلاف في جوازها بكل لفظ يدل علي المطلوب مع كونه ماضيا و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع.
و قد جوز جماعة الوقف بلفظ حرمت و تصدقت مع القرينة الدالة علي إرادة الوقف مثل أن لا يباع و لا يورث مع عدم الخلاف كما عن غير واحد علي أنهما من الكنايات و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع أنه ليس صريحا فيه. و مع هذه الكلمات كيف يجوز أن يسند إلي العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له و أنه لا يجوز بالألفاظ المجازية خصوصا مع تعميمها للقريبة و البعيدة كما تقدم عن بعض المحققين و لعله لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في أكثرها بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني علي ما حكي عنه في باب السلم و النكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة علي المجازات البعيدة و هو جمع حسن و لعل الأولي أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء أ كان اللفظ الدال علي إنشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر ليرجع الإفادة بالأخرة إلي الوضع إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع علي إرادة المطلب من ذلك اللفظ و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته علي المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد فإن الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال أو اقتران حال يدل علي إرادة البيع جزما. و مما ذكرنا يظهر الإشكال في الاقتصار علي المشترك اللفظي اتكالا علي القرينة الحالية المعينة و كذا المشترك المعنوي و يمكن أن ينطبق علي ما ذكرنا الاستدلال المتقدم في عبارة التذكرة بقوله قدس سره لأن المخاطب لا يدري بم خوطب إذ ليس المراد أن المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية بل المراد أن الخطاب بالكناية لما لم يدل علي المعني المنشأ ما لم يقصد الملزوم لأن اللازم الأعم كما هو الغالب بل المطرد في الكنايات لا يدل علي الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع مع الملزوم الخاص فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب و إنما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم. و المفروض علي ما تقرر في مسألة المعاطاة أن النية بنفسها أو مع انكشافها بغير الأقوال لا تؤثر في النقل و الانتقال فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية. ثم إنه ربما يدعي أن العقود المؤثرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية كما حكي عن الإيضاح من أن كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوي العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتي بعضها. و أما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها علي العنوان المعبر به عن تلك المعاملة في كلام الشارع فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة معبرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة فلا بد من اشتمال عقدها علي هذه العناوين
المكاسب، ج‌2، ص 95
فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك و هكذا الكلام في العقود المنشئة للمقاصد الأخر كالبيع و الإجارة و نحوهما. فخصوصية اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها علي هذه العناوين الدائرة في لسان الشارع أو ما يرادفها لغة أو عرفا لأنها بهذه العناوين موارد للأحكام الشرعية التي لا تحصي. فعلي هذا فالضابط وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في لسان الشارع إذ لو وقع بإنشاء غيرها فإن كان لا مع قصد تلك العناوين كما لو لم تقصد المرأة إلا هبة نفسها أو إجارة نفسها مدة الاستمتاع لم تترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة علي الزوجية الدائمة أو المنقطعة و إن كان بقصد هذه العناوين دخل في الكناية التي عرفت أن تجويزها رجوع إلي عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال. فما ذكره الفخر رحمه الله مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده قدس سره و إليه يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من أن العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه. و ما عن المسالك من أنه يجب الاقتصار في العقود اللازمة علي الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة و مراده بالمنقولة شرعا هي المأثورة في كلام الشارع. و عن كنز العرفان في باب النكاح أنه حكم شرعي حادث فلا بد له من دليل يدل علي حصوله و هو العقد اللفظي المتلقي من النص ثم ذكر لإيجاب النكاح ألفاظا ثلاثة و عللها بورودها في القرآن. و لا يخفي أن تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من تفسير توقيفية العقود و أنها متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار علي المتيقن و من هذا الضابط تقدر علي تميز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الألفاظ المتقدمة في أبواب العقود المذكورة من غيره و أن الإجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة أو السكني مثلا لا يبعد جوازه و هكذا. إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول

[الإشارة إلي بعض ألفاظ عقد البيع

منها لفظ بعت في الإيجاب

و لا خلاف فيه فتوي و نصا و هو و إن كان من الأضداد بالنسبة إلي البيع و الشراء لكن كثرة استعماله في البيع وصلت إلي حد تغنيه عن القرينة.

و منها لفظ شريت

[فلا إشكال في وقوع البيع به لوضعه له كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم إلا في البيع. و عن القاموس شراه يشريه ملكه بالبيع و باعه كاشتراه فهما ضدان و عنه أيضا كل من ترك شيئا و تمسك بغيره فقد اشتراه و ربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع و كونه محتاجا إلي القرينة المعينة و عدم نقل الإيجاب به في الأخبار و كلام القدماء و لا يخلو عن وجه

و منها لفظ ملكت بالتشديد

و الأكثر علي وقوع البيع به بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق عليه حيث قال إنه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت و يدل عليه ما سبق في تعريف البيع من أن التمليك بالعوض المنحل إلي مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفا و لغة كما صرح به فخر الدين حيث قال إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري. و ما قيل من أن التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر منه عند الإطلاق غيرها فيه أن الهبة إنما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك فهي مشتركة معني بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها فإن اتصل بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركب بمقتضي الوضع التركيبي البيع و إن تجرد عن ذكر العوض اقتضي تجريد الملكية المجانية. و قد عرفت سابقا أن تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي فلو أراد منه الهبة المعوضة أو قصد المصالحة بنيت صحة العقد علي صحة عقد بلفظ غيره مع النية. و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في شرح الإرشاد إن معني بعت في لغة العرب ملكت غيري و أما الإيجاب باشتريت ففي مفتاح الكرامة أنه قد يقال بصحته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها في نسختين من تعليق الإرشاد. أقول و قد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف علي بعت و ملكت شبههما أو ما يقوم مقامهما إذ إرادة خصوص لفظ شريت من هذا بعيد جدا و حمله علي إرادة ما يقوم مقامهما في اللغات الأخر للعاجز عن العربية أبعد فيتعين إرادة ما يراد فهما لغة أو عرفا فيشمل شريت و اشتريت لكن الإشكال المتقدم في شريت أولي بالجريان هنا لأن شريت استعمل في القرآن الكريم في البيع بل لم يستعمل فيه إلا فيه بخلاف اشتريت. و دفع الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال علي كونه إيجابا إما بناء علي لزوم تقديم الإيجاب علي القبول و إما لغلبة ذلك غير صحيح لأن الاعتماد علي القرينة غير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فيه إلا أن يدعي أن ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته علي خصوص العقد و تميزه عما عداه من العقود. و أما تميز إيجاب عقد معين عن قبوله الراجع إلي تمييز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة بل يكفي استفادة المراد و لو بقرينة المقام أو غلبته أو نحوهما و فيه إشكال. و أما القبول فلا ينبغي الإشكال في وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا. و أما بعت فلم ينقل إلا من الجامع مع أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء و لعل الإشكال فيه كإشكال اشتريت في الإيجاب. و اعلم أن المحكي عن نهاية الأحكام و المسالك أن الأصل في القبول قبلت و غيره بدل لأن القبول علي الحقيقة مما لا يمكن به الابتداء و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن و سيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الإيجاب. ثم إن في انعقاد القبول بلفظ الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ و شبهها وجهين.

فرع لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول

ثم اختلفا في تعيين الموجب و القابل إما بناء علي جواز تقديم القبول و إما من جهة اختلافهما في المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف ثم عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء علي واحد منهما.

مسألة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية

في العقد للتأسي كما في جامع المقاصد لأن عدم صحته بالعربي غير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولي و في الوجهين ما لا يخفي و أضعف منهما منع صدق العقد علي غير العربي مع التمكن من العربي فالأقوي صحته بغير العربي.
و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء علي اشتراط العربي الأقوي ذلك بناء علي أن دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار علي المتيقن من أسباب
المكاسب، ج‌2، ص 96
النقل و كذا اللحن في الأعراب. و حكي عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك بفتح الباء و بين ما لو قال جوزتك بدل زوجتك فصحح الأول دون الثاني إلا مع العجز عن التعلم و التوكيل و لعله معني صحيح في الأول إلا البيع بخلاف التجويز فإن له معني آخر فاستعماله في التزويج غير جائز و منه يظهر أن اللغات المحرفة لا بأس بها إذا لم يتغير بها المعني. ثم هل المعتبر عربية جميع أجزاء الإيجاب و القبول كالثمن و المثمن أم تكفي عربية الصيغة الدالة علي إنشاء الإيجاب و القبول حتي لو قال بعتك أين كتاب را به ده درهم كفي و الأقوي هو الأول لأن غير العربي كالمعدوم فكأنه لم يذكر في الكلام. نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الإيجاب كما لا يجب في القبول و اكتفي بانفهامها و لو من غير اللفظ صح الوجه الثاني لكن الشهيد رحمه الله في غاية المراد في مسألة تقديم القبول نص علي وجوب ذكر العوضين في الإيجاب. ثم إنه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعني اللفظ بأن يكون فارقا بين معني بعت و أبيع و أنا بائع أو يكفي مجرد علمه بأن هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع الظاهر هو الأول لأن عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام بل بقصد المتكلم منه المعني الذي وضع له عند العرب فلا يقال إنه تكلم و أدي المطلب علي طبق لسان العرب إذا ميز بين معني بعت و أبيع و أوجدت البيع و غيرها بل علي هذا لا يكفي معرفة أن بعت مرادف لقوله فروختم حتي يعرف أن الميم في الفارسي عوض عن تاء المتكلم فيميز بين بعتك و بعت بالضم و بعت بفتح التاء فلا ينبغي ترك الاحتياط و إن كان في تعينه نظر و لذا نص بعض علي عدمه

مسألة المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية

بل في التذكرة الإجماع علي عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر مني و لعله لصراحته في الإنشاء إذ المستقبل أشبه بالوعد و الأمر استدعاء لا إيجاب مع أن قصد الإنشاء بالمستقبل خلاف المتعارف. و عن القاضي في الكامل و المهذب عدم اعتبارها و لعله لإطلاق البيع و التجارة و عموم العقود و ما دل في بيع الآبق و اللبن في الضرع من الإيجاب بلفظ المضارع و فحوي ما دل عليه في النكاح و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع في الإنشاء علي وجه لا يحتاج إلي قرينة المقام فتأمل.

مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الإيجاب علي القبول

و به صرح في الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة كما عن الإيضاح و جامع المقاصد و لعله الأصل بعد حمل آية وجوب الوفاء علي العقود المتعارفة كإطلاق البيع و التجارة في الكتاب و السنة. و زاد بعضهم أن القبول فرع الإيجاب فلا يتقدم عليه و أنه تابع له فلا يصح تقدمه عليه. و حكي عن غاية المراد عن الخلاف الإجماع عليه و ليس في الخلاف في هذه المسألة إلا أن البيع مع تقديم الإيجاب متفق عليه فيؤخذ به فراجع خلافا للشيخ في المبسوط في باب النكاح و إن وافق الخلاف في البيع إلا أنه عدل عنه في باب النكاح بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحته بين الإمامية حيث إنه بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل زوجني فلانة جائز بلا خلاف قال أما البيع فإنه إذا قال بعينها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتي يسبق الإيجاب انتهي. و كيف كان فنسبة القول الأول إلي المبسوط مستندة إلي كلامه في باب البيع و أما في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق رحمه الله في الشرائع و العلامة في التحرير و الشهيدين في بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها و فحوي جوازه في النكاح الثابت بالأخبار مثل: خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل علي صحة تقديم القبول بقوله للمرأة أتزوجك متعة علي كتاب الله و سنة رسول الله ص إلي أن قال فإذا قالت نعم فهي امرأتك و أنت أولي الناس بها. و رواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين كما قيل المشتملة علي تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها. و التحقيق أن القبول إما أن يكون بلفظ قبلت و رضيت و إما أن يكون بطريق الأمر و الاستيجاب نحو بعني فيقول المخاطب بعتك و إما أن يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت فإن كان بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لما عرفت في صدر المسألة بل المحكي عن الميسية و المسالك و مجمع الفائدة أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ قبلت و هو المحكي عن نهاية الأحكام و كشف اللثام في باب النكاح و قد اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين أيضا بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه. و يدل عليه مضافا إلي ما ذكر و إلي كونه خلاف المتعارف من العقد أن القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب فلا يعقل تقدمه عليه و ليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالإيجاب سواء تحقق قبل ذلك أم لا حيث إن الرضا لشي‌ء لا يستلزم في تحققه في الماضي فقد يرضي الإنسان بالأمر المستقبل بل المراد منه الرضا بالإيجاب علي وجه يتضمن إنشاء نقل ماله في الحال إلي الموجب علي وجه العوضية لأن المشتري ناقل كالبائع و هذا لا يتحقق إلا مع تأخر الرضا عن الإيجاب إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال فإن من رضي بمعاوضة ينشأها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلي الموجب بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا فإنه يرفع بهذا الرضا يده من ماله و ينقله إلي غيره علي وجه العوضية. و من هنا يتضح فساد ما حكي عن بعض المحققين في رد الدليل المذكور و هو كون القبول فرع الإيجاب و تابعا له و هو أن تبعية القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ و لا القصد للقصد حتي يمتنع تقديمه و إنما هو علي سبيل الفرض و التنزيل بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقي إليه من الموجب و الموجب مناولا كما يقول السائل في مقام الإنشاء أنا راض بما تعطيني و قابل لما تمنحني فهو متناول قدم إنشاءه أو أخر فعلي هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت إن لم يقم إجماع علي خلافه انتهي. و وجه الفساد ما عرفت سابقا من أن الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال و ليس المراد أن أصل الرضا بشي‌ء تابع لتحققه في الخارج أو لأصل الرضا به حتي يحتاج إلي توضيحه بما ذكره من المثال بل المراد الرضا الذي يعد قبولا و ركنا في العقد. و مما ذكرنا
المكاسب، ج‌2، ص 97
يظهر الوجه في المنع عن تقدم القبول بلفظ الأمر كما لو قال يعني هذا بدرهم فقال بعتك لأن غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة علي الرضا بها لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقلة نقل في الحال للدرهم إلي البائع كما لا يخفي. و أما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا علي الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر علي خلافه و أما فحوي جوازه في النكاح ففيها بعد الإغماض عن حكم الأصل بناء علي منع دلالة رواية سهل- علي كون لفظ الأمر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد إيجاب النبي ص و يؤيده أنه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول منع الفحوي و قصور دلالة رواية أبان من حيث اشتمالها علي كفاية قول المرأة نعم في الإيجاب ثم اعلم أن في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافا كثيرا بين كلمات الأصحاب فقال في المبسوط إن قال بعنيها بألف فقال بعتك صح و الأقوي عندي أنه لا يصح حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت و اختار ذلك في الخلاف و صرح به في الغنية فقال و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و هو أن يقول بعنيه بألف فيقول بعتك فإنه لا ينعقد حتي يقول المشتري بعد ذلك اشتريت أو قبلت و صرح به أيضا في السرائر و الوسيلة. و عن جامع المقاصد أن ظاهرهم أن هذا الحكم اتفاقي و حكي الإجماع عن ظاهر الغنية أيضا أو صريحها. و عن المسالك المشهور بل قيل إن هذا الحكم ظاهر كل من اشتراط الإيجاب و القبول و مع ذلك كله فقد صرح الشيخ في المبسوط في باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع و نسبته إلينا مشعر بقرينة السياق إلي عدم الخلاف فيه بيننا فقال إذا تعاقدا فإن تقدم الإيجاب علي القبول فقال زوجتك فقال قبلت التزويج صح و كذا إذا تقدم الإيجاب علي القبول في البيع صح بلا خلاف و إما أن تأخر الإيجاب و سبق القبول فإن كان في النكاح فقال الزوج زوجنيها فقال زوجتكها صح و إن لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدي: قال الرجل زوجنيها يا رسول الله فقال زوجتكها بما معك من القرآن فقدم القبول و تأخر الإيجاب و إن كان هذا في البيع فقال بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتي يسبق الإيجاب انتهي. و حكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم إلي كل من جوز تقديم القبول علي الإيجاب بقول مطلق و تمسك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج إلا أن المحقق مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب صرح بجواز تقديم القبول علي الإيجاب. و ذكر العلامة قدس سره الاستيجاب و الإيجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الإيجاب و القبول كالمعاطاة و جزم بعدم كفايته مع أنه تردد في اعتبار تقديم القبول و كيف كان فقد عرفت أن الأقوي المنع في البيع لما عرفت بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ قبلت يمكن المنع هنا بناء علي اعتبار الماضوية فيما دل علي القبول ثم إن هذا كله بناء علي المذهب المشهور بين الأصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك. و أما علي ما قويناه سابقا في مسألة المعاطاة من أن البيع العرفي موجب للملك و أن الأصل في الملك اللزوم فاللازم الحكم باللزوم في كل مورد لم يقم إجماع علي عدم اللزوم و هو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأسا أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الإجماع علي عدم إفادتها اللزوم و أما في غير ذلك فالأصل اللزوم. و قد عرفت أن القبول علي وجه طلب البيع قد صرح في المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكي في الكامل أيضا فتأمل و إن كان التقديم بلفظ اشتريت أو ابتعت أو تملكت أو ملكت هذا بكذا فالأقوي جوازه لأنه إنشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا ففي الحقيقة إنشاء المعاوضة كالبائع إلا أن البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه و المشتري ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله ففي الحقيقة كل منهما يخرج ماله إلي صاحبه و يدخل مال صاحبه في ملكه إلا أن الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض و في القبول مفهوم من نفس الفعل و الإخراج بالعكس و حينئذ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معني القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه
عقيب الإيجاب و إنشاء انتقال مال البائع إلي نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول أطلق عليه القبول و هذا المعني مفقود في الإيجاب المتأخر- لأن المشتري إنما ينقل ماله إلي البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا و البائع إنما ينشئ انتقال الثمن إليه كذلك لا بمدلول الصيغة. و قد صرح في النهاية و المسالك علي ما حكي بأن اشتريت ليس قبولا حقيقة و إنما هو بدل و أن الأصل في القبول قبلت لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به و مرادهما أنه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع كما أن رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلي البائع إلا إذا وقع متأخرا و لذا منعنا عن تقديمه فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلي إفادة نقل المال و مطاوعة البيع عند التقدم و التأخر متعاكسان. فإن قلت إن الإجماع علي اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتي يقع قبولا لأن إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معني الانتقال و قبول الأثر فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فإن مجرد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول كما لو نوي تملك المباحات أو اللقطة فإنه لا قبول فيه رأسا. قلت المسلم من الاجتماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعني الشامل للرضا بالإيجاب و أما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الأثر فلا- فقد تبين من جميع ذلك أن إنشاء القبول لا بد أن يكون جامعا لتضمن إنشاء النقل و للرضا بإنشاء البائع تقدم أو تأخر و لا يعتبر إنشاء انفعال نقل البائع. فقد تحصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ اشتريت وفاقا لمن عرفت بل هو ظاهر إطلاق
المكاسب، ج‌2، ص 98
الشيخ في الخلاف حيث إنه لم يتعرض إلا للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب و الإيجاب و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت و كذا السيد في الغنية حيث أطلق اعتبار الإيجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الإيجاب و كذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد. و الحاصل أن المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء الحلي و ابن حمزة فمن التعجب بعد ذلك حكاية الإجماع عن الخلاف علي تقديم الإيجاب مع أنه لم يزد علي الاستدلال بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب بأن ما عداه مجمع علي صحته و ليس علي صحته دليل و لعمري أن مثل هذا مما يوهن الاعتماد علي الإجماع المنقول و قد نبهنا علي أمثال ذلك في مواردها نعم يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه في المسألة الآتية و هو الوصل بين الإيجاب و القبول فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال. ثم إن ما ذكرنا جار في كل قبول يؤدي بإنشاء مستقل كالإجارة التي يؤدي قبولها بلفظ تملك منك منفعة كذا أو ملكت و النكاح الذي يؤدي قبولها بلفظ نكحت و تزوجت و أما بالإنشاء في قبوله إلا قبلت أو ما يتضمنه كارتهنت فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه إذ لا التزام في قبوله لشي‌ء كما كان في قبول البيع التزام بنقل ماله إلي البائع بل لا ينشئ به معني غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم أن الرضا يجوز تعلقه بأمر مترقب كما يجوز تعلقه بأمر محقق فيجوز أن يقول رضيت برهنك هذا عندي فيقول رهنت. و التحقيق عدم الجواز لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفي أنه لا يصدق الارتهان علي قبول الشخص إلا بعد تحقق الرهن لأن الإيجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال و كذا القول في الهبة و القرض فإنه لا يحصل من إنشاء القول فيهما التزام بشي‌ء- و إنما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوهما قبول المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض. و أما المصالحة المشتملة علي المعاوضة فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين و كانت نسبتها إليهما علي وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر كان البادي منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة و عرفا. ثم لما انعقد الإجماع علي توقف العقد علي القبول لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول إذ لو قال أيضا صالحتك كان إيجابا آخر- فيلزم تركيب العقد من إيجابين و تحقق من جميع ذلك أن تقديم القبول في الصلح أيضا غير جائز إذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت. و قد عرفت أن قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل علي إنشاء لنقل العوض في الحال.
فتلخص مما ذكرنا أن القبول في العقود علي أقسام لأنه إما أن يكون التزاما بشي‌ء من القابل كنقل مال عنه أو زوجية و إما أن لا يكون فيه سوي الرضا بالإيجاب. و الأول علي قسمين لأن الالتزام الحاصل من القابل إما أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة أو متغايرا كالاشتراء. و الثاني أيضا علي قسمين لأنه إما أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض و إما أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة و العارية و شبههما فتقديم القبول علي الإيجاب لا يكون إلا في القسم الثاني من كل من القسمين. ثم إن مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفي فكل من التزم بنقل ماله علي وجه العوضية لمال آخر يسمي مشتريا و كل من نقل ماله علي أن يكون عوضه مالا من آخر يسمي بائعا. و بعبارة أخري كل من ملك ماله غيره بعوض فهو البائع و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشتري و إلا فكل منهما في الحقيقة يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله.

و من جملة شروط العقد الموالاة بين إيجابه و قبوله

ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و الشيخ المقداد. قال الشهيد في قواعده الموالاة معتبرة في العقد و نحوه و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثني و المستثني منه. و قال بعض العامة لا يضر قول الزوج بعد الإيجاب الحمد لله و الصلاة علي رسول الله قبلت نكاحها و منه الفورية في استتابة المرتد فيعتبر في الحال و قيل إلي ثلاثة أيام و منه السكوت في أثناء الأذان فإن كان كثيرا أبطله و منه السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها و كذا التشهد و منه تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع فإن تعمدوا أو نسوا حتي ركع فلا جمعة و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة و منه الموالاة في التعريف بحيث لا ينسي أنه تكرار و الموالاة في سنة التعريف فلو رجع في أثناء المدة استؤنفت ليتوالي انتهي. أقول حاصله أن الأمر المتدرج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف فلا بد في ترتب الحكم المعلق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتصالية فالعقد المركب من الإيجاب و القبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئته الاتصالية و لذا لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد و انضباط ذلك إنما يكون بالعرف فهو في كل أمر بحسبه فيجوز الفصل بين كل من الإيجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات الفصل بما لا يجوز بين الحروف كما في الأذان و القراءة. و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا كما هو مقتضي التمسك بآية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك أما لو كان منوطا بصدق البيع أو التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد و أما جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثني منه فلأنه منشأ الانتقال إلي هذه القاعدة فإن أكثر الكليات إنما يلتفت إليها من التأمل في مورد خاص. و قد صرح في القواعد مكررا بكون الأصل في هذه القاعدة كذا و يحتمل بعيدا أن يكون الوجه فيه أن الاستثناء أشد ربطا بالمستثني منه من سائر اللواحق لخروج المستثني منه معه عن
المكاسب، ج‌2، ص 99
حد الكذب إلي الصدق فصدقه يتوقف عليه فلذا كان طول الفصل هناك أقبح فصار أصلا في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام ثم تعدي منه إلي سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا أو معني أو من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا أو قراءة أو أذانا و نحو ذلك ثم في تطبيق بعضها علي ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد فإن غاية ما يمكن أن يقال في توجيهها إن المطلوب في الإسلام الاستمرار فإذا انقطع فلا بد من إعادته في أقرب الأوقات. و أما مسألة الجمعة فلأن هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة فيقدح الإخلال بها و للتأمل في هذه الفروع و في صحة تفريعها علي الأصل المذكور مجال ثم إن المعيار في الموالاة موكول إلي العرف كما في الصلاة و القراءة و الأذان و نحوها و يظهر من رواية سهل الساعدي المتقدمة في مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الإيجاب و القبول بكلام طويل أجنبي بناء علي ما فهمه الجماعة من أن القبول فيها قول ذلك الصحابي زوجنيها و الإيجاب قوله ص بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن و لعل هذا موهن آخر للرواية فافهم.

و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد

بأن لا يكون معلقا علي شي‌ء بأداة الشرط بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي‌ء لا في غيرها و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلي و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدس الله أرواحهم. و عن فخر الدين في شرح الإرشاد في باب الوكالة أن تعليق الوكالة علي الشرط لا يصح عند الإمامية و كذا غيره من العقود لازمة كانت أو جائزة. و عن تمهيد القواعد دعوي الإجماع عليه و ظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف الاتفاق عليه و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و إن لم يتعرض الأكثر في هذا المقام و يدل عليه فحوي فتاويهم و معاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كل ما دل علي الإذن حتي أن العلامة ادعي الإجماع علي ما حكي عنه علي عدم صحة أن يقول الموكل أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي و علي صحة قوله أنت وكيلي و لا تبع عبدي إلا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا و فرق بينهما جماعة بعد الاعتراف بأن هذا في معني التعليق بأن العقود لما كانت متلقاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و إن أفادت فائدتها فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع و بالجملة فلا شبهه في اتفاقهم علي الحكم. و أما الكلام في وجه الاشتراط فالذي صرح به العلامة في التذكرة أنه مناف للجزم حال الإنشاء بل جعل الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق. قال الخامس من الشروط الجزم فلو علق العقد علي شرط لم يصح و إن كان الشرط المشية- للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدته- و هو أحد قولي الشافعي و أظهرهما عندهم الصحة لأن هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد لأنه لو لم يشأ لم يشتر انتهي و تبعه علي ذلك الشهيد رحمه الله في قواعده قال لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا إلا مع الجزم و الجزم ينافي التعليق انتهي. و مقتضي ذلك أن المعتبر هو عدم التعليق علي أمر مجهول الحصول كما صرح به المحقق في باب الطلاق. و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان في الجامع و المسالك في مسألة إن كان لي فقد بعته أن التعليق إنما ينافي الإنشاء في العقود و الإيقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول لكن الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم أن الجزم ينافي التعليق لأنه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق علي الوصف كان الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه فاعتبر المعني العام دون خصوصيات الأفراد ثم قال فإن قلت فعلي هذا يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل- إن كان لي فقد بعته منك بكذا قلت هذا تعليق علي واقع لا متوقع الحصول فهو علة للوقوع أو مصاحب له لا معلق عليه الوقوع و كذا نقول لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج و إنكار التزويج حيث تدعيه المرأة إن كانت زوجتي فهي طالق انتهي كلامه رحمه الله و علل العلامة في القواعد صحة إن كان لي فقد بعته بأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا و كذا كل شرط علم وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع و لا في وقوعه انتهي. و تفصيل الكلام أن المعلق عليه- إما أن يكون معلوم التحقق و إما إما يكون محتمل التحقق و علي الوجهين فإما أن يكون تحققه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل و علي التقادير فإما أن يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشي‌ء مما يصح تملكه شرعا أو مما يصح إخراجه عن الملك كغير أم الولد و غير الموقوف و نحوه و كون المشتري ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا و ممن يجوز العقد معه بأن يكون بالغا و إما أن لا يكون كذلك. ثم التعليق إما مصرح به و إما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة و قوله في القرض و الهبة خذ هذا بعوضه أو خذه بلا عوض يوم الجمعة فإن التمليك معلق علي تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال و لهذا احتمل العلامة في النهاية و ولده في الإيضاح بطلان بيع الوارث لمال مورثه بظن موته معللا بأن العقد و إن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر أنه غير قادح وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و الصيمري. و
حكي أيضا عن المبسوط و الإيضاح في مسألة ما لو قال إن كان لي فقد بعته بل لم يوجد في ذلك خلاف صريح و لذا ادعي في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا و ما كان منها معلوم الحصول في المستقبل و هو المعبر عنه بالصفة فالظاهر أنه داخل في معقد اتفاقهم علي عدم الجواز و إن كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه و نحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فإنه قال إذا قال الواقف إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته لم يصح الوقف بلا خلاف لأنه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق أيضا انتهي فإن ذيله يدل علي أن مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير
المكاسب، ج‌2، ص 100
مختص بالإمامية. نعم مماثلته للعتق مختصة بهم و ما كان منها مشكوك الحصول و ليست صحة العقد معلقة عليه في الواقع كقدوم الحاج فهو المتيقن من معقد اتفاقهم و ما كانت صحة العقد معلقة عليه كالأمثلة المتقدمة فظاهر إطلاق كلامهم يشمله إلا أن الشيخ في المبسوط حكي في مسألة إن كان لي فقد بعته قولا من بعض الناس بالصحة و أن الشرط لا يضره مستدلا بأنه لم يشترط إلا ما يقتضيه إطلاق العقد لأنه إنما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل إذا كان أذن له في الشراء فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضر إظهاره و شرطه كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك انتهي و هذا الكلام و إن حكاه عن بعض الناس إلا أن الظاهر ارتضاؤه له و حاصله أنه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه في الواقع فتعليقه ببعض مقدماته كالالتزام ببعض غاياته فكما لا يضر الالتزام بما يقتضي العقد إلزامه كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلقا عليه و مقيدا به. و هذا الوجه و إن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد لأن المعلق علي ذلك الشرط في الواقع هو ترتب الأثر الشرعي علي العقد دون إنشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلم فالمعلق في كلام المتكلم غير معلق في الواقع علي شي‌ء و المعلق علي شي‌ء ليس معلقا في كلام المتكلم علي شي‌ء بل و لا منجزا بل هو شي‌ء خارج عن مدلول الكلام إلا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بتحقق الإجماع عليه مع أن ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدل علي أن محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم. و يؤيد ذلك أن الشهيد في قواعده جعل الأصح صحة تعليق البيع علي ما هو شرط فيه كقول البائع بعتك إن قبلت و يظهر منه ذلك أيضا في أواخر القواعد. ثم إنك قد عرفت أن العمدة في المسألة هو الإجماع و ربما يتوهم أن الوجه في اعتبار التنجيز- هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق و بطلانه واضح لأن المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصور فيه إلا أن الكلام ليس فيه و إن كان الكلام في أنه- كما يصح إنشاء الملكية المتحققة علي كل تقدير فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة علي تقدير دون آخر كقوله هذا لك إن جاء زيد غدا و خذ المال قرضا أو قراضا إذا أخذته من فلان و نحو ذلك فلا ريب في أنه أمر متصور واقع في العرف و الشرع كثيرا كما في الأوامر و المعاملات من العقود و الإيقاعات. و يتلو هذا الوجه في الضعف ما قيل من أن ظاهر ما دل علي سببية العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك. و فيه بعد الغض عن عدم انحصار أدلة الصحة و اللزوم في مثل قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- لأن دليل حلية البيع و تسلط الناس علي أموالهم كاف في إثبات ذلك أن العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به علي طبق مدلوله فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلا مفاد أوفوا بالعهد في أن العقد كالعهد إذا وقع علي وجه التعليق فترقب تحقق المعلق عليه في تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد. و الحاصل أنه إن أريد بالمسبب مدلول العقد- فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها- و إن أريد به الأثر الشرعي و هو ثبوت الملكية فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكية المنجزة بل هو مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلق و إن كان معلقا فأثره الملكية المعلقة مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدا مع أن ما ذكره لا يجري في مثل قوله بعتك إن شئت أو إن قبلت فقال قبلت فإنه لا يلزم هنا تخلف أثر العقد عنه مع أن هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال فإن العقد حينئذ يكون مراعي لا موقوفا مع أن ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخر مقتضاها عنها كما لا يخفي و ليس الكلام في خصوص البيع و ليس علي هذا الشرط في كل عقد دليل علي حدة. ثم الأضعف من الوجه المتقدم التمسك في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها علي المتيقن و ليس إلا العقد العاري عن التعليق إذ فيه أن إطلاق الأدلة مثل حلية البيع و تسلط الناس علي أموالهم و حل التجارة عن تراض و وجوب
الوفاء بالعقود و أدلة سائر العقود كافية في التوقف. و بالجملة فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلتها و وقوع كثير منها في العرف علي وجه التعليق بغير الإجماع محققا أو منقولا مشكل ثم إن القادح هو تعليق الإنشاء. و أما إذا أنشأ من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ مترددا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم أن المال له أو أن المبيع مما يتمول أو أن المشتري راض حين الإيجاب أم لا أو غير ذلك مما تتوقف صحة العقد عليه عرفا أو شرعا بل الظاهر أنه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر عليه إذا تحقق القصد إلي التمليك العرفي. و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد. نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية أو الشك فيها عند إنشاء الطلاق فإنه لا يتحقق القصد إليه منجزا من دون العلم بالزوجية و كذا الرقبة في العتق و حينئذ فإذا مست الحاجة إلي شي‌ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء علي ما هو شرط فيه فلا بد من إبرازه بصورة التنجز و إن كان في الواقع معلقا أو يوكل غير الجاهل بالحال بإيقاعه و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا علي كون الموكل مالكا للفعل لأن فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن إلا أن ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوج امرأة يشك في أنها محرمة عليه فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد قال و كذا الإيقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها أو ولي نائب الإمام ع قاضيا لا يعلم أهليته و إن ظهر أهلا. ثم قال و يخرج من هذا البيع مال مورثه لظنه حياته فبان ميتا لأن الجزم هنا حاصل- لكن خصوصية البائع غير معلومة و إن قيل بالبطلان أمكن لعدم القصد إلي نقل ملكه و كذا لو زوج أمة أبيه فظهر ميتا انتهي. و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه بإمكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق فافهم. و قال في موضع آخر و لو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا و يشكلان في العالم بالحكم لعدم قصدهما إلي طلاق صحيح انتهي.

و من جملة شروط العقد التطابق بين الإيجاب و القبول

المكاسب، ج‌2، ص 101
فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع علي وجه خاص- من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط فقبل المشتري علي وجه آخر لم ينعقد و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالإيجاب فحينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا فقال اشتريته لنفسي لم ينعقد و لو قال بعت هذا من موكلك فقال الموكل غير المخاطب قبلت صح و كذا لو قال بعتك فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد. و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير و لو قال للاثنين بعتكما العبد بألف فقال أحدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم يقع و لو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز- و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشتري اشتريت كل نصف منه بخمسين و فيه إشكال. و من جملة الشروط في العقد أن يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الإنشاء فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب لم ينعقد ثم إن عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الإغماء بل النوم- فوجه الاعتبار عدم تحقق معني المعاقدة و المعاهدة حينئذ. و أما صحة القبول من الموصي له بعد موت الموصي فهو شرط تحققه لا ركن فإن حقيقة الوصية الإيصاء و كذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك و إن كان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه عن مفهوم التعاهد و التعاقد لأن المعتبر فيه عرفا رضا كل منهما لما ينشأه الآخر حين إنشائه كمن يعرض له الحجر بفلس أو سفه أو رق أو قرض أو مرض موت. و الأصل في جميع ذلك أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق و كذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راض أو كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير فصحة كل من الإيجاب و القبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من أول العقد إلي أن يتحقق تمام السبب و به يتم معني المعاقدة فإذا لم يكن هذا المعني قائما في نفس أحدهما أو قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معني المعاقدة ثم إنهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد بل يكفي حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الإيجاب و قبل القبول اللهم إلا أن يلتزم بكون الحكم في المكره علي خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة

فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل كما لو فرضنا أنه لا قائل بجواز تقديم القبول علي الإيجاب و جواز العقد بالفارسية أردؤها أخيرها و الأولان مبنيان علي أن الأحكام الظاهرية المجتهد فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية فالإيجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة إشارة الأخرس و إيجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة إلي واجد الماء أم هي أحكام عذرية لا يعذر فيها إلا من اجتهد أو قلد فيها. و المسألة محررة في الأصول هذا كله إذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا إلي فعل الآخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب. و أما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين علي صفة صحة الإنشاء إلي آخر العقد فالظاهر أن اختلافها يوجب فساد المجموع لأن الإخلال بالموالاة أو التنجيز أو البقاء علي صفة صحة الإنشاء يفسده عبارة من يراها شروطا فإن الموجب إذا علق مثلا أو لم يبق علي صفة صحة الإنشاء إلي زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب بالقبول و كذا القابل إذا لم يقبل إلا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك فإنه يجب علي الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة فتأمل.

مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه- و كان مضمونا عليه

اشارة

أما عدم الملك فلأنه مقتضي فرض الفساد

و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه- و هو أحد الأمور المتفرعة علي القبض بالعقد الفاسد

اشارة

فهو المعروف- . و ادعي الشيخ في باب الرهن و في موضع من البيع الإجماع عليه صريحا و تبعه في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد و في السرائر أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان و في موضع آخر نسبه إلي أصحابنا و يدل عليه النبوي المشهور: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي و الخدشة في دلالته بأن كلمة علي ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدل علي الضمان ضعيفة جدا فإن هذا الظهور إنما هو إذا أسند الظرف إلي فعل من أفعال المكلفين لا إلي مال من الأموال كما يقال عليه دين فإن لفظة علي حينئذ لمجرد الاستقرار في العهدة- عينا كان أو دينا و من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به علي ضمان الصغير بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التمييز و الشعور. و يدل علي الحكم المذكور أيضا- قوله ع: في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري أنه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة فإن ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريق أولي- و ليس استيلادها من قبيل إتلاف النماء بل من قبيل إحداث نمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم. ثم إن هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة- كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده- و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و هذه القاعدة أصلا و عكسا و إن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدم علي العلامة إلا أنها يظهر من كلمات الشيخ رحمه الله في المبسوط فإنه علل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة بأنه دخل علي أن يكون المال مضمونا عليه- . و حاصله أن قبض المال مقدما علي ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب للضمان و هذا المعني يشمل المقبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها. و ذكر أيضا في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد أن صحيحة لا يوجب الضمان فكيف يضمن بفاسده و هذا يدل علي العكس المذكور و لم أجد من تأمل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق أجرة المثل أم لا

[القول في قاعدة الضمان

اشارة

و كيف كان فالمهم بيان معني القاعدة أصلا و عكسا ثم بيان المدرك فيها.

[أما أصلها]

فتقول و من الله الاستعانة إن المراد بالعقد أعم من الجائز و اللازم بل مما كانت فيه شائبة الإيقاع
المكاسب، ج‌2، ص 102
أو كان أقرب إليه فيشمل الجعالة و الخلع و المراد بالضمان في الجملتين- هو كون درك المضمون عليه بمعني كون خسارته و دركه في ماله الأصلي فإذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه منه و أما مجرد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معني للضمان أصلا فلا يقال إن الإنسان ضامن لأمواله ثم تداركه من ماله تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضي هو و المالك علي كونه عوضا و إمضاء الشارع كما في المضمون بسبب العقد الصحيح و أخري بأداء عوضه الواقعي و هو المثل أو القيمة و إن لم يتراضيا عليه- و ثالثة بأداء أقل الأمرين من العوض الواقعي و الجعلي كما ذكره بعضهم في بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض. فإذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي لأن هذا هو التدارك حقيقة و لذا لو اشترط ضمان العارية لزمت غرامة مثلها أو قيمتها. و لم يرد في أخبار ضمان المضمونات من المغصوبات و غيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق- و أما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع فاحتمال أن يكون المراد بالضمان في قولهم يضمن بفاسده هو وجوب أداء العوض المسمي نظير الضمان في العقد الصحيح ضعيف في الغاية لا لأن ضمانه بالمسمي يخرجه عن فرض الفساد إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين علي ملك مالكه و إن كان عند تلف أحدهما يتعين الآخر للعوضية نظير المعاطاة علي القول بالإباحة- بل لأجل ما عرفت من معني الضمان و أن التدارك بالمسمي في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطأ علي عوضيته لا لأن معني الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتي يوجب ذلك تفكيكا في العبارة فافهم- . ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع- لتكون أفراده مثل البيع و الصلح و الإجارة و نحوها لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان و إنما المقتضي له بعض أصنافه فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان لأنه قد لا يفيد إلا فائدة الهبة غير المعوضة أو الإبراء فالموجب للضمان هو المشتمل علي المعاوضة فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا و لا يلتفت إلي أن نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا فلا يضمن بفاسده و كذا الكلام في الهبة المعوضة و كذا عارية الذهب و الفضة. نعم ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم أن صحيح العارية لا يوجب الضمان فينبغي أن لا يضمن بفسادها و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها. ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه فلو اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح ففي الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة إشكال كما لو استأجر إجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين و قلنا بصحة هذا الشرط فهل تضمن بهذا الفاسد لأن صحيحة يضمن به و لو لأجل الشرط أم لا و كذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة. و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا تبعا لظاهر المسالك. و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل بناء علي أنها هبة مشروطة لا معاوضة و ربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أن كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد. و رتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا أجرة كما اختاره الشهيدان- أو باع بلا ثمن كما هو أحد وجهي العلامة في القواعد. و يضعف بأن الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح و فاسد لا ما يفرض تارة صحيحا و أخري فاسدا فالمتعين بمقتضي هذه القاعدة الضمان في مسألة البيع لأن البيع الصحيح يضمن به- . نعم ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة بأنه أقدم علي العين مضمونة عليه- لا يجري في هذا الفرع لكن الكلام في معني القاعدة لا في مدركها ثم إن لفظة الباء في بصحيحه و بفاسده- إما بمعني في بأن يراد كلما تحقق الضمان في صحيحة تحقق في فاسده- . و إما لمطلق السببية الشامل للناقصة لا العلة التامة فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلا بعد القبض كما في السلم و الصرف بل مطلق البيع حيث إن المبيع قبل القبض مضمون علي البائع بمعني أن دركه عليه و يتداركه برد الثمن فتأمل و كذا الإجارة و النكاح و الخلع فإن المال في ذلك كله مضمون علي من انتقل
عنه إلي أن يتسلمه من انتقل إليه. و أما العقد الفاسد فلا تكون علة تامة أبدا بل يفتقر في ثبوت الضمان إلي القبض فقبله لا ضمان فجعل الفاسد سببا إما لأنه المنشأ للقبض علي وجه الضمان الذي هو سبب للضمان و إما لأنه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض و لذا علل الضمان الشيخ و غيره بدخوله علي أن تكون العين مضمونة عليه. و لا ريب أن دخوله علي الضمان إنما هو بإنشاء العقد الفاسد فهو سبب لضمان ما يقبضه و الغرض من ذلك كله دفع ما يتوهم أن سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد علي الصحيح في سببية الضمان و يقال كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. و قد ظهر من ذلك أيضا فساد توهم أن ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد إلي القبض فلا بد من تخصيص القاعدة بإجماع و نحوه ثم إن المدرك لهذه الكلية- علي ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل هو إقدام الآخذ علي الضمان ثم أضاف إلي ذلك قوله ص: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي. و الظاهر أنه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط حيث علل الضمان في موارد كثيرة من البيع و الإجارة الفاسدين بدخوله علي أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمي فإذا لم يسلم له المسمي رجع إلي المثل أو القيمة و هذا الوجه لا يخلو عن تأمل لأنهما إنما أقدما و تراضيا و تواطئا بالعقد الفاسد علي ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة و المفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاص و مطلق الضمان لا يبقي بعد انتفاء الخصوصية حتي يتقوم بخصوصية أخري فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت فحكم شرعي تابع لدليله و ليس مما أقدم عليه المتعاقدان. و هذا كله مع أن مورد هذا التعليل أعم من وجه من المطلب إذ قد يكون الإقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقق الضمان كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع علي البائع- إذا تلف في يد المشتري- و كما إذا
المكاسب، ج‌2، ص 103
قال بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة. نعم قوي الشهيدان في الأخير عدم الضمان و استشكل العلامة في مثال البيع في باب السلم. و بالجملة فدليل الإقدام مع أنه مطلب يحتاج إلي دليل لم نحصله منقوض طردا و عكسا و أما خبر اليد فدلالته و إن كانت ظاهرة و سنده منجبرا إلا أن مورده مختص بالأعيان فلا يشمل المنافع و الأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة- اللهم إلا أن يستدل علي الضمان فيها بما دل علي احترام مال المسلم و أنه لا يحل إلا عن طيب نفسه و أن حرمة ماله كحرمة دمه و أنه لا يصلح ذهاب حق أحد مضافا إلي أدلة نفي الضرر فكل عمل وقع من عامل لأحد بحيث يقع بأمره و تحصيلا لغرضه فلا بد من أداء عوضه لقاعدتي الاحترام و نفي الضرار. ثم إنه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال علي الضمان بالإقدام و الدخول عليه بيان أن العين و المنفعة- التين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتي لا يقضي احترامهما بتداركهما بالعوض كما في العمل المتبرع به و العين المدفوعة مجانا أو أمانة فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضي اليد في الأموال و احترام الأعمال. نعم في المسالك ذكر كلا من الأقدام و اليد دليلا مستقلا فيبقي عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض. و يبقي الكلام حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلي الضامن و لم يقع بأمره كالسبق في المسابقة الفاسدة حيث حكم الشيخ و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق أجرة المثل خلافا لآخرين- و وجهه أن عمل العامل لم يعد نفعه إلي الآخر- و لم يقع بأمره أيضا. فاحترام الأموال التي منها الأعمال لا يقضي بضمان الشخص له و وجوب عوضه عليه لأنه ليس كالمستوفي له و لذا كانت شرعيته علي خلاف القاعدة حيث إنه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل و تمام الكلام في بابه- ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد- بين جهل الدافع بالفساد و بين علمه مع جهل القابض. و توهم أن الدافع في هذه الصورة هو الذي سلطه عليه و المفروض أن القابض جاهل- . مدفوع بإطلاق النص و الفتوي و ليس الجاهل مغرورا لأنه أقدم علي الضمان قاصدا و تسليط الدافع العالم لا يجعله أمانة مالكية لأنه دفعه علي أنه ملك المدفوع إليه لا أنه أمانة عنده أو عارية و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به و ستأتي تتمة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري. هذا كله في أصل الكلية المذكورة

و أما عكسها

و هو أن ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فمعناه أن كل عقد لا يفيد صحيحة ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضمانا كما في عقد الرهن و الوكالة و المضاربة و العارية غير المضمونة بل المضمونة بناء علي أن المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه- لا بأمر خارج عنه كالشرط الواقع في متنه و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة- ثم إن مقتضي ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا لأن صحيح الإجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به في القواعد و السرائر. و حكي عن التذكرة و إطلاق الباقي إلا أن صريح الرياض الحكم بالضمان و حكي فيها عن بعض نسبته إلي المفهوم من كلمات الأصحاب و الظاهر أن المحكي عنه- هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة. و ما أبعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد حيث قال في باب الغصب إن الذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة و الذي ينساق إليه النظر هو الضمان لأن التصرف فيها حرام لأنه غصب فيضمنه ثم قال إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك- فيقال إنه دخل علي عدم الضمان بهذا الاستيلاء و إن لم يكن مستحقا و الأصل براءة الذمة من الضمان فلا تكون العين بذلك مضمونة و لو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن لأن استيلاءه بغير حق و هو باطل انتهي. و لعل الحكم بالضمان في المسألة- إما لخروجها عن قاعدة ما لا يضمن لأن المراد بالمضمون مورد العقد و مورد العقد في الإجارة المنفعة فالعين يرجع في حكمها إلي القواعد- و حيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا و من طرف المالك لم يكن فيه ضمان و أما في فاسدها فدفع الموجر للعين إنما هو للبناء علي استحقاق المستأجر لها لحق الانتفاع فيها و المفروض عدم الاستحقاق- فيده عليها يد عدوان موجبة للضمان و إما لأن قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد- و الأقوي عدم الضمان. فالقاعدة المذكورة غير مخصصة بالعين المستأجرة و لا متخصصة
ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد
منها الصيد الذي استعاره المحرم من المحل
بناء علي فساد العارية فإنهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة مع أن صحيح العارية لا يضمن به و لذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان علي تقديري الصحة و الفساد إلا أن يقال إن وجه ضمانه بعد البناء علي أنه يجب علي المحرم إرساله و أداء قيمته أن المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف- بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كل عقد لا بسبب التلف.

و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا

بالنسبة إلي المنافع التي لم يستوفها فإن هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح مع أنها مضمونة في العقد الفاسد إلا أن يقال إن ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد- . و فيه نظر لأن نفس المنفعة غير مضمونة بشي‌ء في العقد الصحيح- لأن الثمن إنما هو بإزاء العين دون المنافع و يمكن نقض القاعدة أيضا بحمل المبيع فاسدا علي ما صرح به في المبسوط و الشرائع و التذكرة- و التحرير من كونه مضمونا علي المشتري خلافا للشهيدين و المحقق الثاني و بعض آخر تبعا للعلامة في القواعد مع أن الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء علي أنه للبائع. و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما إذا اشترط الدخول في البيع و حينئذ لا نقض علي القاعدة و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة بناء علي أنه لا يجوز التصرف بها فأخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان ثم إن مبني هذه القضية السالبة- علي ما تقدم من كلام الشيخ في المبسوط هي الأولوية و حاصلها أن الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده. و توضيحه أن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان مع إمضاء الشارع له فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثر في الضمان لأن أثر الضمان إما من الإقدام علي الضمان و المفروض عدمه و إلا لضمن بصحيحه و إما من حكم الشارع بالضمان
المكاسب، ج‌2، ص 104
بواسطة هذه المعاملة الفاسدة و المفروض أنها لا تؤثر شيئا. و وجه الأولوية أن الصحيح إذا كان مفيدا للضمان- أمكن أن يقال إن الضمان من مقتضيات الصحيح- فلا يجري في الفاسد لكونه لغوا غير مؤثر علي ما سبق تقريبه من أنه أقدم علي ضمان خاص- و الشارع لم يمضه فيرتفع أصل الضمان لكن يخدشها أنه يجوز أن تكون صحة الرهن و الإجارة المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر علي العين شرعا مؤثرة في رفع الضمان- بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلطا لهما علي العين فلا أولوية. فإن قلت إن الفاسد و إن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضي عموم علي اليد هو الضمان- خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة علي القابض و بقي الباقي.
قلت ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها و هي عموم ما دل علي أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض- أو سلطه علي الانتفاع به أو استأمنه منه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه- أو العمل فيه بلا أجرة أو معها أو غير ذلك فهو غير ضامن. أما في غير التمليك بلا عوض أعني الهبة فالدليل المخصص لقاعدة الضمان- عموم ما دل علي أن من استأمنه المالك علي ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه- . و أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال علي خروجها من عموم اليد بفحوي ما دل علي خروج مورد الاستيمان فإن استيمان المالك لغيره علي ملكه إذا اقتضي عدم ضمانه له- اقتضي التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق أولي. و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض كما في المعاوضات فإنه عين التضمين فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن أن دفع المالك إليه ملكه علي وجه لا يضمنه بعوض واقعي أعني المثل أو القيمة و لا جعلي فليس عليه ضمان.

الثاني من الأمور المتفرعة علي عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد- وجوب رده فورا إلي المالك

و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه- علي تقدير عدم جواز التصرف فيه كما يلوح من مجمع الفائدة بل صرح في التذكرة كما عن جامع المقاصد أن مئونة الرد علي المشتري لوجوب ما لا يتم إلا به و إطلاقه يشمل ما لو كان في رده مئونة كثيرة إلا أن يقيد بغيرها بأدلة نفي الضرر. و يدل عليه أن الإمساك آنا ما تصرف في مال الغير بغير إذنه فلا يجوز لقوله عجل الله تعالي فرجه: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه و لو نوقش في كون الإمساك تصرفا كفي عموم قوله ص: لا يحل مال امرأ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه حيث يدل علي تحريم جميع الأفعال المتعلقة به التي منها كونه في يده. و أما توهم أن هذا بإذنه حيث إنه دفعه باختياره فمندفع بأنه إنما ملكه إياه عوضا- فإذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا و المفروض أن كونه علي وجه الملكية المجانية مما لم ينشئها المالك و كونه مالا للمالك و أمانة في يده أيضا مما لم يؤذن فيه و لو أذن له فهو استيداع جديد كما أنه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة هذا و لكن الذي يظهر من المبسوط عدم الإثم في إمساكه معللا بأنه قبضه بإذنه مالكه و كذا السرائر ناسبا له إلي الأصحاب و هو ضعيف و النسبة غير ثابتة و لا يبعد إرادة صورة الجهل لأنه لا يعاقب.

الثالث أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة- استوفاها المشتري قبل الرد

كان عليه عوضها علي المشهور بل ظاهر ما تقدم من السرائر كونه بمنزلة المغصوب الاتفاق علي الحكم. و يدل عليه عموم قوله لا يحل مال امرأ مسلم لأخيه إلا عن طيب نفسه بناء علي صدق المال علي المنفعة و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح خلافا للوسيلة فنفي الضمان محتجا بأن الخراج بالضمان كما في النبوي المرسل. و تفسيره أن من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له فالباء للسببية أو المقابلة- فالمشتري لما أقدم علي ضمان المبيع و تقبله علي نفسه بتقبيل البائع و تضمينه إياه علي أن يكون الخراج له مجانا كان اللازم من ذلك أن خراجه له علي تقدير الفساد- كما أن الضمان عليه علي هذا التقدير أيضا. و الحاصل أن ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج و مرجعه إلي أن الغنيمة و الفائدة بإزاء الغرامة و هذا المعني مستنبط من أخبار كثيرة متفرقة مثل قوله في مقام الاستشهاد علي كونه منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري أ لا تري أنها لو احترقت كانت من مال المشتري و نحوه في الرهن و غيره. و فيه أن هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتي يكون الخراج بإزائه و إنما هو أمر قهري حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم و المغصوب. فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج التزام الشي‌ء علي نفسه و تقبله له مع إمضاء الشارع له و ربما ينتقض ما ذكرناه- في معني الرواية بالعارية المضمونة حيث إنه أقدم علي ضمانها مع أن خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة و إنما تملك الانتفاع الذي عينه المالك فتأمل. و الحاصل أن دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه و عدم حله إلا عن طيب النفس و ربما يرد هذا القول بما ورد في شراء الجارية المسروقة- من ضمان قيمة الولد و عوض اللبن بل عوض كلما انتفع. و فيه أن الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أن مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن لا ما كان فساده من جهة التصرف في مال الغير و أضعف من ذلك رده بصحيحة أبي ولاد المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ردا علي أبي حنيفة القائل بأنه إذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب سقط كراها كما يظهر من تلك الصحيحة. نعم لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق القول بأن الخراج بالضمان انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردا عليه هذا كله في المنفعة المستوفاة و أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة- و لعله لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين فهي مقبوضة في يده و لذا يجري علي المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر و يتحقق قبض الثمن في السلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا مضافا إلي أنه مقتضي احترام مال المسلم إذ كونه في يد غير مالكه مدة طويلة من غير أجرة مناف للاحترام لكن يشكل الحكم- بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة بأن مجرد ذلك لا يكفي في تحقق الضمان إلا أن يندرج في عموم علي اليد ما أخذت و لا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع و حصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ و دعوي أنه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان مشكلة. و أما احترام
المكاسب، ج‌2، ص 105
مال المسلم فإنما يقتضي عدم حل التصرف فيه و إتلافه بلا عوض- و إنما يتحقق ذلك في الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا كما عن الإيضاح أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للأصل السليم مضافا إلي أنه قد يدعي شمول قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده له و من المعلوم أن صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة لأنها له مجانا و لا يتقسط الثمن عليها و ضمانها مع الاستيفاء لأجل الإتلاف فلا ينافي القاعدة المذكورة لأنها بالنسبة إلي التلف لا الإتلاف مضافا إلي الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة الساكتة عن ضمان غيرها في مقام البيان.: و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه بغير إذنه فقال ع: الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها و سكت عن المنافع الفائتة فإن عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع- يوجب عدم الضمان هنا بطريق أولي. و الإنصاف أن للتوقف في المسألة كما في المسالك تبعا للدروس و التنقيح مجالا و ربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الإشكال و التوقف بصورة علم البائع علي ما استظهر السيد العميد و المحقق الثاني من عبارة الكتاب. و عن الفخر حمل الإشكال في العبارة علي مطلق صورة عدم الاستيفاء فتحصل من ذلك كله أن الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة الأول الضمان و كأنه للأكثر. الثاني عدم الضمان كما عن الإيضاح. الثالث الضمان إلا مع علم البائع كما عن بعض من كتب علي الشرائع. الرابع التوقف في هذه الصورة كما استظهره جامع المقاصد و السيد العميد من عبارة القواعد.
الخامس التوقف مطلقا كما عن الدروس و التنقيح و المسالك و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين. و قد عرفت أن التوقف أقرب إلي الإنصاف إلا أن المحكي عن التذكرة ما لفظه أن منافع الأموال من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها عند علمائنا أجمع. و لا يبعد أن يراد باليد العادية مقابل اليد الحقة فتشمل يد المشتري فيما نحن فيه خصوصا مع غلبته و لا سيما مع جهل البائع به و أظهر منه ما في السرائر في آخر باب الإجارة من الاتفاق أيضا علي ضمان منافع المغصوب الفائتة مع قوله في باب البيع إن البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشي‌ء المغصوب إلا في ارتفاع الإثم عن إمساكه انتهي. و علي هذا فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة و إن كان المتراءي من ظاهر صحيحة أبي ولاد- اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلي غير محل الرخصة إلا أنا لم نجد بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها.

الرابع- إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله بلا خلاف

إلا ما يحكي عن ظاهر الإسكافي. و قد اختلفت كلمات أصحابنا في تعريف المثلي فالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و المحقق و تلميذه و العلامة و غيرهم قدس الله أرواحهم بل المشهور علي ما حكي- أنه ما تساوت أجزاؤه من حيث القيمة و المراد بأجزائه ما يصدق عليه اسم الحقيقة و المراد بتساويها من حيث القيمة تساويها بالنسبة بمعني كون قيمة كل بعض بالنسبة إلي قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار و لذا قيل في توضيحه- إن المقدار منه إذا كان يساوي قيمة فنصفه يساوي نصف تلك القيمة. و من هنا رجح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميا قال إذ لو انفصل نقصت قيمته قلت و هذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليا إذ لو انكسر نصفين نقصت قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع إلا أن يقال إن الدرهم مثلي بالنسبة إلي نوعه و هو الصحيح و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة و لا الدقاقة مثلا للأرز. و من هنا يظهر أن كل نوع من أنواع الجنس الواحد بل كل صنف من أصناف نوع واحد مثلي بالنسبة إلي أفراد ذلك النوع أو الصنف- فلا يرد ما قيل من أنه إن أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه علي شي‌ء من المعرف إذ ما من مثلي إلا و أجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة فإن قفيزا من حنطة يساوي عشرة و من أخري يساوي عشرين و إن أريد التساوي في الجملة فهو في القيمي موجود كالثوب و الأرض انتهي. و قد لوح هذا المورد في آخر كلامه إلي دفع إيراده بما ذكرنا من أن كون الحنطة مثلية معناه أن كل صنف منها متماثل للأجزاء و متساويا في القيمة لا بمعني أن جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة فإذا كان المضمون بعضا من صنف فالواجب دفع مساوية من هذا الصنف لا القيمة و لا بعض من صنف آخر. لكن الإنصاف أن هذا خلاف ظاهر كلماتهم فإنهم يطلقون المثلي علي جنس الحنطة و الشعير و نحوهما مع عدم صدق التعريف عليه و إطلاق المثلي علي الجنس باعتبار مثلية أنواعه أو أصنافه و إن لم يكن بعيدا إلا أن انطباق التعريف علي الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا إلا أن يهملوا خصوصيات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة و نقصانها كما التزمه بعضهم. غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيات عند أداء المثل عوضا عن التالف- أو القرض و هذا أبعد- هذا مضافا إلي أنه يشكل اطراد التعريف بناء علي هذا بأنه إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيا فإنه قل ما يتفق ذلك في الصنف الواحد من النوع لأن أشخاص ذلك الصنف لا تكاد تتساوي في القيمة لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة و نقصانها كما لا يخفي و إن أريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة و إن لم تتساو حقيقة تحقق ذلك في أكثر القيميات فإن لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها و لذا اختار العلامة في باب القرض من التذكرة علي ما حكي عنه أن ما يصح فيه السلم من القيميات مضمون في القرض بمثله. و قد عد الشيخ في المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات مع أن كل نوع منهما مشتمل علي أصناف متقاربة في القيمة بل متساوية عرفا ثم لو فرض أن الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيمية عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثلية لم يوجب ذلك إصلاح طرد التعريف. نعم يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمه الحكم بضمان المثلي
المكاسب، ج‌2، ص 106
بالمثلي و القيمي بالقيمة ثم إنه قد عرف المثلي بتعاريف أخر أعم من التعريف المتقدم أو أخص. فعن التحرير أنه ما تماثلت أجزاؤه و تقاربت صفاته و عن الدروس و الروضة البهية أنه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات و عن المسالك و الكفاية أنه أقرب التعريفات إلي السلامة و عن غاية المراد ما تساوت أجزاؤه في الحقيقة النوعية و عن بعض العامة أنه ما قدر بالكيل أو الوزن. و عن آخر منهم زيادة جواز بيعه سلما- . و عن ثالث منهم زيادة جواز بيع بعضه ببعض- . إلي غير ذلك مما حكاه في التذكرة عن العامة. ثم لا يخفي أنه ليس للفظ المثلي حقيقة شرعية و لا متشرعة و ليس المراد معناه اللغوي إذ المراد بالمثل لغة المماثل فإن أريد من جميع الجهات فغير منعكس و إن أريد من بعضها فغير مطرد و ليس في النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتي يبحث عنه. نعم وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم علي أن المثلي يضمن بالمثل و غيره بالقيمة و من المعلوم أنه لا يجوز الاتكال في تعيين معقد الإجماع علي قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين- و حينئذ فينبغي أن يقال كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا إشكال في ضمانه بالمثل للإجماع. و يبقي ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين فإن صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميات- و ظاهر غيره كونهما مثليين و كذا الحديد و النحاس و الرصاص فإن ظواهر عبائر المبسوط و الغنية و السرائر كونها قيمية. و عبارة التحرير صريحة في كون أصولها مثلية و إن كان المصوغ منها قيميا. و قد صرح الشيخ في المبسوط بكون الرطب و العنب قيميين و التمر و الزبيب مثليين و قال في محكي المختلف إن في الفرق إشكالا بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب و العنب مثليين. و قد حكي عن موضع من جامع المقاصد أن الثوب مثلي و المشهور خلافه و أيضا فقد مثلوا للمثلي بالحنطة و الشعير و لم يعلم أن المراد نوعهما أو كل صنف- و ما المعيار في الصنف و كذا التمر و الحاصل أن موارد عدم تحقق الإجماع علي المثلية فيها كثيرة- فلا بد من ملاحظة أن الأصل الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو بالقيمة أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل و القيمة و لا يبعد أن يقال إن الأصل هو تخيير الضامن لأصالة براءة ذمته عما زاد علي ما يختاره فإن فرض إجماع علي خلافه فالأصل تخيير المالك لأصالة عدم براءة ذمته بدفع ما لا يرضي به المالك مضافا إلي عموم علي اليد ما أخذت حتي تؤدي فإن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين خرج ما إذا رضي المالك بشي‌ء آخر و الأقوي تخيير المالك من أول الأمر لأصالة الاشتغال و التمسك بأصالة البراءة لا يخلو من منع. نعم يمكن أن يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال و الإجماع علي عدم تخيير المالك التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين أعني تعين المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة و لا للضامن الامتناع و بين تعيين القيمة كذلك فلا متيقن في البين و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح- فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوي فتأمل هذا و لكن يمكن أن يقال- إن القاعدة المستفاد من إطلاقات الضمان- في المغصوبات و الأمانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل لأنه أقرب إلي التالف من حيث المالية و الصفات ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما- لأنهما أقرب من حيث المالية- لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما و لأجل الاتكال علي هذا الظهور لا تكاد تظفر علي مورد واحد من هذه الموارد علي كثرتها قد نص المشهور فيه علي ذكر المضمون به بل كلها إلا ما شذ و ندر قد أطلق فيها الضمان فلو لا الاعتماد علي ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان. و قد استدل في المبسوط و الخلاف علي ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة بقوله تعالي فَمَنِ اعْتَدي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ بتقريب أن مماثل ما اعتدي هو المثل في المثلي و القيمة في غيره و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل و ربما يناقش في الآية بأن مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء لا المعتدي به و فيه نظر. نعم الإنصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليها- بالقول المشهور لأن مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة و المالية- و هذا يقتضي اعتبار المثل حتي في القيميات سواء وجد المثل
فيها أم لا أما مع وجود المثل فيها كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات فإن مقتضي العرف و الآية إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك و لو بأضعاف قيمته و دفعه إلي مالك الذراع المتلف مع أن القائل بقيمية الثوب لا يقول به- و كذا لو أتلف عليه عبدا و له في ذمة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف فإنهم لا يحكمون بالتهاتر القهري كما يشهد به ملاحظ كلماتهم في بيع عبد من عبدين. نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس و المسالك إلي جواز رد العين المقترضة إذا كانت قيمية لكن لعله من جهة صدق أداء القرض بأداء العين لا من جهة ضمان القيمي بالمثل و لذا اتفقوا علي عدم وجوب قبول غيرها و إن كان مماثلا لها من جميع الجهات. و أما مع عدم وجود المثل للقيمي التالف فمقتضي الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر كما لو تعذر المثل في المثلي فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي و لا يقولون به و أيضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا فمقتضي ذلك عدم جواز إلزام المالك بالمثل لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة و المالية- مع أن المشهور كما يظهر من بعض إلزامه به و إن قوي خلافه بعض بل ربما احتمل جواز دفع المثل و لو سقط المثل عن القيمة بالكلية و إن كان الحق خلافه- فنبين أن النسبة بين مذهب المشهور و مقتضي العرف و الآية عموم من وجه فقد يضمن بالمثل بمقتضي الدليلين- و لا يضمن به عند المشهور كما في المثالين المتقدمين. و قد ينعكس الحكم كما في المثال الثالث و قد يجتمعان في المضمون به كما في أكثر الأمثلة ثم إن الإجماع علي ضمان القيمي بالقيمة علي تقدير تحققه لا يجدي بالنسبة إلي ما لم يجمعوا علي كونه قيميا ففي موارد الشك يجب الرجوع إلي المثل بمقتضي الدليل السابق و عموم الآية بناء علي ما هو الحق المحقق من أن العام المخصص بالمجمل مفهوما المردد بين الأقل و الأكثر
المكاسب، ج‌2، ص 107
لا يخرج عن الحجية بالنسبة إلي موارد الشك. فحاصل الكلام أن ما أجمع علي كونه مثليا يضمن بالمثل مع مراعاة الصفات التي يختلف فيها الرغبات و إن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه عن قيمة التالف بناء علي تحقق الإجماع علي إهمال هذا التفاوت مضافا إلي الخبر الوارد في أن الثابت في ذمة من اقترض دراهم و أسقطها السلطان و روج غيرها هي الدراهم الأولي و ما أجمع علي كونه قيميا يضمن بالقيمة بناء علي ما سيجي‌ء من الاتفاق علي ذلك و إن وجد مثله- أو كان مثله في ذمة الضامن و ما شك في كونه قيميا أو مثليا يلحق بالمثلي مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع و التالف و مع الاختلاف الحق بالقيمي فتأمل.

الخامس ذكر في القواعد أنه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل

ففي وجوب الشراء تردد انتهي. أقول كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل- بأن صارت قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه فالظاهر أنه لا إشكال في وجوب الشراء و لا خلاف كما صرح به في الخلاف حيث قال إذا غصب ماله مثل الحبوب و الأدهان فعليه مثل ما تلف في يده يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف و في المبسوط يشتريه بأي ثمن كان إجماعا انتهي. و وجهه عموم النص و الفتوي بوجوب المثل في المثلي و يؤيده فحوي حكمهم بأن تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال إلي القيمة بل ربما احتمل بعضهم ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن المالية كالماء علي الشاطئ و الثلج في الشتاء و إما إن كانت لأجل تعذر المثل و عدم وجدانه إلا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس مع وصف الإعواز بحيث يعد بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا عرفا. فالظاهر أن هذا هو المراد بعبارة القواعد لأن الثمن في الصورة الأولي ليس بأزيد من ثمن المثل بل هو ثمن المثل و إنما زاد علي ثمن التالف يوم التلف فحينئذ يمكن التردد في الصورة الثانية كما قيل من أن الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة في الكفارة و الهدي و أنه يمكن معاندة البائع و طلب أضعاف القيمة و هو ضرر و لكن الأقوي مع ذلك وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد بل إطلاق السرائر و نفي الخلاف المتقدم عن الخلاف لعين ما ذكر في الصورة الأولي ثم إنه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره و لا بين كون قيمته في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف أم لا وفاقا لظاهر المحكي عن التحرير و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد. و في السرائر أنه الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلة و أصول المذهب و هو كذلك لعموم الناس مسلطون علي أموالهم هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة و أما مع تعذره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.

السادس لو تعذر المثل في المثلي

اشارة

السادس لو تعذر المثل في المثلي
فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك لأن منع المالك ظلم- و إلزام الضامن بالمثل منفي بالتعذر فوجبت القيمة جمعا بين الحقين مضافا إلي قوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ فإن الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه أزيد مما اعتدي و أما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل علي إلزامه بقبول القيمة لأن المتيقن أن دفع القيمة علاج لمطالبة المالك و جمع بين حق المالك بتسليطه علي المطالبة و حق الضامن لعدم تكليفه بالتعذر و المعسور أما مع عدم المطالبة فلا دليل علي سقوط حقه عن المثل. و ما ذكرنا يظهر من المحكي عن التذكرة و الإيضاح حيث ذكرا في رد بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذر المثل ما لفظه أن المثل لا يسقط بالإعواز أ لا تري أن المغصوب منه لو صبر إلي زمان وجدان المثل ملك المطالبة و إنما المصير إلي القيمة وقت تغريمها انتهي. لكن أطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل و لعلهم يريدون صورة المطالبة و إلا فلا دليل علي الإطلاق و يؤيد ما ذكرنا- أن المحكي عن الأكثر في باب القرض أن المعتبر في المثلي المتعذر قيمته يوم المطالبة. نعم عبر بعضهم بيوم الدفع فليتأمل و كيف كان فلنرجع إلي حكم المسألة فنقول إن المشهور أن العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمته هو يوم الدفع لأن المثلي ثابت في الذمة إلي ذلك الزمان و لا دليل علي سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر أدائه. و قد صرح بما ذكرنا المحقق الثاني و قد عرفت من التذكرة و الإيضاح ما يدل عليه- و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو للحلي في البيع الفاسد و التحرير في باب القرض و المحكي عن المسالك لأنه وقت الانتقال إلي القيمة و يضعفه أنه إن أريد بالانتقال- انقلاب ما في الذمة إلي القيمة في ذلك الوقت فلا دليل عليه و إن أريد عدم وجوب إسقاط ما في الذمة إلا بالقيمة فوجوب الإسقاط بها و إن حدث يوم التعذر مع المطالبة إلا أنه لو أخر الإسقاط بقي المثل في الذمة إلي تحقق الإسقاط و إسقاطه في كل زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان و ليس في الزمان الثاني مكلفا بما صدق عليه الإسقاط في الزمان الأول هذا و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلي ما تقدم سابقا من الآية و من أن المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلي أقرب الأموال إلي التالف بعد تعذر المثل توجه القول بصيرورة التالف قيميا بمجرد تعذر المثل إذ لا فرق في تعذر المثل بين تحققه ابتداء كما في القيميات- و بين طروه بعد التمكن كما في ما نحن فيه. و دعوي اختصاص الآية و إطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداء لا يخلو عن تحكم- ثم إن في المسألة احتمالات أخر- ذكر أكثرها في القواعد و قوي بعضها في الإيضاح و بعضها بعض الشافعية و حاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها أنه إما أن نقول باستقرار المثل في الذمة إلي أوان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الذي اخترناه- تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الإقباض و ذكره في القواعد خامس الاحتمالات و إما أن نقول بصيرورته قيميا عند الإعواز فإذا صار كذلك فإما أن نقول إن المثل المستقر في الذمة قيمي فتكون القيمية صفة للمثل بمعني أنه لو تلف وجبت قيمته و إما أن نقول إن المغصوب انقلب قيميا بعد أن كان مثليا. فإن قلنا بالأول فإن جعلنا الاعتبار في القيمي بيوم التلف كما هو أحد الأقوال كان المتعين قيمة المثل يوم الإعواز كما صرح به في السرائر في البيع الفاسد و التحرير في باب القرض لأنه يوم تلف القيمي و إن جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما
المكاسب، ج‌2، ص 108
هو القول الآخر في القيمي كان المتجه اعتبار زمان تلف العين لأنه أول أزمنة وجوب المثل في الذمة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه و هذا مبني علي القول بالاعتبار في القيمي بوقت الغصب كما عن الأكثر و إن جعلنا الاعتبار فيه بأعلي القيم من زمان الضمان إلي زمان التلف كما حكي عن جماعة من القدماء في الغصب كان المتجه الاعتبار بأعلي القيم من يوم تلف العين إلي زمان الإعواز و ذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات. و إن قلنا إن التالف انقلب قيميا احتمل الاعتبار بيوم الغصب كما في القيمي المغصوب و الاعتبار بالأعلي منه إلي يوم التلف و ذكر هذا أول الاحتمالات في القواعد. و إن قلنا إن المشترك بين العين و المثل صار قيميا جاء احتمال الاعتبار بالأعلي من يوم الضمان إلي يوم تعذر المثل لاستمرار الضمان فيما قبله من الزمان إما للعين و إما للمثل فهو مناسب لضمان الأعلي من حين الغصب إلي التلف و هذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات و احتمل الاعتبار بالأعلي من يوم الغصب إلي دفع المثل- و وجهه في محكي التذكرة و الإيضاح بأن المثل لا يسقط بالإعواز قالا أ لا تري أنه لو صبر المالك إلي وجدان المثل استحقه- فالمصير إلي القيمة عند تغريمها و القيمة الواجبة علي الغاصب أعلي القيم. و حاصله أن وجوب دفع قيمة المثلي يعتبر من زمن وجوبها أو وجوب مبدلها أعني العين فيجب أعلي القيم منهما فافهم. إذا عرفت هذا فاعلم أن المناسب لإطلاق كلامهم- لضمان المثل في المثلي هو أنه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة غاية الأمر يجب إسقاطه مع مطالبة المالك فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة إلا يوم الإسقاط و تفريغ الذمة و أما بناء علي ما ذكرنا من أن المتبادر من أدلة الضمان التغريم بالأقرب إلي التالف فالأقرب كان المثل مقدما مع تيسره و مع تعذره ابتداء كما في القيمي أو بعد التمكن كما فيما نحن فيه كان المتعين هو القيمة فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا و هو حال الإعواز فحال الإعواز معتبر من حيث إنه أول أزمنة صيرورة التالف قيميا لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين فعلي القول باعتبار يوم التلف في القيمي توجه ما اختاره الحلي رحمه الله. و لو قلنا بضمان القيمي بأعلي القيم من حين الغصب إلي حين التلف- كما عليه جماعة من القدماء توجه ضمانه فيما نحن فيه بأعلي القيم من حين الغصب إلي زمان الإعواز إذ كما أن ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذر أدائها المتدارك لارتفاع القيم كذلك يشترط تعذر المثل في المثلي إذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية- و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثلية كان أداء مثلها عند تلفها كرد عينها في إلغاء ارتفاع القيم فاستقرار ارتفاع القيم إنما يحصل بتلف العين و المثل. فإن قلنا إن تعذر المثل يسقط المثل كما أن تلف العين يسقط العين توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلي زمان الإعواز و هو أصح الاحتمالات في المسألة عند الشافعية علي ما قيل. و إن قلنا إن تعذر المثل لا يسقط المثل و ليس كتلف العين كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذر المثل أيضا مضمونا فيتوجه ضمان القيمة من حين الغصب إلي حين دفع القيمة و هو المحكي عن الإيضاح و هو أوجه الاحتمالات علي القول بضمان ارتفاع القيمة مراعي بعدم رد العين أو المثل. ثم اعلم أن العلامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات أنه لو تلف المثلي و المثل موجود ثم أعوز ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ تعذر المثل بعد وجود المثل في بعض أزمنة التلف لا ما تعذر فيه المثل ابتداء. و عن جامع المقاصد أنه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف و لعله لعدم تنجز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات و يمكن أن يخدش فيه بأن التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمة ابتداء كما لا يشترط في استقراره استدامة علي ما اعترف به مع طرو التعذر بعد التلف و لذا لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض. و بالجملة فاشتغال الذمة بالمثل إن قيد بالتمكن لزم الحكم بارتفاعه بطروء التعذر و إلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من أول الأمر إلا أن يقال إن أدلة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكن و إن لم يكن مشروطا به عقلا فلا تعم صورة العجز. نعم إذا طرأ العجز فلا دليل علي سقوط المثل و انقلابه قيميا- و قد يقال علي المحقق المذكور إن اللازم مما ذكره أنه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ القيمة
لم يكن له المطالبة و لا أظن أحدا يلتزمه و فيه تأمل. ثم إن المحكي عن التذكرة أن المراد بإعواز المثل أن لا يوجد في البلد و ما حوله و زاد في المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في الانقطاع المسلم فيه- . و عن جامع المقاصد الرجوع فيه إلي العرف و يمكن أن يقال- إن مقتضي عموم وجوب أداء مال الناس و تسليطهم علي أموالهم أعيانا كانت أم في الذمة وجوب تحصيل المثل كما كان يجب رد العين أينما كانت و لو كانت في تحصيلها مئونة كثيرة و لذا كان يجب تحصيل المثل بأي ثمن كان و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة نعم لو انعقد الإجماع علي ثبوت القيمة عند الإعواز تعين ما عن جامع المقاصد- كما أن المجمعين إذا كانوا بين معبر بالإعواز و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع إلي الأخص و هو المتعذر لأنه المجمع عليه. نعم ورد في بعض أخبار السلم أنه إذا لم يقدر المسلم إليه- علي إيفاء المسلم فيه تخير المشتري. و من المعلوم أن المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلي المتوقف علي استحالة النقل من بلد آخر بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه ثم إن في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالا من حيث إن العبرة بفرض وجوده و لو في غاية العزة كالفاكهة في أول زمانها أو آخره- أو وجود المتوسط الظاهر هو الأول لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلا إذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون في هذا الجنس بمقتضي رغبتهم. نعم لو ألجأ إلي شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه إلا أن يبذله بإزاء عتاق الخيل و شبهها فإن الراغب في الجمد في العراق من حيث إنه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه و إنما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالإهداء إلي سلطان قادم إلي العراق مثلا أو معالجة مشرف علي الهلاك و نحو ذلك من الأغراض و لذا لو وجد
المكاسب، ج‌2، ص 109
هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذر كما ذكرنا في المسألة الخامسة. فكل موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه ثم إنك قد عرفت أن للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه و لو كان في غير بلد الضمان و كانت قيمة المثل هناك أزيد و أما مع تعذره و كون قيمة المثل في بلد التلف مخالفا لها في بلد المطالبة فهل له المطالبة بأعلي القيمتين أم يتعين قيمة بلد المطالبة أم بلد التلف وجوه. و فصل الشيخ في المبسوط في باب الغصب بأنه إن لم يكن في نقله مئونة فإن كالنقدين فله المطالبة بالمثل سواء أ كانت القيمتان مختلفتين أم لا و إن كان في نقله مئونة فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا لأنه لا ضرر عليه في ذلك و إلا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتي يوفيه بذلك البلد ثم قال إن الكلام في القرض كالكلام في الغصب و حكي نحو هذا عن القاضي أيضا فتدبر. و يمكن أن يقال إن الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم علي القول به مع الإطلاق لانصراف العقد إليه و ليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف- . بقي الكلام في أنه هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة كالماء علي الشاطئ إذا تلفه في مفازة و الجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف أم لا الأقوي بل المتعين هو الأول بل حكي عن بعض نسبته إلي الأصحاب و غيرهم. و المصرح به في محكي التذكرة و الإيضاح و الدروس قيمة المثل في تلك المفازة و يحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل فيه عن المالية.

فرع- لو دفع القيمة في المثلي المتعذر مثله ثم تمكن من المثل

فالظاهر عدم عود المثل في ذمته وفاقا للعلامة رحمه الله- و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة لأن المثل كان دينا في الذمة سقط بأداء عوضه مع التراضي فلا يعود كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده هذا علي المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالإعواز و أما علي القول بسقوطه و انقلابه قيميا. فإن قلنا بأن المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله- فأولي بالسقوط لأن المدفوع نفس ما في الذمة. و إن قلنا إن المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا احتمل وجوب المثل عند وجوده لأن القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل و سيأتي أن حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

السابع- لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا

اشارة

فقد حكي الاتفاق علي كونه مضمونا بالقيمة و تدل عليه الأخبار المتفرقة في كثير من القيميات فلا حاجة إلي التمسك بصحيحة أبي ولاد الآتية في ضمان البغل و لا بقوله ع: من أعتق شقصا من عبد قوم عليه بل الأخبار كثيرة بل قد عرفت أن مقتضي إطلاق أدلة الضمان في القيميات هو ذلك بحسب المتعارف إلا أن المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا بل يمكن دعوي انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما لصورة تعذر المثل كما هو الغالب- فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي و إن فرض تيسر المثل له كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه و كما لو أتلف عليه ذراعا من مائه ذراع كرباس منسوج علي طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلا هو الإجماع كما يستظهر. و علي تقديره ففي شموله لصورة تيسر المثل من جميع الجهات تأمل خصوصا مع الاستدلال عليه كما في الخلاف و غيره بقوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ بناء علي أن القيمة مماثلة للتالف في المالية فإن ظاهر ذلك جعلها- من باب الأقرب إلي التالف بعد تعذر المثل و كيف كان فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي. و عن الشيخ و المحقق في الخلاف و الشرائع في باب القرض فإن أرادوا ذلك مطلقا حتي مع تعذر المثل فتكون القيمة عندهم بدلا عن المثل حتي يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا في مسألة تعين القيمة متفرعا علي هذا القول فترده إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة منها صحيحة أبي ولاد الآتية. و منها رواية العبد. و منها ما دل علي أنه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من ذمته بحساب ذلك فلو لا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرد ضمان التالف. و منها غير ذلك من الأخبار الكثيرة. و إن أرادوا أنه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا نظرا إلي ظاهر آية الاعتداء و نفي الضرر لأن خصوصيات الحقائق قد تقصد اللهم إلا أن يحقق إجماع علي خلافه و لو من جهة أن ظاهر كلمات هؤلاء إطلاق القول بضمان المثل فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا في المسألة ثم إنهم اختلفوا في تعين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد. فالمحكي في غاية المراد عن الشيخين و أتباعهما تعين قيمة يوم التلف و عن الدروس و الروضة نسبته إلي الأكثر. و الوجه فيه علي ما نبه عليه جماعة منهم العلامة في التحرير أن الانتقال إلي البدل إنما هو يوم التلف إذ الواجب قبله هو رد العين و ربما يورد عليه- أن يوم التلف يوم الانتقال إلي القيمة أما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا و يدفع بأن معني ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته و معني ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف حتي يكون عند التلف كأنه لم يتلف- و تداركه ببدله علي هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه. و مما ذكرنا ظهر أن الأصل في ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف فإن خرج المغصوب من ذلك مثلا فبدليل خارج. نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوي الاتفاق علي كون المبيع فاسدا بمنزلة المغصوب إلا في ارتفاع الإثم ألحقناه بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل بل يمكن أن يقال إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي ولاد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف إذ يلزم حينئذ أن يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف لما ذكرنا من أن معني التدارك الالتزام بقيمته يوم وجوب التدارك. نعم لو فرضت دلالة الصحيحة علي وجوب أعلي القيم أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد علي مقتضي التدارك مؤاخذة له بأشق الأحوال.

فالمهم حينئذ صرف الكلام إلي معني الصحيحة بعد ذكرها

ليلحق به البيع الفاسد إما لما ادعاه الحلي- و إما لكشف الصحيحة عن معني التدارك و الغرامة في المضمونات. و كون العبرة في جميعها بيوم الضمان كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد
المكاسب، ج‌2، ص 110
و حيث إن الصحيحة مشتملة علي أحكام كثيرة و فوائد خطيرة فلا بأس بذكرها جميعا- و إن كان الغرض متعلقا ببعضها. فروي الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن أبي ولاد قال: اكتريت بغلا إلي قصر بني هبيرة- ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلما صرت إلي قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه نحو النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت أنه توجه إلي بغداد فاتبعته فظفرت به و فرغت فيما بيني و بينه و رجعت إلي الكوفة و كان ذهابي و مجي‌ء خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلل منه فيما صنعت و أرضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال لي ما صنعت بالبغل فقلت قد رجعته سليما قال نعم بعد خمسة عشر يوما قال فما تريد من الرجل قال أريد كري بغلي فقد حبسه علي خمسة عشر يوما فقال إني ما أري لك حقا لأنه اكتراه إلي قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلي النيل و إلي بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكري فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكري قال فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع فرحمت مما أفتي به أبو حنيفة و أعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله ع بما أفتي به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركاتها [قال فقلت لأبي عبد الله ع فما تري أنت جعلت فداك قال ع أري له عليك مثل كري البغل ذاهبا من الكوفة إلي النيل [و مثل كري البغل ذاهبا من النيل إلي بغداد و مثل كري البغل من بغداد إلي الكوفة و توفيه إياه قال قلت جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه قال لا لأنك غاصب فقلت أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني- قال نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر فقال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك قال أنت و هو إما يحلف هو علي القيمة فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك قلت إني أعطيته دراهم و رضي بها و حللني قال إنما رضي فأحلك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه و أخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شي‌ء عليك بعد ذلك إلخ و محل الاستشهاد فيها فقرتان الأولي قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته إلي ما بعد فإن الظاهر أن اليوم قيد للقيمة إما بإضافة القيمة المضافة إلي البغل إليه- ثانيا يعني قيمة يوم المخالفة للبغل فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة لا لأن ذا القيمة بغل غير معين حتي توهم الرواية مذهب من جعل القيمي مضمونا بالمثل و القيمة إنما هي قيمة المثل و إما بجعل اليوم قيدا للاختصاص- الحاصل من إضافة القيمة إلي البغل و أما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله ع نعم القائم مقام قوله ع يلزمك يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فبعيد جدا بل غير ممكن لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان كما يدل عليه أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته. و قد أطنب بعض في جعل الفقرة ظاهرة في تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه و لم يأت بشي‌ء يساعده التركيب اللغوي و لا التفاهم العرفي. الثانية قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوي فيه لعدم الاعتبار به فلا بد أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة بناء علي أنه يوم الاكتراء لأن الظاهر من صدر الرواية- أنه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة و من المعلوم أن اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة إنما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة. و أما قوله ع في جواب السؤال عن إصابة العيب عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده فالظرف متعلق بعليك لا قيد للقيمة إذ لا عبرة
في أرش العيب بيوم الرد إجماعا- لأن النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين فالمعني عليك أداء الأرش يوم رد البغلة و يحتمل أن يكون قيدا للعيب. و المراد العيب الموجود في يوم الرد لاحتمال ازدياد العيب إلي يوم الرد فهو مضمون دون العيب القليل الحادث أولا لكن يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلي يوم الرد و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لأن المعيب لو رد إلي الصحة أو نقص- لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي- فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف أيضا فتعين تعلقه بقوله ع عليك- . و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب قيمة التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض في الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل الغصب و يحتمل يوم حدوث العيب- الذي هو يوم تلف وصف الصحة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات و المعاوضات و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له في اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا أيضا علي ذلك. نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنه لا يبعد أن يكون مبني الحكم في الرواية علي ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام أن العبرة بقيمة ما اشتري به البغل و إن نقص بعد ذلك لأنه خسر المبلغ الذي اشتري به البغلة.
و يؤيده التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية بيوم الاكتراء فإن فيه إشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة من حيث إنه يوم المخالفة إلا أن يقال إن الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه علي سهولة إقامة الشهود علي قيمته في زمان الاكتراء لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس- و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث إنه زمان المخالفة فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة بل للتنبيه علي سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين- في مقابل قول السائل و من يعرف ذلك فتأمل. و يؤيده أيضا قوله ع فيما بعد في جواب قول السائل و من يعرف ذلك قال أنت و هو إما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك فإن رد اليمين عليك فحلفت له لزمه أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فيلزمك
المكاسب، ج‌2، ص 111
فإن العبرة لو كانت بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك- مع كونه مخالفا للأصل ثم لا وجه لقبول بينته لأن من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه. و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الذي يرضي به المحلوف له و يصدقه فيه من دون محاكمة و التعبير برده اليمين علي الغاصب من جهة أن المالك أعرف بقيمة بغله فكان الحلف حقا له ابتداء خلاف الظاهر و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف- فإنه يمكن أن يحمل توجه اليمين علي المالك علي ما إذا اختلفا في تنزل القيمة يوم التلف مع اتفاقهما أو الاطلاع من الخارج علي قيمته سابقا و لا شك حينئذ أن القول قول المالك و يكون سماع البينة في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا- مع اتفاقهما علي بقائه عليها إلي يوم التلف و فتكون الرواية قد تكلفت لحكم صورتين من صور تنازعهما. و يبقي بعض الصور مثل دعوي المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة و لعل حكمها أعني حلف الغاصب- يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية و أما علي تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة فلا بد من حمل الرواية علي ما إذا اتفقا علي قيمة اليوم السابق علي يوم المخالفة أو اللاحق له فادعي الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة و لا يخفي بعده و أبعد منه حمل النص علي التعبد و جعل الحكم مخصوصا في الدابة المغصوبة أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا و فتوي من كون البينة علي المدَّعي و اليمين علي من أنكر كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة و الغصب- و أضعف من ذلك الاستشهاد بالرواية علي اعتبار أعلي القيم من حين الغصب إلي التلف كما حكي عن الشهيد الثاني إذ لم يعلم لذلك وجه صحيح و لم أظفر بمن وجه دلالتها علي هذا المطلب. نعم استدلوا علي هذا القول بأن العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته و فيه أن ضمانها في تلك الحال إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه مسلم إذ تداركه لا يكون إلا بذلك لكن المفروض أنها لم تتلف فيه و إن أريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلا و إن تنزلت بعد ذلك فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين و إن أريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعي بالتلف فهو و إن لم يخالف الاتفاق إلا أنه مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل عدا ما حكاه في الرياض عن خاله العلامة قدس الله تعالي روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل علي المالك و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر. نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة بأن العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة فكما أنه إذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة فكذا إذا حيل بينها و بين المالك حتي تلفت إذ لا فرق مع عدم التمكن منها بين إن تتلف أو تبقي نعم لو ردت فتتدارك تلك المالية بنفس العين و ارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا و إنما هو مقوم لمالية المال و به تمايز الأموال كثرة و قلة. و الحاصل أن للعين في كل زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية أزيلت يد المالك منها و انقطعت سلطنته عنها فإن ردت العين فلا مال سواها يضمن- و إن تلفت استقرت عليا تلك المراتب لدخول الأدني تحت الأعلي- نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادة حيث إنه يضمن الأعلي منها- و لأجل ذلك استدل العلامة في التحرير- للقول باعتبار يوم الغصب بقوله لأنه زمان إزالة يد المالك. و نقول في توضيحه إن كل زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين علي حسب ماليته- ففي زمان أزيلت من مقدار درهم و في آخر عن درهمين و في ثالث عن ثلاثة فإذا استمرت الإزالة إلي زمان التلف وجبت غرامة أكثرها فتأمل. و استدل في السرائر و غيرها علي هذا القول- بأصالة الاشتغال ذمته بحق المالك و لا تحصل البراءة إلا بالأعلي و قد يجاب بأن الأصل في المقام البراءة حيث إن الشك في التكليف بالزائد. نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد ثم إنه حكي عن المفيد و القاضي و الحلبي الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض إلي حكم المشتري و لم يعلم له وجه و لعلهم يريدون به يوم القبض لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض فافهم ثم إنه
لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف علي جميع الأقوال إلا أنه تردد فيه في الشرائع و لعله كما قيل- من جهة احتمال كون القيمي مضمونا بمثله و دفع القيمة إنما هو لإسقاط المثل- . و قد تقدم أنه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوي ثم إن ما ذكرنا من الخلاف إنما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة و أما إذا كان بسبب الأمكنة كما إذا كان في محل الضمان بعشرة و في مكان التلف بعشرين و في مكان المطالبة بثلاثين فالظاهر اعتبار محل التلف لأن مالية الشي‌ء تختلف بحسب الأماكن و تداركه بحسب ماليته ثم إن جميع ما ذكرنا من الخلاف- إنما هو في ارتفاع القيمة السوقية الناشئة من تفاوت رغبة الناس و أما إذا كان حاصلا من زيادة في العين فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان أعلي القيم و في الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة و إنما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه- النازلة منزلة الجزء الفائت. نعم يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة فإن العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها أو أعلي القيم ثم إن في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذر الوصول إليها و إن لم تهلك كما لو سرقت أو غرقت أو ضاعت أو أبقت لما دل علي الضمان بهذه الأمور في باب الأمانات المضمونة. و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه- أو بعدم رجاء وجدانه أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها أو و لو كانت قصيرة وجوه- . ظاهر أدلة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الأولين- لكن ظاهر إطلاق الفتاوي الأخير كما يظهر من إطلاقهم أن اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل إلي قيمته إلي أن تبلغ الساحل. و يؤيده أن فيه جمعا بين
المكاسب، ج‌2، ص 112
الحقين بعد فرض رجوع القيمة إلي ملك الضامن عند التمكن من العين فإن تسلط الناس علي مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه نظير ما تقدم في تسلطه علي مطالبة القيمة للمثل المتعذر في المثلي. نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك علي أداء القيمة أشكل الحكم- ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف- بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعي لكن ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذر- و هو الأوفق بأصالة عدم تسلط المالك علي أزيد من إلزامه برد العين فتأمل و لعل المراد به التعذر في الحال و إن كان لتوقفه علي مقدمات زمانية يتأخر لأجلها ذو المقدمة ثم إن ثبوت القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقا للضامن فلا يجوز للمالك الامتناع بل له أن يمتنع من أخذها و يصبر إلي زوال العذر كما صرح به الشيخ في المبسوط. و يدل عليه قاعدة تسلط الناس علي أموالهم و كما أن تعذر رد العين في حكم التلف فكذا خروجه عن التقويم ثم إن المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في المبسوط و الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين. و لعل الوجه فيه أن التدارك لا يتحقق إلا بذلك- و لو لا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة في الملكية لاحتملنا أن يكون مباحا له إباحة مطلقة و إن لم يدخل في ملكه نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة علي القول بها فيها و يكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين- . و حكي الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي رحمه الله في أجوبة مسائله و علي أي حال فلا تنتقل العين إلي الضامن فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه و دخول العين في ملكه و ليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض و المعوض فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له. و قد استشكل في ذلك المحقق و الشهيد الثانيان قال الأول في محكي جامعه إن هنا إشكالا فإنه كيف تجب القيمة و يملكها الآخذ و تبقي العين علي ملكه و جعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه انتهي و قال الثاني إن هذا لا يخلو عن إشكال من حيث اجتماع العوض و المعوض علي ملك المالك من دون دليل واضح- و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا و توقف تملك المغصوب منه للبدل علي اليأس من العين و إن جاز له التصرف كان وجها في المسألة انتهي و استحسنه في محكي الكفاية

[الكلام في بدل الحيلولة]

أقول الذي ينبغي أن يقال هنا إن معني ضمان العين ذهابها من مال الضامن و لازم ذلك إقامة مقابلها من ماله مقامها- ليصدق ذهابها من كيسه ثم إن الذهاب إن كان علي وجه التلف الحقيقي أو العرفي المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابلها من ماله مقامها في الملكية و إن كان الذهاب بمعني انقطاع سلطنته عنها و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكية- وجب قيام مقابلها مقامها في السلطنة لا في الملكية ليكون مقابل و تداركا للسلطنة الفائتة- فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك في هذه الصورة- . نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة علي الملك لتوقف بعض التصرفات عليه وجب تملكه للمبذول تحقيقا لمعني التدارك و الخروج عن العهدة و علي أي تقدير فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة علي ملك مالكها- إنما الكلام في البدل المبذول و لا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة- و بالسلطنة المطلقة عليها و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ إلي أن إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك هل تستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التصرف و قد تقدم في المعاطاة بيان ذلك ثم إنه قد تحصل مما ذكرنا أن تحقيق ملكية البدل- أو السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين علي ملك مالكها إنما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا- أما لو لم يفت إلا بعض ما ليس به قوام الملكية فالتدارك لا يقتضي ملكه و لا السلطنة المطلقة علي البدل. و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذ- لم يبعد انكشاف ذلك عن انتقال العين إلي الغارم و لذا استظهر غير واحد أن الغارم لقيمة الحيوان الذي وطئه يملكه لأنه و إن وجب بالوطء نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر لكن هذا لا يعد فواتا لما به قوام المالية هذا كله مع انقطاع السلطنة مع بقائها علي مقدار ماليتها السابقة أما لو خرجت عن التقويم مع بقائها علي صفة الملكية- . فمقتضي قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين علي ملك المالك به لأن القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن التقويم لا عوض عن العين نفسها كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب فإن بقاءها علي ملك مالكها لا ينافي معني الغرامة لفوات معظم الانتفاعات به فيقوي عدم جواز المسح بها إلا بإذن المالك و لو ببذل القيمة. قال في القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة و لو طلب المالك نزعها و إن أفضي إلي التلف وجب ثم يضمن الغاصب النقص و لو لم تبق لها قيمة غرم جميع القيمة انتهي و عطف علي ذلك في محكي جامع المقاصد قوله و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين و لو استوعبت القيمة أخذها و لم تدفع العين انتهي و عن المسالك في هذه المسألة أنه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين و القيمة لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة اختيار عدم وجوب النزع بل قال يمكن أن لا يجوز و تتعين القيمة لكونه بمنزلة التلف- و حينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط إذ لا غصب فيه يجب رده كما قيل بجواز المسح- بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل و قبل المسح انتهي. و استجوده بعض المعاصرين- ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه لصيرورته معوضا شرعا و فيه أنه لا منشأ لهذا الاقتضاء و أدلة الضمان قد عرفت أن
المكاسب، ج‌2، ص 113
محصلها يرجع إلي وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء أ كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليتها كغرق المال أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيتها و لا يخفي أن العين علي التقدير الأول- خارجة عن الملكية عرفا. و علي الثاني السلطنة المطلقة علي البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين و هذا معني بدل الحيلولة. و علي الثالث فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية كيف و لم تتلف هي و ليس لها علي تقدير التلف أيضا عهدة مالية- بل الأمر بردها مجرد تكليف لا يقابل بالمال- بل لو استلزم ردها ضررا ماليا علي الغاصب أمكن سقوطه فتأمل. و لعل ما عن المسالك من أن ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالإخراج فتتعين القيمة فقط محمول علي صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء الداخلة فيه الخشبة كما لا يأبي عنه عنوان المسألة فلاحظ و حينئذ فلا ينافي ما تقدم سابقا من بقاء الخيط علي ملك مالكه و إن وجب بذل قيمته ثم إن هنا قسما رابعا و هو ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الأولوية فيه كما لو صار الخل المغصوب خمرا. فاستشكل في القواعد وجوب ردها مع القيمة و لعله من استصحاب وجوب ردها و من أن الموضوع في المستصحب ملك المالك إذ لم يجب إلا رده و لم يكن المالك إلا أولي به إلا أن يقال إن الموضوع في الاستصحاب عرفي و لذا كان الوجوب مذهب جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني و يؤيده أنه لو عادت خلا ردت إلي المالك بلا خلاف ظاهر ثم إن مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع سواء أ كان للسوق أم للزيادة المتصلة بل المنفصلة كالثمرة و لا يضمن منافعها فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك. و عن التذكرة و بعض آخر ضمان المنافع و قواه في المبسوط بعد أن جعل الأقوي خلافه. و في موضع من جامع المقاصد أنه موضع توقف- و في موضع آخر رجح الوجوب- . ثم إن ظاهر عطف التعذر علي التلف في كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر و قبل الدفع كالحاصل بعد التلف لكن مقتضي القاعدة ضمانه له لأنه مع التلف تتعين القيمة- و لذا ليس له الامتناع من أخذها بخلاف تعذر العين فإن القيمة غير متعينة فلو صبر المالك حتي يتمكن من العين كان له ذلك و تبقي العين في عهدة الضامن في هذه المدة فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف أو أعلي القيم إليه أو يوم الغصب علي الخلاف. و الحاصل أن قبل دفع القيمة تكون العين الموجودة في عهدة الضامن فلا عبرة بيوم التعذر و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأجرة و النماء إلي دفع البدل و إن تراخي عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا فمقتضي القاعدة ضمان الارتفاع إلي يوم دفع البدل نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر في المثلي. ثم إنه لا إشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها علي مالكها كما صرح به في جامع المقاصد فورا و إن كان في إحضارها مئونة كما كان قبل التعذر لعموم: علي اليد ما أخذت حتي تؤدي و دفع البدل لأجل الحيلولة إنما أفاد خروج الغاصب عن الضمان بمعني أنه لو تلفت لم تكن عليه قيمتها بعد ذلك- و استلزم ذلك علي ما اخترناه من عدم ضمان المنافع و النماء المنفصل و المتصل بعد دفع الغرامة. و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلي فلا يجوز استصحابه- بل مقتضي الاستصحاب و العموم هو الضمان المدلول عليه المغيي في قوله ص:
علي اليد ما أخذت المغيي بقوله: حتي تؤدي و هل الغرامة المدفوعة يعود ملكها إلي الغارم بمجرد طرو التمكن فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلي القيم أو أنها باقية علي ملك مالك العين و تكون العين مضمونة بها لا بشي‌ء آخر في ذمة الغاصب فلو تلفت استقر ملك المالك علي الغرامة فلم يحدث في العين إلا حكم تكليفي بوجوب رده. و أما الضمان و عهدة جديدة فلا وجهان أظهرهما الثاني لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة و عدم طرو ما يزيل ملكيته عن الغرامة أو يحدث ضمانا جديدا و مجرد عود التمكن لا يوجب عود سلطنة المالك حتي يلزم من بقاء ملكيته علي الغرامة الجمع بين العوض و المعوض غاية ما في الباب قدرة الغاصب علي إعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة و وجوبها عليه و حينئذ فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكية المالك للغرامة. و توهم أن المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمن التعذر فلا يعود لعدم عود مبدله ضعيف في الغاية بل كان بدلا عن أصل السلطنة يعود بعودها فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه- أو خروجه عن ملكه بناقل لازم بل جائز و لا يجب رد نمائه المنفصل و لو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة أولا إذ ما لم تتحقق السلطنة لم يعد الملك إلي الغارم فإن الغرامة عوض عن السلطنة لا عوض عن قدرة الغاصب علي تحصيلها للمالك فتأمل. نعم للمالك مطالبة عين ماله- لعموم: الناس مسلطون علي أموالهم و ليس ما عنده من المال عوضا عن مطلق السلطنة- حتي سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها علي الوجه المقصود من الأملاك و لذا لا تباح لغيره بمجرد بذل الغرامة. و مما ذكرنا يظهر أيضا أنه ليس للغاصب حبس العين إلي أن يدفع المالك القيمة كما اختاره في التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد. و عن السرائر الجزم بأن له ذلك- و لعله لأن القيمة عوض إما عن العين و إما عن السلطنة عليها و علي أي تقدير فيتحقق التراد و حينئذ فلكل من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتي يتسلم ما بيد الآخر- . و فيه أن العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا و لذا تحقق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة فالمالك مسلط عليها- و المعوض للغرامة هي السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالتراد اللهم إلا أن يقال له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة و هي السلطنة الفائتة و الأقوي الأول- ثم لو قلنا
المكاسب، ج‌2، ص 114
بجواز الحبس- لو حبسها فتلفت العين محبوسة فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب لأنه حبسها بحق نعم يضمنها لأنه قبضها لمصلحة نفسه و الظاهر أنه بقيمة يوم التلف علي ما هو الأصل في كل مضمون و من قال بضمان المقبوض بأعلي القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلي زمان التلف. و ذكر العلامة في القواعد أنه لو حبس فتلف محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع القيمة الأولي و الظاهر أن مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة بناء علي زوال حكم الغصب عن العين لكونها محبوسة بغير عدوان لا خصوص حين التلف و كلمات كثير منهم لا تخلو عن اضطراب ثم إن أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب و لكن الظاهر أن أكثرها بل جميعها في حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا إذ ليس في الغصب خصوصية زائدة. نعم ربما يفرق من جهة نص في المغصوب مخالف لقاعدة الضمان كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاد أو أعلي القيم علي ما تقدم من الشهيد الثاني دعوي دلالة الصحيحة عليه و أما ما اشتهر من أن الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال فلم نعرف له مأخذا واضحا. و لنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد و إن بقي منه أحكام أخر أكثر مما ذكرنا- و لعل بعضها يجي‌ء في بيع الفضولي إن شاء الله تعالي

الكلام في شروط المتعاقدين

[من جملة شرائط المتعاقدين البلوغ

مسألة المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي

اشارة

بل عن الغنية الإجماع عليه و إن أجاز الولي. و في كنز العرفان نسبه عدم صحة عقد الصبي إلي أصحابنا و ظاهرها إرادة التعميم لصورة إذن الولي. و عن التذكرة أن الصغير محجور عليه بالنص و الإجماع سواء أ كان مميزا أم لا في جميع التصرفات إلا ما استثني كعباداته و إسلامه و إحرامه و تدبيره و وصيته و إيصال الهدية و إذنه في الدخول علي خلاف في ذلك انتهي. و استثناء إيصال الهدية و إذنه في دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثني منه لمطلق أفعاله لأن الإيصال و الإذن ليسا من التصرفات القولية و الفعلية و إنما هو في الأول آلة في إيصال الملك كما لو حملها علي حيوان و إرسالها و الثاني كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول و هو رضا المالك.

[الاستدلال علي البطلان بحديث رفع القلم

و احتج علي الحكم في الغنية بقوله ص: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم حتي يستيقظ و قد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار و قال إن مقتضي رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم و نحوه الحلي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا و تبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة و غيره.

[الاستدلال بروايات عدم جواز أمر الصبي

اشارة

و استدلوا أيضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر ع: إن الجارية إذا زوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتي يبلغ خمس عشرة سنة إلي آخر الحديث.
و في رواية ابن سنان: متي يجوز أمر اليتيم قال حتي يبلغ أشده قال ما أشده قال احتلامه و في معناها روايات أخر

[المناقشة في دلالة هذه الروايات

لكن الإنصاف أن جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرف لأن الجواز مرادف للمضي فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف علي الإجازة كما يقال بيع الفضولي غير ماض بل موقوف. و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله إلا أن يكون سفيها فلا دلالة لها حينئذ علي سلب عبارته و أنه إذا ساوم وليه متاعه و عين له قيمته و أمر الصبي لمجرد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا و كذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليه.

[المناقشة في دلالة حديث رفع القلم

و أما حديث رفع القلم ففيه أولا أن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام و لذا بنينا كالمشهور علي شرعية عبادات الصبي. و ثانيا أن المشهور علي الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء به بعد البلوغ أو علي الولي إذا وقع بإذنه أو إجازته كما تكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ و حرمة تمكينه من مس المصحف. و ثالثا لو سلمنا اختصاص الأحكام حتي الوضعية بالبالغين لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ- موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلي وقت البلوغ. و بالجملة فالتمسك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي و ما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين

[ترديد بعضهم في الصحة و تصريح آخرين بها]

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و إلا فالمسألة محل إشكال و لذا تردد المحقق في الشرائع في إجازة المميز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية و استشكل فيها في القواعد و التحرير. و قال في القواعد و في صحة بيع المميز بإذن الولي نظر بل عن الفخر في شرحه أن الأقوي الصحة مستدلا بأن العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه و لكن لم أجده فيه و قواه المحقق الأردبيلي علي ما حكي عنه و يظهر من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده حيث قال و هل يصح بيع المميز و شراؤه الوجه عندي أنه لا يصح. و اختار في السرائر صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده. و ذكر المحقق الثاني أنه لا يبعد بناء المسألة علي أن أفعال الصبي و أقواله شرعية أم لا ثم حكم بأنها غير شرعية و أن الأصح بطلان العقد. و عن المختلف أنه حكي في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدل علي صحة بيع الصبي و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن إشكال و إن أطنب بعض المعاصرين في توضيحه حتي ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه

[الحجة في المسألة هي الشهرة و الإجماع المحكي

اشارة

فالإنصاف أن الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة و الإجماع المحكي عن التذكرة بناء علي أن استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلا بإذن الولي شاهد علي أن مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة لا نفي الاستقلال في التصرف و كذا إجماع الغنية- بناء علي أن استدلاله بعد الإجماع بحديث رفع القلم دليل علي شمول معقده للبيع بإذن الولي و ليس المراد نفي صحة البيع المتعقب بالإجازة حتي يقال إن الإجازة عند السيد غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل و لو كان غير مسلوب العبارة كالبائع الفضولي و يؤيد الإجماعين ما تقدم عن كنز العرفان.

[المناقشة في تحقق الإجماع

نعم لقائل أن يقول إن ما عرفت من المحقق و العلامة و ولده و القاضي و غيرهم خصوصا المحقق الثاني الذي
المكاسب، ج‌2، ص 115
بني المسألة علي شرعية أفعال الصبي يدل علي عدم تحقق الإجماع و كيف كان فالعمل علي المشهور

[ما يستأنس به للبطلان الأخبار المستفيضة]

و يمكن أن يستأنس له أيضا بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عمد الصبي و خطأه واحد كما في صحيحة ابن مسلم و غيرها و الأصحاب و إن ذكروها في باب الجنايات إلا أنه لا إشعار في نفس الصحيحة بل و غيرها بالاختصاص بالجنايات و لذا تمسك بها الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر علي أن إخلال الصبي المحرم بمحظورات الإحرام التي يختص حرمتها بحال التعمد لا يوجب كفارة علي الصبي و لا علي الولي لأن عمده خطأ. و حينئذ فكل حكم شرعي تعلق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبي و إيقاعه مع القصد كعقد الهازل و الغالط و الخاطي و إيقاعاتهم بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم و هو ما عن قرب الإسناد بسند أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ع أنه كان يقول: المجنون المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدها خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم إلي آخر الحديث فإن ذكر رفع القلم في الذيل ليس له وجه ارتباط إلا أن يكون علة لأصل الحكم و هو ثبوت الدية علي العاقلة أو أن يكون معلولا لقوله عمدهما خطأ يعني أنه لما كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع و في الواقع رفع القلم عنهما و لا يخفي أن ارتباطها بالكلام علي وجه العلية أو المعلولية للحكم المذكور في الرواية أعني عدم مؤاخذة الصبي و المجنون بمقتضي جناية العمد و هو القصاص و لا بمقتضي شبه العمد و هي الدية في مالهما لا يستقيم إلا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الأخروية و الدنيوية المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية و عدم ترتب ذلك علي أفعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما مع القصد و التعمد لترتبت عليه غرامة أخروية أو دنيوية. و علي هذا فإذا التزم علي نفسه مالا بإقرار أو معاوضة و لو بإذن الولي فلا أثر لهما في إلزامه بالمال و مؤاخذته به و لو بعد البلوغ فإذا لم يلزمه شي‌ء بالتزاماته و لو كانت بإذن الولي فليس ذلك إلا لسلب قصده و عدم العبرة بإنشائه إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات علي نفسه لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة إذن الولي و قد فرضنا الحكم مطلقا فيدل بالالتزام علي كون قصده في إنشاءاته و إخباراته مسلوب الأثر ثم إن مقتضي عموم هذه الفقرة بناء علي كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما كما هو ظاهر المحكي عن بعض إلا أن يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع القلم و لا يخلو من بعد لكن هذا غير وارد علي الاستدلال لأنه ليس مبنيا علي كون رفع القلم علة للحكم لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي و المجنون فيختص رفع قلم المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل فيخرج مثل الإتلاف فافهم و اغتنم. ثم إن القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع علي البالغين فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير.

[رأي المؤلف في المسألة و دليله

و الحاصل أن مقتضي ما تقدم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود و الأخبار المتقدمة بعد انضمام بعضها إلي بعض عدم الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلي مقتضاها كإنشاء العقود أصالة و وكالة و القبض و الإقباض و كل التزام علي نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجار.

[كلام العلامة في عدم صحة تصرفات الصبي

قال في التذكرة و كما لا يصح تصرفاته اللفظية كذا لا يصح قبضه و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتهب له الولي و لا لغيره و إن إذن الموهوب له بالقبض و لو قال مستحق الدين للمديون سلم حقي إلي الصبي فسلم مقدار حقه إليه لم يبرأ عن الدين و بقي المقبوض علي ملكه و لا ضمان علي الصبي لأن المالك ضيعه حيث دفعه إليه و بقي الدين لأنه في الذمة و لا يتعين إلا بقبض صحيح كما لو قال ارم حقي في البحر فرمي مقدار حقه بخلاف ما لو قال للمستودع سلم مالي إلي الصبي أو ألقه في البحر لأنه امتثل أمره في حقه المعين و لو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن و إن كان بإذن الولي إذ ليس له تضييعها بإذن الولي. و قال أيضا لو عرض الصبي دينارا علي الناقد لينقده أو متاعا إلي مقوم ليقومه فأخذه لم يجز له رده إلي الصبي بل علي وليه إن كان فلو أمره الولي بالدفع إليه فدفعه إليه برأ من ضمانه إن كان المال للولي و إن كان للصبي فلا كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر فإنه يلزمه ضمانه و إذا تبايع الصبيان و تقابضا و أتلف كل واحد منهما ما قبضه فإن جري بإذن الوليين فالضمان عليهما و إلا فلا ضمان عليهما بل علي الصبيين و يأتي في باب الحجر تمام الكلام و لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول علي أهل الدار أو أدخل الهدية إلي إنسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه انتهي كلامه رفع مقامه

[لا فرق في معاملة الصبي بين الأشياء اليسيرة و الخطيرة]

اشارة

ثم إنه ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق في معاملة الصبي بين أن تكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة لما عرفت من عموم النص و الفتوي حتي أن العلامة في التذكرة لما ذكر حكاية أن أبا الدرداء اشتري عصفورا من صبي فأرسله ردها بعدم الثبوت و عدم الحجية و توجيهه بما يخرجها عن محل الكلام

[تفصيل المحدث الكاشاني بين الأشياء اليسيرة و الخطيرة و المناقشة فيه

و به يظهر ضعف ما عن المحدث الكاشاني من أن الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج انتهي. فإن الحرج ممنوع سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقرات و التزام مباشرة البالغين لشرائها أم أراد أنه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس علي نصب الصبيان للبيع و الشراء في الأشياء الحقيرة ثم إن أراد استقلاله في البيع و الشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة فالظاهر كونه مخالفا للإجماع. و أما ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله ع قال: و نهي النبي ص عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده معللا بأنه إن لم يجد سرق فمحمول علي عوض كسبه من التقاط أو أجرة عن إجارة أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي أو عن عمل أمر به من دون إجارة فأعطاه المستأجر أو الأمر أجرة المثل فإن هذه كلها مما يملكه الصبي لكن
المكاسب، ج‌2، ص 116
يستحب للولي و غيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوي الصبي فيها لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات و كيف كان فالقول المذكور في غاية الضعف. نعم ربما صحح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف من جهة استقرار السيرة و استمرارها علي ذلك و فيه إشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في كثير من سيرهم الفاسدة و يؤيد ذلك ما يري من استمرار سيرتهم علي عدم الفرق بين المميزين و غيرهم و لا بينهم و بين المجانين و لا بين معاملاتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولي أصلا و بين معاملاتهم لأوليائهم علي سبيل الألية مع أن هذا مما لا ينبغي الشك في فسادها خصوصا الأخير مع أن الإحالة علي ما جرت العادة به كالإحالة علي المجهول فإن الذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلي كل صبي ماهر فطن فيه بحيث لا يغلب في المساومة عليه فيكلون إلي من بلغ ست سنين شراء باقة بقل أو بيع بيضة دجاج بفلس و إلي من بلغ ثماني سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما و إلي من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق و البلدان و لا يفرقون بينه و بين من أكمل خمس عشر سنة و لا يكلون إليه شراء مثل القري و البساتين و بيعها إلا بعد أن يحصل له التجارب و لا أظن أن القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة علي هذا التفصيل و كيف كان فالظاهر أن هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم. و قد عرفت حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز رد المال إلي الصبي إذا دفعه إلي الناقد لينقده أو المتاع الذي دفعه إلي المقوم ليقومه مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للولي و كذا حكمه بالمنع من رد مال الطفل إليه بإذن الولي مع أنه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

[دعوي كاشف الغطاء إفادة معاملة الصبي الإباحة لو كان مأذونا و المناقشة فيه

و قال كاشف الغطاء رحمه الله بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة و وكالة ما لفظه نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا علي رءوس الأشهاد حتي يظن أن ذلك من إذن الأولياء خصوصا في المحقرات ثم قال و لو قيل بتملك لأخذ منهم لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهي. أما التصرف و المعاملة بإذن الأولياء سواء أ كان علي وجه البيع أم المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنه خلاف المشهور و المعروف حتي لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة لأنها تصرف لا محالة و إن لم تكن بيعا و لا معاوضة و إن أراد بذلك أن إذن الولي و رضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في أعاره الصبي. فتوضيحه ما ذكره بعض المحققين من تلامذته و هو أنه لما كان بناء المعاطاة علي حصول المراضاة كيف اتفقت و كانت مفيدة لإباحة التصرف خاصة كما هو المشهور و جرت عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة و الرضا باعتماد غيرهم في التصرف فيها علي الأمارات المفيدة للظن بالرضا في المعاوضات و كان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها علي قول الصبي تعيين القيمة و الاختلاف الذي يتسامح به في العادة فلأجل ذلك صح القول بالاعتماد علي ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار و في إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق بل ما ذكرنا أولي بالجواز من الهدية من وجوه و قد استند فيه في التذكرة إلي تسامح السلف. و بالجملة فالاعتماد في الحقيقة علي الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ و الإعطاء مع البناء علي ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا علي قول الصبي و معاملته من حيث إنه كذلك و كثيرا ما يعتمد الناس علي الإذن المستفاد من غير وجود ذي يد أصلا مع شهادة الحال بذلك كما في دخول الحمام و وضع الأجرة عوض الماء التالف في الصندوق و كما في أخذ الخضراوات الموضوعة للبيع و شرب ماء السقاءين و وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لهما و غير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها كما يعتمد علي مثل ذلك في غير المعاوضات من أنواع التصرفات فالتحقيق أن هذا ليس مستثني من كلام الأصحاب و لا منافيا له و لا يعتمد علي ذلك أيضا في مقام الدعوي و لا فيما إذا طالب المالك بحقه و أظهر عدم الرضا انتهي. و حاصله أن مناط الإباحة و مدارها في المعاطاة ليس علي وجود تعاط قائم بشخصين أو بشخص منزل منزلة شخصين بل علي تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه في ماله حتي لو فرضنا أنه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق كإطارة الريح و نحوها فتراضيا علي التصرف بإخبار صبي أو بغيره من الأمارات كالكتابة و نحوها كان هذا معاطاة أيضا و لذا يكون وصول الهدية إلي المهدي إليه علي يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضا المهدي بالتصرف بل التملك كافيا في إباحة الهدية بل في تملكها. و فيه أن ذلك حسن إلا أنه موقوف أولا علي ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة أو تمليك و أنه يكتفي فيها بمجرد الرضا. و دعوي حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلي الصبي مدفوعة بأنه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها و به يفرق بين ما نحن فيه. و مسألة إيصال الهدية بيد الطفل فإنه يمكن فيه دعوي كون دفعها إليه للإيصال إباحة أو تمليكا كما ذكر أن إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في انتفاع المستعير و أما دخول الحمام و شرب الماء و وضع الأجرة و القيمة فلو حكم بصحتهما بناء علي ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء انحصرت صحة وساطة الصبي بما يكتفي فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكتفي فيه. و الحاصل أن دفع الصبي و قبضه بحكم العدم فكل ما يكتفي فيه بوصول كل من العوضين إلي صاحب الآخر بأي وجه اتفق فلا تضر فيه مباشرة الصبي لمقدمات الوصول ثم إن ما ذكر مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليا كان أو غيره. و أما ما ذكره كاشف الغطاء أخيرا من صيرورة الشخص موجبا و قابلا ففيه أولا أن تولي وظيفة الغائب و هو من أذن للصغير إن كان بإذن منه فالمفروض انتفاؤه و إن كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن
موضوع الفضولي مشكل بل ممنوع. و ثانيا أن المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمن أذن للصبي
المكاسب، ج‌2، ص 117
ثم إنه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الألية بالصبي و لا بالأشياء الحقيرة بل هو جار في المجنون و السكران بل البهائم و في الأمور الخطيرة إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار و كان الصغير آلة فلا فرق في الألية بينه و بين غيره. نعم من تمسك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشم لإدخال ذلك تحت القاعدة فله تخصيص ذلك بالصبي لأنه المتيقن من موردها كما أن ذلك مختص بالمحقرات.

مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به

اشارة

مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به
- و اشتراط القصد بهذا المعني في صحة العقد بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه و لا إشكال فلا يقع من دون قصد إلي اللفظ كما في الغالط أو إلي المعني كما في الهازل لا بمعني عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعني عدم تعلق إرادته به و إن أوجد مدلوله بالإنشاء كما في الأمر الصوري فهو شبيه الكذب في الأخبار أو قصد معني يغاير مدلول العقد بأن قصد الأخبار أو الاستفهام أو إنشاء معني غير البيع مجازا أو غلطا فلا يقع البيع لعدم القصد إليه و لا المقصود إذا اشترطت فيه عبارة خاصة ثم إنه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره كما صرح به في المسالك حيث قال إنهما قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله. و فيه أنه لا دليل علي. اشتراط أزيد من القصد المتحقق في صدق مفهوم العقد مضافا إلي ما سيجي‌ء في أدلة الفضولي و أما معني ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار.

[كلام صاحب المقابس في اعتبار تعيين المالكين

اشارة

و اعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه كلاما في هذا المقام في أنه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل أو الانتقال بالنسبة إليهما أم لا. و ذكر أن في المسألة أوجها و أقوالا و أن المسألة في غاية الإشكال و أنه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس الله أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه ثم قال و تحقيق المسألة أنه إن توقف تعين المالك علي التعيين حال العقد لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه في النية أو مع التلفظ به أيضا كبيع الوكيل و الولي العاقد عن اثنين في بيع واحد أو الوكيل عنهما و الولي عليهما في البيوع المتعددة فيجب أن يعين من يقع له البيع أو الشراء من نفسه أو غيره و أن يميز البائع من المشتري إذا أمكن الوصفان في كل منهما فإذا عين جهة خاصة تعينت و إن أطلق فإن كانت هناك جهة ينصرف إليها الإطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه و غيره إذا لم يقصد الإبهام أو التعيين بعد العقد و إلا وقع لاغيا و هذا جار في سائر العقود من النكاح و غيره. و الدليل علي اشتراط التعيين و لزوم متابعته في هذا القسم أنه لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك معين في نفس الأمر و أن لا يحصل الجزم بشي‌ء من العقود التي لم يتعين فيه العوضان و لا بشي‌ء من الأحكام و الآثار المترتبة علي ذلك و فساد ذلك ظاهر و لا دليل علي تأثير التعيين المتعقب و لا علي صحة العقد المبهم لانصراف الأدلة إلي ما هو الشائع المعروف من الشريعة و العادة فوجب الحكم بعدمه و علي هذا فلو اشتري الفضولي لغيره في الذمة فإن عين ذلك الغير تعين و وقف علي إجازته سواء تلفظ بذلك أم نواه و إن أبهم مع قصد الغير بطل و لا يتوقف إلي أن يوجد له مجيز إلي أن قال و إن لم يتوقف تعين المالك علي التعيين حال العقد بأن يكون العوضان معينين و لا يقع العقد فيهما علي وجه يصح إلا لمالكهما. ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه أو عدمه مطلقا أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل و عدمه فيصح أوجه أقواها الأخير و أوسطها الوسط و أشبهها للأصول الأول و في حكم التعيين ما إذا عين المال بكونه في ذمة زيد مثلا و علي الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير- وقع عنه و لغا قصد كونه عن الغير و لو باع مال زيد عن عمرو فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه و إلا وقف علي إجازته و لو اشتري لنفسه بمال في ذمة زيد فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع له و تعلق المال بذمته لا عن زيد ليقف علي إجازته و إن كان وكيلا فالمقتضي لكل من العقدين منفردا موجود و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما و لما لم يتعين احتمل البطلان للتدافع و صحته عن نفسه لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء و ترجيح جانب الأصالة. و عن الموكل لتعين العوض في ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغوا كما في المعين و لو اشتري عن زيد بشي‌ء في ذمته فضولا و لم يجز فأجاز عمرو و لم يصح عن أحدهما. و قس علي ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب و لا فرق علي الأوسط في الأحكام المذكورة بين النية المخالفة و التسمية و يفرق بينهما علي الأخير و يبطل الجميع علي الأول انتهي كلامه.

[المناقشة فيما أفاده صاحب المقابس

أقول مقتضي المعاوضة و المبادلة- دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر و إلا لم يكن كل منهما عوضا و بدلا و علي هذا فالقصد إلي العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك إلا أن ملكية العوض و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف علي تعيين المالك فإن من الأعواض ما يكون متشخصا بنفسه في الخارج كالأعيان. و منها ما لا يتشخص إلا بإضافته إلي مالك كما في الذمم لأن ملكية الكلي لا تكون إلا مضافة إلي ذمة و إجراء أحكام الملك علي ما في ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا غير معهود. فتعين الشخص في الكلي إنما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم علي تعيين صاحب الذمة. فصح علي ما ذكرنا أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر سواء في العوض المعين أم في الكلي و أن اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشق الأول من تفصيله إنما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه لا لتوقف المعاملة علي تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا فإن من اشتري لغيره في الذمة إذا لم يعين الغير لم يكن الثمن ملكا لأن ما في الذمة ما لم يضف إلي شخص معين لم تترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا و كذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين فإنه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال بعت عبدا بألف ثم قال قبلت فلا يصير العبد قابلا للبيع و لا الألف قابلا للاشتراء به حتي يسند كلا منهما إلي معين أو إلي نفسه من حيث إنه نائب عن ذلك المعين فيقول بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان فيمتاز البائع عن المشتري. و أما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان العوضان معينين فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أن من لوازمها العقلية دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية و البدلية فلا حاجة إلي تعيين من ينقل عنهما أو إليهما العوضان و إذا لم تقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد فإن
المكاسب، ج‌2، ص 118
جعل [من العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملكه المعوض فقال ملكتك فرسي هذا بحمار عمرو فقال المخاطب قبلت لم يقع البيع لخصوص المخاطب لعدم مفهوم المعاوضة معه و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتي- . و أما ما ذكره من مثال من باع مال نفسه عن غيره فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره و الظاهر وقوعه عن البائع و لغوية قصده عن الغير لأنه أمر غير معقول لا يتحقق القصد إليه حقيقة و هو معني لغويته و لذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي‌ء و لا يقع عن نفسه أبدا. نعم لو ملكه فأجاز قيل بوقوعه له لكن لا من حيث إيقاعه أولا لنفسه فإن القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما و وجوده كعدمه إلا أن يقال إن وقوع بيع مال نفسه لغيره إنما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية لم لا يجعل هذا قرينة علي عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية- أو علي تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع- كما سيأتي أن المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصور إلا علي هذا الوجه و حينئذ يحكم ببطلان المعاملة لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي. و من هنا ذكر العلامة و غيره في عكس المثال المذكور أنه لو قال المالك للمرتهن بعه لنفسك بطل و كذا لو دفع مالا إلي من يطلب الطعام و قال اشتر به لنفسك طعاما هذا و لكن الأقوي صحة المعاملة المذكورة- و لغوية القصد المذكور لأنه راجع إلي إرادة إرجاع فائدة البيع إلي الغير لا جعله أحد ركني المعاوضة و أما حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن و اشتراء الطعام فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب لا أن المخاطب إذا قال بعته لنفسي أو اشتريته لنفسي لم يقع لمالكه إذا أجازه و بالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولي و شرائه لنفسه و وقوعه للمالك يدل علي عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك

[هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري و القابل للبائع

ثم إن ما ذكرناه كله حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشتري من يبيع له و من يشتري له. و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب و تعيين القابل لخصوص البائع فيحتمل اعتباره إلا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكل من المتخاطبين كما في غالب البيوع و الإجارات فحينئذ يراد من ضمير المخاطب في قوله ملكتك كذا أو منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيا أو جعليا كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية. و يحتمل عدم اعتباره إلا إذا علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح و الوقف الخاص و الهبة و الوكالة و الوصية و الأقوي هو الأول عملا بظاهر الكلام الدال علي قصد الخصوصية و تبعية العقود للقصود و علي فرض القول الثاني فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره. قال في التذكرة لو باع الفضولي أو اشتري مع جهل الآخر فإشكال ينشأ من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد و هذا الإشكال و إن كان ضعيفا مخالفا للإجماع و السيرة إلا أنه مبني علي ما ذكرناه من مراعاة ظاهر الكلام. و قد يقال في الفرق بين البيع و شبهه و بين النكاح إن الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود و تختلف الأغراض باختلافهما فلا بد من التعيين و توارد الإيجاب و القبول علي أمر واحد و لأن معني قوله بعتك كذا بكذا رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع و المشتري يطلق علي المالك و وكيله و معني قولها زوجتك نفسي رضاها بكونه زوجا و الزوج لا يطلق علي الوكيل انتهي. و يرد علي الوجه الأول من وجهي الفرق أن كون الزوجين كالعوضين إنما يصلح وجها لوجوب التعيين في النكاح لا لعدم وجوبه في البيع مع أن الظاهر أن ما ذكرناه من الوقف و إخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها علي وجه النيابة أو الفضولي فلا بد من وجه مطرد في الكل. و علي الوجه الثاني أن معني بعتك في لغة العرب كما نص عليه فخر المحققين و غيره هو ملكتك بعوض و معناه جعل المخاطب مالكا و من المعلوم أن المالك لا يصدق علي الولي و الوكيل و الفضولي. فالأولي في الفرق ما ذكرناه من أن الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير و لا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوي كونه غير أصيل فتأمل بخلاف النكاح و ما أشبهه فإن الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد بل ربما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصل كما لو قال زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج و كذا قوله وقفت عليك و أوصيت لك و وكلتك و لعل الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات علي الوكيل فيها فلا يقال للوكيل الزوج و لا الموقوف عليه و لا الموصي له و لا الموكل بخلاف البائع و المستأجر فتأمل حتي لا يتوهم رجوعه إلي ما ذكرناه سابقا و اعترضنا عليه.

مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار

[المراد من الاختيار]

و المراد به القصد إلي وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة و عدم طيب النفس لا الاختيار في مقابل الجبر.

[ما يدل علي اشتراط الاختيار]

و يدل عليه قبل الإجماع قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و قوله ص:
لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و قوله ص في الخبر المتفق عليه بين المسلمين: رفع أو وضع عن أمتي تسعة أشياء أو ستة و منها ما أكرهوا عليه. و ظاهره و إن كان رفع المؤاخذة إلا أن استشهاد الإمام ع به في رفع بعض الأحكام الوضعية يشهد لعموم المؤاخذة فيه لمطلق الإلزام عليه بشي‌ء. ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن ع: في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك فقال ع لا قال رسول الله ص وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا. و الحلف بالطلاق و العتاق و إن لم يكن صحيحا عندنا من دون الإكراه أيضا إلا أن مجرد استشهاد الإمام ع في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما أكرهوا عليه يدل علي أن المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة و العقاب الأخروي هذا كله مضافا إلي الأخبار الواردة في طلاق المكره بضميمة عدم الفرق ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان أن المكره قاصد إلي اللفظ غير قاصد إلي مدلوله بل يظهر
المكاسب، ج‌2، ص 119
ذلك من بعض كلمات العلامة و ليس مرادهم أنه لا قصد له إلا إلي مجرد التكلم كيف و الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعني قصدا صوريا. و الخالي عن القصد إلي غير التكلم هو من يتكلم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني.

[المراد من قولهم: المكره قاصد إلي اللفظ غير قاصد إلي مدلوله

فالمراد بعدم قصد المكره عدم القصد إلي وقوع مضمون العقد في الخارج و أن الداعي له إلي الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج لا أن كلامه الإنشائي مجرد عن المدلول كيف و هو معلول الكلام الإنشائي إذا كان مستعملا غير مهمل و هذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفي علي من له أدني تأمل في معني الإكراه لغة و عرفا و أدني تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ و جعله مقابلا للقصد. و حكمهم بعدم وجوب التورية- في التفصي عن الإكراه و صحة بيعه بعد الرضا و استدلالهم له بالأخبار الواردة في طلاق المكره و أنه لا طلاق إلا مع إرادة الطلاق حيث إن المنفي صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة و عرفا و فيما ورد فيمن طلق مداراة بأهله إلي غير ذلك. و في أن مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق إكراها لا ينبغي أن يحمل علي الكلام المجرد عن قصد المفهوم الذي لا يسمي خبرا و لا إنشاء و غير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلي وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع و عدم طيب النفس به لا عدم إرادة المعني من الكلام و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أن المكره و الفضولي قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله. نعم ذكر في التحرير و المسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك. قال في التحرير لو أكره علي الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق إذ لا إكراه علي القصد انتهي. و بعض المعاصرين بني هذا الفرع علي تفسير القصد بما ذكرناه من متوهم كلامهم فرد عليهم بفساد المبني و عدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور و لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به

[حقيقة الإكراه لغة و عرفا]

ثم إن حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير علي ما يكرهه و يعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بتوعد منه مظنون الترتب علي ترك ذلك الفعل مضر بحال الفاعل أو متعلقة نفسا أو عرضا أو مالا فظهر من ذلك أن مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب علي تركه لا يدخله في المكره عليه كيف و الأفعال الصادرة من العقلاء كلها أو جلها ناشئة عن دفع الضرر و ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من إبعاد شخص يوجب صدق المكره عليه فإن من أكره علي دفع مال و توقف علي بيع بعض أمواله فالبيع الواقع منه لبعض أمواله و إن كان لدفع الضرر المتوعد به علي عدم دفع ذلك المال و لذا يرتفع التحريم عنه لو فرضت حرمته عليه لحلف أو شبهه ليس مكرها.

[المعيار في صدق الإكراه

فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر عن الاستقلال في التصرف بحيث لا تطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمد إليه عن رضا و إن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر أو ترجيحا لأقل الضرري ن إلا أن هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به فإن النفس مجبولة علي كراهة ما يحمله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشق تحمله. و الحاصل أن الفاعل و إن يفعل لدفع الضرر لكنه مستقل في فعله و مخلي و طبعه فيه بحيث تطيب نفسه بفعله و إن كان من باب علاج الضرر و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير علي تركه و هذا مما لا تطيب النفس به و ذلك معلوم بالوجدان

[هل يعتبر عدم إمكان التفصي عن الضرر بما لا ضرر فيه

ثم إنه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضررا آخر كما حكي عن جماعة أم لا الذي يظهر من النصوص و الفتاوي عدم اعتبار العجز عن التورية لأن حمل عموم رفع الإكراه و خصوص النصوص الواردة في طلاق المكره و عتقه و معاقد الإجماعات و الشهرات المدعاة في حكم المكره علي صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدا بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد كما لا يخفي علي من راجعها مع أن القدرة علي التورية لا تخرج الكلام عن حيز الإكراه عرفا.

[هل يعتبر العجز عن التخلص بغير التورية]

هذا و ربما يستظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا في صدق الإكراه مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال: لا يمين في غضب و لا في قطيعة رحم و لا في جبر و لا في إكراه قلت أصلحك الله و ما الفرق بين الجبر و الإكراه قال الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب و ليس ذلك بشي‌ء.
و يؤيده أنه لو خرج عن الإكراه عرفا بالقدرة علي التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها لأن المناط حينئذ انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به في فعل المكره عليه فلا فرق بين أن يتخلص عنه بكلام آخر أو فعل آخر أو بهذا الكلام مع قصد معني آخر. و دعوي أن جريان حكم الإكراه مع القدرة علي التورية تعبدي لا من جهة صدق حقيقة الإكراه كما تري لكن الإنصاف أن وقوع الفعل عن الإكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن التفصي بغير التورية لأنه يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به علي الترك و مع القدرة علي التفصي لا يكون الضرر مترتبا علي ترك المكره عليه بل علي تركه و ترك التفصي معا فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين من فعل المكره عليه و التفصي فهو مختار في كل منهما و لا يصدر كل منهما إلا باختياره فلا إكراه و ليس التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه حتي لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما كما لو أكرهه علي أحد الأمرين حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها عليه لأن الفعل المتفصي به مسقط عن المكره عليه لا بدل له و لذا لا تجري عليه أحكام المكره عليه إجماعا فلا يفسد إذا كان عقدا و ما ذكرناه و إن كان جاريا في التورية إلا أن الشارع رخص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصي بوجه آخر لما ذكرنا من ظهور النصوص و الفتاوي و بعد حملها علي صورة العجز عن التورية مع أن العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه خصوصا: في قصة عمار و أبويه حيث أكرهوا علي الكفر فأبي أبواه فقتلا و أظهر لهم عمار ما أرادوا فجاء باكيا إلي رسول الله ص فنزلت الآية مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
المكاسب، ج‌2، ص 120
بِالْإِيمانِ فقال له رسول الله ص إن عادوا عليك فعد و لم ينبهه علي التورية فإن التنبيه في المقام و إن لم يكن واجبا إلا أنه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي ص باعتبار شفقته علي عمار و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفي

[الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها]

هذا و لكن الأولي أن يفرق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها بتحقق الموضوع في الأول دون الثاني لأن الأصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الإكراه أن يعلم أو يظن المكره بالفتح أنه لو امتنع مما أكره عليه لوقع فيما توعد عليه و معلوم أن المراد ليس امتناعه عنه في الواقع و لو مع اعتقاد المكره بالكسر عدم الامتناع بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره و هذا المعني يصدق مع إمكان التورية و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لأن المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه و عدم وقوع الضرر عليه. و الحاصل أن التلازم بين امتناعه و وقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الإكراه موجود مع التمكن بالتورية لا مع التمكن بغيرها فافهم

[عدم اعتبار العجز في الإكراه الرافع لأثر المعاملات

ثم إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوغ للمحرمات و مناطه توقف دفع ضرر المكره علي ارتكاب المكره عليه.
و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أن المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة و قد يتحقق مع إمكان التفصي مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة أو مطالعة فجاءه من أكرهه علي بيع شي‌ء مما عنده و هو في هذه الحال غير قادر علي دفع ضرره و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره فالظاهر صدق الإكراه حينئذ بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي‌ء بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده و توقف دفع ضرر إكراه الشخص علي أمر خدمه بدفعه و طرده فإن هذا لا يتحقق في حقه الإكراه و يكذب لو ادعاه بخلاف الأول إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل و لو فرض في ذلك المثال إكراهه علي محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل و قد تقدم الفرق بين الجبر و الإكراه في رواية ابن سنان.

[المراد من الإكراه الرافع لأثر المعاملات

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعني الجبر المذكور و الرافع لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر في تلك الرواية أنه قد يكون من الأب و الولد و المرأة فالمعيار فيه عدم طيب النفس فيها لا الضرورة و الإلجاء و إن كانت هي المتبادر من لفظة الإكراه و لذا يحمل الإكراه في حديث الرفع عليه فيكون الفرق بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض لكن الداعي علي اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أن العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس حيث استدلوا علي ذلك بقوله تعالي تِجارَةً عَنْ تَراضٍ. و لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و عموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق و خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلق مداراة مع عياله.

[الفرق بين الإكراه في الأحكام التكليفية و الأحكام الوضعية]

فقد تلخص مما ذكرنا أن الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخص من الرافع لأثر الحكم الوضعي. و لو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الإكراه كانت النسبة بينهما العموم من وجه لأن المناط في رفع الحكم التكليفي هو دفع الضرر و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة و طيب النفس

[لو أكره الشخص علي أحد الأمرين

و من هنا لم يتأمل أحد في أنه إذا أكره الشخص علي أحد الأمرين المحرمين لا بعينه فكل منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم لأن المعيار في دفع الحرمة دفع الضرر المتوقف علي فعل أحدهما أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره علي طلاق إحدي زوجتيه. فقد استشكل غير واحد في أن ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه و يرجحه علي الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه مكره عليه باعتبار جنسه أم لا. بل أفتي في القواعد بوقوع الطلاق و عدم الإكراه و إن حمله بعضهم علي ما إذا قنع المكره بطلاق إحداهما مبهمة لكن المسألة عندهم غير صافية عن الإشكال من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية و إن كان الأقوي وفاقا لكل من تعرض للمسألة تحقق الإكراه لغة و عرفا مع أنه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الإكراه أصلا إذ الموجود في الخارج دائما إحدي خصوصيات المكره عليه إذ لا يكاد يتفق الإكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات. نعم هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك بمعني أن وجوده الخارجي ناش عن إكراه و اختيار و لذا لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل و يستحقه باعتبار الخصوصية. و تظهر الثمرة فيما لو ترتب أثر علي خصوصية المعاملة الموجودة فإنه لا يرتفع بالإكراه علي القدر المشترك مثلا لو أكرهه علي شرب الماء أو شرب الخمر لم يرتفع تحريم الخمر لأنه مختار فيه و إن كان مكرها في أصل الشرب و كذا لو أكرهه علي بيع صحيح أو فاسد فإنه لا يرتفع أثر الصحيح لأنه مختار فيه و إن كان مكرها في جنس البيع لكنه لا يترتب علي الجنس أثر يرتفع بالإكراه و من هنا يعلم أنه لو أكره علي بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها لأن القدر المشترك بين الحق و غيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا و إلا لوقع الإيفاء أيضا باطلا فإن اختار البيع صحيح لأن الخصوصية غير مكره عليها و المكره عليه و هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر و لو أكرهه علي بيع مال أو أداء مال غير مستحق كان إكراها لأنه لا يفعل البيع إلا فرارا من بدله أو وعيده المضرين كما لو أكرهه علي بيع داره أو شرب الخمر فإن ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده

[لو أكره أحد الشخصين علي فعل واحد]

ثم إن إكراه أحد الشخصين علي فعل واحد بمعني إلزامه عليهما كفاية و إيعادهما علي تركه كإكراه شخص واحد علي أحد الفعلين في كون كل منهما مكرها.

[صور تعلق الإكراه

و اعلم أن الإكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم و قد يتعلق بالمالك دون العاقد كما لو أكره علي التوكيل في بيع ماله فإن العاقد قاصد مختار و المالك مجبور و هو داخل في عقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الإكراه و قد ينعكس كما لو قال بع مالي أو طلق زوجتي و إلا قتلتك و الأقوي هنا الصحة لأن العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوي القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض فهذا أولي من المالك المكره علي العقد إذا رضي لاحقا. و احتمل في المسالك عدم الصحة نظرا إلي
المكاسب، ج‌2، ص 121
أن الإكراه يسقط حكم اللفظ كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلقها ثم قال و الفرق بينهما أن عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره فإن عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد- فإن كان الأمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور انتهي و هو حسن و قال أيضا لو أكره الوكيل علي الطلاق دون الموكل ففي صحته وجهان أيضا من تحقق الاختيار في الموكل المالك و من سلب عبارة المباشر انتهي. و ربما يستدل علي فساد العقد في هذين الفرعين بما دل علي رفع حكم الإكراه و فيه ما سيجي‌ء من أنه إنما يرفع حكما ثابتا علي المكره لو لا الإكراه و لا أثر للعقد هنا بالنسبة إلي المتكلم به لو لا الإكراه. و مما يؤيد ما ذكرنا حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا و من المعلوم أنه إنما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر و هو النقل و الانتقال و أما التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها عليه فلا معني للحوق الرضا به لأن ما مضي و انقطع لا يتغير عما وقع عليه و لا ينقلب. نعم ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور بأن القصد إلي المعني و لو علي وجه الإكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد و لا يعرف إلا من قبل العاقد فإذا كان مختارا أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها اللهم إلا أن يقال إن الكلام بعد إحراز القصد و عدم تكلم العاقد لاغيا أو موريا و لو كان مكرها مع أنه يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضا فتأمل.

فروع

[الإكراه علي بيع عبد من عبدين

و لو أكرهه علي بيع واحد غير معين من عبدين فباعهما أو باع نصف أحدهما ففي التذكرة إشكال. أقول أما بيع العبدين فإن كان تدريجا فالظاهر وقوع الأول مكرها دون الثاني- مع احتمال الرجوع إليه في التعيين سواء ادعي العكس أم لا و لو باعهما دفعة احتملت صحة الجميع لأنه خلاف المكره عليه و الظاهر أنه لم يقع شي‌ء منهما عن إكراه و بطلان الجميع لوقوع أحدهما مكرها عليه و لا ترجيح و الأول أقوي.

[الإكراه علي معين فضم غيره إليه

و لو أكره علي بيع معين فضم إليه غيره و باعهما دفعة فالأقوي الصحة في غير ما أكره عليه و أما مسألة النصف فإن باع النصف بعد الإكراه علي الكل بقصد أن يبيع النصف الآخر امتثالا للمكره بناء علي شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين فلا إشكال في وقوعه مكرها عليه و إن كان لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا إكراها لكن في سماع دعوي البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر.

[الإكراه علي الطلاق

اشارة

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير لو أكره علي الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق انتهي- . و نحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع لأن الإكراه أسقط أثر اللفظ و مجرد النية لا حكم لها. و حكي عن سبطه في نهاية المرام أنه نقله قولا و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الإجماع علي بطلان عقد المكره و الإكراه متحقق هنا إذ المفروض أنه لولاه لما فعله ثم قال و المسألة محل إشكال انتهي و عن بعض الأجلة أنه لو علم أنه لا يلزمه إلا اللفظ و له تجريده عن القصد فلا شبهه في عدم الإكراه و إنما يحتمل الإكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و إن لم يرده المكره أم لا انتهي. ثم إن بعض المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك و بناه علي أن المكره لا قصد له أصلا فرده بثبوت القصد للمكره و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه و فيه ما عرفت سابقا من أنه لم يقل أحد بخلو المكره عن قصد معني اللفظ و ليس هذا مرادا من قولهم إن المكره غير قاصد إلي مدلول اللفظ و لذا شرك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في ذلك كما عرفت سابقا فبناء هذا الحكم في هذا الفرع علي ما ذكر ضعيف جدا و كذا ما تقدم عن بعض الأجلة من أنه إن علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية فنوي اختيارا صح لأن مرجع ذلك إلي وجوب التورية علي العارف بها المتفطن لها إذ لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعني بحيث يتكلم به لاغيا و قد عرفت أن ظاهر الأدلة و الأخبار الواردة في طلاق المكره و عتقه عدم اعتبار العجز عن التورية.

[أقسام الإكراه علي الطلاق و أحكامها]

و توضيح الأقسام المتصورة في الفرع المذكور أن الإكراه الملحق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به إما أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه لبنائه علي تحمل الضرر المتوعد به و لا يخفي بداهة وقوع الطلاق هنا و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه فلا معني لجعله في التحرير أقرب و ذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك و جعله قولا في نهاية المرام و استشكاله فيه لعموم النص و الإجماع. و كذا لا ينبغي التأمل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلا في داعي الوقوع بل هو بضميمة شي‌ء اختياري للفاعل و إن كان الداعي هو الإكراه فإما أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر كمن قال له ولده طلق زوجتك و إلا قتلتك أو قتلت نفسي فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أو كان الداعي علي الفعل شفقة دينية علي المكره بالكسر أو علي المطلقة أو علي غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرم و الحكم في الصورتين لا يخلو عن إشكال. و إن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره أن الحذر لا يتحقق إلا بإيقاع الطلاق حقيقة لغفلته عن أن التخلص غير متوقف علي القصد إلي وقوع أثر الطلاق و حصول البينونة فيوطن نفسه علي رفع اليد عن الزوجة و الإعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا و هذا كثيرا ما يتفق للعوام. و قد يكون هذا التوطين و الإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي أو كونه رأي مذهب بعض العامة فزعم أن الطلاق يقع مع الإكراه فإذا أكره علي الطلاق فقد طلق قاصدا لوقوعه لأن القصد إلي اللفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد إلي وقوعها فيرضي نفسه بذلك و يوطنها عليه و هذا أيضا كثيرا ما يتفق للعوام و الحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال إلا أن تحقق الإكراه أقرب

[عقد المكره لو تعقبه الرضا]

[الاستدلال علي الصحة]

ثم إن المشهور بين المتأخرين أنه لو رضي المكره بما فعله صح العقد بل عن الرياض تبعا للحدائق أن عليه اتفاقهم لأنه عقد حقيقي فيؤثر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع و هو طيب النفس. و دعوي اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد خالية عن الشاهد مدفوعة بالإطلاقات
المكاسب، ج‌2، ص 122
و أضعف منها دعوي اعتبارها في مفهوم العقد- اللازم منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة و أضعف من الكل دعوي اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق و كون إكراهه علي العقد تعبديا لا لتأثير فيه و يؤيده فحوي صحة عقد الفضولي حيث إن المالك طيب النفس بوقوع أثر العقد و غير منشئ للنقل بكلامه. و إمضاء إنشاء الغير ليس إلا طيب النفس بمضمونه و ليس إنشاء مستأنفا مع أنه لو كان فهو موجود هنا فلم يصدر من المالك هنالك إلا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد و هذا موجود فيما نحن فيه مع زائد و هو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد لما عرفت من أن عقده إنشاء حقيقي. و توهم أن عقد الفضولي واجد لما هو مفقود هنا و هو طيب نفس العاقد بما ينشؤه مدفوع بالقطع بأن طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية إذ يكفي فيه مجرد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه و لا في النقل و الانتقال لعدم مدخلية غير المالك فيه. نعم لو صح ما ذكر سابقا من توهم أن المكره لا قصد له إلي مدلول اللفظ أصلا و أنه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعني الصوت كما صرح به بعض صح أنه لا يجدي تعقب الرضا إذ لا عقد حينئذ لكن عرفت سابقا أنه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوي فراجع

[ما استدل به علي البطلان و المناقشة فيه

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد و إن انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ الدال علي اعتبار كون العقد عن التراضي مضافا إلي النبوي المشهور الدال علي رفع حكم الإكراه مؤيدا بالنقض بالهازل مع أنهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا و الكل كما تري لأن دلالة الآية علي اعتبار وقوع العقد عن التراضي إما بمفهوم الحصر و إما بمفهوم الوصف و لا حصر كما لا يخفي لأن الاستثناء منقطع و غير مفرغ. و مفهوم الوصف علي القول به مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ و دعوي وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة و سيجي‌ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية علي اعتبار سبق التراضي في البيع الفضولي. و أما حديث الرفع ففيه أولا أن المرفوع فيه هي المؤاخذة و الأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره و إلزامه بشي‌ء و الحكم بوقوف عقده علي رضاه راجع إلي أن له أن يرضي بذلك و هذا حق له لا عليه. نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتي يرضي المكره أو يفسخ و هذا إلزام لغيره و الحديث لا يرفع المؤاخذة و الإلزام عن غير المكره كما تقدم و أما إلزامه بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو من توابع الحق الثابت له بالإكراه لا من أحكام الفعل المتحقق علي وجه الإكراه ثم إن ما ذكرنا واضح علي القول بكون الرضا ناقلا و كذلك علي القول بالكشف بعد التأمل. و ثانيا أنه يدل علي أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الإكراه يرتفع عنه إذا وقع مكرها عليه كما هو معني رفع الخطأ و النسيان أيضا و هذا المعني موجود فيما نحن فيه لأن أثر العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه سبب مستقل لنقل المال و من المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه و هذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الإكراه العلة التامة للملكية لم يكن ثابتا للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ليرتفع به إذ المفروض أن الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه و بعبارة أخري أن اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار عدم الإكراه هو اللزوم المنفي بهذا الحديث و المدعي ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه علي رضا المالك و هذا غير مرتفع بالإكراه لكن يرد علي هذا أن مقتضي حكومة الحديث علي الإطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس فلا يجوز الاستناد إليها لصحة بيع المكره و وقوفه علي الرضا اللاحق فلا يبقي دليل علي صحة بيع المكره فيرجع إلي أصالة الفساد. و بعبارة أخري أن أدلة صحة البيع تدل علي سببية مستقلة فإذا قيدت بغير المكره لم يبق لها دلالة علي حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل علي صحة البيع بالمعني الأعم من السببية المستقلة كان دليل الإكراه حاكما عليه مقيدا له فلا ينفع اللهم إلا أن يقال إن الإطلاقات المقيدة للسببية المستقلة مقيدة بحكم الأدلة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له. و أما المرضي به بالرضا اللاحق فإنما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف و هو أصل البيع قبل الرضا و لا نقول بتأثيره بل مقتضي الأدلة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره و وجوب الوفاء به. فالإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه و الرضا به لاحقا و لازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام و هذا لا يرتفع بالإكراه لأن الإكراه مأخوذ فيه بالفرض [إلا أن يقال إن أدلة الإكراه كما ترفع السببية المستقلة [التي أفادتها الإطلاقات قبل التقييد كذلك ترفع مطلق الأثر عن العقد المكره عليه لأن التأثير الناقص أيضا استفيد من الإطلاقات بعد تقييدها بالرضا الأعم من اللاحق و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا إذ علي الأول يكون تمام المؤثر نفسه و علي الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد و هو تعقبه للرضا و كيف كان فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له لا يترتب عليه إلا كونه جزء المؤثر التام و هذا أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا أو وصف تعقبه له فتأمل.

بقي الكلام في أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف

مقتضي الأصل و عدم حدوث حل مال الغير إلا عن طيب نفسه هو الأول إلا أن الأقوي بحسب الأدلة النقلية هو الثاني كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي و ربما يدعي أن مقتضي الأصل هنا و في الفضولي هو الكشف لأن مقتضي الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعني و هو النقل من حين العقد و ترتب الآثار عليه لا يكون إلا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل. و فيه أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل إلا أن إنشاءه لما كان في زمان التكلم فإن كان ذلك الإنشاء مؤثرا في نظر الشارع في زمان التكلم حدث الأثر فيه و إن كان مؤثرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده. فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من
المكاسب، ج‌2، ص 123
اجتماع ما يعتبر في الحكم و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف و السلم و الهبة أو بعد انقضاء زمان الخيار علي مذهب الشيخ غير مناف لمقتضي الإيجاب و لم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلي الأزمنة. فإن قلت حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان بعد الرضا إلا أن حكمه بذلك لما كان من جهة إمضائه للرضا بما وقع فكأنه حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله. قلت المراد هو الملك شرعا و لا معني لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك و سيأتي توضيح ذلك في البيع الفضولي إن شاء الله. و إن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضي فسخ العقد- فإنه و إن كان حلا للعقد السابق و جعله كأن لم يكن إلا أنه لا ترتفع به الملكية السابقة علي الفسخ لأن العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلقة ثم علي القول بالكشف هل للطرف غير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله.

مسألة و من شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا

اشارة

فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقدا إلا بإذن سيده سواء أ كان لنفسه في ذمته أو بما في يده أم لغيره

[الدليل علي هذا الشرط]

لعموم أدلة عدم استقلاله في أموره. قال الله تعالي ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ. و عن الفقيه بسنده إلي زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا: المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلا بإذن سيده قلت فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق قال بيد السيد ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلي شَيْ‌ءٍ فشي‌ء الطلاق. و الظاهر من القدرة خصوصا بقرينة الرواية هو الاستقلال إذ المحتاج إلي غيره في فعل غير قادر عليه فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنه شي‌ء فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولي فهو شرعا بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه لا أنه لا يترتب عليه حكم شرعي أصلا كيف و أفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار

[هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيد]

اشارة

و كيف كان فإنشاءات العبد لا يترتب عليه آثارها من دون إذن المولي- أما مع الإذن السابق فلا إشكال و أما مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع لأن المنع فيه ليس من جهة العوضين- الذين يتعلق بهما حق المجيز فله أن يرضي بما وقع علي ماله من التصرف في السابق و أن لا يرضي بل المنع من جهة راجعة إلي نفس الإنشاء الصادر و ما صدر علي وجه لا يتغير منه بعده و بتقرير آخر أن الإجازة إنما تتعلق بمضمون العقد و حاصله أعني انتقال المال بعوض و هذا فيما نحن فيه ليس منوطا برضا المولي قطعا إذ المفروض أنه أجنبي عن العوضين و إنما له حق في كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده فإذا وقع علي وجه يستقل به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعا

[مختار المؤلف و دليله

إلا أن الأقوي هو لحوق إجازة المولي لعموم أدلة الوفاء بالعقود و المخصص إنما دل علي عدم ترتب الأثر علي عقد العبد من دون مدخلية المولي أصلا سابقا و لاحقا لا مدخلية إذنه السابق و لو شك أيضا وجب الأخذ بالعموم في مورد الشك. و تؤيد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة السابقة فإن جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة. فالمراد بالإذن هو الأعم إلا أنه خرج الطلاق بالدليل و لا يلزم تأخير البيان لأن الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق بحيث لا يحتاج إلي رضا المولي أصلا بل و مع كراهة المولي كما يرشد إليه التعبير عن السؤال بقوله بيد من الطلاق.

[ما يؤيد المختار]

و يؤيد المختار بل يدل عليه ما ورد في صحة نكاح العبد الواقع بغير إذن المولي إذا أجازه معللا بأنه لم يعص الله تعالي و إنما عصي سيده فإذا أجاز جاز بتقريب أن الرواية تشمل ما لو كان العبد هو العاقد علي نفسه و حمله علي ما إذا عقد الغير له مناف لترك الاستفصال مع أن تعليل الصحة بأنه لم يعص الله تعالي إلي آخره في قوة أن يقال إنه إذا عصي الله بعقد كعقد علي ما حرم الله تعالي علي ما مثل به الإمام ع في روايات أخري واردة في هذه المسألة كان العقد باطلا لعدم تصور رضا الله تعالي بما سبق من معصيته أما إذا لم يعص الله و عصي سيده أمكن رضا سيده فيما بعد بما لم يرض به سابقا فإذا رضي به و أجاز صح. فيكون الحاصل أن معيار الصحة في معاملة العبد بعد كون المعاملة في نفسها مما لم ينه عنه الشارع هو رضا سيده بوقوعه سابقا أو لاحقا و أنه إذا عصي سيده بمعاملة ثم رضي السيد بها صح و أن ما قاله المخالف من أن معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده و أنه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامة غير صحيح فافهم و اغتنم و من ذلك يعرف أن استشهاد بعض بهذه الروايات علي صحة عقد العبد و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة بل و مع سبق النهي أيضا لأن غاية الأمر هو عصيان العبد و إثمه في إيقاع العقد و التصرف في لسانه الذي هو ملك للمولي لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد خصوصا النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالة علي أن معصية السيد لا تقدح بصحة العقد في غير محله بل الروايات ناطقة كما عرفت بأن الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولي و تبدله بالرضا بما فعله العبد و ليست كراهة الله عز و جل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق فكأنه قال لم يعص الله حتي يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا و إنما عصي سيده فإذا أجاز جاز فقد علق الجواز صريحا علي الإجازة. و دعوي أن تعليق الصحة علي الإجازة من جهة مضمون العقد و هو التزويج المحتاج إلي إجازة السيد إجماعا لا نفس إنشاء العقد حتي لو فرضناه للغير يكون محتاجا إلي إجازة مولي العاقد مدفوعة بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية بأن رضا المولي بفعل العبد بعد وقوعه يكفي في كل ما يتوقف علي مراجعة السيد و كان فعله من دون مراجعته أو مع النهي عنه معصية له و المفروض أن نفس العقد من هذا القبيل. ثم إن ما ذكره من عصيان العبد بتصرفه في لسانه و أنه لا يقتضي الفساد يشعر بزعم أن المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولي و فيه أولا منع حرمة هذه التصرفات الجزئية للسيرة المستمرة علي مكالمة العبيد
المكاسب، ج‌2، ص 124
و نحو ذلك من المشاغل الجزئية. و ثانيا بداهة أن الحرمة في مثل هذه لا توجب الفساد فلا يظن استناد العلماء في الفساد إلي الحرمة. و ثالثا أن الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحا في صحة العقد غير صحيح لأن مقتضاه أن التكلم إن كان معصية لله تعالي يكون مفسدا مع أنه لا يقول به أحد فإن حرمة العقد من حيث إنه تحريك اللسان كما في الصلاة و القراءة المضيقة و نحوهما لا يوجب فساد العقد إجماعا. فالتحقيق أن المستند في الفساد هو الآية المتقدمة و الروايات الواردة في عدم جواز أمر العبد و مضيه مستقلا و أنه ليس له من الأمر شي‌ء.

فرع لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه- فباعه مولاه صح و لزم

بناء علي كفاية رضا المولي الحاصل من تعريضه للبيع من إذنه الصريح بل يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني و لا يقدح عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب لأن هذا الشرط ليس علي حد غيره من الشروط المعتبرة في كل من المتعاقدين من أول الإيجاب إلي آخر القبول بل هو نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء حيث يكفي تحققه بعد الإيجاب و قبل القبول الذي بني المشتري علي إنشائه فضولا. و عن القاضي البطلان في المسألة مستدلا عليه باتحاد عبارته مع عبارة السيد فيتحد الموجب و القابل و فيه مع اقتضائه المنع لو أذن له السيد سابقا منع الاتحاد أولا و منع قدحه ثانيا هذا إذا أمره الأمر بالاشتراء من مولاه فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولي فعن جماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان أنه لا يصح لعدم الإذن من المولي. و ربما قيل بالجواز حينئذ أيضا بناء علي ما سبق منه من أن المنع لأجل النهي و هو لا يستلزم الفساد و فيه ما عرفت أن وجه المنع هو أدلة عدم استقلال العبد في شي‌ء لا منعه عن التصرف في لسانه فراجع ما تقدم و الله أعلم.

مسألة و من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع

اشارة

فعقد الفضولي لا يصح أي لا يترتب عليه ما يترتب علي عقد غيره من اللزوم و هذا مراد من جعل الملك و ما في حكمه شرطا ثم فرع عليه بأن بيع الفضولي موقوف علي الإجازة كما في القواعد فاعتراض جامع المقاصد عليه بأن التفريع في غير محله لعله في غير محله و كيف كان فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهم المسائل

[اختلاف الفقهاء في صحة عقد الفضولي و اتفاقهم علي بطلان إيقاعه

فنقول اختلف الأصحاب و غيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم علي بطلان إيقاعه كما في غاية المراد علي أقوال.

[المراد بالفضولي

و المراد بالفضولي كما ذكره الشهيد هو كامل غير المالك للتصرف و لو كان غاصبا. و في كلام بعض العامة أنه العاقد بلا إذن من يحتاج إلي إذنه و قد يوصف به نفس العقد و لعله تسامح و كيف كان فيشمل العقد الصادر من البكر الرشيدة بدون إذن الولي و من المالك إذا لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال كما يومئ إليه استدلالهم لفساد الفضولي بما دل علي المنع من نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليها و حينئذ فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحوهما و بيع العبد بدون إذن السيد

[هل العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه فضولي

و كيف كان فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا و طيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوي لأن العاقد لا يصير مالكا للتصرف و مسلطا عليه بمجرد علمه برضا المالك. و يؤيده اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليا و فرعوا عليه بيع الفضولي. و يؤيده أيضا استدلالهم علي صحة الفضولي بحديث عروة البارقي مع أن الظاهر علمه برضا النبي ص بما يفعله و إن كان الذي يقوي في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب- عدم توقفه علي الإجازة اللاحقة بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد سواء علم به العاقد أو انكشف بعد العقد حصوله حينه أو لم ينكشف أصلا فيجب علي المالك فيما بينه و بين الله تعالي إمضاء ما رضي به و يرتب الآثار عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقود. و قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه. و ما دل علي علم المولي بنكاح العبد و سكوته إقرار منه و رواية عروة البارقي الآتية حيث أقبض المبيع و قبض الدينار لعلمه برضا النبي ص و لو كان فضوليا موقوفا علي الإجازة لم يجز التصرف في المعوض و العوض بالقبض و الإقباض و تقرير النبي ص له علي ما فعل دليل علي جوازه هذا مع أن كلمات الأصحاب في بعض المقامات يظهر منها خروج هذا الفرض عن الفضولي و عدم وقوفه علي الإجازة مثل قولهم في الاستدلال علي الصحة إن الشرائط كلها حاصلة إلا رضا المالك. و قولهم إن الإجازة لا يكفي فيها السكوت لأنه أعم من الرضا و نحو ذلك ثم لو سلم كونه فضوليا لكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه علي الإجازة لأنه لا دليل علي توقفه مطلقا علي الإجازة اللاحقة كما هو أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم ملكه مع أنه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما إذ وقوعه برضاه لا ينفك عن ذلك مع الالتفات ثم إنه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا مع العلم برضا السيد و لو لم يأذن له لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار و عدم منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف
ثم اعلم أن الفضولي قد يبيع للمالك و قد يبيع لنفسه و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك و قد يسبقه المنع.

فهنا مسائل ثلاث

الأولي أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك

اشارة

- و هذا هو المتيقن من عقد الفضولي

و المشهور الصحة

اشارة

بل في التذكرة نسبها إلي علمائنا تارة صريحا و أخري ظاهرا بقوله عندنا إلا أنه ذكر عقيب ذلك أن لنا فيه قولا بالبطلان. و في غاية المراد حكي الصحة عن العماني و المفيد و المرتضي و الشيخ في النهاية و سلار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة و حكي عن الإسكافي و استقر عليها رأي من تأخر عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المتأخرين

[مقتضي العمومات الصحة]

لعموم أدلة البيع و العقود لأن خلوه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه و اشتراط ترتب الأثر بالرضا و توقفه عليه أيضا لا مجال لإنكاره فلم يبق الكلام إلا في اشتراط سبق الإذن و حيث لا دليل عليه فمقتضي الإطلاقات عدمه و مرجع ذلك كله إلي عموم حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد خرج منه العاري عن الإذن و
المكاسب، ج‌2، ص 125
الإجازة معا و لم يعلم خروج ما فقد الإذن و لحقه الإجازة و إلي ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر من أهله وقع في محله. فما ذكره في غاية المراد من أنه من باب المصادرات لم أتحقق وجهه لأن كون العاقد أهلا للعقد من حيث إنه بالغ عاقل لا كلام فيه و كذا كون المبيع قابلا للبيع فليس محل الكلام إلا خلو العقد عن مقارنة إذن المالك و هو مدفوع بالأصل و لعل مراد الشهيد أن الكلام في أهلية العاقد و يكتفي في إثباتها بالعموم المتقدم.

[الاستدلال للصحة بقضية عروة البارقي و المناقشة فيه

و قد اشتهر الاستدلال عليه: بقضية عروة البارقي حيث دفع إليه النبي ص دينارا و قال له اشتر لنا به شاة للأضحية فاشتري به شاتين ثم باع إحداهما في الطريق بدينار فأتي النبي ص بالشاة و الدينار فقال له رسول الله ص بارك الله لك في صفقة يمينك فإن بيعه وقع فضولا و إن وجهنا شراءه علي وجه يخرج عن الفضولي- هذا و لكن لا يخفي أن الاستدلال بها يتوقف علي دخول المعاملة- المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي. توضيح ذلك أن الظاهر علم عروة برضا النبي ص بما يفعل و قد أقبض المبيع و قبض الثمن و لا ريب أن الإقباض و القبض في بيع الفضولي حرام لكونه تصرفا في مال الغير فلا بد إما من التزام أن عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض و هو مناف لتقرير النبي ص و إما من القول بأن البيع الذي يعلم تعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء علي كون الإجازة كاشفة و سيجي‌ء ضعفه فيدور الأمر بين ثالث و هو جعل هذا الفرد من البيع و هو المقرون برضا المالك خارجا عن الفضولي كما قلناه. و رابع و هو علم عروة برضا النبي ص بإقباض ماله للمشتري حتي يستأذن و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الأمانة و إلا فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا فلا يستحق قبض المال فلو كان المشتري عالما فله أن يستأمنه علي الثمن حتي ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا و لكن الظاهر هو أول الوجهين كما لا يخفي خصوصا بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة علي جهة المعاطاة- . و قد تقدم أن المناط فيها مجرد المراضاة و وصول كل من العوضين إلي صاحب الآخر و حصوله عنده بإقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضا المالكين ثم وصل كل من العوضين إلي صاحب الآخر و علم برضا صاحبه كفي في صحة التصرف و ليس هذا من معاملة الفضولي لأن الفضولي صار آلة في الإيصال و العبرة برضا المالك المقرون به

[الاستدلال للصحة بصحيحة محمد بن قيس

اشارة

و استدل له أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمد ابن قيس عن أبي جعفر الباقر ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر فقال وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال ع الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها فقال له خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتي ينفذ البيع لك فلما رءاه أبوه قال له أرسل ابني قال لا و الله لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه الحديث قال في الدروس و فيها دلالة علي صحة الفضولي و أن الإجازة كاشفة

[المناقشة في الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

و لا يرد عليها شي‌ء مما يوهن الاستدلال بها فضلا عن أن يسقطها و جميع ما ذكر فيها من الموهنات موهونة- إلا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد من جهة ظهور المخاصمة في ذلك. و إطلاق حكم الإمام ع بتعيين أخذ الجارية و ابنها من المالك بناء علي أنه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرد و مناشدة المشتري للإمام ع و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده. و قوله حتي ترسل ابني الظاهر في أنه حبس الولد و لو علي قيمته يوم الولادة و حمل إمساكه الوليدة علي حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها علي القيمة ينافيه قوله ع فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الوليدة. و الحاصل أن ظهور الرواية في رد البيع أولا مما لا ينكره المنصف إلا أن الإنصاف أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للإنكار فلا بد من تأويل ذلك الظاهر لقيام القرينة و هي الإجماع علي اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد. و الحاصل أن مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها علي تصحيح بيع الفضولي بالإجازة بناء علي قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي كان ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا للاقتصار علي موردها لوجه علمه الإمام ع مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوي عدم الإذن للولد فاحتال ع حيلة يصل بها الحق إلي صاحبه

[توجيه الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

و أما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير ع في قوله خذ ابنه حتي ينفذ لك البيع. و قول الباقر ع في مقام الحكاية فلما رأي ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه في أن للمالك أن يجيز العقد الواقع علي ملكه و ينفذه لم يقدح في ذلك ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الرد فيئول ما يظهر منه الرد بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرد أو كون حبس الوليدة علي الثمن أو نحو ذلك و كأنه قد اشتبه مناط الاستدلال علي من لم يستدل بها في مسألة الفضولي أو يكون الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة فإنها لا تزيد علي الإشعار- و لذا لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي بل ذكرها في موضع آخر لكن الفقيه في غني عنه بعد العمومات المتقدمة.

[الاستدلال لصحة بيع الفضولي بفحوي صحة نكاحه

اشارة

و ربما يستدل أيضا بفحوي صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر و العبد- الثابتة بالنص و الإجماعات المحكية فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولي بذلك مضافا إلي ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح لأنه يكون منه الولد كما في بعض الأخبار. و قد أشار إلي هذه الفحوي في غاية المراد و استدل بها في الرياض بل قال إنه لولاها أشكل الحكم من جهة الإجماعات المحكية علي المنع و هو حسن

[المناقشة في الاستدلال المذكور]

إلا أنها ربما توهن بالنص الوارد في الرد علي العامة- الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني لأن المال له عوض و البطلان في الأول لأن البضع ليس له عوض: حيث قال الإمام ع في مقام ردهم و اشتباههم في وجه الفرق سبحان الله ما أجور هذا الحكم و أفسده فإن
المكاسب، ج‌2، ص 126
النكاح أولي و أجدر أن يحتاط فيه لأنه الفرج و منه يكون الولد الخبر و حاصله أن مقتضي الاحتياط كون النكاح الواقع أولي بالصحة من حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره فدل علي أن صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولي خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح فمقتضي حكم الإمام ع أن صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم صحة النكاح الواقع بطريق أولي و حينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلي صحة البيع لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية و إلا لم يتحقق الأولوية كما لا يخفي. فالاستدلال بصحة النكاح علي صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولي بالبطلان من جهة أن البضع غير قابل للتدارك بالعوض بقي الكلام في وجه جعل الإمام ع الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله مستدلا بأنه يكون منه الولد أن الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين و لا احتياط في البين و يمكن أن يكون الوجه في ذلك أن إبطال النكاح في مقام الإشكال و الاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين علي تقدير الصحة واقعا فتتزوج المرأة و يحصل الزني بذات البعل- بخلاف إبقائه فإنه علي تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلا وطء المرأة الخالية عن المانع و هذا أهون من وطء ذات البعل. فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا و كيف كان فمقتضي هذه الصحيحة أنه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب ذلك التعدي إلي الحكم بصحة بيع الفضولي. نعم لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح لأن النكاح أولي بعدم الإبطال كما هو نص الرواية ثم إن الرواية و إن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي إلا أن المستفاد منها قاعدة كلية هي أن إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح من دون العكس الذي هو مبني الاستدلال في مسألة الفضولي-

[ما يؤيد صحة بيع الفضولي

[ما ورد في المضاربة]

هذا ثم إنه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة- مثل موثقة جميل عن أبي عبد الله ع: في رجل دفع إلي رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشتري غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرطه. و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب فإنها إن أبقيت علي ظاهرها من عدم توقف ملك الربح علي الإجازة كما نسب إلي ظاهر الأصحاب و عد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص كما في المسالك و غيره كان فيها استيناس لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلي غيره و إن حملناها علي صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو الغالب. و بمقتضي الجمع بين هذه الأخبار و بين ما دل علي اعتبار رضا المالك في نقل ماله و النهي عن أكل المال بالباطل- اندرجت المعاملة في الفضولي و صحتها في خصوص المورد و إن احتمل كونها للنص الخاص إلا أنها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

[ما ورد في اتجار غير الولي في مال اليتيم

و من هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم و أن الربح لليتيم فإنها إن حملت علي صورة إجازة الولي كما هو صريح جماعة تبعا للشهيد كان من أفراد المسألة و إن عمل بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدمهم خرجت عن مسألة الفضولي لكن يستأنس بها للمسألة بالتقريب المتقدم و ربما احتمل دخولها في المسألة من حيث إن الحكم بالمضي إجازة إلهية لاحقه للمعاملة فتأمل.

[رواية ابن أشيم

و ربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن أشيم الواردة: في العبد المأذون الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة و يعتقها و يحجه عن أبيه فاشتري أباه و أعتقه ثم تنازع مولي المأذون و مولي الأب و ورثة الدافع و ادعي كل منهم أنه اشتراه بماله فقال أبو جعفر ع يرد المملوك رقا لمولاه و أي الفريقين أقاموا البينة بعد ذلك علي أنه اشتراه بماله كان رقا له الخبر بناء علي أنه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال- في تملك المبيع بعد مطالبتهم المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوي الشراء بالمال و لا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع.

[صحيحة الحلبي

و مما تؤيد المطلب أيضا صحيحة الحلبي: عن الرجل يشتري ثوبا و لم يشترط علي صاحبه شيئا- فكرهه ثم رده علي صاحبه فأبي أن يقبله إلا بوضيعة قال لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد علي صاحبه الأول ما زاد فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا علي صحة بيع الفضولي لنفسه.

[موثقة عبد الله

و يمكن التأييد له أيضا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق فيشترط عليه أنك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته و ما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت و دع ما كرهت قال لا بأس الخبر بناء علي أن الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه ليكون الورق عليه قرضا فيبيع علي صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة و يوفيه دينه. و لا ينافي هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر لأن وصفه بذلك باعتبار أصل حرفته و شغله لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. و يحتمل أن يكون لصاحب الورق بإذنه مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره و يحتمل أن يكون فضوليا عن صاحب الورق فيتخير ما يريد و يرد ما يكره و ليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسمسار علي وجه ينافي كونه فضوليا كما لا يخفي فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه و حكم الإمام ع بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم علي جميع الاحتمالات.

[أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه

و ربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده. و حاصله أن المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجي زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا و هو عصيان الله تعالي. و أما المانع الذي يرجي زواله كعصيان السيد فبزواله يصح العقد و رضا المالك من هذا القبيل فإنه لا يرضي أولا و يرضي ثانيا بخلاف سخط الله عز و جل بفعل فإنه يستحيل رضاه

[مختار المؤلف الصحة]

هذا غاية ما يمكن أن يحتج و يستشهد به للقول بالصحة و بعضها و إن كان مما يمكن الخدشة فيه إلا أن في بعضها الآخر غني و كفاية

و احتج للبطلان بالأدلة الأربعة.

أما الكتاب

فقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد علي أن غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض غير
المكاسب، ج‌2، ص 127
مبيح لأكل مال الغير و إن لحقها الرضا و من المعلوم أن الفضولي غير داخل في المستثني و فيه أن دلالته علي الحصر ممنوعة لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ و صريح المحكي عن جماعة من المفسرين ضرورة عدم كون التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه. و أما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد فهو مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخري ككونه واردا مورد الغالب كما فيما نحن فيه. و في قوله تعالي وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مع احتمال أن يكون عن تراض خبرا بعد خبر لتكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها و إن كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد فيكون المعني إلا أن يكون سبب الأكل تجارة و يكون عن تراض و من المعلوم أن السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي إنما نشأ عن التراضي مع أن الخطاب لملاك الأموال و التجارة في الفضولي إنما تصير تجارة المالك بعد الإجازة فتجارته عن تراض. و قد حكي عن المجمع أن مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم أن معني التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد و لعله يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبرا بعد خبر

و أما السنة

اشارة

فهي أخبار منها النبوي المستفيض: و هو قوله ص لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك- فإن عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه علي تسليمه لعدم تملكه فيكون مساوقا للنبوي الآخر: لا بيع إلا فيما يملك بعد قوله ص لا طلاق إلا فيما يملك و لا عتق إلا فيما يملك و لما ورد في توقيع العسكري ع إلي الصفار: لا يجوز بيع ما ليس يملك و ما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله: أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه و ما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد: في أرض بفم النيل اشتراها رجل و أهل الأرض يقولون هي أرضنا و أهل الأستان يقولون هي أرضنا فقال لا تشترها إلا برضا أهلها و ما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل: في رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها قال قل له ليمنعها أشد المنع فإنها باعت ما لم تملكه

[المناقشة في الاستدلال بالروايات

و الجواب عن النبوي أولا أن الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للإجماع و النص علي جواز بيع الكلي و من البيع البيع لنفسه لا عن مالك العين و حينئذ فإما أن يراد بالبيع مجرد الإنشاء فيكون دليلا علي عدم جواز بيع الفضولي لنفسه فلا يقع له و لا للمالك بعد إجازته و إما أن يراد ما عن التذكرة من أن يبيع عن نفسه ثم يمضي ليشتريه من مالكه قال لأنه ص ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي و يشتريه و يسلمه فإن هذا البيع غير جائز و لا نعلم فيه خلافا للنهي المذكور و للغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها انتهي. و هذا المعني يرجع إلي المراد من روايتي خالد و يحيي الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه و يكون بطلان البيع بمعني عدم وقوع البيع للبائع بمجرد انتقاله إليه بالشراء فلا ينافي أهليته لتعقب الإجازة من المالك. و بعبارة أخري نهي المخاطب عن البيع دليل علي عدم وقوعه مؤثرا في حقه فلا يدل علي الغاية بالنسبة إلي المالك حتي لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له و هذا المعني أظهر من الأول و نحن نقول به كما سيجي‌ء. و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع لكنها بالعموم فيجب تخصيصه بما تقدم من الأدلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز. و بما ذكرناه من الجوابين يظهر الجواب عن دلالة قوله لا بيع إلا في ملك فإن الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه و أن النفي راجع إلي نفي الصحة في حقه لا في حق المالك مع أن العموم لو سلم وجب تخصيصه بما دل علي وقوع البيع للمالك إذا أجاز. و أما الروايتان فدلالتهما علي ما حملنا عليه السابقين أوضح و ليس فيهما ما يدل و لو بالعموم علي عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز. و أما الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع فإنما هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض و الضيعة رأسا علي ما يقتضيه السؤال فيهما. و توضيحه أن النهي في مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد إلا أنه بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه. و من المعلوم أن عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه و لذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا و لذا عد في الشرائع و القواعد من شروط المتعاقدين أعني شروط الصحة كون العاقد مالكا أو قائما مقامه و إن أبيت إلا عن ظهور الروايتين في لغوية عقد الفضولي رأسا وجب تخصيصهما بما تقدم من أدلة الصحة. و أما رواية القاسم بن فضيل فلا دلالة فيها إلا علي عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي لأنه باع ما لا يملك و هذا حق لا ينافي صحة الفضولي. و أما توقيع الصفار فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك بمعني وقوعه للبائع علي جهة الوجوب و اللزوم و يؤيده تصريحه ع بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك فلا دلالة علي عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز. و بالجملة فالإنصاف أنه لا دلالة في تلك الأخبار بأسرها علي عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز و لا تعرض فيها إلا لنفي وقوعه للعاقد.

الثالث الإجماع علي البطلان

ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا بأن الصحة مذهب قوم من أصحابنا معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم و ادعاه ابن زهرة أيضا في الغنية و ادعي الحلي في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشتري بعين المغصوب و الجواب عدم الظن بالإجماع بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين و المفيد و المرتضي و الشيخ بنفسه في النهاية التي هي آخر مصنفاته علي ما قيل و أتباعهم إلي الصحة و أتباع المتأخرين عليه عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين.

الرابع ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه

اشارة

فإن الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف ففي التوقيع المروي في الاحتجاج: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه و لا ريب أن بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

[المناقشة في دليل العقل

و الجواب أن العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتب الآثار عليها ليس تصرفا فيه. نعم لو فرض كون العقد علة تامة و لو عرفا لحصول الآثار كما في بيع المالك أو الغاصب المستقل كان حكم العقد جوازا و
المكاسب، ج‌2، ص 128
منعا حكم معلولة المترتب عليه ثم لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه- مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال بناء علي أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي مع أن تحريمه لا يدل علي الفساد مع أنه لو دل لدل علي بطلان البيع بمعني عدم ترتب الأثر عليه و عدم استقلاله في ذلك و لا ينكره القائل بالصحة خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة. و مما ذكرنا ظهر الجواب عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري بناء علي أن العقد المقرون بهذا القصد قبيح محرم لا نفس القصد المقرون بهذا العقد.

و قد يستدل للمنع بوجوه أخر ضعيفة

أقواها أن القدرة علي التسليم معتبرة في صحة البيع و الفضولي غير قادر و أن الفضولي غير قاصد حقيقة إلي مدلول اللفظ كالمكره كما صرح في المسالك. و يضعف الأول مضافا إلي أن الفضولي قد يكون قادرا علي إرضاء المالك بأن هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا بل يكفي تحققه في المالك فحينئذ يشترط في صحة العقد مع الإجازة قدرة المجيز علي تسليمه و قدرة المشتري علي تسليمه علي ما سيجي‌ء. و يضعف الثاني بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره لا أزيد منه بدليل الإجماع علي صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق فإن دعوي عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع كما تري.

المسألة الثانية أن يسبقه منع من المالك

و المشهور أيضا صحته

و حكي عن فخر الدين أن بعض المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك و يلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي: أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر بعد تضعيف السند علي أنه إن نكح بعد منع مولاه و كراهته فإنه يقع باطلا و الظاهر أنه لا يفرق بين النكاح و غيره. و يظهر من المحقق الثاني حيث حمل فساد بيع الغاصب نظرا إلي القرينة الدالة علي عدم الرضا و هي الغصب و كيف كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا عدا تخيل أن المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة المختصة بغير المقام و أن العقد إذا وقع منهيا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد فلا ينفع الإجازة اللاحقة بناء علي أنه لا يعتبر في الرد سوي عدم الرضا الباطني بالعقد علي ما يقتضيه حكم بعضهم بأنه إذا حلف الموكل علي نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد لأن الحلف عليه أمارة عدم الرضا

[مختار المؤلف و دليله

هذا و لكن الأقوي عدم الفرق لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة و كفاية العمومات مضافا إلي ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس و جريان فحوي أدلة نكاح العبد بدون إذن مولاه مع ظهور المنع فيها و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد مع أن رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد حينئذ مع جريان المؤيدات المتقدمة له من بيع مال اليتيم و المغصوب و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح في منعه عما عداه. و أما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما فلم يدل دليل علي كونه فسخا لا ينفع بعده الإجازة. و ما ذكره في حلف الموكل غير مسلم و لو سلم فمن جهة ظهور الإقدام علي الحلف علي ما أنكره في رد البيع و عدم تسليمه له. و مما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا و أن كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا تقدح في حصته إذا لحقه الإجازة.

المسألة الثالثة أن يبيع الفضولي لنفسه

اشارة

و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب و قد يتفق من غيره بزعم ملكية المبيع كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة

[الأقوي الصحة و الدليل عليه

و الأقوي فيه الصحة وفاقا للمشهور للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم و فحوي الصحة في النكاح و أكثر ما تقدم من المؤيدات مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة

[الإشكال علي صحة هذا البيع من وجوه

اشارة

و لا وجه للفرق بينه و بين ما تقدم من الفضولي للمالك إلا وجوه تظهر من كلمات جماعة بعضها مختص ببيع الغاصب و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة

منها إطلاق ما تقدم من النبويين:

لا تبع ما ليس عندك و: لا بيع إلا في ملك بناء علي اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه. و الجواب عنه يعرف مما تقدم من أن مضمونهما عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه غير المالك بلا تعرض فيهما لوقوعه و عدمه بالنسبة إلي المالك إذا أجاز.

و منها بناء المسألة علي ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك

و هذا غالبا مفقود في المغصوب و قد تقدم عن المحقق الكركي أن الغصب قرينة عدم الرضا و فيه أولا أن الكلام في الأعم من بيع الغاصب. و ثانيا أن الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا فقد يرضي المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة و تملك الثمن فليس في الغصب دلالة علي عدم الرضا بأصل البيع بل الغاصب و غيره من هذه الجهة سواء. و ثالثا قد عرفت أن سبق منع المالك غير مؤثر.

و منها أن الفضولي إذا قصد إلي بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة

إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة فحقيقته ترجع إلي إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه و هذا ليس بيعا و الجواب عن ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب- أن قصد المعاوضة الحقيقية مبني علي جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي هذا الأمر غير الحقيقي حقيقية نظير المجاز الادعائي في الأصول. نعم لو باع لنفسه من دون بناء علي ملكية المثمن و لا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للمالك لعدم تحقق معني المعاوضة و لذا ذكروا أنه لو اشتري بماله لغيره شيئا بطل و لم يقع له و لا لغيره و المراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه و قد تخيل بعض المحققين أن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام و هو ما لو باع مال غيره لنفسه لأنه عكسه و قد عرفت أن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد لتملك المثمن لأن مفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز.

و منها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فإن تعلقت إجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد

لأن معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته و إن تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا إمضاء النقل الفضولي فيكون النقل من المنشئ غير مجاز و المجاز غير منشأ و قد أجاب عن هذا المحقق القمي رحمه الله في بعض أجوبة مسائله بأن الإجازة في هذه الصورة مصححة للبيع لا بمعني لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود بل بمعني تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك
المكاسب، ج‌2، ص 129
و وقوع البيع عنه و قال نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه. و قد صرح في موضع آخر بأن حاصل الإجازة يرجع إلي أن العقد الذي قصد إلي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي فيكون عقدا جديدا كما هو أحد الأقوال في الإجازة و فيه أن الإجازة علي هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري لأن المفروض عدم رضا المشتري ثانيا بالمذكور و لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز فالمشتري إنما رضي بذلك الإيجاب المغاير لمؤدي الإجازة فإذا التزم يكون مرجع الإجازة إلي تبديل عقد بعقد و بعدم الحاجة إلي قبول المشتري ثانيا فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري و هذا خلاف الإجماع و العقل. و أما القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم- و إنما حكي كاشف الرموز عن شيخه أن الإجازة من مالك المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع فهو [بيع قائم مقام إيجاب البائع و ينضم إليه القبول المتقدم من المشتري و هذا لا يجري فيما نحن فيه لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملك المبيع منه فإذا بني علي كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر فالاكتفاء عنه بمجرد إجازة البائع الراجعة إلي تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضا البائع و إنشائه عن رضا المشتري و إنشائه و هذا ما ذكرناه من أنه خلاف الإجماع و العقل فالأولي في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. و توضيحه أن البائع الفضولي إنما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن و أما كون الثمن مالا له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه إلي ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمعني المعاوضة و المبادلة و حيث إن البائع يملك المثمن بانيا علي تملكه له و تسلطه عليه عدوانا أو اعتقادا لزم من ذلك بناؤه علي تملك الثمن و التسلط عليه و هذا معني قصد بيعه لنفسه و حيث إن المثمن ملك لمالكه واقعا فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه فعلم من ذلك أن قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتي يتردد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه المعوض إلا باقتضاء المعاوضة لذلك و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير فقال للبائع الأصيل تملكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم فإن مفهوم هذا الإنشاء هو تملك الفضولي للثوب فلا مورد لإجازة مالك الدراهم علي وجه ينتقل الثوب إليه فلا بد من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب. و بالجملة فنسبة المتكلم الفضولي تملك المثمن إلي نفسه بقوله ملكت أو تملكت كإيقاع المتكلم الأصلي التمليك علي المخاطب الفضولي بقوله ملكتك هذا بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك و بهذا استشكل العلامة رحمه الله عليه في التذكرة حيث قال لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد و لا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته لأنه حينئذ إنما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعم من كونه أصليا أو نائبا و لذا يجوز مخاطبته و إسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا و ليس إلا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا فإذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره علي الوجه الأعم من كونه نائبا أو أصليا أما الفضولي فهو أجنبي عن المالك لا يمكن فيه ذلك الاعتبار و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الإشكال في بعض كلماته فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه مع أنه لا يخفي مخالفته للفتاوي و أكثر النصوص المتقدمة في المسألة كما اعترف به أخيرا و أخري بأن الإجازة إنما تتعلق بنفس مبادلة العوضين و إن كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها و فيه أن حقيقة العقد في العبارة التي ذكرنا في الإشكال أعني قول المشتري الغاصب تملكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم ليس إلا إنشاء تملكه للمبيع فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملك المالك الأصلي له بل يتوقف علي نقل مستأنف. فالأنسب في التفصي أن يقال إن نسبة الملك إلي الفضولي العاقد لنفسه في قوله تملكت منك أو قول غيره له ملكتك ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا و
لذا لو عقد لنفسه من دون البناء علي مالكيته للثمن التزمنا بلغويته ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بإزاء مال غيره فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادعائيا فلو لم يكن أحدهما و عقد لنفسه لم تتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه تملكت منك كذا و كذا فالمنسوب إليه التملك إنما هو المتكلم لا من حيث هو بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا و حيث إن الثابت للشي‌ء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن إلا أن الفضولي لما بني علي أنه المالك المسلط علي الثمن أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن إلي نفسه فالإجازة الحاصلة من المالك متعلقة بإنشاء الفضولي و هو التملك المسند إلي مالك الثمن و هو حقيقة نفس المجيز فيلزم من ذلك انتقال المثمن إليه هذا مع أنه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة للعقد الفضولي- موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي- ذكره شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد و تبعه غير واحد من أجلاء تلامذته و ذكر بعضهم في ذلك وجهين أحدهما أن قضية بيع مال الغير عن نفسه أو الشراء بمال الغير لنفسه جعل ذلك المال له ضمنا حتي أنه علي فرض صحة ذلك البيع أو الشراء تملكه قبل آن انتقاله إلي غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال أعتق عبدك عني أو قال بع مالي عنك أو اشتر لك بمالي كذا فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء. و نقول في المقام أيضا إذا أجاز المالك صح البيع أو الشراء و صحته تتضمن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق
المكاسب، ج‌2، ص 130
قاضية بتملكه المبيع ليقع البيع في ملكه و لا مانع منه. الثاني أنه لا دليل علي اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه أو الشراء به فلو قال بع هذا لنفسك أو اشتر لك بهذا ملك الثمن في الصورة الأولي بانتقال المبيع عن مالكه إلي المشتري و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية و يتفرع عليه أنه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك إلي مالكه دون العاقد. أقول و في كلا الوجهين نظر أما الأول فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة كما تقدم في بعض فروع المعاطاة مع أن قياس الإجازة علي الإذن قياس مع الفارق لأن الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع بخلاف الإجازة فإنها لا تتعلق إلا بما وقع سابقا و المفروض أنه لم يقع إلا مبادلة مال الغير بمال آخر. نعم لما بني هو علي ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه فالإجازة من المالك إن رجعت إلي نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز و إن رجعت إلي المبادلة منضمة إلي بناء العاقد علي تملك المال فهي و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد إلا أن مرجع هذا إلي إجازة ما بني عليه العاقد من التملك و إمضائه له إذ بعد إمضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل إلا أن من المعلوم عدم الدليل علي تأثير الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقة شرعا بل الدليل علي عدمه لأن هذا مما لا يؤثر فيه الإذن لأن الإذن في التمليك لا يؤثر التملك فكيف إجازته. و أما الثاني فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة و لذا صرح العلامة رحمه الله في غير موضع من كتبه تارة بأنه لا يتصور و أخري بأنه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئا بل ادعي بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن اشتر لنفسك به طعاما و قد صرح به الشيخ و المحقق و غيرهما. نعم سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب أن ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما أن الغاصب مسلط علي الثمن و أن لم يملكه فإذا اشتري به شيئا ملكه و ظاهر هذا إمكان أن لا يملك الثمن و يملك المثمن المشتري إلا أن يحمل ذلك منهم علي التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا- كما نسبه الفخر رحمه الله إلي الأصحاب أو آنا ما قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا للشراء و كيف كان فالأولي في التفصي عن الإشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا
ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة إنما هو إلي مالك المعوض لكنه بحسب بناء الطرفين علي مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة البيع لنفسه مختص بصورة علم المشتري الأصيل و هو أن المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا فقد حكم الأصحاب علي ما حكي عنهم بأن المالك لو رد فليس للمشتري الرجوع علي البائع بالثمن و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية و إلا لكان ردها موجبا لرجوع كل عوض إلي مالكه و حينئذ فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن لسبق اختصاص الغاصب به فيكون البيع بلا ثمن و لعل هذا هو الوجه في إشكال العلامة في التذكرة حيث قال بعد إشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري أن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل انتهي أقول هذا الإشكال بناء علي تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس للمشتري استرداد الثمن مع رد المالك و بقائه و بعد تسليم أن الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط علي تقديري الرد و الإجازة لأن التسليط المراعي بعدم إجازة البيع إنما يتوجه علي القول بالنقل حيث إن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله إلي مالك المبيع بالإجازة فلا يبقي مورد للإجازة. و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه إشكال أصلا لأن الرد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له علي مال نفسه و الإجازة كاشفة عن كونه تسليطا له علي ما يملكه غيره بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالإقباض و لذا لو لم يقبضه الثمن حتي أجاز المالك أورد لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك فانتظر ثم اعلم أن الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره إنما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز و هو الذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه. و أما الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع و أجاز سواء باع لنفسه أو للمالك فلا دخل له بما نحن فيه لأن الكلام هنا في وقوع البيع للمالك و هناك في وقوعه للعاقد إذا ملك و من هنا يعلم أن ما ذكره في الرياض من أن بيع الفضولي لنفسه باطل و نسب إلي التذكرة نفي الخلاف فيه في غير محله إلا أن يريد ما ذكرناه و هو خلاف ظاهر كلامه.

بقي هنا أمران

الأول أنه لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو دينا أو في ذمة الغير

و منه جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير ثم إن تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي- إما بإضافة الذمة إلي الغير بأن يقول بعت كرا من طعام في ذمة فلان بكذا أو بعت هذا بكذا في ذمة فلان و حكمه أنه لو أجاز فلان يقع العقد له و إن رد بطل رأسا و إما بقصده العقد له فإنه إذا قصده في العقد تعين كونه صاحب الذمة لما عرفت من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر إلا علي احتمال ضعيف تقدم عن بعض فكما أن تعيين العوض في الخارج يعني عن قصد من وقع له العقد كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلي ذمة شخص خاص و حينئذ فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد و إن رد فمقتضي القاعدة بطلان العقد واقعا- لأن مقتضي رد العقد بقاء كل عوض علي ملك صاحبه إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و بين من وقع له العقد- فلا معني لخروجه عن ملك مالكه و تردده بين الفضولي و من وقع له العقد إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج إلي إجازة و وقع له إلا أن الطرف الآخر لو لم يصدقه علي هذا القصد و حلف علي نفي العلم حكم له علي الفضولي لوقوع العقد له ظاهرا كما عن المحقق و فخر الإسلام و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد
المكاسب، ج‌2، ص 131
الثاني. و قد يظهر من إطلاق بعض الكلمات كالقواعد و المبسوط وقوع العقد له واقعا و قد نسب ذلك إلي جماعة في بعض فروع المضاربة حيث عرفت أن قصد البيع للغير- أو إضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي إلي ذمة ذلك الغير كما أن إضافة الكلي إليه توجب صرف البيع أو الشراء إليه و إن لم يقصده أو لم يضفه إليه ظهر من ذلك التنافي بين إضافة البيع إلي غيره و إضافة الكلي إلي نفسه أو قصده من غير إضافة و كذا بين إضافة البيع إلي نفسه و إضافة الكلي إلي غيره فلو جمع بين المتنافيين بأن قال اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان ففي الأول يحتمل البطلان لأنه في حكم شراء شي‌ء للغير بعين ماله و يحتمل إلغاء أحد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو لغيره و في الثاني يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير فيقع للغير بعد إجازته لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء علي التملك في ذمة الغير اعتقادا و يحتمل الصحة بإلغاء قيد ذمة الغير لأن تقييد الشراء أولا بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من إضافة الذمة إلي الغير و المسألة تحتاج إلي تأمل. ثم إنه قال في التذكرة لو اشتري فضوليا فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان أو الوقف علي الإجازة إلا أن أبا حنيفة قال يقع للمشتري بكل حال و إن كان في الذمة لغيره و أطلق اللفظ. قال علماؤنا يقف علي الإجازة فإن أجازه صح و لزمه أداء الثمن و إن رد نفذ عن المباشر. و به قال الشافعي في القديم و أحمد و إنما يصح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره و إنما توقف علي الإجازة لأنه عقد الشراء له فإن أجازه لزمه و إن رده لزم لمن اشتراه و لا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا. و قال أبو حنيفة يقع عن المباشر و هو جديد للشافعي انتهي و ظاهره الاتفاق علي وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا كما يشعر به تعليله بقوله لأنه تصرف في ذمته لا في مال الغير لكن أشرنا سابقا إجمالا إلي أن تطبيق هذا علي القواعد مشكل لأنه إن جعل المال في ذمته بالأصالة فيكون ما في ذمته كعين ماله فيكون كما لو باع عين ماله لغيره. و الأوفق بالقواعد في مثل هذا إما البطلان لو عمل بالنية بناء علي أنه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا و إما صحته و وقوعه لنفسه لو ألغيت النية بناء علي انصراف المعاملة إلي مالك العين قهرا و إن نوي خلافه و إن جعل المال في ذمته لا من حيث الأصالة بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا فمع الإشكال في صحة هذا لو لم يرجع إلي الشراء في ذمة الغير أن اللازم من هذا أن الغير إذا رد هذه المعاملة و هذه النيابة تقع فاسدة من أصلها لا أنها تقع للمباشر. نعم إذا عجز المباشر من إثبات ذلك علي البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا و نص عليه جماعة من باب التوكيل و كيف كان فوقوع المعاملة في الواقع مرددة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد و يمكن تنزيل العبارة علي الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.

الثاني الظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين البيع العقدي و المعاطاة

بناء علي إفادتها للملك إذ لا فارق بينها و بين العقد فإن التقابض بين الفضوليين أو فضولي و أصيل إذا وقع بنية التمليك و التملك فأجازه المالك فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الإجازة فعموم مثل قوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ شامل و يؤيده رواية عروة البارقي حيث إن الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة و توهم الإشكال فيه من حيث إن الإقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير فلا يترتب عليه أثر في غير محله إذ قد لا يحتاج إلي إقباض مال الغير كما لو اشتري الفضولي لغيره في الذمة مع أنه قد يقع الإقباض مقرونا برضا المالك- بناء علي ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي مع أن النهي لا يدل علي الفساد- مع أنه لو دل لدل علي عدم ترتب الأثر المقصود و هو استقلال الإقباض في السببية فلا ينافي كونه جزء سبب و ربما يستدل علي ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك و هما من وظائف المالك و لا يتصور صدورهما من غيره و لذا ذكر الشهيد الثاني أن المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول و ذكر أن قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين و لا أثر لهما إلا إذا صدرا من المالك أو بإذنه. و فيه أن اعتبار الإقباض و القبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها إنما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة فهو عندهم من الأسباب الفعلية كما صرح الشهيد في قواعده و المعاطاة عندهم عقد فعلي و لذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها أن البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي و حينئذ فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه المعني القائم بنفسه المقصود من قوله ملكتك و اعتبار مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حل مال الغير لا يخلو عن تحكم. و ما ذكره الشهيد الثاني لا يجدي فيما نحن فيه لأنا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد الموجود في قوله لعدم الدليل و لو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضا إلا أن يقال إن مقتضي الدليل ذلك- خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول لكنك قد عرفت أن عقد الفضولي ليس علي خلاف القاعدة. نعم لو قلنا إن المعاملة لا يعتبر فيها قبض و لو اتفق معها بل السبب المستقل هو تراضي المالكين بملكية كل منهما لمال صاحبه مطلقا أو مع وصولهما أو وصول أحدهما لم يعقل وقوعها من الفضولي. نعم الواقع منه إيصال المال و المفروض أنه لا مدخل له في المعاملة فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقه لكن الإنصاف أن هذا المعني غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة إنما قصدهم إلي العقد الفعلي هذا كله علي القول بالملك. و أما علي القول بالإباحة فيمكن القول ببطلان الفضولي لأن إفادة المعاملة المقصود بها الملك الإباحة خلاف القاعدة فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين مع أن حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن و الآثار الأخر مثل بيع المال علي القول بجواز مثل هذا التصرف إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية لم تؤثر أثرا فإذا أجاز حدث
المكاسب، ج‌2، ص 132
الإباحة من حين الإجازة اللهم إلا أن يقال بكفاية وقوعها مع الإباحة الواقعية إذا كشف عنها الإجازة فافهم

القول في الإجازة و الرد

أما الكلام في الإجازة

اشارة

فيقع تارة في حكمها و شروطها و أخري في المجيز و ثالثة في المجاز

أما حكمها

[هل الإجازة كاشفة أم ناقلة]

[هل الإجازة كاشفة أم ناقلة]
فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم علي توقفها علي الإجازة في كونها كاشفة بمعني أنه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتي كأن الإجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة بمعني ترتب آثار العقد من حينها حتي كأن العقد وقع حال الإجازة علي قولين

[الأكثر علي الكشف و استدلالهم عليه

اشارة

[الأكثر علي الكشف و استدلالهم عليه
فالأكثر علي الأول و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة بأن العقد سبب تام في الملك لعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة فإذا أجاز تبين كونه تاما يوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي‌ء آخر و بأن الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه و ليس إلا نقل العوضين من حينه

[ما استدل به فخر الدين للأكثر]

[ما استدل به فخر الدين للأكثر]
و عن فخر الدين في الإيضاح الاحتجاج لهم بأنها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود- لأن العقد حالها عدم انتهي.

[المناقشات التي يذكر علي القول بالكشف

[المناقشات التي يذكر علي القول بالكشف
و يرد علي الوجه الأول أنه إن أريد بكون العقد سببا تاما كونه علة تامة للنقل إذا صدر عن رضا المالك فهو مسلم إلا أن بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب و لا يتبين كونه تاما إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا غاية الأمر أن لازم صحة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن فيكون لها دخل في تمامية السبب كالرضا المقارن فلا معني لحصول الأثر قبله و منه يظهر فساد تقرير الدليل بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط و كلها حاصلة إلا رضا المالك فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله فإنه إذا اعترف أن رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله. و دعوي أن الشروط الشرعية ليست كالعقلية بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم السبب علي السبب كغسل الجمعة يوم الخميس و إعطاء الفطرة قبل وقتها فضلا عن تقدم المشروط علي الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة و كغسل العشائين لصوم اليوم الماضي علي القول به مدفوعة بأنه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره و تكثير الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي فهي كدعوي أن التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما لأن النقيض الشرعي غير العقلي. فجميع ما ورد مما يوهم ذلك أنه لا بد من التزام أن المتأخر ليس سببا أو شرطا بل السبب و الشرط هو الأمر المنتزع من ذلك لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه بأن يقال إن الشرط تعقب الإجازة و لحوقها بالعقد و هذا أمر مقارن للعقد علي تقدير الإجازة لمخالفته الأدلة اللهم إلا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه علي لحوقه و هذا مع أنه لا يستحق إطلاق الشرط عليه غير صادق علي الرضا لأن المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله لأنه لا يحل لغيره بدون طيب النفس و أنه لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير و انقطاع سلطنة المالك. و مما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام بل التزم به غير واحد من المعاصرين من أن معني شرطية الإجازة مع كونها كاشفة شرطية الوصف المنتزع منها و هو كونها لاحقه للعقد في المستقبل فالعلة التامة العقد الملحق به الإجازة و هذه صفة مقارنة للعقد و إن كانت نفس الإجازة متأخرة عنه. و قد التزم بعضهم بما يتفرع علي هذا من أنه إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد و فيه ما لا يخفي من المخالفة للأدلة و يرد علي الوجه الثاني أولا أن الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد إلا أن مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتي يتعلق الإجازة و الرضا بذلك النقل المقيد بكونه في ذلك الحال بل هو نفس النقل مجردا عن ملاحظة وقوعه في زمان و إنما الزمان من ضروريات إنشائه- فإن قول العاقد بعت ليس نقلت من هذا الحين و إن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين فالزمان ظرف للنقل لا قيد له فكما أن إنشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان فكذلك إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة و كما أن الشارع إذا أمضي نفس العقد وقع النقل من زمانه فكذلك إذا أمضي إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة. و لأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضي القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب مع أنه ليس إلا رضا بمضمون الإيجاب فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه و كان القبول رضا بذلك كان معني إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب لأن الموجب ينقل من حينه و القابل يتقبل ذلك و يرضي به. و دعوي أن العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه مدفوعة بأن سببيته للملك ليست إلا بمعني إمضاء الشارع لمقتضاه فإذا فرض مقتضاه مركبا من نقل في زمان و رضا بذلك النقل كان مقتضي العقد الملك بعد الإيجاب و لأجل ما ذكرنا أيضا لا يكون فسخ العقد إلا انحلاله من زمانه لا من زمان العقد فإن الفسخ نظير الإجازة و الرد لا يتعلق إلا بمضمون العقد و هو النقل من حينه فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد علي وجه القيدية لكان رده و حله موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد و السر في جميع ذلك ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلا ظرفا فجميع ما يتعلق بالعقد من الإمضاء و الرد و الفسخ إنما يتعلق بنفس
المضمون دون المقيد بذلك الزمان. و الحاصل أنه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله أو رضيت بانتقال مالي إلي زيد و غير ذلك من الألفاظ التي لا تعرض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه كيف و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها، و نحو ذلك. و من المعلوم أن الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي و بتقرير آخر أن الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي أو مقام نفس إنشائه فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلا بعد الإجازة فهي إما
المكاسب، ج‌2، ص 133
شرط أو جزء سبب للملك. و بعبارة أخري المؤثر هو العقد المرضي به و المقيد من حيث إنه مقيد لا يوجد إلا بعد القيد و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيد المجردة عن القيد. و ثانيا فلانا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه علي المشروط و لا جزء سبب و إنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق و جاعلة له سببا تاما حتي كأنه وقع مؤثرا فيتفرع عليه أن مجرد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكية من غير التفات إلي وقوع عقد سابق ليس بإجازة لأن معني إجازة العقد جعله جائزا نافذا ماضيا لكن نقول لم يدل دليل علي إمضاء الشارع لإجازة المالك علي هذا الوجه لأن وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلي العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد و النذر و من المعلوم أن المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلا بعد الإجازة فلا يجب الوفاء إلا بعدها و من المعلوم أن الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي فما لم يجب الوفاء فلا ملك و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود بدعوي أن الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد و قس علي ذلك ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فإن الملك ملزوم لحلية التصرف فقبل الإجازة لا يحل التصرف خصوصا إذا علم عدم رضا المالك باطنا أو تردده في الفسخ و الإمضاء. و ثالثا سلمنا دلالة الدليل علي إمضاء الشارع- لإجازة المالك علي طبق مفهومها اللغوي و العرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا بتقريب أن يقال إن معني الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤداه العرفي فإذا صار العقد بالإجازة كأنه وقع مؤثرا ماضيا كان مقتضي العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه فيجب شرعا العمل به علي هذا الوجه لكن نقول بعد الإغماض عن أن مجرد كون الإجازة بمعني جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب كون مقتضي العقد و مؤداه العرفي ترتب الآثار من حين العقد كما أن كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب و إمضاء له لا يوجب ذلك حتي يكون مقتضي الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب فتأمل إذا المعني علي حقيقته غير معقول لأن العقد الموجود علي صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له لاستحالة خروج الشي‌ء عما وقع عليه فإذا دل الدليل الشرعي علي إمضاء الإجازة علي هذا الوجه غير المعقول فلا بد من صرفه بدلالة الاقتضاء إلي إرادة معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة فإذا أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلي المشتري و إن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك و وقع النماء في ملكه. و الحاصل أنه يعامل بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه بالنسبة إلي ما أمكن من الآثار و هذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات و ستأتي الثمرة بينه و بين الكشف الحقيقي و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف إلا الأستاذ شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته و إلا فظاهر كلام القائلين بالكشف أن الانتقال في زمان العقد و لذا عنون العلامة رحمه الله في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله و في زمان الانتقال إشكال فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال-

[معاني الكشف

اشارة

[معاني الكشف
و قد تحصل مما ذكرنا أن كاشفية الإجازة علي وجوه ثلاثة قال بكل منها قائل

أحدها و هو المشهور الكشف الحقيقي

أحدها و هو المشهور الكشف الحقيقي
و التزام كون الإجازة فيها شرطا متأخرا و لذا اعترض عليهم جمال المحققين في حاشيته علي الروضة بأن الشرط لا يتأخر.

الثاني الكشف الحقيقي

الثاني الكشف الحقيقي
و التزام كون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد.

الثالث الكشف الحكمي

الثالث الكشف الحكمي
و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقق الملك في الواقع إلا بعد الإجازة.

[مقتضي القواعد و العمومات هو النقل ثم الكشف الحكمي

[مقتضي القواعد و العمومات هو النقل ثم الكشف الحكمي
و قد تبين من تضاعيف كلماتنا أن الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل ثم بعده الكشف الحكمي. و أما الكشف الحقيقي مع كون نفس الإجازة من الشروط فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال و لذا استشكل فيه العلامة في القواعد و لم يرجحه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد بل عن الإيضاح اختيار خلافه تبعا للمحكي عن كاشف الرموز و قواه في مجمع البرهان و تبعهم كاشف اللثام في النكاح

[ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعني الأعم

[ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعني الأعم
هذا بحسب القواعد و العمومات. و أما الأخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف- كما صرح به في الدروس و كذا الأخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور فتحتمل الكشف الحكمي.

[ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي

[ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي
نعم صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات للزوجة غير المدركة حتي تدرك و تخلف ظاهره في قول الكشف إذ لو كان مال و الميت قبل إجازة الزوجة باقية علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس علي أموالهم. فإطلاق الحكم بالعزل منضما إلي عموم: الناس مسلطون علي أموالهم يفيد أن العزل لاحتمال كون الزوجة غير المدركة وارثه في الواقع فكأنه احتياط في الأموال قد غلبه الشارع علي أصالة عدم الإجازة كعزل نصيب الحمل و جعله أكثر مما يحتمل.

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل

اشارة

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل
فنقول

أما الثمرة علي الكشف الحقيقي

أما الثمرة علي الكشف الحقيقي
بين كون نفس الإجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و لحوقها له فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد.

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي
مع كون نفس الإجازة شرطا فإنه يظهر في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز فإن الوطء علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة و حلال واقعا لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه و لو أولدها صارت أم ولد علي الكشف الحقيقي و الحكمي لأن مقتضي جعل الواقع ماضيا ترتب حكم وقوع الوطء في الملك و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك و إن حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك و لو نقل المالك أم الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل علي الكشف الحقيقي لانكشاف وقوعه في ملك الغير مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد و بقي صحيحا علي الكشف الحكمي و علي المجيز
المكاسب، ج‌2، ص 134
قيمتها لأنه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه و بين مقتضي صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل كما في الفسخ بالخيار مع انتقال المتعلقة بنقل لازم. و ضابط الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتب آثار ملكية المشتري من حين العقد- فإن ترتب شي‌ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته كإتلاف النماء و نقله و لم يناف الإجازة جمع بينه و بين مقتضي الإجازة بالرجوع إلي البدل و إن نافي الإجازة كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق فات محلها مع احتمال الرجوع إلي البدل و سيجي‌ء

ثم إنهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل مواضع

منها النماء

منها النماء
فإنه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين و علي النقل لمن انتقلت عنه و للشهيد الثاني في الروضة عبارة توجيه المراد منها كما فعله بعض أولي من توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر.

و منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف

و منها أن فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف
بمعني أنه لو جعلناها ناقلة كان فسخ الأصيل لفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق بخلاف ما لو جعلت كاشفة فإن العقد تام من طرف الأصيل غاية الأمر تسلط الآخر علي فسخه و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه بل قبل تحقق شرط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة فلا يرد ما اعترضه بعض من منع جواز الإبطال علي القول بالنقل معللا بأن ترتب الأثر علي جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه و فيه أن الكلام في أن عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب فالأولي في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ بإطلاقات صحة العقود و لزومها و لا يخلو من إشكال.

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه
بناء علي النقل- و إن قلنا بأن فسخه غير مبطل لإنشائه فلو باع جارية من فضولي جاز له وطؤها و إن استولدها صارت أم ولد لأنها ملكه و كذا لو زوجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير فلو حصلت الإجازة في المثالين لغت لعدم بقاء المحل قابلا. و الحاصل أن الفسخ القولي و إن قلنا إنه غير مبطل لإنشاء الأصيل إلا أن له فعل ما ينافي انتقال المال عنه علي وجه يفوت محل الإجازة فينفسخ العقد بنفسه بذلك و ربما احتمل عدم جواز التصرف علي هذا القول أيضا و لعله لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حق الأصيل و إن لم يجب في الطرف الآخر و هو الذي يظهر من المحقق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث قال لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرف في العين لإمكان الإجازة و لا سيما علي القول بالكشف انتهي. و فيه أن الإجازة علي القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا أو شطرا فما لم يتحقق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء علي أحد من المتعاقدين لأن المأمور به بالوفاء هو العقد المقيد الذي لا يوجد إلا بعد القيد و هذا كله علي النقل و أما علي القول بالكشف فلا يجوز التصرف فيه علي ما يستفاد من كلمات جماعة كالعلامة و السيد العميدي و المحقق الثاني و ظاهر غيرهم و ربما اعترض عليه بعدم المانع له من التصرف لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له و لذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا. نعم إذا حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال إلي المجيز فيأخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه قال نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف انتهي. أقول مقتضي عموم وجوب الوفاء وجوبه علي الأصيل و لزوم العقد و حرمة نقضه من جانبه و وجوب الوفاء عليه ليس مراعي بإجازة المالك بل مقتضي العموم وجوبه حتي مع العلم بعدم إجازة المالك و من هنا يظهر أنه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة لكن ما ذكره البعض المعاصر صحيح علي مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالإجازة لعدم إحراز الشرط مع الشك فلا يجب الوفاء به علي أحد من المتعاقدين. و أما علي المشهور في معني الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد و قد تحقق فيجب علي الأصيل الالتزام به و عدم نقضه إلي أن ينقض فإن رد المالك فسخ العقد من طرف الأصيل كما أن إجازته إمضاء له من طرف الفضولي. و الحاصل أنه إذا تحقق العقد فمقتضي العموم علي القول بالكشف المبني علي كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا حرمة نقضه علي الأصيل مطلقا فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة بمعني عدم اجتماعه مع صحة العقد فهو غير جائز و من هنا تبين فساد توهم أن العمل بمقتضي العقد كما يوجب حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه لأن مقتضي العقد مبادلة المالين فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه تنافي مقتضي العقد أعني المبادلة. توضيح الفساد أن الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم علي نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطي عنه و هذا لا يدل إلا علي حرمة التصرف في ماله حيث التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل و أما دخول البدل في ملكه فليس مما التزمه علي نفسه بل مما جعله لنفسه و مقتضي الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم علي نفسه و أما قيد كونه بإزاء مال فهو خارج عن الالتزام علي نفسه و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة فلو لم يتصرف في مال صاحبه لم يكن ذلك نقضا للمبادلة فالمرجع في هذا التصرف فعلا و تركا إلي ما يقتضيه الأصل و هي أصالة عدم الانتقال. و دعوي أن الالتزام المذكور إنما هو علي تقدير الإجازة و دخول البدل في ملكه فالالتزام معلق علي تقدير لم يعلم تحققه فهو كالنذر المعلق علي شرط حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه فكما أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الإجازة لا يعد نقضا لما التزمه إذ لم يلتزمه في الحقيقة إلا معلقا مدفوعة بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال بأن الفرق بينهما أن الالتزام هنا غير
المكاسب، ج‌2، ص 135
معلق علي الإجازة و إنما التزم بالمبادلة متوقعا للإجازة فيجب عليه الوفاء به و يحرم عليه نقضه إلي أن يحصل ما يتوقعه من الإجازة أو ينتقض إلزامه برد المالك و لأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الأصيل علي نفسه دون غيرها. قال في القواعد في باب النكاح و لو تولي الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة فإن كان زوجا حرمت عليه الخامسة و الأخت و الأم و البنت إلا إذا فسخت علي إشكال في الأم و في الطلاق نظر لترتبه علي عقد لازم فلا يقع المصاهرة و إن كان زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ و الطلاق هنا معتبر انتهي. و عن كشف اللثام نفي الإشكال و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل و فرعوا عليه تحريم المصاهرة و أما مثل النظر إلي المزوجة فضولا و إلي أمها مثلا و غيره مما لا يعد تركه نقضا لما التزم العاقد علي نفسه فهو باق تحت الأصول لأن ذلك من لوازم علاقة الزوجية غير الثابتة بل المنفية بالأصل فحرمة نقض العاقد لما عقد علي نفسه لا تتوقف علي ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين

[ثمرات ذكرها كاشف الغطاء و ما يرد عليها]

[ثمرات ذكرها كاشف الغطاء و ما يرد عليها]
ثم إن بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبه بها و بما يمكن أن يقال عليها منها ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين بموته قبل إجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل و كذا لو انسلخت قابلية المنقول- بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه إلي غير ذلك و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة و فيما قارن العقد فقد الشرط ثم حصل و بالعكس و ربما يعترض علي الأول بإمكان دعوي ظهور الأدلة- في اعتبار استمرار القابلية إلي حين الإجازة علي الكشف فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا إلي حين الإجازة. و فيه أنه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية و لا استمرار التملك المكشوف عنه بالإجازة إلي حينها كما لو وقعت بيوع متعددة علي مال فإنهم صرحوا بأن إجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا و كما يشعر به بعض أخبار المسألة المتقدمة حيث إن ظاهر بعضها و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة مضافا إلي فحوي خبر تزويج الصغيرين الذي يصلح لما ذكر في الثمرة الثانية أعني خروج المنقول عن قابلية تعلق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف و شبهه فإن موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد مضافا إلي إطلاق رواية عروة حيث لم يستفصل النبي ص عن موت الشاة أو ذبحه و إتلافه نعم ما ذكره أخيرا من تجدد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح ثمرة للمسألة لبطلان العقد ظاهرا علي القولين و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط.
و بالجملة فباب المناقشة و إن كان واسعا إلا أن الأرجح في النظر ما ذكرناه و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات و معرفة مجلس الصرف و السلم و الأيمان و النذور المتعلقة بمال البائع أو المشتري و تظهر الثمرة أيضا في العقود المترتبة علي الثمن أو المثمن و سيأتي إن شاء الله.

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي

الأول أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي
و معني الإجازة وضعا أو انصرافا بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك و أدلة وجوب الوفاء بالعقود و غيرهما من الأدلة الخارجية فلو قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة علي القول بالكشف أو الإمضاء من حين العقد علي القول بالنقل ففي صحتها وجهان.

الثاني أنه يشترط في الإجازة أن تكون باللفظ الدال عليها علي وجه الصراحة العرفية


الثاني أنه يشترط في الإجازة أن تكون باللفظ الدال عليها علي وجه الصراحة العرفية
كقوله أمضيت و أجزت و أنفذت و رضيت و شبه ذلك. و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية و ليس ببعيد إذا اتكل عليها عرفا و الظاهر أن الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف كالتصرف في الثمن و منه إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي‌ء و كتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا كما صرح به العلامة رحمه الله و ربما يحكي عن بعض اعتبار اللفظ بل نسب إلي صريح جماعة و ظاهر آخرين و في النسبة نظر و استدل عليه بعضهم بأنها كالبيع في استقرار الملك و هو يشبه المصادرة و يمكن أن يوجه بأن الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع و شبهه يقتضي اعتبار اللفظ و من المعلوم أن النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الإجازة. و فيه نظر بل لو لا شبهه الإجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق كما يستظهر من كثير من الفتاوي و النصوص فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من الرضا فلا يدل عليه فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ إلي عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا. و حكي عن آخرين أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت لأن الحلف يدل علي كراهتها. و ذكر بعض أنه يكفي في إجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها. و من المعلوم أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلي إجازتها بل المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا و إن لم يفد القطع دفعا للحرج عليها و علينا ثم إن الظاهر أن كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل الثمن و تمكين الزوجة اكتفي به من جهة الرضا المدلول عليه به لا من جهة سببية الفعل تعبدا. و قد صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح و لم يعبروا بالإجازة. و قد ورد فيمن زوجت نفسها في حال السكر أنها إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضا منها و عرفت أيضا استدلالهم علي كون الإجازة كاشفة بأن العقد مستجمع للشرائط عدا رضا المالك فإذا حصل عمل السبب التام عمله. و بالجملة فدعوي الإجماع في المسألة دونها خرط القتاد و حينئذ فالعمومات المتمسك بها لصحة الفضولي السالمة عن ورود مخصص عليها عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في حل
المكاسب، ج‌2، ص 136
ماله و انتقاله إلي الغير و رفع سلطنته عنه أقوي حجة في المقام مضافا إلي ما ورد في عدة أخبار من أن سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده إقرار منه له عليه و ما دل علي أن قول المولي لعبده المتزوج بغير إذنه طلق يدل علي الرضا بالنكاح فيصير إجازة و علي أن المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه معصية المولي التي ترتفع بالرضا. و ما دل علي أن التصرف من ذي الخيار رضا منه و غير ذلك. بقي في المقام أنه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ و كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدال عليه فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا للعقد أو سابقا فإذا فرضنا أنه علم رضا المالك بقول أو فعل يدل علي رضاه ببيع ماله كفي في اللزوم لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولي و الظاهر أن الأصحاب لا يلتزمون بذلك فمقتضي ذلك أن لا يصح الإجازة إلا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن الفضولي. و يؤيد ذلك أنه لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرد الكراهة فسخا فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك لأن الكراهة الحاصلة حينه و بعده و لو آنا ما تكفي في الفسخ بل يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا و إن كان مجرد الرضا إجازة.

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد
إذ مع الرد ينفسخ العقد فلا يبقي ما تلحقه الإجازة و الدليل عليه بعد ظهور الإجماع بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا أن الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد و إلا لم يكن مكلفا بالوفاء بالعقد لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين أو من قام مقامهما. و قد تقرر أن من شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معني المعاهدة هذا مع أن مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه فلا يبقي ما تلحقه الإجازة فتأمل. نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة- ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد اللهم إلا أن يقال إن الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف بل لا بد من إنشاء الفسخ. و دعوي أن الفسخ هنا ليس بأولي من الفسخ في العقود اللازمة و قد صرحوا بحصوله فيها بالفعل يدفعها أن الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطئ و العتق و نحوهما لا مثل أخذ المبيع. و بالجملة فالظاهر هنا و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ فإن سلم ظهور الرواية في خلافه فلتطرح أو تأول.

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك علي ماله

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك علي ماله
فموضوعها المالك فقولنا له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع و الكل راجع إلي أن له أن يتصرف فلو مات المالك لم يورث الإجازة و إنما يورث المال الذي عقد عليه الفضولي فله الإجازة بناء علي ما سيجي‌ء من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميتا و الفرق بين إرث الإجازة و إرث المال يظهر بالتأمل.

الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن و لا لإقباض المبيع

الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن و لا لإقباض المبيع
و لو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت الإجازة لأن مرجع إجازة القبض إلي إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري. و مرجع إجازة الإقباض إلي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة علي قبض المبيع لكن ما ذكرنا إنما يصح في قبض الثمن المعين و أما قبض الكلي و تشخيصه فوقوعه من الفضولي علي وجه تصححه الإجازة يحتاج إلي دليل معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض و الإقباض و إتمام الدليل علي ذلك لا يخلو عن صعوبة و عن المختلف أنه حكي عن الشيخ أنه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري بالثمن ثم ضعفه بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض و علي أي حال فلو كانت إجازة العقد دون القبض لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق كانت إجازة العقد إجازة لقبض صونا للإجازة عن اللغوية و لو قال أجزت العقد دون القبض ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان.

السادس الإجازة ليست علي الفور

السادس الإجازة ليست علي الفور
للعمومات و لصحيحة محمد بن قيس و أكثر المؤيدات المذكورة بعدها و لو لم يجز المالك و لم يرد حتي لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه علي القول بالكشف- فالأقوي تداركه بالخيار أو إجبار المالك علي أحد الأمرين- .

السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا

السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا أم لا
وجهان الأقوي التفصيل فلو أوقع العقد علي صفقة فأجاز المالك بيع بعضها فالأقوي الجواز كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز أحدهما و ضرر التبعض علي المشتري يجبر بالخيار و لو أوقع العقد علي شرط فأجاز المالك مجردا عن الشرط فالأقوي عدم الجواز بناء علي عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط و إن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء و لذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط و لو انعكس الأمر بأن عقد الفضولي مجردا عن الشرط و أجاز المالك مشروطا ففي صحة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز العقد فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا تقدم علي الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا أو بطلانها لأنه إذا لغا الشرط لغا المشروط لكون المجموع التزاما واحدا أقواها الأخير.

و أما القول في المجيز

اشارة

و أما القول في المجيز
فاستقصاؤه يتم ببيان أمور

الأول يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرف بالبلوغ و العقل و الرشد

و لو أجاز المريض بني نفوذها علي منجزات المريض- و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل.

الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد

فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة و لا تنفعه إجازته إذا بلغ أو إجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع أم لا يشترط قولان أولهما للعلامة في ظاهر القواعد و استدل له بأن صحة العقد و الحال هذه ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائما و بلزوم الضرر علي المشتري لامتناع تصرفه في العين- لإمكان عدم
المكاسب، ج‌2، ص 137
الإجازة و لعدم تحقق المقتضي و في الثمن لإمكان تحقق الإجازة فيكون قد خرج عن ملكه. و يضعف الأول مضافا إلي ما قيل من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه عادة بمنع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه دائما سواء قلنا بالنقل أم بالكشف و أما الضرر فيتدارك بما تتدارك به صورة النقض المذكورة هذا كله مضافا إلي الأخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا الشاملة لصورة ولي النكاح و إهماله الإجازة إلي بلوغهم و صورة عدم وجود الولي بناء علي عدم ولاية الحاكم علي الصغير في النكاح و انحصار الولي في الأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه و كيف كان فالأقوي عدم الاشتراط وفاقا للمحكي عن ابن المتوج البحراني و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم بل لم يرجحه غير العلامة ره ثم اعلم أن العلامة في القواعد مثل لعدم وجوب المجيز ببيع مال اليتيم.
و حكي عن بعض العامة و هو البيضاوي علي ما قيل الإيراد عليه لا يتم علي مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام ع في كل عصر. و عن المصنف قدس سره أنه أجاب بأن الإمام غير متمكن من الوصول إليه و انتصر للمورد بأن نائب الإمام و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون بل للفساق الولاية علي الطفل في مصالحه مع عدم العدول لكن الانتصار في غير محله إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الإمام يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد و العدول أيضا فإن أريد وجود ذات المجيز فالأولي منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الإمام ع و إن أريد وجوده مع تمكنه من الإجازة فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول إذا لم يطلعوا علي العقد فالأولي ما فعله فخر الدين و المحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان علي خلاف المصلحة فيرجع الكلام أيضا إلي اشتراط إمكان فعليه الإجازة من المجيز لا وجود ذات من شأنه الإجازة فإنه فرض غير واقع في الأموال.

الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد

اشارة

سواء كان عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أم للمانع و عدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما و المانع كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ثم فك الرهن. فالكلام يقع في مسائل

الأولي أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر- و الأقوي صحة الإجازة بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن فإنه لا حاجة إلي الإجازة كما صرح به في التذكرة

الثانية أن يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد

اشارة

سواء أ كان هو البائع أم غيره لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه و هذه تتصور علي صور لأن غير المالك إما أن يبيع لنفسه أو للمالك و الملك إما أن ينتقل إليه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث ثم البائع الذي يشتري الملك إما أن يجيز العقد الأول و إما أن لا يجيزه فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له

و المهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك و أجاز

اشاره

و ما لو باع و اشتري و لم يجز إذا يعلم حكم غيرهما منهما. أما المسألة الأولي فقد اختلفوا فيها- فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه أنه صح البيع و الرهن فيما عدا الزكاة فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ صح البيع و الرهن و فيه إشكال لأن العين مملوكة و إذا أدي العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها إلي إجازة مستأنفة كما لو باع مال غيره ثم اشتراه انتهي. بل يظهر مما حكاه عن الشيخ عدم الحاجة إلي الإجازة إلا أن يقول الشيخ بتعلق الزكاة بالعين كتعلق الدين بالرهن فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم و لم يحتج إلي إجازة مستأنفة و بهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في الدروس و هو ظاهر المحكي عن الصيمري و المحكي عن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد هو البطلان و مال إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه

[الأقوي الصحة]

و الأقوي هو الأول للأصل و العمومات السليمة عما يرد عليه

[ما أورده المحقق التستري علي الصحة]

اشارة

ما عدا أمور لفقها بعض من قارب عصرنا مما يرجع أكثرها إلي ما ذكر في الإيضاح و جامع المقاصد

[الإيراد الأول و جوابه

الأول أنه قد باع مال الغير لنفسه و قد مر الإشكال فيه و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك و فيه أنه قد سبق أن الأقوي صحته و ربما يسلم هنا عن بعض الإشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

[الإيراد الثاني و جوابه

أنا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة علي التسليم فقد اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز لأنه البائع حقيقة و الفرض هنا عدم إجازته و عدم وقوع البيع عنه و فيه أن الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد أم لا لأن الداعي علي اعتبار الرضا سلطنة الناس علي أموالهم و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب أنفسهم و قبح التصرف فيها بغير رضاهم و هذا المعني لا يقتضي أزيد مما ذكرنا و أما القدرة علي التسليم فلا نضايق من اعتبارها في المالك حين العقد و لا يكتفي بحصولها فيمن هو مالك حين الإجازة و هذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع المذكور لأن الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

[الإيراد الثالث و جوابه

الثالث أن الإجازة حيث صحت كاشفة علي الأصح مطلقا لعموم الدليل الدال عليه و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه و فيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتي فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد فإن مقدار كشف الإجازة تابع لصحة البيع فإذا ثبت بمقتضي العمومات أن العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد صدر من أهل العقد في المحل القابل للعقد عليه و لا مانع من وقوعه إلا عدم رضا مالكه فكما أن مالكه الأول إذا رضي يقع البيع له فكذلك مالكه الثاني إذا رضي يقع البيع له و لا دليل علي اعتبار كون الرضا المتأخر ممن هو مالك حال العقد و حينئذ فإذا ثبتت صحته بالدليل فلا محيص عن القول بأن الإجازة كاشفة
المكاسب، ج‌2، ص 138
عن خروج المال عن ملك المجيز في أول أزمنة قابليته إذ لا يمكن الكشف فيه علي وجه آخر فلا يلزم من التزام هذا المعني علي الكشف محال عقلي و لا شرعي حتي يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحة فإن كان لا بد من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة أو في القول بأن الواجب في الكشف عقلا أو شرعا أن يكون عن خروج المال ملك المجيز وقت العقد. و قد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحة و لذا لم يصدر من المستدل علي البطلان و أنه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها و لا يتوهم أن هذا نظير ما لو خصص المالك الإجازة بزمان متأخر عن العقد إذ التخصيص إنما يقدح مع القابلية كما أن تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز بناء علي ما سبق في دليل الكشف من أن معني الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية تأثيرها إلا من زمان ملك المجيز للمبيع.

[الإيراد الرابع

اشارة

الرابع أن العقد الأول إنما صح و ترتب عليه أثره بإجازة الفضولي و هي متوقفة علي صحة العقد الثاني المتوقفة علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي فتكون صحة الأول مستلزمة لكون المال المعين ملكا للمالك و ملكا للمشتري معا في زمان واحد و هو محال لتضادهما فوجود الثاني يقتضي عدم الأول و هو موجب لعدم الثاني أيضا فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد و هو محال. فإن قلت مثل هذا لازم في كل عقد فضولي- لأن صحته موقوفة علي الإجازة المتأخرة المتوقفة علي بقاء مالك المالك و مستلزمة لملك المشتري كذلك فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد فيلزم إما بطلان عقد الفضولي مطلقا أو بطلان القول بالكشف فلا اختصاص لهذا الإيراد بما نحن فيه. قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق لأنها في الحقيقة رفع اليد و إسقاط للحق و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني.

[الجواب عن الإيراد الرابع

أقول قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب علي العقد الأول بعد إجازة العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد لا من حين العقد و حينئذ فتوقف إجازة العقد الأول علي صحة العقد الثاني مسلم و توقف صحة العقد الثاني علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي إلي زمان العقد مسلم أيضا فقوله صحة الأول تستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان واحد ممنوع بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي. نعم إنما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادعي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد و لكن هذا أمر تقدم دعواه في الوجه الثالث و قد تقدم منعه فلا وجه لإعادته بتقرير آخر كما لا يخفي. نعم يبقي في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي علي القول بالكشف و هو كون الملك حال الإجازة للمجيز و المشتري معا و هذا إشكال آخر تعرض لاندفاعه أخيرا غير الإشكال الذي استنتجه من المقدمات المذكورة و هو لزوم كون الملك للمالك الأصلي و للمشتري.
نعم يلزم من ضم هذا الإشكال العام- إلي ما يلزم في المسألة علي القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد قبل العقد الثاني لوجوب التزام مالكية المالك الأصلي حتي يصح العقد الثاني و مالكية المشتري له لأن الإجازة تكشف عن ذلك و مالكية العاقد له لأن ملك المشتري لا بد أن يكون عن ملكه و إلا لم تنفع إجازته في ملكه من حين العقد لأن إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير إلي غيره. ثم إن ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني لأن الإجازة إذا وقعت فإن كشفت عن مالك المشتري قبلها كشفت عما يبطلها لأن الإجازة لا تكون إلا من المالك الواقعي و المالك الظاهري إنما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الإجازة و لذا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته لأن المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية. ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة و العقد الثاني من كفاية الملك الصوري في الأول دون الثاني تحكم صرف خصوصا مع تعليله بأن الإجازة رفع لليد و إسقاط للحق فليت شعري أن إسقاط الحق كيف يجدي و ينفع مع عدم الحق واقعا مع أن الإجازة رفع لليد من الملك أيضا بالبديهة. و التحقيق أن الإشكال إنما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة علي الوجه المشهور من كونها شرطا متأخرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.

[الإيراد الخامس و جوابه

الخامس أن الإجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الأول- و عن كون المال ملك المشتري الأول فقد وقع العقد الثاني علي ماله فلا بد من إجازته كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأول فلا بد من إجازة المشتري البيع الثاني حتي يصح و يلزم فعلي هذا يلزم توقف إجازة كل من الشخصين علي إجازة الآخر و توقف صحة كل من العقدين و الإجازة- علي إجازة المشتري غير الفضولي و هو من الأعاجيب بل من المستحيل لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن و تملك المشتري الأول المبيع بلا عوض إن اتحد الثمنان و دون تمامه إن زاد الأول و مع زيادة إن نقص لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له و قد كان المبيع له أيضا بما بذله من الثمن و هو ظاهر. و الجواب عن ذلك ما تقدم في سابقه من ابتنائه علي وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد و هو ممنوع. و الحاصل أن منشأ الوجوه [الثلاثة] الأخيرة شي‌ء واحد و المحال علي تقديره مسلم بتقريرات مختلفة قد نبه عليه في الإيضاح و جامع المقاصد

[الإيراد السادس و جوابه

السادس أن من المعلوم أنه يكفي في إجازة المالك و فسخه- فعل ما هو من لوازمهما فلما باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه و تملك الثمن و هو لا يجامع صحة العقد الأول فإنها تقتضي تملك المالك للثمن الأول و حيث وقع الثاني يكون فسخا له و إن لم يعلم بوقوعه فلا تجدي الإجازة المتأخرة. و بالجملة حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة بل أولي منها فكما أن التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي. و الجواب أن فسخ عقد الفضولي هو إنشاء رده و أما الفعل المنافي لمضيه كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر و بيع المالك ماله المبيع فضولا
المكاسب، ج‌2، ص 139
من آخر فليس فسخا له خصوصا مع عدم التفاته إلي وقوع عقد الفضولي غاية ما في الباب أن الفعل المنافي لمضي العقد مفوت لمحل الإجازة فإذا فرض وقوعه صحيحا فات محل الإجازة و يخرج العقد عن قابلية الإجازة إما مطلقا كما في مثال التزويج أو بالنسبة إلي من فات محل الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع فإن محل الإجازة إنما فات بالنسبة إلي الأول فللمالك الثاني أن يجيز. نعم لو فسخ المالك الأول نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعا و لعموم تسلط الناس علي أموالهم بقطع علاقة الغير عنها. فالحاصل أنه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا إنه إبطال لأثر العقد في الجملة فهو مسلم و لا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلي المالك الثاني فيكون له إجازة و إن أريد أنه إبطال للعقد رأسا فهو ممنوع إذ لا دليل علي كونه كذلك و تسمية مثل ذلك الفعل ردا في بعض الأحيان من حيث إنه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة إلي فاعله بحيث تكون الإجازة منه بعده لغوا. نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا لم يبعد كونه كالإنشاء بالقول لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب إذ المقصود أن مجرد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد و لذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد علي حالة من قابلية لحوق الإجازة. و أما الالتزام في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرد الفعل المنافي فلأن صحة التصرف المنافي تتوقف علي فسخ العقد و إلا وقع في ملك الغير بخلاف ما نحن فيه فإن تصرف المالك في ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه لوقوعه في ملكه فلا يتوقف علي فسخه غاية الأمر أنه إذا تصرف فات محل الإجازة و من ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله أخيرا و بالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة بل أولي فإن قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث علي المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق فضلا عن دعوي الأولوية و سيجي‌ء مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد.

[الإيراد السابع

اشارة

السابع الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي ص عن بيع ما ليس عندك- فإن النهي فيها إما لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلي المخاطب و إلي المالك فيكون دليلا علي فساد العقد الفضولي و إما لبيان فساده بالنسبة إلي المخاطب خاصة كما استظهرناه سابقا فيكون دالا علي عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقا و لو ملكه فأجاز بل الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع و إلا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج إلي البيان. و خصوص رواية يحيي بن الحجاج المصححة إليه قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل يقول لي اشتر لي هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها. و رواية خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني و يقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا قال أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء ترك قلت بلي قال لا بأس به إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام بناء علي أن المراد بالكلام عقد البيع فيحلل نفيا و يحرم إثباتا كما فهمه في الوافي أو يحلل إذا وقع بعد الاشتراء- و يحرم إذا وقع قبله أو أن الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان بعنوان العقد الملزم و يحلل إذا كان علي وجه المساومة و المراضاة. و صحيحة ابن مسلم قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال له ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه.: و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه قال لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه. و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله ع يجيئني الرجل فيطلب مني بيع الحرير و ليس عندي منه شي‌ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتي يجتمع علي شي‌ء ثم أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه المتاع فقال أ رأيت إن وجد هو مبيعا أحب إليه مما عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه عنه [و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف عنه و تدعه قلت نعم قال لا بأس. و غيرها من الروايات و لا يخفي ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها و من حيث التعليل في بعضها الآخر في عدم صحة البيع قبل الاشتراء و أنه يشترط في البيع الثاني تملك البائع له و استقلاله فيه و لا يكون قد سبق منه و من المشتري إلزام و التزام سابق بذلك المال.

[الجواب عن الإيراد السابع

و الجواب عن العمومات أنها إنما تدل علي عدم ترتب الأثر المقصود من البيع و هو النقل و الانتقال المنجز علي بيع ما ليس عنده فلا يجوز ترتب الأثر علي هذا البيع لا من طرف البائع بأن يتصرف في الثمن و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع و منه يظهر الجواب عن الأخبار- فإنها لا تدل خصوصا بملاحظة قوله ع: و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها إلا علي أن الممنوع منه هو الإلزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء فكذا بعده من دون حاجة إلي إجازة و هي المسألة الآتية أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة إلي الإجازة و سيأتي أن الأقوي فيها البطلان. و ما قيل من أن تسليم البائع المبيع بعد اشترائه إلي المشتري الأول مفروض في مورد الروايات و هو إجازة فعلية مدفوع بأن التسليم إنما وقع باعتقاد لزوم البيع السابق و كونه من مقتضيات لزوم العقد و أنه مما لا اختيار للبائع فيه بل يجبر عليه إذا امتنع فهذا لا يعد إجازة و لا يترتب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي لأن المعتبر في الإجازة قولا و فعلا ما يكون عن سلطنة و استقلال لأن ما يدل علي اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدل علي عدم كفاية ذلك. نعم يمكن أن يقال إن مقتضي تعليل نفي البأس- في رواية خالد المتقدمة بأن المشتري إن شاء أخذ و إن شاء ترك ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه علي الأصيل و هذا محقق فيما نحن فيه بناء علي ما تقدم من أنه ليس للأصيل في عقد الفضولي فسخ المعاملة قبل إجازة المالك أو رده لكن الظاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم إرادة اللزوم من الطرفين.
المكاسب، ج‌2، ص 140
و الحاصل أن دلالة الروايات عموما و خصوصا- علي النهي عن البيع قبل الملك مما لا مساغ لإنكاره و دلالة النهي علي الفساد أيضا مما لم يقع فيه المناقشة في هذه المسألة إلا أنا نقول إن المراد بفساد البيع هو عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع مثلا لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي‌ء قبل تملكه علي الوجه الذي يقصده أهل المعاملة كان يترتب عليه بعد البيع النقل و الانتقال و جواز تصرف البائع في الثمن و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من مالكه و تسليمه و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه ففساد البيع بمعني عدم ترتب جميع ذلك عليه و هو لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممن يملكه بعد العقد و لا يجب علي القول بدلالة النهي علي الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر أصلا كما يستفاد من وجه دلالة النهي علي الفساد فإن حاصله دعوي دلالة النهي علي إرشاد المخاطب و بيان أن مقصوده من الفعل المنهي عنه و هو الملك و السلطنة من الطرفين لا يترتب عليه فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين لا أنه لغو من جميع الجهات فافهم اللهم إلا أن يقال إن عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين علي عقد بمجرد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة كالقبض في الهبة و نحوها و الإجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقول مطلق إذ معني صحة المعاملة شرعا أن يترتب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه و لو مع شرط لاحق و عدم بناء المتعاملين علي مراعاة ذلك الشرط لا يوجب النهي عنه إلا مقيدا بتجرده عن لحوق ذلك الشرط فقصدهم ترتب الملك المنجز علي البيع قبل التملك بحيث يسلمون الثمن و يطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد. فالإنصاف أن ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع و عدم ترتب أثر الإنشاء المقصود منه عليه مطلقا حتي مع الإجازة و أما صحته بالنسبة إلي المالك إذا أجاز فلأن النهي راجع إلي وقوع البيع المذكور للبائع فلا تعرض فيه لحال المالك إذا أجاز فيرجع فيه إلي مسألة الفضولي. نعم قد يخدش فيها أن ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة- ورودها في بيع الكلي و أنه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ثم اشتراء بعض أفراده و تسليمه إلي المشتري الأول و المذهب جواز ذلك و إن نسب الخلاف فيه إلي بعض العبائر فيقوي في النفس أنها و ما ورد في سياقها في بيع الشخصي أيضا كروايتي يحيي و خالد المتقدمين أريد بها الكراهة أو وردت في مقام التقية لأن المنع عن بيع الكلي حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع مذهب جماعة من العامة كما صرح به في بعض الأخبار مستندين في ذلك إلي النهي النبوي عن بيع ما ليس عندك لكن الاعتماد علي هذا التوهين و رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع الشخصي و عموم مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلي خلاف الإنصاف إذ غاية الأمر حمل الحكم في مورد تلك الأخبار و هو بيع الكلي قبل التملك علي التقية و هو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا فتدبر فالأقوي العمل بالروايات و الفتوي بالمنع عن البيع المذكور. و مما يؤيد المنع مضافا إلي ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوي الاتفاق رواية الحسن بن زياد الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه قال: قلت لأبي عبد الله ع إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني الله بعد فأجدد النكاح قال فقال علموا أنك تزوجت قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك إقرار منهم أنت علي نكاحك الخبر فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق علي ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته فلو كانت صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلي الاستفصال عن أن المولي سكت أم لا للزوم العقد حينئذ علي كل تقدير.

[مورد الروايات ما لو باع لنفسه غير مترقب للإجازة]

ثم إن الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشتري المشتري غير مترقب لإجازة المالك و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا و هذا هو الذي ذكره العلامة رحمه الله في التذكرة نافيا للخلاف في فساده قال و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلمها و به قال الشافعي و أحمد و لا نعلم فيه خلافا لقوله ص: لا تبع ما ليس عندك و لاشتمالها علي الغرر فإن صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها و لا قادر علي تسليمها أما لو اشتري موصوفا في الذمة سواء كان حالا أم مؤجلا فإنه جائز إجماعا انتهي. و حكي عن المختلف الإجماع علي المنع أيضا و استدلاله بالغرر و عدم القدرة علي التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة مجيز بل وقع علي وجه يلزم علي البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه فحينئذ لو تبايعا علي أن يكون العقد موقوفا علي الإجازة فاتفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الأخبار و لا في معقد الاتفاق و لو تبايعا علي أن يكون اللزوم موقوفا علي تملك البائع دون إجازته فظاهر عبارة الدروس أنه من البيع المنهي عنه في الأخبار المذكورة حيث قال و كذا لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجازه و كذا لو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده و قد نهي عنه انتهي. لكن الإنصاف ظهورها في الصورة الأولي و هي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل و الانتقال و عدم الوقوف علي شي‌ء.
و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك حيث علل المنع بالضرر و عدم القدرة علي التسليم و أصرح منه كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد و النسيئة و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلي البائع- فأجازه فالظاهر أيضا الصحة لخروجه عن مورد الأخبار. نعم قد يشكل فيه من حيث إن الإجازة لا متعلق لها لأن العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصلي و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة و هي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه فتأمل. و لو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا عليه عدوانا فإن أجاز المالك فلا كلام في الصحة
المكاسب، ج‌2، ص 141
بناء علي المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك و إن ملكه الثالث و أجازه أو ملكه البائع فأجازه فالظاهر أنه داخل في المسألة السابقة

[لو باع لنفسه ثم تملكه و لم يجز]

ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه في المسألة المذكورة حال المسألة الأخري و هي ما لو لم يجز البائع بعد تملكه فإن الظاهر بطلان البيع الأول لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقينا- مضافا إلي قاعدة تسلط الناس علي أموالهم و عدم صيرورتها حلالا من دون طيب النفس فإن المفروض أن البائع بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأول و التزامه قبل تملكه بكون هذا المال المعين للمشتري ليس التزاما إلا بكون مال غيره له اللهم إلا أن يقال إن مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط علي كل عاقد و شارط هو اللزوم علي البائع بمجرد انتقال المال إليه و إن كان قبل ذلك أجنبيا لا حكم لوفائه و نقضه و لعله لأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الإيضاح بناء علي صحة الفضولي صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف علي الإجازة قيل و يلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك و قد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكية في المعتبر لكن يضعفه أن البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلي حكم العام فتأمل- مضافا إلي معارضة العموم المذكور- بعموم سلطنة الناس علي أموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا عن طيب النفس.
و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه و إن عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولي الذي هو بمنزلة الإجازة ثم لو سلم عدم التوقف علي الإجازة فإنما هو فيما إذا باع الفضولي لنفسه أما لو باع فضولا للمالك أو لثالث ثم ملك هو فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة إلي البائع أشكل و لو باع وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكل فلا إشكال في عدم وقوع البيع له بدون الإجازة و لا معها.
نعم يقع للوارث مع إجازته

المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف

اشارة

و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه إما لعدم الولاية فانكشف كونه وليا و إما لعدم الملك فانكشف كونه مالكا و علي كل منهما فإما أن يبيع عن المالك و إما أن يبيع لنفسه فالصور أربعة

الأولي أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع

فلا ينبغي الإشكال في اللزوم حتي علي القول ببطلان الفضولي- لكن الظاهر من المحكي عن القاضي أنه إذا أذن السيد لعبده في التجارة فباع و اشتري و هو لا يعلم بإذن سيده و لا علم به أحد لم يكن مأذونا في التجارة و لا يجوز شي‌ء مما فعله فإن علم بعد ذلك و اشتري و باع جاز ما فعله بعد الإذن و لم يجز ما فعله قبل ذلك فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد و العبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه و شراؤه منهم جائزا و جري ذلك مجري الإذن الظاهر فإن اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز انتهي و عن المختلف الإيراد عليه بأنه لو أذن الولي و لا يعلم العبد ثم باع العبد صح لأنه صادف الإذن و لا يؤثر فيه إعلام المولي بعض المتعاملين انتهي و هو حسن.

الثانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا

فالظاهر أيضا صحة العقد لما عرفت من أن قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع و لا يقدح و في توقفه علي إجازته للمولي عليه وجه لأن قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع علي الوجه المأذون فتأمل.

الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا

و قد مثل له الأكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا و المشهور الصحة بل ربما استفيد من كلام العلامة في القواعد و الإرشاد في باب الهبة الإجماع و لم نعثر علي مخالف صريح إلا أن الشهيد رحمه الله ذكر في قواعده أنه لو قيل بالبطلان أمكن و قد سبقه في احتمال ذلك العلامة و ولده في النهاية و الإيضاح لأنه إنما قصد نقل المال عن الأب لا عنه و لأنه و إن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك و لأنه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أن المبيع لغيره انتهي. أقول أما قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه لأنه إنما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنه مالك باعتقاده ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك لكن أخطأ في اعتقاده أن المالك أبوه و قد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة أي ما لو باع ملك غيره باعتقاده أنه ملكه. نعم من أبطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده هنا لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه و لذا نقول نحن كما سيجي‌ء باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب النفس حال العقد. و أما ما ذكره من أنه في معني التعليق ففيه مع مخالفته لمقتضي الدليل الأول كما لا يخفي منع كونه في معني التعليق لأنه إذا فرض أنه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو ظاهر هذا الدليل فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه فبيعه كبيع الغاصب مبني علي دعوي السلطنة و الاستقلال علي المال لا علي تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالإرث عن مورثه لأن ذلك لا يجامع و ظن الحياة اللهم إلا أن يراد أن القصد الحقيقي إلي النقل معلق علي تملك الناقل و بدونه فالقصد صوري علي ما تقدم من المسالك من أن الفضولي و المكره قاصدان إلي اللفظ دون مدلوله لكن فيه حينئذ أن هذا القصد الصوري كاف و لذا قلنا بصحة عقد الفضولي و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد معللا بعلمه بكون المبيع لغيره. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في صحة العقد إلا أن ظاهر المحكي من غير واحد لزوم العقد و عدم الحاجة إلي إجازة مستأنفة لأن المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه و لأن قصده إلي نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرد القصد إلي نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه و إن لم يشعر به فهو أولي من الإذن في ذلك فضلا عن إجازته و إلا توجه عدم وقوع العقد له لكن الأقوي وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنه لم يقصد إلي البيع الناقل للملك الآن بل مع إجازة المالك لاندفاعه بما ذكره بقوله إلا أن يقال
المكاسب، ج‌2، ص 142
إن قصده إلي أصل البيع كاف. و توضيحه أن انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد حتي يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه و إنما هو من الأحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقف علي الأمور المتأخرة و عدمه مع أن عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه فالدليل علي اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلط الناس علي أموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا بطيب أنفسهم و حرمة أكل المال إلا بالتجارة عن تراض. و بالجملة فأكثر أدلة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا. و أما ما ذكرناه من أن قصد نقل ملك نفسه إن حصل أغني عن الإجازة و إلا فسد العقد ففيه أنه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد إلي نقل المال المعين و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره مع خطائه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع و لذا بنينا علي صحة العقد بقصد نقل مال نفسه مع كونه مالا لغيره. و أما أدلة اعتبار التراضي و طيب النفس فهي دالة علي اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنه ماله لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في الواقع فإن حكم طيب النفس و الرضا لا يترتب علي ذلك فلو أذن في التصرف في مال يعتقد أنه لغيره و المأذون يعلم أنه له لم يجز له التصرف بذلك الإذن و لو فرضنا أنه أعتق عبدا عن غيره فبان أنه لم ينعتق و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره فبانت زوجته لأن القصد المقارن إلي طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما فلا تنفع الإجازة و لو غره الغاصب فقال هذا عبدي أعتقه عنك فأعتقه عن نفسه فبان كونه له فالأقوي أيضا عدم النفوذ وفاقا للمحكي عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد مع حكمه بصحة البيع هنا و وقوفه علي الإجازة لأن العتق لا يقبل الوقوف فإذا لم يحصل القصد إلي فك ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة بخلاف البيع فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة كما يتوهم. نعم ينبغي إيراد التناقض علي من حكم هناك بعدم النفوذ و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة إلي الإجازة فإن القصد إلي إنشاء يتعلق بمعين هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به إن كان يكفي في طيب النفس و الرضا المعتبر في جميع إنشاءات الناس المتعلقة بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق و إن اعتبر في طيب النفس المتعلق بإخراج الأموال عن الملك العلم بكونه مالا له و لم يكف مجرد مصادفة الواقع وجب الحكم بعدم لزوم البيع فالحق أن القصد إلي الإنشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعني قابليته للتأثير و لا يحتاج إلي العلم بكونه مالا له لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج عن ماله بمجرد الإنشاء ثم إن كان ذلك الإنشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود و إلا وقع الإنشاء باطلا كما في الإيقاعات ثم إنه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الإجازة- أن هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ فعقده متزلزل من حيث الحدوث لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا و تبعه بعض من عاصرناه معللا بقاعدة نفي الضرر إذ فيه أن الخيار فرع الانتقال و قد تقدم توقفه علي طيب النفس. و ما ذكراه من الضرر المترتب علي لزوم البيع ليس لأمر راجع إلي العوض و المعوض و إنما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين أن يجهل أصل الانتقال كما يتفق في الفضولي أو يعلمه و يجهل تعلقه بماله و من المعلوم أن هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي علي الإجازة إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوي هذا الضرر. ثم إن الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي- بل يجي‌ء علي القول بالبطلان إلا أن يستند في البطلان بما تقدم- من قبح التصرف في مال الغير فيتجه عنده حينئذ البطلان [ثم يغرم المثمن إن كان جاهلا].

الرابعة أن يبيع لنفسه باعتقاده أنه لغيره فانكشف أنه له

و الأقوي هنا أيضا الصحة و لو علي القول ببطلان الفضولي و الوقوف علي الإجازة بمثل ما مر في الثالثة و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالث و لذا قوي اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة.

و أما القول في المجاز

اشارة

فاستقصاؤه يكون ببيان أمور

الأول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك

فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء و لا إحراز سائر الشروط بالنسبة إلي الأصيل فقط علي الكشف للزومه عليه حينئذ بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت و لو علي القول بالنقل عليها و ذلك لأن العقد إما تمام السبب أو جزؤه و علي أي حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده و لهذا لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا لأن الإجازة علي القول بالنقل أشبه بالشرط و لو سلم كونها جزء فهو جزء للمؤثر لا للعقد فيكون جميع ما دل من النص و الإجماع علي اعتبار الشروط في البيع ظاهره في اعتبارها في إنشاء النقل و الانتقال بالعقد. نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الأثر الشرعي علي العقد من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة و لعل من هذا القبيل القدرة علي التسليم و إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلي زمان الإجازة أم لا لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطهما حتي علي القول بالنقل. نعم علي القول بكونها بيعا مستأنفا يقوي الاشتراط و أما شروط العوضين فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل و أما بناء علي الكشف فوجهان و اعتبارها عليه أيضا غير بعيد.

الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل

من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة وجهان من كون الإجازة كالإذن السابق فيجوز تعلقه بغير المعين إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل و من أن الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد لأن المعاهدة الحقيقية إنما تحصل بين المالكين بعد الإجازة فتشبه القبول مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل و من هنا يظهر قوة احتمال
المكاسب، ج‌2، ص 143
اعتبار العلم بوقوع العقد و لا يكفي مجرد احتماله فيجيزه علي تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه لأن الإجازة و إن لم تكن من العقود حتي تشملها معاقد إجماعهم علي عدم جواز التعليق فيها إلا أنها في معناها و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق- مع أن الوفاء بالعقد السابق لا يكون إلا في حق العاقد فتأمل.

الثالث [حكم العقود المترتبة]

اشارة

المجاز إما العقد الواقع علي نفس مال الغير و إما العقد الواقع علي عوضه و علي كل منهما إما أن يكون المجاز أول عقد وقع علي المال أو علي عوضه أو آخره أو عقدا بين سابق و لاحق واقعين علي مورده أو بدله أو بالاختلاف و مجمع الكل فيما إذا باع عبدا لمالك بفرس ثم باعه المشتري بكتاب ثم باعه الثالث بدينار و باع البائع الفرس بدرهم و باع الثالث الدينار بجارية و باع بائع الفرس الدرهم برغيف ثم بيع الدرهم بحمار و بيع الرغيف بعسل أما إجازة العقد الواقع علي مال المالك أعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده أعني العبد بالدينار بناء علي الكشف و أما بناء علي النقل فيبني علي ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه و هي فسخ بالنسبة إلي ما قبله مما ورد علي مورده أعني بيع العبد بفرس بالنسبة إلي المجيز. أما بالنسبة إلي من ملك بالإجازة و هو المشتري بالكتاب فقابليته للإجازة مبنية علي مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد هذا حال العقود السابقة و اللاحقة علي مورده أعني مال المجيز. و أما العقود الواقعة علي عوض مال المجيز- فالسابقة علي هذا العقد و هو بيع الفرس بالدرهم فيتوقف لزومها علي إجازة المالك الأصلي للعوض و هو الفرس و اللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد. و أما إجازة العقد الواقع علي العوض- أعني بيع الدرهم برغيف فهي ملزمة للعقود السابقة عليه سواء وقعت علي نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم علي عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم و للعقود اللاحقة له إذا وقعت علي العوض و هو بيع الدرهم بالحمار. أما الواقعة علي هذا البدل المجاز أعني بيع الرغيف بالعسل فحكمها حكم العقود الواقعة علي المعوض ابتداء. و ملخص ما ذكرنا أنه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة علي مال المجيز فإن وقعت من أشخاص متعددة كانت إجازة منها فسخا لما قبله و إجازة لما بعده علي الكشف و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر و لعل هذا هو المراد من المحكي عن الإيضاح و الدروس في حكم ترتب العقود من أنه إذا أجاز عقدا علي المبيع صح و ما بعده و في الثمن ينعكس فإن العقود المترتبة علي المبيع لا يكون إلا من أشخاص متعددة. و أما العقود المترتبة علي الثمن فليس مرادهما أن يعقد علي الثمن الشخصي مرارا لأن حكم ذلك حكم العقود المترتبة علي المبيع علي ما سمعت سابقا من قولنا أما الواقعة علي هذا البدل المجاز إلي آخره بل مرادهما ترامي الأثمان في العقود المترتبة كما صرح بذلك المحقق و الشهيد الثانيان و قد علم من ذلك أن مرادنا بما ذكرنا في المقسم من أن العقد المجاز علي عوض مال الغير ليس العوض الشخصي الأول له بل العوض و لو بواسطة.

[الإشكال في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب

ثم إن هنا إشكالا في شمول الحكم لجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب أشار إليه العلامة رحمه الله في القواعد و أوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه فقال الأول فيما حكي عنه إن وجه الإشكال أن المشتري مع العلم يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن و لذا لو تلف لم يكن له الرجوع و لو بقي ففيه الوجهان فلا تنفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه و من أن الثمن عوض عن العين المملوكة و لم يمنع من نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك فإذا أجاز جري مجري الصادر عنه انتهي. و قال في محكي الحواشي إن المشتري مع علمه بالغصب- يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن فلا يدخل في ملك رب العين فحينئذ إذا اشتري به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه و أتلفه عند الدفع إلي البائع فتتحقق ملكيته للمبيع فلا يتصور نفوذ الإجازة فيها لصيرورته ملكا للبائع و إن أمكن إجازة المبيع مع احتمال عدم نفوذها أيضا لأن ما دفعه إلي الغاصب كالمأذون له في إتلافه فلا يكون ثمنا فلا تؤثر الإجازة في جعله ثمنا فصار الإشكال في صحة البيع و في التتبع ثم قال إنه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع لاستحالة كون المبيع بلا ثمن فإذا قيل إن الإشكال في صحة العقد كان صحيحا أيضا انتهي. و اقتصر في جامع المقاصد علي ما ذكره الشهيد أخيرا في وجه سراية هذا الإشكال إلي صحة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب و المحكي عن الإيضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري علي كون الإجازة ناقلة فيكون منشأ الإشكال في الجواز و العدم الإشكال في الكشف و النقل. قال في محكي الإيضاح إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبع العقود و رعاية مصلحته و الربح في سلسلتي الثمن و المثمن و أما إذا كان عالما بالغصب فعلي قول الأصحاب من أن المشتري إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع علي الغاصب بالثمن مع وجود عينه فيكون قد ملك الغاصب مجانا لأنه بالتسليم إلي الغاصب- ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الأصحاب و المالك قبل الإجازة لم يملك الثمن لأن الحق أن الإجازة شرط أو سبب فلو لم يكن للغاصب فيكون الملك بغير مالك و هو محال فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن علي سبب ملك المالك له أي الإجازة فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن و ربحه له و ليس للمالك أخذه لأنه ملك الغاصب و علي القول بأن إجازة المالك كاشفة فإذا أجاز العقد كان له و يحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن فإن له إجازة البيع و أخذ الثمن و حقه مقدم علي حق الغاصب لأن الغاصب يؤخذ بأخس أحواله و أشقها عليه و المالك مأخوذ الأحوال ثم قال و الأصح عندي مع وجود عين الثمن للمشتري العالم أخذه و مع التلف ليس له الرجوع به انتهي كلامه رحمه الله.

[عدم ورود الإشكال علي تقدير الكشف

و ظاهر كلامه أنه لا وقع للإشكال علي تقدير الكشف و هذا هو المتجه إذ حينئذ يندفع ما استشكله القطب و الشهيد بأن تسليط
المكاسب، ج‌2، ص 144
المشتري للبائع علي الثمن علي تقدير الكشف تسليط علي ملك الغير بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالإقباض فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل بمقتضاه و إذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا من المشتري علي ماله فليس له أن يسترده بناء علي ما نقل من الأصحاب. نعم علي القول بالنقل يقع الإشكال في جواز إجازة العقد الواقع علي الثمن لأن إجازة المالك المبيع له موقوفة علي تملكه للثمن لأنه قبلها أجنبي عنه و المفروض أن تملكه الثمن موقوف علي الإجازة علي القول بالنقل و كذا الإشكال في إجازة العقد الواقع علي المبيع بعد قبض البائع الثمن أو بعد إتلافه إياه علي الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري علي الثمن بصورة التلف و عدمه لأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله إلي مالك المبيع بالإجازة فلا يبقي مورد للإجازة. و ما ذكره في الإيضاح من احتمال تقديم حق المجيز لأنه أسبق و أنه أولي من الغاصب المأخوذ بأشق الأحوال فلم يعلم له وجه بناء علي النقل لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز و التسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب فكيف يكون حق المجيز أسبق. نعم يمكن أن يقال إن حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعله لأجل التسليط المراعي بعدم إجازة مالك المبيع لا لأن نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب علي تقديري الرد و الإجازة و حيث إن حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة علي عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع علي عقد فاسد وجب الاقتصار فيه علي المتيقن و هو التسليط علي تقدير عدم الإجازة فافهم.

مسألة في أحكام الرد

[ما يتحقق به الرد]

لا يتحقق الرد قولا إلا بقوله فسخت و رددت و شبه ذلك مما هو صريح في الرد لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليته من طرف المجيز و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك و الوجه في ذلك أن تصرفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الإجازة لفرض خروجه عن ملكه.

[هل يتحقق الرد بالتصرف غير المخرج عن الملك

و أما التصرف غير المخرج عن الملك- كاستيلاد الجارية و إجارة الدابة و تزويج الأمة فهو و إن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه إلا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد لأن صحة الإجازة علي هذا النحو توجب وقوعها باطلة و إذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع الإجازة. و الحاصل أن وقوع هذه الأمور صحيحة مناقضة لوقوع الإجازة لأصل العقد فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحا فلا بد من امتناع وقوع الآخر أو إبطال صاحبه أو إيقاعه علي غير وجهه و حيث لا سبيل إلي الأخيرين تعين الأول. و بالجملة كل ما يكون باطلا علي تقدير لحوق الإجازة المؤثرة من حين العقد فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الإجازة لامتناع اجتماع المتنافيين. نعم لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسكني و اللبس كان عليه أجرة المثل إذا أجاز فتأمل و منه يعلم أنه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع علي وقوع العقد و وقوعها بدونه لأن التنافي بينهما واقعي و دعوي أنه لا دليل علي اشتراط قابلية التأثير من حين العقد في الإجازة و لذا صحح جماعة كما تقدم إجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا ثم ملكه مدفوعة بإجماع أهل الكشف علي كون إجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه. نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلي كون المؤثر التام هو العقد الملحق بالإجازة كانت التصرفات مبنية علي الظاهر و بالإجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي و تصح الإجازة.

بقي الكلام في التصرفات غير المنافية لملك المشتري

اشارة

من حين العقد- كتعريض المبيع و البيع الفاسد و هذا أيضا علي قسمين لأنه إما أن يقع حال التفات المالك إلي وقوع العقد من الفضولي علي ماله و إما أن تقع في حال عدم الالتفات

[ما يقع في حال التفات المالك إلي وقوع العقد من الفضولي

أما الأول فهو رد فعلي للعقد و الدليل علي إلحاقه بالرد القولي مضافا إلي صدق الرد عليه فيعمه ما دل علي أن للمالك الرد مثل ما وقع في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه. و ما ورد فيمن زوجته أمه و هو غائب من قوله ع: إن شاء قبل و إن شاء ترك إلا أن يقال إن الإطلاق مسوق لبيان أن له الترك فلا تعرض فيه لكيفيته إن المانع من صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد مضافا إلي فحوي الإجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطئ و البيع و العتق- فإن الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها علي قصد فسخ البيع و إلا فتوقفها علي الملك لا يوجب حصول الفسخ بها بل يوجب بطلانها لعدم حصول الملك المتوقف علي الفسخ قبلها حتي تصادف الملك و كيف كان فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق أولي.

[ما يقع في حال عدم التفات المالك

و أما الثاني و هو ما يقع في حال عدم الالتفات فالظاهر عدم تحقق الفسخ به لعدم دلالته علي إنشاء الرد و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللاحقة و لا يكفي مجرد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف علي القصد و الالتفات إلي وقوع المردود نظير إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا و لو مع عدم الالتفات إلي وقوع الطلاق علي ما يقتضيه إطلاق كلامهم. نعم لو ثبتت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هنا بطريق أولي كما عرفت لكن لم يثبت ذلك هناك فالمسألة محل إشكال بل الإشكال في كفاية سابقه أيضا فإن بعض المعاصرين يظهر منهم دعوي الاتفاق علي اعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة و لذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد علي متعلقها جاهلا بفساده و قرره في الإيضاح و جامع المقاصد علي الإشكال.

[حاصل الكلام فيما يتحقق به الرد]

و الحاصل أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي و في حكمه تفويت محل الإجازة بحيث لا يصح وقوعها علي وجه يؤثر من حين العقد. و أما الرد الفعلي و هو الفعل المنشأ به لمفهوم الرد فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به و أما مجرد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد لعدم الالتفات إلي وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للأصل و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية- و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي أوضح. و أما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو بالخيار فهو منحصر باللفظ أو الرد الفعلي. و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطئ و العتق فالظاهر أن الفسخ بهما من باب تحقق
المكاسب، ج‌2، ص 145
القصد قبلهما لا لمنافاتهما لبقاء العقد لأن مقتضي المنافاة بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه و تمام الكلام في محله ثم إن الرد إنما يثمر في عدم صحة الإجازة بعده. و أما انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضولي فلا يتوقف علي الرد بل يكفي فيه عدم الإجازة و الظاهر أن الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة علي إرادته منه لا مطلق الأخذ لأنه أعم و لذا ذكروا أن الرجوع في الهبة لا يتحقق به.

مسألة لو لم يجز المالك

اشارة

فإن كان المبيع في يده فهو- و إلا فله انتزاعه ممن وجده في يده مع بقائه و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد و مع التلف يرجع إلي من تلف عنده بقيمته يوم التلف أو بأعلي القيم من زمان وقع في يده و لو كان قبل ذلك في ضمان آخر و فرضت زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه كما صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة هذا كله حكم المالك مع المشتري

و أما حكم المشتري مع الفضولي

اشارة

فيقع الكلام فيه تارة في الثمن و أخري فيما يغرمه للمالك زائدا علي الثمن فهنا مسألتان

الأولي أنه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا بكونه فضوليا

اشارة

سواء كان باقيا أم تالفا و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا- لأن اعترافه مبني علي ظاهر يده. نعم لو اعترف به علي وجه يعلم عدم إسناده إلي اليد كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة لم يرجع بشي‌ء و لو لم يعلم استناد الاعتراف إلي اليد أو إلي غيرها ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلي اليد أو بظاهر لفظ الإقرار من دلالته علي الواقع وجهان

[لو كان عالما بكونه فضوليا و كان الثمن باقيا]

و إن كان عالما بالفضولية فإن كان الثمن باقيا استرده وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا و مجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد لتسليط كل من المتبايعين صاحبه علي ماله و لأن الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك كما هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن فإن تملك البائع للثمن قبله يلزم فوات محل الإجازة لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة فتأمل. و هل يجوز للبائع التصرف فيه وجهان بل قولان أقواهما العدم لأنه أكل مال بالباطل هذا كله إذا كان باقيا

[حكم ما لو كان الثمن تالفا]

و أما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم رحمهم الله الاتفاق عليه و وجهه كما صرح به بعضهم كالحلي و العلامة و غيرهما و يظهر من آخرين أيضا أنه سلطه علي ماله بلا عوض. و توضيح ذلك أن الضمان إما لعموم علي اليد ما أخذت و إما لقاعدة الإقدام علي الضمان الذي استدل به الشيخ و غيره علي الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه و الأول مخصص بفحوي ما دل علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه كما في الوديعة أو الانتفاع به كما في العارية أو لاستيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة فإن الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان فالتسليط علي التصرف فيه و إتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق أولي و دعوي أنه إنما سلطه في مقابل العوض لا مجانا حتي يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم عدم الضمان فيها مندفعة بأنه إنما سلطه في مقابل ملك غيره فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه فهو يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها و من ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان و هو الإقدام علي الضمان هنا لأن البائع لم يقدم علي ضمان الثمن إلا بما علم المشتري أنه ليس ملكا له. فإن قلت تسلطه علي الثمن بإزاء مال الغير- لبنائه و لو عدوانا علي كونه ملكا له و لو لا هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه فهو إنما سلطه علي وجه يضمنه بماله إلا أن كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن و تعاقدا معرضين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة علي أموال الناس بين السراق و الظلمة بل بني المشتري علي كون المثمن ملكا للبائع فالتسليط ليس مجانا و تضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي إلا أن كون المثمن مالا له ادعائي فهو كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير فإن المشتري يرجع إلي البائع بالثمن مع التلف اتفاقا مع أنه إنما ضمنه الثمن بإزاء هذا الشي‌ء الذي هو مال الغير فكما أن التضمين هنا حقيقي و كون المثمن مالا له اعتقادي لا يقدح حينئذ تخلفه في التضمين فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه علي ملك المثمن عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله. قلت الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن و خسارته عليه و إذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك. و ما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد علي كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك و التملك منهما ادعاء مع عدم كون البائع أهلا لذلك في الواقع و إلا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين و الضمان و التضمين الحقيقي بالنسبة إليهما و لذا ينتقل الثمن إلي مالك المبيع و يدخل في ضمانه بمجرد الإجازة. و الحاصل أنه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع علي الثمن و أما رجوع المشتري مع اعتقاد المتابعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطإ مع أنه إنما ضمنه بمال الغير فلعدم طيب نفسه علي تصرف البائع فيه دون ضمان و إن كان ما ضمنه به غير ملك له و لا يتحقق به التضمين لأنه إنما طابت نفسه بتصرف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكا له و صيرورته مباحا له بتسليطه عليه و هذا مفقود فيما نحن فيه لأن طيب النفس بالتصرف- و الإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل. و مما ذكرنا يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشتري بالفساد حيث إنه ضمن البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به و كذا البائع مع علمه بالفساد ضمن المشتري بما يعلم أن المشتري لا يضمن به فكأنه لم يضمنه بشي‌ء وجه الفساد أن التضمين الحقيقي حاصل هنا لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر أن فساد العقد مانع عن مضي هذا الضمان و التضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص صار أصل إقدام الشخص علي الضمان الحقيقي أو قاعدة إثبات اليد علي مال من دون
المكاسب، ج‌2، ص 146
تسليط مجاني أو استيمان عن مالكه موجبا لضمانه علي الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه و شي‌ء منهما غير موجود فيما نحن فيه كما أوضحناه بما لا مزيد عليه.
و حاصله أن دفع المال إلي الغاصب ليس إلا كدفعه إلي ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع و تسليطه علي إتلافه في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلي هذا الثالث.
نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك كالخمر و الخنزير و الحر قوي اطراد ما ذكرنا فيه من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال- كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد هذا و لكن إطلاق قولهم أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه نظرا إلي أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ففاسده كذلك إلا أن يفسر بما أبطلناه سابقا من أن كل عقد يضمن علي فرض صحته يضمن علي فرض فساده و لا ريب أن العقد فيما نحن فيه و في مثل المبيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة إذا فرض صحيحا لا يكون فيها ضمان فكذلك مع الحكم بالفساد لكنك عرفت ضعف هذا المعني فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية فإن معناه أن كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه فيختص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا و أخري فاسدا. نعم يمكن تطبيق المعني المختار فيما نحن فيه و شبهه بأن لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح بل يراد مطلق المعاملة المالية التي لا يوجد لها فردان صحيح و فاسد فيقال إن ما نحن فيه و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر و الفرد الصحيح من هذه المعاملة و هي الهبة غير المعوضة لا ضمان فيها ففاسدها كذلك فتأمل و بالجملة فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض و لذا لم يصرح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن مع اتفاقهم عليه و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. نعم ذكر الشهيد رحمه الله و غيره عدم الضمان في الإجارة بلا أجرة و يؤيد ما ذكرنا ما دل من الأخبار علي كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا و إن أمكن الذب عنه بأن المراد التشبيه في التحريم فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت ثم إن مقتضي ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه بل باع عن المالك و دفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلي المالك فتلف في يده- إذ لم يسلطه عليه و لا إذن له في التصرف فيه فضلا عن إتلافه و لعل كلماتهم و معاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع لنفسه و إن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضولية و كذا يقوي الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري بل أخذه بناء علي العقد الواقع بينهما فإنه لم يحصل هنا من المشتري تسليط إلا بالعقد و التسليط العقدي مع فساده غير مؤثر في دفع الضمان و يكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع فيه مع اتفاقهم ظاهرا علي عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة و كذا يقوي الضمان لو اشترط علي البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها و لو كان الثمن كليا فدفع إليه المشتري بعض أفراده فالظاهر عدم الرجوع لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا.

المسألة الثانية أن المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن

اشارة

فإما أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة علي الثمن إذا رجع المالك بها علي المشتري كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين و الثمن عشرة و إما أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار و وطء الجارية و اللبن و الصوف و الثمرة و إما أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع كالنفقة و ما صرفه في العمارة و ما تلف منه أو ضاع من الغرس و الحفر أو إعطائه قيمة للولد المنعقد حرا و نحو ذلك أو نقص من الصفات و الأجزاء

[لو كان عالما بالفضولية]

ثم المشتري إن كان عالما فلا رجوع له في شي‌ء من هذه الموارد لعدم الدليل عليه

[لو كان جاهلا بالفضولية]

اشارة

و إن كان جاهلا فأما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض. و عن الكفاية رجوع المشتري الجاهل بها علي البائع بل في كلام بعض تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد دعوي الإجماع علي الرجوع ما لم يحصل في مقابله نفع و في السرائر أنه يرجع قولا واحدا و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرر للمشتري و موقع إياه في خطرات الضمان و متلف عليه ما يغرمه فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع من شهادته و القاعدة نفي الضرر مضافا إلي ظاهر رواية جميل أو فحواها: عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي‌ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت فإن حرية ولد المشتري إما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا و علي التقديرين يثبت المطلوب مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها أخذت منه نوع إشعار لعلية الحكم فيطرد في سائر ما أخذ منه

[توجيه بعض الروايات الساكتة عن رجوع المشتري إلي البائع

و أما السكوت عن رجوع المشتري إلي البائع- في بعض الأخبار فهو لعدم كونه مسوقا لذلك كرواية زرارة: في رجل اشتري من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلي أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها و رواية زريق قال: كنت عند أبي عبد الله ع يوما إذ دخل عليه رجلان فقال أحدهما إنه كان علي مال لرجل من بني عمار و له بذلك حق و شهود فأخذ المال و لم أسترجع عنه الذكر بالحق و لا كتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة بذلك و ذلك لأني وثقت به و قلت له مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقه و عقيب هذا طالبني بالمال وراثه و حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت عن الحاكم فباع علي قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال و هذا رجل
المكاسب، ج‌2، ص 147
من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي ثم إن ورثة الميت أقروا أن أباهم قد قبض المال و قد سألوه أن يرد علي معيشتي و يعطونه الثمن في أنجم معلومة فقال إني أحب أن تسأل أبا عبد الله ع عن هذا فقال الرجل يعني المشتري كيف أصنع جعلت فداك قال تصنع أن ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة إلي صاحبها و تخرج يدك عنها قال فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا قال نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع و إما أن يصبر عليك إلي وقت حصاد الزرع فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له و رد عليك القيمة و كان الزرع له قلت جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا قال له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه قلت أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء فقال يرد ذلك إلي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها علي صاحبها و رد البناء و الغرس و كل محدث إلي ما كان أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الأرض كلما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب كل ذلك مردود إليه. و فيه مع أنا نمنع ورودها- إلا في مقام حكم المشتري مع المالك أن السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلي البائع مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجه إليه غرم لأن الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه علي طبق البينة المأمور بالعمل بها و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف- و تصرفه في أمور المسلمين فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

[ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة]

و أما الثاني و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع و النماء ففي الرجوع بها خلاف أقواهما الرجوع وفاقا للمحكي عن المبسوط و المحقق و العلامة في التجارة و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم. و عن التنقيح بأن عليه الفتوي لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم مال الغير إلي غيره الجاهل فأكله و تؤيده قاعدة نفي الضرر- فإن تغريم من أقدم علي إتلاف شي‌ء من دون عوض مغرورا من آخر بأن له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه إلي من غره في ذلك ضرر عظيم و مجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر و كيف كان فصدق الضرر و إضرار الغار به مما لا يخفي خصوصا في بعض الموارد فما في الرياض من أنه لا دليل علي قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام لوصول العوض إلي المشتري لا يخلو عن شي‌ء مضافا إلي ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور بل هي مبنية علي قوة السبب علي المباشر لكنه لا يخلو من نظر لأنه إنما يدعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة و الإجماع بصورة الضرر و أما قوة المسبب علي المباشر فليست بنفسها دليلا علي رجوع المغرور إلا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره و كما في الريح العاصف الموجب للإحراق و الشمس الموجبة لإذابة الدهن و إراقتها و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلي المباشر أصلا كما نسب إلي ظاهر الأصحاب في المكره لكون المباشر بمنزلة الآلة و أما في غير ذلك فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلي دليل مفقود فلا بد من الرجوع بالأخرة إلي قاعدة الضرر أو الإجماع المدعي في الإيضاح علي تقديم السبب إذا كان أقوي أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة أو كون الغار سببا في تغريم المغرور فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته و لا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه أما الأخير فواضح و أما الأول فقد عرفته و أما الإجماع و الأخبار فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة إلا أن تحققهما في نظائر المسألة كاف فإن رجوع آكل طعام الغير إلي من غره بدعوي تملكه و إباحته له مورد الإجماع ظاهرا و رجوع المحكوم عليه إلي شاهدي الزور مورد الأخبار و لا يوجد فرق بينهما و بين ما نحن فيه أصلا. و قد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبري إلي منع الصغري فإن الإنصاف أن مفهوم الغرر و الموجب للرجوع في باب الإتلاف و إن كان غير منقح إلا أن المتيقن منه ما كان إتلاف المغرور لمال الغير و إثبات يده عليه لا بعنوان أنه مال الغير بل قصده إلي إتلافه مال نفسه أو مال من أباح له الإتلاف فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير فيشبه المكره في عدم القصد هذا كله مضافا إلي ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة بناء علي أن حرية الولد منفعة راجعة إلي المشتري و هو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء علي تفسير المسالك و فيه تأمل.

[ما يغترمه في مقابل العين

ثم إن ما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين- من زيادة القيمة علي الثمن الحاصلة وقت العقد كما لو باع ما ساوي عشرين بعشرة فتلف فأخذ منه المالك عشرين فإنه لا يرجع بعشرة الثمن و إلا لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغره في ذلك لأنه لو فرض صدق البائع في دعوي الملكية لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع و أما العشرة الزائدة فإنما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه فحصل الغرور فوجب الرجوع. و مما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أن المشتري إنما أقدم علي ضمان العين و كون تلفها منه كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه و مع الإقدام لا غرور و لذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن. توضيح الاندفاع- أن الإقدام إنما كان علي ضمانه بالثمن إلا أن الشارع جعل القبض علي هذا النحو من الإقدام مع فساد العقد و عدم إمضاء الشارع له سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية فالمانع من تحقق الغرور و هو الإقدام لم يكن إلا في مقابل الثمن و الضمان المسبب عن هذا الإقدام لما كان لأجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا علي الغار
المكاسب، ج‌2، ص 148
فغرامة العشرة الزائدة و إن كانت مسببة عن الإقدام إلا أنها ليست مقدما عليها هذا كله مع أن التحقيق علي ما تقدم سابقا- أن سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا علي وجه الائتمان و أن ليس الإقدام علي الضمان علة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان و إن استدل به الشيخ و أكثر من تأخر عنه و قد ذكرنا في محله توجيه ذلك بما يرجع إلي الاستدلال باليد فراجع و كيف كان فجريان قاعدة الغرر فيما نحن فيه أولي منه فيما حصل في مقابلته نفع هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولي

[ما يغترمه بإزاء الأجزاء التالفة]

هذا كله فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة. و أما ما يغرمه المشتري بإزاء أجزائه التالفة فالظاهر أن حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد علي ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله علي ما اخترناه و يجي‌ء علي القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

[ما يغترمه بإزاء الأوصاف التالفة]

و أما ما يغرمه بإزاء أوصافه فإن كانت مما لا يسقط عليه الثمن كما عدا وصف الصحة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت فالظاهر رجوع المشتري علي البائع لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك.

[حكم ما يغترمه المشتري فيما إذا كان البيع فاسدا من غير جهة الفضولية]

ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشتري علي البائع بما يغرمه إنما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا- من غير جهة كون البائع غير مالك- أما لو كان فاسدا من جهة أخري فلا رجوع علي البائع لأن الغرامة لم تجي‌ء من تغرير البائع في دعوي الملكية و إنما جاءت من جهة فساد البيع فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة غاية الأمر كون المغروم له هو البائع علي تقدير الصدق و المالك علي تقدير كذبه فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به علي تقديري صدق البائع و كذبه ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن كل ما يرجع المشتري به علي البائع إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به علي المشتري إذا رجع عليه- لأن المفروض قرار الضمان علي البائع. و أما ما لا يرجع المشتري به علي البائع كمساوي الثمن من القيمة فيرجع البائع به علي المشتري إذا غرمه للمالك و الوجه في ذلك حصول التلف في يده.

[حكم المالك بالنسبة إلي الأيادي المتعاقبة]

فإن قلت إن كلا من البائع و المشتري- يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب للضمان و حصول التلف في يد المشتري لا وجه له و لا دليل علي كونه سببا لرجوع البائع عليه. نعم لو أتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق. قلت توضيح ذلك يحتاج إلي الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف- و صيرورته في عهدة كل منهما مع أن الشي‌ء الواحد لا يعقل استقراره إلا في ذمة واحدة و أن الموصول في قوله علي اليد ما أخذت شي‌ء واحد كيف يكون علي كل واحدة من الأيادي المتعددة فنقول معني كون العين المأخوذة علي اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه فإذا فرضت أيد متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي لكن ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعددة معناه لزوم خروج كل منها عن العهدة عند تلفها و حيث إن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد كان معناه تسلط المالك علي مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه فهو يملك ما في ذمة كل منهم علي البدل بمعني أنه إذا استوفي من أحدهم سقط من الباقي لخروج الباقي عن كونه تداركا لأن المتدارك لا يتدارك. و الوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي أن مطالبته ما دام لم يحصل إليه المبدل و لا بد له فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله فلو بقي شي‌ء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر. و يتحقق مما ذكرنا أن المالك إنما يملك البدل علي سبيل البدلية إذ يستحيل اتصاف شي‌ء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف و أصلا إلي المالك و يمكن أن يكون نظير ذلك ضمان المال علي طريقة الجمهور حيث إنه ضم ذمة إلي ذمة أخري و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا كما في الإيضاح و ضمان الأعيان المضمونة علي ما استقر به في التذكرة و قواه في الإيضاح و ضمان الاثنين لواحد كما اختاره ابن حمزة. و قد حكي فخر الدين و الشهيد عن العلامة في درسه أنه نفي المنع من ضمان الاثنين علي وجه الاستقلال قال و نظيره في العبادات الواجب الكفائي و في الأموال الغاصب من الغاصب هذا حال المالك بالنسبة إلي ذوي الأيدي.

[حكم الأيادي المتعاقبة بعضها بالنسبة إلي بعض

و أما حال بعضهم بالنسبة إلي بعض فلا ريب في أن اللاحق إذا رجع عليه لا يرجع إلي السابق- ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان كما لا ريب في أن السابق إذا رجع عليه و كان غارا للاحقه لم يرجع إليه إذ لا معني لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له فنقول إن الوجه في رجوعه هو أن السابق اشتغلت ذمته له بالبدل قبل اللاحق فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل فهذا الضمان يرجع إلي ضمان واحد من البدل و المبدل علي سبيل البدل إذ لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل و إلا خرج بدله عن كونه بدلا فما يدفعه الثاني فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول فإنه تدارك نفس العين معينا إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد فإن أداه إلي المالك سقط تدارك الأول له و لا يجوز دفعه إلي الأول قبل دفع الأول إلي المالك لأنه من باب الغرامة و التدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول فحال الأول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنه يستحق الدفع إليه إلا بعد الأداء. و الحاصل أن من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين علي البدل من المالك و من سبقه في اليد فتشتغل ذمته إما بتدارك العين و إما بتدارك ما تداركها و هذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين علي البدل كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمة إشخاص علي البدل لشي‌ء واحد لشخص واحد و ربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلي من تلف في يده لو رجع عليه إن ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل و إن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب
المكاسب، ج‌2، ص 149
بأداء ما اشتغلت ذمته به فيملك حينئذ من أدي بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية قال و بذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي إذ لا دليل علي شغل ذمم متعددة بمال واحد فحينئذ يرجع عليه و لا يرجع هو انتهي و أنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره بأن خطابه ذمي و خطاب غيره شرعي مع كون دلالة علي اليد ما أخذت بالنسبة إليهما علي السواء. و المفروض أنه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء و الخطاب الذمي مع أنه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كل من ذوي الأيدي مشغول الذمة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم أو إبراء المالك نظير الاشتغال بغيره من الديون في إجباره علي الدفع أو الدفع عنه من ماله و تقديمه علي الوصايا و الضرر فيه مع الغرماء و مصالحة المالك عنه مع آخر إلي غير ذلك من أحكام ما في الذمة مع أن تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري و لا قهري بل المتجه علي ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد أداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك مع أن اللازم مما ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن لحقه في الأيدي العادية إلا بمن تلف في يده مع أن الظاهر خلافه فإنه يجوز له أن يرجع إلي كل واحد ممن بعده. نعم لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلي أحد لواحقه إلي أن يستقر علي من تلفت في يده

[لو كانت العين باقية في الأيادي المتعاقبة]

هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري و قد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين و أنه يرجع المالك بها علي من في يده أو من جرت يده عليها فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده غرم للمالك بدل الحيلولة- و للمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة و لا ترتفع سلطنة المالك علي مطالبة الأول بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني لأن عهدتها علي الأول فيجب عليه تحصيلها و إن بذل ما بذل. نعم ليس للمالك أخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه و لو لم يقدر علي استردادها إلا المالك و طلب من الأول عوضا عن الاسترداد فهل يجب عليه بذل العوض أو ينزل منزلة التعذر فيغرم بدل الحيلولة أو يفرق بين الأجرة المتعارفة للاسترداد و بين الزائدة عليها مما يعد إجحافا علي الغاصب الأول وجوه هذا كله مع عدم تغير العين و أما إذا تغيرت فتجي‌ء فيه صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها و إن كان كثير مما ذكرنا أيضا مما لا يناسب ذكره إلا في باب الغصب إلا أن الاهتمام بها دعاني إلي ذكرها في هذا المقام بأدني مناسبة اغتناما للفرصة وفقنا الله لما يرضيه عنا من العلم و العمل إنه غفار الزلل.

مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه

فعلي القول ببطلان الفضولي فالظاهر أن حكمه حكم ما يقبل الملك مع ما لا يقبله- و الحكم فيه الصحة لظهور الإجماع بل دعواه عن غير واحد مضافا إلي صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان الفضولي من قوله ع: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك و لما ذكرنا قال بها من قال ببطلان الفضولي كالشيخ و ابن زهرة و الحلي و غيرهم. نعم لو لا النص و الإجماع أمكن الخدشة فيه بما سيجي‌ء في بيع ما يملك و ما لا يملك و أما علي القول بصحة الفضولي فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة بل و كذا مع الرد فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ للمشتري- مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة و سيجي‌ء في أقسام الخيار بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع لكن عن الغنية الجزم بعدمه و يؤيده صحيحة الصفار و ربما حمل كلام الشيخ علي ما إذا ادعي البائع الجهل أو الإذن و كلام الغنية علي العالم ثم إن صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم ربا و بيع آبق من دون ضميمة و سيجي‌ء الكلام في محله ثم إن البيع المذكور صحيح- بالنسبة إلي المملوك بحصته من الثمن و موقوف في غيره بحصته و طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلي أن يقوم كل منهما منفردا فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلي مجموع القيمتين مثاله كما عن السرائر ما إذا كان ثمنها ثلاثة دنانير و قيل إن قيمة المملوك قيراط و قيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن و ما ذكرنا من الطريق هو المصرح به في الإرشاد حيث قال و يسقط المسمي علي القيمتين و لعله أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من أنهما يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما و لهذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الإرشاد حيث قال طريق تقسيط المسمي علي القيمتين إلي آخره. لكن الإنصاف أن هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها علي عبارة الإرشاد التي اخترناها في طريق التقسيط و استظهرناه من السرائر إذ لو كان المراد من تقويمها معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج إلي قولهم ثم يقوم أحدهما ثم تنسب قيمته إذ ليس هنا إلا أمران تقويم كل منهما و نسبة قيمته إلي مجموع القيمتين فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلي قيمة المجموع و من هنا أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد إطلاق القول بذلك إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب و زوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم أحدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة فإنه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين إلي العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة فيبقي للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد مع أنه لم يستحق من الثمن إلا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين و نصفا. و الحاصل أن البيع إنما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الإجازة و يصح في نصيب المالك بحصة كأن يأخذها مع إجازة مالك الجزء الآخر هذا و لكن الظاهر أن كلام الجماعة إما محمول علي الغالب من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع أو مرادهم من تقويمهما تقويم كل منهما منفردا و يراد من تقويم أحدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين و إلا ففساد الضابط المذكور في كلامهم
المكاسب، ج‌2، ص 150
لا يحتاج إلي النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي لا يمكن القول فيها و إن كان ضعيفا بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد و بين قيمة المجموع بل تنتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد فإن هذه فرض ممكن كما صرح به في رهن جامع المقاصد و غيره فإن الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن كما لو باع جارية مع أمها قيمتهما مجتمعتين عشرة و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية فإن نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلي مجموع القيمتين- نسبة الشي‌ء إلي مماثله فيرجع بكل الثمانية و كأن من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا أو كان عنده غير ممكن. فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا و نسبة قيمة أحدهما إلي مجموع القيمتين فإن قلت إن المشتري إنما بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر و هذا الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما فالبائع إنما يستحق من الثمن ما يوزع علي ماله منفردا فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلي العشرة و هو درهم واحد فالزيادة ظلم علي المشتري و إن كان ما أوهمته عبارة الشرائع و شبهها من أخذ البائع أربعة و المشتري واحدا أشد ظلما كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة فاللازم أن يقسط الثمن علي قيمة كل من الملكين منفردا أو علي هيئته الاجتماعية و يعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا و يبقي للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا و قيمة هيئته الاجتماعية. قلت فوات وصف الانضمام- كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات و إن كان مضمونا في باب العدوان غاية الأمر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة و لا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع و ملك غيره متعددين في الوجود كعبد و جارية أو متحدين كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره فإنه لا يوزع الثمن علي قيمة المجموع أثلاثا لأن الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان لكونه أقل رغبة منه بل يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين و يؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة هذا كله في القيمي أما المبيع المثلي- فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس المبيع فيقابل كل من حصتي البائع و الأجنبي بما يخصه و إن كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة قيمتي الحصتين و تقسيط الثمن علي المجموع فافهم.

مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار

فإن علم أنه أراد نصفه أو نصف الغير عمل به و إلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار إلا مفهوم هذا اللفظ ففيه احتمالان حمله علي نصفه المملوك له و حمله علي النصف المشاع بينه و بين الأجنبي و منشأ الاحتمالين إما تعارض ظاهره النصف أعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلي نصفه المختص و إن لم يكن له هذا الظهور في غير المقام و لذا يحمل الإقرار علي الإشاعة كما سيجي‌ء أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه لأن بيع مال الغير لا بد فيه إما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه و إما من بنائه علي تملكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب و الكل خلاف المفروض هنا. و مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين قول البائع بعت غانما مع كون الاسم مشتركا بين عبده و عبد غيره حيث ادعي فخر الدين الإجماع علي انصرافه إلي عبده فقاس عليه ما نحن فيه إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير فيبقي ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع و انصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلي مال المتصرف سليمين عن المعارض فيفسر بهما إجمال لفظ المبيع ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه فهل هو كالأجنبي وجهان مبنيان علي أن المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ المبيع إلي مال البائع في مقام التصرف أو ظهور التمليك في الأصالة الأقوي هو الأول لأن ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق و ظهور النصف في المشاع و إن كان كذلك أيضا إلا أن ظهور المقيد وارد علي ظهور المطلق. و ما ذكره الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي إلي مدلول اللفظ و إن كان مرجعه إلي ظهور وارد علي ظهور المقيد إلا أنه مختص بالفضولي لأن القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الولي فالأقوي فيهما الاشتراك في البيع تحكيما لظاهر النصف إلا أن يمنع ظهور النصف إلا في النصف المشاع في المجموع و أما ملاحظة حقي المالكين و إرادة الإشاعة في الكل من حيث إنه مجموعهما فغير معلومة- بل معلومة العدم بالفرض. و من المعلوم أن النصف المشاع بالمعني المذكور يصدق علي نصفه المختص فقد ملك كليا يملك مصداقه فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك عن غيره أيضا لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره فإن الظاهر وقوعه لنفسه لأنه عقد علي ما يملكه فصرفه إلي الغير من دون صارف لا وجه له و لعله لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي لا نصف الباقي و قيمة نصف الموهوب و إن ذكروا ذلك احتمالا و ليس إلا من جهة صدق النصف علي الباقي فيدخل في قوله تعالي فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ و إن كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات بل لا تغاير بينهما إلا بالاعتبار فلا وجه لاعتبار القيمة نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيمية لكن الظاهر أنهم لم يريدوا هذا الوجه و إنما عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح- من أنه إذا أقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث فصالحه المقر له علي ذلك النصف كان النصف مشاعا في نصيبها فإن أجاز شريكه نفذ في المجموع و إلا نفذ في الربع فإن مقتضي ما ذكروه هنا اختصاص المصالحة بنصف المقر له لأنه إن أوقع الصلح علي نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقر أو معه و إن أوقعه علي مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلي حصته فلا وجه لاشتراكه بينه و بين
المكاسب، ج‌2، ص 151
شريكه و لذا اختار سيد مشايخنا قدس الله أسرارهم اختصاصه بالمقر له و فصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح علي نصفه أو مطلق النصف و بين ما إذا وقع علي النصف الذي أقر به ذو اليد فاختار مذهب المشهور في الثالث لأن الإقرار منزل علي الإشاعة و حكمه بالاختصاص في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول و انصرافا في الثاني إلي النصف المختص و اعترضه في مجمع الفائدة بأن هذا ليس تفصيلا بل مورد كلام المشهور هو الثالث لفرضهم المصالحة علي ذلك النصف المقر به و تمام الكلام في محله و علي كل حال فلا إشكال في أن لفظ النصف المقر به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه إلي نصفه يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه و لهذا أفتوا ظاهرا علي أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما علي نصف العين بأن ثلث العين لفلان حمل علي الثلث المشاع في النصيبين- فلو كذبه الشريك الآخر دفع المقر إلي المقر له نصف ما في يده لأن المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلي المقر و المقر له علي حد سواء فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع علي الاستحقاق. و دعوي أن مقتضي الإشاعة تنزيل المقر به علي ما في يد كل منهما فيكون في يد المقر سدس و في يد المنكر سدس كما لو صرح بذلك و قال إن له في يد كل منهما سدسا و إقراره بالنسبة إلي ما في يد الغير غير مسموع فلا يجب إلا أن يدفع إليه ثلث ما في يده و هو السدس المقر به و قد تلف السدس الآخر بزعم المقر علي المقر له بتكذيب المنكر مدفوعة بأن ما في يد الغير ليس عين ماله فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره و دار غيره بل هو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر و حصة المقر له بزعم المقر إلا أنه لما يجبر المكذب علي دفع شي‌ء مما في يده فقد تلف سدس مشاع يوزع علي المقر و المقر له فلا معني لحسابه علي المقر له وحده إلا علي احتمال ضعيف و هو تعلق الغصب بالمشاع و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك فيتمحض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه و ما يأخذه الشريك لنفسه لكنه احتمال مضعف في محله و إن قال به أو مال إليه بعض علي ما حكي للحرج أو السيرة. نعم يمكن أن يقال في هذا المقام بأن التلف في المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر و الشارع إنما أذن له في أخذ ما يأخذه علي أنه من مال المقر له فالشارع إنما حسب السدس في يد المنكر علي المقر له فلا يحسب منه علي المقر شي‌ء و ليس هذا كأخذ الغاصب جزء معينا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتي يحسب علي كلا الشريكين. و الحاصل أن أخذ الجزء لما كان بإذن الشارع و إنما أذن له علي أن يكون من مال المقر له و لعله لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح إلي الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب أن أحد الأخوين إذا أقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده و هو الثالث و لا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلي أنه أقر بتساويهما في مال المورث و كل ما حصل كان لهما و كل ما نوي كذلك هذا و لكن لا يخفي ضعف هذا الاحتمال من جهة أن الشارع ألزم بمقتضي الإقرار معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به. و من المعلوم أن مقتضي الواقع لو فرض العلم بصدق المقر هو كون ما في يده علي حسب إقراره بالمناصفة و أما المنكر فإن كان عالما فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه إلا ما قابل حصته عما في يدهما و الزائد حق لهما عليه. و أما مسألة الإقرار بالنسب فالمشهور و إن صاروا إلي ما ذكر و حكاه الكليني عن الفضل بن شاذان علي وجه الاعتماد بل ظاهره جعل فتواه كروايته إلا أنه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة حتي قوي في المسالك الحمل علي الإشاعة و تبعه سبطه و السيد [صاحب الرياض في شرحي النافع. و الظاهر أن مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث كالفضل و الكليني بل و غيرهما. فروي الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا عن وهب بن وهب أبي البختري عن جعفر ابن محمد عن أبيه ع قال: قضي
علي ع في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين علي أبيه أنه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك علي الورثة و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا و كذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته و بالإسناد قال قال علي ع:
من أقر لأخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه فإن أقر اثنان فكذلك إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم. و عن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد و تمام الكلام في محله من كتاب الإقرار و الميراث إن شاء الله.

مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله

كالخمر و الخنزير صفقة بثمن واحد صح في المملوك عندنا كما في جامع المقاصد و إجماعا كما عن الغنية و يدل عليه إطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة و دعوي انصرافه إلي صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة بل اللزوم في العقود عدا ما يقال من أن التراضي و التعاقد إنما وقع علي المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا فالحكم بالإمضاء في البعض مع كونه مقصودا إلا في ضمن المركب يحتاج إلي دليل آخر غير ما دل علي حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض و لذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه و قد نبه عليه في جامع المقاصد في باب فساد الشرط و ذكر أن في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا و تمام الكلام في باب الشروط- و يكفي هنا الفرق بالنص و الإجماع. نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري لما ذكر في المسالك وفاقا للمحكي في التذكرة عن الشافعي من جهة إفضائه إلي الجهل بثمن المبيع قال في التذكرة بعد ذلك و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرية الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه انتهي. و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلي نقله عرفا و إن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل حقيقة فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع و حكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عما يحكم عليه من الشارع مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن إلي المملوك لا البطلان لأن المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه سلامة البعض له قادم علي ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه
المكاسب، ج‌2، ص 152
حيث قال إن هذا الحكم مقيد بجهل المشتري بعين المبيع و حكمه و إلا لكان البذل بإزاء المملوك ضرورة أن القصد إلي الممتنع كلا قصد انتهي لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور حيث حكموا بالتقسيط- و إن كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن إلي البائع لأنه سلطه عليه مجانا فإن مقتضي ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك إما لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي و إما لبقاء ذلك القسط له مجانا كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك إلا أنك قد عرفت أن الحكم هناك لا يكاد ينطبق علي القواعد ثم إن طريق تقسيط الثمن علي المملوك و غيره- يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير من أن العبرة بتقويم كل منهما منفردا و نسبة قيمة المملوك إلي مجموع القيمتين لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك. و قد ذكروا أن الحر يفرض عبدا بصفاته و يقوم و الخمر و الخنزير يقومان بقيمتهما عند من يراهما مالا و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين علي ذلك لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفار و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنه شاة و الخمر بعنوان أنها خل فبان الخلاف- بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل و الشاة كالحر.

[القول في أولياء التصرف

مسألة يجوز للأب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل- بالبيع و الشراء

اشارة

و يدل عليه قبل الإجماع الأخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة و فحوي سلطنتهما علي بضع البنت في باب النكاح

[عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب و الجد]

و المشهور عدم اعتبار العدالة للأصل و الإطلاقات و فحوي الإجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق في التزويج خلافا للمحكي عن الوسيلة و الإيضاح فاعتبراها فيهما مستدلا في الأخير بأنها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه و لا يصرف عن ماله و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا تقبل إقراراته و إخباراته عن غيره مع نص القرآن علي خلافه انتهي. و لعله أراد بنص القرآن آية الركون إلي الظالم التي أشار إليها في جامع المقاصد و في دلالة الآية نظر و أضعف منها ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة إذ المحذور يندفع كما في جامع المقاصد بأن الحاكم متي ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل عزله و منعه من التصرف في ماله و إثبات اليد عليه و إن لم يظهر خلافه فولايته ثابتة و إن لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد و تتبع سلوكه و شواهد أحواله انتهي

و هل يشترط في تصرفه المصلحة- أو يكفي عدم المفسدة أم لا

يعتبر شي‌ء وجوه- يشهد للأخير إطلاق ما دل علي أن مال الوالد للوالد كما في رواية سعد بن يسار و أنه و ماله لأبيه كما في النبوي المشهور و صحيحة ابن مسلم: إن الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء و ما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا ع: من أن علة تحليل مال الولد لوالده أن الولد موهوب للوالد في قوله تعالي يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ و يؤيده أخبار جواز تقويم جارية الابن علي نفسه لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب- كما يشهد له قوله ع في رواية الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله ع ما يحل للرجل من مال ولده قال قوته بغير سرف إذا اضطر إليه قال فقلت له فقول رسول الله ص للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له أنت و مالك لأبيك فقال إنما جاء بأبيه إلي النبي ص فقال يا رسول الله هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و علي نفسه فقال النبي ص أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي‌ء أو كان رسول الله ص يحبس الأب للابن و نحوها صحيحة أبي حمزة الثمالي: عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر ع ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه أن الله لا يحب الفساد. فإن الاستشهاد بالآية يدل علي إرادة الحرمة من عدم الحب دون الكراهة و أنه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل هذا كله مضافا إلي عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإن إطلاقه يشمل الجد و يتم في الأب بعدم الفصل و مضافا إلي ظهور الإجماع علي عدم اعتبار المفسدة بل في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع تبعا لشيخه في شرح القواعد علي إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة و ليس ببعيد فقد صرح به في محكي المبسوط حيث قال و من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة الأب و الجد للأب و وصي الأب و الجد و الحاكم و من يأمره ثم قال و كل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا علي وجه الاحتياط و الحظ للصغير لأنهم إنما نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه علي وجه لا حظ فيه كان باطلا لأنه خلاف ما نصب له انتهي و قال الحلي في السرائر لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا بما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه إلي الطفل دون المتصرف فيه و هذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب انتهي. و قد صرح بذلك أيضا المحقق و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم بل في شرح الروضة للفاضل الهندي أن المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء و استظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين. و قد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد أن قطب الدين قدس سره نقل عن العلامة رحمه الله أنه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الإتلاف بالاقتراض لأنا قائلون بجواز اقتراض ماله و هو يستلزم جواز إتلافه قال و توقف زاعما أنه لا يقدر علي مخالفة الأصحاب هذا و لكن الأقوي كفاية عدم المفسدة- وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم لمنع دلالة الروايات علي أكثر من النهي عن الفساد فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد علي الولد و ماله. و أما الآية الشريفة فلو سلم دلالتها فهي مخصصة بما دل علي ولاية الجد و سلطته الظاهرة في أن له أن يتصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة له فإن ما دل علي ولاية الجد في النكاح معللا بأن البنت و أباها للجد. و قوله ص: أنت و مالك لأبيك خصوصا مع استشهاد الإمام ع به في مضي نكاح الجد بدون إذن الأب ردا علي من أنكر ذلك و حكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الأمراء و غير ذلك يدل علي ذلك مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد دون الأب و دعوي عدم القول بالفصل ممنوعة فقد حكي عن بعض متأخري المتأخرين
المكاسب، ج‌2، ص 153
القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر

[مشاركة الجد و إن علا للأب في الحكم

ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعي في أن الجد و إن علا يشارك الأب في الحكم و يدل عليه ما دل علي أن الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه و ما دل علي أن الولد و والده لجده

و لو فقد الأب و بقي الجد فهل أبوه أو جده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص هو بالولاية

قولان من ظاهر أن الولد و والده لجده و هو المحكي عن ظاهر جماعة و من أن مقتضي قوله تعالي وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ كون القريب أولي بقريبه من البعيد فينفي ولاية البعيد و خرج منه الجد مع الأب و بقي الباقي و ليس المراد من لفظ الأولي التفضيل مع الاشتراك في المبدأ بل هو نظير قولك هو أحق بالأجر من فلان و نحوه و هذا محكي عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية و للمسألة مواضع أخر تأتي إن شاء الله.

مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم

اشارة

و المراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوي و قد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر أكثر حضار مجلس المذاكرة فنقول مستعينا بالله

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة

أحدها الإفتاء فيما يحتاج إليها العامي في علمه

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات الاستنباطية من حيث ترتب حكم فرعي عليها و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه إلا ممن لا يري جواز التقليد للعامي و تفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلي مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني الحكومة

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات و غيرها في الجملة و هذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف فتوي و نصا و تفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم و المحكوم به و المحكوم عليه موكول إلي كتاب القضاء.

الثالث ولاية التصرف في الأموال و الأنفس

اشارة

و هو المقصود بالتفصيل هنا فنقول

الولاية تتصور علي وجهين

الأول استقلال الولي بالتصرف

مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به و مرجع هذا إلي كون نظره سببا في جواز تصرفه.

الثاني عدم استقلال غيره بالتصرف

و كون تصرف الغير منوطا بإذنه و إن لم يكن هو مستقلا بالتصرف و مرجع هذا إلي كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره و بين موارد الوجهين عموم من وجه ثم إذنه المعتبر في تصرف الغير إما أن يكون علي وجه الاستنابة كوكيل الحاكم و إما أن يكون علي وجه التفويض و التولية كمتولي الأوقاف من قبل الحاكم و إما أن يكون علي وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره لفظا في الصلاة علي ميت لا ولي له

[ثبوت الولاية بالمعني الأول للنبي و الأئمة ع

اشارة

إذا عرفت هذا فنقول مقتضي الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد- بشي‌ء من الأمور المذكورة خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالأدلة الأربعة

[الاستدلال بالكتاب

قال الله تعالي النَّبِيُّ أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَي اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ و إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ الآية إلي غير ذلك.

[الاستدلال بالروايات

و قال النبي ص كما في رواية أيوب بن عطية: أنا أولي بكل مؤمن من نفسه و قال في يوم غدير خم: أ لست أولي بكم من أنفسكم قالوا بلي قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
و الأخبار في افتراض طاعتهم و كون معصيتهم كمعصية الله كثيرة يكفي في ذلك منها مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة و التوقيع الآتي حيث علل فيه حكومة الفقيه و تسلطه علي الناس بأني قد جعلته كذلك و أنه حجتي عليكم.

[الاستدلال بالإجماع و العقل

و أما الإجماع فغير خفي و أما العقل القطعي فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة أنهم أولياء النعم و غير المستقل حكمه بأن الأبوة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب علي الابن في الجملة كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام علي الرعية بطريق أولي لأن الحق هنا أعظم بمراتب فتأمل. و المقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الإمام مختص بالأوامر الشرعية و أنه لا دليل علي وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته علي الأموال و الأنفس. و بالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة بعد التتبع و التأمل أن للإمام سلطنة مطلقة علي الرعية من قبل الله تعالي و أن تصرفهم نافذ علي الرعية ماض مطلقا هذا كله في ولايتهم بالمعني الأول.

و أما بالمعني الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم

فهو و إن كان مخالفا للأصل إلا أنه قد وردت أخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم و عدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلي المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة علي شخص معين من الرعية كالحدود و التعزيرات و التصرف في أموال القاصرين و إلزام الناس بالخروج عن الحقوق و نحو ذلك يكفي في ذلك ما دل علي أنهم أولو الأمر و الولاية فإن الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع علي شخص خاص و كذا ما دل علي وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلي رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإنه دل علي أن الإمام هو المرجع الأصلي. و ما عن العلل بسنده عن الفضل بن الشاذان: عن مولانا أبي الحسن الرضا ع في علل حاجة الناس إلي الإمام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل و منها أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل عاشوا و بقوا إلا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه من أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بلا رئيس و هو يعلم أنه لا بد لهم منه و لا قوام لهم إلا به هذا مضافا إلي ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و الحكومات و أنها لإمام المسلمين و في الصلاة علي الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد و غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع و كيف كان فلا إشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون إذنهم و رضاهم لكن لا عموم يقتضي أصالة توقف كل تصرف علي الإذن. نعم الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلي رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضي كونهم أولي الأمر و ولاته و المرجع الأصلي في الحوادث الواقعة و المرجع في غير ذلك من موارد الشك إلي إطلاقات أدلة تلك التصرفات إن وجدت علي الجواز أو المنع و إلا فإلي الأصول العملية لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاص مع التمكن منه لم يجز إجراء الأصول لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلي الحجة و إنما تنفع ذلك مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض
و بالجملة فلا يهمنا التعرض لذلك

إنما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه

اشارة

المكاسب، ج‌2، ص 154
بأحد الوجهين المتقدمين فنقول

أما الولاية علي الوجه الأول أعني استقلاله في التصرف

فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء مثل: إن العلماء ورثة الأنبياء و ذلك أن الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي‌ء منها أخذ بحظ وافر و أن: العلماء أمناء الرسل. و قوله ع: مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه و قوله ص: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل و في المرسلة المروية في الفقه الرضوي: أن منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل و قوله ع في نهج البلاغة: أولي الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ إلي آخر الآية و قوله ص ثلاثا: اللهم ارحم خلفائي قيل و من خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي و قوله ع في مقبولة [عمر] بن حنظلة: قد جعلته عليكم حاكما و في مشهورة أبي خديجة: جعلته عليكم قاضيا و قوله عجل الله فرجه: هم حجتي عليكم و أنا حجة الله. إلي غير ذلك مما يظفر به المتتبع لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالنبي و الأئمة ص في كونهم أولي بالناس في أموالهم فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف فلا دليل علي وجوب الدفع إليه شرعا. نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما- بدفعهما إلي الفقيه مطلقا أو بعد المطالبة لو أفتي بذلك الفقيه وجب اتباعه إن كان ممن يتعين تقليده ابتداء أو بعد الاختيار فيخرج عن محل الكلام هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار وجب حملها علي إرادة العام من الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته من حيث كونه رسولا مبلغا و إلا لزم تخصيص أكثر أفراد العام لعدم سلطنة الفقيه علي أموال الناس و أنفسهم إلا في موارد قليلة بالنسبة إلي موارد عدم سلطنته. و بالجملة فأقامه الدليل علي وجوب إطاعة الفقيه كالإمام إلا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني أعني توقف تصرف الغير علي إذنه

فيما كان متوقفا علي إذن الإمام ع و حيث إن موارد التوقف علي إذن الإمام غير مضبوطة فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها فنقول كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج إن علم كونه وظيفة شخص خاص كنظر الأب في مال ولده الصغير أو صنف خاص كالإفتاء و القضاء أو كل من يقدر علي القيام به كالأمر بالمعروف فلا إشكال في شي‌ء من ذلك و إن لم يعلم ذلك و احتمل كونه مشروطا في جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع فيه إليه ثم إن علم الفقيه من الأدلة جواز توليته لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاص تولاه مباشرة أو استنابة إن كان مما يري الاستنابة فيه و إلا عطله فإن كونه معروفا لا ينافي إناطته بنظر الإمام ع و الحرمان عنه عند فقده كسائر البركات التي حرمنا منها بفقده عجل الله تعالي فرجه. و مرجع هذا إلي الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده من موجد خاص. أما وجوب الرجوع إلي الفقيه في الأمور المذكورة فيدل عليه مضافا إلي ما يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ص و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه و الانتهاء فيها إلي نظره بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه و إلي ما تقدم من قوله ع: مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء علي حلاله و حرامه التوقيع المروي في إكمال الدين و كتاب الغيبة و احتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر: إني سألت العمري رضي الله عنه أن يوصل لي إلي الصاحب عجل الله فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت علي فورد الجواب بخطه عليه آلاف التحية و السلام في أجوبتها و فيها و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بد من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلي الرئيس مثل النظر في أموال القاصرين لغيبة أو موت أو صغر أو سفه و أما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه منها أن الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة لا الرجوع في حكمها إليه. و منها التعليل بكونهم حجتي عليكم و أنا حجة الله فإنه إنما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر فكان هذا منصب ولاة الإمام من قبل نفسه لا أنه واجب من قبل الله سبحانه علي الفقيه بعد غيبة الإمام و إلا كان المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم كما وصفهم في مقام آخر بأنهم أمناء الله علي الحلال و الحرام. و منها أن وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلي العلماء الذي هو من بديهيات الإسلام من السلف إلي الخلف مما لم يكن يخفي علي مثل إسحاق ابن يعقوب حتي يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلي رأي أحد و نظره فإنه يحتمل أن يكون الإمام ع قد وكله في غيبته إلي شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان. و الحاصل أن الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه و لا بالمنازعات ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كل معروف لكل أحد مثل قوله ع: كل معروف صدقة و قوله ع: عون الضعيف من أفضل الصدقة و أمثال ذلك و إن كانت عموما من وجه إلا أن الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها و كونها بمنزلة المفسر الدال علي وجوب الرجوع إلي الإمام ع أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر في قوله أُولِي الْأَمْرِ و علي تسليم التنزل عن ذلك فالمرجع بعد تعارض العمومين إلي أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي ولي الأمر هذا لكن المسألة لا تخلو عن إشكال و إن كان الحكم به مشهورا و علي أي تقدير. فقد ظهر مما ذكرنا أن ما دلت عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعية إيجادها في الخارج مفروغا عنها بحيث لو فرض عدم الفقيه كان علي الناس القيام بها كفاية و أما ما يشك في مشروعيته كالحدود
المكاسب، ج‌2، ص 155
لغير الإمام و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجد و ولاية المعاملة علي مال الغائب بالعقد عليه و فسخ العقد الخياري عنه و غير ذلك فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها للفقيه- بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر. نعم الولاية علي هذه و غيرها ثابتة للإمام ع بالأدلة المتقدمة المختصة به مثل آية أَوْلي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. و قد تقدم أن إثبات عموم نيابته للفقيه عنه ع في هذا النحو من الولاية علي الناس ليقتصر في الخروج عنه علي ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.
و بالجملة فهاهنا مقامان أحدهما وجوب إيكال المعروف المأذون فيه إليه لتقع خصوصياته عن نظره و رأيه كتجهيز الميت الذي لا ولي له فإنه يجب أن تقع خصوصياته من تعيين الغاسل و المغسل و تعيين شي‌ء من تركته للكفن و تعيين المدفن عن رأي الفقيه الثاني مشروعية تصرف خاص في نفس أو مال أو عرض و الثابت بالتوقيع و شبهه هو الأول دون الثاني و إن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعية و عدمها أيضا من وظيفته إلا أن المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة علي المشروعية. نعم لو ثبتت أدلة النيابة عموما تم ما ذكر ثم إنه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية أن السلطان ولي من لا ولي له و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا تحتاج إلي أدلة عموم النيابة. و قد عرفت ما يصلح أن يكون دليلا عليه و أنه لا يخلو عن وهن في دلالته مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بأن المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الإمام و يظهر ذلك من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال من المخالفين كما يكون ذلك للإمام ع إذا ظهر للشك في عموم النيابة و هو في محله. ثم إن قوله ع من لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له بل المراد عدم الملكة يعني أنه ولي من من شأنه أن يكون له ولي بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه فيشمل الصغير الذي مات أبوه و المجنون بعد البلوغ و الغائب و الممتنع و المريض و المغمي عليه و الميت الذي لا ولي له و قاطبة المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة و نحو ذلك لكن يستفاد منه ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور و هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم فتثبت به مشروعية ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين. نعم ليس له فعل شي‌ء لا تعود مصلحته إليهم و إن كان ظاهر الولي يوهم ذلك إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد بمن لا ولي له من من شأنه أن يكون له ولي يراد به كونه ممن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه لا بمعني أنه ينبغي أن يكون عليه ولي له عليه ولاية الأخبار بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه. و الحاصل أن الولي المنفي هو الولي للشخص لا عليه فيكون المراد بالولي المثبت ذلك أيضا فمحصله أن الله جعل الولي الذي يحتاج إليه الشخص و ينبغي أن يكون له هو السلطان فافهم.

مسألة في ولاية عدول المؤمنين

[حدود ولاية المؤمنين

اعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه و هو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذر الوصول فالظاهر جواز توليته لا حاد المؤمنين لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلي شخص و اعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط له بفرض التعدد و كونه شرطا مطلقا له لا شرطا اختياريا مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط لكونه من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة. نعم لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الإمام صح الرجوع إلي أصالة عدم المشروعية كبعض مراتب النهي عن المنكر حيث إن إطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حد الجرح. قال الشهيد رحمه الله في قواعده يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية علي الأصح كدفع ضرورة اليتيم لعموم وَ تَعاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْوي و قوله ص: و الله تعالي في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه و قوله ص: كل معروف صدقة و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع و تفريقها في أربابها و كذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي فيه وجهان وجه الجواز ما ذكرنا و لأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح تلك الأموال و هي مطلوبة لله تعالي. و قال بعض المتأخرين عن العلامة لا شك أن القيام بهذه المصالح أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها و يصرفونها إلي غير مستحقها فإن توقع إمام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلي حين تمكنه من صرفها إليه و إن يئس من ذلك كما في هذا الزمان تعين صرفه علي الفور في مصارفه لما في إبقائه من التغرير و حرمان مستحقيه من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه و لو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتي يصل إليهم و مع اليأس يتصدق بها عنهم و يضمن و عند العامة تصرف في المصارف العامة انتهي. و الظاهر أن قوله فإن توقع إلي آخره من كلام الشهيد رحمه الله و لقد أجاد فيما أفاد إلا أنه لم يبين وجه عدم الجواز و لعل وجهه أن مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه كما في قطع الدعاوي و إقامة الحدود كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب و جد فإن كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلي شخص خاص. نعم لو فرض المعروف علي وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا كحفظ اليتيم من الهلاك الذي يعلم رجحانه علي مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة أو فرض علي وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل أحد إلا أنه خرج ما لو تمكن من الحاكم حيث دلت الأدلة علي وجوب إرجاع الأمور إليه و هذا كتجهيز الميت و إلا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل علي عدم ولاية أحد علي مال أحد أو نفسه و لهذا لا يلزم عقد الفضولي علي المعقود له بمجرد كونه معروفا و مصلحة و لا يفهم من أدلة المعروف ولاية للفضولي علي المعقود عليه لأن المعروف هو التصرف في المال أو النفس علي الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف. و بالجملة تصرف غير الحاكم يحتاج إلي نص عقلي أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي فافهم.
بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولي المصلحة عند فقد الحاكم
كما هو ظاهر أكثر الفتاوي حيث يعبرون بعدول المؤمنين و هو مقتضي الأصل و يمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار أيضا
المكاسب، ج‌2، ص 156
ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره إلي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن إذ لم يكن الميت صبر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج قال فذكرت ذلك لأبي جعفر ع فقلت له يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلي أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما تري في ذلك قال إذا كان القيم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس الخبر بناء علي أن المراد من المماثلة أما المماثلة في التشيع أو في الوثاقة و ملاحظة مصلحة اليتيم و إن لم يكن شيعيا أو في الفقاهة بأن يكون من نواب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين أو في العدالة و احتمال الثالث مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس مع عدم الفقيه و لو مع تعذره و هذا بخلاف الاحتمالات الأخر فإن البأس ثابت للفاسق أو الخائن المخالف و إن تعذر غيرهم فتعين أحدهما الدائر بينها فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها و هو العدل
[ظاهر بعض الروايات كفاية الأمانة]
لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم فيكون مفسرا لاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة. ففي صحيحة علي بن رئاب: رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد و ما تري في بيعهم قال فقال إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم الخبر و موثقة زرعه عن سماعة: في رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقر كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس بناء علي أن المراد من يوثق به و يطمأن بفعله عرفا و إن لم يكن فيه ملكه العدالة لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل علي اشتراط تحقق عنوان العدالة قال: سألت الرضا ع و عن الرجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي‌ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك فإن تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا فقال ع إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك.
[رأي المؤلف في المسألة]
هذا و الذي ينبغي أن يقال أنك قد عرفت أن ولاية غير الحاكم لا تثبت إلا في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدل علي رجحان التصدي لذلك المعروف أو يكون هناك دليل خاص يدل عليه فما ورد فيه نص خاص علي الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا فقد يشمل الفاسق و قد لا يشمل. و أما ما ورد فيه العموم فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق أو تكليفه بالنسبة إلي نفسه و أنه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا و قد يكون بالنسبة إلي ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه علي وجه المصلحة كالشراء منه مثلا. أما الأول فالظاهر جوازه و أن العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة لعموم أدلة فعل ذلك المعروف و لو مثل قوله ع: عونك الضعيف من أفضل الصدقة و عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و نحو ذلك. و صحيحة محمد بن إسماعيل السابقة قد عرفت أنها محمولة علي صحيحة علي بن رئاب المتقدمة بل موثقة زرعه و غير ذلك مما سيأتي و لو ترتب حكم الغير علي الفعل الصحيح منه كما إذا صلي فاسق علي ميت لا ولي له فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شك في صحته و لو شك في حدوث الفعل منه و أخبر به ففي قبوله إشكال. و أما الثاني فالظاهر اشتراط العدالة فيه فلا يجوز الشراء منه و إن ادعي كون البيع مصلحة بل يجب أخذ المال من يده و يدل عليه بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة بل و موثقة زرعه بناء علي إرادة العدالة من الوثاقة أن عموم أدلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرد تصرف الفاسق فإن وجوب إصلاح مال اليتيم و مراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق و لا يجدي هنا حمل فعل المسلم علي الصحيح كما في مثال الصلاة المتقدم لأن الواجب هناك هي صلاة صحيحة و قد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق و إذا شك في صحتها أحرزت بأصالة الصحة. و أما الحكم فيما نحن فيه فلم يحمل علي التصرف الصحيح و إنما حمل علي موضوع هو إصلاح المال و مراعاة الحال و الشك في أصل تحقق ذلك فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها. و إن شئت قلت إن شراء مال اليتيم لا بد أن يكون ذا مصلحة له و لا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع كما لو شك المشتري في بلوغ البائع فتأمل. نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري و أخذ الثمن من الفاسق لأن مال اليتيم الذي يجب إصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم أنه الثمن أو المثمن و أصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول فتدبر
[هل يجوز مزاحمة من تصدي من المؤمنين
ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين فالظاهر أنه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي لا علي وجه النيابة من حاكم الشرع فضلا عن كونه علي وجه النصب من الإمام فمجرد وضع العدل يده علي مال اليتيم لا يوجب منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه و لو نقله بعقد جائز فوجد الآخر المصلحة في استرداده جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله لليتيم أو مطلق وليه من غير تخصيص بالعاقد و أما لو أراد بيعه من شخص و عرضه لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة و إن كان في يد الأول. و بالجملة فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب و الجد- من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر
[مزاحمة فقيه لفقيه آخر]
و أما حكام الشرع فهل هم كذلك فلو عين فقيه من يصلي علي الميت الذي لا ولي له أو من يلي أمواله أو وضع اليد علي مال يتيم فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا
[رأي المؤلف في المسألة]
الذي ينبغي أن يقال إنه إن استندنا في ولاية الفقيه إلي مثل التوقيع المتقدم جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم لأن المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلي الحكام هم العوام فالنهي عن المزاحمة يختص بهم و أما الحكام فكل منهم حجة من الإمام ع فلا يجب علي واحد منهم إرجاع الأمر
المكاسب، ج‌2، ص 157
الحادث إلي الآخر فيجوز له مباشرته و إن كان الآخر دخل فيه و وضع يده عليه فحال كل منهم حال كل من الأب و الجد في أن النافذ هو تصرف السابق و لا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك و بنائه علي ما يغاير تصرف الآخر كما يجوز لأحد الحاكمين تصدي المرافعة قبل حكم الآخر و إن حضر المترافعان عنده و أحضر الشهود و بني علي الحكم و أما لو استندنا في ذلك علي عمومات النيابة و أن فعل الفقيه كفعل الإمام و نظره كنظر الذي لا يجوز التعدي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له علي الأنفس و الأموال حتي يقال إنه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل علي النيابة في ذلك بل من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلي الفقيه بكونه حجة منه ع علي الناس فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر و وضع يده عليه و بني فيه بحسب نظره علي تصرف و إن لم يفعل نفس ذلك التصرف و لأن دخوله فيه كدخول الإمام ع فدخول الثاني فيه و بناؤه علي تصرف آخر مزاحم له فهو كمزاحمة الإمام ع فأدلة النيابة عن الإمام ع لا تشمل مما كان فيه مزاحمة الإمام ع. فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام و بين الأب و الجد لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة و بين كون كل واحد منهم نائبا و ربما يتوهم كونهم كالوكلاء المتعددين في أن بناء واحد منهم علي أمر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بني عليه الأول و يندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير و إن بني عليه الأول و دخل فيه أما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله و فرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم علي الإذن في مخالفة نفس الموكل و التعدي عما بني هو عليه مباشرة أو استنابة كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و لا نقيصة. و الوهم إنما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة فتأمل هذا كله مضافا إلي لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلي الحكام مثل هذه الأزمان التي شاع فيها القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة و كيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل إلزام قولي أو فعلي يجب الرجوع فيه إلي الحاكم فإذا قبض مال اليتيم من شخص أو عين شخصا لقبضه أو جعله ناظرا عليه فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره لأن نظره كنظر الإمام. 96 و أما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها بل بني علي الحكم فيها فلأن وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم
[هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم
ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا. ذكر الشهيد في قواعده أن فيه وجهين و لكن ظاهر كثير من كلماتهم أنه لا يصح إلا مع المصلحة بل في مفتاح الكرامة أنه إجماعي و أن الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين و عن شيخه في شرح القواعد أنه ظاهر الأصحاب و قد عرفت تصريح الشيخ و الحلي بذلك حتي في الأب و الجد. و يدل عليه بعد ما عرفت من أصالة عدم الولاية لأحد علي أحد عموم قوله تعالي وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و حيث إن توضيح معني الآية علي ما ينبغي لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الأحكام فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام فنقول إن القرب في الآية يحتمل معاني أربعة الأول مطلق التقليب و التحريك حتي من مكان إلي آخر فلا يشمل مثل إبقائه علي حال أو عند أحد. الثاني وضع اليد عليه بعد أن كان بعيدا عنه و مجتنبا فالمعني تجنبوا عنه و لا تقربوه إلا إذا كان القرب أحسن فلا يشمل حكم ما بعد الوضع. الثالث ما يعد تصرفا عرفا كالاقتراض و البيع و الإجارة و ما أشبه ذلك فلا يدل علي تحريم إبقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه إلا بتنقيح المناط. الرابع مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم أعم من الفعل و الترك و المعني لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا إلا ما كان أحسن من غيره فيدل علي حرمة الإبقاء في الفرض المذكور لأن إبقاءه قرب له بما ليس أحسن. و أما لفظ الأحسن في الآية فيحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل و يحتمل أن يراد به الحسن و علي الأول فيحتمل التصرف الأحسن من تركه كما يظهر من بعض و يحتمل أن يراد به ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات و علي الثاني فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة و يحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه علي ما قيل من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله ثم إن الظاهر من احتمالات القرب هو الثالث و من احتمالات الأحسن هو الاحتمال الثاني أعني التفضيل المطلق و حينئذ فإذا فرضنا أن المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم ثم فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا فأراد الولي جعلها دينارا فلا يجوز لأن هذا التصرف ليس أصلح من تركه و إن كان يجوز لنا من أول الأمر بيع المال بالدينار لفرض عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا أما لو جعلنا الحسن بمعني ما لا مفسدة فيه فيجوز و كذا لو جعلنا القرب من المعني الرابع لأنا إذا فرضنا أن القرب يعم إبقاء مال اليتيم علي حاله كما هو الاحتمال الرابع فيجوز التصرف المذكور إذ بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقدا فكما أنه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا لأن القدر المشترك أحسن من غيره و أحد الفردين فيه لا مزية لأحدهما علي الآخر فيخير فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كل من إبقاء الدراهم علي حالها و جعلها دينارا قربا و القدر المشترك أحسن من غيره فأحد الفردين لا مزية فيه علي الآخر فهو مخير بينهما. و الحاصل أنه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما حسنا و عدم مزية لأحد الفردين تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول عن أحدهما بعد فعله إلي الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلي مال اليتيم و إن كان فيه نفع يعود إلي المتصرف لكن الإنصاف أن المعني الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلي المعني الثالث و إن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلا ما كان أحسن من غيره
[ظاهر بعض الروايات كفاية عدم المفسدة]
. نعم ربما يظهر من بعض الروايات أن مناط حرمة التصرف هو الضرر لا أن مناط الجواز هو النفع. ففي حسنة الكاهلي قال: لأبي عبد الله ع إنا ندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معهم خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم
المكاسب، ج‌2، ص 158
و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك قال إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و إن كان فيه ضرر فلا [الحديث بناء علي أن المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم فيكون المراد بالضرر في الذيل أن لا يصل إلي الأيتام ما يوازي ذلك فلا تنافي بين الصدر و الذيل علي ما زعمه بعض المعاصرين من أن الصدر دال علي إناطة الجواز بالنفع و الذيل دال علي إناطة الحرمة بالضرر فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع و لا مضر و هذا منه مبني علي أن المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه بمعني أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه و هكذا و أنت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتي يحصل التنافي. و في رواية ابن المغيرة: قلت لأبي عبد الله ع إن لي ابنة أخ يتيمة فربما أهدي لها الشي‌ء فأكل منه ثم أطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي فأقول يا رب هذا بهذا فقال لا بأس فإن ترك الاستفصال عن مساواة العوض و زيادته يدل علي عدم اعتبار الزيادة إلا أن يحمل علي الغالب من كون التصرف في الطعام المهدي إليها و إعطاء العوض بعد ذلك أصلح إذ الظاهر من الطعام المهدي إليها هو المطبوخ و شبهه
و هل يجب مراعاة الأصلح أم لا
وجهان.
قال الشهيد رحمه الله في القواعد هل يجب علي الولي مراعاة المصلحة في مال المولي عليه أو يكفي نفي المفسدة يحتمل الأول لأنه منصوب لها و لأصالة بقاء الملك علي حاله و لأن النقل و الانتقال لا بد لهما من غاية و العدميات لا تكاد تقع غاية و علي هذا هل يتحري الأصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان. نعم لمثل ما قلناه لا لأن ذلك لا يتناهي- و علي كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الأصلح و يترتب علي ذلك أخذ الولي بالشفعة للمولي عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة و تزويج المجنون حيث لا مفسدة و غير ذلك انتهي. و الظاهر أن فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا غير لازم لعدم الدليل عليه فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده و كان الاتجار به أصلح منه لا يجب إلا إذا قلنا بالمعني الرابع من معاني القرب في الآية بأن يراد لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلا أن يكون أحسن من غيره و قد عرفت الإشكال في استفادة هذا المعني بل الظاهر التصرفات الوجودية فهي المنهي عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره و من الترك فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك. نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة و أما إذا كان في الترك مفسدة و دار الأمر بين أفعال بعضها أصلح من بعض فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه- بل ربما يعد العدول في بعض المقامات إفسادا كما إذا اشتري في موضع بعشرة و في موضع آخر قريب منه بعشرين فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال و لو ارتكبه عاقل عد سفيها ليست فيه ملكه إصلاح المال و هذا هو الذي أراده الشهيد بقوله و لو ظهر في الحال. نعم قد لا يعد العدول من السفاهة كما لو كان بيعه مصلحة أو كان بيعه في بلد آخر مع إعطاء الأجرة منه أن ينقله إليه و العلم بعدم الخسارة فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة لكن ظاهر الآية وجوبه.

مسألة يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما

اشارة

فلا يصح نقله إلي الكافر عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل عن الغنية عليه الإجماع خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا و سيأتي عبارة الإسكافي في المصحف.

[الاستدلال علي عدم الصحة]

و استدل للمشهور تارة بأن الكافر يمنع من استدامته لأنه لو ملكه قهرا بإرث أو أسلم في ملكه بيع عليه فيمنع من ابتدائه كالنكاح و أخري بأن الاسترقاق سبيل علي المؤمن فينتفي بقوله تعالي وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و بالنبوي المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم و استدلالهم به في موارد متعددة حتي في عدم جواز علو بناء الكافر علي بناء المسلم بل عدم جواز مساواته و هو قوله ص: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه. و من المعلوم أن ما نحن فيه أولي بالاستدلال عليه به لكن الإنصاف أنه لو أغمض النظر عن دعوي الإجماع المعتضدة بالشهرة و اشتهار التمسك بالآية حتي أسند في كنز العرفان إلي الفقهاء و في غيره إلي أصحابنا لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الإشكال في الدلالة. أما حكاية قياس الابتداء علي الاستدامة فغاية توجيهه أن المستفاد من منع الشارع عن استدامته عدم رضاه بأصل وجوده حدوثا و بقاء من غير مدخلية لخصوص البقاء كما لو أمر المولي بإخراج أحد من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد فإنه يفهم من ذلك عدم جواز الإدخال لكن يرد عليه أن هذا إنما يقتضي عدم كون الرضا بالحدوث علي نهج عدم الرضا بالبقاء. و من المعلوم أن عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم إبقائه و بإخراجه عن ملكه و ليس معناه عدم إمضاء الشارع بقاءه حتي يكون العبد المسلم خارجا بنفسه شرعا عن ملك الكافر فيكون عدم رضاه بالإدخال علي هذا الوجه فلا يدل علي عدم إمضائه لدخوله في ملكه ليثبت بذلك الفساد. و الحاصل أن دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة علي إمضاء الشارع لآثار المنهي عنه و عدمه و المفروض انتفاء الدلالة في المتبوع. و مما ذكرنا يندفع التمسك للمطلب بالنص الوارد في عبد كافر أسلم فقال أمير المؤمنين ع: اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا ثمنه إلي صاحبه و لا تقروه عنده بناء علي أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان و الاحتراز يدل علي المنع من بيعه من الكافر فيفسد. توضيح الاندفاع أن التخصيص بالمسلمين إنما هو من جهة أن الداعي علي الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر و النهي عن إبقائه عنده و هي لا تحصل بنقله إلي كافر آخر فليس تخصيص المأمور به لاختصاص مورد الصحة به بل لأن الغرض من الأمر لا يحصل إلا به فافهم. و أما الآية فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها و لو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص فلا بد من حملها علي معني لا يتحقق فيه تخصيص أو بقرينة ما قبلها الدالة علي إرادة نفي الجعل في الآخرة. و أخري من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار علي المؤمنين و هو ما روي في العيون عن أبي الحسن ع ردا علي من زعم أن المراد بها
المكاسب، ج‌2، ص 159
نفي تقدير الله سبحانه بمقتضي الأسباب العادية تسلط الكفار علي المؤمنين حتي أنكروا لهذا المعني الفاسد الذي لا يتوهمه ذو مسكة أن الحسين بن علي ع لم يقتل بل شبه لهم و رفع كعيسي علي نبينا و آله و عليهم السلام و تعميم الحجة علي معني يشمل الملكية و تعميم الجعل علي وجه يشمل الاحتجاج و الاستيلاء لا يخلو عن تكلف. و ثالثة من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دل علي صحة البيع و وجوب الوفاء بالعقود و حل أكل المال بالتجارة و تسلط الناس علي أموالهم و حكومة الآية عليها غير معلومة و إباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة و في كثير من الفروع في الابتداء يقرب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية بأن يراد من السبيل السلطنة فيحكم بتحقق الملك و عدم تحقق السلطنة بل يكون محجورا عليه مجبورا علي بيعه و هذا و إن اقتضي التقييد في إطلاق ما دل علي استقلال الناس في أموالهم و عدم حجرهم بها لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر علي المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة لبيان أن الجعل شي‌ء لم يكن و لن يكون و إن نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيد بحال دون حال هذا مضافا إلي أن استصحاب الصحة في بعض المقامات- يقتضي الصحة كما إذا كان الكفر مسبوقا بالإسلام بناء علي شمول الحكم لمن كفر عن الإسلام أو كان العبد مسبوقا بالكفر فيثبت في غيره بعدم الفصل و لا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد لأن استصحاب الصحة مقدم عليها فتأمل

[تمليك منافع المسلم من الكافر]

ثم إن الظاهر أنه لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات كالهبة و الوصية. و أما تمليك المنافع ففي الجواز مطلقا كما يظهر من التذكرة و مقرب النهاية بل ظاهر المحكي عن الخلاف أو مع وقوع الإجارة علي الذمة كما عن الحواشي و جامع المقاصد و المسالك أو مع كون المسلم الأجير حرا كما عن ظاهر الدروس أو المنع مطلقا كما هو ظاهر القواعد و محكي الإيضاح أقوال أظهرها الثاني فإنه كالدين ليس ذلك سبيلا فيجوز. و لا فرق بين الحر و العبد كما هو ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة و حواشي الشهيد و جامع المقاصد بل ظاهر المحكي عن الخلاف نفي الخلاف فيه حيث قال فيه إذا استأجر كافر مسلما بعمل في الذمة صح بلا خلاف و إذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا صح أيضا عندنا انتهي. و ادعي في الإيضاح أنه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين و بين الثابت في الذمة بالاستيجار خلافا للقواعد و ظاهر الإيضاح فالمنع مطلقا لكونه سبيلا و ظاهر الدروس التفصيل بين العبد و الحر فيجوز في الثاني دون الأول حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا قال و جوزها الفاضل و الظاهر أنه أراد إجازة الحر المسلم انتهي. و فيه نظر لأن ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا و لو كانت علي العين. نعم يمكن توجيه الفرق بأن يد المستأجر علي الملك- الذي ملك منفعته بخلاف الحر فإنه لا تثبت للمستأجر يد عليه و لا علي منفعته خصوصا لو قلنا بأن إجارة الحر تمليك الانتفاع لا المنفعة فتأمل

و أما الارتهان عند الكافر

ففي جوازه مطلقا كما عن ظاهر نهاية الأحكام أو المنع كما في القواعد و الإيضاح أو التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر كما إذا وضعناه عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط و القواعد و الإيضاح في كتاب الرهن و الدروس و جامع المقاصد و المسالك أو التردد كما في التذكرة وجوه أقواها الثالث لأن استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل بخلاف استحقاقه لأخذ حقه من ثمنه

و أما إعارته من كافر

فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد و جامع المقاصد و المسالك بل عن حواشي الشهيد رحمه الله أن الإعارة و الإيداع أقوي منعا من الارتهان و هو حسن في العارية لأنها تسليط علي الانتفاع فيكون سبيلا و علوا و محل نظر في الوديعة لأن التسليط علي الحفظ و جعل نظره إليه مشترك بين الرهن و الوديعة مع زيادة في الرهن التي قيل من أجلها بالمنع و هي التسلط علي منع المالك عن التصرف فيه إلا بإذنه و تسلطه علي إلزام المالك ببيعه. و قد صرح في التذكرة بالجواز في كليهما. و مما ذكرنا يظهر عدم صحة وقف الكافر عبده المسلم علي أهل ملته

[المقصود من الكافر]

ثم إن الظاهر من الكافر كل من حكم بنجاسته و لو انتحل الإسلام كالنواصب و الغلاة و المرتد غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية و لذا استدل الحنفية بالآية علي ما حكي عنهم بحصول البينونة بارتداد الزوج و هل يلحق بذلك أطفال الكفار فيه إشكال و يعم المسلم المخالف لأنه مسلم فيعلو و لا يعلي عليه و المؤمن في زمان نزول آية نفي السبيل لم يرد به إلا المقر بالشهادتين و نفيه عن الأعراب الذين قالوا آمنا بقوله تعالي وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ إنما كان لعدم اعتقادهم بما أقروا به فالمراد بالإسلام هنا أن يسلم نفسه لله و رسوله في الظاهر لا الباطن بل قوله تعالي وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ دل علي أن ما جري علي ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب. و الحاصل أن الإسلام و الإيمان في زمان الآية كانا بمعني واحد و أما ما دل علي كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية فهو لا يقاوم بظاهره لما دل علي جريان جميع أحكام الإسلام عليهم من التناكح و التوارث و حقن الدماء و عصمة الأموال و أن الإسلام ما عليه جمهور الناس. ففي رواية حمران بن أعين قال: سمعت أبا جعفر ع يقول الإيمان ما استقر في القلب و أفضي به إلي الله عز و جل و صدقه العمل بالطاعة لله و التسليم لأمره و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا علي الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا إلي الإيمان إلي أن قال فهل للمؤمن فضل علي المسلم في شي‌ء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك قال لا بل هما يجريان في ذلك مجري واحد و لكن للمؤمن فضل علي المسلم في إعمالهما و ما يتقربان به إلي الله عز و جل.

[بيع العبد المؤمن من المخالف

و من جميع ما ذكرنا ظهر أنه لا بأس ببيع المسلم من المخالف و لو كان جارية إلا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لأخبار دلت علي ذلك فإن فحواها يدل علي المنع من بيع الجارية المؤمنة لكن الأقوي عدم التحريم

ثم إنه قد استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم مواضع

منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق

بأن يكون ممن ينعتق علي الكافر قهرا واقعا كالأقارب أو ظاهرا كمن أقر بحرية مسلم ثم اشتراه أو بأن يقول الكافر للمسلم أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه. ذكر ذلك العلامة في التذكرة و تبعه جامع المقاصد و المسالك و الوجه في الأول واضح وفاقا للمحكي عن الفقيه و النهاية و السرائر مدعيا عليه الإجماع و المتأخرين كافة فإن مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا بل لم تعتبر الملكية إلا مقدمة للانعتاق خلافا للمحكي عن المبسوط
المكاسب، ج‌2، ص 160
و القاضي فمعناه لأن الكافر لا يملك حتي ينعتق لأن التملك بمجرده سبيل و السيادة علو إلا أن الإنصاف أن السلطنة غير متحققة في الخارج و مجرد الإقدام علي شرائه لينعتق منه من الكافر علي المسلم لكنها غير منفية. و أما الثاني فيشكل بالعلم بفساد البيع علي تقديري الصدق و الكذب لثبوت الخلل أما في المبيع لكونه حرا أو في المشتري لكونه كافرا فلا تتصور صورة صحيحة لشراء من أقر بانعتاقه إلا أن تمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي فتأمل. و أما الثالث فالمحكي عن المبسوط و الخلاف التصريح بالمنع لما ذكر في الأول.

و منها ما لو اشترط البائع عتقه

فإن الجواز هنا محكي عن الدروس و الروضة و فيه نظر فإن ملكيته قبل الإعتاق سبيل و علو بل التحقيق أنه لا فرق بين هذا و بين إجباره علي بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرد ذلك. و الحاصل أن السبيل فيه ثلاثة احتمالات كما عن حواشي الشهيد مجرد الملك و يترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية و بالملك المستقر و لو بالقابلية كشروط العتق و يترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق و المستقر فعلا و يترتب عليه استثناء الجميع و خير الأمور أوسطها

[حكم تملك الكافر للمسلم قهرا]

ثم إن ما ذكرنا كله حكم ابتداء تملك الكافر المسلم اختيارا. أما التملك القهري فيجوز ابتداء كما لو ورثه الكافر من كافر- أجبر علي البيع فمات قبله- فإنه لا ينعتق عليه و لا علي الكافر الميت لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث لكن لا يثبت بها أصل تملك الكافر فيحتمل أن ينتقل إلي الإمام ع بل هو مقتضي الجمع بين الأدلة ضرورة أنه إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل كان الميت بالنسبة إلي هذا المال ممن لا وارث له فيرثه الإمام ع و بهذا التقرير يندفع ما يقال إن إرث الإمام مناف لعموم أدلة ترتيب طبقات الإرث. توضيح الاندفاع أنه إذا كان مقتضي نفي السبيل عدم إرث الكافر فيتحقق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام ع فإن الممنوع من الإرث لغير الوارث. فالعمدة في المسألة ظهور الاتفاق المدعي صريحا في جامع المقاصد ثم هل يلحق بالإرث كل ملك قهري أو لا يلحق أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا أو غيره وجوه خيرها أوسطها ثم أخيرها

[عدم استقرار المسلم علي ملك الكافر و وجوب بيعه عليه

ثم إنه لا إشكال و لا خلاف في أنه لا يقر المسلم علي ملك الكافر بل يجب بيعه عليه: لقوله ع في عبد كافر أسلم اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا إليه ثمنه و لا تقروه عنده. و منه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم و يحتمل أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا- لكون المالك غير قابل للسلطنة علي هذا المال غاية الأمر أنه دل النص و الفتوي علي تملكه له و لذا ذكر فيها أنه يباع عليه بل صرح فخر الدين رحمه الله في الإيضاح بزوال ملك السيد عنه و يبقي له حق استيفاء الثمن منه و هو مخالف لظاهر النص و الفتوي كما عرفت و كيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه- فالظاهر أنه لا خيار له و لا عليه- وفاقا للمحكي في الحواشي في خيار المجلس و الشرط لأنه إحداث ملك فينتفي لعموم نفي السبيل لتقديمه علي أدلة الخيار كما يقدم علي أدلة البيع و يمكن أن يبتني علي أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد. فإن قلنا بالأول ثبت الخيار و لأن فسخ العقد يجعل الملكية السابقة كأن لم تزل و قد أمضاها الشارع و أمر بإزالتها بخلاف ما لو كانت الملكية الحاصلة غير السابقة فإن الشارع لم يمضها لكن هذا المبني ليس بشي‌ء لوجوب الاقتصار في تخصيص نفي السبيل علي المتيقن نعم يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيبا و يشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوة أدلة نفي الضرر فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع بخلاف ما لو تضرر الكافر فإن هذا الضرر إنما حصل من كفره الموجب لعدم قابلية تملك المسلم إلا فيما خرج بالنص. و يظهر مما ذكرنا حكم الرجوع في العقد الجائز كالهبة و خالف في ذلك كله جامع المقاصد فحكم بثبوت الخيار و الرد بالعيب تبعا للدروس قال لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر لانتفاء المقتضي لأن نفي السبيل لو اقتضي ذلك لاقتضي خروجه عن ملكه فعلي هذا لو كان المبيع معاطاة فهي علي حكمها و لو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها. نعم لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسبب ناقل يمنع الرجوع و لم يلزم منه تخسير للمال انتهي. و فيما ذكره نظر لأن نفي السبيل لا يخرج منه إلا الملك الابتدائي و خروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه بالفسخ. و استلزام البيع للخيارات ليس عقليا بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحة العقد الذي خص بنفي السبيل فهذا أولي بالتخصيص به مع أنه علي تقدير المقاومة يرجع إلي أصالة الملك و عدم زواله بالفسخ و الرجوع فتأمل. و أما ما ذكره أخيرا بقوله لا يبعد ففيه أن إلزامه بما ذكر ليس بأولي من الحكم بعدم جواز الرجوع فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلي ملك المسلم بمنزلة التصرف المانع من الفسخ و الرجوع. و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره في القواعد من قوله رحمه الله و لو باعه لمسلم بثوب ثم وجد في الثمن عيبا جاز رد الثمن و هل يسترد العبد أو القيمة فيه نظر ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا و من كون الرد بالعيب موضوعا علي القهر كالإرث انتهي محل تأمل إلا أن يقال إن مقتضي الجمع بين أدلة الخيار و نفي السبيل ثبوت الخيار و الحكم بالقيمة فيكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن كنقل المبيع في زمن الخيار و كالتلف الذي هو مانع عقلي و هو حسن إن لم يحصل السبيل بمجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف باستحقاق بدله و لذا حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق علي المشتري فتأمل.

مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلي الكافر

ذكره الشيخ و المحقق في الجهاد و العلامة في كتبه و جمهور من تأخر عنه. و عن الإسكافي أنه قال و لا اختار أن يرهن الكافر مصحفا أو ما يجب علي المسلم تعظيمه و لا صغيرا من الأطفال انتهي. و استدلوا عليه بوجوب احترام المصحف و فحوي المنع من بيع العبد المسلم من الكافر و ما ذكره حسن و إن كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع. و في إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف كما صرح به في المبسوط أو الكراهة كما هو صريح الشرائع و نسبه الصيمري إلي المشهور قولان تردد بينهما العلامة في التذكرة و لا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلي النبي ص من طرق الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه ص و إن كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم
المكاسب، ج‌2، ص 161
كان فحكم أحاديث الأئمة ص حكم أحاديث النبي ص

القول في شرائط العوضين

يشترط في كل منهما كونه متمولا

اشارة

لأن البيع لغة مبادلة مال بمال

و قد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع

لأن الأول ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها و نفي الفائدة عنها و الثاني ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير ثم قسموا عدم الانتفاع إلي ما يستند إلي خسة الشي‌ء كالحشرات و إلي ما يستند إلي قلته كحبة حنطة و ذكروا أنه ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك و لذا يحرم غصبه إجماعا. و عن التذكرة أنه لو تلف لم يضمن أصلا و اعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل. و الأولي أن يقال إن ما تحقق أنه ليس بمال عرفا فلا إشكال و لا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين إذ لا بيع إلا في ملك و ما لم يتحقق فيه ذلك فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا فالظاهر فساد المعاملة و ما لم يتحقق فيه ذلك فإن ثبت دليل من نص أو إجماع علي عدم جواز بيعه فهو و إلا فلا يخفي وجوب الرجوع إلي عمومات صحة البيع و التجارة. و خصوص قوله ع في المروي عن تحف العقول: و كل شي‌ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه إلي آخر الرواية و قد تقدمت في أول الكتاب

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين عن بيع ما يشترك فيه الناس

كالماء و الكلاء و السماك و الوحوش قبل اصطيادها بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل

و احترزوا أيضا به عن الأرض المفتوحة عنوة

و وجه الاحتراز عنها أنها غير مملوكة لملاكها علي نحو سائر الأملاك بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض و إن قل و لذا لا تورث بل و لا من قبيل الوقف الخاص علي معينين لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا و لا كالوقف علي غير معينين كالعلماء و المؤمنين و لا من قبيل تملك الفقراء الزكاة و السادة الخمس بمعني كونهم مصارف له لعدم تملكهم منافعه بالقبض لأن مصرفه منحصر في مصالح المسلمين فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل عليها الدليل و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملاك ثم إن كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعي عليه الإجماع و دل عليه النص كمرسلة حماد الطويلة و غيرها.

[أقسام الأرضين و أحكامها]

اشارة

و حيث جري في الكلام ذكر بعض أقسام الأرضين فلا بأس بالإشارة إجمالا إلي جميع أقسام الأرضين و أحكامها فنقول و من الله الاستعانة الأرض إما موات و إما عامرة- و كل منهما إما أن يكون كذلك أصلية أو عرض لها ذلك فالأقسام أربعة لا خامس لها

الأول ما يكون مواتا بالأصالة بأن لم تكن مسبوقة بالعمارة

و لا إشكال و لا خلاف منافي كونها للإمام ع و الإجماع عليه محكي عن الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك و ظاهر جماعة أخري و النصوص بذلك مستفيضة بل قيل إنها متواترة و هي من الأنفال. نعم أبيح التصرف فيها بالإحياء بلا عوض و عليه يحمل ما في النبويين: موتان الأرض لله و لرسوله ص ثم هي لكم مني أيها المسلمون و نحوه الآخر: عادي الأرض لله و لرسوله ثم هي لكم مني. و ربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلي الإمام ع كما في صحيحة الكابلي قال: وجدنا في كتاب علي ع إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلي الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها الخبر و مصححة عمر بن زيد: أنه سأل رجل أبا عبد الله ع عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و أجري أنهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا فقال أبو عبد الله ع كان أمير المؤمنين ع يقول من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه إلي الإمام ع في حال الهدنة فإذا ظهر القائم عجل الله تعالي فرجه فليوطن نفسه علي أن تؤخذ منه و يمكن حملها علي بيان الاستحقاق و وجوب إيصال الطسق إذا طلب الإمام ع لكن الأئمة ع بعد أمير المؤمنين ص حللوا لشيعتهم و أسقطوا ذلك عنهم كما يدل عليه قوله ع: ما كان لنا فهو لشيعتنا و قوله ع في رواية مسمع بن عبد الملك: كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك إلي أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم و أما ما كان أيدي سواهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغره الخبر. نعم ذكر في التذكرة أنه لو تصرف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها و يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة علي حال الحضور و إلا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال للإمام في الأراضي في حال الغيبة بل الأخبار متفقة علي أنها لمن أحياها و ستأتي حكاية إجماع المسلمين علي صيرورتها ملكا بالإحياء.

الثاني ما كانت عامرة بالأصالة

أي لا من معمر و الظاهر أنه أيضا للإمام ع و كونها من الأنفال و هو ظاهر إطلاق قولهم و كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام ع و عن التذكرة الإجماع عليه و في غيرها نفي الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار المحكية عن تفسير علي ابن إبراهيم عن الصادق ع حيث عد من الأنفال كل أرض لا رب لها و نحوها المحكي عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر ع. و لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار حيث جعل فيها من الأنفال كل أرض ميتة لا رب لها بناء علي ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب لأن الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا و هل تملك هذه بالحيازة وجهان من كونها مال الإمام و من عدم منافاته للتملك بالحيازة كما تملك الموات بالإحياء مع كونها مال الإمام فدخل في عموم النبوي: من سبق إلي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به.

الثالث ما عرضت له الحياة بعد الموت

و هو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الإحياء بإجماع الأمة كما عن المهذب و بإجماع المسلمين كما عن التنقيح و عليه عامة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة لكن يبالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة فلا بد من الملاحظة.

الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة

فإن كانت العمارة أصلية فهي مال الإمام ع و إن كانت العمارة من معمر ففي بقائها علي ملك معمرها أو خروجها
المكاسب، ج‌2، ص 162
عنه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا خلاف معروف في كتاب إحياء الموات منشأه اختلاف الأخبار.
ثم القسم الثالث إما أن تكون العمارة فيه من المسلمين أو من الكفار فإن كانت من المسلمين فملكهم لا يزول إلا بناقل أو بطروء الخراب علي أحد القولين و إن كانت من الكفار فكذلك إن كانت في دار الإسلام و قلنا بعدم اعتبار الإسلام و إن اعتبرنا الإسلام كانت باقية علي ملك الإمام ع و إن كانت في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم و بالاغتنام كسائر أموالهم. ثم ما ملكه الكفار من الأرض إما أن يسلم عليه طوعا- فيبقي علي ملكه كسائر أملاكه و إما أن لا يسلم عليه طوعا فإن بقيت يده عليه كافرا فهي أيضا كسائر أملاكه تحت يده و إن ارتفعت يده عنها فإما أن يكون بانجلاء المالك عنها تخليتها للمسلمين أو بموت أهلها و عدم الوارث فيصير ملكا للإمام ع و يكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و إن رفعت يده عنها قهرا و عنوة فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة كالنخل و الأشجار و البنيان للمسلمين كافة إجماعا علي ما حكاه غير واحد كالخلاف و التذكرة و غيرهما و النصوص به مستفيضة: ففي رواية أبي برده المسئول فيها عن بيع أرض الخراج قال ع و من يبيع ذلك و هي أرض المسلمين قال قلت يبيعها الذي هي في يده قال و يصنع بخراج المسلمين ما ذا ثم قال لا بأس اشتري حقه منها- و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه. و في مرسلة حماد الطويلة: ليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلا ما احتوي عليه العسكر إلي أن قال و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون لهم صالحا و لا يضربهم فإذا أخرج منها ما أخرجه بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح إلي أن قال فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و أكرتها فيدفع إليهم أنصباؤهم و هم علي قدر ما صالحهم عليه و يؤخذ الباقي فيكون ذلك أرزاق أعوانهم علي دين الله و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير الخبر. و في صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله ع عن السواد ما منزلته قال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد فقلنا نشتريه من الدهاقين قال لا يصلح إلا أن تشتريها منهم علي أن تصيرها للمسلمين فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها قلت فإن أخذها منه قال يرد عليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل و رواية ابن شريح قال:
سألت أبا عبد الله ع عن شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه و قال إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها فقال لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ففيها: و سألته عن رجل اشتري أرضا من أراضي الخراج فبني بها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها أ له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدوا جزية رءوسهم قال يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال و في خبر أبي الربيع قال: لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هي في‌ء للمسلمين إلي غير ذلك و ظاهره كما تري عدم جواز بيعها حتي تبعا للآثار المملوكة فيها علي أن تكون جزء من المبيع فيدخل في ملك المشتري. نعم يكون للمشتري علي وجه كان للبائع أعني مجرد الأولوية و عدم جواز مزاحمته إذا كان التصرف و إحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته و لو لعموم الشيعة كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو بإذن الحاكم الشرعي بناء علي عموم ولايته لأمور المسلمين و نيابته عن الإمام ع و لكن ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف فيها قال لا يجوز التصرف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة و لا يصح أن تبني فيها دور أو منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك و متي فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا و هو علي حكم الأصل و يمكن حمل كلامه علي صورة عدم الإذن من الإمام ع حال حضوره و يحتمل إرادة التصرف بالبناء علي وجه الحيازة و التملك و قال في الدروس لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام سواء كان بالبيع أم بالوقف أم بغيرهما. نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك و أطلق في المبسوط أن التصرف فيها لا ينفذ و قال ابن إدريس إنما نبيع و نوقف تحجيرنا و بناءنا و تصرفنا لا نفس الأرض انتهي. و قد ينسب إلي الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور فيجوز التصرف في الأول و لو بالبيع و الوقف لا في الثاني إلا بإذن الإمام و كذا إلي جامع المقاصد و في النسبة نظر بل الظاهر موافقتهما لفتوي جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة بإحداث الآثار و جواز نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار و المعني أنها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال في المسالك في شرح قول المحقق و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها إلي آخرها إن المراد أنه لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة أما لو فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز علي الأقوي قال فإذا باعها بائع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في المبيع علي سبيل التبع و كذا الوقف و غيره و يستمر كذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها هكذا ذكره جمع من المتأخرين و عليه العمل انتهي. نعم ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة حيث قال إن قال قائل إن ما ذكرتموه إنما دل علي إباحة التصرف في هذه الأرضين و لا يدل صحة تملكها بالشراء و البيع و مع عدم صحته لا يصح ما يتفرع عليهما. قلنا إنا قد قسمنا الأرضين ثلاثة أقسام أرض أسلم عليها أهلها فهي ملك لهم يتصرفون فيها و أرض تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه علي هذا الوجه. و أما الأنفال و ما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء و إنما أبيح لنا التصرف فيها حسب ثم استدل علي أراضي الخراج برواية أبي برده السابقة الدالة علي جواز بيع آثار التصرف دون رقبة
المكاسب، ج‌2، ص 163
الأرض و دليله قرينة علي توجيه كلامه و كيف كان فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار مما لا دليل عليه إن أرادوا الانتقال. نعم المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي‌ء من الآثار موجودا فالذي ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرف معه حتي يثبت حق الاختصاص فنقول أما في زمان الحضور و التمكن من الاستئذان فلا ينبغي الإشكال في توقف التصرف علي إذن الإمام لأنه ولي المسلمين فله نقلها عينا و منفعة. و من الظاهر أن كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول علي صورة عدم إذن الإمام ع مع حضوره. و أما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف إلا فيما أعطاه السلطان الذي حل قبول الخراج و المقاسمة منه أو جوازه مطلقا نظرا إلي عموم ما دل علي تحليل مطلق الأرض للشيعة لا خصوص الموات التي هي مال الإمام ع و ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض فيجوز التصرف في عينها مجانا أو عدم جوازه إلا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام أو التفصيل بين من يستحق أجرة هذه الأرض فيجوز له التصرف فيها لما يظهر من قوله ع للمخاطب في بعض أخبار حل الخراج و أن لك نصيبا في بيت المال و بين غيره الذي يجب عليه حق الأرض و لذا أفتي غير واحد علي ما حكي بأنه لا يجوز حبس الخراج و سرقته عن السلطان الجائر و الامتناع عنه. و استثني بعضهم ما إذا دفعه إلي نائب الإمام ع أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح و بين الباقية علي عمارتها من حين الفتح فيجوز إحياء الأول لعموم أدلة الإحياء و خصوص رواية سليمان بن خالد و نحوها وجوه أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث ثم الرابع ثم الخامس. و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار و أثمارها و أخشاب الأبنية و السقوف الواقعة و الطين المأخوذ من سطح الأرض و الجص و الحجارة و نحو ذلك فإن مقتضي القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح- من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين و لذا صرح جماعة كالعلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم علي ما حكي عنهم بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض. نعم الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين لأنها مما ينقل و حينئذ مقتضي القاعدة عدم صحة أخذها إلا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع إمكان أن يقال لا مدخل لسلطان الجور لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض لا أجزاؤها إلا أن يكون الأخذ علي وجه الانتفاع لا التملك فيجوز و يحتمل كون ذلك بحكم المباحات لعموم من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به و يؤيده بل يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف علي بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني و ما يعمل من التربة الحسينية و يقوي هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]

اشارة

و اعلم أنه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا- . و فرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف إلا فيما استثني و لا الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته و لا أم الولد إلا في المواضع المستثناة. و المراد بالطلق تمام السلطنة علي الملك بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء و يكون مطلق العنان في ذلك لكن هذا المعني في الحقيقة راجع إلي كون الملك مما يستقل المالك بنقله و بكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون إذن ذي الحق لمرجعه إلي أن من شرط البيع أن يكون متعلقة مما يصح للمالك بيعه مستقلا و هذا لا محصل له فالظاهر أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أم الولد بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة و غيرهما مما ثبت منعه عن تصرف المالك كالنذر و الخيار و نحوهما و هذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق. فمعني الطلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لأحد الحقوق التي ثبت منها للمالك عن التصرف في ملكه فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في الفرعية و الأصالة بالعكس ثم إن أكثر من تعرض لهذا الشرط- لم يذكر من الحقوق إلا الثلاثة المذكورة ثم عنونوا حق الجاني و اختلفوا في حكم بيعه و الظاهر أن الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة و قد أنهاها بعض من عاصرناه إلي أزيد من عشرين فذكر بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر النذر المتعلق بالعين قبل البيع و الخيار المتعلق به و الارتداد و الحلف علي عدم بيعها و تعيين الهدي للذبح و اشتراط عتق العبد في عقد لازم و الكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة إلي ما لم يتحرر منه حيث إن المولي ممنوع عن التصرف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء و التدبير المعلق علي موت غير المولي بناء علي جواز ذلك فإذا مات المولي و لم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه و تعلق حق الموصي له بالموصي به بعد موت الموصي و قبل قبوله بناء علي منع الوارث من التصرف فيه قبله و تعلق حق الشفعة بالمال فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها و تغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشتري أمة حبلي فوطئها فأتت بالولد بناء علي عدم جواز بيعها و كونه مملوكا ولد من حر شريك في أمة حال الوطء فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه إلا بتقويمه و أخذ قيمته و تعارض السبب المملك و المزيل للملك كما لو قهر حربي أباه و الغنيمة قبل القسمة بناء علي حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك و غير ذلك مما سيقف عليه المتتبع لكنا نقتصر علي ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ثم أم الولد ثم الرهن ثم الجناية إن شاء الله.

مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا محققا في الجملة و محكيا

اشارة

و لعموم قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله. و رواية أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن ع قلت جعلت فداك اشتريت أرضا إلي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفيت المال خبرت أن الأرض وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها إلي من أوقفت عليه قلت لا أعرف لها ربا قال تصدق بغلتها. و ما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين ع و غيره من الأئمة ص مثل ما عن ربعي بن عبد الله
المكاسب، ج‌2، ص 164
عن أبي عبد الله ع في صورة وقف أمير المؤمنين ع: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب و هو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها الله الذي يرث السماوات و الأرض و أسكن هذه صدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين. فإن الظاهر من الوصف كونه صفة لنوع الصدقة لا لشخصها و يبعد كونه شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم خصوصا مع كونه شرطا عليهم مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه علي الإطلاق فاسدا بل مفسدا لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه أو طرو الحاجة أو صيرورته مما لا ينتفع به أصلا إلا أن يقال إن هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم- في رواية ابن راشد في انصرافه إلي البيع لا لعذر مع أن هذا التقييد مما لا بد منه علي تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا مع احتمال علم الإمام بعدم طرو هذه الأمور المبيحة و حينئذ يصح أن يستغني بذلك عن التقييد علي تقدير كون الصفة شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع فإن العلم بعدم طرو مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع كما لا يخفي. فظهر أن التمسك بإطلاق المنع عن البيع علي كون الوصف داخلا في أصل الوقف كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر و إن كان الإنصاف ما ذكرناه من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع.

و مما ذكرنا ظهر أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة

حق الواقف حيث جعلها بمقتضي صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها و حق البطون المتأخرة عن بطن البائع و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فإن الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر فيه التقرب و يكون لله تعالي عمله و عليه عوضه و قد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقي الباقي و قد يرتفع كلها و سيجي‌ء التفصيل

[هل الوقف يبطل بنفس البيع أو بجوازه

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلي أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه- فمعني جواز بيع العين الموقوفة جواز إبطال وقفها إلي بدل أو لا إليه فإن مدلول صيغة الوقف و إن أخذ فيه الدوام و المنع عن المعاوضة عليه إلا أنه قد يعرض ما يجوز مخالفة هذا الإنشاء كما أن مقتضي العقد الجائز كالهبة تمليك المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه فتأمل إلا أنه ذكر بعض في هذا المقام أن الذي يقوي في النظر بعد إمعانه أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد. نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه. ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه و قد سبقه إلي ذلك بعض الأساطين في شرحه علي القواعد حيث استدل علي المنع عن بيع الوقف بعد النص و الإجماع بل الضرورة بأن البيع و أضرابه ينافي حقيقة الوقف لأخذ الدوام فيه و أن نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء و فيه أنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره و هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها و عن بدلها حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع فهذا لا محصل له فضلا عن أن يحتاج إلي نظر فضلا عن إمعانه و إن أريد به انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر كلامه حيث جعل المنع من المبيع من مقومات مفهوم الوقف ففيه مع كونه خلاف الإجماع إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلي ملك الواقف إن المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك و لذا يطلق عليه الصدقة و يجوز إيجابه بلفظ تصدقت إلا أن المالك له بطون متلاحقة فإذا جاز بيعه مع الإبدال- كان البائع وليا عن جميع الملاك في إبدال مالهم بمال آخر و إذا جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود علي القول بجوازه فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم فإذا لم يبيعوه لم يبطل و لذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع أو لم يتفق البيع كان الوقف علي حاله و لذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف و إن بلغ حدا يجوز بيعه معللا باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن.
إذا عرفت أن مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم

أن لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا

أحدها عدم الخروج عنه أصلا

و هو الظاهر من كلام الحلي حيث قال في السرائر بعد نقل كلام المفيد قدس سره و الذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه و قبضه لا يجوز الرجوع فيه و لا تغيره عن وجوهه و سبله و لا بيعه سواء كان بيعه أعود عليهم أم لا و سواء خرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا أم لا قال الشهيد رحمه الله بعد نقل أقوال المجوزين و ابن إدريس سد الباب و هو نادر مع قوته و قد ادعي في السرائر عدم الخلاف في المؤبد قال إن الخلاف الذي حكيناه بين أصحابنا إنما هو إذا كان الوقف علي قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم و أما إذا كان الوقف علي قوم و من بعدهم علي غيرهم و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غيره إلي أن يرث الله الأرض لم يجز بيعه علي وجه بغير خلاف بين أصحابنا انتهي. و فيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد و حكي المنع مطلقا عن الإسكافي و فخر الإسلام أيضا إلا في الآلات الموقوفة و أجزائها التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع. قال الإسكافي في ما حكي عنه في المختلف إن الموقوف رقيقا أو غيره لو بلغ حاله إلي زوال ما سبله من منفعته فلا بأس ببيعه و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته أو رد ثمنه علي منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح انتهي. و قال فخر الدين في الإيضاح في شرح قول والده قدس سرهما و لو خلق حصير المسجد و خرج عن الانتفاع
المكاسب، ج‌2، ص 165
به أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق فالأقرب جواز بيعه قال بعد احتمال المنع بعموم النص في المنع و الأصح عندي جواز بيعه و صرف ثمنه في المماثل إن أمكن و إلا ففي غيره انتهي. و نسبة المنع إليهما علي الإطلاق لا بد أن يبني علي خروج مثل هذا عن محل الخلاف و سيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا فلاحظ.

الثاني الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد

و هو المحكي عن القاضي حيث قال في محكي المهذب إذا كان الشي‌ء وقفا علي قوم و من بعدهم علي غيرهم و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غير ذلك إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه فإن كان وقفا علي قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم حسب ما قدمناه و حصل الخوف من هلاكه أو فساده أو كانت بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدي إلي فساده فإنه حينئذ يجوز بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم علي حسب استحقاقهم فإن لم يحصل شي‌ء من ذلك لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه و لا يجوز هبة الوقف و لا الصدقة به أيضا. و حكي عن المختلف و جماعة نسبه التفصيل إلي الحلبي لكن العبارة المحكية عن كافية لا تساعده بل ربما استظهر منه المنع علي الإطلاق فراجع. و حكي التفصيل المذكور عن الصدوق. و المحكي عن الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية إن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم و لو كان عليهم و علي أولادهم ما تناسلوا و من بعد علي فقراء المسلمين إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها لم يجز بيعه أبدا ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي كما لا يخفي ثم إن هؤلاء إن كانوا ممن يقولون برجوع الوقف المنقطع إلي ورثة الموقوف عليه فللقول بجواز بيعه وجه أما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلي الواقف أو ورثته فلا وجه للحكم بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم و قد حكي القول بهذين عن القاضي إلا أن يوجه بأنه لا يقول ببقائه علي ملك الواقف حتي يكون حبسا بل هو وقف حقيقي و تمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم و حينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبد لكن هذا الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكي عنه القول المتقدم حيث إنه يقول [إن المحكي عنه بقاء الوقف مطلقا علي ملك الواقف [و جواز بيع الوقف حينئذ مع عدم مزاحمة حق الموقوف عليه مما لا إشكال فيه .

الثالث الخروج عن عموم المنع و الحكم بالجواز في المؤبد في الجملة

اشارة

و أما المنقطع فلم ينصوا عليه و إن ظهر عن بعضهم التعميم و من بعضهم التخصيص بناء علي قوله برجوع المنقطع إلي ورثة الواقف كالشيخ و سلار قدس سرهما و من حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلي وجوه البر كالسيد أبي المكارم بن زهرة فلازمه جعله كالمؤبد و كيف كان

فالمناسب أولا نقل عبائر هؤلاء

[كلام الشيخ المفيد]

فنقول قال المفيد في المقنعة الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم و التقرب إلي الله بصلتهم أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أعود عليهم و أنفع لهم من تركه علي حاله و إذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلي من وقف عليه لم يجز له الرجوع في شي‌ء منه و لا تغيير شرائطه و لا نقله عن وجوهه و سبله. و في اشتراط الواقف في الوقف أنه متي احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه جاز له فعل ذلك و ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع و لا هبة و لا أن يغيروا شيئا من شروطه إلا أن يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلي ثمنه كان لهم حله و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات انتهي كلامه. و قد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد جواز بيع الوقف في خمسة مواضع و ضم صورة جواز الرجوع و جواز تغيير الشرط إلي المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلي الموقوف عليهم و وفاة الواقف فلاحظ و تأمل. ثم إن العلامة ذكر في التحرير أن قول المفيد بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف إلا أن يحدث إلي قوله أنفع لهم من تركه علي حاله متأول و لعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

[كلام السيد المرتضي

و قال في الانتصار علي ما حكي عنه و مما انفردت الإمامية به القول بأن الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه و أن أرباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة إلي ثمنه جاز لهم بيعه و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة ثم احتج باتفاق الإمامية ثم ذكر خلاف ابن الجنيد و رده بكونه مسبوقا ملحقا بالإجماع و أنه إنما عول في ذلك علي ظنون له و حسان و أخبار شاذة لا يلتفت إلي مثلها انتهي ثم قال و أما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو دعت أربابه الضرورة إلي ثمنه لشدة فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه و لو لم تبق منفعته فيه إلا من الوجه الذي ذكرناه انتهي.

[كلام الشيخ الطوسي في المبسوط]

و قال في المبسوط و إنما يملك الموقوف عليه بيعه علي وجه عندنا و هو أنه إذا خيف علي الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة و لا يقدرون علي القيام فحينئذ يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك لا يجوز بيعه انتهي ثم احتج علي ذلك بالأخبار.

[كلام سلار قدس سره

و قال سلار فيما حكي عنه و لا يخلو الحال في الوقف و الموقوف عليهم من أن يبقي و يبقوا علي الحال التي وقف فيها أو تغير الحال فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف و لا هبته و لا تغير شي‌ء من أحواله و إن تغير الحال في الوقف حتي لا ينتفع به علي أي وجه كان أو لحقت الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو أنفع لهم انتهي.

[كلام ابن زهرة قدس سره

و قال في الغنية علي ما حكي عنه و يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلي بيعه بدليل إجماع الطائفة و لأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم تبق له منفعة إلا علي الوجه الذي ذكرنا
المكاسب، ج‌2، ص 166
جاز انتهي.

[كلام ابن حمزة قدس سره

و قال في الوسيلة و لا يجوز بيعه يعني الوقف إلا بأحد شرطين الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به انتهي.

[كلام الراوندي قدس سره

و قال الراوندي في فقه القرآن علي ما حكي عنه و إنما يملك بيعه علي وجه عندنا و هو إذا خيف علي الوقف الخراب أو كانت بأربابه حاجة شديدة
[كلمات ابن سعيد في الجامع و النزهة]
و قال في الجامع علي ما حكي عنه فإن خيف خرابه أو كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه انتهي و عن النزهة لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه أو تؤدي المنازعة فيه بين أربابه إلي ضرر عظيم أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة و يكون بيع الوقف أصلح لهم انتهي

[كلام المحقق قدس سره

و قال في الشرائع و لا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلي خرابه لخلف بين أربابه و يكون البيع أعود و قال في كتاب الوقف و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم قيل يجوز بيعه و الوجه المنع انتهي. و مثل عبارة الشرائع في كتاب البيع و الوقف عبارة القواعد في الكتابين.

[كلام العلامة في التحرير و الإرشاد و التذكرة]

و قال في التحرير لا يجوز بيع الوقف بحال و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف و لم يجز بيعها و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه علي ما رواه أصحابنا ثم ذكر كلام ابن إدريس و فتواه علي المنع مطلقا و تنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز علي المنقطع و نفيه الخلاف علي المنع في المؤبد ثم قال و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكن من عمارتها و يشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها انتهي و قال في بيع التحرير و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا و لو أدي بقاؤه إلي خرابه جاز و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه علي الوقف انتهي و عن بيع الإرشاد لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلي الخلف بين أربابه علي رأي و عنه في باب الوقف لا يصح بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشي به الخراب و قال في التذكرة في كتاب الوقف علي ما حكي عنه و الوجه أن يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد انتهي.
[كلمات الشهيد قدس سره في غاية المراد و الدروس و اللمعة]
و قال في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه انتهي و قال في غاية المراد يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف و إذا كان البيع أعود مع الحاجة و قال في الدروس لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلي فساده و قال في اللمعة لو أدي بقاؤه إلي خرابه لخلف أربابه فالمشهور الجواز انتهي

[كلام الصيمري قدس سره

و قال في تلخيص الخلاف علي ما حكي عنه إن لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف و فتنة و خشي خرابه و لا يمكن سد الفتنة بدون بيعه و هو قول الشيخين و اختاره نجم الدين و العلامة انتهي

[كلام الفاضل المقداد قدس سره

و قال في التنقيح علي ما حكي عنه إذا آل الوقف إلي الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا جاز بيعه. و عن تعليق الإرشاد يجوز بيعه إذا كان فساد تستباح فيه الأنفس.

[كلام الفاضل القطيفي قدس سره

و عن إيضاح النافع أنه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال و نهب الأموال و لم يندفع إلا بالبيع قال فلو أمكن زواله و لو بحاكم الجور لم يجز و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه انتهي و مثله الكلام المحكي عن تعليقه علي الشرائع.

[كلام المحقق الثاني قدس سره

و قال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلي موافقة الأكثر إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع أحدها إذا خرب و اضمحل بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا اندرست و جذعه إذا انكسر. ثانيها إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال و مستنده صحيحة علي بن مهزيار و يشتري بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان و يتولي ذلك الناظر الخاص إن كان و إلا فالحاكم. ثالثها إذا لحقت بالموقوف عليه حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلة و غيرها لرواية جعفر بن حنان عن الصادق ع انتهي كلامه رفع مقامه

[كلام الشهيد الثاني قدس سره

و قال في الروضة و الأقوي في المسألة ما دلت عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد ع من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد و علله ع بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس و ظاهره أن خوف أدائه إليهما أو إلي أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك قال و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرنا و إن احتاج إليه أرباب الوقف و لم تكفهم غلته أو كان أعود أو غير ذلك مما قيل لعدم دليل صالح عليه انتهي. و نحوه ما عن الكفاية
هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية و الظاهر أن المراد بتأدية بقاء الوقف إلي خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف لا التأدية علي وجه القطع فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها و خشيتها في بعضها الآخر و لذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا و أخري بذاك كما اتفق للفاضلين و الشهيد و نسب بعضهم عنوان الخوف إلي الأكثر كالعلامة في التذكرة و إلي الأشهر كما عن إيضاح النافع و آخر عنوان التأدية إلي الأكثر كجامع المقاصد أو إلي المشهور كاللمعة فظهر من ذلك أن جواز البيع بظن تأدية بقائه إلي خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن المتيقن من فتوي المشهور ما كان من أجل اختلاف أربابه اللهم إلا أن يستظهر من كلماتهم كالنص كون الاختلاف من باب المقدمة و أن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب
إذا عرفت ما ذكرنا

فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد و أخري في المنقطع

أما الأول [أي الوقف المؤبد]

اشارة

فالذي ينبغي أن يقال فيه

إن الوقف علي قسمين

أحدهما ما يكون ملكا للموقوف عليهم

فيملكون منفعته فلهم استئجاره و أخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.

و الثاني ما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير

كما في المساجد و المدارس و الربط بناء علي القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة فلو سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل

[محل الكلام في القسم الأول

و الظاهر أن محل الكلام في بيع
المكاسب، ج‌2، ص 167
الوقف إنما هو القسم الأول و أما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. و بالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق لا فيما لم يكن ملكا و حينئذ فلو خرب المسجد و خربت القرية و انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد لم يجز بيعه و صرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو تعميره و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.

[كلام كاشف الغطاء في الأوقاف العامة مع اليأس عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة]

اشارة

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر أنه لا يصح بيع الأرض الوقف العام مطلقا لا لعدم التمامية بل لعدم أصيل الملكية لرجوعها إلي الله و دخولها في مشاعره أمكن الانتفاع بها في الوجه الذي وضعت له أولا و مع اليأس من الانتفاع بالجهة المقصودة تؤجر للزراعة و نحوها مع المحافظة علي الآداب اللازمة لها إن كانت مسجدا مثلا و إحكام السجلات لئلا تغلب اليد فتفضي بالملك دون الوقف المؤبد و تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب و الأحوج و الأفضل احتياطا و مع التعارض فالمدار علي الراجح [فالبواقي علي الترجيح و إن تعذر صرفت إلي غير المماثل كذلك فإن تعذر صرفت في مصالح المسلمين [هذا حيث لا تكون الأرض من المفتوحة عنوة و أما ما كانت منها فقد سبق أنها بعد زوال الآثار ترجع إلي ملك المسلمين و أما غير الأرض من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها فإن بقيت علي حالها و أمكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي أعدت له كانت علي حالها و إلا جعلت في المماثل و إلا ففي غيره و إلا ففي المصالح علي ما نحو ما مر و إن تعذر الانتفاع بها باقية علي حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه أشبهت في أمر الوقف الملك بعد إعراض المالك فيقوم فيها احتمال الرجوع إلي حكم الإباحة و العود ملكا للمسلمين تصرف في مصالحهم و العود إلي المالك الأول و مع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك و يحتمل بقاؤها علي الوقف و تباع احترازا عن التلف و الضرر و لزوم الحرج و يصرف مرتبا علي النحو السابق و لعل هذا هو الأقوي كما صرح به بعضهم انتهي

[المناقشة فيما أفاده كاشف الغطاء]

و فيه أن إجارة الأرض و بيع الآلات- حسن لو ثبت دليل علي كونها ملكا للمسلمين و لو علي نحو الأرض المفتوحة عنوة لكنه غير ثابت و المتيقن خروجها عن ملك مالكها أما دخولها في ملك المسلمين فمنفي بالأصل. نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة و لا يتعلق عليهم أجرة

[ما ورد في بيع ثوب الكعبة و هبته

ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة و هبته مثل رواية مروان بن عبد الملك قال: سألت أبا الحسن ع عن رجل اشتري من كسوة الكعبة شيئا فاقتضي ببعضه حاجته و بقي بعضه في يده هل يصلح له أن يبيع ما أراد قال يبيع ما أراد و يهب ما لم يرد و ينتفع به و يطلب بركنه قلت أ يكفن به الميت قال لا.

[الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد و بين نفس المسجد]

قيل و في رواية أخري: يجوز استعماله و بيع بقيته و كذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع اللهم إلا أن يقال إن ثوب الكعبة و حصر المسجد ليسا من قبيل المسجد بل هما مبذولان للبيت و المسجد فيكون كسائر أموالهما و معلوم أن وقفية أموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأول و ليست من قبيل نفس المسجد فهي ملك للمسلمين فللناظر العام التصرف فيه بالبيع. نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيز الانتفاع بل كان جديدا غير مستعمل و بين ما يكون من الأموال وقفا علي المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد و الثوب الذي يلبس به البيت فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف

[الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد]

ثم الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد أن الحصير يتصور فيه كونه وقفا علي المسلمين و لكن يضعه في المسجد لأنه أحد وجوه انتفاعهم كالماء المسبل الموضوع في المسجد فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر بل يمكن الانتفاع به في غيره و لو مع حاجته لكن يبقي الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه و إن كان الظاهر في الأول الاختصاص و أوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه و في الثاني العموم فيجوز التوضؤ منه و إن لم يرد الصلاة في المسجد. و الحاصل أن الحصير و شبهها الموضوعة في المساجد و شبهها تتصور فيها أقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين و ليست من قبيل نفس المسجد و أضرابه فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرناه.

[الجذع المنكسر من جذوع المسجد]

نعم ما ذكرناه لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان مع أن المحكي عن العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني جواز بيعه و إن اختلفوا في تقييد الحكم و إطلاقه كما سيجي‌ء إلا أن نلتزم بالفرق بين أرض المسجد فإن وقفها و جعلها مسجدا فك ملك بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب و الأحجار فإنها تصير ملكا للمسلمين فتأمل.

[حكم أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا]

و كيف كان فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها مع التصرف في منافعها كما تقدم عن بعض الأساطين أو بدونه- و أما إجزاؤه كجذوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينها يجب صرف عينها فيه لأن مقتضي وجوب إبقاء الوقوف و إجرائها علي حسب ما يوقفها أهلها وجوب إبقائها جزء للمسجد لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونتها بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال و إن لم تكن مصلحة في رده جزء للمسجد فبناء علي ما تقدم من أن الوقف في المسجد و أضرابه فك ملك لم يجز بيعه لفرض عدم الملك. و حينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلي مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك كإحراقه لآجر المسجد و نحو ذلك كما عن الروضة و إلا صرف في مسجد آخر كما في الدروس و إلا صرف في سائر مصالح المسلمين قيل بل لكل أحد حيازته و تملكه و فيه نظر. و قد ألحقت بالمساجد المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة علي الطريقة المعروفة و الكتب الموقوفة علي المشتغلين و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارة و البواري الموضوعة لصلاة المصلين و غير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو المسلمين و نحوهم من غير المحصورين لا لتحصيل المنافع بالإجارة و نحوها و صرفها في مصارفها كما في الحمامات و الدكاكين و نحوها لأن جميع ذلك صارت بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم إبقاؤها علي الإباحة كالطرق العامة و الأسواق و هذا كله حسن علي تقدير كون
المكاسب، ج‌2، ص 168
الوقف فيها فك ملك لا تمليكا

[إتلاف الموقوفات العامة]

و لو أتلف شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف. ففي الضمان وجهان- من عموم علي اليد فيجب صرف قيمته في بدله و من أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه و المفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم كما لو جعلت المدرسة بيت المسكن أو محرزا. و أن الظاهر من التأدية في حديث اليد الإيصال إلي المالك فيختص بأملاك الناس و الأول أحوط و قواه بعض.
إذا عرفت جميع ما ذكرناه فاعلم

أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور

الأولي أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه

كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير الخلق و الأقوي جواز بيعه وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم لعدم جريان أدلة المنع- أما الإجماع فواضح. و أما قوله ع: لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه إلي غير هذه الحالة. و أما قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها فلا يدل علي المنع هنا لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف و ليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف و إن ذكر في متن العقد للاتفاق علي أنه لا فرق بين ذكره فيه و تركه و قد تقدم ذلك و يضعف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه و لو سلم أن المأخوذ في الوقف إبقاء العين فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين و المفروض تعذره هنا. و الحاصل أن جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه فهو ملك للبطون يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون و هو الحاكم أو المتولي. و الحاصل أن الأمر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الكل. و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليه و به يندفع استصحاب المنع مضافا إلي كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و هو انتفاع جميع البطون بعينه و قد ارتفع قطعا فلا يبقي ما كان في ضمنه. و أما الثاني فمع منافاته لحق سائر البطون يستلزم جواز بيع البطن الأول إذ لا فرق بين إتلافه و نقله و الثالث هو المطلوب. نعم يمكن أن يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي إلي آخر البطون فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقي لهم فينتهي ملكه إلي من أدرك آخر أزمنة بقائه فتأمل. و كيف كان فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة فلا وجه لترخيص البطن الموجود في إتلافه. و مما ذكرنا يظهر أن الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك كالإسكافي و العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني. و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك فإن المبيع إذا كان ملكا للموجودين بالفعل و للمعدومين بالقوة كان الثمن كذلك فإن الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها فكما أن الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضي تمليك الواقف و عدم تعقل الملك للمعدوم إنما هو في الملك الفعلي لا الشأني. و دعوي أن الملك الشأني ليس شيئا محققا موجودا يكذبها إنشاء الواقف له كإنشائه للملك الموجود فلو جاز أن تخرج العين الموقوفة إلي ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم علي نهج دخول المعوض جاز أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود و إليه أشار الشهيد قدس سره في الفرع الآتي حيث قال إنه يعني الثمن صار مملوكا علي حد الملك الأول إذ يستحيل أن يملك لا علي حدة خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة- . و اختاره المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول و لعل وجهه أن الوقف ملك للبطن الموجود غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة به فإذا فرض جواز بيعه انتقل الثمن إلي من هو مالك له فعلا و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن و لا دليل عليه و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم إذ لا عموم لفظي يقتضي البدلية و التنزيل بل هو بدل في الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك.
و فيه أن النقل إلي المشتري إن كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق إلي البطن اللاحق فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا و إن كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا يزول إلا بالناقل فهو لا يكون إلا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له فالثمن لهم علي نحو المثمن. و مما ذكرنا تعرف أن اشتراك البطون في الثمن أولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول حيث إنها بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقت فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن فإنه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم علي وجه المعاوضة الحقيقة فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض و من هنا اتضح أيضا أن هذا أولي بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا لأن حق الرهنية متعلق بالعين من حيث إنها ملك لمالكها الأول فجاز أن يرتفع لا إلي بدل بارتفاع ملكية المالك الأول بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم فإنه ليس قائما بالعين من حيث إنها ملك للبطن الموجود بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن الموجود منشأ بإنشائه مقارن له بحسب الجعل متأخرا عنه في الوجود. و قد تبين مما ذكرنا أن الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون علي ترتيبهم فإن كان مما يمكن أن يبقي و ينتفع به البطون علي نحو المبدل و كانت مصلحة البطون في بقائه أبقي و إلا أبدل مكانه ما هو أصلح و من هنا ظهر عدم الحاجة إلي صيغة الوقف في البدل بل نفس البدلية تقتضي كونه كالمبدل و لذا علله الشهيد رحمه الله في غاية المراد بقوله لأنه صار مملوكا علي حد الملك الأول إذ يستحيل أن يملك لا علي حدة ثم إن هذه العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم أو لوليهم أن ينظر فيها و يتصرف فيها بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالإبدال بعين أخري أصلح لهم بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق و ليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا لعذر لأن ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي و بدل الوقف إنما هو بدل له في كونه ملكا للبطون فلا يترتب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي. و مما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف كما هو ظاهر التذكرة و الإرشاد و جامع المقاصد و التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة بل قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين
المكاسب، ج‌2، ص 169
فاللازم ملاحظة مصلحتهم خلافا للعلامة و ولده و الشهيد و جماعة فأوجبوا المماثلة مع الإمكان لكون المثل أقرب إلي مقصود الواقف. و فيه مع عدم انضباط غرض الواقف إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته فبيع فدار الأمر بين أن يشتري بثمنه بستانا في موضع لا يصل إليهم إلا قيمة الثمرة و بين أن يشتري ملكا آخر يصل إليهم أجرة منفعته فإن الأول و إن كان مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلي غرض الواقف أنه لا دليل علي وجوب ملاحظة الأقرب إلي مقصوده إنما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في إنشاء الوقف لتجري الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها فالحاصل أن الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا مدلول كلام الواقف و إذا بيع و انتقل الثمن إلي الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلا مصلحتهم هذا. قال العلامة في محكي التذكرة كل مورد جوزنا بيع الوقف فإنه يباع و يصرف الثمن إلي جهة الوقف فإن أمكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به كان أولي و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه و إلا صرف الثمن إلي الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء لأن فيه جمعا بين التوصل إلي غرض الواقف من نفع الموقوف عليه علي الدوام و بين النص الدال علي عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد فإذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب لأنه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الأول الذي وقع عليه العقد و مراعاة الخصوصية الكلية تفضي إلي فوات الغرض بأجمعه و لأن قصر الثمن علي البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه مع أنهم يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الأول و تعذر وجودهم حال الوقف و قال بعض علمائنا و الشافعية إن ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف الثمن علي الموقوف عليهم علي رأي انتهي. و لا يخفي عليك مواقع الرد و القبول في كلامه رحمه الله ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون و يحتمل أن يكون هذا إلي الناظر إن كان لأنه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلي الوقف إلا أن يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلي التصرف في نفس العين و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف و يحتمل بقاؤها لتعلق حقه بالعين الموقوفة فيتعلق ببدلها ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين فلا يجوز دفعه إلي البطن الموجود لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون و حينئذ فيوضع عند أمين حتي يتمكن من شراء ما ينتفع به و لو مع الخيار إلي مدة و لو طلب ذلك البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته و لا يعطل الثمن حتي يوجد ما يشتري به من غير خيار. نعم لو رضي الموجود بالاتجار به و كانت المصلحة في التجارة جازت مع المصلحة إلي أن يوجد البدل و الربح تابع للأصل و لا يملكه الموجودون لأنه جزء من المبيع و ليس كالنماء الحقيقي. ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض الخراب لكله أو بعضه فيباع البعض المخروب و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعة جاز مع رضا الكل لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون فلهم التصرف فيه علي ظن المصلحة و منه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم علي نحو هذا الوقف فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم و لو خرب بعض الوقف و خرج عن الانتفاع و بقي بعضه محتاجا إلي عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة فهل يصرف ثمن المخروب إلي عمارة الباقي و إن لم يرض البطن الموجود وجهان آتيان فيما إذا احتاج إصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة إلي صرف منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود إذا لم يشترط الواقف إخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم و هنا فروع أخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

الصورة الثانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به

بحيث يصدق عرفا أنه لا منفعة فيه كدار تهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها بأجرة لا تبلغ شيئا معتدا به فإن كان ثمنه علي تقدير البيع لا يعطي به إلا ما كانت منفعته كمنفعة العرصة فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز و إن كان يعطي بثمنه ما تكون منفعته أكثر من منفعة العرصة بل ساوت منفعة الدار ففي جواز البيع وجهان من عدم دليل علي الجواز مع قيام المقتضي للمنع و هو ظاهر المشهور حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا. و قد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف و لم يجز بيعها اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور علي النفع المعتد به بحسب حال العين فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صار عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي كجمع الزبائل فيها و نحوه يصدق عليه أنه لا يجدي نفعا و كذا القرية الموقوفة فإن خرابها بغور أنهارها و هلاك أهلها و لا يكون بسلب منافع أراضيها رأسا و يشهد لهذا ما تقدم عن التحرير من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية مع أنها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية فالظاهر دخول الصورة المذكورة في إطلاق كلام من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا و يشمله الإجماع المدعي في الانتصار و الغنية لكن الخروج بذلك عن عموم أدلة وجوب العمل بمقتضي وقف الواقف الذي هو حبس العين و عموم قوله ع لا يجوز شراء الوقف مشكل. و يؤيد المنع حكم أكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة بناء علي جواز الانتفاع بها في وجوه أخر كالتسقيف و جعلها جسرا و نحو ذلك بل ظاهر المختلف حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلي رحمهما الله لفظيا حيث نزل تجويز الشيخ علي صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة أخري الإنفاق علي المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا. نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز لانصراف
المكاسب، ج‌2، ص 170
قوله ع لا يجوز شراء الوقف إلي غير هذه الحالة و كذا حبس العين و تسبيل المنفعة إنما يجب الوفاء به ما دامت المنفعة المعتد بها موجودة و إلا فمجرد حبس العين و إمساكه و لو من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الأولي ثم إن الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر غير الخراب لجريان ما ذكرناه فيه ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنه ذكر بعض أن جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف و عرفت وجه النظر فيه ثم وجه بطلان الوقف في الصورة الأولي بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء و الاستدامة و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها. و فيه ما عرفت سابقا من أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد مع أنه لا دليل عليه مضافا إلي أنه لا دليل علي اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة فإن الشرط في العقود الناقلة يكفي وجوده حين النقل فإنه قد يخرج المبيع عن المالية و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري مع أن جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلي الجواز كما تقدم ثم ذكر أنه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية فخربت حتي خرجت عن قابلية ذلك فإنه و إن لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا لكن ليس من عنوان الوقف و احتمال بقاء العرصة علي الوقف باعتبار أنها جزء من الوقف و هي باقية و خراب غيرها و إن اقتضي بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها يدفعه أن العرصة كانت جزء من الوقف من حيث كونه بستانا لا مطلقا فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي قد فرض خرابه و لو فرض إرادة وقفها ليكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها لعدم ذهاب عنوان الوقف و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية من أنه لو أوصي بدار فانهدمت قبل موت الموصي بطلت الوصية لانتفاء موضوعها. نعم لو لم تكن الدارية و البستانية و نحو ذلك مثلا عنوانا للوقف و إن قارنت وقفه بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت علي حسب ما يقبله لم يبطل الوقف بتغير أحواله ثم ذكر أن في عود الوقف إلي ملك الواقف أو وارثه بعد البطلان أو الموقوف عليه وجهين. أقول يرد علي ذلك ما قد يقال بعد الإجماع علي أن انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف بل و لا جواز البيع و إن اختلفوا فيه عند الخراب أو خوفه لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفي أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان لأنه إن أريد العنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان فلا شك أنه ليس إلا كقوله بعت هذا البستان أو وهبته فإن التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي و إن لم يكن في ضمن عنوان البستان و ليس التمليك من قبيل الأحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات و إن أريد بالعنوان شي‌ء آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف و العلم و لا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة علي عنوانه. و أما تأييد ما ذكر بالوصية فالمناسب أن يقاس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها و خروج البستان عن ملك الموصي بموته و قبول الموصي له فهل يرضي أحد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة. نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات أخر ثم ما ذكره من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد إطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف علي عدم عوده إليه أبدا.

الصورة الثالثة أن يخرب بحيث تقل منفعته لكن لا إلي حد يلحق بالمعدوم

و الأقوي هنا المنع و هو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة حيث جوز الشيخ في محكي الخلاف بيعها محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا علي هذا الوجه لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل و لا يرجي عوده و منعه الحلي قائلا و لا يجوز بيعها بل ينتفع بها بغير البيع مستندا إلي وجوب بقاء الوقف علي حاله مع إمكان الانتفاع و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها لإمكان التسقيف بها و نحوه. و حكي موافقته عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و أكثر المتأخرين. و حكي في الإيضاح عن والده قدس سرهما أن النزاع بين الشيخ و الحلي لفظي و استحسنه لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها و الحلي فرض وجود منفعة لها و منع لذلك بيعها و قيل يمكن بناء نزاعهما علي رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ و لا يخلو عن تأمل. و كيف كان فالأقوي هنا المنع و أولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب فلا يجوز بذلك البيع إلا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان أعود و سيجي‌ء تفصيله.

الصورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف

و الظاهر أن المراد منه أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه و قد نسب جواز البيع هنا إلي المفيد و قد تقدمت عبارته فراجع. و زيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة إلي البطن الموجود و قد تلاحظ بالنسبة إلي جميع البطون إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه و الأقوي المنع مطلقا وفاقا للأكثر بل الكل بناء علي ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد علي ذلك و علي تقديره فقد تقدم عن التحرير أن كلام المفيد متأول و كيف كان فلا إشكال في المنع لوجود مقتضي المنع و هو وجوب العمل علي طبق إنشاء الواقف. و قوله ع: لا يجوز شراء الوقف و غير ذلك و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل وقف غلة له علي قرابته من أبيه و قرابته من أمه و أوصي لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي علي قرابته من أبيه و قرابته من أمه فقال جائز للذي أوصي له بذلك قلت أ رأيت إن لم يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم فقال أ ليس في وصيته أن يعطي الذي أوصي له من تلك الغلة ثلاثمائة درهم و يقسم الباقي علي قرابته من أبيه
المكاسب، ج‌2، ص 171
و أمه قلت نعم قال ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتي يوفوا الموصي له ثلاثمائة درهم ثم لهم ما يبقي بعد ذلك قلت أ رأيت إن مات الذي أوصي له قال إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها بينهم فأما إذا انقطع ورثته فلم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلي ما يخرج من الوقف ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة قلت فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا إليها و لم يكفهم ما يخرج من الغلة قال نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا. و الخبر المروي عن الاحتجاج: إن الحميري كتب إلي صاحب الزمان جعلني الله فداه أنه روي عن الصادق ع خبر مأثور إذا كان الوقف علي قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علي بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم علي البيع أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه فأجاب ع إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه و إذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و مفترقين إن شاء الله دلت علي جواز البيع إما في خصوص ما ذكره الراوي و هو كون البيع أصلح و إما مطلقا بناء علي عموم الجواب لكنه مقيد بالأصلح لمفهوم رواية جعفر كما أنه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر علي صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره بما في بيع كل واحد بقرينة رواية الاحتجاج. و يؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصة ضيعة الإمام ع من الوقف. و الجواب عن رواية جعفر فإنها إنما تدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم لا لمجرد كون البيع أنفع فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدم عن ظاهر النزهة و سيجي‌ء الكلام في هذا القول بل يمكن أن يقال إن المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع الذي يلاحظه الفاعل ليكون منشأ لإرادته فليس مراد الإمام ع بيان اعتبار ذلك تعبدا بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل يعني إذا كان الأمر علي ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز كما يقال إذا أردت البيع و رأيته أصلح من تركه فبع و هذا مما لا يقول به أحد و يحتمل أيضا أن يراد من الخير هو خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل. و عن المختلف و جماعة الجواب عنها بعدم ظهورها في المؤبد لاقتصارها علي ذكر الأعقاب و فيه نظر لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل علي الاختصاص إذ يصح أن يقال في الوقف المؤبد إنه وقف علي الأولاد مثلا و حينئذ فعلي الإمام ع أن يستفصل إذا كان بين المؤبد و غيره فرق في الحكم فافهم و كيف كان ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الإشكال علي جواز البيع بمجرد الأنفعية إشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة. و مما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري ثم لو قلنا في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأول البائع يتصرف فيه علي ما شاء و منه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد فإن مقتضي كون العين مشتركة بين البطون كون بدلها كذلك كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع فيكون تجويز البيع في هذه الصورة و التصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حق اللاحقين آنا ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب لئلا يقع البيع علي المال المشترك فيستحيل كون بدله مختصا.

الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة

و قد تقدم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه و تدل عليه رواية جعفر المتقدمة و يرده أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم كما لا يخفي و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي. و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة و بينها و بين مطلق الفقير عموم من وجه إذ قد يكون فقيرا و لا يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر علي مئونة سنته فالرواية بظاهرها غير معمول بها مع أنه قد يقال إن ظاهر الجواب جواز البيع بمجرد رضا الكل و كون البيع أنفع و لو لم يكن حاجة و كيف كان فلا يبقي للجواز عند الضرورة الشديدة إلا الإجماعان المعتضدان بفتوي جماعة و في الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع و عن قاعدة وجوب كون الثمن علي تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود مع وهنهما بمصير جمهور المتأخرين و جماعة من القدماء إلي الخلاف بل معارضتهما بالإجماع المدعي في السرائر إشكال.

الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة أو إذا كان فيه مصلحة

للبطن الموجود أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة علي حسب ما يشترط فقد اختلفت كلمات العلامة و من تأخر عنه في ذلك فقال في الإرشاد لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم و شراء غيره بثمنه فالوجه الجواز انتهي و في القواعد و لو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج و شبهه و شراء غيره بثمنه أو عند خرابه و عطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه ففي صحة الشرط إشكال و مع البطلان ففي إبطال الوقف نظر انتهي و ذكر في الإيضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولي و في وجه المنع أن الوقف للتأبيد و البيع ينافيه قال و الأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال انتهي قال الشهيد في الدروس و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة بينهم فأولي بالجواز انتهي و يظهر منه أن للشرط تأثيرا و أنه يحتمل المنع من دون الشرط و التجويز معه. و عن المحقق الكركي أنه قال التحقيق أن كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة لأنه شرط مؤكد و ليس بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف لأنه مقيد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع و إلا فلا للمنافاة فلا يصح حينئذ حبسها لأن اشتراط شراء شي‌ء
المكاسب، ج‌2، ص 172
بثمنه يكون وقفا مناف لذلك لاقتضائه الخروج عن الملك فلا يكون وقفا و لا حبسا انتهي. أقول و يمكن أن يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها و المؤمنون عند شروطهم بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف فلعله مناف لإطلاقه و لذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته فإن التحقيق كما عرفت سابقا أن جواز البيع لا يبطل الوقف بل هو وقف يجوز بيعه فإذا بيع خرج عن كونه وقفا ثم إنه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه و أما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف فمعني كونه حبسا كونه محبوسا من أن يتصرف فيه بعض طبقات الملاك علي نحو الملك المطلق و أما حبس شخص الوقف فهو لازم لإطلاقه و تجرده عن مسوغات الإبدال شرعية كانت كخوف الخراب أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد فتأمل. ثم إنه روي صحيحا في الكافي: ما ذكره أمير المؤمنين ع في كيفية وقف ماله في عين ينبع و فيه فإن أراد الحسن أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه و إن شاء جعله شروي الملك و إن ولد علي و أموالهم إلي الحسن بن علي و إن كان دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء و لا حرج عليه فيه فإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب و يجعل ثلثا في آل أبي طالب و أنه يضعه فيهم حيث يراه الله ثم قال و إن حدث بحسن بن علي حدث و حسين حي فإن الآخر منهما ينظر في بني علي إلي أن قال فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم و إنه يشترط علي الذي يجعله إليه أن يترك المال علي أصوله و ينفق الثمرة حيث أمره به من سبيل الله و وجوهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني عبد المطلب و القريب و البعيد لا يباع شي‌ء منه و لا يوهب و لا يورث الرواية و ظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون و صرف ثمنه فيما ينتفعون به و السند صحيح و التأويل مشكل و العمل أشكل.

الصورة السابعة أن يؤدي بقاؤه إلي خرابه علما أو ظنا

و هو المعبر عنه بخوف الخراب في كثير من العبائر المتقدمة و الأداء إلي الخراب قد يكون للخلف بين أربابه و قد يكون لا له و الخراب المعلوم أو المخوف قد يكون علي حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدا به و قد يكون علي وجه نقص المنفعة و أما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر كانتفاعه السابق أو أزيد فلا يجوز بيعه إلا علي ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من أن تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه و قد عرفت ضعفه. و قد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلي الخراب و لو لغير الاختلاف و من أخري تقييدهم به.

الصورة الثامنة أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس

و إن لم يعلم أو يظن بذلك فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

الصورة التاسعة أن يؤدي الاختلاف بينهم إلي ضرر عظيم

من غير تقييد بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة

أن يلزم فساد تستباح منه الأنفس

و الأقوي الجواز مع تأدية البقاء إلي الخراب- علي وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا

سواء كان لأجل الاختلاف أم غيره و المنع في غيره من جميع الصور أما الجواز في الأول فلما مر من الدليل علي جواز بيع ما سقط عن الانتفاع فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه فدار الأمر بين انقطاع شخصه و نوعه و بين انقطاع شخصه لا نوعه كان الثاني أولي فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلا. و أما الأدلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الإجماع و انصراف النصوص إلي غير هذه الصورة. و أما الموقوف عليهم فالمفروض إذن الموجود منهم و قيام الناظر العام أو الخاص مقام غير الموجود. نعم قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع إلي زمان وجدان البدل أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلي الباقي. و مما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلي آخر أزمنة إمكان البقاء مع عدم فوات الاستبدال فيه- و مع فوته ففي تقديم البيع إشكال و لو دار الأمر بين بيعه و الإبدال به و بين صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره ففي ترجيح حق البطن الذي تفوته المنفعة أو حق الواقف و سائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الوقف وجهان لا يخلو أولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعة مقدما علي الموقوف عليه. و قد يستدل علي الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح من أن بقاء الوقف علي حاله و الحال هذه إضاعة و إتلاف للمال و هو منهي عنه شرعا فيكون البيع جائزا و لعله أراد الجواز بالمعني الأعم فلا يرد عليه أنه يدل علي وجوب البيع. و فيه أن المحرم هو إضاعة المال المسلط عليه لا ترك المال الذي لا سلطان عليه إلي أن يخرب بنفسه و إلا لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة علي الخراب بغير البيع مهما أمكن مقدما علي البيع أو إذا لم يمكن البيع. و الحاصل أن ضعف هذا الدليل بظاهره واضح و يتضح فساده علي القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير و يتلوه في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذب و غاية المرام من أن الغرض من الوقف استيفاء منافعه و قد تعذرت فيجوز إخراجه عن حده تحصيلا للغرض منه و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض كما أنه لو تعطل الهدي ذبح في الحال و إن اختص بموضع فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المعتذر. و فيه أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف لأنه الذي دلت عليه صيغة الوقف و المفروض تعذره فيسقط و قيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص لكونه أقرب إلي مقصود الواقف فرع الدليل علي وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلي غرض الواقف بعد تعذر أصل الغرض فالأولي منع جريان أدلة المنع مع خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا و جعل ذلك مؤيدا.

[الدليل علي المنع في غير ما ذكرنا]

اشارة

و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها فلعموم قوله ع لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك فإن ترك الاستفصال فيه بين علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف علي
المكاسب، ج‌2، ص 173
بعض الوجوه المجوزة و بين عدمه الموجب لحمل فعل البائع علي الصحة يدل علي أن الوقف ما دامت له غلة لا يجوز بيعه و كذا قوله ع: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله. و ما دل علي أنه يترك حتي يرثها وارث السماوات و الأرض

[التمسك بالاستصحاب علي المنع

هذا كله مضافا إلي الاستصحاب في جميع هذه الصور و عدم الدليل الوارد عليه

[الاستدلال بمكاتبة ابن مهزيار علي الجواز في غير ما ذكرنا]

عدا المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصور فيها و هي مكاتبة ابن مهزيار قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني ع أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس و يسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو تقويمها علي نفسه بما اشتراها به أو يدعها موقوفة. فكتب إلي أعلم فلانا أني آمره أن يبيع حصتي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إلي و أن ذلك رأيي إن شاء الله تعالي أو يقومها علي نفسه إن كان ذلك أوفق له قال و كتبت إليه أن الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و أنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلي كل إنسان منهم ما [كان وقف له من ذلك أمرته. فكتب بخطه إلي أعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل فليبع فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس

[الاستدلال بالمكاتبة علي الجواز فيما لو كان الخراب علي وجه نقص المنفعة]

حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة بناء علي أن قوله فإنه إلي آخره تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف و أن المراد بالمال هو الوقف فإن ضم النفوس إنما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف لا أن المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفي فيكون حاصل التعليل أنه كلما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه و فيه أن المقصود جواز بيعه إذا أدي بقاؤه إلي الخراب علما أو ظنا لا مجرد كونه ربما يؤدي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح علي ما هو الظاهر من لفظه ربما كما لا يخفي علي المتتبع لموارد استعمالاتها و لا أظن أن أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال أداء بقائه إلي الخراب لأن كلمات من عبر بهذا العنوان كما عرفت بين قولهم أدي بقاؤه إلي خرابه و بين قولهم يخشي أو يخاف خرابه.
و الخوف عند المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم مثل قولهم يجب الإفطار و التيمم مع خوف الضرر و يحرم السفر مع خوف الهلاك و لا يتحقق إلا بعد قيام أمارة الخوف هذا مع أن مناط الجواز علي ذكر تلف الوقف رأسا و هو القسم الأول من الصورة السابعة التي جوزنا فيها البيع فلا يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف مع أنه لا وجه بناء علي عموم التعليل للاقتصار علي خوف خراب خصوص الوقف بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف.

و أما تقريب الاستدلال بالمكاتبة علي جواز البيع في الصورة الثامنة

و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال و النفوس فهو أن الحكم بالجواز معلق علي الاختلاف إلا أن قوله ع فإنه ربما إلي آخره مقيد بالاختلاف الخاص و هو الذي لا يؤمن معه من التلف لأن العلة تقيد المعلول كما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض. و فيه أن اللازم علي هذا تعميم الجواز في كل مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس و إن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم فيجوز بيع الوقف لإصلاح كل فتنة و إن لم يكن لها دخل في الوقف اللهم إلا أن يدعي سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقي حتي يتعدي إلي جميع موارده لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع و هو الذي فهمه الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة كما تقدم كلامه لكن الحكم علي هذا الوجه مخالف للمشهور فلا يبقي حينئذ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات و القواعد مع ما فيها من ضعف الدلالة كما سيجي‌ء إليه الإشارة.

[الاستدلال بالمكاتبة علي الصورة التاسعة و رده.]

و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال علي الصورة التاسعة و رده.

و أما تقريب الاستدلال علي الصورة العاشرة

فهو أن ضم تلف النفس إلي تلف الأموال مع أن خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا يدل علي اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلي حيث يخاف منه تلف النفس و لا يكفي بلوغه إلي ما دون ذلك بحيث يخاف منه تلف المال فقط. و فيه أن اللازم علي هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة مع أن ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس و المقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة هو اعتبار الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

[استناد الفتاوي بجواز بيع الوقف إلي ما فهم من المكاتبة المذكورة]

و الحاصل أن جميع الفتاوي المتقدمة في جواز بيع الوقف الراجعة إلي اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنا أو احتمالا إلي مطلق الفساد أو فساد خاص أو اعتبار الاختلاف مطلقا أو اختلاف خاص مستندة إلي ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة

و الأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز

بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس لا مطلق الاختلاف لأن الذيل مقيد و لا خصوص المؤدي علما أو ظنا لأن موارد استعمال لفظة ربما أعم من ذلك و لا مطلق ما يؤدي إلي المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدي عن مورد النص و إن كان فيه إشارة إلي التعليل.

[الإيراد علي المكاتبة بإعراض المشهور عنها]

و علي ما ذكرنا فالمكاتبة غير معني بها عند المشهور لأن الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه إلي الخراب الغير اللازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس فتكون النسبة بين فتوي المشهور و مضمون الرواية عموما من وجه لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية و قصور مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة لأن اختلاف فتاوي المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز من قوله ع إن كان قد علم الاختلاف المنضم إلي قوله فإنه ربما جاء في الاختلاف.

[الإيراد علي المكاتبة بعدم ظهورها في الوقف المؤبد أو ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم

و أما دلالة المكاتبة علي كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام فهي علي تقدير قصورها منجبرة بالشهرة فيندفع بها ما يدعي من قصور دلالتها من جهات مثل عدم ظهورها في المؤبد لعدم ذكر البطن اللاحق و ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم و عدم تمام الوقف كما عن الإيضاح و أوضحه الفاضل المحدث المجلسي و جزم به المحدث البحراني و مال إليه في الرياض. قال الأول في بعض حواشيه علي بعض كتب الأخبار إنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر علي ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوف
المكاسب، ج‌2، ص 174
عليهم و لم يدفعها إليهم و حاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف و يشتد لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد و يدفع إليهم ثمنها أيهما أفضل انتهي موضع الحاجة.
و الإنصاف أنه توجيه حسن لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك فلا يجوز رفع اليد عن مقتضي ترك الاستفصال في الجواب كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد علي ذكر بعض البطون فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبد. و الحاصل أن المحتاج إلي الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبد لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه أو غير ذلك مما تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين. نعم يحتاج إلي الاعتضاد بالشهرة من جهة أخري و هي أن مقتضي القاعدة كما عرفت لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون و ظاهر الرواية تقريره للسائل في تقسيم ثمن الوقف علي الموجودين فلا بد إما من رفع اليد عن مقتضي المعاوضة إلا بتكلف سقوط حتي سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع لتقع المعاوضة في مالهم و إما من حمل السؤال علي الوقف المنقطع أعني الحبس الذي لا إشكال في بقائه علي ملك الواقف أو علي الوقف غير التام لعدم القبض أو لعدم تحقق صيغة الوقف و إن تحقق التوطين عليه و تسميته وقفا بهذا الاعتبار. و يؤيده تصدي الواقف بنفسه للبيع إلا أن يحمل علي كونه ناظرا أو يقال إنه أجنبي استأذن الإمام ع في بيعه عليهم حسبة بل يمكن أن يكون قد فهم الإمام ع من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها مع أن المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله أن مورد السؤال هو الوقف الباقي علي ملك الواقف لانقطاعه أو لعدم تمامه. و يؤيده أن ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف للإمام هو هذا النحو أيضا إلا أن يصلح هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبد التام و يقال إنه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف و موجبا لتكلف الالتزام بسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع أو بمنع تقرير الإمام ع للسائل في قسمة الثمن إلي الموجودين.

[القدر المتيقن من المكاتبة]

و يبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع و قد عرفت الأظهر منها لكن في النفس شي‌ء من الجزم بظهوره فلو اقتصر علي المتيقن من المحتملات و هو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا إلي تلف خصوص مال الوقف و نفوس الموقوف عليهم كان أولي و الفرق بين هذا و القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع أن المناط في ذلك القسم العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا. و المناط هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و إن لم يتلف الوقف فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف

[المراد من التلف في المكاتبة]

و ليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتي يتحد مع ذلك القسم المتقدم إذ لا يتناسب هذا ما هو الغالب في تلف الضيعة التي هي مورد الرواية فإن تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها

[هل الثمن للبطن الموجود أو يشتري به ما يكون وقفا]

ثم إن الظاهر من بعض العبائر المتقدمة بل المحكي عن الأكثر أن الثمن في هذا البيع للبطن الموجود إلا أن ظاهر كلام جماعة بل صريح بعضهم كجامع المقاصد هو أنه يشتري بثمنه ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان و هذا منه قدس سره مبني علي منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن علي الموجودين أو علي منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضي قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل لكن الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر فتعين الأول و هو منع التقرير لكنه خلاف مقتضي التأمل في الرواية.

و أما الوقف المنقطع

اشارة

و هو ما إذا وقف علي من ينقرض- بناء علي صحته كما هو المعروف- فإما أن نقول ببقائه علي ملك الواقف و إما أن نقول بانتقاله إلي الموقوف عليهم و علي الثاني فإما أن يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم إلي ورثتهم عند انقراضهم و إما أن يقال بعوده إلي ملك الواقف و إما أن يقال بصيرورته في سبيل الله

[هل يجوز بيع الوقف المنقطع أم لا]

فعلي الأول لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك و في جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم إشكال- من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به و لذا منع الأصحاب كما في الإيضاح علي ما حكي عنهم بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة مدة العدة مع عدم كثرة التفاوت. نعم المحكي عن جماعة كالمحقق و الشهيدين في المسالك و الدروس و غيرهم صحة البيع في السكني الموقتة بعمر أحدهما بل ربما يظهر من محكي التنقيح الإجماع عليه و لعله إما لمنع الغرر و إما للنص و هو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن نعيم قال: سألت أبا الحسن ع عن رجل جعل داره سكني لرجل زمان حياته أو جعلها له و لعقبه من بعده قال هي له و لعقبه من بعده كما شرط قلت فإن احتاج إلي بيعها أ يبيعها قال نعم قلت فينقض بيعه الدار السكني قال لا ينقض البيع السكني كذلك سمعت أبي يقول قال أبو جعفر لا ينقض البيع الإجارة و لا السكني و لكن يبيعه علي أن الذي يشتريه لا يملك ما اشتري حتي ينقضي السكني علي ما شرط إلي آخر الخبر. و مع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة و ولده و المحقق الثاني و لو باعه من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف فالظاهر جوازه لعدم الغرر و يحتمل العدم لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشتري لا توجب معرفة البيع و كذا لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه. نعم لو انتقل إلي الواقف ثم باع صح جزما و أما مجرد رضا الموقوف عليهم فلا يجوز البيع من الأجنبي لأن المنفعة مال لهم فلا تنتقل إلي المشتري بلا عوض اللهم إلا أن يكون علي وجه الإسقاط لو صححناه منهم أو تكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم فيكون العوض موزعا عليهما و لا بد أن يكون
المكاسب، ج‌2، ص 175
ذلك علي وجه الصلح لأن غيره لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما خصوصا مع جهالة المنفعة و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح من أنه لو اتفق الواقف و الموقوف عليه علي البيع في المنقطع جاز سواء أراد بيع الواقف أم بيع الموقوف عليه كما يدل كلامه عليه المحكي عنه في مسألة السكني- حيث أجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة كما في السكني علي قول صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال فتأمل. و تمام الكلام في هذه المسائل في باب السكني و الحبس إن شاء الله.

[حكم البيع بناء علي صيرورته ملكا مستقرا للموقوف عليهم

و علي الثاني فلا يجوز البيع للواقف لعدم الملك و لا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاؤه في يدهم إلي انقراضهم.

[حكم البيع بناء علي عوده إلي ملك الواقف

و علي الثالث فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين كما لا يجوز أيضا للواقف لغير المالك فعلا و إن أجاز الموقوف عليه إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال علي أن الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة لعدم تسلطه علي النقل فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع ثم إنه قد أورد علي القاضي قدس سره حيث جوز الموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع علي ملك الواقف و يمكن رفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة و هو ملك الموقوف عليهم ثم عوده إلي الواقف إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع و يتضح ذلك بمراجعة المسألة في كتاب الوقف.

[حكم البيع بناء علي صيرورته في سبيل الله

و علي الرابع فالظاهر أن حكمه حكم الوقف المؤبد كما صرح به المحقق الثاني علي ما حكي عنه لأنه حقيقة وقف مؤبد كما لو صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص ثم إن ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع فإنما هو بالنسبة إلي البطن الذي لا بطن بعده يتلقي الملك من الواقف و أما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم و أما علي تقدير القول بملكهم فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا و في الجواز في الصورة التي جوزنا لاشتراك دليل المنع و يتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد المبيع.

و أما الوقف المنقطع

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أم ولد لسيدها

اشارة

فإن ذلك يوجب منع المالك عن بيعها بلا خلاف بين المسلمين علي الظاهر المحكي عن مجمع الفائدة. و في بعض الأخبار دلالة علي كونه من المنكرات في صدر الإسلام مثل ما: روي عن قول أمير المؤمنين لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده قال له خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي.

و في حكم البيع كل تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق أو مستلزم للنقل كالرهن

كما يظهر من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد منها جعل أم ولد ملكا غير طلق كالوقف و الرهن و قد عرفت أن المراد من الطلق تمامية الملك و الاستقلال في التصرف فلو جاز الصلح عنها و هبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها كما أن المجهول الذي يصح الصلح عنه و هبته و الإبراء عنه و لا يجوز بيعه لا يخرج عن كونه طلقا. و منها كلماتهم في رهن أم الولد فلاحظها. و منها كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع فإن المصرح به في كلام الشهيدين في خيار الغبن أن البائع لو فسخ يرجع إلي القيمة لامتناع انتقال أم الولد و كذا في كلام العلامة و ولده و جامع المقاصد ذلك أيضا في زمان مطلق الخيار. و منها كلماتهم في مستثنيات بيع أم الولد ردا و قبولا فإنها كالصريحة في أن الممنوع مطلق نقلها لا خصوص البيع. و بالجملة فلا يبقي للمتأمل شك في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل و مع ذلك كله فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من النواقل للأصول و خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع و قد عرفت ظهوره من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة و مع ذلك فهو الظاهر من المبسوط و السرائر حيث قالا إذا مات ولدها جاز بيعها و هبتها و التصرف فيها بسائر أنواع التصرف. و قد ادعي في الإيضاح الإجماع صريحا علي المنع عن كل ناقل و أرسله بعضهم كصاحب الرياض و جماعة إرسال المسلمات بل عبارة بعضهم ظاهرة في دعوي الاتفاق حيث قال إن الاستيلاد مانع من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولي إلي ملك غيره أو المعرضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن علي خلاف في ذلك ثم إن عموم المنع لكل ناقل و عدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين و الوجه فيه ظهور أدلة المنع المعنونة بالبيع في إرادة مطلق النقل فإن مثل قول أمير المؤمنين ع في الرواية السابقة: خذ بيدها و قل من يشتري أم ولدي يدل علي كون مطلق نقل أم الولد إلي الغير كان من المنكرات و هو مقتضي التأمل فيما سيجي‌ء من أخبار بيع أم الولد في ثمن رقبتها و عدم جوازه فيما سوي ذلك هذا مضافا إلي ما اشتهر و إن لم نجد نصا عليه من أن الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيدها. و الحاصل أنه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل ثم إن المنع مختص بعدم هلاك الولد فلو هلك جاز اتفاقا فتوي و نصا و لو مات الولد و خلف ولدا ففي إجراء حكم الولد عليه لأصالة بقاء المنع و لصدق الاسم فيندرج في إطلاق الأدلة و تغليبا للحرية أو العدم لكونه حقيقة في ولد الصلب و ظهور إرادته من جملة الأخبار و إطلاق ما دل من النصوص و الإجماع علي الجواز بعد موت ولدها أو التفصيل بين كونه وارثا لعدم ولد الصلب للمولي و عدمه لمساواة الأول مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع وجوه حكي أولها عن الإيضاح و ثالثها عن المهذب البارع و نهاية المرام و عن القواعد و الدروس و غيرهما التردد.

بقي الكلام في معني أم الولد

فإن ظاهر اللفظ اعتبار انفصال الحمل إذ لا يصدق الولد إلا بالولادة لكن المراد هنا مجازا ولدها و لو حملا للمشارفة و يحتمل أن يراد الولادة من الوالد دون الوالدة و كيف كان فلا إشكال بل لا خلاف في تحقق الموضوع بمجرد الحمل. و يدل عليه الصحيح عن محمد بن مارد: عن أبي عبد الله ع
المكاسب، ج‌2، ص 176
في رجل يتزوج الجارية فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها قال هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك و إن شاء أعتق و في رواية السكوني عن جعفر بن محمد قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل فقال يرد عليها مهر مثلها و تسعي في قيمتها فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد لكن في دلالتها علي ثبوت الحكم بمجرد الحمل نظر لأن زمان الحكم بعد تحقق السعي و العجز عقيب الحمل و الغالب ولوج الروح حينئذ ثم الحمل يصدق بالمضغة اتفاقا علي ما صرح في الرياض و استظهره بعض آخر و حكاه عن جماعة هنا و في باب انقضاء عدة الحامل و في صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن ع عن الحبلي يطلقها زوجها ثم تضع سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة أ تنقضي بذلك عدتها فقال ع كل شي‌ء وضعته يستبين أنه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت به عدتها و إن كانت مضغة ثم الظاهر صدق الحمل علي العلقة و قوله ع و إن كانت مضغة تقرير لكلام السائل لا بيان لأقل مراتب الحمل كما عن الإسكافي و حينئذ يتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن بعض بل عن الإيضاح و المهذب البارع الإجماع عليه. و في المبسوط فيما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر و لا خفي لكن قالت القوابل إنه مبدأ خلق آدمي و إنه لو بقي لخلق و تصور قال قوم إنها لا تصير أم ولد بذلك و قال بعضهم تصير أم ولد و هو مذهبنا انتهي و لا يخلو عن قوة لصدق الحمل. و أما النطفة فهي بمجردها لا عبرة بها ما لم تستقر في الرحم لعدم صدق كونها حاملا و علي هذا الفرد ينزل إجماع الفاضل المقداد- علي عدم العبرة بها في العدة و أما مع استقرارها في الرحم فالمحكي عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد بها و هو الذي قواه في المبسوط في باب العدة بعد أن نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدة به مستدلا بعموم الآية و الأخبار و مرجعه إلي صدق الحمل. و دعوي أن إطلاق الحامل حينئذ مجاز بالمشارفة يكذبها التأمل في الاستعمالات و ربما يحكي عن التحرير موافقة الشيخ مع أنه لم يزد فيه علي حكاية الحكم عن الشيخ. نعم في بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك نعم قوي في السرائر موافقته فيما تقدم عن الشيخ في مسألة الجسد الذي ليس فيه التخطيط و نسب القول المذكور إلي الجامع أيضا. و اعلم أن ثمرة تحقق الموضوع فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها إنما تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء فيحكم ببطلانه إذا كان الملقي حملا و أما بيعها بعد الإلقاء فيصح بلا إشكال و حينئذ فلو وطئها المولي ثم جاءت بولد تام أو غير تام فيحكم ببطلان البيع الواقع بين أول زمان العلوق و زمان الإلقاء. و عن المسالك الإجماع علي ذلك فذكر صور الإلقاء المضغة و العلقة و النطفة في باب العدة إنما هو لبيان انقضاء العدة بالإلقاء. و في باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أن المملوكة بعد الوطء صارت أم ولد لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلي أن تصير النطفة علقة و لذا عبر الأصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق الذي هو اللقاح. نعم لو فرض عدم علوقها بعد الوطء إلي زمان صح البيع قبل العلوق ثم إن المصرح به في كلام بعض حاكيا له عن غيره أنه لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء فيتحقق بالمساحقة لأن المناط هو الحمل و كون ما يولد منها ولدا للمولي شرعا فلا عبرة بعد ذلك بانصراف الإطلاقات إلي الغالب من كون الحمل بالوطء. نعم يشترط في العلوق بالوطء أن يكون الوطء علي وجه يلحق الولد بالواطي و إن كان محرما كما إذا كانت في حيض أو ممنوعة الوطء شرعا لعارض آخر أما الأمة المزوجة فوطؤها زناء لا يوجب لحوق الولد ثم إن المشهور اعتبار الحمل في زمان الملك فلو ملكها بعد الحمل لم تصر أم ولد خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن حمزة فاكتفيا بكونها أم ولد قبل الملك و لعله لإطلاق العنوان و وجود العلة و هي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها و يرد الأول منع إطلاق يقتضي ذلك فإن المتبادر من أم الولد صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية كالمدبر و المكاتب. و العلة المذكورة غير مطردة و لا منعكسة كما لا يخفي مضافا
إلي صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية مستفادة من الأخبار كروايتي السكوني و محمد بن مارد المتقدمتين و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها. و من الإجماع علي أنها لا تباع إلا لأمر يغلب ملاحظته علي ملاحظة الحق الحاصل منها باستيلاد أعني تشبثها بالحرية و لذا كل من جوز البيع في مقام لم يجوز إلا بعد إقامة الدليل الخاص فلا بد من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتي يثبت بالدليل ثبوت ما هو أولي بالملاحظة في نظر الشارع من الحق المذكور فلا يصغي إذا إلي منع الدليل علي المنع كلية و التمسك بأصالة صحة البيع من حيث قاعدة تسلط الناس علي أموالهم حتي يثبت المخرج ثم إن المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلية المذكورة في الجملة لكن المحكي في السرائر عن السيد قدس سره عموم المنع و عدم الاستثناء و هو غير ثابت. و علي تقدير الثبوت فهو ضعيف يرده مضافا إلي ما ستعرف من الأخبار قوله ع في صحيحة زرارة: و قد سأله عن أم ولد تباع و تورث وحدها حد الأمة بناء علي حملها علي أنها قد تعرض لها ما يجوز ذلك.

و أما المواضع القابلة للاستثناء

اشارة

و إن وقع التكلم في استثنائها لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولي بالملاحظة من الحق و هي صور يجمعها تعلق حق للغير بها أو تعلق حقها بتعجيل العتق أو تعلق حق سابق علي الاستيلاد أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

[موارد القسم الأول

فمن موارد القسم الأول ما إذا كان علي مولاها دين و لم يكن له ما يؤدي هذا الدين

و الكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدين ثمن رقبتها و يقع فيما إذا كان غير ثمنها و علي الأول يقع الكلام تارة بعد موت المولي و أخري في حال حياته أما بعد الموت فالمشهور الجواز بل عن الروضة أنه موضع وفاق و عن جماعة أنه لا خلاف فيه و لا ينافي ذلك مخالفة السيد في أصل المسألة لأنهم يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أم الولد أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها في مقابل صورة حياة
المكاسب، ج‌2، ص 177
المولي المختلف فيها. و كيف كان فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة- لا لما قيل من قاعدة تسلط الناس علي أموالهم لما عرفت من انقلاب القاعدة إلي المنع في خصوص هذا المال بل لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي إبراهيم ع أسألك عن مسألة فقال سل قلت لم باع أمير المؤمنين ص أمهات الأولاد قال في فكاك رقابهن قلت فكيف ذلك قال أيما رجل اشتري جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها و بيعت و أدي ثمنها قلت فتباع فيما سوي ذلك عن دين قال لا و في رواية أخري لعمر بن يزيد عن أبي الحسن ع قال: سألته عن بيع أم الولد تباع في الدين قال نعم في ثمن رقبتها. و مقتضي إطلاقها بل إطلاق الصحيحة كما قيل ثبوت الجواز مع حياة المولي كما هو مذهب الأكثر بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا نعم تردد فيه الفاضلان. و عن نهاية المرام و الكفاية أن المنع نادر لكنه لا يخلو عن قوة و ربما يتوهم القوة من حيث توهم تقييدها بالصحيحة السابقة بناء علي اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولي كما يشهد به قوله فيها و لم يدع من المال إلي آخر الرواية فيدل علي نفي الجواز عما سوي هذا الفرد إما لورودها في جواب السؤال عن موارد بيع أمهات الأولاد فيدل علي الحصر و إما لأن نفي الجواز في ذيلها فيما سوي هذه الصورة يشمل بيعها في الدين مع حياة المولي. و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح. نعم يمكن أن يقال في وجه القوة بعد الغض عن دعوي ظهور قوله تباع الظاهر في الدين في كون البائع غير المولي فيما بعد الموت أن النسبة بينها و بين رواية ابن مارد المتقدمة عموم من وجه فيرجع إلي أصالة المنع الثابتة بما تقدم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها. نعم ربما يمنع عموم القاعدة علي هذا الوجه بحيث يحتاج إلي المخصص فيقال يمنع الإجماع في محل الخلاف و لا سيما مع كون المخالف جل المجمعين بل كلهم إلا نادرا و حينئذ فالمرجع إلي قاعدة سلطنة الناس علي أموالهم لكن التحقيق خلافه و إن صدر هو عن بعض المحققين لأن المستفاد من النصوص و الفتاوي أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها إلا إذا كان هناك حق أولي منه بالمراعاة و ربما توهم معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين فتبقي قاعدة السلطنة و أصالة بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد و لا يعارضها أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها لأن بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدين كما لا يخفي. و يندفع أصل المعارضة بأن أدلة وجوب أداء الدين مقيدة بالقدرة العقلية و الشرعية و قاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية كما في المرهون و الموقوف فالأولي في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد علي إطلاق رواية ابن مارد الظاهر في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها كما يشهد به قوله فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له في بيعها مع أن ظاهر البدء في البيع ينافي الاضطرار إليه لأجل ثمنها. و بالجملة فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت لا إشكال في رجحان دلالتها- علي دلالة رواية ابن مارد علي المنع كما يظهر بالتأمل مضافا إلي اعتضادها بالشهرة المحققة و المسألة محل إشكال ثم علي المشهور من الجواز- فهل يعتبر فيه عدم ما يفي به الدين و لو من المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير أو مما عداها كما عن جماعة الأقوي هو الثاني بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق لأن الحكم بالجواز في هذه الصورة في النص و الفتوي مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد فتكون ملكا طلقا كسائر الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات. فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد أنه هل تباع أم الولد في الدين علي حد سائر الأموال التي تباع فيه. و حاصل الجواب تقرير ذلك في خصوص ثمن الرقبة فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلي أم الولد كسائر الديون بالنسبة إلي سائر الأموال.
و مما ذكرنا يظهر أنه لو كان نفس أم الولد مما يحتاج إليها المولي للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها لأن غاية الأمر كونها بالنسبة إلي الثمن كجارية أخري يحتاج إليها. و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز فإذا كان للميت كفن و أم ولد بيعت أم الولد في الدين دون الكفن إذ يصدق أن الميت لم يدع ما يؤدي عنه الدين عداها لأن الكفن لا يؤدي عن الدين ثم إنه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع- أو استدان الثمن و اشتري به أما لو اشتري في الذمة ثم استدان ما أوفي به البائع فليس بيعها في ثمن رقبتها بل ربما تأمل فيما قبله فتأمل. و لا فرق بين بقاء جميع الثمن في الذمة أو بعضها و لا بين نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها عليها. نعم لو أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه كما عن غاية المراد التصريح به و لو كان الثمن مؤجلا لم يجز للمولي بيعها قبل حلول الأجل و إن كان مأيوسا عن الأداء عند الأجل. و في اشتراط مطالبة البائع أو الاكتفاء باستحقاقه و لو امتنع عن التسلم أو الفرق بين رضاه بالتأخير و إسقاطه لحق الحلول و إن لم يسقط بذلك و بين عدم المطالبة فيجوز في الأول دون الثاني وجوه أحوطها الأول و مقتضي الإطلاق الثاني و لو تبرع متبرع بالأداء فإن سلم إلي البائع برئت ذمة المشتري و لا يجوز بيعها و إن سلم إلي المولي أو الورثة ففي وجوب القبول نظر و كذا لو رضي البائع باستسعائها في الأداء و لو دار الأمر بين بيعها ممن تنعتق عليه أو بشرط العتق و بيعها من غيره ففي وجوب تقديم الأول وجهان و لو أدي الولد ثمن نصيبه انعتقت عليه و حكم الباقي يعلم من مسائل السراية و لو أدي ثمن جميعها فإن أقبضه البائع فكالمتبرع و إن كان بطريق الشراء ففي وجوب قبول ذلك علي الورثة نظر من الإطلاق و من الجمع بين حقي الاستيلاد و الدين و لو امتنع المولي من أداء الثمن من غير عذر فلجواز بيع البائع لها مقاصة مطلقا أو مع إذن الحاكم وجه و ربما يستوجه خلافه لأن المنع لحق أم الولد فلا يسقط بامتناع المولي و لظاهر الفتاوي و تغليب جانب الحرية و في الجميع نظر. و المراد بثمنها ما جعل عوضا لها في عقد مساومتها و إن كان صلحا و في إلحاق الشرط المذكور في متن العقد بالثمن- كما إذا اشترط الإنفاق علي البائع مدة معينة إشكال و علي العدم لو فسخ البائع فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ استردت و إن قلنا
المكاسب، ج‌2، ص 178
بمنعه عنه فتنتقل إلي القيمة و لو قلنا بجواز بيعها حينئذ في أداء القيمة أمكن القول بجواز استردادها لأن المانع عنه هو عدم انتقالها فإذا لم يكن بد من نقلها لأجل القيمة لم يمنع عن ردها إلي البائع كما لو بيعت علي البائع في ثمن رقبتها هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها. و أما بيعها في دين آخر- فإن كان مولاها حيا لم يجز إجماعا علي الظاهر المصرح به في كلام بعض و إن كان بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع أيضا لأصالة بقاء المنع في حال الحياة و لإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمين منطوقا و مفهوما و بهما يخصص ما دل بعمومه علي الجواز مما يتخيل صلاحيته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أم الولد كمفهوم مقطوعة يونس: في أم ولد ليس لها ولد مات ولدها و مات عنها صاحبها و لم يعتقها هل يجوز لأحد تزويجها قال لا هي أمة لا يحل لأحد تزويجها إلا بعتق من الورثة و إن كان لها ولد و ليس علي الميت دين فهي للولد و إذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه و تستسعي في بقية ثمنها خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز البيع حينئذ مع استغراق الدين. و الجواز ظاهر اللمعتين و كنز العرفان و الصيمري و لعل وجه تفصيل الشيخ أن الورثة لا يرثون مع الاستغراق فلا سبيل إلي انعتاق أم الولد الذي هو الغرض من المنع عن بيعها و عن نكاح المسالك- أن الأقوي انتقال التركة إلي الوارث مطلقا و إن منع من التصرف بها علي تقدير استغراق الدين فينعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين و لزمه أداء قيمة النصيب من ماله و ربما ينتصر للمبسوط علي المسالك أولا بأن المستفاد مما دل علي أنها تعتق من نصيب ولدها أن ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن يقوم عليه أصلا و إنما الكلام في باقي الحصص إذا لم يف نصيبه من جميع التركة لقيمة أمة هل تقوم عليه أو تسعي هي في أداء قيمتها. و ثانيا بأن النصيب إذا نسب إلي الوارث- فلا يراد منه إلا ما يفضل من التركة بعد أداء الدين و سائر ما يخرج من الأصل المقصود منه النصيب المستقر الثابت لا النصيب الذي يحكم بتملك الوارث له تفصيا من لزوم بقاء الملك بلا مالك. و ثالثا أن ما ادعاه من الانعتاق علي الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب و لا دل عليه دليل معتبر و ما توهمه الأخبار و كلام الأصحاب من إطلاق الملك فالظاهر أن المراد به غير هذا القسم و لذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف علي من ينعتق عليه بناء علي صحة الوقف و انتقال الموقوف إلي الموقوف عليه. و رابعا أنه يلزم علي كلامه- أنه متي كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها ما يساوي قيمة أمة يقوم عليه سواء كان هناك دين مستغرق أم لا و سواء كان نصيبه الثابت في الباقي بعد الديون و نحوها يساوي قيمتها أم لا و كذلك لو ساوي نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك فإنه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان و يسقط من القيمة نصيبه الباقي الثابت إن كان له نصيب و يطلب بالباقي هذا مما لا يقوله أحد من الأصحاب و ينبغي القطع ببطلانه.
و يمكن دفع الأول بأن المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب ولدها حتي مع الدين المستغرق فالدين غير مانع من انعتاقها علي الولد لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة الولد قهرا بقيمة نصيبه أو وجوب بيعها في القيمة جمعا بين ما دل علي الانعتاق علي الولد الذي يكشف عنه إطلاق النهي عن بيعها و بين ما دل علي أن الوارث لا يستقر له ما قابل نصيبه من الدين علي وجه يسقط حق الديان غاية الأمر سقوط حقهم عن عين هذا المال الخاص و عدم كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها و دفع عينها إلي الديان و يكون لهم أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين. و الحاصل أن مقتضي النهي عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولي عدم تسلط الديان علي أخذها و لو مع امتناع الولد عن فكها بالقيمة و عدم تسلط الولد علي دفعها وفاء عن دين أبيه و لازم ذلك انعتاقها علي الولد فيتردد الأمر حينئذ بين سقوط حق الديان عن ما قابلها من الدين فتكون أم الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حق الديان بها و بين أن يتعلق حق الديان بقيمتها علي من يتلف في ملكه و تنعتق عليه و هو الولد و بين أن يتعلق حق الديان بقيمتها علي رقبتها فتسعي فيها و بين أن يتعلق حق الديان بمنافعها فلهم أن يؤجروها مدة طويلة نفي أجرتها بدينهم كما قيل بتعلق حق الغرماء بمنافع أم ولد المفلس. و لا إشكال في عدم جواز رفع اليد عما دل علي بقاء حق الديان متعلقا بالتركة فيدور الأمر بين الوجهين الأخيرين فتعتق علي كل حال و يبقي الترجيح بين الوجهين محتاجا إلي التأمل. و مما ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثاني- فإن مقتضي المنع عن بيعها مطلقا أو في دين غير ثمنها استقرار ملك الوارث عليها و منه يظهر الجواب عن الوجه الثالث- إذ بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها علي أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء فلا مانع عن انعتاقها و لا جامع بينها و بين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق. و أما ما ذكره رابعا فهو إنما ينافي الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلقا بالولد أما إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي‌ء. فالضابط حينئذ أنها تنعتق علي الولد ما لم يتعقبه ضمان من نصيبه فإن كان مجموع نصيبه أو بعض نصيبه يملكه مع ضمان أداء ما قابله من الدين كان ذلك في رقبتها. و مما ذكرنا يظهر أيضا أنه لو كان غير ولدها أيضا مستحقا لشي‌ء منها بالإرث لم يملك نصيبه مجانا بل إما أن يدفع إلي الديان ما قابل نصيبه فتسعي أم الولد كما لو لم يكن دين فينعتق نصيب غير ولدها عليه مع ضمانها أو ضمان ولدها قيمة حصتها التي فكها من الديان و إما أن يخلي بينها و بين الديان فتنعتق أيضا عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم و أما حرمان الديان عنها عينا و قيمة و إرث الورثة لها و أخذ غير ولدها قيمة حصته منها أو من ولدها و صرفها في غير الدين فهو باطل لمخالفته لأدلة ثبوت حق الديان من غير أن يقتضي النهي عن التصرف في أم الولد لذلك. و مما ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد علي ما في المسالك بما ذكرناه أن الجمع بين فتاوي الأصحاب و أدلتهم مشكل جدا حيث
المكاسب، ج‌2، ص 179
إنهم قيدوا الدين بكونه ثمنا و حكموا بأنها تعتق علي ولدها من نصيبه و أن ما فضل عن نصيبه تنعتق بالسراية و تسعي في أداء قيمتها و لو قصدوا أن أم الولد أو سهم الولد مستثني من الدين كالكفن عملا بالنصوص المزبورة فله وجه إلا أنهم لا يعدون ذلك من المستثنيات و لا ذكر في النصوص صريحا انتهي. و أنت خبير بأن النصوص المزبورة لا تقتضي سقوط حق الديان كما لا يخفي.

و منها تعلق كفن مولاها بها

علي ما حكاه في الروضة بشرط عدم كفاية بعضها له بناء علي ما تقدم نظيره في الدين من أن المنع لغاية الإرث و هو مفقود مع الحاجة إلي الكفن و قد عرفت أن هذه حكمة غير مطردة و لا منعكسة. و أما بناء علي ما تقدم من جواز بيعها في غير ثمنها من الدين مع أن الكفن يتقدم علي الدين فبيعها له أولي بل اللازم ذلك أيضا بناء علي حصر الجواز في بيعها في ثمنها علي ما تقدم من أن وجود مقابل الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع عن بيعها فيعلم من ذلك تقديم الكفن علي حق الاستيلاد و إلا لصرف مقابله في ثمنها و لم تبع و من ذلك يظهر النظر فيما قيل من أن هذا القول مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدين المستوعب و توضيحه أنه إذا كان للميت المديون أم ولد و مقدار ما يجهز به فقد اجتمع هنا حق الميت و حق بائع أم الولد و حق أم الولد فإذا ثبت عدم سقوط حق بائع أم الولد دار الأمر بين إهمال حق الميت بترك الكفن و إهمال حق أم الولد ببيعها فإذا حكم بجواز بيع أم الولد حينئذ بناء علي ما تقدم في المسألة السابقة كان معناه تقديم حق الميت علي حق أم الولد و لازم ذلك تقديمه عليها مع عدم الدين و انحصار الحق في الميت و أم الولد اللهم إلا أن يقال لما ثبت بالدليل السابق تقديم دين ثمن أم الولد علي حقها و ثبت بعموم النص تقديم الكفن علي الدين اقتضي الجمع بينهما تخصيص جواز صرفها في ثمنها- بما إذا لم يحتج الميت إلي الكفن بنفسه أو لبذل باذل أو بما إذا كان للميت مقابل الكفن لأن مقابل الكفن غير قابل للصرف في الدين فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدين علي الكفن أما إذا لم يكن هناك دين و تردد الأمر بين حقها و حق مولاها الميت فلا دليل علي تقديم حق مولاها ليخصص به قاعدة المنع عن بيع أم الولد عدا ما يدعي من قاعدة تعلق حق الكفن بمال الميت لكن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلق به حق سابق مانع من التصرف فيه و الاستيلاد من ذلك الحق و لو فرض تعارض الحقين فالمرجع إلي أصالة فساد بيعها قبل الحاجة إلي الكفن فتأمل. نعم يمكن أن يقال نظير ما قيل في الدين- من أن الولد يرث نصيبه و ينعتق عليه و تتعلق بذمته مئونة التجهيز أو تستسعي أمه و لو بإيجار نفسها في مدة و أخذ الأجرة قبل العمل و صرفها في التجهيز و المسألة محل إشكال.

و منها ما إذا جنت علي غير مولاها في حياته

أما بعد موته فلا إشكال في حكمها لأنها بعد موت المولي تخرج عن التشبث بالحرية إما إلي الحرية الخالصة أو الرقية الخالصة و حكم جنايتها عمدا أنه إن كان في مورد ثبت القصاص فللمجني عليه القصاص نفسا كان أو طرفا و له استرقاقها كلا أو بعضا علي حسب جنايتها فيصير المقدار المسترق منها ملكا طلقا و ربما تخيل بعض أنه يمكن أن يقال إن رقيتها للمجني عليه لا تزيد علي رقيتها للمالك الأول لأنها تنتقل إليه علي حسب ما كانت عند الأول ثم ادعي أنه يمكن أن يدعي ظهور أدلة المنع خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في عدم بيع أم الولد مطلقا. و الظاهر أن مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا و إلا فهو احتمال مخالف للإجماع و النص الدال علي الاسترقاق الظاهر في صيرورة الجاني رقا خالصا و ما وجه به هذا الاحتمال من أنها تنتقل إلي المجني عليه علي حسب ما كانت عند الأول ففيه أنه ليس في النص إلا الاسترقاق و هو جعلها رقا له كسائر الرقيق لا انتقالها عن المولي الأول إليه حتي يقال إنه إنما كان علي النحو الذي كان للمولي الأول. و الحاصل أن المستفاد بالضرورة من النص و الفتوي أن الاستيلاد يحدث للأمة حقا علي مستولدها يمنع من مباشرة بيعها و من البيع لغرض عائد إليه مثل قضاء ديونه و كفنه علي خلاف في ذلك و إن كانت الجناية خطأ فالمشهور أنها كغيرها من المماليك يتخير المولي بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلي المجني عليه و بين أن يفديها بأقل الأمرين علي المشهور أو بالأرش علي ما عن الشيخ و غيره. و عن الخلاف و السرائر و استيلاد المبسوط أنه لا خلاف في أن جنايتها تتعلق برقبتها لكن عن ديات المبسوط أن جنايتها علي سيدها بلا خلاف إلا من أبي ثور فإنه جعلها في ذمتها تتبع بها بعد العتق و هو المخالف لما في الاستيلاد من المبسوط و ربما يوجه بإرادة نفي الخلاف بين العامة و ربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف و الأظهر أن المراد بكونها علي سيدها عود خسارة جنايتها علي السيد في مقابل عدم خسارة المولي لا من عين الجاني و لا من مال آخر و كونها في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق و ليس المراد وجوب فدائها. و علي هذا أيضا يحمل ما في رواية مسمع عن أبي عبد الله ع قال: أم الولد جنايتها في حقوق الناس علي سيدها و ما كان من حقوق الله في الحدود فإن ذلك في بدنها فمعني كونها علي سيدها أن الأمة بنفسها لا تتحمل من الجناية شيئا. و مثلها ما أرسل عن علي ع في قوله: المعتق علي دبر فهو من الثلث و ما جني هو و المكاتب و أم الولد فالمولي ضامن لجنايتهم. و المراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولي المردد بين ملكه الجاني أو ملك آخر و كيف كان فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك سليمة عن المخصص و لا يعارضها أيضا إطلاق المنع عن بيع أم الولد لأن ترك فدائها و التخلية بينها و بين المجني عليه ليس نقلا لها خلافا للمحكي عن موضع من المبسوط و المهذب و المختلف من تعيين الفداء علي السيد. و لعله للروايتين المؤيدتين بأن استيلاد المولي هو الذي أبطل أحد طرفي التخيير فتعين عليه الآخر بناء علي أنه لا فرق بين إبطال طرفي التخيير بعد الجناية كما لو قتل أو باع عبده الجاني و بين إبطاله قبلها كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها و قد عرفت معني الروايتين و المؤيد مصادرة لا يبطل به إطلاق النصوص

و منها ما إذا جنت علي مولاها- بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجني عليه غير المولي

فهل تعود ملكا طلقا بجنايتها
المكاسب، ج‌2، ص 180
علي مولاها فيجوز له التصرف الناقل فيها كما هي المحكي في الروضة عن بعض و عدها السيوري من صور الجواز أو لا كما هو المشهور إذ لم يتحقق بجنايتها علي مولاها إلا جواز الاقتصاص منها و أما الاسترقاق فهو تحصيل للحاصل. و ما يقال في توجيهه من أن الأسباب الشرعية تؤثر بقدر الإمكان فإذا لم تؤثر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولي أثر جديد و هو استقلال جديد في التصرف فيها مضافا إلي أن استرقاقها لترك القصاص كفكاك رقابهن الذي أنيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدمة و مضافا إلي أن المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمدا فيندفع بما لا يخفي و أما الجناية علي مولاها خطأ فلا إشكال في أنها لا يجوز التصرف فيها كما لا يخفي. و روي الشيخ في الموثق عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي ع قال: إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة ليس عليها سعاية و عن الشيخ و الصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه ص: إن أم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فهي حرة لا تبعة عليها و إن قتلته عمدا قتلت به. و عن الشيخ عن حماد عن جعفر عن أبيه: إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها و يمكن حملها علي سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها. و عن الشيخ في التهذيب و الاستبصار الجمع بينهما بغير ذلك فراجع.

و منها ما إذا جني حر عليها بما فيه ديتها

فإنها لو لم تكن مستولدة كان للمولي التخيير بين دفعها إلي الجاني و أخذ قيمتها و بين إمساكها و لا شي‌ء له لئلا يلزم الجمع بين العوض و المعوض ففي المستولدة يحتمل ذلك و يحتمل أن لا يجوز للمولي أخذ القيمة ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة و أما احتمال منع الجاني عن أخذها و عدم تملكه لها بعد أخذ الدية منه فلا وجه له لأن الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها لا عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوض بحكم الشرع و المسألة من أصلها موضع إشكال لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوض لأن الدية عوض شرعي عما فات بالجناية لا عن رقبة العبد و تمام الكلام في محله.

و منها ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت

حكاه في الروضة و كذا لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون فكأنه فيما إذا أسرها غير مولاها و لم يثبت كونها أمة المولي إلا بعد القسمة و قلنا إن القسمة لا تنقص و يغرم الإمام قيمتها لمالكها لكن المحكي عن الأكثر و المنصوص أنها ترد علي مالكها و يغرم قيمتها للمقاتلة.

و منها ما إذا خرج مولاها عن الذمة

و ملكت أمواله التي هي منها.

و منها ما إذا كان مولاها ذميا و قتل مسلما

فإنه يدفع هو و أمواله إلي أولياء المقتول هذا ما ظفرت به من موارد القسم الأول و هو ما إذا عرض لأم الولد حق للغير أقوي من الاستيلاد.

و أما القسم الثاني و هو ما إذا عرض لها حق لنفسها أولي بالمراعاة من حق الاستيلاد

فمن موارده ما إذا أسلمت و هي أمة ذمي

فإنها تباع عليه بناء علي أن حق إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولي من حق الاستيلاد المعرض للعتق و لو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع عمومات صحة البيع دون قاعدة سلطنة الناس مسلطون علي أموالهم المقتضية لعدم جواز بيعها عليه لأن المفروض أن قاعدة السلطنة قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي سلطنة الكافر علي المسلم فالمالك ليس مسلطا قطعا و لا حق له في عين الملك جزما إنما الكلام في تعارض حقي أم الولد من حيث كونها مسلمة فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر و من حيث كونها في معرض العتق فلا يجوز إخراجها عن هذه العرصة و الظاهر أن الأول أولي للاعتبار و حكومة قاعدة نفي السبيل علي جل القواعد و لقوله ص: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه. و مما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للتمسك باستصحاب المنع قبل إسلامها لأن الشك إنما هو في طرو ما مقدم علي حق الاستيلاد و الأصل عدمه مع إمكان معارضة الأصل بمثله لو فرض في بعض الصور تقدم الإسلام علي المنع عن البيع و مع إمكان دعوي ظهور قاعدة المنع في عدم سلطنة المالك و تقديم حق الاستيلاد علي حق الملك فلا ينافي تقديم حق آخر لها علي هذا الحق.

و منها ما إذا عجز مولاها عن نفقتها و لو في كسبها

فتباع علي من ينفق عليها علي ما حكي عن اللمعة و كنز العرفان و أبي العباس و الصيمري و المحقق الثاني. و قال في القواعد لو عجز عن الإنفاق علي أم الولد أمرت بالتكسب فإن عجزت أنفق عليها من بيت المال و لا يجب عتقها و لو كانت الكفاية بالتزويج وجبت و لو تعذر الجميع ففي البيع إشكال انتهي. و ظاهره عدم جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولي أو كسبه أو مالها أو عوض بضعها أو وجود من يؤخذ بنفقتها أو بيت المال و هو حسن و مع عدم ذلك كله فلا يبعد المنع عن البيع أيضا و فرضها كالحر في وجوب سد رمقها كفاية علي جميع من اطلع عليها و لو فرض عدم ذلك أيضا أو كون ذلك ضررا عظيما عليها فلا يبعد الجواز لحكومة أدلة نفي الضرر و لأن رفع هذا عنها أولي من تحملها ذلك رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها مع جريان ما ذكرناه أخيرا في الصورة السابقة من احتمال ظهور أدلة المنع في ترجيح حق الاستيلاد علي حق مالكها لا علي حقها الآخر فتدبر.

و منها بيعها علي من تنعتق عليه

علي ما حكي من الجماعة المتقدم إليهم الإشارة لأن فيه تعجيل حقها و هو حسن لو علم أن العلة حصول العتق فلعل الحكمة انعتاق خاص اللهم إلا أن يستند إلي ما ذكرناه أخيرا في ظهور أدلة المنع أو يقال إن هذا عتق في الحقيقة. و يلحق بذلك بيعها بشرط العتق- فلو لم يف المشتري احتمل وجوب استردادها كما عن الشهيد الثاني و يحتمل إجبار الحاكم أو العدول المشتري علي الإعتاق إذ إعتاقها عليه قهرا و كذلك بيعها ممن أقر بحريتها و يشكل بأنه إن علم المولي صدق المقر لم يجز له البيع و أخذ الثمن في مقابل الحر و إن علم بكذبه لم يجز أيضا لعدم جواز بيع أم الولد و مجرد صيرورتها حرة علي المشتري في ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في الواقع و بقائها في الواقع علي صفة الرقية للمشتري لا يجوز البيع بل الحرية الواقعية و إن تأخرت- أولي من الظاهرية و إن تعجلت.

و منها ما إذا مات قريبها و خلف تركة و لم يكن له وارث سواها

فتشتري من مولاها للعتق و ترث قريبها و هو مختار الجماعة
المكاسب، ج‌2، ص 181
السابقة و ابن سعيد في النزهة و حكي عن العماني و عن المهذب إجماع الأصحاب عليه و بذلك يمكن ترجيح أخبار الإرث علي قاعدة المنع مضافا إلي ظهورها في رفع سلطنة المالك و المفروض هنا عدم كون البيع باختياره بل تباع عليه لو امتنع

و أما القسم الثالث- و هو ما يكون الجواز لحق سابق علي الاستيلاد

فمن مواردها ما إذا كان علوقها بعد الرهن

فإن المحكي عن الشيخ و الحلي و ابن زهرة و المختلف و التذكرة و اللمعة و المسالك و المحقق الثاني و السيوري و أبي العباس و الصيمري جواز بيعها حينئذ و لعله لعدم الدليل علي بطلان حكم الرهن السابق بالاستيلاد اللاحق بعد تعارض أدلة حكم الرهن و أدلة المنع عن بيع أم الولد في دين غير ثمنها خلافا للمحكي عن الشرائع و التحرير فالمنع مطلقا. و عن الشهيد في بعض تحقيقاته الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن و وقوعه بدونه و عن الإرشاد و القواعد التردد و تمام الكلام في باب الرهن.

و منها ما إذا كان علوقها بعد إفلاس المولي و الحجر عليه

و كانت فاضلة عن المستثنيات في أداء الدين فتباع حينئذ كما في القواعد و اللمعة و جامع المقاصد.
و عن المهذب و كنز العرفان و غاية المرام لما ذكر من سبق تعلق حق الديان بها و لا دليل علي بطلانه بالاستيلاد و هو حسن مع وجود الدليل علي تعلق حق الغرماء بالأعيان أما لو لم يثبت إلا الحجر علي المفلس في التصرف و وجوب بيع الحاكم أمواله في الدين فلا يؤثر في دعوي اختصاصها بما هو قابل للبيع في نفسه فتأمل و تمام الكلام في باب الحجر إن شاء الله.

و منها ما إذا كان علوقها بعد جنايتها

و هذا في الجناية التي لا تجوز البيع لو كانت لاحقة بل تلزم المولي بالفداء و أما لو قلنا بأن الجناية اللاحقة أيضا ترفع المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.

و منها ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها

فإن المحكي عن الحلي جواز استردادها مع كونها ملكا للمشتري و لعله لاقتضاء الخيار ذلك فلا يبطله الاستيلاد خلافا للعلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم فحكموا بأنه إذا فسخ رجع بقيمة أم الولد و لعله لصيرورتها منزلة التالف و الفسخ بنفسه لا يقتضي إلا جعل العقد من زمان الفسخ كأن لم يكن و أما وجوب رد العين فهو من أحكامه لو لم يمنع عقلا أو شرعا و المانع الشرعي كالعقلي. نعم لو قيل إن الممنوع إنما هو نقل المالك أو النقل من قبله لديونه أما الانتقال عنه بسبب يقتضيه الدليل خارج عن اختياره فلم يثبت فلا مانع شرعا من استرداد عينها. و الحاصل أن منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلي دليل مفقود اللهم إلا أن يدعي أن الاستيلاد حق لأم الولد مانع عن انتقالها عن ملك المولي لحقه أو لحق غيره إلا أن يكون للغير حق أقوي أو سابق يقتضي انتقالها و المفروض أن حق الخيار لا يقتضي انتقالها بقول مطلق بل يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا و المفروض أن تعلق حق أم الولد مانع شرعا كالعتق و البيع علي القول بصحتهما في زمان الخيار فتأمل.

و منها ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها

بناء علي ما استظهر الاتفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معين فيتعلق به حق المضمون له و حيث فرض سابقا علي الاستيلاد فلا يزاحم به علي قول محكي في الروضة.

و منها ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة

إذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل الوطء ثم حصل بعده بناء علي ما ذكروه من خروج المنذور كونها صدقة عن ملك الناذر بمجرد النذر في المطلق بعد حصول الشرط في المعلق كما حكاه صاحب المدارك عنهم في باب الزكاة و يحتمل كون استيلادها كإتلافها فيحصل الحنث و تستقر القيمة جمعا بين حقي أم الولد و المنذور له و لو نذر التصدق بها فإن كان مطلقا قلنا بخروجها عن الملك بمجرد ذلك كما حكي عن بعض فلا حكم للعلوق و إن قلنا بعدم خروجها عن ملكه احتمل تقديم حق المنذور له في العين و تقديم حق الاستيلاد و الجمع بينهما بالقيمة و لو كان معلقا فوطئها قبل حصول الشرط صارت أم ولد فإذا حصل الشرط وجب التصدق بها لتقدم سببه و يحتمل انحلال النذر لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد مع الرجوع إلي القيمة أو بدونه و تمام الكلام يحتاج إلي بسط تمام لا يسعه الوقت.

و منها ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته فللمولي أن يبيعها

علي ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب بناء علي أن مستولدته أم ولد بالفعل غير معلق علي عتقه فلا يجوز له بيع ولدها.

و [أما] القسم الرابع- فهو ما كان إبقاؤها في ملك المولي غير معرض لها للعتق

لعدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث أو لعدم ثبوت النسب من طرف الأم أو الأب واقعا لفجور أو ظاهرا باعتراف ثم إنا لم نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلا قليلا من كثير ما يحتمله من الكلام فيطلب تفصيل كل واحد من مقامه

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا

اشارة

فإن الظاهر بل المقطوع به الاتفاق علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.
و حكي عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم علي ذلك و قد حكي الإجماع عن غيره أيضا. و عن المختلف في باب تزويج الأمة المرهونة أنه أرسل عن النبي ص: إن الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن.

و إنما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله أو يقع موقوفا علي الإجازة

أو سقوط حقه بإسقاطه أو بالفك. فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم الأول إلا أن صريح الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم هو كونه موقوفا و هو الأقوي للعمومات السليمة عن المخصص لأن معقد الإجماع و الأخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال كما يشهد به عطف المرتهن علي الراهن مع ما ثبت في محله من وقوع تصرف المرتهن موقوفا لا باطلا. و علي تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين علي خلافه هذا كله مضافا إلي ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده إذ المستفاد منه أن كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع و حصول الرضا. و ليست تلك كمعصية الله أصالة في إيقاع العقد التي لا يمكن أن يلحقها رضا الله تعالي
المكاسب، ج‌2، ص 182
هذا كله مضافا إلي فحوي أدلة صحة الفضولي لكن الظاهر من التذكرة أن كل من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا و فيه نظر لأن من استند في البطلان في الفضولي إلي مثل قوله ص: لا بيع إلا في ملك لا يلزمه البطلان هنا بل الأظهر ما سيجي‌ء عن إيضاح النافع من أن الظاهر وقوف هذا العقد و إن قلنا ببطلان الفضولي. و قد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه- من القول بالبطلان متمسكا بظاهر الإجماعات و الأخبار المحكية علي المنع و النهي قال و هو موجب للبطلان و إن كان لحق الغير إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد لا لأمر خارج منه و هو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاء في بيع الوقف و أم الولد و غيرهما مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير. ثم أورد علي نفسه بقوله فإن قلت فعلي هذا يلزم بطلان العقد الفضولي و عقد المرتهن مع أن كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن في المنع كما دلت عليه الرواية فيلزم بطلان عقد الجميع أو صحته فالفرق تحكم. قلنا إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم و لا يحل له الإجازة المتعقبة و إن كان عقدا أو إيقاعا فإن وقع بطريق الاستقلال لا علي وجه النيابة عن المالك فالظاهر أنه كذلك كما سبق في الفضولي و إلا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما و قد لا يكون كذلك و كذا الصادر عن المرتهن إن وقع بطريق الاستقلال المستند إلي البناء علي ظلم الراهن و غصب حقه أو إلي زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه و إن كان بقصد النيابة عن الراهن في مجرد إجراء الصيغة فلا يزيد عن عقد الفضولي فلا يتعلق به نهي أصلا. و أما المالك فلما حجر علي ماله برهنه و كان عقده لا يقع إلا مستندا إلي ملكه لانحصار المالكية فيه و لا معني لقصده النيابة فهو منهي عنه لكونه تصرفا مطلقا و منافيا للحجر الثابت عليه فتخصص العمومات بما ذكر و مجرد الملك لا يقضي بالصحة إذ الظاهر بمقتضي التأمل الصادق أن المراد بالملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه و لذلك لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا للمنع عن التصرف. ثم قال و بالجملة فالذي يظهر من تتبع الأدلة أن العقود ما لم تنته إلي المالك فيمكن وقوعها موقوفة علي إجازته و أما إذا انتهت إلي إذن المالك أو إجازته أو صدرت عنه و كان تصرفه علي وجه الأصالة فلا تقع علي وجهين بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان وضع ذلك العقد علي اللزوم و أما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح و هو قوله ع: إنه لم يعص الله و إنما عصي سيده فهو جار فيمن لم يكن مالكا كالعبد لا يملك أمر نفسه و أما المالك المحجور عليه فهو عاص لله بالأصالة بتصرفه و لا يقال إنه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا و إنما منع الله من تفويت حقه بالتصرف و ما ذكرناه جار في كل مالك متول لأمر نفسه إذا حجر علي ماله لعارض كالمفلس و غيره فيحكم بفساد الجميع و ربما تتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة فالقول بالبطلان هنا كما اختاره أساطين الفقهاء هو الأقوي انتهي كلامه رفع مقامه. و يرد عليه بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير علي وجه الاستقلال و بيعه علي وجه النيابة و منع اقتضاء مطلق النهي لا لأمر خارج الفساد. أولا أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن و لا ينوي الاستقلال و قد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا و لا حرمة في شي‌ء من ذلك. و ثانيا أن المتيقن من الإجماع و الأخبار علي منع الراهن كونه علي نحو منع المرتهن علي ما تقتضيه عبارة معقد الإجماع و الأخبار أعني قولهم الراهن و المرتهن ممنوعان و معلوم أن المنع في المرتهن إنما هو علي وجه لا ينافي وقوعه موقوفا و حاصله يرجع إلي منع العقد علي الرهن و الوفاء بمقتضاه علي سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك و إثبات المنع أزيد من ذلك يحتاج إلي دليل و مع عدمه يرجع إلي العمومات. و أما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلي الفرق فيما بينهما فلم أتحقق الفرق بينهما بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير فإن منع الله جل ذكره من
تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير من غير فرق بين بيع الفضولي و نكاح العبد و بيع الراهن. و أما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أم الولد ففيه أن الحكم فيهما تعبد و لذا لا يؤثر الإذن السابق في صحة البيع فقياس الرهن عليهما في غير محله. و بالجملة فالمستفاد من طريقة الأصحاب بل الأخبار أن المنع من المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الإبطال رأسا بل إنما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الأثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذي الحق و يندرج في ذلك الفضولي و عقد الراهن و المفلس و المريض و عقد الزوج لبنت أخت زوجته أو أخيها و للأمة علي الحرة و غير ذلك فإن النهي في جميع ذلك إنما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا و هو صيرورته سببا مستقلة لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا بناء علي ما سيجي‌ء من أن ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشتري رهنا للبائع و بعبارة أخري الرهن و البيع متنافيان فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد أعني ما قبل الإجازة و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه من أنه علي تقدير صحة البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع و يدفعه أن القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع و إلا لجري ذلك في العقد الفضولي أيضا لأن فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ الإجازة يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الإجازة و أما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه فلا يلزم في مسألة إجازة المرتهن. نعم يلزم في مسألة فك الرهن و سيجي‌ء التنبيه عليه إن شاء الله تعالي.

[هل إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة]

ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في مسألة الفضولي و محصله أن مقتضي القاعدة النقل إلا أن الظاهر من بعض الأخبار هو الكشف و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوي لأن إجازة
المكاسب، ج‌2، ص 183
المالك أشبه بجزء المقتضي و هي هنا من قبيل رفع المانع و من أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن مع أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة و الاعتذار عن ذلك ببناء العتق علي التغليب كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني علي العبد المرهون مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق مع أن العلامة قدس سره في تلك المسألة قد جوز العفو مراعي بفك الرهن هذا إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه أما إذا أسقط حق الرهن ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدين

[هل تنفع الإجازة بعد الرد أم لا]

ثم إنه لا إشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة و هو واضح و هل ينفع الإجازة بعد الرد وجهان من أن الرد في معني عدم رفع اليد عن حقه فله إسقاطه بعد ذلك و ليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معني أحد المتعاقدين و قد تقرر أن رد أحد المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر بخلافه هنا فإن المرتهن أجنبي له حق في العين و من أن الإيجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك و المرتهن فرضاء كل منهما جزء مقوم للإيجاب المؤثر فكما أن رد المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم كذلك رد المرتهن و هذا هو الأظهر من قواعدهم

[فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة]

ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة لسقوط حق المرتهن بذلك كما صرح به في التذكرة.
و حكي عن فخر الإسلام و الشهيد في الحواشي و هو الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد بل بمطلق السقوط الحاصل بالإسقاط أو الإبراء أو بغيرهما نظرا إلي أن الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن و سقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه

و الفرق بين الإجازة و الفك

أن مقتضي ثبوت الحق له هو صحة إمضائه للبيع الواقع في زمان حقه و إن لزم من الإجازة سقوط حقه فيسقط حقه بلزوم البيع. و بالجملة فالإجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير إجازة المالك بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء فإنه ليس فيه دلالة علي مضي العقد حال وقوعه فهو أشبه شي‌ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملكهما و قد تقدم الإشكال فيه عن جماعة مضافا إلي استصحاب عدم اللزوم الحاكم علي عموم أوفوا بالعقود بناء علي أن هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص و ليس ذلك محل التمسك بالعام إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتي يقال إن المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط فيبقي ما بعد السقوط داخلا في العام. و يؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق الإجازة و لو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح هذا و لكن الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور من جهة أن عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم علي حق المالك بتسليط المالك فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي و إنما هو من جهة المانع فإذا زال أثر المقتضي. و مرجع ما ذكرنا إلي أن أدلة سببية البيع المستفادة من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و من: الناس مسلطون علي أموالهم و نحو ذلك عامة و خروج زمان الرهن يعلم أنه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم بمناط المستصحب و ارتفاعه فالمقام من باب وجوب العمل بالعام لا من مقام استصحاب حكم الخاص فافهم. و أما قياس ما نحن فيه علي نكاح العبد بدون إذن سيده فهو قياس مع الفارق لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي النكاح إذ لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا. و لأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره ثم عتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف-

[هل سقوط حق الرهانة كاشف أو ناقل

هذا و لكن مقتضي ما ذكرنا كون سقوط حق الرهانة بالفك أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا و مؤثرا من حينه لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه خصوصا بناء علي الاستدلال علي الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا من أن مقتضي مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه فإن هذا غير متحقق في فك الرهن فهو نظير بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع حيث إنه لا يسع القائل بصحته إلا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين العقد و إلا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد هذا

[ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو الكشف

و لكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف. و قد تقدم عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني علي المرهون أن الفك يكشف عن صحته و يدل علي الكشف أيضا ما استدلوا به علي الكشف في الفضولي من أن العقد سبب تام إلي آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد ثم إن لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الأصيل فلا يجوز له فسخه بل و لا إبطاله بالإذن للمرتهن في البيع.

[لو باع الراهن فهل يجب عليه فك الرهن من مال آخر أم لا يجب

نعم يمكن أن يقال بوجوب فكه من مال آخر إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني إلا بذلك فالوفاء بمقتضي الرهن غير مناف للوفاء بالبيع و يمكن أن يقال إنه إنما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه و أما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب و لذا لا يجب علي من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه و يدفعه إليه بناء علي لزوم العقد بذلك و كيف كان فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك و إن لزم من ذلك إبطال بيع الراهن لتقدم حق المرتهن أو يجبر الحاكم الراهن علي فكه من مال آخر جمعا بين حقي المشتري و المرتهن اللازمين علي الراهن البائع وجهان و مع انحصار المال في المبيع فلا إشكال في تقديم حق المرتهن

مسألة إذا جني العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كله أو بعضه

فالأقوي صحة بيعه وفاقا للمحكي عن العلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم بل في شرح الصيمري أنه المشهور لأنه لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق
المكاسب، ج‌2، ص 184
عن ملك مولاه علي ما هو المعروف عمن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجي‌ء و تعلق حق المجني عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع به و مجرد إمكان مطالبة أولياء المجني عليه له في كل وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط اعتبار ماليته. و علي تقدير تسليمه فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير فيكون موقوفا علي افتكاكه عن القتل و الاسترقاق فإن افتك لزم و إلا بطل البيع من أصله و يحتمل أن يكون البيع غير متزلزل فيكون تلفه من المشتري في غير زمن الخيار لوقوعه في ملكه غاية الأمر أن كون المبيع عرضة لذلك يوجب الخيار مع الجهل كالمبيع الأرمد إذا عمي و المريض إذا مات بمرضه و يرده أن المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع لازما لأدائه إلي سقوط حق الغير فلا بد إما أن يبطل و إما أن يقع مراعي. و قد عرفت أن مقتضي عدم استقلال البائع في ماله و مدخلية الغير فيه وقوع بيعه مراعي لا باطلا و بذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين بيع المريض الذي يخاف عليه من الموت و الأرمد الذي يخاف عليه من العمي الموجب للانعتاق فإن الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجزا بخلاف تعلق حق الغير اللهم إلا أن يقال إن تعلق حق المجني عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجزا لأن للبائع سلطنة مطلقة عليه و كذا للمشتري و لذا يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحق غاية الأمر أن له التسلط علي إزالة ملكهما و رفعه بالإتلاف أو التمليك و هذا لا يقتضي وقوع العقد مراعي و عدم استقرار الملك. و بما ذكرنا ظهر الفرق بين حق المرتهن المانع من تصرف الغير و حق المجني عليه غير المانع فعلا غاية الأمر أنه مانع شأنا و كيف كان فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان فإنه قال فيما حكي عنه إذا كان للرجل عبد جان فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه فإن كانت جنايته توجب القصاص فلا يصح البيع و إن كانت جنايته توجب الأرش صح إذا التزم مولاه بالأرش ثم استدل بأنه إذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه لأنه قد باع منه ما لا يملكه فإنه حق للمجني عليه و أما إذا وجب عليه الأرش صح لأن رقبته سليمة و الجناية أرشها فقد التزمه السيد فلا وجه يفسد البيع انتهي و قد حكي عن المختلف أنه حكي عنه في كتاب الظهار التصريح بعدم بقاء ملك المولي علي الجاني عمدا حيث قال إذا كان عبد قد جني جناية فإنه لا يجزي عتقه عن الكفارة و إن كانت خطأ جاز ذلك و استدل بإجماع الفرقة فإنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل ملكه إلي المجني عليه و إن كانت خطأ فدية ما جناه علي مولاه انتهي و ربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافي في المحكي عنه في الرهن و هي أن من شرط الرهن أن يكون رهن الراهن مثبتا لملكه إياه غير خارج بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته عن ملكه انتهي و ربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب القصاص حيث قال إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح و لم يسقط القود و لو قيل لا يصح لئلا يبطل حق الولي من الاسترقاق كان حسنا و كذا بيعه و هبته انتهي. لكن يحتمل قويا أن يكون مراده بالصحة وقوعه لازما غير متزلزل كوقوع العتق لأنه الذي يبطل به حق الاسترقاق دون وقوعه مراعي بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق و كيف كان فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة إلي عدم الملك و هو ممنوع لأصالة بقاء ملكه و ظهور لفظ الاسترقاق في بعض الأخبار في بقاء الملك. نعم في بعض الأخبار ما يدل علي الخلاف و يمكن أن يكون مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه فإنه ينتقل إلي المجني عليه و يكون عدم جواز بيعه من المولي مبنيا علي المنع عن بيع الفضولي المستلزم للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق للغير تنافيه السلطنة المطلقة من المشتري عليه كما في الرهن.

مسألة إذا جني العبد خطأ صح بيعه علي المشهور

بل في شرح الصيمري أنه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطأ أو شبه عمد و يضمن المولي أقل الأمرين من قيمته و دية الجناية و لو امتنع كان للمجني عليه أولوية انتزاعه فيبطل البيع و كذا لو كان المولي معسرا فللمشتري الفسخ مع الجهالة لتزلزل ملكه ما لم يفد به المولي انتهي. و ظاهره أنه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد إلا أن المحكي عن السرائر و الخلاف أنه لا يجوز إلا إذا أفداه المولي أو التزم بالفداء إلا أنه إذا باع ضمن. و الأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع لكونه ملكا للمولي و تعلق حق الغير لا يمنع عن ذلك لأن كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع رأسا فضلا عن تعلق حق الغير و لعل ما عن الخلاف و السرائر مبني علي أصلهما من بطلان الفضولي و ما أشبهه من كل بيع يلزم من لزومه بطلان حق الغير كما يومئ إليه استدلال الحلي عن بطلان البيع قبل التزامه و ضمانه بأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني فلا يجوز إبطاله و مرجع هذا المذهب إلي أنه لا واسطة بين لزوم البيع و بطلانه فإذا صح البيع أبطل حق الغير. و قد تقدم غير مرة أنه لا مانع من وقوع البيع مراعي بإجازة ذي الحق أو سقوط حقه فإذا باع المولي فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقل الأمرين علي الخلاف وقع مراعي فإن فداه المولي أو رضي المجني عليه بضمانه فذاك و إلا انتزعه المجني عليه من المشتري و علي هذا فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حق المجني عليه. قال في كتاب الرهن من القواعد و لا يجبر السيد علي فداء الجاني و إن رهنه أو باعه بل يتسلط المجني عليه فإن استوعبت الجناية القيمة بطل الرهن و إلا ففي المقابل انتهي لكن ظاهر العلامة في غير هذا المقام و غيره هو أن البيع بنفسه التزام بالفداء و لعل وجهه أنه يجب علي المولي حيث تعلق بالعبد و هو مال من أمواله و في يده حق يتخير المولي في نقله عنه إلي ذمته بأن يوفي حق المجني عليه إما من العين أو من ذمته فيجب عليه إما تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره و إما أن يفديه من ماله فإذا امتنع المشتري من رده و المفروض عدم سلطنة البائع علي أخذه قهرا للزوم الوفاء بالعقد وجب عليه دفع الفداء. و يرد عليه أن فداء العبد غير لازم قبل البيع و بيعه ليس إتلافا له حتي يتعين عليه الفداء و وجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي إلا رفع يده لا رفع يد الغير بل هذا أولي بعدم وجوب الفك من الرهن الذي تقدم في آخر المسألة الخدشة في وجوب الفك علي الراهن بعد بيعه لتعلق الدين هناك بالذمة و تعلق الحق هنا بالعين فتأمل. ثم إن المصرح به في التذكرة و المحكي عن غيرها أن للمشتري فك العبد و حكم رجوعه إلي البائع حكم قضاء الدين عنه.
المكاسب، ج‌2، ص 185

مسألة الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم

اشارة

فإن الظاهر الإجماع علي اشتراطها في الجملة كما في جامع المقاصد و في التذكرة أنه إجماع و في المبسوط الإجماع علي عدم جواز بيع السمك في الماء و لا الطير في الهواء و عن الغنية أنه إنما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء و الطير في الهواء فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف و استدل في التذكرة علي ذلك بأنه نهي النبي ص عن بيع الغرر و هذا غرر و النهي هنا يوجب الفساد إجماعا علي الظاهر المصرح به في موضع من الإيضاح و اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة يجبر إرساله أما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و أهل اللغة حيث مثلوا للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء مع أن معني الغرر علي ما ذكره أكثر أهل اللغة صادق عليه. و المروي عن أمير المؤمنين ع أنه عمل ما لا يؤمن معه الضرر.

[معني الغرر لغة]

و في الصحاح الغرة الغفلة و الغار الغافل و أغره أي أتاه علي غرة منه و اغتر بالشي‌ء أي خدع به و الغرر الخطر. و نهي رسول الله ص عن بيع الغرر و هو مثل بيع السمك في الماء و الطير في الهواء إلي أن قال و التغرير حمل النفس علي الغرر انتهي و عن القاموس ما ملخصه غره غرا و غرورا و غره بالكسر فهو مغرور و غرير كأمير خدعه و أطمعه بالباطل إلي أن قال غرر نفسه تغريرا و تغره كتحله أي عرضها للهلكة و الاسم الغرر محركه إلي أن قال و الغار الغافل و اغتر غفل و الاسم الغرة بالكسر انتهي و عن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر بالغفلة أنه نهي عن بيع الغرر و هو ما كان له ظاهر يغر المشتري و باطن مجهول و قال الأزهري بيع الغرر ما كان علي غير عهدة و لا ثقة و تدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول و قد تكرر في الحديث و منه حديث مطرف:
إن لي نفسا واحدة و إني لأكره أن أغرر بها أي أحملها علي غير ثقة و به سمي الشيطان غرورا لأنه يحمل الإنسان علي محابه و وراء ذلك ما يسوؤه انتهي. و قد حكي أيضا عن الأساس و المصباح و المغرب و الجمل و المجمع تفسير الغرر بالخطر ممثلا له في الثلاثة الأخيرة ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء. و في التذكرة أن أهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين و مراده من التفسير التوضيح بالمثال و ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير كما يظهر بالتأمل. و بالجملة فالكل متفقون علي أخذ الجهالة في معني الغرر سواء تعلق الجهل بأصل وجوده أم بحصوله في يد من انتقل إليه أم بصفاته كما و كيفا و ربما يقال إن المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه و عدمه ضرورة حصوله في بيع كل غائب خصوصا إذا كان في بحر و نحوه بل هو أوضح شي‌ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما. و الحاصل أن من الواضح عدم لزوم المخاطرة في بيع مجهول المال بالنسبة إلي التسلم و عدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر. و فيه أن الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله فلا وجه لتقييد كلام أهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين و احتمال إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم لا لجهالة بالصفات

[استدلال الفريقين بالنبوي المذكور علي شرطية القدرة]

هذا مضافا إلي استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي المذكور علي اعتبار القدرة علي التسليم كما يظهر من الانتصار حيث قال فيما حكي عنه. و مما انفردت به الإمامية القول بجواز شراء العبد الآبق مع الضميمة و لا يشتري وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري و خالف باقي الفقهاء في ذلك و ذهبوا إلي أنه لا يجوز بيع الآبق علي كل حال إلي أن قال و يعول مخالفونا في منع بيعه علي أنه بيع غرر و أن نبينا ص نهي عن بيع الغرر إلي أن قال و هذا ليس بصحيح لأن هذا المبيع يخرجه من أن يكون غررا لانضمام غيره إليه انتهي. و هو صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي علي اشتراط القدرة علي التسليم فالظاهر اتفاق أصحابنا أيضا علي الاستدلال به كما يظهر للمتتبع و سيجي‌ء في عبارة الشهيد التصريح به و كيف كان فالدعوي المذكورة مما لا يساعدها اللغة و لا العرف و لا كلمات أهل الشرع

[كلام الشهيد في تفسير الغرر]

اشارة

و ما أبعد ما بينه و بين ما عن قواعد الشهيد رحمه الله حيث قال الغرر لغة ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه قاله بعضهم و منه قوله تعالي مَتاعُ الْغُرُورِ و شرعا هو جهل الحصول [باليد و التصرف. و أما المجهول المعلوم الحصول أو مجهول الصفة فليس غررا و بينهما عموم و خصوص من وجه لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل أم بالوصف الآن و وجود الجهل بدون الغرر في المكيل و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر و قد يتوغل في الجهالة كحجر لا يدري أ ذهب أم فضة أم نحاس أم صخر و يوجدان في العبد الآبق المجهول الصفة و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق المجهول الوجود و أخري بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود و الطير في الهواء و بالجنس كحب لا يدري ما هو و سلعة من سلع مختلفة و بالنوع كعبد من عبيد و بالقدر ككيل لا يعرف قدره و البيع إلي مبلغ السهم و بالعين كثوب من ثوبين مختلفين و بالبقاء كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الأصحاب و لو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل كما لو شرط في العقد صيرورة الزرع سنبلا.
و الغرر قد يكون بماله مدخل ظاهرا في العوضين و هو ممتنع إجماعا و قد يكون مما يتسامح به عادة لقلته كأس الجدار و قطن الجبة و هو معفو عنه إجماعا و نحوه اشتراط الحمل و قد يكون مرددا بينهما و هو محل الخلاف كالجزاف في مال الإجارة و المضاربة و الثمرة قبل بدو الصلاح و الآبق قبل الضميمة انتهي. و في بعض كلامه تأمل ككلامه الآخر في شرح الإرشاد حيث ذكره في مسألة تعين الأثمان بالتعيين الشخصي عندنا فقال قالوا يعني المخالفين من العامة تعيينها غرر فيكون منهيا عنه.
أما الصغري فلجواز عدمها أو ظهورها مستحقة فينفسخ البيع. و أما الكبري فظاهره إلي أن قال قلنا إنا نمنع الصغري لأن الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف بحيث لو تركه وبخ عليه و ما ذكروه لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه انتهي.

[المناقشة فيما أفاده الشهيد في شرح الإرشاد]

فإن مقتضاه أنه لو اشتري الآبق أو الضال المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا لأن العقلاء يقدمون علي الضرر القليل رجاء للنفع الكثير و كذا لو اشتري المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس بناء علي المعروف من
المكاسب، ج‌2، ص 186
تحقق الغرر بالجهل بالصفة و كذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه فإن ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا فالأولي أن هذا النهي من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية إلي التنازع في المعاملات و ليس منوطا بالنهي من العقلاء ليخص مورده بالسفهاء أو المتسفهة ثم إنه قد حكي عن الصدوق رضوان الله عليه في معاني الأخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة بكونها غررا مع أنه لا جهالة في بعضها كبيع المنابذة بناء علي ما فسر به من أنه قول أحدهما لصاحبه انبذ إلي الثوب أو أنبذه إليك فقد وجب البيع. و بيع الحصاة بأن يقول إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع و لعله كان علي وجه خاص يكون فيه خطر و الله العالم.

[التمسك بالنبوي المذكور أخص من المدعي

و كيف كان فلا إشكال في صحة التمسك لاعتبار القدرة علي التسليم بالنبوي المذكور إلا أنه أخص من المدعي لأن ما يمتنع تسليمه عادة كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه ليس في بيعه خطر لأن الخطر إنما يطلق في مقام تحتمل السلامة فيه و لو ضعيفا لكن هذا الفرد يكفي في الاستدلال علي بطلانه بلزوم السفاهة و كون أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا و إن كان ملكا فيصح عتقه و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه إلا أنه لا ينافي سلب صفة التمول منه عرفا و لذا يجب علي غاصبه رد تمام قيمته إلي المالك فيملكه مع بقاء العين علي ملكه علي ما هو ظاهر المشهور

ثم إنه ربما يستدل علي هذا الشرط بوجوه أخر.

منها ما اشتهر عن النبي ص من قوله: لا تبع ما ليس عندك

بناء علي أن كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب و السلف إجماعا فهو كناية لا عن مجرد الملك لأن المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام و لا عن مجرد السلطنة عليه و القدرة علي تسليمه لمنافاته لتمسك العلماء من الخاصة و العامة علي عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها خصوصا إذا كان وكيلا عنه في بيعها و لو من نفسه فإن السلطنة و القدرة علي التسليم حاصلة هذا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين أن يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف علي الملك مع كونه تحت اليد حتي كأنه عنده و إن كان نائبا و علي أي حال فلا بد من إخراج بيع الفضولي عنه بأدلته أو بحمله علي النهي المقتضي للفساد بمعني عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك و كيف كان فتوجيه الاستدلال بالخبر علي ما نحن فيه ممكن. و أما الإيراد عليه بدعوي أن المراد به الإشارة إلي ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشي‌ء غير المملوك ثم تحصيله بشرائه و نحوه و دفعه إلي المشتري فمدفوع لعدم الشاهد علي اختصاصه بهذا المورد و ليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد. نعم يمكن أن يقال إن غاية ما يدل عليه هذا النبوي بل النبوي الأول أيضا فساد البيع بمعني عدم كونه علة تامة لترتب الأثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعي بانتفاء صفة الغرر و تحقق كونه عنده و لو أبيت إلا عن ظهور النبويين في الفساد بمعني لغوية العقد رأسا المنافية لوقوعه مراعي دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر و بين إخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع و بيع العبد الجاني عمدا و بيع المحجور لرق أو سفه أو فلس فإن البائع في هذه الموارد عاجز شرعا من التسليم و لا رجحان لهذه التخصيصات فحينئذ لا مانع من التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعي بالتمكن منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به. و قد صرح الشهيد في اللمعة بجواز بيع الضالة و المجحود من غير بينة مراعي بإمكان التسليم و احتمله في التذكرة لكن الإنصاف أن الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم علي فساد بيع الغرر بمعني عدم تأثيره رأسا كما عرفت من الإيضاح.

و منها أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين إلي صاحبه

فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع و يضعف بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة و إن أريد مطلق وجوبه فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز بعد العقد. و قد يعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب ثم يدفع بمعارضته بأصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح فافهم.

و منها أن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه

و لا يتم إلا بالتسليم و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع علي التسليم بل منع عدم كون الغرض منه إلا الانتفاع بعد التسليم لا الانتفاع المطلق.

و منها أن بذل الثمن علي غير المقدور سفه

فيكون ممنوعا و أكله أكلا بالباطل. و فيه أن بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصوله العوض سفه فافهم.

[هل القدرة شرط أو العجز مانع

اشارة

ثم إن ظاهر معاقد الإجماعات كما عرفت كون القدرة شرطا كما هو كذلك في التكاليف و قد أكدت الشرطية في عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم فينتفي المشروط عند انتفاء الشرط و مع ذلك كله

[استظهار صاحب الجواهر أن العجز مانع و المناقشة فيه

فقد استظهر بعض من تلك العبارة أن العجز مانع لا أن القدرة شرط قال و تظهر الفائدة في موضع الشك ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة و جعله دليلا علي أن القدرة المتفق عليها ما إذا تحقق العجز. و فيه مع ما عرفت من أن صريح معاقد الإجماع خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة أن العجز أمر عدمي لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا أن يقدر فكيف يكون مانعا مع أن المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم ثم لو سلم صحة إطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي و لا في غيرهما فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها أو لا معه فالأصل عدمها أعني العجز سواء جعلت القدرة شرطا أم العجز مانعا. و إذا شككنا في أن الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر أو العجز في الجملة أو شككنا في أن المراد بالعجز ما يعم التعسر كما حكي أم خصوص التعذر فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا. و الحاصل أن التردد بين شرطية الشي‌ء و مانعية مقابله إنما يصح و يثمر في الضدين مثل الفسق و العدالة لا فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و
المكاسب، ج‌2، ص 187
الجهل و أما اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس لشك المالك في القدرة و العجز و مبنيا علي كون القدرة شرطا أو العجز مانعا كما يظهر من أدلتهم علي الصحة و الفساد بل لما سيجي‌ء عند التعرض لحكمها

[العبرة بالقدرة في زمان الاستحقاق

ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان استحقاق التسليم فلا ينفع وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق و لو حين العقد و يتفرع علي ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري و فيما لا يعتبر التسليم فيه رأسا كما إذا اشتري من ينعتق عليه فإنه ينعتق بمجرد الشراء و لا سبيل لأحد عليه و فيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد إما لاشتراط تأخيره مدة و إما لتزلزل العقد كما إذا اشتري فضولا فإنه لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك فلا تعتبر القدرة علي التسليم قبلها لكن يشكل علي الكشف من حيث إنه لازم من طرف الأصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه إذا انتقل إليه ما لم يقدر علي تحصيله نعم هو حسن في الفضولي من الطرفين و مثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكه بل و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم لأن تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف علي تحققه فلا يلزم غرر و لو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلي تعذر الشرط. و من المعلوم أن تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتفق حصوله فإن الشروط المتأخرة لا يجب إحرازها حال العقد و لا العلم بتحققها فيما بعد. و الحاصل أن تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه لا من شروط تأثيره و السر فيه أن التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور. و بعبارة أخري الاعتبار بالقدرة علي التسليم بعد تمام النقل و لهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدد القدرة بعده و المفروض أن المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل و هو القبض حاصل في يد المشتري فالقبض مثل الإجازة بناء علي النقل و أولي منها بناء علي الكشف. و كذلك الكلام في عقد الرهن فإن اشتراط القدرة علي التسليم فيه بناء علي اشتراط القبض إنما هو من حيث اشتراط القبض فلا يجب إحرازه حين الرهن و لا العلم بتحققه بعده فلو رهن ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثر العقد أثره و سيجي‌ء الكلام في باب الرهن اللهم إلا أن يقال إن المنفي في النبوي- هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم إذا وقع علي عوض مجهول قبل القبض أو غير مقدور غرر عرفا لأن اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي فيصدق الغرر و الخطر عرفا و إن لم يتحقق شرعا إذ قبل التسليم لا انتقال و بعده لا خطر لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا و من هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه لا عن المالك ما لا يقدر علي تسليمه اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطلاع علي كون أثر المعاملة شرعا علي وجه لا يلزم منه خطر فإن العرف إذا اطلعوا علي انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا و هكذا فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة فتأمل. ثم إن الخلاف في أصل المسألة لم يظهر إلا من الفاضل القطيفي المعاصر للمحقق الثاني حيث حكي عنه أنه قال في إيضاح النافع إن القدرة علي التسليم من مصالح المشتري فقط لا أنها شرط في أصل صحة البيع فلو قدر علي التسلم صح البيع و إن لم يكن البائع قادرا عليه بل لو رضي بالابتياع مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز و ينتقل إليه و لا يرجع علي البائع لعدم القدرة إذا كان البيع علي ذلك مع العلم فيصح بيع المغصوب و نحوه. نعم إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا لم تصح المعاوضة عليه بالبيع لأنه في معني أكل المال بالباطل و ربما احتمل إمكان المصالحة عليه و من هنا يعلم أن قوله يعني المحقق في النافع لو باع الآبق منفردا لم يصح إنما هو مع عدم رضا المشتري أو مع عدم علمه أو كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا و لو أراد غير ذلك فهو غير مسلم انتهي. و فيه ما عرفت من الإجماع و لزوم الغرر غير المندفع بعلم المشتري لأن الشارع نهي عن الإقدام عليه إلا أن يجعل الغرر هنا بمعني الخديعة فيبطل في موضع تحققه و هو عند جهل المشتري و فيه ما فيه.

[القدرة علي التسليم شرط بالتبع و المقصد الأصلي هو التسلم

ثم إن الظاهر كما اعترف به بعض الأساطين أن القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلا بالتبع و إنما المقصد الأصلي هو التسلم و من هنا لو كان المشتري قادرا دون البائع كفي في الصحة كما عن الإسكافي و العلامة و كاشف الرموز و الشهيدين و المحقق الثاني و عن ظاهر الانتصار أن صحة بيع الآبق علي من يقدر علي تسلمه مما انفردت به الإمامية و هو المتجه لأن ظاهر معاقد الإجماع بضميمة التتبع في كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر و غيره مختص بغير ذلك و منه يعلم أيضا أنه لو لم يقدر أحدهما علي التحصيل لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسلم كما لو اعتاد الطائر العود صح وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم. نعم عن نهاية الأحكام احتمال العدم بسبب انتفاء القدرة في الحال علي التسليم و أن عود الطائر غير موثوق به إذ ليس له عقل باعث. و فيه أن العادة باعثة كالعقل مع أن الكلام علي تقدير الوثوق و لو لم يقدر علي التحصيل و تعذر عليهما إلا بعد مدة مقدرة عادة و كانت مما لا يتسامح فيه كسنة أو أزيد. ففي بطلان البيع لظاهر الإجماعات المحكية و لثبوت الغرر أو صحته لأن ظاهر معاقد الإجماع التعذر رأسا و لذا حكم مدعيه بالصحة هنا. و الغرر منفي مع العلم بوجوب الصبر عليه إلي انقضاء مدة كما إذا اشترط تأخير التسليم مدة وجهان بل قولان تردد فيهما في الشرائع ثم قوي الصحة و تبعه في محكي السرائر و المسالك و الكفاية و غيرها. نعم للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة و لو كانت مدة التعذر غير مضبوطة عادة كالعبد المنفذ إلي الهند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها ففي الصحة إشكال- من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدم بعض الكلام فيه في بيع الواقف الوقف المنقطع

[الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين

ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبائعين لأن الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع و تجددها بعد ذلك صح و لو لم تتجدد بطل و المعتبر هو الوثوق فلا يكفي مطلق
المكاسب، ج‌2، ص 188 الظن و لا يعتبر اليقين

[هل العبرة بقدرة الموكل أو الوكيل

ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا لا ما إذا كان وكيلا في مجرد العقد فإنه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه و أما لو كان وكيلا في البيع و لوازمه بحيث يعد الموكل أجنبيا عن هذه المعاملة فلا إشكال في كفاية قدرته و هل تكفي قدرة الموكل الظاهر نعم مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك. و ربما قيد الحكم بالكفاية بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي المالك برجوع المشتري عليه و فرع علي ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي لأن التسليم المعتبر في العاقد غير ممكن قبل الإجازة و قدرة المالك إنما تؤثر لو بني العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع لأن بيع المأذون لا تكفي فيه قدرة الآذن مطلقا بل مع الشرط المذكور و هو غير متحقق في الفضولي و البناء علي القدرة الواقعية باطل إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية إلي أن قال و الحاصل أن القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها إن وجدت لم تنفع ثم قال لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك و إنه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة علي التسليم حال العقد لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا- لمصاحبة الإذن للبيع غاية الأمر حصوله بالفحوي و شاهد الحال و هما من أنواع الإذن و مع الإذن لا يكون فضوليا و لا تتوقف صحة بيعه علي الإجازة و لو سلمنا بقاءه علي الصفة فمعلوم أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم علي هذا الفرض و فيما ذكره من مبني مسألة الفضولي ثم في تفريع الفضولي ثم في الاعتراض الذي ذكره ثم في الجواب عنه أولا و ثانيا تأمل بل نظر فتدبر.

مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا

علي المشهور بين علمائنا كما في التذكرة بل إجماعا كما في الخلاف و الغنية و الرياض و بلا خلاف كما عن كشف الرموز لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف و مع احتماله بيع غرر منفي إجماعا نصا و فتوي خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض علمائنا و لعله الإسكافي حيث إن المحكي عنه أنه لا يجوز أن يشتري الآبق وحده إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع انتهي و قد تقدم عن الفاضل القطيفي في إيضاح النافع منع اشتراط القدرة علي التسليم و قد عرفت ضعفه لكن يمكن أن يقال بالصحة في خصوص الآبق لحصول الانتفاع به بالعتق خصوصا مع تقييد الإسكافي بصورة ضمان البائع فإنه يندفع به الغرر عرفا لكن سيأتي ما فيه فالعمدة الانتفاع بعتقه و له وجه لو لا النص الآتي و الإجماعات المتقدمة مع أن قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر و كما لا يجوز جعله مثمنا لا يجوز جعله منفردا ثمنا لاشتراكهما في الأدلة. و قد تردد في اللمعة في جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا و إن قرب أخيرا المنع منفردا و لعل وجه الاستناد في المنع عن جعله مثمنا هو النص و الإجماع الممكن دعوي اختصاصهما بالثمن دون نفي الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به في العتق. و يؤيده حكمه بجواز بيع الضال و المحجور مع خفاء الفرق بينهما و بين الآبق في عدم القدرة علي التسليم و نظير ذلك ما في التذكرة حيث ادعي أولا الإجماع علي اشتراط القدرة علي التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر ثم قال و المشهور بين علمائنا المنع عن بيع الآبق منفردا إلي أن قال و قال بعض علمائنا بالجواز و حكاه عن بعض العامة أيضا. ثم ذكر الضال و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا أو اشتراط الضميمة فإن التنافي بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر و التوجيه يحتاج إلي تأمل. و كيف كان فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه فتعتبر فيه القدرة علي التسليم وجهان بل قولان من عمومات الصلح و ما علم من التوسع فيه لجهالة المصالح عنه إذا تعذرت أو تعسرت معرفته بل مطلقا و اختصاص الغرر المنفي بالبيع و من أن الدائر علي السنة الأصحاب نفي الغرر من غير اختصاص بالبيع حتي أنهم يستدلون به في غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات كالإجارة و المزارعة و المساقاة و الجعالة بل قد يرسل في كلماتهم عن النبي ص أنه نهي عن الغرر و قد رجح بعض الأساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن علي المسامحة من الصلح و ظاهر المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر علي تسليمه علي القول بعدم اشتراط القبض في الرهن جواز الصلح عليه. و أما الضال و المحجور و المغصوب و نحوها مما لا يقدر علي تسليمه فالأقوي فيها عدم الجواز وفاقا لجماعة للغرر المنفي المعتضد بالإجماع المدعي علي اشتراط القدرة علي التسليم إلا أن يوهن بتردد مدعيه كالعلامة في التذكرة في صحة بيع الضال منفردا و بمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضمونا علي البائع و أما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به فهو ضرر قد أقدم عليه و جهالتها غير مضرة مع إمكان العلم بتلك المدة كضالة يعلم أنها لو لم توجد بعد ثلاثة أيام فلن توجد بعد ذلك و كذا في المغصوب و المنهوب. و الحاصل أنه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه في حكم التلف المقتضي لانفساخ البيع من أصله و فرض عدم تسلط البائع علي مطالبته بالثمن لعدم تسليم المثمن فإنه لا خطر حينئذ في البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التي يفوت الانتفاع بالمبيع فيها هذا و لكن يدفع جميع ما ذكر أن المنفي في حديث الغرر كما تقدم هو ما كان غررا في نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع و لذا قوينا فيما سلف جريان نفي الغرر في البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم. و من المعلوم أن بيع الضال و شبهه ليس محكوما عليه في العرف بكونه في ضمان البائع بل يحكمون بعد ملاحظة إقدام المشتري علي شرائه بكون تلفه منه فالانفساخ بالتلف حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي ليس في نفسه غررا. و مما ذكر يظهر أنه لا يجدي في رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعي بالتسليم فإن تسلم قبل مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به و إلا تخير بين الفسخ و الإمضاء كما استقر به في اللمعة فإن ثبوت الخيار حكم شرعي عارض للبيع الصحيح الذي فرض فيه العجز عن تسليم المبيع فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع
المبطل له لكن قد مرت المناقشة في ذلك بمنع إطلاق الغرر علي مثل هذا بعد اطلاعهم علي الحكم الشرعي اللاحق للمبيع من ضمانه قبل العلم و من عدم التسلط علي مطالبة الثمن فافهم. و لو فرض أخذ المتبايعين لهذا الخيار في متن العقد فباعه علي أن يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلي ثلاثة أيام
المكاسب، ج‌2، ص 189
أمكن جوازه لعدم الغرر حينئذ عرفا و لذا لا يعد بيع العين غير المرئية الموصوفة بالصفات المعينة من بيع الغرر لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراط فيه الموجب للتسلط علي الرد و لعله لهذا اختار في محكي المختلف تبعا للإسكافي جواز بيع الآبق إذا ضمنه البائع فإن الظاهر منه اشتراط ضمانه. و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه و إن كان قد يرد علي هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان فتأمل.

مسألة يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة

كما عن الانتصار و كشف الرموز و التنقيح بل بلا خلاف كما عن الخلاف حاكيا فيه كما عن الانتصار إطباق العامة علي خلافه. و ظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غررا حيث حكي احتجاج العامة بالغرر فأنكره عليهم مع الضميمة و فيه إشكال. و الأولي لنا التمسك قبل الإجماعات المحكية المعتضدة بمخالفة من جعل الرشد في مخالفته بصحيحة رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن ع أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها شيئا ثوبا أو متاعا فنقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فإن ذلك جائز و موثقة سماعة عن أبي عبد الله ع: في الرجل قد يشتري العبد و هو آبق عن أهله فقال لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر فيقول أشتري منك هذا الشي‌ء و عبدك بكذا و كذا فإن لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه. و ظاهر السؤال في الأولي و الجواب في الثانية الاختصاص بصورة رجاء الوجدان و هو الظاهر أيضا من معاقد الإجماعات المنقولة فالمأيوس عادة من الظفر به الملحق بالتألف لا يجوز جعله جزء من المبيع لأن بذل جزء من الثمن في مقابله لو لم يكن سفها أو أكلا للمال بالباطن لجاز جعله مثمنا يباع به مستقلا فالمانع عن استقلاله بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع للنهي عن الغرر السليم عن المخصص نعم يصح تملكه علي وجه التبعية للمبيع باشتراط و نحوه و أيضا الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها و أما صحة بيعها منفردة فلا تظهر من الرواية [فلو أضاف إلي الضميمة ما لا يتعذر تسليمه كفي و لا يكفي ضم المنفعة إلا إذا فهمنا من قوله ع فإن لم يقدر إلي آخر الرواية تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته للثمن فيكون ذكر اشتراط الضميمة معه من باب المثال أو كناية عن نقل مال أو حق إليه مع الآبق لئلا يخلو الثمن عن المقابل فتأمل. ثم إنه لا إشكال في انتقال الآبق إلي المشتري إلا أنه لو بقي علي إباقه و صار في حكم التالف لم يرجع علي البائع بشي‌ء و إن اقتضت قاعدة التلف قبل القبض استرداد ما قابله من الثمن فليس معني الرواية أنه لو لم يقدر علي الآبق وقعت المعاوضة علي الضميمة و الثمن لتكون المعاوضة علي المجموع مراعاة لحصول الآبق في يده كما يوهمه ظاهر المحكي عن كاشف الرموز من أن الآبق ما دام آبقا ليس مبيعا في الحقيقة و لا جزء مبيع مع أنه ذكر بعد ذلك ما يدل علي إرادة ما ذكرناه بل معناها أنه لا يرجع المشتري بتعذر الآبق الذي هو في حكم التلف الموجب للرجوع بما يقابله التالف بما يقابله من الثمن و لو تلف قبل اليأس ففي ذهابه علي المشتري إشكال و لو تلفت الضميمة قبل القبض فإن كان بعد حصول الآبق في اليد فالظاهر الرجوع بما قابلته الضميمة لا مجموع الثمن لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا و لا بعد الحصول في اليد و كذا لو كان بعد إتلاف المشتري له مع العجز عن التسليم كما لو أرسل إليه طعاما مسموما لأنه بمنزلة القبض و إن كان قبله ففي انفساخ البيع في الآبق تبعا للضميمة أو بقائه بما قابله من الثمن وجهان من أن العقد علي الضميمة إذا صار كأن لم يكن تبعه العقد علي الآبق لأنه كان سببا في صحته و من أنه كان تابعا له في الحدوث فيما إذا تحقق تملك المشتري له فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأسا هو انحلال المقابلة الحاصلة بينه و بين ما يخصه من الثمن لا الحكم الآخر الذي كان يتبعه في الابتداء لكن ظاهر النص أنه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن أصلا و لا يوضع له شي‌ء منه أبدا علي تقدير عدم الظفر به و من هنا ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد من جهة الضميمة فقط لاشتراط خيار يخص بها. نعم لو عقد علي الضميمة فضولا و لم يجز مالكها انفسخ العقد بالنسبة إلي المجموع ثم لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا إما بعد القدرة عليه أو قبلها كان له الرجوع بأرشه كذا قيل.

مسألة المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا

فلو باع بحكم أحدهما بطل إجماعا كما عن المختلف و التذكرة و اتفاقا كما عن الروضة و حاشية الفقيه للسلطان. و السرائر في مسألة البيع بحكم المشتري إبطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فإنه باطل بلا خلاف بين المسلمين. و الأصل في ذلك حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين.
و يؤيده التعليل في رواية حماد بن ميسرة عن جعفر عن أبيه ع: أنه يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم. لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة قال: سألت أبا عبد الله ع فقلت ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي فقبضتها منه علي ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له هذه الألف درهم حكمي عليك فأبي أن يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بألف درهم قال فقال أري أن تقوم الجارية بقيمة عادلة فإن كان ثمنها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد إليه ما نقص من القيمة و إن كانت قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له قال فقلت أ رأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك أن تردها و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب. لكن التأويل فيها متعين لمنافاة ظاهرها لصحة البيع و فساده فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع إذ لو كان صحيحا لم يكن معني لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص. نعم هي محتاجة إلي أزيد من هذا التأويل بناء علي القول بالفساد بأن يراد من قوله باعنيها بحكمي قطع المساومة علي أن أقومها علي نفسي بقيمتها العادلة في نظري حيث إن رفاعة كان نحاسا يبيع و يشتري الرقيق فقومها رفاعة علي نفسه بألف درهم أما معاطاة و إما مع إنشاء الإيجاب وكالة و القبول أصالة فلما مسها و بعث الدراهم لم يقبلها المالك لظهور غبن له في المبيع و أن رفاعة مخطئ في القيمة أو لثبوت خيار الحيوان للبائع علي القول به. و قوله ع إن كانت قيمتها أكثر فعليك أن ترد ما نقص
المكاسب، ج‌2، ص 190
إما أن يراد به لزوم ذلك عليه من باب إرضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية حيث إن المالك لا حاجة له في الجارية فيسقط خياره ببذل التفاوت و إما أن يحمل علي حصول الحبل بعد المس فصارت أم ولد فتعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع و قد يحمل علي صورة تلف الجارية و ينافيه قوله ع فيما بعد فليس عليك أن تردها إلي آخر الرواية. و كيف كان فالحكم بصحة البيع بحكم المشتري و انصراف الثمن إلي القيمة السوقية لهذه الرواية كما حكي عن ظاهر الحدائق فضعيف. و أضعف منه ما عن الإسكافي من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت و يكون للمشتري الخيار و يرده أن البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره الخيار و أما بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر كما تقدم عند حكاية قول الإسكافي في مسألة القدرة علي التسليم.

مسألة العلم بقدر المثمن كالثمن

اشارة

شرط بإجماع علمائنا كما عن التذكرة. و عن الغنية العقد علي المجهول باطل بلا خلاف و عن الخلاف ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و إن شوهد إجماعا و في السرائر ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف و الأصل في ذلك ما تقدم من النبوي المشهور

و في خصوص الكيل و الوزن خصوص الأخبار المعتبرة

منها صحيحة الحلبي

اشارة

عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم ثم إن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته قال لا يصلح إلا أن يكيل و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام. و في رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة.

[الإيراد علي الصحيحة و الجواب عنه

و الإيراد علي دلالة الصحيحة بالإجمال أو باشتمالها علي خلاف المشهور من عدم تصديق البائع غير وجيه لأن الظاهر من قوله ع سميت فيه كيلا أنه يذكر فيه الكيل فهي كناية عن كونه مكيلا في العادة اللهم إلا أن يقال إن وصف الطعام كذلك الظاهر في التنويع مع أنه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن إلا في مثل الزرع قائما يبعد إرادة هذا المعني فتأمل. و أما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول علي شرائه سواء زاد أم نقص خصوصا إذا لم يطمأن بتصديقه لا شراؤه علي أنه القدر المعين الذي أخبر به البائع فإن هذا لا يصدق عليه الجزاف. قال في التذكرة لو أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل صح عندنا و قال في التحرير لو أعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد أم نقص لم يجز. و أما نسبة الكراهة إلي هذا البيع فليس فيه ظهور في المعني المصطلح يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح في الفساد.

[رواية سماعة]

و في الصحيح عن ابن محبوب عن زرعه عن سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال أو يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن فقال إما أن تأتي رجلا في طعام قد اكتيل أو وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس إن أنت اشتريته منه و لم تكله أو لم تزنه إذا أخذه [كان المشتري الأول [قد أخذه بكيل أو وزن و قلت له عند البيع إني أربحك فيه كذا و كذا [و قد رضيت بكيلك و وزنك و دلالتها أوضح من الأولي.

[رواية أبان

و رواية أبان عن محمد بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله ع اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل فقال لا أما أنت فلا تبعه حتي تكيله دلت علي عدم جواز البيع بغير كيل إلا إذا أخبره البائع فصدقه.

[رواية أبي العطارد]

و فحوي رواية أبي العطارد و فيها قلت: فأخرج الكر و الكرين فيقول الرجل أعطيته بكيلك فقال إذا ائتمنك فلا بأس

[و مرسلة ابن بكير]

و مرسلة ابن بكير عن رجل: سأل أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل فقال إما أن يأخذ كله بتصديقه و إما أن يكيله كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه إرشادي محمول علي أنه إن صدقه فلا حاجة إلي كلفة كيل البعض و إلا فلا يجزي كيل البعض و تحتمل الرواية الحمل علي استيفاء المبيع بعد الاشتراء
و كيف كان ففي مجموع ما ذكر من الأخبار و ما لم يذكر مما فيه إيماء إلي المطلب من حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل. و تقرير الإمام كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده و غيرها مع ما ذكر من الشهرة المحققة و الاتفاقات المنقولة كفاية في المسألة

[هل الحكم منوط بالغرر الشخصي أم لا]

ثم إن ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي و إن كانت حكمته سد باب المسامحة المقتضية إلي الوقوع في الغرر كما أن حكمه الحكم باعتبار بعض الشروط في بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند إهمال ذلك الشرط فحينئذ يعتبر التقدير بالكيل أو الوزن و إن لم يكن في شخص المقام غرر كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو غيره المتساوي له في القيمة فإنه لا يتصور هنا غرر أصلا مع الجهل بمقدار كل من العوضين لأنه مساو للآخر في المقدار أو يحتمل غير بعيد حمل الإطلاقات و لا سيما الأخبار علي المورد الغالب و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا علي التقدير. فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفي كما في الفرض المزبور و كما إذا كان للمتبائعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف عن الواقع و كما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وزن الميزان لمثله كما لو دفع فلسا و أراد به دهنا لحاجة فإن الميزان لم يوضع لمثله فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين. و لا منافاة بين كون الشي‌ء من جنس المكيل و الموزون و بين عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة أو لكثرة كزبرة الحديد كما نبه عليه في القواعد و شرحها و حاشيتها. و مما ذكرنا يتضح عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة فإنها و إن كانت من الموزون و لذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها إلا أنها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها لا تتوقف علي وزنها فهي كالقليل و الكثير من الموزون الذي لا يدخله الوزن و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان و كذا الدرهم و الدينار الخالصان فإنهما و إن كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا إجماعا إلا أن ذلك لا ينافي جواز جعلهما عوضا من دون معرفة بوزنهما لعدم غرر في ذلك أصلا و يؤيد ذلك جريان سيرة الناس علي المعاملة بهما من دون معرفة أغلبهم بوزنها. نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانهما عن وزنهما المقرر في وضعهما من حيث تفاوت قيمتهما بذلك فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب و من هنا لا يجوز إعطاء الناقص منهما لكونه غشا و خيانة و بهذا يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود و شبهها حيث إن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه. و إلي ما ذكرنا من الفرق
المكاسب، ج‌2، ص 191
أشير في صحيحة عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الشي‌ء بالدراهم فأعطي الناقص الحبة و الحبتين قال لا حتي تبينه ثم قال إلا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا. و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع و كيله مدار الغرر الشخصي قريب في الغاية إلا أن الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في موارد كثيرة

[وجوب معرفة العدد في المعدود و الدليل عليه

ثم إن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر و يشير إليه بل يدل عليه تقرير الإمام ع في الرواية الآتية المتضمنة لتجويز الكيل في المعدود المتعذر عده. و يظهر من المحكي عن المحقق الأردبيلي المناقشة في ذلك بل الميل إلي منعه و جواز بيع المعدود مشاهدة و ترده رواية الجواز الآتية. و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها بإعدادها كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب. و عد العلامة البطيخ و الباذنجان في المعدودات حيث قال في شروط السلم من القواعد و لا يكفي في السلم و صحته العد في المعدودات بل لا بد من الوزن في البطيخ و الباذنجان و الرمان و إنما اكتفي بعدها في البيع للمعاينة انتهي و قد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ و الرمان إذا كانا رطبين لعدم الوزن و ثبوته مع الجفاف بل يظهر منه كون القثّاء و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة و كل ذلك محل تأمل لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن فالظاهر أن تقدير المال عرفا في المذكورات بالوزن لا بالعدد كما في الجوز و البيض.

مسألة [في التقدير بغير ما يتعارف التقدير به

اشارة

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع- في المكيل و الموزون و المعدود بما يتعارف التقدير به هو عدم حصول الغرر الشخصي فلا إشكال في جواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به إذا انتفي الغرر بذلك- بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا لكن تقدم أن ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدي إلي التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات زيادة علي التراضي الفعلي حال المعاملة و حينئذ فيقع الكلام و الإشكال في تقدير بعض المعاملات بغير ما تعارف فيه

[هل يجوز بيع المكيل وزنا و بالعكس

اشارة

فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدمه علي أقوال ثالثها جواز الكيل وزنا دون العكس لأن الوزن أصل الكيل و أضبط و إنما عدل إليه في المكيلات تسهيلا. فالمحكي عن الدروس في السلم جوازه مطلقا حيث قال و لو أسلم في المكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن الإمام الصادق ع و كأنه أشار بها إلي رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن علي ص قال: لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن. و لا يخفي قصور الرواية سندا بوهب و دلالة بأن الظاهر منها جواز إسلاف الموزون في المكيل و بالعكس لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن و بالعكس. و يعضده ذكر الشيخ الرواية في باب إسلاف الزيت في السمن

[الكلام في مقامين

اشارة

فالذي ينبغي أن يقال إن الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر من حيث جعله دليلا علي التقدير المعتبر فيه بأن يستكشف من الكيل وزن الموزون و بالعكس و تارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره بالمتعارف.

أما الأول [التقدير بغير ما تعارف تقديره به من حيث جعله طريقا إلي ما تعارف فيه

فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح به عادة و قد يكون مما لا يتسامح فيه و أما الأول فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الآخر طريقا إليه و تؤيده رواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائره علي قدر ذلك قال لا بأس و استدل بها في التذكرة علي جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي إليه و أردفه بقوله و لأنه يحصل المطلوب و هو العلم. و استدلاله الثاني يدل علي عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر و التقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في مورد السؤال و هو تعذر وزن مائة راوية من الزيت و لا يخفي أن هذه العلة لو سلمت علي وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال إنما يجب الاقتصار علي موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير و قد عرفت أن هذا في الحقيقة تقدير و ليس بجزاف نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجي‌ء و أما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه فالظاهر أيضا الجواز مع البناء علي ذلك المقدر المستكشف من التقدير إذا كان ذلك التقرير أمارة علي ذلك المقدار لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف فيكون نظير إخبار البائع بالكيل و يتخير المشتري لو نقص.
و ما تقدم من صحيحة الحلبي في أول الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة علي المتعارف.

[الثاني التقدير بغير ما تعارف تقديره به مستقلا]

و أما كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصالة من غير ملاحظة التقدير المتعارف فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا علي المشهور كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة المنهي عنه في الأخبار و معقد الإجماعات لأن الوزن أضبط من الكيل و مقدار مالية المكيلات معلوم به أصالة من دون إرجاع إلي الكيل.
و المحكي المؤيد بالتتبع أن الوزن أصل الكيل و أن العدول إلي الكيل من باب الرخصة و هذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات و يشهد لأصالة الوزن أن المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة علي اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ إلا الوزن إذ ليس هنا كيل واحد تقاس المكاييل عليه. و أما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ففيه إشكال بل لا يبعد عدم الجواز. و قد عرفت عن السرائر أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف فإن هذه مجازفة صرفه إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه وعاء منضبط فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو مل‌ء اليد فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة. فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلي كفاية المشاهدة ثم إنه قد أعلم مما ذكرنا أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة و الرطل و الوزنة باصطلاح أهل العراق الذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم فهي غير جائزة لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه و جعله في الميزان و وضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة علي ما يحصل بالمشاهدة هذا كله في المكيل و الموزون.
المكاسب، ج‌2، ص 192
و أما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه فالكلام فيه كما عرفت في أخويه و ربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع: أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال لا بأس به. فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة- و لم يردعه الإمام ع بالتنبيه علي أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار لكن التقرير غير واضح فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات و لذا قوي في الروضة الجواز مطلقا. و أما كفاية الكيل فيه أصالة فهو مشكل لأنه لا يخرج عن المجازفة و الكيل لا يزيد علي المشاهدة. و أما الموزون فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم أنه لا يكفي العد في المعدودات و إن جاز بيعها معجلا بالعد بل لا بد من الوزن أنه لا خلاف في أنه أضبط و أنه يغني عن العد. فقولهم في شروط العوضين إنه لا بد من العد في المعدودات محمول علي أقل مراتب التقدير لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم و يكفي الوزن عن العد فإنه بوهم كونه الأصل في الضبط إلا أن يريدوا هنا الأصالة و الفرعية بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة فافهم.

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي‌ء مكيلا أو موزونا

فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل و الوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا و إلا فلا. و عن ظاهر مجمع البرهان و صريح الحدائق نسبته إلي الأصحاب و ربما منع ذلك بعض المعاصرين قائلا إن دعوي الإجماع علي كون المدار هنا علي زمانه ص علي وجه المذكور غريبة فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا. نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلي حكم الربا لا أنه كذلك بالنظر إلي الجهالة و الغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه ص في رفع شي‌ء من ذلك و إثباته انتهي. أقول ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا يعني في شروط العوضين و إنما ذكروه في باب الربا حق إلا أن المدار وجودا و عدما في الربا علي اشتراط الكيل و الوزن في صحة بيع جنس ذلك الشي‌ء و أكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط و المعيار فيه هنا يعني في شروط العوضين إلا أن الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا و في ذلك الباب. و أما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا و عدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو خلاف الواقع. أما أولا فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه. قال في المبسوط في باب الربا إذا كانت عادة الحجاز علي عهده ص في شي‌ء الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد و ما كانت فيه وزنا لم يجز إلا وزنا في سائر البلاد و المكيال مكيال أهل المدينة و الميزان ميزان أهل مكة هذا كله لا خلاف فيه فإن كان مما لا تعرف عادته في عهده ص حمل علي عادة البلد الذي فيه ذلك الشي‌ء فإذا ثبت ذلك فما عرف بالكيل لا يباع إلا بالكيل و ما عرف فيه الوزن لا يباع إلا وزنا انتهي. و لا يخفي عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع لا لخصوص مبايعة المتماثلين و نحوه كلام العلامة في التذكرة. و أما ثانيا فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا و في باب الربا أن الموضوع في كلتا المسألتين شي‌ء واحد أعني المكيل و الموزون قد حمل عليه حكمان أحدهما عدم صحة بيعه جزافا و الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا و يزيده وضوحا ملاحظة أخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين. و أما ثالثا فلأنه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا أن من شرط الربا كون الكيل و الوزن شرطا في صحة بيعه. قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل و الوزن في الربا تفريعا علي ذلك إنه لا رباء في الماء إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن و قال في الدروس و لا يجري الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا ثم قال و كذا الحجارة و التراب و الحطب و لا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لأن الوزن غير شرط في صحته انتهي. و هذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا و شرح القواعد و حاشيتهما للمحقق الثاني و الشهيد عند قول العلامة و المراد بالمكيل و الموزون هنا جنسه و إن لم يدخلاه لقلته كالحبة و الحبتين من الحنطة أو لكثرته كالكزبرة و لازم ذلك يعني اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل و الوزن في صحة بيعه أنه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو موزونا علي عهد رسول الله ص لزم أن لا يجوز بيعه جزافا و إلا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه. و بالجملة فتلازم الحكمين أعني دخول الربا في جنس و اشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفي علي المتتبع في كتب الأصحاب و حينئذ فنقول كل ما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره ص فهو ربوي في زماننا و لا يجوز بيعه جزافا فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا و إن لم يلزم غرر للإجماع و لما عرفت من أن اعتبار الكيل و الوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع و اعتبار الانضباط في المسلم فيه لأن في تركه مظنة التنازع و التغابن و نحو ذلك. و الظاهر كما عرفت من غير واحد أن المسألة اتفاقية. و أما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه ص
فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا و الظاهر أنه إجماعي كما يشهد به دعوي بعضهم الإجماع علي أن مثل هذا ليس بربوي و الشهرة محققة علي ذلك. نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من إطلاق النهي عن بيع المكيل و الموزون جزافا الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام ع أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين أو أحدهما و إن لم يتعارف في غيره و كذلك قوله ع:
ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب و في عرفه و إن لم يكن كذلك في عرف الشارع اللهم إلا أن يقال إنه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة و أصحابهم كان غير مقدر في زمان الشارع حتي يتحقق المنافاة و الأصل في ذلك أن مفهوم المكيل و الموزون في الأخبار لا يراد بهما كلما فرض صيرورته كذلك حتي يعم ما علم كونه غير مقدر في زمن الشارع بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم و هذه الأفراد لا يعلم عدم كونها مكيلة و لا موزونة في زمن النبي ص لكن يرد علي ذلك مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال أو يوزن أنه لا دليل حينئذ علي اعتبار الكيل
المكاسب، ج‌2، ص 193 فيما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان مع تعارف التقدير فيه في الزمان الآخر إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل و الموزون بل لا بد من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الأخبار و لا دليل أيضا علي إلحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان و الحاصل أن الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن علي ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي ص ثم بما اتفقت عليه بالبلاد ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلي نفسه في غاية الإشكال فالأولي تنزيل الأخبار علي ما تعارف تقديره عند المتبايعين و إثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالإجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة و كذا الإشكال لو علم التقدير في زمن الشارع و لم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل اللفظ علي المتعارف عند الشارع و لكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية و لكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلفت البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه انتهي و ذكر المحقق الثاني أيضا أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو العرف السابق و لا أثر للتغير الطاري للاستصحاب و لظاهر قوله ص: حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة و أما في الأقارير و نحوهما فالظاهر الحوالة علي عرف ذلك العصر الواقع فيه شي‌ء عنها حملا له علي ما يفهمه المواقع انتهي. أقول ليس الكلام في مفهوم المكيل و الموزون بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم فإن المراد بقولهم ع: ما كان مكيلا فلا يباع جزافا و لا يباع بعضه ببعض إلا متساويا إما أن يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف و علي أي تقدير فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد فلا بد لبيان حكم غير المراد من دليل خارجي و إرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها و خصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقه لا مع عدمه غير صحيحة كما لا يخفي. و لعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع و عرف العام و العرف الخاص معللا باحتمال إرادة الكيل و الوزن المتعارف عرفا عاما أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلي كل بلد بلد كما قيل في المأكول و الملبوس في السجدة من الأمر الوارد بهما لو سلم و الظاهر هو الأخير انتهي و قد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها علي عرفهم صلوات الله عليهم فكل ما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب إجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة و ما لم يعلم فهو بناء علي قواعدهم يرجع إلي العرف العام إلي آخر ما ذكره من التفصيل ثم قال و يمكن أن يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإن الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلي تسميته عرفا مكيلا و يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم ع انتهي. أقول قد عرفت أن الكلام هنا ليس في معني اللفظ لأن مفهوم الكيل معلوم لغة و إنما الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم ثم لو فرض كون الكلام في معني اللفظ كان اللازم حمله علي العرف العام إذا لم يكن عرف شرعي لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ علي المعني العرفي بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعني الشرعي و مع العجز يحكم بإجمال اللفظ كما هو واضح هذا كله مع أن الأخبار إنما وصلت إلينا من الأئمة ص فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع و أما ما استشهد به للرجوع إلي العرف العام من قوله ع ما سميت فيه كيلا إلي آخره فيحتمل أن يراد به عرف المخاطب فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين. نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص لمقطوعة ابن هاشم الآتية فتأمل. و أبعد شي‌ء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد من أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل إطلاق لفظ الشارع عليهما
فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله إلي آخره. و بالجملة فإتمام المسائل الثلاث بالأخبار مشكل لكن الظاهر أن كلها متفق عليها.
نعم اختلفوا فيما إذا كانت البلاد مختلفة في أن لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو أنه يغلب جانب التحريم كما عليه جماعة من أصحابنا لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير ثم إنه يشكل الأمر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ففيه وجوه أقواها و أحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر و أشكل من ذلك ما لو علم كون الشي‌ء غير مكيل في زمان الشارع أو في العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص و لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفي الغرر لاحتمال كون ذلك الشي‌ء من المبتذلات في زمن الشارع أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته و قد بلغ عند قوم في العزة إلي حيث لا يتسامح فيها فالأقوي وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع فيه الغرر من الكيل أو الوزن أو العد. و بالجملة فالأولي جعل المدار فيما لا إجماع فيه علي وجوب التقدير بما بني الأمر في مقام استعلام مالية الشي‌ء علي ذلك التقدير فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العدد بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان و البطيخ فإنه لا يجاب إلا بالوزن و إذا سئل عن مقدار الحنطة و الشعير فربما يجاب بالكيل و ربما يجاب بالوزن لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن و قد تقدم أن الوزن أصل في الكيل. و ما ذكرنا هو المراد بالمكيل و الموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل و الوزن عند البيع و بدخول الربا فيهما و أما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء و التين و الخضريات فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلفت البلاد في التقدير و العدم فلا إشكال في التقدير في بلد التقدير و أما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشي‌ء عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة
المكاسب، ج‌2، ص 194
كفت المشاهدة و إن كان لعدم مبالاتهم بالغرر و إقدامهم عليه حرصا مع الاعتياد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها فإن النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر و المجازفات كبيع الملاقيح و المضامين و الملامسة و المنابذة و الحصاة علي بعض تفاسيرها و ثمر الشجر قبل الوجود و غير ذلك لم ترد إلا ردا علي من تعارف عندهم الإقدام علي الغرر و البناء علي المجازفات الموجبة لفتح أبواب المنازعات. و إلي بعض ما ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله ذكره في حديث طويل قال: و لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلي العامة و لا يؤخذ فيه بالخاصة فإن كان قوم يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم لأن أصل اللحم أن يوزن و أصل الجوز أن يعد. و علي ما ذكرنا فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد و لا ببلد المتعاقدين و في شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلي العادة مع اتفاقها اتفاقي و لو اختلفت فلكل بلد حكمه كما هو المشهور. و هل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين الأقوي الأول و لو تعاقدا في الصحراء رجعا إلي حكم بلدهما و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم أو ذو الاعتبار علي ذي الجزاف أو البائع في مبيعه و المشتري في ثمنه أو يبني علي الإقراع مع الاختلاف و ما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير و لعله الأقوي و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان و الأولي التخلص بإيقاع المعاملة علي وجه لا تفسدها الجهالة من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة و نحوها و لو حصل الاختلاف في البلد الواحد علي وجه التساوي فالأقوي التخيير و مع الاختصاص بجمع قليل إشكال انتهي
@@@

مسألة لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور

اشارة

و عبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه و يدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة. و ما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول علي صورة إيقاع المعاملة غير مبنية علي المقدار المخبر به و إن كان الأخبار داعيا إليها فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر. و قد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك

[هل يعتبر كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار]

ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار كما تشهد به الروايات المتقدمة فلو لم يفد ظنا فإشكال من بقاء الجهالة الموجبة للغرر و من عدم تقييدهم الأخبار بإفادة الظن و لا المخبر بالعدالة و الأقوي بناء علي اعتبار التقدير و إن لم يلزم الغرر الفعلي هو الاعتبار. نعم لو دار الحكم مدار الغرر كفي في صحة المعاملة إيقاعها مبنية علي المقدار المخبر به و إن كان مجهولا. و يندفع الغرر ببناء المتعاملين علي ذلك المقدار فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة علي أوصاف مذكورة في العقد فيقول بعتك هذه الصبرة علي أنها كذا و كذا صاعا و علي كل تقدير فالحكم فيه الصحة

[ثبوت الخيار للمشتري لو تبين الخلاف بالنقيصة]

اشارة

فلو تبين الخلاف فإما أن يكون بالنقيصة و إما أن يكون بالزيادة فإن كان بالنقيصة تخير المشتري بين الفسخ و بين الإمضاء بل في جامع المقاصد احتمال البطلان كما لو باعه ثوبا علي أنه كتان فبان قطنا ثم رده بكون ذلك من غير الجنس و هذا منه و إنما الفائت الوصف لكن يمكن أن يقال إن مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقية لا تشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما في أصل الحقيقة بخلاف الجزء و الكل فتأمل فإن المتعين الصحة و الخيار. ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة و للمشتري مع النقيصة بقوله تخير المغبون فربما تخيل بعض تبعا لبعض أن هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء معللا بأن خيار الوصف إنما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد و يدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة في التذكرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشتري بالناقص و في باب الصرف من القواعد بأنه لو تبين المبيع علي خلاف ما أخبر به البائع تخير المشتري بين الفسخ و الإمضاء بحصة معينة من الثمن. و تصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة بابتنائها علي المسألة المعروفة و هي مسألة ما لو باع متساوي الأجزاء علي أنه مقدار معين فبان أقل و من المعلوم أن الخيار في تلك المسألة إما لفوات الوصف و إما لفوات الجزء علي الخلاف الآتي. و أما التعبير بالمغبون فيشمل البائع علي تقدير الزيادة و المشتري علي تقدير النقيصة نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع و المشتري في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف حيث قال تخير المغبون منهما. و أما ما ذكره من أن الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ففيه أن ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ككتابة العبد و خياطته. و أما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل أو الوزن أو العد فهذا لا يحتاج إلي ذكره في متن العقد فإن هذا أولي من وصف الصحة الذي يغني بناء العقد عليه عن ذكره في العقد فإن معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد بخلاف معرفة وجود المقدار المعين

[عدم الإشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف

و كيف كان فلا إشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف و إنما الإشكال في أن المختلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع أو وصف من أوصافه فلذلك اختلف في أن الإمضاء هل هو بجميع الثمن أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الأجزاء إلي المعدوم و تمام الكلام في موضع تعرض الأصحاب المسألة

[كل ما يكون طريقا عرفيا إلي مقدار المبيع فهو بحكم إخبار البائع

ثم إن في حكم إخبار البائع بالكيل و الوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا إلي مقدار المبيع و أوقع العقد بناء عليه كما إذا جعلنا الكيل في المعدود و الموزون طريقا إلي عده أو وزنه.

مسألة قال في الشرائع يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة

و إن لم يمسحا و لو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك و تعذر إدراكه بالمشاهدة انتهي و في التذكرة لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة صح كالثوب و الدار و الغنم إجماعا و صرح في السرائر بجواز بيع قطيع الغنم و إن لم يعلم عددها. أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد لثبوت الغرر غالبا مع جهل أذرع الثوب و عدد قطيع الغنم و الاعتماد علي عددها علي ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة. و بالجملة فإذا فرضنا أن مقدار مالية الغنم قلة و كثرة يعلم بالعدد فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها و بين الجهل بالمقدار في المكيل و الموزون و المعدود و كذا الحكم في عدد الأذرع و الطاقات و الكرابيس و الجربان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب. نعم ربما يتفق
المكاسب، ج‌2، ص 195
تعارف عدد خاص في أذرع بعض طاقات الكرابيس لكن الاعتماد علي هذا من حيث كونه طريقا إلي عدد الأذرع نظير إخبار البائع و ليس هذا معني كفاية المشاهدة و تظهر الثمرة في ثبوت الخيار إذ علي تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلي ما حصل التخمين به من المشاهدة إلا إذا كان النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا و عرضا. و بالجملة فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم به و لو لم يكن غرر كما استظهرناه في المكيل و الموزون فافهم.

مسألة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء

اشارة

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها أو ذراع من كرباس أو عبد من عبدين و شبه ذلك يتصور علي وجوه

الأول أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان

فيريد بالصاع مثلا من صبرة تكون عشرة أصوع عشرها و من عبد من العبدين نصفهما و لا إشكال في صحة ذلك و لا في كون المبيع مشاعا في الجملة و لا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة و عدمه و لا بين العلم بعدد صيعان الصبرة و عدمه لأن الكسر مقدر بالصاع فلا يعتبر العلم بنسبته إلي المجموع هذا و لكن قال في التذكرة و الأقرب أنه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل بخلاف الذراع من الأرض انتهي و لم يعلم وجه الفرق إلا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة.

الثاني أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه

اشارة

من الأفراد المتصورة في المجموع نظير تردد الفرد المنتشر بين الأفراد و هذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة و لا إشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين لأنه غرر لأن المشتري لا يعلم بما يحصل في يده منهما و أما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع بل في الرياض نسبته إلي الأصحاب. و عن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلي الأصحاب و استدل علي المنع بعضهم بالجهالة التي يبطل معها البيع إجماعا و آخر بأن الإبهام في البيع مبطل له لا من حيث الجهالة. و يؤيده أنه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي و لم يدر أيهما هو صح خلافا لبعض العامة و ثالث بلزوم الغرر و رابع بأن الملك صفة وجودية محتاجة إلي محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج و أحدهما علي سبيل البدل غير قابل لقيامه به لأنه أمر انتزاعي من أمرين معينين و يضعف الأول بمنع المقدمتين لأن الواحد علي سبيل البدل غير مجهول إذ لا تعين له في الواقع حتي يجهل و المنع عن بيع المجهول و لو لم يلزم غرر غير مسلم نعم وقع في معقد بعض الإجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين. ففي السرائر بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف علي جواز بيع عبد من عبدين قال إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا و فتاواهم و تصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف انتهي و عن الخلاف في باب السلم أنه لو قال أشتري منك أحد هذين العبدين أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء دليلنا أنه بيع مجهول فيجب أن لا يصح و لأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين و لأنه لا دليل علي صحة ذلك في الشرع. و قد ذكرنا هذه المسألة في البيوع و قلنا إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية و لم يقس غيرهما عليهما انتهي و عبارته المحكية في باب البيوع أنه روي أصحابنا أنه إذا اشتري عبدا من عبدين علي أن للمشتري أن يختار أيهما شاء أنه جائز و لم يرووا في الثوب شيئا ثم قال دليلنا إجماع الفرقة و قوله ص: المؤمنون عند شروطهم انتهي. و سيأتي أيضا في كلام فخر الدين أن عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي يوجب النهي عنه الفساد إجماعا و ظاهر هذه الكلمات صدق الجعالة و كون مثلها قادحة اتفاقا مع فرض عدم نص بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته لإجماع الأمة. و مما ذكرنا من منع كبري الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع أعني كون الإبهام مبطلا. و أما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الأفراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة و لذا يجوز الإسلاف في الكلي من هذه الأفراد مع أن الانضباط في السلم آكد و أيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة و لا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا و لذا رد في الإيضاح حمل الصاع من الصبرة علي الكلي برجوعه إلي عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد إجماعا. و أما الرابع فيمنع احتياج صفة الملك إلي وجود خارجي فإن الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري و لا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري فالوجه أن الملكية أمر اعتباري يعتبرها العرف و الشرع أو أحدهما في مواردها و ليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة و السواد و لذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين بل بأحد الشخصين و نحوهما فالإنصاف كما اعترف به جماعة أولهم المحقق الأردبيلي عدم دليل معتبر علي المنع. قال في شرح الإرشاد علي ما حكي عنه بعد أن حكي عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين و فيه تأمل إذ لم يقم دليل علي اعتبار هذا المقدار من العلم فإنهما إذا تراضيا علي ذراع من هذا الكرباس من أي طرف أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك انتهي. فالدليل هو الإجماع لو ثبت و قد عرفت من غير واحد نسبته إلي الأصحاب قال بعض الأساطين في شرحه علي القواعد بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب و الأرض الراجع إلي بيع الكسر المشاع و إن قصدا معينا من عين أو كليا لا علي وجه الإشاعة بطل لحصول
الغرر بالإبهام في الأول و كونه بيع المعدوم و باختلاف الأغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر و للإجماع المنقول فيه إلي أن قال و الظاهر بعد إمعان النظر و نهاية التتبع أن الغرر الشرعي لا يستلزم
المكاسب، ج‌2، ص 196
الغرر العرفي و بالعكس و ارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية و لعل الدائرة في الشرع أضيق و إن كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين و فهم الأصحاب مقدم لأنهم أدري بمذاق الشارع و أعلم انتهي. و لقد أجاد حيث التجأ إلي فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات.

فرع علي المشهور من المنع لو اتفقا علي أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع

لاتفاقهما علي بطلانه و لو اختلفا فادعي المشتري الإشاعة فيصح البيع و قال البائع أردت معينا. ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا بأصالة الصحة و أصالة عدم التعيين انتهي. و هذا حسن لو لم يتسالما علي صيغة ظاهرة في أحد المعنيين أما معه فالمتبع هو الظاهر و أصالة الصحة لا تصرف الظواهر و أما أصالة عدم التعيين فلم أتحققها. و ذكر بعض من قارب عصرنا أنه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل الفعل علي الصحة قرينة صارفة و فيه نظر.

الثالث من وجوه بيع البعض من الكل أن يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق

اشارة

في الأفراد المتصورة في تلك الجملة

[الفرق بين الوجه الثاني و الثالث

و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرقت الصيعان و قال بعتك أحدها أن المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المشخصة غير معين فيكون بيعه مشتملا علي الغرر و في هذا الوجه أمر كلي غير متشخص و لا متميز بنفسه و يتقوم كل واحد من صيعان الصبرة و يوجد به و مثله ما لو قسم الأرباع و باع ربعا منها من غير تعيين و لو باع ربعا قبل القسمة صح و تنزل علي واحد منها مشاعا لأنه حينئذ أمر كلي. فإن قلت المبيع في الأولي أيضا أمر كلي. قلنا ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلي و بحسب الواقع جزئي غير معين و لا معلوم و المقتضي لهذا المعني هو تفريق الصيعان و جعل كل واحد منها برأسه فصار إطلاق أحدها منزلا علي شخصي غير معلوم فصار كبيع أحد الشياة و أحد العبيد و لو قال بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها لحكمنا بالصحة انتهي. و حاصله أن المبيع مع الترديد جزئي حقيقي فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق علي الأفراد المتصورة في تلك الجملة. و في الإيضاح أن الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة و بين الفرد المنتشر
ثم الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعني كما هو صريح جماعة منهم الشيخ و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم بل الظاهر عدم الخلاف فيه و إن اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة علي الكلي أو الإشاعة لكن يظهر مما عن الإيضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي و أن منشأ القول بالتنزيل علي الإشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعني و الكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة.
قال في الإيضاح في ترجيح التنزيل علي الإشاعة إنه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين فلا يكون معلوم العين و هو الغرر الذي يدل النهي عنه علي الفساد إجماعا و لأن أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح و لا بعينه هو المبهم و إبهام المبيع مبطل انتهي و تبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلي ما في الإيضاح من لزوم الإبهام و الغرر و أخري إلي عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا علي وجه الإشاعة و ثالثة باتفاقهم علي تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة علي الإشاعة. و يرد الأول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر فكيف نسلم في الكلي. و الثاني بأنه معهود في الوصية و الإصداق مع أنه لم يفهم مراده من المعهودية فإن أنواع الملك بل كل جنس لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر إلا أن يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي المشترك بين أفراد موجودة فيكفي في رده النقض بالوصية و شبهها هذا كله مضافا إلي صحيحة الأطنان الآتية فإن موردها إما بيع الفرد المنتشر و إما بيع الكلي في الخارج. و أما الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي.

مسألة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجوه

اشارة

بناء علي المشهور من صحته وجهان بل قولان حكي ثانيهما عن الشيخ و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة و استدل في جامع المقاصد بأنه السابق إلي الفهم. و برواية بريد بن معاوية عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري من رجل عشرة آلاف طن قصب في أنبار بعضه علي بعض من أجمة واحدة و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري قد قبلت و اشتريت و رضيت فأعطاه المشتري من ثمنه ألف درهم و وكل المشتري من يقبضه فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال ع العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع. و يمكن دفع الأول بأن مقتضي الوضع في قوله صاعا من صبرة هو الفرد المنتشر الذي عرفت سابقا أن المشهور بل الإجماع علي بطلانه و مقتضي المعني العرفي هو المقدار المقدر بصاع و ظاهره حينئذ الإشاعة لأن المقدار المذكور عن مجموع الصبرة مشاع فيه. و أما الرواية فهي أيضا ظاهره في الفرد المنتشر كما اعترف به في الرياض لكن الإنصاف أن العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلي فيجعلون الخيار في التعيين إلي البائع و هذه أمارة فهمهم الكلي. و أما الرواية فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر فلا بأس بحملها علي الكلي لأجل القرينة الخارجية و تدل علي عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع و كونه مالا للمشتري فالقول الثاني لا يخلو من قوة بل لم نظفر بمن جزم بالأول و إن حكاه في الإيضاح قولا-

ثم إنه يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا أمور.

أحدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع

لأن المفروض أن المشتري لم يملك إلا الطبيعة المعراة عن التشخيص الخاص فلا يستحق علي البائع خصوصية فإذا طالب بخصوصية زائدة علي تلك الطبيعة فقد طالب ما ليس حقا له و هذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج فليس لمالكه اقتراح الخصوصية علي من عليه الكلي و لذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا وصي الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده و نحو ذلك إلا أنه قد جزم المحقق القمي قدس سره في غير موضع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشتري و لم يعلم له وجه مصحح فيا ليته قاس ذلك علي طلب الطبيعة حيث إن الطالب لما ملك الطبيعة علي المأمور و استحقها منه لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون
المكاسب، ج‌2، ص 197
أخري و كذلك مسألة التمليك كما لا يخفي و أما علي الإشاعة فلا اختيار لأحدهما لحصول الشركة فتحتاج القسمة إلي التراضي.

و منها أنه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه

لأن كل فرد من أفراد الطبيعة و إن كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه إلا أنه يتوقف علي تعيين مالك المجموع و إقباضه فكل ما تلف قبل إقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري فعلا فينحصر في الموجود و هذا بخلاف المشاع فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة إلي اختيار و إقباض فكل ما يتلف من المال فقد تلف من المشتري جزء بنسبة حصته.

و منها أنه لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر

فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول لأن الكلي المبيع ثانيا إنما هو سار في مال البائع و هو ما عدا الصاع من الصبرة فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض و هذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة

[صور إقباض الكلي

ثم اعلم أن المبيع إنما يبقي كليا ما لم يقبض- و أما إذا قبض فإن قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري و إن قبض في ضمن الباقي بأن أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء و الباقي أمانة حصلت الشركة بحصول ماله في يده و عدم توقفه علي تعيين و إقباض حتي يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا و ينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف علي البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما. و الحاصل أن كل جزء معين قبل الإقباض قابل لكونه كلا أو بعضا ملكا فعليا للمشتري و الملك الفعلي له حينئذ هو الكلي الساري فالتالف المعين غير قابل لكون جزئه محسوبا علي المشتري لأن تملكه لمعين موقوف علي اختيار البائع و إقباضه فيحسب علي البائع بخلاف التالف بعد الإقباض فإن تملك المشتري لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الإقباض فنسبة كل جزء معين من الجملة إلي كل من البائع و المشتري علي حد سواء. نعم لو لم يكن إقباض البائع للمجموع علي وجه الإيفاء- بل علي وجه التوكيل في التعيين أو علي وجه الأمانة حتي يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض

[لو باع ثمرة شجرات و استثني منها أرطالا معلومة]

هذا كله مما لا إشكال فيه و إنما الإشكال في أنهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات و استثني منها أرطالا معلومة أنه لو خاست الثمرة سقط من المستثني بحسابه و ظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة علي الإشاعة و لذا قال في الدروس إن في هذا الحكم دلالة علي تنزيل الصاع من الصبرة علي الإشاعة و حينئذ يقع الإشكال في الفرق بين المسألتين حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق علي تنزيلها علي الإشاعة. و المشهور هنا التنزيل علي الكلي بل لم يعرف من جزم بالإشاعة و ربما يفرق بين المسألتين بالنص فيما نحن فيه علي التنزيل علي الكلي و هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة. و فيه أن النص إن استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده إلي مسألة الاستثناء أو بيان الفارق و خروجها عن القاعدة و إن اقتصر علي مورده لم يتعد إلي غير مورده حتي في البيع إلا بعد إبداء الفرق بين موارد التعدي و بين مسألة الاستثناء. و بالجملة فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء علي التعدي عن مورده الشخصي و أضعف من ذلك الفرق بقيام الإجماع علي الإشاعة في مسألة الاستثناء لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلي توقيف بالخصوص و أضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء و مسألة الزكاة و غيرهما مما يحمل الكلي فيها علي الإشاعة و بين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع و إيجابه علي البائع فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلي المشتري إذ هو شبه الكلي في الذمة. و فيه مع أن إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة و الاستثناء أن إيجاب القبض علي البائع يتوقف علي بقائه إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف و الحكم بالبقاء يتوقف علي نفي الإشاعة فنفي الإشاعة بوجوب الإقباض لا يخلو عن مصادرة كما لا يخفي. و أما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق و مثله في الضعف لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع منها و إن بقي قدره فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء فإن التلف فيه بعد القبض و المستثني بيد المشتري أمانة علي الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما و لهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا بخلاف البائع هناك انتهي و فيه مع ما عرفت من أن التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة فكيف يثبت به أنه إن أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض أنه بعد قبض المشتري. ففيه أنه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشتري و لا كلام فيه و لا إشكال و إنما الإشكال في الفرق بين المشتري في مسألة الصاع و البائع في مسألة الاستثناء حيث إن كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه فكيف يحسب نقص التلف علي أحدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلي و إن أريد من كون التلف بعد القبض أن الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك فإذا دفع الكل إلي المشتري فقد دفع مالا مشتركا فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة إلي المشتري فالاشتراك كان قبل القبض. ففيه أن الإشكال بحاله إذ يبقي سؤال الفرق بين قوله بعتك صاعا من هذه الصبرة و بين قوله بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها و ما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول مع كون مقتضي الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه إلا بعد إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك هذا مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك و عدم جواز تصرف المشتري إلا بإذن البائع كما يشعر به فتوي جماعة منهم الشهيدان و المحقق الثاني بأنه لو فرط المشتري وجب أداء المستثني من الباقي و يمكن أن يقال إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن كان علي عدم الإشاعة
المكاسب، ج‌2، ص 198
قبل التلف و اختصاص الاشتراك بالتألف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوي جماعة منهم بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كانت حصة البائع في الباقي. و يؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة علي استقلال المشتري في التصرف و عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء فالمسألتان مشتركتان في التنزيل علي الكلي و لا فرق بينها إلا في بعض ثمرات التنزيل علي الكل و هو حساب التالف عليهما و لا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق إلا دعوي أن المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع و إن كان بناؤهم علي الإشاعة من أول الأمر أمكن أن يكون الوجه في ذلك أن المستثني كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل إلي المشتري بالبيع كليا بمعني أنه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع. فمعني بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها بعتك الكلي الخارج الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع فهو كلي كنفس الصاع فكل منهما مالك لعنوان كلي فالموجود مشترك بينهما لأن نسبة كل جزء منه إلي كل منهما علي نهج سواء فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح و كذا التالف نسبته إليهما علي السواء فيحسب عليهما و هذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا فإن مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتي يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع. فإن قلت إن مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج فيكون كليا كنفس الصاع. قلت نعم و لكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتي يبقي ما بقي ذلك العنوان ليكون الباقي بعد تلف البعض مصداقا لهذا العنوان و عنوان الصاع علي نهج سواء ليلزم من تخصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح فيجي‌ء الاشتراك فإذا لم يبق إلا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له و لا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع فتأمل. هذا ما خطر عاجلا بالبال و قد أوكلنا تحقيق هذا المقام الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر إلي نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفا الله عن الزلل في المعاثر.

[أقسام بيع الصبرة]

قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد إن أقسام بيع الصبرة عشرة لأنها إما أن تكون معلومة المقدار أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع و بيع جزء منها معلوم مشاع و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه و بيعها كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا و المجهولة كلها باطلة إلا الثالث و هو بيع مقدار معلوم تشتمل الصبرة عليه و لو لم يعلم باشتمالها عليه فظاهر القواعد و المحكي عن حواشي الشهيد و غيرها عدم الصحة و استحسنه في الروضة ثم قال نعم لو قيل بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها و المحكي عن ظاهر الدروس و اللمعة الصحة قال فيها فإن نقصت تخير بين أخذ الموجود منها بحصة من الثمن و بين الفسخ لتبعض الصفقة و ربما يحكي عن المبسوط و الخلاف خلافه و لا يخلو من قوة و إن كان في تعيينه نظر لا لتدارك الضرر بالخيار لما عرفت غير مرة من أن الغرر إنما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد بل لمنع الغرر. و إن قيل عدم العلم بالوجود من أعظم أفراد الغرر. قلت نعم إذا بني العقد علي جعل الثمن في مقابل الموجود و أما إذا بني علي توزيع الثمن علي مجموع المبيع غير المعلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا و ربما تحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه. و فيه أن الغرر إن ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا و لكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة إلا مع العلم بالاشتمال أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال. و أما الرابع مع الجهالة و هو بيعها كل قفيز بكذا فالمحكي عن جماعة المنع و عن ظاهر إطلاق المحكي من عبارتي المبسوط و الخلاف أنه لو قال بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع. قال في الخلاف لأنه لا مانع منه و الأصل جوازه و ظاهر إطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال. و عن الكفاية نفي البعد عنه إذ المبيع معلوم بالمشاهدة و الثمن مما يمكن أن يعرف بأن تكال الصبرة و يوزع الثمن علي قفزائها قال و له نظائر ذكر جملة منها في التذكرة و فيه نظر.

مسألة إذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها

اشارة

فإن اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلي غيرها المجهول عند المتبايعين فلا يصح البيع إلا بذكر صفات تصحح بيع الغائب لأن الرؤية القديمة غير نافعة و إن اقتضت العادة بقاءها عليها فلا إشكال في الصحة و لا خلاف فيها أيضا إلا من بعض الشافعية و إن احتمل الأمران جاز الاعتماد علي أصالة عدم التغير و البناء عليها في العقد فيكون نظير إخبار البائع بالكيل و الوزن لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها و لو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة علي خلافه فإن بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول و هو ما اقتضت العادة تغيره لم يجز البيع و إلا جاز ذكر تلك الصفات لا بدونه لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة و كيف كان فإذا باع أو اشتري برؤية قديمة فانكشف التغير تخيير المغبون و هو البائع إن تغير إلي صفات زادت في ماليته و المشتري إن نقصت عن تلك الصفات لقاعدة الضرر و لأن الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة فهي من قبيل تخلف الشرط كما أشار إليه في نهاية الأحكام و المسالك بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط انتهي و توهم أن الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد صيرورتها مأخوذة فيه حتي لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد و الصفات المرئية سابقا حيث إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها
المكاسب، ج‌2، ص 199
كانت دخولها في العقد كان أولي من دخول الشرط المذكور علي وجه الشرطية و لذا لو لم يبن البيع عليها و لم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا فالذكر اللفظي إنما يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد و احتمل في نهاية الأحكام البطلان و لعله لأن المضي علي البيع و عدم نقضه عند تبين الخلاف إن كان وفاء بالعقد وجب فلا خيار و إن لم يكن وفاء لم يدل دليل علي جوازه. و بعبارة أخري العقد إذا وقع علي الشي‌ء الموصوف انتفي متعلقة بانتفاء صفته و إلا فلا وجه للخيار مع أصالة اللزوم و يضعفه أن الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع إما ببناء العقد عليها و إما بذكرها في متن العقد لا تعد من مقومات العقد كما أنها ليست من مقومات المبيع ففواتها فوات حق للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه و تمام الكلام في باب الخيار إن شاء الله.

فرعان

الأول لو اختلفا في التغير فادعاه المشتري

ففي المبسوط و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك تقديم قول المشتري لأن يده علي الثمن كما في الدروس و هو راجع إلي ما في المبسوط و السرائر من أن المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن و لا ينتزع منه إلا بإقراره أو ببينة تقوم عليه انتهي. و تبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية حيث تمسك بأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة و لأن البائع يدعي علمه بالمبيع علي هذا الوصف الموجود و الرضا به و الأصل عدمه كما في التذكرة و لأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد و يمكن أن يضعف الأول بأن يد المشتري علي الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد أمانة غاية الأمر أنه يدعي سلطنته علي الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد إلا أن يقال إن وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع علي الثمن بناء علي ما ذكره العلامة في أحكام الخيار من التذكرة و لم ينسب خلافه إلا إلي بعض الشافعية من عدم وجوب تسليم الثمن و المثمن في مدة الخيار و إن تسلم الآخر و حينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع علي أخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه إلا أصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجي‌ء. و الثاني مع معارضته بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع علي وصف آخر حتي يكون حق له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف و علمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفي غيره بالأصل الذي يرجع إليه أصالة عدم تغير المبيع لم يجر أصالة عدم علمه بهذا الوصف. و الثالث بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا و لذا يجوز له إمضاء العقد و ثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت فعليه الإثبات و المرجع أصالة لزوم العقد. و لأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البائع هذا و يمكن بناء المسألة علي أن بناء المتبايعين حين العقد علي الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية و المسالك و لهذا لا يحصل من فقدها الأخيار لمن اشترطت له و لا يلزم بطلان العقد أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي‌ء المقيد و لذا لا يجوز إلغاؤها في المعقود عليه كما يجوز إلغاء غيرها من الشروط فعلي الأول يرجع النزاع في التغير و عدمه إلي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع و عدمه و الأصل مع البائع. و بعبارة أخري النزاع في أن العقد وقع علي الشي‌ء الملحوظ فيه الوصف المفقود أم لا لكن الإنصاف أن هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار لكنه ليس شيئا مستقلا حتي يدفع عند الشك بالأصل بل المراد به إيقاع العقد علي العين الملحوظ كونها متصفة بهذا الوصف و ليس هنا عقد علي العين و التزام بكونها متصفة بذلك الوصف فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد فحينئذ يرجع النزاع إلي وقوع العقد علي ما ينطبق علي الشي‌ء الموجود حتي يلزم الوفاء به و عدمه و الأصل عدمه. و دعوي معارضته بأصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة بالوصف المفقود ليثبت اللزوم مدفوعة بأن عدم وقوع العقد علي العين المقيدة لا يثبت لزوم العقد الواقع إلا بعد إثبات وقوع العقد علي العين غير المقيدة بأصالة عدم وقوع العقد علي المقيد و هو غير جائز كما حقق في الأصول. و علي الثاني يرجع النزاع إلي رجوع العقد و التراضي علي الشي‌ء المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود و عدمه و الأصل مع المشتري. و دعوي معارضته بأصالة عدم وقوع العقد علي الشي‌ء الموصوف بالصفة المفقودة مدفوعة بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا حتي يلزم علي المشتري الوفاء به فإلزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف علي ثبوت تعلق العقد بهذا و هو غير ثابت و الأصل عدمه و قد تقرر في الأصول أن نفي أحد الضدين بالأصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب عليه حكمه. و بما ذكرنا يظهر فساد التمسك بأصالة اللزوم حيث إن المبيع ملك المشتري و الثمن ملك البائع اتفاقا و إنما اختلافهما في تسلط المشتري علي الفسخ فينفي بما تقدم من قاعدة اللزوم. توضيح الفساد أن الشك في اللزوم و عدمه من حيث الشك في متعلق العقد فإنا نقول الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتي لا
يثبت اللزوم و هو وارد علي أصالة اللزوم. و الحاصل أن هنا أمرين أحدهما عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود و أخذه فيه و هذا الأصل ينفع في عدم الخيار لكنه غير جار لعدم الحالة السابقة. و الثاني عدم وقوع العقد علي الموصوف بذاك الوصف المفقود و هذا جار غير نافع نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من أصله فإن أصالة عدم كريته نافعة غير جارية و أصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة في ترتب آثار القلة علي الماء المذكور فافهم و اغتنم. و بما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد الحاكمة علي الأصول العملية المتقدمة مثل ما دل علي حرمة أكل المال إلا أن تكون تجارة عن تراض و عموم لا يحل مال امرأ مسلم إلا عن طيب نفسه و عموم أن الناس مسلطون علي أموالهم بناء علي أنها تدل علي عدم تسلط المشتري علي استرداد الثمن من البائع لأن المفروض صيرورته
المكاسب، ج‌2، ص 200
ملكا إذ لا يخفي عليك أن هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لم يدفع عوضه الذي وقع المعاوضة عليه إلي المشتري فإذا شك في ذلك فالأصل عدم دفع العوض و هذا هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه فإن عدم وصول حقه إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف.
فإن قلت لا دليل علي كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور بل نقول قد خرج عن تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه و بين ما لم ينطبق علي المدفوع فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة. قلت السبب في الخيار و سلطنة المشتري علي فسخ العقد و عدم وجوب الوفاء به عليه هو عدم كون العين الخارجية منطبقة علي ما وقع العقد عليه و بعبارة أخري هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه إلي المشتري لا وقوع العقد علي ما لا يطابق العين الخارجية كما أن السبب في لزوم العقد تحقق مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلي ملك المشتري و الأصل موافق للأول و مخالف للثاني مثلا إذا وقع العقد علي العين علي أنها سمينة فبانت مهزولة فالموجب للخيار هو أنه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه و هو السمين لا وقوع العقد علي السمين فإن ذلك لا يقتضي الجواز و إنما المقتضي للجواز عدم انطباق العين الخارجية علي متعلق العقد و من المعلوم أن عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك. فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه و كذلك صحة ما في التذكرة من أصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود حتي يجب الوفاء بما ألزم. نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من أصالة بقاء يد المشتري علي الثمن كأنه لا يناسب أصالة اللزوم بل يناسب أصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد كما يظهر من المختلف في باب السبق و الرماية و سيأتي تحقيق الحال في باب الخيار. و أما دعوي ورود أصالة عدم تغير المبيع علي الأصول المذكورة- لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغير المبيع فهي مدفوعة مضافا إلي منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمن المشاهدة كما إذا علم بكونها سمينة و أنها صارت مهزولة و لا يعلم أنها في زمان المشاهدة كانت باقية علي السمن أو لا فحينئذ مقتضي الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة فالأصل تأخر التغير لا عدمه الموجب للزوم العقد بأن مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلي عدم كونها حين المشاهدة سمينة و من المعلوم أن هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد نظير أصالة عدم وقوع العقد علي السمين. نعم لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة و تعلق العقد بالمهزول ثبت لزوم العقد و لكن الأصول العدمية في مجاريها لا تثبت وجود أضدادها هذا كله مع دعوي المشتري النقص الموجب للخيار و لو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع فمقتضي ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع لأن الأصل عدم وقوع العقد علي هذا الموجود حتي يجب عليه الوفاء به. و ظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا و لم يعلم وجهه.

الثاني لو اتفقا علي التغير بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف المشاهد

و اختلفا في تقدم التغير علي البيع ليثبت الخيار و تأخره عنه علي وجه لا يوجب الخيار تعارض كل من أصالة عدم تقدم البيع و التغير علي صاحبه و حيث إن مرجع الأصلين إلي أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا و أصالة بقاء السمن و عدم وجود الهزال حال البيع و الظاهر أنه لا يترتب علي شي‌ء منهما الحكم بالجواز و اللزوم لأن اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه و انتقاله إلي المشتري و أصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين إليه كما أن أصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه. فالمرجع إلي أصالة عدم وصول حق المشتري إليه كما في المسألة السابقة إلا أن الفرق بينهما هو أن الشك في وصول الحق هناك ناش عن الشك في نفس الحق و هنا ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم. و بعبارة أخري الشك هنا في وصول الحق و هناك في حقه الواصل و مقتضي الأصل في المقامين عدم اللزوم و من ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع بأن اتفقا علي مشاهدته مهزولا و وقوع العقد علي المشاهد و حصل السمن و اختلفا في تقدمه علي البيع ليثبت الخيار للبائع فافهم و تدبر فإن المقام لا يخلو عن إشكال و اشتباه و لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية و اختلفا في تقدم التلف علي البيع و تأخره فالأصل بقاء ملك المشتري علي الثمن لأصالة عدم تأثير البيع. و قد يتوهم جريان أصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه و هو وجود المبيع. و فيه أن صحة العقد عبارة من كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا فإذا فرضنا أنه عقد علي شي‌ء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا في تمليك العين لأن تمليك المعدوم لا علي قصد تمليكه عند الوجود و لا علي قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة غير معقول و مجرد إنشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجهل بالحال فإذا شككنا في وجود العين حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم لأن التمليك الحقيقي غير متحقق و الصوري و إن تحقق لكنه ليس بفاسد إذ اللغو فاسد عرفا أي قبيح إذا صدر عمن علم بالحال. و بالجملة المد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم يمضه الشارع فافهم هذا فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقدم بيع الراهن علي رجوع المرتهن عن إذنه في البيع و تأخيره عنه حيث تمسك بأصالة صحة الرجوع عن الإذن لأن الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسدا لعدم مصادفته محلا يؤثر فيه. نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الإنشاء الحقيقي عرفا و لو فيما إذا باع بلا ثمن أو باع ما هو غير مملوك كالخمر و الخنزير و كالتالف شرعا كالغريق و المسروق أو معدوم قصد تملكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة كما لو باع ما أتلفه زيد علي عمرو أو صالحه إياه بقصد حصول أثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة و الفساد فإذا حكم بفساد شي‌ء من ذلك ثم شك في أن العقد الخارجي منه أم من الصحيح حمل علي الصحيح.
المكاسب، ج‌2، ص 201

مسألة لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما تختلف قيمته باختلاف ذلك

كما في كل وصف يكون كذلك إذ لا فرق في توقف رفع الغرر علي العلم بين هذه الأوصاف و بين تقدير العوضين بالكيل و الوزن و العد. و يغني الوصف عن الاختبار فيما يضبط من الأوصاف دون ما لا يضبط كمقدار الطعم و الرائحة و اللون و كيفياتها فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه إلا باختبار شي‌ء من جنسه ثم الشراء علي ذلك النحو من الوصف مثل أن يكون الأعمي قد رأي قبل العمي لؤلؤة فبيعت منه لؤلؤة أخري علي ذلك الوصف و كذا الكلام في الطعم و الرائحة لمن كان مسلوب الذائقة و الشامة. نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف إلا استعلام صحة المبيع و فساده جاز شراؤها بوصف الصحة كما في الدبس و الدهن مثلا فإن المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما بخلاف بعض أنواع الفواكه و الروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها و رائحتها و لا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها و فسادها. و إطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه و رائحته بالوصف محمول علي ما إذا أريدت الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة لا الزائدة علي الصحة التي تختلف بها القيمة بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان لجواز شرائها من دون اختبار و لا وصف بناء علي أصالة الصحة و كيف كان فقد قوي في السرائر عدم الجواز أخيرا بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعي عليه الإجماع في الغنية قال يمكن أن يقال إن بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون بالوصف لأنه غير غائب فيباع مع خيار الرؤية بالوصف فإذا لا بد من شمه و ذوقه لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلي الوصف و هذا قوي انتهي و يضعفه أن المقصود من الاختبار رفع الغرر فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر و الغائب تحكما بل الأقوي جواز بيعه من غير اختبار و لا وصف بناء علي أصالة الصحة وفاقا للفاضلين و من تأخر عنهما لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه فذكره في الحقيقة يرجع إلي ذكر وصف الصحة و من المعلوم أنه غير معتبر في البيع إجماعا بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب. و أما رواية محمد بن العيص عن الرجل: يشتري ما يذاق أ يذوقه قبل أن يشتري قال نعم فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري. فالسؤال فيها عن جواز الذوق لا عن وجوبه ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلي المفيد و القاضي و سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة. قال في المقنعة كل شي‌ء من المطعومات و المشمومات يمكن للإنسان اختباره من غير إفساد له كالأدهان المختبرة بالشم و صنوف الطيب و الحلويات المذوقة فإنه لا يصح بيعها بغير اختبار فإن ابتيعت بغير اختبار كان البيع باطلا و المتبايعان فيها بالخيار فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس انتهي و عن القاضي أنه لا يجوز بيعها إلا بعد أن يختبر فإن بيعت من غير اختبار كان المشتري مخيرا في رده لها علي البائع و المحكي من سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة إطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار من غير تعرض لخيار المتبايعين كالمفيد أو للمشتري كالقاضي ثم المحكي عن المفيد و سلار أن ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة و عن النهاية و الكافي أن بيعه جائز علي الشرط الصحة أو البراءة من العيوب و عن القاضي لا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة و البراءة من العيوب قال في محكي المختلف بعد ذكر عبارة القاضي إن هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين أما الصحة أو البراءة من العيوب و ليس بجيد بل الأولي انعقاد البيع سواء شرط أحدهما أم خلي عنهما أم شرط العيب و الظاهر أنه إنما صار إلي الإبهام من عبارة الشيخين حيث قالا إنه جاز علي شرط الصحة أو بشرط الصحة و مقصودهما أن البيع بشرط الصحة أو علي شرط الصحة جائز لا أن جوازه مشروط بالصحة أو البراءة انتهي. أقول و لعله لنكتة بيان أن مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة لكن الإنصاف أن الظاهر من عبارتي المقنعة و النهاية و نحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلي آخرها. و عبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ. و ظاهر الكل كما تري اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده كما تقدم عن الحلي فلا يكفي ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء
عنها بأصالة السلامة و يدل عليه أن هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار و إن فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور التي لا تضبط خصوصية طعمها و ريحها بالوصف و الظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي تدور عليها السلامة من العيب إلا أن تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار كشاهد علي أن المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة كما أن مقابله و هو ما يفسد الشي‌ء باختباره كالبيض و البطيخ كذلك غالبا. و يؤيده حكم القاضي بخيار المشتري و كيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا يضبط بالأوصاف فلا خلاف معهم منا و لا من الأصحاب و إن كان مذهبهم موافقا للحلي بناء علي إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية و إن كان مذهبهم عدم كفاية البناء علي أصالة السلامة عن الاختبار و الوصف و إن كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار فقد عرفت أن الظاهر من حالهم و حال غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلي السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية. و يمكن أن يقال بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء إلا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد مع أن الكلام في كفاية أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف أعم و لا من الشرع لعدم الدليل عليه إن السلامة من العيب الخاص متي ما كانت
المكاسب، ج‌2، ص 202
مقصودة علي جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس و الرائحة في الجلاب و الحموضة في الخل و غير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية فلا بد في دفع الغرر من إحراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات و حيث فرض عدم اعتبار أصالة السلامة فلا بد من الاختبار أو الوصف أو الاعتقاد بوجودها لأمارة عرفية مغنية عن الاختبار و الوصف و متي ما كانت مقصودة لا علي هذا الوجه لم يجب إحرازها. نعم لما كان الإطلاق منصرفا إلي الصحيح جاز الخيار عند تبين العيب فالخيار من جهة الانصراف نظير انصراف الإطلاق إلي النقد لا النسيئة و انصراف إطلاق الملك في المبيع إلي غير مسلوب المنفعة سدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في إحراز الصحة و البناء عليها علي أصالة السلامة. بعبارة أخري الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض و مثل هذا لا يعتبر إحراز السلامة منه و قد يستلزمه ككون الجارية خنثي و كون الدابة لا تستطيع من المشي أو الركوب و الحمل عليه و هذا مما يعتبر إحراز السلامة منها و حيث فرض عدم إحرازها بالأصل فلا بد من الاختبار أو الوصف. هذا و يؤيد ما ذكرناه من التفصيل أن بعضهم كالمحقق في النافع و العلامة في القواعد عنونا المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه- هذا و لكن الإنصاف أن مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري و شك فيه فلا بد في رفع الغرر من إحراز السلامة عنه إما بالاختبار و إما بالوصف و إما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف إما لأجل الانصراف و إما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا فلا بد إما من كفاية الإطلاق في الكل للأصل و الانصراف و إما من عدم كفايته في الكل نظرا إلي أنه لا يتوقع به الغرر إذا حصل منه الوثوق حتي أنه لو شك في أن هذا العبد صحيح أو أنه أجذم لم يجز البناء علي أصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق بل لا بد من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم و هذا و إن كان لا يخلو عن وجه إلا أنه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب و عدمها.

مسألة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون الاختبار

إجماعا علي الظاهر و الأقوي عدم اعتبار اشتراط الصحة في العقد و كفاية الاعتماد علي أصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة أو البراءة من العيوب أو خصوص أحدهما. و قد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة و النهاية الظاهرتين في ذلك و إرجاعهما إلي ما أراده من قوله في القواعد جاز بيعه بشرط الصحة من أنه مع الصحة يمضي البيع و لا معها يتخير المشتري و عرفت أن هذا التأويل مخالف للظاهر حتي أن قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة و لذا قال في جامع المقاصد كما يجوز بيعه بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا و كيف كان فإذا تبين فساد البيع فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر و نحوه فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة و الجوز تخير بين الرد و الأرش و لو فرض بلوغ الفساد إلي حيث لا يعد الفاسد من أفراد ذلك الجنس عرفا كالجوز الأجوف الذي لا يصلح إلا للإحراق فيحتمل قويا بطلان البيع إن لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع لوقوعه علي ما ليس بمتمول و إن كان تبين الفساد بعد الكسر ففي الأول تبين الأرش خاصة لمكان التصرف فيه. و يظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه علي قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد و المراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحة و فاسده غير المكسورة لأن الكسر نقص حصل في يد المشتري و منه يعلم ثبوت الأرش أيضا و لو لم يكن لمكسوره قيمة لأن العبرة في التمول بالفاسد غير المكسور و لا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول و يبطل البيع في الثاني أعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط و السرائر و ظاهر من تأخر عنهما و ظاهرهم بطلان البيع من رأس كما صرح به الشيخ و الحلي و العلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه علي ما لا قيمة له كالحشرات و هو صريح جماعة ممن تأخر عنهم أو ظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس فإن ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد لا من أصله و جعل الثاني احتمالا و نسبه إلي ظاهر الجماعة و لم يعلم وجه ما اختاره و لذا نسب في الروضة خلافه إلي الوضوح و هو كذلك فإن الفاسد الواقعي إن لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا لأن اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي و إن كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه و بين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا أرش و لا رد بل كان البيع لازما و قد تلف المبيع بعد قبضه و إن كان بينه و بين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم هو استرجاع نسبه تفاوت ما بين الصحيح و الفاسد من الثمن لا جميع الثمن اللهم إلا أن يقال إنه مال واقعي إلي حين تبين الفساد فإذا سقط عن المالية لأمر سابق علي العقد و هو فساده واقعا كان في ضمان البائع فينفسخ البيع حينئذ بل يمكن أن يقال بعدم الانفساخ فيجوز له الإمضاء فيكون مكسورة ملكا له و إن خرج عن المالية بالكسر و حيث إن خروجه عن المالية لأمر سابق علي العقد كان مضمونا علي البائع و تدارك هذا العيب أعني فوات المالية لا يكون إلا بدفع تمام الثمن لكن سيجي‌ء ما فيه من مخالفته للقواعد و الفتاوي.
و فيه وضوح كون ماليته عرفا و شرعا من حيث الظاهر و أما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من أول الأمر مع أنه لو كان مالا واقعيا فالعيب حادث في ملك المشتري فإن العلم مخرج له عن المالية لا كاشف فليس هذا عينا مجهولا و لو سلم فهو كالأرمد يعمي بعد الاشتراء و المريض يموت مع أن فوات المالية يعد تلفا لا عيبا ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشتري الثمن إلي حين تبين الفساد. و عن الدروس و اللمعة أنها تظهر في مئونة نقله عن الموضع الذي اشتراه فيه إلي موضع اختباره فعلي الأول علي البائع و علي الثاني علي المشتري لوقوعه في ملكه و في جامع المقاصد الذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع علي البائع بها لانتفاء المقتضي و تبعه الشهيد الثاني فقال لأنه نقله بغير أمره فلا يتجه الرجوع عليه بها و كون المشتري
المكاسب، ج‌2، ص 203
هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرم إنما يتجه مع الغرور و هو منفي هنا لاشتراكهما في الجهل انتهي. و اعترض عليه بأن الغرر لا يختص بصورة علم الغار و هنا قول ثالث نفي عنه البعد بعض الأساطين و هو كونه علي البائع علي التقديرين و هو بعيد علي تقدير الفسخ من حين تبين الفساد هذا كله في مئونة النقل من موضع الشراء إلي موضع الكسر. و أما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه لمطالبة مالكه أو لكونه مسجدا أو مشهدا فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة فالظاهر علي البائع علي التقديرين لأنه بعد الفسخ ملكه و أما لو لم يكن قابلا للتملك فلا يبعد مؤاخذة المشتري به و في رجوعه علي البائع ما تقدم في مئونة نقله إلي موضع الكسر. ثم إن المحكي في الدروس عن الشيخ و أتباعه أنه لو تبرأ البائع عن البيع فيما لا قيمة لمكسوره صح قال و يشكل بأنه أكل مال بالباطل و تبعه الشهيد و المحقق الثانيان. و قد تصدي بعض لتوجيه صحة الاشتراء بالبراءة بما حاصله منع بطلان البيع و إن استحق المشتري مجموع الثمن من باب الأرش المستوعب فإن الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن و لذا يسقط بالإسقاط و لا يتعين علي البائع الإعطاء من نفس الثمن ليسقط بالتبري و ليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع إذ المثمن يتحقق علي حسب معاملة العقلاء و لم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع فمن فرض رضاه بذلك يكون قادما علي بذل ماله علي هذا النحو.
نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب و لعله لذلك لم يعبروا بالبطلان و إن ذكر المحقق و غيره الرجوع بالثمن و فهم منه جماعة بطلان البيع لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية و إن لم يكن له قيمة و هو أعم من بطلان البيع انتهي محصله. و فيه مواقع للنظر فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع كالشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر و العلامة في التذكرة معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له و بين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن الظاهر في البطلان فإن الرجوع بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان و يكفي في ذلك ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة البطلان من أول الأمر و اختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد علي ما لا قيمة له و حكاية ذلك عن بعض الشافعية قال و قال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة بل لأن الرد ثبت علي سبيل استدراك الظلامة و كما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع. و تظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن يختص حتي يجب عليه تطهير الموضع عنها انتهي. هذا مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان بناء علي ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا و عرفا حكم ظاهري و تمول العوضين شرط واقعي لا علمي و لذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا و غير ذلك إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية و بين عدم القيمة لمكسوره مما لا يفهم فلعله أراد الملكية مضافا إلي أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن إشكال لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح و المعيب. نعم ذكر العلامة في التذكرة و التحرير و القواعد أن المشتري للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن أو طلب الأرش فإن استوعبت الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن أيضا و قد تصدي جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد فراجع و كيف كان فلا أجد وجها لما ذكره و أضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ و أتباعه بصحة البيع و اشتراط البائع علي المشتري البراءة من العيوب و زعم أن معني اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشتري علي البائع البراءة من العيوب فيكون مرادفا لاشتراط الصحة و أنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ و الأتباع فإن كلامهم ظاهر أو صريح في أن المراد براءة البائع من العيوب لا المشتري. نعم لم أجد في كلام الشيخين و المحكي عن غيرهما تعرضا لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر فإن بيع ما لا يعلم صحته و فساده لا يجوز إلا بناء علي أصالة الصحة و اشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتذار بوجود العيوب و عدمها. و قد صرح العلامة و جماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة و سيجي‌ء توضيحه في باب الخيارات إن شاء الله.

مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره

مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره
و الفأر بالهمزة قيل جمع فأرة كتمر و تمرة. و عن النهاية أنه قد لا يهمز تخفيفا. و مستند الحكم العمومات غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص عدا توهم النجاسة المندفع في باب النجاسات بالنص و الإجماع أو توهم جهالته بناء علي ما تقدم من احتمال عدم العبرة بأصالة الصحة في دفع الغرر. و يندفع بما تقدم من بناء العرف علي الأصل في نفي الفساد و بناء الأصحاب علي عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد و أما الغرر من جهة تفاوت أفراد الصحيح الذي لا يعلم إلا بالاختبار فلا رافع له. نعم قد روي في التذكرة مرسلا عن الإمام الصادق ع جواز بيعه لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة و كيف كان فإذا فرض أنه ليست له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في القيمة. فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بإبرة ثم إخراجه و شمه ثم لو شمه و لم يرض به فهل يضمن هذا النقص الذي أدخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه و لو بكونه جزء أخيرا لسبب النقص بأن فتق قبله بإدخال الخيط و الإبرة مرارا وجه مبني علي ضمان النقص في المقبوض بالسوم
المكاسب، ج‌2، ص 204
فالأولي أن يباشر البائع ذلك فيشم المشتري الخيط ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف و هو كذلك و صرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة و هو حسن إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر و الصغر

مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه

مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه
لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولا إذ لا نعني بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا و يتفرع علي ذلك أنه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكا لجهالته و إن ضم إليه القصب أو غيره و لا اللبن في الضرع و لو ضم إليه ما يحلب منه أو غيره علي المشهور كما في الروضة. و خص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما إلي المعلوم و جوزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم و هو المحكي عن المختلف و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و المقتصر و استحسنه المحقق و الشهيد الثانيان و لعل المانعين لا يريدون إلا ذلك نظرا إلي أن جهالة التابع لا يوجب الغرر و لا صدق اسم المجهول علي المبيع عرفا حتي يندرج في إطلاق ما دل من الإجماع علي عدم جواز بيع المجهول فإن أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول خلافا للشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة. و المحكي عن الإسكافي و القاضي بل في مفتاح الكرامة أن الحاصل من التتبع أن المشهور بين المتقدمين هو الصحة بل عن الخلاف و الغنية الإجماع في مسألة السمك و اختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و المحدث العاملي و المحدث الكاشاني و حكي عن ظاهر غاية المراد و صريح حواشيه علي القواعد و حجتهم علي ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك و اللبن و غيرهما. ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها بوجود سهل فيها سهل عن أبي عبد الله ع قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شي‌ء من سمك فيباع و ما في الأجمة و رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع: لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كانت فيها قصب و المراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة و اللاحقة. و رواية أبي بصير عن أبي عبد الله ع: في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال تصيد كفا من سمك تقول أشتري منك هذا السمك و ما في هذه الأجمة بكذا و كذا و موثقة سماعة عن أبي عبد الله ع كما في الفقيه قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع قال لا إلا أن يحلب لك في سكرجة فيقول اشتر مني هذا اللبن الذي في الأسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي فإن لم يكن في الضرع شي‌ء كان ما في السكرجة و عليها تحمل صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل له نعم ببيع ألبانها بغير كيل قال نعم حتي تنقطع أو شي‌ء منها بناء علي أن المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه أو بيع شي‌ء منه محلوب في الخارج و ما بقي في الضرع بعد حلب شي‌ء منه و في الصحيح إلي ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله ع ما تقول في رجل اشتري من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما قال لا بأس إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف و موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ع: في الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون شي‌ء من هذا أبدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل به قال ع إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به. و ظاهر الأخيرين كموثقة سماعة أن الضميمة المعلومة إنما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع لا من حيث جهالته فإن ما في الأسكرجة غير معلوم بالوزن و الكيل و كذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي مع أن المشهور كما عن الحدائق المنع عن بيع الأصواف علي ظهور الغنم بل عن الخلاف عليه الإجماع و القائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلي الأصواف فتبين أن الرواية لم يقل أحد بظاهرها و مثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلي المجهول روايتا أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون و لذا جعلوه من الربويات و لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه. و أما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها علي بيع السمك إلا بقرينة
روايتي أبي بصير و البزنطي اللتين عرفت حالهما فتأمل. ثم علي تقدير الدلالة إن أريد انتزاع قاعدة منها و هي جواز ضم المجهول إلي المعلوم و إن كان المعلوم غير مقصود بالبيع إلا حيلة لجواز نقل المجهول فلا دلالة فيها علي ذلك و لم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة بل المعلوم من بعضهم بل كلهم خلافه فإنا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شي‌ء معلوم إليه كما يشهد به تتبع كلماتهم و إن أريد الاقتصار علي مورد النصوص و هو بيع سمك الآجام و لبن الضرع و ما في البطون مع الأصواف فالأمر سهل علي تقدير الإغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل من عدم جواز بيع المجهول مطلقا بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم و أصله من العلامة. قال في القواعد في باب شرط العوضين كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و إن انضم إلي معلوم و يجوز مع الانضمام إلي معلوم إن كان تابعا انتهي. و ارتضي هذا التفصيل جماعة ممن تأخره عنه إلا أن مرادهم من المقصود و التابع غير واضح و الذي يظهر من مواضع من القواعد و التذكرة أن مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع و بالمقصود ما كان جزء. قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع لو شرط أن الأمة حامل أو الدابة كذلك صح أما لو باع الدابة و حملها و الجارية و حملها بطل لأن كل ما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود و يصح تابعا انتهي و في باب ما يندرج في المبيع قال السادس العبد و لا يتناول ماله
المكاسب، ج‌2، ص 205
الذي ملكه مولاه إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا إن العبد يملك فينتقل إلي المشتري مع العبد و كان جعله للمشتري إبقاء له علي العبد فيجوز أن يكون مجهولا أو غائبا أما إذا أحلنا تملكه و باعه و ما معه صار جزء من المبيع فتعتبر فيه شرائط البيع انتهي. و بمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا و بين جعله جزء صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد و عدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار و أخشاب السقوف. و قال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين لو باع الحمل مع أمه جاز إجماعا. و في موضع آخر من باب الشرط في العقد لو قال بعتك هذه الدابة و حملها لم يصح عندنا لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء و لا جزء. و قال أيضا و لو باع الحامل و يشترط للمشتري الحمل صح لأنه تابع كأسس الحيطان و إن لم يصح ضمه في البيع مع الأم للفرق بين الجزء و النابع و قال في موضع آخر لو قال بعتك هذه الشاة و ما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا. و قال في موضع آخر لو باعه دجاجة ذات بيضة و شرطها صح و إن جعلها جزء من المبيع لم يصح. و هذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول علي وجه الجزئية من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول و قد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض قال و ما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول إن جعل جزء من المبيع لا يصح و إن اشترط صح و نحو ذلك فليس بشي‌ء لأن العبارة لا أثر لها و الشرط محسوب من جملة المبيع و لأنه لو باع الحمل و الأم صح البيع و لا يتوقف علي بيعها اشتراطه انتهي و هو الظاهر من الشهيدين في اللمعة و الروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع و قد صرح الشيخ في مسألة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال و عن الشهيد لو اشتراه و ماله صح و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك و إن أحلنا ملكه اشترط و قال في الدروس لو جعل الحمل جزء من البيع فالأقوي الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع انتهي. و اختاره جامع المقاصد ثم إن التابع في كلام هؤلاء يحتمل أن يراد به ما يعد في العرف تابعا كالحمل مع الأم و اللبن مع الشاة و البيض مع الدجاج و مال العبد معه و الباغ في الدار و القصر في البستان و نحو ذلك مما نسب البيع عرفا إلي المتبوع لا إليهما معا و إن فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الأحيان بل بالتابع خاصة كما قد يتفق في حمل بعض أفراد الخيل و هذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات كما تقدم عن الدروس و جامع المقاصد من صحة بيع الأم و حملها لأن الحمل تابع. قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم عن القواعد و يجوز مع الانضمام إلي معلوم إذا كان تابعا إن إطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخري إلا أن يقال التبعية إنما تتحقق مع الأم لأنه حينئذ بمنزلة بعض أجزائها و مثله زخرفة جدران البيت انتهي. و في التمثيل نظر لخروج زخرفة الجدران عن محل الكلام في المقام إلا أن يريد مثال الأجزاء لأمثال التابع لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد وفاقا للشيخ رحمه الله مع أن مال العبد تابع عرفي كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد و اشتراط ماله و يحتمل أن يكون مرادهم من التابع بحسب قصد المتبايعين و هو ما يكون المقصود بالبيع غيره و إن لم يكن تابعا عرفيا كمن اشتري قصب الآجام و كان فيها قليل من السمك أو اشتري سمك الآجام و كان فيها قليل من القصب و هذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع و قد يكون كذلك بحسب الشخص كمن أراد السمك القليل لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شراؤه إلا في ضمن قصبة الأجمة و الأول هو الظاهر من مواضع من المختلف منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه حيث حمل رواية سماعة المتقدمة علي ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن و يصير أصلا و الذي في الضرع تابعا. و قال في مسألة بيع ما في بطون الأنعام مع الضميمة و المعتمد
أن نقول إن كان الحمل تابعا صح البيع كما لو باع الأم و حملها أو باع ما يقصد مثله بمثل الثمن و ضم الحمل فهذا لا بأس به و إلا كان باطلا. و أما الاحتمال الثاني أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبائعين فلم نجد عليه شاهدا إلا ثبوت الغرر علي تقدير الغرض الشخصي بالمجهول و انتفاءه علي تقدير تعلقه بالمعلوم و يمكن تنزيل إطلاقات عبارات المختلف عليه كما لا يخفي و ربما احتمل بعض بل استظهر أن مراده بكون المعلوم مقصودا و المجهول تابعا كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم بمعني أن الإقدام منهما و لو بتصحيح البيع علي أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو و إن سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع قال و لا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلي الغرض ما فيه الغرر نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض بإيقاع العقد علي شي‌ء معين معلوم لا نزاع فيه و جعل ذلك من التوابع و اللواحق لما عقد عليه البيع فلا يقدح حصوله و عدم حصوله كما أومئ إليه في ضميمة الآبق و ضميمة الثمر علي الشجر و ضميمة ما في الضروع و ما في الآجام انتهي. و لا يخفي أنه لم توجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل إلا أن يريد بالتابع جعل المجهول شرطا و المعلوم مشروطا فيريد ما تقدم من القواعد و التذكرة و لا أظن إرادة ذلك من كلامه بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في الموارد المتفرقة. و الأوفق بالقواعد أن يقال أما الشرط و الجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة و أما قصد المتبايعين بحسب الشخص فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجودا و عدما لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية بل و كذلك قصدهما بحسب النوع علي الوجه الذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع له و للمجهول. و أما التابع العرفي فالمجهول منه و إن خرج عن الغرر عرفا إلا أن المجعول منه جزء داخل ظاهرا في معقد الإجماع علي اشتراط العلم بالمبيع المتوقف علي العلم بالمجموع. نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا خرج عن بيع الغرر و عن
المكاسب، ج‌2، ص 206
معقد الإجماع علي اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين. و أما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع و إن لم يضم إليه حين العقد و لم يخطر ببال المتبايعين فالظاهر عدم الخلاف و الإشكال في عدم اعتبار العلم به إلا إذا استلزم غررا في نفس المبيع إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع لا الساري من المجهول إلي المعلوم فافهم.

مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة

مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة
علي المشهور بل لا خلاف فيه في الجملة بل عن فخر الإسلام التصريح بدعوي الإجماع. قال فيما حكي عنه نص الأصحاب علي أنه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة فقد استثني من المبيع أمر مجهول و استثناء المجهول مبطل للبيع إلا في هذه الصورة فإنه لا يبطل إجماعا انتهي. و الظاهر أن إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع و لو من أول الأمر بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلي هذا أيضا ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة الأول جواز الاندار بشرطين كون المندر متعارف الاندار عند التجار و عدم العلم بزيادة ما يندره و هو للنهاية و الوسيلة و عن غيرهما. الثاني عطف النقيصة علي الزيادة في اعتبار عدم العلم بها و هو للتحرير. الثالث اعتبار العادة مطلقا و لو علم الزيادة أو النقيصة و مع عدم العادة فيما يحتملهما و هو لظاهر اللمعة و صريح الروضة. الرابع التفصيل بين ما يحتمل الزيادة و النقيصة فيجوز مطلقا و بين ما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي. الخامس عطف العلم بالنقيصة علي الزيادة و هو للمحقق الثاني ناسبا له إلي كل من لم يذكر النقيصة. السادس إناطة الحكم بالغرر ثم إن صور المسألة أن يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم أنه عشرة أرطال فإذا أريد بيع المظروف فقط كما هو المفروض و قلنا بكفاية العلم بوزن المجموع و عدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا علي ما هو مفروض المسألة و معقد الإجماع المتقدم فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا و حينئذ فلا يحتاج إلي الاندار لأن الثمن و المثمن معلومان بالفرض و أخري يباع علي وجه التسعير بأن يقول بعتكه كل رطل بدرهم- فتجي‌ء مسألة الاندار للحاجة إلي تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم و يمكن أن تحرر المسألة علي وجه آخر و هو أنه بعد ما علم وزن الظرف و المظروف و قلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا أي مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم و هل هو منوط بالمعتاد بين التجار و التراضي أو بغير ذلك. فالكلام في تعيين مقدار المندر لأجل إحراز شرط صحة بيع المظروف بعد قيام الإجماع علي عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير أو بإخبار البائع و إلي هذا الوجه ينظر بعض الأساطين حيث أناط مقدار المنذر بما لا يحصل معه غرر. و اعترض علي ما في القواعد و مثلها من اعتبار التراضي في جواز إندار ما يعلم زيادته بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا و تبعه في ذلك بعض أتباعه. و يمكن أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من المبيع علي جواز الاندار إذ علي الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا علي جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول لا علي جواز إندار مقدار معين إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن فتأمل. و كيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين فإن جماعة منهم كما عرفت من الفاضلين و غيرهما خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة- فلو كان الاندار لإحراز وزن المبيع و تصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا إذ لا معني لإيقاع العقد علي وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض. و قد صرح المحقق و الشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما و لا يخفي أنه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال لأن الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف سواء فرض زائدا أم ناقصا هذا مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة علي إندار مقدار معين يحتمل الزيادة و النقيصة فالتراضي علي الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا بل يكون كاشتراط زيادة مقدار علي المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع مثلا لو كان المجموع عشرة أرطال و كان المعتاد إسقاط رطل للظرف فإذا تراضيا علي أن يندر للظرف رطلا فكأنه شرط للمشتري أن لا يحسب عليه رطلا و لو تراضيا علي إندار نصف رطل فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة أرطال و نصف ثمنا للتسعة فلا معني للاعتراض علي من قال في اعتبار التراضي في إندار ما علم زيادته أو نقيصته بأن التراضي لا يدفع غررا و لا يصحح عقدا و كيف كان فالظاهر هو الوجه الأول فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول كما عنون المسألة بذلك في اللمعة بل نسبه في الحدائق إليهم لا من حيث إندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد و التواطؤ علي إيقاع العقد علي الباقي بعد الاندار.
و ذكر المحقق الأردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة أن المراد أنه يجوز بيع الموزون بأن يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف لا أزيد و لا أنقص بل و إن تفاوت لا يكون إلا بشي‌ء يسير متساهل به عادة ثم دفع ثمن الباقي مع الظرف إلي البائع انتهي. فظاهره الوجه الأول الذي ذكرناه حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف و جعل الاندار لأجل تعيين الباقي الذي يجب عليه دفع ثمنه. و في الحدائق في مقام الرد علي من ألحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها قال إن الاندار حق للمشتري لأنه قد اشتري مثلا مائة من من السمن في هذه الظروف فالواجب قيمة المائة المذكورة و له إسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن انتهي. و هذا الكلام و إن كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة إلا أن جعل الاندار حقا للمشتري و التمثيل بما ذكره لا يخلو من نظر فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في هذه الظروف لأن التعبير بهذا مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من فإن باعه بثمن معين فلا حاجة إلي الاندار و لا حق للمشتري و إن اشتراه علي
المكاسب، ج‌2، ص 207
وجه التسعير بقوله كل من بكذا فالإندار إنما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع علي المشتري من الثمن فكيف يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدث. و قد علم مما ذكرنا أن الاندار الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن إنما هو لتعيين حق البائع و ليس حقا للمشتري- . و أما الأخبار فمنها موثقة حنان قال: سمعت معمر الزيات قال لأبي عبد الله ع إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق فقال له إن كان يزيد و ينقص فلا بأس و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه قيل و ظاهره عدم اعتبار التراضي. أقول المفروض في السؤال هو التراضي لأن الحاسب هو البائع أو وكيله و هما مختاران و المحسوب له هو المشتري. و التحقيق أن مورد السؤال صحة الاندار من إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف أو مع ردها إلي البائع من دون وزن لها فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه فلا إطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي. و يؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة فإن النهي عنه ليس ارتكابه بغير تراض فافهم فحينئذ لا يعارضها ما دل علي صحة ذلك مع التراضي مثل رواية علي ابن أبي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله ع قال جعلت فداك نطرح ظروف السمن و الزيت كل ظرف كذا و كذا رطلا فربما زاد و ربما نقص قال إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس فإن الشرط فيه مسوق- لبيان كفاية التراضي في ذلك و عدم المانع منه شرعا فيشبه التراضي العلة التامة غير متوقفة علي شي‌ء و نحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه موسي ع: عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق فيقول ادفع للناسية رطلا أو أكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع قال إذا لم يعلم وزن الناسية و الجوالق فلا بأس إذا تراضيا. ثم إن قوله ع إن كان يزيد و ينقص في الرواية الأولي يحتمل أن يراد به الزيادة و النقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة بمعني زيادة مجموع ما أندر لمجموع الزقاق أو نقصانه عنه أو بمعني أنه يزيد في بعض الزقاق و ينقص في بعض آخر أو أن يراد به الزيادة و النقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة و في بعض أخري النقيصة و هذا هو الذي فهمه في النهاية حيث اعتبر أن يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة و ينقص أخري و نحوه في الوسيلة. و يشهد للاحتمال الأول رجوع ضمير يزيد و ينقص إلي مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق و للثاني عطف النقيصة علي الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالها و للثالث ما ورد في بعض الروايات من أنه: ربما يشتري الطعام من أهل السفينة ثم يكيله فيزيد قال ع و ربما نقص قلت و ربما نقص قال فإذا نقص يردون عليكم قلت لا قال لا بأس. فيكون معني الرواية أنه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة و ناقصا أخري فلا بأس بما يحسب و إن بلغ ما بلغ و إن زاد دائما فلا يجوز إلا بهبة أو إبراء من الثمن أو مع التراضي بناء علي عدم توقف الشق الأول عليه و وقوع المحاسبة من السمسار بمقتضي العادة من غير اطلاع صاحب الزيت و كيف كان فالذي يقوي في النظر و هو المشهور بين المتأخرين جواز إندار ما يحتمل الزيادة و النقيصة لأصالة عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشتري من الثمن لكن العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال و أما مع العلم بالزيادة أو النقيصة فإن كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها و لعله مراد من لم يقيده بالعلم و مع الجهل بها أو عدمها فلا يجوز إلا مع التراضي لسقوط حق من له الحق سواء تواطئا علي ذلك في متن العقد بأن قال بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم علي أن يسقط لكل ظرف كذا فهو هبة له أو تراضيا عليه بعده بإسقاط من الذمة أو هبة للعين هذا كله مع قطع النظر عن النصوص و أما مع ملاحظتها فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا و اعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل مظروف بحسب حاله
و كان الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر بمضمونها كما هو دأبه في ذلك الكتاب و حيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار واقعا بمعني عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة أو النقيصة علمنا بها كذلك فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به فإن تلك تحتاج إلي هبة جديدة و لا يكفي إقباضها من حيث كونها حقا للمشتري هذا كله مع تعارف إندار ذلك المقدار و عدم العلم بالزيادة و أما مع عدم أحد القيدين فمع الشك في الزيادة و النقيصة و عدم العادة يجوز الاندار لكن مراعي بعدم انكشاف أحد الأمرين و معها يجوز بناء علي انصراف العقد إليها لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد لأن هذا ليس من أفراد المطلق حتي ينصرف بكون العادة صارفة له ثم الظاهر أن الحكم المذكور- غير مختص بظروف السمن و الزيت بل يعم كل ظرف كما هو ظاهر معقد الإجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله و عبارة النهاية و الوسيلة و الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله جميعا و تؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد لكن لا يبعد أن يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشي‌ء فيه و عدم تفريغه منه كقوارير الجلاب و العطريات لا مطلق الظرف اللغوي أعني الوعاء و يحتمل العموم و هو ضعيف. نعم يقوي تعدية الحكم إلي كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه كالشمع في الحلي المصنوعة من الذهب و الفضة و كذا المظروف الذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له كقليل من الدبس في الزقاق و أما تعدية الحكم إلي كل ما ضم إلي المبيع مما لا يراد بيعه معه فمما لا ينبغي احتماله.

مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و إن لم يعلم إلا بوزن المجموع

مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و إن لم يعلم إلا بوزن المجموع
المكاسب، ج‌2، ص 208
علي المشهور بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة إلا ما أرسله في الروضة و نسبه في التذكرة إلي بعض العامة استنادا إلي أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم و الظرف لا يباع وزنا بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد و اختلاف قيمتهما فالغرر الحاصل في بيع الجزاف حاصل هنا و الذي يقتضيه النظر أما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه فالقطع بالجواز منضما إذ لم يحصل من الانضمام مانع و لا ارتفع شرط و أما في غيره من أحد المنضمين الذين لا يكفي في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال و ألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنها ألفي مثقال فإن الإقدام علي هذا البيع إقدام علي ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء و أما مع انتفاء الغرر الشخصي و انحصار المانع في النص الدال علي لزوم الاعتبار بالكيل و الوزن و الإجماع المنعقد علي بطلان البيع إذا كان المبيع المجهول المقدار في المكيل و الموزون فالقطع بالجواز لأن النص و الإجماع إنما دلا علي لزوم اعتبار العلم بالمبيع لا علي كل جزء منه و لو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشوة بالشمع و عدم جواز بيع الشمع كذلك فإن فرضنا الشمع تابعا لا تضر جهالته و إلا فلا ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور إحداها أن يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا فيسقط الثمن علي قيمتي كل من المظروف و الظرف لو احتيج إلي التقسيط فإذا قيل قيمة الظرف درهم و قيمة المظروف تسعة كان للظرف عشر الثمن. الثانية أن يبيعه مع ظرفه بكذا علي أن كل رطل من المظروف بكذا فيحتاج إلي إندار مقدار للظرف و تكون قيمة المظروف ما بقي بعد ذلك و هذا في معني بيع كل منهما منفردا. الثالثة أن يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا علي أن يكون التسعير للظرف و المظروف و طريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك أن يوزن الظرف منفردا و ينسب إلي الجملة و يؤخذ له من الثمن بتلك النسبة و تبعه علي هذا غير واحد و مقتضاه أنه لو كان الظرف رطلين و المجموع عشرة أخذ له خمس الثمن و الوجه في ذلك ملاحظة الظرف و المظروف شيئا واحدا حتي أنه يجوز أن يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه من المظروف فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب من الظرف و المظروف لأنه إذا باع كل رطل من الظرف و المظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم علي الرطل و المظروف بحسب قيمة مثلهما فإذا كانت قيمة خمس الرطل المذكور الذي هو وزن الظرف الموجود فيه مساوية لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود فكيف يقسط الثمن عليه أخماسا.

[تنبيهات البيع

مسألة [المعروف استحباب التفقه في مسائل التجارات

المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده و يسلم من الربا. و عن إيضاح النافع أنه قد يجب و هو ظاهر عبارة الحدائق أيضا و كلام المفيد رحمه الله في المقنعة أيضا لا يأبي الوجوب لأنه بعد ذكر قوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و قوله تعالي أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال فندب إلي الإنفاق من طيب الاكتساب و نهي عن طلب الخبيث للمعيشة و الإنفاق فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب و الحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الأعمال و لا كان علي ثقة تفقه من طيب الاكتساب و قال تعالي أيضا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله و حرم من المتاجر و الاكتساب و جاءت الرواية عن أمير المؤمنين ع أنه كان يقول: من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا ثم ارتطم ثم قال قال الصادق ع: من أراد التجارة فلينفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات انتهي. أقول ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب إلا أن تعبيره بلفظ ينبغي ربما يدعي ظهوره في الاستحباب. إلا أن الإنصاف أن ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة فإن معرفة الحلال و الحرام واجبة علي كل أحد بالنظر إلي ما يبتلي به من الأمور و ليست معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا و دفعة بل عند الالتفات إلي احتمال الحرمة في فعل يريد أن يفعله أو عند إرادة الإقدام علي أفعال يعلم بوجود الحرام بينها فإنه معاقب علي ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم و إن لم يلتفت عند فعله إلي احتمال تحريمه فإن التفاته السابق و علمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها من الأفعال من الحرام كاف في حسن العقاب و إلا لم يعاقب أكثر الجهال علي أكثر المحرمات لأنهم يفعلونها و هم غير ملتفتين إلي احتمال حرمتها عند الارتكاب و لذا أجمعنا علي أن الكفار يعاقبون علي الفروع. و قد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الأخبار ثم لو قلنا بعدم العقاب علي فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من غير شعور كما هو ظاهر جماعة تبعا للأردبيلي رحمه الله من عدم العقاب علي الحرام المجهول حرمته عن تقصير لقبح خطاب الغافل فيقبح عقابه لكن وجوب تحصيل العلم و إزالة الجهل واجب علي هذا القول كما اعترفوا به. و الحاصل أن التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا علي فعل الحرام و لا علي ترك التعلم إلا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلي احتمال تحريمه لا يوجد له وجه بعد ثبوت أدلة التحريم و وجوب طلب العلم علي كل مسلم و عدم تقبيح عقاب من التفت إلي وجود الحرام من أفراد البيع التي يزاولها تدريجا علي ارتكاب الحرام في هذا الأثناء و إن لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام ثم إن المقام يزيد علي غيره بأن الأصل في المعاملات الفساد فالمكلف إذا أراد التجارة و بني علي التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس علي وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الإقدام علي كل تصرف منها بمقتضي أصالة عدم انتقالها إليه إلا مع العلم بإمضاء الشارع لتلك المعاملة و يمكن أن يكون في قوله ع:
المكاسب، ج‌2، ص 209
التاجر فاجر و الفاجر في النار إلا من أخذ الحق و أعطي الحق إشارة إلي هذا المعني بناء علي أن الخارج من العموم ليس إلا من علم بإعطاء الحق و أخذ الحق فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي لنهي الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه بناء علي أصالة عدم انتقاله إليه و في غير هذا المقام عقلي مقدمي لئلا يقع في الحرام و كيف كان فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل نظر بل الأولي وجوبه عليه عقلا و شرعا و إن كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط و يمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع علي مسائل الربا الدقيقة و المعاملات الفاسدة كذلك و يطلع علي موارد الشبهة و المعاملات غير الواضحة الصحة فيجتنب عنها في العمل فإن قدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوي لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات. و يشهد للغاية الأولي قوله ع في مقام تعليل وجوب التفقه: إن الربا أخفي من دبيب النملة علي الصفا. و للغاية الثانية قول الصادق ع في الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات لكن ظاهر صدره الوجوب فلاحظ. و قد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد و لا يخلو عن وجه في مقام التوجيه ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا الجامعة بين أكل المال بالباطل و ارتكاب الموبقة الكذائية لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد بل يكفي فيه التقليد الصحيح فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا و أدلة تحصيل المعاش. نعم ربما أورد في هذا المقام و إن كان خارجا عنه التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات و أنواع المعاملات المتوقف علي الاجتهاد و بين أدلة طلب الاكتساب و الاشتغال في تحصيل المال لأجل الإنفاق علي من ينبغي أن ينفق عليه و ترك إلقاء كله علي الناس الموجب لاستحقاق اللعن فإن الأخبار من الطرفين كثيرة يكفي في طلب الاكتساب ما ورد من أن أمير المؤمنين ع قال: أوحي الله تعالي إلي داود يا داود إنك نعم العبد لو لا أنك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا [قال فبكي [داود] ع أربعين صباحا [فأوحي الله إلي الحديد أن لن لعبدي داود] فألان الله عز و جل له الحديد فكان يعمل [في كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها و استغني عن بيت المال إلي آخر الحديث و ما أرسله في الفقيه عن الصادق ع: ليس منا من ترك دنياه لآخرته أو آخرته لدنياه: العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال. و أما الأخبار في طلب العلم و فضله فهي أكثر من أن تذكر و أوضح من أن تحتاج إلي الذكر و ذكر في الحدائق أن الجمع بينهما بأحد الوجهين. أحدهما و هو الأظهر بين علمائنا تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب طلب العلم و يقال بوجوب ذلك علي غير طالب العلم المستقل تحصيله و استفادته و تعليمه و إفادته قال و بهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسماة بمنية المريد في آداب المفيد و المستفيد حيث قال في جملة شرائط العلم و أن يتوكل علي الله و يفوض أمره إليه و لا يعتمد علي الأسباب فيتوكل عليها فيكون وبالا عليه و لا علي أحد من خلق الله تعالي بل يلقي مقاليد أمره إلي الله تعالي يظهر له من نفحات قدسه و لحظات أنسه ما به يحصل به مطلوبه و يصلح به مراده. و قد ورد في الحديث عن النبي ص: قد تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره بمعني أن غيره محتاج إلي السعي علي الرزق حتي يحصل له و طالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب و كفاه مئونة الرزق إن أحسن النية و أخلص القربة و عندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته لا يعلمه إلا الله من حسن صنع الله تعالي و جميل ما اشتغلت بالعلم و هو مبادي العشر الثلاثين و تسعمائة إلي يومنا هذا و هو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث و خمسين و تسعمائة و بالجملة ليس الخبر كالعيان. و روي شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناد إلي الحسين ابن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك فقلت فلانا فقال إذا و الله لا تسعف بحاجتك و لا تبلغ أملك و لا تنجح طلبتك قلت و ما علمك رحمك الله قال إن أبا عبد الله
ع حدثني أنه قرأ في بعض الكتب أن الله تبارك و تعالي يقول و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي علي عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل من الناس غيري باليأس و لأكسونه ثوب المذلة عند الناس و لأنحينه من قربي و لأبعدنه من فضلي أ يؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع بالفكر باب غيري و بيدي مفاتيح الأبواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها و من ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي و ملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي و أمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا بقولي أ لم يعلم أن من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني فما لي أراه لاهيا عني أعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده و سأل غيري أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم أسأل فلا أجيب سائلي أ بخيل أنا فيبخلني عبدي أ و ليس الجود و الكرم لي أ و ليس العفو و الرحمة بيدي أ و ليس أنا محل الآمال فمن يقطعها دوني أ فلا يخشي المؤملون أن يؤملوا غيري فلو أن أهل سماواتي و أهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة و كيف ينقص ملك أنا قيمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي و يا بؤسا لمن عصاني و لم يراقبني انتهي الحديث الشريف و انتهي كلام شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله. قال في الحدائق و يدل علي ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلي أبي إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول: أيها الناس اعلموا إن كمال الدين طلب العلم و العمل به ألا و إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال إن المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم و ضمنه لكم و سيفي لكم و العلم مخزون عند أهله و قد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه إلي آخر الخبر. قال و يؤكد ما رواه في الكافي بسنده
المكاسب، ج‌2، ص 210
عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: يقول الله عز و جل و عزتي و جلالي و عظمتي و كبريائي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني [لا يؤثر عبد هواه علي هواي إلا شتت عليه أمره و لبست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم أوته منها إلا ما قدرت له و عزتي و جلالي و عظمتي و نوري و علوي و ارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي علي هواه إلا استحفظته ملائكتي و كفلت السماوات و الأرض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر و أتته الدنيا و هي راغمة إلي آخر الحديث انتهي كلامه.
و أنت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد الثاني رحمه الله و ما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلة الطرفين لأن ما ذكر من التوكل علي الله و عدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب و لذا كان أمير المؤمنين ص و علي أخيه و زوجته و ولديه و ذريته جامعا بين أعلي مراتب التوكل و أشد مشاق الاكتساب و هو الاستقاء لحائط اليهودي. و ليس الشهيد أيضا في مقام إن طلب العلم أفضل من التكسب و إن كان أفضل بل في مقام إن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين و الحاصلة من الموقوفات للمدارس و أهل العلم و الموجودة الحاصلة غالبا للعلماء و المشتغلين من معاشرة السلطان و أتباعه و المراودة مع التجار و الأغنياء و العلماء الذين لا ينتفع منهم إلا بما في أيديهم من وجوه الزكوات و رد المظالم و الأخماس و شبه ذلك كما كان متعارفا في ذاك الزمان بل في كل زمان فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها. و بالجملة فلا شهادة فيما ذكره من كلام الشهيد الثاني رحمه الله من أوله إلي آخره و ما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور أعني تخصيص أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم ثم إنه لا إشكال في أن كلا من طلب العلم و طلب الرزق ينقسم إلي الأحكام الأربعة أو الخمسة و لا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب و لا الواجب الكفائي الواجب العيني و لا إشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين المعينين مقدم علي غيره و كذا الحكم في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به و قد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم فيجب أو يستحب مقدمة 287 بقي الكلام في المستحب من الأمرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما و لا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المترتبة علي الأمرين فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم إلا شي‌ء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة و يترتب علي اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة منها تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال أقرانه من التجار المخالطين معه علي وجه الصلة أو الصدقة الواجبة و المستحبة فيحصل بذلك ثواب الصدقة و ثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة علي تحصيل العلم و رب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين فلا يحصل له من كسبه إلا قليل من الرزق فإنه لا إشكال في أن اشتغاله بالعلم و الأكل من وجوه الصدقات أرجح. و ما ذكر من حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب لشي‌ء من وظائف النبوة و الرئاسة العلمية. و بالجملة فطلب كل من العلم و الرزق إذا لوحظ المستحب منهما من حيث النفع العائد إلي نفس الطالب كان طلب العلم أرجح و إذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلي الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل فتثبت من ذلك كله أن تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم غير الواجبين مع المسير إلي الحج المستحب أو إلي مشاهد الأئمة [صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين أو مع السعي في قضاء حوائج الإخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو المال الحلال إلي غير ذلك مما لا يحصي.

مسألة لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية و اختلفوا في حرمته و كراهته.

فعن التقي و القاضي و الحلي و العلامة في المنتهي الحرمة و هو المحكي عن ظاهر الدروس و حواشي المحقق الثاني و عن الشيخ و ابن زهرة لا يجوز و أول في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة و هي أي الكراهة مذهب الأكثر بل عن إيضاح النافع أن الشيخ ادعي الإجماع علي عدم التحريم و عن نهاية الأحكام تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا و ليس حراما إجماعا. و مستند التحريم ظواهر الأخبار. منها عن منهال القصاب قال قال أبو عبد الله ع: لا تلق فإن رسول الله ص نهي عن التلقي قال و ما حد التلقي قال ما دون غدوة أو روحه قلت و كم الغدوة و الروحة قال أربعة فراسخ قال ابن أبي عمير و ما فوق ذلك فليس بتلق و في خبر عروة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: لا يتلقي أحدكم تجارة خارجا من المصر و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض و في رواية أخري: لا تلق و لا تشتر ما تلقي و لا تأكل منه. و ظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة فيكون أكلا بالباطل و لم يقل به إلا الإسكافي. و عن ظاهر المنتهي الاتفاق علي خلافه فتكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الأصحاب فتقصر عن إفادة الحرمة و الفساد. نعم لا بأس بحملها علي الكراهة لو وجد القول بكراهة الأكل مما يشتري من المتلقي و لا بأس به حسما لمادة التلقي. و مما ذكرنا يعلم أن النهي في سائر الأخبار أيضا محمول علي الكراهة لموافقته للأصل مع ضعف الخبر و مخالفته للمشهور ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ كما في كلام بعض و الظاهر أن مرادهم خروج الحد عن المحدود لأن الظاهر زوال المرجوحية إذا كان أربعة فراسخ و قد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه. و روي أن حد التلقي روحه فإذا صار إلي أربعة فراسخ فهو جلب فإن الجمع بين صدرها و ذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج الحد عن المحدود كما أن ما في الرواية السابقة أن حده ما دون غدوة أو روحه محمول علي دخول الحد في المحدود لكن قال في المنتهي حد علماؤنا التلقي بأربعة فراسخ فكرهوا التلقي إلي ذلك الحد فإن زاد علي ذلك كان تجارة و جلبا و هو ظاهر لأن بمضيه و رجوعه يكون مسافرا يجب عليه القصر فيكون سفرا حقيقيا إلي أن قال و لا يعرف بين علمائنا خلاف فيه انتهي. و التعليل بحصول السفر الحقيقي يدل علي مسامحة في التعبير و لعل الوجه في التحديد بالأربعة أن الوصول علي الأربعة
المكاسب، ج‌2، ص 211
بلا زيادة و لا نقيصة نادر فلا يصلح أن يكون ضابطا لرفع الكراهة إذ لا يقال إنه وصل إلي الأربعة إذا تجاوز عنها و لو يسيرا فالظاهر أنه لا إشكال في أصل الحكم و إن وقع اختلاف في التعبير في النصوص و الفتاوي ثم إنه لا إشكال في اعتبار القصد إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي فلو تلقي الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم و كذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي فلا يكره لغرض آخر و لو اتفقت المعاملة قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد. و فيه أنه مبني علي عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير فيحتمل أن تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ادخاره عن أعين الناس و بيعه تدريجا بخلاف ما إذا أتي الركب و طرحوا أمتعتهم في الخانات و الأسواق فإن له أثرا بينا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء في وقت الغلاء إذا أتي بالطعام و كيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة ثم إنه لا فرق بين أخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما. نعم لا بأس باستيهابهم و لو بإهداء شي‌ء إليهم و لو تلقاهم لمعاملات أخر غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية. نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله ص: المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض قوي سراية الحكم إلي بيع شي‌ء منهم و إيجارهم المساكن و الخانات كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل كما يدل عليه النبوي العامي: لا تلقوا الجلب فمن تلقي و اشتري منه فإذا أتي السوق فهو بالخيار قوي سراية الحكم إلي كل معاملة توجب غبنهم كالبيع و الشراء منهم متلقيا و شبه ذلك لكن الأظهر هو الأول و كيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر و ثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار. و قد يحكي عن الحلي ثبوت الخيار و إن لم يكن غبن و لعله لإطلاق النبوي المتقدم المحمول علي صورة تبين الغبن بدخول السوق و الاطلاع علي القيمة و اختلفوا في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي علي قولين سيجي‌ء ذكر الأقوي منهما في مسألة خيار الغبن إن شاء الله.

مسألة يحرم النجش علي المشهور

كما في الحدائق بل عن المنتهي و جامع المقاصد أنه محرم إجماعا لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد ص و في النبوي المحكي عن معاني الأخبار: لا تناجشوا و لا تدابروا قال و معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها و لكن ليسمعه غيره فيزيد لزيادته و الناجش الخائن. و [أما] التدابر [فالمصارمة و] الهجران [مأخوذ من أن يولي الرجل صاحبه دبره و يعرض عنه بوجهه انتهي كلام الصدوق. و الظاهر أن المراد بزيادة الناجش مؤاطاة البائع المنجوش له.

مسألة إذا دفع إنسان إلي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية علي ذلك المال من دون الدافع كما الإمام أورد المظالم المدفوع إلي الحاكم فله صور إحداها أن تظهر قرينة علي عدم جواز رضاه بالأخذ منه كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده و لا إشكال في عدم الجواز لحرمة التصرف في مال الناس علي غير الوجه المأذون فيه الثانية أن تظهر قرينة حالية أو مقالية علي جواز أخذه منه مقدارا مساويا لما يدفع إلي غيره أو أنقص أو أزيد و لا إشكال في الجواز حينئذ إلا أنه قد يشكل الأمر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلي الأصناف المختلفة كأن عين للمجتهدين مقدارا و للمشتغلين مقدارا و اعتقد الدافع عنوانا يخالف معتقد المدفوع إليه. و التحقيق هذا مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف علي وجه الموضوعية كأن يقول ادفع إلي كل مشتغل كذا و إلي كل مجتهد كذا و خذ أنت ما يخصك و إن كان علي وجه الداعي بأن كان الصنف داعيا إلي تعيين ذلك المقدار كان المتبع اعتقاد الدافع لأن الداعي إنما يتفرع علي الاعتقاد لا الواقع. الثالثة أن لا تقوم قرينة علي أحد الأمرين و يطلق المتكلم و قد اختلف كلماتهم فيها بل كلمات واحد منهم فالمحكي عن وكالة المبسوط و زكاة السرائر [و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المسالك و الكفاية] و مكاسب النافع و كشف الرموز و المختلف و التذكرة و جامع المقاصد تحريم الأخذ مطلقا و عن النهاية و مكاسب السرائر و الشرائع و التحرير و الإرشاد و المسالك و الكفاية أنه يجوز له الأخذ منه إن أطلق من دون زيادة علي غيره و نسبه في الدروس إلي الأكثر و في الحدائق إلي المشهور و في المسالك هكذا شرط كل من سوغ له الأخذ و عن نهاية الأحكام و التنقيح و المهذب البارع و المقنعة الاقتصار علي نقل القولين و عن المهذب البارع حكاية التفصيل بالجواز إن كانت الصيغة بلفظ ضعه فيهم أو ما أدي معناه و المنع إن كانت بلفظ ادفعه و عن التنقيح عن بعض الفضلاء أنه إن قال هو للفقراء جاز و إن قال أعطه للفقراء فإن علم فقره لم يجز إذ لو أراده لخصه و إن لم يعلم جاز. احتج القائل بالتحريم مضافا إلي ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم المؤيد بما قالوه فمن وكلته امرأة أن يزوجها من شخص فزوجها من نفسه أو وكله في شراء شي‌ء فأعطاه من عنده بمصححة ابن الحجاج المسندة في التحرير إلي مولانا الصادق ع و إن أضمرت في غيره قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه و احتج المجوزون بأن العنوان المدفوع إليه شامل له و الفرض الدفع إلي هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية في الغير و اللفظ و إن سلم عدم شموله له لغة إلا أن المنساق عرفا صرفه إلي كل من اتصف بهذا العنوان فالعنوان موضوع لجواز الدفع يحمل عليه الجواز. نعم لو كان المدفوع إليهم أشخاصا خاصة و كان الداعي علي الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور و الرواية معارضة بروايات أخر مثل ما في الكافي في الصحيح عن سعد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا قال نعم و عن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم [عن أبي إبراهيم ع : في رجل أعطي مالا يفرقه فيمن يحل له أ له أن يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له قال يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره و صحيحة ابن الحجاج قال: سألت أبا الحسن ع
المكاسب، ج‌2، ص 212
عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة قال لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره و لا يجوز له أن يأخذ- إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه و الذي ينبغي أن يقال أما من حيث دلالة اللفظ الدال علي الإذن في الدفع و الصرف فإن المتبع الظهور العرفي و إن كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره كما أن الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم علي الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد من تلك القرائن ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد فالأولي حمل الأخبار المجوزة علي ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر و حمل الصحيحة السابقة المانعة علي ما إذا لم يعلم الأمر فقر المأمور فأمره بالدفع إلي مساكين علي وجه تكون المسكنة داعية إلي الدفع لا موضوعا و لما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع علي الرضا بوصول شي‌ء من المال إليه ثم علي تقدير المعارضة فالواجب الرجوع إلي ظاهر اللفظ لأن الشك بعد تكافؤ الأخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي و لو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلي المنع إذ لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذن من المالك أو الشارع.

مسألة احتكار الطعام

اشارة

و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته. و قد اختلف في حرمته فعن المبسوط و المقنعة و الحلبي في كتاب المكاسب و الشرائع و المختلف الكراهة و عن كتب الصدوق و الاستبصار و السرائر و القاضي و التذكرة و التحرير و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و الروضة التحريم. و عن التنقيح و الميسية تقويته.
و هو الأقوي بشرط عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم الحناط قال: قال لي أبو عبد الله ع ما عملك قلت حناط و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست قال فما يقول من قبلك فيه قلت يقولون محتكر فقال يبيعه أحد غيرك قلت ما أبيع أنا من ألف جزء جزء قال لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي ص فقال له يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر فإن الظاهر منها أن عليه عدم البأس وجود الباذل فلولاه حرم. و صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع: أنه سئل عن الحكرة فقال إنما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعام أو متاع يباع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل و زاد في الصحيحة المحكية عن الكافي و التهذيب قال: و سألته عن الزيت فقال إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه و عن أمير المؤمنين ع في نهج البلاغة: في كتابه إلي مالك الأشتر فامنع من الاحتكار فإن رسول الله ص منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا نجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به و عاقبة في غير إسراف و صحيحة الحلبي قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك قال إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام فإن الكراهة في كلامهم ع و إن كانت تستعمل في المكروه و الحرام إلا أن في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل علي كراهة الاحتكار مطلقا قرينة علي إرادة التحريم و حملها علي تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفي. و إن شئت قلت إن المراد بالبأس في الشرطية الأولي التحريم لأن الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها و يؤيد التحريم ما عن المجالس بسنده عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص: أيما رجل اشتري طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به غلاء للمسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع و في السند بعض بني فضال و الظاهر أن الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري ع عند سؤاله عنها: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا ففيه دليل علي اعتبار ما في كتبهم فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند. و قد ذكرنا أن هذا الحديث أولي بالدلالة علي عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الإجماع الذي ادعاه الكشي علي تصحيح ما يصح عن جماعة. و يؤيده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام أنه أرسل عن النبي ص عن جبرائيل ع قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت يا مالك لمن هذا فقال لثلاثة المحتكرين و المدمنين الخمر و القوادين. و مما يؤيد التحريم ما دل علي وجوب البيع عليه فإن إلزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الإلزام علي ترك المكروه خلاف الظاهر و خلاف قاعدة سلطنة الناس مسلطون علي أموالهم-

ثم إن كشف الإبهام عن أطراف المسألة إنما يتم ببيان أمور

الأول في مورد الاحتكار

فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة و بعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام. و في رواية غياث بن إبراهيم: ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن.
و عن الفقيه زيادة الزيت. و قد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا. و في المحكي عن قرب الإسناد برواية أبي البختري عن علي ع قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و عن الخصال في رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه ع عن النبي ص قال: الحكرة في ستة أشياء في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن و الزبيب ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا. و عن كشف الرموز و ظاهر السرائر دعوي الاتفاق عليه و عن مجمع الفائدة نفي الخلاف فيه و أما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الأخبار. و لذا اختاره الصدوق و العلامة في التحرير حيث ذكر أن به رواية حسنة و الشهيدان و المحقق الثاني. و عن الإيضاح أن عليه الفتوي و أما الملح فقد ألحقه بها في المبسوط و الوسيلة و التذكرة و نهاية الأحكام و الدروس و المسالك و لعله لفحوي التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس إليه.

الثاني [ما هو حد الاحتكار]

روي السكوني عن أبي عبد الله ع: أن الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الغلاء و الشدة ثلاثة أيام فما زاد علي الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون و ما زاد علي ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون و يؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة.
المكاسب، ج‌2، ص 213
و حكي عن الشيخ و محكي القاضي و الوسيلة العمل بها. و في الدروس أن الأظهر تحريمه مع حاجة الناس و مظنتها الزيادة علي ثلاثة أيام في الغلاء و أربعين في الرخص للرواية انتهي. و أما تحديده بحاجة الناس فهو حسن كما عن المقنعة و غيرها و يظهر من الأخبار المتقدمة. و أما ما ذكره من حمل رواية السكوني عن بيان مظنة الحاجة فهو جيد و منه يظهر عدم دلالتها علي التحديد بالعددين تعبدا.

الثالث [عدم حصر الاحتكار في شراء الطعام بل مطلق جمعه و حبسه

مقتضي ما في صحيحة الحلبي المتقدمة في بادئ النظر حصر الاحتكار في شراء الطعام لكن الأقوي التعميم بقرينة تفريع قوله ع فإن كان في المصر طعام و يؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه سواء أ كان بالاشتراء أم بالزرع أو الحصاد أو الإحراز إلا أن يراد جمعه في ملكه و يؤيد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار بأن يترك الناس ليس لهم طعام و عليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوبا له أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة و بقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحسبه متربصا للغلاء.

الرابع أقسام حبس الطعام

كثيرة لأن الشخص إما أن يكون قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر أو حصل له من دون تحصيل له و الحبس إما أن يراد منه نفس تقليل الطعام إضرارا بالناس في أنفسهم أو يريد به الغلاء و هو إضرارهم من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله و إن حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به أهل البلد كما قد يتفق ورود عسكر أو زوار في البلاد و توقفهم يومين أو ثلاثة أيام فتحدث للطعام عزة لا تضر بأكثر أهل البلد و قد يريد بالحبس لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخر هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه و قد يحبس انتظارا لأيام الغلاء من دون حصول الغلاء بحبسه بل لقلة الطعام في آخر السنة أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ثم حبسه لانتظار أيام الغلاء قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال و قد يكون لحب إعانة المضطرين و لو بالبيع عليهم و الإرفاق بهم ثم حاجة الناس قد تكون لأكلهم و قد تكون للبذر أو لعلف الدواب أو للاسترباح بالثمن. و عليك باستخراج هذه الأقسام و تمييز المباح و المكروه و المستحب من الحرام.

الخامس الظاهر عدم الخلاف كما قيل في إجبار المحتكر علي البيع

حتي علي القول بالكراهة بل عن المهذب البارع الإجماع عليه.
و عن التنقيح كما في الحدائق عدم الخلاف فيه و هو الدليل المخرج عن قاعدة عدم جواز الإجبار لغير الواجب و لذا ذكرنا أن ظاهر أدلة الإجبار تدل علي التحريم لأن إلزام غير اللازم خلاف القاعدة. نعم لا يسعر عليه إجماعا كما عن السرائر و زاد وجود الأخبار المتواترة و عن المبسوط عدم الخلاف فيه لكن عن المقنعة أنه يسعر عليه بما يراه الحاكم و عن جماعة منهم العلامة و ولده و الشهيد أنه يسعر عليه إن أجحف بالثمن لنفي الضرر و عن الميسي و الشهيد الثاني أنه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهي عن التسعير و الجبر بنفي الإضرار.

خاتمة و من أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه.

ففي مرسلة ابن فضال عن رجل عن أبي عبد الله ع: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها و لكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بد للمؤمن منه إن الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا لا مال لهم و في صحيحة الثمالي عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص في حجة الوداع: ألا أن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتي تستكمل رزقها فاتقوا الله عز و جل و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شي‌ء من الرزق أن تطلبوه بشي‌ء من معصية الله فإن الله تبارك و تعالي قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما فمن اتقي الله عز و جل و صبر آتاه الله برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة. و عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أن الله عز و جل لم يجعل للعبد و إن اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت مكابدته أن يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم و لم يحل من العبد في ضعفه و قلة حيلته أن يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم أيها الناس إنه لن يزداد امرأ نقيرا بحذقه و لم ينتقص امرأ نقيرا لحمقه فالعالم لهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته و العالم لهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته و رب منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه و رب مغرور في الناس مصنوع له فأفق أيها الساعي من سعيك و قصر من عجلتك و انتبه من سنة غفلتك و تفكر فيما جاء عن الله عز و جل علي لسان نبيه ص و عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: إن الله عز و جل وسع في أرزاق الحمقي ليعتبر العقلاء و يعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة و في مرفوعة سهل بن زياد أنه قال قال أمير المؤمنين ع: كم من متعب نفسه مقتر عليه و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير و في رواية علي بن عبد العزيز قال: قال لي أبو عبد الله ع ما فعل عمر بن مسلم قلت جعلت فداك أقبل علي العبادة و ترك التجارة فقال ويحه أ ما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له إن قوما من أصحاب رسول الله ص لما نزلت وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أغلقوا الأبواب و أقبلوا علي العبادة و قالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي ص فأرسل إليهم فقال ما حملكم علي ما صنعتم قالوا يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا علي العبادة فقال إنه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب و قد تقدم في رواية أنه: ليس منا من ترك آخرته لدنياه و لا من ترك دنياه لآخرته.
و تقدم أيضا حديث داود علي نبينا و آله و عليه السلام و علي جميع أنبيائه الصلاة و السلام. بعد الحمد لله الملك العلام علي ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة و كتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص و العام
المكاسب، ج‌3، ص 214

الجزء الثالث

الخيارات

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين. القول في الخيار و أقسامه و أحكامه

مقدمتان

الأولي [في معني الخيار لغة و اصطلاحا]

الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار- غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ العقد علي ما فسره به في موضع من الإيضاح- فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة و في عقد الفضولي و ملك الوارث رد العقد علي ما زاد علي الثلث و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد علي بنت الأخ و الأخت و ملك الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد إذا أعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب- و لعل التعبير بالملك للتنبيه علي أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام فيخرج ما كان من قبيل الإجازة و الرد لعقد الفضولي و التسلط علي فسخ العقود الجائزة فإن ذلك من الأحكام الشرعية لا من الحقوق و لذا لا تورث و لا تسقط بالإسقاط و قد يعرف بأنه ملك إقرار العقد و إزالته و يمكن الخدشة فيه بأنه إن أريد من إقرار العقد إبقاؤه علي حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لأن القدرة علي الفسخ عين القدرة علي تركه إذ القدرة لا تتعلق بأحد الطرفين و إن أريد منه إلزام العقد و جعله غير قابل لأن يفسخ. ففيه أن مرجعه إلي إسقاط حق الخيار فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار مع أن ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا ثم إن ما ذكرناه من معني الخيار- هو المتبادر منه عرفا عند الإطلاق في كلمات المتأخرين و إلا فإطلاقه في الأخبار و كلمات الأصحاب علي سلطنة الإجازة و الرد لعقد الفضولي و سلطنة الرجوع في الهبة و غيرهما من أفراد السلطنة شائع.

الثانية [الأصل في البيع اللزوم]

اشارة

ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه- أن الأصل في البيع اللزوم. قال في التذكرة الأصل في البيع اللزوم لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك و الأصل الاستصحاب و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه و إنما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه انتهي.

أقول المستفاد من كلمات جماعة أن الأصل هنا قابل لإرادة معان

الأول الراجح

احتمله في جامع المقاصد- مستندا في تصحيحه إلي الغلبة. و فيه أنه إن أراد غلبة الأفراد فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط- و إن أراد غلبة الأزمان فهي لا تنفع في الأفراد المشكوكة- مع أنه لا يناسب ما في القواعد من قوله و إنما يخرج من الأصل لأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب.

الثاني القاعدة المستفادة من العمومات

التي يجب الرجوع إليها عند الشك في الأفراد أو بعض الأحوال و هذا حسن لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الأصل- .

الثالث الاستصحاب

و مرجعه إلي أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد فسخ أحدهما و هذا حسن.

الرابع المعني اللغوي

بمعني أن وضع البيع و بناءه عرفا و شرعا علي اللزوم و صيرورة المالك الأول كالأجنبي و إنما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لأحدهما أو لهما يسقط بالإسقاط و بغيره و ليس البيع كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب بمعني كونه حكما شرعيا له أصلا و بالذات بحيث لا يقبل الإسقاط و من هنا ظهر أن ثبوت خيار المجلس في أول أزمنة انعقاد البيع لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا علي اللزوم لأن الخيار حق خارجي قابل للانفكاك. نعم لو كان في أول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط كان منافيا لبنائه علي اللزوم فالأصل هنا كما قيل نظير قولهم إن الأصل في الجسم الاستدارة فإنه لا ينافي كون أكثر الأجسام علي غير الاستدارة لأجل القاسر الخارجي و مما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية حيث أنكر هذا الأصل لأجل خيار المجلس إلا أن يريد أن الأصل بعد ثبوت خيار المجلس بقاء عدم اللزوم و سيأتي ما فيه
بقي الكلام في معني قول العلامة في القواعد و التذكرة إنه لا يخرج من هذا الأصل إلا بأمرين ثبوت خيار أو ظهور عيب فإن ظاهره أن ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار مع أنه من أسباب الخيار و توجيهه بعطف الخاص علي العام كما في جامع المقاصد غير ظاهر إذ لم يعطف العيب علي أسباب الخيار بل عطف علي نفسه و هو مباين له لا أعم. نعم قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله و إنما يجزع عن الأصل بأمرين أحدهما ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل للتروي خاصة. و الثاني ظهور عيب في أحد العوضين انتهي. و حاصل التوجيه علي هذا أن الخروج عن اللزوم لا يكون إلا بتزلزل
المكاسب، ج‌3، ص 215
العقد لأجل الخيار و المراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين لا لاقتضاء نقص في أحد العوضين و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص أحد العوضين لكنه مع عدم تمامه تكلف في عبارة القواعد مع أنه في التذكرة ذكر في الأمر الأول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد أسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب و تكلم فيه كثيرا و مقتضي التوجيه أن يتكلم في الأمر الأول فيما عدا خيار العيب و يمكن توجيه ذلك بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في مقابل الخيار فإن نفس ثبوت الأرش بمقتضي العيب و إن لم يثبت خيار الفسخ موجب لاسترداد جزء من الثمن فالعقد بالنسبة إلي جزء من الثمن متزلزل قابل لإبقائه في ملك البائع و إخراجه عنه و يكفي في تزلزل العقد ملك إخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه. و إن شئت قلت إن مرجع ذلك إلي ملك فسخ العقد الواقع علي مجموع العوضين من حيث المجموع و نقض مقتضاه من تملك كل من مجموع العوضين في مقابل الآخر لكنه مبني علي كون الأرش جزء حقيقيا من الثمن كما عن بعض العامة ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.
و قد صرح العلامة في كتبه بأنه لا يعتبر في الأرش كونه جزء من الثمن بل له إبداله لأن الأرش غرامة و حينئذ فثبوت الأرش لا يوجب تزلزلا في العقد ثم إن الأصل بالمعني الرابع إنما ينفع مع الشك في ثبوت خيار في خصوص البيع لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلي الدليل أما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الأصل لزومه لأن مرجع الشك حينئذ إلي الشك في الحكم الشرعي. و أما الأصل بالمعني الأول فقد عرفت عدم تماميته و أما بمعني الاستصحاب فيجري في البيع و غيره إذا شك في لزومه و جوازه و أما بمعني القاعدة فيجري في البيع و غيره لأن أكثر العمومات الدالة علي هذا المطلب يعم غير البيع

[الأدلة علي أصالة اللزوم]

اشارة

و قد أشرنا في مسألة المعاطاة إليها و نذكرها هنا تسهيلا علي الطالب-

فمنها قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

دل علي وجوب الوفاء بكل عقد و المراد بالعقد مطلق العهد كما فسر به في صحيحة ابن سنان المروية في تفسير علي بن إبراهيم أو ما يسمي عقدا لغة و عرفا. و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه- بحسب الدلالة اللفظية نظير الوفاء بالنذر فإذا دل العقد مثلا علي تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له فأخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك نقض لمقتضي ذلك العهد فهو حرام فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه كان هذا لازما مساويا للزوم العقد و عدم انفساخه بمجرد فسخ أحدهما فيستدل بالحكم التكليفي علي الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من أحدهما بغير رضا الآخر و هو معني اللزوم بل قد حقق في الأصول أن لا معني للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التكليفي. و مما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل من أن معني وجوب الوفاء بالعقد العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز فلا يتم الاستدلال به علي اللزوم. توضيح الضعف أن اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعية للعقد و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع. نعم هذا المعني أعني وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد مساويا للزوم و أضعف من ذلك ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية علي اللزوم مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور و هو أن المفهوم من الآية عرفا حكمان تكليفي و وضعي و قد عرفت أن ليس المستفاد منها إلا حكم واحد تكليفي يستلزم حكما وضعيا

[الاستدلال بآية أحل الله البيع]

و من ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالي أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ علي اللزوم فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع التصرفات المترتب عليه التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضاء الآخر مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ و كونه لغوا غير مؤثر

[الاستدلال بآية تجارة عن تراض]

و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم بإطلاق حلية أكل المال بالتجارة عن تراض فإنه يدل علي أن التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق حتي بعد فسخ أحدهما من دون رضاء الآخر فدلالة الآيات الثلاث علي أصالة اللزوم علي نهج واحد لكن يمكن أن يقال- إنه إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين الأخيرتين لم يمكن التمسك في رفعه إلا بالاستصحاب و لا ينفع الإطلاق.

و منها قوله تعالي وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ

دل علي حرمة الأكل بكل وجه يسمي باطلا عرفا و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل فإن أكل المارة من ثمرة الأشجار التي تمر بها باطل لو لا إذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه و كذلك الأخذ بالشفعة و الخيار فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوي الخيار و الشفعة و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أخذ مال الغير و تملكه من دون إذن صاحبه باطل عرفا. نعم لو دل الشارع علي جوازه كما في العقود الجائزة بالذات أو بالعارض كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين. و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله ص: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه.

و منها قوله: الناس مسلطون علي أموالهم

فإن مقتضي السلطنة التي أمضاها الشارع أن لا يجوز أخذه من يده و تملكه عليه من دون رضاه و لذا استدل المحقق في الشرائع علي عدم جواز رجوع المقرض فيما أقرضه بأن فائدة الملك التسلط و نحوه العلامة في بعض كتبه و الحاصل أن جواز العقد الراجع إلي تسلط الفاسخ علي تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره و أخذه منه بغير رضاه مناف لهذا العموم

و منها قوله: المؤمنون عند شروطهم

و قد استدل به علي اللزوم غير واحد منهم المحقق الأردبيلي قدس سره بناء علي أن الشرط مطلق الإلزام و الالتزام و لو ابتدأ من غير ربط بعقد آخر فإن العقد علي هذا شرط فيجب الوقوف عنده و يحرم التعدي عنه فيدل علي اللزوم بالتقريب المتقدم في أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية بل المتبادر عرفا
المكاسب، ج‌3، ص 216
هو الإلزام التابع- كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتي في مثل قوله في دعاء التوبة: و لك يا رب شرطي ألا أعود في مكروهك و عهدي أن أهجر جميع معاصيك و قوله في أول دعاء الندبة: بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا كما لا يخفي علي من تأملها مع أن كلام بعض أهل اللغة علي ما ادعينا من الاختصاص ففي القاموس الشرط إلزام الشي‌ء و التزامه في البيع و نحوه

و منها الأخبار المستفيضة في أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا

و أنه إذا افترقا وجب البيع و أنه لا خيار لهما بعد الرضا
فهذه جملة من العمومات- الدالة علي لزوم البيع عموما أو خصوصا

[مقتضي الاستصحاب أيضا اللزوم]

و قد عرفت أن ذلك مقتضي الاستصحاب أيضا و ربما يقال إن مقتضي الاستصحاب- عدم انقطاع علاقة المالك عن العين فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها الرجوع و هذا الاستصحاب حاكم علي الاستصحاب المتقدم المقتضي اللزوم و رد بأنه إن أريد بقاء علاقة الملك أو علاقة يتفرع علي الملك فلا ريب في زوالها بزوال الملك و إن أريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك و إنما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل فإذا فقد الدليل فالأصل عدمها و إن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع فإنها تستصحب عند الشك فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار كما يقال الأصل في الهبة بقاء جوازها بعد التصرف في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس بل مطلقا بناء علي أن الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلي عموم أوفوا بالعقود لا الاستصحاب أنه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق فيبقي ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم فتأمل

[ظاهر المختلف أن الأصل عدم اللزوم و المناقشة فيه]

ثم إنه يظهر من المختلف في مسألة أن المسابقة لازمة أو جائزة أن الأصل عدم اللزوم و لم يرده من تأخر عنه إلا بعموم قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الأصل. نعم هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا أو تسليطا ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر و عدم زواله بدون رضا الطرفين

[إذا شك في عقد أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز]

ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم- إنما هو في الشك في حكم الشارع باللزوم و يجري أيضا فيما إذا شك في عقد خارجي أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز بناء علي أن المرجع في الفرد المردد بين عنواني العام و المخصص إلي العموم و أما بناء علي خلاف ذلك فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم إلي الأصل بمعني استصحاب الأثر و عدم زواله بمجرد فسخ أحد المتعاقدين إلا أن يكون هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز كما إذا شك في أن الواقع هبة أو صدقة فإن الأصل عدم قصد القربة فيحكم بالهبة الجائزة لكن الاستصحاب المذكور إنما ينفع في إثبات صفة اللزوم و أما تعيين العقد اللازم حتي يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا أريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا بل يرجع في أثر كل عقد إلي ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض حكم بالبراءة التي هي من آثار الهبة و إذا شك في الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان لعموم علي اليد إن كان هو المستند في الضمان بالعقود الفاسدة و إن كان المستند دخوله في ضمان العين أو قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها كان الأصل البراءة أيضا

القول في أقسام الخيار

اشارة

و هي كثيرة إلا أن أكثرها متفرقة و المجتمع منها في كل كتاب سبعة و قد أنهاها بعضهم إلي أزيد من ذلك- حتي أن المذكور في اللمعة مجتمعا أربعة عشر مع عدم ذكره لبعضها و نحن نقتفي أثر المقتصر علي السبعة كالمحقق و العلامة قدس سرهما لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا إذ ليس له أحكام مغاير لسائر أنواع الخيار فنقول و بالله التوفيق

الأول في خيار المجلس

اشارة

فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين حين البيع- و إنما عبر بفرده الغالب و إضافة الخيار إليه لاختصاصه و ارتفاعه بانقضائه الذي هو الافتراق و لا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذه الخيار و النصوص به مستفيضة- و الموثق الحاكي لقول علي ع: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب مطروح أو مؤول و لا فرق بين أقسام البيع و أنواع المبيع. نعم سيجي‌ء استثناء بعض أشخاص المبيع كالمنعتق علي المشتري و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل

مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبائعين إذا كانا أصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة

اشارة

و هل يثبت لهما مطلقا خلاف قال في التذكرة لو اشتري الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين مع حضورهما في المجلس و إلا فبالوكيلين فلو مات الوكيل في المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه لأن ملكه أقوي من ملك الوارث و للشافعية قولان أحدهما أنه يتعلق بالموكل و الآخر أنه يتعلق بالوكيل انتهي.

[أقسام الوكيل]

[أن يكون وكيلا في مجرد إجراء العقد]

أقول و الأولي أن يقال- إن الوكيل إن كان وكيلا في مجرد إجراء العقد فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما- وفاقا لجماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان لأن المتبادر من النص غيرهما و إن عممناه لبعض أفراد الوكيل و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه بحكم الغلبة إلي خصوص العاقد المالك مضافا إلي أن مفاد أدلة الخيار إثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين علي ما انتقل إلي الآخر بعد الفراغ عن تسلطه علي ما انتقل إليه فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه في الخارج أ لا تري أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لأدلة الخيار بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز رده علي البائع و عدم وجوب عتقه هذا مضافا إلي ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان الذي لا يرضي الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في إجراء
المكاسب، ج‌3، ص 217
الصيغة فإن المقام و إن لم يكن من تعارض المطلق و المقيد إلا أن سياق الجميع يشهد باتحاد. المراد من لفظ المتبايعين مع أن ملاحظة حكمة الخيار بتعدي ثبوته للوكيل المذكور مضافا إلي أدلة سائر الخيارات فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه و الظاهر عدم دخوله في إطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة. فإن الظاهر من قوله اشتري الوكيل أو باع تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد إيقاع الصيغة و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق- و أضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ بزعم أن الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه للعقد فلا يبطل بمنع الموكل و علي المختار فهل يثبت للموكلين فيه إشكال- من أن الظاهر من البيعين في النص المتعاقدان فلا يعم الموكلين. و ذكروا أنه لو حلف علي عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله و من أن الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين و نسبة الفعل إليهما شائعة و لذا لا يتبادر من قوله باع فلان ملكه الكذائي كونه مباشرا للصيغة و عدم الحنث بمجرد التوكيل في إجراء الصيغة ممنوع فالأقوي ثبوته لهما و لكن مع حضورهما في مجلس العقد و المراد به مجلسهما المضاف عرفا إلي العقد فلو جلس هذا في مكان و ذاك في مكان آخر فاطلعا علي عقد الوكيلين فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما إلا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد بحيث يكون الوكيلان كلساني الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين هذا كله إن كان وكيلا في مجرد إيقاع العقد

[أن يكون وكيلا مستقلا في التصرف المالي]

و إن كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء فإن كان مستقلا في التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل في القراض و أولياء القاصرين فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص و دعوي تبادر المالكين ممنوعة خصوصا إذا استندت إلي الغلبة- فإن معاملة الوكلاء و الأولياء لا تحصي و هل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة إشكال من تبادر المتعاقدين من النص و قد تقدم عدم حنث الحالف علي ترك البيع ببيع وكيله و من أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار في بعض النصوص كون الخيار حقا لصاحب المال شرعا إرفاقا له و أن ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه إلا أن يدعي مدخلية المباشرة للعقد فلا يثبت لغير المباشر و لكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة و حينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة- من طرف واحد أو من الطرفين فكل من سبق من أهل الطرف الواحد إلي إعماله نفذ و سقط خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه و ليس المقام من تقديم الفاسخ علي المجيز فإن تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين و هذا فرض من جانب واحد ثم علي المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد أو عن مجلس العقد أو بتفرق المتعاقدين أو بتفرق الكل فيكفي بقاء أصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد وجوه أقواها الأخير

[أن لا يكون مستقلا في التصرف]

و إن لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد و بعده بل كان وكيلا في التصرف علي وجه المعاوضة كما إذا قال له اشتر لي عبدا و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الإطلاق إلي غير ذلك بل لما ذكرنا في القسم الأول من إطلاق أدلة الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين علي ما نقله عند الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه فلا تنهض لإثبات هذا التمكن عند الشك فيه و لا لتخصيص ما دل علي سلطنة الموكل علي ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده إلي مالكه الأصلي و في ثبوته للموكلين ما تقدم

[هل للموكل تفويض حق الخيار إلي الوكيل]

و الأقوي اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه ثم هل للموكل بناء علي ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلي الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري- الأقوي العدم لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له بعده. نعم يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو التزاما.

[عدم ثبوت الخيار للفضولي]

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و إن جعلنا الإجازة كاشفة لا لعدم صدق المتبايعين لأن البيع النقل و لا نقل هنا كما قيل لاندفاعه بأن البيع النقل العرفي و هو موجود هنا. نعم ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعا بالبيع و هذا المعني منتف في الفضولي قبل الإجازة و يندفع أيضا بأن مقتضي ذلك عدم الخيار في الصرف و السلم قبل القبض مع أن هذا المعني لا يصح علي مذهب الشيخ- القائل بتوقف الملك علي انقضاء الخيار فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوي ما تقدم- من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين. نعم في ثبوته للمالكين بعد الإجازة مع حضورهما في مجلس العقد وجه و اعتبار مجلس الإجازة علي القول بالنقل له وجه خصوصا علي القول بأن الإجازة عقد مستأنف علي ما تقدم. توضيحه في مسألة عقد الفضولي و يكفي حينئذ الإنشاء أصالة من أحدهما و الإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس عرفا. نعم يحتمل في أصل المسألة أن يكون الإجازة من المجيز التزاما بالعقد فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ التزمت فتأمل و لا فرق في الفضوليين بين الغاصب و غيره فلو تبايع غاصبان ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الإجازة بخلاف ما لو رد الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

مسألة لو كان العاقد واحدا

لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو وكالة علي وجه يثبت له الخيار مع التعدد بأن كان وليا أو وكيلا مستقلا في التصرف فالمحكي عن ظاهر الخلاف و القاضي و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و المحقق الميسي و الصيمري و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لأنه بائع و مشتر فله ما لكل منهما كسائر أحكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين لشخص واحد مندفع باستقرار سائر أحكام المتبايعين و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني علي الغالب خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم و استقربه فخر الدين و مال إليه المحقق الأردبيلي و الفاضل الخراساني
المكاسب، ج‌3، ص 218
و المحدث البحراني و استظهره بعض الأفاضل ممن عاصرناهم و لا يخلو عن قوة بالنظر إلي ظاهر النص لأن الموضوع فيه صورة التعدد و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد و لولاها لأمكن استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشتري كسائر أحكامهما إذ لا يفرق العرف بين قوله المتبايعان كذا و قوله لكل من البائع و المشتري إلا أن التقييد بقوله حتي يفترقا ظاهر في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية و لا يمكن فرض التفرق في غير المتعدد و منه يظهر سقوط القول بأن كلمة حتي تدخل علي الممكن و المستحيل إلا أن يدعي أن التفرق غاية مختصة بصورة التعدد لا مخصصة للحكم بها. و بالجملة فحكم المشهور بالنظر إلي ظاهر اللفظ مشكل. نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط لكن الإشكال فيه و الأولي التوقف تبعا للتحرير و جامع المقاصد ثم لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه إلي أن يسقط بأحد المسقطات غير التفرق.

مسألة قد يستثني بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار

منها من ينعتق علي أحد المتبايعين

و المشهور كما قيل عدم الخيار مطلقا بل عن ظاهر المسالك أنه محل وفاق و احتمل في الدروس ثبوت الخيار للبائع و الكلام فيه مبني علي القول المشهور من عدم توقف الملك علي انقضاء الخيار- و إلا فلا إشكال في ثبوت الخيار و الظاهر أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلي نفس العين لأن مقتضي الأدلة الانعتاق بمجرد الملك و الفسخ بالخيار من حينه لا من أصله و لا دليل علي زواله بالفسخ مع قيام الدليل علي زوال الحرية بعد تحققها إلا علي احتمال ضعفه في التحرير فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا مبني علي تزلزل العتق و أما الخيار بالنسبة إلي أخذ القيمة فقد يقال مقتضي الجمع بين أدلة الخيار و دليل عدم عود الحر إلي الرقية فيفرض المعتق كالتالف فلمن انتقل إليه أن يدفع القيمة و يسترد الثمن. و ما في التذكرة من أنه وطن نفسه علي الغبن المالي و المقصود من الخيار أن ينظر و يتروي لدفع الغبن عن نفسه ممنوع لأن التوطين علي شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا علي الغبن من حيث المعاملة و كذا لمن انتقل عنه أن يدفع الثمن و يأخذ القيمة و ما في التذكرة من تغليب جانب العتق إنما يجدي مانعا عن دفع العين لكن الإنصاف أنه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه لأن شراءه إتلاف له في الحقيقة و إخراج له عن المالية و سيجي‌ء سقوط الخيار بالإتلاف بل أدني تصرف فعدم ثبوته به أولي و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه لأن بيعه من ينعتق عليه إقدام علي إتلافه و إخراجه عن المالية. و الحاصل أنا إذا قلنا إن الملك فيمن ينعتق عليه تقديري لا حقيقي- فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطأة علي إخراجه عن المالية و سلكه في سلك ما لا يتمول لكنه حسن مع علمهما فتأمل. و قد يقال إن ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني علي أن الخيار و الانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما أو الأول بالأول و الثاني بالثاني أو العكس فعلي الأولين و الأخير يقوي القول بالعدم لأمضوية أخبار العتق و كون القيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه علي الأخير و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين و دفعا للمنافاة من البين و عملا بالنصين و بالإجماع علي عدم إمكان زوال يد البائع عن العوضين و تنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما و للعتق بمنزلة تلف العين و لأنهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع إلي القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق علي المشتري أو تعيب بما يوجب ذلك و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام و علي الثالث يتجه الثاني لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق ثم قال و حيث كان المختار في الخيار أنه بمجرد العقد و في العتق أنه بعد الملك و دل ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب علي أن أحكام العقود و الإيقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع من غير فرق بين الخيار و غيره بل قد صرحوا بأن الخيار يثبت بعد العقد و أنه علة و المعلول لا يتخلف عن علته كما أن الانعتاق لا يتخلف عن الملك فالأقرب هو الأخير كما هو ظاهر المختلف و التحرير و مال إليه الشهيد إن لم يثبت الإجماع علي خلافه و يؤيده إطلاق الأكثر و دعوي ابن زهرة الإجماع علي ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب المبيع من غير استثناء انتهي كلامه رفع مقامه أقول إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل- خروج الملك عن ملك من انتقل عنه نظرا إلي أن خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه و لو تقديرا لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه لأن يخرج من ملك المشتري إلي ملك البائع و لو تقديرا إذ ملكية المشتري لمن ينعتق عليه ليس علي وجه يترتب عليه سوي الانعتاق و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري إلي ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا علي المشتري كما لو فرض بيع المشتري للمبيع في زمن الخيار ثم فسخ البائع. و الحاصل أن الفاسخ يتلقي الملك من المفسوخ عليه و هذا غير حاصل فيما نحن فيه و إن قلنا أن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد العين إن كان موجودا و بدله إن كان تالفا أو كالتالف و لا يعتبر في صورة
التلف إمكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه بل يكفي أن يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ و الرجوع إلي القيمة فيما تقدم في مسألة البيع شرط العتق ثم ظهور المبيع منعتقا علي المشتري و حكمهم برجوع الفاسخ إلي القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم إمكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة التلف إلي الفاسخ كان الأوفق بعمومات الخيار القول به هنا و الرجوع إلي القيمة إلا مع إقدام المتبايعين علي المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه فالأقوي العدم لأنهما قد تواطئا علي إخراجه عن المالية الذي هو بمنزلة إتلافه. و بالجملة فإن الخيار حق في العين و إنما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء
المكاسب، ج‌3، ص 219
فإذا كان نقل العين إبطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق في العين حتي يتعلق ببدله و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع بإتلاف المبيع و نقله إلي من ينعتق عليه كالإتلاف له من حيث المالية فدفع الخيار به أولي و أهون من رفعه فتأمل.

و منها العبد المسلم المشتري من الكافر

بناء علي عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا فإنه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما أما بالنسبة إلي العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و تمليكه إياه و أما بالنسبة إلي القيمة فلما تقدم من أن الفسخ يتوقف علي رجوع العين إلي مالكه الأصلي و لو تقدير التكون مضمونة له بقيمته علي من انتقل إليه و رجوع المسلم إلي الكافر غير جائز و هذا هو المحكي عن حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال إنه يباع و لا يثبت له خيار المجلس و لا الشرط و يمكن أن يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط و إن ثبت للمشتري فيوافق مقتضي كلام فخر الدين في الإيضاح من أن البيع بالنسبة إلي الكافر استنقاذ و بالنسبة إلي المشتري كالبيع بناء منه علي عدم تملك السيد الكافر له لأن الملك سبيل و إنما له حق استيفاء ثمنه منه لكن الإنصاف أنه علي هذا التقدير لا دليل علي ثبوت الخيار للمشتري أيضا لأن الظاهر من قوله البيعان بالخيار اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين مع أنه لا معني لتحقق العقد البيعي من طرف واحد فإن شروط البيع إن كانت موجودة تحقق من الطرفين و إلا لم يتحقق أصلا كما اعترف به بعضهم في مسألة بيع الكافر الحربي من ينعتق عليه و الأقوي في المسألة وفاقا لظاهر الأكثر و صريح كثير ثبوت الخيار في المقام و إن تردد في القواعد بين استرداد العين أو القيمة. و ما ذكرنا من أن الرجوع بالقيمة مبني علي إمكان تقدير الملك في ملك المالك الأصلي لو أغمضنا عن منعه كما تقدم في المسألة السابقة غير قادح هنا لأن تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر علي المسلم و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه و قد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين.

و منها شراء العبد نفسه

بناء علي جوازه فإن الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة إلي القيمة لعدم شمول أدلة الخيار له و اختاره في التذكرة و فيها أيضا أنه لو اشتري جمدا في شدة الحر ففي الخيار إشكال و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار فلا يندفع الإشكال بما في جامع المقاصد من أن الخيار لا يسقط بالتلف لأنه لا يسقط به إذا ثبت قبله فتأمل.

مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي‌ء من العقود سوي البيع عند علمائنا

كما في التذكرة و عن تعليق الإرشاد و غيرهما و عن الغنية الإجماع عليه و صرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك أيضا بل عن الخلاف الإجماع علي عدم دخوله في الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة إلا أنه في المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التي يدخلها الخيار و التي لا يدخلها قال و أما الوكالة و الوديعة و العارية و القراض و الجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع انتهي و مراده خيار المجلس و الشرط. و حكي نحوه عن القاضي و لم يعلم معني الخيار في هذه العقود بل جزم في التذكرة بأنه لا معني للخيار فيها لأن الخيار فيها أبدا و احتمل في الدروس أن يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل انقضاء الخيار و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في هذه العقود لا الموجب إذ لا معني لتوقف جواز تصرف المالك في هذه العقود علي انقضاء الخيار لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف فهو الذي يمكن توقفه علي انقضاء الخيار الذي جعل الشيخ قدس سره أثر البيع متوقفا عليه- لكن الإنصاف أن تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام يشهد بعدم إرادته هذا المعني فإنه صرح في مواضع قبل هذا الكلام و بعده باختصاص خيار المجلس بالبيع و الذي يخطر بالبال أن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا وقعت في ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه في المجلس و هذا المعني و إن كان بعيدا في نفسه إلا أن ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه إلي الذهن و قد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن و الضمان و صرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود لأنها جائزة فيجوز الفسخ في كل وقت و هو محتمل كلام الشيخ فتأمل. و كيف كان فلا إشكال في أصل هذه المسألة.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأن ظاهر النص كون البيع علة تامة و مقتضاه كظاهر الفتاوي شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض و لا إشكال فيه لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف و السلم وجوبا تكليفيا إما للزوم الربا كما صرح به في صرف التذكرة و إما لوجوب الوفاء بالعقد و إن لم يكن بنفسه مملكا لأن ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض أما لو قلنا بعدم وجوب التقابض و جواز تركه إلي التفرق المبطل للعقد ففي أثر الخيار خفاء لأن المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين علي ملكه و عدم حق لأحدهما في مال الآخر و يمكن أن يكون أثر الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض الملك فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير. قال في التذكرة لو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس لزم العقد و إن أجازا قبل التقابض فكذلك و عليهما التقابض فإن تفرقا قبله انفسخ العقد ثم إن تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما فإن انفرد أحدهما بالمفارقة عصي انتهي و في الدروس يثبت يعني خيار المجلس في الصرف تقابضا أو لا فإن التزما به قبل القبض وجب التقابض فلو هرب أحدهما عصي و انفسخ العقد و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لأن للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه انتهي و صرح الشيخ أيضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل التقابض. و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين في مجلس عقد الفضوليين علي القول بثبوت الخيار لهما من زمان إجازتهما علي القول بالنقل و كذا علي الكشف مع احتمال كونه من زمان العقد

القول في مسقطات الخيار

اشارة

و هي أربعة علي ما ذكرها في التذكرة اشتراط سقوطه في
المكاسب، ج‌3، ص 220
ضمن العقد و إسقاطه بعد العقد و التفرق و التصرف فيقع الكلام في مسائل.

مسألة لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد.

اشارة

و عن الغنية الإجماع عليه و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم و قد يتخيل معارضته بعموم أدلة الخيار و يرجح علي تلك الأدلة بالمرجحات و هو ضعيف لأن الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود و موافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم في عموم أدلة الشروط كما يظهر من كتبهم و نحوه في الضعف التمسك بعموم أوفوا بالعقود بناء علي صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به إذ فيه أن أدلة الخيار أخص فيخصص بها العموم بل الوجه مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط عدم نهوض أدلة الخيار للمعارضة لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا بل التأمل في دليل الشرط يقضي بأن المقصود منه رفع اليد عن الأحكام الأصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط فلا تعارضه أدلة تلك الأحكام فحاله حال أدلة وجوب الوفاء بالنذر و العهد في عدم مزاحمتها بأدلة أحكام الأفعال المنذورة لو لا النذر. و يشهد لما ذكرنا من حكومة أدلة الشرط و عدم معارضتها للأحكام الأصلية حتي يحتاج إلي المرجح استشهاد الإمام في كثير من الأخبار بهذا العموم و علي مخالفة كثير من الأحكام الأصلية. منها صحيحة مالك بن عطية قال:
سألت أبا عبد الله ع عن رجل كان له أب مملوك و كان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتي تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد ذلك علي أبي إذا أنت ملكت نفسك قالت نعم فأعطاها في مكاتبتها علي أن لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال ع لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم. و الرواية محمولة بقرينة الإجماع علي عدم لزوم الشروط الابتدائية علي صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم أو المصالحة علي إسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط علي نفي الخيار الثابت بالعمومات دليل علي حكومتها عليها لا معارضتها المحوجة إلي التماس المرجح. نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه- الأول أن الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه لازما لأن الشرط في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه علي أصل العقد بل هو كالوعد فلزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور. الثاني أن هذا الشرط مخالف لمقتضي العقد علي ما هو ظاهر قوله البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد. الثالث ما استدل به بعض الشافعية علي عدم جواز اشتراط السقوط من أن إسقاطه الخيار في ضمن العقد إسقاط لما لم يجب لأن الخيار لا يحدث إلا بعد البيع فإسقاطه فيه كإسقاطه قبله هذا و لكن شي‌ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال أما الأول فلأن الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية لأنها كالوعد الواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع بقائها علي الجواز لأن الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان لأن الشرط تابع و كالتقييد للعقد المشروط به أما إذا كان نفس مؤدي الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فيما نحن فيه لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد فلزومه الثابت بمقتضي عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع في اللزوم و الجواز. و أما الثاني فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاء العقد لو خلي و نفسه فلا ينافي سقوطه بالشرط. و بعبارة أخري المقتضي للخيار العقد بشرط لا طبيعة العقد من حيث هي حتي لا يوجد بدونه و قوله البيعان بالخيار و إن كان له ظهور في العلية التامة إلا أن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو عن شرط السقوط مع أن مقتضي الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا لإتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا. نعم يبقي الكلام في دفع توهم أنه لو بني علي الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة لم يبق شرط مخالف للكتاب و السنة بل و لا لمقتضي العقد و محل ذلك و إن كان في باب الشروط إلا أن مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه أنا حيث علمنا بالنص و الإجماع أن الخيار حق مالي قابل للإسقاط و الإرث لم يكن سقوطه منافيا للمشروع فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي كما لو اشترطا في هذا العقد سقوط الخيار في عقد آخر. و أما عن الثالث بما عرفت من أن المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط و إقدام المتبايعين علي عدم الخيار ففائدة الشرط إبطال المقتضي لا إثبات المانع و يمكن أن يستأنس لدفع الإشكال من هذا الوجه الثالث و من سابقه بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة

ثم إن هذا الشرط يتصور علي وجوه-

أحدها أن يشترط عدم الخيار

و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط فيقول بعت بشرط أن لا يثبت خيار المجلس كما مثل به في الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة لأن المراد بالسقوط هنا عدم الثبوت لا الارتفاع.

الثاني أن يشترط عدم الفسخ

فيقول بعت بشرط أن لا أفسخ في المجلس فيرجع إلي التزام ترك حقه فلو خالف الشرط و فسخ فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب إجباره عليه و عدم سلطنته علي تركه كما لو باع منذور التصدق به علي ما ذهب إليه غير واحد فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة في حقه و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ علي ما قاله بعضهم من أن بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة لا فاسد و حينئذ فلا فائدة في هذا غير الإثم علي مخالفته إذ ما يترتب علي مخالفة الشرط في غير هذا المقام من تسلط المشروط له علي الفسخ لو خولف الشرط غير مترتب هنا و الاحتمال الأول أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال علي
المكاسب، ج‌3، ص 221
وجوب ترتب آثار الشرط و هو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتي بعد الفسخ فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا كما تقدم نظيره في الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد علي كون فسخ أحدهما منفردا لغوا لا يرفع وجوب الوفاء.

الثالث أن يشترط إسقاط الخيار

و مقتضي ظاهره وجوب الإسقاط بعد العقد فلو أخل به و فسخ العقد ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان و الأقوي عدم التأثير و هل للمشروط له الفسخ- بمجرد عدم إسقاط المشترط الخيار بعد العقد و إن لم يفسخ وجهان من عدم حصول الشرط و من أن المقصود منه إبقاء العقد- فلا يحصل التخلف إلا إذا فسخ و الأولي بناء علي القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط و علي القول بتأثيره ثبوت الخيار لأنه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد و يكون بقاء المشترط علي سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له و قد يموت ذو الخيار و ينتقل إلي وارثه.

بقي الكلام في أن المشهور أن تأثير الشرط إنما هو مع ذكره في متن العقد

اشارة

فلو ذكراه قبله لم يفد لعدم الدليل علي وجوب الوفاء به و صدق الشرط علي غير المذكور في العقد غير ثابت لأن المتبادر عرفا هو الإلزام و الالتزام المرتبط بمطلب آخر و قد تقدم عن القاموس أنه الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه و عن الشيخ و القاضي تأثير الشرط المتقدم. قال في محكي الخلاف لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد صح الشرط و لزم العقد بنفس الإيجاب و القبول ثم نقل الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي ثم قال دليلنا أنه لا مانع من هذا الشرط و الأصل جوازه و عموم الأخبار في جواز الشرط يشمل هذا الموضع انتهي و نحوه المحكي عن جواهر القاضي. و قال في المختلف علي ما حكي عنه بعد ذلك و عندي في ذلك نظر فإن الشرط إنما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد. نعم لو شرطا قبل العقد و تبايعا علي ذلك الشرط صح ما شرطاه انتهي. أقول التبايع علي ذلك الشرط إن كان بالإشارة إليه في العقد بأن يقول مثلا بعت علي ما ذكر فهو من المذكور في متن العقد و إن كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الإنشاء فهذا هو ظاهر كلام الشيخ نعم يحتمل أن يريد الصورة الأولي و أراد بقوله قبل العقد قبل تمامه و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط و يؤيده أيضا بل يعينه أن بعض أصحاب الشافعي إنما يخالف في صحة هذا الاشتراط في متن العقد. و قد صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في متن العقد و استدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد فلا يصح إسقاطه قبل تمامه. و الحاصل أن ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف و التذكرة و استدلال الشيخ علي الجواز و بعض الشافعية علي المنع يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد و كيف كان فالأقوي أن الشرط الغير المذكور في متن العقد غير مؤثر لأنه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق لأن المتحقق في السابق إما وعد بالتزام أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به و العقد اللاحق و إن دفع مبنيا عليه لا يلزمه لأنه إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد إلا بجعل المتكلم و إلا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدي مثل العوضين و قيودهما حتي يقدر شرطا منويا فيكون كالمحذوف النحوي بعد نصب القرينة فإن من باع داره في حال بنائه في الواقع علي عدم الخيار له لم يحصل له في ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار و لم يقيد إنشاءه بشي‌ء بخلاف قوله بعتك علي أن لا خيار لي الذي مؤداه بعتك ملتزما علي نفسي و بانيا علي أن لا خيار لي فإن إنشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بإنشائه التزام عدم الخيار فحاصل الشرط إلزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالأول و تمام الكلام في باب الشروط إن شاء الله تعالي.

فرع

ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس و غيره في متن العقد و هو ما إذا نذر المولي أن يعتق عبده إذا باعه بأن قال لله علي أن أعتقك إذا بعتك قال لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر فيجب الوفاء به و لا يتم برفع الخيار و علي قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق انتهي. أقول هذا مبني علي أن النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر علي التصرفات المنافية له و قد مر أن الأقوي في الشرط أيضا كونه كذلك.

مسألة و من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد

اشارة

بل هذا هو المسقط الحقيقي و لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالإسقاط- و يدل عليه بعد الإجماع فحوي ما سيجي‌ء من النص الدال علي سقوط الخيار بالتصرف معللا بأنه رضاء بالبيع مضافا إلي القاعدة المسلمة من أن لكل ذي حق إسقاط حقه و لعله لفحوي تسلط الناس علي أموالهم فهم أولي بالتسلط علي حقوقهم المتعلقة بالأموال و لا معني لتسلطهم علي مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الإسقاط و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام الابتدائي ثم إن الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدي الدلالات العرفية للفحوي المتقدمة و فحوي ما دل علي كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد الفضولي و صدق الإسقاط النافذ بمقتضي ما تقدم من التسلط علي إسقاط الحقوق و علي هذا فلو قال أحدهما أسقطت الخيار من الطرفين فرضي الآخر سقط خيار الراضي أيضا لكون رضاه بإسقاط الآخر خياره إسقاطا أيضا.

مسألة لو قال أحدهما لصاحبه اختر

فإن اختار المأمور الفسخ فلا إشكال في انفساخ العقد- و إن اختار الإمضاء ففي سقوط خيار الأمر أيضا مطلقا كما عن المبسوط الأكثر بل عن الخلاف الإجماع عليه أو بشرط إرادته تمليك الخيار لصاحبه و إلا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة أو مع قيد إرادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك. أقول و لو سكت فخيار الساكت باق إجماعا و وجهه واضح و أما خيار الأمر ففي بقائه مطلقا أو بشرط عدم إرادة تمليك
المكاسب، ج‌3، ص 222 الخيار كما هو ظاهر التذكرة أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ أقوال و الأولي أن يقال إن كلمة اختر بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ و الإمضاء و ليس فيه دلالة علي ما ذكروه من تمليك الخيار أو تفويض الأمر أو استكشاف الحال. نعم الظاهر عرفا من حال الأمر أن داعيه استكشاف حال المخاطب و كأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب أمر الشي‌ء كما يظهر من باب الطلاق فإن تم دلالته حينئذ علي إسقاط الأمر خياره بذلك و إلا فلا مزيل لخياره و عليه يحمل علي تقدير الصحة ما ورد في ذيل بعض أخبار خيار المجلس أنهما بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ثم إنه لا إشكال في أن إسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر و منه يظهر أنه لو أجاز أحدهما و فسخ الآخر انفسخ العقد لأنه مقتضي ثبوت الخيار فكان العقد بعد إجازة أحدهما جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز كما لو جعل الخيار من أول الأمر لأحدهما و هذا ليس تعارضا بين الإجازة و الفسخ و ترجيحا له عليها. نعم لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما المتعدد كالأصيل و الوكيل فأجاز أحدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة أو تصرف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية ثم أعتقهما جميعا حيث إن إعتاق العبد فسخ و إعتاق الجارية إجازة أو اختلف الورثة في الفسخ و الإجارة تحقق التعارض و ظاهر العلامة في جميع هذه الصور تقديم الفسخ و لم يظهر له وجه تام و سيجي‌ء الإشارة إلي ذلك في موضعه.

مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين

اشارة

و لا إشكال في سقوط الخيار به و لا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع و إن كان ظاهر بعض الأخبار ذلك مثل قوله: فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا و معني حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد افتراقهما بالنسبة إلي الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فإذا حصل الافتراق الإضافي و لو بمسماه ارتفع الخيار فلا يعتبر الخطوة و لذا حكي عن جماعة التعبير بأدني الانتقال و الظاهر أن ذكره في بعض العبارات لبيان أقل الأفراد خصوصا مثل قول الشيخ في الخلاف أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبني علي الغالب في الخارج أو في التمثيل لأقل الافتراق فلو تبايعا في سفينتين متلاصقتين كفي مجرد افتراقهما و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الأصحاب و عن صريح آخر التأمل و كفاية الخطوة لانصراف الإطلاق إلي أزيد منها فيستصحب الخيار و يؤيده قوله في بعض الروايات: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا و فيه منع الانصراف و دلالة الرواية ثم اعلم أن الافتراق علي ما عرفت من معناه يحصل بحركة أحدهما و بقاء الآخر في مكانه فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق افتراقهما فالحركة من أحدهما لا يسمي افتراقا حتي يحصل عدم المصاحبة من الآخر فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن و لو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر و كيف كان فلا يعتبر في الافتراق المسقط حركة كل منهما إلي غير جانب الآخر كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام ع أرضا و أنه قال: فلما استوجبتها قمت فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا فأثبت افتراق الطرفين بمشيه ع فقط.

مسألة المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير أيضا

سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا لأصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند إلي الفاعل المختار مضافا إلي حديث رفع ما استكرهوا عليه و قد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في المتبايعين ما يظهر منه عموم الرفع للحكم الوضعي المحمول علي المكلف فلا يختص برفع التكليف هذا و لكن يمكن منع التبادر فإن المتبادر هو الاختياري في مقابل الاضطراري الذي لا يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر لا في مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد علي تركه فإن التبادر ممنوع فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل مع أن المعروف بين الأصحاب أن الافتراق و لو اضطرارا مسقط للخيار إذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الإمضاء مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار. قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور لأنه إذا كان متمكنا من الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتي وقع التفرق كان ذلك دليلا علي الرضا و الإمضاء انتهي و في جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار انتهي. و منه يظهر أنه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره للاعتراف بدخول المكره و المضطر إذا تمكنا من التخاير و الحاصل أن فتوي الأصحاب هي أن التفرق عن إكراه عليه و علي ترك التخاير غير مسقط للخيار و أنه لو حصل أحدهما باختياره سقط خياره و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الأدلة بالتفرق الاختياري و لا بأن مقتضي حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق لأن المفروض أن التفرق الاضطراري أيضا مسقط مع وقوعه في حال التمكن من التخاير فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي الشهرة المحققة الجابرة للإجماع المحكي و إلي أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضاء بالعقد سواء وقع اختيارا أو اضطرارا بقوله ص في صحيحة الفضيل: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما دل علي أن الشرط في السقوط الافتراق و الرضا منهما و لا ريب أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق بحيث يكون التفرق عنه إذ لا يعتبر الرضا في زمان آخر إجماعا أو يقال إن قوله بعد الرضا إشارة إلي إناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن رضاهما بالعقد و إعراضهما عن الفسخ و علي كل تقدير فيدل علي أن المتفرقين و لو اضطرارا إذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد فسقط خيارهما فهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره
المكاسب، ج‌3، ص 223
كما صرح به في عبارة المبسوط المتقدمة.

مسألة لو أكره أحدهما علي التفرق و منع عن التخاير و بقي الآخر في المجلس

فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خيار أحدهما لأنهما مكرهان علي الافتراق و ترك التخاير فدخل في المسألة السابقة و إن لم يمنع من المصاحبة ففيه أقوال و توضيح ذلك أن افتراقهما المستند إلي اختيارهما كما عرفت يحصل بحركة أحدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك و أن الإكراه علي التفرق لا يسقط حكمه ما لم ينضم معه الإكراه علي ترك التخاير فحينئذ نقول تحقق الإكراه المسقط في أحدهما دون الآخر يحصل تارة بإكراه أحدهما علي التفرق و ترك التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المصاحبة أو التخاير و أخري بالعكس بإبقاء أحدهما في المجلس كرها مع المنع عن التخاير و ذهاب الآخر اختيارا و محل الكلام هو الأول و سيتضح به حكم الثاني و الأقوال فيه أربعة سقوط خيارهما كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد قدس الله أسرارهم و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين و محتمل الإرشاد و سقوطه في حق المختار خاصة- و فصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما و بين مفارقته فالسقوط عنهما و مبني الأقوال علي أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف علي حصوله عن اختيارهما أو يكفي فيه حصوله عن اختيار أحدهما و علي الأول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو يتوقف سقوط خيار كل واحد علي مجموع اختيارهما فعلي الأول يسقط خيار المختار خاصة كما عن الخلاف و جواهر القاضي و علي الثاني يثبت الخياران كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين. و علي الثاني فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار أحدهما و يكفي كونه تركا اختياريا كالبقاء في مجلس العقد مختارا فعلي الأول يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء الآخر في مجلس العقد و ذهابه و علي الثاني يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد. و اعلم أن ظاهر الإيضاح أن قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما و أن محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا و إلا سقط خيارهما اتفاقا حيث قال في شرح قول والده لو حمل أحدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره علي إشكال و أما الثابت فإن منع من المصاحبة و التخاير لم يسقط خياره و إلا فالأقرب سقوطه فيسقط خيار الأول انتهي. قال إن هذا مبني علي بقاء الأكوان و عدمه و افتقار الباقي إلي المؤثر و عدمه و إن الافتراق ثبوتي أو عدمي فعلي عدم البقاء أو افتقار الباقي إلي المؤثر يسقط لأنه فعل المفارقة و علي القول ببقائها و استغناء الباقي عن المؤثر و ثبوتية الافتراق لم يسقط خياره لأنه لم يفعل شيئا و إن قلنا بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل فكذلك و إن قلنا إنه يعلل سقط أيضا و الأقرب عندي السقوط لأنه مختار في المفارقة انتهي. و هذا الكلام و إن نوقش فيه بمنع بناء الأحكام علي هذه التدقيقات إلا أنه علي كل حال صريح في أن الباقي لو ذهب اختيارا فلا خلاف في سقوط خياره و ظاهره كظاهر عبارة القواعد أن سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر فينتفي القول المحكي عن الخلاف و الجواهر لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا القول قال لو أكرها أو أحدهما علي التفرق بالأبدان علي وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير فلم يفعلا بطل خيارهما أو خيار من تمكن من ذلك و نحوه المحكي عن القاضي فإنه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر علي قوله بطل خيارهما فتأمل بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها و فيه تأمل و كيف كان فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين للأصل- . و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما فإن التفرق و إن لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين و لا من أحدهما إلا أن المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق فرضا أحدهما في المقام و هو الماكث لا دليل علي كفايته في سقوط خيارهما و لا في سقوط خيار خصوص التراضي إذ الغاية غاية للخيارين فإن تحققت سقطا و إلا ثبتا. و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي بانتفاء رضاء أحدهما و لكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوعة- بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما و ظاهر الصحيحة و إن كان اعتبار ذلك إلا أنه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الإمام ع
و أنه قال فمشيت خطي ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام ع و دعوي انصرافه إلي صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة و ظاهر الصحيحة و إن كان أخص إلا أن ظهور الرواية في عدم مدخلية شي‌ء آخر زائدا علي مفارقة أحدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه في غير واحد من المقامات مثل ما إذا مات أحدهما و فارق الآخر اختيارا- فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين و قد قطع به في جامع المقاصد مستدلا بأنه قد تحقق الافتراق فسقط الخياران مع أن المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه و كذا لو فارق أحدهما في حال نوم الآخر أو غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين و ظاهر المبني المتقدم عن الإيضاح أيضا عدم الخلاف في عدم اعتبار الرضا من الطرفين و إنما الخلاف في أن البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا بل ظاهر القواعد أيضا أن سقوط خيار المكره متفرع علي سقوط خيار الماكث من غير إشارة إلي وجود خلاف في هذا التفريع و هو الذي ينبغي لأن الغاية إن حصلت سقط الخياران و إلا بقيا فتأمل. و عبارة الخلاف المتقدمة و إن كانت ظاهرة في التفكيك بين المتبايعين في الخيار إلا إنما ليست بتلك الظهور لاحتمال إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال الآخر فلا ينافي سقوط خيار الآخر لأجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما في الغاية مع أن شمول عبارته
المكاسب، ج‌3، ص 224
لبعض الصور التي لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه كما لا يخفي علي المتأمل و حملها علي ما ذكرنا من إرادة المتمكن لا بشرط إرادة خصوصه فقط أولي من تخصيصها ببعض الصور و لعل نظر الشيخ و القاضي إلي أن الافتراق المستند إلي اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما فالمستند إلي اختيار أحدهما مسقط لخياره خاصة و هو استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص ثم إنه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة و هي ما إذا أكره أحدهما علي البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا فإن مقتضي ما تقدم من الإيضاح من مبني الخلاف عدم الخلاف في سقوط الخيارين هنا و مقتضي ما ذكرنا من مبني الأقوال جريان الخلاف هنا أيضا و كيف كان فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا كما لا يخفي

مسألة لو زال الإكراه

فالمحكي عن الشيخ و جماعة- امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال و لعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال الإكراه كالمعدوم فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد فالخيار باق. و فيه أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الإكراه و لم يجعل مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد.
و الحاصل أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار لا مجلس العقد فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار فلا بد إما من القول بالفور كما عن التذكرة- و لعله لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين و إما من القول بالتراخي إلي أن يحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة.
مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف
علي وجه يأتي في خياري الحيوان و الشرط ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس و في الصرف و العلامة في التذكرة و نسب إلي جميع من تأخر عنه بل ربما يدعي إطباقهم عليه و حكي عن الخلاف و الجواهر و الكافي و السرائر و لعله لدلالة التعليل في بعض أخبار خيار الحيوان و هو الوجه أيضا في اتفاقهم علي سقوط خيار الشرط و إلا فلم يرد فيه نص بالخصوص بل سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة حيث قال: فإن أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط فإن المنفي يشمل شرط المجلس و الحيوان فتأمل و تفصيل التصرف المسقط سيجي‌ء إن شاء الله تعالي

الثاني خيار الحيوان

[عموم هذا الخيار لكل ذي حياة]

لا خلاف بين الإمامية- في ثبوت الخيار في الحيوان للمشتري و ظاهر النص و الفتوي العموم لكل ذي حياة فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق و دود القز و لا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته في الجملة فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الإناء و شبه ذلك خارج لأنه لا يباع من حيث إنه حيوان بل من حيث إنه لحم و يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف علي الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم و علي كل حال فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض أو في زمان الخيار و في منتهي خياره مع عدم بقائه إلي الثلاثة وجوه

[هل يختص هذا الخيار بالبيع المعين أو يعم الكلي أيضا]

ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين- كما هو المنساق في النظر من الإطلاقات مع الاستدلال به في بعض معاقد الإجماع كما في التذكرة بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة أو يعم الكلي كما هو المتراءي من النص و الفتوي لم أجد مصرحا بأحد الأمرين. نعم يظهر من بعض المعاصرين الأول و لعله الأقوي
و كيف كان فالكلام فيمن له هذا الخيار و في مدته من حيث المبدأ و المنتهي و مسقطاته يتم برسم مسائل.

مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري

حكي عن الشيخين و الصدوقين و الإسكافي و ابن حمزة و الشاميين الخمسة و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين و عن الغنية و ظاهر الدروس الإجماع عليه- لعموم قوله ع إذا افترقا وجب البيع خرج المشتري و بقي البائع بل لعموم أوفوا بالعقود بالنسبة إلي ما ليس فيه خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط و يثبت الباقي بعدم القول بالفصل و يدل عليه أيضا ظاهر غير واحد من الأخبار منها صحيحة الفضيل ابن يسار عن أبي عبد الله ع قال: قلت له ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما و ظهوره في اختصاص الخيار بالمشتري و إطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا و يتلوها في الظهور رواية علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا ع قال: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري فإن ذكر القيد مع إطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية و نحوها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال في الحيوان: كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله ع قال: الشرط في الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري و أظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع و لهما كليهما قال الخيار لمن اشتري نظره ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و عن سيدنا المرتضي قدس سره و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا. و حكي عن الانتصار دعوي الإجماع عليه لأصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس و لصحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا و بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق و هي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة و أضرابهما علي غيرهم من الثقات مضافا إلي ورودها في الكتب الأربعة المرجحة علي مثل قرب الإسناد من الكتب التي يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها و أما الصحاح الأخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالإنصاف أن دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة فيمكن حملها علي بيان الفرد الشديد الحاجة لأن الغالب في المعاملة خصوصا معاملة الحيوان كون إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه علي خفايا الحيوان و لا ريب أن الأظهرية في الدلالة متقدمة في باب الترجيح علي الأكثرية. و أما ما ذكر في تأويل
المكاسب، ج‌3، ص 225
صحيحة ابن مسلم من أن خيار الحيوان للمشتري علي البائع- فكان بين المجموع ففي غاية السقوط و أما الشهرة المحققة فلا تصير حجة علي السيد بل مطلقا بعد العلم بمستند المشهور و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه و إجماع الغنية لو سلم رجوعه إلي اختصاص الخيار بالمشتري لا مجرد ثبوته له معارض بإجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع و لعله لذا قوي في المسالك قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة بل الاتفاق علي خلافه و تبعه علي ذلك في المفاتيح و توقف في غاية المراد و حواشي القواعد و تبعه في المقتصر هذا و لكن الإنصاف أن أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة حتي محمد بن مسلم الراوي للصحيحة مع أن المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشتري فلا ريب في ضعف هذا القول. نعم هنا قول ثالث لعله أقوي منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا نسب إلي جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك لعموم صحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب لأن الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا و لا ينافي هذه الدعوي التمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم لأن الغلبة قد يكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها و لا يوجب تنزيل الإطلاق و لا ينافيها أيضا ما دل علي اختصاص الخيار بالمشتري لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبائعين لإمكان تقييدها و إن كان بعد بما إذا كان العوضان حيوانين لكن الإشكال في إطلاق الصحيحة الأولي- من جهة قوة انصرافه إلي المشتري فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد المجلس فلا محيص عن المشهور

مسألة لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار

و في الغنية كما عن الحلبي أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها بل عن الأول دعوي الإجماع- و ربما ينسب هذا إلي المقنعة و النهاية و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء و لم أقف لهم علي دليل- .

مسألة مبدء هذا الخيار من حين العقد

فلو لم يتفرق ثلاثة أيام انقضي خيار الحيوان أو بقي خيار المجلس لظاهر قوله ع: إن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره حتي يفترقا خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق و كذا الشيخ و الحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من جهة الدليل الذي ذكراه. قال في المبسوط الأولي أن يقال إنه يعني خيار الشرط يثبت من حين التفرق لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد و العقد لم يثبت قبل التفرق انتهي و نحوه المحكي عن السرائر و هذه الدعوي لم نعرفها.
نعم ربما يستدل عليه بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد بل أصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس و بلزوم اجتماع السببين علي مسبب واحد و ما دل علي أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع مع أن التلف في الخيار المشترك من المشتري و يرد الأصل ظاهر الدليل مع أنه بالتقرير الثاني مثبت و أدلة التلف من البائع محمول علي الغالب من كونه بعد المجلس و يرد التداخل بأن الخيارين إن اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد و إن اتحدا فكذلك إما لأن الأسباب معرفات و إما لأنها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها في التأثير علي عدم مقارنة الآخر أو سبقه فهي علل تامة إلا من هذه الجهة و هو المراد مما في التذكرة في الجواب عن أن الخيارين مثلان فلا يجتمعان من أن الخيار واحد و الجهة متعددة ثم إن المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي علي القول بكون الإجازة ناقلة أو زمان الملك و عبر بذلك للغلبة الظاهر هو الثاني كما استظهره بعض المعاصرين قال فعلي هذا لو أسلم حيوانا في طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و إن كان بائعا- كان مبدئه بعد القبض و تمثيله بما ذكر مبني علي اختصاص الخيار بالحيوان المعين و قد تقدم التردد في ذلك ثم إن ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف و لو قبل القبض يدل علي أنه لا يعتبر في الخيار و الملك لكن لا بد له من أثر و قد تقدم الإشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب التقابض.

مسألة لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام

لا لدخول الليل في مفهوم اليوم بل للاستمرار المستفاد من الخارج و لا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار و لو عقد في الليل فالظاهر بقاء الخيار إلي آخر اليوم الثالث و يحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد لكن فيه أنه يصدق حينئذ الأقل من ثلاثة أيام و الإطلاق علي المقدار المساوي للنهار و لو من الليل خلاف الظاهر قيل و المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول الليلتين أصالة فتدخل الثالثة و إلا لاختلف مفردات الجمع في استعمال واحد انتهي فإن أراد الليلة السابقة علي الأيام فهو حسن إلا أنه لا يعلل بما ذكر و إن أراد الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين في اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث في خصوص النهار بل نقول إن اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين لا في مجموع النهار و الليل أو مقدارهما و لا في باقي النهار و لو ملفقا من الليل و المراد من الثلاثة أيام هي بلياليها أي ليالي مجموعها لا كل واحد منها فالليالي لم ترد من نفس اللفظ و إنما أريد من جهة الإجماع و ظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار فكأنه قال الخيار يستمر إلي أن يمضي ست و ثلاثون ساعة من النهار.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها اشتراط سقوطه في العقد

و لو شرط سقوط بعضه فقد صرح بعض بالصحة و لا بأس به.

و الثاني إسقاطه بعد العقد

و قد تقدم الأمران.

و الثالث التصرف

و لا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا الخيار و يدل عليه قبل الإجماع النصوص
المكاسب، ج‌3، ص 226
ففي صحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه و لا شرط له قيل له و ما الحدث قال إن لامس أو قبل أو نظر منها إلي ما كان محرما عليه قبل الشراء و صحيحة الصفار: كتبت إلي أبي محمد ع في الرجل اشتري دابة من رجل فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له أن يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ فوقع ع إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله و في ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد قلت له: أ رأيت إن قبلها المشتري أو لامس فقال إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلي ما يحرم علي غيره فقد انقضي الشرط و لزم البيع و استدل عليه في التذكرة بعد الإجماع بأن التصرف دليل الرضا و في موضع آخر منها أنه دليل الرضا بلزوم العقد و في موضع آخر منها كما في الغنية أن التصرف إجازة. أقول المراد بالحدث إن كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير المالك إلا برضاه كما يشير إليه قوله أو نظر إلي ما كان يحرم عليه قبل الشراء فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا كما صرح به في التذكرة في بيان التصرف المسقط للرد بالعيب من أنه لو استخدمه بشي‌ء خفيف مثل اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب سقط الرد ثم استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به غير المملوك بأن المسقط مطلق التصرف و قال أيضا لو كان له علي الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليهما بطل الرد لأنه استعمال و انتفاع انتهي. و قال في موضع من التذكرة عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الرد انتهي. و هو في غاية الإشكال لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث و عدم دلالة ذلك علي الرضا بلزوم العقد مع أن من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشتري عن ذلك في أثناء الثلاثة فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو مع أنهم ذكروا أن الحكمة في هذا الخيار الاطلاع علي أمور خفية في الحيوان توجب زهادة المشتري و كيف يطلع الإنسان علي ذلك بدون النظر إلي الجارية و لمسها و أمرها بغلق الباب و السقي و شبه ذلك و إن كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته علي الرضا بلزوم العقد كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب. و يظهر من استدلال العلامة و غيره علي المسألة بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد فهو لا يناسب إطلاقهم الحكم بإسقاط التصرفات التي ذكروها و دعوي أن جميعها مما يدل لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد فيكون إجازة فعلية كما تري

[المراد من فذلك رضي منه في صحيحة ابن رئاب]

اشارة

ثم إن قوله ع في الصحيحة فذلك رضي منه يراد منه الرضا بالعقد في مقابلة كراهة ضده أعني الفسخ و إلا فالرضا بأصل الملك مستمر من زمان العقد إلي حين الفسخ و يشهد لهذا المعني رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله ص: في رجل اشتري عبدا بشرط إلي ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستحلف بالله تعالي ما رضيه ثم بري‌ء من الضمان فإن المراد بالرضا الالتزام بالعقد و الاستحلاف في الرواية محمولة علي سماع دعوي التهمة أو علي صورة حصول القطع للبائع بذلك إذا عرفت هذا

فقوله ع فذلك رضاء منه و لا شرط له يحتمل وجوها

أحدها أن يكون الجملة جوابا للشرط

فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و إن لم يكن التزاما عرفا.

الثاني أن يكون توطئة للجواب

و هو قوله و لا شرط له لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقة فيكون إشارة إلي أن الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا علي الرضا نظير كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله: فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما فإنه لا يعتبر في الافتراق دلالة علي الرضا و علي هذين المعنيين فكل تصرف مسقط و إن علم عدم دلالته علي الرضا.

الثالث أن يكون الجملة إخبارا عن الواقع

نظرا إلي الغالب و ملاحظة نوع التصرف لو خلي و طبعه و يكون علة للجواب فيكون نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا علي الرضا بلزوم العقد و بعد ملاحظة وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدي علته كما في قوله لا تأكل الرمان لأنه حامض دل علي اختصاص الحكم بالتصرف الذي يكون كذلك أي دالا بالنوع غالبا علي التزام العقد و إن لم يدل في شخص المقام فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي في الرضا نظير ظهور الألفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة يوجب صرفه عن الدلالة كما إذا دل الحال أو المقال علي وقوع التصرف للاختبار أو اشتباها بعين أخري مملوكة له و يدخل فيه كلما يدل نوعا علي الرضا و إن لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع و الإذن للبائع في التصرف فيه

الرابع أن يكون إخبارا عن الواقع

و يكون العلة هي نفس الرضا الفعلي الشخصي و يكون إطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة فيكون موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي فلو لم يثبت الرضا الفعلي لم يسقط الخيار

[المناقشة في الاحتمالين الأولين]

ثم إن الاحتمالين الأولين و إن كانا موافقين لإطلاق سائر الأخبار و إطلاقات بعض كلماتهم مثل ما تقدم من التذكرة من أن مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط و كذا غيره كالمحقق و الشهيد الثانيين بل لإطلاق بعض معاقد الإجماع إلا أنهما بعيدان عن ظاهر الخبر مع مخالفتهما لأكثر كلماتهم فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ- بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة علي الرضا كما سيجي‌ء. و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال علي الرضا و إن لم يعد تصرفا كتقبيل الجارية للمشتري علي ما صرح به في التحرير و الدروس فعلم أن العبرة بالرضا و إنما اعتبر التصرف للدلالة و ورود النص أيضا بأن العرض علي البيع إجازة مع أنه ليس حدثا عرفا و مما يؤيد عدم إرادة الأصحاب كون التصرف مسقطا إلا من جهة دلالته علي الرضا حكمهم بأن كل تصرف يكون إجازة من المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه إجازة إلي كونه فسخا.
و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول و بالفعل و ذكر التصرف مثالا للفسخ و الإجازة الفعليين فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف
المكاسب، ج‌3، ص 227
مسقطا لا للدلالة علي الرضا بأن الأصحاب يعدونه في مقابل الإجازة.

[المناقشة في الاحتمال الرابع]

و أما المعني الرابع فهو و إن كان أظهر الاحتمالات من حيث اللفظ بل جزم به في الدروس و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله بن الحسن بن زيد الحاكية للنبوي الدال كما في الدروس أيضا علي الاعتبار بنفس الرضا و ظاهر بعض كلماتهم الآتية أن المستفاد من تتبع الفتاوي الإجماع علي عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي بلزوم العقد مع أن أظهريته بالنسبة إلي المعني الثالث غير واضحة

فتعين إرادة المعني الثالث

اشارة

و محصله دلالة التصرف لو خلي و طبعه علي الالتزام و إن لم يفد في خصوص المقام فيكون التصرف إجازة فعلية في مقابل الإجازة القولية و هذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه.

[الاستشهاد بكلمات الفقهاء عليه]

قال في المقنعة إن هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع إلا أن يحدث فيه المبتاع حدثا يدل علي الرضا بالابتياع انتهي. و مثل للتصرف في مقام آخر بأن ينظر إلي الأمة إلي ما يحرم لغير المالك. و قال في المبسوط في أحكام العيوب إذا كان المبيع بهيمة و أصاب بها عيبا فله ردها و إذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها- و سقيها و علفها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها ثم قال و لا يسقط الرد لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي‌ء من ذلك انتهي و في الغنية لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل علي الرضا انتهي و قال الحلبي في الكافي في خيار الحيوان فإن هلك في مدة الخيار فهو من مال البائع إلا أن يحدث فيه حدثا يدل علي الرضا انتهي و في السرائر بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلي ثلاثة أيام قال هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل علي الرضا و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته أو يكون لمثل ذلك التصرف أجرة بأن يركب الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها أو يدبرها تدبيرا ليس له الرجوع فيه كالمنذور انتهي و قال في موضع آخر إذا لم يتصرف فيه يؤذن بالرضا في العادة و أما العلامة رحمه الله فقد عرفت أنه استدل علي أصل الحكم بأن التصرف دليل الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت لم يكن ذلك رضاء بها ثم قال و لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكه و لو حلبها في طريقه فالأقرب أنه تصرف يؤذن بالرضا. و في التحرير في مسألة سقوط رد المعيب بالتصرف قال و كذا لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا و قال في الدروس استثني بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها إذ بها يعرف حالها ليختبر و ليس ببعيد و قال المحقق الكركي لو تصرف ذو الخيار غير عالم كأن ظنها جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة ففي الحكم تردد ينشأ من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف و من أنه غير قاصد إلي لزوم البيع إذ لو علم لم يفعل و التصرف إنما عد مسقطا لدلالته علي الرضا باللزوم. و قال في موضع آخر و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا ثم قال و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد أن لا يعد و كذا لو أراد ردها و حلبها لأخذ اللبن علي إشكال ينشأ من أنه ملكه فله استخلاصه انتهي. و حكي عنه في موضع آخر أنه قال و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقي انتهي.
و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به و يحتمل أن يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختيار و الحفظ هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام الظاهرة في المعني الثالث و حاصله التصرف علي وجه يدل عرفا لو خلي و طبعه علي الالتزام بالعقد ليكون إسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة علي وقوعه لا عن الالتزام لكن يبقي الإشكال المتقدم سابقا من أن أكثر أمثلة التصرف المذكورة في النصوص و الفتاوي ليست كذلك بل هي واقعة غالبا مع الغفلة أو التردد أو العزم علي الفسخ مطلقا أو إذا اطلع علي ما يوجب زهده فيه فهي غير دالة في نفسها عرفا علي الرضا و منه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة فيكون مورد الخيار في غاية الندرة بأن الغالب في التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم فلا يسقط بها الخيار إذ فيه أن هذا يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضاء لأن المصحح لهذا التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضاء هو ظهوره فيه عرفا من أجل الغلبة فإذا فرض أن الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها لا عن التزام للعقد بل مع العزم علي الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة كان تعليل الحكم علي المطلق بهذه العلة الغير الموجودة إلا في قليل من أفراده مستهجنا.
و أما الاستشهاد لذلك بما سيجي‌ء من أن تصرف البائع في ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا و ليس ذلك إلا من جهة صدوره لا عن التزام بالعقد بل مع العزم علي الفسخ برد مثل الثمن ففيه ما سيجي‌ء. و مما ذكرنا من استهجان التعليل علي تقدير كون غالب التصرفات واقعة لا عن التزام يظهر فساد الجمع بهذا الوجه يعني حمل الأخبار المتقدمة علي صورة دلالة التصرفات المذكورة علي الرضا بلزوم العقد جمعا بينها و بين ما دل من الأخبار علي عدم سقوطه بمجرد التصرف مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التي لم يستفصل في جوابها بين تصرف المشتري في العبد المتوفي في زمان الخيار و عدمه و إنما أنيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي و مثل الخبر المصحح: في رجل اشتري شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم رد قال إن كان تلك الثلاثة أيام شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد و إن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء و نحوه الآخر و ما فيهما من رد ثلاثة أمداد لعله محمول علي الاستحباب مع أن ترك العمل به لا يوجب رد الرواية فتأمل. و قد أفتي بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها أياما ثم وجد المشتري فيها عيبا ثم قال و قيل ليس له ردها
المكاسب، ج‌3، ص 228
لأنه تصرف بالحلب. و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوي الظاهرين في كون التصرف مسقطا لدلالته علي الرضا بلزوم العقد و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة في كثير من الفتاوي خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد و التردد فيه و في التصرف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد في غاية الإشكال و الله العالم بحقيقة الحال

الثالث خيار الشرط

اشارة

أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد و لا خلاف في صحة هذا الشرط و لا في أنه لا يتقدر بحد عندنا- و نقل الإجماع عليه مستفيض الأصل فيه قبل ذلك الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما استثني و الأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة. فمن الأولي الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوي تواتره: إن المسلمين عند شروطهم و يزيد في صحيحة ابن سنان: إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز. و في موثقة إسحاق بن عمار: إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما نعم في صحيحة أخري لابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للإجماع علي عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب. و تمام الكلام في معني هذه الأخبار و توضيح المراد منه الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن العقد إن شاء الله-

و المقصود هنا بيان أحكام الخيار المشترط في العقد

اشارة

و هي تظهر برسم مسائل-

مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه

لعموم أدلة الشرط قال في التذكرة لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي و استدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم و رد بعدم المانع من ذلك مع أنه كما في التذكرة منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية. نعم يشترط تعيين المدة فلو تراضيا علي مدة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه صريحا لصيرورة المعاملة بذلك غررية و لا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات و إقدام العقلاء عليه أحيانا فإن المستفاد من تتبع أحكام المعاملات عدم رضاء الشارع بذلك إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين. و بالجملة فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلي المداقة و إلا لم يكن بيع الجزاف و ما تعذر تسليمه و الثمن المحتمل للتفاوت القليل و غير ذلك من الجهالات غررا لتسامح الناس في غير مقام الحاجة إلي المداقة في أكثر الجهالات و لعل هذا مراد بعض الأساطين من قوله إن دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته في العرف و إلا فالغرر لفظ لا يرجع في معناه إلا إلي العرف. نعم الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلي التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا كتفاوت المكاييل و الموازين. و يشير إلي ما ذكرنا الأخبار الدالة علي اعتبار كون السلم إلي أجل معلوم و خصوص موثقة غياث:
لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلي أجل معلوم لا يسلم إلي دياس أو إلي حصاد مع أن التأجيل إلي الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الإحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع و ربما يستدل علي ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لأنه غرر و فيه أن كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة ففي الثاني يفسد الشرط و يتبعه البيع و في الأول يفسد البيع فيلغو الشرط اللهم إلا أن يراد أن نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر و إن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر فيكون مخالفا للكتاب و السنة لكن لا يخفي سراية الغرر إلي البيع فيكون الاستناد في فساده إلي فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفا.

مسألة لا فرق في بطلان العقد- بين ذكر المدة المجهولة

كقدوم الحاج و بين عدم ذكر المدة أصلا كأن يقول بعتك علي أن يكون لي الخيار و بين ذكر المدة المطلقة كأن يقول بعتك علي أن يكون لي الخيار مدة لاستواء الكل في الغرر- خلافا للمحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبي فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة أيام و يحتمل حمل الثالثة عليها- و عن الانتصار و الغنية و الجواهر الإجماع عليه- و في محكي الخلاف وجود أخبار الفرقة به و لا شك أن هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبار فيكفي في انجبارها الإجماعات المنقولة و لذا مال إليه في محكي الدروس لكن العلامة في التذكرة لم يحك هذا القول إلا عن الشيخ قدس سره و أوله بإرادة خيار الحيوان. و عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الجزم به و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة من أنه ليس في الأدلة ما يخالفه إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع و إن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته. و زاد في مفتاح الكرامة التعليل بأن الجهل يؤول إلي العلم الحاصل من الشرع و فيه ما تقدم في مسألة تعذر التسليم من أن بيع الغرر موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد و التحديد بالثلاثة تعبد شرعي لم يقصده المتعاقدان فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص- و هو إهمال مدة الخيار. و الحاصل أن الدعوي في تخصيص أدلة نفي الغرر لا في تخصصها و الإنصاف أن ما ذكرنا من حكاية الأخبار و نقل الإجماع لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر لأن الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي‌ء من هذه الأخبار في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار أنه عول في هذه الدعوي علي اجتهاده في دلالة الأخبار الواردة في شرط الحيوان و لا ريب أن الإجماعات المحكية إنما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته أو القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة رأسا فالتعويل حينئذ علي نفس الجابر و لا حاجة إلي ضم المنجبر إذ نعلم إجمالا أن المجمعين اعتمدوا علي دلالات اجتهادية استنبطوها من الأخبار- و لا ريب أن المستند غالبا في إجماعات القاضي و ابن زهرة إجماع السيد في الانتصار. نعم قد روي في
المكاسب، ج‌3، ص 229
كتب العامة أن حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة أصابته في رأسه فقال له النبي ص: إذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلاثا. و في رواية و لك الخيار ثلاثا و الخلابة الخديعة في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفي و جبرها بالإجماعات كما تري إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين إلي خلافها في الخروج عن قاعدة الغرر مشكل بل غير صحيح فالقول بالبطلان لا يخلو عن قوة ثم إنه ربما يقال ببطلان الشرط دون العقد- و لعله مبني علي أن فساد الشرط لا يوجب فساد العقد. و فيه أن هذا علي القول به فيما إذا لم يوجب الشرط فسادا في أصل البيع كما فيما نحن فيه حيث إن جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و إلا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط إلي المشروط و سيجي‌ء تمام الكلام في مسألة الشروط.

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لأنه المتبادر من الإطلاق و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدؤه أول جزء من ذلك الزمان فلو شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان بناء علي أن مبدأه من حين العقد و لو جعل مبدأه من حين التفرق بطل لأدائه إلي جهالة مدة الخيار. و عن الشيخ و الحلي أن مبدأه من حين التفرق و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته. نعم يمكن أن يقال هنا إن المتبادر من جعل الخيار جعله في زمان لو لا الخيار لزم العقد كما أشار إليه في السرائر لكن لو تم هذا لاقتضي كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة- مع أن هذا إنما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس و إلا فمع الجهل به لا يقصد إلا الجهل من حين العقد بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما

مسألة يصح جعل الخيار لأجنبي

قال في التذكرة لو باع العبد و شرط الخيار للعبد- صح البيع و الشرط عندنا معا و حكي عنه الإجماع في الأجنبي قال لأن العبد بمنزلة الأجنبي و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار فإن اختلفوا في الفسخ و الإجارة قدم الفاسخ لأن مرجع الإجازة إلي إسقاط خيار المجيز خاصة بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار فإن النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك و عن الوسيلة أنه إذا كان الخيار لهما و اجتمعا علي فسخ أو إمضاء نفذ و إن لم يجتمعا بطل و إن كان لغيرهما و رضي نفذ البيع و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء انتهي و في الدروس و يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا و لا اعتراض عليه و معهما أو مع أحدهما و لو خولف أمكن اعتبار فعله و إلا لم يكن لذكره فائدة انتهي. أقول و لو لم يمض فسخ الأجنبي مع إجازته و المفروض عدم مضي إجازته مع فسخه لم يكن لذكر الأجنبي فائدة ثم إنه ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل و لعله لتبادره من الإطلاق و إلا فمقتضي التحكيم نفوذ حكمه علي الجاعل من دون ملاحظة مصلحة فتعليل وجوب مراعاة الأصلح بكونه أمينا لا يخلو عن نظر ثم إنه ربما يتخيل أن اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع نظرا إلي أن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ أو بدخول الخيار بالأصل كخياري المجلس و الشرط أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن لنفس المتعاقدين و هو ضعيف لمنع اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعا و لا عقلا بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين و إن كان أجنبيا فحينئذ يجوز للمتبائعين اشتراط حق للأجنبي في العقد و سيجي‌ء نظيره في إرث الزوجة للخيار مع عدم إرثها من العين.

مسألة يجوز لهما اشتراط الاستيمار

بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي في أمر العقد فيأتمر بأمره أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء و علي الأول فإن فسخ المشروط عليه من دون استيمار لم ينفذ و لو استأمره فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا إذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستيمار بل الالتزام بأمره مع أنه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ و إن أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ إذ لا معني لوجوب الفسخ عليه أما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح إذ المفروض أن الثالث لا سلطنة له علي الفسخ و المتعاقدان لا يريدانه و أما مع طلب الآخر للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ علي المستأمر بالكسر راجع إلي حق لصاحبه عليه فإن اقتضي اشتراط الاستيمار ذلك الحق علي صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه علي الفسخ فيرجع اشتراط الاستيمار إلي شرط لكل منهما علي صاحبه. و الحاصل أن اشتراط الاستيمار من واحد منهما علي صاحبه إنما يقتضي ملكه للفسخ إذا أذن له الثالث المستأمر و اشتراطه لكل منهما علي صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الإذن. و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني و هو الائتمار بأمره الابتدائي فإنه إن كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به و إن كان لكل منهما ملكا كذلك ثم في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة و عدمه وجهان أوجههما العدم إن لم يستفد الاعتبار من إطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

مسألة من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع و يقال له بيع الخيار

و هو جائز عندنا كما في التذكرة و عن غيرها الإجماع عليه و هو أن يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها و يرتجع المبيع
و الأصل فيه بعد العمومات المتقدمة في الشرط النصوص المستفيضة
منها موثقة إسحاق بن عمار
قال سمعت من يسأل أبا عبد الله ع يقول و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلي بيع داره فمشي فجاء إلي أخيه فقال له أبيعك داري هذه و يكون لك أحب إلي من أن يكون لغيرك علي أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها إلي سنة تردها علي قال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه قلت أ رأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة فقال الغلة للمشتري أ لا تري أنها لو احترقت كانت من ماله
و رواية معاوية بن ميسرة
قال سمعت أبا الجارود: يسأل أبا عبد الله ع عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الذي اشتري منه الدار خلطة- فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال له أبو الجارود فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين قال هو ماله و قال ع
المكاسب، ج‌3، ص 230
أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري
و عن سعيد بن يسار
في الصحيح قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا نخالط أناسا من أهل السود أو غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم في العشرة اثني عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها و يكتب لنا رجل منهم علي داره أو أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه باع و قبض الثمن منه فنعده إن جاء هو بالمال إلي وقت بيننا و بينهم أن ترد عليه الشراء فإن جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما تري في هذا الشراء قال أري أنه لك إن لم يفعله و إن جاء بالمال الموقت فرد عليه
و عن أبي الجارود
عن أبي جعفر ع قال: إن بعت رجلا علي شرط فإن أتاك بمالك و إلا فالبيع لك.
إذا عرفت هذا
فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور
الأول أن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار- يتصور علي وجوه
أحدها أن يؤخذ قيدا للخيار علي وجه التعليق أو التوقيت
فلا خيار قبله و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد و لو بقليل و لا خيار قبل الرد و المراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه و إن أبي المشتري.
الثاني أن يؤخذ قيدا للفسخ
بمعني أن له الخيار في كل جزء من المدة المضروبة و التسلط علي الفسخ علي وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخره عنه.
الثالث أن يكون رد الثمن فسخا فعليا
بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع و عليه حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدالة علي عود المبيع بمجرد رد الثمن.
الرابع أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد
فمرجع ثبوت الخيار له إلي كونه مسلطا علي سبب الانفساخ لا علي مباشرة الفسخ و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار و موثقة إسحاق بن عمار و عنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر هذا القسم من البيع في الخيار أصلا و إنما ذكره في أمثلة الشروط الجائزة في متن العقد قال إن يبيع و يشترط علي المشتري إن رد الثمن عليه في وقت كذا كان المبيع له انتهي.
الخامس أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة علي المشتري
بأن يلتزم المشتري علي نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن و استقالة و هو ظاهر الوسيلة حيث قال إذا باع شيئا علي أن يقيله في وقت كذا بمثل الثمن الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة انتهي فإن أبي أجبره الحاكم أو أقال عنه و إلا استقل بالفسخ و هو محتمل روايتي سعيد بن يسار و إسحاق بن عمار علي أن يكون رد المبيع البيع فيهما كناية عن ملزومه و هي الإقالة لا أن يكون وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد رد الثمن علي ما فهمه الأصحاب و مرجعه إلي أحد الأولين- . و الأظهر في كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثاني
[صحة الأنحاء المذكورة عدا الرابع]
لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع فإنه فيه إشكالا من جهة أن انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلي أو قولي يشبه انعقاده بنفسه مخالفة المشروع من توقف المسببات علي أسبابها الشرعية و سيجي‌ء في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.
الأمر الثاني الثمن المشروط رده إما أن يكون في الذمة و إما أن يكون معينا
و علي كل تقدير إما أن يكون قد قبضه و إما لم يقبضه فإن لم يقبضه فله الخيار و إن لم يتحقق رد الثمن لأنه شرط علي تقدير قبضه و إن لم يفسخ حتي انقضت المدة لزم البيع و يحتمل العدم بناء علي أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله و إن قبض الثمن المعين فإما أن يشترط رد عينه أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه أو مطلقا أو و لو مع التمكن منه علي الإشكال من الأخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الإمكان و في جواز اشتراط رد القيمة في المثلي و بالعكس وجهان- و إما أن يطلق فعلي الأول لا خيار إلا برد العين فلو تلف لا من البائع فالظاهر عدم الخيار- إلا أن يكون إطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة سقوطه بإتلاف البائع فيبقي الخيار في إتلاف غيره علي حاله و فيه نظر. و علي الثاني فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط. و أما الثالث فمقتضي ظاهر الشرط فيه رد العين و يظهر من إطلاق محكي الدروس و حاشية الشرائع أن الإطلاق لا يحمل علي العين و يحتمل حمله علي الثمن الكلي و سيأتي و إن كان الثمن كليا فإن كان في ذمة البائع كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة فرده بأداء ما في الذمة سواء قلنا إنه عين الثمن أو بدله من حيث إن ما في ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له فكأنه تلف المراد برده المشترط رد بدله و إن لم يكن الثمن في ذمة البائع و قبضه فإن شرط رد ذلك الفرد المقبوض أو رد مثله بأحد الوجوه المتقدمة فالحكم علي مقتضي الشرط و إن أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل إما مطلقا أو مع فقد العين و يدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة إلا أن المتيقن منها صورة فقد العين.
الأمر الثالث [هل يكفي مجرد رد الثمن في الفسخ]
قيل ظاهر الأصحاب بناء علي ما تقدم من أن رد الثمن في هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ و صرح به في الدروس و غيره و لعل منشأ الظهور أن هذا القسم فرد من خيار الشرط مع اعتبار شي‌ء زائد فيه و هو رد الثمن و عللوا ذلك أيضا بأن الرد من حيث هو لا يدل علي الفسخ أصلا و هو حسن مع عدم الدلالة أما لو فرض الدلالة عرفا إما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشتري ليتملك منه المبيع علي وجه المعاطاة و إما بأن يدل الرد بنفسه علي الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري فلا وجه لعدم الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفي من ذلك دلالة و ما قيل من أن الرد يدل علي إرادة الفسخ و الإرادة غير المراد ففيه أن المدعي دلالته علي إرادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشتري و لا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا مع أن ظاهر الأخبار كفاية الرد في وجوب رد المبيع بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن فيحمل علي تحقق الفسخ الفعلي به.
الأمر الرابع- يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد
علي الوجه الثاني من الوجهين الأولين بل و علي الوجه الأول بناء علي أن تحقق السبب و هو العقد كاف في صحة إسقاط الحق- لكن مقتضي ما صرح به في التذكرة من أنه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان
المكاسب، ج‌3، ص 231
بعد العقد بناء علي حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز أيضا إلا أن يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد و لو من حيث تملكه للرد الموجب له فله إسقاطه بخلاف ما في التذكرة و يسقط أيضا بانقضاء المدة و عدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو مطلقا علي التفصيل المتقدم و لو تبين المردود من غير الجنس فلا رد و لو ظهر معيبا كفي في الرد و له الاستبدال و يسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين مع اشتراط رد العين أو حمل الإطلاق عليه و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل الإطلاق علي اعتبار رد عين المدفوع كل ذلك لإطلاق ما دل علي أن تصرف ذي الخيار- فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار و قد عمل الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس و الشرط. و المحكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية- أن الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن لأن المدار في هذا الخيار عليه لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن فلو سقط الخيار سقط الفائدة و للموثق المتقدم المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن و بيع الدار لأجل ذلك و المحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد علي ذلك بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب بما محصله أن التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار و لا خيار إلا بعد الرد و لا ينافي شي‌ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد لأن ذلك منه بعده لا قبله و إن كان قادرا علي إيجاد سببه فيه إذ المدار علي الفعل لا علي القوة علي أنه لا يتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة مثلا انتهي محصل كلامه و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله بأن ذلك يقتضي جهالة مبدء الخيار و بأن الظاهر من إطلاق العرف و تضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ بتوقف الملك علي انقضاء الخيار ببعض الأخبار المتقدمة في هذه المسألة الدالة علي أن غلة المبيع للمشتري هو كون مجموع المدة زمان الخيار انتهي. أقول في أصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح و المناقشة علي الرد نظر أما الأول فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب و أما بناء هذا العقد علي التصرف فهو من جهة أن الغالب المتعارف البيع بالثمن الكلي و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن و لذا قوينا حمل الإطلاق في هذه الصورة علي ما يعم البدل و حينئذ فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا علي الرضا بلزوم العقد إذ لا منافاة بين فسخ العقد و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم أو منصرف إطلاقه أو من جهة تواطؤ المتعاقدين علي ثبوت الخيار مع التصرف أيضا أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن و قد مر أن السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتي المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد. و أما الثاني فلأن المستفاد من النص و الفتوي كما عرفت كون التصرف مسقطا فعليا كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح إسقاطه بالقول و الظاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرد هذا مع أن حدوث الخيار بعد الرد مبني علي الوجه الأول المتقدم من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار و لا دليل علي تعينه في بيع الخيار المتعارف بين الناس بل الظاهر من عبارة غير واحد هو الثاني أو نقول إن المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار و قد يؤخذ قيدا للفسخ. نعم لو جعل الخيار و الرد في جزء معين من المدة كيوم بعد السنة كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد و جاء فيه الإشكال في صحة الإسقاط هنا و لو قولا من عدم تحقق الخيار و من تحقق سببه. و أما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار ففيه أنها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط علي الرد و الفسخ بعده إنشاء. نعم ذكر في التذكرة أنه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق إذا جعلنا مبدأه عند الإطلاق من حين العقد لكن الفرق يظهر بالتأمل و أما الاستشهاد عليه بحكم العرف ففيه أن زمان الخيار عرفا لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا أو بجعل المتعاقدين و المفروض أن الخيار هنا جعلي فالشك في تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين و أما ما ذكره بعض الأصحاب في رد الشيخ من بعض أخبار
المسألة فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك علي انقضاء زمان الخيار مطلقا حتي المنفصل كما لا يبعد عن إطلاق كلامه و إطلاق ما استدل له به من الأخبار.
الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري
سواء كان قبل الرد أو بعده و نماؤه أيضا له مطلقا و الظاهر عدم سقوط خيار البائع فيسترد المثل أو القيمة برد الثمن أو بدله و يحتمل عدم الخيار بناء علي أن مورد هذا الخيار هو إلزام أن له رد الثمن و ارتجاع البيع و ظاهره اعتبار بقاء المبيع في ذلك فلا خيار مع تلفه ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت الشرط فلا يجوز للمشتري إتلاف المبيع كما سيجي‌ء في أحكام الخيار لأن غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله و لا يتم إلا بالتزام إبقائه للبائع و لو تلف الثمن فإن كان بعد الرد و قبل الفسخ فمقتضي ما سيجي‌ء من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له كونه من المشتري و إن كان ملكا للبائع إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن و يدعي اختصاصها بالمبيع- كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة و لم أعرف وجه الاستظهار إذ ليس فيها إلا أن نماء الثمن للبائع و تلف المبيع من المشتري و هما إجماعيان حتي في مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما إلي تلك الرواية و لا يكون الرواية مخالفة للقاعدة و إنما المخالف لها هي قاعدة أن الخراج بالضمان إذا انضمت إلي الإجماع لي كون النماء للمالك. نعم الإشكال في عموم تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع أفراد الخيار لكن الظاهر من إطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن و اختصاصها بالخيارات الثلاثة أعني خيار المجلس و الشرط و الحيوان و سيجي‌ء الكلام في أحكام الخيار و إن كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء علي عدم ثبوت الخيار
المكاسب، ج‌3، ص 232
قبل الرد و فيه ما عرفت من منع المبني منع البناء فإن دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه و هو تزلزل البيع سواء كان بخيار متصل أو بمنفصل كما يقتضيه أخبار تلك المسألة كما سيجي‌ء ثم إن قلنا بأن تلف الثمن من المشتري انفسخ البيع و إن قلنا بأنه من البائع فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل و يرتجع المبيع.
الأمر السادس لا إشكال في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري أو برده علي وكيله المطلق أو الحاكم أو العدول
مع التصريح بذلك في العقد و إن كان المشروط هو رده إلي المشتري مع عدم التصريح ببدله فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها أو شرعا لجنون و نحوه ففي حصول الشرط برده إلي الحاكم كما اختاره المحقق القمي في بعض أجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله قولان و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق علي عدم لزوم رد الثمن إلي المشتري مع غيبته حيث إنه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار و أنه لا اعتبار بالإشهاد خلافا لبعض علمائنا قال إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشتري و جعل الثمن أمانة إلي أن يجي‌ء المشتري و إن كان ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة انتهي. أقول لم أجد فيما رأيت من تعرض الحكم رد الثمن مع غيبة المشتري في هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة عند البائع حتي يحضر المشتري و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل العامة و بعض الخاصة حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور الخصم و لا تنافي بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ و هو رد الثمن إلي المشتري مع أن ما ذكره من أخبار المسألة- لا يدل علي اعتبار حضور الخصم في الفسخ و إن كان موردها صورة حضوره لأجل تحقق الرد إلا أن الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان بناء علي مغايرة الفسخ للرد و عدم الاكتفاء به عنه. نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد رد الثمن فافهم و كيف كان فالأقوي فيما لم يصرح باشتراط الرد إلي خصوص المشتري هو قيام الولي مقامه لأن الظاهر من الرد إلي المشتري حصوله عنده و تملكه له حتي لا يبقي الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ و لذا لو دفع إلي وارث المشتري كفي و كذا لو رد وارث البائع مع أن المصرح به في العقد رد البائع و ليس ذلك لأجل إرثه للخيار لأن ذلك متفرع علي عدم مدخلية خصوص البائع في الرد و كذا الكلام في وليه و دعوي أن الحاكم إنما يتصرف في مال الغائب- علي وجه الحفظ و المصلحة و الثمن قبل رده باق علي ملك البائع و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع علي الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو شبهه فلا يكون وليا في القبض فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد الفسخ مدفوعة بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتي يناط بالمصلحة بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن حتي يقال إن ولايته في القبول متوقفة علي المصلحة بل المعتبر تمكين المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ. و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن- إلي عدول المؤمنين ليحفظوها حسبة عن الغائب و شبهه و لو اشتري الأب للطفل بخيار البائع فهل يصح له الفسخ مع رد الثمن إلي الولي الآخر أعني الجد مطلقا أو مع عدم التمكن من الرد إلي الأب أو لا وجوه و يجري مثلها فيما لو اشتري الحاكم للصغير فرد البائع إلي حاكم آخر و ليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأول حتي لا يجوز قبوله للثمن و لا يجري ولايته بالنسبة إلي هذه المعاملة بناء علي عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر في مثل هذه الأمور لما عرفت من أن أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا بل البائع إذا وجد من يجوز أن يتملك الثمن عن المشتري عند فسخه جاز له الفسخ و ليس في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول غاية الأمر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب لأن هذا ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول فلا مزاحمة لكن الأظهر أنها مزاحمة عرفا.
الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن- لم يكن له ذلك إلا برد الجميع
فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ و ليس للمشتري التصرف في المدفوع إليه لبقائه علي ملك البائع و الظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه علي وجه التمنية إلا أن يصرح بكونها أمانة عنده إلي أن يجتمع قدر الثمن فينفسخ البائع و لو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن جاز الفسخ فيما قابل المدفوع و للمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة و هل له ذلك قبل خروجها الوجه ذلك و يجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن في المدة بل بجزء غير معين فيبقي الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.
الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن
و لا إشكال في انصراف الإطلاق إلي العين و لا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه لأن مرجعه إلي اشتراط الخيار برد المبيع مع وجوده و بدله مع تلفه و عدم بقاء مال البائع عند المشتري بعد الفسخ و في جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين إشكال من أنه خلاف مقتضي الفسخ لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين إلي صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ علي وجه غير مشروع بل ليس فسخا في الحقيقة. نعم لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي و بالقيمة في المثلي أمكن الجواز لأنه بمنزلة اشتراط إيفاء ما في الذمة بغير جنسه لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة و القيمي بالمثل و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد إلي البائع فتأمل و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله و الله العالم.

مسألة لا إشكال و لا خلاف- في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع- و جريانه في كل معاوضة لازمة

اشارة

المكاسب، ج‌3، ص 233
كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة بل قال في التذكرة الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور. و مراده ما يكون لازما لأنه صرح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لأن الخيار لكل منهما دائما فلا معني لدخول خيار الشرط فيه.

و الأصل في ما ذكر عموم المؤمنون عند شروطهم

بل الظاهر المصرح به في كلمات جماعة دخوله في غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة إلا أن يدعي من الخارج عدم معني للخيار في العقد الجائز و لو من الطرف الواحد. فعن الشرائع و الإرشاد و الدروس و تعليق الإرشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط في كل عقد سوي النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق و ظاهرها ما عدا الجائز و لذا ذكر نحو هذه العبارة في التحرير بعد ما منع الخيار في العقود الجائزة و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أن مقتضي عموم أدلة الشرط الصحة في الكل و إنما الإخراج لمانع. و لذا قال في الدروس بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره أنه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان المؤمنون عند شروطهم

فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم

اشارة

فنقول

أما الإيقاعات

فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر علي عدم دخوله في الطلاق بخروجه عن العقود قيل لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الأخبار و الإيقاع إنما يقوم بواحد و فيه أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه لا كونه متوقفا علي الإيجاب و القبول أ لا تري أنهم جوزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمة مدة تمسكا بعموم المؤمنون عند شروطهم. غاية الأمر توقف لزومه كاشتراط مال علي العبد علي قبول العبد علي قول بعض لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول فالأولي الاستدلال عليه مضافا إلي إمكان منع صدق الشرط و انصرافه خصوصا علي ما تقدم عن القاموس بعدم مشروعية الفسخ في الإيقاعات حتي تقبل لاشتراط التسلط علي الفسخ فيها. و الرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق بل هو حكم شرعي في بعض أقسامه لا يقبل الثبوت في غير مورده بل و لا السقوط في مورده و مرجع هذا إلي أن مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما في بعضها بخلاف الإيقاعات فإنه لم يعهد من الشارع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها حتي يصح اشتراط ذلك فيها. و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا فإذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه بناء علي أن اللزوم في الإيقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه في متن الإيقاع هذا كله مضافا إلي الإجماع عن المبسوط و نفي الخلاف عن السرائر علي عدم دخوله في العتق و الطلاق و إجماع المسالك علي عدم دخوله في العتق و الإبراء. و مما ذكرنا في الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمن الإيقاع- و لو كان عقدا كالصلح المفيد فائدة الإبراء كما في التحرير و جامع المقاصد و في غاية المرام أن الصلح إن وقع معاوضة دخله خيار الشرط و إن وقع عما في الذمة مع جهالته أو علي إسقاط الدعوي قبل ثبوتها لم يدخله لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافي مشروعيته و كل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم انتهي. و الكبري المذكورة في كلامه راجعة إلي ما ذكرنا في وجه المنع عن الإيقاعات و لا أقل من الشك في ذلك الراجع إلي الشك في سببية الفسخ لرفع الإيقاع.

و أما العقود

اشارة

فمنها ما لا يدخله اتفاقا و منها ما اختلف فيه و منها ما يدخله اتفاقا.

فالأول النكاح

فإنه لا يدخله اتفاقا كما عن الخلاف و المبسوط و السرائر و جامع المقاصد و المسالك الإجماع عليه و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا علي الطلاق و عدم مشروعية التقايل فيه.

و من الثاني الوقف

فإن المشهور عدم دخوله فيه و عن المسالك أنه موضع وفاق و يظهر من محكي السرائر و الدروس وجود الخلاف فيه و ربما علل باشتراط القربة فيه و أنه فك ملك بغير عوض و الكبري في الصغريين ممنوعة. و يمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف كونه أحق بالوقف عند الحاجة- و هي قوله ع: من أوقف أرضا ثم قال إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع في الميراث و قريب منها غيرها و في دلالتها علي المدعي تأمل. و يظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة- تجويز اشتراط الخيار في الوقف و لعله المخالف الذي أشير إليه في محكي السرائر و الدروس. و أما حكم الصدقة فالظاهر أنه حكم الوقف قال في التذكرة في باب الوقف إنه يشترط في الوقف الإلزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة انتهي. لكن قال في باب خيار الشرط أما الهبة المقبوضة فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها و لا قصد بها القربة و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها و إن اختل أحد القيود لزمت و هل يدخلها خيار الشرط الأقرب ذلك انتهي. و ظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتي الصدقة و كيف كان فالأقوي عدم دخوله فيها لعموم ما دل علي أنه لا يرجع فيما كان لله- بناء علي أن المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة و لو شك في ذلك كفي في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها و توهم إمكان إثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع. و منه الصلح فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالعلامة في التذكرة دخول الخيار فيه مطلقا بل عن المهذب البارع في باب الصلح الإجماع علي دخوله فيه بقول مطلق و ظاهر المبسوط كالمحكي عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا و قد تقدم التفصيل عن التحرير- و جامع المقاصد و غاية المرام و لا يخلو عن قرب لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الإبراء أو ما
المكاسب، ج‌3، ص 234
يفيد فائدته. و منه الضمان فإن المحكي عن ضمان التذكرة و القواعد عدم دخول خيار الشرط فيه و هو ظاهر المبسوط و الأقوي دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه. و منه الرهن فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لأن الرهن وثيقة للدين و الخيار ينافي الاستيثاق و لعله لذا استشكل في التحرير و هو ظاهر المبسوط و مرجعه إلي أن مقتضي طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة و الخيار مناف لذلك و فيه أن غاية الأمر كون وضعه علي اللزوم فلا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين. و منه الصرف فإن صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه مدعين علي ذلك الإجماع و لعله لما ذكره في التذكرة للشافعي المانع عن دخوله في الصرف و السلم من أن المقصود من اعتبار التقابض فيهما أن يفترقا و لا يبقي بينهما علقة و لو أثبتنا الخيار بقيت العلقة و الملازمة ممنوعة كما في التذكرة و لذا جزم فيها بدخوله في الصرف و إن استشكله أولا كما في القواعد.

و من الثالث أقسام البيع ما عدا الصرف و مطلق الإجارة و المزارعة و المساقاة

و غير ما ذكر من موارد الخلاف فإن الظاهر عدم الخلاف فيها.

[هل يدخل خيار الشرط في القسمة]

و اعلم أنه ذكر في التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة- و إن لم يكن فيها رد و لا يتصور إلا بأن يشترط الخيار في التراضي القولي بالسهام. و أما التراضي الفعلي فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه بناء علي وجوب ذكر الشرط في متن العقد و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة و إن قلنا بلزومها من أول الأمر أو بعد التلف و السر في ذلك أن الشرط القولي- لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي و ذكر فيهما أيضا دخول الخيار في الصداق و لعله لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل و فيه نظر و ذكر في المبسوط أيضا دخول هذا الخيار في السبق و الرماية للعموم. أقول و الأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحة التقايل في العقد فمتي شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد علي سلطنة أحدهما أو كليهما علي الفسخ فإن إقدامه علي ذلك حين العقد كاف في ذلك بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه علي نفسه فيكون أمر الشارع إياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه الفعلي بفعل صاحبه و إن لم يرض فعلا و أما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه لأنه إذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما فالالتزام حين العقد لسلطنة أحدهما عليه لا يحدث له أثرا لما عرفت من أن الالتزام حين العقد لا يفيد إلا فائدة الرضا الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا و الله العالم

الرابع خيار الغبن

[الغبن لغة و اصطلاحا]

و أصله الخديعة قال في الصحاح هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي و هو في اصطلاح الفقهاء- تمليك ماله بما يزيد علي قيمته مع جهل الآخر و تسمية المملك غابنا و الآخر مغبونا مع أنه قد لا يكون خدع أصلا كما لو كانا جاهلين لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة علي وجه الخدع. و المراد بما يزيد أو ينقص العوض مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط- فلو باع ما يساوي مائة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع اللازم و هكذا غيره من الشروط و الظاهر أن كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه بخلاف الجهل بقيمته ثم إن ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الأصحاب- و نسبه في التذكرة إلي علمائنا و عن نهج الحق نسبته إلي الإمامية و عن الغنية و المختلف الإجماع عليه صريحا. نعم المحكي عن المحقق قدس سره في درسه إنكاره و لا يعد ذلك خلافا في المسألة كسكوت جماعة عن التعرض له. نعم حكي عن الإسكافي منعه و هو شاذ

و استدل في التذكرة علي هذا الخيار بقوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

قال و معلوم أن المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه أن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني علي عنوان مفقود و هو عدم نقصه عنه في المالية فكأنه قال اشتريت هذا الذي يساوي درهما بدرهم فإذا تبين أنه لا يساوي درهما تبين أنه لم يكن راضيا به عوضا لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع بأن كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها إلا الخيار فرارا عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم و لم يرض به. فالآية إنما تدل علي عدم لزوم العقد فإذا حصل التراضي بالعوض غير المساوي كان كالرضا السابق لفحوي حكم الفضولي و المكره و يضعف بمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس إلا من قبيل الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا بل قد لا يكون داعيا أيضا كما إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته فقد يقدم علي أخذ الشي‌ء و إن كان ثمنه أضعاف قيمته و التفت إلي احتمال ذلك مع أن أخذه علي وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن العقد

[الأولي الاستدلال عليه بآية و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل]

و لو أبدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالي لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ كان أولي بناء علي أن أكل المال علي وجه الخدع ببيع ما يسوي درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه علي رد المعاملة و عدم نفوذ رده أكل المال بالباطل أما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد أكلا بالباطل. و مقتضي الآية و إن كان حرمة الأكل حتي قبل تبين الخدع إلا أنه خرج بالإجماع و بقي ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالي إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ بناء علي ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي فمع التكافؤ يرجع إلي أصالة اللزوم إلا أن يقال إن التراضي مع الجهل بالحال يخرج عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا بالباطل و يمكن أن يقال إن آية التراضي تشمل غير صورة الخدع كما إذا أقدم المغبون علي شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته فيدل علي نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارضة
المكاسب، ج‌3، ص 235
فيثبت عدم الخيار في الباقي بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهي المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل فيرجع بعد تعارضهما بضميمة عدم القول بالفصل و تكافؤهما إلي أصالة اللزوم.

[ما استدل به في التذكرة و المناقشة فيه]

و استدل أيضا في التذكرة بأن النبي ص أثبت الخيار في تلقي الركبان و إنما أثبته للغبن و يمكن أن يمنع صحة حكاية إثبات الخيار لعدم وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

[الاستدلال بلا ضرر و ضرار]

و أقوي ما استدل به علي ذلك في التذكرة و غيرها- قوله ص: لا ضرر و لا ضرار في الإسلام و كان وجه الاستدلال إن لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون علي فسخه ضرر عليه و إضرار به فيكون منفيا.
فحاصل الرواية أن الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر و لم يسوغ إضرار المسلمين بعضهم بعضا و لم يمض لهم من المتصرفات ما فيه ضرر علي الممضي عليه.
و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا علي الممضي عليه سواء كان من جهة الغبن أم لا و سواء كان في البيع أم في غيره كالصلح غير المبني علي المسامحة و الإجارة و غيرها من المعاوضات هذا و لكن يمكن الخدشة في ذلك بأن انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إذ يحتمل أن يتخير بين إمضاء العقد بكل الثمن و رده في المقدار الزائد غاية الأمر ثبوت الخيار للغابن لتبعض المال عليه فيكون حال المغبون حال المريض إذا اشتري بأزيد من ثمن المثل و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري في أن له استرداد الزيادة من دون رد جزء من العوض كما عليه الأكثر في معاوضات المريض المشتملة علي المحاباة و إن اعترض عليهم العلامة بما حاصله أن استرداد بعض أحد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضي المعاوضة. و يحتمل أيضا أن يكون نفي اللزوم- بتسلط المغبون علي إلزام الغابن بأحد الأمرين من الفسخ في الكل و من تدارك ما فات علي المغبون برد القدر الزائد أو بدله و مرجعه إلي أن للمغبون الفسخ إذا لم يبذل الغابن التفاوت فالمبذول غرامة لما فات علي المغبون علي تقدير إمضاء البيع لا هبة مستقلة كما في الإيضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار و سيجي‌ء ذلك. و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة و احتمله في القواعد من أنه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشتري فإن مرجع هذا إلي تخيير البائع بين رد التفاوت و بين الالتزام بفسخ المشتري. و حاصل الاحتمالين عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل و لعل هذا هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل بل قول بعض بعدمه كما يظهر من الرياض ثم إن المبذول ليس هبة مستقلة حتي يقال إنها لا يخرج المعاملة المشتملة علي الغبن عن كونها مشتملة عليه و لا جزء من أحد العوضين حتي يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضي المعاوضة بل هو غرامة لما أتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الأرش في المعيب.

[ما استدل به علي عدم سقوط الخيار مع البذل و المناقشة فيه]

و من هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح و جامع المقاصد من الاستدلال علي عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب بأن بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لأنها هبة مستقلة حتي أنه لو دفعه علي وجه الاستحقاق لم يحل أخذه إذ لا ريب في أن من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره انتهي بمعناه وجه الخدشة ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما أتلفه الغابن علي المغبون قد دل عليه نفي الضرر. و أما الاستصحاب ففيه أن الشك في اندفاع الخيار بالبدل لا في ارتفاعه به إذ من المحتمل ثبوت الخيار علي الممتنع دون الباذل- ثم إن الظاهر أن تدارك ضرر المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين أولي من إثبات الخيار له لأن إلزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و إن لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون إلا أنه يصلح مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين علي ما اشتهر من تخييره بين الرد و الإمضاء بكل الثمن إلا أن يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة لكون المقصود اقتناءها للتجمل و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل فتأمل.

و قد يستدل علي الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن

اشارة

فعن الكافي بسنده إلي إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال: غبن المسترسل سحت و عن الميسر عن أبي عبد الله ع قال: غبن المؤمن حرام و في رواية أخري: لا تغبن المسترسل فإن غبنه لا يحل و عن مجمع البحرين أن الاسترسال الاستيناس و الطمأنينة إلي الإنسان و الثقة به فيما يحدثه و أصله السكون و الثبات و منه الحديث: أيما مسلم استرسل إلي مسلم فغبنه فهو كذا و منه غبن المسترسل سحت انتهي. و يظهر منه أن ما ذكره أو لا حديث رابع

و الإنصاف عدم دلالتها علي المدعي

فإن ما عدا الرواية الأولي ظاهره في حرمة الخيانة في المشاورة فيحتمل كون الغبن بفتح الباء و أما الرواية الأولي فهي و إن كانت ظاهرة فيما يتعلق بالأموال لكن يحتمل حينئذ أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب علي أصل العمل و الخديعة في أخذ المال و يحتمل أن يراد كون المقدار الذي يأخذه زائدا علي ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة و الضمان و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل علي الزيادة بمنزلة السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة و هي اطلاع المغبون و رده للمعاملة المغبون فيها و لا ريب أن الحمل علي أحد الأولين أولي و لا أقل من السماوات للثالث فلا دلالة

فالعمدة في المسألة الإجماع

المحكي المعتضد بالشهرة المحققة و حديث نفي الضرر بالنسبة إلي خصوص الممتنع عن بذل التفاوت

ثم إن تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل

مسألة يشترط في هذا الخيار أمران

الأول عدم علم المغبون بالقيمة

فلو علم بالقيمة فلا
المكاسب، ج‌3، ص 236
خيار- بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف و لا إشكال لأنه أقدم علي الضرر ثم إن الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو ملتفتا إليها و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه و لا بين الجهل المركب و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة أو الظن بهما أو الشك. و يشكل في الأخيرين إذا أقدم علي المعاملة بانيا علي المسامحة علي تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم بل الشاك في الشي‌ء إذا أقدم عليه بانيا علي تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه أو الذم و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي‌ء مما يعذر الغافل فيه. و الحاصل أن الشاك الملتفت إلي الضرر مقدم عليه و من أن مقتضي عموم نفي الضرر و إطلاق الإجماع المحكي ثبوته بمجرد تحقق الضرر خرج المقدم عليه عن علم بل مطلق الشاك ليس مقدما علي الضرر بل قد يقدم برجاء عدمه و مساواته للعالم في الآثار ممنوعة حتي في استحقاق المدح و الذم لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الإقدام عليه و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه علي الغبن حالة أخري لو حصلت له قبل العقد لم يقدم عليه. نعم لو صرح في العقد بالالتزام به و لو علي تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا إلي إسقاط الغبن. و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و إن كان قادرا علي السؤال كما صرح به في التحرير و التذكرة و لو أقدم عالما علي غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار و لو أقدم علي ما لا يتسامح فبان أزيد بما يتسامح به منفردا أو بما لا يتسامح ففي الخيار وجه ثم إن المعتبر القيمة حال العقد فلو زادت بعده و لو قبل اطلاع المغبون علي النقصان حين العقد لم ينفع- لأن الزيادة إنما حصلت في ملكه و المعاملة وقعت علي الغبن و يحتمل عدم الخيار حينئذ لأن التدارك حصل قبل الرد فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر كما لو بري‌ء المعيوب قبل الاطلاع علي عيبه بل في التذكرة أنه مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد و أشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض فارتفع الغبن قبله لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته. نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة في الصرف يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد في مقابلة الناقص لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض و لو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد فإنه لا عبرة بهما إجماعا كما في التذكرة ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد بل العبرة بعلم الموكل و جهله. نعم لو كان وكيلا في المعاملة و المساومة فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل و مع جهله يثبت الخيار للموكل إلا أن يكون عالما بالقيمة و بأن وكيله يعقد علي أزيد منها و يقرره له و إذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة إلا أن يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ فإنه كالولي حينئذ و قد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس- ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة إن تحققت و بقول مدعيه مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة علي أصالة اللزوم- مع أنه قد يتعسر إقامة البينة علي الجهل و لا يمكن للغابن الحلف علي علمه لجهله بالحال فتأمل هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة- بحيث لا يخفي عليه القيمة إلا لعارض من غفلة أو غيرها و إلا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك و قد يشكل بأن هذا إنما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر علي الأصل فغاية الأمر أن يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعي لما تعسر إقامة البينة عليه و لا يعرف إلا من قبله يقبل قوله مع اليمين فليكن هذا من هذا القبيل إلا أن يقال إن مقتضي تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتي في قبول قوله إذا تعسر عليه إقامة البينة. أ لا تري أنهم لم يحكموا بقبول قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة علي سبب الفساد هذا مع أن عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محل تأمل و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن لأصالة عدم التغير و أصالة اللزوم.
و منه يظهر حكم ما لو اتفقا علي التغير و اختلفا في تاريخ العقد و لو علم تاريخ التغير فالأصل و إن اقتضي تأخر العقد الواقع علي الزائد عن القيمة إلا أنه لا يثبت به وقوع العقد علي الزائد حتي يثبت العقد.

الأمر الثاني كون التفاوت فاحشا

فالواحد بل الاثنان في العشرين لا يوجب الغبن وحده عندنا كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله و حكي فيها عن مالك أن التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار و إن كان بأكثر من الثلث أوجبه و رده بأنه تخمين لم يشهد له أصل في الشرع انتهي. و الظاهر أنه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا. نعم الإشكال في الخمس و لا يبعد دعوي عدم مسامحة الناس فيه كما سيجي‌ء التصريح من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين ثم الظاهر أن المرجع عند الشك في ذلك هو أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه و يحتمل الرجوع إلي أصالة اللزوم لأن الخارج هو الضرر الذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر.

بقي هنا شي‌ء و هو أن ظاهر الأصحاب و غيرهم أن المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية

مع قطع النظر عن ملاحظة حال أشخاص المتبايعين و لذا حدوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد علي الثلث كما عرفت عن بعض العامة و ظاهر حديث نفي الضرر المستدل عليه في أبواب الفقه ملاحظة الضرر بالنسبة إلي شخص الواقعة و لذا استدلوا به علي عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير إذا أضر بالمكلف و وجوب شرائه بذلك المبلغ علي من لا يضر به ذلك مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق الكل. و الحاصل أن العبرة إذا كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته و إن كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره و الأظهر اعتبار الضرر المالي لأنه ضرر في نفسه من غير مدخلية لحال الشخص و تحمله في بعض المقامات إنما خرج بالنص
المكاسب، ج‌3، ص 237 و لذا أجاب في المعتبر عن الشافعي المنكر لوجوب الوضوء في الفرض المذكور بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص. و يمكن أيضا أن يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفي الضرر بالنص بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر كما يشير إليه قوله ع: بعد شرائه ع ماء وضوئه بأضعاف قيمته إن ما يشتري به مال كثير. نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفي بأدلة نفي الحرج لا دليل نفي الضرر فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون إلا إذا كان تحمله حرجا.

[تصوير الغبن من الطرفين و الإشكال فيه]

اشارة

إشكال ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد في أقسام الغبن أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما انتهي فيقع الإشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا. و المحكي عن بعض الفضلاء في تعليقه علي الروضة- ما حاصله استحالة ذلك حيث قال قد عرفت أن الغبن في طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من القيمة السوقية و في طرف المشتري إذا اشتري بأزيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الأثمان أو العروض أو مختلفين و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين و إلا لزم كون الثمن أقل من القيمة السوقية و أكثر و هو محال فتأمل انتهي

و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض الفروض

منها ما ذكره المحقق القمي

اشارة

صاحب القوانين في جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال إنها تفرض فيما إذا باع متاعه بأربعة توأمين من الفلوس أن يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا أنها يسوي بأربعة توأمين ثم تبين أن المتاع يسوي خمسة توأمين و أن الدنانير يسوي خمسة توأمين إلا خمسا فصار البائع مغبونا من كون الثمن أقل من القيمة السوقية بخمس تومان و المشتري مغبونا من جهة زيادة الدنانير علي أربعة توأمين فالبائع مغبون في أصل البيع و المشتري مغبون في ما التزمه من إعطاء الدنانير عن الثمن و إن لم يكن مغبونا في أصل البيع انتهي.

[المناقشة في ما ذكره المحقق القمي]

أقول الظاهر أن مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل إلي البائع بسبب مجموع العقد و الشرط كما لو باع شيئا يسوي خمسة دراهم بدرهمين علي أن يخيط له ثوبا مع فرض كون أجرة الخياطة ثلاثة دراهم و من هنا يقال إن للشروط قسطا من العوض و إن أبيت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة و لا مدخل له في زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين في معاملة واحدة لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة و كون الغبن من طرف واحد.

و منها ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة

فيما إذا باع شيئين في عقد واحد بثمنين فغبن البائع في أحدهما و المشتري في الآخر. و هذا الجواب قريب من سابقه في الضعف لأنه إن جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتي يجوز له الفسخ في العين المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل واحدة منها لأحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي غبن البائع خاصة و المشتري خاصة و إن لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن أصلا مع تساوي الزيادة في أحدهما للنقيصة في الآخر و مع عدم المساواة فالغبن من طرف واحد.

و منها أن يراد بالغبن في المقسم معناه الأعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا

علي خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر البائع بوزنه علي خلاف خبره. و قد أطلق الغبن علي هذا المعني الأعم العلامة في القواعد و الشهيد في اللمعة و علي هذا المعني الأعم تحقق الغبن في كل منهما و هذا أحسن لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار و هو الغبن بالمعني الأخص علي ما فسروه به.

و منها ما ذكره بعض من أنه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد في مكانين

كما إذا حصر العسكر البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته في البلد فاشتري بعض أهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشتري مغبون لزيادة الثمن علي قيمة الطعام في مكانه و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة في مكانه و يمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق علي قيمته حين العقد و لا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد و إنما نزلت قيمته بقبض المشتري و نقله إياه إلي مكان الرخص. و بالجملة الطعام عند العقد لا يكون إلا في محل واحد له قيمة واحدة.

و منها ما ذكره في مفتاح الكرامة من فرضه فيما إذا ادعي كل من المتبايعين الغبن

كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة ثم ادعي كل منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر و لم يوجد المقوم ليرجع إليه فتحالفا فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه و قال و يتصور غبنهما في أحد العوضين- كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم ثم ادعي البائع كونه يسوي بمائتين و المشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين و لا مقوم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما انتهي. و فيه أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن في المعاملة أصلا مع أن الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري.
و الأولي من هذه الوجوه هو الوجه الثالث و الله العالم.

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد

وجهان منشأهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم و معاقد إجماعهم و استدلالاتهم فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو الأول و في الغنية الإجماع علي أن ظهور الغبن سبب للخيار و ظاهر كلمات آخرين الثاني و في التذكرة أن الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا و قولهم لا يسقط هذا الخيار بالتصرف فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر في ثبوته. و مما يؤيد الأول أنهم اختلفوا في صحة التصرفات الناقلة في زمان الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلي البدل. و يؤيده أيضا الاستدلال في التذكرة و الغنية علي هذا الخيار بقوله ص في حديث تلقي الركبان إنهم بالخيار إذا دخلوا السوق فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا و لكن لا يخفي إمكان إرجاع الكلمات إلي أحد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعني الآخر. و توضيح ذلك أنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر بها علي الفسخ و الإمضاء قولا أو فعلا فلا يحدث إلا بعد
المكاسب، ج‌3، ص 238
ظهور الغبن و إن أريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم و إنما يتوقف علي العلم إعمال هذا الحق فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان أو غيرهما ثم إن الآثار المجعولة للخيار- بين ما يترتب علي تلك السلطنة الفعلية كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون إلا بعد ظهور الغبن فلا يسقط قبله كما سيجي‌ء. و منه التلف فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لمثل خيار الغبن كما جزم به بعض و تردد فيه آخر و بين ما يترتب علي ذلك الحق الواقعي كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره و بين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة فإن تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من العين ظاهر في ترتب المنع علي وجود نفس الحق و إن لم يعلم به. و حكم بعض من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه أن المنع لأجل التسلط الفعلي و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الأثر علي نفس الحق الواقعي و لو كان مجهولا لصاحبه و قد يظهر منه ترتبه علي السلطنة الفعلية و تظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو بظن وجود سبب معدوم في الواقع فصادف الغبن ثم إن ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب. و قد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس الوجه الأول قال و كذا يعني لا رد لو تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس انتهي فإنه ذكر في جامع المقاصد أنه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده لأن العيب مضمون علي المشتري ثم قال إلا أن يقال إن العيب بعد العلم غير مضمون علي المشتري لثبوت الخيار و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب لكون العيب في زمان الخيار مضمونا علي من لا خيار له لكن الاستظهار المذكور مبني علي شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب و سيجي‌ء عدم العموم إن شاء الله و أما خيار الرؤية فسيأتي أن ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها إسقاطه بعد العقد

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن فلا إشكال في صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها إذا سقط الغبن المسبب عن أي مرتبة كان فاحشا كان أو أفحش و لو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مائة ففي السقوط وجهان من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق كما لو أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا يبلغ القذف فتبين كونه قذفا و من أن الخيار أمر واحد- مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الإسقاط و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان و أما الإسقاط بعوض بمعني المصالحة عنه به فلا إشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب و لو أطلق و كان للإطلاق منصرف كما لو صالح عن الغبن المحقق في المتاع المشتري بعشرين بدرهم فإن المتعارف من الغبن المحتمل في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر و أن المبيع يسوي درهمين في فبطلان الصلح لأنه لم يقع علي الحق الموجود أو صحته مع لزومه لما ذكرنا من أن الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الذي له أفراد متعددة فإذا أسقطه سقط أو صحته متزلزلا لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أن عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله أزيد من الدرهم ضرورة أنه كلما كان التفاوت المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد مما يبذل في مقابله لو كان أقل فيحصل الغبن في المصالحة إذ لا فرق في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه و بين كونه لأجل الجهل بعينه وجوه و هذا هو الأقوي فتأمل. و أما إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن- فالظاهر أيضا جوازه و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء علي كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار و هو الغبن الواقعي و إن لم يعلم به و هذا كاف في جواز إسقاط المسبب قبل حصول شرطه كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان و كبراءة البائع من العيوب الراجعة إلي إسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها. و لا يقدح في المقام أيضا كونه إسقاطا لما لم يتحقق إذ لا مانع منه إلا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن الإيقاعات و هو غير قادح هنا فإن الممنوع منه هو التعليق علي ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه. و أما ما نحن فيه و شبهه مثل طلاق مشكوك الزوجية و إعتاق مشكوك الرقية منجزا أو الإبراء عما احتمل الاشتغال به فقد تقدم في شرائط الصيغة أنه لا مانع منه لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق المتكلم و منه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير. نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به فإنه لا بد من وقوع شي‌ء بإزائه و هو غير معلوم فالأولي ضم شي‌ء إلي المصالح عنه المجهول التحقق أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول صالحتك عن كل خيار لي بكذا و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه لأن المعدوم إنما دخل علي تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد

و الإشكال فيه من الجهات المذكورة هنا أو المتقدمة في إسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها. نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار و خيار الرؤية- و هو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه. قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه و لو شرطا رفعه أو رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد للغرر انتهي. ثم احتمل الفرق بين الخيارين بأن الغرر في الغبن سهل الإزالة و جزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد و الشرط و تردد فيه المحقق الثاني إلا أنه استظهر الصحة و لعل توجيه كلام الشهيد هو أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع كالجهل بصفاته لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه إلي الجهل بمقدار ماليته و لذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي لا مدخل
المكاسب، ج‌3، ص 239
لها في القيمة لكن الأقوي الصحة لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك في القيمة و أيضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لأجل الخيار حتي يكون إسقاطه موجبا لثبوته و إلا لم يصح البيع إذ لا يجدي في الإخراج عن الغرر ثبوت الخيار لأنه حكم شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر و إلا لصح كل بيع غرري علي وجه التزلزل و ثبوت الخيار كبيع المجهول وجوده و المتعذر تسليمه. و أما خيار الرؤية فاشتراط سقوطه راجع إلي إسقاط اعتبار ما اشترطاه من الأوصاف في العين غير المرئية فكأنهما تبايعا سواء وجد فيها تلك الأوصاف أم لا فصحة البيع موقوفة علي اشتراط تلك الأوصاف و إسقاط الخيار في معني إلغائها الموجب للبطلان مع احتمال الصحة هناك أيضا لأن مرجع إسقاط خيار الرؤية إلي التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط لا إلي عدم التزام ما اشترطاه من الأوصاف و لا تنافي بين أن يقدم علي اشتراء العين- بانيا علي وجود تلك الأوصاف و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت فتأمل و سيجي‌ء تمام الكلام في خيار الرؤية و كيف كان فلا أري إشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلا لم يلزم منه غرر.

الثالث تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة بعد علمه بالغبن.

و يدل عليه ما دل علي سقوط خياري المجلس و الشرط به مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان و هو إطلاق بعض معاقد الإجماع بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة و فيما انتقل عنه فسخ و عموم العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان المستدل بها في كلمات العلماء علي السقوط و هي الرضا بلزوم العقد مع أن الدليل هنا إما نفي الضرر و إما الإجماع و الأول منتف فإنه كما لا يجري مع الإقدام عليه فكذلك لا يجري مع الرضا به بعده. و أما الإجماع فهو غير ثابت مع الرضا إلا أن يقال إن الشك في الرفع لا الدفع فيستصحب فتأمل. أو ندعي أن ظاهر قولهم فيما نحن فيه أن هذا الخيار لا يسقط بالتصرف شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن. و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار أن التصرف مسقط لكل خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار كما في العيب و التدليس سوي هذا الخيار و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من أن التصرف قبل العلم بالعيب و التدليس ملزم لدلالته علي الرضا بالبيع فيسقط الرد و إنما يثبت الأرش في خصوص العيب لعدم دلالة التصرف علي الرضا بالعيب و كيف كان فاختصاص التصرف غير المسقط في كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفي علي المتتبع في كلماتهم. نعم لم أجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب المسالك و تبعه جماعة لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغي بل ربما يستشكل في حكمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم و الاعتذار بالنص إنما يتم في العيب دون التدليس فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص و مقتضي القاعدة في حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد. و التحقيق أن يقال إن مقتضي القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل علي الرضا بلزوم العقد و تحمل الضرر. نعم قد ورد النص في العيب علي السقوط و ادعي عليه الإجماع مع أن ضرر السقوط فيه متدارك بالأرش و إن كان نفس إمساك العين قد تكون ضررا فإن تم دليل في التدليس أيضا قلنا به و إلا وجب الرجوع إلي دليل خياره ثم إن الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني علي ما تقدم في الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا علي الرضا بلزوم العقد و إلا كان اللازم في غير ما دل فعلا علي الالتزام بالعقد من أفراد التصرف الرجوع إلي أصالة بقاء الخيار.

الرابع من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن

تصرفا مخرجا عن الملك علي وجه اللزوم كالبيع و العتق فإن المصرح به في كلام المحقق و من تأخر عنه- هو سقوط خياره حينئذ و قيل إنه المشهور- و هو كذلك بين المتأخرين. نعم ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع أنه لو هلك السلعة أو تصرف فيها سقط الرد و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن كما يظهر من جامع المقاصد في شرح قول الماتن و لا يبطل الخيار بتلف العين فراجع. و استدل علي هذا الحكم في التذكرة بعدم إمكان استدراكه مع الخروج عن الملك و هو بظاهره مشكل لأن الخيار غير مشروط عندهم بإمكان رد العين. و يمكن أن يوجه بأن حديث نفي الضرر لم يدل علي الخيار بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها فإذا امتنع ردها فلا دليل علي جواز فسخ العقد. و تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فإن دفع الضرر من الطرفين إنما يكون بتسلط المغبون علي رد العين فيكون حاله من حيث إن له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في أن له أن يشتري و أن يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه مع أن إخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر و لو جهلا منه به هذا و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد في اللمعة بما توضيحه أن الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر ليس إقداما عليه لما عرفت من أن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا صورة الإقدام عليه عالما به فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها علي ملكه و بدلها مع عدمه. و فوات خصوصية العين علي الغابن ليس ضررا لأن العين المبيعة إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها بمثلها و إن كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل علي إرادة قيمتها فلا ضرر أصلا فضلا عن أن يعارض ضرر زيادة الثمن علي القيمة خصوصا مع الإفراط في الزيادة و الإنصاف أن هذا حسن جدا لكن قال في الروضة إن لم يكن الحكم إجماعا. أقول و الظاهر عدمه لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام من تقدم علي المحقق فيما تتبعت.

ثم إن مقتضي دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين البائع و المشتري

قال في التحرير بعد أن صرح بثبوت الخيار للمغبون
المكاسب، ج‌3، ص 240 بائعا كان أو مشتريا و لا يسقط الخيار بالتصرف مع إمكان الرد و مقتضي إطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم و بين فك الملك كالعتق و الوقف و بين المانع عن الرد مع البقاء علي الملك كالاستيلاد بل و يعم التلف و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشتري فإن أرادوا قصر الحكم عليه فلا يعرف له وجه إلا أن يبني علي مخالفته لعموم دليل الخيار أعني نفي الضرر فيقتصر علي مورد الإجماع

[الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه]

ثم إن الظاهر التقييد بصورة امتناع الرد و ظاهر التعليل بعدم إمكان الاستدراك ما صرح به جماعة من أن الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار إذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن لعموم نفي الضرر. و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن و لو اتفق زوال المانع كموت ولد أم الولد و فسخ العقد اللازم لعيب أو غبن ففي جواز الرد وجهان من أنه متمكن حينئذ و من استقرار البيع و ربما يبنيان علي أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد- و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا أولي لأن العود هنا بسبب جديد. و في الفسخ برفع السبب السابق

و في لحوق الإجارة بالبيع قولان

من امتناع الرد و هو مختار الصيمري و أبي العباس و من أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك و هو المحكي عن ظاهر الأكثر و لو لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد و كذا لو لم يعلم به حتي انفسخ البيع.

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه

أقواها اللحوق لحصول الشركة فيمتنع رد العين الذي هو مورد الاستثناء و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة و لو تغيرت بالزيادة العينية أو الحكمية أو من الجهتين فالأقوي الرد في الوسطي بناء علي حصول الشركة في غيرها المانعة عن رد العين فتأمل هذا كله في تصرف المغبون

و أما تصرف الغابن

اشارة

فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون به و حينئذ فإن فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو الوقف أو البيع اللازم ففي تسلطه علي إبطال ذلك من حينه أو من أصلها كالمرتهن و الشفيع أو رجوعه إلي البدل وجوه من وقوع العقد في متعلق حق الغير فإن حق المغبون بأصل المعاملة الغبنية و إنما يظهر له بظهور السبب فله الخيار في استرداد العين إذا ظهر السبب و حيث وقع العقد في ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس و من أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس كما في بيع الرهن. و مقتضي فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن الذي وقع البيع معه لا من المشتري الثاني و من أنه لا وجه للتزلزل إما لأن التصرف في زمان خيار غير المتصرف صحيح لازم كما سيجي‌ء في أحكام الخيار فيسترد الفاسخ البدل. و إما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا علي وجه فعلا علي وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار كما هو ظاهر الجماعة هنا و في خيار الغيب قبل ظهوره فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار بدون إذنه أو استشكل فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب و هذا هو الأقوي و سيأتي تتمة لذلك في أحكام الخيار و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه علي الاستيلاد

[جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز]

ثم إن مقتضي ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز لأن معني جوازه تسلط أحد المتعاقدين علي فسخه- أما تسلط الأجنبي و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا. و في المسالك لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم بالفسخ فإن امتنع فسخه الحاكم و إن تعذر فسخه المغبون و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه و إما بدخول بدلها فعلي الأول لا حاجة إلي الفسخ حتي يتكلم في الفاسخ و علي الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلي غيره اللهم إلا أن يقال إنه لا منافاة لأن البدل المستحق بالفسخ إنما هو للحيلولة فإذا أمكن رد العين وجب علي الغابن تحصيلها لكن ذلك إنما يتم مع كون العين باقية علي ملك المغبون و أما مع عدمه و تملك المغبون للبدل فلا دليل علي وجوب تحصيل العين.

[لو اتفق عود الملك إلي الغابن]

ثم علي القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز لو اتفق عود الملك إليه لفسخ فإن كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجود رد العين و إن كان بعده فالظاهر عدم وجوب رده لعدم الدليل بعد تملك البدل و لو كان العود بعقد جديد فالأقوي عدم وجوب الرد مطلقا لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه. و الفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل

[تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين]

اشارة

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين- فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة أو بالامتزاج

فإن كان بالنقيصة

فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش و إما أن يكون مما لا يوجبه فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش كما هو مقتضي الفسخ لأن الفائت مضمون بجزء من العوض فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين و إن كان مما لا يوجب شيئا رده بلا شي‌ء. و منه ما لو وجد العين مستأجرة فإن علي الفاسخ الصبر إلي أن ينقضي مدة الإجارة و لا يجب علي الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة إلي بقية المدة بعد الفسخ لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد و الفسخ فهي ملك للمفسوخ عليه فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين بأسرها و يحتمل انفساخ الإجارة في بقية المدة لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل و هو الذي جزم به المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع و فيه نظر لمنع تزلزل ملك المنفعة. نعم ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف المتبايعين أنه إذا وجد البائع العين مستأجرة كانت الأجرة للمشتري و المؤجر وجب عليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ و قرره علي ذلك شراح الكتاب و سيجي‌ء ما يمكن أن يكون فارقا بين المقامين

و إن كان التغيير بالزيادة

فإن كانت حكمية محضة- كقصارة الثوب و تعليم الصنعة فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين
المكاسب، ج‌3، ص 241
معها و لا معها و يؤخذ النسبة و لو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة فالظاهر عدم شي‌ء لمحدثها لأنه إنما عمل فيما له و عمله لنفسه غير مضمون علي غيره و لو لم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال و لو في ضمن العين و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس ففي تسلط المغبون علي القلع بلا أرش كما اختاره في المختلف في الشفعة أو عدم تسلطه عليه مطلقا كما عليه المشهور فيما إذا رجع بائع الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا و قيل به في الشفعة و العارية وجوه من أن صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة عن كونه في مكان صار ملكا للغير فلا حق للغرس كما إذا باع أرضا مشغولة بماله و كان ماله في تلك الأرض أزيد قيمة. مضافا إلي ما في المختلف في مسألة الشفعة من أن الفائت لما حدث في محل معرض للزوال لم يجب تداركه و من أن الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير للمقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان. مضافا إلي مفهوم قوله ص: ليس لعرق ظالم حق فيكون كما لو باع الأرض المغروسة و من أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل و لا دليل علي استحقاق الغرس علي الأرض البقاء. و قياس الأرض المغروسة علي الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها و لا تغرم لها أجرة المثل فاسد للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان في الأرض فالتحقيق أن كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له علي الآخر و لا عليه له فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه فإن أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم الحفر و إن أراد مالك الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما و كونه مقلوعا و كونه مالا للمالك علي صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه علي قلعه لأن المال هو الغرس المنصوب و مرجع دوامه إلي دوام ثبوت هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فافهم. و يبقي الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الأكثر إلي أن ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الأرش و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه فحق المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس لأن سبب التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الأرض المغروسة و ليس للمشتري قلعه و لو مع الأرش بلا خلاف بل عرفت أن العلامة في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس ثم إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع أم له مطالبة المالك بالقلع- و مع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه وجوه ذكروها فيما لو دخلت أغصان شجر الجار إلي داره و يحتمل الفرق بين المقامين من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك و لذا قيل فيه بعدم وجوب إجابة المالك الجار إلي القلع و إن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله هذا كله حكم التخليص. و أما لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضي ما ذكرنا- من عدم ثبوت حق لأحد المالكين علي الآخر استحقاقه الأجرة علي البقاء لأن انتقال الأرض إلي المغبون بحق سابق علي الغرس لا بسبب لا حق له هذا كله حكم الشجر. و أما الزرع ففي المسالك أنه يتعين إبقاؤه بالأجرة لأن له أمدا ينتظر و لعله لإمكان الجمع بين الحقين علي وجه لا ضرر فيه علي الطرفين بخلاف مسألة الشجر فإن في تعيين إبقائه بالأجرة ضررا علي مالك الأرض لطول مدة البقاء فتأمل. و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الأرض منعه لاستلزامه نقص أرضه فإن كلا منهما مسلط علي ماله و لا يجوز تصرفه في مال غيره إلا بإذنه أم لا لأن التسلط علي المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف في ماله وجهان أقواهما الثاني

و لو كان التغير بالامتزاج

فإما أن يكون بغير جنسه- و إما أن يكون بجنسه فإن كان بغير جنسه فإن كان علي وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم في مثله بالشركة كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو في حكم التالف يرجع إلي قيمته و إن كان لا علي وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الأنجبين ففي كونه شريكا أو كونه كالمعدوم وجهان من حصول الاشتراك قهرا لو كانا للمالكين و من تغير حقيقته فيكون كالتلف الرافع للخيار و إن كان الامتزاج بالجنس فإن كان بالمساوي يثبت الشركة و إن كان بالأردإ فكذلك.
و في استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه وجوه و لو كان بالأجود احتمل الشركة في الثمن بأن يباع و يعطي من الثمن بنسبة قيمته و يحتمل الشركة بنسبة القيمة فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردي‌ء كان المجموع بينهما أثلاثا و رده الشيخ في مسألة رجوع البائع علي المفلس بعين ماله بأنه يستلزم الربا قيل و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة.

بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن

و تفصيله أن التلف إما أن يكون فيما وصل إلي الغابن أو فيما وصل إلي المغبون و التلف إما بآفة أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف الأجنبي و حكمها أنه لو تلف ما في يد المغبون فإن كان بآفة فمقتضي ما تقدم من التذكرة في الإخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم إمكان الاستدراك سقوط الخيار لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف أو يوم الفسخ و أخذ ما عند الغابن أو بدله و كذا لو كان بإتلافه و لو كان بإتلاف الأجنبي ففسخ المغبون أخذ الثمن و رجع الغابن إلي المتلف إن لم يرجع المغبون عليه و إن رجع عليه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد علي الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ و لو كان بإتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون أخذ القيمة من الغابن و إن فسخ أخذ الثمن و لو كان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة لأن ما أبرأه بمنزلة المقبوض و لو تلف ما في يد الغابن بآفة أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ البدل.
و في اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان ظاهر الأكثر الأول و لكن صرح في الدروس و المسالك و محكي حاشية الشرائع للمحقق الثاني و صاحب
المكاسب، ج‌3، ص 242
الحدائق و بعض آخر أنه لو اشتري عينا بعين فقبض إحداهما دون الأخري فباع المقبوض ثم تلف غير مقبوض أن البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقة قبل القبض بخلاف البيع الثاني فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض و هذا ظاهر بل صريح في أن العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين و الفرق بين المسألتين مشكل و تمام الكلام في باب الإقالة إن شاء الله. و لو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ إلي الغابن لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله و لأنه ملك القيمة علي المتلف و يحتمل الرجوع إلي المتلف لأن المال في ضمانه و ما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته و لذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة علي ذلك المتلف بما لو صالح به علي قيمته لزم الربا. و صرح العلامة بأنه لو صالحه علي نفس المتلف بأقل من قيمته لم يلزم الربا و إن صالحه علي قيمته بالأقل لزم الربا بناء علي جريانه في الصلح و يحتمل التخيير أما الغابن فلأنه ملك البدل و أما المتلف فلأن المال المتلف في عهدته قبل أداء القيمة و إن كان بإتلاف المغبون فإن لم يفسخ غرم بدله و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف فظهر الغبن ففسخ رد الثمن و أخذ قيمة المتلف لأن المبرإ منه كالمقبوض. هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام و ينبغي إحالة الزائد علي ما ذكروه في غير هذا المقام و الله العالم بالأحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم إلي يوم القيام.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية

بناء علي الاستناد في ثبوته في البيع إلي نفي الضرر. نعم لو استند إلي الإجماعات المنقولة أمكن الرجوع في غير البيع إلي أصالة اللزوم و ممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح الإرشاد و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع و عن إجازة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا إلي أنه من توابع المعاوضات. نعم حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح و لعله لكون الغرض الأصلي فيه قطع المنازعة فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفي. و في غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع علي وجه المعاوضة فيجري فيه و بين الواقع علي إسقاط دعوي قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه و كان مغبونا فيما صالح به و الواقع علي ما في الذمم و كان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح و ظهر غبن أحدهما علي تأمل و لعله للإقدام في هذين علي رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان فقد أقدم علي الضرر. و حكي عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه علي وجه المسامحة و كان الإقدام فيه علي المعاملة مبنيا علي عدم الالتفات إلي النقص و الزيادة بيعا كان أو صلحا أو غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن و بين غيره. و فيه مع أن منع صدق الغبن محل نظر أن الحكم بالخيار لم يعلق في دليل علي مفهوم لفظ الغبن حتي يتبع مصاديقه فإن الفتاوي مختصة بغبن البيع و حديث نفي الضرر عام لم يخرج منه إلا ما استثني في الفتاوي من صورة الإقدام علي الضرر عالما به. نعم لو استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن أكل المال بالباطل- أمكن اختصاصها بما إذا أقدم علي المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك الاحتمال. و الحاصل أن المسألة لا تخلو عن إشكال من جهة أصالة اللزوم و اختصاص معقد الإجماع و الشهرة بالبيع و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع- كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض أفراد ما عدا البيع فلا يدل علي عموم غيره لما عدا البيع و من دلالة حديث نفي الضرر علي عدم لزوم المعاملة المغبون فيها في صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت بعد إلحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الأصحاب و قد استدل به الأصحاب علي إثبات كثير من الخيارات فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو عن قوة نعم يبقي الإشكال في شموله للصورة المتقدمة و هي ما إذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان أو غيره علي عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية كما إذا احتاج المشتري إلي قليل من شي‌ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية فإنه لا يلاحظ في شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فإن في شمول الأدلة لمثل هذا خفاء بل منعا إلا أن يتم بعدم القول بالفصل و الله العالم.

مسألة اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار علي الفور أو علي التراخي

اشارة

علي قولين

[الاستدلال للفور بآية أوفوا بالعقود]

و استند للقول الأول و هو المشهور ظاهرا إلي كون الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي المتيقن و قرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و إلا لم ينتفع بعمومه انتهي.

[الاستدلال للتراخي بالاستصحاب]

و للقول الثاني إلي الاستصحاب. و ذكر في الرياض ما حاصله أن المستند في هذا الخيار إن كان الإجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب و إن كان نفي الضرر وجب الاقتصار علي الزمان الأول إذ به يندفع الضرر.

[المناقشة في الوجوه المذكورة]

أقول و يمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة أما في وجوب الاقتصار علي المتيقن فلأنه غير متجه مع الاستصحاب و أما ما ذكره في جامع المقاصد من عموم الأزمنة فإن أراد به عمومها المستفاد من إطلاق الحكم بالنسبة إلي زمانه الراجع بدليل الحكمة إلي استمراره في جميع الأزمنة فلا يخفي أن هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم فإذا فرض خروج فرد منه فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان ما إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتي يقتصر عند الشك فيه علي المتيقن نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل لكن وقع الشك في أن ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجميعها فإن اللازم هنا استصحاب حكم الخاص أعني الحلية لا الرجوع في ما بعد الزمان المتيقن إلي عموم التحريم و ليس هذا من معاوضة العموم للاستصحاب و السر فيه ما عرفت من تبعية العموم الزماني للعموم الأفرادي فإذا فرض خروج بعضها فلا مقتضي للعموم الزماني فيه حتي يقتصر فيه من حيث الزمان علي المتيقن بل الفرد الخارج واحد دام زمان خروجه أو انقطع.
المكاسب، ج‌3، ص 243
نعم لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني علي وجه يكون الزمان مكثرا لأفراد العام بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له في زمان آخر كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما الاقتصار علي المتيقن لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه كما إذا قال المولي لعبده أكرم العلماء في كل يوم بحيث كان إكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام ذلك العالم في اليوم الآخر فإذا علم بخروج زيد العالم و شك في خروجه عن العموم يوما أو أزيد وجب الرجوع في ما بعد اليوم الأول إلي عموم وجوب الإكرام لا إلي استصحاب عدم وجوبه بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع إلي أصل آخر كما أن في الصورة الأولي لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب لم يجز الرجوع إلي العموم فما أوضح الفرق بين الصورتين. ثم لا يخفي أن مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في الصورة الأولي من الإطلاق المحمول علي العموم بدليل الحكمة و كونه في الصورة الثانية عموما لغويا بل المناط كون الزمان في الأولي ظرفا للحكم و إن فرض عمومه لغويا فيكون [الحكم فيه حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد] فيكون مرجع الشك فيه إلي الشك في استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب و الزمان في الثانية مكثر لأفراد موضوع الحكم فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني إلي ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول و معلوم أن المرجع فيه إلي أصالة العموم فافهم و اغتنم. و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد- بأن آية أَوْفُوا و غيرها مطلقة لا عامة فلا تنافي الاستصحاب إلا أن يدعي أن العموم لا يرجع إلا إلي العموم الزماني علي الوجه الأول.
فقد ظهر أيضا مما ذكرنا من تغاير موردي الرجوع إلي الاستصحاب و الرجوع إلي العموم فساد ما قيل في الأصول من أن الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الأولي زعما منه أن الاستصحاب قد خصص العموم. و قد عرفت أن مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع إلي العموم و لو علي فرض عدم الاستصحاب و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع إلي الاستصحاب و لو علي فرض عدم العموم فليس شي‌ء منهما ممنوعا بالآخر في شي‌ء من المقامين إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول لأن العقد المغبون فيه إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به في زمان واحد و بين عدم وجوبه رأسا نظير العقد الجائز دائما فليس الأمر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته حتي يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار علي ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم أيضا. نعم يتمسك فيه حينئذ بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات و أما استناد القول بالتراخي إلي الاستصحاب- فهو حسن علي ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم الشرعي الثابت بغير الأدلة اللفظية المشخصة للموضوع مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء. و أما علي التحقيق من عدم إحراز الموضوع في مثل ذلك علي وجه التحقيق فلا يجري فيما نحن فيه الاستصحاب فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فإذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع فلا معني لانسحابه في الآن اللاحق مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل لأن هذا موضوع آخر يكون إثبات الحكم له من القياس المحرم. نعم لو أحرز الموضوع من دليل لفظي علي المستصحب أو كان الشك في رافع الحكم حتي لا يحتمل أن يكون الشك لأجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب. و أما ما ذكره في الرياض ففيه أنه إن بني الأمر علي التدقيق في موضوع الاستصحاب كما أشرنا هنا و حققناه في الأصول فلا يجري الاستصحاب و إن كان المدرك للخيار الإجماع و إن بني علي المسامحة فيه كما اشتهر جري الاستصحاب و إن استند في الخيار إلي قاعدة الضرر كما اعترف به ولده قدس سره في المناهل مستندا إلي احتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم و إن ارتفع إلا أن يدعي أنه إذا استند الحكم إلي الضرر فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره و هو غير محقق في الزمان اللاحق كما أشرنا-

[ما ذكره بعض المعاصرين في المسألة]

اشارة

ثم إنه بني المسألة بعض المعاصرين علي ما لا محصل له فقال ما لفظه إن المسألة مبتنية علي أن لزوم العقد معناه أن أثر العقد مستمر إلي يوم القيامة و أن عموم الوفاء بالعقود عموم زماني للقطع بأن ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما بل علي الدوام. و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها و لا ريب أن مفاده عرفا و بحسب قصد المتعاقدين الدوام فإن دل دليل علي ثبوت خيار من ضرر أو إجماع أو نص في ثبوته في الماضي أو مطلقا بناء علي الإهمال لا الإطلاق في الأخبار فيكون استثناء من ذلك العام و يبقي العام علي عمومه كاستثناء أيام الإقامة و الثلاثين و وقت المعصية و نحوها من حكم السفر أو أن اللزوم ليس كالعموم و إنما يثبت ملكا سابقا و يبقي حكمه مستصحبا إلي المزيل فتكون المعارضة بين استصحابين و الثاني وارد علي الأول فيقدم عليه و الأول أقوي لأن حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق انتهي.

[المناقشة في ما ذكره بعض المعاصرين]

و لا يخفي أن ما ذكره من المبني للرجوع إلي العموم- و هو استمرار اللزوم مبني لطرح العموم و الرجوع إلي الاستصحاب و أما ما ذكره أخيرا لمبني الرجوع إلي الاستصحاب و حاصله أن اللزوم إنما يثبت بالاستصحاب فإذا ورد عليه استصحاب الخيار قدم عليه ففيه أن الكل متفقون علي الاستناد في أصالة اللزوم إلي عموم آية الوفاء و إن أمكن الاستناد فيه إلي الاستصحاب أيضا فلا وجه للإغماض عن الآية و ملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب الخيار

[الأقوي الفور و الدليل عليه]

ثم إنه قد علم من تضاعيف ما أوردناه علي كلمات الجماعة أن الأقوي كون الخيار هنا علي الفور لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان الثاني بالعموم لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم الزماني في هذا المقام إلي استمرار الحكم في الأفراد فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل علي العود إليه كما في جميع الأحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع و لا بالاستصحاب الخيار لما عرفت
المكاسب، ج‌3، ص 244
من أن الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له بل قد يستظهر ذلك من حديث نفي الضرر تعين الرجوع إلي أصالة فساد فسخ المغبون و عدم ترتب الأثر عليه و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة و هذا ليس كاستصحاب الخيار لأن الشك هنا في الواقع فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي فافهم و اغتنم و الحمد لله. هذا مضافا إلي ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من إجازة عقد الفضولي و نكاحه و غيرهما من أن تجويز التأخير فيها ضرر علي من عليه الخيار و فيه تأمل ثم إن مقتضي ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الأخير هي الفورية العرفية لأن الاقتصار علي الحقيقية حرج علي ذي الخيار فلا ينبغي تدارك الضرر به و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم علي رده بين أهل هذا القول لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب علي القول بفورية ما هو أوسع من الفور العرفي قال خيار العيب ليس علي الفور علي ما تقدم خلافا للشافعي فإنه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو و لا الركض للرد و إن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة فله الخيار إلي أن يفرغ و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس إجماعا و كذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا و لو اطلع علي العيب ليلا فله التأخير إلي أن يصبح و إن لم يكن عذر انتهي. و قد صرح في الشفعة علي القول بفوريتها بما يقرب من ذلك و جعلها من الإعذار و صرح في الشفعة بأنه لا تجب المبادرة علي خلاف العادة و رجع في ذلك كله إلي العرف فكل ما لا يعد تقصيرا لا يبطل به الشفعة و كل ما يعد تقصيرا و توانيا في الطلب فإنه مسقط لها انتهي. و المسألة لا تخلو عن إشكال لأن جعل حضور وقت الصلاة أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله فسخت لا دليل عليه. نعم لو توقف الفسخ علي الحضور عند الخصم أو القاضي أو علي الإشهاد توجه ما ذكر في الجملة مع أن قيام الدليل عليه مشكل إلا أن يجعل الدليل علي الفورية لزوم الإضرار لمن عليه الخيار فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه و كون تصرفاته فيه في معرض النقص لكنك عرفت التأمل في هذا الدليل

[رأي المصنف في المسألة]

فالإنصاف أنه إن تم الإجماع الذي تقدم عن العلامة علي عدم البأس بالأمور المذكورة و عدم قدح أمثالها في الفورية فهو و إلا وجب الاقتصار علي أول مراتب الإمكان إن شاء الفسخ و الله العالم

[معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة]

ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن [و الجاهل بالخيار في ترك المبادرة لعموم نفي الضرر إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن] و الجاهل بحكمه و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه و لو جهل الفورية فظاهر بعض الوفاق علي المعذورية. و يشكل بعدم جريان نفي الضرر هنا لتمكنه من الفسخ و تدارك الضرر فيرجع إلي ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الأول. و قد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار التأخير و المناط واحد و لو ادعي الجهل بالخيار فالأقوي القبول إلا أن يكون مما لا يخفي عليه هذا الحكم الشرعي إلا لعارض ففيه نظر. و قال في التذكرة في باب الشفعة إنه لو قال إني لم أعلم ثبوت حق الشفعة أو قال أخرت لأني لم أعلم أن الشفعة علي الفور فإن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل قوله و له الأخذ بالشفعة و إلا فلا انتهي. فإن أراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه الجهل فلا حاجة إليه لأن أكثر العوام و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الأحكام و إن أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه عدم العلم ففيه أنه لا داعي إلي اعتبار الظهور مع أن الأصل العدم

و الأقوي أن الناسي في حكم الجاهل

و في سماع دعواه النسيان نظر من أنه مدع و من تعسر إقامة البينة عليه و أنه لا يعرف إلا من قبله. و أما الشك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع علي الغبن ثم السؤال عن صحته شرعا فهو متمكن من الفسخ العرفي إذ الجهل بالصحة لا يمنع عن الإنشاء فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر فافهم و الله العالم

الخامس خيار التأخير

[كلام التذكرة في خيار التأخير]

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه إلي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين و إن مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع.

[الدليل علي هذا الخيار]

اشارة

و الأصل في ذلك قبل الإجماع المحكي عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها- المعتضد بدعوي الاتفاق المصرح بها في التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره في التذكرة من أن الصبر أبدا مظنة الضرر المنفي بالخبر بل الضرر هنا أشد من الضرر في الغبن حيث إن المبيع هنا في ضمانه و تلفه منه و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه

الأخبار المستفيضة

اشارة

منها رواية علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن ع عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و رواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح قال: من اشتري بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي‌ء فلا بيع له و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و أعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلي بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و الله لا أدعك أو أقاضيك- فقال أ ترضي بأبي بكر ابن عياش قلت نعم فأتيناه فقصصنا عليه قصصنا فقال أبو بكر بقول من تحب أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له و صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع: قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول آتيك بثمنه قال إن جاء ما بينه و بين ثلاثة أيام و إلا فلا بيع له.

و ظاهر هذه الأخبار بطلان البيع

كما فهمه في المبسوط حيث قال روي أصحابنا أنه إذا اشتري شيئا بعينه بثمن معلوم و قال للبائع أجيئك
المكاسب، ج‌3، ص 245
بالثمن و مضي فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و إن لم يرتجع بطل البيع انتهي. و ربما يحكي هذا عن ظاهر الإسكافي المعبر بلفظ الروايات و توقف فيه المحقق الأردبيلي و قواه صاحب الكفاية و جزم به في الحدائق طاعنا علي العلامة في المختلف حيث إنه اعترف بظهور الأخبار في خلاف المشهور ثم اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة العقد و حمل الأخبار علي نفي اللزوم أقول ظهور الأخبار في الفساد في محله إلا أن فهم العلماء و حملهم الأخبار علي نفي اللزوم مما يقرب هذا المعني مضافا إلي ما يقال من أن قوله ع في أكثر تلك الأخبار لا بيع له ظاهر في انتفاء البيع بالنسبة إلي المشتري فقط و لا يكون إلا نفي اللزوم من طرف البائع إلا أن في رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما و كيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع و توهم كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم فيرتفع بارتفاعه مندفع بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة و إنما هو حكم مقارن لها في خصوص البيع الخالي من الخيار

ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور

أحدها عدم قبض المبيع

و لا خلاف في اشتراطه ظاهرا- و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة: فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما بناء علي أن البيع هنا بمعني المبيع لكن في الرياض إنكار دلالة الأخبار علي هذا الشرط و تبعه بعض المعاصرين و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد يعني قبض بائعه الثمن و لا يخفي ضعف هذا الاحتمال لأن استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر- بل لم يوجد مع إمكان إجراء أصالة عدم التشديد نظير ما ذكره في الروضة من أصالة عدم المد في لفظ البكاء الوارد في قواطع الصلاة ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع- بأن بذل له الثمن فامتنع من أخذه و إقباض المبيع فالظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص و الفتوي كون هذا الخيار إرفاقا للبائع و دفعا لتضرره- فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله و لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده كما إذا كان بدون إذنه مع عدم إقباض الثمن ففي كونه كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو كونه قبضا وجوه- رابعها ابتناء المسألة علي ما سيجي‌ء في أحكام القبض من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه و لعله الأقوي إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر علي البائع إلا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة و أما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم و إن ادعي انصراف الأخبار إلي غير هذه الصورة لكنه مشكل كدعوي شمولها و لو قلنا بارتفاع الضمان و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض- فالأقوي أيضا ابتناء المسألة علي ارتفاع الضمان و عدمه. و ربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات ثم يدعه عنده عدم كفاية التمكين و فيه نظر- و الأقوي عدم الخيار لعدم الضمان و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار أو كالقبض لدعوي انصرافها إلي صورة عدم قبض شي‌ء منه أو تبعيض الخيار بالنسبة إلي المقبوض و غيره استنادا مع تسليم الانصراف المذكور إلي تحقق الضرر بالنسبة إلي غير المقبوض لا غيره وجوه.

الشرط الثاني عدم قبض مجموع الثمن

و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوي و قبض البعض كلا قبض بظاهر الأخبار- المعتضد بفهم أبي بكر بن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة و فيه نظر و القبض بدون الإذن كعدمه- لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه بالإذن في بقاء البيع علي اللزوم مع أن ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه علي وجه يجوز له التصرف فيه باق.
نعم لو كان القبض بدون الإذن حقا كما إذا عرض المبيع علي المشتري فلم يقبضه فالظاهر عدم الخيار لعدم دخوله في منصرف الأخبار و عدم تضرر البائع بالتأخير و ربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الإذن في الشرط السابق أعني قبض المبيع نظرا إلي أنهم شرطوا في عناوين المسألة في طرف المبيع عدم إقباض المبيع إياه و في طرف الثمن عدم قبضه و فيه نظر لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع فيعبر في طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له و هو القبض في الأول و الإقباض في الثاني فتأمل. و لو أجاز المشتري قبض الثمن بناء علي اعتبار الإذن كانت في حكم الإذن و هل هي كاشفة أو مثبتة أقواهما الثاني و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين

لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر في مخالفة الأصل علي منصرف النص مع أنه في الجملة إجماعي.

الشرط الرابع أن يكون المبيع عينا أو شبهه

كصاع من صبرة- نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة في نقل مضمون روايات أصحابنا و ظاهره كونه مفتي به عندهم و صرح به في التحرير و المهذب البارع و غاية المرام و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة و قال في الغنية و روي أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع و قال أجيئك بالثمن و مضي فعلي البائع الصبر عليه ثلاثا ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن هذا إذا كان المبيع مما يصح بقائه فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار ثم ذكر أن تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري و بعده من مال البائع ثم قال و يدل علي ذلك كله إجماع الطائفة انتهي. و في معقد إجماع الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي لو باع شيئا معينا بثمن معين لكن في بعض نسخ الجواهر لو باع شيئا غير معين.
و قد أخذ عنه في مفتاح الكرامة و غيره و نسب إلي القاضي دعوي الإجماع علي غير المعين و أظن الغلط في تلك النسخة و الظاهر أن المراد بالثمن المعين في معقد إجماعهم هو المعلوم في مقابل المجهول لأن تشخص الثمن غير معتبر إجماعا و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم و من البعيد
المكاسب، ج‌3، ص 246
اختلاف عنوان ما نسبه في الخلاف إلي إجماع الفرقة و أخبارهم مع ما نسبه في المبسوط إلي روايات أصحابنا مع أنا نقول إن ظاهر المعين في معاقد الإجماعات التشخص العيني لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة إلي الثمن للإجماع علي عدم اعتبار التعيين فيه مع أنه فرق بين الثمن المعين و الشي‌ء المعين فإن الثاني ظاهر في الشخصي بخلاف الأول. و أما معقد إجماع التذكرة المتقدم في عنوان المسألة فهو مختص بالشخصي لأنه ذكر في معقد الإجماع أن المشتري لو جاء بالثمن في الثلاثة فهو أحق بالعين و لا يخفي أن العين ظاهر في الشخصي هذه حال معاقد الإجماعات. و أما حديث نفي الضرر فهو مختص بالشخصي لأنه المضمون علي البائع قبل القبض فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه و عدم وصول بدله إليه بخلاف الكلي. و أما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان علي لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع علي العين المعرضة للبيع و لا مناسبة في إطلاقه علي الكلي كما لا يخفي و رواية زرارة ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ المتاع و قوله يدعه عنده فلم يبق إلا قوله ع في رواية أبي بكر بن عياش: من اشتري شيئا فإن إطلاقه و إن شمل المعين و الكلي إلا أن الظاهر من لفظ الشي‌ء الموجود الخارجي- كما في قول القائل اشتريت شيئا و لو في ضمن أمور متعددة كصاع من صبرة و الكلي المبيع ليس موجودا خارجيا إذ ليس المراد من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج لأن المبيع قد يكون معدوما عند العقد و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتي يملكه بل هو أمر اعتباري يعامل في العرف و الشرع معه معاملة الأملاك و هذه المعاملة و إن اقتضت صحة إطلاق لفظ الشي‌ء عليه أو علي ما يعمه إلا أنه ليس بحيث لو أريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجي الشخصي احتيج إلي قرينة علي التقييد فهو نظير المجاز المشهور و المطلق المنصرف إلي بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق إلي القرينة- فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي بأصالة عدم القرينة فافهم. فقد ظهر مما ذكرنا أن ليس في أدلة المسألة- من النصوص و الإجماعات المنقولة و دليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي و ربما ينسب التعميم إلي ظاهر الأكثر- لعدم تقييدهم البيع بالشخصي. و فيه أن التأمل في عباراتهم مع الإنصاف يعطي الاختصاص بالمعين أو الشك في التعميم مع أنه معارض بعدم تصريح أحد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص إلا الشهيد في الدروس حيث قال إن الشيخ قدس سره قيد في المبسوط هذا الخيار بشراء المعين فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي الأصحاب لكنك عرفت أن الشيخ قدس سره قد أخذ هذا التقييد في مضمون روايات أصحابنا و كيف كان فالتأمل في أدلة المسألة و فتاوي الأصحاب يشرف الفقيه علي القطع باختصاص الحكم بالمعين

ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار

منها عدم الخيار لأحدهما أو لهما

. قال في التحرير و لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما. و في السرائر قيد الحكم في عنوان المسألة بقوله و لم يشترطا خيارا لهما أو لأحدهما و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط و يحتمل أن يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة في كلامه بغير الحيوان و هو المتاع- و كيف كان فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط- سواء أراد ما يعم خيار الحيوان أم خصوص خيار الشرط و سواء أريد مطلق الخيار و لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة أم أريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة سواء أحدث فيها أم بعدها و أوجه ما يقال في توجيه هذا القول مضافا إلي دعوي انصراف النصوص إلي غير هذا الفرض أن شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير و تأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع. و توضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في أحكام الخيار من أنه لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما في يده و له استرداد المدفوع قضية للخيار. و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهي. و حينئذ فوجه هذا الاشتراط أن ظاهر الأخبار كون عدم مجي‌ء المشتري بالثمن بغير حق التأخير و ذو الخيار له حق التأخير و ظاهرها أيضا كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم الإقباض. و الحاصل أن الخيار بمنزلة تأجيل أحد العوضين. و فيه بعد تسليم الحكم في الخيار و تسليم انصراف الأخبار إلي كون التأخير بغير حق أنه ينبغي علي هذا القول كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم علي ثبوته فيه كما يظهر من المختلف. و ذهب الصدوق إلي كون الخيار في الجارية بعد شهر إلا أن يراد بما في التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما فلا ينافي ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة. و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة أخري فيسقط معه هذا الخيار لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره و قد اندفع بغيره و لدلالة النص و الفتوي علي لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له قال و دعوي أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه الجهة مدفوعة بأن التأخير سبب للخيار و لا يتقيد الحكم بالسبب و بين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه مع أن اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان. و وجه ضعف هذا التفصيل أن ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة. و أما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير و لذا لا ينافي هذا الخيار خيار المجلس- .

و منها تعدد المتعاقدين

لأن النص مختص بصورة التعدد و لأن هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد إلا مع إسقاطه. و فيه أن المناط عدم الإقباض و القبض و لا إشكال في تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. و أما خيار المجلس فقد عرفت أنه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد
المكاسب، ج‌3، ص 247
و علي تقديره فيمكن إسقاطه أو اشتراط عدمه. نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الأولان أعني عدم الإقباض و القبض و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد.

و منها أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية

فإن المحكي عن الصدوق في المقنع أنه إذا اشتري جارية فقال أجيئك بالثمن فإن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له. و ظاهر المختلف نسبة الخلاف إلي الصدوق في مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين: عن رجل اشتري جارية فقال أجيئك بالثمن فقال إن جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر و إلا فلا بيع له و لا دلالة فيها علي صورة عدم إقباض الجارية و لا قرينة علي حملها عليها فيحتمل الحمل علي اشتراط المجي‌ء بالثمن إلي شهر في متن العقد فيثبت الخيار عند تخلف الشرط و يحتمل الحمل علي استحباب صبر البائع و عدم فسخه إلي شهر و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم فلا بد من حملها علي بعض الوجوه

ثم إن مبدء الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد

وجهان من ظهور قوله:
فإن جاء بالثمن بينه و بين ثلاثة أيام في كون مدة الغيبة ثلاثة و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة أيام كما هو ظاهر قوله ع في رواية ابن يقطين:
الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و إلا فلا بيع بينهما و هذا هو الأقوي.

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور

أحدها إسقاطه بعد الثلاثة
بلا إشكال و لا خلاف و في سقوطه بالإسقاط في الثلاثة وجهان من أن السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة و لذا صرح في التذكرة بعدم جواز إسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده مع أنه أولي بالجواز و من أن العقد سبب الخيار فيكفي وجوده في إسقاطه مضافا إلي فحوي جواز اشتراط سقوطه في ضمن العقد
الثاني اشتراط سقوطه في متن العقد
حكي عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و لعله لعموم أدلة الشروط و يشكل علي عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء علي أن السبب في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد فإن الشرط إنما يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع إسقاطه بدون شرط فإن كان إجماع علي السقوط بالشرط كما حكاه بعض قلنا به بل بصحة الإسقاط بعد العقد لفحواه و إلا فللنظر فيه مجال.
الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة
فإن المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذ و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا و هو حسن لو استند في الخيار إلي الأخبار و أما إذا استند فيه إلي الضرر [- 3- 487- 2] فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن فلا ضرر ليتدارك بالخيار و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير فالخيار لا يوجب تدارك ذلك و إنما يتدارك به الضرر المستقبل و دعوي أن حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار مدفوعة بأن الأحكام المترتبة علي نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي لا مجرد حدوث الضرر في زمان و لا يبعد دعوي انصراف الأخبار إلي صورة التضرر فعلا يقال بأن عدم حضور المشتري علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا و عدما و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.
الرابع أخذ [- 2- 55- 5] الثمن من المشتري بناء علي عدم سقوطه بالبذل
و إلا لم يحتج إلي الأخذ به و السقوط به لأنه التزام فعلي [- 3- 487- 6] بالبيع و رضا بلزومه و هل يشترط إفادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع أم لا يعتبر الظن أيضا وجوه من عدم تحقق موضوع الالتزام إلا بالعلم و من كون الفعل مع إفادة الظن أمارة عرفية علي الالتزام كالقول. و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضاء نوعيا بالعقد و هذا من أوضح أفراده. و قد بينا عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف علي الرضا و خير الوجوه أوسطها لكن الأقوي الأخير و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن المصرح به في التذكرة و غيرها العدم للأصل و عدم الدليل و يحتمل السقوط لدلالته علي الرضا بالبيع. و فيه أن سبب الخيار هو التضرر في المستقبل- لما عرفت من أن الخيار لا يتدارك به ما مضي من ضرر الصبر و مطالبة الثمن لا يدل علي التزام الضرر المستقبل حتي يكون التزاما بالبيع بل مطالبة الثمن إنما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن و نحوه مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتي يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار. و بالجملة فالمسقط لهذا الخيار ليس إلا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن أو التزامه بإسقاطه أو اشتراط سقوطه و ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل علي الرضا فإنما هو حيث يكون العقد سببا للخيار و لو من جهة التضرر بلزومه و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل مع أن سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر لعدم كونه تصرفا و الله العالم.

مسألة في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي

قولان و قد تقدم ما يصلح أن يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد و قد عرفت أن الأقوي الفور و يمكن أن يقال في خصوص [- 1- 130- 1] ما نحن فيه أن ظاهر قوله ع لا بيع له نفي البيع رأسا و إلا نسب بنفي الحقيقة بعد عدم إرادة نفي الصحة هو نفي لزومه رأسا بأن لا يعود لازما أبدا فتأمل. [- 3- 487- 13] ثم علي تقدير إهمال النص و عدم ظهوره في العموم يمكن التمسك بالاستصحاب هنا لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان فعوده يحتاج إلي دليل و ليس الشك هنا في موضوع المستصحب نظير ما تقدم في استصحاب الخيار لأن الموضوع مستفاد من النص فراجع و كيف كان فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة إما لظهور النص و إما للاستصحاب- .

مسألة لو تلف المبيع بعد الثلاثة- كان من البائع إجماعا مستفيضا

بل متواترا كما في الرياض و يدل عليه النبوي المشهور و إن كان في كتب روايات أصحابنا غير مسطور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و إطلاقه كمعاقد الإجماعات يعم ما لو تلف في حال الخيار أم تلف بعد بطلانه كما لو قلنا بكونه علي الفور فبطل بالتأخير أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال و قد يعارض النبوي بقاعدة
المكاسب، ج‌3، ص 248
الملازمة بين النماء و الدرك المستفادة من النص و الاستقراء و القاعدة المجمع عليها من أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لكن النبوي أخص من القاعدة الأولي فلا معارضة و القاعدة الثانية لا عموم فيها يشمل جميع أفراد الخيار و لا جميع أحوال البيع حتي قبل القبض بل التحقيق فيها كما سيجي‌ء إن شاء الله اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان مع كون التلف بعد القبض و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا. و عن الخلاف الإجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء منهم المفيد و السيدان مدعين عليه الإجماع و هو مع قاعدة ضمان المالك [- 5- 384- 1] لما له يصح حجة لهذا القول لكن الإجماع معارض بل موهون و القاعدة مخصصة بالنبوي المذكور المنجبر من حيث الصدور مضافا إلي رواية عقبة بن خالد: [- 3- 489- 4] في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله تعالي فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المال و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه- حتي يرد إليه حقه و لو مكنه من القبض [- 2- 57- 1] فلم يتسلم فضمان البائع مبني علي ارتفاع الضمان بذلك و هو الأقوي. قال الشيخ في النهاية إذا باع الإنسان شيئا و لم يقبض المتاع [- 3- 504- 9] و لا قبض الثمن و مضي المبتاع فإن العقد موقوف ثلاثة أيام فإن جاء المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له و إن مضت ثلاثة أيام كان البائع أولي بالمتاع فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام و لم يكن قبضه إياه كان من مال البائع دون المبتاع و إن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة ثلاثة أيام كان من مال المبتاع و إن هلك بعد الثلاثة أيام كان من مال البائع علي كل حال لأن الخيار له بعدها انتهي المحكي في المختلف. و قال بعد الحكاية و فيه نظر إذ مع القبض يلزم البيع انتهي. أقول كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين فتشمل ما بعد القبض و ما قبله خصوصا مع قوله علي كل حال لكن التعميم مع أنه خلاف الإجماع مناف لتعليل الحكم [- 2- 357- 5] بعد ذلك بقوله لأن الخيار له بعد ثلاثة أيام- فإن المعلوم أن الخيار إنما يكون له مع عدم القبض فيدل ذلك علي أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض

مسألة لو اشتري ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلا فلا بيع له

كما في مرسلة محمد بن أبي حمزة و المراد من نفي البيع نفي لزومه و يدل عليه قاعدة نفي الضرر فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن و من هنا يمكن تعدية الحكم إلي كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر و إن خرج عن مورد النص كما إذا كان المبيع مما يفسد في نصف يوم أو في يومين فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه ضررا علي البائع لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا لأن الموضوع فيه ما يفسد من يومه و الحكم فيه بثبوت الخيار من أول الليل فيكون الخيار في أول أزمنة الفساد و من المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي للبائع شيئا لكن المراد من اليوم اليوم و ليلة فالمعني أنه لا يبقي علي صفة الصلاح أزيد من يوم بليلة فيكون المفسد له المبيت لا مجرد دخول الليل فإذا فسخ البائع أول الليل أمكن له الانتفاع به و ببدله و لأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و أنه ثابت عند دخول الليل. و في معقد إجماع الغنية أن علي البائع الصبر يوما واحدا ثم هو بالخيار و في محكي الوسيلة أن خيار الفواكه للبائع فإذا مر علي المبيع يوم و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع. نعم عبارات جماعة من الأصحاب لا يخلو عن اختلال في التعبير- لكن الإجماع علي عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها إلي ما يوافق الدروس و أحسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه التي أسندها في الوسائل إلي رواية زرارة قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم إلي الليل فإن المراد بالعهدة عهدة البائع. و قال في النهاية و إذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها و لم يقبض المبتاع و لا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم و إلا فلا بيع له انتهي. و نحوها عبارة السرائر و الظاهر أن المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض و الإقباض مع بقاء البيع علي حاله من اللزوم و أما المتأخرون فظاهر أكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار و إن اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما و من عبر بأن الخيار إلي الليل و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد إلا متابعة عبارة الشيخ في النهاية لكنك عرفت أن المراد بالخيار فيه اختيار المشتري و أن له تأخير القبض و الإقباض و هذا الاستعمال في كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار فلا يحسن المتابعة هنا في التعبير و الأولي تعبير الدروس كما عرفت ثم الظاهر أن شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير لأنه فرد من أفراده كما هو صريح عنوان الغنية و غيرها فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط. نعم لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم بالبيع الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة و قد عرفت هناك أن التأمل في الأدلة و الفتاوي يشرف الفقيه علي القطع بالاختصاص أيضا و حكم الهلاك في اليوم هنا و فيما بعده حكم المبيع هناك في كونه من البائع في الحالين و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا كما صرح به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري ثم إن المراد بالفساد في النص و الفتوي ليس الفساد الحقيقي لأن موردهما هو الخضر و الفواكه و البقول و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الأمور بسبب الميت و لو لم يحدث في المبيع إلا فوات السوق ففي إلحاقه بتغير العين وجهان من كونه ضررا و من إمكان منع ذلك لكونه فوت نفع لا ضرر

السادس خيار الرؤية

اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع علي خلاف ما اشترطه فيه
المكاسب، ج‌3، ص 249
المتبايعان و يدل عليه قبل الإجماع المحقق و المستفيض حديث نفي الضرر و استدل عليه أيضا بأخبار منها صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلما أن نقد المال صار إلي الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله ع إنه لو قلب منها و نظر إلي تسع و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية و لا بد من حملها علي صورة يصح معها بيع الضيعة إما بوصف القطعة غير المرئية أو بدلالة ما رءاه منها علي ما لم يره. و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال ع لا يشتر شيئا حتي يعلم أين يخرج السهم فإن اشتري شيئا فهو بالخيار إذا خرج. قال في الحدائق و توضيح معني هذا الخبر- ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم تدخل دارا ثم يقوم رجل علي الباب فيعد واحد أو اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم يخرج السهم قال لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة الخبر. أقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه لأن المشتري لسهم القصاب إن اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية و إن اشتري سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين و هو باطل و علي الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع و يمكن حمله علي شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة- و يكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم ثم إن صحيحة جميل مختصة بالمشتري- و الظاهر الاتفاق علي أن هذا الخيار يثبت للبائع أيضا إذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره فتبين كونه زائدا علي ما وصف. و حكي عن بعض أنه يحتمل في صحيحة جميل أن يكون التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري و حينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما علي تقدير هذا الاحتمال و لا يخفي بعده و أبعد منه دعوي عموم الجواب و الله العالم.

مسألة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة

و المعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع- التي يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر إذ لولاها لكان غررا و عبر بعضهم عن هذه الأوصاف بما يختلف الثمن باختلافه كما في الوسيلة و جامع المقاصد و غيرهما و آخر بما يعتبر في صحة السلم و آخرون كالشيخين و الحلي اقتصروا علي اعتبار ذكر الصفة و الظاهر أن مرجع الجميع واحد و لذا ادعي الإجماع علي كل واحد منها. ففي موضع من التذكرة يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفي في السلم عندنا و عنه في موضع آخر من التذكرة أن شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع و يجب ذكر اللفظ الدال علي الجنس ثم ذكر أنه يجب ذكر اللفظ الدال علي التميز و ذلك بذكر جميع الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها انتهي و في جامع المقاصد ضابط ذلك أن كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره فلا بد من استقصاء أوصاف السلم انتهي. و ربما يتراءي التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه- و كفاية ذكر أوصاف السلم من جهة أنه قد يتسامح في السلم في ذكر بعض الأوصاف لإفضائه إلي عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء علي التحقيق و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه. قال في التذكرة في باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان بأوصافه المقصودة و إن تفاوت به الغرض و القيمة لإفضائه إلي عزة الوجود انتهي و قال في السلم في الأحجار المتخذة للبناء إنه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها فيقول ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثا أو أربعا علي سبيل التقريب دون التحقيق لتعذر التحقيق و يمكن أن يقال إن المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض أفراد السلم و إن كان يمكن أن يورد علي مسامحتهم هناك أن الاستقصاء في الأوصاف شرط في السلم غير مقيد بحال التمكن فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم بعدم اشتراطه كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط أوصافه و تمام الكلام في محله ثم إن الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها- غير محصورة خصوصا في العبيد و الإماء فإن مراتبهم الكمالية التي يختلف بها أثمانهم غير محصورة جدا و الاقتصار علي ما يرفع به معظم الغرر إحالة علي مجهول بل يوجب الاكتفاء علي ما دون صفات السلم لانتفاء الغرر عرفا بذلك مع أنا علمنا أن الغرر العرفي أخص من الشرعي- و كيف كان فالمسألة لا تخلو عن إشكال و أشكل من ذلك أن الظاهر أن الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة و علي هذا فيجب أن يعتبر في الرؤية أن يحصل بها الاطلاع علي جميع الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه. قال في التذكرة يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهي. و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة علي ما يعتبر في صحة السلم و بيع الغائب و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية علي جميع الصفات المعتبرة في السلم و بيع العين الغائبة فإنه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة علي سن الجارية بل و لا علي نوعها و لا غيرها من الأمور التي لا يعرفها إلا أهل المعرفة بها فضلا عن مرتبة كمالها الإنساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال و يبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلي نوعه أو صنفه أو شخصه بل هو بالنسبة إلي الأوصاف التي اعتبروها كالأعمي لا بد من مراجعته لبصير عارف و لا أجد في المسألة أوثق من أن يقال إن المعتبر هو الغرر العرفي في العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة فإن دل علي اعتبار أزيد من ذلك حجة معتبرة أخذ به و ليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الإجماع حجة مع استناده في ذلك إلي كونه غررا عرفا حيث قال في أول مسألة اشتراط العلم بالعوضين أنه أجمع علمائنا علي اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما
المكاسب، ج‌3، ص 250
ملك بإزاء ما بذل فينتفي الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم تتقدم رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة انتهي. و لا ريب أن المراد بمعرفة ما ملك معرفته علي وجه وسط بين طرفي الإجمال و التفصيل ثم إنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الأوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج و الغرر فيه أعظم و يمكن أن يقال إن أخذ الأوصاف في معني الاشتراط لا التقييد فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا و لا غرر فيه حينئذ عرفا. و قد صرح في النهاية و المسالك في مسألة ما لو رأي المبيع ثم تغير عما رءاه أن الرؤية بمنزلة الاشتراط و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا و يمكن أن يقال ببناء هذا البيع علي تصديق البائع أو غيره في إخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة كما يجوز الاعتماد عليه في الكيل و الوزن و لذا ذكروا أنه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما و كيف كان فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة و لا دليل شرعا أيضا علي المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات فيتعين الحكم بجوازه مضافا إلي الإجماع عليه ممن عدا بعض العامة ثم إن الخيار بين الرد و الإمساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب. و صريح السرائر تخييره بين الرد و الإمساك بالأرش و أنه لا يجبر علي أحدهما و يضعف بأنه لا دليل علي الأرش. نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش لكن بخيار العيب لا خيار رؤية المبيع علي خلاف ما وصفه إذ لو لا الوصف ثبت خيار العيب أيضا و سيجي‌ء عدم اشتراط ذكر الأوصاف الراجعة إلي وصف الصحة و أضعف من هذا ما ينسب إلي ظاهر المقنعة و النهاية و المراسم من بطلان البيع إذ أوجد علي خلاف ما وصف لكن الموجود في المقنعة و النهاية أنه لم يكن علي الوصف كان البيع مردودا و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد لا الباطل فعلا. و قد عبر في النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال و لا بأس بأن يبيع الإنسان متاعا بأكثر مما يسوي إذا كان المبتاع من أهل المعرفة فإن لم يكن كذلك كان البيع مردودا و علي تقدير وجود القول بالبطلان فلا يخفي ضعفه لعدم الدليل علي البطلان بعد انعقاده صحيحا عدا ما في مجمع البرهان- و حاصله وقوع العقد علي شي‌ء مغاير للموجود فالمعقود عليه غير موجود و الموجود غير معقود عليه و يضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا بأن يقال إن المبيع فاقد للأوصاف المأخوذة فيه لا إنه مغاير للموجود. نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل في حقيقة المبيع عرفا فالظاهر عدم الخلاف في البطلان و لو أخذ في عبارة العقد علي وجه الاشتراط كأن يقول بعتك ما في البيت علي أنه عبد حبشي فبان حمارا وحشيا إلا أن يقال إن الموجود و إن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا إلا أن اشتراط اتصافه بالأوصاف في معني كون القصد إلي بيعه بانيا علي تلك الأوصاف فإذا فقد ما بني عليه العقد فالمقصود غير حاصل فينبغي بطلان البيع و لذا التزم أكثر المتأخرين بفساد العقد بفساد شرطه فإن قصد الشرط إن كان مؤثرا في المعقود عليه فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد و إلا لم يوجب فساده فساد العقد بل غاية الأمر ثبوت الخيار و من هنا يظهر أن دفع ما ذكر في وجه البطلان الذي جعله المحقق الأردبيلي موافقا للقاعدة. و احتمله العلامة رحمه الله في النهاية فيما إذا ظهر ما رءاه سابقا علي خلاف ما رءاه بأنه اشتباه ناش عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات و الوصف المعين في الشخصيات و بين الوصف الذاتي و العرضي و أن أقصي ما هناك كونه من باب تعارض الإشارة و الوصف و الإشارة أقوي مجازفة لا محصل لها و أما كون الإشارة أقوي من الوصف عند التعارض فلو جري فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف فينبغي لزوم العقد و إثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتي يتقوم به و كونه عرضيا لا ذاتيا إعادة للكلام السابق و يمكن أن يقال إن المستفاد من النصوص و الإجماعات في الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع سواء علم القصد
إليها من الخارج أم اشترطت في العقد كالحكم بمضي العقد علي المعيب مع عدم القصد إلا إلي الصحيح و منه المصراة- و كالحكم في النص و الفتوي بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك و ما لم يملك و غير ذلك فتأمل و سيجي‌ء بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد إن شاء الله نعم هنا إشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل في الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار فإن الظاهر دخول الذكورة و الأنوثة في المماليك في حقيقة المبيع لا في مثل الغنم و كذا الرومي و الزنجي حقيقتان عرفا و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الأوصاف كما إذا باعه الدهن أو الجبن أو اللبن علي أنه من الغنم فبان من الجاموس و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر و يمكن إحالة اتحاد الجنس و مغايرته علي العرف و إن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الربا فتأمل.

مسألة الأكثر علي أن الخيار عند الرؤية فوري

بل نسب إلي ظاهر الأصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية و احتمل في نهاية الأحكام و لم أجد لهم دليلا صالحا علي ذلك إلا وجوب الاقتصار في مخالفة لزوم العقد علي المتيقن و يبقي علي القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين مع أن صحيحة جميل المتقدمة في صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها علي عدم الفورية و إن كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة إلي النص. و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب في إثبات
المكاسب، ج‌3، ص 251
التراخي و إن استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

مسألة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا

علي الوجه المتقدم في خيار الغبن و بإسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها و لو تصرف قبلها ففي سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك علي جواز إسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء علي أن التصرف إسقاط فعلي و في جواز إسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان علي أن الرؤية سبب أو كاشف. قال في التذكرة لو اختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم لتعلق الخيار بالرؤية انتهي. و حكي ذلك من غيرها أيضا و ظاهره أن الخيار يحدث بالرؤية لا أنه يظهر بها و لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا أمكن جواز الإسقاط بمجرد تحقق السبب و هو العقد و لا يخلو عن قوة و لو شرط سقوط هذا الخيار ففي فساده و إفساده للعقد كما عن العلامة و جماعة أو عدمهما كما عن النهاية و بعض- أو الفساد دون الإفساد وجوه بل أقوال من كونه موجبا لكون العقد غررا كما في جامع المقاصد من أن الوصف قام مقام الرؤية فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئي و لا موصوف و من أن دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتي يثبت بارتفاعه فإن الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا. و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فإن الغرر هو الإقدام علي شراء العين الغائبة علي أي صفة كانت و لو كان الالتزام المذكور مؤديا إلي الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه لأنه بمنزلة بيع الشي‌ء صحيحا أو معيبا بأي عيب كان و لا شك أنه غرر و إنما جاز بيع الشي‌ء غير مشروط بالصحة اعتمادا علي أصالة الصحة لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب في المبيع لأن تخالف أفراد الصحيح و المعيب أفحش من تخالف أفراد الصحيح و اقتصارهم في بيان الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة علي ما عدا الصفات الراجعة إلي العيب إنما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف بأصالة الصحة لا لجواز إهمالها عند البيع فحينئذ فإذا شرط البراءة من العيوب كان راجعا إلي عدم الاعتداد بوجود تلك الأوصاف و عدمها فيلزم الغرر خصوصا علي ما حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ و أتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض و الجوز الفاسدين كذلك حيث إن مرجعه علي ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار الرؤية إلي اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع و لذا اعترض عليهم الشهيد و أتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط لكن مقتضي اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة لأن مرجعه إلي عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا بأي عيب و الغرر فيه أفحش من البيع مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا بأي وصف كان ثم إنه يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في البيع حتي يلزم فساد البيع و لو علي القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد بل من جهة أنه إسقاط لما لم يتحقق بناء علي ما عرفت من أن الخيار إنما يتحقق بالرؤية فلا يجوز إسقاطه قبلها فاشتراط الإسقاط لغو و فساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد فيتعين المصير إلي ثالث الأقوال المتقدمة لكن الإنصاف ضعف وجه هذا القول و أقوي الأقوال أولها لأن دفع الغرر عن هذه المعاملة و إن لم يكن لثبوت الخيار لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر العرفي المتحقق في البيع إلا أنه لأجل سبب الخيار و هو اشتراط تلك الأوصاف المنحل إلي ارتباط الالتزام العقدي بوجود الصفات لأنها إما شروط للبيع و إما قيود للمبيع كما تقدم سابقا و اشتراط سقوط الخيار راجع إلي الالتزام بالعقد علي تقديري وجود تلك الصفات و عدمها و التنافي بين الأمرين واضح و أما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بأن نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع علي وجه الاشتراط أو التقييد و إنما اعتمد المشتري فيهما علي أصالة الصحة- لا علي تعهد البائع لانتفائها حتي ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها بخلاف الصفات فيما نحن فيه فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع و المشتري يعتمد علي هذا التعهد فاشتراط البائع علي المشتري عدم تعهده لها و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك نعم لو شاهده المشتري و اشتراه معتمدا علي أصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ لو ظهرت المخالفة كان نظير اشتراط البراءة من العيوب كما أنه لو أخبر بكيله أو وزنه فصدقه المشتري فاشترط عدم الخيار لو ظهر النقص كان مثل ما نحن فيه كما يظهر
من التحرير في بعض فروع الأخبار بالكيل و الضابط في ذلك أن كل وصف تعهده البائع و كان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده و كل وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر علي أمارة أخري جاز اشتراط سقوط خيار فقده كالأصل أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك. و مما ذكرنا وجه فرق الشهيد و غيره في المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة و بين اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته و فساده و ظهر أيضا أنه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في العقد في المبيع فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقدها لأن رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها و كذا لو اطمأن بوجودها و لم يتيقن. و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه هذا مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار علي تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع خرج اشتراط التبري من العيوب بالنص و الإجماع لأن قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص كما أشرنا إليه سابقا. و ظهر أيضا ضعف ما يقال من أن الأقوي في محل الكلام الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول و لو أن الغرر ثابت في البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار و إلا لصلح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار و هو معلوم العدم و إقدامه علي الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال الغرر عليه من قبل نفسه انتهي. توضيح الضعف أن المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار و هو التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار
المكاسب، ج‌3، ص 252
و أما كون الإقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري و المسألة موضع إشكال.

مسألة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بإبدال العين

لأن العقد إنما وقع علي الشخصي فتملك غيره يحتاج إلي معاوضة جديدة و لو شرط في متن العقد الإبدال لو ظهر علي خلاف الوصف ففي الدروس أن الأقرب الفساد و لعله لأن البدل المستحق عليه بمقتضي الشرط إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلي معاوضة جديدة علي تقدير ظهور المخالفة بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة و ينعقد بيع آخر فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر كل منهما معلق علي المخالفة و من المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك و إن كان بإزاء المبيع الذي ظهر علي خلاف الوصف فمرجعه أيضا إلي انعقاد معاوضة تعليقية غررية لأن المفروض جهالة المبدل. و علي أي تقدير فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور فيفسد و يفسد العقد و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد رحمه الله حيث قال بعد نقل عبارة الدروس و حكمه بالفساد ما لفظه ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر علي الوصف أولا و فيه أنه لا موجب للفساد مع ظهوره علي الوصف المشروط و مجرد شرط البائع الإبدال مع عدم الظهور علي الوصف لا يصلح سببا للفساد لعموم الأخبار المتقدمة. نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من حيث المخالفة و لا يجبره هذا الشرط لإطلاق الأخبار و الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلي الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور و عدمه. و بالجملة فإني لا أعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة علي الإطلاق وجها يحمل عليه انتهي.

مسألة الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع علي عين شخصية موصوفة

كالصلح و الإجارة لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة فإما أن يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الأردبيلي في بطلان بيع العين الغائبة و إما أن يحكم بلزومه من دون خيار و الأول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في المعقود عليه و الثاني فاسد من جهة أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد و حرمة النقض و معلوم أن عدم الالتزام بترتب آثار العقد علي العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد بل قد تقدم عن بعض أن ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتي يجوز بل هو تصرف لم يدل عليه العقد فيبطل. و الحاصل أن الأمر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار و الأول مناف لطريقة الأصحاب في غير باب فتعين الثاني.

مسألة لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة و قال المشتري قد اختلف

ففي التذكرة قدم قول المشتري- لأصالة براءة ذمته من الثمن فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة و رده في المختلف في نظير المسألة بأن إقراره بالشراء إقرار بالاشتغال بالثمن و يمكن أن يكون مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه إلي البائع بناء علي ما ذكره في أحكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن و لا المثمن في مدة الخيار و إن تسلم الآخر و كيف كان فيمكن أن يخدش بأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته بالثمن سواء اختلف صفة المبيع أم لم يختلف غاية الأمر سلطنته علي الفسخ لو ثبت أن البائع التزم علي نفسه اتصاف البيع بأوصاف مفقودة كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا و حيث لم يثبت ذلك فالأصل عدمه فيبقي الاشتغال لازما غير قابل للإزالة بفسخ العقد هذا و يمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع و إن كان في معني الاشتراط إلا أنه بعنوان التقييد فمرجع الاختلاف إلي الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة أو تعلقه بعين لو حظ فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها و اللزوم من أحكام البيع المتعلق بالعين علي الوجه الثاني و الأصل عدمه و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغيير ما شاهداه قبل البيع

مسألة لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي أن ينسج الباقي كالأول بطل

كما عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد قدس سرهما و العلامة في كتبه و جامع المقاصد و استدل عليه في التذكرة و جامع المقاصد بأن بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.
و عن المختلف صحته- و لا يحضرني الآن حتي أتأمل في دليله و الذي ذكر للمنع و لا ينهض مانعا فالذي يقوي في النظر أنه إذا باع البعض المنسوج المنضم إلي غزل معين علي أن ينسجه علي ذلك المنوال فلا مانع منه و كذا إذا ضم معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف علي أن ينسجه كذلك إذ لا مانع من ضم الكلي إلي الشخصي و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة و الصبغ و كذا إذا باعه أذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال و لو لم ينسجه في الصورتين الأوليين علي ذلك المنوال ثبت الخيار لتخلف الشرط- و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول و بقي علي مال البائع و كان للمشتري الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و الله العالم

السابع خيار العيب

اشارة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب و إنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا علي أصالة السلامة و إلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة و هي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الأغراض و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة علي اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة فليس ذلك إلا من حيث الاعتماد في وجودها علي الأصل فإن من يشتري عبدا لا يعلم أنه صحيح سوي أم فالج مقعد لا يعتمد في صحته إلا علي أصالة السلامة كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا علي بقائه علي ما شاهده فلا يحتاج إلي ذكر تلك الصفات في العقد و كما يعتمد علي إخبار البائع بالوزن. قال في التذكرة الأصل في المبيع من الأعيان و الأشخاص- السلامة من العيوب و الصحة فإذا أقدم المشتري علي
المكاسب، ج‌3، ص 253
بذل ماله في مقابلة تلك العين فإنما بني إقدامه علي غالب ظنه المستند إلي أصالة السلامة انتهي. و قال في موضع آخر إطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة علي ما مر من القضاء العرفي يقتضي أن المشتري إنما بذل ماله بناء علي أصالة السلامة فكأنها مشترطة في نفس العقد انتهي. و مما ذكرنا يظهر أن الانصراف ليس من باب انصراف المطلق إلي الفرد الصحيح ليرد عليه أولا منع الانصراف و لذا لا يجري في الأيمان و النذور. و ثانيا عدم جريانه فيما نحن فيه لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئي حقيقي خارجي. و ثالثا بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا علي المعيب فلا معني لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتي يثبت التخيير بينهما و دفع جميع هذا بأن وصف الصحة قد أخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية و إنما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في وجودها علي الأصل كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود أصلها و صفاتها علي الأصل. و لقد أجاد في الكفاية حيث قال إن المعروف بين الأصحاب أن إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة و لو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف إلي الصحيح من جهة ظاهر الإقدام أيضا و يحتمل كونه من جهة الإطلاق- المنصرف إلي الصحيح في مقام الاشتراء و إن لم ينصرف إليه في غير هذا المقام فتأمل ثم إن المصرح به في كلمات جماعة أن اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد لأنه تصريح بما يكون الإطلاق منزلا عليه. و إنما ترك لاعتماد المشتري علي أصالة السلامة فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط خيار آخر غير خيار العيب كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا فإنه لا يزيد علي ما إذا ترك الاشتراط و اعتمد علي إخبار البائع بالكيل أو اشترط بقاء الشي‌ء علي الصفة السابقة المرئية فإنه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا علي أصالة بقائها. و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة أم لم يشترط. و يؤيده ما ورد من رواية يونس: في رجل اشتري جارية علي أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة فإن اقتصاره ع علي أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل علي أن الخيار خيار العيب و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطء أو مقدماته و منه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك- من ثبوت خيار الاشتراط هنا فلا يسقط الرد بالتصرف و دعوي عدم دلالة الرواية علي التصرف أو عدم دلالته علي اشتراط البكارة في متن العقد كما تري.

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش

مسألة ظهور العيب في المبيع- يوجب تسلط المشتري علي الرد و أخذ الأرش
بلا خلاف و يدل علي الرد الأخبار المستفيضة الآتية و أما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل علي التخيير بينه و بين الرد بل ما دل علي الأرش يختص بصورة التصرف المانع من الرد فيجوز أن يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر. نعم في الفقه الرضوي فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب و ظاهره كما في الحدائق التخيير بين الرد و أخذه بتمام الثمن و أخذ الأرش و يحتمل زيادة الهمزة في لفظة أو و يكون واو العطف فيدل علي التخيير بين الرد و الأرش و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار و هو صعب جدا و أصعب منه جعله مقتضي القاعدة- بناء علي أن الصحة و إن كانت وصفا فهي بمنزلة الجزء فيتدارك فائتة باسترداد ما قابله من الثمن و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله علي ما صرح به العلامة و غيره ثم منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي علي وجه الشرطية كما في بيع الأرض علي أنها جريان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل. و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الإجماع علي التخيير بين الرد و الأرش. نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أن أخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية و بعض مواضع المبسوط ينافيه إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش فافهم ثم إن في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه ما تقدم في خيار الغبن. و قد عرفت أن الأظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا و إن كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع علي خلاف ما اشترط. و قد صرح العلامة بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية قبلها معللا بأن الخيار إنما يثبت بالرؤية لكن المتفق عليه هنا نصا و فتوي جواز التبري و إسقاط خيار العيب. و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب أن استحقاق المطالبة بالأرش الذي هو أحد طرفي الخيار لا معني لثبوته بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا إلي أن الظاهر من بعض أخبار المسألة أن السبب هو نفس العيب لكنها لا تدل علي العلية التامة فلعل الظهور شرط و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم من أحكام هذا الخيار إلي دليله و أنه يفيد ثبوته بمجرد العيب أو بظهوره و المرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين هي القواعد فافهم ثم إنه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن كما صرح به العلامة و غيره هنا و في باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي الصرف معيبا و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه و إن كان مورد الأخبار ظهور العيب في المبيع لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا فيكثر فيه العيب بخلاف النقد

القول في مسقطات هذا الخيار بطرفيه أو أحدهما

مسألة يسقط الرد خاصة بأمور

أحدها التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرد و اختيار الأرش

المكاسب، ج‌3، ص 254
و لو أطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الأرش و لو أسقط الخيار فلا يبعد سقوطه.

الثاني التصرف في المعيب

عند علمائنا كما في التذكرة و في السرائر الإجماع علي أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف منهم و نحوه المسالك و سيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي و الشيخين و ابن زهرة و ظاهر المحقق بل المحقق الثاني و استدل عليه في التذكرة أيضا تبعا للغنية بأن تصرفه فيه رضاء منه به علي الإطلاق و لو لا ذلك كان ينبغي له الصبر و الثبات حتي يعلم حال صحته و عدمها و بقول أبي جعفر ع في الصحيح: أيما رجل اشتري شيئا و به عيب أو عوار و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.
و يدل عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال إن كان الثوب قائما بعينه رده علي صاحبه و أخذ الثمن و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب هذا و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتي مثل قول المشتري للعبد المشتري ناولني الثوب أو أغلق الباب علي ما صرح به العلامة في التذكرة في غاية الإشكال لإطلاق قوله ع: إن كان الثوب قائما بعينه رده المعتضد بإطلاق الأخبار في الرد خصوصا ما ورد في رد الجارية- بعد ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري و رد المملوك في أحداث السنة و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل أغلق الباب و نحوه و عدم ما يصلح للتقييد مما استدل به للسقوط فإن مطلق التصرف لا يدل علي الرضا خصوصا مع الجهل بالعيب. و أما المرسلة فقد عرفت إطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد بل وطء الجارية لو لا النص المسقط للخيار به. و أما الصحيحة فلا يعلم المراد من إحداث شي‌ء في المبيع لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه مما مر من الأمثلة فلا تدل علي أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة من أن العبرة بتغير العين و عدم قيامها بعينها اللهم إلا أن يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان من النص الدال علي أن المراد بإحداث الحدث في المبيع هو أن ينظر إلي ما حرم النظر إليه قبل الشراء فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل علي سقوط الخيار هنا بكل تصرف فيكون ذلك النص دليلا علي المراد بالحدث هنا و هذا حسن لكن إقامة البينة علي اتحاد معني الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف علي ظهور الحدث في هذا المعني مشكلة ثم إنه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرف فلا دليل علي كونه من حيث الرضا بالعقد فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه و إن كان النص في خيار الحيوان دالا علي ذلك بقرينة التعليل المذكور فيه علي الوجوه المتقدمة هناك في المراد من التعليل لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا يدل علي سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا بل عرفت من التذكرة و الغنية أن علة السقوط دلالة التصرف نوعا علي الرضا و نحوه في الدلالة علي كون السقوط بالتصرف من حيث دلالته علي الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه. قال في المقنعة فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتي أحدث فيه حدثا لم يكن له الرد و كان له أرش العيب خاصة و كذلك حكمه إذا أحدث فيه حدثا بعد العلم و لا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه انتهي. فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث علي الرضا بالعيب ظاهر خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره في أن سقوط الرد بالحدث لدلالته علي الرضا بأصل البيع و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت و قال في المبسوط إذا كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا كان له ردها فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و أخذ لبنها و إن نتجت كان له نتاجها كل هذا لأنه ملكه و له فيه فائدته و عليه مئونته و الرد لا يسقط لأنه إنما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي‌ء من ذلك انتهي و قال في الغنية و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب انتهي و في السرائر قال في حكم من ظهر علي عيب فيما اشتراه و لا يجبر علي أحد الأمرين يعني الرد و الأرش قال هذا إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة أو ينقص قيمته بالتصرف انتهي و في الوسيلة و يسقط الرد بأحد ثلاثة أشياء بالرضا و بترك الرد بعد العلم به إذا عرف أن له الرد و بحدوث عيب آخر عنده انتهي و هي بعينها كعبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في أن التصرف ليس بنفسه مسقطا إلا إذا دل علي الرضا. و قال في التذكرة لو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بإمساكها و لو حلبها في طريق الرد فالأقوي أنه تصرف يؤذن بالرضا بها. و قال بعض الشافعية لا يكون رضاء بإمساكه لأن اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد انتهي. و في جامع المقاصد و المسالك في
رد ابن حمزة القائل بأن التصرف بعد العلم يسقط الأرش أيضا- أن التصرف لا يدل علي إسقاط الأرش. نعم يدل علي الالتزام بالعقد. و في التحرير لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه بما يدل علي الرضا قبل علمه بالعيب و بعده سقط الرد انتهي. و قد ظهر من جميع ذلك أن التصرف من حيث هو ليس مسقطا و إنما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا فكل تصرف يدل علي ذلك عادة فهو مسقط و ما ليس كذلك فلا دليل علي الإسقاط به كما لو وقع نسيانا أو للاختبار و مقتضي ذلك أنه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم يسقط خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه و حصل بقصد الاختبار إلا أن المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب أو بعده- و الذي ينبغي أن يقال و إن كان ظاهر المشهور خلافه- إن التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه علي الرضا كدلالة اللفظ علي معناه لا مطلق التصرف و الدليل علي
المكاسب، ج‌3، ص 255
إسقاطه مضافا إلي أنه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل علي اعتبار الالتزام إذا دل عليه باللفظ ما تقدم في خيار الحيوان من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضاء بالبيع و لذا تعدينا إلي خيار المجلس و الشرط و حكمنا بسقوطهما بالتصرف فكذلك خيار العيب و أما التصرف قبل العلم بالعيب فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي‌ء بعينه فهو مسقط أيضا لمرسلة جميل المتقدمة و يلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو إجازة أو شبه ذلك. و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار علي ذلك حيث قال في أول المسألة و يسقط الرد بإحداثه فيه حدثا كالعتق و قطع الثوب سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده. و في مسألة رد المملوك من أحداث السنة فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش انتهي. و هو الظاهر من المحكي عن الإسكافي حيث قال فإن وجد بالسلعة عيبا و قد أحدث فيه ما لا يمكن معه ردها إلي ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة و القطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه كان له فضل ما بين الصحة و العيب انتهي. و هذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرف قبل العلم و أما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك فلا دليل علي السقوط به بحيث يطمئن به النفس. و أقصي ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس و قيام النص و الإجماع علي سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم مع عدم دلالته علي الالتزام بالبيع و عدم تغييره للعين و إطلاق معقد الإجماع المدعي في كثير من العبائر كالتذكرة و السرائر و الغنية و غيرها و في نهوض ذلك كله لتقييد إطلاق أخبار الرد خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد كالنص برد الجارية بعد ستة أشهر و رد الجارية إذا لم يطأها و رد المملوك من أحداث السنة نظر بل منع خصوصا معاقد الإجماع فإن نقله الإجماع كالعلامة و الحلي و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد فكان دعوي الإجماع وقعت من هؤلاء علي السقوط بما يدل علي الرضا من التصرف خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث إنه اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل و المغير و غيره حيث قال قدس سره و خامسها يعني مسقطات الرد التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملكه أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب فإنه يمنع من الرد لشي‌ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالأرش لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب و كذا حكمه إن كان قبل العلم بالعيب و كان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان فيه كالقطع للثوب و إن لم يكن كذلك فله الرد بالعيب إذا علمه ما لم يكن وطء الجارية فإنه يمنع من ردها لشي‌ء من العيوب إلا الحبل انتهي كلامه. و قد أجاد قدس سره فيما استفاده من الأدلة و حكي عن المبسوط أيضا أن التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار لكن صرح بأن الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد فإطلاق التصرف قبل العلم محمول علي غير المغير و ظاهر المقنعة و المبسوط أنه إذا وجد العيب بعد عتق العبد و الأمة لم يكن له ردهما و إذا وجده بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيرا بين الرد و أخذ أرش العيب و فرقا بينهما و بين العتق بجواز الرجوع فيهما دون العتق و يرده مع أن مثلهما تصرف يؤذن بالرضا مرسلة جميل فإن العين مع الهبة و التدبير غير قائمة و جواز الرجوع و عدمه لا دخل له في ذلك و لذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار مع أنه لم يقل أحد من الأمة بجواز الرد حينئذ. و قال بعد ما ذكر إن الذي يقتضيه أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في المبيع أنه لا يجوز له رده و لا خلاف في أن الهبة و التدبير تصرف. و بالجملة فتعميم الأكثر لأفراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله مشكل و العجب من المحقق الثاني أنه تنظر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.

الثالث تلف العين أو صيرورته كالتالف

فإنه يسقط الخيار هنا بخلاف الخيارات المتقدمة غير الساقطة بتلف العين و المستند فيه بعد ظهور الإجماع إناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه فلو تلف أو انتقل إلي ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد علي المشتري فلا رد. و مما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق العبد علي المشتري مسقط برأسه كما في الدروس لا يخلو عن شي‌ء. نعم ذكر أنه يمكن إرجاع هذا الوجه إلي التصرف و هو أيضا لا يخلو عن شي‌ء و الأولي ما ذكرناه ثم إنه لو عاد الملك إلي المشتري لم يجز رده للأصل- خلافا للشيخ بل المفيد قدس سرهما. فرع لا خلاف نصا و فتوي- في أن وطء الجارية يمنع عن ردها بالعيب سواء قلنا بأن مطلق التصرف مانع أم قلنا باختصاصه بالتصرف الموجب لعدم كون الشي‌ء قائما بعينه غاية الأمر كون الوطي علي هذا القول مستثني عن التصرف غير المغير للعين كما عرفت من عبارة الغنية مع أن العلامة علل المنع في موضع من التذكرة بأن الوطي جناية و لهذا يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك. و قد تقدم في كلام الإسكافي أيضا أن الوطي مما لا يمكن معه رد المبيع إلي ما كان عليه قبله و يشير إليه ما سيجي‌ء في غير واحد من الروايات من قوله معاذ الله أن يجعل لها أجرا فإن فيه إشارة إلي أنه لو ردها لا بد أن يرد معها شيئا تداركا للجناية- إذ لو كان الوطي مجرد استيفاء منفعة- لم يتوقف ردها إلي رد عوض المنفعة فإطلاق الأجر عليه في الرواية علي طبق ما يتراءي في نظر العرف من كون هذه الغرامة كأنها أجرة للوطء و حاصل معناه أنه إذا حكمت بالرد مع أرش جنايتها كان ذلك في الأنظار بمنزلة الأجرة و هي ممنوعة شرعا لأن إجارة الفروج غير جائزة و هذا إنما وقع من أمير المؤمنين ع مبنيا علي تقرير رعيته علي ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع فلا يقال إن المتعة مشروعة و قد ورد أن المنقطعات مستأجرات فلا وجه للاستعاذة بالله من جعل الأجرة للفروج هذا ما يخطر عاجلا بالبال في معني هذه الفقرة و الله العالم و كيف كان ففي النصوص المستفيضة
المكاسب، ج‌3، ص 256
الواردة في المسألة كفاية ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: في رجل اشتري جارية فوقع عليها قال إن وجد فيها عيبا فليس له أن يردها و لكن يرد عليه بقدر ما نقصها العيب قلت هذا قول أمير المؤمنين ع قال نعم و صحيحة ابن مسلم عن أحدهما ع: أنه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها فيجد بها عيبا بعد ذلك قال لا يردها علي صاحبها و لكن يقوم ما بين العيب و الصحة و يرد علي المبتاع معاذ الله أن يجعل لها أجرا و رواية ميسر عن أبي عبد الله ع قال: كان علي لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب و كان يقول معاذ الله أجعل لها أجرا الخبر و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في رجل اشتري جارية فوطئها ثم رأي فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع علي المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء و ما عن حماد في الصحيح عن أبي عبد الله ع يقول قال علي بن الحسين ع: كان القضاء الأول في الرجل إذا اشتري أمة فوطئها ثم ظهر علي عيب أن البيع لازم و له أرش العيب إلي غير ذلك مما سيجي‌ء ثم إن المشهور استثنوا عن عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب الحمل فإنه عيب إجماعا كما في المسالك إلا أن الوطي لا يمنع من الرد به بل يردها و يرد معها العشر أو نصف العشر علي المشهور بينهم و استندوا في ذلك إلي نصوص مستفيضة- منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله ع: عن رجل اشتري جارية حبلي و لم يعلم بحبلها فوطئها قال يردها علي الذي ابتاعها منه و يرد عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها و قد قال علي ع: لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع قال: لا ترد التي ليست بحبلي إذا وطئها صاحبها و له أرش العيب و ترد الحبلي و يرد معها نصف عشر قيمتها و زاد في الكافي قال و في رواية أخري: إن كانت بكرا فعشر قيمتها و إن كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها و مرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار: قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل باع جارية حبلي و هو لا يعلم فينكحها الذي اشتري قال يردها و يرد نصف عشر قيمتها و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلي قال ترد و يرد معها شيئا و صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر ع: في الرجل يشتري الجارية الحبلي فينكحها قال يرد و يكسوها و رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الجارية و هي حبلي فيطأها قال يردها و يرد عشر قيمتها هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات و قد عمل بها المشهور بل ادعي علي ظاهرها الإجماع في الغنية كما عن الانتصار و عدم الخلاف في السرائر خلافا للمحكي عن الإسكافي فحكم بالرد مع كون الحمل من المولي لبطلان بيع أم الولد حيث قال فإن وجد في السلعة عيبا كان عند البائع و قد أحدث المشتري في السلعة ما لا يمكن ردها إلي ما كانت عليه قبله كالوطئ للأمة أو القطع للثوب أو تلف السلعة بموت أو غيره كان للمشتري فضل ما بين الصحة و العيب دون ردها فإن كان العيب ظهور حمل من البائع و قد وطئها المشتري من غير علم بذلك كان عليه ردها و نصف عشر قيمتها انتهي. و اختاره في المختلف و هو ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال فإن وجد بها عيبا بعد أن وطئها لم يكن له ردها و كان له أرش العيب خاصة اللهم إلا أن يكون العيب من حبل فيلزمه ردها علي كل حال وطئها أم لم يطأها و يرد معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها انتهي. و يمكن استفادة هذا من إطلاق المبسوط القول بمنع الوطي من الرد فإن من البعيد عدم استثناء وطء الحامل و عدم تعرضه لحكمه مع اشتهار المسألة في الروايات و ألسنة القدماء. و قال في الوسيلة إذا وطئ الأمة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردها إلا إذا كان العيب حملا و كان حرا فإنه وجب عليه ردها و يرد معها نصف عشر قيمتها و إن كان الحمل مملوكا
لم يجب ذلك انتهي. و ظاهر الرياض أيضا اختيار هذا القول. و الإنصاف أن ظاهر الأخبار المتقدمة في بادئ النظر و إن كان ما ذكره المشهور إلا أن العمل علي هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه أخر أحدها من حيث مخالفة ظهورها في وجوب رد الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولي حتي تكون الجملة الخبرية واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد الوطي إذ لو بقي الحمل علي إطلاقه لم يستقم دعوي وقوع الجملة الخبرية في مقام دفع توهم الحظر إذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل حتي أم الولد فلا بد إما من التقييد أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية. الثاني مخالفة لزوم العقر علي المشتري لقاعدة عدم العقر في وطء الملك أو قاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه لا من أصله. الثالث مخالفته لما دل علي كون التصرف عموما و الوطي بالخصوص مانعا من الرد. أن الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة رجل باع جارية حبلي و هو لا يعلم وقوع السؤال عن بيع أم الولد و إلا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة و يشير إليه ما في بعض الروايات المتقدمة- من قوله ع يكسوها فإن في ذلك إشارة إلي تشبثها بالحرية للاستيلاد فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر و لم يصرح بالعقر الذي هو جزء من القيمة. الخامس ظهور هذه الأخبار في كون الرد بعد تصرف المشتري في الجارية بغير الوطي من نحو اسقني ماءا أو أغلق الباب و غيرهما مما قل أن تنفك عنه الجارية و تقييدها بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بالفرض النادر و إنما دعي إلي هذا التقييد في غير هذه الأخبار مما دل علي رد الجارية بعد مدة طويلة الدليل الدال علي اللزوم بالتصرف لكن لا داعي هنا لهذا التقييد إذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولي لتسلم الأخبار عن جميع ذلك. و غاية الأمر تعارض هذه الأخبار مع ما دل علي منع الوطي عن الرد بالعموم من وجه فيبقي ما عدا الوجه الثالث- مرجحا لتقييد هذه الأخبار و لو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم و بين إطلاق الحمل في هذه الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولي وجب الرجوع إلي عموم ما دل علي أن إحداث الحدث مسقط- لكونه رضاء بالبيع و يمكن الرجوع إلي ما دل علي جواز الرد مع قيام
المكاسب، ج‌3، ص 257
العين. نعم لو خدش في عموم ما دل علي المنع من الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع إلي أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطي لكن يبقي لزوم العقر مما لا دليل عليه إلا الإجماع المركب و عدم الفصل بين الرد و العقر فافهم. ثم إن المحكي عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب رد نصف العشر بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه إلا أن يدعي انصراف إطلاق الفتاوي و مقعد الإجماع كالنصوص إلي الغالب من كون الحامل ثيبا فلا يشمل فرض حمل البكر بالسحق أو بوطء الدبر و لذا ادعي عدم الخلاف في السرائر- علي اختصاص نصف العشر بالثيب و ثبوت العشر في البكر بل معقد إجماع الغنية بعد التأمل موافق للسرائر أيضا حيث ذكر في الحامل أنه يرد معها نصف عشر قيمتها علي ما مضي بدليل إجماع الطائفة و مراده بما مضي كما يظهر لمن راجع كلامه ما ذكره سابقا مدعيا عليه الإجماع من أنه إذا وطئ المشتري في مدة خيار البائع ففسخ يرد معها العشر إن كانت بكرا و نصف العشر إن كانت ثيبا و أما الانتصار فلا يحضرني حتي أراجعه و قد عرفت إمكان تنزيل الجميع علي الغالب و حينئذ فيكون مرسلة الكافي المتقدمة بعد انجبارها بما عرفت من السرائر و الغنية دليلا علي التفصيل في المسألة. كما اختاره جماعة من المتأخرين مضافا إلي ورود العشر في بعض الروايات المتقدمة المحمولة علي البكر إلا أنه بعيد و لذا نسبه الشيخ إلي سهو الراوي في إسقاط لفظ النصف. و في الدروس أن الصدوق ذكرها بلفظ النصف و أما ما تقدم مما دل علي أنه يرد معها شيئا فهو بإطلاقه خلاف الإجماع فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت أصل العقر لا مقداره و أما ما دل علي أنه يكسوها فقد حمل علي كسوة تساوي العشر أو نصفه و لا بأس به في مقام الجمع ثم إن مقتضي الإطلاق جواز الرد و لو مع الوطي في الدبر- و يمكن دعوي انصرافه إلي غيره- فيقتصر في مخالفة العمومات علي منصرف اللفظ و في لحوق التقبيل و اللمس بالوطء وجهان من الخروج عن مورد النص و من الأولوية و لو انضم إلي الحمل عيب آخر فقد استشكل في سقوط الرد بالوطء من صدق كونها معيبة بالحمل و كونها معيبة بغيره. و فيه أن كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك العيب في الرد مع التصرف لا نفي تأثير عيب الحمل ثم إن صريح بعض النصوص و الفتاوي و ظاهر باقيها اختصاص الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب فلو وطئ عالما به سقط الرد لكن إطلاق كثير من الروايات يشمل العالم.

الرابع من المسقطات حدوث عيب عند المشتري

اشارة

و تفصيل ذلك أنه إذا حدث العيب بعد العقد علي المعيب فإما أن يحدث قبل القبض و إما أن يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع أعني خيار المجلس و الحيوان و الشرط- و إما أن يحدث بعد مضي الخيار و المراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير. و أما الأول فلا خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع الرد بل في أنه هو كالموجود قبل العقد حتي في ثبوت الأرش فيه علي الخلاف الآتي في أحكام القبض و أما الحادث في زمن الخيار فكذلك لا خلاف في أنه غير مانع عن الرد بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الأرش علي الخلاف الآتي فيما قبل القبض بناء علي اتحاد المسألتين كما يظهر من بعض و يدل علي ذلك ما يأتي من أن الحدث في زمان الخيار مضمون علي البائع و من ماله و معناه ضمانه علي الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل قبل العقد إلا أن المحكي عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب أن تأثير العيب الحادث في زمن الخيار و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم إنما هو ما دام الخيار فإذا انقضي الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون علي المشتري قال في الدروس لو حدث في المبيع عيب غير مضمون علي المشتري لم يمنع من الرد قبل القبض أو في مدة خيار المشتري المشترط أو بالأصل فله الرد ما دام الخيار فإن خرج الخيار ففي الرد خلاف- بين ابن نما و تلميذه المحقق قدس سرهما فجوزه ابن نما لأنه من ضمان البائع و منعه المحقق قدس سره لأن الرد لمكان الخيار و قد زال و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد انتهي. لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني و هو حدوث العيب في مبيع صحيح و لعل الفرع الأول مترتب عليه لأن العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا علي البائع حتي يكون سببا للخيار غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة كان مانعا عن الرد بالعيب السابق إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون علي المشتري فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار لا بالعيب السابق فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث و لذا ذكر في اللمعة أن هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع من أن العيب الحادث في الحيوان مضمون علي البائع مع حكمه بعدم الأرش ثم إنه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه و يضعف كلاهما بأن الظاهر تعدد الخيار و فيه أن قول ابن نما رحمه الله لا يأبي عن التعدد كما لا يخفي. و أما الثالث أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض و الخيار فالمشهور أنه مانع عن الرد بالعيب السابق بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام و في ظاهر الغنية الإجماع عليه- و المراد بالعيب هنا مجرد النقص لا خصوص ما يوجب الأرش فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة إذا اشتري اثنان شيئا فأراد أحدهما رده بالعيب أو اشتري واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه فأراد رد المعيب خاصة و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد و يمكن الاستدلال علي الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة- فإن قيام العين و إن لم يناف بظاهره مجرد نقص الأوصاف كما اعترف به بعضهم في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين إلا أن الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الأوصاف و النقص الحاصل و لو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب و خياطته. نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة كالثمن و تعلم الصنعة لكنه يندفع بأن الظاهر من قيام العين بقاؤه بمعني أن لا ينقص ماليته لا بمعني أن لا يزيد و لا ينقص كما لا يخفي علي المتأمل.
المكاسب، ج‌3، ص 258
و استدل العلامة في التذكرة علي أصل الحكم قبل المرسلة بأن العيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون مضمونا علي المشتري فيسقط رده للنقص الحاصل في يده فإنه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق أولي من تحمل المشتري له للعيب الحادث هذا و لكن المرسلة لا تشمل جميع أفراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن إفادة المدعي لأن المرجع بعد عدم الأولوية من أحد الطرفين إلي أصالة ثبوت الخيار و عدم ما يدل علي سقوطه غاية الأمر أنه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش للبائع إذا رده كما إذا تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيب العين أما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب أرشا بل يرده لأن النقص حدث في ملكه و إنما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله. نعم لو علل الرد بالعيب القديم بكون الصبر علي المعيب ضررا أمكن أن يقال إن تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر علي العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر لكن العمدة في دليل الرد هو النص و الإجماع فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط لا بأس به إلا أن الإنصاف أن المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو إناطة الحكم بمطلق النقص. توضيح ذلك أن المراد بقيام العين هو ما يقابل الأعم من تلفها و تغيرها علي ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة علي ذلك لكن المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة لأن مثل السمن لا يمنع الرد قطعا. و المراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للأرش فإن النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة إنما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة و هذا ليس عيبا اصطلاحيا و دعوي اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن يدفعه أن المقصود مجرد النقص مع أنه إذا ثبت الحكم في النقص الحادث و إن لم يكن عيبا اصطلاحيا ثبت في المغير و غيره للقطع بعدم الفرق فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين إلا مع أرشه و كونه مجرد نقص لا يوجب أرشا كنسيان الكتابة و الطحن أما الفرق في أفراد النقص غير الموجب للأرش بين مغير العين حسا و غيره فلا مجال لاحتماله ثم إن ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في أصل المسألة- و أن حدوث العيب لا يمنع من الرد لكنه شاذ علي الظاهر ثم مقتضي الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله فلا يثبت بعد زواله لعدم الدليل علي الثبوت بعد السقوط. قال في التذكرة عندنا أن العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق سواء زال أم لا لكن في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشتري و لم يكن بسببه كان له الرد و لا أرش عليه انتهي. و لعل وجهه أن الممنوع هو رده معيوبا لأجل تضرر البائع و ضمان المشتري لما يحدث و قد انتفي الأمران و لو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد كما في الدروس و غيره لأن عدم الجواز لحق البائع و إلا فمقتضي قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب غاية الأمر ثبوت قيمة العيب و إنما منع من الرد هنا للنص و الإجماع أو للضرر. و مما ذكرنا يعلم أن المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الأرش الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم الرد لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد ثم إن صريح المبسوط أنه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالأرش و هذا أحد المواضع التي أشرنا في أول المسألة إلي تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد و ينافيه إطلاق الأخبار بأخذ الأرش.

تنبيه [هل تبعض الصفقة مانع من الرد]

اشارة

ظاهر التذكرة و الدروس أن من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة علي البائع. و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة أن التعدد المتصور فيه التبعض إما في أحد العوضين و إما في البائع و إما في المشتري. فالأول كما إذا اشتري شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من بائع واحد فظهر بعضه معيبا و كذا لو باع شيئا بثمن فظهر بعض الثمن معيبا. و الثاني كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا فظهر معيبا و أراد المشتري أن يرد علي أحدهما نصيبه دون الآخر. و الثالث كما إذا اشتري اثنان من واحد شيئا فظهر معيبا فاختار أحدهما الرد دون الآخر و ألحق بذلك الوارثان لمشتري واحد للمعيب و أما التعدد في الثمن بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن و بعضه الآخر بثمن آخر فلا إشكال في كون هذا عقدين و لا إشكال في جواز التفريق بينهما

[التعدد في العوض]

أما الأول فالمعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الإجماع عليه- لأن المردود إن كان جزء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة و إن كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح فهو أولي بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن و هذا الضرر و إن أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر علي المشتري- إذ قد يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ فإن المانع فيهما ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة و لذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا. و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء منه لا أقل من الشك لعدم إطلاق موثوق به و الأصل اللزوم. و فيه مضافا إلي أن اللازم من ذلك- عدم جواز رد المعيب منفردا و إن رضي البائع لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء لا لوجود المانع عنه و هو لزوم الضرر علي البائع حتي ينتفي برضا البائع أنه لا يشك أحد في أن دليل هذا الخيار- كغيره من أدلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء و لذا لم يجوز أحد تبعيض ذي الخيار أجزاء ماله فيه الخيار و لم يحتمل هنا أحد رد الصحيح دون المعيب و إنما وقع الإشكال في أن محل الخيار هو هذا الشي‌ء المعيوب غاية الأمر أنه يجوز رد الجزء الصحيح معه لئلا تتبعض
المكاسب، ج‌3، ص 259
الصفقة عليه و إما لقيام الإجماع علي جواز رده و إما لصدق المعيوب علي المجموع كما تقدم أو أن محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه. و بعبارة أخري الخيار المسبب عن وجود الشي‌ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار أم لا بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة في الرد في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب نظير أخبار خيار الحيوان و هذا المقدار لا يدل علي حكم ما لو انضم المعيب إلي غيره بل قد يدل كأخبار خيار الحيوان علي اختصاص الخيار بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي كبعض الثوب لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام. و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل إذا كان الشي‌ء قائما بعينه لأن المراد بالشي‌ء هو المعيب و لا شك في قيامه هنا بعينه. و بالجملة فالعمدة في المسألة مضافا إلي ظهور الإجماع ما تقدم من أن مرجع جواز الرد منفردا إلي إثبات سلطنة للمشتري علي الجزء الصحيح من حيث إمساكه ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع و منع سلطنته علي الرد أولا أولي و لا أقل من التساوي فيرجع إلي أصالة اللزوم و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الإجماع كما أن للشفيع أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة. و بالجملة فالأصل كاف في المسألة ثم إن مقتضي ما ذكروه من إلحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث أنه لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد كما في التذكرة معللا بأن الحق لا يعدوهما و هذا مما يدل علي أن محل الخيار هو الجزء المعيب إلا أنه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع إذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده إلا بالتفاسخ و معه يجوز رد الصحيح منفردا أيضا.

و أما الثاني و هو تعدد المشتري

و أما الثاني و هو تعدد المشتري
بأن اشتريا شيئا واحدا فظهر فيه عيب فإن الأقوي فيه عدم جواز انفراد أحدهما علي المشهور كما عن جماعة و استدل عليه في التذكرة و غيرها بأن التشقيص عيب مانع من الرد- خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة- و الإسكافي و القاضي و الحلي و صاحب البشري فجوزوا الافتراق. و في التذكرة ليس عندي فيه بعد إذ البائع أخرج العبد إليهما مشقصا فالشركة حصلت بإيجابه و قواه في الإيضاح لما تقدم من التذكرة و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري و استجوده في التحرير- و قواه في جامع المقاصد و صاحب المسالك. و قال في المبسوط إذا اشتري الشريكان عبدا بمال الشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه و كان لهما أن يمسكاه فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك كان لهما ذلك ثم قال و لو اشتري أحد الشريكين للشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يردا و أن يمسكا فإن أراد أحدهما الرد و الآخر الإمساك نظر فإن أطلق العقد و لم يخبر البائع أنه قد اشتري للشركة لم يكن له الرد لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فإذا ادعي أنه اشتراه له و لشريكه فقد ادعي خلاف الظاهر فلم يقبل قوله و كان القول قول البائع مع يمينه إلي أن قال و إن أخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان أحدهما و هو الصحيح أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لاثنين فقد علم البائع أنه يبيعه من اثنين و كان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر و قيل فيه وجه آخر و هو أنه ليس له الرد لأن القبول في العقد كان واحدا انتهي. و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين أما إذا تحقق القبول من الشريكين فلا كلام في جواز الافتراق ثم الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع و جهله لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في الواقع لاثنين أو لواحد فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم إخبار المشتري بالاشتراك بأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه لا بعدم علم البائع بالتعدد و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشتري علي أن الشراء بالاشتراك دليل علي أنه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة و إن لم يعلم به البائع إلا أن يحمل اليمين علي يمين البائع علي نفي العلم و يراد من البينة البينة علي إعلام المشتري للبائع بالتعدد و كيف كان فمبني المسألة علي ما يظهر من كلام الشيخ علي تعدد العقد بتعدد المشتري و وحدته و الأقوي في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا لأن الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين فليس لكل منهما الاستقلال و لا دليل علي تعدد الخيار هنا إلا إطلاق الفتاوي و النصوص من أن من اشتري معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشتري جزء من المعيب لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلي غير المقام و لو سلمنا الظهور لكن لا ريب في أن رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته و هو مانع من الرد و من ذلك يعلم قوة المنع و إن قلنا بتعدد العقد. و ما ذكروه تبعا للتذكرة من أن التشقيص حصل بإيجاب البائع فيه أنه أخرجه غير مبعض و إنما تبعض بالإخراج و المقصود حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج و خلاف ذلك ضرر عليه و علم البائع بذلك ليس فيه إقدام علي الضرر إلا علي تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام. و الحاصل أن الفرق بين هذه المسألة و المسألة الأولي غير وجيه

و أما الثالث و هو تعدد البائع

فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق إذ لا ضرر علي البائع بالتفريق و لو اشتري اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشتري كل من كل ربعا فإن أراد أحدهما رد ربع إلي أحد البائعين دخل في المسألة الثالثة و لذا لا يجوز لأن المعيار تبعض الصفقة علي البائع الواحد.

مسألة يسقط الأرش دون الرد في موضعين

أحدهما إذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في أحدهما فلا أرش حذرا من الربا

و يحتمل جواز أخذ الأرش و نفي عنه البأس في التذكرة بعد أن حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية موجها له بأن المماثلة في مال الربا إنما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت و الأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد
المكاسب، ج‌3، ص 260
السابق انتهي. ثم ذكر أن الأقرب أنه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين لأن الجنس لو امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شي‌ء آخر انتهي. و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا المتقدم علي العلامة و حاصل وجهه أن صفة الصحة لم تقابل بشي‌ء من الثمن حتي يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة أنقص منه قدرا بل لم تقابل بشي‌ء أصلا و لو من غير الثمن و إلا لثبت في ذمة البائع و إن لم يختر المشتري الأرش بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي‌ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع إلا أن الشارع جوز للمشتري مع تبين فقده أخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن أو غيره و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشتري لتغريم البائع هذا و لكن يمكن أن يدعي أن المستفاد من أدلة تحريم الربا و حرمة المعاوضة إلا مثلا بمثل بعد ملاحظة أن الصحيح و المعيب جنس واحد أن وصف الصحة في أحد الجنسين كالمعدوم لا يترتب علي فقده استحقاق عوض و من المعلوم أن الأرش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا فالعقد علي المتجانسين لا يجوز أن يصير سببا لاستحقاق أحدهما علي الآخر زائدا علي ما يساوي الجنس الآخر. و بالجملة فبناء معاوضة المتجانسين علي عدم وقوع مال في مقابل الصحة المفقودة في أحدهما و المسألة في غاية الإشكال و لا بد من مراجعة أدلة الربا و فهم حقيقة الأرش و سيجي‌ء بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالي

الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة

فإنه لا يتصور هنا أرش حتي يحكم بثبوته و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد و قد يناقش في ذلك بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة و إنما يرغب في الخصي قليل من الناس لبعض الأغراض الفاسدة أعني عدم تستر النساء منه فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته و هذا المقدار لا يوجب زيادة في أصل المالية فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره لكن الإنصاف أن الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض صح أن يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية كما لا يخفي. و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه سواء كان من جهة أغراض أنفسهم أم من جهة بيعه علي من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

مسألة يسقط الرد و الأرش معا بأمور.

أحدها العلم بالعيب قبل العقد

بلا خلاف و لا إشكال لأن الخيار إنما ثبت مع الجهل و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة و فيه نظر و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الذي له أحكام خاصة فسد الشرط و أفسد لكونه مخالفا للشرع و لو أراد به مجرد الخيار كان من خيار الشرط و لحقه أحكامه لا أحكام خيار العيب.

الثاني تبري البائع عن العيوب

اشارة

إجماعا في الجملة علي الظاهر المصرح به في محكي الخلاف و الغنية و نسبه في التذكرة إلي علمائنا أجمع و الأصل في الحكم قبل الإجماع- مضافا إلي ما في التذكرة من أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فإذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة- و مكاتبة جعفر بن عيسي الآتية- و مقتضي إطلاقهما كمعقد الإجماع المحكي عدم الفرق بين التبري تفصيلا و إجمالا- و لا بين العيوب الظاهرة و الباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة خلافا للمحكي في السرائر عن بعض أصحابنا من عدم كفاية التبري إجمالا. و عن المختلف نسبه إلي الإسكافي و قد ينسب إلي صريح آخر كلام القاضي المحكي في المختلف مع أن المحكي عن كامل القاضي موافقة المشهور. و في الدروس نسب المشهور إلي أشهر القولين ثم إن ظاهر الأدلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد و أما التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار فيدل علي صحته و سقوط الخيار به عموم المؤمنون عند شروطهم. قال في التذكرة بعد الاستدلال بعموم المؤمنون لا يقال إن التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب لأنا نقول إن التبري إنما هو من الخيار الثابت بمقتضي العقد لا من العيب انتهي. أقول المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث العيب و العقد ليس سببا لهذا الخيار فإسناد البراءة إلي الخيار لا ينفع. و قد اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية. نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته و كلمات غيره كالشهيد و المحقق الثاني. و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية بل الغرر في الأول أعظم إلا أنه لما قام النص و الإجماع علي صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته مع إمكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع الغرر في الأول بالاعتماد علي أصالة السلامة فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر. و أما البراءة عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر في البيع حتي يحتاج إلي دفع الغرر بأصالة عدمها لأنها غير موجودة بالفعل في المبيع حتي يوجب جهالة

ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلي أمور

الأول عهدة العيوب

و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه إلي عدم التزام سلامته فلا يترتب علي ظهور العيب رد و لا أرش فكأنه باعه علي كل تقدير.

الثاني ضمان العيب

و هذا أنسب بمعني البراءة و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع لا يوجب إلا تخييرا بين الرد و الإمضاء مجانا و مرجع ذلك إلي إسقاط أرش العيوب في عقد البيع لا خيارها.

الثالث حكم العيب

و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضي العقد بسبب العيب
و الأظهر في العرف هو المعني الأول و الأنسب بمعني البراءة هو الثاني و قد تقدم عن التذكرة المعني الثالث و هو بعيد عن اللفظ إلا أن يرجع إلي المعني الأول و الأمر سهل

ثم إن تبرأ البائع عن المعيوب مطلقا أو عن عيب خاص إنما يسقط تأثيره من حيث الخيار

أما سائر أحكامه فلا فلو تلف بهذا العيب في أيام خيار المشتري لم يزل
المكاسب، ج‌3، ص 261
ضمان البائع لعموم النص لكن في الدروس أنه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع- و كذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده و تلف في زمان خيار المشتري و يحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه و أقوي إشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار انتهي كلامه رفع مقامه

ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد و الأرش بها

منها زوال العيب قبل العلم به

كما صرح به في غير موضع من التذكرة. و مال إليه في جامع المقاصد و اختاره في المسالك بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد و هو ظاهر التذكرة حيث قال في أواخر فصل العيوب لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق علي العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد انتهي. و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الأرش- كما لا يخفي علي المتأمل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الأرش معا علي زوال العيب حيث قال لو اشتري عبدا أو حدث في يد المشتري نكتة بياض في عينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة هي القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يتحالفان إلي آخر ما حكاه عن الشافعي و كيف كان ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه لأن ظاهر أدلة الرد خصوصا بملاحظة أن الصبر علي العيب ضرر هو رد المعيوب و هو المتلبس بالعيب لا ما كان معيوبا في زمان فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار. و أما الأرش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد خصوصا بعد العلم بالعيب و الصحة إنما حدثت في ملك المشتري فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلي دليل فالقول بثبوت الأرش و سقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا مخالفا للإجماع و لم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده. نعم هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي و هو أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد لكن عرفت مرارا أن المرجع في ذلك هي الأدلة و لا منشأ لهذه القاعدة.

و منها التصرف بعد العلم بالعيب

فإنه مسقط للأمرين عند ابن حمزة في الوسيلة و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب و النص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم و رد بأنه دليل الرضا بالمبيع لا بالعيب- و الأولي أن يقال إن الرضا بالعيب لا يوجب إسقاط الأرش و إنما المسقط له إبراء البائع عن عهدة العيب و حيث لم يدل التصرف عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف مع أن اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع فليراجع.

و منها التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب

كالبغل الخصي بل العبد الخصي علي ما عرفت فإن الأرش منتف لعدم تفاوت القيمة- و الرد لأجل التصرف. و قد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر علي المشتري بصبره علي المعيب و فيه أن العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض فلا بأس بأن يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف مع عدم أرش فيه و حله أن الضرر إما أن يكون من حيث القصد إلي ما هو أزيد مالية من الموجود و إما أن يكون من حيث القصد إلي خصوصية مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته و الأول مفروض الانتفاء و الثاني قد رضي به و أقدم عليه المشتري بتصرفه فيه بناء علي أن التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه إلا أن يقال إن المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت الأرش و إلا فمقتضي القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف كما في غير العيب و التدليس من أسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها أرشا فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به نعم لو اقتصر في التصرف المسقط علي ما يدل علي الرضا كان مقتضي عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

و منها حدوث العيب في المعيب المذكور

و الاستشكال هنا بلزوم الضرر في محله فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في المبيع التي لا يوجب فواتها أرشا و النص الدال علي اشتراط الرد بقيام العين و هي المرسلة المتقدمة مختص بمورد إمكان تدارك ضرر الصبر علي المعيب بالأرش و الإجماع فيما نحن فيه غير متحقق مع ما عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة هذا كله مضافا إلي أصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب و هي المرجع بعد معارضة الضرر المذكور و يتضرر البائع بالفسخ و نقل المعيب إلي ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب و كيف كان فلو ثبت الإجماع أو استفيض بنقله علي سقوطه الرد بحدوث العيب و التغيير علي وجه يشمل المقام و إلا فسقوط الرد هنا محل نظر بل منع.

و منها ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب

الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل الربا. أما المانع الأول فالظاهر أن حكمه كما تقدم في المعيب الذي لا ينقص ماليته فإن المشتري لما أقدم علي معاوضة أحد الربويين بالآخر أقدم علي عدم مطالبة مال زائد علي ما يأخذه بدلا عن ماله و إن كان المأخوذ معيبا فيبقي وصف الصحة كسائر الأوصاف التي لا يوجب اشتراطها إلا جواز الرد بلا أرش فإذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا علي الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد كما في خيار التدليس بعد التصرف نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم. و أما المانع الثاني فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا و هو مبني علي عموم منع العيب الحادث من الرد حتي في صورة عدم جواز أخذ الأرش. و قد عرفت النظر فيه و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو أنه لو رد فإما أن يكون مع أرش العيب الحادث و إما أن يرد بدونه فإن رده بدونه كان ضررا علي البائع و إن رد مع الأرش لزم الربا قال لأن المردود حينئذ يزيد علي وزن عوضه و الظاهر أن مراده من ذلك أن رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و مقتضي المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد أن لا يضمن وصف الصحة بشي‌ء إذ لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري الأرش فيما نحن فيه فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال فإذا حصل
المكاسب، ج‌3، ص 262
الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة و لذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه إلا رد ما قابله لا غير فإن رد إلي البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك إلا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من الثمن فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن و وصف صحته- فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة رحمه الله بلزوم الربا إما لزوم الربا في أصل المعاوضة إذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة و قيمتها عند استرداد الثمن و إما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن و زيادة و الأول أولي و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بأن قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث فيه العيب فلا ينضم إلي المثمن حتي يصير أزيد من الثمن. إذ فيه وضوح الفرق فإن المقبوض بالسوم إنما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشتري له إلا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع و تلف وصف الصحة منه في يد المشتري فإذا فرض أن صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها. و الحاصل أن البائع لا يستحق من المشتري إلا ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء فكأنه باع عبدا كاتبا فقبضه المشتري ثم فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة نعم هذا يصح في غير الربويين لأن وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة ثم إن صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم علي المشتري بالصبر علي المعيب مجانا فيما نحن فيه فذكروا في تدارك ضرر المشتري وجهين اقتصر في المبسوط علي حكايتهما. أحدهما جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث لما تقدم إليه الإشارة من أن أرش العيب الحادث في يد المشتري نظير أرش العيب الحادث في المقبوض بالسوم في كونها غرامة تالف مضمون علي المشتري لا دخل له في العوضين حتي يلزم الربا الثاني أن يفسخ البيع لتعذر إمضائه و إلزام المشتري ببدله من غير الجنس- معيبا بالعيب القديم و سليما عن الجديد و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا أرش و مع الأرش و اختار في الدروس تبعا للتحرير الوجه الأول مشيرا إلي تضعيف الثاني بقوله لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل و تبعه المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات و أنه كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام و إن كانت ربوية فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع. أقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه و بين أرش عيب المقبوض بالسوم فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشتري و لا يقدر في ملك البائع إلا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن إلي المشتري و المفروض عدم المقابلة بين شي‌ء منه و بين صحة البيع.

و منها تأخير الأخذ بمقتضي الخيار

فإن ظاهر الغنية إسقاطه للرد و الأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة التبري و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم لأنه علي الفور بلا خلاف و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الأرش ثم ذكر حدوث العيب و قال ليس له هاهنا إلا الأرش ثم ذكر التصرف و حكم فيه بالأرش فإن في إلحاق الثالث بالأولين في ترك ذكر الأرش فيه ثم ذكره في الأخيرين و قوله ليس له هاهنا ظهورا في عدم ثبوت الأرش بالتأخير و هذا أحد القولين منسوب خبر بعد خبر إلي الشافعي و لعله لأن التأخير دليل الرضا و يرده بعد تسليم الدلالة أن الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الأرش كما عرفت في التصرف نعم سقوط الرد وحده له وجه كما هو صريح المبسوط و الوسيلة علي ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة- بناء علي ما تقدم في سائر الخيارات- من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم علي المتيقن السالمة عما يدل علي التراخي عدا ما في الكفاية من إطلاق الأخبار و خصوص بعضها و فيه أن الإطلاق في مقام بيان أصل الخيار و أما الخبر الخاص فلم أقف عليه و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للأصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه علي الفور و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق من أنه لا نعرف فيه خلافا لأنا عرفناه و لذا جعله في التذكرة أقرب و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف لوجود الخلاف نعم في الرياض أنه ظاهر أصحابنا المتأخرين كافة و التحقيق رجوع المسألة إلي اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه. و لذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي إلا به و إلا فلا يحصل من فتوي الأصحاب إلا الشهرة بين المتأخرين المستندة إلي الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها. و إن قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفي و الله العالم.

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]
قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا و كان المشتري بالخيار انتهي. و مثله ما عن الخلاف و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه أن يبينه و لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب و الأول أحوط و نحوه عن فقه الراوندي و مثلهما في التحرير و زاد الاستدلال عليه بقوله لئلا يكون غاشا- و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي و الخفي و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا. و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي و الجلي فيجب في الأول مطلقا كما هو ظاهر جماعة أو مع عدم التبري كما في الدروس فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة أقوال و الظاهر ابتناء الكل علي دعوي صدق الغش و عدمه و الذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معني الغش أن كتمان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع غش فإن الغش كما يظهر من اللغة خلاف النصح أما العيب الظاهر فالظاهر أن ترك إظهاره ليس غشا نعم لو أظهر سلامته عنه علي وجه يعتمد عليه كما إذا فتح قرآنا بين يدي العبد الأعمي مظهرا أنه بصير يقرأ فاعتمد المشتري علي ذلك و أهمل اختباره كان غشا. قال في التذكرة في رد استدلال الشافعي علي وجوب إظهار العيب مطلقا بالغش إن الغش ممنوع بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري و تبينه و التقصير في
المكاسب، ج‌3، ص 263
ذلك من المشتري انتهي. و يمكن أن يحمل بقرينة ذكر التقصير علي العيب الظاهر كما أنه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة علي لفظ الكتمان و علي الاستدلال بالغش علي العيب الخفي بل هذا الجمع ممكن في كلمات الأصحاب مطلقا و من أقوي الشواهد علي ذلك أنه حكي عن موضع من السرائر أن كتمان العيوب مع العلم بها حرام و محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه فلاحظ ثم التبري من العيوب هل يسقط وجوب الإعلام في مورده كما عن المشهور أم لا فيه إشكال نشأ من دعوي صدق الغش. و من أن لزوم الغش من جهة ظهور إطلاق العقد في التزام البائع بالصحة فإذا تبرأ من العيوب ارتفع الظهور أو من جهة إدخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا و التبري لا يرفع اعتماد المشتري علي أصالة الصحة فالتعزير إنما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد علي الأصل و الأحوط الإعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط ثم إن المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما أنه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لأن ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول إلا أن يقال إن جهالة الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما ثم ظهر البعض مستحقا فإن البيع لا يبطل في ملكه و إن كان مجهولا قدره وقت العقد انتهي. أقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز فلا وجه للإشكال المذكور نعم لو فرض المزج علي وجه يوجب تعيب الشي‌ء من دون أن يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته إلي حقيقة ذلك الشي‌ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد

مسائل في اختلاف المتبايعين

اشارة

مسائل في اختلاف المتبايعين
و هو تارة في موجب الخيار- و أخري في مسقطة و ثالثة في الفسخ.

أما الأول [الاختلاف في موجب الخيار]

اشارة

ففيه مسائل

الأولي لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو نحوه

فالقول قول المنكر بيمينه.

الثانية لو اختلفا في كون الشي‌ء عيبا و تعذر تبين الحال لفقد أهل الخبرة

كان الحكم كسابقه نعم لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في الرد دون الأرش لأصالة البراءة.

الثالثة لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك

بأن حدث بعد القبض و انقضاء الخيار كان القول قول منكر تقدمه للأصل حتي لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد لأن أصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد علي المعيب. و عن المختلف أنه حكي عن ابن الجنيد أنه إن ادعي البائع أن العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكرا انتهي. و لعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلي المشتري علي الوجه المقصود و عدم استحقاقه الثمن كلا و عدم لزوم العقد نظير ما إذا ادعي البائع تغير العين عند المشتري و أنكر المشتري. و قد تقدم في محله هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه و إلا عمل عليها من غير يمين. قال في التذكرة و لو أقام أحدهما بينة عمل بها ثم قال و لو أقاما بينة عمل ببينة المشتري لأن القول قول البائع لأنه ينكر فالبينة علي المشتري و هذا منه مبني علي سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البينة و فيه كلام في محله و إن كان لا يخلو عن قوة و إذا حلف البائع فلا بد من حلفه علي عدم تقدم العيب- أو نفي استحقاق الرد أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع و اطلع علي خفايا أمره كما يشهد بالإعسار و العدالة و غيرهما مما يكتفي فيه بالاختبار الظاهر. و لو لم يختبر ففي جواز الاستناد في ذلك إلي أصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة كما يحلف علي طهارة المبيع استنادا إلي الأصل و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أن المراد بالملكية و الزوجية ما استند إلي سبب شرعي ظاهري كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف علي ملكية ما أخذ من يد المسلمين. و في التذكرة بعد ما حكي عن بعض الشافعية جواز الاعتماد علي أصالة السلامة في هذه الصورة قال و عندي فيه نظر أقربه الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم و استحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج المشتري إلي إثباته و قد سبقه إلي ذلك في الميسية و تبعه في الرياض. أقول إن كان مراده الاكتفاء بالحلف علي نفي العلم في إسقاط أصل الدعوي بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه إشكال- نعم لو أريد سقوط الدعوي إلي أن تقوم البينة فله وجه و إن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه فيرد الحاكم اليمين علي المشتري فيحلف و هذا أوفق بالقواعد. ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم علي القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار علي البت قولا واحدا. لكن الظاهر أن المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلي يمين نفي العلم إذ مع الاختبار بتمكن من الحلف علي البت فلا حاجة إلي عنوان مسألة اليمين علي نفي العلم لا أن اليمين علي نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار فافهم.
فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد
رده علي الموكل لأنه المالك و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به فلا عهدة عليه و لو اختلف الموكل و المشتري في قدم العيب و حدوثه فيحلف الموكل علي عدم التقدم كما مر و لا يقبل إقرار الوكيل بقدمه لأنه أجنبي و إذا كان المشتري جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن إقامة البينة فادعي علي الوكيل بقدم العيب فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده علي الموكل لأن إقرار الوكيل بالسبق دعوي بالنسبة إلي الموكل لا يقبل إلا بالبينة فله إحلاف الموكل علي عدم السبق لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع إنكاره اليمين و لو رد اليمين علي الوكيل فحلف علي السبق ألزم الموكل و لو أنكر الوكيل التقدم حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد علي الموكل لأنه لو أقر رد عليه و هل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل الظاهر لا لأن دعواه علي الوكيل يستلزم إنكار وكالته و علي الموكل يستلزم الاعتراف به- و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره ثم إذا لم يحلف الوكيل و نكل فحلف المشتري اليمين المردودة و رد العين علي الوكيل فهل للوكيل ردها علي الموكل أم لا وجهان بناهما في القواعد علي كون اليمين المردودة كالبينة فينفذ في حق الموكل أو كإقرار المنكر فلا ينفذ و تنظر فيه في جامع المقاصد بأن كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل علي الموكل لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب فلا تنفعه البينة القائمة علي السبق الكاذبة باعترافه قال
المكاسب، ج‌3، ص 264
اللهم إلا أن يكون إنكاره لسبق العيب استنادا إلي الأصل بحيث لا يتنافي ثبوته و لا دعوي ثبوته كأن يقول لا حق لك علي في هذه الدعوي إذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به الرد علي فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة علي القولين المذكورين انتهي. و في مفتاح الكرامة أن اعتراضه مبني علي كون اليمين المردودة كبينة الراد و المعروف بينهم أنه كبينة المدعي أقول كونه كبينة لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها علي الموكل و تمام الكلام في محله.

الرابعة لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته

قدم قول البائع كذا في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد لأصالة عدم حق له عليه و أصالة عدم كونها سلعته و هذا بخلاف ما لو ردها بخيار فأنكر كونها له فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري و نسبه في التحرير إلي القيل لاتفاقهما علي استحقاق الفسخ بعد أن احتمل مساواتها للمسألة الأولي أقول النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في الخيار و مع الاتفاق عليه كما لا يخفي لكن ظاهر المسألة الأولي كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة أو غيرها و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه. و أما إذا اتفقا علي الخيار و اختلفا في السلعة فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف علي كون هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها فإذا فسخ و أراد رد السلعة فأنكرها البائع فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها. نعم استدل عليه في الإيضاح بعد ما قواه بأن الاتفاق منهما علي عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين أحدهما خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشتري ينكرها و الأصل عدمها. الثاني سقوط حق الخيار الثابت للمشتري فالبائع يدعيه و المشتري ينكره و الأصل بقاؤه و تبعه في الدروس حيث قال لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه حلف و لو صدقه علي كون المبيع معيوبا و أنكر تعيين المشتري حلف المشتري انتهي. أقول أما دعوي الخيانة فلو احتاجت إلي الإثبات و لو كان معها أصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع لوجب القول بتقديم قول المشتري في المسألة الأولي و إن كانت هناك أصول متعددة علي ما ذكرها في الإيضاح و هي أصالة عدم الخيار و عدم حدوث العيب و صحة القبض بمعني خروج البائع من ضمانه لأن أصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد علي جميع الأصول العملية نظير أصالة الصحة و أما ما ذكره من أصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و إن فسرناها من قبله بما ذكرنا لكن أصالة الصحة لا تنفع لإثبات لزوم القبض و أما دعوي سقوط حق الخيار فهي إنما تجدي إذا كان الخيار المتفق عليه لأجل العيب كما فرضه في الدروس و إلا فأكثر الخيارات مما أجمع علي بقائه مع التلف علي أن أصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت إلا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة إلا من جهة التلازم الواقع بينهما و لعل نظر الدروس إلي ذلك لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر مجال كما نبهنا عليه مرارا.

و أما الثاني و هو الاختلاف في المسقط

اشارة

ففيه أيضا مسائل-

الأولي لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه

قدم منكر العلم فيثبت الخيار.

الثانية لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده

علي القول بأن زواله بعد العلم لا يسقط الأرش بل و لا الرد ففي تقديم مدعي البقاء فيثبت الخيار لأصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار أو تقديم مدعي عدم ثبوت الخيار لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت فالأصل لزوم العقد و عدم الخيار وجهان أقواهما الأول و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد تومئ إلي الثاني فراجع. و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال أحد العيبين في كون الزائل هو القديم حتي لا يكون خيار أو الحادث حتي يثبت الخيار فمقتضي القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار و لا يعارضه أصالة بقاء الجديد لأن بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث استلزامه لزوال القديم و قد ثبت في الأصول أن أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف- قال لو اشتري عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فقال البائع الزائلة القديمة فلا رد و لا أرش و قال المشتري بل الحادثة و لي الرد قال الشافعي يحلفان علي ما يقولان فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش انتهي.

الثالثة لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه

فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه ففي الدروس أنه كالعيب المنفرد يعني أنه يحلف البائع كما لو لم يكن سوي هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر و لعله لأصالة عدم التقدم و يمكن أن يقال إن عدم التقدم هناك راجع إلي عدم سبب الخيار و أما هنا فلا يرجع إلي ثبوت المسقط بل المسقط هو حدوث العيب عند المشتري و قد مر غير مرة أن أصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث في الزمان المتأخر و إنما يثبت بها عدم التقدم الذي لا يثبت به التأخر ثم قال في الدروس لو ادعي البائع زيادة العيب عند المشتري و أنكر احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن و الزيادة موهومة و يحتمل حلف البائع إجراء للزيادة مجري العيب الجديد. أقول قد عرفت الحكم في العيب الجديد و إن حلف البائع فيه محل نظر ثم إنه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد علي المقدار المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا. و أما إذا اختلفا في أصل الزيادة فلا إشكال في تقديم قول المشتري.

الرابعة لو اختلف في البراءة قدم منكرها

فيثبت الخيار لأصالة عدمها الحاكمة علي أصالة لزوم العقد. و ربما يتراءي من مكاتبة جعفر بن عيسي خلاف ذلك قال: كتبت إلي أبي الحسن ع جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادي عليه بري‌ء من كل عيب فيه فإذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه فإذا زهد فيه ادعي عيوبا و أنه لم يعلم بها فيقول له المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه أم لا يصدق فكتب ع أن عليه الثمن الخبر
المكاسب، ج‌3، ص 265
و عن المحقق الأردبيلي أنه لا يلتفت إلي هذا الخبر لضعفه مع الكتابة و مخالفة القاعدة انتهي. و ما أبعد ما بينه و بين ما في الكفاية من جعل الرواية مؤيدة لقاعدة البينة علي 28 و اليمين علي من أنكر و في كل منهما نظر. و في الحدائق أن المفهوم من مساق الخبر المذكور أن إنكار المشتري إنما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع و إلا فهو عالم بتبري البائع و الإمام ع إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة و فيه أن مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه و بين الله بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشتري مع أن حكم العالم بالتبري المنكر له مكابرة معلوم لكل أحد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله أ يصدق أم لا يصدق الدال علي وضوح حكم صورتي صدقه و كذبه و الأولي توجيه الرواية بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب علي وجه يسمعه كل من حضر للشراء فدعوي المشتري مخالفة للظاهر نظير دعوي الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفي عليه قيمة المبيع بقي في الرواية إشكال آخر من حيث إن البراءة من العيوب عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب بل يعتبر وقوعه في متن العقد و يمكن التفصي عنه إما بالتزام كفاية تقدم الشرط علي العقد بعد وقوع العقد عليه كما يأتي في باب الشروط و إما بدعوي أن نداء الدلال بمنزلة الإيجاب لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه أحد الحضار بقيمته فينادي الدلال و يقول بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك مرارا من دون أن يتم الإيجاب حتي يمكن من إبطاله عند زيادة من زاد. و الحاصل جعل ندائه إيجابا للبيع و لو أبيت إلا عن أن المتعارف في الدلال كون ندائه قبل إيجاب البيع أمكن دعوي كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك مع أن الرواية لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الإيجاب كما لا يخفي. ثم الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة لأنه الموجب لسقوط الخيار لانتفاء البراءة واقعا

الخامسة لو ادعي البائع رضاء المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار أو تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده حلف المشتري

لأصالة عدم هذه الأمور و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه ففي تقديم مدعي الحدوث لأصالة عدم تقدمه كما تقدم سابقا في دعوي تقدم العيب و تأخره أو مدعي عدمه لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد علي المعيب و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري فالأصل عدم وقوع العقد علي السليم من هذا العيب حتي يضمنه المشتري.

و أما الثالث [الاختلاف في الفسخ]

اشارة

ففيه مسائل

الأولي لو اختلفا في الفسخ فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه

و في الدروس أنه يمكن جعل إقراره إنشاء. و لعله لما اشتهر من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به كما لو ادعي الزوج الطلاق و يدل عليه بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي النفقة علي أيتام الرجل و أنه رق لهم و سيجي‌ء الكلام في فروع هذه القاعدة و إن كان بعد انقضاء زمان الخيار- كما لو تلف العين افتقر مدعيه إلي البينة و مع عدمها حلف الآخر علي نفي علمه بالفسخ إن ادعي عليه علمه بفسخه ثم إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش- لئلا يخرج من الحقين أم لا لإقراره بالفسخ. و زاد في الدروس أنه يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش و ما زاد علي القيمة من الثمن إن اتفق لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن و رد القيمة فيقع التقاص في قدر القيمة و يبقي قدر الأرش مستحقا علي التقديرين انتهي.

الثانية لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت

بناء علي فورية الخيار ففي تقديم مدعي التأخير لأصالة بقاء العقد و عدم حدوث الفسخ في أول الزمان أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ وجهان- و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتفاق علي زمان الفسخ ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه- يضعف بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلي أصالة عدم تقدمه علي الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هي تأخره عنها.

الثالثة لو ادعي المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته

اشارة

بناء علي فوريته سمع قوله إن احتمل في حقه الجهل للأصل. و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر إلا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الأحكام و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا لأنه مما يخفي علي العامة

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده

القول في ماهية العيب و ذكر بعض أفراده
اعلم أن حكم الرد و الأرش معلق في الروايات علي مفهوم العيب و العوار أما العوار ففي الصحاح أنه العيب و أما العيب فالظاهر من اللغة و العرف أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه و بين الكمال فالصحة ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشي‌ء لو خلي و طبعه و العيب و الكمال يلحقان له لأمر خارج عنه ثم مقتضي حقيقة الشي‌ء قد يعرف من الخارج كمقتضي حقيقة الحيوان الأناسي و غيره فإنه يعلم أن العمي عيب و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الأمة كمال فيهما و قد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود صفة في أغلب أفراد الشي‌ء يكشف عن كونه مقتضي الماهية المشتركة بين أفراده و كون التخلف في النادر لعارض و هذا و إن لم يكن مطردا في الواقع إذ كثيرا ما يكون أغلب الأفراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمور مختلفة إلا أن بناء العرف و العادة علي استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد و من هنا استمرت العادة علي حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة أغلب الأفراد فإن وجود الشي‌ء في أغلب الأفراد و إن لم يمكن الاستدلال به علي وجوده في فرد غيرها لاستحالة الاستدلال و لو ظنا بالجزئي علي الجزئي إلا أنه يستدل من حال الأغلب علي حال القدر المشترك ثم يستدل من ذلك علي حال الفرد المشكوك إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجري الطبيعي و هو ما يقتضيه الخلقة الأصلية و أن المراد بالخلقة الأصلية ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع و أن ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب و ما خرج عنه
المكاسب، ج‌3، ص 266
بالمزية فهو كمال فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضي طبيعتها فزيادة الخراج علي ذلك المقدار عيب و نقصه عنه كمال و كذا كونها مورد العساكر ثم لو تعارض مقتضي الحقيقة الأصلية و حال أغلب الأفراد التي يستدل بها علي حال الحقيقة عرفا رجح الثاني و حكم للشي‌ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها و من هنا لا يعد ثبوت الخراج علي الضيعة عيبا مع أن حقيقتها لا تقتضي ذلك و إنما هو شي‌ء عرض أغلب الأفراد فصار مقتضي الحقيقة الثانوية فالعيب لا يحصل إلا بزيادة الخراج علي مقتضي الأغلب و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم بل عدم الخلاف بينهم في أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضي الحقيقة الأصلية و الصحة بالخروج إلي مقتضي الحقيقة الثانوية كالغلفة فإنها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الأغلب إلا أن يقال إن الغلفة بنفسها ليست عيبا إنما العيب كون الأغلف موردا للخطر بختانه و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير و يمكن أن يقال إن العبرة بالحقيقة الأصلية و النقص عنها عيب و إن كان علي طبق الأغلب إلا أن حكم العيب لا يثبت مع إطلاق العقد حينئذ لأنه إنما يثبت من جهة اقتضاء الإطلاق للالتزام بالسلامة فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد فإذا فرض الأغلب علي خلاف مقتضي الحقيقة الأصلية لم يقتض الإطلاق ذلك بل اقتضي عكسه التزام البراءة من ذلك النقص فإطلاق العقد علي الجارية بحكم الغلبة منزل علي التزام البراءة من عيب الثيبوبة و كذا الغلفة في الكبير فهي أيضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان إلا أن الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الإطلاق التزام سلامته من هذا العيب بل اقتضي التزام البائع البراءة من هذا العيب فقولهم إن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء و قول العلامة في القواعد إن الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد إرادتهم نفي حكم العيب من الرد و الأرش لا نفي حقيقته و يدل عليه نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع أنه في التحرير و التذكرة اختار الأرش مع اشتراط البكارة مع أنه لا أرش في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشتري البكارة و الختان فإنه يثبت علي الوجه الثاني حكم العيب من الرد و الأرش لثبوت العيب غاية الأمر عدم ثبوت الخيار مع الإطلاق لتنزله منزلة تبري البائع من هذا العيب فإذا زال مقتضي الإطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب و أما علي الوجه الأول فإن الاشتراط لا يفيد الأخيار تخلف الشرط دون الأرش لكن الوجه السابق أقوي و عليه فالعيب إنما يوجب الخيار إذا لم يكن غالبا في أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها و الغلبة الصنفية مقدمة علي النوعية عند التعارض فالثيبوبة في الصغيرة غير المجلوبة عيب لأنها ليست غالبة في صنفها و إن غلبت في نوعها ثم إن مقتضي ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشي‌ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فإن الإنسان الخصي ناقص في نفسه و إن فرض زيادته من حيث كونه مالا و كذا البغل الخصي حيوان ناقص و إن كان زائدا من حيث المالية علي غيره و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الأرش في مثل ذلك و يحتمل قويا أن يقال إن المناط في العيب هو النقص المالي فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا إلا أن الغالب في أفراد الحيوان لما كان عدمه كان إطلاق العقد منزلا علي إقدام المشتري علي الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا علي الأصل و الغلبة فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه إلا خيار تخلف الشرط و تظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء علي عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط فتأمل. و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار فإنه مضمون علي الأول بناء علي إطلاق كلماتهم أن العيب مضمون علي البائع بخلاف الثاني فإنه لا دليل علي أن فقد الصفة- المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون علي البائع بمعني كونه سببا للخيار و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال. و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السياري الحاكية لقصة ابن أبي ليلي: حيث قدم إليه رجل خصما له فقال إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد علي ركبها حين كشفها شعرا و زعمت أنه لم
يكن لها قط فقال له ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتي يذهبوه فما الذي كرهت فقال له أيها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به قال فاصبر حتي أخرج إليك فإني أجد أذي في بطني ثم دخل بيته و خرج من باب آخر فأتي محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شي‌ء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون علي ركبها شعر أ يكون هذا عيبا فقال له محمد بن مسلم أما هذا نصا فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي ص قال كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب فقال له ابن أبي ليلي حسبك هذا فرجع إلي القوم فقضي لهم بالعيب فإن ظاهر إطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها و فهم ابن أبي ليلي من حيث قوله و عمله كون مجرد الخروج عن المجري الطبيعي عيبا و إن كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون إلخ و تقرير المشتري له في رده لكن الإنصاف عدم دلالة الرواية علي ذلك. أما أولا فلأن ظاهر الحكاية إن رد المشتري لم يكن لمجرد عدم الشعر بل لكونها في أصل الخلقة كذلك الكاشف عن مرض في العضو أو في أصل المزاج كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد بقوله لم أجد علي ركبها شعرا حتي ضم إليه دعواه أنه لم يكن لها قط و قول ابن أبي ليلي إن الناس ليحتالون في ذلك حتي يذهبوه لا يدل علي مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض و إنما هي مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها و الاحتيال لا ذهاب شعر الركب لا يدل علي أن عدمه في أصل الخلقة شي‌ء مرغوب فيه كما أن احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل علي كون عدمه من أصله لقرع أو شبهه أمرا مرغوبا فيه. و بالجملة فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر علي الركب مما يقطع أو يحتمل كونه لأجل مرض عيبا و قد عد من العيوب الموجبة للأرش ما هو أدون من ذلك و أما ثانيا فلأن قوله ع فهو عيب إنما
المكاسب، ج‌3، ص 267
يراد به بيان موضوع العيب توطئة لثبوت أحكام العيب له و الغالب الشائع المتبادر في الأذهان هو رد المعيوب و لذا اشتهر كل معيوب مردود و أما باقي أحكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطروء موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا علي البائع قبل القبض و في مدة الخيار فلا يظهر من الرواية ترتبها علي العيب فتأمل.
و أما ثالثا فلأن الرواية لا تدل علي الزائد عما يدل عليه العرف لأن المراد بالزيادة و النقيصة علي أصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعا فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حده بصر العبد أو تعلمهما للصنعة و الطبخ و كذا نقص العبد بالختان و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين أن يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبتين لنقص في الشي‌ء من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه و لازم ذلك نقصه من حيث المالية لأن المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع. و أما رابعا فلانا لو سلمنا- مخالفة الرواية للعرف في معني العيب فلا تنهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال فافهم. و قد ظهر مما ذكرنا أن الأولي في تعريف العيب ما في التحرير و القواعد من أنه نقص في العين أو زيادة فيها يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبر بمثلها و لذا قال في التحرير بعد ذلك و بالجملة كلما زاد أو نقص عن أصل الخلقة و القيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الأغراض كما قد يقال ذلك في العبد الخصي و لا ينافيه ما ذكره في التحرير من أن عدم الشعر علي العانة عيب في العبد و الأمة لأنه مبني علي ما ذكرنا في الجواب الأول عن الرواية من أن ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج لا علي أنه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية. و في التذكرة بعد أخذ نقص المالية في تعريف العيب و ذكر كثير من العيوب و الضابط أنه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهي كلامه و ما أحسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد فيدخل فيه مثل خصاء العبد كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض قد يتعلق بالفحولة و إن زادت قيمته باعتبار آخر و قد دخل المشتري علي ظن السلامة انتهي. و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب و لعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك و عن جماعة أراد به مجرد موجب الرد لا العيب الذي يترتب عليه كثير من الأحكام كسقوط خياره بتصرف أو حدوث عيب أو غير ذلك و عليه يبني قول جامع المقاصد كما عن تعليق الإرشاد حيث ذكر أن اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجب لأن المستفاد من ذكر بعض الأمثلة أن الكلام في موجبات الرد لا خصوص العيب و يدل علي ذلك أنه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشتري بجلبه إذ ظاهره أنه مع عدم العلم عيب فلو لا أنه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معني لدخل علم المشتري و جهله في ذلك

الكلام في بعض أفراد العيب

مسألة لا إشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا

و إطلاق كثير و تصريح بعضهم يشمل حمي يوم بأن يجده في يوم البيع قد عرض له الحمي و إن لم يكن نوبة له في الأسبوع. قال في التذكرة الجذام و البرص و العمي و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق- و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعا و كذا أنواع المرض سواء استمر كما في الممراض أو كان عارضا و لو حمي يوم و الإصبع الزائدة و الحول و الحوص و السبل و استحقاق القتل في الردة أو القصاص و القطع بالسرقة أو الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب إجماعا ثم إن عد حمي اليوم المعلوم كونها حمي يوم يزول في يومه و لا يعود مبني علي عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقية لأن ذلك ليس منقصا للقيمة.

مسألة الحبل عيب في الإماء

كما صرح به جماعة و في المسالك الإجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطي و يدل عليه الأخبار الواردة في تلك المسألة و علله في التذكرة باشتماله علي تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا مع عدم كون الحمل للبائع و إلا فالأمر أوضح و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات و عدم قابليتها للاستيلاد إلا بعد الوضع أما في غير الإماء من الحيوانات ففي التذكرة أنه ليس بعيب و لا يوجب الرد بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل كما هو مذهب الشيخ. و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي‌ء انتهي. و رجح المحقق الثاني كونه عيبا- و إن قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لأنه و إن كان زيادة من وجه إلا أنه نقيصة من وجه آخر لمنع الانتفاع بها عاجلا و لأنه لا يؤمن عليها من أداء الوضع إلي الهلاك و الأقوي علي قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر و أداء الوضع إلي الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به. نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص يوجب الخيار دون الأرش كوجدان العين مستأجرة و كيف كان فمقتضي كون الحمل عيبا في الإماء أنه لو حملت الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة أم لا لأن العيب الحادث مانع و إن زال علي ما تقدم من التذكرة. و في التذكرة لو كان المعيب جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشتري فإن نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الأرش و إن لم تنقص فالأولي جواز ردها وحدها من دون الولد إلي أن قال و كذا حكم الدابة- لو حملت عند المشتري و ولدت فإن نقصت بالولادة فلا رد و إن لم تنقص ردها دون ولدها لأنه للمشتري انتهي و في مقام آخر لو اشتري جارية حائلا أو بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع علي عيب فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد المشتري و به قال الشافعي و إن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع فله الرد انتهي و في الدروس لو حملت إحداهما يعني الجارية و البهيمة عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له فإن فسخ رد الأم ما لم ينقص بالحمل أو الولادة و ظاهر القاضي أن الحمل عند المشتري يمنع الرد لأنه إما بفعله أو إهمال المراعاة حتي ضربها الفحل و كلاهما تصرف انتهي. لكن صرح في
المكاسب، ج‌3، ص 268
المبسوط باستواء البهيمة و الجارية- في أنه إذا حملت إحداها عند المشتري و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد الأم دون الولد و ظاهر ذلك كله خصوص نسبة منع الرد إلي خصوص القاضي و خصوصا مع استدلاله علي المنع بالتصرف لا حدوث العيب تسالمهم علي أن الحمل الحادث عند المشتري في الأمة ليس في نفسه عيبا بل العيب هو النقص الحادث بالولادة و هذا مخالف للأخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل و للإجماع المتقدم عن المسالك و تصريح هؤلاء يكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله علي التغرير بالنفس و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الأخيرة المحكية عن التذكرة من إطلاق كون الحمل عند البائع عيبا و إن لم ينقص و عند المشتري بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة مع أن ظاهر العبارة الأولي كالتحرير و القواعد الفرق فراجع قال في القواعد لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير تصرف فالأقرب أن للمشتري الرد بالعيب السابق لأن الحمل زيادة انتهي و هذا بناء منه أن الحمل ليس عيبا في غير الأمة. و في الإيضاح أن هذا بناء علي قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال ظاهر و أما عندنا فالأقوي ذلك لأنه كالثمرة المتجددة علي الشجرة- و كما لو أطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار المبتاعة و الخيار له فلا يؤثر و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها لا تقدر علي الحمل العظيم انتهي. و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلي الإيضاح من أن ما قربه في القواعد مبني علي قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل. نعم ذكر في جامع المقاصد أن ما ذكره المصنف إن تم فإنما يخرج علي قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها علي ما يتراءي من تعليله بقوله لأن الحمل زيادة يعني أن الحامل ردت إلي البائع مع الزيادة لا مع النقيصة لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الأمة و كيف كان فالأقوي في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الرد ما دام الحمل و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص علي ما تقدم من أن زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا. و أما حمل غير الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش لعدم الخطر فيه غالبا و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الأرش لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات غير الموجب للأرش و كان محققا هنا مضافا إلي نقص آخر و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لأن المفروض كون الحمل للمشتري اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

مسألة الأكثر علي أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء

بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا و نسبه في المسالك كما عن غيره إلي إطلاق الأصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الأصلية و استدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب علي ما ادعاه المستدل: عن رجل باع جارية علي أنها بكر فلم يجدها كذلك قال لا ترد عليه و لا يجب عليه شي‌ء إنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها و في كلا الوجهين نظر ففي الأول ما عرفت سابقا من أن وجود الصفة في أغلب أفراد الطبيعة إنما يكشف عن كونها بمقتضي أصل وجودها المعبر عنه بالخلقة الأصلية إذا لم يكن مقتضي الخلقة معلوما في ما نحن فيه و إلا فمقتضي الغالب لا يقدم علي ما علم أنه مقتضي الخلقة الأصلية و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من إطلاق مرسلة السياري غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل إطلاق العقد علي التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة و لا يثبت الخيار بوجودها و إن كانت نقصا في الخلقة الأصلية. و أما رواية سماعة فلا دلالة لها علي المقصود- لتعليله ع عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض و قدح هذا الاحتمال إما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا علي البائع و إما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطء أحد لها فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضي تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها نقص في أصل الطبيعة فيكون عيبا و كيف كان فالأقوي أن الثيبوبة عيب عرفا و شرعا إلا أنها لما غلبت علي الإماء لم يقتض إطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك. و تظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا أو اشترط خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الأرش لوجود العيب و عدم المانع من تأثيره و مثله ما لو كان المبيع صغيرة أو كبيرة لم تكن الغالب علي صنفها الثيبوبة فإنه يثبت حكم العيب. و الحاصل أن غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب و لعل هذا هو مراد المشهور أيضا و يدل علي ذلك ما عرفت من العلامة رحمه الله في التحرير من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا مع أنه في كتبه بل المشهور كما في الدروس علي ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة- فلو لا أن الثيبوبة عيب لم يكن أرش في مجرد تخلف الشرط. نعم يمكن أن يقال إن مستندهم في ثبوت الأرش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافي و التهذيب عن يونس: في رجل اشتري جارية علي أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق ثم إنه نسب في التذكرة إلي أصحابنا عدم الرد بمقتضي رواية سماعة المتقدمة و أوله بما وجهنا به تلك الرواية.
و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال علي تأويلها و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد لأنه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

مسألة [هل عدم الختان عيب في العبد]

ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير لأنه يخاف عليه من ذلك و هو حسن علي تقدير تحقق الخوف علي وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه و يلحق بذلك المملوك غير المجدور فإنه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدري- و مثل هذين و إن لم يكن نقصا في الخلقة الأصلية إلا أن عروض هذا النقص أعني الخوف مخالف لمقتضي ما عليه الأغلب في النوع أو الصنف و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا
المكاسب، ج‌3، ص 269
فيه مع الجهل دون العلم و هو غير مستقيم لأن العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا. نعم لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن إطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب و تظهر الثمرة هنا أيضا فيما لو اشترط الختان فظهر أغلف فيثبت الرد و الأرش فإخراج العلامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه رحمه الله في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

مسألة عدم الحيض ممن شأنها الحيض

بحسب السن و المكان و غيرهما من الخصوصيات التي لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية لأنه خروج عن المجري الطبيعي- و لقول الصادق ع: و قد سئل عن رجل اشتري جارية مدركة فلم تحض عنده حتي مضي لها ستة أشهر و ليس بها حمل قال إن كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه و ليس التقييد بمضي ستة أشهر إلا في مورد السؤال فلا داعي إلي تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات ثم إن حمل الرواية علي صورة عدم التصرف في الجارية حتي بمثل قول المولي لها اسقني ماءا أو أغلق الباب في غاية البعد و ظاهر الحلي في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

مسألة الإباق عيب بلا إشكال و لا خلاف

لأنه من أفحش العيوب و يدل عليه صحيحة أبي همام الآتية في عيوب السنة- لكن في رواية محمد بن قيس: أنه ليس في الإباق عهدة و يمكن حملها علي أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله ع في رواية يونس: إن العهدة في الجنون و البرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع و إلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة البائع و لا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع و هل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد قولان من الشك في كونه عيبا و الأقوي ذلك وفاقا لظاهر الشرائع و صريح التذكرة لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف و لا يشترط إباقه عند المشتري قطعا

مسألة الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب

يثبت به الرد و الأرش لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشي‌ء. و في رواية ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد الله ع في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه درديا قال إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده و إن لم يكن يعلم فله أن يرده نعم في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه: إن عليا قضي في رجل اشتري من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلي علي ع فقال له علي ع لك بكيل الرب سمنا فقال له الرجل إنما بعته منه حكرة فقال له علي ع إنما أشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربا قال في الوافي يقال اشتري المتاع حكرة أي جملة و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الأرش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل و ربما استشكل في أصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالإجماع كما تقدم أو مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا لأن الدردي غير متمول و الأولي أن يقال إن وجود الدردي إن أفاد نقصا في الزيت من حيث الوصف- و إن أفضي بعد التخليص إلي نقص الكم نظير الغش في الذهب كان الزائد منه علي المعتاد عيبا و إن أفرط في الكثرة و لا إشكال في صحة البيع حينئذ لأن المبيع زيت و إن كان معيوبا. و عليه يحمل ما في التحرير من أن الدردي في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الأرش- و إن لم يفد إلا نقصا في الكم- فإن باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي‌ء منه تكون أمارة علي باقيه و قال بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا فظهر امتزاجه بغيره غير الموجب لتعيبه فالظاهر صحة البيع و عدم ثبوت الخيار أصلا لأنه اشتري السمن الموجود في هذه العكة و لا يقدح الجهل بوزنه للعلم به مع الظرف و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي‌ء منها بفتح رأس العكة فلا عيب و لا تبعض صفقة إلا أن يقال إن إطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا فيلحق بما سيجي‌ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص و إن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة قال في التحرير لو اشتري سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد و أخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن و لو باع ما في العكة من الزيت علي أنه كذا و كذا رطلا فتبين نقصه عنه لوجود الدردي صح البيع و كان للمشتري خيار تخلف الوصف أو الجزء علي الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة علي أنها كذا و كذا فظهر ناقصا و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت فالظاهر عدم صحة البيع و إن عرف وزن المجموع مع العكة لأن كفاية معرفة وزن الظرف و المظروف إنما هي من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع كما لو علم بوزن مجموع الظرف و المظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

مسألة قد عرفت أن مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن

و لكن يختص هذه الأربعة من بين العيوب بأنها لو حدثت إلي سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد و الأرش هذا هو المشهور و يدل عليه ما استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا ع ففي رواية علي بن أسباط عنه: في حديث خيار الثلاثة أن أحداث السنة ترد بعد السنة قلت و ما أحداث السنة قال الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشتري فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم أن يرد علي صاحبه إلي تمام السنة من يوم اشتراه. و في رواية ابن فضال المحكية عن الخصال:
في أربعة أشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص و في رواية أخري له عند ع قال: ترد الجارية من أربع خصال من الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة هكذا في التهذيب. و في الكافي القرن الحدبة إلا أنها تكون في الصدر تدخل الظهر و تخرج الصدر انتهي و مراده أن الحدب ليس خامسا لها لأن القرن يرجع إلي حدب في الفرج لكن المعروف أنه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطي. و في الصحيح عن محمد بن علي- قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبي عنه ع قال: يرد المملوك من أحداث السنة من الجنون و البرص و القرن قال قلت و كيف يرد من أحداث فقال هذا أول السنة يعني المحرم فإذا اشتريت مملوكا فحدث
المكاسب، ج‌3، ص 270
فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة رددت علي صاحبه. و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام مع ورودها في مقام التحديد و الضبط لهذه الأمور فيمكن أن يدعي معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة و من هنا استشكل المحقق الأردبيلي في الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد كما ذكره في الحدائق ردا علي الأردبيلي رحمه الله إلا أن يريد أن التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد في وجوب العمل بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه و هو هنا احتمال سهو الراوي في ترك ذكر الجذام فإنه أقرب الاحتمالات المتطرقة في ما نحن فيه و يمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها علي المشتري بمجرد حدوث الجذام فلا معني للرد و حينئذ فيشكل الحكم بالرد في باقي الأخبار. و وجهه في المسالك بأن عتقه علي المشتري موقوف علي ظهور الجذام بالفعل و يكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس الأمر و إن لم يظهر فيكون سبب الخيار مقدما علي سبب العتق فإن فسخ انعتق علي البائع و إن أمضي انعتق علي المشتري. و فيه أولا أن ظاهر هذه الأخبار- أن سبب الخيار ظهور هذه الأمراض لأنه المعني بقوله فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذي الحجة و لو لا ذلك لكفي وجود موادها في السنة و إن تأخر ظهورها عنها و لو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة و هذا مما لا أظن أحدا يلتزمه مع أنه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه الأمراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري فلتكن مانعة من الرد لعدم قيام المال بعينه حينئذ فيكون في التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيصا آخر للعمومات. و ثانيا أن سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطروء سببه بل ينبغي أن يكون الانعتاق القهري سببه مانعا شرعيا بمنزلة المانع العقلي عن الرد كالموت و لذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام فلا أظن أحدا يلتزم عدم الانعتاق إلا بعد لزوم البيع خصوصا مع بناء العتق علي التغليب هذا و لكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعي في السرائر و الغنية مشكل فيمكن العمل بها في موردها أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق علي إمضاء العقد و لو في غير المقام ثم لو فسخ المشتري فانعتاقه علي البائع موقوف علي دلالة الدليل علي عدم جواز تملك المجذوم لا أن جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام في ملكه ثم إن زيادة القرن ليس في كلام الأكثر- فيظهر منهم العدم فنسبه المسالك الحكم في الأربعة إلي المشهور كأنه لاستظهار ذلك من ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه. و عن التحرير نسبه إلي أبي علي و في مفتاح الكرامة أنه لم يظفر بقائل غير الشهيدين و أبي علي و من هنا تأمل المحقق الأردبيلي من عدم صحة الأخبار و فقد الانجبار ثم إن ظاهر إطلاق الأخبار علي وجه يبعد التقيد فيها شمول الحكم لصورة التصرف لكن المشهور تقيد الحكم بغيرها و نسب إليهم جواز الأرش قبل التصرف و تعينه بعده و الأخبار خالية عنه و كلاهما مشكل إلا أن الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطء و الشيخ و ابن زهرة لم يذكرا التصرف و لا الأرش. نعم ظاهر الحلي الإجماع علي تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة و أن هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة إلا أن الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض و انقضاء الخيار و لو ثبت أن أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنة من ظهورها و ثبت أن أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الأمراض الكامنة في المبيع لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه قال في المقنعة و يرد العبد و الأمة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة و لا يردان بعد سنة و ذلك أن أصل هذه الأمراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بأزيد فإن وطئ المبتاع الأمة في هذه السنة لم يجز له ردها و كان له قيمته ما بينها صحيحة و سقيمه انتهي. و ظاهره أن نفس هذه الأمراض يتقدم بسنة و لذا أورد عليه في السرائر أن هذا موجب لانعتاق المملوك علي البائع فلا يصح البيع و يمكن أن يريد به ما ذكرنا من إرادة مواد هذه الأمراض

خاتمة في عيوب متفرقة

خاتمة في عيوب متفرقة
قال في التذكرة إن الكفر ليس عيبا في العبد و لا الجارية ثم استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع كالتمجس و التوثن دون التهود و التنصر و الأقوي كونه موجبا للرد في غير المجلوب و إن كان أصلا في المماليك إلا أن الغالب في غير المجلوب الإسلام فهو نقص موجب لتنفر الطباع عنه خصوصا بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات. نعم الظاهر عدم الأرش فيه لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا أو زيادة أصل الخلقة و لو ظهرت الأمة محرمة علي المشتري برضاع أو نسب فالظاهر عدم الرد به لأنه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشتري و لو ظهر ممن ينعتق عليه فكذلك كما في التذكرة معللا بأنه ليس نقصا عند كل الناس و عدم نقص ماليته عند غيره. و في التذكرة لو ظهر أن البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو أمانة ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال. أقول الأقوي عدمه و كذا لو اشتري ما عليه أثر الوقف. نعم لو كان عليه أمارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد لقلة رغبة الناس في تملك مثله و تأثير ذلك في نقصان قيمته عن قيمة أصل الشي‌ء لو خلي و طبعه أثرا بينا. و ذكر في التذكرة أن الصيام و الإحرام و الاعتداد ليست عيوبا. أقول أما عدم إيجابها الأرش فلا إشكال فيه و أما عدم إيجابها الرد ففيه إشكال إذا فات بها الانتفاع في مدة طويلة فإنه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا. و قال أيضا إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا إشكال أقربه العدم. و قال لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ الأدب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا فلا رد و ترد الدابة بالزهادة
المكاسب، ج‌3، ص 271
و كون الأمة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض انتهي. و مراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد و الضابط أن الرد يثبت بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه انتهي

القول في الأرش

[الأرش لغة و اصطلاحا]

اشارة

و هو لغة كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات و عن القاموس أنه الدية و يظهر من الأولين أنه في الأصل اسم للفساد و يطلق في كلام الفقهاء علي مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون في مال أو بدن و لم يقدر له في الشرع مقدر.

[كلام الشهيد في معني الأرش]

و عن حواشي الشهيد قدس سره أنه يطلق بالاشتراك اللفظي علي معان منها ما نحن فيه. و منها نقص القيمة لجناية الإنسان علي عبد غيره في غير المقدر الشرعي. و منها ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية كقطع يد العبد. و منها أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب انتهي. و في جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارة إلي أن هذا اللفظ قد اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعني اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر فلا يكون مشتركا معنويا بينهما و لا حقيقة و مجازا فهي كلها منقولات عن المعني اللغوي بعلاقة الإطلاق و التقييد
. و ما ذكرناه في تعريف الأرش فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني كما يظهر بالتأمل و كيف كان فقد ظهر من تعريف الأرش أنه لا يثبت إلا مع ضمان النقص المذكور

ثم إن ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص

و هو الأصل فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما و يسمي ضمان اليد كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت علي الكل و إن كان مضمونا بعوض بمعني أن فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمي في المعاوضة و يسمي ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع علي مجموع الناقص و المنقوص لا نفس قيمة العيب لأن الجزء تابع للكل في الضمان و لذا عرف جماعة الأرش في عيب المثمن فيما نحن فيه بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب إلي الصحيح و ذلك لأن ضمان تمام المبيع الصحيح علي البائع ضمان المعاوضة بمعني أن البائع ضامن لتسليم المبيع تاما إلي المشتري فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته. نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كأكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب كلها إلا أنها محمولة علي الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من أن البائع يرد علي المشتري و ظاهره كون المردود شيئا من الثمن الظاهر في عدم زيادته عليه بل في نقصانه فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد علي الثمن في بعض الأوقات كما إذا اشتري جارية بدينارين و كان معيبها تسوي مائة و صحيحها تسوي أزيد فيلزم استحقاق مائة دينار فإذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد و الاسترجاع تعين كون هذا التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن فإذا بني الأمر علي ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة. و قد توهم بعض من لا تحصيل له أن العيب إذا كان في الثمن كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح و المعيب و منشأه ما يتراءي في الغالب من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع فإذا ظهر معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت و إلا فلو فرض أنه اشتري عبدا بجارية تسوي معيبها أضعاف قيمته فإنه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في ذلك و إن كان المتراءي من الأخبار خلافه إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه. نعم يشكل الأمر في المقام من جهة أخري- و هي أن مقتضي ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في ذلك المقدار لعدم مقابل له حين العقد كما شأن الجزء المفقود المبيع مع أنه لم يقل به أحد و يلزم من ذلك أيضا تعين أخذ الأرش من الثمن مع أن ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة. و توضيحه أن الأرش لتتميم المعيب حتي يصير مقابلا للثمن لا لتنقيص الثمن حتي يصير مقابلا للمعيب و لذا سمي أرشا كسائر الأروش المتداركة للنقائص فضمان العيب علي هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة إلي الفائت المضمون و مقابله إذ لا معني له غير ضمان الشي‌ء و أجزائه بعوضه المسمي و أجزائه و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي‌ء بقيمته الواقعية فلا أوثق من أن يقال إن مقتضي المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي‌ء من الثمن لأنه أمر معني كسائر الأوصاف و لذا لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة صدق الزيادة و عدم عد العيب نقصا يتدارك بشي‌ء من مقابله إلا أن الدليل من النص و الإجماع دل علي ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف و كونه في عهدة البائع بمعني وجوب تداركه بمقدار من الثمن يضاف إلي ما يقابل بأصل المبيع لأجل اتصافه بوصف الصحة فإن هذا الوصف كسائر الأوصاف و إن لم يقابله شي‌ء من الثمن لكن له مدخل في وجود مقدار الثمن و عدمه فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بإزاء ما كان يلاحظ الثمن لأجله و للمشتري أيضا إسقاط هذا الالتزام عنه

[هل الضمان بعين بعض الثمن أو بمقداره]

نعم يبقي الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن- كما هو ظاهر تعريف الأرش في كلام بأنه جزء من الثمن أو بمقداره كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة و ظاهر غيرها و الشهيدين في كتبهما وجهان تردد بينهما في جامع المقاصد و أقواهما الثاني لأصالة عدم تسلط المشتري علي شي‌ء من الثمن و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه لأن المتيقن من مخالفة الأصل ضمان البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الإقدام من المتعاقدين علي زيادته علي الثمن لداعي وجود هذه الصفة لا في مقابلها مضافا إلي إطلاق قوله ع في روايتي حماد و عبد الملك:
أنه له أرش العيب و لا دليل علي وجوب كون التدارك بجزء من عين الثمن عدا ما يتراءي من ظاهر التعبير- في روايات أرش عن تدارك العيب برد التفاوت إلي المشتري الظاهر
المكاسب، ج‌3، ص 272
في كون المردود شيئا كان عنده أولا و هو بعض الثمن لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن الغالب وصول الثمن إلي البائع و كونه من النقدين فالرد باعتبار النوع لا الشخص. و من ذلك ظهر أن قوله ع في رواية ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها محمول علي الغالب من كون الثمن كليا في ذمة المشتري فإذا اشتغلت ذمة البائع بالأرش حسب المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته عليه ثم علي المختار من عدم تعينه من عين الثمن فالظاهر تعينه من النقدين لأنهما الأصل في ضمان المضمونات إلا أن يتراضي علي غيرهما من باب الوفاء أو المعاوضة. و استظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما حيث حكما في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير النقدين و لم يجز منهما فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها النقدين فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في أحدهما و يمكن رفع هذا الإشكال بأن المضمون بالنقدين هي الأموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا في الذمة و إلا بطل البيع فيما قابله من الصحيح- لعدم وصول عوضه قبل التفرق و إنما هو حق لو أعمله جاز له مطالبة المال فإذا اختار الأرش من غير النقدين ابتداء و رضي به الآخر فمختاره نفس الأرش لا عوض عنه. نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه كما أن لذي الخيار مطالبة النقدين في غير هذا المقام و إن لم يكن للآخر الامتناع حينئذ. و بالجملة فليس هنا شي‌ء معين ثابت في الذمة إلا أن دفع غير النقدين يتوقف علي رضا ذي الخيار و يكون نفس الأرش بخلاف دفع النقدين فإنه إذا اختير غيرهما لم يتعين للأرشية

[هل يعقل استغراق الأرش للثمن]

ثم إنه قد تبين مما ذكرنا في معني الأرش أنه لا يكون إلا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل أن يكون مستغرقا له لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول و يبذل في مقابلة شي‌ء من المال بطل بيعه و إلا فلا بد من أن يبقي له من الثمن قسط. نعم ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي‌ء علي صفة التملك بناء علي أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به بل يأخذ المشتري أرش العيب و هو هنا مقدار تمام الثمن لكن عدم إلحاقه بالتلف مشكل بناء علي أن العيب إذا كان مضمونا علي البائع بمقتضي قوله ع: إن حدث في الحيوان حدث فهو من مال البائع حتي ينقضي خياره كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع و المفروض أنه إذا حدث مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه شي‌ء من المال فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث مثل هذا بعده مضمونا علي البائع إلا أن يمنع ذلك و أن ضمانه علي البائع بمعني الحكم بكون دركه عليه فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا الحكم لا مطلقا حتي ينفسخ العقد به و يرجع هذا الملك الموجود غير المتمول إلي البائع بل لو فرضنا حدوث العيب علي وجه أخرجه عن الملك فلا دليل علي إلحاقه بالتلف بل تبقي العين غير المملوكة حقا للمشتري و إن لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن أو مقداره من البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد هذا إلا أن العلامة قدس سره في القواعد و التذكرة و التحرير و محكي النهاية يظهر منه الأرش المستوعب في العيب المتقدم علي العقد الذي ذكرنا أنه لا يعقل فيه استيعاب الأرش للثمن. قال في القواعد لو باع العبد الجاني خطاء ضمن أقل الأمرين علي رأي و الأرش علي رأي و صح البيع إن كان موسرا و إلا تخير المجني عليه و لو كان عمدا وقف علي إجازة المجني عليه و يضمن الأقل من الأرش و القيمة لا الثمن معها و للمشتري الفسخ مع الجهل فيرجع بالثمن أو الأرش فإن استوعب الجناية فالأرش ثمنه أيضا و إلا فقدر الأرش و لا يرجع لو كان عالما و له أن يفديه كالمالك و لا يرجع به عليه و لو اقتص منه فلا رد و له الأرش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن انتهي. و ذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب و قال في أوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني و لو كان المولي معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أولا فإن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقي حق المجني عليه مقدما علي حق المشتري و يتخير المشتري الجاهل في الفسخ و يرجع بالثمن و به قال أحمد و بعض الشافعية أو مع الاستيعاب لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه و إن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع إلي أن قال و إن أوجبت الجناية قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الأرش و الرد فإن اقتص منه احتمل تعين الأرش و هو قسط قيمة ما بينه جانيا و غير جان و لا يبطل البيع من أصله لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد. و قال أبو حنيفة و الشافعي يرجع بجميع ثمنه لأن تلفه لأمر استحق عليه عند البائع فجري مجري إتلافه انتهي و قال في التحرير في بيع الجاني خطاء و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد و للمشتري الفسخ مع عدم علمه فإن فسخ رجع بالثمن و إن لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضا و إن لم تستوعب قيمته رجع بقدر الأرش و لو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشي‌ء و لو اختار المشتري أن يفديه جاز و رجع به علي البائع مع الإذن و إلا فلا انتهي. قوله و انتزعت إما راجع إلي رقبة العبد أو إلي القيمة إذا باعه المجني عليه و أخذ قيمته و هذا القيد غير موجود في باقي عبارات العلامة في كتبه الثلاثة و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته إما أن تكون له قيمة تبذل بإزائه أولا. و علي الأول فلا بد أن يبقي شي‌ء
من الثمن للبائع بإزائه فلا يرجع بجميع الثمن عليه و علي الثاني فينبغي بطلان البيع- و لو قيل إن انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته علي البائع كان اللازم من ذلك مع بعده في نفسه أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه. و بالجملة فالمسألة محل تأمل و الله العالم.

مسألة يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب- ليعرف التفاوت بينهما

فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت و إذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد
المكاسب، ج‌3، ص 273
من الرجوع إلي العارف بها و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة كمن يخبر بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة علي سائر المحسوسات من العدالة و الإخبار عن الحس و التعدد و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته أشباه هذا الشي‌ء و إن لم يتفق اطلاعه علي مقدار رغبة الناس في أمثاله و هذا يحتاج إلي الصفات السابقة و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار أهل الخبرة. و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته علي تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف بأصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة مع كون قيمة الجيد و الردي‌ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم فقوله هذا قيمته كذا يريد به أنه من جنس قيمته كذا و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوم و كذا القسم الأول فمرادهم بالمقوم هو الثاني لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط القبول و إن احتمل في غير الأول الاكتفاء بالواحد- إما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد و إما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الأخذ بالأقل لأصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشتري في أكثر المقامات و إما لعموم ما دل قبول قول العادل خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الأول دون ما كان من قبيل الفتوي كالثاني لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الأشباه و الأنظار و قياسه عليها حتي أنه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي أن يبذل بإزائه كذا و كذا و إن لم يوجد راغب يبذل له ذلك ثم لو تعذر معرفة القيمة لفقد أهل الخبرة أو توقفهم ففي كفاية الظن أو الأخذ بالأقل وجهان و يحتمل ضعيفا الأخذ بالأكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون إلا به.

مسألة لو تعارض المقومون

اشارة

فيحتمل تقديم بينة الأقل للأصل و بينة الأكثر لأنها مثبتة و القرعة لأنها لكل أمر مشتبه و الرجوع إلي الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع و تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح

[الأقوي وجوب الجمع بين البينات مهما أمكن]

لكن الأقوي من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الإمكان- لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فإذا تعذر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه- فإذا قوم أحدهما بعشرة فقد قوم كلا من نصفه بخمسة و إذا قوم الآخر بثمانية فقد قوم كلا من نصفه بأربعة فيعمل بكل منهما في نصف المبيع و قولاهما و إن كانا متعارضين في النصف أيضا كالكل فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين في النصفين- إلا أن طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولي في مقام امتثال أدلة العمل بكل بينة من طرح كليهما أو إحداهما رأسا و هذا معني قولهم إن الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما و لو من وجه أولي من طرح أحدهما رأسا و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل منهما- بل ما نحن فيه أولي بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالي لأن الأخذ بأحدهما كلية و ترك الآخر كذلك في التكاليف الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة حق الله سبحانه لرجوع الكل إلي امتثال أمر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف بإحقاق حقوق الناس فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو في الجملة و لعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم عند تعارض أسباب حقوق الناس في شي‌ء من الموارد.
و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق لأن مرجع بينة النفي إلي عدم وصول نظرها و حدسها إلي الزيادة فبينه الإثبات المدعية للزيادة سليمة- و أخري بأن الجمع فرع عدم اعتضاد إحدي البينتين بمرجح و أصالة البراءة هنا مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل- و ثالثة بأن في الجمع مخالفة قطعية- و إن كان فيه موافقة قطعية- لكن التخيير الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولي منه. و يندفع الأول بأن المفروض أن بينة النفي تشهد بالقطع علي نفي الزيادة واقعا و إن بذل الزائد في مقابل المبيع سفه. و يندفع الثاني بما قررناه في الأصول من أن الأصول الظاهرية لا تصير مرجحة للأدلة الاجتهادية- بل تصلح مرجعا في المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل التعارض كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق أحدهما للأصل- و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. و الحاصل أن بينة الزيادة تثبت أمرا مخالفا للأصل و معارضتها بالأخري النافية لها لا يوجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح فيجمع بين النفي و الإثبات بالنصفين. و يندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية غير المشتملة علي المخالفة القطعية علي الموافقة القطعية المشتملة عليها إنما هو في مقام الإطاعة و المعصية الراجعتين إلي الانقياد و التجري حيث إن ترك التجري أولي من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام إحقاق حقوق الناس فإن مراعاة الجميع أولي من إهمال أحدهما رأسا و إن اشتمل علي إعمال الآخر إذ ليس الحق فيها لواحد معين كما في حقوق الله سبحانه- ثم إن قاعدة الجمع حاكمة علي دليل القرعة- لأن المأمور به هو العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع- فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في حقوق الناس فيجب مراعاتها و إعمال أسبابها بقدر الإمكان إذ لا ينفع توفية حق واحد من إهمال حق الآخر رأسا علي النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع ثم إن المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما في قيمتي الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما- و من الثلث ثلثهما و من الأربع ربعهما و هكذا في المعيب ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح و بين المأخوذ و يؤخذ بتلك النسبة فإذا كان إحدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الأخري ستة و إحدي قيمتي المعيب أربعة و الأخري اثنين أخذ للصحيح تسعة و للمعيب ثلاثة و التفاوت بالثلثين فيكون الأرش ثلثي الثمن- . و يمكن أيضا علي وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بأن تعمل في نصفه
المكاسب، ج‌3، ص 274
بقول المثبت للزيادة و في نصفه الآخر بقول النافي فإذا قومه إحداهما باثني عشر و الأخري بثمانية أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت و في نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقي البائع و المشتري لكن الأظهر هو الجمع علي النهج الأول و يحتمل الجمع بطريق آخر- و هو أن يرجع إلي البينة في مقدار التفاوت- و يجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم- و هذا منسوب إلي الشهيد قدس سره علي ما في الروضة- و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور فإن التفاوت بين الصحيح و المعيب علي قول كل من البينتين بالثلثين كما ذكرنا في الطريق الأول و قد يختلفان كما إذا كانت إحدي قيمتي الصحيح اثني عشر و الأخري ثمانية و قيمة المعيب علي الأول عشرة و علي الثاني خمسة فعلي الأول يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح- أعني العشرة- و نصف قيمتي المعيب و هو سبعة و نصف فالتفاوت بالربع فالأرش ربع الثمن- أعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر. و علي الثاني يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب علي إحدي البينتين بالسدس. و علي الآخر ثلاثة أثمان و ينصف المجموع- أعني ستة و نصفا من اثني عشر جزء و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع و قد كان في الأول ثلاثة و قد ينقص عن الأول- كما اتفقا علي أن قيمة المعيب ستة و قال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية و قال الأخري عشرة. فعلي الأول يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما تسعة و نسبته إلي الستة بالثلث. و علي الثاني يكون التفاوت علي إحدي البينتين ربعا- .
و علي الأخري خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس- .

[صور اختلاف المقومين]

اشارة

توضيح هذا المقام أن الاختلاف إما أن يكون في الصحيح فقط مع اتفاقهما علي المعيب و إما أن يكون في المعيب فقط و إما أن يكون فيهما

[الاختلاف في الصحيح فقط]

فإن كان في الصحيح فقط كما في المثال الأخير- فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما لأنك قد عرفت أن الملحوظ علي طريق المشهور نسبة المعيب إلي مجموع نصفي قيمتي الصحيح- المجعول قيمة منتزعة- و علي الطريق الآخر نسبة المعيب إلي كل من القيمتين- المستلزمة لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل. و المفروض في هذه الصورة أن نسبة المعيب- إلي مجموع نصفي قيمتي الصحيح التي هي طريقة المشهور مخالفة لنسبة نصفه إلي كل من النصفين لأن نسبة الكل إلي الكل تساوي نسبة نصفه إلي كل من نصفي ذلك الكل و هو الأربعة و النصف في المثال- لا إلي كل من النصفين المركب منهما ذلك الكل- كالأربعة و الخمسة- بل النصف المنسوب إلي أحد بعض المنسوب إليه كالأربعة نسبه مغايرة لنسبته إلي البعض الآخر أعني الخمسة و هكذا غيره من الأمثلة

[الاختلاف في المعيب فقط]

و إن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين أبدا لأن نسبة الصحيح إلي نصف مجموع قيمتي المعيب علي ما هو طريق المشهور مساوية لنسبة نصفه إلي نصف إحداهما- و نصفه الآخر إلي نصف الأخري- كما إذا اتفقا علي كون الصحيح اثني عشر- و قالت إحداهما المعيب ثمانية و قالت الأخري ستة فإن تفاوت السبعة و الاثني عشر الذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتي الثمانية مع الاثني عشر و الستة مع الاثني عشر لأن نسبة الأولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع و هذا بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر

[الاختلاف في الصحيح و المعيب معا]

و إن اختلفا في الصحيح و المعيب فإن اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب علي كلتا البينتين فيتحد الطريقان دائما كما إذا قومه إحداهما صحيحا باثني عشر و معيبا بستة و قومه الأخري صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فإن نصف الصحيحين أعني التسعة- تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الأربعة و نصف- عين نصف تفاوتي الاثني عشر مع الستة و الستة مع الثلاثة- . و الحاصل أن كل صحيح ضعف المعيب فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين- و إن اختلفت النسبة فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان. و قد تقدم مثالهما في أول المسألة- ثم إن الأظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلي الشهيد قدس سره وفاقا للمحكي عن إيضاح النافع حيث ذكر أن طريق المشهور ليس بجيد و لم يذكر وجهه و يمكن إرجاع كلام الأكثر إليه كما سيجي‌ء و وجه تعين هذا الطريق أن أخذ القيمة من القيمتين علي طريق المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين علي الطريق الثاني- . إما للجمع بين البينتين- بإعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا- و إما لأجل أن ذلك توسط بينهما- لأجل الجمع بين الحقين- بتنصيف ما به التفاوت نفيا و إثباتا- علي النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع أحدهما المردد بينهما من عند الودعي- و لم تكن هنا بينة تشهد لأحدهما بالاختصاص بل و لا ادعي أحدهما اختصاصه بالدرهم الموجود فعلي الأول فاللازم و إن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح و المعيب كما فعله المشهور- بأن يجمع الاثنا عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح في المثال المتقدم- و يؤخذ نصف إحداهما قيمة نصف المبيع صحيحا- و نصف الأخري قيمة للنصف الآخر منه- و لازم ذلك كون تمامه بعشرة- و يجمع قيمتا المعيب أعني العشرة و الخمسة و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف- إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي إحدي القيمتين أعني العشرة- إلي المجموع من نصف الأخري أعني سبعة و نصفا كما نسب إلي المشهور- لأنه إذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة إلي كل من النصفين صحيحا و معيبا و أخذ الأرش لكل نصف علي حسب تفاوت صحيحه و معيبه فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح إلا باعتبار أن نصفه مقوم بستة و نصفه الآخر بأربعة- و كذا السبعة و النصف ليست قيمة لمجموع المعيب إلا باعتبار أن نصفه مقوم بخمسة و نصفه الآخر باثنين و نصف- فلا وجه ل أخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف بل لا بد من أخذ تفاوت ما بين الأربعة- و الاثنين و نصف لنصف منه تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر. و توهم أن حكم شراء شي‌ء تغاير قيمتا نصفيه حكم ما لو اشتري بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا و معيبا بأن اشتري عبدا و جارية باثني عشر فظهرا معيبين و العبد يسوي أربعة صحيحا و اثنين و نصف معيبا و الجارية تسوي ستة صحيحة و خمسة معيبة فإنه لا شك في أن اللازم في هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة و معيبة أعني العشرة و السبعة و النصف- و أخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثني عشر- كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه- مدفوع بأن الثمن في المثال- لما كان موزعا
المكاسب، ج‌3، ص 275
علي العبد و الجارية بحسب قيمتهما- فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته و للجارية سدسها كما هو الطريق المختار لأنه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد أعني أربعة و أربعة أخماس ثلاثة أثمان و هو واحد و أربعة أخماس فالثلاثة التي هي ربع الثمن- منطبق علي السدس و ثلاثة أثمان- بخلاف ما نحن فيه فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة أمر واحد و هو نصف الثمن. فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد في المثال المفروض بثمن مساو للآخر بأن اشتري كلا منهما بنصف الاثني عشر في عقد واحد أو عقدين فلا يجوز حينئذ أخذ الربع من اثني عشر بل المتعين حينئذ أن يؤخذ من ستة الجارية سدس- و من ستة العبد اثنان و ربع- فيصير مجموع الأرش ثلاثة و ربعا و هو المأخوذ في المثال المتقدم علي الطريق الثاني. و قد ظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب و إن لم يذكروا القيم- هذا كله إذا كان مستند المشهور في أخذ القيمة الوسطي- العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع و أما إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين علي ما ذكرناه أخيرا بأن ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة علي حد سواء فالمتعين الطريق الثاني أيضا- سواء شهدت البينتان بالقيمتين- أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب- أما إذا شهدتا بنفس التفاوت فلأنه إذا شهدت إحداهما بأن التفاوت بين الصحيح و المعيب بالسدس و هو الاثنان من اثني عشر- و شهدت الأخري بأنه بثلاثة أثمان- و هو الثلاثة من ثمانية- زدنا علي السدس ما ينقص من ثلاثة أثمان- و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس- و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثنا عشر ثلاثة و ربع كما ذكرنا سابقا و إن شهدت البينتان بالقيمتين فمقتضي الجمع بين حقي البائع و المشتري في مقام إعطاء الأرش و أخذه- تعديل قيمتي كل من الصحيح و المعيب بالزيادة و النقصان بأخذ قيمة نسبته إلي المعيب- دون نسبة القيمة الزائدة و فوق نسبة الناقصة فيؤخذ من الاثني عشر و العشرة و من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب- نسبة إحداهما إلي الأخري يزيد علي السدس- بما ينقص من ثلاثة أثمان- فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما علي المعيب بسدس و نصف سدس و ثمن سدس- و من هنا يمكن إرجاع كلام الأكثر إلي الطريق الثاني- بأن يريدوا من أوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منهما- من حيث نسبتها إلي قيمة الآخر فيكون مرادهم من أخذ قيمتين للصحيح و المعيب- قيمة متوسطة من حيث نسبة إحداهما إلي الأخري بين أقوال جميع البينات المقومين للصحيح و الفاسد و ليس في كلام الأكثر أنه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة و كذلك قيم المعيب- ثم تنسب إحدي القيمتين المنتزعتين إلي الأخري- . قال في المقنعة فإن اختلف أهل الخبرة عمل علي أوسط القيم و نحوه في النهاية و في الشرائع حمل علي الأوسط. و بالجملة فكل من عبر بالأوسط يحتمل أن يريد الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد هذا مع أن المستند في الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم لو لم تكن بينة أصلا لكن علمنا من الخارج- أن قيمة الصحيح إما هذا و إما ذاك و كذلك قيمة المعيب- و لم نقل حينئذ بالقرعة أو الأصل فاللازم الاستناد في التنصيف إلي الجمع بين الحقين علي هذا الوجه. و قد عرفت أن الجمع بتعديل التفاوت لأنه الحق دون خصوص القيمتين المحتملين و الله العالم

القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب

الشرط يطلق في العرف علي معنيين

أحدهما المعني الحدثي

و هو بهذا المعني مصدر شرط فهو شارط للأمر الفلاني و ذلك الأمر مشروط و فلان مشروط له أو عليه. و في القاموس أنه إلزام الشي‌ء و التزامه في البيع و غيره و ظاهره كون استعماله في الإلزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح لكن لا إشكال في صحته لوقوعه في الأخبار كثيرا مثل قوله ص في حكاية بيع بريرة: إن قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق. و قول أمير المؤمنين ص: في الرد علي مشترط عدم التزوج بامرأة أخري في النكاح إن شرط الله قبل شرطكم و قوله: ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و في غيره قال هما بالخيار حتي يفترقا و قد أطلق علي النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط في النكاح. و قد اعترف في الحدائق بأن إطلاق الشرط علي البيع كثير في الأخبار و أما دعوي كونه مجازا فيدفعها مضافا إلي أولوية الاشتراك المعنوي و إلي أن المتبادر من قوله شرط علي نفسه كذا ليس إلا مجرد الالتزام استدلال الإمام ع بالنبوي: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط علي النذر أو العهد و مع ذلك فلا حجة فيما في القاموس مع تفرده به و لعله لم يلتفت إلي الاستعمالات التي ذكرناها و إلا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها ثم قد يتجوز في لفظ الشرط بهذا المعني فيطلق علي نفس المشروط كالخلق بمعني المخلوق فيراد به ما يلزمه الإنسان علي نفسه.

الثاني ما يلزم من عدمه العدم

من دون ملاحظة أنه يلزم من وجوده الوجود أولا و هو بهذا المعني اسم جامد لا مصدر فليس فعلا و لا حدثا و اشتقاق المشروط منه ليس علي الأصل كالشارط و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب فعلم من ذلك أن الشرط في المعنيين نظير الأمر بمعني المصدر و بمعني الشي‌ء
و أما استعماله في السنة النحاة علي الجملة الواقعة عقيب أدوات الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من إفادة تلك الجملة لكون مضمونها شرطا بالمعني الثاني كما أن استعماله في السنة أهل المعقول و الأصول فيما يلزم من عدمه العدم و لا يلزم من وجوده الوجود مأخوذ من ذلك المعني إلا أنه أضيف إليه ما ذكر في اصطلاحهم مقابلا للسبب. فقد تلخص مما ذكرنا أن للشرط معنيين عرفيين و آخرين اصطلاحيين لا يحمل عليهما الإطلاقات العرفية بل هي مرددة بين الأولين فإن قامت قرينة علي إرادة المصدر تعين الأول أو علي إرادة الجامد تعين الثاني و إلا حصل الإجمال و ظهر أيضا أن المراد بالشرط في قولهم ص: المؤمنون عند شروطهم هو الشرط باعتبار كونه مصدرا إما مستعملا في معناه أعني إلزاما علي أنفسهم و إما مستعملا بمعني ملتزماتهم و إما بمعني جعل الشي‌ء شرطا بالمعني الثاني بمعني التزام عدم شي‌ء عند عدم آخر و سيجي‌ء الكلام في ذلك. و أما الشرط في قوله:
المكاسب، ج‌3، ص 276
ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و أما الشرط في غيره قال البيعان بالخيار حتي يفترقا و قوله: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم يشترط فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع و ألزمه علي المتبايعين أو أحدهما من التسلط علي الفسخ فيكون مصدرا بمعني المفعول فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع و يحتمل أن يراد به الحكم الشرعي المقرر و هو ثبوت الخيار و علي كل تقدير ففي الإخبار عنه بقوله ثلاثة أيام مسامحة. نعم في بعض الأخبار في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام و لا يخفي توقفه علي التوجيه

الكلام في شروط صحة الشرط

اشارة

و هي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها

أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف

فيخرج ما لا يقدر العاقد علي تسليمه إلي صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد علي تسليم العين موصوفا بها مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الأمة و الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا أو كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا كما مثل به في القواعد لكن الظاهر أن المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته كأفعال الله سبحانه لا عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه لأن الإلزام و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا أو عادة مما لا يرتكبه العقلاء و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين أو الطيران في الهواء مما لا يرتكبه العقلاء و الإتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز و الصحة بعيد عن شأن الفقهاء و لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك في باب الإجارة و الجعالة مع أن اشتراط كون الفعل سائغا يغني عن اشتراط القدرة. نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه في المستقبل و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه أمر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم بل أولي بالاشتراط من الوصف الحالي غير المعلوم تحققه ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا و الغرض الاحتراز عن ذلك و يدل علي ما ذكرنا تعبير أكثرهم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا أو لصيرورتهما كذلك و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و إيناعها و حمل الدابة في ما بعد و وضع الحامل في وقت كذا و غير ذلك. و قال في القواعد- يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا قال الشهيد رحمه الله في محكي حواشيه علي القواعد إن المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا لأنا إنما نفرض فيما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الإله جلت عظمته انتهي لكن قال في الشرائع و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره كبيع الزرع علي أن يجعله سنبلا و الرطب علي أن يجعله تمرا انتهي. و نحوها عبارة التذكرة لكن لا بد من إرجاعها إلي ما ذكر إذ لا يتصور القصد من العاقل إلي الإلزام و الالتزام بهذا الممتنع العقلي اللهم إلا أن يراد إعمال مقدمات الجعل علي وجه توصل إليه مع التزام الإيصال فأسند إلي نفسه بهذا الاعتبار فافهم. و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور مضافا إلي عدم الخلاف فيه- عدم القدرة علي تسليمه بل و لا علي تسليم المبيع إذا أخذ متصفا به لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق و لا يناط بإرادة المشروط عليه فيلزم الغرر في العقد لارتباطه بما لا وثوق بتحققه و لذا نفي الخلاف في الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط استنادا علي عدم القدرة علي تسليم المبيع كما يظهر بالتأمل في آخر كلامه في هذه المسألة و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا للفرق بينهما بعد الإجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء علي وجود الوصف الحالي و لو لم يعلما به فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفه بها و بهذا المقدار يرتفع الغرر بخلاف ما سيتحقق في المستقبل فإن الارتباط به لا يدل علي البناء علي تحققه. و قد صرح العلامة فيما حكي عنه ببطلان اشتراط أن تكون الأمة تحمل في المستقبل لأنه غرر عرفا خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل و بجواز الفسخ إذا لم يتحقق و ظاهرهما كما استفاده في الدروس تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط. و يمكن توجيه كلام الشيخ بإرجاع اشتراط الحمل في المستقبل إلي اشتراط صفة حالية موجبة للحمل فعدمه كاشف عن فقدها و هذا الشرط و إن كان للتأمل في صحته مجال إلا أن إرادة هذا المعني يخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف ثم إن عدم القدرة علي الشرط تارة لعدم مدخليته فيه أصلا كاشتراط أن الحامل تضع في شهر كذا و أخري لعدم استقلاله فيه كاشتراط بيع المبيع من زيد فإن المقدور هو الإيجاب فقط لا العقد المركب فإن أراد اشتراط المركب فالظاهر دخوله في اشتراط غير المقدور إلا أن العلامة قدس سره في التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه علي زيد قال لو اشترط بيعه علي زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الإمضاء و العدم إذ تقديره بعه علي
زيد إن اشتراه انتهي و لا أعرف وجها للاحتمال الأول إذ علي تقدير إرادة اشتراط الإيجاب فقط قد حصل الشرط و علي تقدير اشتراط المجموع المركب ينبغي البطلان إلا أن يحمل علي صورة الوثوق بالاشتراء فالاشتراط النتيجة بناء علي حصولها بمجرد الإيجاب فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذر الشرط و عليه يحمل قوله في التذكرة و لو اشترط علي البائع إقامة كفيل علي العهدة فلم يوجد أو امتنع المعين ثبت للمشتري الخيار انتهي.
و من أفراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا علي سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط كاشتراط كون امرأة مزوجة أو الزوجة مطلقة من غير أن يراد من ذلك إيجاد الأسباب أما لو أراد إيجاد الأسباب أو كان الشرط مما يكفي في تحققه نفس الاشتراط فلا إشكال و لو شك في حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة فسيأتي الكلام فيه في حكم الشرط.

الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه

فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم و يدل عليه ما سيجي‌ء من قوله: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا فإن الشرط إذا كان محرما
المكاسب، ج‌3، ص 277
كان اشتراطه و الالتزام به إحلالا للحرام و هذا واضح لا إشكال فيه.

الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا- أو بالنظر إلي خصوص المشروطة له.

و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات و قد صرح جماعة بأن اشتراط الكيل أو الوزن بمكيال معين أو ميزان معين من أفراد المتعارف لغو سواء في السلم و غيره. و في التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و الوجه في ذلك أن مثل ذلك لا يعد حقا للمشروط له حتي يتضرر بتعذره فيثبت له الخيار أو يعتني به الشارع فيوجب الوفاء به و يكون تركه ظلما فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال علي ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه- و من هنا اختار في التذكرة صحة اشتراط أن لا يأكل إلا الهريسة و لا يلبس إلا الخز و لو اشترط كون العبد كافرا ففي صحته أو لغويته قولان للشيخ و الحلي من تعلق الغرض المعتد به لجواز بيعه علي المسلم و الكافر و لاستغراق أوقاته بالخدمة و من أن الإسلام يعلو و لا يعلي عليه و الأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية و جزم بذلك في الدروس و بما قبله العلامة قدس سره.

الرابع أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة

اشارة

فلو اشترط رقية حر أو توريث أجنبي كان فاسدا لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي‌ء. نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بأدلة الوفاء بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل علي عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة لكنه مما لا يرتاب في ضعفه. و تفصيل الكلام في هذا المقام و بيان معني مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف علي ذكر

الأخبار الواردة في هذا الشرط

ثم التعرض لمعناها فنقول إن الأخبار في هذا المعني مستفيضة بل متواترة معني. ففي النبوي المروي صحيحا عن أبي عبد الله ع: من اشترط شرطا سوي كتاب الله عز و جل فلا يجوز ذلك له و لا عليه و المذكور في كلام الشيخ و العلامة رحمه الله المروي من طريق العامة قوله ص في حكاية بريرة لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها ولاءها ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فما كان من شرط ليس في كتاب الله عز و جل فهو باطل قضاء الله أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق و في المروي موثقا عن أمير المؤمنين ع: من شرط لامرأته شرطا فليف به لها فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما و في صحيحة الحلبي: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود و في صحيحة ابن سنان: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز له و لا يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله و في صحيحته الأخري: المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز و في رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع: في من تزوج امرأة و أصدقها و اشترطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و وليت حقا ليست أهلا له فقضي أن عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة و في معناها مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله ع و مرسلة مروان بن مسلم إلا أن فيهما عدم جواز هذا النكاح. و في رواية إبراهيم بن محرز قال قلت لأبي عبد الله ع رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقال ع: إني يكون هذا و قد قال الله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ و عن تفسير العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر ع قال: قضي أمير المؤمنين ع في امرأة تزوجها رجل و شرط عليها و علي أهلها أن تزوج عليها أو هجرها أو أتي عليها سرية فهي طالق فقال ع شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفي بشرطه و إن شاء أمسك امرأته و تزوج عليها و تسري و هجرها إن أتت بسبب ذلك قال الله تعالي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ و قال أحل لكم ما ملكت أيمانكم وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية

[المراد بكتاب الله]

ثم الظاهر أن المراد بكتاب الله هو ما كتب الله علي عباده من أحكام الدين و أن بينه علي لسان رسوله ص فاشتراط ولاء المملوك لبائعه إنما جعل في النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعني لكن ظاهر النبوي و إحدي صحيحتي ابن سنان- اشتراط موافقة كتاب الله في صحة الشرط و أن ما ليس فيه أو لا يوافقه فهو باطل

[المراد بموافقة الكتاب في بعض الأخبار]

و لا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة نظرا إلي موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات غير المحرمة في النفس و المال فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعني

[المتصف بمخالفة الكتاب إما الملتزم أو نفس الالتزام]

ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب- إما نفس المشروط و الملتزم ككون الأجنبي وارثا و عكسه و كون الحر أو ولده رقا و ثبوت الولاء لغير المعتق و نحو ذلك و إما أن يكون التزامه مثلا مجرد عدم التسري و التزوج علي المرأة ليس مخالفا للكتاب و إنما المخالف الالتزام به فإنه مخالف لإباحة التسري و التزوج الثابتة بالكتاب و قد يقال إن التزام ترك المباح لا ينافي إباحته فاشتراط ترك التزوج و التسري لا ينافي الكتاب فينحصر المراد في المعني الأول. و فيه أن ما ذكر لا يوجب الانحصار فإن التزام ترك المباح و إن لم يخالف الكتاب المبيح له إلا أن التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرم له فيكفي هذا مصداقا لهذا المعني مع أن الرواية المتقدمة الدالة علي كون اشتراط ترك التزوج و التسري مخالفا للكتاب مستشهدا عليه بما دل من الكتاب علي إباحتهما كالصريحة في هذا المعني و ما سيجي‌ء من تأويل الرواية بعيد مع أن قوله ع في رواية إسحاق بن عمار: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما ظاهر بل صريح في فعل الشارط فإنه الذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعي إذ المراد من التحريم و إلا حلال ما هو من فعل الشارط لا الشارع و أصرح من ذلك كله المرسل المروي في الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنة

[المراد بحكم الكتاب و السنة]

ثم إن المراد بحكم الكتاب و السنة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له هو ما ثبت علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط لأجل تغير موضوعه بسبب الاشتراط.

[انقسام الحكم الشرعي إلي قسمين]

[ما يثبت للشي‌ء من حيث نفسه]

و توضيح ذلك أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه و لازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له إذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع و مثال ذلك أغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها حيث إن تجويز الفعل و الترك إنما هو من حيث ذات الفعل فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن
المكاسب، ج‌3، ص 278
الفعل أو الترك كأكل اللحم فإن الشرع قد دل علي إباحته في نفسه بحيث لا ينافي عروض التحريم له إذا حلف علي تركه أوامر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له إذا صار مقدمة لواجب أو نذر فعله مع انعقاده

[ما يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الطارئة]

و قد يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه و لازم ذلك حصول التنافي بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له و هذا نظير أغلب المحرمات و الواجبات فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع إلا عن بعض العنوانات كالضرر و الحرج فإذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلي الحكمين فيعمل بالراجح بنفسه أو بالخارج

[القسم الأول من الشروط ليس مخالفا للكتاب]

إذا عرفت هذا فنقول الشرط إذا ورد علي ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب إذا المفروض أنه لا تنافي بين حكم ذلك الشي‌ء في الكتاب و السنة و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به و إذا ورد علي ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة

[ظاهر مورد بعض الأخبار من قبيل الأول و توجيهه]

اشارة

و لكن ظاهر مورد بعض الأخبار المتقدمة من قبيل الأول كترك التزوج و ترك التسري فإنهما مباحان من حيث أنفسهما فلا ينافي ذلك لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة كالحلف و الشرط و أمر السيد و الوالد و حينئذ فيجب إما جعل ذلك الخبر كاشفا عن كون ترك الفعلين في نظر الشارع من الجائز الذي لا يقبل اللزوم بالشرط و إن كان في أنظارنا نظير ترك أكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطرو عنوان التحريم لكن يبعده استشهاد الإمام لبطلان تلك الشروط بإباحة ذلك في القرآن و هو في معني إعطاء الضابطة لبطلان الشروط. و أما الحمل علي أن هذه الأفعال مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق عليها و أنها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة إذ الكتاب دال علي إباحتها و أنها مما لا يترتب عليه حرج و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل. و يشهد لهذا الحمل و إن بعد بعض الأخبار الظاهرة في وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام مثل رواية منصور بن يونس قال: قلت لأبي الحسن ع إن شريكا لي كان تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها فقالت له المرأة لا و الله لا أتزوجك أبدا حتي يجعل الله لي عليك أن لا تطلقني و لا تتزوج علي قال و قد فعل قلت نعم جعلني الله فداك قال بئسما صنع ما كان يدري ما يقع في قلبه بالليل و النهار ثم قال أما الآن فقل له فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله ص قال المسلمون عند شروطهم فيمكن حمل رواية محمد بن قيس علي إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط فتأمل.
ثم إنه لا إشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي إلي القسمين المذكورين و أن المخالف للكتاب هو الشرط الوارد علي القسم الثاني لا الأول

منها كون من أحد أبويه حر رقا

فإن ما دل علي أنه لا يملك ولد حر قابل لأن يراد به عدم رقية ولد الحر بنفسه بمعني أن الولد ينعقد لو خلي و طبعه تابعا لأشرف الأبوين فلا ينافي جعله رقا بالشرط في ضمن عقد و أن يراد به أن ولد الحر لا يمكن أن يصير في الشريعة رقا فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة الدالين علي هذا الحكم.

و منها إرث المتمتع بها هل هو قابل للاشتراط في ضمن عقد المتعة أو عقد آخر أم لا

فإن الظاهر الاتفاق علي عدم مشروعية اشتراطه في ضمن عقد آخر و عدم مشروعية اشتراط إرث أجنبي آخر في ضمن عقد مطلقا فيشكل الفرق حينئذ بين أفراد غير الوارث و بين أفراد العقود و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا إلا أن يدعي أن هذا الاشتراط مخالف للكتاب إلا في هذا المورد أو أن الشرط المخالف للكتاب ممنوع إلا في هذا المورد و لكن عرفت وهن الثاني و الأول يحتاج إلي تأمل.

و منها أنهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية

و اشتهر عدم جوازه في عقد الإجارة فيشكل أن مقتضي أدلة عدم ضمان الأمين عدم ضمانه في نفسه من غير إقدام عليه بحيث لا ينافي إقدامه علي الضمان من أول الأمر أو عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالأسباب كالشرط في ضمن عقد تلك الأمانة أو غير ذلك

و منها اشتراط أن لا يخرج بالزوجة إلي بلد آخر

فإنهم اختلفوا في جوازه و الأشهر علي الجواز و جماعة علي المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب إطاعة الزوج و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره و أورد عليهم بعض المجوزين بأن هذا جار في جميع الشروط السائغة من حيث إن الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا أو تركا.
و بالجملة فموارد الإشكال في تميز الحكم الشرعي القابل لتغيره بالشرط بسبب تغير عنوانه عن غير القابل كثيرة يظهر للمتتبع فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين علي الحكم الذي يراد تغيره بالشرط و التأمل فيه حتي يحصل له التميز و يعرف أن المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافي لقوله ص: الولاء لمن أعتق أو من قبيل ثبوت الخيار للمتبائعين غير المنافي لقوله ع: إذا افترقا وجب البيع أو عدمه لهما في المجلس مع قوله ع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلي غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة المخالفة حكما

[الأصل عدم المخالفة عند عدم التميز]

فإن لم يحصل له بني علي أصالة عدم المخالفة فيرجع إلي عموم: المؤمنون عند شروطهم و الخارج عن هذا العموم و إن كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة لا ما علم مخالفته إلا أن البناء علي أصالة عدم المخالفة يكفي في إحراز عدمها واقعا كما في سائر مجاري الأصول و مرجع هذا الأصول إلي أصالة عدم ثبوت هذا الحكم علي وجه لا يقبل تغيره بالشرط مثلا نقول إن الأصل عدم ثبوت هذا الحكم بتسلط الزوج علي الزوجة من حيث المسكن لا من حيث هو لو خلي و طبعه و لم يثبت في صورة إلزام الزوج علي نفسه بعض خصوصيات المسكن لكن هذا الأصل إنما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال علي الحكم في إطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط كما في أكثر الأدلة المتضمنة للأحكام المتضمنة للرخصة و التسليط فإن الظاهر سوقها في مقام بيان حكم الشي‌ء من حيث هو الذي لا ينافي طرو خلافه لملزم شرعي كالنذر و شبهه من حقوق الله و الشرط و شبهه من حقوق الناس أما ما كان ظاهره العموم كقوله: لا يملك ولد حر فلا مجري فيه لهذا الأصل. ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه في الأخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب و أن التزام فعل المباح أو الحرام أو ترك المباح أو الواجب خارج عن مدلول تلك الأخبار ذكر أن المتعين
المكاسب، ج‌3، ص 279
في هذه الموارد ملاحظة التعارض بين ما دل علي حكم ذلك الفعل و ما دل علي وجوب الوفاء بالشرط و يرجع إلي المرجحات و ذكر أن المرجح في مثل اشتراط شرب الخمر هو الإجماع قال و ما لم يكن فيه مرجح يعمل فيه بالقواعد و الأصول. و فيه من الضعف ما لا يخفي مع أن اللازم علي ذلك الحكم بعدم لزوم الشرط بل عدم صحته في جميع موارد عدم الترجيح لأن الشرط إن كان فعلا يجوز تركه كان اللازم مع تعارض أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع إلي أصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط فلا يلزم بل لا يصح و إن كان فعل محرم أو ترك واجب لزم الرجوع إلي أصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط.
فالتحقيق ما ذكرنا من أن من الأحكام المذكورة في الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه كأكثر ما ترخص في فعله و تركه و منها ما لا يقبله كالتحريم و كثير من موارد الوجوب

و أدلة الشروط حاكمة علي القسم الأول دون الثاني

فإن اشتراطه مخالف لكتاب الله كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك و قد تفطن قدس سره لما ذكرنا في حكم القسم الثاني و أن الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن بحيث كاد أن يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط و أدلة حرمة شرب الخمر فقال و لو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا انتهي.

[المراد من تحريم الحلال و تحليل الحرام]

و مما ذكرنا من انقسام الأحكام الشرعية المدلول عليها في الكتاب و السنة علي قسمين يظهر لك معني قوله ع في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما فإن المراد بالحلال و الحرام فيها ما كان كذلك بظاهر دليله حتي مع الاشتراط نظير شرب الخمر و عمل الخشب صنما أو صورة حيوان و نظير مجامعة الزوج التي دل بعض الأخبار السابقة علي عدم ارتفاع حكمها أعني الإباحة متي أراد الزوج باشتراط كونها بيد المرأة و نظير التزوج و التسري و الهجر حيث دل بعض تلك الأخبار علي عدم ارتفاع إباحتها باشتراط تركها معللا بورود الكتاب العزيز بإباحتها. أما ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي حرمته أو وجوبه بملاحظة طرو عنوان خارجي عليه أو كان حراما كذلك فلا يلزم من اشتراط فعله أو تركه إلا تغير عنوان الحلال و الحرام الموجب لتغير الحل و الحرمة فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام أ لا تري أنه لو نهي السيد عبده أو الوالد ولده عن فعل مباح أعني مطالبة ماله في ذمة غريمه أو حلف الملك علي تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طرو عنوان معصية السيد و الوالد و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال فكذلك ترك ذلك الفعل في ضمن عقد يجب الوفاء به و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها إلي بلد آخر محرم في نفسه و كذلك امتناعها من المجامعة و لا ينافي ذلك حليتهما باشتراط عدم إخراجها عن بلدها أو باشتراط عدم مجامعتها كما في بعض النصوص. و بالجملة فتحريم الحلال و تحليل الحرام إنما يلزم مع معارضة أدلة الوفاء بالشرط لأدلة أصل الحكم حتي يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله أما إذا كان دليل ذلك الحكم لا يفيد إلا ثبوته لو خلي الموضوع و طبعه فإنه لا يعارضه ما دل علي ثبوت ضد ذلك الحكم إذا طرأ علي الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له إلا مجردا عن ذلك العنوان

ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال

اشارة

علي ما ذكرنا في معني الرواية بأن أدلة حلية أغلب المحللات بل كلها إنما تدل علي حليتها في أنفسها لو خليت و أنفسها فلا تنافي حرمتها من أجل الشرط كما قد تحرم من أجل النذر و أخويه و من جهة إطاعة الوالد و السيد و من جهة صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها. نعم لو دل دليل حل شي‌ء علي الحلية المطلقة نظير دلالة أدلة المحرمات بحيث لا يقبل طرو عنوان مغير عليه أصلا أو خصوص الشرط من بين العناوين أو دل الدليل من الخارج علي كون ذلك الحلال كذلك كما دل بعض الأخبار بالنسبة إلي بعض الأفعال كالتسري و التزوج و ترك الجماع من دون إرادة الزوجة كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه لكن دلالة نفس دليل الحلية علي ذلك لم توجد في مورد و الوقوف مع الدليل الخارج الدال علي فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك إذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط و مورد ورود الدليل علي عدم تغير حل الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة مع أن الإمام علل فساد الشرط في هذه الموارد بكونه محرما للحلال كما عرفت في الرواية التي تقدمت في عدم صحة اشتراط عدم التزوج و التسري معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال علي إباحتها.

[عدم ورود الإشكال في الشرط المحلل للحرام]

نعم لا يرد هذا الإشكال في طرف تحليل الحرام لأن أدلة المحرمات قد علم دلالتها علي التحريم علي وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل علي إرادة الحرام في نفسه لو لا الشرط و ليس كذلك في طرف المحرم للحلال فإنا قد علمنا أن ليس المراد الحلال لو لا الشرط لأن تحريم المباحات لأجل الشرط فوق حد الإحصاء بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا أو تركا

[توهم اختصاص الإشكال بما دل علي الإباحة التكليفية]

و ربما يتخيل أن هذا الإشكال مختص بما دل علي الإباحة التكليفية كقوله تحل كذا و تباح كذا أما الحلية التي تضمنها الأحكام الوضعية كالحكم بثبوت الزوجية أو الملكية أو الرقية أو أضدادها فهي أحكام لا تتغير لعنوان أصلا فإن الانتفاع بالملك في الجملة و الاستمتاع بالزوجة و النظر إلي أمها و بنتها من المباحات التي لا تقبل التغير و لذا ذكر في مثال الصلح المحرم للحلال أن لا ينتفع بماله أو لا يطأ جاريته. و بعبارة أخري ترتب آثار الملكية علي الملك في الجملة و آثار الزوجية علي الزوج كذلك من المباحات التي لا تتغير عن إباحتها و إن كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه إلي التحريم كالسكني فيما لو اشترط إسكان البائع فيه مدة و إسكان الزوجة في بلد اشترط أن لا يخرج إليه أو وطئها مع اشتراط عدم وطئها أصلا كما هو المنصوص و لكن الإنصاف أنه كلام غير منضبط فإنه كما جاز تغير إباحة بعض الانتفاعات كالوطئ في النكاح و السكني في البيع إلي التحريم لأجل الشرط كذلك يجوز تغير إباحة سائرها إلي الحرمة فليس الحكم بعدم تغير إباحة مطلق التصرف في الملك و الاستمتاع بالزوجة لأجل الشرط إلا للإجماع أو لمجرد الاستبعاد و الثاني غير معتد به و الأول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة
المكاسب، ج‌3، ص 280
في بيان هذه الضابطة مع أن هذا العنوان أعني تحريم الحلال و تحليل الحرام إنما وقع مستثني في أدلة انعقاد اليمين و ورد أنه لا يمين في تحليل الحرام و تحريم الحلال و قد ورد بطلان الحلف علي ترك شرب العصير المباح دائما معللا بأنه ليس لك أن تحرم ما أحل الله و من المعلوم أن إباحة العصير لم يثبت من الأحكام الوضعية بل هي من الأحكام التكليفية الابتدائية. و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما معللا بأنه خلاف الكتاب الدال علي إباحتهما و بين ترك الوطي الذي ورد جواز اشتراطه- و كذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بأنه من تحريم الحلال و بين ترك بعض المباحات المتفق علي جواز الحلف عليه في غاية الإشكال

[ما أفاده الفاضل النراقي في تفسير الشرط المحرم للحلال]

و ربما قيل في توجيه الرواية و توضيح معناها أن معني قوله: إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما إما أن يكون إلا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال و إما أن يكون إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال و الأول مخالف لظاهر العبارة مناقضته لما استشهد به الإمام ع- في رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة علي وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج بل يلزم كون الكل لغوا إذ ينحصر مورد: المسلمون عند شروطهم باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات فيبقي الثاني و هو ظاهر الكلام فيكون معناه إلا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال بأن يكون المشروط هو حرمة الحلال ثم قال فإن قيل إذا شرط عدم فعله فلا يرضي بفعله فيجعله حراما عليه قلنا لا نريد أن معني الحرمة طلب الترك من المشترط بل جعله حراما ذاتيا أي مطلوب الترك شرعا و لا شك أن شرط عدم فعل بل نهي شخص عن فعل لا يجعله حراما شرعيا ثم قال فإن قيل الشرط من حيث هو مع قطع النظر عن إيجاب الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا فلا يحرم و لا يحلل قلنا إن أريد أنه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس كذلك بل حكم الشرط ذلك و هذا معني تحريم الشرط و تحليله و علي هذا فلا إجمال في الحديث و لا تخصيص في ذلك كالنذر و العهد و اليمين فإن من نذر أن لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر أن يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا أو يحرم ذلك علي نفسه شرعا لم ينعقد انتهي. أقول لا أفهم معني محصلا لاشتراط حرمة الشي‌ء أو حليته شرعا فإن هذا أمر غير مقدور للمشترط و لا يدخل تحت الجعل فهو داخل في غير المقدور و لا معني لاستثنائه عما يجب الوفاء به لأن هذا لا يمكن عقلا الوفاء به إذ ليس فعلا خصوصا للمشترط و كذلك الكلام في النذر و شبهه و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام في كون المحرم و المحلل نفس الشرط و لم يلاحظ كون الاستثناء من الأفعال التي يعقل الوفاء بالتزامها و حرمة الشي‌ء شرعا لا يعقل فيها الوفاء و النقض. و قد مثل جماعة للصلح المحلل للحرام بالصلح علي شرب الخمر و للمحرم للحلال بالصلح علي أن لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله و كيف كان فالظاهر بل المتعين أن المراد بالتحليل و التحريم المستندين إلي الشرط هو الترخيص و المنع. نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط لا ما كان حلالا لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط. و قد ذكرنا أن المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلية ذلك الشي‌ء أو حرمته و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه ففي الأول يكون الشرط علي تقدير صحته مغيرا للحكم الشرعي و في الثاني يكون مغيرا لموضوعه فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي الصلح و الشرط أنهما لا يغيران حكما شرعيا بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح و الشرط كالنذر و شبهه و أما تغييرهما لموضوع الأحكام الشرعية ففي غاية الكثرة بل هما موضوعان لذلك و قد ذكرنا أن الإشكال في كثير من الموارد في تميز أحد القسمين من الأحكام عن الآخر.

[ما أفاده المحقق القمي في تفسير الشرط المذكور]

و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الذي تكلمنا عليه ذكره المحقق القمي صاحب القوانين في رسالته التي ألفها في هذه المسألة فإنه بعد ما ذكر من أمثلة الشرط غير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه شرب الخمر و الزني و نحوهما من المحرمات و من أمثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات فعل المرجوحات و ترك المباحات و فعل المستحبات كأن يشترط تقليم الأظفار بالسن أبدا و أن لا يلبس الخز أبدا و لا يترك النوافل فإن جعل المكروه أو المستحب واجبا و جعل المباح حراما حرام إلا برخصة شرعية حاصلة من الأسباب الشرعية كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه و يستفاد ذلك من كلام علي ع في رواية إسحاق بن عمار: من اشترط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما قال قدس سره فإن قلت إن الشرط كالنذر و شبهه من الأسباب الشرعية المغيرة للحكم بل الغالب فيه هو إيجاب ما ليس بواجب فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباح و أما لو اشترط في ضمن عقد آخر يصير واجبا فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة قلت الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة و هو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة ببعض الأفعال علي سبيل العموم من دون النظر إلي خصوصية فرد فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلي و كذا حلية المبيع فالتزوج و التسري أمر كلي حلال و التزام تركه مستلزم لتحريمه و كذلك جميع أحكام الشرع من التكليفية و الوضعية و غيرها إنما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها فالمراد من تحليل الحرام و تحريم الحلال المنهي عنه هو أن يحدث المشترط قاعدة كلية و يبدع حكما جديدا و قد أجيز في الشرع البناء علي الشروط إلا شرطا أوجب إبداع حكم كلي جديد مثل تحريم التزوج و التسري و إن كان بالنسبة إلي نفسه فقط و قد قال الله تعالي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و كجعل الخيرة في الجماع و الطلاق بيد المرأة و قد قال الله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ و فيما لو اشترطت عليه أن لا تتزوج أو لا تتسري بفلانة خاصة إشكال فما ذكر في السؤال من وجوب البيع الخاص الذي يشترطانه في ضمن عقد ليس مما يوجب إحداث حكم للبيع و لا تبديل حلال الشارع و حرامه و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب إلي أن قال قدس سره و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة
المكاسب، ج‌3، ص 281
ليس من باب تحليل حرام أو تحريم حلال أو إيجاب جائز علي سبيل القاعدة بل الذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو وجوب العمل علي ما يشترطانه و هذا الحكم أيضا من جعل الشارع فقولنا العمل علي مقتضي الشرط الجائز واجب حكم كلي شرعي و حصوله ليس من جانب شرطنا حتي يكون من باب تحليل الحرام و عكسه بل إنما هو صادر من الشارع انتهي كلامه رفع مقامه و للنظر في مواضع من كلامه مجال فافهم و الله العالم.

الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد

و إلا لم يصح لوجهين أحدهما وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه و بين الشرط الملزم لعدم تحققه فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط فلا بد إما أن يحكم بتساقط كليهما و إما أن يقدم جانب العقد لأنه المتبوع المقصود بالذات و الشرط تابع و علي كل تقدير لا يصح الشرط. الثاني أن الشرط المنافي مخالف للكتاب و السنة الدالين علي عدم تخلف العقد عن مقتضاه فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب و لذا ذكر في التذكرة أن اشتراط عدم بيع المبيع مناف لمقتضي ملكيته فيخالف قوله ص: الناس مسلطون علي أموالهم و دعوي أن العقد إنما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام إذ الكلام في ما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية في كل فرد منه لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف إطلاقه و خلوه عن الشرائط و القيود حتي لا ينافي تخلفه عنه لقيد يقيده و شرط يشترط فيه هذا كله مع تحقق الإجماع علي بطلان هذا الشرط فلا إشكال في أصل الحكم و إنما الإشكال في تشخيص آثار العقد التي لا يتخلف عن مطلق العقد في نظرا العرف أو الشرع و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعتري العقد و إن اتضح ذلك في بعض الموارد لكون الأثر كالمقوم العرفي للبيع أو غرضا أصليا كاشتراط عدم التصرف أصلا في المبيع و عدم الاستمتاع أصلا بالزوجة حتي النظر و نحو ذلك إلا أن الإشكال في كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم علي الجواز في بعض المقامات و اتفاقهم علي عدمه فيما يشبهه و يصعب الفرق بينهما و إن تكلف له بعض مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع و الهبة في ضمن عقد البيع و جواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل أو وقفه حتي علي البائع و ولده كما صرح به في التذكرة. و قد اعترف في التحرير بأن اشتراط العتق مما ينافي مقتضي العقد و إنما جاز لبناء العتق علي التغليب و هذا لو تم لم يجز في الوقف خصوصا علي البائع و ولده فإنه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا علي التغليب. و لأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف و الإشكال في أن الشرط الفلاني مخالف لمقتضي العقد أم لا.
منها اشتراط عدم البيع فإن المشهور عدم الجواز لكن العلامة في التذكرة استشكل في ذلك بل قوي بعض من تأخر عنه صحته. و منها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان- من جواز الشركة فيه إذا قال الربح لنا و لا خسران عليك لصحيحة رفاعة في الشركة في الجارية قال و منعه ابن إدريس لأنه مناف لقضية الشركة قلنا لا نسلم أن تبعية المال لازمة لمطلق الشركة بل للشركة المطلقة و الأقرب تعدي الحكم إلي غير الجارية من المبيعات انتهي. و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية و عدم جوازه في الإجارة مستدلين بأن مقتضي عقد الإجارة عدم ضمان المستأجر فأورد عليهم المحقق الأردبيلي و تبعه جمال المحققين في حاشية الروضة بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك إنما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية. و منها اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها فقد جوزه جماعة لعدم المانع و للنص و منعه آخرون منهم فخر الدين في الإيضاح مستدلا بأن مقتضي العقد تسلط الرجل علي المرأة في الاستمتاع و الإسكان و قد بالغ حتي جعل هذا قرينة علي حمل النص علي استحباب الوفاء. و منها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط أو معه و عدم توارثهما مع الشرط أو لا معه فإنها مبنية علي الخلاف في مقتضي العقد المنقطع. قال في الإيضاح ما ملخصه بعد إسقاطه ما لا يرتبط بالمقام إنهم اختلفوا في أن هذا العقد يقتضي التوارث أم لا و علي الأول فقيل المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو فعلي هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط لأن كل ما تقتضيه الماهية من حيث هي هي فيستحيل عدمه مع وجودها و قيل المقتضي إطلاق العقد أي العقد المجرد عن شرط نقيضه أعني الماهية بشرط لا شي‌ء فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه و علي الثاني قيل يثبت مع الاشتراط و يسقط مع عدمه و قيل لا يصح اشتراطه انتهي. و مرجع القولين إلي أن عدم الإرث من مقتضي إطلاق العقد أو ماهيته و اختار هو هذا القول الرابع تبعا لجده و والده قدس سرهما و استدل عليه أخيرا بما دل علي أن من حدود المتعة أن لا ترثها و لا ترثك قال فجعل نفي الإرث من مقتضي الماهية. و لأجل صعوبة دفع ما ذكرنا من الإشكال في تميز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات إطلاقه التجأ المحقق الثاني مع كمال تبحره في الفقه حتي ثني به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافاة و عدم الإجماع علي الصحة أو البطلان إلي نظر الفقيه فقال أولا المراد بمنافي مقتضي العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه و رتب عليه علي أنه أثره و فائدته التي لأجلها وضع كانتقال العوضين إلي المتعاقدين و إطلاق التصرف فيهما في البيع و ثبوت التوثق في الرهن و المال في ذمة الضامن بالنسبة إلي الضمان و انتقال الحق إلي ذمة المحال عليه في الحوالة و نحو ذلك فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافي مقتضي العقد ثم اعترض علي ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا و أجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما في مقتضي العقد ثم اعترض بأن العقد يقتضي الانتفاع مطلقا فالمنع عن البعض مناف له ثم قال و دفع ذلك لا يخلو عن عسر و كذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا فإن ثبوته مقتضي العقد فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا له ثم قال و لا يمكن أن يقال إن مقتضي العقد ما لم يجعل إلا لأجله كانتقال العوضين فإن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع مثلا ثم قال و الحاسم لمادة الإشكال أن الشروط علي أقسام منها ما انعقد الإجماع علي حكمه من صحة أو فساد و منها ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع أو وضح مقابله و لا كلام فيما وضح و منها
المكاسب، ج‌3، ص 282
ما ليس واحدا من النوعين فهو بحسب نظر الفقيه انتهي كلامه رفع مقامه أقول وضوح المنافاة إن كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال في العوضين و عدم انتقال المال إلي ذمة الضامن و المحال عليه فلا يتأتي معه إنشاء مفهوم العقد العرفي و إن كان بغير العرف فمرجعه إلي الشرع من نص أو إجماع علي صحة الاشتراط و عدمه و مع عدمهما وجب الرجوع إلي دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه فإن دل عليه علي وجه يعارض بإطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة و إن دل علي ثبوته للعقد لو خلي و طبعه بحيث لا ينافي تغير حكمه بالشرط حكم بصحة الشرط. و قد فهم من قوله تعالي الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّساءِ أن السلطنة علي الزوجة من آثار الزوجية التي لا تتغير فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافيا لهذا الأثر و لم يجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافيا. و قد فهم الفقهاء من قوله البيعان بالخيار حتي يفترقا فإن افترقا وجب البيع عدم التنافي فأجمعوا علي صحة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعية للعقد و كذا علي صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق و لو شك في مؤدي الدليل وجب الرجوع إلي أصالة ثبوت ذلك الأثر علي الوجه الثاني فيبقي عموم أدلة الشرط سليما عن المخصص و قد ذكرنا هذا في بيان معني مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع

لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين كما سيجي‌ء بيانه قال في التذكرة و كما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتهما و لو أحق المبيع فلو شرطا مجهولا بطل البيع انتهي. و قد سبق ما يدل علي اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفي لزومه في أصل الشرط بناء علي أن المنفي مطلق الغرر حتي في غير البيع و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتي الوكالة فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع فإن العلامة في التذكرة ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد المبيع أن في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط لكن الإنصاف أن جهالة الشرط يستلزم في العقد دائما مقدارا من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلامة في مواضع من التذكرة من الفرق في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها علي وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الأمور بأن يقول بعتكها علي أنها حامل أو علي أن لك حملها و بين تمليكها علي وجه الجزئية بأن يقول بعتكها و حملها فصحح الأول لأنه تابع و أبطل الثاني لأنه جزء لكن قال في الدروس لو جعل الحمل جزء من المبيع فالأقوي الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط و لا يضر الجهالة لأنه تابع و قال في باب بيع المملوك و لو اشتراه و ما له صح و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا إن قلنا إنه يملك و لو أحلناه اشترطا انتهي. و المسألة محل إشكال و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها حيث صرحوا بأن للشرط قسطا من أحد العوضين و أن التراضي علي المعاوضة وقع منوطا به و لازمه كون الجهالة فيه قادحة و الأقوي اعتبار العلم لعموم نفي الغرر إلا إذا عد الشرط في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج و قد مر ما ينفع هذا المقام في شروط العوضين و سيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان إن شاء الله.

الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال

كما لو شرط في البيع أن يبيعه علي البائع فإن العلامة قد ذكر هنا أنه مستلزم للدور قال في التذكرة لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا أو لا و إلا جاء الدور- لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه علي غيره فإنه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع علي البائع انتهي. و سيأتي تقرير الدور مع جوابه في باب النقد و النسيئة. و قد صرح في الدروس بأن هذا الشرط باطل لا للدور بل لعدم القصد إلي البيع و يرد عليه و علي الدور النقض بما إذا اشترط البائع علي المشتري أن يقف المبيع عليه و علي عقبه فقد صرح في التذكرة بجوازه و صرح بجواز اشتراط رهن المبيع علي الثمن مع جريان الدور فيه.

الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد

فلو تواطئا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به علي المشهور بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف و سيأتي لأن المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط علي نفسه قبل العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا و إن كان أثره مستمرا في نفس الملزم إلي حين العقد بل إلي حين حصول الوفاء و بعده نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان إلي حين حصول المطلوب و إن وعد بإيقاع العقد مقرونا بالتزامه فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له. نعم يمكن أن يقال إن العقد إذا وقع مع تواطئهما علي الشرط كان قيدا معنويا له فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلا مع العمل بذلك الشرط و يكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض إذا التراضي وقع مقيدا بالشرط فإنهم قد صرحوا بأن الشرط كالجزء من أحد العوضين فلا فرق بين أن يقول بعتك العبد بعشرة و شرطت لك ماله و بين تواطئهما علي كون مال العبد للمشتري فقال بعتك العبد بعشرة قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري هذا مع أن الخارج من عموم: المؤمنون عند شروطهم هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه فيعم محل الكلام و علي هذا فلو تواطئا علي شرط فاسد فسد العقد المبني عليه و إن لم يذكر فيه. نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فأوقعا العقد غير بانين علي الشرط بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد و عدم لزوم الشرط هذا و لكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط غير المذكور في متن العقد و عدم إجراء أحكام الشرط عليه و إن وقع العقد مبنيا عليه بل في الرياض عن بعض الأجلة حكاية الإجماع علي عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقد بعد ما ادعي هو قدس سره الإجماع علي أنه لا حكم للشروط إذا كانت قبل عقد النكاح و تتبع كلماتهم في باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكي فتراهم يجوزون في باب الربا و الصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه ببيع الجنس بمساويه
المكاسب، ج‌3، ص 283
ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك في العقد فإن الحلية لا تتحقق إلا بالتواطي علي هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا إلي ما بعده و قد صرح المحقق و العلامة في باب المرابحة بجواز أن يبيع الشي‌ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك إلي البائع ليخبر بذلك الثمن عند بيعه مرابحة إذا لم يشترطا ذلك لفظا و معلوم أن المعاملة لأجل هذا الغرض لا يكون إلا مع التواطؤ و الالتزام بالنقل ثانيا. نعم خص في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بأن المشتري ينقله إليه من دون التزام ذلك و إيقاع العقد علي هذا الالتزام لكنه تقييد لإطلاق كلماتهم خصوصا مع قولهم إذا لم يشترطا لفظا. و بالجملة فظاهر عبارتي الشرائع و التذكرة أن الاشتراط و الالتزام من قصدهما و لم يذكراه لفظا لا أن النقل من قصدهما فراجع و أيضا فقد حكي عن المشهور أن عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعين إذا خلي عن ذكر الأجل ينقلب دائما. نعم ربما ينسب إلي الخلاف و المختلف صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع لكن قد تقدم في خيار المجلس النظر في هذه النسبة إلي الخلاف بل المختلف فراجع- ثم إن هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه و هو بطلان العقد الواقع علي هذا الشرط لأن الشرط من أركان العقد المشروط بل عرفت أنه كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في الإيجاب و القبول كأجزاء العوضين. و قد صرح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا كما إذا قال بعني بدرهم فقال بعتك فقال المشتري قبلت و سيأتي في حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك إن شاء الله تعالي.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع- و هو تنجيز الشرط بناء علي أن تعليقه

اشارة

يسري إلي العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلي جزء من أحد العوضين فإن مرجع قوله بعتك هذا بدرهم علي أن تخيط لي إن جاء زيد علي وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب علي تقدير مجي‌ء زيد بل يؤدي إلي البيع بثمنين علي تقديرين فباعه بالدرهم المجرد علي تقدير عدم مجي‌ء زيد و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب علي تقدير مجيئه

[دفع هذا التوهم]

و يندفع بأن الشرط هو الخياطة علي تقدير المجي‌ء لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق إلي أصل المعاوضة الخاصة و مجرد رجوعهما في المعني إلي أمر واحد لا يوجب البطلان و لذا اعترف بعضهم بأن مرجع قوله أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع و أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر إلي واحد مع الاتفاق علي صحة الثاني و بطلان الأول. نعم ذكره في التذكرة أنه لو شرط البائع كونه أحق بالمبيع لو باعه المشتري ففيه إشكال لكن لم يعلم أن وجهه تعليق الشرط بل ظاهر عبارة التذكرة و كثير منهم في بيع الخيار بشرط رد الثمن كون الشرط و هو الخيار معلقا علي رد الثمن و قد ذكرنا ذلك سابقا في بيع الخيار.

مسألة في حكم الشرط الصحيح

[أقسام الشرط]

[شرط الوصف]

و تفصيله أن الشرط إما أن يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي- ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا و نحوهما

[شرط الفعل]

و إما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما كاشتراط إعتاق العبد و- خياطة الثوب

[شرط الغاية]

و- إما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما

و لا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط

إذ لا يعقل تحصيله هنا معني لوجوب الوفاء فيه و عموم المؤمنون مختص بغير هذا القسم

و أما الثالث

فإن أريد باشتراطه الغاية- أعني الملكية و الزوجية و نحوهما اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلي الثاني و هو اشتراط الفعل و إن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فإن دل الدليل الشرعي علي عدم تحقق تلك الغاية إلا بسببها الشرعي الخاص كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسدا لمخالفته للكتاب و السنة كما أنه لو دل الدليل علي) كفاية الشرط فيه كالوكالة و الوصاية و كون مال العبد و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشتري فلا إشكال. و أما لو لم يدل دليل علي أحد الوجهين كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكا لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرا و نحو ذلك ففي صحة هذا الشرط إشكال من أصالة عدم تحقق تلك الغاية إلا بما علم كونه سببا لها و عموم المؤمنون عند شروطهم و نحوه لا يجري هنا لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به و من أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط بل يشمل ترتيب الآثار عليه نظير الوفاء بالعهد و يشهد له تمسك الإمام ع بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها- علي أداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار علي زوجها بعد الانعتاق مضافا إلي كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد و أما توقف الملك و شبهه علي أسباب خاصة فهي دعوي غير مسموعة مع وجود أفراد اتفق علي صحتها كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما و دعوي تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفرق مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع أخري كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و إن انضم إلي معلوم و كيف كان فالأقوي صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة كما يصح نذر مثل هذه الغايات- بأن ينذر كون المال صدقة أو الشاة أضحية أو كون هذا المال لزيد و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعني ترتيب الآثار.

و إنما الخلاف و الإشكال في القسم الثاني- و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل

اشارة

و الكلام فيه يقع في مسائل

الأولي في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي

ظاهر المشهور هو الوجوب لظاهر النبوي: المؤمنون عند شروطهم و العلوي: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما و يؤكد الوجوب ما أرسل في بعض الكتب من زيادة قوله إلا من عصي الله في النبوي بناء علي كون الاستثناء من المشروط عليه لا من الشارط هذا كله مضافا إلي عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة و ربما ينسب إلي غيره حيث قال إنه
المكاسب، ج‌3، ص 284
لا يجب علي المشروط عليه فعل الشرط و إنما فائدته جعل العقد عرضة للزوال و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه قدس سره في بعض تحقيقاته و هو أن الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه و لا يحتاج بعده إلي صيغة فهو لازم لا يجوز اختلال به كشرط الوكالة و إن احتاج بعده إلي أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يقلب العقد اللازم جائزا و جعل السر فيه أن اشتراط ما العقد كاف في تحققه كجزء من الإيجاب و القبول فهو تابع لهما في اللزوم و الجواز و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد و المعلق علي الممكن ممكن و هو معني قلب اللازم جائزا انتهي. قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام و الأقوي اللزوم مطلقا و إن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا أقول ما ذكره قدس سره في بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا في محل الكلام مقابلا لما اختاره في اللمعة لأن الكلام في اشتراط فعل سائغ و أنه هل يصير واجبا علي المشروط عليه أم لا كما ذكره الشهيد في المتن فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس إلا كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له فلا يقال إنه يجب فعله أو لا يجب. نعم وجوب الوفاء بمعني ترتيب آثار ذلك الشرط المحقق بنفس العقد مما لا خلاف فيه إذ لم يقل أحد بعدم ثبوت الخيار أو آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد. و بالجملة فالكلام هنا في اشتراط فعل يوجد بعد العقد نعم كلام الشهيد في اللمعة أعم منه و من كل شرط لم يسلم لمشترطه و مراده تعذر الشرط و كيف كان فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام إذ لا كلام و لا خلاف في وجوب ترتب آثار الشرط عليه و لا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار و لا في أن المشروط عليه يجبر علي ترتيب الآثار و إن شئت قلت اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات لا المبادئ.
و مما ذكرنا يظهر أن تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية من الإجماع علي لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح لأنه إنما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام. نعم في التذكرة لو اشتري عبدا بشرط أن يعتقه المشتري صح البيع و لزم الشرط عند علمائنا أجمع ثم إن ما ذكره الشهيد قدس سره من أن اشتراط ما سيوجد أمر منفصلا و قد علق عليه العقد إلخ لا يخلو عن نظر إذ حاصله أن الشرط قد علق عليه العقد في الحقيقة و إن كان لا تعليق صورة فحاصل قوله بعتك هذا العبد علي أن تعتقه أن الالتزام بهذه المعاوضة معلق علي التزامك بالعتق فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب علي المشروط له الالتزام بالمعاوضة. و فيه مع أن المعروف بينهم أن الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين و أن القاعدة اللفظية في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعني أيضا و أن رجوعه إلي التعليق علي المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد و إن لم يكن في صورة التعليق أن لازم هذا الكلام- أعني دعوي تعليق العقد علي الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط لا انقلابه جائزا.

الثانية في أنه لو قلنا بوجوب الوفاء- من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع

ظاهر جماعة ذلك- و ظاهر التحرير خلافه- قال في باب الشروط إن الشرط أن تعلق بمصلحة المتعاقدين كالأجل و الخيار و الشهادة و التضمين و الرهن و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة جاز و لزم الوفاء ثم قال إذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط فإن أعتقه المشتري و إلا ففي إجباره وجهان أقربهما عدم الإجبار انتهي. و قال في الدروس يجوز اشتراط سائغ في العقد فيلزم الشرط في طرف المشترط عليه فإن أخل به فللمشترط الفسخ و هل يملك إجباره عليه فيه نظر انتهي و لا معني للزوم الشرط إلا وجوب الوفاء به و قال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترط عتقه إذا أعتقه المشتري فقد وفي بما وجب عليه إلي أن قال و إن امتنع أجبر عليه إن قلنا إنه حق لله تعالي و إن قلنا إنه حق للبائع لم يجبر كما في شرط الرهن و الكفيل لكن يتخير البائع في الفسخ بعد سلامة ما شرط ثم ذكر للشافعي وجهين في الإجبار و عدمه إلي أن قال و الأولي عندي الإجبار في شرط الرهن و الكفيل لو امتنع كما لو شرط تسليم الثمن معجلا فأهمل انتهي و يمكن أن يستظهر هذا القول أعني الوجوب تكليفا مع عدم جواز الإجبار من كل من استدل علي صحة الشرط بعموم المؤمنون مع قوله بعدم وجوب الإجبار كالشيخ في المبسوط حيث استدل علي صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله ع: المؤمنون عند شروطهم ثم ذكر أن في إجباره علي الإعتاق لو امتنع قولين الوجوب لأن عتقه قد استحق بالشرط و عدم الوجوب و إنما يجعل له الخيار ثم قال و الأقوي هو الثاني انتهي. فإن ظهور النبوي في الوجوب من حيث نفسه و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة مما لا مساغ لإنكاره بل الاستدلال به علي صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا علي إرادة الوجوب منه إذ لا تنافي بين استحباب الوفاء بالشرط و فساده فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط في البيع علي صحته ثم إن الصيمري في غاية المرام قال لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق لأنه غير مخالف للكتاب و السنة فيجب الوفاء به و قال هل يكون حقا لله تعالي أو للعبد أو للبائع يحتمل الأول إلي أن قال و يحتمل الثالث هو مذهب العلامة في القواعد و التحرير لأنه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري علي العتق و هو يدل علي أنه حق للبائع و علي القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط بإسقاط البائع و علي القول بكونه للبائع تكون المطالبة له و يسقط بإسقاطه و لا يجبر المشتري و مع الامتناع يتخير المشترط بين الإمضاء و الفسخ و علي القول بأنه للعبد يكون هو المطالب بالعتق و مع الامتناع يرافعه إلي الحاكم ليجبره علي ذلك و كسبه قبل العتق للمشتري علي جميع التقادير انتهي و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الإجبار أن كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف في عدم الإجبار عليه و هو ظاهر أول الكلام السابق في التذكرة لكن قد عرفت قوله أخيرا و الأولي أن له إجباره عليه و إن قلنا إنه حق للبائع و ما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري و ما ذكره في جامع المقاصد و المسالك- من أنه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار حيث قال و اعلم أن في إجبار المشتري علي الإعتاق وجهين أحدهما العدم لأن للبائع طريقا آخر للتخلص و هو الفسخ و الثاني له ذلك لظاهر
المكاسب، ج‌3، ص 285
قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و هو الأوجه انتهي و في المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط و استدل له بعموم الأمر بالوفاء بالعقد و المؤمنون عند شروطهم إلا من عصي الله و ظاهره وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء و التسلط علي الإجبار كما أن ظاهر الصيمري الاتفاق علي وجوب الوفاء بل و علي عدم الإجبار فيما كان حقا مختصا للبائع و الأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين و كيف كان فالأقوي ما اختاره جماعة من أن للمشروط له إجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين فإن المشروط له قد ملك الشرط علي المشروط عليه بمقتضي العقد المقرون بالشرط فيجبر علي تسليمه- و ما في جامع المقاصد من توجيه عدم الإجبار بأن له طريقا إلي التخلص بالفسخ ضعيف في الغاية فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر الإجبار دفعا للضرر و قد يتوهم أن ظاهر الشرط هو فعل الشي‌ء اختيارا فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط و حضور الفعل منه كرها غير ما اشترط عليه فلا ينفع في الوفاء بالشرط و يندفع بأن المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الإجبار و إنما يعرض له من حيث إنه فعل واجب عليه فإذا أجبر فقد أجبر علي نفس الواجب نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط

الثالثة في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار

فيكون مخيرا بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الإجبار ظاهر الروضة و غير واحد هو الثاني و صريح موضع من التذكرة هو الأول قال لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهر أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط فإن أخل به لم يبطل البيع لكن يتخير المشترط بين فسخه للبيع و بين إلزامه بما شرط انتهي و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الإجبار لما عرفت من أن مقتضي العقد المشروط هو العمل علي طبق الشرط اختيارا أو قهرا إلا أن يقال إن العمل بالشرط حق لازم علي المشروط عليه يجبر عليه إذا بني المشروط له علي الوفاء بالعقد و أما إذا أراد الفسخ لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد علي الوجه الذي وقع عليه فله ذلك فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما و هذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد لأن كلا منهما قد ملك ما في يد الآخر و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه فيجبران علي ذلك بخلاف الشرط فإن المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فعلا معني لتملكه فإذا امتنع المشروط عليه عند فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه فتأمل ثم علي عدم المختار من عدم الخيار إلا مع تعذر الإجبار لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر إجباره الظاهر ذلك لعموم ولاية السلطان علي الممتنع فيندفع ضرر المشروط له بذلك الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط إلا الخيار
لعدم دليل علي الأرش- فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال بل المقابلة عرفا و شرعا إنما هي بين المالين و التقييد أمر معنوي لا يعد مالا و إن كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه و ثبوت الأرش في العيب لأجل النص و ظاهر العلامة ثبوت الأرش- إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق و تبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد قال فإن امتنع من تدبيره تخير البائع بين الفسخ و استرجاع العبد و بين الإمضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا و قيمته بشرط التدبير انتهي و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة التفاوت إلي القيمة لإتمام التفاوت لأن للشرط قسطا من الثمن فهو مضمون به لا بتمام قيمته كما نص عليه في التذكرة و ضعف في الدروس قول العلامة بما ذكرنا من أن الثمن لا يقسط علي الشروط و أضعف منه ثبوت الأرش بمجرد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط و إن لم يتعذر كما عن الصيمري و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا و يقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذر ففي استحقاق المشروط له لأجرته و مجرد ثبوت خيار له وجهان قال في التذكرة لو شرط علي البائع عملا سائغا تخير المشتري بين الفسخ و المطالبة به أو بعوضه إن فات وقته و كان مما يتقوم كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا فأتاه به غير مصبوغ و تلف في يد المشتري و لو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ و الإمضاء مجانا انتهي و قال أيضا لو كان الشرط علي المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة و إلا مجانا انتهي و الظاهر أن مراده بما يتقوم في نفسه سواء كان عملا محضا كالخياطة أو عينا كمال العبد المشترط معه أو عينا و عملا كالصبغ لا ماله مدخل في قيمة العوض إذ كل شرط كذلك و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه و إن كان مقتضي المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال فإن المبيع هو الثوب المخيط و العبد المصاحب للمال لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله و لذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما و سيجي‌ء في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء.

الخامسة لو تعذر الشرط

و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه- بتلف أو بنقل أو رهن أو استيلاد فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه أو من أصله وجوه يأتي في أحكام الخيار- و يأتي أن الأقوي الرجوع بالبدل جمعا بين الأدلة هذا كله مع صحة العقد الواقع بأن لا يكون منافيا للوفاء بالشرط و أما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه علي البائع ففي صحته مطلقا أو مع إذن المشروط له- أو إجازته أو بطلانه وجوه خيرها أوسطها فلو باع بدون إذنه كان للمشروط له فسخه و إلزامه بالوفاء بالشرط. نعم لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحة العقد الثاني فإذا فسخ المشروط له ففي انفساخ العقد من حينه أو من أصله أو الرجوع بالقيمة وجوه رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق فلا يبطل لبنائه علي التغليب فيرجع بالقيمة و بين غيره فيبطل اختاره في التذكرة و الروضة قال في فروع مسألة العبد المشترط عتقه بعد ما ذكر أن إطلاق
المكاسب، ج‌3، ص 286
اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا فلو أعتقه بشرط الخدمة مدة تخير المشروط له بين الإمضاء و الفسخ فيرجع بقيمة العبد قال بعد ذلك و لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخير البائع بين الفسخ و الإمضاء فإن فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها في غير ملك تام و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة لأن العتق مبني علي التغليب فلا سبيل إلي فسخه و هل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري فيه احتمال انتهي و مثله ما في الروضة. و قال في الدروس في العبد المشروط عتقه و لو أخرجه عن ملكه ببيع أوهبه أو وقف فللبائع فسخ ذلك كله انتهي و ظاهره ما اخترناه و يحتمل ضعيفا غيره. و في جامع المقاصد الذي ينبغي أن المشتري ممنوع من كل تصرف ينافي العتق المشترط ثم إن هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرف فيها كما نبه عليه في المسالك في أول خيار العيب فيما لو اشترط الصحة علي البائع. نعم إذا دل التصرف علي الالتزام بالعقد لزم العقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء علي ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل علي سقوط خياره بالتصرف معللا بحصول الرضا بالعقد و أما مطلق التصرف فلا.

السادسة للمشروط له إسقاط شرطه

إذا كان مما يقبل الإسقاط- لا مثل اشتراط مال العبد أو حمل الدابة لعموم ما تقدم في إسقاط الخيار و غيره من الحقوق- و قد يستثني من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له كالعتق فإن المصرح به في كلام جماعة كالعلامة و ولده و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه بإسقاط المشروط له قال في التذكرة الأقوي عندي أن العتق المشروط اجتمع فيه حقوق- حق لله و حق للبائع و حق للعبد ثم استقرب بناء علي ما ذكره مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشتري. و في الإيضاح الأقوي أنه حق للبائع و لله تعالي فلا يسقط بالإسقاط انتهي و في الدروس لو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق لتعلق حق العبد و حق الله تعالي به انتهي. و في جامع المقاصد أن التحقيق أن العتق فيه معني القربة و العبادة و هو حق الله تعالي و زوال الحجر و هو حق للعبد و فوات المالية علي الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع انتهي. أقول أما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب للشارع فهو واضح و أما كونه حقا للعبد فإن أريد به مجرد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنة له علي المشتري بل هو متفرع علي حق البائع دائر معه وجودا و عدما و إن أريد ثبوت حق علي المشتري يوجب السلطنة علي المطالبة فلا دليل عليه و دليل الوفاء لا يوجب إلا ثبوت الحق للبائع و بالجملة فاشتراط عتق العبد ليس إلا كاشتراط أن يبيع المبيع من زيد بأدون من ثمن المثل أو يتصدق به عليه و لم يذكر أحد أن لزيد المطالبة. و مما ذكر يظهر الكلام في ثبوت حق الله تعالي فإنه إن أريد به مجرد وجوبه عليه لأنه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جار في كل شرط و لا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط و إن أريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا لله كما ذكره جامع المقاصد ففيه أن مجرد المطلوبية إذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق لله علي وجه يلزم به الحاكم و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم و قد عرفت أن المطلوب غير هذا فافهم

السابعة قد عرفت أن الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن- عند انكشاف التخلف علي المشهور

اشارة

لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفا علي مقابلة أحد العوضين إلا بالآخر و الشرع لم يزد علي ذلك إذ أمره بالوفاء بذلك المدلول العرفي فتخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين هذا و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بأن يشتري مركبا و يشترط كونه كذا و كذا جزء كأن يقول بعتك هذا الأرض أو الثوب أو الصبرة علي أن يكون كذا ذراعا أو صاعا فقد جعل الشرط تركبه من أجزاء معينة فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية و يقال إن المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء فالمتخلف هو قيد من قيود العين كالكتابة و نحوها في العبد لا يوجب فواتها إلا خيارا بين الفسخ و الإمضاء بتمام الثمن أو يلاحظ جانب الجزئية فإن المذكور و إن كان بصورة القيد إلا أن منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه فالمبيع في الحقيقة هو كذا و كذا جزء إلا أنه عبر عنه بهذه العبارة كما لو أخبر بوزن المبيع المعين فباعه اعتمادا علي إخباره فإن وقوع البيع علي العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن علي الفائت و بالجملة فالفائت عرفا و في الحقيقة هو الجزء و إن كان بصورة الشرط فلا يجري فيه ما مر من عدم التقابل إلا بين نفس العوضين و لأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه أرضا علي أنها جربان معينة أو صبره علي أنها أصوع معينة

[لو باع شيئا علي أنه قدر معين فتبين الاختلاف]

اشارة

و تفصيل ذلك العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معينا فتبين الاختلاف من حيث الكم فأقسامه أربعة لأنه إما أن يكون مختلف الأجزاء أو متفقها و علي التقديرين فإما أن يزيد و إما أن ينقص

فالأول تبين النقص في متساوي الأجزاء

و لا إشكال في الخيار و إنما الإشكال و الخلاف في أن له الإمضاء بحصة من الثمن أو ليس له الإمضاء إلا بتمام الثمن فالمشهور كما عن غاية المرام هو الأول. و قد حكي عن المبسوط و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح و الروضة و ظاهر السرائر و إيضاح النافع حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء فيكون كذلك في متساوي الأجزاء بطريق أولي و يظهر من استدلال بعضهم علي الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغا عنه. و عن مجمع البرهان أنه ظاهر القوانين الشرعية و وجهه مضافا إلي فحوي الرواية الآتية في القسم الثاني ما أشرنا إليه من أن كون المبيع الشخصي بذلك المقدار و إن كان بصورة الشرط إلا أن مرجعه إلي كون المبيع هذا القدر كما لو كالا طعاما فاشتراه فتبين الغلط في الكيل و لا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا خلافا لصريح القواعد و محكي الإيضاح و قواه في محكي حواشي الشهيد و الميسية و الكفاية و استوجهه في المسالك و يظهر من جامع المقاصد أيضا لأن المبيع هو الموجود الخارجي كائنا ما كان غاية الأمر أنه التزم أن يكون بمقدار معين و هو وصف غير موجود في المبيع فأوجب الخيار كالكتابة المفقودة في العبد و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار إلا أنه غير موجود في الخارج مع
المكاسب، ج‌3، ص 287
أن مقتضي تعارض الإشارة و الوصف غالبا ترجيح الإشارة عرفا فإرجاع قوله بعتك هذه الصبرة علي أنها عشرة أصوع إلي قوله بعتك عشرة أصوع موجودة في هذا المكان تكلف و الجواب أن كونه من قبيل الشرط مسلم إلا أن الكبري و هي أن كل شرط لا يوزع عليه الثمن ممنوعة لأن المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة فتأمل.

الثاني تبين النقص في مختلف الأجزاء

و الأقوي فيه ما ذكر من التقسيط مع الإمضاء وفاقا للأكثر لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع مضافا إلي خبر ابن حنظلة: رجل باع أرضا علي أنها عشرة أجربة فاشتري المشتري منه بحدوده و نقد الثمن و أوقع صفقة البيع و افترقا فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة أجربة قال فإن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض و إن شاء رد المبيع و أخذ المال كله إلا أن يكون له إلي جنب تلك الأرض أرضون فليوفه و يكون البيع لازما فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله و إن شاء رد الأرض و أخذ المال كله الخبر. و لا بأس باشتماله علي حكم مخالف للقواعد لأن غاية الأمر علي فرض عدم إمكان إرجاعه إليها و مخالفة ظاهرة للإجماع طرح ذيله غير المسقط لصدره عن الاحتجاج خلافا للمحكي عن المبسوط و جميع من قال في الصورة الأولي بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد و لا ينقص لوجود الشرط و عدمه و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار كما لو اشترط حمل الدابة أو مال العبد فتبين عدمهما و زاد بعض هؤلاء ما فرق به في المبسوط بين الصورتين بأن الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن لأن المبيع مختلف الأجزاء فلا يمكن قسمته علي عدد الجريان. و فيه أن عدم معلومية قسطه لا يوجب عدم استحقاق المشتري ما يستحقه علي تقدير العلم فيمكن التخلص بصلح أو نحوه إلا أن يدعي استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة إلي التقسيط و فيه منع عدم المعلومية لأن الفائت صفة كون هذه الأرض المعينة المشخصة عشرة أجربة و يحصل فرضه و إن كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الأرض لأنه معني فرض نفس الخمسة عشرة و فرضه أيضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية أو أربعة تسعة أو واحد ستة أو غير ذلك و إن كان ممكنا إلا أنه لا ينفع مع فرض تساوي قطاع الأرض و مع اختلافها فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا علي ما هو عليه من الصفات المرئية أو الموصوفة ثم إن المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة و نفي عنه البعد في التذكرة معللا بأن القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلي المثل من الأرش.
و فيه مع منع كون نحو الأرض مثليا أن الفائت لم يقع المعاوضة عليه في ابتداء العقد و قسطه من الثمن باق في ملك المشتري و ليس مضمونا علي البائع حتي يقدم مثله علي قيمته و أما الشيخ قدس سره فالظاهر استناده في ذلك إلي الرواية.

الثالث أن يتبين الزيادة عما شرط علي البائع

فإن دلت القرينة علي أن المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر أن الكل للمشتري و لا خيار و إن أريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة و عليه من حيث عدم النقيصة ففي كون الزيادة للبائع و تخير المشتري للشركة أو تخير البائع بين الفسخ و الإجازة لمجموع الشي‌ء بالثمن وجهان من أن مقتضي ما تقدم من أن اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا أن اشتراط عدم الزيادة علي المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و إخراج الزائد عن المبيع و من الفرق بينهما بأن اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا و ليس بمنزلة الاستثناء فتخلفه لا يوجب إلا الخيار و لعل هذا أظهر مضافا إلي إمكان الفرق بين الزيادة و النقيصة مع اشتراكهما في كون مقتضي القاعدة فيها كونهما من تخلف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته بورود النص المتقدم في النقيصة و نبقي الزيادة علي مقتضي الضابطة و لذا اختار الاحتمال الثاني بعض من قال بالتقسيط في أطراف النقيصة. و قد يحكي عن المبسوط القول بالبطلان هنا لأن البائع لم يقصد بيع الزائد و المشتري لم يقصد شراء البعض و فيه تأمل.

الرابع أن يتبين في مختلف الأجزاء

و حكمه يعلم مما ذكرنا

القول في حكم الشرط الفاسد

اشارة

الكلام فيه يقع في أمور-

الأول أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعيد

اشارة

فإن كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به علي القول بعدم فساد أصل العقد و تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه إلي جهالة أحد العوضين فيكون البيع غررا و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر في أصل البيع كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا لأنه موجب للدور أو لعدم القصد إلي البيع الأول أو للتعبد من أجل الإجماع أو النص و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما لأن المعاملة علي هذا الوجه أكل للمال بالباطل و لبعض الأخبار

[هل الشرط الفاسد لغير إخلاله بالعقد مفسد للعقد]

اشارة

و إنما الإشكال فيما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد أم يبقي العقد علي الصحة قولان حكي أولهما عن الشيخ و الإسكافي و ابن البراج و ابن سعيد و ثانيهما للعلامة و الشهيدين و المحقق الثاني و جماعة ممن تبعهم. و ظاهر ابن زهرة في الغنية التفصيل بين الشرط غير المقدور كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا و بين غيره من الشروط الفاسدة فادعي في الأول عدم الخلاف في الفساد و الإفساد و مقتضي التأمل في كلامه أن الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور علي تسليمه و لو صح ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف لرجوعه كالشرط المجهول إلي ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين لكن صريح العلامة في التذكرة وقوع الخلاف في الشرط غير المقدور و مثل بالمثالين المذكورين و نسب القول بصحة العقد إلي بعض علمائنا و الحق أن الشرط غير المقدور من حيث هو غير مقدور لا يوجب تعذر التسليم في أحد العوضين. نعم لو أوجبه فهو خارج عن محل النزاع كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر و ربما ينسب إلي ابن المتوج البحراني التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلق غرض مقصود
المكاسب، ج‌3، ص 288
للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كأكل طعام بعينه أو لبس ثوب كذلك و بين غيره. و قد تقدم في اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء عن التذكرة و غيرها أن هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف في أن اشتراط الكفر صحيح أم لا و عدم الخلاف ظاهرا في لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصي معين و ظاهر ذلك كله التسالم علي صحة العقد و لو مع لغوية الشرط و يؤيد الاتفاق علي عدم الفساد استدلال القائلين بالإفساد بأن للشرط قسطا من الثمن فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا. نعم استدلالهم الآخر علي الإفساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط ربما يؤيد عموم محل الكلام لهذا الشرط إلا أن الشهيدين ممن استدل بهذا الوجه و صرح بلغوية اشتراط الكفر و الجهل بالعبادات بحيث يظهر منه صحة العقد فراجع و كيف كان

فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة

وفاقا لمن تقدم لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصصه

[أدلة القائلين بالإفساد]

اشارة

عدا وجوه

أحدها ما ذكره في المبسوط للمانعين من أن للشرط قسطا من العوض مجهولا

فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولا و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزء من الصداق فيجب علي هذا سقوط المسمي و الرجوع إلي مهر المثل أولا منع مقابلة الشرط بشي‌ء من العوضين عرفا و لا شرعا لأن مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن غاية الأمر كون الشرط قيدا لأحدهما يكون له دخل في زيادة العوض و نقصانه و الشرط لم يحكم علي هذا العقد إلا بإمضائه علي النحو الواقع عليه فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين و لذا لم يكن في فقده إلا الخيار بين الفسخ و الإمضاء مجانا كما عرفت. و ثانيا منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض إذ ليس العوض المنضم إلي الشرط و المجرد عنه إلا كالمتصف بوصف الصحة و المجرد عنه في كون التفاوت بينهما مضبوطا في العرف و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الأرش لو لم يتحقق العتق المشروط في صحة بيع المملوك و بلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب. و ثالثا منع كون الجهالة الطارئة علي العوض قادحة إنما القادح به هو الجهل به عند إنشاء العقد.

الثاني أن التراضي إنما وقع علي العقد الواقع علي النحو الخاص

فإذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيد بانتفاء القيد و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة أخري محتاجة إلي تراض جديد و إنشاء جديد و بدونه يكون التصرف أكلا للمال لا عن تراض. و فيه منع كون ارتباط الشرط بالعقد علي وجه يحوج انتفاؤه إلي معاوضة جديدة عن تراض جديد و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك كما إذا تبين نقص أحد العوضين أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع كالكتابة و الصحة و كالشروط الفاسدة في عقد النكاح فإنه لا خلاف نصا و فتوي في عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه. و قد تقدم أن ظاهرهم في الشرط غير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به و تقدم أيضا أن ظاهرهم أن الشرط غير المذكور في العقد لا حكم له صحيحا كان أو فاسدا و دعوي أن الأصل في الارتباط هو انتفاء الشي‌ء بانتفاء ما ارتبط به و مجرد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدي مدفوعة بأن المقصود من بيان الأمثلة أنه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد و أنه ليس التصرف المترتب علي العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض جوزه الشارع تعبدا و قهرا علي المتعاقدين فما هو التوجيه في هذه الأمثلة هو التوجيه فيما نحن فيه و لذا اعترف في جامع المقاصد بأن في الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا. و الحاصل أنه يكفي للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض مستندا إلي النقض بهذه الموارد و حل ذلك أن القيود المأخوذة في المطلوبات العرفية و الشرعية منها ما هو ركن المطلوب ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا و كون مطلوب المولي إتيان تتن الشطب لا الأصفر الصالح للنار جيل و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لأجل التنظيف فإن العرف يحكم في هذه الأمثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود فلا يقوم الحمار مقام العبد و لا الأصفر مقام التتن و لا التيمم مقام الغسل. و منها ما ليس كذلك ككون العبد صحيحا و التتن جيدا و الغسل بماء الفرات فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب و الظاهر أن الشرط من هذا القبيل لا من قبيل الأول فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا عن تراض. نعم غاية الأمر أن فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين و لا مانع من التزامه و إن لم يظهر منه أثر في كلام القائلين بهذا القول

الثالث [الاستدلال بالروايات]

رواية عبد الملك ابن عتبة عن الرضا ع: عن الرجل ابتاع منه طعاما أو متاعا علي أن ليس منه علي وضيعة هل يستقيم هذا و كيف هنا و ما حد ذلك قال لا ينبغي و الظاهر أن المراد الحرمة لا الكراهة كما في المختلف إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد و رواية الحسين ابن المنذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب مني العينة فأشتري المتاع لأجله ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت أيضا بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير لا بأس فإن مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختارا في ترك المعاملة الثانية و عدم الاختيار في تركها إنما يتحقق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأول و إلا فلا يلزم عليها فيصير الحاصل أنه إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصح البيع الأول فكذا الثاني أو لم يصح الثاني لأجل فساد الأول إذ لا مفسد له غيره و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع قال:
سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلي أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا أ يحل قال إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس و دلالتها أوضح من الأولي و الجواب أما عن الأولي فبظهور لا ينبغي في الكراهة و لا مانع من كراهة البيع علي هذا النحو من أن البيع صحيح غير مكروه و الوفاء بالشرط مكروه و أما عن الروايتين فأولا بأن الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوي أهل المسجد علي خلاف قول الإمام ع في الرواية الأولي هو رجوع البأس في المفهوم إلي الشراء و لا ينحصر وجه فساده في فساد البيع لاحتمال
المكاسب، ج‌3، ص 289
أن يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأول فإن العرف لا يفرقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط في متن العقد أو في الخارج فإذا التزم به أحدهما في خارج العقد الأول كان وقوعه للزومه عليه عرفا فيقع لا عن رضا منه فيفسد و ثانيا بأن غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا و هو مما لا خلاف فيه حتي ممن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط فلا يتعدي منه إلي غيره فلعل البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلامة أو لعدم قصد البيع كما ذكره الشهيد قدس سره أو لغير ذلك بل التحقيق أن مسألة اشتراط بيع المبيع خارجة عما نحن فيه لأن الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسدا لأنه ليس مخالفا للكتاب و السنة و لا منافيا لمقتضي العقد بل الفساد في أصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط و قد أشرنا إلي ذلك في أول المسألة و لعله لما ذكرنا لم يستند إليها أحد في مسألتنا هذه و الحاصل أني لم أجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن به النفس

و يدل علي الصحة أيضا جملة من الأخبار

منها ما عن المشايخ الثلاثة

في الصحيح عن الحلبي عن الصادق ع: أنه ذكران بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقها فخيرها رسول الله ص فقال إن شاءت قعدت عند زوجها و إن شاءت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا علي عائشة أن لهم ولاءها فقال ص: الولاء لمن أعتق و حملها علي الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده في هذه الرواية إشارة و في غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة فالإنصاف أن الرواية في غاية الظهور.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي

الأولي عن أحدهما في الرجل يشتري الجارية و يشترط لأهلها أن لا يبيع و لا يهب و لا ترث قال: يفي بذلك إذا اشترط لهم إلا الميراث فإن الحكم بوجوب الوفاء بالأولين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون إلا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة حتي أنه حكي عن كاشف الرموز أني لم أجد عاملا بهذه الرواية كان الأمر بالوفاء محمولا علي الاستحباب و يتم المطلوب أيضا و يكون استثناء شرط الإرث لأن الملك فيه قهري للوارث لا معني لاستحباب وفاء المشتري به مع أن تحقق الإجماع علي بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع كما لا يخفي و الثانية عن أبي عبد الله ع عن الشرط في الإماء لا تباع و لا تورث و لا توهب قال: يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد الخبر فإن قوله: فإنها تورث يدل علي بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث علي الصحة بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك: كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فهو رد أي لا يعمل به أن جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط لا بطلان أصل البيع. و يؤيده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح

و قد يستدل علي الصحة بأن صحة الشرط فرع علي صحة البيع

فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا علي صحة الشرط لزم الدور و فيه ما لا يخفي

و الإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال

و لذا توقف فيها بعض تبعا للمحقق قدس سره

[هل الشرط الفاسد يوجب الخيار للمشروط له]

ثم علي تقدير صحة العقد- ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه من حيث كونه في حكم تخلف الشرط الصحيح فإن المانع الشرعي كالعقلي فيدل عليه ما يدل علي خيار تخلف الشرط. و لا فرق في الجهل المعتبر في الخيار بين كونه بالموضوع أو بالحكم الشرعي و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار أو بفوريته و لكن يشكل بأن العمدة في خيار تخلف الشرط هو الإجماع و أدلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة أنها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعي إذا لم يعتضد بعمل جماعة لأن المعلوم إجمالا أنه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد خصوصا إذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعي عذرا فرب ضرر يترتب علي المعاملات من أجل الجهل بأحكامها خصوصا الصحة و الفساد فإن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد بأن الضرر المترتب علي فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك مع أن مقتضي تلك الأدلة نفي الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر في دفعه سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع أم بالحكم و إن قام الدليل في بعض المقامات علي التسوية بين القاصر و المقصر فالأقوي في المقام عدم الخيار و إن كان يسبق خلافه في بادئ الأنظار.

الثاني لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد علي القول بإفساده لم يصح بذلك العقد

لانعقاده بينهما علي الفساد فلا ينفع إسقاط المفسد و يحتمل الصحة بناء علي أن التراضي إنما حصل علي العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد. و فيه أن التراضي إنما ينفع إذا وقع عليه العقد أو لحق العقد السابق كما في بيع المكره و الفضولي و أما إذا طرأ الرضا علي غير ما وقع عليه العقد فلا ينفع لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه و متعلق العقد لم يرض به و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردد في الفساد بعد إسقاط الشرط قال يشترط في العمل المشروط علي البائع أن يكون محللا فلو اشتري العنب علي شرط أن يعصره البائع خمرا لم يصح الشرط و البيع علي إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه و هو المانع من صحة البيع- و من اقتران البيع بالمبطل و بالجملة فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحا أو إيقاف البيع بدونه فإن لم يرض بدونه بطل و الأصح انتهي و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف.

الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد

فهل يبطل العقد بذلك بناء علي أن الشرط الفاسد مفسد له أم لا وجهان بل قولان مبنيان علي تأثير الشرط قبل العقد فإن قلنا بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور و قد تقدم في الشروط لم يفسد و إلا فسد و يظهر من المسالك هنا قول ثالث قال في مسألة اشتراط بيع المبيع من البائع المراد باشتراط ذلك شرطه في متن العقد فلو كان في أنفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضر و لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان بأن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا علي الشرط و لم يتم لهما فيبطل العقد انتهي. و في باب المرابحة بعد ذكر المحقق في المسألة المذكورة أنه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره قال في المسالك أي لم يشترطاه في نفس العقد فلا عبرة بشرطه قبله. نعم لو توهم لزوم ذلك أو نسي ذكره فيه مع ذكره قبله اتجه الفساد انتهي. ثم حكي اعتراضا علي
المكاسب، ج‌3، ص 290
المحقق قدس سره- و جوابا عنه بقوله قيل عليه إن مخالفة القصد للفظ تقتضي بطلان العقد لأن العقود تتبع القصود فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ و أجيب عنه بأن القصد و إن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر في البطلان لتوقف البطلان علي اللفظ و القصد و كذلك الصحة و لم يوجد في الفرض ثم قال قدس سره و فيه منع ظاهر فإن اعتبارهما معا في الصحة يقتضي كون تخلف أحدهما كافيا في البطلان و يرشد إليه عبارة الساهي و الغالط و المكره فإن المتخلف الموجب للبطلان هو القصد و إلا فاللفظ موجود ثم قال و الذي ينبغي فهمه أنه لا بد من قصدهما إلي البيع المترتب عليه أثر الملك للمشتري علي وجه لا يلزمه رده و إنما يفتقر قصدهما لرده بعد ذلك بطريق الاختيار نظرا إلي وثوق البائع بالمشتري أنه لا يمتنع من رده إليه بعقد جديد بمحض اختياره و مروته انتهي كلامه.
أقول إذا أوقعا العقد المجرد علي النحو الذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما في البناء علي الشرط و الالتزام به إلا بالتلفظ بالشرط و عدمه فإن قلنا بعدم اعتبار التلفظ في تأثير الشرط الصحيح و الفاسد فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره فإن العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام علي العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد بل إقدامه كإقدام من يعتقد الصحة كما لا فرق في إيقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب أثر شرعي عليه و غيره. و بالجملة فالإقدام علي العقد مقيدا أمر عرفي يصدر من المتعاقدين و إن علما بفساد الشرط و أما حكم صورة نسيان ذكر الشرط فإن كان مع نسيان أصل الشرط كما هو الغالب فالظاهر الصحة لعدم الإقدام علي العقد مقيدا غاية الأمر أنه كان عازما علي ذلك لكن غفل عنه. نعم لو اتفق إيقاع العقد مع الالتفات إلي الشرط ثم طرأ عليه النسيان في محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا علي تواطئهما السابق.

الرابع لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء

فظاهر كلام جماعة من القائلين بإفساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد. قال في التذكرة في باب العيب لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية فإنه لغو لا يوجب الخيار و قد صرح في مواضع آخر في باب الشروط بصحة العقد و لغوية الشرط و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار إذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما و مرجعه إلي لغوية الاشتراط و قد ذكروا في السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط أن الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن في تخلفها أو تعذرها خيار خرجت عن قابلية تقييد العقد بها لعدم عدها كالجزء من أحد العوضين و يشكل بأن لغويتها لا تنافي تقييد العقد بها في نظر المتعاقدين فاللازم إما بطلان العقد و إما وجوب الوفاء كما إذا جعل بعض الثمن مما لا يعد مالا في العرف

الكلام في أحكام الخيار

الكلام في أحكام الخيار

الخيار موروث بأنواعه

اشارة

بلا خلاف بين الأصحاب كما في الرياض و ظاهر الحدائق- و في التذكرة أن الخيار عندنا موروث- لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص في جميع أنواعه و به قال الشافعي إلا في خيار المجلس و ادعي في الغنية الإجماع علي إرث خيار المجلس و الشرط

[الاستدلال عليه بما ورد في إرث ما ترك الميت]

اشارة

و استدل عليه مع ذلك بأنه حق للميت فيورث لظاهر القرآن و تبعه بعض من تأخر عنه و زيد عليه الاستدلال بالنبوي: ما ترك الميت من حق فلوارثه. أقول

الاستدلال علي هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين في إرث ما ترك الميت يتوقف علي ثبوت أمرين

أحدهما كون الخيار حقا لا حكما شرعيا

كإجازة العقد الفضولي و جواز الرجوع في الهبة و سائر العقود الجائزة فإن الحكم الشرعي مما لا يورث و كذا ما تردد بينهما للأصل و ليس في الأخبار ما يدل علي ذلك عدا ما دل علي انتفاء الخيار بالتصرف معللا بأنه رضا كما تقدم في خيار الحيوان و التمسك بالإجماع علي سقوطه بالإسقاط فيكشف عن كونه حقا لا حكما مستغني عنه بقيام الإجماع علي نفس الحكم.

الثاني كونه حقا قابلا للانتقال

ليصدق أنه مما ترك الميت بأن لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له و إلا فمثل حق الجلوس في السوق و المسجد و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال فلا يورث و إثبات هذا الأمر بغير الإجماع أيضا مشكل و التمسك في ذلك باستصحاب بقاء الحق- و عدم انقطاعه بموت ذي الحق أشكل لعدم إحراز الموضوع لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق و كيف كان ففي الإجماع المنعقد علي نفس الحكم كفاية إن شاء الله تعالي.

بقي الكلام في أن إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال فعلا

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار إلي الوارث- و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه كالرقية أو القتل للمورث أو الكفر فلا إشكال في عدم الإرث لأن الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق و لو كان حرمانه من المال لتعبد شرعي كالزوجة غير ذات الولد أو مطلقا بالنسبة إلي العقار و غير الأكبر من الأولاد بالنسبة إلي الحبوة ففي حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا أو عدم حرمانه كذلك وجوه بل أقوال ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلي الميت أو عنه فيرث في الأول صرح به فخر الدين في الإيضاح و فسر به عبارة والده كالسيد العميد و شيخنا الشهيد في الحواشي و رابعها عدم الجواز في تلك الصورة و الإشكال في غيرها صرح به في جامع المقاصد و لم أجد من جزم بعدم الإرث مطلقا و إن أمكن توجيهه بأن ما يحرم منه هذا الوارث إن كان قد انتقل عن الميت فالفسخ لا معني له لأنه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شي‌ء من المثمن. و بعبارة أخري الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته عليه و لا علاقة هنا و لا سلطنة و إن كان قد انتقل إلي الميت فهو لباقي الورثة و لا سلطنة لهذا المحروم و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز تسلطه علي ما وصل بإزائه و لكن يرد ذلك بما في الإيضاح من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كخيار الأجنبي فعمومات الإرث بالنسبة إلي الخيار لم يخرج عنها الزوجة و إن خرجت عنها بالنسبة إلي المال. و الحاصل أن حق الخيار ليس تابعا للملكية و لذا قوي بعض المعاصرين ثبوت الخيار في الصورتين و يضعفه أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل إلي
المكاسب، ج‌3، ص 291
الغير من حيث التسلط علي استرداده إلي نفسه أو إلي من هو منصوب من قبله كما في الأجنبي. و بعبارة أخري ملك لتملك المعوض لنفسه أو لمن نصب عنه و هذه العلاقة لا تنتقل من الميت إلا إلي وارث يكون كالميت في كونه مالكا لأن يملك فإذا فرض أن الميت باع أرضا بثمن فالعلاقة المذكورة إنما هي لسائر الورثة دون الزوجة لأنها بالخيار لا ترد شيئا من الأرض إلي نفسها و لا إلي آخر هي من قبله لتكون كالأجنبي المجعول له. نعم لو كان الميت قد انتقلت إليه الأرض كان الثمن المدفوع إلي البائع متزلزلا في ملكه فيكون في معرض الانتقال إلي جميع الورثة و منهم الزوجة فهي أيضا مالكه لتملك حصتها من الثمن لكن فيه ما ذكرنا سابقا من أن الخيار حق فيما انتقل عنه بعد إحراز التسلط علي ما وصل بإزائه و عبر عنه في جامع المقاصد بلزوم تسلط الزوجة علي مال الغير و حاصله أن الميت إنما كان له الخيار و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلطه علي رد ما في يده لتملك ما انتقل عنه بإزائه فلا تنتقل هذه العلاقة إلا إلي من هو كذلك من ورثته- كما مر نظيره في عكس هذه الصورة و ليست الزوجة كذلك. و قد تقدم في مسألة ثبوت خيار المجلس للوكيل أن أدلة الخيار مسوقة لبيان تسلط ذي الخيار علي صاحبه من جهة تسلطه علي تملك ما في يده فلا يثبت بها تسلط الوكيل علي ما وصل إليه لموكله و ما نحن فيه كذلك و يمكن دفعه بأن ملك بائع الأرض للثمن لما كان متزلزلا و في معرض الانتقال إلي جميع الورثة اقتضي بقاء هذا التزلزل بعد موت ذي الخيار ثبوت حق للزوجة و إن لم يكن لها تسلط علي نفس الأرض و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم في الوكيل أن الخيار هناك و تزلزل ملك الطرف الآخر و كونه في معرض الانتقال إلي موكل الوكيل كان متوقفا علي تسلط الوكيل علي ما في يده و تزلزل ملك الطرف الآخر هنا و كونه في معرض الانتقال إلي الورثة ثابت علي كل حال و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة فإن باقي الورثة لو ردوا الأرض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه فحق الزوجة في الثمن المنتقل إلي البائع ثابت فلها استيفاؤه بالفسخ ثم إن ما ذكر وارد علي فسخ باقي الورثة للأرض المبيعة بثمن معين تشترك فيه الزوجة إلا أن يلتزم عدم تسلطهم علي الفسخ إلا في مقدار حصتهم من الثمن فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره في الإيضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده في القواعد لا يخلو عن قوة. قال في القواعد الخيار موروث بالحصص كالمال من أي أنواعه كان إلا الزوجة غير ذات الولد في الأرض علي إشكال أقربه ذلك إن اشتري بخيار لترث من الثمن انتهي و قال في الإيضاح ينشأ الإشكال من عدم إرثها منها فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها و من أن الخيار لا يتوقف علي الملك كالأجنبي ثم فرع المصنف أنه لو كان الموروث قد اشتري بخيار فالأقرب إرثها من الخيار لأن لها حقا في الثمن و يحتمل عدمه لأنها لا ترث من الثمن إلا بعد الفسخ فلو علل بإرثها دار و إلا صح اختيار المصنف لأن الشراء يستلزم منعها من شي‌ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة و هو الثمن فقد تعلق الخيار بما ترث منه انتهي و قد حمل العبارة علي هذا المعني السيد العميد الشارح للكتاب و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد فإنه بعد بيان منشأ الإشكال علي ما يقرب من الإيضاح قال فالأقرب من هذا الإشكال عدم إرثها إن كان الميت قد اشتري أرضا بخيار فأرادت الفسخ لترث من الثمن و أما إذا باع أرضا بخيار فالإشكال حينئذ بحاله لأنها إذا فسخت في هذه الصورة لم ترث شيئا و حمل الشارحان العبارة علي أن الأقرب إرثها إذا اشتري بخيار لأنها حينئذ تفسخ فترث من الثمن بخلاف ما إذا باع بخيار و هو خلاف الظاهر فإن المتبادر أن المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث الذي سيقت لأجله العبارة مع أنه من حيث الحكم غير مستقيم أيضا فإن الأرض حق لباقي الوارث استحقوها بالموت فكيف تملك الزوجة إبطال استحقاقهم لها و إخراجها عن ملكهم. نعم لو قلنا إن ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار استقام ذلك و أيضا فإنها إذا ورثت في هذه الصورة وجب أن ترث في ما إذا باع الميت أرضا بخيار بطريق أولي لأنها ترث حينئذ من الثمن و أقصي ما يلزم من إرثها من الخيار أن تبطل حقها من
الثمن و هو أولي من إبطال إرثها حق غيرها من الأرض التي اختصوا بملكها ثم قال و الحق أن إرثها من الخيار في الأرض المشتراة مستبعد جدا و إبطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج إلي دليل نعم قوله لترث من الثمن علي هذا التقدير يحتاج إلي تكلف زيادة تقدير بخلاف ما حملا عليه انتهي. و قد تقدم ما يمكن أن يقال علي هذا الكلام ثم إن الكلام في ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة إذا اشتري الميت أو باع بعض أعيان الحبوة بخيار هو الكلام في ثبوته للزوجة في الأرض المشتراة و المبيعة.

مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شي‌ء واحد غير قابل للتجزية و التقسيم

اشارة

وجوه

الأول ما اختاره بعضهم- من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا

كمورثه بحيث يكون له الفسخ في الكل و إن أجاز الباقون نظير حد القذف الذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين و كذلك حق الشفعة علي المشهور و استند في ذلك إلي أن ظاهر النبوي المتقدم و غيره ثبوت الحق لكل وارث لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل ذلك علي إرادة الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث.

الثاني استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه

فله الفسخ فيه دون باقي الحصص غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ و الإمضاء و تبعض الصفقة علي من عليه الخيار فيثبت له الخيار و وجه ذلك أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزية و كان مقتضي أدلة الإرث كما سيجي‌ء اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعين تبعضه بحسب متعلقة فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

الثالث استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار

اشارة

فيشركون فيه من دون ارتكاب تعدده بالنسبة إلي جميع المال و لا بالنسبة إلي حصة كل منهم لأن مقتضي أدلة الإرث في الحقوق غير القابلة للتجزية و الأموال القابلة لها أمر واحد فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة إلا أن التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع في المجموع إلي اختصاص كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق فإنها تبقي علي حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل و لا
المكاسب، ج‌3، ص 292
في حصته فافهم.

و هنا معني آخر لقيام الخيار بالمجموع

و هو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجر الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد و ليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه لو أجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو متعددا كان إمضاء الواحد كفسخه ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر لأن الأول قد استوفاه و لو اتحدا زمانا كان ذلك كالإمضاء و الفسخ من ذي الخيار بتصرف واحد لا أن الفاسخ متقدم كما سيجي‌ء في أحكام التصرف

[فساد الوجه الأول]

ثم إنه لا ريب في فساد مستند وجه الأول المذكور له لمنع ظهور النبوي و غيره في ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة لأن المراد بالوارث في النبوي و غيره مما أفرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق في ضمن الواحد و الكثير و قيام الخيار بالجنس يتأتي علي الوجوه الأربعة المتقدمة كما لا يخفي علي المتأمل و أما ما ورد فيه لفظ الوارث بصيغة الجمع فلا يخفي أن المراد به أيضا إما جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل علي المجموعي و الأفرادي و الأظهر هو الثاني كما في نظائره هذا كله مع قيام القرينة العقلية و اللفظية علي عدم إرادة ثبوته لكل واحد مستقلا في الكل. أما الأولي فلأن المفروض أن ما كان للميت و تركه للوارث حق واحد شخصي و قيامه بالأشخاص المتعددين أوضح استحالة و أظهر بطلانا من تجزيه و انقسامه علي الورثة فكيف يدعي ظهور أدلة الإرث فيه. و أما الثانية فلأن مفاد تلك الأدلة بالنسبة إلي المال المتروك و حق المتروك شي‌ء واحد و لا يستفاد منها بالنسبة إلي المال الاشتراك و بالنسبة إلي الحق التعدد إلا مع استعمال الكلام في معنيين هذا مع أن مقتضي ثبوت ما كان للميت لكل من الورثة أن يكونوا كالوكلاء المستقلين فيمضي السابق من إجازة أحدهم أو فسخه و لا يؤثر اللاحق فلا وجه لتقدم الفسخ علي الإجازة علي ما ذكره.

[عدم دلالة أدلة الإرث علي الوجه الثاني]

و أما الوجه الثاني فهو و إن لم يكن منافيا لظاهر أدلة الإرث من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث إلا أن تجزية الخيار بحسب متعلقة كما تقدم مما لم يدل عليه أدلة الإرث أما ما كان منها كالنبوي غير متعرض للقسمة فواضح و أما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الإرث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها في المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل بإعمال هذا الحق أو إسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ أو ثمنها الباقي في ملكهم بعد الإجازة علي طريق الإرث

[المتيقن من الأدلة هو الوجه الثالث]

و أما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا في حصته فلا يستفاد من تلك الأدلة فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع فإن اتفق المجموع علي الفسخ انفسخ في المجموع و إلا فلا دليل علي الانفساخ في شي‌ء منه-

[عدم الدليل علي المعني الثاني للوجه الثالث أيضا]

و من ذلك يظهر أن المعني الثاني للوجه الثالث و هو قيام الخيار بالطبيعة المتحققة في ضمن المجموع أيضا لا دليل عليه فلا يؤثر فسخ أحدهم و إن لم يجز الآخر مع أن هذا المعني أيضا مخالف لأدلة الإرث لما عرفت من أن مفادها بالنسبة إلي المال و الحق واحد و من المعلوم أن المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق في ضمن المجموع

ثم إن ما ذكرنا جار في كل حق ثبت لمتعدد

لم يعلم من الخارج كونه علي خصوص واحد من الوجوه المذكورة. نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع كما في حد القذف فإن النص قد دل علي أنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين و كذا حق القصاص فإنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين لكن مع دفع الآخر مقدار حصة الباقي من الدية إلي أولياء المقتص منه جمعا بين الحقين

[الإشكال علي حكم المشهور في حق الشفعة و الجواب عنه]

لكن يبقي الإشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم و إن احتمله في الدروس من أحد الورثة إذا عفا عن الشفعة كان للآخر الأخذ بكل المبيع فإن الظاهر أن قولهم بذلك ليس لأجل دليل خارجي و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل و يمكن أن يفرق بالضرر فإنه لو سقطت الشفعة بعفو أحد الشريكين تضرر الآخر بالشركة بل لعل هذا هو السر في عدم سقوط حدي القذف و القصاص بعفو البعض لأن الحكمة فيهما التشفي فإبطالهما بعفو أحد الشركاء إضرار علي غير العافي و هذا غير موجود فيما نحن فيه فتأمل.

ثم إن ما اخترناه من الوجه الأول- هو مختار العلامة في القواعد

بعد أن احتمل الوجه الثاني و ولده في الإيضاح و الشهيد في الدروس و الشهيد الثاني في المسالك و حكي عن غيرهم. قال في القواعد و هل للورثة التفريق فيه نظر أقربه المنع و إن جوزناه مع تعدد المشتري و زاد في الإيضاح بعد توجيه المنع بأنه لم يكن لمورثهم الأخيار واحد أنه لا وجه لاحتمال التفريق

[كلام الشهيد في الدروس]

و قال في الدروس في باب خيار العيب لو جوزنا لأحد المشتريين الرد لم نجوزه لأحد الوارثين عن واحد لأن التعدد طار علي العقد سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره انتهي و في المسالك بعد المنع عن تفرق المشتريين في الخيار هذا كله فيما لو تعدد المشتري أما لو تعدد مستحق البيع مع اتحاد المشتري ابتداء كما لو تعدد وارث المشتري الواحد فإنه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله انتهي

و ظاهر التذكرة في خيار المجلس الوجه الأول من الوجوه المتقدمة

قال لو فسخ بعضهم و أجاز الآخر فالأقوي أنه ينفسخ في الكل كالمورث لو فسخ في حياته في البعض و أجاز في البعض انتهي. و يحتمل أن لا يريد بذلك أن لكل منهما ملك الفسخ في الكل كما هو مقتضي الوجه الأول بل يملك الفسخ في البعض و يسري في الكل نظير فسخ المورث في البعض و كيف كان فقد ذكر في خيار العيب أنه لو اشتري عبدا فمات و خلف وارثين فوجدا به عيبا لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة للتشقيص انتهي
و قال في التحرير لو ورث اثنان عن أبيهما خيار عيب فرضي أحدهما سقط حق الآخر من الرد دون الأرش و الظاهر أن خيار العيب و خيار المجلس واحد كما تقدم عن الدروس فعله رجوع عما ذكره في خيار المجلس ثم إنه ربما يحمل ما في القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق علي أنه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الإجازة بل لا بد من الفسخ أو الإجازة في الكل فلا دلالة فيها علي عدم استقلال كل منهم علي الفسخ في الكل و حينئذ فإن فسخ أحدهم و أجاز الآخر قدم الفسخ علي الإجازة و ينسب تقديم الفسخ إلي كل من منع من التفريق بل في الحدائق تصريح الأصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة علي المجيز و لازم ذلك الاتفاق علي أنه متي فسخ أحدهم الفسخ في الكل و ما أبعد بين هذه الدعوي و بين ما في الرياض من قوله و لو اختلفوا
المكاسب، ج‌3، ص 293
يعني الورثة قيل قدم الفسخ و فيه نظر لكن الأظهر في عبارة القواعد ما ذكرنا و أن المراد بعدم جواز التفريق أن فسخ أحدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك في باب خيار العيب أما لو أورثا خيار العيب فلا إشكال في وجوب توافقهما فإن المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطي و معناه عدم نفوذ التخالف و لا ريب أن عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الإجازة من أحدهما مع فسخ صاحبه بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون إجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب و أصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير ثم التذكرة. نعم ما تقدم من قوله في الزوجة غير ذات الولد أقربه ذلك إن اشتري بخيار لترث من الثمن قد يدل علي أن فسخ الزوجة فقط كاف في استرجاع تمام الثمن لترث منه إذ استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره و كيف كان فمقتضي أدلة الإرث ثبوت الخيار للورثة علي الوجه الثالث الذي اخترناه و حاصله أنه متي فسخ أحدهم و أجاز الآخر لغا الفسخ و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم إعمال الآخر حقه و يندفع بأن الحق إذا كان مشتركا لم يجز إعماله إلا برضا الكل كما لو جعل الخيار لأجنبيين علي سبيل التوافق.

فرع إذا اجتمع الورثة كلهم علي الفسخ فيما باعه مورثهم

فإن كان عين الثمن موجودا في ملك الميت دفعوه إلي المشتري و إن لم يكن موجودا أخرج من مال الميت و لا يمنعون من ذلك و إن كان علي الميت دين مستغرق للتركة لأن المحجور له الفسخ بخياره و في اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه وجهان و لو كان مصلحتهم في الفسخ و لم يجبروا الورثة عليه لأنه حق لهم فلا يجبرون علي إعماله و لو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان من أنه ليس لهم إلا حق الفسخ كالأجنبي المجعول له الخيار أو الوكيل المستناب في الفسخ و الإمضاء و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع في ملك الميت يوفي عنه ديونه و خروج الثمن من ملكه في المعين و اشتغال ذمته ببدله في الثمن الكلي فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع إلا علي وجه كونه وفاء لدين الميت و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة علي حسب سهامهم بل يجوز للغير أداء ذلك الدين بل لو كان للميت غرماء ضرب المشتري مع الغرماء و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن علي حسب سهامهم من المبيع و من أنهم قائمون مقام الميت- في الفسخ برد الثمن أو بدله و تملك المبيع فإذا كان المبيع مردودا علي الورثة من حيث إنهم قائمون مقام الميت اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث إنهم كنفس الميت كما أن معني إرثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم لا من مال الميت. ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و إن لم يوافقه الباقي و فسخ ففي انتقال المبيع إلي الكل أو إلي الفاسخ وجهان و مما ذكرنا من مقتضي الفسخ و ما ذكرنا أخيرا من مقتضي النيابة و القيام مقام الميت و الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولي أو الوكيل في كونها لاستيفاء حق للغير بل هي ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه فهو كنفس الميت لا نائب عنه في الفسخ و من هنا جرت السيرة بأن ورثة البائع ببيع خيار رد الثمن يردون مثل الثمن من أموالهم- و يستردون المبيع لأنفسهم من دون أن يلزموا بأداء الديون منه بعد الإخراج و المسألة تحتاج إلي تنقيح زائد.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلي موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف علي رضاه إذا لم يمنع حقا للمولي فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات

ففي انتقاله إلي وارثه كما في التحرير أو إلي المتعاقدين أو سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين- و ربما يظهر من القواعد وجوه من أنه حق تركه الميت فلوارثه و من أنه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لأنه بمنزلة الوكيل الذي حكم في التذكرة بانتقال خياره إلي موكله دون وارثه و من أن ظاهر الجعل أو محتمله مدخلية نفس الأجنبي فلا يدخل في ما تركه و هذا لا يخلو عن قوة لأجل الشك في مدخلية نفس الأجنبي. و في القواعد لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه و لا إجازته بدون رضا مولاه و إذا أمره بأحدهما أجبر شرعا عليه فلو امتنع فللمولي فعله عنه فيرجع الخيار بالأخرة له لكن هذا يقتضي أن يكون عبد الأجنبي كذلك مع أنه قال لو كان العبد لأجنبي لم يملك مولاه و لا يتوقف علي رضاه إذا لم يمنع حقا للمولي فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلا فافهم.

مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار

و قد مر بيان ذلك في مسقطات الخيار و المقصود هنا بيان أنه كما يحصل إسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف فيكون التصرف إجازة فعلية كذلك يحصل الفسخ بالتصرف فيكون فسخا فعليا. و قد صرح في التذكرة بأن الفسخ كالإجازة قد يكون بالقول و قد يكون بالفعل و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس و جماعة من المتأخرين عنهم كالعلامة و غيره قدس الله أسرارهم أن التصرف إن وقع فيما انتقل عنه كان فسخا و إن وقع فيما انتقل إليه كان إجازة و قد عرفت في مسألة الإسقاط أن ظاهر الأكثر أن المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا و قد دل عليه الصحيحة المتقدمة في خيار الحيوان المعللة للسقوط بأن التصرف رضا بالعقد فلا خيار و كذا النبوي المتقدم و مقتضي ذلك منهم أن التصرف فيما انتقل عنه إنما يكون فسخا إذا كان مؤذنا بالفسخ و ليكون فسخا فعليا و أما ما لا يدل علي إرادة الفسخ فلا وجه لانفساخ العقد به و إن قلنا بحصول الإجازة به بناء علي حمل الصحيحة المتقدمة علي سقوط الخيار بالتصرف تعبدا شرعيا من غير أن يكون فيه دلالة عرفية نوعية علي الرضا بلزوم العقد كما تقدم نقله عن بعض إلا أن يدعي الإجماع علي اتحاد ما يحصل به الإجازة و الفسخ فكلما يكون إجازة لو ورد علي ما في يده يكون فسخا إذا ورد منه علي ما في يد صاحبه و هذا الاتفاق و إن كان الظاهر تحققه إلا أن أكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم في سقوط خيار الشرط بالتصرف يدل علي اعتبار الدلالة علي الرضا في التصرف المسقط فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة علي الفسخ في التصرف الفاسخ و يدل عليه كثير من كلماتهم في هذا المقام أيضا. قال في التذكرة أما العرض علي البيع و الإذن فيه و التوكيل و الرهن غير المقبوض بناء علي اشتراطه فيه و الهبة غير المقبوضة فالأقرب أنها من البائع فسخ و من المشتري إجازة لدلالتها علي طلب المبيع و استيفائه و هذا هو الأقوي و نحوها جامع المقاصد ثم إنك قد عرفت الإشكال في كثير من أمثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة
المكاسب، ج‌3، ص 294
في طريق الرد و نحوه مما لم يدل علي الالتزام أصلا لكن الأمر هنا أسهل بناء علي أن ذا الخيار إذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا إلا من المالك أو بإذنه دل ذلك بضميمة حمل فعل المسلم علي الصحيح شرعا- علي إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف. قال في التذكرة لو قبل الجارية بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة فالوجه عندنا أن يكون فسخا لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح فلو لم يختر الإمساك لكان مقدما علي المعصية انتهي ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا إلي حدوث هذه الأمور عمن تردد في الفسخ و الإجازة و في جامع المقاصد عند قول المصنف قدس سره و يحصل الفسخ بوطء البائع و بيعه و عتقه و هبته قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل و تنزيل فعله علي ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز انتهي ثم إن أصالة حمل فعل المسلم علي الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما صرح به جماعة كغيرها من الأمارات الشرعية فيدل علي الفسخ لا من الأصول التعبدية حتي يقال إنها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ لما تقرر من أن الأصول التعبدية لا تثبت إلا اللوازم الشرعية لمجاريها و هنا كلام مذكور في الأصول. ثم إن مثل التصرف الذي يحرم شرعا إلا علي المالك أو مأذونه التصرف الذي لا ينفذ شرعا إلا من المالك أو مأذونه و إن لم يحرم كالبيع و الإجارة و النكاح فإن هذه العقود و إن حلت لغير المالك لعدم عدها تصرفا في ملك الغير إلا أنها تدل علي إرادة الانفساخ بها بضميمة أصالة عدم الفضولية كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف و الإجازة و التزويج في معني البيع و المراد بهذا الأصل الظاهر- فلا وجه لمعارضته بأصالة عدم الفسخ مع أنه لو أريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير فهو حاكم علي أصالة عدم الفسخ لكن الإنصاف أنه لو أريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ و كيف كان فلا إشكال في إناطة الفسخ بذلك عندهم كالإجازة بدلالة التصرف عليه و يؤيده استشكالهم في بعض أفراده من حيث دلالته بالالتزام علي الالتزام بالبيع أو فسخه و من حيث إمكان صدوره عمن تردد في الفسخ كما ذكره في الإيضاح و جامع المقاصد- و في وجه إشكال القواعد في كون العرض علي البيع و الإذن فيه فسخا. و مما ذكرنا يعلم أنه لو وقع التصرف فيما انتقل عنه نسيانا للبيع أو مسامحة في التصرف في ملك الغير أو اعتمادا علي شهادة الحال بالإذن لم يحصل الفسخ بذلك.

مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به

اشارة

و بعبارة أخري التصرف سبب أو كاشف فيه وجهان بل قولان من ظهور كلماتهم في كون نفس التصرف فسخا أو إجازة و أنه فسخ فعلي في مقابل القولي و ظهور اتفاقهم علي أن الفسخ بل مطلق الإنشاء لا يحصل بالنية بل لا بد من حصوله بالقول أو الفعل. و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح و من المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع الفسخ قبله و إلا لوقع الجزء الأول منه محرما و يمكن أن يحمل قولهم بكون التصرف فسخا علي كونه دالا عليه و إن لم يتحقق به و هذا المقدار يكفي في جعله مقابلا للقول. و يؤيده ما دل من الأخبار المتقدمة علي كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار و إن اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس و صرح به في التذكرة أيضا حيث ذكر أن قصد المتبايعين لأحد عوضي الصرف قبل التصرف رضا بالعقد فمقتضي المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ إذا كشف عنه التصرف و يؤيده أنهم ذكروا أنه لا تحصل الإجازة بسكوت البائع ذي الخيار علي وطء المشتري معللا بأن السكوت لا يدل علي الرضا فإن هذا الكلام ظاهر في أن العبرة بالرضا. و صرح في المبسوط بأنه لو علم رضاه بوطء المشتري سقط خياره فاقتصر في الإجازة علي مجرد الرضا و أما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنية فمرادهم بها نية الانفساخ أعني الكراهة الباطنية لبقاء العقد و البناء علي كونه منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل مقارن له و أما مع اقترانها بالفعل فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفي فيه الفعل إذ كلما يكفي فيه الفعل من الإنشاءات و لا يعتبر فيه خصوص القول فهو من هذا القبيل لأن الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل لا بنفس الفعل لعدم دلالته عليه نعم يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصل لأن اللفظ أبدا مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال علي الفسخ. و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة- أن اللازم بناء علي القول بتضمن الوطي للفسخ عود الملك إلي الواطئ مع الوطي أو قبيله فيكون حلالا هذا

و كيف كان فالمسألة ذات قولين

اشارة

ففي التحرير قوي جهة الوطي الذي يحصل به الفسخ و أن الفسخ يحصل بأول جزء منه فيكشف عن عدم الفسخ قبله و هو لازم كل من قال بعدم صحة عقد الواهب الذي يتحقق به الرجوع كما في الشرائع و عن المبسوط و المهذب و الجامع و الحكم في باب الهبة و الخيار واحد- و توقف الشهيد في الدروس في المقامين مع حكمه بصحة رهن ذي الخيار و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحل نظرا إلي حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن

[ثمرة القولين في المسألة]

ثم إنه لو قلنا بحصول الفسخ قبيل هذه الأفعال فلا إشكال في وقوعها في ملك الفاسخ فيترتب عليها آثارها فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه علي العين لمصادفتهما للملك و لو قلنا بحصوله بنفس الأفعال فينبغي عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التي هي شرط لصحتها. و قد يقرر المانع بما في التذكرة عن بعض العامة من أن الشي‌ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا يشرع بها في الصلاة و بأن البيع موقوف علي الملك الموقوف علي الفسخ المتأخر عن البيع و أجاب في التذكرة عن الأول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و العقد لشي‌ء واحد بالنسبة إلي شيئين و أجاب الشهيد عن الثاني بمنع الدور التوقفي و أن الدور معي و قال في الإيضاح إن الفسخ يحصل بأول جزء من العقد و زاد في باب الهبة قوله فيبقي المحل قابلا لمجموع العقد انتهي و قد يستدل للصحة- بأنه إذا وقع العقد علي مال الغير فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره ثم ملكه

[رأي المصنف في المسألة]

اشارة

أقول إن قلنا بأن المستفاد من أدلة توقف البيع و العتق علي الملك نحو قوله لا بيع إلا في ملك و لا عتق إلا في ملك هو اشتراط وقوع الإنشاء في ملك المنشئ فلا مناص عن القول بالبطلان لأن صحة العقد حينئذ يتوقف علي تقدم تملك
المكاسب، ج‌3، ص 295
العاقد علي جميع أجزاء العقد لتقع فيه فإذا فرض العقد أو جزء من أجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه لأن المسبب إنما يحصل بالجزء الأخير من سببه فكلما فرض جزء من العقد قابل للتجزية سببا للتملك كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء و إلا لزم تقدم وجود المسبب علي السبب و الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود فلا يكون سببا مع أن غاية الأمر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك. و قد عرفت أن الشرط بمقتضي الأدلة سبب التملك علي جميع أجزاء العقد قضاء لحق الظرفية و أما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار إجازة العاقد ثانيا بناء علي ما ذكرنا في مسألة الفضولي من توقف لزوم العقد المذكور علي الإجازة إلا أن يقال إن المتوقف علي الإجازة عقد الفضولي و بيعه للمالك و أما بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب فلا يحتاج إلي الإجازة بعد العقد لكن هذا علي تقدير القول به و الإغماض عما تقدم في عقد الفضولي لا يجري في مثل العتق غير القابل للفضولي و إن قلنا إن المستفاد من تلك الأدلة هو عدم وقوع البيع في ملك الغير المؤثر في نقل مال الغير بغير إذنه فالممنوع شرعا تمام السبب في ملك الغير لا وقوع بعض أجزائه في ملك الغير و تمامه في ملك نفسه لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل إلي البائع بأول جزء منه و هذا لا يخلو عن قوة إذ لا دلالة في أدلة اعتبار الملكية في المبيع الأعلي اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا و الحصر في قوله لا بيع إلا في ملك إضافي بالنسبة إلي البيع في ملك الغير أو في غير ملك كالمباحات الأصلية فلا يعم المستثني منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع هذا مع أنه يقال إن المراد بالبيع هو النقل العرفي الحاصل من العقد لا نفس العقد لأن العرف لا يفهمون من لفظ البيع إلا هذا المعني المأخوذ في قولهم بعت و حينئذ فالفسخ الموجب للملك يحصل بأول جزء من العقد و النقل و التملك العرفي يحصل بتمامه فيقع النقل في الملك و كذا الكلام في العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان أو إيقاعا و لعل هذا معني ما في الإيضاح من أن الفسخ يحصل بأول جزء و بتمامه يحصل العتق. نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطئ و الأكل و نحوهما لا وجه لجواز الجزء الأول منها فإن ظاهر قوله تعالي إِلَّا عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ اعتبار وقوع الوطي فيما اتصف بكونها مملوكة فالوطي المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا و توهم أن الفسخ إذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان أو فعلا فاسد فإن معني جواز الفسخ لأجل الخيار الجواز الوضعي أعني الصحة لا التكليفي فلا ينافي تحريم ما يحصل به الفسخ كما لا يخفي مع أنه لو فرض دلالة دليل الفسخ علي إباحة ما يحصل به تعين حمل ذلك علي حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه و بين ما دل علي عدم جواز ذلك التصرف إلا إذا وقع في الملك و بالجملة

فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة لا يخلو عن قوة

و به يرتفع الإشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا و هذا هو الظاهر من الشيخ في المبسوط حيث جوز للمتصارفين تبايع النقدين ثانيا في مجلس الصرف و قال إن شروعهما في البيع قطع لخيار المجلس مع أن الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف علي الملك لكنه في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع فيها معللا بعدم وقوعه في الملك

فرع لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقهما

فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد لأن الفسخ مقدم علي الإجازة و فيه أنه لا دليل علي التقديم في مثل المقام مما وقع الإجازة و الفسخ من طرف واحد دفعة سواء اتحد المجيز و الفاسخ كما في المقام أو تعدد كما لو وقعا من وكيلي ذي الخيار دفعة واحدة إنما المسلم تقديم الفسخ الصادر من أحد الطرفين علي الإجازة الصادرة من الطرف الآخر لأن لزوم العقد من أحد الطرفين بمقتضي إجازته لا ينافي انفساخه بفسخ الطرف الآخر كما لو كان العقد جائزا من أحدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف الآخر بخلاف اللزوم و الانفساخ من طرف واحد و نحوه في الضعف القول بعتق العبد لأن الإجازة إبقاء للعقد- و الأصل فيه الاستمرار و فيه أن عتق العبد موقوف علي عدم عتق الجارية كالعكس نعم الأصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق أصلا و هو الأقوي كما اختاره جماعة منهم العلامة في التذكرة و القواعد و المحقق الثاني في جامع المقاصد لأن عتقهما معا لا ينفذ لأن العتق لا يكون فضوليا و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل لأن ملك أحدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك- و لو كان الخيار في الفرض المذكور للبائع العبد بني عتق العبد علي جواز التصرف من غير ذي الخيار في مدة الخيار و عتق الجارية علي جواز عتق الفضولي و الثاني غير صحيح اتفاقا و سيأتي الكلام في الأول و إن كان الخيار لهما ففي القواعد و الإيضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا لأن عتق العبد من حيث إنه إبطال لخيار بائعه غير صحيح بدون إجازة البائع و معها يكون إجازة منه لبيعه و الفسخ مقدم علي الإجازة و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشتري بالخيار أن عتق كل من المملوكين كان من المشتري صحيحا لازما بخلاف ما نحن فيه. نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشتري في زمان خيار البائع كان الحكم كما في تلك الصورة

مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ

[القول بالمنع]

علي قول الشيخ و المحكي عن ابن سعيد في جامع الشرائع و ظاهر جماعة من الأصحاب منهم العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع في الهبة إلي الورثة أن حق الخيار يمنع المشتري من التصرفات الناقلة عند الأكثر و عن جماعة في مسألة وجوب الزكاة علي المشتري للنصاب بخيار للبائع أن المشتري ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع بل ظاهر المحكي عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف في ذلك حيث قال في الجامع و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري فيه حتي ينقضي خيار البائع و ستجي‌ء عبارة الدروس هذا و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبني
المكاسب، ج‌3، ص 296
علي عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار فلا يعد مثلهما مخالفا في المسألة

[القول بالجواز]

و الموجود في ظاهر كلام المحقق في الشرائع جواز الرهن في زمن الخيار سواء كان الخيار للبائع أو المشتري أو لهما بل ظاهره عدم الخلاف في ذلك بين كل من قال بانتقال الملك بالعقد و كذا ظاهره في باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة في النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار نعم استشكل فيه في المسالك في شرح المقامين علي وجه يظهر منه أن المصنف معترف بمنشإ الإشكال و كذا ظاهر كلام القواعد في باب الرهن و إن اعترض عليه جامع المقاصد بما مر من المسالك لكن صريح كلامه في التذكرة في باب الصرف جواز التصرف و كذا صريح كلام الشهيد في الدروس حيث قال في باب الصرف لو باع أحدهما ما قبضه علي غير صاحبه قبل التفرق فالوجه الجواز وفاقا للفاضل و منعه الشيخ قدس سره لأنه يمنع الآخر من خياره و رد بأنا نقول ببقاء الخيار انتهي و صرح في المختلف في باب الصرف بأن له أن يبيع ماله من غير صاحبه و لا يبطل حق خيار الآخر كما لو باع المشتري في زمان خيار البائع و هو ظاهر اللمعة بل صريحها في مسألة رهن ما فيه الخيار و إن شرحها في الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا و يمكن أن يقال إن قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشأه القول بعدم انتقال المبيع و متفرعا عليه و إلا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم إبطال حق الخيار بل المتعين حينئذ الاستناد إلي عدم حصول الملك مع وجود الخيار بل لعل القول بعدم انتقال منشأه- كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم كما يظهر من بيان مبني هذا الخلاف في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعني الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و أن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار انتهي. و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف في زمن الخيار مسلما بين القولين إلا أن يراد به نفوذ التصرف علي وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ و التصرف في زمن الخيار علي القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ أو مستعقب للضمان لا محالة و هذا الاحتمال و إن بعد عن ظاهر عبارة الدروس إلا أنه يقربه أنه قدس سره قال بعد أسطر إن في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين و الحاصل أن كلمات العلامة و الشهيد بل و غيرهما قدس سرهم في هذا المقام لا يخلو بحسب الظاهر عن اضطراب

[عدم الفرق بين العتق و غيره]

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه علي التغليب و كذا الظاهر عدم الفرق بين الإتلاف و التصرفات الناقلة

[الفرق بين الإتلاف و غيره]

و اختار بعض الأفاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الإتلاف و تجويز غيره لكن مع انفساخه من أصله عند فسخ ذي الخيار و قيل بانفساخه من حينه

حجة القول بالمنع

اشارة

أن الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث إرجاعهما بحل العقد إلي ملكهما السابق فالحق بالأخرة متعلق بالعين التي انتقلت منه إلي صاحبه فلا يجوز أن يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق بإتلافها أو نقلها إلي شخص آخر و منه يظهر أن جواز الفسخ مع التلف بالرجوع إلي البدل لا يوجب جواز الإتلاف لأن الحق متعلق بخصوص العين فإتلافها إتلاف لهذا الحق و إن انتقل إلي بدله لو تلف بنفسه كما أن تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز إتلافها علي ذي الحق و إلي ما ذكر يرجع ما في الإيضاح من توجيه بطلان العتق في زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع في العين المعينة عن الإبطال.
و يؤيد ما ذكرنا أنهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم بأن التصرف الناقل إذا وقع بإذن ذي الخيار سقط خياره فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار فإن تلف العين لا ينافي بقاء الخيار لعدم منافاة التصرف لعدم الالتزام بالعقد و إرادة الفسخ بأخذ القيمة

[المناقشة في الحجة المذكورة]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه المنع لكنه لا يخلو عن نظر فإن الثابت من خيار الفسخ- بعد ملاحظة جواز التفاسخ في حال تلف العينين هي سلطنة ذي الخيار علي فسخ العقد المتمكن في حالتي وجود العين و فقدها فلا دلالة في مجرد ثبوت الخيار علي حكم التصرف جوازا و منعا فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس علي أموالهم أ لا تري أن حق الشفيع لا يمنع المشتري من نقل العين و مجرد الفرق بينهما بأن الشفعة سلطنة علي نقل جديد فالملك مستقر قبل الأخذ بها غاية الأمر تملك الشفيع نقله إلي نفسه بخلاف الخيار فإنها سلطنة علي رفع العقد و إرجاع الملك إلي الحالة السابقة لا يؤثر في الحكم المذكور مع أن الملك في الشفعة أولي بالتزلزل لإبطالها تصرفات المشتري اتفاقا و أما حق الرهن فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل علي وجوب إبقائه و عدم السلطنة علي إتلافه مضافا إلي النص و الإجماع علي حرمة التصرف في الرهن مطلقا و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا و أما سقوط الخيار بالتصرف الذي أذن فيه ذو الخيار فلدلالة العرف لا للمنافاة. و الحاصل أن عموم الناس مسلطون علي أموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذي الخيار يزاحم به سلطنة المالك فالجواز لا يخلو عن قوة في الخيارات الأصلية.

و أما الخيارات المجعولة بالشرط

فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليسترده عند الفسخ بل الحكمة في أصل الخيار هو إبقاء السلطنة علي استرداد العين إلا أنها في الخيارات المجعولة علة للجعل و لا ينافي ذلك بقاء الخيار مع التلف كما لا يخفي

[حكم الإتلاف و فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف]

و عليه فيتعين الانتقال إلي البدل عند الفسخ مع الإتلاف و أما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد ففي تقديم حق الخيار لسبقه أو الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعي كالعقلي وجهان أقواهما الثاني و هو اللائح من كلام التذكرة من باب الصرف حيث ذكر أن صحة البيع الثاني لا ينافي حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين

[حكم ما لو نقله عن ملكه]

و منه يعلم حكم نقله عن ملكه و أنه ينتقل إلي البدل لأنه إذا جاز التصرف فلا داعي إلي إهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم و تسلط العاقد الثاني علي ماله عدا ما يتخيل من أن تملك العاقد الثاني مبني علي العقد الأول فإذا ارتفع بالفسخ و صار كأن لم يكن و لو بالنسبة إلي ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بني عليه من التصرفات و العقود. و الحاصل أن العاقد الثاني
المكاسب، ج‌3، ص 297
يتلقي الملك من المشتري الأول فإذا فرض الاشتراء كأن لم يكن و ملك البائع الأول العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثاني و يمكن دفعه بأن تملك العاقد الثاني مستند إلي تملك المشتري له آنا ما لأن مقتضي سلطنته في ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات و اقتضاء الفسخ لكون العقد كأن لم يكن بالنسبة إلي ما بعد الفسخ لأنه رفع للعقد الثابت و قد ذهب المشهور إلي أنه لو تلف أحد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض انفسخ البيع الأول دون الثاني و استحق بدل العوض المبيع ثانيا علي من باعه و الفرق بين تزلزل العقد من حيث إنه أمر اختياري كالخيار أو أمر اضطراري كتلف عوضه قبل قبضه غير مجد فيما نحن بصدده ثم إنه لا فرق بين كون العقد الثاني لازما أو جائزا لأن جواز العقد يوجب سلطنة العاقد علي فسخه لا سلطنة الثالث الأجنبي

[هل يلزم العاقد بالفسخ]

نعم يبقي هنا إلزام العاقد بالفسخ بناء علي أن البدل للحيلولة و هي مع تعذر المبدل و مع التمكن يجب تحصيله إلا أن يقال باختصاص ذلك بما إذا كان المبدل المتعذر باقيا علي ملك مستحق البدل كما في المغصوب الآبق أما فيما نحن فيه فإن العين ملك للعاقد الثاني- و الفسخ إنما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل في ملكه العوض و هو العاقد الأول فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثاني فيستقر بدله علي العاقد الأول و لا دليل علي إلزامه بتحصيل المبدل مع دخوله في ملك ثالث و قد مر بعض الكلام في ذلك في خيار الغبن هذا و لكن قد تقدم أن ظاهر عبارة الدروس و الجامع الاتفاق علي عدم نفوذ التصرفات الواقعة في زمان الخيار و توجيهه بإرادة التصرف علي وجه لا يستعقب الضمان بأن يضمنه ببدله بعد فسخ ذي الخيار بعيدا جدا و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع إلي البدل إلا في مسألة العتق و الاستيلاد فالمسألة في غاية الإشكال.

[هل يكون انفساخ العقد الثاني علي القول به من حين فسخ الأول أو من أصله]

ثم علي القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الأول أو من أصله قولان اختار ثانيهما بعض أفاضل المعاصرين محتجا بأن مقتضي الفسخ تلقي كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين فلا يجوز أن يتلقي الفاسخ الملك من العاقد الثاني بل لا بد من انفساخ العقد الثاني بفسخ الأول و رجوع العين إلي ملك المالك الأول ليخرج منه إلي ملك الفاسخ إلا أن يلتزم بأن ملك العاقد الثاني إلي وقت الفسخ فتلقي الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الأول و رده بعدم معروفية التملك الموقت في الشرع فافهم.

[هل يجوز التصرف قبل تنجز الخيار أم لا]

ثم إن المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف علي القول به هو زمان تحقق الخيار فعلا كالمجلس و الثلاثة في الحيوان و الزمان المشروطة فيه الخيار و أما الزمان الذي لم يتنجز فيه الخيار إما لعدم تحقق سببه كما في خيار التأخير بناء علي أن السبب في ثبوته تضرر البائع بالصبر إلي أزيد من الثلاث و إما لعدم تحقق شرطه كما في بيع الخيار بشرط رد الثمن بناء علي كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله و كاشتراط الخيار في زمان متأخر ففي جواز التصرف قبل تنجز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه وجهان من أن المانع عن التصرف هو تزلزل العقد و كونه في معرض الارتفاع و هو موجود هنا و إن لم يقدر ذو الخيار علي الفسخ حينئذ و من أنه لا حق بالفعل لذي الخيار فلا مانع من التصرف و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف علي حضور الزمان و المتوقف علي شي‌ء آخر كالتأخير و الرؤية علي خلاف الوصف لأن ثبوت الحق في الأول معلوم و إن لم يحضر زمانه بخلاف الثاني و لذا لم يقل أحد بالمنع من التصرف في أحد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد في معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض و سيجي‌ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل و علي كل حال فالخيار المتوقف تنجزه فعلا علي ظهور أمر كالغبن و العيب و الرؤية علي خلاف الوصف غير مانع من التصرف بلا خلاف ظاهرا

فرعان‌

الأول لو منعا عن التصرف المتلف في زمن الخيار فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذي الخيار من العين

كوطئ الأمة في زمان الخيار بناء علي أن الاستيلاد مانع من رد العين بالخيار قولان للمانعين أكثرهم علي الجواز كالعلامة في القواعد و الشارح في جامع المقاصد و حكي عن المبسوط و الغنية و الخلاف لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك علي انقضاء الخيار كما اعترف به في الإيضاح و لذا حمل في الدروس تجويز الشيخ الوطي علي ما إذا خص الخيار بالواطي لكن قيل إن عبارة المبسوط لا تقبل ذلك و ظاهر المحكي عن التذكرة و ظاهر الدروس المنع عن ذلك لكون الوطي معرضا لفوات حق ذي الخيار من العين.

الثاني أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار- بدون إذن ذي الخيار

اشارة

فيه وجهان من كونه ملكا له و من إبطال هذا التصرف- لتسلط الفاسخ علي أخذ العين إذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلمه لأجل استيفاء منفعة و لو آجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل الإجارة لأن المشتري ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة فإذا استوفاها المشتري بالإجارة فلا وجه لرجوعها إلي الفاسخ بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة في مدة الإجارة كما إذا باعه بعد الإجارة و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأول من الموقوف عليه لأن البطن الثاني لا يتلقي الملك منه حتي يتلقاه مسلوب المنفعة بل من الواقف كالبطن الأول فالملك ينتهي بانتهاء استعداده. فإن قلت إن ملك المنفعة تابع لملك العين بمعني أنه إذا ثبت الملكية في زمان و كان زوالها بالانتقال إلي آخر ملك المنفعة الدائمة لأن المفروض أن المنتقل إليه يتلقي الملك من ذلك المالك فيتلقاه مسلوب المنفعة و أما إذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها لم يكن ملك من عاد إليه متلقي عن المالك الأول و مستندا إليه بل كان مستندا إلي ما كان قبل تملك المالك الأول فيتبعه المنفعة كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه كما في ملك البطن الأول من الموقوف عليه فإن المنفعة تتبع مقدار تملكه قلت أولا إنه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع عدم التزام أحد ببطلان الإجارة و ثانيا إنه يكفي في ملك المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعد للدوام لو لا الرافع آنا ما ثم إن فاضل القمي في بعض أجوبة مسائله جزم ببطلان الإجارة بفسخ البيع بخيار رد مثل الثمن و علله بأنه يعلم بفسخ البيع أن المشتري لم يملك منافع ما بعد الفسخ و أن الإجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة إلي فسخ البيع انتهي فإن كان مرجعه إلي ما ذكرنا من كون المنفعة تابعا لبقاء الملك أو الملك المستند إلي ذلك الملك فقد عرفت الجواب عنه نقضا و حلا و أن المنفعة تابعة للملك
المكاسب، ج‌3، ص 298
المستعد للدوام و إن كان مرجعه إلي شي‌ء آخر فليبين حتي ينظر فيه مع أن الأصل عدم الانفساخ لأن الشك في أن حق خيار الفسخ في العين يوجب تزلزل ملك المنفعة أم لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله كما إذا تقايلا البيع بعد الإجارة ثم إنه لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار و إنه يسقط خياره بهذا التصرف- إما لدلالة الإذن علي الالتزام بالعقد عرفا و إن لم يكن منافاة بين الإذن في التصرف و الإتلاف و إرادة الفسخ و أخذ القيمة كما نبهنا عليه في المسألة السابقة و به يندفع الإشكال الذي أورده المحقق الأردبيلي من عدم دلالة ذلك علي سقوط الخيار و إما لأن التصرف الواقع تفويت لمحل هذا الحق و هي العين بإذن صاحبه فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل لأن أخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين في حال حلول الحق فيه لا مع سقوط عنه و لو أذن و لم يتصرف المأذون ففي القواعد و التذكرة أنه يسقط خيار الإذن و عن الميسية أنه المشهور قيل كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور في سقوط الخيار في الصورة السابقة إلي دلالة مجرد الإذن و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف. و قد منع دلالة الإذن المجرد في المسالك و جامع المقاصد و القواعد

[رأي المؤلف]

و الأولي أن يقال بأن الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف و لأن إباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل علي الفسخ كسائر التصرفات التي لا يصح شرعا إلا بجعلها فسخا و أما كون إذن ذي الخيار للمشتري في التصرف إجازة و إسقاطا لخياره فيمكن الاستشكال فيه لأن الثابت بالنص و الإجماع أن التصرف عن إذنه لا لأجل تحقق الإسقاط من ذي الخيار بالإذن بل لأجل تحقق المسقط لما عرفت من أن التصرف الواقع بإذنه صحيح نافذ و التسلط علي بدله فرع خروجه عن ملك المشتري متعلقا للحق فالإذن فيما نحن فيه نظير إذن المرتهن في بيع الرهن لا يسقط به حق الرهانة و يجوز الرجوع قبل البيع نعم يمكن القول بإسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد فإنه ليس بأدون من رضا المشتري بتقبيل الجارية و قد صرح في المبسوط بأنه إذا علم رضا البائع بوطء المشتري سقط خياره و يؤيده رواية السكوني في كون العرض علي البيع التزاما فهذا القول لا يخلو عن قوة.

مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد-

اشارة

و أثر الخيار تزلزل الملك بسبب القدرة علي رفع سببه فالخيار حق لصاحبه في ملك الآخر و حكي المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد علي انقضاء الخيار و إطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشتري و صرح في التحرير بشموله لذلك لكن الشهيد في الدروس قال في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعني الكشف أو النقل خلاف مأخذه أن الناقل العقد و الغرض من الخيار الاستدراك و هو لا ينافي الملك و أن غاية الملك التصرف الممتنع في زمان الخيار و ربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا اختص الخيار و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك علي انقضاء الخيار انتهي.

[ما هو رأي الشيخ الطوسي في المسألة]

فإن في هذا الكلام شهادة من وجهين علي عدم توقف ملك المشتري علي انقضاء خياره عند الشيخ بل المأخذ المذكور صريح في عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره في الخلاف و المبسوط

[كلام الشيخ في الخلاف]

قال في محكي الخلاف العقد يثبت بنفس الإيجاب و القبول فإن كان مطلقا فإنه يلزم بالافتراق بالأبدان و إن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط فإن كان الشرط لهما أو للبائع فإذا انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم و إن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد لكنه لم ينتقل إلي المشتري حتي ينقضي الخيار فإن انقضي الخيار ملك المشتري بالعقد الأول انتهي. و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعني عدم حق له بعد ذلك في المبيع نظير لزوم العقد من طرف الأصيل إذا وقع مع الفضولي و بين عدم انتقاله إلي المشتري بحسب الظاهر حتي ينقضي خياره فإذا انقضي ملك بسبب العقد الأول بمعني كشف الانقضاء عنه فيصير انقضاء الخيار للمشتري نظير إجازة عقد الفضولي و لا يرد حينئذ عليه أن اللازم منه بقاء الملك بلا مالك و حاصل هذا القول أن الخيار يوجب تزلزل الملك و يمكن حمله أيضا علي إرادة الملك اللازم الذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه فوافق المشهور و لذا عبر في غاية المراد بقوله و يلوح من كلام الشيخ توقف الملك علي انقضاء الخيار و لم ينسب ذلك إليه صريحا

[كلام الشيخ في المبسوط]

و قال في المبسوط البيع إن كان مطلقا غير مشروط فإنه يثبت بنفس العقد و يلزم بالتفرق بالأبدان و إن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد و إن كان مشروطا بشرط لزم بانقضاء الشرط و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشتري لكن قال في باب الشفعة إذا باع شقصا بشرط الخيار فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع الشفعة لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه و إن كان الخيار للمشتري وجب الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد و له المطالبة بعد انقضاء الخيار و حكم خيار المجلس و الشرط في ذلك سواء علي ما فصلناه و لعل هذا مأخذ ما تقدم من النسبة في ذيل عبارة الدروس هذا و لكن الحلي قدس سره في السرائر ادعي رجوع الشيخ عما ذكره في الخلاف و يمكن أن يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور مثل استدلاله في مواضع علي المنع عن التصرف في مدة الخيار بأن فيه إبطالا لحق ذي الخيار كما في مسألة بيع أحد النقدين علي غير صاحبه في المجلس و في مسألة رهن ما فيه الخيار للبائع فإنه لو قال بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بإبطال حق ذي الخيار من الخيار لأن التعليل بوجود المانع في مقام فقد المقتضي كما تري و منها أنه ذكر في باب الصرف جواز تبايع المتصارفين ثانيا في المجلس لأن شروعهما في البيع قطع للخيار مع أنه لم يصحح في باب الهبة البيع الذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم وقوعه في الملك فلو لا قوله في الخيار بمقالة المشهور لم يصح البيع ثانيا لوقوعه في غير الملك علي ما ذكرنا في الهبة و ربما ينسبه إلي المبسوط اختيار المشهور فيما إذا صار أحد المتبايعين الذي له الخيار مفلسا حيث حكم بأن له الخيار في
المكاسب، ج‌3، ص 299
الإجازة و الفسخ لأنه ليس بابتداء ملك لأن الملك قد سبق بالعقد انتهي لكن النسبة لا تخلو عن تأمل لمن لاحظ باقي العبارة و قال ابن سعيد قدس سره في الجامع علي ما حكي عنه إن المبيع يملك بالعقد و بانقضاء الخيار و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشتري إلا بعد انقضاء خيار البائع انتهي و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا

[الأقوي رأي المشهور و الاستدلال عليه]

اشارة

و كيف كان فالأقوي هو المشهور لعموم أدلة حل البيع و أكل المال إذا كانت تجارة عن تراض و غيرهما مما ظاهره كون العقد علة تامة- لجواز التصرف الذي هو من لوازم الملك و يدل عليه لفظ الخيار في قولهم ع: البيعان بالخيار و ما دل علي جواز النظر في الجارية في زمان الخيار إلي ما لا يحل له قبل ذلك فإنه يدل علي الحل بعد العقد في زمن الخيار إلا أن يلتزم بأنه نظير حل وطء المطلقة الرجعية الذي يحصل به الرجوع و يدل عليه ما تقدم في أدلة بيع الخيار بشرط رد الثمن من كون نماء المبيع للمشتري و تلفه منه فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم و هو الملك إلا أن يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار بل من باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن و قد تقدم في مسألة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال و ما يشهد له من بعض العنوانات لكن تقدم أنه بعيد في الغاية أو يقال إن النماء في مورد الرواية نماء المبيع في زمان لزوم البيع لأن الخيار يحدث برد مثل الثمن و إن ذكرنا في تلك المسألة أن الخيار في بيع الخيار المعنون عند الأصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد في أدلة بيع الخيار إلا أن الرواية قابلة للحمل عليه إلا أن يتمسك بإطلاقه الشامل لما إذا جعل الخيار من أول العقد في فسخه مقيدا برد مثل الثمن هذا مع أن الظاهر أن الشيخ يقول بالتوقف في الخيار المنفصل أيضا

[الاستدلال للقول المشهور بالأخبار الواردة في العينة و المناقشة فيه]

و ربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة- و هي أن يشتري الإنسان شيئا بنسيئة ثم يبيعه بأقل منه في ذلك المجلس نقدا لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية لأن بيعها علي بائعها الأول و إن كان في خيار المجلس أو الحيوان إلا أن بيعه عليه مسقط لخيارهما اتفاقا و قد صرح الشيخ في المبسوط بجواز ذلك مع منعه عن بيعه علي غير صاحبه في المجلس نعم بعض هذه الأخبار يشتمل علي فقرات يستأنس بهذا لمذهب المشهور مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به: قلت أشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك فإن في ذيلها دلالة علي انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها أيضا عند التأمل لما عرفت من أن هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيارهما بالتواطي علي هذا البيع كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذب بذلك عن الإشكال المتقدم نظيره سابقا من أن الملك إذا حصل بنفس البيع الثاني مع أنه موقوف علي الملك للزم الدور الوارد علي من صحح البيع الذي يتحقق به الفسخ و حينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله اشتري متاعي من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق و يكون جواب الإمام ع مبنيا علي جواز بيعه علي البائع لأن تواطؤهما علي البيع الثاني إسقاط للخيار من الطرفين كما في صريح المبسوط. فقوله ليس هو متاعك إشارة إلي أن ما ينتقل إليك بالشراء إنما انتقل إليك بعد خروجه عن ملك بتواطئكما علي المعاملة الثانية المسقط لخيار كما لا بنفس العقد و هذا المعني في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة ثم لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستيناس لم يدفع به إلا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفي و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم: عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو بنسيئة فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه فإن الظاهر أن قوله إنما يشتريه إلخ إشارة إلي أن هذا ليس من بيع ما ليس عنده و أن بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الأول فقوله بعد ما يملكه إشارة إلي استيجاب العقد مع الأول كما يظهر من قولهم ع في أخبار أخر واردة في هذه المسألة و لا توجب البيع قبل أن تستوجبه مع أن الغالب في مثل هذه المعاملة قيام الرجل إلي مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه إلي منزله لبيعه من صاحبه الذي طلب منه ذلك فيلزم العقد الأول بالتفرق و لو فرض اجتماعهما في مجلس واحد كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا علي سقوط خياره و يسقط خيار المشتري بالتعريض للبيع و بالجملة ليس في قوله بعد ما يملكه دلالة علي أن تملكه بنفس العقد مع أنها علي تقدير الدلالة تدفع النقل لا الكشف كما لا يخفي

[ضعف ما استدل به في التذكرة أيضا]

و نحوه في الضعف الاستدلال في التذكرة بما دل علي مال العبد المشتري لمشتريه مطلقا أو مع الشرط أو علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار إذ فيه أن الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشتري علي نحو ثبوت العبد له و أنه يدخل في شراء العبد حتي إذا ملك العبد ملك ماله مع أن الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختص بالمشتري و التمسك بإطلاق الروايات لما إذا شرط البائع الخيار كما تري

[أشد ضعفا من الكل]

و أشد ضعفا من الكل ما قيل من أن المقصود للمتعاقدين و الذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد فهذه المعاملة إما صحيحة كذلك كما عند المشهور فثبت المطلوب أو باطلة من أصلها أو أنها صحيحة إلا أنها علي غير ما قصداه و تراضيا عليه. توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد لكن الإنشاء لما كان علة لتحقق المنشئ عند تحققه كان الداعي علي الإنشاء حصول المنشئ عنده لكن العلية إنما هو عند العرف فلا ينافي كونه في الشرع سببا محتاجا إلي تحقق شرائط أخر بعده كالقبض في السلم و الصرف و انقضاء الخيار في محل الكلام فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان لكنه عرفا علة تامة لمضمونه و إمضاء الشارع له تابع لمقتضي الأدلة فليس في تأخير الإمضاء تخلف أثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد و إنما فيه التخلف عن داعي المتعاقدين و لا ضرر فيه و قد تقدم الكلام في ذلك في مسألة كون الإجازة كاشفة أو ناقلة

[الاستدلال برواية الخراج بالضمان و المناقشة فيه]

و قد يستدل أيضا بالنبوي المشهور المذكور في كتب الفتوي للخاصة و العامة علي جهة الاستناد إليه و هو أن الخراج بالضمان بناء علي أن المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبائع في ضمان المشتري فخراجه له و هي علامة ملكه و فيه أنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك علي انقضاء الخيار القول بكون ضمانه علي المشتري حتي يكون نماؤه له.

[العمدة في قول المشهور]

و قد ظهر بما ذكرنا أن العمدة في قول المشهور عموم أدلة حل البيع و
المكاسب، ج‌3، ص 300
التجارة عن تراض و أخبار الخيار

و استدل للقول الآخر- بما دل علي كون تلف المبيع من مال البائع في زمان الخيار

اشارة

فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك لأنه مقابل الخراج علي كونه في ملك البائع مثل صحيحة ابن سنان: عن الرجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلي يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل اشتري أمة من رجل بشرط يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن علي من يكون ضمان ذلك قال ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه و مرسلة ابن رباط: إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع و النبوي المروي في قرب الإسناد: في العبد المشتري بشرط فيموت قال يستحلف بالله ما رضيه ثم هو بري‌ء من الضمان

[المناقشة في الاستدلال المذكور]

و هذه الأخبار إنما تجدي في مقابل من ينكر تملك المشتري مع اختصاص الخيار و قد عرفت أن ظاهر المبسوط في باب الشفعة ما حكاه عنه في الدروس من القطع بتملك المشتري مع اختصاص الخيار و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع و علي أي حال فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان أو لقاعدة التلازم بضميمة أدلة المسألة- فيرجع بعد التكافؤ إلي أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود في المقام من جهات أعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر

[هل القول بالتوقف يشمل الخيار المنفصل]

ثم إن مقتضي إطلاق ما تقدم من عبارتي المبسوط و الخلاف من كون الخلاف في العقد المقيد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد كما إذا شرط الخيار من الغد كما أن مقتضي تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله لخيار غير الشرط و الحيوان الذي يطلق عليه الشرط أيضا فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها.

[اختصاص محل الكلام بخياري الحيوان و الشرط]

و مما يدل علي الاختصاص أن ما ذكر من الأدلة مختصة بالخيارين و أن الظاهر من لفظ الانقضاء في تحريرات محل الخلاف انقطاع الخيار الزماني و أما خيار المجلس فالظاهر دخوله في محل الكلام لنص الشيخ بذلك في عبارته المتقدمة عنه في باب الشفعة و لقوله في الاستبصار إن العقد سبب لاستباحة الملك إلا أنه مشروط بأن يتفرقا بالأبدان و لا يفسخا العقد و لنص الشيخ في الخلاف و المبسوط علي أن التفرق كانقضاء الخيار في لزوم العقد به و مراده من اللزوم تحقق علة الملك لا مقابل الجواز كما لا يخفي مع أن ظاهر عبارة الدروس المتقدمة في مأخذ هذا الخلاف أن كل خيار يمنع من التصرف في المبيع فهو داخل فيما يتوقف الملك علي انقضائه و كذلك العبارة المتقدمة في عنوان هذا الخلاف عن الجامع. و قد تقدم عن الشيخ في صرف المبسوط أن خيار المجلس مانع عن التصرف في أحد العوضين و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و إخوته عن محل الكلام فإن الظاهر عدم منعها من التصرف في العوضين قبل ظهورها فلا بد أن يقول الشيخ باللزوم و الملك قبل الظهور و الخروج عن الملك بعد الظهور و تنجز الخيار و هذا غير لائق بالشيخ فثبت أن دخولها في محل الكلام مستلزم إما لمنع التصرف في موارد هذا الخيار و إما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله و كلاهما غير لائق بالالتزام مع أن كلام العلامة في المختلف كالصريح في كون التملك بالعقد اتفاقيا في المعيب لأنه ذكر في الاستدلال أن المقتضي للملك موجود و الخيار لا يصلح للمنع كما في بيع العيب و ذكر أيضا أنه لا منافاة بين الملك و الخيار كما في المعيب و قد صرح الشيخ قدس سره في المبسوط أيضا بأنه إذا اشتري شيئا فحصل منه نماء ثم وجد به عيبا رده دون نمائه محتجا بالإجماع و بالنبوي: الخراج بالضمان و سيجي‌ء تتمة ذلك إن شاء الله تعالي.

مسألة و من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة

اشارة

علي المعروف بين القائلين بتملك المشتري بالعقد و توضيح هذه المسألة أن الخيار إذا كان للمشتري فقط من جهة الحيوان فلا إشكال و لا خلاف في كون المبيع في ضمان البائع- و يدل عليه ما تقدم في المسألة السابقة من الأخبار- و كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف في ذلك لقوله ع في ذيل صحيحة ابن سنان: و إن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال بائعه و لو كان للمشتري فقط خيار المجلس دون البائع فظاهر قوله ع: حتي ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري كذلك بناء علي أن المناط انقضاء الشرط الذي تقدم أنه يطلق علي خيار المجلس في الأخبار بل ظاهره أن المناط في رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشتري و اختصاصه به بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه و إلي هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم في السرائر حيث قال فكل من كان له خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار لأنه قد استقر عليه العقد و الذي له الخيار ما استقر عليه العقد و لزم فإن كان الخيار للبائع دون المشتري و كان المتاع قد قبضه المشتري و هلك في يده كان هلاكه من مال المشتري دون البائع لأن العقد مستقر عليه و لازم من جهته

[قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له]

و من هنا يعلم أنه يمكن بناء علي فهم هذا المناط طرد الحكم في كل خيار فتثبت القاعدة المعروفة من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له من غير فرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن كما يظهر من كلمات غير واحد من الأصحاب بل نسبه جماعة إلي إطلاق الأصحاب.

[كلمات الفقهاء في المسألة]

اشارة

قال في الدروس في أحكام القبض و بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض إذا لم يكن له خيار انتهي فإن ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشتري في عدم ضمان المشتري للمبيع المقبوض و نحوه كلامه قدس سره في اللمعة و في جامع المقاصد في شرح قول المصنف و لو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة فلا شي‌ء له و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس قال و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر لأن العيب إذا تجدد بعد علمه يكون كذلك إلا أن يقال إنه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره و لم أظفر في كلام المصنف و غيره بشي‌ء في ذلك انتهي. و قال في شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين مقتضي إطلاق كلامهم أنه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشتري انفسخ البيع لاختصاص الخيار بالمشتري ثم تردد فيه و في خيار الرؤية و في المسالك في مسألة أن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم و أن الحادث في أيام خيار الحيوان مضمون علي البائع قال و كذا كل خيار مختص بالمشتري و عن مجمع البرهان
المكاسب، ج‌3، ص 301
في مسألة أن تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا إلي عموم قاعدة تلف المال قبل القبض أن هذه القاعدة معارضة بقاعدة أخري و هي أن تلف المال في الخيار المختص بالبائع من مال المشتري فإن الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الأصحاب و صرح بنحو ذلك المحقق جمال الدين في حاشية الروضة و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض معترفا بعمومها من جهات أخري

[ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن]

و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين أقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن و لا بين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشتري و لذا نفي في الرياض الخلاف في أن التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له و في مفتاح الكرامة أن قولهم التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة لا خلاف فيها ثم ذكر فيه تبعا للرياض أن الحكم في بعض أفراد المسألة مطابق للقاعدة

[الإنصاف عدم شمول كلماتهم لمطلق الخيار]

لكن الإنصاف أنه لم يعلم من حال أحد من معتبري الأصحاب الجزم بهذا التعميم فضلا عن اتفاقهم عليه فإن ظاهر قولهم التلف في زمان الخيار هو الخيار الزماني و هو الخيار الذي ذهب جماعة إلي توقف الملك علي انقضائه لا مطلق الخيار ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها أ لا تري أنهم اتفقوا علي أنه إذا مات المعيب لم يكن مضمونا علي البائع و لو كان الموت بعد العلم بالعيب أ لا تري أن المحقق الثاني ذكر أن الاقتصاص من العبد الجاني إذا كان في خيار المشتري كان من ضمان البائع و أما ما نقلنا عنه سابقا في شرح قوله و لو تعيب قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال حيث اعترف فيه بأنه لم يظفر علي شي‌ء مع أنه ذكر في شرح قول المصنف في باب العيوب و كل عيب تجدد في الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار فإنه لا يمنع الرد في الثلاثة نفي ذلك الاحتمال علي وجه الجزم حيث قال الخيار الواقع في العبارة يراد به خيار الحيوان و كذا كل خيار يختص بالمشتري كخيار الشرطة له و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك يبعد القول به خصوصا علي القول بالفورية لا خيار العيب لأن العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا انتهي و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه في خيار الغبن فلم يبق في المقام ما يجوز الركون إليه إلا ما أشرنا إليه من أن مناط خروج المبيع عن ضمان البائع علي ما يستفاد من قوله ع: حتي ينقضي شرطه و يصير المبيع للمشتري هو انقضاء خيار المشتري الذي يطلق عليه الشرط في الأخبار و صيرورة المبيع مختصا بالمشتري لازما عليه بحيث لا يقدر علي سلبه عن نفسه فيدل علي أن كل من له شرط و ليس المعوض الذي وصل إليه لازما عليه فهو غير ضامن له حتي ينقضي شرطه و يصير مختصا به لازما عليه

[عدم شمول صحيحة ابن سنان لمطلق الخيار أيضا]

و في الاعتماد علي هذا الاستظهار تأمل في مقابلة القواعد مع أنه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه لأن ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما علي المشتري ثابتا من أول الأمر كما يظهر من لفظة حتي الظاهرة في الابتداء و هذا المعني مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط و لو كان منفصلا بناء علي أن البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط و لذا ذكرنا جريان الخلاف في المسألتين السابقتين فيه. و أما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشتري و تبعض الصفقة فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد. و الحاصل أن ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلي أن يصير المبيع لازما علي المشتري و هذا مختص بالبيع المتزلزل من أول الأمر فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض ثم يرجع بعد عروض التزلزل إلي ضمان البائع فاتضح بذلك أن الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة علي تأمل في خيار المجلس

ثم إن مورد هذه القاعدة إنما هو ما بعد القبض

و أما قبل القبض فلا إشكال و لا خلاف في كونه من البائع من غير التفات إلي الخيار فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.

و أما عموم الحكم للثمن و المثمن

بأن يكون تلف الثمن في مدة خيار البائع المختص به من مال المشتري فهو غير بعيد نظرا إلي المناط الذي استفدناه- و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة مضافا إلي استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض و توهم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض مدفوع بأن الضمان الثابت قبل القبض و بعده في مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة لأن المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله نعم هو مخالف لأصالة عدم الانفساخ و حيث ثبت المخالفة قبل القبض فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدة الخيار نعم يبقي هنا أن هذا مقتضي لكون تلف الثمن في مدة خيار البيع الخياري من المشتري- فينفسخ البيع و يرد المبيع إلي البائع و التزام عدم الجريان من حيث إن الخيار في ذلك البيع إنما يحدث بعد رد الثمن أو مثله فتلف الثمن في مدة الخيار إنما يتحقق بعد رده قبل الفسخ لا قبله مدفوع بما أشرنا إليه سابقا من منع ذلك مع أن المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلي ذي الخيار تزلزل البيع المتحقق و لو بالخيار المنفصل كما أشرنا سابقا

[جريان القاعدة إذا كان الثمن شخصيا]

فالأولي الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيا- بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع و لو منفصلا عن العقد.

[إذا كان الثمن أو المثمن كليا]

و أما إذا كان الثمن كليا فحاله حال المبيع إذا كان كليا كما إذا اشتري طعاما كليا بشرط الخيار له إلي مدة فقبض فردا منه فتلف في يده فإن الظاهر عدم ضمانه علي البائع لأن مقتضي ضمان المبيع في مدة الخيار علي من لا خيار له علي ما فهمه غير واحد بقاؤه علي ما كان عليه قبل القبض و دخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد بل معني الضمان بالنسبة إلي الفرد صيرورة الكلي كغير المقبوض و هذا مما لا يدل عليه الأخبار المتقدمة فتأمل.
[ظاهر كلام الأصحاب أن المراد بضمان من لا خيار له انفساخ العقد]
ثم إن ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين أن المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلي غيره هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه- و انفساخ العقد آنا ما قبل التلف و هو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره في الدروس و بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض ما لم يكن له خيار حيث إن مفهومه أنه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه بل يبقي علي ناقله الثابت قبل القبض. و قد عرفت أن معني الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه في ملك ناقله بل هو ظاهر القاعدة و هي أن التلف في مدة الخيار ممن
المكاسب، ج‌3، ص 302
لا خيار له فإن معني تلفه منه تلفه مملوكا له مع أن ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة علي ضمان البائع للمبيع في مدة خيار المشتري بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك مالكه و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج فإنا إذا قدرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي‌ء من القاعدتين. و الحاصل أن إرادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغي الريب فيها

[ظاهر الدروس عدم الانفساخ]

و مع ذلك كله فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم بل يدل علي عدم الانفساخ قال قدس سره لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع و الخيار و بعده لا يبطل الخيار و إن كان التلف من البائع كما إذا اختص الخيار بالمشتري فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه و لو فسخ المشتري رجع بالثمن و غرم البدل في صورة ضمانه و لو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر انتهي و العبارة محتاجة إلي التأمل من وجوه.

[ظاهر التذكرة أيضا عدم الانفساخ]

و قد يظهر ذلك من إطلاق عبارة التذكرة قال لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا و إن كان بعده لم يبطل خيار المشتري و لا البائع و يجب القيمة علي ما تقدم ثم حكي عن الشافعية وجهين في الانفساخ بعد القبض و عدمه بناء علي الملك بالعقد و يمكن حمله علي الخيار المشترك كما أن قوله في القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين محمول علي غير صورة ضمان البائع للمبيع لما عرفت من تعين الانفساخ فيها و ربما يحتمل أن معني قولهم إن التلف ممن لا خيار له أن عليه ذلك إذا فسخ صاحبه لا أنه ينفسخ كما في التلف قبل القبض و أما حيث يوجب المشتري فيحتمل أنه يتخير بين الرجوع علي البائع بالمثل أو القيمة و بين الرجوع بالثمن و يحتمل تعين الرجوع بالثمن و يحتمل أن لا يرجع بشي‌ء فيكون معني له الخيار أن له الفسخ.

[لو كان التالف هو البعض]

ثم الظاهر أن حكم تلف البعض حكم تلف الكل- و كذا حكم تلف الوصف الراجع إلي وصف الصحة بلا خلاف علي الظاهر لقوله في الصحيحة السابقة: أو يحدث فيه حدث فإن المراد بالحدث أعم من فوات الجزء و الوصف

[إذا كان التلف بالإتلاف]

هذا كله إذا تلف بآفة سماوية و منها حكم الشارع عليه بالإتلاف- و أما إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته و إن كان بإتلاف غير ذي الخيار لم يبطل خيار صاحبه فيتخير بين إمضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن

[لو كان الإتلاف من الأجنبي]

و إن كان بإتلاف أجنبي تخير أيضا بين الإمضاء و الفسخ و هل يرجع حينئذ بالقيمة إلي المتلف أو إلي صاحبه أو يتخير وجوه من أن البدل القائم مقام العين في ذمة المتلف فيسترده بالفسخ و لأن الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ أو لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء علي الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ و علي التقديرين فهي في ضمان المتلف كما لو كانت العين في يد الأجنبي و من أنه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار في ذمته لأن ضمان المتلف محله الذمة لا الأمور الخارجية و ما في ذمة المتلف إنما تشخص مالا للمالك و كونه بدلا عن العين إنما هو بالنسبة إلي التلف من حيث وجوب دفعه إلي المالك كالعين لو وجدت لا أنه بدل خارج يترتب عليه جميع أحكام العين حتي بالنسبة إلي غير التلف فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري ففسخ البائع فإنه لا يتعين للدفع إلي الفاسخ و أما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها علي متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا علي المالك لا المتلف و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ و بالقيمة بعده و إتلاف الأجنبي أيضا سبب للضمان فيتخير في الرجوع و هذا أضعف الوجوه

مسألة و من أحكام الخيار [هل يسقط الخيار بتلف العين]

ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب علي البائع تسليم المبيع و لا علي المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و لا يجبر الآخر علي تسليم ما عنده و له استرداد المدفوع قضية للخيار و قال بعض الشافعية ليس له استرداده و له أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع انتهي و يظهر منه أن الخلاف بين المسلمين إنما هو بعد اختيار أحدهما التسليم و أما التسليم ابتداء فلا يجب من ذي الخيار إجماعا ثم إنه إن أريد عدم وجوب التسليم علي ذي الخيار من جهة أن له الفسخ فلا يتعين عليه التسليم فمرجعه إلي وجوب أحد الأمرين عليه و الظاهر أنه غير مراد و إن أريد عدم تسلط المالك علي ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيار فلذا يجوز منعه عن ماله ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم سلطنة الناس علي أموالهم. و بالجملة فلم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا و لم أجد من عنونه و تعرض لوجهه.

مسألة [هل يسقط الخيار بتلف العين]

اشارة

قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين و هذا الكلام ليس علي إطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد فإن من جملة أفراد الخيار خيار التأخير بل مطلق الخيار قبل القبض أو الخيار المختص بعده و من المعلوم أن تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد فلا يبقي خيار فيكون المراد التلف مع بقاء العقد علي حاله لا يوجب سقوط الخيار و بعبارة أخري تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره و لا خيار صاحبه و هو كذلك لأن الخيار كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد و معلوم أن العقد بعد التلف قابل للفسخ و لذا يشرع الإقالة حينئذ اتفاقا فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف و لا مقيد له بصورة البقاء اللهم إلا أن يعلم من الخارج أن شرع الخيار لدفع ضرر الصبر علي نفس العين فينتفي هذا الضرر بتلف العين كما في العيب فإن تخيره بين الرد و الأرش لأن الصبر علي العيب ضرر و لو مع أخذ الأرش فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد فإذا تلف انتفي حكمة الخيار أو يقال إنه إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف علي بقاء العين هذا مع قيام الدليل علي سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

[مواضع التردد في ثبوت الخيار مع التلف]

اشارة

نعم هنا موارد تأملوا في ثبوت الخيار مع التلف أو يظهر منهم العدم

[ما ذكره العلامة]

كما تردد العلامة قدس سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال بعد تلف المتاع بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم- نظرا إلي أن الرد إنما يتحقق مع بقاء العين و فيه إشارة إلي ما ذكرنا من أن الثابت هو جواز الرد فيختص الفسخ بصورة تحققه لكن قوي في المسالك و جامع
المكاسب، ج‌3، ص 303
المقاصد ثبوت الخيار لوجود المقتضي و عدم المانع

[ما ذكره المحقق الثاني]

و كما تردد المحقق الثاني في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه و ظاهر تعليل العلامة في التذكرة عدم الخيار مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم إمكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف و الأقوي بقاؤه لأن العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه مضافا إلي إطلاق قوله ع:
و هم بالخيار إذا دخلوا السوق مع أنه لو استند إلي الإجماع أمكن التمسك بالاستصحاب إلا أن يدعي انعقاده علي التسلط علي الرد فيختص بصورة البقاء و الحق في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردد خيار الرؤية.

و من مواضع التردد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار

علي وجه إرادتهما التسلط علي مجرد الرد المتوقف علي بقاء العين فإن الفسخ و إن لم يتوقف علي بقاء العين إلا أنه إذا فرض الغرض من الخيار الرد أو الاسترداد فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكن من الرد و الاسترداد و إن كان حكمه في خياري المجلس و الحيوان إلا أن الحكم أعم موردا من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم بخلاف ما إذا كان إطلاق جعل المتعاقدين مقيدا علي وجه التصريح به في الكلام أو استظهاره منه بعد تعلق الغرض إلا بالرد أو الاسترداد و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط برد الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري لأن الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن لا التسلط علي مطلق الفسخ المشروط مطلقا و لو عند التلف لكن لم أجد من التزم بذلك أو تعرض له و من هنا يمكن أن يقال في هذا المقام و إن كان مخالفا للمشهور بعدم ثبوت الخيار عند التلف إلا في موضع دل عليه الدليل إذ لم تدل أدلة الخيار من الأخبار و الإجماع- الأعلي التسلط علي الرد أو الاسترداد و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف أيضا و إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة في كلمات الشارع لما عرفت في أول باب الخيارات من أنه استعمال غالب في كلمات بعض المتأخرين نعم لو دل الدليل الشرعي علي ثبوت خيار الفسخ المطلق الشامل لصورة التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

التلف أو جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعني ثبت مع التلف أيضا و الله العالم.

مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة
بلا خلاف علي الظاهر لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ إذ لم يسلمها ناقلها إلا في مقابل العوض و الأصل بقاؤه إذ لم يتجدد ما يدل علي رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ أمانة إذ الفسخ إنما هو من قبله. و الغرض من التمسك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها أمانة مالكية أو شرعية ليكون غير مضمونة برضا المالك أو بجعل الشارع و إذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم و مرجع ذلك إلي عموم علي اليد ما أخذت أو إلي أنها قبضت مضمونة فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمي تعين ضمانه بالعوض الواقعي أعني المثل أو القيمة كما في البيع الفاسد هذا و لكن المسألة لا تخلو عن إشكال. و أما العين في يد المفسوخ عليه ففي ضمانها أو كونها أمانة إشكال مما في التذكرة من أنه قبضها قبض ضمان فلا يزول إلا بالرد إلي مالكها و من أن الفسخ لما كان من قبل الآخر فتركه العين في يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضي للاستئمان و ضعفه في جامع المقاصد بأن مجرد هذا لا يسقط الأمر الثابت و الله العالم
هذا بعض الكلام في الخيارات و أحكامها و الباقي محمول إلي الناظر الخبير بكلمات الفقهاء و الحمد لله و صلي الله علي محمد و آله

القول في النقد و النسيئة

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلي أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

اشارة

و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلي الآخر فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري. و يدل علي الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

فلو اشترطا تعجيل الثمن

كان تأكيدا لمقتضي الإطلاق علي المشهور- بناء علي ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة عدم المماطلة و التأخير عن زمان المطالبة لا أن يجعل بدفعه من دون مطالبة إذ لا يكون تأكيدا حينئذ لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محط نظر المشهور مع أن مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها إلي إلغاء هذا الحق المشترط في هذا المقدار من الزمان

[فائدة اشتراط التعجيل]

و كيف كان فذكر الشهيد رحمه الله في الدروس أن فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به و قوي الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضا يعني عدم تعيين الزمان إذا أخل به في أول وقته و هو حسن و لا يقدح في الإطلاق عدم تعين زمان التعجيل لأن التعجيل المطلق معناه الدفع في أول أوقات الإمكان عرفا و لا حاجة إلي تقييد الخيار هنا بصورة عدم إمكان الإجبار علي التعجيل لأن المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل أمكن إجباره به أم لم يمكن وجب أو لم يجب فإن مسألة أن ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا أو بعد تعذر إجباره علي الوفاء مسألة أخري مضافا إلي عدم جريانها في مثل هذا الشرط إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الإجبار و بعده لا ينفع لأنه غير الزمان المشروط فيه الأداء

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

اشارة

غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلي دياس أو حصاد

و لا فرق في الأجل المعين بين الطويل و القصير

و عن الإسكافي المنع من التأخير إلي ثلاث سنين و قد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار مثل رواية أحمد بن محمد: قلت لأبي الحسن إني أريد الخروج إلي بعض الجبال إلي أن قال إنا إذا بعناهم نسيئة كان أكثر للربح فقال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال نعم قلت بتأخير ثلاث سنين قال لا. و المحكي عن قرب الإسناد عن البزنطي: أنه قال لأبي الحسن الرضا ع إن هذا الجبل قد فتح منه علي الناس باب رزق فقال ع إذا أردت
المكاسب، ج‌3، ص 304
الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت إنهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا يكون لك شي‌ء أكثر من ثلاث سنين. و ظاهر الخبرين الإرشاد لا التحريم فضلا عن الفساد-

و هل يجوز الإفراط في التأخير

إذا لم يصل إلي حد يكون البيع منه سفها و الشراء أكلا للمال بالباطل فيه وجهان قال في الدروس لو تمادي الأجل إلي ما لا يبقي إليه المتبايعان غالبا كألف سنة ففي الصحة نظر من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به و من الأجل المضبوط و حلوله بموت المشتري و هو أقرب و ما قربه هو الأقرب لأن ما في الذمة و لو كان مؤجلا بما ذكر مال يصح الانتفاع به في حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع بل و بالبيع كما اختاره في التذكرة. نعم يبقي الكلام في أنه إذا فرض حلول الأجل شرعا بموت المشتري كان اشتراط ما زاد علي ما يحتمل بقاء المشتري إليه لغوا بل مخالفا للمشروع حيث إن الشارع أسقط الأجل بالموت و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده فيكون فاسدا بل ربما كان مفسدا و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدة مجهولة فافهم.

ثم إن المعتبر في تعيين المدة هل هو تعيينها في نفسها

و إن لم يعرفها المتعاقدان فيجوز التأجيل إلي انتقال الشمس إلي بعض البروج كالنيروز و المهرجان و نحوهما- أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد وجهان أقواهما الثاني- تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفي الغرر و ربما احتمل الاكتفاء في ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة في نفسها كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق حيث إنه له شراء وزنه مثلا بعبارة بلد مخصوص و إن لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة و لا يخفي ضعف منشأ هذا الاحتمال إذ المضبوطية في نفسه غير مجد في مقام يشترط فيه المعرفة إذا المراد بالأجل غير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتي في نظر المتعاقدين لا في الواقع و لذا أجمعوا علي عدم جواز التأجيل إلي موت فلان مع أنه مضبوط في نفسه و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدي أيضا و ما ذكر من قياسه علي جواز الشراء بعيار بلد مخصوص لا نقول به بل المعين فيه البطلان مع الغرر عرفا كما تقدم في شروط العوضين و ظاهر التذكرة اختيار الجواز حيث قال بجواز التوقيت بالنيروز و المهرجان لأنه معلوم عند العامة و كذا جواز التوقيت ببعض أعياد أهل الذمة إذا عرفه المسلمون لكن قال بعد ذلك و هل يعتبر معرفة المتعاقدين قال بعض الشافعية نعم و قال بعضهم لا يعتبر و يكتفي بمعرفة الناس و سواء اعتبر معرفتهما أولا و لو عرفا كفي انتهي ثم الأقوي اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما إلي المعني حين العقد فلا يكفي معرفتهما به عند الالتفات و الحساب

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

اشارة

ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

[أدلة القول بالبطلان]

و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع بناء عن تفسيرهما بذلك. و عن الإسكافي كما عن الغنية أنه روي عن النبي ص أنه قال: لا يحل صفقتان في واحدة قال و ذلك بأن يقول إن كان بالنقد فبكذا و إن كان بالنسيئة فبكذا هذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة أنه قال أمير المؤمنين ع: من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتهما واحدة فليس له إلا أقلهما و إن كانت نظرة. و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه: أن عليا ع قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع علي ذلك الشرط فقال هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين فيقول ليس له إلا أقل النقدين إلي الأجل الذي أجله نسيئة و عن ظاهر جماعة من الأصحاب العمل بهما- و نسب إلي بعض هؤلاء القول بالبطلان

[كلمات الفقهاء في المسألة]

فالأولي تبعا للمختلف الاقتصار علي نقل عبارة كل هؤلاء من دون إسناد أحد القولين إليهم قال في المقنعة لا يجوز البيع بأجلين علي التخيير كقوله هذا المتاع بدرهم نقدا و بدرهمين إلي شهر أو سنة أو بدرهم إلي شهر و بدرهمين إلي شهرين فإن ابتاع إنسان شيئا علي هذا الشرط كان عليه أقل الثمنين في آخر الأجلين و هذا الكلام يحتمل التحريم و يحتمل الحمل علي ما إذا تلف المبيع فإن اللازم مع فرض فساد البيع بالأقل الذي بيع به نقدا لأنه قيمة ذلك الشي‌ء و معني قوله في آخر الأجلين أنه لا يزيد علي الأقل و إن تأخر الدفع إلي آخر الأجلين أو المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك و يحتمل إرادة الكراهة كما عن ظاهر السيد قدس سره في الناصريات- أن المكروه أن يبيع بثمنين بقليل إن كان الثمن نقدا و بأكثر إن كان نسيئة و يحتمل الحمل علي فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الأجل لكن لا يفسد العقد كما سيجي‌ء و عن الإسكافي أنه بعد ما تقدم عنه من النبوي الظاهر في التحريم قال و لو عقد البائع للمشتري كذلك و جعل الخيار إليه لم أختر للمشتري أن يقدم علي ذلك فإن فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين لإجازته البيع به و كان للمشتري الخيار في تأخير الثمن الأقل إلي المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفي من غير زيادة علي الثمن الأقل. و في النهاية فإن ذكر المتاع بأجلين و نقدين علي التخيير مثل أن يقول بعتك هذا بدينار أو درهم عاجلا أو إلي شهر أو سنة أو بدينارين أو درهمين إلي شهر أو شهرين أو سنتين كان البيع باطلا فإن أمضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين انتهي. و عن موضع من الغنية قد قدمنا أن تعليق البيع بأجلين و ثمنين كقوله بعت إلي مدة بكذا و إلي أخري بكذا يفسده فإن تراضيا بإنفاذه كان للبائع أقل الثمنين في أبعد الأجلين بدليل إجماع الطائفة و عن سلار و ما علق بأجلين و هو أن يقول بعتك هذه السلعة إلي عشرة أيام بدرهم و إلي شهرين بدرهمين كان باطلا غير منعقد و هو المحكي عن ابن الصلاح و عن القاضي من باع شيئا بأجلين علي التخيير مثل أن يقول أبيعك هذا بدينار أو بدرهم عاجلا و بدرهمين أو دينار إلي شهر أو شهور أو سنة أو سنتين كان باطلا فإن أمضي البيعان ذلك بينهما كان للبائع أقل الثمنين في آخر الأجلين و قال
المكاسب، ج‌3، ص 305
في المختلف بعد تقوية المنع و يمكن أن يقال إنه رضي بالثمن الأقل فليس له الأكثر في البعيد و إلا لزم الربا إذ يبقي الزيادة في مقابل تأخير الثمن لا غير فإذا صبر إلي البعيد لم يجب له الأكثر من الأقل انتهي و في الدروس أن الأقرب الصحة و لزوم الأقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشتري لازما من طرف البائع لرضاه بالأقل فالزيادة ربا و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع انتهي. أقول لكنه مانع من لزوم الأجل من طرف البائع لأنه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا إلا أن يقال إن الزيادة ليست في مقابل الأجل- بل هي في مقابل إسقاط البائع حقه من التعجيل الذي يقتضيه العقد لو خلي و طبعه و الزيادة و إن كانت لكنه ربا كما سيجي‌ء إلا أن فساد المقابلة لا يقتضي فساد الإسقاط كما احتمل ذلك في مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له أو حريته بل قال في التحرير بالرجوع إلي الدية و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة و لا المطالبة قبل الأجل لكن المشتري لو أعطاه وجب عليه القبول إذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق في التأجيل حتي يكون له الامتناع من القبول قبل الأجل و إنما سقط حقه من التعجيل. و يمكن أيضا حمل الرواية علي أن الثمن هو الأقل لكن شرط عليه أن يعطيه علي التأجيل شيئا زائدا و هذا الشرط فاسد لما سيجي‌ء من أن تأجيل الحال بزيادة ربا محرم لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط كما عليه جماعة و حينئذ فللبائع الأقل و إن فرض أن المشتري أخره إلي الأجل كما يقتضيه قوله في رواية محمد بن قيس و إن كانت نظره لفرض تراضيهما علي ذلك بزعم صحة هذا الشرط أو البناء عليها تشريعا و لعل هذا مبني قول الجماعة قدس الله أسرارهم فإن أمضيا البيع بينهما كذلك بمعني أنهما تراضيا علي هذه المعاملة لم يجب في مقابل التأخير الواقع برضاهما شي‌ء زائد علي الأقل لفساد المقابلة و مرادهم من بطلان البيع الذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية و عدم ترتيب الأثر المقصود عليه و قد تلخص من جميع ما ذكرنا أن المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لا إشكال و لا خلاف في بطلانها بمعني عدم مضيها علي ما تعاقدا عليه و أما الحكم بإمضائهما كما في الروايتين فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حمل المال علي الرضا و طيب النفس و كون الأكل لا عن تراض أكلا للباطل فيقع الإشكال في نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل ثم إن الثابت منهما علي تقدير العمل بهما هي مخالفة القاعدة في موردهما و أما ما عداه كما إذا جعل له الأقل في أجل و الأكثر في أجل آخر فلا ينبغي الاستشكال في بطلانه لحرمة القياس خصوصا علي مثل هذا الأصل و في التحرير البطلان هنا قولا واحدا و حكي من غير واحد ما يلوح منه ذلك إلا أنك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين و إن لم ينسب ذلك في الدروس- إلا إلي المفيد قدس سره لكن عن الرياض أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في الحكم بين المسألتين و هو ظاهر الحدائق أيضا و ما أبعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير ثم إن العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة أنه مثل ما إذا قال المستأجر ليخاطه الثوب إن خطته فارسيا فبدرهم و إن خطته روميا فبدرهمين و أجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها إلي الجعالة

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلي بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهي و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهي و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلي إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا تري أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته علي المدعي موقوفة علي أن الشرط الواحد إذا انحل إلي حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلي نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق علي إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلي أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير
المكاسب، ج‌3، ص 306
الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهي و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه

اشارة

لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون علي أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا تري أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

[إذا امتنع الدائن من القبول]

و كيف كان فإذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه لحديث نفي الضرر بل مورده كان من هذا القبيل حيث إن سمرة بن جندب امتنع من الاستيذان للمرور إلي عذقه الواقع في دار الأنصاري و عن بيعها فقال النبي ص للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها وجه صاحبها فأسقط ولايته علي ماله.

و مقتضي القاعدة إجبار الحاكم له علي القبض

لأن امتناعه أسقط اعتبار رضاه في القبض الذي يتوقف ملكه عليه لا أصل القبض الممكن تحققه منه كرها مع كون الإكراه بحق بمنزلة الاختيار فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولاه الحاكم- لأن السلطان ولي الممتنع بناء علي أن الممتنع من يمتنع- و لو مع الإجبار و لو قلنا إنه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولي القبض عنه من دون الإكراه و هو الذي رجحه في جامع المقاصد و المحكي عن إطلاق جماعة منهم عدم اعتبار الحاكم و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين إذا لم يسأله لعدم ولايته عليه مع رضا المالك بكونه في ذمته و عن السرائر وجوب القبض علي الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الإجبار و استبعده غيره و هو في محله‌

و لو تعذر الحاكم فمقتضي القاعدة إجبار المؤمنين له

عدولا كانوا أم لا لأنه من المعروف الذي يجب الأمر به علي كل أحد

فإن لم يمكن إجباره ففي وجوب قبض العدول عنه نظر أقواه العدم

و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون أن يعزل حقه و يجعله أمانة عنده فإن تلف فعلي ذي الحق- لأن هذه فائدة العزل و ثمرة إلغاء قبض ذي الحق و لكن لم يخرج عن ملك مالكه لعدم الدليل علي ذلك فإن اشتراط القبض في التمليك لا يسقط بأدلة نفي الضرر و إنما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا و قد يستشكل في الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذي الحق و وجهه أن الحق المملوك لصاحب الدين أن تشخص في المعزول كان ملكا له و إن بقي في ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه إذ لم يتلف ماله و يمكن أن يقال إن الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول و إنما تعلق به تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني فبتلفه يتلف الحق و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن أن يتشخص به و يمكن أن يقال بأنه يقدر آنا ما قبل التلف في ملك صاحب الدين

[جواز التصرف في المعزول و عدم وجوب حفظه من التلف]

ثم إن الظاهر جواز تصرفه في المعزول فينتقل المال إلي ذمته لو أتلفه و مقتضي القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف لأن شرعية عزله و كون تلفه من مال صاحب الدين إنما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة و تكليفه بحفظ المعزول أضر عليه من حفظ أصل المال في الذمة. و عن المحقق الثاني أنه يتجه الفرق بين ما إذا عرضه علي المالك بعد تعيينه و لم يأته به لكن أعلم بالحال و بين ما إذا أتاه و طرحه عنده فينتفي وجوب الحفظ في الثاني دون الأول و لعل وجهه أن المبرئ للعهدة التخلية و الإقباض المتحقق في الثاني دون الأول و سيجي‌ء في مسألة قبض المبيع ما يؤيده. و عن المسالك أنه مع عدم الحاكم يخلي بينه و بين ذي الحق و تبرأ ذمته و إن تلف و كذا يفعل الحاكم لو قبضه إن لم يتمكن من إلزامه بالقبض ثم إن المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد- بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من أخذه أن في انسحاب هذا الحكم فيمن أجبره الظالم علي دفع نصيب شريكه الغائب في مال علي جهة الإشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما ترددا و مثله لو تسلط الظالم بنفسه و أخذ قدر نصيب الشريك لم أجد للأصحاب تصريحا بنفي و لا إثبات مع أن الضرر هنا قائم أيضا و المتجه عدم الانسحاب انتهي و حكي نحوه عنه في حاشية الإرشاد من دون فتوي

[رأي المؤلف في الفرعين المذكورين]

أقول أما الفرع الثاني فلا وجه لإلحاقه بما نحن فيه إذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم في التعيين فإذا أخذ جزء خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر إلي من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له كما لو أخذ الظالم من من المديون مقدار الدين بنية أنه مال الغريم و أما الفرع الأول فيمكن أن يقال بأن الشريك لما كان في معرض التضرر لأجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة لكن فيه أن تضرره إنما يوجب ولايته علي القسمة حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه بأن لا يكون حصة بحيث تتلف بمجرد القسمة كما في الغرض و إلا فلا ترجيح لأحد الضررين مع أن التمسك بعموم نفي الضرر في موارد الفقه من دون انجباره بعمل بعض الأصحاب يؤسس فقها جديدا

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

اشارة

لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلي جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلي أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلي شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف

[نزول آية الربا في ذلك]

اشارة

و أن مورد نزول قوله تعالي في مقام الرد علي من قال إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا هو التراضي بعد حلول الدين علي تأخير إلي أجل بزيادة فيه.

[تأييد ذلك بصحيحة ابن أبي عمير]

فعن مجمع البيان عن ابن عباس أنه كان الرجل من أهل الجارية إذا حل دينه علي غريمه فطالبه قال المطلوب منه زدني في الأجل أزيدك في المال
المكاسب، ج‌3، ص 307
فيتراضيان عليه و يعملان به فإذا قيل لهم ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك أن الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الأجل عند حلول الدين سواء فذمهم الله و ألحق بهم الوعيد و خطأهم في ذلك بقوله تعالي وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا

[تأييد ذلك بصيحة ابن أبي عمير]

و يؤيده بل تدل عليه حسنة ابن أبي عمير أو صحيحته عن أبي عبد الله ع قال: سئل عن الرجل يكون له دين إلي أجل مسمي فيأتيه غريمه فيقول انقدني كذا و كذا واضح عنك بقيته أو انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك قال لا أري به بأسا إن لم يزد علي رأس ماله قال الله تعالي فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ علل جواز التراضي علي تأخير أجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد علي رأس ماله فيدل علي أنه لو ازداد علي رأس ماله لم يجز التراضي علي التأخير و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا و هو قوله تعالي فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ

[دلالة بعض الأخبار علي ما تقدم]

و يدل عليه بعض الأخبار الواردة في تعليم طريق الحلية في جواز تأخير الدين بزيادة باشتراط التأخير في ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام فلو جاز التراضي علي التأجيل بزيادة لم يكن داع إلي التوصل بأمثال تلك الحيل حتي صاروا ع موردا الاعتراض العامة في استعمال بعضها كما في غير واحد من الأخبار الواردة في ذلك و يدل عليه أيضا أو يؤيده بعض الأخبار الواردة في باب الدين فيما إذا أعطي المديون بعد الدين شيئا مخافة أن يطلبه الغريم بدينه.

[عدم الفرق بين المصالحة عن التأجيل بالزيادة أو المقاولة عليها من غير عقد]

و مما ذكرنا من أن مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها من غير عقد و ظهر أيضا أنه يجوز المعاوضة اللازمة- علي الزيادة بشي‌ء باشتراط تأخير الدين عليه في ضمن تلك المعاوضة و ظهر أيضا من التعليل المتقدم في رواية ابن أبي عمير جواز نقض المؤجل بالتعجيل و سيجي‌ء تمام الكلام في هاتين المسألتين في باب الشروط أو كتاب القرض إن شاء الله تعالي [ثم إنه هل يجوز تعجيل الدين المؤجل بأزيد منه مثلا يطلبه دينارا إلي شهر فيقول أعطيتك دينارا و نصفا لتأخذه الآن أو في أجل أقرب الظاهر العدم لأنه ربا إلا إذا فر إلي نحو الهبة و الشرط في ضمن عقد أو نحو ذلك فقد قال ع: نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلي الحلال و الله العالم]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

اشارة

إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلي بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشتري نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلي البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهي و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

فالأقوي هو المشهور- للعمومات المجوزة كتابا و سنة

اشارة

و عموم ترك الاستفصال في صحيحة بشار ابن يسار قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المتاع بنس‌ء مرابحة فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه فقال نعم لا بأس به فقلت له أشتري متاعي و غنمي قال ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك و صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله ع: رجل كان له علي رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه فأتي الطالب المطلوب يتقاضاه فقال له المطلوب أبيعك هذه الغنم بدراهمك التي عندي فرضي قال لا بأس بذلك و رواية الحسين بن منذر قال: قلت لأبي عبد الله ع الرجل يجيئني فيطلب العينة- فأشتري له المتاع ثم أبيعه إياه مرابحة ثم أشتريه منه مكاني قال فقال إذا كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس قال فقلت إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد و يقولون إنه إن جاء به بعد أشهر صح قال إنما هذا تقديم و تأخير و لا بأس. و في المحكي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم أ يحل قال إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس. و عن كتاب علي بن جعفر قوله: باعه بعشرة إلي أجل ثم اشتراه بخمسة بنقد و هو أظهر في عنوان المسألة و ظاهر هذه الأخبار كما تري يشمل صور الخلاف و قد يستدل أيضا برواية يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة قالا: سألنا أبا عبد الله ع عن رجل باع طعاما بدراهم إلي أجل فلما بلغ ذلك تقاضاه فقال ليس لي دراهم خذ مني طعاما فقال لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء و في دلالتها نظر

[توهم معارضة العمومات مع روايتي خالد و عبد الصمد]

اشارة

و فيما سبق من العمومات كفاية إذ لا معارض لها عدا ما ذكره الشيخ قدس سره من رواية خالد بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل بعته طعاما بتأخير إلي أجل مسمي فلما جاء الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره مني فقال لا تشتره منه لا خير فيه و رواية عبد الصمد بن بشر المحكية عن الفقيه قال سأله محمد بن قاسم الحناط فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من رجل إلي أجل فيجيئني و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه فقال أفهم أصلحك الله إنه طعامي الذي اشتراه مني فقال لا تأخذ منه حتي يبيعه و يعطيك فقال أرغم الله أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي

[الجواب عن توهم المعارضة]

و حكي عن الشيخ قدس سره أنه أوردها في الاستبصار دليلا علي مختاره و حكي عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.
أقول لا يظهر من رواية خالد دلالة علي مذهب الشيخ و علي تقدير الدلالة فتعليل المنع بأنه لا خير فيه من أمارات الكراهة

[ما حكي عن الشيخ من عدم جواز أخذ بدل الطعام طعاما إذا كان أزيد]

و اعلم أنه قال الشيخ قدس سره في المبسوط إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ ما أعطاه فإن أخذ أكثر لم يجز و قد روي أنه يجوز علي كل حال و حكي في المختلف عن الخلاف أنه إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله فإن زاد عليه لم يجز و احتج بإجماع الفرقة و أخبارهم و بأنه يؤدي إلي بيع طعام بطعام ثم حكي عن بعض أصحابنا الجواز مطلقا و عن بعضهم المنع مطلقا ثم حكي عن الشيخ في آخر كلامه أنه قال و القول الآخر الذي لبعض أصحابنا قوي و ذلك أنه بيع طعام بدراهم لا بيع طعام بطعام فلا يحتاج إلي اعتبار المثلية انتهي أقول الظاهر أن الشيخ قدس سره جري في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية
المكاسب، ج‌3، ص 308
من عدم جواز بيع ما اشتري بجنس الثمن متفاضلا علي قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار- من أن عوض الشي‌ء الربوي لا يجوز أن يعوض بذلك الشي‌ء بزيادة و إن عوض العوض بمنزلة العوض. فإذا اشتري طعاما بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة و كذلك إذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له أن يأخذ عوض الدراهم طعاما و عول في ذلك علي التعليل المصرح به في رواية علي بن جعفر عن أخيه ع المعتضد ببعض الأخبار المانعة عن بعض أفراد هذه القاعدة هنا و في باب السلم قال: سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم قال إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي يشتري به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم قال في محكي التهذيب الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر الأخير من أنه إذا كان الذي أسلف فيه دراهم لم يجز أن يبيعه بدراهم لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم و ربما كان فيه زيادة أو نقصان و ذلك ربا انتهي و هنا يقول قبالا لمسألة السلم التي هي عكس مسألتنا إنه إذا كان الذي باعه طعاما لم يجز أن يشتري بثمنه طعاما لأنه يكون باع طعاما بطعام و بالجملة فمدار فتوي الشيخ قدس سره علي ما عرفت من ظهور بعض الأخبار بل صراحته فيه من أن عوض العوض في حكم العوض في عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه و بين اشتراء مجانسه منه و لا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الأجل أو بعده كما أطلقه في الحدائق و تقييده بما بعد الحلول في عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الإيفاء بعد الحلول و إن قصر المشهور خلافه به لكن الأظهر هو الإطلاق كما أن تقييد المنع في كلامه بأخذ ما باعه بالناقص لأنه الغالب لأن في رد نفس ما اشتراه رده بالناقص لا لخصوصية في النقص لا يجري في الزيادة و لذا ذكر جواز أخذ المتاع الآخر بقيمته في الحال زادت أو نقصت فيعلم منه أن أخذ ما باعه بقيمته في الحال غير جائز زادت أو نقصت و يؤيد الحمل علي الغالب أنه قدس سره ذكر في مسألة السلم التي هي عكس المسألة أنه لا يجوز له أخذ مثل الثمن زائدا علي ما أعطاه فإن الغالب مع إعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشتري و مع العكس العكس و ظهر أيضا مما ذكرنا أن الحكم مختص في كلام الشيخ بالجنس الربوي لا مطلق المتاع و لا خصوص الطعام

[إذا اشترط في البيع الأول نقله إلي من انتقل عنه]

اشارة

و أما الحكم في المستثني- و هو ما إذا اشترط في البيع الأول نقله إلي من انتقل عنه فهو المشهور و نص عليه الشيخ في باب المرابحة

[الاستدلال علي بطلان هذا البيع بالدور]

اشارة

و استدلوا عليه أولا بالدور كما في التذكرة قال في باب الشروط لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا و عينا أم لا و إلا جاء الدور لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه فيدور أما لو شرط أن يبيعه علي غيره صح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة لا يقال ما التزموه من الدور آت هنا لأنا نقول الفرق ظاهر لجواز أن يكون جاريا علي حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع علي المالك أقول ظاهر ما ذكره من النقص أنه يعتبر في الشرط أن يكون معقولا في نفسه مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه و بيع الشي‌ء علي غير مالكه معقول و لو من غير المالك كالوكيل و الفضولي بخلاف بيعه علي مالكه فإنه غير معقول أصل فاندفع عنه نقض جماعة ممن تأخر عنه- باشتراط بيعه علي غيره أو عتقه.

[النقض علي الاستدلال]

نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا علي الثمن فإن ذلك لا يعقل مع قطع النظر عن البيع بل يتوقف عليه و قد اعترف قدس سره بذلك في التذكرة فاستدل بذلك لأكثر الشافعية المانعين عنه و قال إن المشتري لا يملك رهن المبيع إلا بعد صحة البيع فلا يتوقف عليه صحة البيع و إلا دار لكنه قدس سره مع ذلك جوز هذا الاشتراط إلا أن يقال أخذ الرهن علي الثمن و التضمين عليه و علي دركه و درك المبيع من توابع البيع و من مصالحه فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن أو عدم تأخيره عن شهر مثلا و نحو ذلك لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه في التذكرة من اشتراط وقف المشتري المبيع علي البائع و ولده

[تقرير الدور في جامع المقاصد]

اشارة

و قرر الدور في جامع المقاصد بأن انتقال الملك موقوف علي حصول الشرط و حصول الشرط موقوف علي الملك و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت في ترتيب المقدمتين

[ما أجيب به عن هذا التقرير و ما يرد علي الأجوبة]

و أجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره و قد عرفت أن العلامة قدس سره تفطن له في التذكرة و أجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه علي الثمن و عرفت تفطنه لذلك أيضا في التذكرة و أخري بالحل- و هو انتقال الملك ليس موقوفا علي تحقق الشرط و إنما المتوقف عليه لزومه و ثالثة بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد أجل البيع الأول فإن ملك المشتري متخلل بين البيعين و مبني هذين الجوابين علي ما ذكره العلامة في الاعتراض علي نفسه و الجواب عنه بما حاصله أن الشرط لا بد من صحته مع قطع النظر عن البيع فلا يجوز أن يتوقف صحته علي صحة البيع

[الاستدلال علي البطلان بعدم القصد]

اشارة

و لا فرق في ذلك بين اشتراط بيعه قبل الأجل أو بعده لأن بيع الشي‌ء علي مالكه غير معقول مطلقا و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الأجل و ما بعده و استدل عليه أيضا بعدم قصد البائع بهذا الشرط إلي حقيقة الإخراج عن ملكه حيث لم يقطع علاقة الملك و جعله في غاية المراد أولي من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الأولين ثم قال و إن كان إجماع علي المسألة فلا بحث

[الرد علي الاستدلال]

و رد عليه المحقق و الشهيد الثانيان بأن الفرض حصول القصد إلي النقل الأول لتوقفه عليه و إلا لم يصح ذلك إذا قصدا ذلك و لم يشترطاه مع الاتفاق علي صحته انتهي

[الاستدلال علي البطلان برواية الحسين ابن المنذر]

اشارة

و استدل عليه في الحدائق بقوله ع في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة في السؤال عن بيع الشي‌ء و اشترائه ثانيا من المشتري: إن كان هو بالخيار إن شاء باع و إن شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت و إن شئت لم تشتر فلا بأس فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط علي نفسه بشرائه ثانيا فدل علي ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة التزامه بذلك في العقد الأول

[بيان الاستدلال]

و ثبوت البأس في الرواية إما راجع إلي البيع الأول فيثبت المطلوب و إن كان راجعا إلي البيع الثاني فلا وجه له إلا بطلان البيع الأول إذ لو صح البيع الأول و المفروض اشتراطه بالبيع الثاني لم يكن بالبيع الثاني بأس بل كان لازما بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

بمقتضي الشرط الواقع في متن العقد الصحيح

[ما رد به عن الاستدلال و الجواب عنه]
هذا و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس علي البطلان و فيه ما لا يخفي و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به أحد من عدم
المكاسب، ج‌3، ص 309
اشتراط المشتري ذلك علي البائع. و فيه أن هذا قد قال به كل أحد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع فإن المسألتين من واد واحد بل الشهيد قدس سره في غاية المراد عنوان المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء و قد يرد أيضا بأن المستفاد من المفهوم لزوم الشرط و أنه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه و إن كان يحرم البيع الثاني أو هو و البيع الأول مع الشرط و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط و إن كان لو فعل التزم به و هو غير التزام المحرم الذي يفسد و يفسد العقد. و فيه أن الحرمة المستفادة من البأس ليس إلا الحرمة الوضعية أعني الفساد و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

[مناقشة المؤلف في الاستدلال]

نعم يمكن أن يقال بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراغ عن صحة الأول كما يشهد به أيضا بيان خلاف أهل المسجد المختص بالبيع الثاني أن المراد أنه إن وقع البيع الثاني علي وجه الرضا و طيب النفس و الاختيار فلا بأس به و إن وقع لا عن ذلك بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله و إلزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء لا يكون إلا لعدم طيب النفس فيه و عدم وجوب الالتزام بما التزم علي نفسه إما لعدم ذكره في متن العقد و إما لكون الشرط بالخصوص فاسدا لا يجب الوفاء به و لا يوجب فساد العقد المشروط به كما هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في متنه حتي لو وقع عن طيب النفس لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جواز بالعقد الثاني.

[الاستدلال علي البطلان برواية علي بن جعفر و المناقشة فيه]

و أما رواية علي بن جعفر فهي أظهر في اختصاص الحكم بالشراء الثاني فيجب أيضا حمله علي وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثاني فساد البيع الأول بأن يكون مفهوم الشرط أنه إذا اشترطا ذلك في العقد أو قبله و لم يرضيا بوقوع العقد الثاني بل وقع علي وجه الإلجاء من حيث الالتزام به قبل العقد أو فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه و وقوعه عن إلجاء و هذا لا يكون إلا مع عدم وجوب الوفاء إما لعدم ذكره في العقد و إما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده في العقد. و بالجملة فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصح أن يستند إلي فساد الأول لما ذكرنا من ظهور الروايتين في ذلك فلا بد أن يكون منشأه عدم طيب النفس بالعقد الثاني و عدم طيب النفس لا يقدح إلا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم و عدم اللزوم لا يكون إلا لعدم ذكر الشرط في العقد أو لكونه فاسدا غير مفسد- ثم إنه قال في المسالك إنهما لو شرطاه قبل العقد لفظا فإن كانا يعلمان أن الشرط المتقدم لا حكم له فلا أثر له و إلا اتجه بطلان العقد به كما لو ذكراه في متنه لأنهما لم يقدما إلا علي الشرط و لم يتم لهما و يمكن أن يقال إن علمهما بعدم حكم للشرط لا يوجب عدم إقدامهما علي الشرط

[رأي المؤلف في المسألة]

فالأولي بناء المسألة علي تأثير الشرط المتقدم في ارتباط العقد به و عدمه و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم إلا أن يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر و بين الفاسد فيؤثر في البطلان و وجهه غير ظاهر بل ربما حكي العكس عن بعض المعاصرين و قد تقدم توضيح الكلام في ذلك
@@@@@@@@@@@@@@@@@

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]
قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم- في أحد العوضين إلي أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالئ بالكالئ و بيع الحاضر بالثمن المؤجل و هي النسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و هو السلم و المراد بالحاضر أعم من الكلي و بالمؤجل خصوص الكلي

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد

مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد
و علله في التذكرة بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلي الآخر فيجب الخروج عن العهدة متي طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه علي الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن علي المشتري. و يدل علي الحكم المذكور أيضا الموثق: في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي ثم افترقا قال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة

مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة
غير محتملة مفهوما و لا مصداقا للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا للغرر و لما دل في السلم الذي هو عكس المسألة علي وجوب تعيين الأجل و عدم جواز السلم إلي دياس أو حصاد

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا

مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا
ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين أنه لا يصح- و علله في المبسوط و غيره بالجهالة كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك و يدل عليه أيضا ما رواه في الكافي أنه ع قال: من ساوم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل

مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل
و إن طولب إجماعا- لأن ذلك فائدة اشتراط التأجيل- و لو تبرع بدفعه لم يجب علي البائع القبول بلا خلاف بل عن الرياض الإجماع عليه و في جامع المقاصد في باب السلم نسبه الخلاف إلي بعض العامة و علل الحكم في التذكرة في باب السلم بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة و فيه تأمل و يمكن تعليل الحكم بأن التأجيل كما هو حق للمشتري يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشتري لحفظ ماله في ذمته و جعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا و بالجملة ففي الأجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجل حيث إنه ليس لصاحب الدين الحال حق علي المديون و اندفع أيضا ما يتخيل- من أن الأجل حق مختص بالمشتري و لذا يزاد الثمن من أجله و له طلب النقصان في مقابل التعجيل و أن المؤجل كالواجب الموسع في أنه يجوز فيه التأخير و لا يجب ثم إنه لو أسقط المشتري أجل الدين- ففي كتاب الدين من التذكرة و القواعد أنه لو أسقط المديون أجل الدين مما عليه لم يسقط و ليس لصاحب الدين مطالبته في الحال و علله في جامع المقاصد بأنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا يسقط و لأن في الأجل حقا لصاحب الدين و لذا لم يجب عليه القبول قبل الأجل أما لو تقايلا في الأجل يصح و لو نذر التأجيل فإنه يلزم و ينبغي أن لا يسقط بتقايلهما لأن التقايل في العقود لا في النذور انتهي و فيه أن الحق المشترط في العقد اللازم- يجوز لصاحبه إسقاطه و حق صاحب الدين- لا يمنع من مطالبته من أسقط حق نفسه. و في باب الشروط من التذكرة لو كان عليه دين مؤجل فأسقط المديون الأجل لم يسقط و ليس للمستحق مطالبته في الحال لأن الأجل صفة تابعة و الصفة لا تفرد بالإسقاط و لهذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط و للشافعي وجهان انتهي و يمكن أن يقال إن مرجع التأجيل في العقد اللازم إلي إسقاط حق المطالبة في الأجل فلا يعود الحق بإسقاط التأجيل و الشرط القابل للإسقاط ما تضمن إثبات حق قابل لإسقاطه بعد جعله أ لا تري أنه لو شرط في العقد التبري من عيوب لم يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد و لم تعد العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط. و أما ما ذكره من أن لصاحب الدين حقا في الأجل فدلالته علي المدعي موقوفة علي أن الشرط الواحد إذا انحل إلي حق لكل من المتبايعين لم يجز لأحدهما إسقاطه لأن الفرض اشتراكهما فيه و لم يسقط الحق بالنسبة إلي نفسه لأنه حق واحد يتعلق بهما فلا يسقط إلا باتفاقهما الذي عبر عنه بالتقايل و معناه الاتفاق علي إسقاط الشرط الراجع إليهما فلا يرد عليه منع صحة التقايل في شروط العقود لا في أنفسها نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالي بالنذر لم ينفع اتفاقهما علي سقوطه لأن الحق معلق بغيرهما و ما ذكره حسن لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل أو لم يثبت التعدد فيرجع إلي أصالة عدم السقوط لكن الظاهر تعدد الحق فتأمل. ثم إن المذكور في باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط أجل الدين بالإسقاط بأن الأجل صفة تابعة لا يفرد بالإسقاط و لذا لو أسقط مستحق الحنطة الجيدة أو الدنانير
المكاسب، ج‌3، ص 306
الصحاح الجودة أو الصحة لم يسقط انتهي و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه

مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه
لأن في امتناعه إضرارا و ظلما إذ لا حق له علي من في ذمته في حفظ ماله في ذمته و الناس مسلطون علي أنفسهم و توهم عدم الإضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله و ضمانه علي مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما تثبت لدفع هذا الظلم و الإضرار المحرم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتي يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل أ لا تري أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه في البيع

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

مسألة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]
لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال- بل مطلق الدين بأزيد منه لأنه ربا لأن حقيقة الربا في القرض راجعة إلي جعل الزيادة في مقابل إمهال المقرض و تأخيره المطالبة إلي أجل فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا فإن أهل العرف لا يفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في أول المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلي شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلي تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة علي ذلك بل الظاهر من بعض التفاسير أن صدق الربا علي هذا التراضي مسلم في العرف

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]

مسألة [جواز بيع العين الشخصية المبتاعة بثمن مؤجل من بائعها إلا في صورة الاشتراط]
إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بائعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده- بجنس الثمن و غيره مساويا له أو زائدا عليه أو ناقصا حالا أو مؤجلا إلا إذا اشترط أحد المتبايعين علي صاحبه في البيع الأول قبوله منه بمعاملة ثانية أما الحكم في المستثني منه فلا خلاف فيه إلا بالنسبة إلي بعض صور المسألة- فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا. و قال في النهاية إذا اشتري نسيئة فحل الأجل و لم يكن معه ما يدفعه إلي البائع جاز للبائع أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا و لزمه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال لم يكن بذلك بأس انتهي و عن الشهيد أنه تبع الشيخ جماعة- و ظاهر الحدائق أن محل الخلاف أعم بما بعد الحلول و أنه قصر بعضهم التحريم بالطعام و كيف كان

القول في القبض

اشارة

القول في القبض
و هو لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف عبارات أهل اللغة- و النظر في ماهيته و وجوبه و أحكامه يقع في مسائل

مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول بعد اتفاقهم علي أنها التخلية (في غير المنقول- علي أقوال

أحدها أنها التخلية) أيضا

صرح به المحقق في الشرائع و حكي عن تلميذه كاشف الرموز و عن الإيضاح نسبته إلي بعض متقدمي أصحابنا و عن التنقيح نسبته إلي المبسوط

الثاني أنه في المنقول النقل

و فيما يعتبر كيله أو وزنه الكيل أو الوزن

الثالث ما في الدروس

من أنه في الحيوان نقله و في المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله و في الثوب وضعه في اليد.

الرابع ما في الغنية

و عن الخلاف و السرائر و اللمعة أنه التحويل و النقل

الخامس ما في المبسوط

من أنه إن كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد و إن كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض في البهيمة أن يمشي بها إلي مكان آخر و في العبد أن يقيمه إلي مكان آخر و إن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله في مكانه و إن كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه أن يكيله و زاد في الوسيلة أنه في الموزون وزنه و في المعدود عده و نسب عبارة الشرائع- الراجعة إلي ما في المبسوط إلي المشهور.

السادس أنه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد

حكي عن المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية و اعترف في المسالك تبعا لجامع المقاصد لشهادة العرف بذلك إلا أنه أخرج عن ذلك المكيل و الموزون مستندا إلي النص الصحيح و فيه ما سيجي‌ء.

السابع ما في المختلف

من أنه إن كان منقولا فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد و إن كان مكيلا أو موزونا فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن.

الثامن أنه التخلية مطلقا

بالنسبة إلي انتقال الضمان إلي المشتري دون النهي عن بيع ما لم يقبض نفي عنه البأس في الدروس

[رأي المؤلف في المسألة]

اشارة

أقول لا شك أن القبض للمبيع هو فعل القابض و هو المشتري و لا شك أن الأحكام المترتبة علي هذا الفعل لا يترتب علي ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشتري فيه كما أن الأحكام المترتبة علي فعل البائع كالوجوب علي البائع و الراهن في الجملة و اشتراط القدرة علي التسليم لا يحتاج في ترتبها إلي فعل من المشتري

[بطلان تفسير القبض بالتخلية]

فحينئذ نقول أما ما اتفق عليه من كفاية التخلية- في تحقق القبض في غير المنقول إن أريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة إلي المبيع و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه وصوله إلي المشتري و يعبر عنه مسامحة بالإقباض و التسليم و هو الذي يحكمون بوجوبه علي البائع و الغاصب و الراهن في الجملة و يفسرونه بالتخلية التي هي فعل البائع فقد عرفت أنه ليس قبضا حقيقيا حتي في غير المنقول و إن فسرت برفع جميع الموانع و أذن المشتري في التصرف. قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع القبض مصدر يستعمل بمعني التقبيض و هو التخلية و يكون من طرف البائع و الواهب بمعني التمكين من التصرف انتهي. بل التحقيق أن القبض مطلق هو استيلاء المشتري عليه و تسلطه عليه الذي يتحقق به معني اليد و يتصور فيه الغصب

[لا بد من استفادة معني القبض من حكم كل مورد بخصوصه]

نعم يترتب علي ذلك المعني الأول الأحكام المترتبة علي الإقباض و التسليم
المكاسب، ج‌3، ص 310
الواجبين علي البائع فينبغي ملاحظة كل حكم من الأحكام المذكورة في باب القبض و أنه مترتب علي القبض الذي هو فعل المشتري بعد فعل البائع و علي الإقباض الذي هو فعل البائع مثلا إذا فرض أنه أدلة اعتبار القبض في الهبة دلت علي اعتبار حيازة المتهب الهبة لم يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل الواهب و هكذا و لعل تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان و غيره من حيث إن الحكم الأول منوط بالإقباض و غيره منوط بفعل المشتري

[اختلاف المناط في القبض باختلاف مدرك الضمان]

و كيف كان فلا بد من مراعاة أدلة أحكام القبض فنقول أما رفع الضمان- فإن استند فيه إلي النبوي: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري و إن استند إلي قوله ع في رواية عقبة بن خالد: حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية فيمكن حمل النبوي علي ما ذكر ما هو مقارن غالبي للتخلية و احتمل ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الإخراج للوصول إلي المشتري بقرينة ظاهر النبوي. و لذا قال في جامع المقاصد بعد نقل ما في الدروس إن الخبر دال علي خلافه و هو حسن إن أراد به ظاهر النبوي لا ظاهر رواية عقبة أو غيرها و الإنصاف أن ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة إلي ظاهر رواية عقبة و ربما يخدش فيهما بظهورها في اعتبار الإخراج من البيت مع أنه غير معتبر في رفع الضمان اتفاقا. و فيه أن الإخراج عن البيت كناية عن الإخراج عن السلطنة و رفع اليد و لا ينبغي خفاء ذلك علي المتأمل في الاستعمال العرفي هذا و لكن الجمود علي حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول إلي يد المشتري لأن الإقباض و الإخراج و إن كانا من فعل البائع إلا أن صدقهما عليه يحتاج إلي فعل من غير البائع لأن الإقباض و الإخراج بدون القبض و الخروج محال إلا أن يستفاد من الرواية تعلق الضمان علي ما كان من فعل البائع و التعبير بالإقباض و الإخراج مسامحة مست الحاجة إليهما في التعبير. و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال لو أحضر البائع السلعة فقال المشتري ضعه تم القبض لأنه كالتوكيل في الوضع و لو لم يقل المشتري شيئا أو قال لا أريد حصل القبض لوجود التسليم كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك فإنه يبرأ من الضمان انتهي. و ظاهره أن المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع و لو امتنع المشتري لكنه قدس سره صرح في عنوان المسألة و في باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبه إلي بعض الشافعية فالظاهر أن مراده بل مراد الشهيد قدس سرهما رفع الضمان بهذا و إن لم يكن قبضا بل عن الشهيد في حواشي أنه نقل عن العلامة قدس سره أن التخلية في المنقول و غيره ترفع الضمان لأنه حق علي البائع و قد أدي ما عليه أقول و هذا كما أن إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع و سيجي‌ء من المحقق الثاني أن النقل في المكيل و الموزون يرفع الضمان و إن لم يكن قبضا

[القبض هو الاستيلاء في المنقول و غيره]

و قد ظهر مما ذكرنا أن لفظ القبض الظاهر بصيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء علي البيع سواء في المنقول و غيره لأن القبض لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف علي اختلاف التعبيرات فإن أريد الأخذ حسا باليد فهو لا يتأتي في جميع المبيعات مع أن أحكامه جارية في الكل فاللازم أن يراد به في كلام أهل اللغة و في لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن و الصدقة و تشخيص ما في الذمة أخذ كل شي‌ء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة

[المناقشة في اعتبار النقل و التحويل في القبض]

و أما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه بل ادعي في الغنية الإجماع علي أنه القبض في المنقول الذي لا يكتفي فيه بالتخلية فهو لا يخلو عن تأمل و إن شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف في مثل الحيوان لأن مجرد إعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا علي الظاهر ثم المراد من النقل في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له لا نقل البائع كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرح به في جامع المقاصد. و أما رواية عقبة بن خالد المتقدمة فلا دلالة فيها علي اعتبار النقل في المنقول و إن استدل بها عليه في التذكرة لما عرفت من أن الإخراج من البيت في الرواية نظير الإخراج من اليد كناية عن رفع اليد و التخلية للمشتري حتي لا يبقي من مقدمات الوصول إلي المشتري إلا ما هو من فعله

و أما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل أو الموزون

فقد اعترف غير واحد بأنه تعبد لأجل النص الذي ادعي دلالته عليه مثل صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع المبيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور بن حازم: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه إلا أن توليه و في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا لم يربح عليه فلا بأس و إن ربح فلا يبعه حتي يقبضه و رواية أبي بصير: عن رجل اشتري طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه إلي غير ذلك مما دل علي اعتبار الكيل و الوزن لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما و إلا لم يفرق بين التولية و غيرها فتعين لأمر آخر و ليس إلا من كون ذلك قبضا للإجماع كما في المختلف علي جواز بيع الطعام بعد قبضه و منه يظهر ما في المسالك حيث إنه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال و التحقيق هنا أن الخبر الصحيح دل علي النهي عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما لا علي أن القبض لا يتحقق بدونهما و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملا بالعرف و الخبر الآخر و يتوقف ثانيا علي الكيل و الوزن أمكن إن لم يكن إحداث قول انتهي. و الظاهر أن مراده بالخبر خبر عقبة بن خالد و قد عرفت ظهوره في اعتبار النقل

[لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع]

ثم إن ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن في القبض من دون توقف علي النقل و الظاهر أنه لا بد مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع كما صرح به في جامع المقاصد و لذا نبه في موضع من التذكرة بأن الكيل شرط في القبض
و كيف كان فالأولي في المسألة ما عرفت من أن القبض له معني واحد يختلف باختلاف الموارد و أن كون القبض هو الكيل و الوزن خصوصا في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جدا لأن التعبد الشرعي علي تقدير تسليمه مختص
المكاسب، ج‌3، ص 311
بالبيع إلا أن يكون إجماع علي اتحاد معني القبض في البيع و غيره كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم في باب الرهن و الهبة و حكي فيها الاتفاق علي الاتحاد عن ظاهر المسالك و استظهره الحاكي أيضا. و عن ظاهر المبسوط في باب الهبة أن القبض هي التخلية فيما لا ينتقل و النقل و التحويل في غيره لكن صرح في باب الرهن بأن كلما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك و عن القاضي أنه لا يكفي الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته في البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق بل القبض سبب في الاستحقاق بل و مقتضي هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن و هذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعية فقال قدس سره القبض هنا كالقبض في البيع ففيما لا ينقل و لا يحول التخلية و فيما ينقل و يحول النقل و التحويل و فيما يكال أو يوزن الكيل و الوزن ثم حكي عن بعض الشافعية عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع مستندا إلي أن القبض في البيع مستحق و في الهبة غير مستحق فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه و لذا لو أتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا بخلاف المشتري ثم ضعفه بأنه ليس بشي‌ء لاتحاد القبض في الموضعين و اعتبار العرف فيهما انتهي. و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه إلا أن يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان و إن لم يكن قبضا كما أشرنا إليه سابقا-

فرعان

الأول قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع

و مكنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان إلي مكان كان قبضا و قال أيضا إذا كان المبيع في موضع لا يختص بالبائع- كفي في المنقول النقل من حيز إلي حيز و إن كان في موضع يختص به فالنقل من زاوية إلي أخري بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرف و يكفي لدخوله في ضمانه و إن نقل بإذنه حصل القبض و كأنه استعار البقعة المنقول إليها

الثاني [لو كيل أو وزن قبل البيع فهل يجب اعتباره ثانيا لتحقق القبض]

اشارة

قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا فلا يخلو إما أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن أولا بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه أو باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه فإن كان الآخر فلا بد في تحقق قبضه من كيله أو وزنه للنص المتقدم و إن كان الأول ففي افتقاره إلي الاعتبار ثانيا لأجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأول وجهان من إطلاق توقف الحكم علي الكيل و الوزن و قد حصلا و قوله ع في النص: حتي يكيله أو يزنه لا يدل علي اعتبار أزيد من اعتبار الكيل و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع و من أن الظاهر أن ذلك لأجل القبض لا لتحقق شرط صحة البيع الثاني فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة و هو الأقوي و يدل عليه قوله ع: إلا أن يوليه- فإن الكيل السابق شرط لصحة البيع فلا بد منه في التولية و غيرها فدل علي أن ذلك لأجل القبض لا لصحة البيع انتهي المهم من كلامه رحمه الله أقول يبعد التزام القائلين بهذا القول- ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف في بعضه في ضمان البائع حتي يكيله ثانيا أو يزنه و إن لم يرد بيعه ثانيا و كذا لو كاله و قبضه ثم عقد عليه

[كلمات الفقهاء في المسألة]

اشارة

و قد تفطن لذلك المحقق الأردبيلي رحمه الله فيما حكي من حاصل كلامه حيث نزل ما دل علي اعتبار الكيل و الوزن في البيع الثاني علي ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه بل وقع البيع الأول من دون كيل كما إذا اشتري أصوعا من صبرة مشتملة عليها أو اشتري بإخبار البائع أما إذا كاله بحضور المشتري ثم باعه إياه فأخذه و حمله إلي بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز فلا شك في كونه قبضا مسقطا للضمان مجوزا للبيع و لا يلزم تكلف البائع بكيله مرة أخري للإقباض إلي أن قال ما حاصله أن كون وجوب الكيل مرة أخري للقبض مع تحققه أولا عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة قدس الله أسرارهم و قواه ليس بقوي انتهي و قال في جامع المقاصد عند شرح قول المصنف إن التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال أو يوزن علي رأي المراد به الكيل الذي يتحقق به اعتبار البيع و لا بد من رفع البائع يده عنه فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده فلا تسليم و لا قبض و لو أخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدقه و أخذ علي ذلك حصل القبض كما نص عليه في التذكرة ثم قال و لو أخذ المبيع جزافا أو أخذ ما اشتراه كيلا وزنا أو بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه صح و إلا فلا ذكره في التذكرة و الذي ينبغي أن يقال إن هذا الأخذ بإعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع إلي المشتري و انتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه ليقبض الثمن لا التسلط علي بيعه لأن بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه علي التحريم أو الكراهة و لو كيل قبل ذلك فحضر كيله أو وزنه ثم اشتراه و أخذه بذلك الكيل فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن بل هو أولي انتهي ثم الظاهر أن مراد المسالك مما نسبه إلي العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لأجل القبض ما ذكره في القواعد تفريعا علي هذا القول أنه لو اشتري مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض قال في جامع المقاصد في شرحه إنه لو اشتري ما لا يباع إلا مكايلة و باع كذلك لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد لأن كل بيع لا بد له من قبض قال بعد ذلك و لو أنه حضر الكيل المتعلق بالبيع الأول فاكتفي به أو أخبره البائع فصدقه لكفي نقله و قام ذلك مقام كيله و في الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض قال نعم لو خلي بينه و بين المكيل فامتنع حتي يكتاله لم ينتقل إليه الضمان و لا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض انتهي و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لأجل القبض و إن كيل أو وزن قبل ذلك

[عدم ظهور كلمات الفقهاء في وجوب الاعتبار مرة أخري]

اشارة

لكن الإنصاف أنه ليس في كلامهم و لا غيرهم ما يدل علي أن الشي‌ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرة أخري لتحقق القبض كما يظهر من المسالك فلا يبعد أن يكون كلام الشيخ قدس سره و من تبعه في هذا القول و كلام العلامة و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما إذا عقد علي كيل معلوم من كلي أو من صبرة معينة أو علي جزئي محسوس علي أنه كذا و كذا فيكون
المكاسب، ج‌3، ص 312
مراد الشيخ و الجماعة من قولهم اشتري مكايلة أنه اشتري بعنوان الكيل و الوزن في مقابل ما إذا اشتري ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين في العقد لكونه لغوا و الظاهر أن هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع أيضا من الرهن و الهبة فلو رهن إناء معينا من صفر مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصا علي القول بجواز هبة المجهول فالظاهر أنه لا يقول أحد بأنه يعتبر في قبضه وزنه مع عدم تعلق غرض في الهبة بوزنه أصلا. نعم لو رهن أو وهب مقدارا معينا من الكيل أو الوزن أمكن القول باشتراط اعتباره في قبضه و إن قبضه جزافا كلا قبض فظهر أن قوله في القواعد اشتري مكايلة و هو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول كما عرفت عند نقل الأقوال يراد به ما ذكرنا لا ما عرفت من جامع المقاصد و يؤيده تكرار المكايلة في قوله و باع مكايلة و يشهد له أيضا قول العلامة في غير موضع من التذكرة لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة و يشهد له أيضا قوله في موضع آخر لو أخذ ما اشتري كيلا وزنا و بالعكس فإن تيقن حصول الحق فيه إلخ و أظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط فإنه بعد ما صرح باتحاد معني القبض في الرهن و غيرهما ذكر أنه لو رهن صبرة علي أنه كيل كذا فقبضه أن يكيله و لو رهنها جزافا فقبضه أن ينقله من مكانه مع أنه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا فافهم و أما قوله في الدروس فلا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض فلا يبعد أن يكون تتمة لما قبله من قوله نعم لو خلي بينه و بينه فامتنع حتي يكتاله و مورده بيع كيل معين كلي فلا يدل علي وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد

[استثناء بيع التولية ليس قرينة علي وجوب الاعتبار مرة أخري]

ثم إن ما ذكره في المسالك في صحيحة ابن وهب أولا من أن قوله: لا يبعه حتي يكيله يصدق مع الكيل السابق ثم استظهاره ثانيا بقرينة استثناء بيع التولية أن المراد غير الكيل المشترط في صحة العقد لم يعلم له وجه إذ المراد من الكيل و الوزن في تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط بين البيع الأول و الثاني و هذا غير قابل لإرادة الكيل المصحح للبيع الأول فلا وجه لما ذكره أولا أصلا و لا وجه لإرادة المصحح للبيع الثاني حتي يكون استثناء التولية قرينة علي عدم إرادته لاشتراك التولية مع غيرها في توقف صحتهما علي الاعتبار لأن السؤال عن بيع الشي‌ء قبل قبضه ثم الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن إرجاعها إلي السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثاني بل الكلام سؤالا و جوابا نص في إرادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها فالأولي أن استثناء التولية ناظر إلي الفرق بين البيع مكايلة بأن يبيعه ما اشتراه علي أنه كيل معين فيشترط قبضه بالكيل و الوزن ثم إقباضه و بين أن يوليه البيع الأول من غير تعرض في العقد لكيله و وزنه فلا يعتبر توسط قبض بينهما بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأول. و بالجملة فليس في الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي‌ء أولا قبل البيع ثم العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل و أن بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج إلي كيل جديد لقبض البيع الأول لا لاشتراط معلومية البيع الثاني أم لا بل ليس في كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة
@@@@@@@@@@@@@@@@

القول في وجوب القبض

مسألة يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع

اشاره

لاقتضاء العقد لذلك فإن قال كل منهما لا أدفع حتي أقبض فالأقوي إجبارهما معا وفاقا للمحكي عن السرائر و الشرائع و كتب العلامة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها- و عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه لما في التذكرة- من أن كلا منهما قد وجب له حق علي صاحبه و عن الخلاف أنه يجبر البائع أولا علي تسليم المبيع ثم يجبر المشتري علي تسليم الثمن سواء كان الثمن عينا أو في الذمة لأن الثمن إنما يستحق علي المبيع فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن و لعل وجهه دعوي انصراف إطلاق العقد إلي ذلك و لذا استقر العرف إلي تسمية الثمن عوضا و قيمة و لذا يقبحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع كما يقبحون مطالبة الأجرة قبل العمل أو دفع العين المستأجرة و الأقوي ما عليه الأكثر-

[محل الخلاف في المسألة]

اشاره

ثم إن ظاهر جماعة أن محل في هذه المسألة بين الخاصة و العامة ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في البدأة و التسليم لا ما إذا امتنع أحدهما عن البذل قال في المبسوط بعد اختياره أولا إجبارهما معا علي القابض ثم الحكم بأن تقديم البائع في الإجبار أولي قال هذا إذا كان كل منهما باذلا و أما إذا كان أحدهما غير باذل أصلا و قال لا أسلم ما علي أجبره الحاكم علي البذل فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أن أيهما يدفع هذا إذا كان موسرا قادرا علي إحضار الثمن فإن كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع إلي عين ماله كالمفلس انتهي و قال في التذكرة توهم قوم أن الخلاف في البداءة بالتسليم خلاف في أن البائع هل له حق الحبس أم لا إن قلنا بوجوب البدأة للبائع فليس له حبس المبيع إلي استيفاء الثمن و إلا فله ذلك و نازع أكثر الشافعية فيه و قالوا هذا الخلاف مختص بما إذا كان نزاعهما في مجرد البدأة و كان كل منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه فأما إذا لم يبذل البائع المبيع و أراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن فله ذلك بلا خلاف و كذا للمشتري حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع انتهي. و قد صرح بعض آخر أيضا بعدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر من التسليم و لعل الوجه فيه أن عقد البيع مبني علي التقابض و كون المعاملة يدا بيد فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه و التزم علي صاحبه أن لا يسلمه مع الامتناع فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه فلا يرد أن وجوب التسليم علي كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر فلا يسقط التكليف بإزاء مال الغير عن أحدهما بمعصيته الآخر و أن ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل في أحد العوضين-

فلو كان أحدهما مؤجلا

لم يجز حبس الآخر. قال في التذكرة و لو لم يتفق تسليمه حتي حل الأجل لم يكن له الحبس أيضا و لعل وجهه أن غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق علي تسليم المؤجل أصلا و هذا مما يؤيد أن حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس علي الآخر فيكون الحبس بإزاء الحبس.

[لو قبض الممتنع بدون رضا صاحبه]

ثم إن مقتضي ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما في يد صاحبه أنه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض فصحة القبض بأحد أمرين
المكاسب، ج‌3، ص 313
أما إقباض ما في يده لصاحبه فله حينئذ قبض ما في يد صاحبه و لو بغير إذنه و أما إذن صاحبه سواء أقبض ما في يده أم لا كما صرح بذلك في المبسوط و التذكرة و صرح فيهما بأن له مطالبة القابض برد ما قبض بغير إذنه لأن له حق الحبس و التوثق إلي أن يستوفي العوض و في موضع من التذكرة أنه لا ينفذ تصرفه فيه و مراده التصرف المتوقف علي القبض كالبيع أو مطلق الاستبدال

ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم

إما لوجوبه عليه كالبائع علي قول الشيخ أو لتبرعه بذلك أجبر الآخر علي التسليم و لا يحجر عليه في ما عنده من العوض و لا في مال آخر لعدم الدليل.

مسألة يجب علي البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا و من غيرها في الجملة

اشاره

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة إلي التسليم و إن أوهمه بعض العبارات ففي غير واحد من الكتب أنه يجب تسليم المبيع مفرغا و المراد إرجاع الحكم إلي القيد و إلا فالتسليم يحصل بدونه و قد تقدم عن التذكرة

[الاستدلال عليه]

و كيف كان فيدل علي وجوب التفريغ ما دل علي وجوب التسليم فإن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا فإن التسليم بدونه كالعدم بالنسبة إلي غرض المتعاقدين و إن ترتب عليه أحكام تعبدية كالدخول في ضمان المشتري و نحوه

[لو مضت مدة و لم يتمكن البائع من التفريغ أو لم يفرغ]

فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا فإن تعذر ففي أول أزمنة الإمكان و لو تراخي زمان الإمكان و كان المشتري جاهلا كان له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه و في ثبوت الأجرة- لو كان لبقائه أجرة إلي زمان الفراغ وجه

[لو كان في الأرض زرع للبائع]

و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالأجرة كما جزموا بها مع امتناعه من أصل التسليم و لو كان في الأرض زرع قد أحصد وجب إزالته لما ذكرنا و إن لم يحصد وجب الصبر إلي بلوغ أوانه للزوم تضرر البائع بالقلع و أما ضرر المشتري فينجبر بالخيار مع الجهل كما لو وجدها مستأجرة و من ذلك يعلم عدم الأجرة لأنه اشتري أرضا تبين أنها مشغولة فلا يثبت أكثر من الخيار و يحتمل ثبوت الأجرة لأنه اشتري أرضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين إبقائه بالأجرة و بين قلعه لتقديم ضرر القلع علي ضرر فوات منفعة الأرض بالأجرة و يحتمل تخيير المشتري بين إبقائه بالأجرة و قلعه بالأرش و يحتمل ملاحظة الأكثر ضررا

و لو احتاج تفريغ الأرض إلي هدم شي‌ء هدمه بإذن المشتري

و عليه طم ما يطم برضا المالك و إصلاح ما استهدم أو الأرش علي اختلاف الموارد فإن مثل قلع الباب أو قلع ساجة منه إصلاحه إعادته بخلاف هدم حائط فإن الظاهر لحوقه بالقيمي في وجوب الأرش له و المراد بالأرش قيمة الهدم لا أرش العيب.
و بالجملة فمقتضي العرف إلحاق بعض ما استهدم بالمثلي و بعضه بالقيمي و لو ألحق مطلقا بالقيمي كان له وجه و يظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير إذن صاحبه أقوال ثلاثة الإعادة مطلقا كما في الشرائع و عن المبسوط و الأرش كذلك كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين و التفصيل بين ما كان مثليا كحائط البساتين و المزارع و إلا فالأرش كما عن الدروس و الظاهر جريان ذلك في كسر الباب و الشبابيك و فتق الثوب من هذا القبيل.

مسألة لو امتنع البائع من التسليم

فإن كان لحق كما لو امتنع المشتري عن تسليم الثمن فلا إثم و هل عليه أجرة مدة الامتناع احتمله في جامع المقاصد إلا أن منافع الأموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها و علي المشتري نفقة المبيع. و في جامع المقاصد ما أشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتي تقبض المهر فإن في استحقاقها النفقة ترددا قال و يحتمل الفرق بين الموسر و المعسر انتهي و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين و لو طلب من البائع الانتفاع به في يده ففي وجوب إجابته وجهان و لو كان امتناعه لا لحق- وجب عليه الأجرة لأنه عاد و مقتضي القاعدة أن نفقته علي المشتري

الكلام في أحكام القبض

اشارة

الكلام في أحكام القبض
و هي التي تلحقه بعد تحققه

مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان ممن نقله إلي القابض

اشارة

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه إجماعا مستفيضا- بل محققا و يسمي ضمان المعاوضة

[الاستدلال عليه بالنبوي المشهور]

و يدل عليه قبل الإجماع النبوي المشهور: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و ظاهره بناء علي جعل من للتبعيض أنه بعد التلف يصير مالا للبائع لكن إطلاق المال علي التالف إنما هو باعتبار كونه مالا عند التلف و بهذا الاعتبار يصح أن يقع هو المصالح عنه إذا أتلفه الغير لا قيمته كما صرح به في باب الصلح من الشرائع و التحرير و حينئذ فلا بد من أن يكون المراد بالنبوي أن المبيع يكون تالفا من مال البائع و مرجع هذا إلي انفساخ العقد قبل التلف آنا ما ليكون التالف مالا للبائع.
و الحاصل أن ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف علي مال البائع و مرجعه إلي ما ذكره في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من أنه يتجدد انتقال الملك إلي البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزأ من الزمان و ربما يقال تبعا للمسالك إن ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع يوهم خلاف هذا المعني و لعله لدعوي أن ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله بمعني كون دركه عليه فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة.

[الضمان في المسألة ضمان المعاوضة لا ضمان اليد]

و مما ذكرنا من أن معني الضمان هنا يرجع إلي انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع في ملك البائع و يسمي ضمان المعاوضة لا ضمانه عليه مع تلفه من المشتري كما في المغصوب و المستام و غيرهما و يسمي ضمان اليد يعلم أن الضمان فيما نحن فيه حكم شرعي لا حق مالي فلا يقبل الإسقاط و لذا لو أبرأه المشتري من الضمان لم يسقط كما نص عليه في التذكرة و الدروس و ليس الوجه في ذلك أنه إسقاط ما لم يجب كما قد يتخيل.

[الاستدلال علي ضمان البائع قبل القبض برواية عقبة أيضا]

و يدل علي الحكم المذكور أيضا رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع:
في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير أنه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله و لعل الرواية أظهر دلالة- علي الانفساخ قبل التلف من النبوي

[عدم الخلاف في المسألة]

و كيف كان فلا خلاف في المسألة أعني بطلان البيع عند التلف لا من أصله لأن تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لأصالة بقاء العقد و إنما احتيج إليه لتصحيح ما في النص من الحكم بكون التالف من مال البائع فيرتكب بقدر الضرورة

[نماء المبيع قبل التلف للمشتري]

و يترتب علي ذلك كون النماء قبل التلف للمشتري. و في معناه الركاز الذي يجده
المكاسب، ج‌3، ص 314
العبد و ما وهب منه فقبله و قبضه أو أوصي له به فقبله كما صرح به في المبسوط و التذكرة و صرح العلامة بأن مئونة تجهيزه لو كان مملوكا علي البائع و هو مبني علي ثبوت الملك التحقيقي قبل التلف لا مجرد تقدير الملك الذي لا بد فيه من الاقتصار علي الحكم الثابت المحوج إلي ذلك التقدير دون ما عداه من باقي آثار المقدر إلا أن يقال بأن التلف من البائع يدل التزاما علي الفسخ الحقيقي

[تعذر الوصول بحكم التلف]

ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول إليه عادة مثل سرقته علي وجه لا يرجي عوده و عليه تحمل رواية عقبة المتقدمة. قال في التذكرة وقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش و لو غرق البحر الأرض المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل أو كسيها رمل فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار للشافعية وجهان أقواهما الثاني و لو أبق العبد قبل القبض أوضاع في انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود انتهي و في التذكرة أيضا لو هرب المشتري قبل وزن الثمن و هو معسر مع عدم الإقباض احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن و الصبر ثلاثة أيام للرواية و الأول أقوي لورودها في الباذل و إن كان موسرا أثبت البائع ذلك عند الحاكم ثم إن وجد له مالا قضاه و إلا باع المبيع و قضي منه و الفاضل للمشتري و المعوز عليه انتهي و في غير موضع مما ذكره تأمل

[لو كان القبض غير واجد لشرائط الصحة]

ثم إن ظاهر كثير من الأصحاب أنه لا يعتبر في القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه فلو وقع بغير إذن ذي اليد كفي في رفع الضمان- كما صرح به في التذكرة و الدروس و غيرهما و لو لم يتحقق الكيل و الوزن بناء علي اعتبارهما في قبض المكيل ففي سقوط الضمان بمجرد نقل المشتري قولان قال في التذكرة في باب بيع الثمار إنه لو اشتري طعاما مكايلة فقبض جزافا فهلك في يده فهو من ضمان المشتري لحصول القبض و إن جعلنا الكيل شرطا فيه فالأقرب أنه من ضمان البائع انتهي و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء علي اشتراط الكيل في القبض و لا يخلو عن قوة

[هل يكتفي بالتخلية في سقوط الضمان]

و هل يكتفي بالتخلية علي القول بعدم كونها قبضا في سقوط الضمان قولان لا يخلو السقوط من قوة و إن لم نجعله قبضا و كذا الكلام فيما لو وضع المشتري يده عليه و لم ينقله بناء علي اعتبار النقل في القبض هذا كله حكم التلف السماوي.

و أما الإتلاف

اشارة

فإما أن يكون من المشتري و إما أن يكون من البائع و إما أن يكون من الأجنبي

فإن كان من المشتري

فالظاهر عدم الخلاف في كونه بمنزلة القبض في سقوط الضمان لأنه قد ضمن ماله بإتلافه و حجته الإجماع لو تم و إلا فانصراف النص إلي غير هذا التلف فيبقي تحت القاعدة. قال في التذكرة هذا إذا كان المشتري عالما و إن كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع إلي المشتري فأكله هل يجعل قابضا الأقرب أنه لا يصير قابضا و يكون بمنزلة إتلاف البائع ثم مثل له بما قدم المغصوب إلي المالك فأكله أقول هذا مع غرور البائع لا بأس به أما مع عدم الغرور ففي كونه كالتلف السماوي وجهان- و لو صال العبد علي المشتري فقتله دفعا ففي التذكرة أن الأصلح أنه لا يستقر عليه الثمن. و حكي عن بعض الشافعية الاستقرار لأنه قتله في عرض نفسه

و لو أتلفه البائع

ففي انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير لعموم التلف في النص- لما كان بإتلاف حيوان أو إنسان أو كان بآفة أو ضمان البائع للقيمة لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة إتلاف مال الغير أو التخيير بين مطالبته بالقيمة أو بالثمن إما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير المالك في العمل بأحدهما و إما لأن التلف علي هذا الوجه إذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع فيثبت الخيار للمشتري لجريان دليل تعذر الانفساخ التسليم هنا و هذا هو الأقوي و اختاره في التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها و عن حواشي الشهيد نسبه إلي أصحابنا العراقيين فإن اختار المشتري القيمة فهل للبائع حبس القيمة علي الثمن وجهان من أنها بدل عن العين و من أن دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل أقواهما العدم و لو قبض المشتري بغير إذن البائع حيث يكون له الاسترداد فأتلفه البائع في يد المشتري ففي كونه كإتلافه قبل القبض فيكون في حكم الاسترداد كما أن إتلاف المشتري في يد البائع بمنزلة القبض أو كونه إتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة لدخول المبيع في ضمان المشتري بالقبض و إن كان ظالما فيه وجهان اختار أولهما في التذكرة

و لو أتلفه أجنبي

جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة إلا أن المتعين منها هو التخيير لما تقدم و لو لا شبهه الإجماع علي عدم تعين القيمة تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ إلي غير ذلك.

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين

في جميع ما ذكر كما صرح في التذكرة و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر أن بالقبض ينتقل الضمان إلي القابض بل الظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
قال في المبسوط لو اشتري عبدا بثوب و قبض العبد و لم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه و إذا باعه و سلمه ثم تلف الثوب انفسخ البيع و لزمه قيمة العبد لبائعه لأنه لا يقدر علي رده انتهي و في باب الصرف من السرائر نظير ذلك و قد ذكر هذه المسألة أيضا في الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها أعني مسألة من باع شيئا معينا بشي‌ء معين ثم بيع أحدهما ثم تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الأول و قد صرحوا بنظير ذلك في باب الشفعة أيضا و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة و يمكن أن يستظهر من رواية عقبة المتقدمة حيث ذكر في آخرها أن المبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله بناء علي عود ضمير الحق إلي البائع بل ظاهر بعضهم شمول النبوي له بناء علي صدق المبيع علي الثمن قال كما في التذكرة- أو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض فإن كانت في يد المشتري فكإتلافه و إن كانت في يد البائع فكإتلافه و إن كانت في يد أجنبي فكإتلافه و إن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينسب إلي آدمي فكان كالسماوية انتهي ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع من المعاوضات به في هذا الحكم لم أجد أحد أصرح بذلك نفيا أو إثباتا نعم ذكروا في الإجارة و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه في كلماتهم إلا أنه يظهر من بعض مواضع التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات علي وجه يظهر كونه
المكاسب، ج‌3، ص 315
من المسلمات قال في مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض و المال المضمون في يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة أو بالتفريط و يسمي ضمان اليد يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه إلي أن قال أما ما هو مضمون في يد الغير بعوض في عقد معاوضة فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كمال الصلح و الأجرة المعينة لما تقدم و قال الشافعي لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه كالبيع انتهي و ظاهر هذا الكلام كونه مسلما بين الخاصة و العامة.

مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه

فإن كان مما يقسط الثمن عليه انفسخ البيع فيه

فيما يقابله من الثمن لأن التالف مبيع تلف قبل قبضه فإن البيع يتعلق لكل جزء إذ البيع عرفا ليس إلا التمليك بعوض و كل جزء كذلك. نعم إسناد البيع إلي جزء واحد مقتصرا عليه يوهم انتقاله بعقد مستقل و لذا لم يطلق علي بيع الكل البيوع المتعددة و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في المسألة

إن كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن

كيد العبد فالأقوي أنه كالوصف الموجب للتعيب فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد فالمشتري مخير بين الرد و الأرش و إلا كان له الرد فقط بل عن الإيضاح أن الأرش هنا أظهر لأن المبيع هو مجموع بدن العبد و قد نقص بعضه بخلاف نقصان الصفة و فيه تأمل بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا مع قوله به في العيب فتأمل.

و كيف كان فالمهم نقل الكلام إلي حكم العيب الحادث قبل القبض

اشارة

و الظاهر المصرح به في كلام غير واحد أنه لا خلاف في أن للمشتري الرد-

و أما الخلاف في الأرش

اشارة

ففي الخلاف عدمه مدعيا عدم الخلاف فيه و هو المحكي عن الحلي و ظاهر المحقق و تلميذه و كاشف الرموز لأصالة لزوم العقد و إنما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري به و عن النهاية ثبوته و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم و عن المختلف نقله عن القاضي و الحلبي و عن المسالك أنه المشهور-

[المشهور ثبوت الأرش و الاستدلال عليه]

اشارة

و استدلوا عليه بأن الكل مضمون قبل القبض فكذا أبعاضه و صفاته و أورد عليه بأن معني ضمان الكل انفساخ العقد و رجوع الثمن إلي المشتري و المبيع إلي البائع. و هذا المعني غير متحقق في الوصف لأن انعدامه بعد العقد في ملك البائع لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن بل يقابل بالأعم منه و مما يساويه من غير الثمن لأن الأرش لا يتعين كونه من عين الثمن و يدفع بأن وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين الثمن و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده بل لا يضمن بمال أصلا لجواز إمضاء العقد علي المعيب بلا شي‌ء و حينئذ فتلفه علي المشتري لا يوجب رجوع شي‌ء إلي المشتري فضلا عن جزء من عين الثمن بخلاف الكل و الأجزاء المستقلة في التقويم. فحاصل معني الضمان إذا انتفي وصف الصحة قبل العقد أو انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين و أن العقد من هذه الجهة كأن لم يكن و لازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا تلف تمام المبيع و انفساخه بالنسبة إلي بعض أجزائه إذا تلف البعض و انفساخ العقد بالنسبة إلي الوصف بمعني فواته في ملكه و تقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلي حدوث هذا العيب فكان العيب حدث قبل العقد و العقد قد وقع علي عين معيبة فيجري فيه جميع أحكام العيب من الخيار و جواز إسقاط الخيار ردا و أرشا

[ما يؤيد ثبوت الأرش]

و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معني الضمان بالنسبة إلي ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في أيام الخيار و تعيبه في صحيح ابن سنان: عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك قال علي البائع يمضي الشرط. فقوله ع: علي البائع حكم بالضمان لموت العبد و حدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف و معناه تقدير وقوعه في ملك البائع.

[الإشكال في ثبوت الأرش]

نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل علي ضمان الوصف لأن الضمان بهذا المعني حكم مخالف للأصل يقتصر فيه علي محل النص و الإجماع و هو تلف الكل أو البعض و لو لا الإجماع علي جواز الرد لأشكل الحكم به أيضا إلا أنه لما استند في الرد إلي نفي الضرر قالوا إن الضرر المتوجه إلي المبيع قبل القبض يجب تداركه علي البائع و حينئذ فقد يستوجه ما ذكره العلامة من أن الحاجة قد تمس إلي المعاوضة فيكون في الرد ضرر و كذلك في الإمساك بغير أرش فيوجب التخيير بين الرد و الأرش لنفي الضرر لكن فيه أن تدارك ضرر الصبر علي المعيب يتحقق بمجرد الخيار في الفسخ و الإمضاء كما في سائر موارد الضرر الداعي إلي الحكم بالخيار هذا

[الأقوي قول المشهور]

و مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة
هذا كله مع تعيبه بآفة سماوية

و أما لو تعيب بفعل أحد

فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه و إلا كان له علي الجاني أرش جنايته- لعدم الدليل علي الخيار في العيب المتأخر إلا أن يكون بآفة سماوية و يحتمل تخيير المشتري بين الفسخ و الإمضاء مع تضمين الجاني لأرش جنايته بناء علي جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار و مع الفسخ يرجع البائع علي الأجنبي بالأرش- .

مسألة الأقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية

لصحيحة ابن حازم المروية في الفقيه: إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه إلا توليه فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه و صحيح الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله ع قال: في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتال قال لا يصلح له ذلك و صحيحة الآخر في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموا أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس به و قال إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال بناء علي أن المراد قبل أن يقبضه من البائع أما إذا أريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا يدل علي ما نحن فيه لتحقق القبض بحصوله في يد أحد الشركاء المأذون عن الباقي. و رواية معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتي يكيله أو يزنه إلا أن يوليه بالذي قام عليه و صحيحة منصور في الفقيه قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل يشتري مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن أ له أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه و يأخذ ربحه قال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن فإن هو قبضه كان أبرء لنفسه و صحيح الحلبي: في الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتي يقبضه و إن كان تولية فلا بأس و خبر حزام المروي عن مجالس الطوسي
المكاسب، ج‌3، ص 316
قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن أقبضه فأردت بيعه فسألت النبي ص فقال لا تبعه حتي تقبضه و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام إلي أجل مسمي فطلبه التجار مني بعد ما اشتريت قبل أن أقبضه قال لا بأس إلي أن تبيع إلي أجل كما اشتريت إليه الخبر و المراد تأجيل الثمن و قوله كما اشتريت إشارة إلي كون البيع تولية فيدل علي ثبوت البأس في غير التولية و مصححة علي بن جعفر عن أخيه: عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتي يقبض و إن كان تولية فلا بأس و في معناها رواية أخري خلافا للمحكي عن الشيخين في المقنعة و النهاية و القاضي و المشهور بين المتأخرين- فالكراهة لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة إلي الكراهة مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدمة: قلت لأبي عبد الله ع أشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله فأقول له ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته قال لا بأس و رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع: في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس.

[الأولي حمل الروايات المجوزة علي التولية]

اشارة

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها علي التولية و هو أولي من حمل تلك الأخبار علي الكراهة مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول و إن كانت أخف

[الاستئناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير و المناقشة فيه]

و من ذلك يعلم ما في الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير: سألت أبا عبد الله ع عن رجل اشتري طعاما ثم باعه قبل أن يكيله قال لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلا أن يوليه كما اشتراه فلا بأس أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح به أو يضع و ما كان عنده من شي‌ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه بناء علي أن قوله لا يعجبني ظاهر في الكراهة فإن ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا في التولية لأنه في قوة أن ذلك في التولية ليس مما لا يعجبني مع أن القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها في أصل الكراهة و إن صرح بعضهم بكونها في التولية أخف

و ربما يستدل علي الجواز بصحيحتي الحلبي و ابن مسلم

في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها لكن لا يبعد إرادة الثمرة علي الشجرة فيخرج عن المكيل و الموزون

و ربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السلم علي من هو عليه

بناء علي عدم الفرق بين المسألتين و فيه تأمل لعدم ثبوت ذلك بل الظاهر أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض علي غير البائع كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا. و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض علي بائعه مسألة أخري ذكرها بعد مسألتنا و فروعها و ذكر أن المجوزين في المسألة الأولي جزموا بالجواز هنا و اختلف المانعون فيها هنا و من العجب ما عن التنقيح من الإجماع علي جواز بيع السلم علي من هو عليه مع إجماع المبسوط علي المنع عن بيع السلم قبل القبض مصرحا بعدم الفرق بين المسلم إليه و غيره

[الحكم في غير المكيل و الموزون]

ثم إن صريح التحرير و الدروس الإجماع علي الجواز في غير المكيل و الموزون مع أن المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا و نسبه في موضع آخر إلي جماعة منا و صريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول قال في باب السلم إذا أسلف في شي‌ء فلا يجوز أن يشرك فيه غيره و لا أن يوليه لأن النبي ص نهي عن بيع ما لم يقبض و قال: من أسلف في شي‌ء فلا يصرفه إلي غيره إلي أن قال و بيوع الأعيان مثل ذلك إن لم يكن قبض المبيع فلا يصح الشركة و لا التولية و إن كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف و قد روي أصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض

[أقوال خمسة في بيع المكيل و الموزون قبل القبض]

ثم إن المحكي عن المهذب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها و هو عجيب فإن التفصيل حكاه في التذكرة قولا خامسا في المسألة لأقوال علمائنا و هي الكراهة مطلقا و المنع مطلقا و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم و هو قول الشيخ في المبسوط مدعيا عليه الإجماع و بالكراهة و العدم و هنا سادس اختاره في التحرير و هو التفصيل في خصوص الطعام بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة في غيره من المكيل و الموزون. و المراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أعد للأكل كما قيل إنه موضوع له لغة و يحتمل أن يكون خصوص الحنطة و الشعير بل قيل إنه معناه شرعا و حكي عن فخر الدين نقله عن والده و حكي اختياره عن بعض المتأخرين و عن الشهيد أنه حكي عن التحرير أنه الحنطة خاصة و حكي عن بعض أهل اللغة ثم إن الظاهر أن أصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصي كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف و كون المبيع مضمونا علي البائع فولاية المشتري علي التصرف ضعيفة. و ذكر في التذكرة الكلي غير المقبوض في فروع المسألة و قال المبيع إن كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين لأن المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه أولي فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به و به قال الشافعي انتهي. و كيف كان فلا فرق في النص و الفتوي بناء علي المنع بين المبيع المعين و الكلي بل و لا بناء علي الجواز

[هل المنع تكليفي أو وضعي]

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

و ينبغي التنبيه علي أمور

اشارة

ثم إن ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكي عن صريح العماني- بل هو ظاهر كل من عبر بعدم الجواز الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام فإن جواز البيع و عدمه ظاهران في الحكم الوضعي إلا أن المحكي عن المختلف أنه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع لكن صريحه في مواضع من التذكرة و في القواعد أن محل الخلاف و الصحة و البطلان. و بالجملة فلا ينبغي الإشكال في أن محل الخلاف في كلمات الأكثر هو الحكم الوضعي

الأول أن ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم

فيصح بيعه قبل قبضه قال في المبسوط أما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه و إن كان في الذمة فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا فأما إذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل القبض و في موضعين من التذكرة قوي الجواز إذا كان الثمن كليا في الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنف قدس سره و لو أحال من له طعام من سلم إلخ. و استدل عليه في التذكرة بقول الصادق ع: و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم إلي أجل فلما بلغ الأجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما قال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء و يمكن أن يقال إن المطلوب جعل الثمن مبيعا في العقد الثاني لا ثمنا أيضا كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه فلا يعم إلا بعدم الفصل لو ثبت و
المكاسب، ج‌3، ص 317
صرح في أواخر باب السلم بإلحاق الثمن المعين بالمبيع و يؤيده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه فإنه جار في الثمن المعين.

الثاني هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال

فلا يجوز جعله ثمنا و لا عوضا في الصلح و لا أجرة و لا وفاء عما عليه أم يختص بالبيع ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع و أظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة الأقرب عندي أن النهي به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات و أظهر من الكل قوله في مواضع أخر لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم فقال لزيد خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي لم يجز عند الشافعي لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض و الأولي عندي الجواز و ليس هذا بيعا و إنما هو نوع معاوضة انتهي و أصرح من الكل تصريحه في موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض لأنه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع في أحكامه و قد صرح جامع المقاصد أيضا في غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره و قد تقدم في كلامه أنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به لكن العلامة قد عبر بلفظ الاستبدال في كثير من فروع مسألة البيع قبل القبض مع أن ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشتري في التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار في مطلق التصرف فضلا عن المعاوضة. و قد صرح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة بأنها معاوضة و المعاوضة علي المسلم فيه قبل القبض غير جائز و هو و إن رجع عن الصغري فيما بعد ذلك لكنه لم يرجع عن الكبري. و صرح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي أعني إحالة من عليه طعام لغريمه علي من له عليه طعام علي أن الحوالة معاوضة مستقلة أو استيفاء و أن المعاوضة قبل القبض حرام أو مكروه و إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولي من إرادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم إن الحوالة بيع أو ليست بيعا بل هذه أظهر في كلماتهم.
و قد صرح الأكثر بأن تراضي المسلم و المسلم إليه علي قيمة المسلم فيه من بيع الطعام قبل القبض فاستدلوا بأخباره علي جوازه و يؤيده أيضا قوله في التذكرة لو كان لزيد طعام علي عمرو سلما و لخالد مثله علي زيد فقال زيد اذهب إلي عمرو و اقبض لنفسك ما لي عليه لم يصح لخالد عند أكثر علمائنا و به قال الشافعي و أحمد: لأن النبي ص نهي عن بيع الطعام بالطعام حتي يجزي فيه صاعان صاع البائع و صاع المشتري و سيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعة علي مسألة البيع قبل القبض. نعم ذكر الشهيد أنه كالبيع قبل القبض و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلم اشتر لي بهذه الدراهم طعاما و اقبضه لنفسك علي حكم البيع قبل القبض و كيف كان فالمسألة محل إشكال من حيث اضطراب كلماتهم إلا أن الاقتصار في مخالفة الأصل علي المتيقن هو المتعين و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الإجارة و الخلع كما صرح به في الدروس فضلا عن مثل الإرث و القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها. نعم لو ورث ما اشتري و لم يقبض أو أصدقه أو عوض عن الخلع جري الخلاف في بيعه.

الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع علي ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلي المبيع به

فيكون المنهي عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص هو البيع كما لو نهي عن بيع أم الولد أو حلف علي أن يبيع مملوكه حيث لا فرق بين إيقاع البيع عليه أو دفعه عن الكلي المبيع ظاهر النص و الفتوي و إن كان هو الأول بل هو المتعين في الأخبار المفصلة بين التولية و غيرها إلا أن المعني الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الأخبار و عليه فلو كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم و قال اشتر لي بها طعاما و اقبضه لنفسك جري فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض كما صرح به في الدروس و لكن في بعض الروايات دلالة علي الجواز مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون له علي الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث عليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه لكن في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث إلي بدراهم فقال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال أري أن يولي ذلك غيرك و تقوم معه حتي يقبض الذي لك و لا تتول أنت شراءه و في موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره يوفيه ذلك لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه في معرض التهمة و المطلوب صحة الشراء و عدم جواز الاستيفاء ثم إن هذا كله إذا كان الطعام المشتري شخصيا. و أما إذا وكله في شراء الكلي فلا يجري فيه ذلك لأن تشخيص ما باعه سلما في الطعام الكلي المشتري موقوف علي قبضه ثم إقباضه و بدون ذلك لا يمكن الإيفاء إلا بالحوالة أو التوكيل فيدخل المسألة فيما ذكره في الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط بل نسب إلي المشهور من أنه لو كان له علي غيره طعام من سلم و عليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من الآخر فإنه يكره أو يحرم علي الخلاف. و قد علل ذلك في الشرائع بأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و ذكر المسألة في القواعد بعنوان الحوالة قال لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سلم فالأقوي الكراهة و علي التحريم يبطل لأنه قبضه عوضا عن ماله قبل أن يقبضه صاحبه و بني في الإيضاح جريان الخلاف في المسألة علي أن الحوالة معاوضة علي مال المسلم قبل القبض حرام أو مكروه و أنكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محل الخلاف في بيع ما لم يقبض بناء علي أن الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا بل هي استيفاء. أقول ذلك إما وكالة و إما حوالة و علي كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف لمطلق المعاوضة و يكون البيع كناية عنها و لذا نسب فيما عرفت من عبارة التذكرة المنع في هذه المسألة إلي أكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوي المانع عن بيع ما لم يقبض. و استند الشيخ رحمه الله أيضا في المنع إلي الإجماع علي عدم جواز بيع ما لم يقبض و قد عرفت ما ذكره الشيخ في باب الحوالة و لعله لذا قال الشهيد في الدروس في حكم المسألة إنه كالبيع قبل القبض لكنه رحمه الله تعرض في بعض تحقيقاته لتوجيه إدراج المسألة في البيع بأن مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة في الذمة منطبقة علي أفراد لا نهاية لها فأي فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد و انصب العقد عليه فكأنه لما قال الغريم اكتل من غريمي فلان قد جعل عقد السلم معه و أرادا علي ما في ذمة المسلف منه و لما يقبضه بعد و لا ريب أنه مملوك له بالبيع فإذا جعل موردا للسلم الذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان و يلحق بالباب
المكاسب، ج‌3، ص 318
و هذا من لطائف الفقه انتهي و اعترضه في المسالك بأن مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة في الذمة لما كان أمرا كليا كان البيع المتحقق به هو الأمر الكلي و ما يتعين لذلك من الأعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع و إن كان الأمر الكلي إنما يتحقق في ضمن الأفراد الخاصة فإنها ليست عينه و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا أو معيبا يرجع الحق إلي الذمة و المبيع المعين ليس كذلك و حينئذ فانصباب العقد علي ما قبض و كونه حينئذ مبيعا غير واضح فالقول بالتحريم به عند القائل به في غيره غير متوجه انتهي أقول ما ذكره من منع تشخيص المبيع في ضمن الفرد الخاص المدفوع و إن كان حقا من حيث عدم انصباب العقد عليه إلا أنه يصدق عليه انتقاله إلي المشتري بعقد البيع فإذا نهي الشارع عن بيع ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أم الولد و عن بيع ما حلف علي ترك بيعه فإنه لا فرق بين إيقاع العقد عليه و بين دفعه عن الكلي المبيع لكن يرد علي ما ذكره الشهيد عدم تشخيص الكلي بالكلي إلا بالحوالة الراجعة إلي الاستيفاء أو المعاوضة و هذا لا يسوغ إطلاق البيع علي الكلي المتشخص به بحيث يصدق أنه انتقل إلي المحال بناقل البيع. نعم هذا التوجيه إنما يستقيم في الفرع المتقدم عن الدروس و هو ما إذا أمره بقبض الطعام الشخصي الذي اشتراه للمشتري فإن مجرد قبضه بإذن البائع مشخص للكلي المبيع في ضمنه فيصدق أنه انتقل بالبيع قبل أن يقبض و يمكن أن يقال إن تشخيص الكلي المبيع في الكلي المشتري يكفي فيه إذن البائع في قبض بعض أفراد الكلي المشتري من دون حاجة إلي حوالة فإذا وقع فرد منه في يد المشتري صدق أنه انتقل بالبيع قبل القبض و كيف كان فالأظهر في وجه إدخال هذه المسألة في محل الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال حتي المحقق بالحوالة و إن لم نقل بكونها بيعا و المسألة تحتاج إلي فضل تتبع و الله الموفق. و استدل في الحدائق علي الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح و موثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل عليه كر من طعام فاشتري كرا من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوف كرك قال لا بأس به و فيه أنه لا دلالة لها علي محل الكلام لأن الكلام فيما إذا كان المالان سلمين و مورد الرواية إعطاء ما اشتري به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم أنه سلم أو قرض أو غيرهما و قد استدل به في التذكرة علي جواز إيفاء القرض بمال السلم و لذا قال جامع المقاصد في شرح قوله رحمه الله و لو أحال من عليه طعام من سلم بقبضه علي من له عليه مثله من سام إلخ فإن قلت لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت لأن المنع إنما هو من بيع ما لم يقبض و إذا كان أحد المالين سلما دون الآخر لم يتعين لكونه مبيعا لإمكان اعتباره ثمنا إذ لا معين لأحدهما انتهي و يمكن أن يقال إن ظاهر الحوالة بناء علي كونها معاوضة كون المحيل مملكا في ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه عليه فماله معوض و مال غريمه عوض فإذا كان ماله علي غريمه سلما كفي في المنع عن تمليكه بإزاء مال غريمه عليه لأنه من بيع ما لم يقبض و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية. نعم لو كان ما عليه سلما دون ماله أمكن خروجه عن المسألة لأن الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا و إلي هذا ينظر بقوله في القواعد و التحرير تبعا للشرائع و لو كان المالان أو المحال به قرضا صح. و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بأنه لا وجه لتخصيص المحال به بالذكر مع أن العكس كذلك و استحسان تعبير الدروس بلفظ أحدهما ثم قال و ليس له أن يقول إن المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر إذ ربما يقال إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء و كل ذلك ضعيف انتهي. و فيه ما لا يخفي فإن الباء هنا ليس للعوض و ظهور الحوالة في كون إنشاء التمليك من المحيل لا ينكر و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه كما في المشتري المقدم لقبوله علي الإيجاب بعيد و يدل علي هذا أيضا قولهم إن الحوالة بيع فإن ظاهره كون المحيل بائعا ثم إن المفروض في المسألة المذكورة ما لو أذن المحيل المحال في اكتياله لنفسه بأن يأتي بلفظ الإحالة كما في عبارة القواعد أو يقول له اكتل
لنفسك كما في عبارتي المبسوط و الشرائع أما لو وكله في القبض عن الآذن ثم القبض لنفسه فيكون قابضا مقبضا مبني علي جواز تولي طرفي القبض و الأقرب صحته لعدم المانع.

الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع إلي من له عليه طعام دراهم و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح

لأن مال الغير يمتنع شراء شي‌ء به لنفسه و وجهه أن قضية المعاوضة انتقال كل عوض إلي ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر فلو انتقل إلي غيره لم يكن عوضا و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطاة علي القول بإفادتها للإباحة فإنه يجوز أن يشتري به شيئا لنفسه علي ما في المسالك من جواز جميع التصرفات بإجماع القائلين بصحة المعاطاة. و أيضا فقد ذكر جماعة منهم العلامة في المختلف و قطب الدين و الشهيد علي ما حكي عنهما أن مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا باق علي ملكه و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بأن يشتري به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء قال في المختلف بعد ما نقل عن الشيخ في النهاية أنه لو غصب مالا و اشتري به جارية كان الفرج له حلالا و بعد ما نقل مذهب الشيخ في ذلك في غير النهاية و مذهب الحلي أن كلام النهاية يحتمل أمرين أحدهما اشتراء الجارية في الذمة كما ذكره في غير النهاية الثاني أن يكون البائع عالما بغصب المال فإن المشتري حينئذ يستبيح وطء الجارية و عليه وزر المال انتهي و قد تقدم في فروع بيع الفضولي و في فروع المعاطاة نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما و يمكن توجيه ما ذكر في المعاطاة بدخول المال آنا ما قبل التصرف في ملك المتصرف كما يلزمهم القول بذلك في وطء الجارية المأخوذة بالمعاطاة و توجيه الثاني بأنه في معني تمليك ماله مجانا بغير عوض و كيف كان فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه و إذا ثبت علي غير ذلك فلا بد من توجيهه إما بانتقال أحد العوضين إلي غير مالكه قبل المعاوضة و إما بانتقال العوض الآخر إليه بعدها. و من هنا يمكن أن يحمل قوله فيما نحن فيه اشتر بدراهمي طعاما لنفسك علي إرادة كون اللام لمطلق النفع لا للتمليك بمعني اشتر في ملكي و خذه لنفسك كما ورد في مورد بعض الأخبار السابقة: اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك و يمكن أن يقال إنه إذا اشتري لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا كما لو باع الغير لنفسه فإذا قبضه فأجاز المالك الشراء و القبض تعين له. و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله علي مالك الطعام فافهم.

مسألة لو كان له طعام علي غيره- فطالبه به في غير مكان حدوثه في ذمته

اشارة

فهنا مسائل ثلاث

أحدها أن يكون المال سلما

بأن أسلفه طعاما في العراق و طالبه بالمدينة مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة- فلا إشكال
المكاسب، ج‌3، ص 319
في عدم وجوب أدائه في ذلك البلد و أولي بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد و لو طالبه في ذلك البلد بقيمته في بلد وجوب التسليم و تراضيا علي ذلك قال الشيخ لم يجز- لأنه بيع الطعام قبل قبضه و هو حسن بناء علي إرادة بيع ما في ذمته بالقيمة أو إرادة مطلق الاستبدال من البيع المنهي عنه أما لو جعلنا المنهي عنه عن خصوص البيع و لم يحتمل التراضي علي خصوص كون القيمة ثمنا بل احتمل كونه مثمنا و السلم ثمنا فلا وجه للتحريم لكن الإنصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا إذا كان من النقدين في الثمنية فيبني الحكم علي انصراف التراضي المذكور إلي البيع أو القول بتحريم مطلق الاستبدال و أما إذا لم يرض المسلم إليه ففي جواز إجباره علي ذلك قولان المشهور كما قيل العدم- لأن الواجب في ذمته هو الطعام لا القيمة. و عن جماعة منهم العلامة في التذكرة الجواز لأن الطعام الذي يلزم دفعه معدوم فكان كما لو عدم الطعام في بلد يلزمه التسليم فيه و توضيحه أن الطعام قد حل و التقصير من المسلم إليه حيث إنه لو كان في ذلك البلد أمكنه أداء الواجب بتسليم المال إلي المشتري إن حضر و إلا دفعه إلي وليه و لو الحاكم أو عزله و كيف كان فتعذر البراءة مستند إلي غيبته فللغريم مطالبة قيمة بلد الاستحقاق حينئذ و قد يتوهم أنه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و إن كان أزيد قيمة كما سيجي‌ء القول بذلك في القرض و لو كان الطعام في بلد المطالبة مساويا في القيمة لبلد الاستحقاق فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق فيطالبه بنفس الحق.

الثانية أن يكون ما عليه قرضا

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة لأنه إنما يستحقها في بلد القرض فإلزامه بالدفع في غيره إضرار خلافا للمحكي عن المختلف و قواه جامع المقاصد هنا لكنه جزم بالمختار في باب القرض أما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق فالظاهر جوازها وفاقا للفاضلين و حكي عن الشيخ و القاضي. و عن غاية المرام نفي الخلاف لما تقدم من أن الحق هو الطعام علي أن يسلم في بلد الاستحقاق و قد تعذر بتعذر قيده لا بامتناع ذي الحق فلا وجه لسقوطه غاية الأمر الرجوع إلي قيمته لأجل الإضرار و لذا لو لم يختلف القيمة فالظاهر جواز مطالبته بالمثل لعدم التضرر لكن مقتضي ملاحظة التضرر إناطة الحكم بعدم الضرر علي المقترض أو بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة كما فعله العلامة في القواعد و شارحه جامع المقاصد ثم إنه اعترف في المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر المثل في بلد المطالبة و فيه تأمل فتأمل. و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة و كأنه يتفرع علي ما عن الشهيد رحمه الله في حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل في غير بلد القرض حتي مع عدم تضرره فيلزم من ذلك عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق أولي و لعله لأن مقتضي اعتبار بلد القرض أن ليس للمقرض إلا مطالبة تسليم ماله في بلد القرض و مجرد تعذره في وقت من جهة توقفه علي مضي زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة كما لو أخر التسليم اختيارا في بلد القرض أو احتاج تسليم المثل إلي مضي زمان فتأمل.

الثالثة أن يكون الاستقرار من جهة الغصب

فالمحكي عن الشيخ و القاضي أنه لا يجوز مطالبته بالمثل في غير بلد الغصب و لعله لظاهر قوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ فإن ما في ذمته هو الطعام الموصوف بكونه في ذلك البلد فإن مقدار مالية الطعام يختلف باختلاف الأماكن فإن المالك لمقدار منه في بلد قد يعد غنيا و المالك لأضعافه في غيره يعد فقيرا فالمماثلة في الصفات موجودة لا في المالية لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الأزمان فإن اللازم علي هذا عدم جواز مطالبته بالمثل في زمان غلائه و حله أن المماثلة في الجنس و الصفات هي المناط في التماثل العرفي من دون ملاحظة المالية و لو لا قاعدة نفي الضرر و انصراف إطلاق العقد في مسألتي القرض و السلم لتعين ذلك فيهما أيضا و لو تعذر المثل في بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد لأن اللازم عليه حينئذ المثل في هذا البلد لو تمكن فإذا تعذر قامت القيمة مقامه. و في المبسوط و عن القاضي قيمة بلد الغصب و هو حسن بناء علي حكمها في المثل و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره و يحتمل وقت التعذر لأنه وقت الانتقال إلي القيمة- . و في المسألة أقوال مذكورة في باب الغصب ذكرناها مع مبانيها في البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد فليراجع إلي هنا
المكاسب، ج‌4، ص 320

الجزء الرابع في الرسائل الملحقة

1- رسالة في التّقيّة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين و صلّي اللَّه علي محمد و آله الطاهرين. و لعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين. التقيّة: اسم ل (اتّقي يتّقي) و التاء بدل عن الواو كما في التهمة و التخمة، و المراد هنا: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق. و الكلام تارة يقع في حكمها التكليفي، و اخري في حكمها الوضعيّ. و الكلام في الثاني: تارة من جهة الآثار الوضعيّة المترتّبة علي الفعل المخالف للحقّ، و أنّها تترتب علي الصادر تقيّة كما تترتب علي الصادر اختيارا، أم وقوعها تقيّة يوجب رفع «1» تلك الآثار؟. و اخري في أنّ الفعل المخالف للحقّ هل يترتّب عليه آثار الحقّ بمجرّد الإذن فيها من قبل الشّارع أم لا؟. ثمّ الكلام في آثار الحقّ الواقعي: قد يقع في خصوص الإعادة و القضاء إذا كان الفعل الصادر تقيّة من العبادات. و قد يقع في الآثار الأخر، كرفع الوضوء- الصادر تقيّة- للحدث بالنسبة إلي جميع الصلوات، و إفادة المعاملة الواقعة تقيّة الآثار المترتبة علي المعاملة الصحيحة، فالكلام في مقامات أربعة

[المقام الأول]

أمّا الكلام في حكمها التكليفي فهو أنّ التقيّة تنقسم إلي الأحكام الخمسة: فالواجب منها: ما كان لدفع الضرر الواجب فعلا، و أمثلته كثيرة. و المستحب:
ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر، بأن يكون تركه مفضيا تدريجا إلي حصول الضّرر، كترك المداراة مع العامّة و هجرهم في المعاشرة في بلادهم فإنّه ينجرّ غالبا إلي حصول المباينة الموجب لتضرّره منهم. و المباح: ما كان التحرز عن الضرر و فعله «2» مساويا في نظر الشارع، كالتقيّة في إظهار كلمة الكفر علي ما ذكره جمع من الأصحاب، و يدلّ عليه الخبر الوارد في رجلين أخذا بالكوفة و امرا بسبّ أمير المؤمنين عليه السلام «3». و المكروه: ما كان تركها و تحمّل الضّرر أولي من فعله، كما ذكر ذلك بعضهم في إظهار كلمة الكفر، و أنّ الأولي تركها ممّن يقتدي به النّاس إعلاء لكلمة الإسلام. و المراد بالمكروه حينئذ ما يكون ضدّه أفضل «4». و المحرّم منه: ما كان في الدّماء.
و ذكر الشهيد رحمه اللَّه في قواعده: أنّ المستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا، و يتوهم ضررا آجلا، أو ضررا سهلا، أو كان تقيّة في المستحب، كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات اللَّه عليها و ترك بعض فصول الأذان. و المكروه: التقيّة في المستحب حيث لا ضرر عاجلا و لا آجلا، و يخاف منه الالتباس علي عوام المذهب. و الحرام:
التقيّة حيث يؤمن الضرر عاجلا و آجلا، أو في قتل المسلم. و المباح: التقيّة في بعض المباحات الّتي يرجّحها العامّة و لا يصل بتركها ضرر «5». (انتهي). و في بعض ما ذكره رحمه اللَّه تأمّل. ثم الواجب منها يبيح كلّ محظور من فعل الحرام و ترك الواجب «6». و الأصل في ذلك: أدلّة نفي الضّرر و الحديث: «رفع عن أمتي تسعة أشياء.. و منها: ما اضطرّوا إليه» «7»، مضافا إلي عمومات التقيّة مثل قوله في الخبر: «إنّ التقيّة واسعة ليس شي‌ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور» «8» و غير ذلك من الأخبار المتفرّقة في خصوص الموارد، و جميع هذه الأدلّة حاكمة علي أدلّة الواجبات و المحرّمات، فلا يعارض بها شي‌ء منها حتي يلتمس بالترجيح و يرجع إلي الأصول بعد فقده- كما زعمه بعض في بعض موارد هذه المسألة. و أمّا المستحب من التقيّة فالظاهر وجوب الاقتصار فيه علي مورد النصّ، و قد ورد النصّ بالحثّ علي المعاشرة مع العامة «9»
و عيادة مرضاهم «10»، و تشييع جنائزهم «11»، و الصلاة في مساجدهم «12»، و الأذان لهم «13»، فلا يجوز التعدّي عن ذلك إلي ما لم يرد النصّ من الأفعال المخالفة للحق، كذمّ بعض رؤساء الشيعة للتحبّب إليهم، و كذلك المحرّم و المباح و المكروه، فإنّ هذه الأحكام علي خلاف عمومات التقيّة، فيحتاج إلي الدليل الخاص.

و أمّا المقام الثاني

[ترتيب الآثار علي العمل الصادر تقيّة و عدمه. «14»]
فنقول: إنّ الظّاهر ترتيب آثار العمل الباطل علي الواقع تقيّة، و عدم ارتفاع الآثار بسبب التقيّة إذا كان دليل تلك الآثار عاما لصورتي الاختيار و الاضطرار، فإنّ من احتاج لأجل التقيّة إلي التكتّف في الصلاة، أو السّجود علي ما لا يصحّ السّجود عليه، أو الأكل في نهار رمضان، أو فعل بعض ما يحرم علي المحرم، فلا يوجب ذلك ارتفاع أحكام تلك الأمور بسبب وقوعها تقيّة. نعم، لو قلنا بدلالة حديث رفع التسعة علي رفع جميع الآثار تمّ ذلك في الجملة، لكنّ الإنصاف ظهور الرّواية في رفع المؤاخذة، فمن اضطرّ إلي الأكل و الشّرب تقيّة، أو التكتّف في الصّلاة فقد اضطرّ إلي الإفطار، و إبطال الصّلاة، لأنّه مقتضي عموم الأدلّة، فتأمّل.

المقام الثالث

اشارة

في حكم الإعادة و القضاء إذا كان المأتيّ به تقيّة من العبادات. فنقول: إنّ الشّارع إذا أذن في إتيان واجب موسّع علي وجه التقيّة، أمّا بالخصوص كما لو أذن في الصّلاة متكتّفا حال التقيّة، و إمّا بالعموم كأن يأذن بامتثاله أوامر الصّلاة، أو مطلق العبادات علي وجه التقيّة، كما هو الظّاهر من أمثال قوله عليه السلام:
«التقيّة في كلّ شي‌ء إلّا في النبيذ و المسح علي الخفّين» «15» و نحوه، ثم ارتفعت التقيّة قبل خروج الوقت، فلا ينبغي الإشكال في إجزاء المأتيّ به و إسقاطه للأمر، لما تقرّر في محله: من أنّ الأمر بالكلّي كما يسقط بفرده الاختياري، كذلك يسقط بفرده الاضطراري إذا تحقّق الاضطرار الموجب للأمر به، فكما أنّ الأمر بالصّلاة يسقط بالصّلاة مع الطهارة المائيّة، كذلك يسقط مع الطهارة الترابيّة إذا وقعت علي الوجه المأمور به. أمّا لو لم يأذن في امتثال الواجب الموسّع في حال التقيّة خصوصا أو عموما علي الوجه المتقدّم، فيقع الكلام في أنّ الوجوب في الواجب الموسّع، هل يتعلّق بإتيان هذا الفرد المخالف للواقع بمجرّد تحقّق التقيّة في جزء من الوقت بل في مجموعه؟. و بعبارة أخري: الكلام في أنّه هل يحصل من الأوامر المطلقة بضميمة أوامر التقيّة، أمر بامتثال الواجبات علي وجه التقيّة، أو لا، بل غاية الأمر سقوط
المكاسب، ج‌4، ص 321
الأمر عن المكلّف في حال التقيّة و لو استوعب الوقت؟. و التحقيق: أنّه يجب الرجوع في ذلك إلي أدلّة تلك الأجزاء و الشروط المتعذّرة لأجل التقيّة، فإن اقتضت مدخليّتها في العبادة من دون فرق بين الاختيار و الاضطرار، فاللّازم الحكم بسقوط الأمر عن المكلّف حين تعذّرها لأجل التقيّة، و لو في تمام الوقت، كما لو تعذّرت الصّلاة في تمام الوقت إلّا مع الوضوء بالنبيذ، فإنّ غاية ذلك سقوط الأمر بالصلاة رأسا، لاشتراطها بالطهارة بالماء المطلق المتعذّرة في الفرض، فحاله كحال فاقد الطهورين. و إن اقتضت مدخليّتها في العبادة بشرط التمكّن منها، دخلت المسألة في مسألة أولي الأعذار في أنّه إذا استوعب العذر الوقت لم يسقط الأمر رأسا، و إن كان في جزء من الوقت مع رجاء زواله في الجزء الآخر، أو مع عدمه، جاء فيه الخلاف المعروف في أولي الأعذار، و أنّه هل يجوز لهم البدار، أم يجب عليهم الانتظار؟. فثبت من جميع ما ذكرنا: أنّ صحّة العبادة المأتيّ بها علي وجه التقيّة، يتبع إذن الشارع في امتثالها حال التقيّة. فالإذن «1» متصوّر بأحد أمرين: أحدهما:
الدليل الخارجي الدالّ علي ذلك، سواء كان خاصا بعبادة أو كان عامّا لجميع العبادات. و الثاني: فرض شمول الأوامر العامّة بتلك العبادة لحال التقيّة. لكن يشترط في كلّ منهما بعض ما لا يشترط في الآخر. فيشترط في الثاني كون الشرط أو الجزء المتعذّر للتقيّة من الأجزاء و الشرائط الاختيارية، و أن لا يكون للمكلّف مندوحة، بأن لا يتمكّن من الإتيان بالعمل الواقعي في مجموع الوقت، أو في الجزء الذي يوقعه مع اليأس من التمكّن منه فيما بعده، أو مطلقا- علي التفصيل و الخلاف في أولي الأعذار. و هذان الأمران غير معتبرين في الأول، بل يرجع فيه إلي ملاحظة ذلك الدليل الخارجي، و سيأتي أنّ الدليل الخارجي الدالّ علي الإذن في التقيّة في الأعمال، لا يعتبر فيه شي‌ء منهما. و يشترط في الأوّل أن يكون التقيّة من مذهب المخالفين، لأنّه المتيقّن من الأدلّة الواردة في الإذن في العبادات علي وجه التقيّة، لأنّ المتبادر، التقيّة من مذهب المخالفين، فلا يجري في التقيّة عن الكفار أو ظلمة الشيعة. لكن في رواية مسعدة بن صدقة الآتية «2»، ما يظهر منه عموم الحكم لغير المخالفين، مع كفاية عمومات التقيّة في ذلك، بعد ملاحظة عدم اختصاص التقيّة في لسان الأئمة صلوات اللَّه عليهم لما يظهر بالتّبع في أخبار التقيّة التي جمعها في الوسائل «3». و كذا لا إشكال في التقيّة عن غير مذهب المخالفين، مثل التقيّة في العمل علي طبق عمل عوام المخالفين الّذين لا يوافق مذهب مجتهدهم.
بل و كذا التقيّة في العمل علي طبق الموضوع الخارجي الذي اعتقدوا تحقّقه في الخارج مع عدم تحقّقه في الواقع، كالوقوف بعرفات يوم الثامن، و الإفاضة منها و من المشعر يوم التاسع، موافقا للعامّة- إذا اعتقدوا رؤية هلال ذي الحجة في الليلة الأخيرة من ذي القعدة- ، فإنّ الظاهر خروج هذا عن منصرف أدلّة الإذن في إيقاع الأعمال علي وجه التقيّة، لو فرضنا هنا إطلاقا، فإنّ هذا لا دخل له في المذهب، و إنّما هو اعتقاد خطأ في موضوع خارجي. نعم، العمل علي طبق الموضوعات العامّة الثابتة علي مذهب المخالفين داخل في التقيّة عن المذهب، فيدخل في الإطلاق- لو فرض هناك إطلاق- ، كالصلاة عند اختفاء الشمس لذهابهم إلي أنّه هو المغرب. و يمكن إرجاع الموضوع الخارجي أيضا في بعض الموارد إلي الحكم، مثل ما إذا حكم الحاكم: بثبوت الهلال من جهة خبر شهادة من لا يقبل شهادته، إذا كان مذهب الحاكم: القبول، فإنّ ترك العمل بهذا الحكم قدح في المذهب، فيدخل في أدلة التقيّة. و كيف كان ففي هذا الوجه لا بدّ من ملاحظة إطلاق دليل الترخيص لإتيان العبادة علي وجه التقيّة و تقييده، و العمل علي ما يقتضيه الدليل. و اما في الوجه الثاني: فهذا الشرط غير معتبر قطعا، لأنّ مبناه علي العمل المخالف للواقع من جهة تعذّر الواقع، سواء كان تعذّره للتقيّة من مخالف أو كافر أو موافق، و سواء كان في الموضوع أم في الحكم، كلّ ذلك لأنّ المناط في مسألة أولي الأعذار: العذريّة، من غير فرق بين الأعذار.

[اعتبار عدم المندوحة]

بقي الكلام في اعتبار عدم المندوحة الذي اعتبرناه في الوجه الثاني، فإنّ الأصحاب فيه بين غير معتبر له كالشهيدين و المحقّق الثاني في البيان «4» و الروض «5» و جامع المقاصد «6»، و بين معتبر له كصاحب المدارك «7»،
و بين مفصّل كما عن المحقّق الثاني بأنّه: إذا كان متعلّق التقيّة مأذونا فيه بخصوصه، كغسل الرجلين في الوضوء، و التكتّف في الصلاة، فإنّه إذا فعل علي الوجه المأذون فيه كان صحيحا مجزيا- و إن كان للمكلّف مندوحة- ، التفاتا إلي أنّ الشارع أقام ذلك مقام المأمور به حين التقيّة فكان الإتيان به امتثالا، و علي هذا فلا يجب الإعادة و إن تمكّن من فعله علي غير وجه التقيّة قبل خروج الوقت- قال: و لا أعلم خلافا في ذلك بين الأصحاب. و أمّا إذا كان متعلّقها مما لم «8» يرد فيه نصّ بالخصوص، كفعل الصلاة إلي غير القبلة، و الوضوء بالنبيذ و مع الإخلال بالموالاة، فيجفّ الوضوء كما يراه بعض العامة، فإنّ المكلّف يجب عليه- إذا اقتضت الضّرورة- موافقة «9» أهل الخلاف فيه و إظهار الموافقة لهم. ثمّ إن أمكن له الإعادة في الوقت وجب، و لو خرج الوقت ينظر في دليل يدل علي القضاء، فإن حصل الظفر به أوجبناه و إلّا فلا، لأنّ القضاء إنّما يجب بفرض جديد «10» (انتهي) ثمّ نقل عن بعض أصحابنا القول بعدم وجوب الإعادة، لكون المأتيّ به شرعيا، ثمّ ردّه بأنّ الإذن في التقيّة من جهة الإطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة «11» (انتهي). أقول: ظاهر قوله في المأذون بالخصوص: «لا يجب فيه الإعادة و ان تمكّن من فعله قبل خروج الوقت» إنّ عدم التمكّن من فعله علي غير وجه التقيّة حين العمل معتبر، و إنّ من كان في سوق و أراد الصلاة وجب عليه مع التمكّن الذهاب إلي مكان مأمون فيه، و حينئذ فمعني قوله- قبل ذلك- «و إن كان للمكلّف مندوحة عن فعله» «12» ثبوت المندوحة بالتأخير إلي زمان ارتفاع التقيّة، لا وجودها بالنسبة إلي زمان العمل، و حينئذ يكون هذا قولا باعتبار عدم المندوحة علي الإطلاق، ك «صاحب المدارك» «13»، إذ ليس مراد صاحب المدارك بعدم المندوحة: عدم المندوحة في مجموع الوقت، إذ الظاهر أنّه مما لم يعتبره أحد- لما سيجي‌ء من مخالفته لظواهر الأخبار، بل لصريح بعضها-
المكاسب، ج‌4، ص 322
و مراد القائل بعدم اعتباره: عدم اعتباره في الجزء الذي يقع الفعل فيه، فمن تمكّن من الصّلاة في بيته مغلقا عليه الباب، لا يجب عليه ذلك بل يجوز له الصلاة تقيّة في مكانه و دكّانه بمحضر المخالفين. نعم لو كان الخلاف في اعتبار عدم المندوحة في تمام الوقت و عدمه «1»، كان ما ذكره المحقق تفصيلا في المسألة. و علي أيّ تقدير فيرد علي ما ذكره المحقّق في القسم الثاني «2» انّه: إن أراد من عدم ورود نصّ بالخصوص في الإذن في متعلّق التقيّة: عدم النّص الموجب للإذن في امتثال العمل علي وجه التقيّة، ففيه: أنّه لا دليل حينئذ علي مشروعية الدخول في العمل المفروض امتثالا للأوامر المطلقة المتعلّقة بالعمل الواقعي، لأنّ الأمر بالتقيّة لا يستلزم الإذن في امتثال تلك الأوامر، لأنّ التحفظ عن الضرر إن تأدّي إلي ترك «3» ذلك العمل رأسا، بأن يترك الصلاة في تلك الحال وجب، و لا يشرع الدخول في العمل المخالف للواقع بعد تأدّي التقيّة بترك الصلاة رأسا. و إن فرضنا أنّ التقيّة ألجأته إلي الصلاة، و لا تتأدّي بترك الصلاة، كانت الصلاة المذكورة واجبة عينا، لانحصار التقيّة فيها، فهي امتثال لوجوب التقيّة عينا لا للوجوب «4» الموسّع المتعلّق بالصلاة الواقعيّة.
و إن أراد به عدم النص الدّالّ علي الإذن في هذه العبادة بالخصوص، و إن كان هناك نصّ عام دالّ علي الاذن في امتثال أوامر مطلق العبادات علي وجه التقيّة، ففيه: أنّ هذا النّص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالا للأمر المتعلّق بها، كذلك يوجب موافقته الإجزاء و عدم وجوب الإعادة في الزمان الثاني إذا ارتفعت التقيّة. و الحاصل: أنّ الفرق بين كون متعلق التقيّة مأذونا فيه بالخصوص أو بالعموم، لا نفهم له وجها «5»، كما اعترف به بعض «6»
بل كلّما يوجب الإذن في الدخول في العبادة امتثالا لأوامرها، كان امتثاله موجبا للإجزاء و سقوط «7» الإعادة، سواء كان نصّا خاصّا أو دليلا عاما. و كلّما لا يدلّ علي الإذن في الدخول علي الوجه المذكور، لم يشرع بمجرّده الدخول في العبادة علي وجه التقيّة امتثالا لأمرها، بل إن انحصرت التقيّة في الإتيان بها كانت امتثالا لأوامر وجوب التقيّة، لا لأوامر وجوب تلك العبادة. اللَّهم إلّا أن يكون مراده من الأمر العام، أوامر التقيّة، و من وجوب العمل علي وجه التقيّة إذا اقتضت الضرورة، هو هذا الوجوب العيني لا الوجوب التخييري الحاصل من الوجوب الموسّع. فيكون حاصل كلامه:
الفرق بين الإذن في العمل امتثالا لأوامر المتعلقة بالعبادة، و بين الإذن في العمل امتثالا لأوامر التقيّة، لكن ينبغي- حينئذ- تقييده بغير ما إذا كانت التقيّة في الأجزاء و الشروط الاختيارية، و إلّا فتدخل المسألة في مسألة أولي الأعذار، و يصحّ الإتيان بالعمل المذكور امتثالا للأوامر المتعلّقة بذلك العمل مع تعذّر تلك الأجزاء و الشرائط لأجل التقيّة، علي الخلاف و التفصيل المذكور في مسألة أولي الأعذار. و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما أجاب به بعض عن هذا التفصيل بأنّ المسألة، مسألة ذوي الأعذار، و أنّ الحقّ فيها: سقوط الإعادة بعد التمكن من الشرط المتعذّر، لا وجه له علي إطلاقه.
ثمّ إنّ الذي يقوي في النّظر في أصل مسألة اعتبار عدم المندوحة: أنّه إن أريد عدم المندوحة بمعني عدم التمكن حين العمل من الإتيان به موافقا للواقع، مثل أنّه يمكنه عند إرادة التكفير للتقيّة من الفصل بين يديه، بأن لا يضع بطن إحداهما علي ظهر الأخري بل يقارب بينهما، كما «8» إذا تمكّن من صبّه الماء من الكفّ إلي المرفق لكنّه ينوي الغسل عند رجوعه من المرفق إلي الكفّ، وجب ذلك، و لم يجز العمل علي وجه التقيّة، بل التقيّة علي هذا الوجه غير جائزة في غير العبادات أيضا، و كأنّه ممّا لا خلاف فيه. و إن أريد به عدم التمكّن من العمل علي طبق الواقع في مجموع الوقت المضروب لذلك العمل، حتي لا يصح العمل تقيّة إلّا لمن لم يتمكّن في مجموع الوقت من الذهاب إلي موضع مأمون، فالظاهر عدم اعتباره، لأنّ حمل أخبار الإذن في التقيّة في الوضوء و الصلاة علي صورة عدم التمكّن من إتيان الحقّ في مجموع الوقت ممّا يأباه ظاهر أكثرها، بل صريح بعضها، و لا يبعد- أيضا- كونه وفاقيا. و إن أريد عدم المندوحة حين العمل من تبديل موضوع التقيّة بموضوع الأمن، كأن يكون في سوقهم و مساجدهم، و لا يمكن في ذلك الحين من العمل علي طبق الواقع إلّا بالخروج الي مكان خال، أو التحيّل في إزعاج من يتّقي منه عن مكانه، لئلّا يراه، فالأظهر في أخبار التقيّة عدم اعتباره، إذ الظّاهر منها الإذن بالعمل علي التقيّة في أفعالهم المتعارفة من دون إلزامهم بترك ما يريدون فعله بحسب مقاصدهم العرفية، أو فعل ما يجب تركه كذلك، مع لزوم الحرج العظيم في ترك مقاصدهم و مشاغلهم لأجل فعل الحقّ بقدر الإمكان، مع أنّ التقيّة إنّما شرّعت تسهيلا للأمر علي الشيعة و رفعا للحرج عنهم، مع أنّ التخفّي عن المخالفين في الأعمال ربما يؤدّي إلي اطّلاعهم علي ذلك، فيصير سببا لتفقّدهم و مراقبتهم للشيعة وقت العمل فيوجب نقض غرض التقيّة. نعم في بعض الأخبار ما يدلّ علي اعتبار عدم المندوحة في ذلك الجزء من الوقت، و عدم التمكّن من دفع موضوع التقيّة، مثل: رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصّلاة خلف من يتولّي أمير المؤمنين و هو يري المسح علي الخفين، أو خلف من يحرّم المسح علي الخفّين و هو يمسح، فكتب عليه السلام: إن جامعك و إيّاهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلي القراءة فسبّح» «9». فإنّ ظاهرها اعتبار تعذّر ترك الصلاة معهم. و نحوها ما عن الفقه الرضوي من المرسل، عن العالم عليه السلام قال: «و لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين:
أحدهما من تثق به و بدينه «10» و ورعه، و آخر من تتقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شيعته «11»، فصلّ خلفه علي سبيل التقيّة و المداراة، و أذّن لنفسك و أقم و اقرأ فيها، فإنّه «12» غير مؤتمن به.. إلخ» «13». و في رواية معمّر بن يحيي- الواردة في تخليص الأموال عن أيدي العشّار- : «إنّه كلّما خاف المؤمن علي نفسه فيه ضرورة فله فيه
المكاسب، ج‌4، ص 323
التقية» «1». و عن دعائم الإسلام، عن أبي جعفر الثاني صلوات اللَّه عليه: «لا تصلّوا خلف ناصب و لا كرامة «2»، إلّا أن تخافوا علي أنفسكم أن تشهروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم ثم صلّوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا» «3». و يؤيّده العمومات الدّالة علي أنّ التقيّة في كلّ شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم «4»، فإنّ ظاهرها حصر التقيّة في حال الاضطرار، و لا يصدق الاضطرار مع التمكّن من تبديل موضوع التقيّة بالذهاب إلي موضع الأمن، مع التمكّن و عدم الحرج.
نعم، لو لزم من التزام ذلك حرج أو ضيق من تفقّد المخالفين، و ظهور حاله في مخالفتهم سرّا، فهذا- أيضا- داخل في الاضطرار. و بالجملة: فمراعاة عدم المندوحة في الجزء من الزمان الذي يوقع فيه الفعل أقوي مع أنّه أحوط. نعم، تأخير الفعل عن أوّل وقته لتحقيق الأمن و ارتفاع الخوف مما لا دليل عليه، بل الأخبار بين ظاهر و صريح في خلافه كما تقدّم.

بقي هنا أمور:

الأوّل

إنّك قد عرفت أنّ صحّة العبادة و إسقاطها للفعل ثانيا تابع لمشروعيّة الدخول فيها و الإذن فيها من الشارع. و عرفت- أيضا- أنّ نفس أوامر التقيّة- الدالة علي كونها واجبة من جهة حفظ ما يجب حفظه- لا يوجب الإذن في الدخول في العبادة علي وجه التقيّة «5» من باب امتثال الأوامر المتعلّقة بتلك العبادة، إلّا فيما كان متعلق التقيّة من الأجزاء و الشروط الاختيارية، كنجاسة الثوب و البدن و نحوها. أمّا ما اقتضي الدليل- و لو بإطلاقه- مدخليته في العبادة من دون اختصاص بحال الاختيار، فمجرد الأمر بالتقيّة لا يوجب الإذن في امتثال العبادة في ضمن الفعل الفاقد لذلك الجزء أو الشرط تقيّة كما هو واضح. ثم إنّ الإذن المذكور قد ورد في بعض العبادات، كالوضوء مع المسح علي الخفّين، أو غسل الرجلين، و الصلاة مع المخالف حيث يترك فيها بعض ماله مدخلية فيها، و يوجد بعض الموانع مثل التكفير و نحوه. و الغرض هنا بيان أنّه هل يوجد في عمومات الأمر بالتقيّة ما يوجب الإذن في امتثال العبادات عموما علي وجه التقيّة، بحيث لا يحتاج في الدخول في كلّ عبادة علي وجه التقيّة- امتثالا للأمر المتعلّق بتلك العبادة- إلي النّص الخاصّ، لتفيد قاعدة كلّية في كون التقيّة عذرا رافعا لاعتبار ما هو معتبر في العبادات و إن لم يختص اعتباره بحال الاختيار، مثل الدخول في الصلاة مع الوضوء بالنبيذ، أو مع التيمم في السفر بمجرد عزّة الماء و لو كان موجودا، أم لا؟. الذي يمكن الاستدلال به علي ذلك أخبار: منها: قوله عليه السلام: «التقيّة في كلّ شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللَّه» «6». بناء علي أنّ المراد ترخيص اللَّه سبحانه في كل فعل أو ترك يضطر إليه الإنسان في عمله. فنقول- مثلا- :
إنّ الإنسان يضطرّ إلي استعمال النبيذ و المسح علي الخفّين أو غسل الرجلين في وضوئه و إلي استعمال التراب للتيمم في صلاته و إلي التكفير «7» و ترك البسملة و غير ذلك من الأفعال و التروك الممنوعة شرعا في صلاته، فكلّ ذلك مرخّص فيه في العمل، بمعني ارتفاع المنع الثابت فيها لو لا التقيّة، و إن كان منعا غيريا من جهة التوصل بتركها إلي صحّة العمل، و أداء فعله إلي فساد العمل. و الحاصل: أنّ المراد بالإحلال رفع المنع الثابت في كلّ ممنوع بحسب حاله من التحريم النفسي، كشرب الخمر، و التحريم الغيري، كالتكفير في الصلاة و المسح علي حائل أو استعمال ماء نجس أو مضاف في الوضوء. فإن قلت: الاضطرار إلي هذه الأمور الممنوعة تابع للاضطرار إلي الصلاة الّتي تقع هذه فيها، و حينئذ فإن فرض عدم اضطرار المكلّف إلي الصلاة مع أحد هذه الأمور الممنوعة فهي غير مضطرّ إليها، فلا يرخّصها التقيّة. و إن فرض اضطراره إلي الصلاة معها فهي مرخّص فيها، لكن مرجع الترخيص فيها- بملاحظة ما دلّ علي كونها مبطلة- إلي الترخيص في صلاة باطلة، و لا بأس به إذا اقتضاه الضّرورة، فإنّ الصلاة الباطلة ليست أولي من شرب الخمر الذي سوّغه التقيّة. قلت: لا نسلّم توقّف الاضطرار إلي هذه الأمور علي الاضطرار إلي الصلاة التي يقع فيها، بل الظاهر أنّه يكفي في صدق الاضطرار اليه كونه لا بدّ من فعله مع وصف إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقا، نظير ذلك أنّهم يعدّون من اولي الأعذار من لا يتمكن من شرط الصلاة في أوّل الوقت، مع العلم أو الظن بتمكّنه منه فيما بعده، فإن تحقّق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع المنع الثابت فيه حال عدم التقيّة، و هو المنع الغيري. و منها ما رواه في أصول الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «التقيّة في كلّ شي‌ء إلّا في شرب المسكر و المسح علي الخفّين» «8». دلّت الرواية علي ثبوت التقيّة و مشروعيّتها في كلّ شي‌ء ممنوع لو لا التقيّة، إلّا في الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح علي الخفين مع كون المنع فيه عند عدم التقيّة منعا غيريا، دليل علي عموم الشي‌ء لكلّ ما يشبهه من الممنوعات لأجل التوصل بتركها إلي صحّة العمل، فدلّ علي رفع التقيّة لمثل هذا المنع الغيري، و تأثيرها في ارتفاع أثر ذلك الممنوع منه، فيدلّ علي أنّ التقيّة ثابتة في التكفير في الصلاة مثلا، بمعني عدم كونه ممنوعا عليه فيها عند التقيّة، و كذا في غسل الرجلين، و استعمال النبيذ في الوضوء و نحوهما. و في معني هذه الروايات روايات أخر واردة في هذا الباب، مثل قوله عليه السلام: «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا: المسح علي الخفّين، و شرب النبيذ، و متعة الحج» «9». فإنّ معناه ثبوت التقيّة فيما عدا الثلاث من الأمور الممنوعة في الشريعة، و رفعها للمنع الثابت فيها بحالها من المنع النفسي و الغيري كما تقدم.
ثم إنّ مخالفة ظاهر المستثني في هذه الروايات لما أجمع عليه من ثبوت التقيّة في المسح علي الخفّين و شرب النبيذ، لا يقدح فيما نحن بصدده، لأنّ ما ذكرناه في تقريب دلالتها علي المطلوب لا يتفاوت الحال فيه بين إبقاء الاستثناء علي ظاهره أو حمله علي بعض المحامل، مثل اختصاص الاستثناء بنفس الإمام عليه السلام كما يظهر من الرواية المذكورة، و تفسير الراوي في بعضها الآخر و التنبيه «10» علي عدم تحقق التقيّة فيها لوجود المندوحة، أو لموافقة بعض الصحابة أو التابعين علي المنع من هذه الأمور، إلي غير ذلك من المحامل الغير القادحة في استدلالنا المتقدّم «11». و منها موثّقة سماعة: «عن الرجل يصلي فدخل الإمام «12» و قد صلّي الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عادلا «13» فليصلّ اخري و ينصرف، و يجعلها تطوّعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. و ان لم يكن إمام عدل
المكاسب، ج‌4، ص 324
فليبن علي صلاته كما هو و يصلّي ركعة أخري، و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، ثم يتمّ صلاته معه علي ما استطاع، فإنّ التقيّة واسعة و ليس شي‌ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه» «1». فإنّ الأمر بإتمام الصلاة علي ما استطاع مع عدم الاضطرار إلي فعل الفريضة في ذلك الوقت، معللا بأنّ التقيّة واسعة، يدلّ علي جواز أداء الصلاة في سعة الوقت علي جميع وجوه التقيّة، بل علي جواز كلّ عمل علي وجه التقيّة و إن لم يضطرّ إلي ذلك العمل لتمكّنه من تأخّره إلي وقت الأمن. و منها: قوله عليه السلام- في موثّقة مسعدة بن صدقة- : «و تفسير ما يتّقي فيه: أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي خلاف حكم الحق و فعله، فكلّ شي‌ء يعمله المؤمن منهم لمكان التقيّة مما لا يؤدّي إلي فساد الدين فهو جائز» «2». بناء علي أنّ المراد بالجواز في كلّ شي‌ء بالقياس إلي المنع المتحقّق فيه لو لا التقيّة، فيصدق علي التكفير في الصلاة الذي يفعله المصلي في محل التقيّة أنّه جائز و غير ممنوع عنه بالمنع الثابت فيه لو لا التقيّة. و دعوي: أنّ الداعي علي التكفير ليس التقيّة، لإمكان التحرّز عن الخوف بترك الصلاة في هذا الجزء من الوقت، فلا يكون عمل التكفير لمكان التقيّة. مدفوعة: بنظير ما عرفت في الرواية الاولي «3» من أنه يصدق علي المصلّي أنه يكفّر لمكان التقيّة و إن قدر علي ترك الصلاة. و منها: قوله عليه السلام في رواية أبي الصباح: «ما صنعتم من شي‌ء أو حلفتم الرواية السادسة عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة» «4». فيدلّ علي أنّ المتقي في سعة من الجزء و الشرط المتروكين تقيّة، و لا يترتّب عليه من جهتهما تكليف بالإعادة و القضاء، نظير قوله عليه السلام: «الناس في سعة ما لم يعلموا» «5» بناء علي شموله لما لم يعلم جزئيته أو شرطيته كما هو الحقّ.

الثاني

إنّه لا ريب في تحقّق التقيّة مع الخوف الشخصي، بأن يخاف علي نفسه أو غيره من ترك التقيّة في خصوص ذلك العمل، و لا يبعد ان يكتفي بالخوف من بنائه علي ترك التقيّة في سائر أعماله، أو بناء سائر الشيعة علي تركها في العمل الخاص أو مطلق العمل النوعي في بلاد المخالفين، و إن لم يحصل للشخص بالخصوص خوف. و هو الذي يفهم من إطلاق أوامر التقيّة و ما ورد من الاهتمام فيها. و يؤيّده- بل يدلّ عليه- : إطلاق قوله عليه السلام: «ليس منّا «6» من لم يجعل التقيّة «7» شعاره و دثاره «8» مع من يأمنه لتكون سجيّته «9» مع من يحذره» «10». نعم، في حديث أبي الحسن الرضا صلوات اللَّه عليه معاتبا لبعض أصحابه الّذين حجبهم: «انكم تتّقون «11» حيث لا تجب «12» التقيّة، و تتركون التقيّة «13»
حيث لا بدّ من التقيّة» «14». و ليحمل علي بعض ما لا ينافي القواعد.

الثالث

إنّه لو خالف التقيّة في محلّ وجوبها، فقد أطلق بعض بطلان العمل المتروك فيه. و التحقيق: أنّ نفس ترك التقيّة في جزء العمل أو في شرطه أو في مانعة لا يوجب بنفسه إلّا استحقاق العقاب علي تركها، فإن لزم من ذلك ما يوجب بمقتضي القواعد- بطلان الفعل بطل، و إلّا فلا. فمن مواقع البطلان: السجود علي التربة الحسينية مع اقتضاء التقيّة تركه، فإنّ السجود يقع منهيا عنه فيفسد، فيفسد الصلاة. و من مواضع عدم البطلان: ترك التكفير في الصلاة، فإنّه- و إن حرم- لا يوجب البطلان، لأنّ وجوبه من جهة التقيّة لا يوجب كونه معتبرا في الصلاة لتبطل بتركه. و توهّم: أنّ الشارع أمر بالعمل علي وجه التقيّة، مدفوع: بأنّ تعلّق الأمر بذلك العمل المقيّد ليس من حيث كونه مقيّدا بتلك الوجه، بل من حيث نفس الفعل الخارجي الّذي هو قيد اعتباري للعمل لا قيد شرعي. و توضيحه: أنّ المأمور به ليس هو الوضوء المشتمل علي غسل الرجلين، بل نفس غسل الرجلين الواقع في الوضوء، و تقييد الوضوء باشتماله علي غسل الرجلين ممّا لم يعتبره الشارع في مقام الأمر، فهو نظير تحريم الصلاة المشتملة علي محرّم خارجي لا دخل له في الصلاة. فإن قلت: إذا كان إيجاب الشي‌ء للتقيّة لا يجعله معتبرا في العبادة حال التقيّة، لزم الحكم بصحّة وضوء من ترك المسح علي الخفّين، لأنّ المفروض أنّ الأمر بمسح الخفّين للتقيّة لا يجعله جزءا، فتركه لا يقدح في صحّة الوضوء، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في بطلان الوضوء.
قلت: ليس الحكم بالبطلان من جهة ترك ما وجب بالتقيّة، بل لأنّ المسح علي الخفّين متضمّن لأصل المسح الواجب في الوضوء، مع إلغاء قيد مماسّية الماسح للممسوح- كما في المسح علي الجبيرة الكائنة في موضع الغسل أو المسح، و كما في المسح علي الخفّين لأجل البرد المانع من نزعها- ، فالتقيّة إنّما أوجبت إلغاء قيد المباشرة. و أمّا صورة المسح و لو مع الحائل فواجبة واقعا لا من حيث التقيّة، فالإخلال بها يوجب بطلان الوضوء بنقص جزء منه. و ممّا يدلّ علي انحلال المسح إلي ما ذكرنا من الصورة و قيد المباشرة قول الإمام لعبد الأعلي مولي آل سام- [لمّا] «15» سأله عن كيفية مسح من جعل علي إصبعه مرارة- :
«إنّ هذا و شبهه يعرف من كتاب اللَّه، و هو قوله تعالي ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. ثم قال: امسح عليه» «16». فإنّ معرفة وجوب المسح علي المرارة الحائلة بين الماسح و الممسوح من آية نفي الحرج، لا يستقيم إلّا بأن يقال: إن المسح الواجب في الوضوء ينحلّ إلي صورة المسح و مباشرة الماسح للمم‌سوح، و لمّا سقط قيد المباشرة لنفي الحرج، تعيّن المسح من دون مباشرة، و هو المسح علي الحائل، و كذلك فيما نحن فيه سقط قيد المباشرة و لا يسقط صورة المسح عن الوجوب. و كذلك الكلام في غسل الرجلين للتقيّة، فإنّ التقيّة إنّما أوجبت سقوط الخصوصية المائزة بين الغسل و المسح، و أمّا إيصال الرطوبة إلي الممسوح فهو واجب لا من حيث التقيّة، فإذا أخلّ به المكلّف فقد ترك جزءا من الوضوء، فبطلان الوضوء من حيث ترك ما وجب لا لأجل التقيّة، لا ترك ما وجب للتقيّة. و ممّا يؤيّد ما ذكرنا ما ذكره غير واحد من الأصحاب: من أنّه لو دار الأمر بين المسح علي الخفين و غسل الرجلين، قدّم الثاني «17»،
لأنّ فيه إيصال الماء، بخلاف الأول، فلو كان نفس الفعل المشتمل علي القيد و المقيّد إنما وجب تقيّة، لم يعقل ترجيح شرعي بين فعلين ثبت وجوبهما بأمر واحد و هو الأمر بالتقيّة، لأنّ نسبة هذا الأمر إلي الفردين نسبة واحدة، إلّا أن يكون ما ذكروه فرقا اعتباريا منشأه ملاحظة
المكاسب، ج‌4، ص 325
الأسباب العقلية. لكن يبقي علي ما ذكرنا في غسل الرجلين: أنّه لو لم يتمكّن المكلف من المسح تعيّن عليه الغسل الخفيف. و لا يحضرني من أفتي به، لكن لا بأس باعتباره كما في عكسه المجمع عليه، و هو تعيّن المسح عند تعذّر الغسل. و يمكن استنباطه من رواية عبد الأعلي المتقدمة «1». و لو قلنا بعدم الحكم المذكور فلا بأس بالتزام عدم بطلان الوضوء فيما إذا ترك غسل الرجلين الواجب للتقيّة، لما عرفت من أنّ أوامر التقيّة لم يجعله جزءا، بل الظاهر أنّه لو نوي به الجزئيّة بطل الوضوء، لأنّ التقيّة لم يوجب نيّة الجزئيّة و إنّما أوجب العمل الخارجي بصورة الجزء «2».

المقام الرابع

في ترتّب آثار الصحّة علي العمل الصادر تقيّة- لا من حيث الإعادة و القضاء- سواء كان العمل من العبادات، كالوضوء من جهة رفع الحدث، أم من المعاملات، كالعقود و الإيقاعات الواقعة علي وجه التقيّة. فنقول: إنّ مقتضي القاعدة: عدم ترتيب الآثار، لما عرفت غير مرة من أنّ أوامر التقيّة لا تدلّ علي أزيد من وجوب التحرّز عن الضرر، و أمّا الآثار المترتبّة علي العمل الواقعي فلا. نعم، لو دلّ دليل في العبادات علي الإذن في امتثالها علي وجه التقيّة، فقد عرفت أنّه يستلزم سقوط الإتيان به ثانيا بذلك العمل. و أمّا الآثار الأخر، كرفع الحدث في الوضوء، بحيث لا يحتاج المتوضّئ تقيّة إلي وضوء آخر بعد رفع التقيّة بالنسبة إلي ذلك العمل الذي توضّأ له، فإن كان ترتّبه متفرّعا علي ترتّب الامتثال بذلك العمل، حكم بترتّبه، و هو واضح.
أمّا لو لم يتفرّع عليه احتاج إلي دليل آخر. و يتفرّع علي ذلك ما يمكن أن يدّعي: أنّ رفع الوضوء للحدث السابق عليه من آثار امتثال الأمر به بناء علي أنّ الأمر بالوضوء ليس إلّا لرفع الحدث، و أمّا في صورة دائم الحدث فكونه مبيحا لا رافعا، من جهة دوام الحدث لا من جهة قصور الوضوء عن التأثير. و ربما يتوهّم: أنّ ما تقدّم من الاخبار- الواردة في أنّ كل ما يعمل للتقيّة فهو جائز، و أنّ كلّ شي‌ء يضطرّ إليه للتقيّة فهو جائز- يدلّ علي ترتيب الآثار مطلقا، بناء علي أنّ معني الجواز و المنع في كلّ شي‌ء بحسبه، فكما أنّ الجواز و المنع في الأفعال المستقلّة في الحكم، كشرب النبيذ و نحوه يراد به الإثم و العدم، و في الأمور الداخلة في العبادات فعلا أو تركا يراد به الإذن و المنع من جهة تحقّق الامتثال بتلك العبادات، فكذلك الكلام في المعاملات، بمعني عدم البأس و ثبوته من جهة ترتّب الآثار المقصودة من تلك المعاملة- كما في قول الشارع بجواز المعاملة الفلانيّة «3»، و هذا توهّم مدفوع بما لا يخفي علي المتأمل. ثمّ لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة مما اشتمل علي بعض الفوائد: منها: ما عن الاحتجاج بسنده عن أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه في بعض احتجاجه علي بعض، و فيه: «و آمرك أن تستعمل التقيّة في دينك فإنّ اللَّه عز و جل يقول لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «4»
و قد أذنت لك في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه، و في إظهار البراءة منّا إن حملك الوجل عليه، و في ترك المكتوبات «5» إن خشيت علي حشاشتك الآفات و العاهات، و تفضيلك أعداءنا «6» عند خوفك، لا ينفعهم و لا يضرّنا، و انّ إظهار «7» براءتك عند تقيّتك لا يقدح فينا «8»، و لئن تبرأت «9» منّا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك، لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها، و مالها الّذي به قيامها، و جاهها الذي به تمكّنها «10»، و تصون بذلك من عرف من أوليائنا «11» و إخواننا، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك، و تنقطع به عن عمل في الدين، و صلاح إخوانك المؤمنين، و إيّاك ثم إيّاك أن تترك التقيّة الّتي أمرتك بها، فإنّك شاحط «12» بدمك و دماء إخوانك، معرّض لنفسك و لنفسهم للزوال «13»، مذلّ لهم «14» في أيدي أعداء الدين «15» و قد أمرك اللَّه بإعزازهم، فإنّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك علي إخوانك «16» و نفسك أشدّ من ضرر الناصب «17» لنا الكافر بنا» «18». و فيها دلالة علي أرجحيّة اختيار البراءة علي العمل، بل تأكّد وجوبه. لكن في أخبار كثيرة بل عن المفيد في الإرشاد: أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «ستعرضون من بعدي علي سبّي، فسبّوني، و من عرض عليه البراءة فليمدد عنقه، فإن برئ منّي فلا دنيا له و لا آخرة» «19». و ظاهرها حرمة التقيّة فيها كالدماء. و يمكن حملها علي أنّ المراد الاستمالة و الترغيب إلي الرجوع حقيقة عن التشيّع إلي النصب. مضافا إلي أنّ المروي في بعض الروايات أنّ النهي من التبرّي مكذوب علي أمير المؤمنين عليه السلام و أنّه لم ينه عنه، ففي موثقّة مسعدة بن صدقة: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام الناس يروون أنّ عليا عليه السلام قال:- علي منبر الكوفة- : أيّها الناس إنّكم ستدعون إلي سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلي البراءة منّي فلا تبرءوا منّي. فقال عليه السلام: ما أكثر ما يكذّب الناس علي عليّ، ثمّ قال: إنّما قال: ستدعون إلي سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلي البراءة منّي و إنّي لعلي دين محمّد صلّي اللَّه عليه و آله و سلم، و لم يقل: لا تبرءوا منّي. فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال: و اللَّه ما ذاك عليه، و لا له إلّا ما مضي عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئنّ بالإيمان، فأنزل اللَّه تعالي «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» «20» فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم عندها:
يا عمّار إن عادوا فعد» «21». و في رواية محمد بن مروان: «قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما منع ميثم رحمه اللَّه عن التقيّة، فو اللَّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمار و أصحابه:
«إلّا من اكره و قلبه مطمئن.. الآية» «22». و في رواية عبد اللَّه بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام- في رجلين من أهل الكوفة أخذا و امرا بالبراءة عن أمير المؤمنين عليه السلام فتبرّأ واحد منهما و أبي الآخر، فخلّي سبيل الّذي تبرّأ و قتل الآخر- : «فقال عليه السلام: أمّا الّذي بري‌ء فرجل فقيه في دينه، و أمّا الذي لم يتبرّأ، فرجل تعجّل إلي الجنة» «23». و عن كتاب الكشّي بسنده إلي يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم الهرواني «24» يقول: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعيّ بني أميّة- عبيد اللَّه بن زياد- إلي البراءة منّي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا و اللَّه لا أبرأ منك. قال: إذا و اللَّه يقتلك و يصلبك! قال: قلت: أصبر، فإنّ ذلك في اللَّه قليل. قال عليه السلام: يا ميثم فإذن تكون معي في روضتي» «25». و به ثقتي.
المكاسب، ج‌4، ص 326

2- رسالة في العدالة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

العدالة لغة:

«الاستواء» كما يظهر من محكيّ المبسوط «1» و السرائر «2» أو: «الاستقامة» كما عن جامع المقاصد «3» و مجمع الفائدة «4» أو هما معا كما عن الروض «5» و المدارك «6» و كشف اللثام «7».

[الأقوال في العدالة]

اشارة

و قد اختلف الأصحاب في بيان ما هو المراد من لفظها الوارد في كلام المتشرّعة، بل الشارع علي أقوال:

أحدها:

- و هو المشهور بين العلّامة و من تأخّر عنه- أنّها كيفيّة نفسانيّة باعثة علي ملازمة التقوي، أو: عليها مع المروّة، و إن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ «الكيفيّة» أو «الحالة» أو «الهيئة» أو «الملكة»، و نسب الأخير في محكيّ النجيبيّة إلي العلماء «8»، و في محكيّ كنز العرفان «9» إلي الفقهاء، و في مجمع الفائدة إلي الموافق و المخالف «10»، و في المدارك: «الهيئة الراسخة» إلي المتأخّرين «11»، و في كلام بعض نسب «الحالة النفسانيّة» إلي المشهور «12». و كيف كان، فهي عندهم كيفيّة من الكيفيات باعثة علي ملازمة التقوي كما في الإرشاد «13»، أو عليها و علي ملازمة المروّة كما في كلام الأكثر. بل نسبه بعض إلي المشهور «14»، و آخر إلي الفقهاء، «15» و ثالث إلي الموافق و المخالف «16».

الثاني:

أنّها عبارة عن مجرّد ترك المعاصي أو خصوص الكبائر و هو الظاهر من محكيّ السرائر حيث قال: حدّ العدل هو الّذي لا يخلّ بواجب و لا يرتكب قبيحا «17». و عن محكيّ الوسيلة «18» حيث ذكر في موضوع منه: أنّ العدالة في الدين الاجتناب عن الكبائر و عن الإصرار علي الصغائر. و من محكي أبي الصلاح «19» حيث حكي عنه أنّه قال: إنّ العدالة شرطفي قبول الشهادة، و تثبت حكمها بالبلوغ و كمال العقل و الإيمان و اجتناب القبائح أجمع. و عن المحدّث المجلسي «20» و المحقّق السبزواري «21»: أنّ الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكبائر و لا مصرّا علي الصغائر و ظاهر هذا القول أنّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة في أفعاله و تروكه من دون اعتبار لكون ذلك عن ملكة.

الثالث:

أنّها عبارة عن الاستقامة الفعليّة لكن عن ملكة فلا يصدق العدل علي من لم يتّفق له فعل كبيرة مع عدم الملكة، و هذا المعني أخصّ من الأوّلين، لأنّ ملكة الاجتناب لا يستلزم الاجتناب. و كذا ترك الكبيرة لا يستلزم الملكة. و هذا المعني هو الظاهر من كلام والد الصدوق حيث ذكر في رسالته إلي ولده أنّه «22»: لا تصلّ إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه و ورعه و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه «23». و هو ظاهر ولده «24» و ظاهر المفيد في المقنعة، حيث قال: إنّ العدل من كان معروفا بالدين و الورع و الكفّ عن محارم اللَّه، (انتهي) «25».
فإنّ الورع و الكفّ لا يكونان إلّا عن كيفيّة نفسانيّة، لظهور الفرق بينه و بين مجرّد الترك، فتأمّل. و هو الظاهر من محكيّ النهاية «26»، حيث أنّه ذكر بمضمون «27» صحيحة ابن أبي يعفور، و كذلك الوسيلة، حيث قال: العدالة تحصل بأربعة أشياء، الورع و الأمانة و الوثوق و التّقوي «28»، و نحوه المحكيّ عن القاضي، حيث اعتبر فيها الستر و العفاف و اجتناب القبائح «29»، فإنّ الاجتناب خصوصا مع ضمّ العفاف إليه لا يكون بمجرّد الترك. و بمعناه المحكيّ عن الجامع، حيث أخذ في تعريف العدل الكفّ و التجنّب للكبائر «30».
ثمّ إنّه ربّما

يذكر في معني العدالة قولان آخران:

أحدهما: الإسلام و عدم ظهور الفسق

، و هو المحكيّ عن ابن الجنيد «31»، و المفيد في كتاب الأشراف «32»، و الشيخ في الخلاف مدّعيا عليه الإجماع «33».

و الثاني: حسن الظاهر

اشارة

، نسب إلي جماعة بل أكثر القدماء.
و لا ريب أنّهما ليسا قولين في العدالة، و إنّما هما طريقان للعدالة، ذهب إلي كلّ منهما جماعة و لذا ذكر جماعة من الأصحاب- كالشهيد في الذكري «34» و الدروس «35»، و المحقّق الثاني في الجعفريّة «36»، و غيرهما «37»- هذين القولين في عنوان ما به تعرف العدالة، مع أنّ عبارة ابن الجنيد المحكيّ عنه «أنّ كلّ المسلمين علي العدالة إلّا أن يظهر خلافها» «38» لا يدلّ إلّا علي وجوب الحكم بعدالتهم. و أوضح‌منه كلام الشيخ في الخلاف، حيث أنّه لم يذكر إلّا عدم وجوب البحث عن عدالة الشهود إذا عرف إسلامهم «39»، ثمّ احتجّ بإجماع الفرقة و أخبارهم، و أنّ الأصل في المسلم العدالة، و الفسق طار عليه، يحتاج إلي دليل «40». نعم: عبارة الشيخ في المبسوط ظاهرة في هذا المعني، فإنّه قال: إنّ العدالة في اللغة: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و أمّا في الشريعة: فهو من كان عدلا في دينه عدلا في مروّته، عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين: أن يكون مسلما لا يعرف منه شي‌ء من أسباب الفسق، و في المروّة: أن يكون مجتنبا للأمور الّتي تسقط المروّة،.. إلي آخر ما ذكر. (انتهي موضع الحاجة) «41». لكنّ الظاهر أنّه أراد كفاية عدم معرفة الفسق منه في ثبوت العدالة، لا أنّه نفسها، و لذا فسّر العدالة في المروّة بنفس الاجتناب، لا بعدم العلم بالارتكاب.
هذا كلّه، مع أنّه لا يعقل كون عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر نفس العدالة، لأنّ ذلك يقتضي كون العدالة من الأمور الّتي يكون وجودها الواقعي عين وجودها الذهني، و هذا لا يجامع كون ضدّه- أعني الفسق- أمرا واقعيّا لا دخل للذهن فيه. و حينئذ فمن كان في علم اللَّه تعالي مرتكبا للكبائر مع عدم ظهور ذلك لأحد، يلزم أن يكون عادلا في الواقع و فاسقا في الواقع [و كذا لو فرض أنّه لا ذهن و لا ذاهن «42» يلزم أن لا يتحقّق العدالة في الواقع] «43» لأنّ المفروض أنّ وجودها الواقعي عين وجودها الذهني. و أمّا بطلان اللازم «44» فغنيّ عن البيان. و كذا لو اطّلع علي أنّ شخصا كان في الزمان السابق مع اتّصافه بحسن الظاهر لكلّ أحد مصرّا علي الكبائر يقال: كان فاسقا و لم يطّلع، و لا يقال: كان عادلا فصار فاسقا عند اطّلاعنا. فتبيّن- من جميع ما ذكرنا- أنّ هذين القولين لا يعقل أن يراد بهما بيان العدالة الواقعية، و لا دليل للقائل بهما يفي بذلك، و لا دلالة في عبارتهما المحكية عنهما، و لا فهم ذلك من كلامهما من يعتني به مثل الشهيد و المحقّق الثاني و ابن فهد و غيرهم. ثمّ الظاهر رجوع القول الأوّل إلي الثالث، أعني اعتبار الاجتناب مع الملكة، لاتّفاقهم
المكاسب، ج‌4، ص 327
و صراحه مستندهم كالنصوص و الفتاوي علي أنّه تزول بارتكاب الكبيرة العدالة بنفسها و يحدث الفسق الّذي هو ضدّها، و حينئذ فإمّا أن يبقي الملكة أم لا، فإن بقيت ثبت اعتبار الاجتناب الفعلي في العدالة، فإن ارتفعت ثبت ملازمة الملكة للاجتناب الفعلي. فمراد الأوّلين من «الملكة الباعثة علي الاجتناب»: الباعثة فعلا، لا ما من شأنها أن تبعث و لو تخلّف عنها البعث لغلبة الهوي و تسويل الشيطان، و يوضّحه توصيف «الملكة» في كلام بعضهم بل في معقد الاتّفاق ب «المانعة عن ارتكاب الكبيرة» فإنّ المتبادر: المنع الفعلي بغير اشكال. و أوضح منه تعريفها- الشهيد في باب الزكاة من نكت الإرشاد- :
بأنّها هيئة راسخة تبعث علي ملازمة التقوي بحيث لا يقع منها الكبيرة و لا الإصرار علي الصغيرة «1» بناء علي أنّ الحيثيّة بيان لقوله: «تبعث»، لا قيد توضيحيّ للملازمة.
نعم: يبقي الكلام في أنّ العدالة هل هي الملكة الموجبة للاجتناب أو الاجتناب عن ملكة، أو كلاهما حتّي يكون عبارة عن الاستقامة الظاهرة في الأفعال، و الباطنة في الأحوال؟ و هذا لا يترتّب عليه كثير فائدة، إنّما المهمّ بيان مستند هذا القول، و عدم كون العدالة هي مجرّد الاستقامة الظاهريّة و لو من دون ملكة- كما هو ظاهر من عرفت- «2» حتّي يكون من علم منه هذه الصفة عادلا و إن لم يكن فيه ملكتها. و يدلّ عليه- مضافا إلي الأصل «3» و الاتّفاق المنقول المعتضد بالشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف، بناء علي أنّه لا يبعد إرجاع كلام الحلّي «4» إلي المشهور كما لا يخفي، و إلي ما دلّ علي اعتبار الوثوق بدين إمام الجماعة و ورعه، مع أنّ الوثوق لا يحصل بمجرّد تركه المعاصي في جميع ما مضي من عمره، ما لم يعلم أو يظنّ فيه ملكة الترك، و اعتبار المأمونية و العفة و الصيانة و الصلاح و غيرها ممّا اعتبر في الأخبار من الصفات النفسانية في الشاهد، مع الإجماع علي عدم اعتبارها زيادة علي العدالة فيه و في الإمام- صحيحة ابن أبي يعفور، حيث سأل أبا عبد اللَّه عليه السلام و قال: «بم يعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن يعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و تعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار.. إلي آخر الحديث» «5» فإنّ الستر و العفاف و الكفّ قد وقع مجموعها المشتمل علي الصفة النفسانية معرّفا للعدالة، فلا يجوز أن يكون أخصّ منها، بل لا بدّ من مساواته، و قد يكون أعمّ إذا كان من المعرّفات الجعليّة، كما جعل عليه السلام في هذه الصحيحة الدليل علي هذه الأمور كون الشّخص ساترا لعيوبه. و دعوي أنّ ظاهر السؤال وقوعه عن الأمارة المعرّفة للعدالة بعد معرفة مفهومها تفصيلا، و الصفات المذكورة ليست أمارة بل- هي علي هذا القول- عينها، فيدور الأمر بين حمل السؤال علي وقوعه عن المعرّف المنطقي لمفهومها بعد العلم إجمالا- و هو خلاف ظاهر السؤال- ، و بين خلاف ظاهر آخر، و هو حمل الصفات المذكورة علي مجرّد ملكاتها، فتكون ملكاتها معرّفة و طريقا للعدالة، و حينئذ فلا تصح أن يراد بها إلّا نفس اجتناب الكبائر المسبّب عن ملكة العفاف و الكفّ، و هو القول الثاني مدفوعة: أوّلا: ببعد إرادة مجرّد الملكة من الصفات المذكورة، بخلاف إرادة المعرّف المنطقي الشارح لمفهوم العدالة، فإنّه غير بعيد، خصوصا بملاحظة أنّ طريقية ملكة ترك المعاصي لتركها ليست أمرا مجهولا عند العقلاء محتاجا إلي السؤال، و خصوصا بملاحظة قوله فيما بعد: «و الدليل علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه.. إلخ»، فإنّه علي ما ذكر يكون أمارة علي أمارة، فيكون ذكر الأمارة الأولي- أعني الملكة- خالية عن الفائدة مستغني عنها بذكر أمارتها، إذ لا حاجة غالبا إلي ذكر أمارة تذكر لها أمارة أخري، بخلاف ما لو جعل الصفات المذكورة عين العدالة، فإنّ المناسب بل اللازم أن يذكر لها طريق أظهر و أوضح للناظر في أحوال الناس. و يؤيّد ما ذكرنا أنّه لا معني محصّل حينئذ لقوله عليه السلام- بعد الصفات المذكورة- : «و تعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد اللَّه عليها النار»، لأنّ الضمير في «تعرف» إمّا راجع إلي العدالة بأن يكون معرّفا مستقلا، و إمّا راجع إلي الشخص بأن يكون من تتمّة المعرّف الأوّل، و إمّا أن يكون راجعا إلي الستر و ما عطف عليه، ليكون معرّفا للمعرّف، و قوله عليه السلام: «و الدليل علي ذلك.. إلخ» «6» معرّفا ثالثا، و هو أبعد الاحتمالات. و علي أيّ تقدير فلا يجوز أن يكون أمارة علي العدالة، لأنّه علي هذا القول نفس العدالة. و الحاصل: أنّ الأمور الثلاثة المذكورة من قبيل المعرّف المنطقي للعدالة، لا المعرّف الشرعي في اصطلاح الأصوليّين. ثمّ إنّ المراد بالستر هنا غير المراد به في قوله عليه السلام فيما بعد: «و الدلالة علي ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه» و إلّا لم يعقل أن يكون أحدهما طريقا للآخر، بل المراد بالستر هنا ما يرادف الحياء و العفاف، قال في الصحاح: رجل ستير، أي: عفيف، و جارية ستيرة «7» فكأنّ المراد بالستر- هنا- : الاستحياء من اللَّه، و بالستر- فيما بعد- :
الاستحياء من الناس، و لذا ذكر القاضي: أنّ العدالةتثبت بالستر و العفاف و اجتناب القبائح أجمع «8». بقي الكلام في بيان الأظهر من الاحتمالات الثلاث المتقدّمة في قوله عليه السلام: «و تعرف باجتناب الكبائر.. إلخ» و أنّ الاجتناب هل هي تتمّة للمعرّف أو معرّف له، أو للمعرّف- بالفتح- ؟ لكن الثاني في غاية البعد سواء حمل المعرّف علي المنطقي أو علي الشرعي. [أمّا علي الأوّل] «9» فلعدم كون الأمور المذكورة أمورا عرفية متساوية في البيان لمفهوم الاجتناب، فلا يحسن جعله طريقا إليها، أو شارحا لمفاهيمها. و الثالث أيضا بعيد، بناء علي المعرّف المنطقي و الشرعي، لأنّه إن أريد ب «اجتناب الكبائر» الاجتناب عن ملكة، فليس أمرا مغايرا للمعرّف الأوّل، فذكره كالتكرار، و إن أريد نفس الاجتناب، و لو لا عن ملكة، فلا معني لجعله معرّفا منطقيّا بعد شرح مفهوم العدالة أوّلا بما يتضمّن اعتبار الملكة في الاجتناب. و الحاصل: إنّ جعله معرّفا منطقيّا فاسد، لأنّه إمّا أن يراد من المعرّفين كليهما معني واحد و إمّا أن يراد من كلّ منهما معني، و علي الأوّل يلزم التكرار، و علي الثاني يلزم تغاير الشارحين لمفهوم واحد. و كذا لا يجوز جعله معرّفا شرعيّا، لأنّ حاصله يرجع إلي جعل نفس الاجتناب طريقا إلي كونه عن ملكة، و هذا بعيد لوجهين: أحدهما: أنّ معرفة الاجتناب عن جميع الكبائر ليس بأسهل من معرفة الملكة، بل معرفة الملكة أسهل من معرفة الاجتناب، فلا يناسب جعله معرّفا لها. الثاني: أنّه جعل
المكاسب، ج‌4، ص 328
الدليل علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتّي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، فستر العيوب عن الناس قد جعل طريقا ظاهريّا، و من المعلوم أنّ جعل الاجتناب الواقعي طريقا مستدرك بعد جعل عدم العلم بالارتكاب طريقا، بل اللازم جعله طريقا من أوّل الأمر، لأنّ جعل الأخصّ طريقا بعد جعل الأعمّ مستدرك، و هذا كما يقال: إنّ إمارة العدالة عند الجهل بها الإيمان الواقعي، و علامة الإيمان الواقعي عند الجهل به: الإسلام، فإنّ جعل الإيمان الواقعي «1» طريقا، مستغني عنه، بل لازم قوله عليه السلام: «حتّي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك» أنّه لا يجوز التوصّل بالأمارة الاولي و هو الاجتناب الواقعي، لأنّه يتوقّف علي الفحص عن أحواله. فثبت من جميع ذلك أنّ أظهر الاحتمالات المتقدّمة هو كونه تتمة للمعرّف، بأن يجعل المراد بكفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، كفّها عن المعاصي الخاصّة الّتي تتبادر عند إطلاق نسبة المعصية إلي إحدي الجوارح. [المذكورة فإنّ المتبادر من معصية البطن: أكل الحرام، و من معصية الفرج: الزنا، و من معصية اليد: ظلم الناس، و من اللسان: الغيبة و الكذب، فيكون ذكره بعد ذكر الكفّ من قبيل التعميم بعد التخصيص، و عقيب الستر و العفاف من قبيل ذكر الأفعال بعد الصفات النفسانيّة الموجبة لها. و يحتمل أيضا أن يراد بالستر: الاستحياء المطلق، و بالعفاف: التعفّف عن مطلق المعاصي، و بالكفّ (الكف) «2» عن مطلق الذنوب، و يكون ذكر الجوارح الأربع لكونها أغلب ما تعصي من بين الجوارح] «3». و حينئذ فيكون قوله: «و تعرف باجتناب الكبائر» من قبيل التخصيص بعد التعميم و التقييد بعد الإطلاق، تنبيها علي أنّ ترك مطلق المعاصي غير معتبر في العدالة

. [اعتبار المروّة في مفهوم العدالة]

ثمّ المشهور بين من تأخّر عن العلّامة: اعتبار المروّة في مفهوم العدالة، حيث عرّفوها بأنّها هيئة راسخة تبعث علي ملازمة التقوي و المروّة، و هو الّذي يلوح من عبارة المبسوط، حيث ذكر أنّ العدالة في اللغة: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و في الشريعة: من كان عدلا في دينه، عدلا في مروّته، عدلا في أحكامه «4» (انتهي)، بناء علي أنّ المراد بالعدالة في الدين و المروّة و الأحكام:
الاستقامة فيها. و أمّا كلام غير الشيخ ممّن تقدّم علي العلّامة، فلا دلالة فيه، بل و لا إشعار علي ذلك. نعم: ذكره ابن الجنيد في شرائط قبول الشهادة «5»، و كذا ابن حمزة في موضع من الوسيلة «6»، بل كلامه الأخير المتقدّم في صدر المسألة «7»،- ككلامي المفيد و الحلّي المتقدّم ذكرهما «8»- دالّ علي عدم اعتبارها. و أمّا الصدوقان فهما و إن لم يفسّرا العدالة، إلّا أنّ كلامهما المتقدّم «9» من أنّه «لا يصلّي إلّا خلف رجلين [أحدهما من تثق بدينه و ورعه و أمانته، و الآخر من تتقي سيفه و سوطه] «10» ظاهر في عدم اعتبار المروّة في العدالة، بناء علي أنّ اعتبار العدالة في الإمام متّفق عليه. نعم، قد أخذ القاضي «الستر» و «العفاف» في العدالة «11» بناء علي ما سيأتي «12» من أنّه لا يبعد استظهار اعتبار المروّة من هذين اللفظين. و ذكر في الجامع أنّ العدل الّذي يقبل شهادته، هو البالغ العاقل المسلم العفيف الفعلي المجتنب عن القبائح الساتر لنفسه «13» فإن جعلنا الموصول «14» صفة تقييدية كانت العفّة- الّتي عرفت إمكان استظهار المروّة منها- مأخوذة في عدالة الشاهد دون عدالة الإمام و مستحقّ الزكاة، و إلّا كانت مأخوذة في مطلق العدالة. و ممّن لا يعتبر المروّة في العدالة، المحقّق في الشرائع «15» و النافع «16»، و تبعه العلّامة في الإرشاد «17» و ولده في موضع من الإيضاح «18». و عرّف الشهيد- في نكت الإرشاد- العدالة في كلام من اعتبرها في مستحقّ الزكاة بأنّها «هيئة تبعث علي ملازمة التقوي» «19» و ظاهره أنّ العدالة تطلق في الاصطلاح علي ما لا يؤخذ فيه المروّة. و الحاصل: أنّه لو ادّعي المتتبّع أنّ المشهور بين من تقدّم علي العلّامة عدم اعتبار المروّة في العدالة- خصوصا المعتبرة في غير الشاهد- لم يستبعد ذلك منه، لما عرفت من كلمات من عدا الشيخ، و أمّا الشيخ فالعدالة المذكورة في كلامه لا ينطبق علي ما ذكره المتأخّرون، لأنّه أخذ فيه الإسلام و البلوغ و العقل، و هذا ليس معتبرا عند المتأخّرين، و إن كان العادل عندهم من أفراد البالغ العاقل المسلم، لكنّ الإسلام و الكمال ليسا جزءا للعدالة عندهم، و لذا يذكرون البلوغ و العقل و الإسلام علي حدة، فالظاهر أنّه أراد بالعدالة صفة جامعة لشرائط العامّة لقبول الشهادة، و كيف كان: فالمتّبع هو الدليل. و ينبغي الجزم بعدم اعتبارها «20» في العدالة المعتبرة في الإمام، و أنّ المعتبر فيه العدالة و «21» الاستقامة في الدين، لأنّ الدليل علي اعتبار العدالة في الإمام، إمّا الإجماعات المنقولة و إمّا الروايات: أمّا الإجماعات المنقولة «22» فلا ريب في أنّها ظاهرة في العدالة في الدين المقابلة للفسق الّذي هو الخروج عن طاعة اللَّه، مع أنّ الخلاف في أخذ المروّة في العدالة يوجب حمل العدالة في كلام مدّعي الإجماع علي العدالة في الدين، و يؤيّده أنّه لو كان المراد العدالة المطلقة الّتي تقدّم تفسيرها من المبسوط «23» لم يحتج إلي اعتبار البلوغ و العقل في الإمام مستقلا. و دعوي: أنّ دعوي الإجماع إنّما وقعت من المتأخّرين الّذين أخذوا المروّة في العدالة، و كلام مدّعي الإجماع يحمل علي ما اللفظ ظاهر فيه عنده. مدفوعة- بعد تسليم ما ذكر كليّة- بأنّ الإجماع إذا فرض دعواه علي العدالة المأخوذة فيها المروّة فهي موهونة بمصير جلّ القدماء- كما عرفت- علي خلافه. و إن كان المستند الروايات فنقول: إنّها بين ما دلّ علي اعتبار العدالة، و الظاهر منها هي الاستقامة في الدين، لأنّها الاستقامة المطلقة في نظر الشارع، فإنّ التحقيق أنّ العدالة في كلام الشارع و أهل الشرع يراد بها:
الاستقامة، لكنّ الاستقامة المطلقة في نظر الشارع هو الاستقامة علي جادّة الشرع و عدم الميل عنها، و إن قلنا بأنّها منقولة من الأعمّ إلي الأخصّ، لكن نقول: إنّ المتبادر منها الاستقامة من جهة الدين، لا من جهة العادات الملحوظة عند الناس حسنا أو قبيحا. و غاية ما يمكن أن يستدلّ لاعتبارها في العدالة المستعملة في كلام الشارع: صحيحة ابن أبي يعفور، و محل الدلالة يمكن أن يكون فقرأت منها: الأولي: قوله: «بأنّ يعرفوه بالستر» علي أن يكون المراد منه ستر العيوب الشرعية و العرفيّة. الثانية: قوله عليه السلام:
«و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان» بناء علي أنّ منافيات المروّة غالبا من شهوات الجوارح. الثالثة: قوله عليه السلام: «و الدالّ علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه.. إلخ». و قد تمسك بكلّ واحد من هذه الفقرات بعض ممّن «24» عاصرناهم. و في الكلّ نظر، أمّا الفقرة الأولي: فلما عرفت سابقا من أنّ المراد بالستر ليس هو الستر الفعلي، و إنّما يراد به صفة مرادفة للعفاف- كما سمعت من الصحاح «25»- ، كيف و قد جعل ستر العيوب بعد ذلك دليلا علي العدالة، فيلزم اتّحاد الدليل و المدلول، مضافا إلي أنّ المتبادر من الستر:
تعلّقه بالعيوب الشرعيّة دون العرفية، فلا يفيد حذف المتعلّق العموم. و بهذا يجاب عن الفقرة الثانية، فإنّ الظاهر من كفّ الجوارح الأربع: كفّها عن معاصيها، لا مطلق ما تشتهيها. و أمّا الفقرة الثالثة، ففيها أوّلا: أنّ المتبادر من «العيوب» هي ما تقدّم في الفقرة السابقة ممّا أخذ تركها في مفهوم العدالة، لا مطلق النقائص في
المكاسب، ج‌4، ص 329
الكبائر و الصغائر و المكروهات المنافية للمروّة، و إلّا لزم تخصيص الأكثر، إذ الكبائر و منافيات المروّة في جنب غيرهما- الّذي لا يعتبر في العدالة تركها و لا في طريقها سترها- كالقطرة في جنب البحر، فلا بدّ من حمله علي المعهود المتقدّم في الفقرات السابقة، فكأنّ الإمام عليه السلام لمّا عرّف العدالة بملكة الكفّ و التعفّف عن الكبائر جعل سترها عند المعاشرة و المخالطة طريقا إليها. و ثانيا: أنّ غاية ما يدلّ عليه هذه الفقرة كون ستر منافيات المروّة من تتمّة طريق العدالة، لا مأخوذة في نفسها، فيكون فيه دلالة علي أنّ عدم ستر منافيات المروّة و ظهورها عند المعاشرة و المخالطة لا يوجب الحكم ظاهرا بعدالة الرجل الّتي تقدّم معناها في الفقرات السابقة، و لا يلزم من هذا أنّا لو اطّلعنا علي ذلك المعني بحيث لا يحتاج إلي الطريق الشرعي و علمنا منه صدور منافيات المروّة لم نحكم بعدالته، لأنّ الوصول إلي ذي الطريق يغني عن الطريق. ففي الرواية دلالة علي التفصيل الّذي ذكره بعض متأخّري المتأخّرين، من أنّه لو كشف فعل منافي المروّة عن قلّة المبالاة في الدين، بحيث لا يوثق معه بالتحرّز عن الكبائر و الإصرار علي الصغائر كان معتبرا و إلّا فلا. و هذا التفصيل غير بعيد، لكنّه في الحقيقة ليس تفصيلا في مسألة اعتبار المروّة في نفس العدالة- بل قول بنفيه مطلقا- إلّا أنّه يوجب الوهن في حسن الظاهر الّذي هو طريق إليها. ثمّ إنّ الّذي يخطر بالبال أنّه إن كان و لا بدّ من فهم اعتبار المروّة من الصحيحة- بناء علي أنّ المذكور فيه حدّ لها، لا بدّ من أن يكون مطّردا، فترك التعرّض لاعتبار ما يعتبر مخلّ بطردها- فالأنسب أن يقال: إنّ ذلك إنّما يستفاد من لفظي «الستر» و «العفاف» الراجعين إلي معني واحد، كما عرفت من قول الصحاح: «رجل.. إلخ» «1» فيكون المراد بالستر ما عدّ- في الحديث المشهور المذكور في أصول الكافي في باب جنود العقل و الجهل- مقابلا للتبرّج «2» المفسّر في كلام بعض محقّقي شرّاح أصول الكافي بالتظاهر بما يقبح و يستهجن في الشرع أو العرف «3». و لا ريب أنّ منافيات المروّة ممّا يستهجن في العرف، فهي منافية للستر و العفاف بذلك المعني. و قد ذكر بعضهم في عدالة القوّة الشهويّة- المسمّاة بالعفّة- أنّ ما يحصل من عدم تعديلها: عدم المروّة. و ظاهره أنّ المروّة لازمة للعفاف. ثمّ إنّ المروّة- علي القول باعتبارها في العدالة- مثل التقوي المراد بها عندهم: اجتناب الكبائر و الإصرار علي الصغائر، ففعل منافيها يوجب زوال العدالة بمجرّده من غير حاجة إلي تكراره «4» كارتكاب الكبيرة لأنّه لازم تفسيرهم للعدالة بالملكة المانعة عن «5» مجانبة «6» الكبائر و منافيات المروّة و الباعثة علي ملازمة التقوي و المروّة، و قد عرفت أنّ المراد بالبعث أو المنع:
الفعلي، لا الشأني. نعم: ربّما يكون بعض الأفعال لا ينافي المروّة بمجرّده، و لذا قيّدوا منافيات «7» الأكل في الأسواق بصورة غلبة وقوع ذلك منه، و أنّه لا يقدح وقوعه نادرا، أو للضرورة، أو من السوقي، فمعناه- بقرينة عطف الضرورة و السوقي أنّه لا ينافي المروّة، لا أنّه مع منافاته المروّة لا يوجب زوال العدالة بمجرّده. نعم: فرق بين التقوي و المروّة، و هو أنّ مخالفة التقوي يوجب الفسق، بخلاف مخالفة المروّة، فإنّها توجب زوال العدالة دون الفسق، ففاقد المروّة إذا كانت فيه ملكة اجتناب الكبائر، واسطة بين العادل و الفاسق. و من جميع ما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا «8»، حيث إنّه بعد ما أثبت اعتبار المروة بالفقرة الثالثة المتقدمة من الصحيحة قال: بقي الكلام في أنّ منافيات المروّة هل توجب الفسق بمجرّدها كالكبائر؟ أو بشرط الإصرار أو الإكثار كالصغائر؟ أو تفصيل بين مثل تقبيل الزوجة في المحاضر و بين مثل الأكل في الأسواق؟ و هذا هو المختار. ثمّ استشهد بكلام جماعة ممّن قيّد الأكل في السوق بالغلبة أو الدوام.
و يمكن تأويل أوّل كلامه بأنّ المراد من الفسق: مجرّد عدم العدالة، دون الفسق المتكرّر في كلام الشارع و المتشرّعة، لكنّه بعيد. و أبعد منه: توجيه كلامه فيما ذكره من الوجوه الثلاثة في زوال العدالة بمنافيات المروّة، بأنّ المراد ما ينافيها بحسب الأعمّ من المرّة «9» و الإكثار، و معناه أنّ ما ينافي المروّة بجنسه هل يزيل العدالة بمجرّده أو بشرط الإكثار؟ و هو كما تري!. ثمّ إنّه قد تلخّص ممّا ذكرنا من أوّل المسألة إلي هنا أنّ الأقوي- الّذي عليه معظم القدماء و المتأخّرين- : هو كون العدالة عبارة عن صفة نفسانيّة توجب التقوي و المروّة أو التقوي فقط- علي ما قوّيناه. و عرفت «10» أيضا أنّ القول بأنّها عبارة عن «الإسلام و عدم ظهور الفسق» غير ظاهر من كلام أحد من علمائنا و ان كان ربّما نسب إلي بعضهم «11»، كما عرفت، و عرفت ما فيه «12». و كذلك القول بأنّها عبارة عن «حسن الظاهر» غير مصرّح به في كلام أحد من علمائنا، و إن نسبه بعض متأخّري المتأخّرين إلي كثير، بل إلي الكلّ «13». و كيف كان: فالمتّبع هو الدليل و إن لم يذهب اليه إلّا قليل، و قد عرفت الأدلّة.

[ما أورد علي القول بالملكة]

اشارة

بقي الكلام فيما أورد علي القول بالملكة و هي وجوه:

منها:

ما ذكره المولي الأعظم وحيد عصره في شرح المفاتيح- علي ما حكاه عنه بعض الأجلّة «14»- من أنّ حصول الملكة بالنسبة إلي كلّ المعاصي بمعني صعوبة الصدور لا استحالته، فربّما يكون نادرا بالنسبة إلي نادر من الناس- إن فرض تحقّقه- و يعلم أنّ العدالة ممّا تعمّ به البلوي و تكثر إليه الحاجات في العبادات و المعاملات و الإيقاعات، فلو كان الأمر كما يقولون لزم الحرج و اختلّ النظام، مع أنّ القطع حاصل بأنّه في زمان الرسول صلّي اللَّه عليه و آله و سلم و الأئمّة عليهم السلام ما كان الأمر علي هذا النهج، بل من تتبّع الأخبار الكثيرة يحصل القطع بأنّ الأمر لم يكن كما ذكروه في الشاهد، و لا في إمام الجماعة. و يؤيّده ما ورد «15» في أنّ إمام الصلاة إذا أحدث، أو حدث له مانع آخر، أخذ بيد آخر و أقامه مقامه (انتهي). و قال السيّد الصدر في شرح الوافية- بعد ما حكي عن المتأخّرين أنّ العدالة «هي الملكة الباعثة علي التقوي و المروّة»- ما لفظه: أمّا كون هذه الملكة عدالة فلا ريب فيه، لأنّ الوسط بين البلادة و الجربزة تسمّي: حكمة، و بين إفراط الشهوة و تفريطها هي: العفّة، و بين الظلم و الانظلام هي: الشجاعة، فإذا اعتدلت هذه القوي حصلت كيفيّة وحدانيّة شبيهة بالمزاج، كأنّها تحصل من الفعل و الانفعال بين طرفي هذه القوي، و انكسار سورة كلّ واحدة منها، و بعد
المكاسب، ج‌4، ص 330
حصولها يلزمها التقوي و المروّة. و أمّا اشتراط تحقّق هذا [المبني بهذا] «1» المعني، حيث اعتبر الشارع العدالة، فلم أطّلع علي دليل ظنّي لهم، فضلا عن القطعيّ، و صحيحة ابن أبي يعفور «2» عليهم لا لهم- كما قيل- ، نعم: لا يحصل لنا الاطمئنان التامّ في اجتناب الذنب في الواقع إلّا فيمن يعلم أو يظنّ حصول تلك الملكة فيه، و هذا يقرّب اعتبارها، و لكن يبعّده أنّ هذه الصفة الحميدة تكون في الأوحديّ الّذي لا يسمح «3» الدهر بمثله إلّا نادرا، لأنّ التعديل المذكور يحتاج إلي مجاهدات شاقّة مع تأييد ربّاني، و الاحتياج إلي العدالة عامّ لازم في كلّ طائفة من كلّ فرقة من سكّان البرّ و البحر حفظا لنظام الشرع.
ثمّ قال: لا يقال إنّ الشارع و إن اعتبر الملكة، و لكنّه جعل حسن الظاهر مع عدم عثور الحاكم أو المأموم علي فعل الكبيرة و الإصرار علي الصغيرة علامة لها، و هذا يحصل في أكثر الناس. لأنّا نقول: إن اعتبر القائل بالملكة فيما يعرف به العدالة هذا الّذي قلت، فلا ثمرة للنزاع في أنّ العدالة ما ذا؟ (انتهي موضوع الحاجة) «4». و الجواب عن ذلك كلّه: أنّا لا نعني بقولنا: «العدالة هيئة راسخة» أو «ملكة» أو «هيئة نفسانيّة» إلّا الصفة النفسانية الحاصلة من خشية اللَّه بحيث يردعه عن المعصية. توضيح ذلك: أنّ ترك المعاصي قد يكون لعدم الابتلاء بها، و قد يكون مع الابتلاء بالمعصية للدواعي النفسانيّة لا لخوف اللَّه، و قد يكون لحالة خوف حاصلة فيه علي سبيل الاتّفاق تمنعه عن الإقدام علي المعصية، حتّي أنّه إذا ترك في زمان طويل معاصي كثيرة ابتلي بها، كان الترك في كلّ مرّة مستندا إلي حالة اتّفقت له في ذلك الزمان، و قد يكون ترك المعاصي لحالة واحدة مستمرّة في الزمان الّذي يبتلي فيه بالمعاصي. و هذا الرابع هو المقصود من «الصفة النفسانيّة» أو «الصفة الراسخة» في مقابل «الغير الراسخة»- الموجودة في الثالث. قال العلّامة في نهاية الأصول «5»- علي ما حكي عنه- في بيان طرق معرفة العدالة: الأوّل: الاختبار بالصحبة المتأكّدة و الملازمة، بحيث يظهر له أحواله و يطّلع علي سريرة أمره بتكرار المعاشرة، حتّي يظهر له من القرائن ما يستدلّ به علي خوف في قلبه مانع عن الكذب و الإقدام علي المعصية (انتهي). ثمّ إنّ العبرة بكون تلك الحالة باعثة هو الحال المتعارف للإنسان، دون حالة كماله، فقد تعرض للشخص حالة كأنّه لا يملك من نفسه مخالفة الشهوة أو الغضب، لقوّة قهر القوّة الشهويّة أو الغضبيّة و غلبتهما، و عليه يحمل ما حكي عن المقدّس الأردبيلي «6»: من أنّه سئل عن نفسه إذا ابتليت بامرأة مع استجماع جميع ماله دخل في رغبة النفس إلي الزنا؟ فلم يجب قدّس سرّه بعدم الفعل، بل قال: «أسأل اللَّه أن لا يبتليني بذلك» فإنّ عدم الوثوق بالنفس في مثل هذه الفروض الخارجة عن المتعارف لا يوجب عدم الملكة فيه، إذ مراتب الملكة في القوّة و الضعف متفاوتة، يتلو آخرها: العصمة، و المعتبر في العدالة أدني المراتب، و هي الحالة الّتي يجد الإنسان بها مدافعة الهوي في أوّل الأمر و إن صارت مغلوبة بعد ذلك، و من هنا تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا. و كيف كان: فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس [و] ليس في الندرة علي ما ذكره الوحيد البهبهاني «7» بحيث يلزم من اشتراطه و إلغاء ما عداه، اختلال النظام. و كيف يخفي علي هؤلاء ذلك حتّي يعتبروا في العدالة شيئا، يلزم منه- بحكم الوجدان- ما هو بديهيّ البطلان؟ إذ المفروض أنّه لاخفاء في الملازمة و لا في بطلان اللازم- و هو الاختلال- بل الإنصاف أنّ الاقتصار علي ما دون هذه المرتبة يوجب تضييع حقوق اللَّه و حقوق الناس و كيف يحصل الوثوق في الإقدام علي ما أناطه الشارع بالعدالة لمن لا يظنّ فيه ملكة ترك الكذب و الخيانة، فيمضي قوله في دين الخلق و دنياهم من الأنفس و الأموال و الأعراض، و يمضي فعله علي الأيتام و الغيّب «8» و الفقراء و السادة «9». قال بعض السادة: أنّ الشريعة المنيعة الّتي منعت من إجراء الحدّ علي من أقرّ علي نفسه بالزنا مرّة بل ثلاثا كيف يحكم بقتل النفوس و اهراقهم «10» و قطع أياديهم و حبسهم و أخذ أموالهم، و أرواحهم بمجرّد شهادة من يجهل حاله من دون اختبار.
و أمّا ما ذكره السيّد الصدر «11»:- من كون الملكة عبارة عن تعديل القوي الثلاث: قوّة الإدراك، و قوّة الغضب، و قوّة الشهوة، و أنّ العدالة تتوقّف علي الحكمة و العفّة و الشجاعة- فلا أظنّ أنّ الفقهاء يلتزمون ذلك في العدالة، كيف، و ظاهر تعريفهم لها بالحالة النفسانية ينطبق علي الحالة الّتي ذكرناها و هي الموجودة في كثير من الناس. و دعوي: أنّ إدخالهم المروّة في مدخول «12» الملكة و جعلهم العدالة هي الملكة الجامعة بين البعث علي التقوي و البعث علي المروّة ظاهر في اعتبار أزيد من الحالة النفسانيّة المذكورة الّتي ذكرنا أنّها تنشأ من خشية اللَّه تعالي، فإنّ هذه الحالة لا تبعث إلّا علي مجانبة الكبائر و الإصرار علي الصغائر، و لا تبعث علي مراعاة المروّة مدفوعة: أوّلا: بما عرفت «13» من أنّ الأقوي خروج المروّة عن مفهوم العدالة. و ثانيا: أنّ اعتبار الملكة الجامعة بين البعث علي التقوي و المروّة غير ما ذكره السيّد أيضا، لأنّ المراد منها: الاستحياء و التعفّف فيما بينه و بين اللَّه و بين الناس، و هذا أيضا كثير الوجود في الناس، بل الاستحياء عن الخلق موجود في أكثر الخلق، فكما أنّ علماء الأخلاق عبّروا عن تعديل القوي الثلاث بالعدالة فكذلك الفقهاء عبّروا عن الاستحياء عن الخالق و المخلوق بالعدالة، لأنّها استقامة علي جادّتي الشرع و العرف، و خلافه خروج عن إحدي الجادّتين. هذا مع أنّ جعل حسن الظاهر، بل مطلق الظنّ طريقا إلي هذه الصفة، أوجب تسهيل الأمر في الغاية حتّي كاد لا يري ثمرة لجعل العدالة هي الملكة، كما تقدّم من السيّد الصدر «14»، فكيف يتفاوت الأمر في اختلال النظام و استقامته بين جعلها «حسن الظاهر» و بين جعلها «الملكة» و جعل حسن الظاهر طريقا إليها؟.

و منها

«15»: أنّ الحكم بزوال العدالة عند عروض ما ينافيها من معصية أو خلاف مروّة و رجوعها بمجرّد التوبة، ينافي كون العدالة هي الملكة. و ما يقال في الجواب: من أنّ الملكة لا تزول بمخالفة مقتضاها في بعض الأحيان، إلّا أنّ الشارع جعل الأثر المخالف لمقتضاها مزيلا لحكمها بالإجماع، و جعل التوبة رافعة لهذا المزيل، فالأمر تعبّدي. ففيه: أنّه مخالف لتصريحهم بالزوال و العود.
المكاسب، ج‌4، ص 331
و الجواب: ما تقدّم من أنّ العدالة ليست عندهم هي الملكة المقتضية للتقوي و المروّة، المجامعة لما يمنع عن مقتضاها، لأنّ قولهم: «ملكة تبعث» أو «تمنع» يراد بها البعث و المنع الفعلي. و يدلّ عليه ما مرّ عن نكت الإرشاد «1» علي أظهر احتماليه، فالملكة إذا لم يكن معها المنع الفعلي ليست عدالة. و لو أبيت إلّا عن ظهور عبائرهم في كون العدالة هي الملكة المقتضية لا بقيد الخلوّ عن المعارض و المانع، فيكفي في إرادة الملكة المقتضية الخالية عن المانع تصريح نفس أرباب الملكة- كغيرهم- بأنّ نفس العدالة تزول بمواقعة الكبائر، و لذا ذكرنا أنّه لا قائل بكون العدالة مجرّد الملكة من غير اعتبار للمنع الفعلي. و أمّا التوبة فهي إنّما ترفع حكم المعصية و تجعلها كغير الواقع في الحكم، فزوال العدالة بالكبيرة حقيقي، و عودها بالتوبة تعبّدي، بل سيجي‌ء «2» أنّ الندم علي المعصية عقيب صدورها، يعيد الحالة السابقة و هي الملكة المتّصفة بالمنع، إذ لا فرق حقيقة بين من تمنعه ملكته عن ارتكاب المعصية و بين من توجب عليه تلك الملكة الندم علي ما مضي منه، فحالة الندم بعينها هي الحالة المانعة فعلا، لأنّ الشخص حين الندم علي المعصية، من حيث إنّها معصية- كما هو معني التوبة- يمتنع صدور المعصية منه، فالشخص النادم متّصف بالملكة المانعة فعلا، بخلاف من لم يندم، فتأمّل.

و منها:

أنّ ما اشتهر بينهم أنّ تقديم الجارح علي المعدّل- عند التعارض- لا يتأتّي إلّا علي القول بأنّ العدالة هي «حسن الظاهر» و أمّا علي القول بأنّه «الملكة» فلا يتّجه، لأنّ المعدّل إنّما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة و الاختبار، أو بعد الجهد في تتبّع الآثار، فيبعد صدور الخطأ منه، و يرشد إلي ذلك تعليلهم تقديم الجرح بأنّا إذا أخذنا بقول الجارح فقد صدّقناه و صدّقنا المعدّل، لأنّه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح و التعديل بأنّ يكون كلّ منهما اطّلع علي ما يوجب أحدهما: و أنت خبير بأنّ المعدّل- علي القول بالملكة- إنّما يخبر عن علم بالملكة و ما هو عليه في نفس الأمر و الواقع، ففي تقديم الجرح حينئذ و تصديقهما معا جمع بين النقيضين، فتأمّل. و الجواب أنّ عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا علي ما تقدّم «3» إمّا لكونه قيدا للملكة علي ما اخترناه، و إمّا لأخذه في العدالة بدليل الإجماع و النصّ، كيف! و لو لم يكن مأخوذة لم يكن الجارح معارضا له أصلا. و كيف كان: فاعتماد المعدّل علي هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقّق العدالة ليس إلّا علي أصالة العدم، أو أصالة الصحّة، أو قيام الإجماع علي أنّ العلم بالملكة المجرّدة طريق ظاهريّ للحكم بتحقّق ذلك الأمر العدمي. و الحاصل: أنّ الإجماع منعقد- بل النصّ «4»- علي أنّه يكفي في الشهادة علي العدالة بعد العلم بالملكة أو حسن الظاهر- علي الخلاف في معناها- عدم العلم بصدور الكبيرة عنه، و لا يعتبر علمه أو ظنّه بأنّه لم يصدر عنه كبيرة إلي زمان أداء الشهادة. و علي هذا فأحد جزأي الشهادة- و هو تحقّق ذلك الأمر العدمي- ثابت بالطريق الظاهري، و هو مستند شهادته، و من المعلوم أنّ شهادة الجارح حاكمة علي هذا الطريق الظاهري، فإنّ تعارضهما إنّما هو باعتبار تحقّق هذا الأمر العدمي و عدم تحقّقه، و إلّا فلعلّ الجارح أيضا لا ينكر الملكة، بل يعترف بها في متن الشهادة. فالمقام علي ما اخترناه- من أخذ الاجتناب عن الكبيرة قيدا للملكة- نظير شهادة إحدي البيّنتين علي أنّه ملكه قد اشتراه من المدّعي، تعويلا علي أصالة صحّة الشراء، و شهادة البيّنة الأخري أنّه ملك للآخر مستندا الي فساد ذلك الشراء لوجود مانع من موانع الصحّة. و علي القول بكونه مزيلا للعدالة بالدليل الخارجي يكون نظير شهادة إحداهما بملكه لأحدهما، و شهادة الأخري بانتقاله عنه إلي الآخر. و كيف كان: فالمعدّل يقول: «إنّه ذو ملكة لم أطّلع علي صدور كبيرة منه» و الجارح يقول: «قد اطّلعت علي صدور المعصية الفلانية [منه] «5»» فشهادة المعدّل مركّبة من أمر وجوديّ و عدمي، و شهادة الجارح «6» يدلّ علي انتفاء ذلك الأمر العدمي، فالتعارض إنّما هو في الجزء الأخير، و من المعلوم كونهما من قبيل النافي و المثبت. نعم: لو اعتبرنا في التعديل الظنّ بعدم صدور الكبيرة، كان التعارض علي وجه لا يمكن الجمع، فلا بدّ إمّا من ترجيح الجارح لاستناده إلي القطع الحسّي بخلاف المعدّل فإنّه مستند إلي الظنّ الحدسيّ، و إمّا من التوقّف عن الحكم بالعدالة و الفسق و الرجوع إلي الأصل. كما أنّه لو اعتبر في التعديل العلم أو الظنّ بكون الشخص بحيث لو فرض صدور كبيرة عنه بادر إلي التوبة- البتّة- ، كان المناسب تقديم المعدّل لأنّ غاية الجرح صدور المعصية لكن المعدّل يظنّ أو يعلم بصدور التوبة عقيب المعصية علي فرض صدورها، فكأنّ الجارح مستند في تفسيقه إلي صدور الكبيرة و عدم العلم بالمزيل و هي التوبة، و المعدّل و إن لم يشهد بعدم صدور المعصية إلّا أنّه يشهد بالتوبة علي فرض صدور المعصية.

و منها:

ما ذكره في مفتاح الكرامة: من إطباق الأصحاب- إلّا السيّد و الإسكافي- علي صحّة صلاة من صلّي خلف من تبيّن كفره أو فسقه «7»، و به نطقت الأخبار «8». أقول: لم أفهم وجه منافاة هذا الحكم لكون العدالة هي «الملكة» دون «حسن الظاهر». و لم لا يجوز أن يكون العدالة كالإسلام أمرا واقعيّا يستدلّ عليه بالآثار الظاهرة و يعتمد فيه عليها، فإذا تبيّن الخطأ بعد ترتيب الأثر يحكم الشارع بمضيّ تلك الآثار و عدم انتقاضها؟. فإن قلت: مقتضي ظهور الأدلّة في كون العدالة شرطا واقعيّا بانضمام ما دلّ علي صحّة الصلاة مع ثبوت الفسق، أن يكون العدالة أمرا ظاهريّا غير قابل لانكشاف الخلاف لا الملكة الواقعيّة، و إلّا وجب إمّا صرف أدلّة اشتراط تحقّقها في الواقع عن ظاهرها و جعلها من الشروط العلمية، و إمّا إبقاؤها علي ظاهرها من كونها شرطا واقعيا، و صرف أدلّة كون العدالة الواقعية شرطا في صحّة الصلاة الخالية عن الفاتحة و غيرها- من خواصّ المنفرد- إلي كونها شرطا علميّا، و كلاهما مخالفان للأصل. قلت: أوّلا: إنّه قد تقدّم «9» أنّه لا يمكن أن يكون العدالة أمرا ظاهريّا- مثل حسن الظاهر و نحوه- مع كون الفسق أمرا واقعيّا، و إلّا خرجا عن التضادّ، لاجتماعهما حينئذ في من حسن ظاهره و فرض فاسقا في الواقع، مع أنّ تضادّهما من بديهيّات العرف، فإنّهم لا يحكمون بحدوث الفسق من حين الاطّلاع علي قبح الإمام، بل يقولون: «إنّه تبيّن فسقه» و لذا عبّروا في المسألة المتقدّمة بقولهم: إذا تبيّن فسق الإمام. و ثانيا: أنّه لو سلّمنا
المكاسب، ج‌4، ص 332
إمكان تعقّله من كون نفس العدالة الواقعيّة حسن الظاهر و إن فرض فسقه واقعا، لكن نقول: إنّ الحكم بالصحّة لا يدلّ علي عدم كونها هي الملكة و لو بضميمة ظهور أدلّة اشتراطها في كونها شرطا واقعيّا، لأنّ الدليل علي اشتراط العدالة إمّا الإجماع و إمّا الأخبار المتقدّمة: أمّا الإجماع: فهو إنّما حصل بانضمام فتوي القائلين بالملكة، و معلوم أنّهم يجعلونها شرطا علميّا، نعم: أرباب حسن الظاهر، يجعلونه شرطا واقعيّا. هذا كلّه مع أنّ معقد إجماع المعتبر هو اعتبار ظهور العدالة لا اعتبار نفسها، قال: «ظهور العدالة معتبر عند علمائنا» «1» و ظاهره كونه شرطا علميّا عند الكلّ، و هذا الكلام من المحقّق يدلّ أنّ العدالة عنده أمر واقعيّ، قد يظهر و قد لا يظهر، و لا ينطبق إلّا علي «الملكة» و حينئذ فيصير عنده و عند غيره شرطا واقعيّا. و أمّا الأخبار: فما دلّ منها [علي اعتبار الوثوق بالدين، فدلالته علي كون العدالة شرطا علميّا واضحة، و الدالّ منها] «2»
علي اعتبار مفهوم العدالة ظاهر في صورة العلم، إذ ليس فيها إلّا أنّه إذا كان الإمام عادلا فافعل «3» كذا، فلا حظ و تأمّل. [مع أنّ صحة صلاة المأموم ليست اجماعيّة، فقد خالف السيّد المرتضي في المسألة بناء علي أنّ العدالة شرط واقعيّ تبيّن انتفاؤها «4» و احتجّ القائل بالصحّة، بأنّها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم، فهي مجزية] «5». ثمّ إنّك قد عرفت غير مرّة أنّ القول بأنّ العدالة «نفس ظهور الإسلام و عدم ظهور الفسق» مع كونه غير معقول- كما عرفت- ، غير مصرّح في كلام أحد، بل و لا ظاهر و لا مومئ إليه. نعم، يظهر من المحكي عن بعض كلمات جماعة: الاكتفاء في ثبوتها بالإسلام، و عدم ظهور الفسق.

و كذلك كون العدالة «نفس حسن الظاهر» غير معقول،

لما عرفت من بداهة مضادّتها مع الفسق المجامع لحسن الظاهر، و الشي‌ء يمتنع أن يفسّر بما يجامع ضدّه، و مع ذلك فهو غير مصرّح به في كلام أحد من المتقدّمين و ان دارت حكايته عنهم في ألسنة بعض المتأخّرين «6». و حيث إنّه حكي هذا القول عن خصوص بعض القدماء بأسمائهم، فلا بأس أن نشير إلي عدم مطابقة هذه الحكاية للواقع بالنسبة إلي من وصل إلينا كلماتهم. فممّن حكي عنه هذا القول: المفيد- في المقنعة- ، حيث ذكر أنّ العدل «من كان معروفا بالدين و الورع عن محارم اللَّه» «7». و لا يخفي أنّ ظاهر هذا الكلام و إن كان تفسير العدل الواقعي بمن عرف بالدين و الورع، لا من اتّصف بهما في نفس الأمر، لكن لا يخفي أنّ تحقّق الدين في نفس الأمر معتبر في العدالة اتّفاقا حتّي ممّن قال بأنّ العدالة هي «الإسلام مع عدم ظهور الفسق» و الكلام إنّما هو في الورع عن المحارم و أنّه معتبر في الواقع أو في الظاهر، أي: فيما يظهر للناس في أحواله، فلا بدّ من أن يراد من العبارة: تفسير العدل المعلوم عدالته، لأنّه الّذي يترتّب عليه الأحكام، دون العدل النفس الأمري مع قطع النظر عن كونه معلوما، فكأنّه قال: «العدل المعروف عدالته من كان معروفا بالدين و الورع» فالعدل الواقعي من له دين و ورع في الواقع، و العدل المعروف بهذه الصفة من كان معروفا بالدين و الورع. نعم: لو التزم أحد أنّ الإسلام الواقعيّ أيضا غير معتبر في العدالة الواقعيّة، كان العدالة عنده: حسن الظاهر من حيث الدين و الورع، لكنّ الظاهر من حكاية هذا القول هو إلغاء الواقع و نفس الأمر بالنسبة إلي الورع لا الدين. و ممّن حكي عنه هذا القول الشيخ في النّهاية «8»، حيث ذكر «أنّ العدل الّذي يقبل شهادته: من كان ظاهره ظاهر الإيمان، ثمّ يعرف بالستر و العفاف». فظاهره إرادة معلوم العدالة، كما لا يخفي. و ممّا ذكر يعلم حال حكاية هذا القول عن القاضي «9» حيث اعتبر في العدالة «الستر و العفاف» و حال حكايته عن التقيّ «10» حيث اعتبر فيها «اجتناب القبائح» الّذي هو أمر واقعيّ، و حال عبارة الجامع «11» حيث اعتبر فيها «التعفّف و اجتناب القبائح» و لا يحضرني كلام غيرهم. و بالجملة: فالقول المذكور بظاهره غير ظاهر من كلام أحد من القدماء، و سيأتي غاية ما يمكن أن يوجّه به هذا القول «12».
هذا كلّه، مضافا إلي أنّ مجرّد وجود القائل لا يثبت القول، بل لا بدّ له من الدليل، و لم نجد في الأدلّة ما يدلّ علي كون العدالة الّتي هي ضدّ الفسق «مجرّد حسن الظاهر» و إن استدلّ له بعض متأخّري المتأخّرين «13» بأخبار، هي بين ظاهر في اشتراط قبول الشهادة بالصّفة الواقعيّة الّتي لا دخل لظهورها في تحقّقها و إن كان لظهورها دخل في ترتيب أحكامها- كما هو شأن كلّ صفة باطنيّة واقعيّة من الشجاعة و الكرم، بل العصمة و النبوّة و نحوهما- مثل قوله عليه السلام: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا» «14». و: «لا بأس بشهادة المكاري و الجمّال و الملّاح إذا كانوا صلحاء» «15». و ما ورد في تفسير العسكري عليه السلام «16» من أنّه: «إذا كان الرجل «17» صالحا عفيفا، مميّزا، محصّلا، مجانبا للمعصية و الهوي، و الميل و المخائل «18»، فذلك «19» الرجل الفاضل». و صحيحة ابن أبي يعفور الّتي قد عرفت دلالتها «20». و بين ظاهر في أنّ حسن الظاهر يوجب الحكم علي الشخص بالعدالة و قبول الشهادة، فهو طريق إليها لأنفسها، مثل قوله عليه السلام: «من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن حرمت غيبته و كملت مروّته و ظهرت عدالته و وجبت أخوّته» «21». و قوله: «من صلّي الخمس في الجماعة، فظنّوا به كلّ خير» «22». و ما ورد في قبول شهادة القابلة في استهلال الصبيّ- إذا سئل عنها فعدّلت «23». و ما ورد: «أنّ الشاهد إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «24». و في قبول شهادة المسلم «إذا كان يعرف منه خير» «25». و أنّه «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» «26». و غير ذلك ممّا دلّ علي ترتّب أثر العدالة علي حسن الظاهر. و هذا شي‌ء لا ينكره أهل الملكة، فإنّهم يجعلونه طريقا، كما هو ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور- بعد تفسير العدالة بما هو ظاهر في اعتبار الصفة النفسانيّة- : «و الدلالة علي ذلك كلّه أن يكون ساترا لعيوبه» «27». و من هذه الصحيحة و نحوها- مثل قوله: «ظهرت عدالته»- يظهر اندفاع ما يقال: من أنّ ظاهر اشتراط قبول الشهادة بحسن الظاهر- كما دلّت عليه تلك الأخبار بضميمة ما دلّ علي اشتراطه بالعدالة- هو اتّحاد العدالة و حسن الظاهر، للإجماع علي عدم كونهما شرطين متغايرين، فكون حسن الظاهر طريقا إلي العدالة خلاف ظاهر الاتّحاد، كما إذا ورد أنّه «يشترط في الشاهد العدالة» و ورد أيضا «يشترط فيه حسن الظاهر» فحينئذ يجعل العدالة عبارة عن الاستقامة الظاهريّة
المكاسب، ج‌4، ص 333
عليها الإنسان في ظاهر حاله. فإن قلت: إن أراد أهل الملكة من كون حسن الظاهر طريقا، كونه طريقا يعتبر فيها إفادة الظنّ بالملكة أو عدم الظنّ بعدمها، فهو مخالف لظاهر الأخبار المتقدّمة بل صريح بعضها، مثل قوله: «إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «1» فإنّه في قوّة قوله:
«و لا يلتفت إلي باطنه» نظير قوله عليه السلام- في لحوم أسواق المسلمين- : «كلّ و لا تسأل» «2» و مثل قوله: «فظنّوا به كلّ خير» «3» حيث إنّ الأمر بالظنّ- مع أنّه غير مقدور- راجع إلي ترتيب آثار الظنّ و إن لم يحصل هو. و قوله عليه السلام: «ظهرت عدالته» «4» الظاهر في وجوب التعبّد بعدالة ذلك الشخص. و قوله عليه السلام: «من لم تره بعينك يرتكب معصية [و لم يشهد عليه شاهدان] «5» فهو من أهل العدالة و الستر» «6» و غير ذلك. و إن أرادوا أنّه طريق تعبّدي بمعني أنّه يحكم بجميع أحكام العدالة عند الاطّلاع علي حسن الظاهر، فيكون حسن الظاهر عدلا شرعا- كما أنّ مستصحب العدالة عدل شرعا- انتفت الثمرة بين القولين، بل التحقيق أنّه لا تغاير بينهما، بناء علي أن يراد من جعل العدالة «حسن الظاهر» كون حسن الظاهر عدالة شرعا، كما أنّ الحالة المسبوقة بالعدالة المشكوك في زوالها عدالة شرعا، فقولهم: «العدل من كان معروفا بكذا» نظير قولهم: «المسلم من أظهر الشهادتين» فالمراد بالعدالة المفسّرة عندهم بحسن الظاهر هي العدالة الظاهريّة، لأنّها هي الّتي يترتّب عليها الآثار دون الواقعيّة مع قطع النظر عن تعلّق العلم بها، لأنّها لا تفيد شيئا، بل يعامل معها معاملة عدمها. و الحاصل: أنّ أرباب القول بحسن الظاهر لا ينكرون كون العدالة هي الاستقامة الواقعيّة المسبّبة عن الملكة، أو مجرّد الاستقامة علي طريق الحقّ من فعل الواجبات و ترك المحرّمات و لو من دون الملكة- علي الاختلاف المتقدّم، المستفاد من كلمات الأصحاب- إلّا أنّهم جعلوا استقامة الظاهر طريقا تعبّديا إلي ذلك المعني الواقعيّ بحيث كأنّها صارت موضوعا مستقلّا لا يلاحظ فيها الطريقيّة، و لا يلتفت إلي ذي الطريق، فيستحق إطلاق اسم ذي الطريق عليه، كما يظهر «7» [من ملاحظة إطلاق] «8» أسامي جميع الموضوعات الواقعيّة- كالملكية و الزوجيّة و الطهارة و النجاسة و القبلة و الوقت و غيرها- علي مؤدّيات الطرق الظاهريّة، كالاستصحاب و أصالة الصحّة. قلت، أوّلا: إنّه سيجي‌ء «9» في بيان طرق العدالة أنّه يعتبر في حسن الظاهر إفادته الظنّ بالملكة، و أنّ ما ذكر من الأخبار لا ينهض علي إثبات كونه من الطرق التعبّديّة الّتي لا يلاحظ فيها الظنّ بذي الطريق. و ثانيا: لو «10» سلّمنا كونه طريقا تعبّديّا كذلك، لكن هذا لا يوجب تفسير «العدالة» بحسن الظاهر- كما هو ظاهر هذا القول- لأنّ مقتضي هذا التفسير عدم ملاحظة الملكة رأسا حتّي مع العلم بعدمها، فضلا عن صورة الظنّ به، و أين هذا من الطريقية؟. و بالجملة: فهذا القائل إن أراد أنّ «حسن الظاهر» هي العدالة الواقعيّة و لا واقع لها غيره، فهو غير معقول، لما عرفت «11»
من اجتماعه مع الفسق الواقعيّ الّذي هو ضدّ العدالة. و إن أراد أنّ «حسن الظاهر» مع عدم الفسق الواقعيّ هي العدالة، و إن انتفت الملكة في الواقع، فهو و إن كان معقولا، إلّا أنّه خلاف ظاهر ما دلّ علي كون العدالة صفة نفسانيّة باطنيّة. و إن أراد أنّه طريق إليها، فإنّ أراد كونه طريقا تعبّديّا و لو مع الظنّ بعدم الملكة، فلا يساعد عليه ما ادّعي من الإطلاقات، فلا يتعدّي لأجلها عن مقتضي الأصل. و إن أراد أنّه طريق إليها مع إفادة الظنّ، فمرحبا بالوفاق. و إن تعدّي عن ذلك إلي صورة الشكّ، فللتأمّل فيه مجال، و الأقوي العدم. ثمّ إنّه يشكل جعل «حسن الظاهر» ضابطا للعدالة مع عدم إناطته بإفادة الظنّ بالملكة، من جهة أنّ مراتب الظهور مختلفة، لأنّ الظاهر و الباطن إضافيّان، فالظاهر لأهل البلد باطن بالنسبة إلي غيرهم، و الظاهر لأهل المحلّة باطن بالنسبة إلي باقي أهل البلد، و الظاهر للجيران باطن لباقي أهل المحلّة، و الظاهر لأهل البيت باطن للجيران، و الظاهر لزوجة الشخص باطن لغيرها، و قد يكون السلسلة بالعكس، فلا يظهر لزوجته ما يظهر لغيرها، و لا يظهر لأهل بلده ما يظهر لغيرهم. و الجواب عنها- بعد تسليم دلالتها و عدم ورودها مورد الغالب من حسن الظنّ «12» بالملكة- معارضتها بما هو أخصّ منها ممّا دلّ علي اعتبار الوثاقة بالأمانة و الورع في الإمام و الشاهد، مثل قول الإمام عليه السلام- المحكيّ عنه في الفقه الرضوي- : «لا تصلّ إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه و ورعه و الآخر من تتّقي سيفه و سوطه» «13»، و رواية أبي عليّ ابن راشد: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و أمانته» «14» و قوله عليه السلام في تفسير «15» قوله تعالي مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ «16» «17». فإن قلت: ما دلّ علي كون «حسن الظاهر» طريقا تعبّديا إلي العدالة حاكم علي أمثال هذه، نظير أدلّة كون البيّنة طريقا تعبّديّا إليها، مع أنّهم لا يقولون بتقييد أدلّة البيّنة بصورة إفادة الوثوق بالواقع. قلت: التحقيق في ذلك: أنّ ما دلّ من أخبار «حسن الظاهر» علي كونه مجوّزا لقبول الشهادة- كرواية يونس «18»- فهو معارض بأدلّة اعتبار الوثوق، و ليس من قبيل الحاكم عليها. و ما دلّ علي أنّ العدالة تتحقّق به ظاهرا: ذيل صحيحة ابن أبي يعفور «19»
و رواية علقمة «20» و قوله عليه السلام: «من عامل الناس.. الخبر» «21» و قوله عليه السلام: «من صلّي الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير» «22». فهو و إن كان حاكما عليها. لكن يرد علي الكلّ- بعد الإغماض عمّا تقدّم في سندها و دلالتها- : أنّ هذه كلّها منصرفة إلي الغالب، و هي صورة إفادة الوثوق بالدين و الأمانة و الورع. مع أنّ هنا كلاما آخر، و هو أنّه يمكن أن يقال: إنّ ظاهر أدلّة اعتبار الوثوق و الورع اعتباره من باب الموضوعيّة لا من باب الطريقيّة و الكاشفيّة، فإذا كان كذلك فلا ينفع الطريق الغير المفيد للوثوق، و يخصّص به عموم كلّ ما دلّ علي اعتبار طريق إلي العدالة و لو كانت بيّنة شرعيّة، فلا يعمل بها إلّا مع اعتبار الوثوق. لكن الإنصاف أنّ الوثوق إنّما اعتبر في المقام من باب الطريقيّة، نظير اعتبار العلم في كثير من الموضوعات.

[طرق إثبات كون المعصية كبيرة]

اشارة

ثمّ كون المعصية كبيرة يثبت بأمور:

الأوّل: النصّ المعتبر علي أنّها كبيرة

، كما ورد في بعض المعاصي، و قد عدّ منها- في الحسن كالصحيح المرويّ عن الرضا عليه السلام- من نيّف «23» و ثلاثين، فإنّه كتب إلي المأمون: «من محض الإيمان: اجتناب الكبائر، و هي:
قتل النفس الّتي حرّم اللَّه، و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير،
المكاسب، ج‌4، ص 334
و ما أهلّ لغير اللَّه به من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، و الميسر و هو القمار «1» و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، و اللواط، و شهادة الزور، و اليأس من روح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و القنوط من رحمة اللَّه، و معونة الظالمين و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسرة، و الكذب، و الكبر، و الإسراف و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحجّ، و المحاربة لأولياء اللَّه، و الاشتغال بالملاهي، و الإصرار علي الذنوب» «2».

الثاني: النصّ المعتبر علي أنّها ممّا أوجب اللَّه عليها النار

- سواء أوعد في الكتاب، أو أخبر النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم أو الإمام عليه السلام بأنّه ممّا يوجب النّار- لدلالة الصحاح المرويّة في الكافي «3» و غيرها علي أنّها: ما أوجب اللَّه عليه النار و لا ينافيه ما دلّ علي أنّها ممّا «4» أوعد اللَّه عليه النار «5» بناء علي أنّ إيعاد اللَّه إنّما هو في كلامه المجيد، فهو مقيّد لإطلاق ما أوجب اللَّه.

الثالث: النصّ في الكتاب الكريم علي ثبوت العقاب عليه بالخصوص

، لا من حيث عموم المعصية، ليشمله قوله تعالي وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ «6». و نحو ذلك ما إذا كشف السنّة عن إيعاد اللَّه تعالي، مثل قوله عليه السلام: «من قال في مؤمن ما رأت عيناه أو سمعت أذناه، فهو من الذين قال اللَّه تعالي: الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ.. إلخ «7» «8». و الدليل علي ثبوت الكبيرة بما ذكر في هذا الوجه صحيحة عبد العظيم ابن عبد اللَّه الحسني المرويّة في الكافي- عن أبي جعفر الثاني، عن أبيه، عن جدّه عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللَّه عليه السلام فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ «9» ثمّ أمسك، فقال له أبو عبد اللَّه عليه السلام: ما أمسك؟ قال: أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللَّه عزّ و جلّ فقال عليه السلام: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر:
الإشراك باللّه، يقول اللَّه: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «10» و بعده اليأس من روح اللَّه، لأنّ اللَّه تعالي يقول لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ «11»
ثمّ الأمن من مكر اللَّه، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ «12» و منها عقوق الوالدين، لأنَّ اللَّه تعالي جعل العاقّ جبّارا شقيّا في قوله تعالي وَ بَرًّا بِوالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا «13» و قتل النفس الّتي حرّم اللَّه إلّا بالحقّ، لأنّ اللَّه تعالي يقول فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها. «14» (الآية) و قذف المحصنة، لأنّ اللَّه تعالي يقول لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «15» و أكل مال اليتيم، لأنّ اللَّه تعالي يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامي ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «16» و الفرار من الزحف، لأنّ اللَّه تعالي يقول وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلي فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «17»، و أكل الربا، لأنّ اللَّه تعالي يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «18» و السحر، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ «19» و الزنا لأنّ اللَّه تعالي يقول وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً «20» و اليمين الغموس الفاجرة، لأنّ اللَّه تعالي يقول الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «21»
و الغلول، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «22» و منع الزكاة المفروضة، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول فَتُكْوي بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ «23» و شهادة الزور و كتمان الشهادة، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «24» و شرب الخمر، لأنَّ اللَّه عزّ و جلّ نهي عنه كما نهي عن عبادة الأوثان، و ترك الصلاة متعمّدا و شيئا ممّا فرضه اللَّه، لأنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم قال: «من ترك الصلاة متعمّدا فَقَد بري‌ء من ذمّة اللَّه و ذمّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم» و نقض العهد و قطيعة الرحم، لأنَّ اللَّه تعالي يقول أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ «25». قال: فخرج عمرو و له صراخ من بكائه، و هو يقول: هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم «26».

الرابع: دلالة العقل و النقل علي أشدّيّة معصيته ممّا ثبت كونها من الكبيرة أو مساواتها

، كما في قوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «27»، و في الكذب: «شرّ من الشراب» «28»
و كما ورد أنّ: «الغيبة أشدّ من الزنا» «29» و مثل حبس المحصنة للزنا، فإنّه أشدّ من القذف بحكم العقل، و مثل إعلام الكفّار بما يوجب غلبتهم علي المسلمين، فإنّه أشدّ من الفرار من الزحف.

الخامس: أن يرد النصّ بعدم قبول شهادة عليه

، كما ورد النهي عن الصلاة خلف العاقّ لوالديه «30».
ثمّ لا إشكال في أنّ الإصرار علي الصغيرة من الكبائر، و يدلّ عليه- قبل الإجماع المحكيّ عن التحرير «31» و غيره- «32» النصوص الواردة: منها: أنّه «لا صغيرة مع الإصرار و لا كبيرة مع الاستغفار» «33» فإنّ النفي في الصغيرة راجع إلي خصوص وصف الصغريّة و إن كان في الكبيرة راجعا إلي نفي ذاتها حكماً. و منها: ما عن البحار عن تحف العقول عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «أنّ الإصرار علي الذنب أمن من مكر اللَّه، و لا يأمن مكر اللَّه إلّا القوم الخاسرون» «34» «35» بضميمة ما ورد من أنّ الأمن من مكر اللَّه من الكبائر» «36». و منها: ما رواه في العيون «37» بسنده الحسن- كالصحيح- إلي الفضل بن شاذان، حيث عدّ الكبائر، و عدّ منها: الإصرار علي صغار الذنوب. [و في رواية الأعمش- المحكيّة عن الخصال- عدّ منها: الإصرار علي صغائر الذنوب «38»] «39» إنّما الإشكال في معني «الإصرار» و الظاهر بقاؤه علي معناه اللغويّ العرفيّ، أعني الإقامة و المداومة عليه و ملازمته، و لا إشكال في أنّ العاصي إذا تاب عن معصيته السابقة ثمّ أوقع معصية أخري لم يصدق عليه «الإصرار» و لو فعل ذلك مرارا، و إليه ينظر قوله عليه السلام: «ما أصرّ من استغفر» «40» و كذا فحوي: «لا كبيرة مع الاستغفار» «41» فيشترط في صدق «الإصرار» عدم التوبة عن المعصية السابقة. ثمّ إنّه إمّا أن يعزم علي غيره مع فعله أولا معه، و إمّا أن لا يعزم عليه، و علي الثاني إمّا أن يفعل الغير، و إمّا أن لا يفعله و حكم الجميع أنّه إن كان عازما علي العود، فالظاهر صدق «الإصرار» عرفا و إن لم يعد إليها. و يؤيّده مفهوم قوله: «ما أصرّ من استغفر» «42» و قوله عليه السلام في تفسير قوله تعالي وَ لَمْ يُصِرُّوا «43»: «الإصرار أن يحدث الذنب فلا يستغفر اللَّه» «44». و قد عدّ عليه السلام في حديث جنود العقل و الجهل منها: «التوبة»، و جعل ضدّها: «الإصرار» «45»
بناء علي أنّ ظاهر السياق كونهما ممّا لا ثالث [لهما]، فتأمّل. و في حسنة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: «قال: لا يخلّد اللَّه في النار إلّا أهل الكفر و الجحود و الضلال و الشرك، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال اللَّه تعالي إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «46» قلت: يا ابن
المكاسب، ج‌4، ص 335
رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم فالشفاعة لمن تجب من المؤمنين؟ قال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر، و أمّا المحسنون فما عليهم من سبيل. قال ابن أبي عمير: قلت يا ابن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم فكيف يكون «1» الشفاعة لأهل الكبائر و اللَّه تعالي يقول وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضي «2». و من ارتكب الكبائر فليس بمرتضي؟! قال: يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلّا ساءه ذلك و ندم عليه، و قد قال النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «كفي بالندم توبة» و قال عليه السلام: «من سرّت حسنة و ساءته سيّئة «3» فهو مؤمن» فمن لم يندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن، فلم يجب له الشفاعة و كان ظالما، و اللَّه تعالي يقول ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ «4». قلت: فكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم علي ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنّه سيعاقب عليها، إلّا أنّه ندم علي ما ارتكب، و متي ندم كان تائبا مستحقّا للشفاعة، و من لم يندم عليها كان مصرّا، و المصرّ لا يغفر له، لأنّه غير مؤمن لعقوبة ما ارتكب، و لو كان مؤمنا بالعقوبة لندم، و قد قال النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «لا كبيرة مع الاستغفار، و لا صغيرة مع الإصرار» و أمّا قوله: «و لا يَشْفَعوُنَ إلّا لمن ارتضي» [فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضي] «5» اللَّه دينه، و الدين: الإقرار بالحسنات و السيّئات، فمن ارتضي دينه ندم علي ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة.. الخبر» «6». و مورده و إن كان في الكبائر، إلّا أنّ ظاهره أنّه لا فرق بينها و بين غيرها في تحقّق «الإصرار» بعدم الندم. ثمّ إنّ عدم الندم و إن جامع عدم العزم علي المعصية- كما لو تردّد فيها أو لم يلتفت إليها- إلّا أنّ هذه الصورة خارجة عمّا ذكر سابقا من قوله: «من اجتنب الكبائر لم يسأل عن الصغائر» يعني إذا لم يكفّرها بتوبة أو عمل صالح آخر غير اجتناب الكبائر. ثمّ الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكر بين أن يكون العزم علي العود حال ارتكاب المعصية الأولي، أو بعدها قبل التوبة. و إن كان عازما علي غيره، فإن كان العزم علي الغير من زمان ارتكاب الأولي، فالظاهر أيضا صدق «الإصرار» و إن كان بعده قبل التوبة، فمقتضي الأخبار المتقدّمة صدقه لكن العرف يأباه.
و إن لم يكن عازما علي الغير، فإن لم يحصل العود فلا إشكال، و إن حصل العود، فإن لم يبلغ حدّ الإكثار فلا إشكال في العدم، و إن حصل الإكثار علي وجه يصدق الإصرار عرفا فلا إشكال أيضا. فالحاصل: أنّ الإصرار يصدق بالعزم علي العود إلي مطلق المعصية إذا كان العزم مستمرّا من زمان الفعل السابق. و إذا حدث بعد الفعل اعتبر اتّحاد المعصية. و قد لا يصدق إلّا بالفعل، و هو ما إذا تحقّق الإكثار علي وجه يوجب الصدق عرفا، و ما يدلّ «7» علي عدم العدالة مع عموم قوله: «عن الرجل تقارف «8» الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلّي خلفه أم لا؟ قال: لا» «9» و نحوه. و أمّا العزم المجرّد، فالظاهر عدم تحقّق «الإصرار» بمجرّده و إن أصرّ عليه، لأنّ هذا إصرار علي العزم لا علي المعصية، إلّا إذا قلنا إنّ العزم علي المعصية معصية، و للكلام فيه محلّ آخر. ثمّ أنّه قد يشكل الأمر بناء علي القول بوجوب التوبة مطلقا، من جهة أنّ المعصية لا تنفكّ عن الإصرار، لأنّه إذا ترك التوبة عن الصغيرة فقد أخلّ بواجب آخر و هي التوبة، و حيث إنّها فوريّة ففي أدني زمان «10» يتحقّق الإصرار- كما لا يخفي- ، فيكون الثمرة بين القول بثبوت الصغائر و القول بكون المعاصي كلّها كبائر منتفية أو في غاية القلّة، مثل ما إذا فعل صغيرة فنسيها أن يتوب عنها، و نحو ذلك. و قد أجاب بعض السادة المعاصرين بمنع وجوب التوبة عن المعاصي مطلقا، بل هو مختصّ بالكبائر، و أمّا الصغائر فمكفّرة «11» باجتناب الكبائر و بالأعمال الصالحة.
و هو لا يخلو عن نظر، لعموم أدلّة وجوب التوبة، كما سيجي‌ء «12» و أدلّة تكفير الأعمال الصالحة لو صلحت، دالّة علي عدم وجوب التوبة، و «13» لم يفرّق بين الصغائر و الكبائر، لعموم كثير من أدلّة التكفير بل صراحة بعضها في الكبائر، كما لا يخفي، مع أنّ تكفيرها بالأعمال الصالحة لا ينافي وجوب التوبة عنها. و به يظهر الجواب عن دعوي تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، غاية الأمر تسليم سقوط وجوب التوبة إذا اجتنب الكبائر قربة إلي اللَّه تعالي بعد ارتكاب الصغائر أو عمل بعض الطاعات المكفّرة، لكن التوبة أسبق من الكلّ، لأنّها تحقّق في زمان متّصل بالمعصية لا يمكن فيه تحقّق غيرها غالبا، و المفروض أنّ القائلين بانقسام المعاصي لم يقولوا بتحقّق الإصرار الموجب للفسق بصدور الصغيرة و إن لم يتب عنها، و لم يمتثل اجتناب الكبائر- بل تركها، لعدم التمكّن عنها- و لم يعمل طاعة مكفّرة.
و الحاصل: أنّ عدم وجوب التوبة إمّا لعدم الدليل عليه و عدم المقتضي لها- و إن بقي الذنب غير مكفّر- و إمّا لأنّ غيرها قد يقوم مقامها في التكفير. و الأوّل مردود بعموم الأدلّة، كما سيجي‌ء «14» و الثاني- مع أنّه خلاف إطلاق الشارع من عدم كون الصغيرة مفضية إلي الكبيرة و إن لم يتب عنها و لم يعمل مكفّرا آخر- لا ينافي وجوب التوبة ما لم يكفّر الذنب بمكفّر آخر غيرها. و لا يجوز أن يكون الوجوب تخييريّا بين التوبة و اجتناب الكبائر و الأعمال المكفّرة، كما لا يخفي. فالتحقيق في الجواب: دعوي كون وجوب التوبة وجوبا عقليّا محضا، بمعني كونه للإرشاد، و إن أمر بها الشارع أيضا في الكتاب و السنّة، لكن أوامرها إرشاديّة لرفع مفسدة المعصية السابقة، و لا يترتّب علي تركها عقاب آخر. و بعبارة اخري: إنّما وجبت التوبة للتخلّص عن المعصية السابقة، و وجوب التخلّص عن المعصية ليس واجبا شرعيّا يترتّب علي تركه «15» عقاب آخر غير العقاب الّذي لم يتخلّص منه، فهي من قبيل معالجة المريض الّتي أمر بها الطبيب، فلا يترتّب علي مخالفتها أمر سوي ما يقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن الأمر، فإنّا لا نعني بالأمر الإرشادي إلّا ما لا يترتّب علي مخالفته سوي ما يقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن تعلّق الأمر، و لا علي موافقته إلّا ما يقتضيه فعله كذلك و ليس من قبيل الأوامر التعبّديّة الّتي أمر بها السيّد عبده في مقام الاستعلاء و التعبّد، ليترتّب علي موافقته ثواب الإطاعة زائدا [عمّا يقتضيه نفس المأمور به مع قطع النظر عن الأمر، و علي مخالفته عقاب زائدا] «16» عمّا يقتضيه نفس ترك المأمور به كذلك، و سيجي‌ء في مقام التعرّض لحكم التوبة ما يوضح ذلك. فترك التوبة ليس من المعاصي الّتي توجب العقاب، و لا يدخل في المعاصي الشرعيّة المنقسمة إلي صغيرة و كبيرة، و إن كان قبح تركها- من حيث إنّه إقامة علي العقاب و بقاء عليه- قد يصل إلي حدّ قبح الكبيرة، و قد لا يصل إليه بحسب قبح المعصية الّتي بقي عليها.

خاتمة

في التوبة

و الكلام تارة في حقيقتها، و اخري في حكم إيجادها، و ثالثة في حكمها بعد الوجود. أمّا حقيقتها: فهي الرجوع إلي
المكاسب، ج‌4، ص 336
اللَّه بعد الإعراض عنه، أو الرجوع إلي صراط اللَّه المستقيم بعد الانحراف عنه، و هو يتوقّف علي اليقين بكون البعد عن اللَّه تعالي و الانحراف عن سبيل التوجّه إليه خسرانا لا يعدّ ما عداه خسرانا، فبعد ذلك يحدث للنفس بحسب مرتبة ذلك اليقين تألّم نفسانيّ يناسب تلك المرتبة في الشدّة و الضعف، و يعبّر عنه ب «الندم».
و هل يعتبر فيها العزم علي عدم العود؟ ظاهر الأكثر: نعم، و قيل: لا. و الأقوي: أنّه إن كان المراد بالعزم: «القصد الّذي لا يتحقّق إلّا بعد الوثوق بحصول ما عزم عليه» فاعتباره ممّا لا دليل عليه، و أنّه يستلزم امتناع التوبة ممّن لا يثق من نفسه بترك المعصية عند الابتلاء بها، كسيّ‌ء الخلق الّذي لا يثق من نفسه و لا يأمن من وقوعه مكرّرا في شتم من يتعرّض له [بما لا يوجب جواز شتمه] «1» و كالجبان الّذي لا يأمن وقوعه في الفرار عن الزحف، و نحو ذلك. فبقي إطلاق مثل قوله صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «كفي بالنّدم توبة» «2»
و قوله عليه السلام: «إن كان الندم من الذنب توبة فأنا أندم النادمين» «3» سليما عن المقيّد. و إن أريد: «تحقّق إرادته بعدم عوده إلي المعصية و إن لم يثق بحصول مراده» فهو ممّا لا ينفكّ عن الندم. و هل يعتبر فيها الاستغفار أم لا؟ التحقيق: أنّه إن أريد به: «حبّ المغفرة و شوق النفس إلي أن يغفر له اللَّه» فالظاهر أنّه لا ينفكّ عن الندم.
و إن أريد به «الدعاء للمغفرة» الّذي هو نوع من الطلب الإنشائي، ففي اعتباره وجهان: من إطلاقات الندم «4»، و من مثل قوله صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «لا كبيرة مع الاستغفار» «5» و قوله: «دواء الذنوب الاستغفار» «6» و قوله: «ما أصرّ من استغفر» «7» و نحو ذلك. ثمّ إنّ ظاهر بعض الآيات و الروايات مغايرة التوبة للاستغفار، ففي غير موضع من سورة هود «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ» «8» و عدّهما جندين من جنود العقل في الحديث المشهور في تعداد جنود العقل و الجهل المرويّ في أوّل أصول الكافي، حيث قال عليه السلام:
«التوبة و ضدّها الإصرار و الاستغفار و ضدّها الاغترار» «9» و قوله عليه السلام في المناجات الاولي من الأدعية الخمسة عشر: «إلهي إن كان الندم توبة إليك فأنا أندم النادمين و إن يكن الاستغفار حطّة للذنوب فإنّي لك من المستغفرين» «10». و يؤيّد ذلك ظاهر العطف في الاستغفار المشهور المكرّر في الأدعية و الألسنة: «أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه». و ممّا يظهر منه الاتّحاد: الجمع بين ما دلّ علي أنّ «دواء الذنوب الاستغفار» «11» و أنّ «التائب من الذنب يغفر له و أنّه كمن لا ذنب له» «12» و يؤيّده غير ذلك من الأخبار الّتي يظهر للمتتبّع. و يمكن حمل التوبة المعطوفة علي الاستغفار في الآيات و الأخبار علي الإنابة، أعني التوجّه إلي اللَّه بعد طلب العفو عمّا سلف، و هذا متأخّر من التوجّه إليه لطلب العفو الّذي هو متأخّر عن الندم الّذي هو توجّه أيضا إلي اللَّه، لكونه رجوعا من طريق البطلان و عودة إلي سلوك الطريق المستقيم الموصل إلي جناب الحقّ، فهي كلّها توجّهات و إقبالات إلي الحقّ يمكن إطلاق التوبة الّتي هي لغة «الرجوع» علي كلّ منها. و قد يطلق علي المجموع اسم «الاستغفار» كما في الخبر المشهور المرويّ في نهج البلاغة [عن مولانا سيّد الوصيّين] «13» في تفسير الاستغفار في إرشاد من قال «أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه» بقوله عليه السلام في مقام التأديب: «ثكلتك أمّك! أ تدري ما الاستغفار؟» ثمّ فسره بما يجمع أمورا ستّة: الندم علي ما مضي، و العزم علي الترك في المستقبل، و قضاء الحقوق الفوتية «14»، و تحليل القوي الحاصلة من الخوض في الشبهات «15» المحرّمة، و أذاقه النفس مرارة الطاعة كما أذاقها حلاوة المعصية» «16». و أمّا حكم إيجادها: فهو الوجوب مطلقا عن الصغائر و الكبائر، و يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالي تُوبُوا إِلَي اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسي رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ «17» و قوله جلّ ذكره وَ تُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «18». و من السنّة ما لا يحصي كثرة «19». و أمّا الإجماع: فقد ادّعاه غير واحد، كصاحب الذخيرة «20»، و شارح أصول الكافي، بل ادّعي هو إجماع الأمّة عليه «21». و أمّا العقل: فالظاهر أنّه حكم بوجوبه عقلا كلّ من قال بالحسن و القبح العقليّين، و استدلّ عليه أفضل المحقّقين في تجريده بأنّه دافع للضرر فيجب «22»، و اعترف به شارح التجريد بناء علي مذهب العدليّة «23».

[إثبات العدالة بالشهادة]

ثمّ إنّ الكلام في إثبات العدالة بالشهادة بعد القطع بأنّها تثبت بها في الجملة، يقع في مقامات: الأوّل: أنّها هل تثبت بالشهادة الفعليّة- بمعني أن يفعل العدلان فعلا يدلّ و يشهد علي عدالته، كأن يصلّيا وراءه مع انتفاء احتمال الضرورة- أم لا؟ وجهان: جزم بالأوّل في الدروس «24»، و لعلّه لعموم ما دلّ علي وجوب تصديق العادل بل المؤمن، الشامل لتصديق قوله و فعله، فإنّ الفعل كالقول منبئ و مخبر عمّا في ضمير الفاعل فيتّصف بالصدق و الكذب، مثل قوله تعالي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ «25». و ما دلّ علي وجوب تصديق المؤمن «26» و إن انصرف كلّ ذلك إلي القول، إلّا أنّ إرادة تصديقه في مطلق ما يدلّك و ينبّئك عليه و يرشدك إليه واضح، فاحتمال تدليسه في فعله كاحتمال خطائه في اعتقاده أو صدور الفعل عنه لداع، مندفع بما يندفع به هذه الاحتمالات المتطرّقة في خبره. نعم لو كان فاسقا لم يقبل منه، لورود الأمر بالتثبّت في خبره. و حمل نفس فعل الفاسق علي الصحّة إنّما هو من حيث نفس فعله، لا من حيث إنّه فعل له، فإنّ الفاسق إذا صلّي خلف شخص صلاة الاستيجار استحقّ الأجرة، و لا يلتفت إلي احتمال فسق إمامه، و أمّا من حيث مدلول فعله فهو كمدلول قوله في عدم العمل به، مع أنّ نفس القول الصادر منه من حيث إنّه فعل يحمل علي الصّحّة، و لا يلتفت إلي احتمال كونها معصية من جهة كونها شهادة زور. و إلي ما ذكرنا- من أنّ الفعل في دلالته كالقول، و أنّه يقبل مع العدالة و يردّ مع الفسق- ينظر كلام غير واحد من فقهائنا، منهم العلّامة رحمه اللَّه- فيما حكي عنه في نهج الحقّ- حيث قال في مقام الردّ علي العامّة القائلين بجواز الاقتداء بالفاسق، ما هذا لفظه: و قال اللَّه تعالي إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ.. إلخ «27» أوجب التثبّت عند خبر الفاسق، و من جملته الطهارة الّتي هي من شروط الصلاة (انتهي) «28». و ظاهره أنّ تصدّيه للصلاة إخبار منه باستجماعه للشرائط الّتي منها الطهارة، و حيث فرض فاسقا فلا تعويل علي ما يظهر لنا و يدلّ عليه بأفعاله. و لا ينافي ذلك الحكم بصحّة صلاته من حيث إنّه فعله، حتّي يستحقّ ما يستحقّه بالصلاة الصحيحة من الأجرة لو كانت بإجارة، و حصول «29» القبض بها إذا وقعت «30» في أرض موقوفة جعلت مسجدا و نحو ذلك. و يؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يتأمّل أحد في العمل بتعديلات أهل الرجال المكتوبة في كتبهم، من أجل أنّ الخبر و النبإ لا يصدق علي الكتابة، مع ذهاب أكثرهم إلي أنّ التعديلات من باب الشهادة، و لا في العمل بالأخبار المودعة في كتب الحديث من دون سماعها مشافهة عن المحدّث، و قد شاع
المكاسب، ج‌4، ص 337
منهم الاستدلال علي ذلك بأدلّة حجيّة الخبر و النبإ، و يعتبرون العدالة في من جمع الروايات في كتابه من جهة آية النبإ و نحوه. و دعوي: أنّ العمل بها باعتبار تلفّظ المؤلّف بها و نقلها مشافهة لمن كان أخذ منه الحديث، تكلّف ضعيف. و من هنا يعلم أنّ اعتبار التلفظ و عدم كفاية الكتابة في البيّنة علي الدعاوي إنّما هو لدليل خارج، لا لأنّ أدلّة النبإ لا تشمل ذلك، فهو كاعتبار عدم الواسطة في الشهادة إلّا مع تعذّر شهادة الأصل، فيكتفي بشهادة الفرع في بعض المقامات بشرط وحدة الواسطة. هذا، و لكن الاعتماد علي ذلك إذا لم يفد الوثوق بالعدالة في غاية الإشكال، لفقد ما يطمئن به النفس من الدليل عليه تعبّدا. و ما ذكر في عبارة العلّامة و الشهيد لا يدلّ علي أنّ فعل العادل معتبر في دلالته نظير اعتبار قوله، فلعلّ مرادهما أنّ الفاسق لا يقبل خبره إذا صرّح به، فكيف يقبل إذا ظهر مطلبه من فعله؟ فإنّ فعله ليس بأقوي من قوله في الحجيّة، فالمراد أنّ فعل الفاسق كقوله الصريح غير مقبول، لا أنّ فعل العادل مقبول كقوله. ثمّ إنّ هذا كلّه بعد فرض ثبوت قاعدة أخري، و هي أنّ كلّ طريق يجوز للإنسان أن يعمل عليه كالاستصحاب، و البيّنة، و قول العدل، و غيرها يجوز له أن يستند إليه في الشهادة و يشهد بمؤدّاه، كما يظهر هذه الكلّية من رواية حفص ابن غياث- الواردة في جواز الشهادة بالملك استنادا إلي اليد «1»- أمّا لو لم تثبت هذه الكلّية- كما هو ظاهر المشهور- فلا إشكال في أنّ صلاة عدلين لا توجب الحكم بالعدالة ما لم يفد الوثوق. و أمّا الشهادة القولية: و هي شهادة عدلين بعدالته، فالظاهر أنّه لا إشكال، بل لا خلاف في اعتبارها، و يدلّ عليه- مضافا إلي ما يظهر من عموم حجّيّة شهادة العدلين- ما ورد من فعل النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم حيث كان يبعث رجلين من أصحابه لتزكية الشهود المجهولين فيعمل بقولهما جرحا و تعديلا «2»، و ما دلّ علي قبول شهادة القابلة إذا سئل عنها فعدّلت «3»، و فحوي ما دلّ علي اعتبارها في الجرح، مثل قوله عليه السلام: «من لم تره بعينك يرتكب معصية و لم يشهد عليه شاهدان، فهو من أهل الستر و العدالة» «4». و هل هي معتبرة تعبّدا حتّي لو كان الظنّ علي خلافها؟ أو يشترط عدم الظنّ علي خلافها؟ أو يشترط إفادتها الظنّ؟ وجوه مبنيّة علي ملاحظة إطلاق أدلّة اعتبارها، و انصرافها إلي صورة إفادة الظنّ، أو صورة عدم الظنّ علي الخلاف. و يمكن أن يفصّل بين ما إذا كان احتمال كذبه مستندا إلي تعمّد كذبه فلا اعتبار به و لو كان مظنونا، لأنّ الظاهر من أدلّة تصديق العادل بل المؤمن، نفي تعمّد الكذب عنه مطلقا حتّي مع الظنّ، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام: «كذّب سمعك و بصرك عن أخيك» «5» و بين ما إذا كان مستندا إلي خطائه و اشتباهه، فالظاهر اعتبار كونه موهوما «6»، لأنّ ظاهر أدلّة حجّيّة الخبر- خصوصا آية النبإ «7» المفصّل بين العادل و الفاسق- عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه، و أمّا عدم الاعتناء باحتمال خطئه و اشتباهه، فهو ممّا ينفيه ظاهر حال المخبر المعتبر. عند كافة العقلاء إذا كان المخبر به من المحسوسات، أو من غيرها، النازل في ندرة الخطأ و الاشتباه منزلة المحسوسات و لو عند المخبر، لكونه من أهل الخبرة و الاطّلاع بالنسبة إلي مضمون الخبر. لكن مقتضي هذا التفصيل وجوب قبول خبر الفاسق إذا علمنا عدم تعمّد كذبه، و كان احتمال المخالفة للواقع من جهة احتمال خطائه في الحسّ سهوا أو اشتباها. و لعلّ ظاهر كلماتهم يأباه، إلّا أنّ القول به متعيّن، بناء علي كون مستند اعتبار خبر العادل و ردّ الفاسق آية النبإ مفهوما و منطوقا، إلّا أن يقوم الإجماع في بعض المقامات، كما بينّاه في مسألة حجّية الإجماع المنقول. بقي الكلام في أنّ مطلق الظنّ بالعدالة هل هو معتبر أم لا؟ وجهان، بل قولان، ظاهر من حصر طريقها بالمعاشرة و الشياع و الشهادة هو الثاني، و صريح بعض المعاصرين هو الأوّل. و يمكن التفصيل بين الظنّ القويّ الموجب للوثوق، و بين غيره، و هو الأقوي. و يشهد للأوّل انسداد باب العلم بالعدالة و عدم جواز الرجوع في جميع موارد الجهل بها إلي أصالة عدمها، و إلّا لبطل أكثر الحقوق، بل ما قام للمسلمين سوق، فتعيّن الرجوع فيها إلي الظنّ، كما في نظائره من الموضوعات بل أكثر الأحكام الشرعيّة عند القائل بعدم وفاء الظنون المعتبرة بالخصوص بأكثر الأحكام. و يمكن الإيراد عليه أوّلا: بإمكان الاقتصار فيها علي خصوص الظنّ الّذي دلّ النصّ و الإجماع علي اعتباره، كالمعاشرة و شهادة
العدلين و الشياع، كما اقتصر عليه كلّ من حصر الطريق في هذه الثلاثة، أو أضاف إليها «اقتداء العدلين» أو «شهادة العدل» في تزكية الإمام و الراوي. و ثانيا: أنّ الانسداد إنّما يوجب العمل بالظنّ في الجملة، فيجب الاقتصار علي الظنّ القويّ المعبّر عنه عرفا ب «الوثوق» و «الأمن» مع إمكان استفادة حجّيّة هذه المرتبة من النصوص، مثل قوله عليه السلام: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه و ورعه» «8» و قوله عليه السلام: «إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت «9» شهادته» «10» و قوله عليه السلام: «من عامل الناس فلم يظلمهم..» «11»
و هو المتيقّن من جميع الإطلاقات الدالّة علي حسن الظاهر، بل كفاية عدم العمل بالفسق. فإن قلت: إنّ هذه الإطلاقات تدلّ علي اعتبار مطلق الظنّ، بناء علي أنّ المتيقّن من الخروج عن إطلاقها هي صورة عدم حصول الظنّ، فيبقي الباقي، هذا مضافا إلي قوله عليه السلام- فيما حكي عن الفقيه- : «من صلّي الخمس في جماعة فظنّوا به كلّ خير» «12» و في رواية: «فظنّوا به خيرا و أجيزوا شهادته» «13» حيث إنّ الأمر بالظنّ لا يعقل، لعدم كونه اختياريّا، فيدلّ بدلالة الاقتضاء- علي الأمر بترتيب أحكام «ظنّ الخير» و منها إجازة شهادته، فيدلّ علي أنّ هذه الأحكام ثابتة لمطلق الظنّ. قلت: هذه الإطلاقات- مع الإغماض عن دعوي انصرافها إلي صورة الوثوق لا بدّ من تقييدها بما دلّ علي اعتبار الوثوق. فظهر من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوي اعتبار مطلق الوثوق بالملكة، و هو الأوسط بين القولين. ثمّ إنّ الوثوق بالملكة كما يجوز أن يعمل الشخص في أعمال نفسه، كذلك يجوز الشهادة بالملكة استنادا إليه، و يدلّ عليه قوله عليه السلام- في صحيحة ابن أبي يعفور- : «و يجب إظهار عدالته و تزكيته بين الناس» «14» و ما تقدّم من استناد الشاهدين- اللّذين بعثهما النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم لتزكية الشهود المجهولين- الي الظنّ الحاصل من السؤال عن قبيلة الشهود «15». مع أنّه لو انحصر مستند الشهادة في العلم لبطل أمر التعديل، و به تبطل الحقوق، كما لا يخفي.
و الحمد للَّه أوّلا و آخرا.
المكاسب، ج‌4، ص 338

3- رسالة في القضاء عن الميّت

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم و به نستعين الحمد للَّه ربّ العالمين، و صلّي اللَّه علي محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين «1».

مسألة «2» في قضاء الصلاة عن الميت

و الكلام فيه تارة في نفس القضاء، و اخري في القاضي، و ثالثة في المقضيّ، و رابعة في المقضيّ عنه، و خامسة في أحكام القضاء.

أمّا القضاء عن الميت «3»

فهو عبارة عن فعل العبادة نيابة عن الميّت. و حقيقة النيابة: تنزيل الفاعل نفسه منزلة شخص آخر فيما يفعله. و يظهر من السيّد المرتضي أنّ القضاء عن الميّت ليست نيابة حقيقة، و إنّما هو واجب أصليّ خوطب به القاضي، نعم سببه فوات الفعل عن الميّت، و زاد علي ذلك: أنّ الميّت لا يثاب علي ذلك، فعن الانتصار- بعد اختيار أنّ الوليّ يقضي الصوم عن الميّت إذا لم يكن للميّت مال يتصدّق به عنه لكلّ يوم بمدّ، مدّعيا عليه الإجماع، و انفراد الإماميّة به، و مخالفة الفقهاء في ذلك الّا أبا ثور- «4» قال: و قد طعن فيما نقوله بقوله تعالي وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعي «5» و بما روي عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم من قوله:
«إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يترحّم عليه، أو علم ينتفع به» «6» و لم يذكر الصوم عنه. و الجواب عن ذلك: أنّ الآية إنّما تقتضي أنّ الإنسان لا يثاب الّا بسعيه، و نحن لا نقول: إنّ الميّت يثاب بصوم الحيّ عنه. و تحقيق القول في هذا الموضع: أنّ من مات و عليه صوم فقد جعل اللَّه هذه الحالة سببا في وجوب صوم الوليّ، و سمّاه قضاء، لأنّ سببه التفريط المتقدّم، و الثواب في هذا الفعل لفاعله دون الميّت. فإن قيل: فما معني قولهم: «صام عنه»، إذا كان لا يلحقه و هو ميّت ثواب، و لا حكم لأجل هذا الفعل؟ قلنا: معني ذلك أنه صام، و سبب صومه تفريط الميّت، و قيل: «صام عنه» من حيث كون التفريط المتقدّم سببا في لزوم هذا الصوم.
و أمّا الخبر الّذي رووه، فمحمول علي هذا المعني أيضا، و أنّ المؤمن ينقطع بعد موته عمله، فلا يلحقه ثواب و لا غيره، و الّذي ذهبنا إليه لا يخالف ذلك. و خبرهم هذا يعارض ما رووه عن عائشة «7». ثمّ ساق أخبارا نبويّة تدلّ علي النيابة «8» «9» (انتهي). و تبعه في جميع ذلك السيّد أبو المكارم ابن زهرة في الغنية «10» ثمّ من بعده الفاضل في المختلف «11» في الجواب عن الآية المتقدّمة «12». مع أنّ الشهيد في الذكري حكي عنه أنّه قال- فيما يلحق الميّت بعد موته- : أمّا الدعاء و الاستغفار و الصدقة و أداء الواجبات الّتي تدخلها النيابة فبالإجماع، و أمّا ما عداها فعندنا أنه يصل إليه «13». أقول: كأنّ السيّد و من تبعه أراد بما ذكر من الجواب عن الآية و الرواية ردّ استدلال العامة بهما علي نفي وجوب القضاء الّذي هو المطلوب، لأنّ القضاء لا يستلزم الثواب حتّي يستكشف انتفاء الملزوم عن انتفاء اللازم، و إلّا فشأن السيّد أجلّ من أن تخفي عليه الأخبار الكثيرة الواردة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام في انتفاع الميّت بما يفعله الأحياء علي طريق النيابة أو الهديّة. و قد حكي أكثرها في الذكري عن كتاب غياث سلطان الوري للسيّد الأجلّ ابن طاوس، «14» و لنذكر بعضها تبركا: فمنها: قضيّة الخثعميّة الّتي أتت النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم فقالت: إنّ أبي أدركه الحجّ شيخا زمنا لا يستطيع أن يحجّ، إن حججت عنه أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: أ رأيت لو كان علي أبيك دين فقضيته، أ كان ينفعه ذلك؟! قالت: نعم، قال: فدين اللَّه أحقّ بالقضاء «15». و منها: ما عن كتاب حمّاد بن عثمان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميّت أضعف اللَّه أجره و نفع به ذلك الميت» «16». و رواه الصدوق أيضا في الفقيه مرسلا «17». و منها: ما عن كتاب المسائل لعليّ بن جعفر عليه السلام: «عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم فيصلي ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له» «18». و قريبة منها رواية أخري له «19». و منها: ما حكاه عنه، عن أصل عليّ بن أبي حمزة- الّذي هو من رجال الصادق و الكاظم عليهما السلام- : «قال: و سألته عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته؟ قال: لا بأس به، و يؤجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلة قرابته، قلت: و إن كان لا يري ما أري، و هو ناصب؟! قال: يخفّف عنه بعض ما هو فيه» «20». و منها: ما عن أصل هشام بن سالم: «قال: قلت:
يصل إلي الميّت الصلاة و الدعاء و نحو هذا؟ قال: نعم، قلت: أو يعلم من يصنع ذلك؟ قال: نعم، ثمّ قال: يكون مسخوطا عليه فيرضي عنه» «21». قال في الذكري: و ظاهره أنّه من الصلوات الواجبة الّتي تركها سبب للسخط «22». أقول: و في هذا الظهور تأمّل. و منها: ما عن ابن محبوب- في كتاب المشيخة- عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «تدخل علي الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و الدعاء، قال: و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت» «23». و نحوها: روايتا إسحاق بن عمّار «24» و ابن أبي عمير «25».
و منها: روايات ابن مسلم و ابن أبي يعفور و البزنطي و صفوان بن يحيي عن الصادق و الرضا عليهما السلام أنّه: «يقضي عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن» «26».
و عن كتاب الفاخر «27»: أنّ ممّا أجمع عليه و صحّ من قول الأئمّة عليهم السلام أنّه يقضي أعماله الحسنة كلّها «28». و منها: ما عن كتاب حمّاد بن عثمان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: إنّ الصلاة و الصدقة و الحجّ و العمرة و كلّ عمل صالح ينفع الميّت، حتّي أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه، و يقال: هذا بعمل ابنك فلان، و هذا بعمل أخيك فلان- أخوه في الدين- » «29». و مثلها رواية عمرو بن محمد بن يزيد «30». و منها: ما عن عبد اللَّه بن جندب: «قال: كتبت إلي أبي الحسن عليه السلام: الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة و البرّ و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما بشي‌ء ممّا يتطوّع به، و إن كان أحدهما حيّا و الآخر ميّتا؟ فكتب اليّ: أمّا الميّت فحسن جائز، و أمّا الحيّ فلا، إلّا البرّ و الصلة» «31». و مثلها ما عن محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، أنّه كتب إلي الكاظم عليه السلام مثله، و أجاب بمثله «32». قال
المكاسب، ج‌4، ص 339
في الذكري: قال السيّد: لا يراد بهذه: الصلاة المندوبة، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات و الحجّ و غيرهما «1». أقول: لعلّ ما ذكره من التوجيه للجمع بينها و بين ما دلّ علي جواز ذلك عن الحيّ أيضا، مثل ما عن الكليني بإسناده إلي محمّد بن مروان: «قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين، يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، و له مثل ذلك، فيزيده «2» اللَّه ببرّه و صلته خيرا كثيرا» «3».
نعم احتمال هذه الرواية إرادة عدم قطع البرّ عنهما بعد الموت بفعل هذه الأفعال عنهما، فيكون قد برّهما حيّين و ميّتين، بعيد. و حكي عن الحسين بن الحسن الطوسي الكوكبي- في كتابه المنسك- «4» بإسناده إلي عليّ بن أبي حمزة: «قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحجّ و أصلّي و أتصدّق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: نعم، تصدّق عنه و صلّ عنه، و لك أجر آخر بصلتك إيّاه» «5». و ظاهر الصلاة عن الغير: النيابة عنه، لا فعلها و إهداء الثواب إليه، فيدلّ علي جواز النيابة عن الحيّ في الصلاة، و إطلاق الصلاة «6» و البرّ علي ذلك يشعر بعموم رجحان النيابة عن الحيّ في كلّ فعل حسن. ثمّ أنّه «7» إذا جاز الصلاة عنه جاز غيرها، لعدم القول بالفصل ظاهرا بينها و بين غيرها، بل قد روي جواز الاستنابة في الصوم الواجب بالنذر علي الحيّ، فقد روي في الفقيه، عن عبد اللَّه بن جبلّة، عن إسحاق بن عمّار «8». بل يمكن استفادة عموم النيابة في كلّ الأعمال الواجبة- عدا ما دلّ الإجماع علي عدمه- من الأخبار الدالّة علي مشروعيّة قضاء دين اللَّه عمّن هو عليه تبرّعا «9»، ثمّ إثبات مشروعيّة النيابة في المستحبّات بعدم القول بالفصل، فتأمل. و كيف كان: فانتفاع الميّت بالأعمال الّتي تفعل عنه أو يهدي إليه ثوابها، ممّا أجمع عليه النصوص، بل الفتاوي، علي ما عرفت من كلام الفاضل «10» و صاحب الفاخر «11»، المعتضد بقضيّة تعاقد صفوان بن يحيي و عبد اللَّه بن جندب و عليّ بن نعمان، علي أنّ من مات منهم يصلّي من بقي صلاته و يصوم عنه و يحجّ عنه، فبقي صفوان يصلّي كلّ يوم و ليلة مائة و خمسين ركعة» «12». فإنّ دعوي كفاية اتّفاق هذه الثلاثة في الكشف عن رضا الإمام عليه السلام غير بعيدة، فكيف إذا ضمّ إلي ذلك دعوي الفاضل و صاحب الفاخر الإجماع علي ذلك. و أمّا الآية «13» فيمكن توجيهها بعد مخالفة ظاهرها للإجماع و الأخبار المتواترة بأنّ الثواب علي سعيه حال الحياة، فإنّ تحصيل الاخوّة للمؤمنين تعريض للنفس في هذه المثوبات. و أمّا الرواية النبويّة «14»: فهي مسوقة لذكر ما يعدّ عملا للميّت بعد موته من الأفعال المتولّدة من فعله تولّد الغاية، دون الّتي يترتّب علي عمله اتّفاقا من دون قصد لترتّبها، فالحصر في الرواية بالنسبة إلي إعمال الميّت المقصود منها الاستمرار بعد الموت، كإعانة الناس بحفر البئر و غرس الشجر و وقف مال عليهم أو إظهار سنّة حسنة، أو ولادة من يستغفر له ممّا يقصد منه البقاء، فهي بمنزلة الأفعال التوليدية للميّت يعدّ عملا له، و الكلام- في المقام- في ما يعمل الغير عنه، كما أنّ ما ورد من أنّ: «من سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلي يوم القيامة» «15» لا تنافي قوله تعالي وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري، «16» و إنّما ينافيه ما يكذب علي النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم من أنّ: «الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه «17»»
و لذا ردّت عائشة بتلك الآية «18». و قد خرجنا بإيراد الأخبار المذكورة عمّا هو المقصود في هذه الرسالة من وجوب القضاء عن الميّت مع قطع النظر عن انتفاع الميّت بذلك، و قد عرفت أنّه مجمع عليه فتوي «19» و نصّا «20»، و سيجي‌ء ما يدلّ عليه من النصوص بالخصوص «21». ثمّ المشهور أنّ القضاء معيّن علي الوليّ، لا أنّه مخيّر [بينه] «22»
و بين الصدقة، كما عن الإسكافي «23» و السيّد المرتضي «24» و السيّد ابن زهرة مدّعيا عليه الإجماع «25»، لعدم الدليل علي إجزاء الصدقة نعم ورد ذلك في النافلة مضافا إلي ظهور الأدلّة «26» في تعيين الصلاة. و الإجماع المدّعي كما تري. و أضعف منه الاستدلال عليه بالاحتياط.

و أمّا القاضي

فالمحكيّ عن المفيد: النصّ علي أنّه إن لم يكن له ولد من الرجال قضي عنه أكبر أوليائه من أهله، و إن لم يكن فمن النساء «27». و عن الإسكافي: أولي الناس بالقضاء عن الميّت أكبر ولده الذكور، و أقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد «28». و في كلام الصدوقين و الرضويّ: «إنّه يقضي الوليّ، فإن لم يكن له وليّ من الذكور قضي عنه وليّه من النساء «29»» و نسب قول المفيد في الدروس إلي ظاهر القدماء و الأخبار، و اختاره «30». و لعلّه لإطلاق صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام؟ قال:
يقضي عنه أولي الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولي الناس به امرأته؟ قال: لا، إلّا الرجال» «31». و مرسلة حمّاد: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه دين من شهر رمضان من يقضيه عنه؟ قال: أولي الناس به، قلت: فإن كان أولي الناس به امرأته؟ قال: لا، إلّا الرجال» «32». و رواية ابن سنان، عن الصادق عليه السلام- المحكيّة في الذكري عن كتاب السيّد الأجلّ ابن طاوس- : «قال: الصلاة الّتي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضيه عنه أولي الناس به» «33». إلي غير ذلك. فما أطلق فيه «الوليّ» المراد منه الأولي من غيره، و هو يختلف باختلاف الموجودين من الناس المنتسبين إلي الميّت، فإنّ ولده أولي به من أخيه، و أخوه أولي به من عمه.. و هكذا.
بل قد يدّعي شموله للمولي المعتق و ضامن الجريرة، لأنّهما أولي الناس بالميّت مع فقد الأقارب النسبيّة، و لذا قيل بوجوب القضاء عليهما مع فقد القريب «34». هذا، مضافا إلي أنّ الحكم في صحيحة حفص معلّق علي «الأولي بالإرث» «35»، و لا إشكال في صدقه علي ما عدا الأولاد مع عدمهم، بل و علي المولي و ضامن الجريرة. و أمّا وجه تقديم الولد علي الأب: فلعلّه لأنّ أكثريّة نصيبه يدلّ عرفا علي كونه أولي بالميّت عن الأب «36» مع أنّ النصّ ورد بأنّ الأكثر نصيبا أولي بالميّت من الأقلّ، كما في صحيحة الكناسي: «و أخوك لأبيك و أمّك أولي بك من أخيك لأبيك «37»» «38» مع أنّ حكم المشهور باستحقاق الولد خصوصا مجّانا الحبوة- الّتي هي عبارة عن خصائص الأب، التي يعزّ علي أولياء الميّت أن يروها عند غير الميّت- يدلّ علي أولويّته بأبيه من غيره حتّي جدّه. نعم ينافي ذلك كلّه حكم المشهور
المكاسب، ج‌4، ص 340
في باب الجنائز بأنّ الأب أولي من الولد في تجهيز الميّت، و لذا تنظّر فيه هناك مائلا إلي مراعاة الإطلاق «1»- هنا و هناك- من يقدّم الأب علي الولد «2». و يمكن أن يكون مستند المشهور هناك أنّ الأولي بالميّت من حيث أحكامه و أموره- الّتي لا بدّ أن تصدر باستصواب الأولياء- هو الأب دون غيره، و يمكن استشعار ذلك من قوله عليه السلام: «يصلّي علي الجنازة أولي الناس بها» «3» فإنّ الأولي بالجنازة- من حيث انّها جنازة لا بدّ من التصرف فيها و تقلّبها في الغسل و الصلاة و الدفن- هو الأب عرفا.
و الحاصل: أنّ الموضوع للحكم في باب القضاء هو الميّت من حيث شخصه و نفسه الإنساني، و في الجنائز هو جسده و جنازته الّتي يتصرف فيها و يتقلّب، فالأولويّة هنا عليه، و في القضاء له، فتأمّل. و علي كلّ حال: فالمراد من «أكثريّة النصيب» أكثريّة نصيب النوع، لأنّها الكاشفة عرفا و شرعا عن أولويّة ذلك النوع، فلو عرض لشخص الوليّ قلّة النصيب لتعدّد أشخاص نوعه- كما لو اجتمع له أب مع عشرة أولاد- فلا يسقط أكبرهم عن الأولويّة، لكونه أقلّ سهما من الأب، لأنّ نوع الولد أكثر سهما فهو أولي.
فما يظهر من بعض المعاصرين من اعتبار أكثريّة نصيب الشخص- حتّي أنّه فصّل في المسألة بين ما دون الخمسة من الأولاد إذا اجتمعوا مع الأب و بين الخمسة و الأزيد «4»-
لم أجد له وجها ظاهرا. ثمّ إطلاق «الأولي بالإرث» في الصحيحة المتقدّمة «5» يشمل المولي المعتق و ضامن الجريرة علي الترتيب عند عدم غيرهما من الورثة. إلّا أنّ العبارة المحكيّة عن المفيد «6» و جماعة من القدماء «7» خالية عن التصريح به، لأنّ المحكيّ عن المفيد- المنسوب في الدروس إلي ظاهر القدماء- «أنّه لو فقد أكبر الذكور فأكبر أوليائه من أهله» «8» و لفظ «الأهل» ظاهر في من عدا المعتق و ضامن الجريرة. و ما أبعد ما بين هذا القول و بين القول و بين ما اختاره الشيخ «9» و أكثر من تأخّر عنه من اختصاص التكليف بأكبر أولاده الذكور «10»، و كأنّهم فهموا من صحيحة حفص و مرسلة حمّاد- المتقدّمتين «11»- أنّ المراد من «الأولي بالميّت» أولي الناس به علي الإطلاق. و بعبارة أخري: الأولي من كلّ أحد يفرض وجوده من الناس، لا أولي الموجودين فعلا حين موت الميّت، و لا شك أنّ الأولي علي الإطلاق بذلك المعني هو الولد الذكر. و أمّا أولويّة غيره من طبقات الورثة فأولويّة إضافيّة يلاحظ فيها الموجودون عند الموت. و هذا غير بعيد. مع أنّه لو فرض احتمال الرواية لما ذكرنا احتمالا مساويا وجب الرجوع إلي أصالة البراءة. و ممّا يؤيّد إرادة ما ذكرنا- بل يدلّ عليه- صحيحة حفص و مرسلة حمّاد الصريحتان في نفي التكليف عن النساء، و كلّ من نفاه عنهنّ نفاه عمّن عدا الولد من الذكور، و كلّ من أثبته علي من عدا الولد من الذكور أثبته علي النساء، فحمل الرواية علي ما يعمّ الولد يوجب شذوذ الرواية و ترك العمل بظاهرها بين الأصحاب من التفصيل بين من عدا الولد و بين النساء، فيجب لأجل ذلك حمل «الأولي» علي الأولويّة علي الإطلاق دون الإضافيّة. نعم يظهر من المدارك العمل بظاهرها من التفصيل «12». ثمّ المراد في كلامهم من «الأكبر»: من لا أكبر منه، فيعمّ المنحصر، كما هو مقتضي إطلاق النصّ «13» و صريح الفتاوي «14». و لو تعدد الأولاد يقدّم الأكبر مع استوائهم في البلوغ، للإجماع و لمكاتبة الصفّار «15» و في دلالتها تأمّل يأتي وجهه. و لو استووا في السنّ فالبالغ مقدّم علي غيره، إمّا لأنّه أكبر عرفا و أقرب إلي حدّ الرجال، و إمّا لأنّ التكليف يتعلّق به عند بلوغه، لصدق «أولي الناس به» عليه بحسب النوع، إذ لو اعتبرت الأولويّة الشخصيّة من كل أحد لم يجب عليه بعد بلوغ أخيه أيضا، فإذا تعلّق التكليف به فارتفاعه عند بلوغ أخيه يحتاج إلي دليل، فتأمل. و لو اختلفوا في البلوغ و كبر السنّ، ففي اعتبار البلوغ أو كبر السنّ وجهان: ممّا ذكرنا في تقديم البالغ علي غيره مع المساواة، و من إطلاق تقديم الأكبر في النصّ «16» و الفتاوي «17»، و الأوّل لا يخلو عن قوّة. و لو استووا في السنّ و البلوغ، ففي سقوط القضاء عنهم- كما عن الحلّي «18»- لعدم وجود الأكبر، أو ثبوته عليهم علي طريق الكفاية و تخييرهم، فإن اختلفوا فالقرعة- كما عن القاضي «19»- أو علي طريق التوزيع- كما عن المشهور وفاقا للشيخ «20»- ، أقوال: أقواها الأخير، لأنّ الحكم معلّق بجنس أولي الناس الصادق علي الواحد و الاثنين، لما عرفت من أنّ المراد بأولي الناس: الأولي بالنوع، و هو جنس الأولاد، فكأنّه قال: يقضي عنه ولده. و أمّا وجوبه علي الكلّ كفاية فلم يثبت، لأنّ الوجوب علي الجنس أعم من التوزيع و من الوجوب الكفائي، فالأصل عدم تكليف كلّ منهم بأزيد من حصته و لو علي طريق الكفاية.
و بعبارة أخري: يعلم باستحقاقه العقاب إذا ترك حصته و لم يأت بها صاحبه علي أي تقدير، و لا يعلم بأنه بعد قضاء حصته يعاقب علي ترك الباقي إذا تركه مع ترك صاحبه. ثم انّ حكم القاضي بالقرعة عند اختلافهما «21» لا وجه له، لعدم جواز الاختلاف بعد وجوب قيامهما «22» بالواجب الكفائي، لأنه لا يسقط عنهما إلّا بعد حصوله في الخارج، فينوي كلّ منهما الوجوب كما في صلاة الميّت. و دعوي وجوب فعل واحد عنه- علي أن تكون الوحدة شرطا لصحة الفعل مع تعددهما- ممنوعة. و ممّا ذكرنا يعلم حكم ما إذا كان الواجب ممّا لا يتبعّض كصلاة واحدة أو صوم يوم واحد و في ثبوت الكفّارة عليهما مع إفطار الصوم بعد الزوال- علي القول بوجوبه في القضاء عن الغير- وجهان، أقواهما: الوجوب عليهما مع إفطارهما معا، و علي المتأخّر إفطارا مع التراخي، فتأمّل. ثمّ إنّ هنا وجوبا كفائيا في الصلاة من جهة أخري، و هي أنّ الترتيب لمّا كان شرطا في صحّة الصلاة فبعد الحكم بتوزيعها يكون الواجب كفائيا منهما الشروع في القضاء فإذا فرغ من صلاة واحدة كان الشروع في الأخري أيضا واجبا كفائيا، و هكذا إلي أن يصلّي أحدهما قدر نصيبه، فيتعيّن الباقي علي الآخر، فإن اختلفا في السابق بأن أراد كلّ منهما السبق و اللحوق، فلا يبعد القرعة. و لا يشترط في القاضي الحرّيّة، لأنّ الأولويّة بالميّت- الذي هو مناط الحكم- لا يتوقّف علي استحقاقه الإرث، بل يقتضيه مع عدم المانع، و لهذا لا يفرّق في الحرّ بين الوارث بالفعل و الممنوع عن الإرث للقتل. و تعلّق الحكم في صحيحة حفص «23» علي «الأولي بالإرث» يراد به الأولي بالإرث من حيث القرابة لو خلّيت و نفسها. و لا يشترط أيضا خلوّ ذمته من صلاة فائتة، نعم سيأتي حكم الترتيب بين الفائتة و المتحمّلة في أحكام القضاء
. عليه،
المكاسب، ج‌4، ص 341

و أما المقضيّ

فالمحكيّ عن المشهور أنّه جميع ما فات عن الميّت، و عن الشهيد الثاني: نسبته إلي ظاهر النصّ و إطلاق الفتوي «1» و ظاهر عبارة الغنية: الإجماع عليه «2»
و عن الحلّي «3» و سبطه- ابن سعيد- : أنّه لا يقضي إلّا ما فاته في مرض موته «4» و المحكيّ عن [المحقق] «5» في بعض رسائله أنه يقضي ما فاته لعذر كالمرض و السفر و الحيض بالنسبة إلي الصوم، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه «6» و عن الذكري نسبته إلي السيّد عميد الدين ثمّ اختياره «7» كما عن الشهيد الثاني «8». و الأقوي الأوّل، لإطلاق ما تقدّم من النصوص، خصوصا رواية ابن سنان المتقدمة «9» و دعوي انصرافها إلي ما فات لعذر- إن سلّم- فهو تبادر ابتدائي، كتبادر بعض أفراد الماء من إطلاق لفظه، مع أنّ بعض فروض الترك عمدا ممّا لا إشكال في عدم خروجه عن منصرف الإطلاق، مثل ما إذا وجب عليه الصلاة في حال المرض مع النجاسة أو مع القعود أو الاضطجاع، أو وجب عليه الصلاة حال المطاردة مع العدوّ، فقصّر في فعلها كذلك- علي ما هو الغالب في أحوال المرضي و الغازين من ترك الصلوات إذا لم يتمكّنوا من فعلها إلّا كذلك- ثم مات في هذه الحال أو بعد ذلك، فإنّ دعوي خروج مثل هذا عن منصرف إطلاق الأخبار المتقدمة «10» بعيدة عن الإنصاف، و إذا شمل هذا شمل غيره من الصلوات المتروكة عمدا أو المفعولة فاسدة، لعدم القول بالفصل. بل يمكن دعوي شمول الروايات للمفعولة فاسدة، فيشمل المتروكة عمدا لعدم الفصل، فتأمّل. و كيف كان: فدعوي اختصاص الرواية بمن فاته الصلاة لعذر يسقط شرعا معه الصلاة- كالإغماء و فقد الطهورين و نحو ذلك- في غاية البعد، خصوصا لو أريد من عدم تعمّد الفوت عدم التمكن من قضائه أيضا، بحيث لا يعمّ ما تسامح في قضائه حتّي مات. ثم الظاهر أنّ النسبة بين قول الحلّي «11» و مختار المحقق «12» عموم من وجه، لأنّ الفوات في مرض الموت يعمّ الترك عمدا. و علي أيّ حال: فالظاهر انصراف الإطلاق في النصّ و الفتوي إلي ما وجب عليه أصالة، فلا يعمّ ما تحمّله بالولاية أو الاستئجار و إن كان العمل بالإطلاق أحوط، بناء علي احتمال كون الانصراف هنا نظير الانصراف السابق

و أما المقضيّ عنه

فهو الوالدان لا غير، بناء علي المشهور من اختصاص القاضي بالولد الأكبر. نعم اختلفوا في دخول الأمّ من جهة اختصاص رواية حمّاد بالرجل «13» و انصراف رواية ابن سنان إليه «14» فإلحاق المرأة بالرجل قياس- كما صرّح الحلّي «15» و المحقّق و الشهيد الثانيان في حاشيتي الشرائع «16» بل حكي عن جماعة «17». و الأقوي الدخول، وفاقا لصريح المحكيّ عن صوم المبسوط «18» و النهاية «19» و الغنية «20» و المنتهي «21» و التذكرة «22» بناء علي عدم الفرق بين الصوم و الصلاة. و حكي في خصوص الصلاة عن الرسالة المحكيّة سابقا عن المحقّق في جواب سؤال جمال الدين المشغري «23» و عن الذكري «24» و الموجز «25» بل حكي نسبته إلي ظاهر إطلاق الأكثر، إلّا أنّ الموجود في الروضة: انّ اختصاص الحكم بالأب و عدم التعدي إلي الأمّ و غيرها من الأقارب «26» هو المشهور «27». و كيف كان فالأقوي اللحوق، و دعوي الانصراف في رواية ابن سنان «28»
ممنوعة، مضافا إلي مصححة أبي حمزة: «عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل خروج شهر رمضان، هل يقضي عنها؟ قال: أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» «29». بناء علي عدم القول بالفصل بين الصوم و الصلاة كما يظهر من بعض «30» و علي أنّ المسئول عنه وجوب القضاء، لما ذكره في المنتهي من الاتّفاق علي الاستحباب في هذه الصور «31». و يمكن أن يكون طرحا الحلّي «32» لهذه الأخبار لكونها آحادا عنده. و هل يشترط في المقضي عنه الحرّية؟ قولان، أقواهما:
العدم، لإطلاق الروايات «33» و دعوي انصرافها إلي الحرّية في غاية البعد. و توهّم كون الأولي بالعبد مولاه، و لا يجب عليه القضاء إجماعا، مدفوع بأنّ المراد بالأولويّة: الأقربيّة في النسب و الأشدّيّة في علاقة القرابة الّتي هي المقتضية للأولويّة بالإرث و لو اجتمع سائر شروط الإرث، و لذا يجب علي القاتل لأبيه و إن لم يرثه. و حكي عن فخر الدين عدم الوجوب، قال: و منشأ الإشكال عموم قولهم عليهم السلام: «فعلي وليّه أن يتصدّق عنه من تركته» «34» دلّ بالمفهوم علي الحرّيّة، فهذه المسألة ترجع إلي أنّ الضمير إذا رجع إلي البعض هل يقتضي التخصيص أم لا؟ و قد حقّق ذلك في الأصول. و الحقّ عندي عدم القضاء، لما تقدّم «35» (انتهي).
و اعترضه شارح الروضة- بعد نقل هذا الكلام- بأنّا لم نظفر بخبر فيه ذلك، و إنّما الخبر الّذي تعرّض فيه للتصدّق خبر أبي مريم، و ليس فيه ذكر الصوم إلّا بعد التصدّق في إحدي طريقيه و لفظه: «و إن صحّ ثمّ مرض حتّي يموت و كان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ، و إن لم يكن له مال صام عنه وليّه» «36» «37» (انتهي). و لا يخفي ضعف ما ذكره فخر الدين، إذ لو سلّم وجود خبر مشتمل علي المتمّم المذكور، فمقتضي التبادر و إن كان تقييد المطلق به- و ليس هذا من قبيل العام المتعقّب بالضمير الراجع الي بعض أفراده كما لا يخفي- إلّا أنّ تخصيص الخبر المشتمل علي المتمّم «38» لا يقتضي تخصيص باقي «39» المطلقات، لعدم التنافي بينهما. ثمّ إنّ حكم الجارية حكم العبد الميّت.

و أما أحكام القضاء

فيحصل توضيح المهم منها في ضمن مسائل: الأولي: أنّ الظاهر من النص و الفتوي بأنّه «يقضي عن الميّت»، أنّ القضاء عن الميّت نيابة عنه في الفعل، لا أنّه تكليف أصلي علي الوليّ. فلا بدّ فيه من نيّة النيابة كما في الحجّ و الزيارة عن الغير، و لا تبرأ ذمّته بإهداء ثواب العبادة إلي الميّت من دون قصد النيابة، بل لا يشرع هذا الفعل بمجرّد هذه الغاية مع عدم اشتغال ذمّته به أصالة، كمن أراد أن يصلّي ظهرا في غير وقته و يهديه إلي الميّت، لأنّ إهداء الثواب فرع وجوده المتوقّف علي تحقّق الأمر، المفروض عدمه. و يعتبر في القضاء جميع ما كان معتبرا في فعل الميّت، مع قطع النظر عمّا يعرض باعتبار خصوص مباشرة الفاعل له، فيقصر ما فاته سفرا، و يتمّ ما فاته حضرا، و لا يجب عليه الإخفات في أوّليي الجهريّة لو كان النائب رجلا و الميّت امرأة، و يجب الإخفات لو انعكس الفرض، و كذا الكلام في ستر تمام «40» البدن. و الفرق بينهما و بين القصر و الإتمام: أنّ القصر و الإتمام مأخوذان في ماهيّة الصلاة، و أمّا الجهر و الإخفات فإنّما هو باعتبار كون المباشر للفعل امرأة يطلب خفض صوتها و ستر بدنها عند الصلاة، فهما
المكاسب، ج‌4، ص 342
أحكام خصوص الفاعل لا الفعل. و مثلهما الأحكام الثابتة للفاعل باعتبار العجز و القدرة، فإنّ المعيار فيها حال المباشرة للفعل، فيصلّي القادر قائما عمّن فات عنه قاعدا، و يصلّي العاجز قاعدا عمّن فاته قائما. و لا يجب علي الوليّ الاستنابة مع عجزه، للأصل. و ربما يحتمل ذلك بناء علي أنّ الواجب علي الوليّ تحصيل الصلاة بالأجزاء و الشرائط الّتي كانت علي الميّت و إبراء ذمّته بصلاة نفسه أو بالاستنابة، فإذا لم يتمكّن من الصلاة الاختياريّة بنفسه تعيّن عليه الاستنابة.
و يضعّفه أنّ الاستنابة مع جوازها مسقطة للواجب المعيّن علي الوليّ، لا أحد فردي الواجب المخيّر، فلا يتعيّن عند تعذّر الصلاة الاختياريّة، بل ينتقل إلي بدلها الاضطراري كالصلاة قاعدا أو قائما إذا كان غير راج لزوال العذر، بل و إن كان راجيا، بناء علي عدم وجوب تأخير اولي الأعذار، و علي وجوب المبادرة إلي براءة ذمّة الميّت. و لكن الأقوي وجوب الانتظار مع رجاء زوال الأعذار، و الأحوط الاستنابة مع عدمه. و في حكم العجز و القدرة: العلم و الجهل المعذور فيه موضوعا أو حكما كمن جهل القبلة فصلّي إلي الجهة المظنونة أو إلي أربع جهات مع عدم الظنّ، أو صلّي في طاهر كان يعتقده الميّت نجسا، فإنّ هذه الأمور و أشباهها تلحق الفعل باعتبار مباشرته، لا باعتبار ذاته. و من هذا القبيل اختلاف الميّت و النائب في مسائل الصلاة، فإنّ العبرة فيها بمعتقد الفاعل تقليدا أو اجتهادا دون الميّت، حتّي لو فاته صلاة يعتقدها قصرا، كما إذا سافر إلي أربعة فراسخ من دون الرجوع ليومه و اعتقدها الوليّ تماما- لاعتقاده اعتبار الرجوع ليومه في الأربعة- وجب القضاء عنه تماما. نعم لا يجب قضاء ما صلّاه «1» الميّت صحيحا إذا اعتقد الوليّ فسادها، و هو واضح. و الفرق: إنّ فعل الميّت بدل عن الواقع إذا كان مخالفا له، أمّا إذا لم يفعل فالفعل يصير تكليفا للوليّ يوقعه بحسب اعتقاده، حتّي لو اعتقد عدم وجوبه علي الميّت رأسا لم يجب علي الوليّ و إن كان الميّت قد اعتقد وجوبه، كقضاء صلاة الخسوف الّذي لم يعلم به الميّت حتّي انجلي، فلا يجب علي الوليّ قضاؤها إذا اعتقد عدم وجوبه، و إن كان الميّت قد اعتقد وجوب القضاء. و يحتمل وجوب القضاء هنا علي الوليّ إذا اعتقد استحبابه علي تقدير عدم الوجوب، لصيرورة الميّت مشغول الذمّة به في اعتقاده و يمكن إبراء ذمّته فيجب. أمّا إذا لم يعتقد الوليّ استحبابه علي تقدير عدم الوجوب فلا يجوز له الإتيان لعدم تأتّي قصد القربة لكن فرض المسألة خلافيّة لا ينفكّ عن رجحان الإتيان من باب الاحتياط. الثانية: هل ما يفعله الوليّ أداء لما فات عن الميّت باعتبار الأمر الأدائي، فيكون فعله تداركا للأداء؟ كما لو فرض موته قبل خروج وقت الصلاة الّتي فاتته، كما إذا مات بعد مضيّ مقدار الصلاة و الطهارة، أو في غير الفرض المذكور أداء لما فات عن الميّت باعتبار الأمر القضائي فيكون تداركا لقضاء الميّت الّذي هو تدارك لفعله الأدائي، لا تداركا أوّليّا لفعله الأدائي؟. و بعبارة أخري: لا شك أنّ الصلاة عن الميّت كأداء الدين عنه، فهل الملحوظ- في كونه دينا- الأمر الأدائي، أو الأمر القضائي به فيما إذا مات بعد تكليفه بالقضاء؟ وجهان، أظهرهما من أدلّة العبادة عن الميّت و أنّها كأداء الدين عنه، الأوّل، لأنّ ظاهر إطلاق الدين علي العبادة إنّما هو باعتبار مطلوبيّتها الأوّليّة، و الأمر بقضائها أمر بأداء ذلك الدين، فإذا لم يؤدّه بنفسه أدّاه عنه الوليّ، ففعل الوليّ بدل الأداء، لا القضاء. و تظهر الثمرة في اعتبار الأمور المعتبرة في القضاء في فعل الوليّ. توضيح ذلك: أنّ ما كان من الشروط معتبرة في الأداء، فلا إشكال في اعتبارها في القضاء، سواء كان القاضي نفسه حيّا أو وليّه «2» بعد موته، لأنّ تدارك الفائتة لا يحصل إلّا بمراعاتها، لأنّ المفروض كونها مأخوذة في الفائت. و أما الشروط المعتبرة في قضاء الصلاة الّتي دلّ عليها الدليل الخاصّ من دون كونها معتبرة في الأداء، فلا بدّ من الاقتصار في اعتبارها علي مقدار دلالة الدليل، فإذا دلّ الدليل علي اعتبارها في قضاء الشخص عن نفسه فلا يتسرّي إلي قضائه عن غيره. نعم لو قلنا: إنّ الغير إنّما يفعل ذلك القضاء الّذي كان واجبا علي الميّت و امتثالا لأمره القضائي، فلا مناص من مراعاة هذه الشروط. و هذا مثل الترتيب بين الفوائت،- بناء علي اعتباره في القضاء باعتبار دليل خارج، و ليس باعتبار كونه شرطا في الأداء- ، إذ ليس تأخير المغرب عن عصره المتقدّم شرعا شرطا له، و إنّما هو عارض اتّفاقي له حصل من تدريج الزمان، بل تأخير العصر عن الظهر أيضا ليس إلا باعتبار الأمر الأدائي بالظهر، فإذا فات الظهر و العصر فقد ارتفع الأمر الأدائي بالظهر و برئت الذمّة منه، و وجوب وقوع العصر بعد «3» براءة الذمّة من مطلق الأمر بالظهر- و لو كان أمرا قضائيّا- غير معلوم، فتأمّل حتي لا يتوهّم أنّه رجوع عن لزوم «4» اتّحاد القضاء و الأداء في الشروط، لأنّا نلتزم أيضا أنّ كلّما هو شرط في العصر الأدائي شرط في العصر القضائي، لكن ندّعي أنّ الشرط في العصر الأدائي وقوعها بعد براءة الذمّة عن الأمر الأدائي [بالظهر، دون مطلق الأمر بها، و لازم اعتبار شروط
الأداء في القضاء أنّ العصر القضائي أيضا لا بدّ من وقوعها بعد البراءة عن الأمر الأدائي] «5»، و هذا شي‌ء حاصل دائما. فالعمدة في وجوب الترتيب بين الفوائت الإجماع المنقول و بعض الأخبار «6» و هي مختصّة بقضاء الشخص عن نفسه، و المفروض أنّ الوليّ نائب عن الميّت في تدارك الأداء، لا في تدارك القضاء حتّي يقتضي ذلك وجوب مراعاة ما وجب علي الميّت في قضائه عن نفسه. نعم لا يستبعد أن يستظهر من أدلّة الترتيب في قضائه عن نفسه كون مطلق كذلك، سواء كان عن نفسه أو عن الغير. الثالثة: هل يسقط القضاء عن الوليّ بفعل الغير- كما عن الشيخ «7» و جماعة «8»- أم لا- كما عن الحلّي «9» و آخرين «10»- ؟. الأقوي: الأوّل، لعموم ما دلّ علي أنّ الصلاة و الصوم عن الميّت يكتب له «11» و ما دلّ علي أنّ العبادة في ذمّة الميّت كالدين، فكما تبرأ ذمّته بأداء كلّ أحد الدين عنه فكذلك العبادة «12»: و قد تقدّم «13» في رواية الخثعميّة قوله صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «أ رأيت لو كان علي أبيك دين فقضيته أ كان ينفعه ذلك؟ قالت: نعم قال صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: فدين اللَّه أحقّ بالقضاء» «14».
المكاسب، ج‌4، ص 343
فإذا برئت ذمة الميّت بفعل كل من فعل عنه، فلا يبقي في ذمّته شي‌ء حتّي يجب علي الوليّ قضاؤه، ففعل الغير مسقط للوجوب عن الوليّ بسقوط موضوعه- أعني اشتغال ذمّة الميّت- لا أنّ الغير نائب عن الوليّ أو متحمّل عنه، حتّي يقال: إنّ الصلاة و الصوم لا يتحمّلان عن الحيّ، أو يقال: إنّ المخاطب هو الوليّ فيجب عليه المباشرة، فإنّا لم نحكم بامتثال الوليّ إذا استناب غيره، و إنّما نحكم ببراءة ذمّة الميّت، فلا يكون عليه صلاة أو صيام حتّي يقضيه الوليّ. فيظهر من ذلك كلّه أنّ الاستدلال علي المنع بظهور الأدلّة في وجوب المباشرة، أو أنّ الصلاة و الصوم لا تدخلهما النيابة عن الحيّ، في غير محلّه، فإذن ما ذكرنا ينافي التصريح عن المشهور بوجوب مباشرة الوليّ له. و يدلّ علي السقوط- مضافا إلي ما ذكرنا- الموثّقة: «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: لا يقضيه إلّا مسلم عارف» «1». دلّ علي عدم إجزاء قضاء غير العارف بالأئمة عليهم السلام و إن كان وليّا، و جواز قضاء العارف و إن لم يكن وليّا. و لا يجوز أن يكون المراد بغير العارف في السؤال، و بالعارف في الجواب خصوص الوليّ، كما لا يخفي. و مرسلة الفقيه عن الصادق عليه السلام: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» «2». فإنّه بعد قيام القرينة علي عدم إرادة ظاهر الخبر- و هو الوجوب الكفائي- ظاهر في أنّ كلّ أحد من أهله مرخّص في إبراء ذمّة الميّت، و تخصيص «الأهل» مع أنّ غيرهم أيضا مرخّص، لأجل حصول مشيئة القضاء فيهم غالبا، دون غيرهم. و الموثّق- كالصحيح- المحكيّ عن زيادات التهذيب، عن أبي بصير: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال: يقضيه أفضل أهل بيته» «3». دلّ- بعد قيام الدليل علي عدم وجوب القضاء علي أفضل أهل البيت- علي استحباب تفويض الوليّ القضاء إليه إن لم يكن هو وليّا، و علي عدم تفويضه إلي غيره إن كان هو الولي. و استدلّ الحليّ «4» و من تبعه «5» علي عدم سقوطه بفعل الغير بما يرجع حاصله إلي أصالة عدم السقوط بعد كون الوليّ هو المخاطب، و زاد في الذكري: أنّ الصلاة لا تقبل التحمّل عن الحيّ «6». و يعرف الجواب عن ذلك كلّه بما ذكرنا من أنّ الغير ليس متحمّلا عن الوليّ، و إنّما يبرئ ذمّة الميّت فيرتفع الوجوب عن الوليّ. نعم يمكن أن يستدلّ لهم بمكاتبة الصفّار إلي أبي محمّد العسكري عليه السلام: «رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام، و له وليّان، هل يجوز أن يقضيا عنه جميعا عشرة أيّام، خمسة أيام أحد الوليّين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: يقضي عنه أكبر وليّيه «7» عشرة أيّام ولاء إن شاء اللَّه تعالي» «8». فإنّ المنع عن إقدام الوليّين علي القضاء بالتوزيع مع كون أحدهما أكبر، يدلّ علي عدم جواز تبرّع الأصغر بقضاء خمسة أيّام. و حمل الأمر بالقضاء علي الاستحباب ينافيه- مع كون السؤال عن أصل الجواز- أنّ المستحبّ هو تعجيل إبراء ذمّة الميّت الحاصل بقضاء كلّ منهم خمسة دون صوم الأكبر عشرة ولاء، فالظاهر أنّ الأمر بالولاء لوجوب المبادرة إلي إبراء الذمة، ففيه دلالة علي عدم جواز تبرّع غير الوليّ، مضافا إلي اقتضاء تطابق الجواب و السؤال لذلك. و علي أيّ تقدير: فقوله عليه السلام: «يقضي عنه» ليس مستعملا في الوجوب بقرينة تقييده بالولاء، فليت شعري كيف استدلّ به المشهور علي وجوب تقديم الأكبر عند تعدّد الأولي بالإرث. إلّا أن يقال: إنّ الاستحباب مناف لوجوب المبادرة إلي إبراء ذمّة الميّت، فلو جاز لغير الوليّ القضاء لم يرجّح انفراد الوليّ به علي المشاركة. فظاهر الرواية لو حمل علي الوجوب نافي مذهبهم في جواز تبرّع الغير، و لو حمل علي الاستحباب لم يدلّ علي مذهبهم بتعيّن القضاء علي الأكبر. ثمّ إنّ ما ذكرنا من سقوط القضاء عن الميّت بفعل الغير يعمّ المتبرّع، و الموصي إليه، و المستأجر. أمّا المتبرّع: فلا فرق فيه بين أن يقع بإذن الوليّ أو بدون إذنه، إذ المفروض عدم تحمّله شيئا عن الوليّ حتّي يحتاج إلي إذنه. و أمّا الموصي إليه:
فإن قبل الوصيّة وجب عليه الفعل و لو كان تبرعا أو أوصي بالاستئجار من مال الموصي اليه علي ما يظهر من الذكري «9» و المحكيّ عن ابن طاوس «10» و غير واحد من المعاصرين «11»،
بل في المناهل دعوي ظهور الاتّفاق عليه «12» و عن التذكرة: أنّه إذا أوصي الإنسان بوصيّة فإنّ وصيّته تنفذ و يجب العمل بها إجماعا «13». و في دلالته علي المدّعي نظر.
نعم استدلّ عليه بعموم حرمة تبديل الوصيّة المستفاد من الآية «14» و من الأخبار «15» المستشهدة بالآية. و يظهر من العبارة المحكيّة عن التذكرة أنّ هذا النحو من قبول الوصيّة بمنزلة الوعد لا يجب الوفاء به، قال- في مقام الاستدلال علي وجوب قضاء الصوم عن المرأة برواية أبي بصير: «عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوّال، فأوصتني أن أقضي عنها، قال: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، قال: لا تقضي عنها فإنّ اللَّه تعالي لم يجعله عليها، قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللَّه عليها، فإن اشتهيت أن تصوم فصم لنفسك» «16»: استفسر عليه السلام عن حصول البرء أوّلا، و لو لم يجب القضاء مع البرء لم يكن للسّؤال معني. ثمّ قال: لا يقال: قد حصلت الوصية فجاز أن يكون الوجوب بسببها. لأنا نقول: الوصية لا تقتضي الوجوب، أما مع عدم القبول فظاهر، و أما مع القبول فلأنّه راجع إلي الوعد «17» (انتهي). و كيف كان: فهل الوصيّة النافذة تسقط الوجوب عن الوليّ، أم لا؟ صريح الشهيدين «18» و صاحب الموجز «19» و شارحه «20» و صاحب الذخيرة «21» ذلك، و لعلّه «22» لأنّ بعد فرض وجوب العمل بوصيّته لا يجب الفعل الواحد عينا علي مكلّفين، و إرجاعه إلي الوجوب الكفائي مخالفة لظاهر التكليفين، و الحكم بالوجوب علي الوليّ مناف لفرض نفوذ الوصيّة، فإنّ التحقيق أنّ دليل وجوب العمل بالوصيّة حاكم علي أدلّة مثل هذا الحكم، أعني الوجوب علي الوليّ، و إلّا فكلّ واقعة قبل تعلّق الوصيّة بها لها حكم غير ما تقتضيه الوصيّة، و لذا لم يستدلّ الشهيد رحمه اللَّه «23» و من تبعه «24» علي السقوط بأزيد من أنّ العمل بما رسمه الموصي واجب. نعم زاد صاحب الذخيرة: أنّ المتيقن من موارد الوجوب علي الولي ما إذا لم يوص الميت «25». و لا بأس به، لأنّ الظاهر من قول السائل: «يموت الرجل و عليه صلاة أو صيام من يقضيه؟» «26» فرض عدم وجود من أقدم علي إبرائه و وجب عليه ذلك. و ربّما يقال أيضا: إنّ النسبة بين أدلّة الوجوب علي الوليّ و أدلّة وجوب العمل بالوصيّة
المكاسب، ج‌4، ص 344 عموم من وجه، و الترجيح مع أدلّة الوصيّة. و فيه نظر، بل التحقيق الحكم بحكومة أدلّة الوصيّة كما يحكم في سائر الموارد، لما عرفت من أنّ كلّ وصيّة فهي ترد علي واقعة لها حكم و دليل لو لا الوصيّة، فلا يعارض بدليلها أدلّة الوصيّة، فلاحظ، فأدلّة العمل بالوصيّة شبيهة بأدلّة النذر و شبهه. و يظهر من شرح الوحيد البهبهاني:
عدم السقوط عن الوليّ بالوصيّة، بل يكون الوجوب عليهما نظير الكفائي «1». فإن أراد به كون الوجوب كذلك من أوّل الأمر و حين موت المقضيّ عنه، ففيه نظر عرفت وجهه. و إن أراد أنّ السقوط مراعي بفعل الوصيّ، فلا تبرأ ذمّته مطلقا إلّا بعد فعله، و لو تركاه استحقّا العقاب، فلا بأس به، لكن لا يجب تحصيل العلم أو الظنّ علي الوليّ بقيام الوصيّ به، بل لو ظهر له فواته من الوصيّ بحيث لا يمكن له الإتيان بموته أو نحوه، تعيّن علي الوليّ، للعمومات السليمة عن المعارض. إلّا أن يقال- بعد تسليم ما ذكر سابقا من كون مورد الحكم في الأخبار غير صورة إيصاء الميّت- : لا دليل علي عود الوجوب بعد تحقّق السقوط. و أمّا الاستيجار: فلا كلام فيه من حيث براءة ذمّة الميّت بفعل الأجير إذا فعلها علي الوجه الصحيح، سواء كان له وليّ فكان المستأجر هو أو غيره، أم لم يكن له وليّ. و إنّما الكلام في صحّة الاستيجار و عدمها. و الثمرة بعد الاتّفاق علي الصحّة، لو وقع من الأجير صحيحا كما لو وقع من غيره من في أمرين: أحدهما: انتقال مال الأجرة إلي الأجير. و الثاني: أنّ كون الداعي للعمل هو تحصيل استحقاق الأجرة غير قادح في نيّة القربة المعتبرة في جميع العبادات. فنقول: أمّا صحّة الاستيجار: فالحقّ صحّته وفاقا للمعظم، لوجوه:
الأوّل: الإجماعات المستفيضة عن جماعة كالشهيد قدّس سرّه حيث قال في الذكري: إنّ هذا النوع ممّا انعقد عليه إجماع الإماميّة الخلف و السلف، و قد تقرّر أنّ إجماعهم حجّة قطعية «2» (انتهي). و حكي الإجماع أيضا عن الإيضاح «3» و جامع المقاصد «4» و إرشاد الجعفرية «5». بل عن ظاهر مجمع الفائدة أيضا «6»، و عن بعض الأجلّة- كأنّه صاحب الحدائق- عدم الخلاف في المسألة «7». و يؤيّد ذلك- مضافا إلي الشهرة العظيمة، إذ لم يخدش في ذلك إلّا صاحبا الكفاية «8» و المفاتيح «9»- استقرار سيرة الشيعة في هذه الأعصار و ما قاربها من المجتهدين و العوام و المحتاطين علي الاستيجار و الإيصاء به. و يدلّ علي المسألة- مضافا إلي ما عرفت- أنّ المقتضي لصحّة الاستيجار موجود و المانع مفقود، لاتّفاق المسلمين علي أنّ كلّ عمل مباح «10» مقصود للعقلاء لا يرجع نفعه الي خصوص العامل و لم يجب عليه يجوز استئجاره عليه، و منع «11»
تحقّق الإجماع في خصوص كلّ مقام ضروري الفساد عند أدني محصّل، إذ لم تسمع المناقشة في هذه القاعدة و مطالبة الدليل علي الصحّة في كلّ مورد من الأعمال المستأجر عليها كما في الأعيان المستأجرة. هذا كلّه مضافا إلي العمومات الدالّة علي صحّة إجارة الإنسان نفسه، كما في رواية تحف العقول «12» و غيرها «13» و عمومات الوفاء بالعقود «14» و حلّ أكل المال بالتجارة عن تراض «15» و عمومات الصلح إذا وقعت المعاوضة علي جهة المصالحة «16». و بالجملة: فالأمر أظهر من أن يحتاج إلي الإثبات. ثمّ إنّ ما ذكره المخالف في المقام لا يوجب التزلزل فيما ذكرناه من الدليل، إذ المحكيّ عن المحدّث الكاشاني في المفاتيح ما هذا لفظه: «أمّا العبادات الواجبة عليه الّتي فاتته، فما شاب منها المال كالحجّ يجوز الاستئجار له كما يجوز التبرّع به عنه بالنصّ و الإجماع، و أمّا البدنيّ المحض- كالصلاة و الصيام- ففي النصوص أنّه «يقضيها عنه أولي الناس به» «17»، و ظاهرها التعيّن عليه، و الأظهر جواز التبرّع بهما عنه من غيره أيضا. و هل يجوز الاستيجار لهما عنه؟ المشهور نعم، و فيه تردّد، لفقد نص فيه، و عدم حجّيّة القياس حتّي يقاس علي الحجّ أو علي التبرّع، و عدم ثبوت الإجماع بسيطا و لا مركّبا، إذ لم يثبت أنّ كلّ من قال بجواز التبرّع «18» قال بجواز الاستيجار لهما. و كيف كان: فلا يجب القيام بالعبادات البدنيّة المحضة بتبرع و لا استئجار، إلّا مع الوصيّة» «19» (انتهي). و الظاهر أنّ استثناء الوصيّة من نفي الوجوب رأسا، فيجب مع الوصيّة في الجملة، لا مطلقا حتّي يشمل الوصيّة بالاستئجار، كما زعمه بعض فأورد عليه بأنّه لا تأثير للوصيّة في صحّة الاستيجار. و كيف كان: فحاصل ما ذكره- كما حصّله بعض- يرجع إلي التمسّك بالأصل. فإن أراد أصالة الفساد بمعني عدم سقوطه عن الوليّ و عدم براءة ذمّة الميّت، ففيه أنّه لا يعقل الفرق بين فعل الأجير إذا وقع جامعا لشرائط الصحّة و فعل المتبرّع في براءة ذمّة الميّت و الوليّ في الثاني دون الأوّل و إن قلنا بفساد أصل الإجارة. و دعوي عدم وقوع فعل الأجير صحيحا، لعدم الإخلاص- مع أنّه كلام آخر يأتي الإشارة إليه- مدفوعة بأنّه قد لا يفعله الأجير إلّا بنيّة القربة، إذ الاستيجار لا يوجب امتناع قصد القربة. و إن أراد به أصالة فساد الإجارة، بمعني عدم تملّك الأجير للأجرة المسمّاة و عدم تملّك المستأجر العمل علي الأجير ليترتّب عليه آثاره، ففيه ما عرفت سابقا من أنّه لا معني لمطالبة النصّ الخاصّ علي صحّة الاستيجار لهذا العمل الخاصّ من بين جميع الأعمال الّتي يعترف بصحّة الاستيجار عليها من غير توقف علي نص خاصّ، فهل تجد من نفسك التوقّف في الاستيجار لزيارة الأئمة عليهم السلام من جهة عدم النصّ الخاصّ، و كون إلحاقه قياسا محرّما؟. و الحاصل: أنّ التوقّف في صحّة الاستيجار في هذا المورد الخاصّ من جهة عدم الدليل في غاية الفساد، مضافا إلي ما عرفت سابقا من وجود النصّ علي صحّة الاستيجار علي الصوم، أو علي ما هو بمنزلة الاستيجار- كالجعالة و المصالحة- مثل ما عن الصدوق في الفقيه، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «في رجل جعل عليه صياما في نذر فلا يقوي. قال: يعطي من يصوم عنه كلّ يوم مدّين» «20» فإنّ غاية الأمر حملها علي الاستحباب علي فرض انعقاد الإجماع علي عدم وجوب الاستنابة عند العجز، لكنّه كاف في إثبات المشروعيّة. ثمّ إنّ لصاحب المفاتيح دعوي أخري في هذا المقام من جهة عدم قصد التقرّب فيما يفعله الأجير، تبع فيه بعض من تقدّمه، قال في المفاتيح- علي ما حكي عنه- ما هذا لفظه: «و الّذي يظهر لي أنّ ما يعتبر فيه التقرّب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا، لمنافاته الإخلاص، فإنّ النيّة- كما مضي- ما
المكاسب، ج‌4، ص 345
يبعث علي الفعل، دون ما يخطر بالبال. نعم يجوز فيه الأخذ إن اعطي علي وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال من غير تشارط. و أمّا ما لا يعتبر فيه ذلك، بل يكون الغرض منه مجرّد صدور الفعل علي أيّ وجه اتّفق، فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط فيما له صورة العبادة فيكون مسقطا للعقاب عمّن وجب عليه و إن لم يوجب الثواب له. و أمّا جواز الاستيجار للحجّ- مع كونه من القسم الأوّل- فلأنّه إنّما يجب بعد الاستيجار و فيه تغليب لجهة الماليّة، فإنّه إنّما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتّي يتمكّن من الحجّ، و لا فرق في صرف المال في الطريق بين أن يصدر من صاحب المال أو نائبه. ثمّ إنّ النائب إذا وصل إلي مكّة و تمكّن من الحجّ أمكنه التقرّب به، كما إذا لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوّع. أو نقول: إنّ ذلك أيضا علي سبيل الاسترضاء للتبرّع، أما الصلاة و الصوم فلم يثبت جواز الاستيجار لهما كما مرّ» «1». و ربما يستفاد هذا من كلام بعض من سبقه كما سيجي‌ء. و الجواب عنه، أوّلا: بالنقض ببعض الواجبات و المستحبّات المعتبر فيها التقرّب، كالحجّ و صلاة الطواف و الزيارات المندوبات إذا وقعت الإجارة علي نفس الأفعال فقط أو مع المقدّمات. و دعوي خروجها بالنص و الإجماع إن رجعت إلي دعوي عدم اعتبار القربة فيها كانت فاسدة بالبداهة، و إن رجعت إلي دعوي الفرق بينها و بين الصلاة و الصوم في منافاة الأجرة لقصد القربة فيهما دونها، فأظهر فسادا من الأوّل، ضرورة اتّحاد القربة المعتبرة في جميع العبادات. و أمّا ثانيا: فبالحلّ، و قد تقرّر بما حاصله: جعل التقرّب صفة للفعل و استحقاق الأجرة غاية، فيقال: إنّ النيّة مشتملة علي قيود: منها كون الفعل خالصا للَّه سبحانه، و منها كونه أداء أو قضاء، عن نفسه أو عن الغير، بأجرة أو بغيرها، و كلّ من هذه القيود غير مناف لقصد الإخلاص، و الأجرة فيما نحن فيه إنّما وقعت أوّلا و بالذات بإزاء القيد الثاني- أعني النيابة عن زيد- بمعني أنّه مستأجر علي النيابة عن زيد بالإتيان بهذه الفريضة المتقرّب بها، و قيد القربة في محلّه علي حالة لا تعلّق للإجارة إلّا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه. نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرّب زيادة علي التقرّب المشروط في صحّة العبادة، اتجه منافاة الأجرة لذلك، إلّا أنّه ليس بشرط إجماعا. و بالجملة: فإنّ أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه، لكنّ الداعي عليها و الباعث عليها مع التقرّب هو هذا المبلغ الّذي قرّر له. و لذلك نظائر في الشرع يوجب رفع الاستبعاد، مثل صلاة الاستسقاء و الاستخارة و طلب الحاجة و الولد و الرزق، و نحوها ممّا كان الباعث عليها أحد الأغراض، فإنّ أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه و يتقرّب بها إليه جلّ ذكره، و لكن الحامل عليها أخذ الأمور المذكورة، بمعني أنّه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه اللَّه لأجل هذا الغرض الحامل عليها «2» (انتهي). و لا يخفي ما فيه، لابتناء ما ذكره المحدّث المتقدّم علي اعتبار كون القربة و الإخلاص داعيا و حاملا علي الفعل بحيث لا يشركه بغيره و هو الحقّ الّذي لا محيص عنه، فجعل الغرض و الداعي أمرا آخر مخالف لذلك. مع أنّ كون القربة و الإخلاص من قبيل الأداء و القضاء من قيود الفعل لا محصّل له، بناء علي أنّ قصد القربة عبارة عن قصد امتثال أمر اللَّه و طلب رضا اللَّه بذلك الفعل. فالتحقيق في الجواب أن يقال: قد عرفت سابقا أن معني النيابة هو تنزيل الشخص منزلة الغير في إتيان العمل الخاصّ، و قد عرفت أيضا مشروعيّته و رجحانه، و مقتضي هذا التنزيل كون الفعل المقصود به حصول التقرّب و الثواب موجبا لتقرّب ذلك الغير، لا العامل، لأنّه لم يتقرّب بذلك الفعل إلّا بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه، فصار المنوب عنه هو المتقرّب، و لذا يعود النفع إليه. ثم إنّ هذا التنزيل هو بنفسه فعل يمكن أن يقع للدواعي المختلفة، فقد يكون الداعي ما حكم العقل و النقل به من حسن هذا التنزيل و أنّه محبوب للَّه تعالي و أنّ الفاعل يثاب عليه، فلا يوقع هذا التنزيل إلّا للَّه تعالي. و قد يكون الداعي عليه حبّ ذلك الغير لأمر دنيوي- كقرابة أو صداقة أو إحسان يريد مكافأته أو غير ذلك- من غير التفات إلي كون هذا التنزيل ممّا أمر به استحبابا و أراده الشارع، و هذا هو الأكثر في العوام حيث لا يكون الداعي و الحامل لهم علي العمل إلّا ما يسمع من وصول النفع إلي الميّت بهذه العبادة أو هذه الصدقة، و لا يلتفتون إلي وصول
نفع و ثواب إليهم، بل لا يعتقدونه، بل قد لا يصدّقون من يخبرهم بذلك قائلين: إنّا نفعل هذا و ثوابه لميّتنا، و لا شكّ أنّ النيابة بهذا القصد لا يوجب عدم صحّة العمل، لأنّ التقرّب علي وجه النيابة حاصل. نعم النيابة علي وجه التقرّب غير حاصل، و الموجب لصحّة الفعل علي وجه النيابة هو الأوّل، و الثاني يعتبر في صحّة نفس النيابة الّتي هي عبادة باعتبار تعلّق الأمر الاستحبابي به عقلا و نقلا. إذا عرفت هذا فنقول: كون الداعي علي النيابة و تنزيل نفسه منزلة الغير في إتيان الفعل تقرّبا إلي اللَّه هو مجرّد استحقاق الأجرة، إنّما يوجب عدم الخلوص و التقرّب في موافقة أوامر النيابة و عدم حصول ثواب للنائب، لعدم امتثاله أوامر النيابة و عدم إخلاصه فيها، و هذا لا يوجب عدم صحّة العمل الّذي جعل نفسه فيه بمنزلة الغير و أتي به عنه تقرّبا إلي اللَّه، فالنيابة عن الميّت لمجرّد استحقاق الأجرة كالنيابة عنه لمجرّد محبّة الميّت لكونها زوجة للنائب قد شغفته حبّا لحسنها، بحيث لا يريد من صدقاته و عباداته عنها إلّا مجرّد إيصال الثواب إليها، أو كالنيابة عنه لكونه محسنا إليه في أيّام حياته و معينا له في أمر دنياه أو دينه. نعم لو نوي الأجير النيابة عن الميّت لأجل إيصال النفع إلي أخيه المؤمن و لأجل امتثاله للوجوب الحاصل من جهة وجوب الوفاء بالعقود، كان مثابا في عمله مأجورا في الدنيا و الآخرة. و عليه يحمل ما ورد من قول الصادق عليه السلام لمن استأجره للحجّ عن إسماعيل- بعد ما شرط آدابا كثيرة- : «انه إذا فعلت كذلك كان لإسماعيل واحد بما أنفق من ماله، و لك تسعة بما أنعمت من ربّك» «3». ثمّ إنّ هنا كلمات للفقهاء لا بأس بإيرادها ليعلم حالها بمقايسة ما ذكرنا من التوجيه في نيّة التقرّب، و أنّ ما ذكره المحدّث الكاشاني «4» موافق لبعضها، فنقول- تعويلا علي ما حكي عنهم- : قال في القواعد: و كذا
المكاسب، ج‌4، ص 346
لو آجر نفسه للصلاة الواجبة عليه، فإنّها لا تقع عن المستأجر، و هل تقع عن الأجير؟ الأقوي العدم. «1» (انتهي). و حكي اختيار عدم وقوعها عن الأجير عن الإيضاح «2» و جامع المقاصد «3» معلّلا بأنّ الفعل الواحد لا يكون له غايتان متنافيتان، إذ غاية الصلاة التقرّب و الإخلاص خاصّة، و غاية العبادة في الفرض حصول الأجرة، و لأنّه لم يفعلها عن نفسه لوجوبها عليه بالأصالة [بل لوجوبها عليه بالإجارة لمكان أخذ العوض في مقابلها، فلا يكون هي الّتي في ذمّته، لأنّ الّتي في ذمّته هي الواجبة عليه بالأصالة] «4». و وجه غير الأقوي أنّ ذلك علّة و باعث في حصول الداعي إلي الصلاة الجامعة لما يعتبر في صحّتها، فكان كالأمر بالصلاة و نحوها ممّن يطاع، و كما في الاستيجار للصلاة عن الميّت و الحج و غيرها من العبادات، و علّيته للداعي لا تبطل الفعل. و أجاب في جامع المقاصد بأنّ العلّة متي نافت الإخلاص و كانت غاية اقتضت الفساد، و العلّة و الغاية هنا حصول الأجرة «5». و حكي عن الإيضاح ما في معني هذا، و زاد: إنّ الإجماع فرّق بين هذه الصورة و الاستيجار عن الميّت «6». و عن جامع المقاصد: أنّه متي لحظ في الصلاة عن الميّت فعلها لحصول الأجرة كانت فاسدة «7». (انتهي ما حكي عن هؤلاء في هذا المقام) و عليك بالتأمّل فيها و فيما ذكرناه قبل ذلك. ثمّ إنّ بما ذكرنا يعلم أنّه لا حاجة في صلاة الاستيجار إلي قصد التقرّب باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة- كما زعمه بعض «8»- لأنّ ذلك الوجوب توصّلي لا يحتاج سقوطه إلي قصده، و جعله غاية و التقرّب المحتاج إليه في صحة الصلاة لتبرّي ذمّة المنوب عنه لا يعقل أن يكون باعتبار ذلك الوجوب التوصّلي، و إلّا للزم الدور، فإنّ صحّة الاستيجار الّتي يتوقّف عليها حصول الوجوب موقوفة علي فعل الصلاة عن النائب متقرّبا إلي اللَّه، فكيف يكون فعله بقصد التقرّب موقوفا علي حصول الوجوب؟! اللَّهم إلّا أن يقال: فعله عن الميّت متقرّبا إلي اللَّه شي‌ء ممكن قبل الإجارة باعتبار رجحان النيابة عن الغير في العبادات عقلا و نقلا، فإذا وقع في حيّز الإجارة تبدّلت صفة ندبه بصفة الوجوب، كما في صلاة التحيّة الّتي تقع في حيّز النذر. و فيه نظر، مع أنّ ما ذكر من قصد التقرّب باعتبار الوجوب الحاصل بالإجارة إنّما يصحّح الفعل المستأجر عليه، أمّا إذا وقعت المعاوضة علي وجه الجعالة، أو أمره بالعمل عن الميّت، فعمل رجاء للعوض من دون سبق معاملة، فلا يجري ما ذكره، لعدم الوجوب، فينبغي أن لا يصحّ فعله له لداعي استحقاق العوض، مع أنّ الظاهر عدم القول بالفصل بين الإجارة و الجعالة و فعل العمل عقيب أمر الآمر به غير ناو للتبرّع. ثمّ إنّ المحقّق القميّ رحمه اللَّه في بعض أجوبة مسائله ذكر أنّ الاعتماد في صحّة الاستيجار للعبادة علي الإجماعات المنقولة، دون ما ذكره الشهيد في الذكري من الاستدلال عليه بمقدّمتين إجماعيّتين الراجع إلي ما ذكرنا في الوجه الثاني من وجود المقتضي و انتفاء المانع. إحداهما: إنّ العبادة عن الغير يقع عنه و يصل اليه نفعه، و هذه المقدّمة ثابتة بإجماع الإمامية و النصوص المتواترة. و الثانية: إنّ كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستيجار له، و هذه أيضا إجماعية. و علّل عدم الاعتماد علي هذا الاستدلال بأنّه مستلزم للدور، و لم يبيّن وجهه في ذلك الموضع، بل إحالة إلي بعض مؤلّفاته «9». و كأنه أراد بالدور ما ذكرنا، بناء علي أنّ قصد التقرّب المعتبر في المقدّمة الاولي من دليله- و هي وقوع العمل عن الغير و وصول نفعه إليه- موقوف علي النتيجة، و هي صحّة استئجاره للعمل عن الغير ليحصل الأمر فيقصد التقرّب بامتثال هذا الأمر، إذ مع قطع النظر عن الإجارة لم يتعلّق أمر بإيقاع العمل عن الغير في مقابل العوض حتّي يتصوّر فيه قصد التقرّب. نعم تعلّق الأمر في الأخبار الكثيرة بإيقاع العمل عن الميّت تبرّعا، «10» و هذا ليس منه «11». و قد عرفت ممّا ذكرنا في بيان قصد التقرب أنّ التقرّب إنّما يقصد في الفعل الّذي يتعلّق به النيابة لا في نفسها. و الحاصل أنّ النائب ينزّل نفسه لأجل العوض أو غرض دنيوي آخر منزلة الغير في إيقاع الفعل تقرّبا إلي اللَّه، لا أنّه ينزّل نفسه قربة إلي اللَّه و امتثالا لأمره منزلة الغير في إيقاع الفعل، حتّي يقال: إنّه موقوف علي وجوب النيابة أو استحبابها و لم يثبت إلّا تبرّعا، و وجوبها فرع صحّة الإجارة المتوقّفة علي إحراز القربة المصحّحة قبل الإجارة حتّي يصح تعلّق الإجارة. ثمّ إنّ ما ذكرنا من الاتّفاق علي صحّة الاستيجار لا ينافي ما تقدّم من الخلاف في جواز استئجار الوليّ، لأنّ الكلام هناك في سقوطه عن الولي
بالاستئجار لا في صحّته، فالقائل بالاستئجار و بعدم جوازه من الوليّ لا يمنع من الاستيجار إذا لم يكن وليّ أو أوصي الميّت بالاستئجار أو استأجر متبرّع من ماله، كما أنّ المانع من الاستيجار لا يمنع تبرّع غير الوليّ بالعمل كما عرفت من المحدّث الكاشاني «12».
فالنسبة بين القول بصحة الاستئجار و صحّة قيام غير الوليّ بالعمل بإذنه أو بدون إذنه، عموم من وجه.

فرع


الظاهر أنّه لا يجوز استئجار العاجز عن الأفعال الواجبة كالقيام و لو كان الفائت من الميّت كذلك، لانصراف أمر القضاء أو الاستيجار إلي الفعل التام. فلو آجر نفسه للعمل فطرأ عليه العجز عن أفعال الصلاة الاختيارية- كالقيام- فاحتمل في الجعفريّة انفساخ العقد، و تسلّط المستأجر علي الفسخ، و الرجوع بالتفاوت، و الإتيان بمقدوره، قال: و هذا أضعفها «13» (انتهي). و الظاهر أنّ هذه الاحتمالات مع تعيّن المباشرة عليه، و إلّا وجب الاستنابة كما لو مات. ثمّ إنّ الأوفق بالأصول الانفساخ، لعدم تمكّنه من العمل المستأجر عليه «14».
المكاسب، ج‌4، ص 347

4- رسالة في المواسعة و المضايقة

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

مسألة اختلفوا في وجوب تقديم الفائتة علي الحاضرة علي أقوال:

أحدها: عدم الوجوب مطلقا

، و هو المحكي عن الحلبي في كتابه «1»- الذي استحسنه أبو عبد اللَّه صلوات اللَّه عليه بعد عرضه عليه- «2» و عن الحسين بن سعيد «3»، بل عن أخيه الحسن أيضا- بناء علي أنّ ماله من الكتب كان لأخيه أيضا- «4»، و عن أبي جعفر أحمد بن محمّد بن عيسي الأشعري القمي «5» و محمّد بن عليّ بن محبوب «6»، و عن الصدوقين «7»، و عن الجعفي صاحب الفاخر- المعروف في كتب الرجال- بأبي الفضل الصابوني «8»
الذي يروي عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين- و عن الشيخ أبي عبد اللَّه الواسطي- من مشايخ الكراجكي- و المعاصر للمفيد قدّس سرّه حيث قال- في مسألة «من ذكر صلاة و هو في اخري»- : إنّه قال أهل البيت عليهم السلام: «يتمّ التي هو فيها، و يقضي ما فاته» و به قال الشافعي، ثمّ ذكر خلاف باقي الفقهاء «9». و في المحكي عن موضع آخر من كتابه أنّه قال: دليلنا علي ذلك ما روي عن الصادق عليه السلام: أنّه قال: «من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخري فائتة أتمّ التي هو فيها، ثمّ قضي ما فاته» «10». و عن الشيخ قطب الدين الراوندي- من مشايخ ابن شهر آشوب- «11» و عن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي «12» و الشيخ الإمام أبي طالب عبد اللَّه بن حمزة الطوسي «13» و الشيخ أبي عليّ الحسن بن طاهر الصوري «14» و عن الشيخ يحيي بن حسن بن سعيد- جدّ المحقق- «15» و عن ولد ولده ابن سعيد- ابن عمّ المحقق- في الجامع «16» و عن السيّد الأجلّ عليّ بن طاوس «17» و عن العلّامة في كثير من كتبه «18» و عن والده «19» و ولده «20» و ابن أخته السيّد عميد الدين «21» و أكثر من عاصره «22» و الشهيد «23» و المحقّق الثاني «24» و ولده «25» و السيوري «26»
و ابن القطّان «27» و ابن فهد «28» و الصيمري «29» و الشهيد الثاني «30» و ولده «31» و تلميذه «32» و ولد ولده «33» و الشيخ البهائي «34» و المحقّق الأردبيلي «35» و المحقّق الجواد الكاظمي «36» و الفاضل الهندي «37» و السيّد المحدّث نعمة اللَّه الجزائري «38» و ولد ولده السيّد عبد اللَّه «39»- في شرح النخبة- «40» و المحقّق الوحيد البهبهاني «41» و أكثر تلامذته، منهم السيّد محمّد مهدي الطباطبائي «42» و الشيخ الوحيد الفقيه الشيخ جعفر «43» و جماعة من علماء البحرين «44» و أكثر المعاصرين، بل كلّهم «45» و قدصرّح جماعة بدعوي الشهرة عليه مطلقا «46» أو بين المتأخّرين «47».
و هؤلاء- مع اتّفاقهم علي جواز تقديم الحاضرة- بين من يظهر منه وجوبه- كما عن ظاهر جماعة من القدماء- «48» فيكون الفائتة بالنسبة إلي الحاضرة كالكسوفين بالنسبة إليها- عند جماعة- «49» و بين من يظهر منه استحبابه كما عن ظاهر بعضهم، و صريح أبي علي الصوري- المتقدّم إليه الإشارة «50»- و بين من نصّ علي استحباب تقديم الفائتة «51»
و من نصّ علي استحباب تأخير الحاضرة استنادا إلي الاحتياط لأجلها، و من يظهر منه التخيير المحض بالنسبة إلي ما عدا الفائتة الواحدة و فائتة اليوم كما عن رسالة الملاذ للمحقّق المجلسي «52» حيث حكم بأنّ الأحوط تقديم الفائتة الواحدة، و فائتة اليوم، و أمّا مطلق الفوائت فالظاهر عدم وجوب تقديمها، بل و لا أفضليته (انتهي). لكنّ الإنصاف أنّ هذا ليس قولا بالتخيير، لأنّ عدم أفضلية تقديم الفائتة يلزمه القول برجحان تقديم الحاضرة، لعمومات «53» رجحان تقديمها «54» فإنّ من يقول برجحان تقديمها لا يقول إلّا لأجل العمومات و النصوص الدالّة علي رجحان تقديمها علي الفائتة، لأجل إدراك فضيلة وقت الحاضرة، فتأمّل. و علي كلّ حال فيمكن القول باستحباب تأخير الحاضرة لمراعاة الاحتياط الغير اللّازم، مع استحباب تقديم الحاضرة، إمّا لعموم فضيلة أوّل الوقت «55» و إمّا للنصوص الخاصّة «56»، و لا منافاة بين الاستحبابين، كما نقول: إنّ الإتمام في الأماكن الأربعة أفضل، و القصر أحوط. بل يمكن القول باستحباب تقديم الحاضرة من جهة عمومات فضيلة أوّل الوقت و استحباب تقديم الفائتة إمّا بالخصوص «57» أو لأدلّة المسارعة إلي الخير «58»، فتأمّل. و الحاصل: أنّ لكلّ من استحباب تقديم الحاضرة و استحباب تقديم الفائتة وجوها ثلاثة: النصّ الخاصّ المحمول علي الاستحباب، و عمومات‌المبادرة إلي الطاعات، و الاحتياط بناء علي وجود القول بوجوب تقديم الحاضرة كالقول بوجوب تقديم الفائتة، و يزيد استحباب تقديم الحاضرة بوجه رابع و هو ما دلّ علي فضيلة أوّل الوقت لها، حيث إنّ لخصوصيّة الجزء الأوّل من الوقت مدخلا في الفضيلة، لا أنّ ذلك لمجرّد رجحان المبادرة إلي إبراء الذمّة، علي ما يومئ إليه بعضها «59». فعليك بالتأمّل فيما يمكن اجتماعه من وجوه استحباب تقديم الفائتة، مع وجوه استحباب تقديم الحاضرة، و سيجي‌ء لهذا مزيد بيان عند ذكر الأخبار الواردة في الطرفين إن شاء اللَّه. و كيف كان ففي صور الاجتماع نحكم باستحباب كلّ من الأمرين علي سبيل التخيير، فإن علم من دليل خارج أهميّة أحدهما حكم بمقتضاه من دون سقوط الآخر عن الاستحباب. و هذا بخلاف الواجبين المتزاحمين إذا علم من الخارج أهميّة أحدهما، فإنّه يحكم بسقوط وجوب الآخر، خلافا لمن أنكر الترجيح بالأهميّة كالفاضل التوني في الوافية «60»،
و لمن اعترف به «61» مع حكمه ببقاء الآخر علي صفة الوجوب علي تقدير اختيار المكلّف ترك الأهم. و ضعف كلا القولين، و بيان الفرق بين المستحبين المتزاحمين مع أهمّيّة أحدهما، و الواجبين كذلك، موكول إلي محلّه.

و الثاني «62»: القول بعدم وجوب الترتيب مع تعدّد الفائتة

، و بوجوبه مع وحدتها. ذهب إليه المحقّق في كتبه «63» و سبقه إليه الدّيلمي فيما حكي عنه «64» و تبعه إليه صاحب المدارك «65» و قوّاه الشهيد في نكت الإرشاد «66» و إن عدل عنه في باقي كتبه «67». و حكي عن صاحب هديّة المؤمنين «68» و عن المختلف «69» نسبة
المكاسب، ج‌4، ص 348
القول بالمضايقة إلي الديلمي، لكن المحكي «1» من بعض كلماته التفصيل المذكور حيث قال: إنّ الصلاة المتروكة علي ثلاثة أضرب: فرض معيّن، و فرض غير معين، و نفل، فالأوّل يجب قضاؤه علي ما فات، و الثاني علي ضربين: أحدهما: أن يتعيّن له أنّ كلّ الخمس فأتت في أيّام لا يدري عددها. و الثاني: أن يتعيّن له أنّها صلاة واحدة، و لا يتعيّن أيّ صلاة هي. فالأوّل: يجب عليه فيه أن يصلّي مع كلّ صلاة صلاة حتّي يغلب علي ظنّه أنّه و في. و الثاني: يجب عليه أن يصلّي اثنين، و ثلاثا، و أربعا «2» (انتهي). و ظاهره كما تري التوسعة في الفوائت المتعددة. و ممّن يظهر منه اختيار هذا، المحقّق الآبي- تلميذ المحقّق- فيما حكي عنه «3» من كشف الرموز حيث قال- بعد ما اختار القول بالمضايقة و الترتيب مطلقا «4» و ذكر تفصيل شيخه المحقّق و مستنده- : «و هو حسن اذهب اليه جزما، و علي التقديرات لا يجوز لصاحب الفوائت الإخلال بأدائها إلّا لضرورة، و عند أصحاب المضايقة إلّا لأكل أو شرب ما يسدّ الرمق أو تحصيل ما يتقوّت به هو و عياله و مع الإخلال بها يستحقّ المقت في كلّ جزء من الوقت «5» (انتهي).
ثمّ إنّ هؤلاء إنّما صرّحوا بالتفصيل في الترتيب، و امّا وجوب المبادرة فظاهر صاحب المدارك «6» عدمه مطلقا، كما أنّ صريح المحكيّ عن هديّة المؤمنين «7» ثبوته مطلقا، حيث قال: يجب المبادرة إلي القضاء فورا لاحتمال اخترام المنيّة «8» في كلّ ساعة، بل لم يرخّص المرتضي «9» إلّا أكل ما يسدّ الرّمق، و النّوم الحافظ للبدن، و أن لا يسافر سفرا ينافيه، و بالغ في التضيّق كلّ مبلغ، ثمّ قال: و أمّا الترتيب بين الحاضرة و الفائتة فإن كانت واحدة قدّمها علي الحاضرة، و ان كانت أكثر قدّم الحاضرة عليها. و إن أراد تقديم الفوائت المتعددة عليها مع سعة الوقت فجائز أيضا «10» (انتهي). و ظاهره جواز فعل الفريضة الحاضرة مع فوريّة الفوائت المتعدّدة، بل استحبابها قبله، بل المحكيّ «11» عنه التصريح بجواز فعل النافلة علي كراهيّة لمن كانت ذمّته مشغولة بصلاة واجبة. و الظاهر أنّه لا يحكم بفساد العبادة مع فوريّة ضدّها الواجب، فيبقي الحاضرة علي حكم استحباب المبادرة إليها، لا أنّ الحاضرة و النافلة مستثنيان من فوريّة فعل الفائتة، لأنّه لم يتعرّض لحرمة ما ينافيها حتّي يقبل الاستثناء، بل نسب حرمة الأضداد إلي السيّد المرتضي. و أمّا المحقّق فالمحكيّ عنه «12» فيما عدا الشرائع: التصريح باستحباب تقديم الفائتة المتعدّدة «13»
بل عن المعتبر «14» و العزيّة «15»: التصريح بعدم فوريّتها، و أمّا في الواحدة فليس في كلماته الموجودة، و المحكية عنه، إلّا وجوب تقديمها علي الحاضرة، من غير تعرّض للفورية، بل استظهر «16» من كلامه في المعتبر و العزيّة: نفي الفورية فيها أيضا. و أمّا الشرائع فقد قال فيها- بعد ذكر أصل وجوب قضاء ما فات من الصلوات المفروضة- : و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة «17» و تترتّب «18» السابقة علي اللاحقة، كالظهر علي العصر، و العصر علي المغرب، و المغرب علي العشاء «19»، و إن فاتته صلوات لم تترتّب علي الحاضرة، و قيل تترتّب و الأوّل أشبه «20» (انتهي). فقوله: «و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت الحاضرة» يحتمل وجوها، لأنّ المراد بالفائتة إمّا أن يكون خصوص الواحدة، كما قيّده به في المسالك «21» و المدارك «22» و إمّا ان يكون المراد مطلق الفائتة، و علي التقديرين:
إمّا أن يراد وجوب المبادرة إلي القضاء وقت الذكر، و إمّا أن يراد بيان وقت القضاء بعد بيان أصل وجوبه، فيكون المراد: أنّ الأوقات كلّها صالحة لقضاء الفوائت إلّا وقت ضيق الحاضرة، فهذه أربعة احتمالات: فعلي التقدير الأوّل منها تدلّ العبارة علي فورية الفائتة الواحدة مطابقة، و يدلّ بالالتزام علي وجوب الترتيب، بناء علي أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، أو علي أنّ الترتيب، بناء علي أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ، أو علي أنّ الترتيب واجب مستقلّ يرجع إلي وجوب تقديم الفائتة، لا أنّه «23» شرط يرجع إلي اعتبار تأخير الحاضرة، و اشتراط براءة الذمّة عن الفائتة في صحّتها. لكنّ الإنصاف: أنّ هذا الاحتمال خلاف ظاهر العبارة، من جهة عدم مساعدة السياق له من وجهين: أحدهما: أنّه قد فصّل شقّي التفصيل بين الواحدة و المتعدّدة بمسألة، و هي ترتّب الفوائت بعضها علي بعض. و احتمال أن يكون قد فرغ من حكم الواحدة، ثمّ تعرّض للمتعدّدة فذكر- أوّلا- عدم الترتيب بينها «24»، ثمّ عدم الترتيب بينها و بين الحاضرة، ينافيه عنوان المسألة الثانية بقوله: «و إن فاتته صلوات لم تترتّب علي الحاضرة». و هذا بخلاف ما إذا أريد بالفائتة مطلقها، فيكون في مقام بيان فوريّة القضاء مطلقا، أو بيان وقته كذلك، فيكون قد تعرّض- بعد بيان وجوب أصل القضاء- لوقته، ثمّ لاعتبار الترتيب فيه مع التعدّد، ثمّ لعدم ترتّب الفائتة المتعدّدة علي الحاضرة، فيكون حكم الفائتة الواحدة مسكوتا عنه، أو مستفادا من مفهوم العبارة، أو ممّا سيجي‌ء في كلامه في مسألة العدول.
و الثاني: أنّه إن كان الترتيب لازما لوجوب المبادرة، فالأحسن التعبير عن عدم وجوب الترتيب في المتعدّدة بعدم وجوب المبادرة إليها، و إلّا فلا حسن في التعبير عن وجوبه في الواحدة بوجوب المبادرة إليها. ثمّ إنّه قد فرّع علي هذا القول: أنّ من عليه فوائت إذا قضاها حتّي بقيت واحدة لم يجز له- حينئذ- الاشتغال بالحاضرة، و إن جاز له قبل ذلك، كما أنّ من عليه فائتة واحدة إذا صار عليه اخري سقط عنه وجوب الترتيب. و الفرع الأخير ظاهر، و أمّا الأوّل فلا يخلو عن شي‌ء، لإمكان دعوي ظهور كلمات أصحاب هذا القول- كأدلّتهم- فيما إذا اتّحدت الفائتة بالأصل، فلا يعمّ لما إذا بقيت من المتعدّدة واحدة.
و كيف كان فلا ينبغي «25» الإشكال في أنّه إذا كانت الفائتة واحدة بالذات، و عرض لها التعدّد لعدم تعيينها أو لاشتباه القبلة أو اشتباه الثواب الطاهر بالنجس، أنّ حكمه في وجوب الترتيب حكم الواحدة، إذ لم يفت من المكلّف إلّا واحدة، إلّا أنّ البراءة منها، بل العلم بها يتوقّف علي متعدّد.

الثالث: القول بالمواسعة في غير فائتة اليوم

. و بالمضايقة في فائتة اليوم. واحدة كانت أو متعدّدة، و هو المحكيّ عن المختلف حيث قال: الأقرب أنّه إذا ذكر الفائتة في يوم الفوات، وجب تقديمها علي الحاضرة إذا لم يتضيّق وقت الحاضرة، سواء اتّحدت أم تعدّدت، و يجب تقديم سابقتها علي لاحقتها، و إن لم يذكرها
المكاسب، ج‌4، ص 349
حتّي يمضي ذلك اليوم، جاز له فعل الحاضرة في أوّل وقتها، ثمّ اشتغل بالقضاء- سواء اتّحدت الفائتة، أو تعدّدت- و يجب الابتداء بسابقتها علي لاحقتها، و الأولي تقديم الفائتة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة «1» (انتهي). و حكي هذا القول عن بعض شرّاح الإرشاد «2» أيضا. و الظاهر أنّ المراد بيوم الفوات في كلامه: هو ما يشمل اللّيل، إذ النهار فقط لا يمكن أن يكون ظرفا لفوات الصلوات المتعدّدة و لذكرها، فقوله: «إذا ذكر الفائتة في يوم الفوات»، لا يستقيم إلّا علي أن يكون الذكر في اللّيل، و الفوات في النهار، أو بالعكس، فالظرف الواحد للذكر و الفوات كليهما ليس إلّا اليوم بالمعني الشامل للّيل. و هل المراد: اللّيلة الماضية أو المستقبلة؟
الظاهر، بل المتعيّن هو الثاني، كما يظهر بالتدبّر في كلامه. و اعلم أنّه قدّس سرّه ذكر في المختلف في مسألة العدول عن الحاضرة إلي الفائتة: أنّه لو اشتغل بالحاضرة في أوّل وقتها ناسيا، ثمّ ذكر الفائتة بعد الإتمام صحّت صلاته إجماعا، و إن ذكرها في الأثناء، فإن أمكنه العدول إلي الفائتة عدل بنيّته استحبابا عندنا، و وجوبا عند القائلين بالمضايقة «3» (انتهي). و ظاهر هذه العبارة يوهم العدول عن التفصيل المذكور إلي القول بالمواسعة مطلقا، إلّا أنّ الذي يعطيه التدبّر في كلامه، أنّ مراده الفريضة الحاضرة، المختلف فيها بينه و بين أرباب المضايقة المطلقة لا بينهم و بين أرباب المواسعة المطلقة. و يحتمل قويّا ابتناء ذلك علي خروج فوائت اليوم- عنده- عن محلّ النزاع بين أرباب المواسعة و المضايقة، تبعا لما سيأتي «4» عن شيخه المحقّق في العزيّة، فلا يكون هذا القول تفصيلا بين القولين. نعم ربّما يحكي عدوله عن هذا القول إلي المواسعة في المسائل المدنية المتأخّر تأليفها عن كتاب المختلف. ثمّ إنّ ظاهر العبارة السابقة: أنّها تفصيل فيما إذا فات الأداء للنسيان، و أمّا إذا فات لغيره من الأعذار، أو عمدا، فلا تعرّض فيها لحكمه، كما لا تعرّض فيها لحكم ما إذا اجتمع فوائت اليوم مع ما قبله، و وسع الوقت للجميع. و هل يقدّم الجميع علي الحاضرة، لثبوت الترتيب بين الحاضرة و فوائت اليوم، و ثبوت الترتيب بين فوائت اليوم و ما قبلها، بناء علي القول بترتيب الفوائت بعضها علي بعض. أو لا يجب الاشتغال بشي‌ء حينئذ، لعدم التمكن من فعلها إلّا بعد ما أذن في تأخيره، مع إمكان إدخاله في إطلاق كلامه، الراجع إلي عدم وجوب الترتيب إذا كان عليه أكثر من يوم فتأمّل. أو يجب الاقتصار علي فائتة اليوم، لدعوي اختصاص وجوب الترتيب بين الفوائت بما إذا كانت متساوية في وجوب تداركها، فلا يعمّ ما إذا كان بعضها واجب التقديم لأمر الشارع بالخصوص، خصوصا لو قال بوجوب الفوريّة في فائتة اليوم، دون غيرها؟ وجوه، لا يبعد أوّلها، ثمّ ثالثها علي القول بالفوريّة مع الترتيب.

الرابع: ما حكي عن المحقّق في العزيّة

حيث قال في عنوان هذه المسألة ما هذا لفظه:
و تحرير موضع النزاع أن نقول: صلاة كلّ يوم مترتبة بعضها علي بعض، حاضرة كانت أو فائتة، فلا يقدّم صلاة الظهر من يوم، علي صبحه، و لا عصره علي ظهره، و لا مغربه علي عصره، و لا عشاؤه علي مغربه، إلّا مع تضيّق الحاضرة. و أمّا إذا فاته صلوات من يوم، ثمّ ذكرها في وقت حاضرة من آخر، فهل يجب البدأة بالفوائت ما لم يتضيّق الحاضرة؟ قال أكثر الأصحاب: نعم، و قال آخرون: ترتّب الفوائت في الوقت الاختياري، ثمّ تقدم الحاضرة. و الذي يظهر لي وجوب تقديم الفائتة الواحدة، و استحباب تقديم الفوائت، فلو أتي بالحاضرة قبل تضيّق وقتها و الحال هذه جاز «5» (انتهي). و ظاهره عدم الخلاف في وجوب الترتيب في فوائت اليوم، و هو خلاف إطلاق كلمات أرباب القولين، بل صريح بعضها.

الخامس: ما عن ابن [أبي] جمهور الأحسائي «6» من التفصيل

بين الفائتة الواحدة، إذا ذكرها يوم الفوات، دون المتعدّدة و الواحدة المذكورة في غير يوم الفوات.

السادس: القول بالمواسعة إذا فاتت عمدا، و بالمضايقة إذا فاتت نسيانا،

و هو المحكي عن الشيخ عماد الدين بن حمزة في الوسيلة، حيث قال: أمّا قضاء الفرائض فلم يمنعه وقت، إلّا تضيّق وقت الحاضرة، و هو ضربان، إمّا فاتته نسيانا، أو تركها قصدا اعتمادا، فإن فاتته نسيانا و ذكرها، فوقتها حين ذكرها إلّا عند تضيّق وقت الفريضة، فإن ذكرها و هو في فريضة حاضرة، عدل بنيّته إليها ما لم يتضيّق الوقت، و إن تركها قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء إلي آخر الوقت، و الأفضل تقديم الحاضرة عليه، و إن لم يشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلي آخر الوقت كان مخطئا «7» (انتهي). و ظاهره وجوب العدول عن الحاضرة إلي الفائتة المنسيّة، و هو إمّا لاعتبار الترتيب، أو لإيجاب المبادرة إلي المنسيّة، و إن ذكرها في أثناء الواجب و إن قلنا بعدم اعتبار الترتيب- بناء علي القول بالفوريّة دون الترتيب- كما سبق «8» عن صاحب رسالة هدية المؤمنين، و إمّا للدليل الخاصّ علي وجوب العدول، و إن لم نقل بالترتيب و لا بالفوريّة، و هذا أردأ الاحتمالات، كما أنّ الأوّل أقواها. هذا كلّه في المنسية، و أمّا المتروكة قصدا، فظاهره عدم وجوب الترتيب مع استحباب تقديم الحاضرة، و لازمة عدم وجوب الفور إلّا أن يجعل مقدار زمان يسع الحاضرة مستثني من وجوب المبادرة، و كون المكلّف مخيّرا فيه مع استحباب تقديم الحاضرة، كما ينبئ عنه قوله: «و إن لم يشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلي آخر الوقت كان مخطئا» بناء علي أنّ المراد بالخطإ: الإثم كما فهمه الشهيد «9». هذا علي تقدير إرجاع الخطأ إلي عدم الاشتغال بالقضاء، و أمّا إذا رجع إلي تأخير الأداء إلي آخر الوقت بناء علي أنّ المراد بآخر الوقت مجموع الوقت الاضطراري الّذي لا يجوز التأخير إليه إلّا لصاحب العذر- علي ما ذهب إليه صاحب هذا القول- ، و يكون إطلاق آخر الوقت علي مجموع ذلك الوقت تبعا للروايات الواردة في أنّ «أوّل الوقت رضوان اللَّه و آخره غفران اللَّه» «10» أمكن أيضا استظهار فوريّة القضاء منه من جهة دلالة كلامه بالمفهوم علي أنّه لو اشتغل بالقضاء، و أخّر الأداء إلي آخر الوقت لم يكن مخطئا، و لا يكون ذلك إلّا إذا كان القضاء من الأعذار، و العذر- علي ما ذكره صاحب هذا القول، قبل العبارة المتقدمة بأربعة أسطر- : السفر و المرض و اشتغل الّذي يضرّ تركه بدينه أو دنياه، فلو لم يكن القضاء فوريّا خرج عن الأعذار الأربعة.
المكاسب، ج‌4، ص 350
إلّا أن يقال: ظاهر العذر في كلامه، ما عدا الصلاة، فتأمّل. و أمّا المراد بالوقت في قوله: «ما لم يتضيّق وقت الحاضرة» فيحتمل أن يكون وقت الاختيار، و يؤيّده ما تقدّم «1» عن المحقّق في العزيّة من ذهاب جماعة. إلّا أنّ الفوائت تترتّب في الوقت الاختياري، ثمّ تتقدّم الحاضرة. و أن يكون مطلق الوقت بناء علي جعل القضاء من الأعذار المسوّغة للتأخير. ثمّ إنّه ليس في كلامه تعرّض لحكم المتروكة لعذر آخر غير النسيان. و لا لحكم اجتماع المتروكة نسيانا مع المتروكة عمدا، بناء علي وجوب الترتيب بين الفوائت عند هذا القائل، فإنّه يجي‌ء فيه- مع فرض تأخير المنسيّة- الاحتمالات الثلاثة المتقدّمة في فروع القول المتقدّم «2»
عن المختلف.

السابع: ما تقدم عن العزيّة من الترتيب في الوقت الاختياري، دون غيره.

الثامن: القول بالمضايقة المطلقة

اشارة

، و هو المحكيّ «3» عن ظاهر كلام القديمين «4» و الشيخين «5» و السيّدين «6» و القاضي «7» و الحلبي «8» و الحلّي «9»، و عن المعتبر «10» نسبته إلي الديلمي «11» و هو المحكي أيضا عن الشيخ ورّام بن أبي فراس «12» و عن الشيخ الجليل الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي- تلميذ المحقّق- «13» و حكاية «14» هذا القول عن أكثر القدماء مستفيضة، و حكي عن غير واحد أنّه المشهور «15» فهذه أصول أقوال المسألة، و إذا لوحظ الأقوال المختلفة بين أهل المواسعة التي تقدّمت إليها الإشارة، زادت الأقوال علي الثمانية. و ذكر بعض المحقّقين: أنّ جملة المطالب الّتي يدور عليها هذا القول الأخير، و يدلّ عليها كلام القائلين- كلّا أو بعضا، نصّا، أو ظاهرا- سبعة:

الأوّل: ترتيب الأداء علي القضاء

، و هو المحكي عمّن عدا الديلمي و الشيخ ورّام ممّن تقدّم ذكره من الفقهاء.

الثاني: التسوية بين أقسام الفوائت و أسباب الفوات في مقابل التفاصيل المتقدّمة.

الثالث: فوريّة القضاء

، المحكيّة «16» عن صريح المفيد «17» و السيّدين «18» و الحلبي «19» و الحلّي «20» و ظاهر الشيخ «21» و القديمين «22» و الآبي «23»، بل عن المفيد و القاضي و أبي المكارم و الحلّي: الإجماع علي ذلك «24».

الرابع: بطلان الحاضرة إذا قدّمت علي الفائتة في السعة

، و هو المحكيّ «25» عن صريح الشيخ «26» و السيّدين «27» و القاضي «28» و الحلبي «29» و الحلّي «30» و عن الغنية «31»: الإجماع عليه.

الخامس: العدول عن الحاضرة إلي الفائتة إذا ذكرها في الأثناء

، و هو المحكيّ «32» عن المرتضي «33» و الشيخ «34» و القاضي «35» و الحلبيين «36» و الحلّي «37». و عن المسائل الرسّية للسيّد «38» و الخلاف للشيخ «39» و خلاصة الاستدلال للحلّي و شرح الجمل: الإجماع عليه «40».

السادس: وجوب التشاغل بالقضاء إلّا عند ضيق الأداء

و الاشتغال بما لا بدّ منه من ضروريات المعاش من الكسب و الأكل و الشرب و النوم، و هو المحكيّ «41» عن صريح المرتضي «42» و الشيخ «43» و القاضي «44» و الحلبي «45» و الحلّي «46»، بل هو لازم كلّ من قال بالفورية، و لذا ذكر الآبي- فيما حكي عنه «47»- : أنّ عند أصحاب المضايقة لا يجوز الإخلال بالقضاء إلّا لأكل أو شرب ما يسد به الرمق أو تحصيل ما يتقوّت به هو و عياله، و مع الإخلال بها يستحقّ العقوبة في كلّ جزء من الوقت «48» (انتهي).

السابع: تحريم الأفعال المنافية للقضاء عدا الصلاة الحاضرة في آخر وقتها

، و ضروريات الحياة، و هو المحكي «49» عن صريح المرتضي «50» و الحلّي «51» و ظاهر المفيد «52» و الحلبيّين «53»
حيث رتّبوا تحريم الحاضرة في السعة علي تضيّق الفائتة، و بني المفيد «54» تحريم النافلة لمن عليه فائتة علي تحريم الحاضرة، و مقتضاه استناد التحريم إلي التضادّ، فيطّرد في جميع الأضداد، و قد ذكر المحقّق و العلّامة في المعتبر «55» و المنتهي «56» انّ لازم هؤلاء تحريم جميع المباحات المضادّة للقضاء.
و حينئذ فتخصيص جماعة «57» نسبة القول بتحريم الأضداد إلي المرتضي و الحلّي فقط، محمول علي إرادتها اختصاصهما بالتصريح بذلك، و لذلك نسبه في محكي «58» التذكرة «59» إلي السيد و جماعة. ثمّ اعلم أنّ هذه المسألة معنونة في كلام بعضهم «60» بوجوب ترتيب الحاضرة علي الفائتة و عدمه، و في كلام آخرين بالمضايقة و المواسعة. و لا ريب أنّ الترتيب و التضيّق غير متلازمين بأنفسهما، لجواز القول بالترتيب من دون المضايقة من جهة النصوص، و إن أفضي إلي التضيّق أحيانا، كما إذا كانت الفوائت كثيرة لا تقضي إلّا إذا بقي من الوقت مقدار فعل الحاضرة، و يجوز القول بالفوريّة من دون الترتيب كما تقدم عن صاحب هدية المؤمنين «61»، و إن أفضي إلي التزام الترتيب بناء علي القول بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه. فالقول بأنّ الفوريّة و الترتيب متلازمان «62» لا يخلو عن نظر، سواء أريد تلازمهما في أنفسهما، أو أريد تلازمهما بحسب القائل، بمعني أنّ كلّ من قال بأحدهما قال بالآخر، لما عرفت من وجود القائل بأحدهما دون الآخر. لكنّ الإنصاف أنّ معظم القائلين بالترتيب إنّما قالوا به من جهة الفوريّة، فما ذكره الصيمري «63»- فيما حكي عنه- : أنّ منشأ القول بالترتيب و عدمه: القول بالمضايقة و عدمها، محلّ تأمّل، إلّا أن يريد به الأكثر، أو يريد جميع القائلين بالترتيب بالنسبة إلي زمانه. و أولي بالتأمّل ما يظهر من بعض «64» أنّ القول بالترتيب أصل مسألة المضايقة، بل الحقّ أنّ القول بالترتيب و القول بالفوريّة ليس أحدهما متفرّعا علي الآخر في كلمات جميع الأصحاب، نعم القول بالترتيب متفرّع علي الفوريّة في كلمات أكثر أهل المضايقة. و أمّا وجوب العدول، فهو من فروع الترتيب و يحتمل- ضعيفا- كونه غير متفرّع علي شي‌ء، و يكون المدرك فيه مجرّد النص، و أضعف منه كونه من فروع الفوريّة، و إن لم نقل بالترتيب، و وجهه- مع ضعفه- يظهر بالتأمّل. و أمّا بطلان الحاضرة و صحّتها في سعة الوقت، فيحتمل تفرّعه علي الفوريّة بناء علي اقتضاء الأمر المضيّق النهي عن ضدّه الموسّع و عدم «65» الأمر به، و يحتمل تفرّعه علي الترتيب و إن لم نقل بالفوريّة. و أمّا حرمة التشاغل بالأضداد، فلا إشكال في أنّه من فروع الفوريّة. هذا خلاصة الكلام في الأقوال، فلنشرع في ذكر أدلّتها مقدّما لأدلّة القول بالمواسعة المطلقة، متّبعا إيّاه بأدلّة المضايقة المطلقة، ثمّ نتكلّم في أدلّة باقي الأقوال حسب ما يقتضيه الحال، فنقول:

[أدلة القول بالمواسعة]

اشارة

[الأول: الأصل] احتجّ للقول بالمواسعة المطلقة بوجوه:

أحدها: الأصل. و تقريره من وجوه خمسة، أو ستة:

الأوّل: أصالة البراءة عن التعجيل

، فإنّ وجوب التعجيل و إن لم يكن تكليفا مستقلا، بل هو من أنحاء وجوب الفعل الثابت في الجملة، إلّا أنّ الوجوب الثابت علي نحو التضيّق ضيق، لم يعلم من قبل الشارع، و «الناس في سعة ما لم يعلموا» «66»، فالتضيّق الّذي حجب اللَّه علمه عن العباد موضوع عنهم «67»، و توهّم أنّ أصالة البراءة مختصة بصورة الشكّ في تكليف مستقلّ، مدفوع في محلّه «68».
المكاسب، ج‌4، ص 351
بل التحقيق: أنّ مقتضي أدلّة البراءة أنّ كلّ ضيق يلحق الإنسان شرعا في العاجل، و كلّ عقاب يرد عليه في الآجل لا بدّ أن يكون معلوما تفصيلا أو إجمالا، و لا يرد شي‌ء من الضيق و العقاب مع عدم العلم. فإن قلت: إنّ الاحتياط علي خلافه، و تقريره- علي ما ذكره بعض المحقّقين من المعاصرين «1»- : أنّ الوجوب لمّا اقتضي تحتّم الفعل و حرمة الترك، فثبوته يقتضي لزوم الامتثال و الخروج عن صنف المخالفين للأمر، و حيث ثبت في أوّل أوقات التمكّن، فترك الامتثال- حينئذ- بقصد التأخير عنه أو بدونه إنّما يجوز بأحد أمرين: أحدهما: إذن الشارع، فيسوغ الترك و إن أدّي إلي تركه لا إلي بدل. الثاني: الانتقال إلي بدل ثبت بدليّته عنه أو عن تعجيله، معلوم تمكّنه منه، فيسوغ الترك أيضا و إن لم يأذن الشارع صريحا، و كلا الأمرين غير معلوم. أمّا الإذن «2» فلأنّه المفروض فإنّه إنّما يثبت في الموسّع لمكان وجوبه به جهة حرمة تركه عند ظنّ ضيق الوقت المضروب أو ضيق وقت التمكّن، و إن كان هذا خلاف مقتضي إطلاق الوجوب، لأنّ انتفاء الظنّ المذكور يقتضي انتفاء خاصيّة الوجوب و مصلحته الفعليّة، فإنّ من جري في علم اللَّه أنّه يموت فجأة في سعة الوقت، إن فعل أدّي راجحا، و إن ترك، ترك ما جاز له تركه، و هو من خواصّ الندب. نعم قد يترتّب أثر الوجوب باعتبار وجوب القضاء أو ما في حكمه، و نيّة الوجوب ظاهرا و استحقاق ثواب الواجب و حرمة إزالة التمكّن من نفسه، و كلّ ذلك خارج عن المطلوب. أو باعتبار إيجاب العزم علي الفعل بدلا عنه، و لم يثبت فيما نحن فيه كما يأتي، و كأنّ ما ذكر هو الداعي لتخصيص بعضهم الوجوب بأوّل الوقت أو آخره- إن أرادوا تخصيص حقيقة الوجوب بأوّل أوقات التمكّن أو آخرها المعلوم أو المظنون. و كيف كان، فحيث ثبت الإذن في التأخير، فلا محيص عن القول بجوازه و بعدم الإثم في الفوات المترتّب عليه، و إن كان منافيا لما هو الظاهر من إطلاق الوجوب و اشتراكه بين الجميع، و لمّا لم يثبت هنا وجب العمل بمقتضي ظاهر الوجوب- كما ذكر- ، و لم يصحّ قياسه علي الموقّت الموسّع و لا سيّما مع ما بينهما من الفرق، لأنّ تجويز التأخير في الموقّت لا يفضي إلي تفويته غالبا، بخلاف المطلق. و أمّا الثاني- و هو الانتقال إلي البدل- ، فموقوف علي إثباته هنا علي نحو ما تقدّم، و هو إمّا العزم علي الفعل في وقت آخر، أو نفس ذلك الفعل، و الأوّل لم يثبت بدليّته هنا، و إنّما قيل بها في الموقّت المأذون في تأخيره، تحقيقا لحقيقة الوجوب المشترك بين الجميع، و تأدية لمقتضي الامتثال الواجب عليهم. و حيث تعلّق الأمر هنا بالقضاء بعينه و لم يثبت الإذن في تأخيره و كان مقتضي الإيجاب ظاهرا هو المنع من التأخير، لم يتّجه هنا دعوي بدليّة العزم عنه، أو عن تعجيل فعله، مع أنّ كثيرا من العلماء و أرباب المواسعة ينكرون بدليّة العزم في الموسّع، فلا يستقيم الالتزام بذلك هنا عن قبلهم. و أمّا نفس الفعل في وقت آخر فلم يثبت بدليّته عمّا كلّف به بتمامه، و لا يعلم التمكّن منه، فضلا عن وقوعه. أمّا الأوّل: فلأنّ إرادة الشارع ابتداء للفعل في أوّل أوقات التمكّن معلومة، و أمّا في سائر الأوقات فلا، غاية الأمر أنّه لو تركه أوّلا وجب عليه الفعل ثانيا، و كان مجزيا عمّا كلّف به في ذلك الوقت، لا عن تمام التكليف الثابت أوّلا، فلا يلزم التخيير ابتداء بين جميع الأوقات. و أمّا الثاني: فظاهر، لعدم إحاطة العلم عادة بالعواقب، فلو قطع النظر عن عدم ثبوت بدليّته، لكان في عدم العلم بإدراكه كفاية في وجوب المبادرة، إذ بها يتيقّن فراغ الذّمّة عمّا اشتغل به الذّمّة يقينا، فإنّ المبادر ممتثل قطعا علي أيّ حال، و إن عرضه ما يمنع الإ كمال، و ربما يموت تاركا فيبقي ذمّته مشغولة بما وجب عليه، فيصير مستحقّا للعقاب علي تركه الواقع باختياره، إذ لا يعتبر في الترك الموجب لذلك أن يكون بحسب جميع الأحوال الممكنة في حقّه، بل بما هو الثابت واقعا في شأنه، و لمّا كان الواقع غير معلوم قبل وقوعه لم يمكن إحالة التكليف بالامتثال عليه، حتّي يختلف باختلافه، فيكون مضيّقا لجماعة و موسّعا لآخرين بحسب تزايد الآنات و الساعات و الشهور و الأعوام، فتعيّن أن يكون منوطا بالتضيّق الّذي يعلم به حصول الامتثال بالنسبة إلي الجميع، فمن أدخل نفسه في صنف التاركين، ثمّ تداركه فضل اللَّه سبحانه بأن أبقاه إلي أن أدّي المأمور به، دخل في صنف العاملين، و لكن لا يمكن البناء علي ذلك ابتداء أوّلا فأوّلا، و إن
أدّت إلي فوات الحاضرة المأذون في تأخيرها. و أمّا البناء علي ظنّ ضيق وقت التمكّن و عدمه، كما في الموسّع، فموقوف علي الدليل، و هو منتف هنا، فوجب البناء علي ما ذكر (انتهي تقرير الاحتياط ملخّصا). و الجواب: إنّ الأمر المطلق إنّما يقتضي وجوب الفعل المشترك بين الواقع في أوّل أزمنة التمكّن، و الواقع فيما بعده من أجزاء الزمان الّتي يمكن إيقاع المأمور به فيها، و حينئذ فالتأخير عن الجزء الأوّل ترك لبعض أفراد الواجب، و هو لا يحتاج إلي إذن من الشارع، لأنّ العقل حاكم بالتخيير في الامتثال بين مصاديق المأمور به. و من هنا ظهر فساد ما ذكره من أنّ الوجوب في الواجب الموسّع باعتبار حرمة تركه عند ظنّ الضيق، بل وجوبه باعتبار حرمة تركه المطلق المتحقّق بتركه في جميع الأجزاء. و أمّا عدم مؤاخذة من فاجأه العجز في أثناء الوقت، فليس لعدم اتّصاف الفعل حقيقة بالوجوب فيما قبل الجزء الأخير من الوقت، بل لأجل أنّ الواجب لا يعاقب علي تركه إلّا إذا وقع الترك علي جهة العصيان، لاستقلال العقل و دلالة النقل علي أنّه لا عقاب إلّا مع العصيان، و لا عصيان في الفرض المذكور. فتحقّق بما ذكرنا: أنّ الفعل المأتيّ في كلّ جزء من الزمان من أفراد المأمور به و امتثال لتمامه، فلا يقال إنّه بدل من الواجب نظير بدلية العزم، بل هو نفسه، و أمّا احتمال طروّ العجز عن الفرد الآخر فهو إنّما يوجب رجحان المبادرة بحكم العقل المستقلّ الحاكم بحسن إحراز مصلحة الوجوب و مرجوحيّة التأخير المفضي أحيانا إلي فواتها و إن لم يوجب عقابا علي المكلّف. و يؤيّده النقل، مثل قوله عليه السلام: «إذا دخل الوقت فصلّ، فإنّك لا تدري ما يكون» «3». و أمّا وجوب هذا الاحتياط فلم يثبت بعد حكم العرف و الشرع بأصالة بقاء التمكّن و عدم طروّ العجز، و إجماع العلماء و العقلاء علي عدم وجوب المبادرة في الموسّع الموقّت، و جعل الشارع- في الرواية المذكورة و أمثالها- احتمال طروّ
المكاسب، ج‌4، ص 352
العجز علّة لاستحباب المبادرة دون وجوبها، إلي غير ذلك ممّا يقطع معه بعدم كون الاحتمال المذكور سببا لوجوب الاحتياط. نعم ربّما قيل باستحقاق العقاب لو اتّفق ترك الواجب الموسّع الغير الموقّت، و لازمة وجوب المبادرة عقلا- من باب الاحتياط، تحرّزا عن الوقوع في عقاب الترك- و إن لم يجب شرعا، ليكون من قبيل المضيّق الّذي يعاقب علي تأخيره، و إن لم يتّفق العجز. لكن هذا القول مع ضعفه لا ينفع فيما نحن فيه، لأنّ الكلام في التوسعة و التضيّق المستلزم لوجوب المبادرة شرعا، و إن علم المكلّف بالتمكّن في ثاني الحال، و تمكّن و أتي بالفعل. و بالجملة: فلا إشكال في أنّ الأصل هو عدم وجوب المبادرة شرعا.

الثاني من وجوه تقرير الأصل: استصحاب صحّة صلاته الحاضرة علي أنّها حاضرة، إذا ذكر الفائتة في أثنائها.

فإنّ القائل بالمضايقة يدّعي فساد الصلاة، إذا استمرّ علي نيّتها الاولي عند تذكّر الفائتة، و الأصل عدمه. و يرد عليه: أنّه قد حقّقنا في الأصول «1» عدم جريان استصحاب الصحّة، إذا شك في أثناء العمل في شرطيّة أمر فقد، أو مانعيّة أمر وجد، كالترتيب بين الحاضرة و الفائتة فيما نحن فيه. هذا كلّه بناء علي كون صحّة الأجزاء السابقة علي الذكر واقعيّة و أمّا إذا قلنا بأنّ وجوب القضاء واقعا، موجب لفساد الحاضرة واقعا، غاية الأمر أنّ المكلّف ما لم يتذكّر القضاء معذور، فالتذكّر كاشف من وجوب القضاء و عدم صحّة الأداء في متن الواقع، فصحّة الأجزاء السابقة علي التذكّر صحّة ظاهريّة عذريّة من جهة النسيان، ترتفع بارتفاع العذر، فلا يقبل الاستصحاب. و لا ينافي ذلك الإجماع «2» علي صحّة الحاضرة إذا لم يتذكّر الفائتة إلّا بعد الفراغ عنها، لأنّ هذا لا يكشف إلّا عن كون الترتيب شرطا علميّا، لا واقعيا بالنسبة إلي الجهل المستمرّ إلي تمام الحاضرة، فلا ينافي كونه شرطا واقعيّا بالنسبة إلي الجهل المرتفع في أثناء الصلاة، فإنّ كون الشروط علميّة أو واقعيّة يختلف بحسب الموارد حسب ما يقتضيه الأدلّة، ألا تري أنّ النجاسة مانع علميّ للصلاة بالنسبة إلي الجهل المستمرّ، فلا يعيد من صلّي جاهلا إلي آخر الصلاة، و أمّا الجاهل الّذي علم في الأثناء فلا يستمرّ علي ما فعل- علي ما ذهب إليه بعض- «3».

الثالث من وجوه تقرير الأصل: أصالة عدم وجوب العدول من الحاضرة إلي الفائتة.

و فيه: أنّه إن أريد أصالة البراءة عن التكليف بالعدول، فلا ريب في أنّ الشك في المكلّف به، لأنّ إتمام الصلاة واجب و إمّا بنيّة الحاضرة أو بنيّة الفائتة، مع أنّ إتمامها بنيّة الفائتة مجمع علي جوازه، بل رجحانه إمّا وجوبا و إمّا استحبابا، فالأمر «4» مردّد بين تعيين إتمامها بهذه النيّة، و بين التخيير بينه و بين إتمامها بنيّة الحاضرة، فمقتضي وجوب تحصيل اليقين بالبراءة، نقل النيّة إلي الفائتة. و إن أريد استصحاب عدم وجوب العدول قبل التذكّر. ففيه: أنّه كان معذورا عقلا لأجل النسيان، و قد زال العذر. و الحكم المنوط بالأعذار العقليّة- كالعجز و النسيان، و نحوهما- لا يجوز استصحابه بعد رفع العذر. فإن قلت: إنّ المعلوم عدم وجوب العدول حال النسيان، و أمّا كونه لأجل النسيان فغير معلوم. قلت: لا ريب أنّ النسيان علّة مستقلّة لعدم وجوب العدول، فإذا شكّ في كون عدم الوجوب السابق مستندا إلي هذه العلّة أو إلي علّة أخري، و هي مشروعيّة فعل الحاضرة مع اشتغال الذمّة بالفريضة الفائتة، فمقتضي الأصل عدم مشروعيّتها حينئذ. و الحاصل: أنّ الكلام إمّا أن يقع في حكم الناسي بوصف أنّه ناس، و لا شكّ أنّه حكم عذريّ يدور مدار النسيان وجودا و عدما، فلا معني لاستصحابه بعد ارتفاع العذر. و إمّا أن يقع في حكم المكلّف واقعا من حيث إنّه مكلّف فاتت عنه فريضة و دخل عليه وقت اخري، و لا عذر له من نسيان أو غيره، و لا ريب أنّ الشكّ- حينئذ- في مشروعيّة الحاضرة و عدمها. و من المعلوم أنّ الأصل عدم المشروعيّة، فإذا ثبت بحكم الأصل عدم مشروعيّة الحاضرة مع عدم العذر و هو النسيان، ترتّب عليه وجوب العدول إذا نسي و شرع فيها، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقّة.

الرابع: أصالة إباحة فعل الحاضرة و عدم حرمتها

، إذا شكّ في فسادها و صحّتها من جهة الشكّ في حرمتها و إباحتها، المسبّب عن الشكّ في فوريّة القضاء و عدمها، بناء علي القول باقتضاء الأمر المضيّق النهي عن ضدّه، و أصالة عدم اشتراطها بخلوّ الذمّة عن الفائتة «5» إذا كان الشكّ في اعتبار الترتيب بينها و بين الفائتة. و يرد علي الأصل الأوّل: أنّ فساد الحاضرة إن كان من جهة القول بأنّ الأمر المضيّق يقتضي عدم الأمر بضدّه فيفسد الضدّ من هذه الجهة إذا كان من العبادات، فأصالة الإباحة و عدم التحريم لا ينفع في شي‌ء، بل الأصل هو عدم تعلّق الأمر بذلك الضّدّ في هذا الزمان. نعم هذا الأصل مدفوع بأصالة عدم التضيّق المتقدّمة، لكنّه أصل مستقلّ قد عرفت جريانه و اعتباره، و الكلام هنا في غيره. و إن كان من جهة أنّ الأمر المضيّق يقتضي حرمة ضدّه، فمرجع الكلام إلي الشكّ في حرمة الحاضرة و إباحتها، و الأصل الإباحة و عدم التحريم. ففيه: أنّه إن أريد أصالة البراءة فيرد عليه: أوّلا: إنّ حرمة الضدّ لو ثبت في الواجب المضيّق فإنّما يثبت- عند المشهور- من باب كون ترك الضّدّ مقدّمة لفعل المضيّق، فيجب. و الظاهر عدم جريان الأصل في مقدّمة الواجب إذا كان الشكّ فيها مسبّبا عن الشكّ في وجوب ذيها، أو عن الشكّ في أصل وجوب المقدّمة في المسألة الأصولية. نعم يجري الأصل في صورة ثالثة، و هي ما إذا كان الشك في وجوب الشي‌ء مسبّبا عن الشكّ في كونه مقدّمة، كما إذا شكّ في شرطيّة شي‌ء للواجب أو جزئيّته له. و السرّ في ذلك أنّ أصل البراءة إنّما ينفي المؤاخذة علي ما لم يعلم كونه منشأ للمؤاخذة، و يوجب التوسعة و الرخصة فيما يحتمل المنع. و هذا إنّما يتحقّق في الصورة الثالثة، و أمّا في الصورتين الأوليين فلا يلزم من الحكم بوجوب المقدّمة مؤاخذة عليها و لا منع و لا ضيق، حتّي ينفي بأدلّة البراءة الدالّة علي نفي المؤاخذة عمّا لم يعلم، و توجب الرخصة فيه. و ثانيا: أنّ أصالة عدم حرمة الحاضرة معارضة بأصالة البراءة و عدم اشتغال الذمّة بها. و إن شئت فقل: إنّ الأمر دائر بين حرمة الحاضرة و وجوبها، فلا أصل، فتأمّل. و بمثله يجاب لو أريد بأصالة عدم الحرمة: استصحابه، بأن يقال: إنّه يشكّ في أنّ الوجوب الحادث للقضاء كان علي
المكاسب، ج‌4، ص 353
الفور حتّي يوجب حرمة الحاضرة، أو علي التوسعة حتّي يبقي الحاضرة علي حالها من عدم الحرمة، فالأصل بقاؤها. فإن قلت: إنّا نفرض ثبوت الوجوب للحاضرة في أوّل وقتها قبل تذكّر الفائتة، فحينئذ نقول: الأصل بقاء وجوبها بعد التذكّر. قلت: قد عرفت أنّ تذكّر الفائتة ليس محدثا لوجوبها، بل السبب له واقعا هو فوت الأداء، و إنّما يرتفع بالتذكّر، العذر المسقط للتكليف، و هو النسيان، و حينئذ فالوجوب الثابت للحاضرة قبل التذكّر وجوب ظاهريّ يرتفع بارتفاع مناطه، و هو النسيان. لكنّ الإنصاف أنّ ما ذكرنا من معارضة استصحاب عدم الحرمة باستصحاب عدم الوجوب غير مستقيم، لأنّ الشكّ في مجري الأصل الثاني مسبّب عن الشكّ في مجري الأصل الأوّل، فالأوّل حاكم علي الثاني، لما تقرّر في الأصول «1» فالصواب: الجواب عن الاستصحاب المذكور بما سيجي‌ء في الوجه الخامس من تقرير الأصل «2». هذا كلّه في إجراء الأصل في الحكم التكليفي، و هي حرمة الحاضرة. و أمّا أصالة عدم اشتراطها بخلوّ الذمّة عن الفائتة، فإن أريد بها أصالة البراءة بناء علي القول بجريانها عند الشكّ في شرطيّة شي‌ء للعبادة، فهو حسن علي هذا القول، إلّا أنّ ظاهر كلام المستدلّ به إرادة أصالة إطلاق الأمر بالحاضرة، و سيأتي الكلام في الإطلاقات.

الخامس: أنّ الحاضرة كانت يجوز فعلها في السعة قبل اشتغال الذمّة بالفائتة

، فكذا بعده، للاستصحاب. و هذا الاستدلال حكاه بعض المعاصرين عن المختلف، و قال: إنّه فاسد لتعدّد الحاضرة في الحالتين، و عدم ثبوت الحكم لكلّ حاضرة، و إلّا استغني عن التمسّك بالاستصحاب، و هو لا يجري مع تعدّد المحلّ.. ثمّ قال: و أمّا الاستدلال بأنّه لو لم يكن عليه قضاء لجاز له فعل الحاضرة في السعة، فكذلك مع ثبوته، ففاسد أيضا، لأنّ مرجعه إلي القياس أو استصحاب الحكم الغير الثابت من أصله إلّا علي سبيل الفرض في نفس زمانه، و كلاهما باطل «3» (انتهي). أقول:
استصحاب الحكم الشرعي علي قسمين: أحدهما: استصحاب الحكم الجزئي الثابت بالفعل، كما إذا مضي من الوقت مقدار الفعل مع الشرائط، ثمّ سافر إلي أربعة فراسخ و شككنا في حدوث وجوب القصر عليه بعد وجوب الإتمام عليه بالفعل، بناء علي أنّ العبرة بحال الأداء دون الوجوب، أو مات مجتهده- الّذي أفتي بوجوب الجمعة عليه- فشكّ في حدوث وجوب الظهر عليه بعد وجوب الجمعة فعلا، أو رأي دما مشتبها بالحيض فشكّ في ارتفاع وجوب الصلاة الثابت عليه بالفعل.. إلي غير ذلك من الأمثلة. و الثاني: استصحاب الحكم الكلّي الثابت عليه بطريق القضيّة الشرطيّة، مثل حكم الشارع بأنّ التمام يجب بشروطها علي الحاضر، و الجمعة تجب بشروطها علي المقلّد لمن قال بوجوبها، و الصلاة تجب بشروطها علي الطاهر من الحيض و النفاس، و هذه الأحكام شرطيّات لا يتوقف صدقها علي صدق شروطها، بل تصدق مع فقد الشرائط، كدخول الوقت و وجدان «4» الطهور، فلا يعتبر في استصحاب ما كان من هذا القبيل تنجّز الحكم الشخصي و تحقّقه، فإذا فرضنا أنّ الشخص كان في بلده فإذا للطهورين، أو لم يدخل «5» عليه الوقت، ثمّ سافر إلي محلّ يشكّ في بلوغه المسافة، لشبهة في الحكم أو الموضوع، فلا يخدش في استصحاب حكم التمام في حقّه: أنّه لم يتنجّز عليه وجوب التمام في السابق من جهة عدم دخول الوقت أو فقد الطهور، بل يكفي كونه في السابق ممّن يجب عليه التمام إذا وجد في حقّه شرائط الصلاة، و كذا استصحاب وجوب الجمعة إن مات مقلّده، و استصحاب وجوب الصلاة علي من رأت دما شكّ في كونه حيضا لشبهة في الحكم أو الموضوع، فإنّه يحكم باستصحاب وجوب الصلاة عليه، و إن كان في الزمان السابق غير واجد للشروط، و لا يضرّ عدم ثبوت الحكم بالفعل في استصحاب الحكم الكلّي. بل لو عورض استصحاب الحكم الكلّي باستصحاب عدم الحكم الفعلي كان الأوّل حاكما، لأنّ الشكّ في الثاني مسبّب عن الشكّ فيه. إذا عرفت هذا فنقول: إنّ وجوب الفعل موسّعا في أوّل وقتها حكم شرعيّ كلّي و خطاب إلهيّ تعلّق بالمكلّف و إن توقّف تنجّزه و ثبوته فعلا علي شروط، لكن فقد تلك الشروط لا يقدح في صدق الحكم الكلّي علي وجه القضيّة الشرطيّة بأن يقال: إنّ هذا المكلّف ممّن يجب عليه الصلاة و تصح منه بمجرّد دخول وقتها و اجتماع باقي شرائط الصلاة، فإذا حدث وجوب القضاء عليه لفوات بعض الفرائض يقع الشكّ في ارتفاع الحكم الكلّي المذكور، فيقال: الأصل بقاؤه، فالمستصحب هو الحكم علي كلّي الحاضرة بالصحّة و الوجوب في أوّل الوقت، لا علي خصوص الحاضرة المتنجّزة عليه حين فراغ الذمّة عن الفائتة حتّي يمنع انسحابه إلي الحاضرة الّتي يدخل وقتها حين اشتغال الذمّة بالفائتة إلّا بالقياس أو بدلالة الدليل العامّ المغني عن الاستصحاب. و ما ذكره أخيرا من تقرير الاستصحاب فهو أيضا راجع إلي ما ذكرنا، و توهّم كونه من القياس أو من استصحاب الحكم الفرضي مدفوع بما ذكرنا، فإنّ استصحاب الحكم المعلّق علي شروطه قبل تحقّق شروطه راجع إلي استصحاب أمر محقّق منجّز، كما يظهر بالتأمّل.
و لا يخفي أنّ وجود مثله في المسائل الشرعيّة و المطالب العرفيّة أكثر من أن تحصي، و اعتماد أرباب الشرع و العرف عليه أمر لا يكاد يخفي، و هذا الأصل بعينه هو استصحاب عدم حرمة الحاضرة- الّذي تمسّك به المعترض في التقرير الرابع من تقرير الأصل- ، إلّا أنّ ذلك عدميّ و هذا وجوديّ، لكن جريان كليهما علي الوجه الّذي ذكرنا هنا و ما ذكره من الاعتراض جار في ذلك أيضا، فتسليم أحدهما و منع الآخر تحكّم، إلّا ان يريد من الأصل- هناك- أصالة البراءة لا الاستصحاب، و قد عرفت ضعف التمسّك بالبراءة.
و كيف كان، فالاستصحاب علي الوجه الّذي ذكرنا لا غبار عليه، و قد عرفت سابقا ضعف معارضته باستصحاب عدم وجوب الحاضرة، لأنّه حاكم عليه. نعم من لا يجري الاستصحاب في الحكم الشرعي إمّا مطلقا- كما هو مذهب بعض «6»- أو فيما يحتمل مدخلية وصف في الموضوع، مفقود في الحال اللّاحق- كما هو المختار- لم يكن له التمسّك به فيما «7» نحن فيه، لاحتمال كون الحكم الكلّي المستصحب- و هو وجوب الصلاة في الجزء الأوّل من الوقت- في الحال السابق، أعني قبل الاشتغال بالقضاء منوطا بخلوّ الذمّة عن القضاء، فيكون المكلّف الفارغ في الذّمة من القضاء، يجوز له فعل الحاضرة في أوّل وقتها، و الشكّ في المدخليّة يرجع إلي الشكّ في بقاء الموضوع، فلا يجري
المكاسب، ج‌4، ص 354
الاستصحاب، لاشتراطه ببقاء الموضوع يقينا، لكن الاستدلال المذكور مبنيّ علي المشهور بين العلّامة رحمه اللَّه و من تأخّر عنه من إجراء الاستصحاب في أمثال المقام.

السادس: أصالة عدم حرمة المنافيات لفعل الفائتة من المباحات الذاتيّة

، و هذا الأصل حسن بمعني الاستصحاب دون البراءة، لما عرفته في التقرير الرابع و الخامس. و علي أيّ تقدير فهذا الأصل إنّما يثمر في ردّ من قال بوجوب الترتيب من جهة اقتضاء فوريّة القضاء تحريم الحاضرة و القول بأنّ الحرمة المقدميّة توجب الفساد، لو كان المنفي- المحرّم من باب المقدّمة- من العبادات. و أمّا لو لم نقل- كما هو مذهب جماعة، منهم: المحقق الثاني في شرح القواعد في باب الدين «1»، بل ربّما نسبه بعضهم ككاشف الغطاء قدّس سرّه إلي كافّة الأصحاب «2»- فلا ثمرة لهذا الأصل، لأنّ إثبات الترتيب حينئذ من باب الأخبار الدالّة علي تقديم الفائتة، لا من وجوب المبادرة إليها، من باب أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي عدم الأمر بضدّه فيفسد، و الحكم بالفساد من هذين الوجهين يجامع عدم حرمة الحاضرة، فلا يترتّب علي أصالة عدم الحرمة «3» الحكم بصحّة الحاضرة. و من هنا يظهر فساد ما قيل: من «4» أنّه إذا ثبت عدم حرمة المنافيات بالأصل، ثبت صحّة فعل الحاضرة في السعة، لعدم القول بالفصل. مع أنّ التمسك بالإجماع المركّب و عدم القول بالفصل فيما إذا ثبت أحد شطري المسألة بالأصول الظاهرية محلّ إشكال، فقد أنكره غير واحد و لا يخلو عن قوّة. و كيف كان، فالأصل المعتمد في المسألة هو الأصل الأوّل، و هو أصالة عدم الفوريّة. و قد يعارض باقتضاء أصالة الاشتغال بالترتيب، و سيأتي الكلام عليها في أدلّة القائلين بالمضايقة إن شاء اللَّه.

[الدليل الثاني: الإطلاقات]

اشارة

الثاني من حجج القائلين بالمواسعة: الإطلاقات، و قد ضبطها بعض المعاصرين «5» في طوائف من الكتاب و السنّة.

الأولي: ما دلّ علي وجوب الحواضر علي كلّ مكلّف حين دخول وقتها «6»،

و وجوب قضائها علي كلّ من فاتته مع مضيّ ما يسعها عن أوقاتها «7»، و علي وليّه بعد موته- إن لم يقضها بنفسه- ، فلو وجب تأخيرها عن الفوائت لزم أن لا يجب علي من عليه فائتة معلومة إلّا عند ضيق وقت الحاضرة أو مضيّ زمان يسع الفائتة. و أيضا يلزم أن لا يجب عليه قضاء الحاضرة إلّا إذا أدرك وقت ضيقها، أو مضي زمان يسع الجميع، فلو مات قبل ذلك أو عرض حيض أو شبهه لم يكن مشغول الذمّة بالقضاء، و لم يجب علي وليّه تداركه بعد موته، و كلّ هذه مخالفة للإطلاقات المذكورة. و يرد عليه: أنّ القائل بالترتيب و وجوب تأخير الحاضرة عن الفائتة، إمّا أن يقول به من جهة فوريّة القضاء عنده، نظرا إلي أنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي عنده النهي عن الضدّ الخاصّ، و إمّا أن يقول به من جهة وجود الدليل علي اشتراط الترتيب في الحاضرة و إن لم يقل بفوريّة القضاء، و علي كلّ تقدير فلا يردّه الإطلاقات المذكورة، و لا يلزم تقييد لتلك الإطلاقات من جهة قوله بالترتيب. أمّا إذا قال به من الجهة الأولي، فلأنّه يدّعي أنّ الصلاة الّتي هي واجبة في أوّل الوقت من حيث هي- لو خلّي و طبعها- قد عرض لها عدم الوجوب لأجل عروض الحرمة لها من باب المقدّمة لواجب فوريّ. و إن شئت فقل: إنّ وجوبها في أوّل الوقت مقيّد عقلا بعدم الامتناع العقليّ أو الشرعيّ «8» فإذا فرض طروّ الحرمة لها من باب المقدمة صار ممتنعا شرعيا لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي، فهو نظير ما إذا عرض واجب فوريّ آخر في أوّل الوقت كأداء دين فوريّ أو إنقاذ نفس محترمة و نحوهما، فإنّه لا يلزم التقييد في تلك الإطلاقات بعدد هذه العوارض، بل إمّا أن نقول: إنّ تلك الإطلاقات مسوقة لبيان حكم الصلاة في أوّل الوقت لو خلّيت و نفسها، فلا ينافي عدم الوجوب لها لعارض يعرضها، كما أنّ قول الشارع: «لحم الغنم حلال- أو طاهر- » لا ينافي حرمة اللّحم المسروق و نجاسة اللّحم الملاقي للنجس، لأنّ طاهر- » لا ينافي حرمة اللّحم المسروق و نجاسة اللّحم الملاقي للنجس، لأنّ الحليّة و الطهارة الذاتيّتين لا تنافيان الحرمة و النجاسة العرضيّتين. و إمّا أن نقول: إنّها مقيّدة بالتمكّن و عدم الامتناع عقلا و شرعا، فإذا ادّعي مدّع الامتناع الشرعي فيما نحن فيه لأجل الحرمة المقدّميّة، فلا ينفي ادّعاؤه بالإطلاقات، نعم ليطالب «9» في دعواه الحرمة المقدّميّة- الموجبة لعروض عدم الوجوب و الامتناع الشرعيّ- بالاستدلال عليه، و هذا غير الاستدلال علي نفي قوله بالإطلاقات، بل وجود الإطلاقات كعدمها، لانعقاد الإجماع و الضرورة علي أنّ الحاضرة- لو لم يمنع عن فعلها في أوّل الوقت مانع عقليّ أو شرعيّ- متّصفة بالوجوب و الصحّة، و هذا القدر كاف في صحّة الحاضرة بعد ثبوت عدم المانع، و لو بحكم الأصل المتقدّم، الدالّ علي عدم الفوريّة الموجبة لطروّ الحرمة علي فعل الحاضرة. نعم لو أنكر أحد سوق تلك الإطلاقات لمجرّد بيان حكم الصلاة في نفسها علي حدّ قول الشارع: الغنم حلال أو طاهر، في مقابل قوله: الكلب حرام أو نجس، و ادّعي سوقها لبيان التكليف و حمل المكلّف في أوّل الوقت علي الفعل، بحيث يظهر من إطلاق بعث المكلّف علي الفعل عدم كونه ممنوعا من طرف الأمر، صح التمسّك «10» في كلّ مورد شكّ في فوريّة ما يزاحمها و انتفت الفوريّة عنه بحكم تلك الإطلاقات، و حكم من أجلها بعدم المانع الشرعيّ، و كان كلّما ورد من الدليل علي فوريّة شي‌ء يتوقّف علي تأخّر الحاضرة مقيّدا لتلك الأدلّة معارضا لها. لكن المتأمّل في تلك الإطلاقات- إذا أنصف- لا يجد من نفسه إلّا ما ذكرنا أوّلا. هذا كلّه إذا قيل بالترتيب من جهة الفوريّة، و أمّا إذا قيل به من جهة ورود الدليل علي اشتراطه في الحاضرة، فيصير حاله كحال سائر الشروط المعتبرة في الصلاة، في أنّ وجوب الصلاة في أوّل الوقت إنّما هو مع التمكّن من فعلها جامعة للشروط، فإذا شكّ في شرطيّة شي‌ء للصلاة كطهارة ما عدا موضع الجبهة من مكان المصلّي، و أنّه هل يجب تحصيله إذا كان مفقودا عند دخول الوقت أم لا؟ فلا يجوز التمسّك بالإطلاقات المذكورة لنفي شرطيّة المشكوك، لأجل إطلاق الحكم فيها بثبوت الوجوب في أوّل الوقت و عدم وجوب التأخير. و كذا لو شكّ في جزئيّة شي‌ء يجب معرفته كالسورة بعد الحمد، فإنّه لا يجوز أن يتمسّك بالإطلاقات المذكورة، لعدم وجوب تأخير الصلاة حتّي يتعلّم السورة. و بعبارة أخري: تلك الإطلاقات دالّة علي وجوب الصلاة في أوّل الوقت، و مسألتنا أنّ الصلاة هل يعتبر فيها
المكاسب، ج‌4، ص 355
الشرط الفلاني، كتأخّرها عن الفائتة، و طهارة ما عدا موضع الجبهة- مثلا- و قراءة السورة بعد الحمد أم لا؟ نعم ثبوت شرط أو جزء للصلاة يوجب تقييد لفظ الصلاة بناء علي وضعها للأعمّ لا تقييد إطلاق وجوبها عند دخول الوقت، فيكون هذه الإطلاقات كإطلاق أَقِيمُوا الصَّلاةَ. بل التحقيق: عدم جواز التمسّك بها و إن جوّزنا التمسّك بإطلاق: أَقِيمُوا الصَّلاةَ لنفي الشرطيّة و الجزئيّة عند الشكّ، لأنّ إطلاق الصلاة في هذه الإطلاقات مسوقة لبيان حكمها من حيث وقت وجوبها فلا تفيد مطلوبيّة كلّ ما يسمّي صلاة، فحالها كسائر الإطلاقات المسوقة لبيان أحكام الصلاة بعد الفراغ من بيان جهتها، كأحكام الجماعة و الخلل و القضاء و نحو ذلك. و أمّا إطلاقات وجوب القضاء علي من مضي عليه من الوقت مقدار الفعل، فإن كان المراد مقدار الصلاة و الطهارة دون غيرها من الشروط فلا دلالة فيها علي المقام. و إن كان المراد مقدار الصلاة و تحصيل جميع الشروط فهي ساكتة عن بيان الشروط فإذا ادّعي شرطيّة شي‌ء للصلاة فلا دلالة فيها علي نفيها، كما لا يخفي.

الثانية: ما دلّ بعمومه أو إطلاقه علي صلاحيّة جميع أوقات الحواضر

لأدائها بالنسبة إلي جميع المكلّفين «1» فيتناول من عليه فائتة أيضا فيصحّ له فعل الحاضرة في السعة. و يرد عليه: ما في سابقه، من عدم فائدة في إطلاقها، سواء جعلنا اعتبار الترتيب من جهة الفوريّة، أم من جهة ثبوت اشتراط الحاضرة بتأخّرها عن الفائتة، إذ مدلولها صلاحيّة كلّ جزء من الوقت للحاضرة، و هذا غير منكر عند أهل المضايقة، فإنّهم لا يقولون بعدم الصلاحيّة «2» للحاضرة، و إنّما يقولون بعروض ما أوجب تأخّرها، أو بكونها مشروطة بشرط مفقود يحتاج إلي تحصيله و هو فراغ الذمّة عن الفائتة. نعم ربّما يظهر من بعض العبارات المحكيّة عن السيّد المرتضي «3» ما يوهم عدم صلاحيّة زمان الاشتغال بالفائتة لأداء الحاضرة، و حينئذ فيصلح هذه الإطلاقات للردّ عليه و لكن من المقطوع أنّ مراده من عدم صلاحية ذلك الوقت للفعل: عدم صلاحية الفعل في ذلك الوقت.

الثالثة: ما دلّ علي أنّه إذا دخل وقت الفريضة لا يمنع من فعلها شي‌ء إلّا أداء نافلتها الراتبة «4»

مثل قولهم عليهم السلام: «إذا زالت الشمس فما يمنعك إلّا سبحتك» «5». و قولهم عليهم السلام: «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك، طوّلت أو قصّرت» «6». و يرد عليه: أنّ هذه الروايات في مقام دفع «7» توهّم رجحان تأخير الظهر إلي حدّ محدود، كالقدمين و الذراع و القامة- علي ما يتراءي من بعض الأخبار الدالّة علي هذه التحديدات- «8»
فبيّن الإمام بذلك أنّه ليس بعد دخول الوقت مانع عن فعل الفريضة إلّا النافلة، فلا ينتظر القدمين و لا الذراع و لا القامة و لا غيرها. و الّذي يكشف عمّا ذكرنا ما عن محمّد بن أحمد بن يحيي، قال: «كتب بعض أصحابنا إلي أبي الحسن عليه السلام: أنّه روي عن آبائك: القدمين و الذراع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراعين؟
فكتب عليه السلام: لا القدم و لا القدمين، إذا زال الشمس فقد دخل وقت الصلاة و بين يديها سبحة، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت.. الحديث» «9». و الحاصل: أنّ من لاحظ الأخبار المذكورة يظهر له ما ذكرنا في معني الرواية غاية الظهور. ثمّ إنّه كيف يمكن الاستدلال بهذه الأخبار مع أنّ المراد بالمنع في قوله عليه السلام: «لا يمنعك»: المنع الكمالي، لا منع الصحّة و الإجزاء، بقرينة استثناء النافلة، و المطلوب في مسألة المضايقة منع الفائتة عن صحّة الحاضرة قبلها، فافهم.

الرابعة: ما دلّ علي تأكّد استحباب فعل الصلاة جماعة «10»

مع استمرار السيرة في الجماعات علي المبادرة إليها في أوائل الأوقات، و ما دلّ علي تأكّد استحباب فعل الصلاة في المساجد «11»،
و علي استحباب الأذان و الإقامة «12» و تأكّدهما في بعض الصلوات، و استحباب اختيار السور الطوال في بعضها «13» و الإتيان بسائر سننها «14»، فإنّ امتثال هذه المستحبّات في الحاضرة يقتضي عدم تأخيرها إلي الضيق، و في الفوائت يقتضي عدم المبادرة إلي كلّ منهما. و الجواب عن هذه كلّها يظهر ممّا ذكرنا، من أنّ هذه الإطلاقات لا تنفي فوريّة القضاء و لا اشتراط الأداء بخلوّ الذمّة عن القضاء، و المتأمل يجد بعد الإنصاف أنّ هذه كلّها أجنبيّة عن المطلب.

الخامسة: ما دلّ علي استحباب المستحبّات.

و يرد عليها ما ورد في السابق و هي نظير أدلّة المباحات «15».

السادسة: ما دلّ علي أنّه: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة» «16»

و علي أنّ فروض الصلاة سبعة «17» أو عشرة «18». و يرد عليه: أنّ المراد عدم الإعادة من الإخلال سهوا بشي‌ء غير الخمسة، و أنّ الفروض الشرعية بحسب أصل الشرع في الصلاة سبعة، و أكثر أهل المضايقة يدّعون أنّ فوريّة القضاء يمنع عقلا عن صحّة الأداء. و كيف كان، فالتمسّك بهذه و أمثالها ممّا لم نذكره- و إن ذكره بعض- تضييع للقرطاس فضلا عن العمر.

السابعة: ما دلّ علي تأكّد استحباب المبادرة مطلقا إلي الصلاة

في أوائل أوقاتها «19» فيشمل من عليه فائتة. و يرد عليه ما تقدّم في إطلاقات الوجوب في أوّل الوقت و صلاحيّة كلّ جزء من الوقت للحاضرة، من أنّها لا تنفي وجوب تقديم الفائتة، سواء أخذناه عن فوريّة القضاء- بناء علي اقتضائها النهي عن الحاضرة- أو من دليل اعتبار الترتيب في الحاضرة و إن لم يحكم بفوريّة الفائتة. مضافا إلي أنّ الاستحباب المذكور إنّما يتوجّه إلي فعل الحاضرة في أوّل الوقت بعد الفراغ عن وجوبها و صحّتها، لأنّ استحباب بعض أفراد الواجب «20» فرع وجوبه في الواقع و في لحاظ الحاكم بالاستحباب، و الكلام في هذه المسألة في ثبوت أصل وجوب الحاضرة في الجزء الأوّل من الوقت لمن عليه فائتة، فالحكم بالاستحباب مقصور علي من لا مانع في حقّه عن وجوب الحاضرة عليه في أوّل الوقت. و قد يرد هذه الإطلاقات بوجوب رفع اليد عنها من جهة تسليم أهل المواسعة لاستحباب تقديم الفائتة، فلا يجامع استحباب الحاضرة في أوّل وقتها. و فيه نظر، أمّا أوّلا:
فلذهاب بعض أهل المواسعة- كالصدوقين و عبيد اللَّه الحلبي و غيرهم- إلي استحباب تقديم الحاضرة «21» و ذهاب بعض إلي التخيير بين تقديم الحاضرة و تقديم الفائتة «22»
و لازم هذا القول- كما قدّمنا في أوّل المسألة- : القول بأفضليّة فعل الحاضرة في وقت فضيلتها. و أمّا ثانيا: فلأنّ القول باستحباب تقديم الفائتة إمّا أن يكون من جهة الاحتياط فلا ينافي أفضلية الحاضرة من حيث الفتوي الّتي هي مقتضي الأدلّة الاجتهاديّة، فيكون المسألة نظير الحكم بأفضليّة الإتمام في المواطن
المكاسب، ج‌4، ص 356
الأربعة لظاهر الأدلّة و أنّ القصر أحوط، و كذا الحكم بأفضلية صلاة الجمعة، و كون الظهر أحوط و إمّا أن يكون من جهة الأخبار الدالّة علي رجحان تقديم الفائتة بحملها علي الاستحباب بعد فرض اختيار المواسعة. لكن نقول: لا تنافي بين استحباب تقديم الفائتة و بين استحباب فعل الحاضرة في وقت فضيلتها، فإن أمكن الجمع بين المستحبّين بأن يقضي الفائتة و يعقّبها بالحاضرة قبل خروج وقت فضيلتها فقد فاز بالمصلحتين، و إن لم يمكنه إلّا إحداهما بعينها تعيّنت، أو لا بعينها تخيّر، أو قدّم الحاضرة لكثرة ما دلّ من الأخبار علي الحثّ عليها في ذلك الوقت «1» و توعيد من أخّرها عنه «2» و أنّ ما بقي من الوقت وقت رخصة لأهل الأعذار «3»
أو لصلاة الصبيان «4» و نحو ذلك. و كيف كان فكون كلّ من فعل الحاضرة في وقت الفضيلة و تقديم الفائتة عليه مستحبّا ممّا لم يمنعه مانع، و قد ذكرنا أيضا في أوائل المسألة أنّ جهات استحباب تقديم الفائتة ثلاث، و جهات تقديم استحباب الحاضرة أربع، فعليك بملاحظة ما يمكن اجتماعه من جهات تقديم إحداهما مع جهات تقديم الأخري، فتدبّر.

[الدليل الثالث: الأخبار الخاصة]

اشارة

الثالث من وجوه الاحتجاج لأهل المواسعة: الأخبار الخاصّة- يعني المختصّ بحكم قضاء الفوائت- و هي طوائف:

الأولي: ما دلّ علي توسعة القضاء في نفسها: فمن جملة ذلك: إطلاق الأخبار الكثيرة المشتملة علي الأمر بالقضاء «5»

و لا سيّما ما ورد في الحائض و النفساء «6». و يرد عليه: أنّ الاستدلال بالأوامر المطلقة- خصوصا الأوامر الواردة في الحائض و النفساء- في مقام بيان أصل الوجوب من غير تعرّض لوجوب المبادرة و عدمها فإنّ الأمر بناء علي عدم دلالته بالوضع علي الفور لا يدلّ علي عدمه، بل غاية الأمر سكوته عنه، فلا ينافي إرادة الأمر، المبادرة إليه بأمر آخر، و ليس يلزم حينئذ تصرّف في تلك الأوامر.
فالمدّعي للفور و إن كان عليه إقامة الدليل إلّا أنّ الإطلاقات لا تدلّ علي خلافه، نعم ظاهر الأمر- حيث إنّه موضوع لطلب الفعل الغير المقيّد بزمان- حصول الامتثال بالإتيان به في الزمان الثاني و الثالث، و إن قلنا بدلالته علي الفور، فتأمّل جدّا. و منها: ما عن أصل الحلبي- الّذي عرض علي الإمام الصادق صلوات اللَّه عليه و استحسنه- «7»: «خمس صلوات يصلّين علي كلّ حال و متي أحبّ، صلاة فريضة نسيها يقضيها مع طلوع الشمس و غروبها، و صلاة ركعتي الإحرام، و ركعتي الطواف الفريضة، و كسوف الشمس عند طلوعها و غروبها» «8». و يرد عليه أنّ قوله: «يصلّين علي كلّ حال» يدلّ علي مشروعيتها في مقام دفع توهّم المنع عنها عند طلوع الشمس و غروبها، لما استفاض من الأخبار الظاهرة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس و غروبها و أنّها تطلع بين قرني الشيطان «9»، و ليس المراد سعة وقتها و اختيار المكلّف في تعجيلها و تأخيرها، لأنّ هذا غير ممكن في الكسوف و الطواف و صلاة الميّت المذكورة في بعض الأخبار معها «10»، فلا ينافي هذا وجوب تعجيل القضاء متي ذكرها، و لذا جمع في بعض الأخبار بين الفقرة المذكورة و بين وجوب القضاء متي ذكرها، مثل رواية زرارة- المحكيّة عن الخصال- عن أبي جعفر عليه السلام: «قال: أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتي ذكرتها أدّيتها، و ركعتي طواف الفريضة و صلاة الكسوف و الصلاة علي الميّت» «11». و أمّا قوله: «متي أحبّ» فليس دليلا علي جواز التأخير، لعدم جريانها في باقي الصلوات المذكورة في الرواية، فلا بدّ من تأويلها علي وجه لا ينافي التعجيل، و لا يحضرني الآن تأويل حسن له و لا يهمّنا أيضا. هذا، مع أنّ العبارة المذكورة ليست برواية، لأنّ الحلبي لم يسندها إلي إمام، فلعلّها فتوي استنبطها من ظاهر بعض الروايات الدالة علي التوسعة. و منها: ما عن الجعفي في كتاب الفاخر- الّذي ذكر في أوّله أنّه لم يرو فيه إلّا ما أجمع عليه و صحّ عنده عن قول الأئمّة عليهم السلام- من قوله قدّس سرّه:
«و الصلوات الفائتات تقضي «12» ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالّتي دخل وقتها و قضي الفائتة متي أحبّ» «13». و يرد عليه: أنّ الظاهر عدم كون القول المذكور متنا لرواية و إنّما هو معني مستنبط من الروايات الظاهرة في المواسعة، فليس دليلا مستقلا. و منها: رواية عمّار المشتملة علي مسائل متفرّقة، منها ما: «عن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: نعم، يقضيها باللّيل علي الأرض، فأمّا علي الظهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر» «14». فإنّ الظاهر- بقرينة المنع عن القضاء علي ظهر الراحلة و الأمر بفعلها كما في الحضر- أنّ المراد قضاء الفريضة، فلو كان القضاء مضيّقا لجاز فعله علي الراحلة كما في الفريضة المضيّقة لضيق وقتها أو وقت التمكّن منها. و فيه، أوّلا: إنّه لا دلالة لها إلّا علي عدم جواز فعل الفريضة علي الراحلة، و أمّا وجوب النزول عنها لأجل القضاء إن تمكّن، و عدمه إن لم يتمكّن، فلا تعرّض لها في الرواية، نعم ربّما كان في قوله: «يقضيها باللّيل» دلالة علي أنّه يؤخّرها إلي اللّيل ليقع علي الأرض، فلا يقضيها بالنهار ليقع علي الراحلة علي ما هو الغالب من أنّ دأب المسافرين- خصوصا العرب- المشي بالنهار، فيكون وجه الدلالة ظهورها في ترخيص تأخير القضاء إلي اللّيل و عدم وجوب المبادرة إليها بالنهار. نعم يمكن للقائلين بالمضايقة أن يقولوا: إنّ المبادرة إنّما يجب إذا أمكن فعل القضاء مستجمعا لجميع الشروط الاختياريّة لا مطلقا، لأنّ التضيّق إنّما جاء من دلالة الأمر علي الفور أو من ورود الدليل علي وجوب التعجيل. و علي كلّ تقدير، فالفعل المشروط في نفسه بشروط إذا أخّره المكلّف لتحصيل شرط من شروطه، لا يعدّ متوانيا فيه غير مستعجل، إذا لم يكن التأخير إلّا بمقدار تحصيل الشرط، و لهذا لم يلتزم أهل المضايقة بسقوط السورة و طهارة الثوب و البدن، بل مقدار الطهارة المائيّة إذا أوجب التأخير، و كان التعجيل يحصل بالتيمّم. و السرّ في ذلك: أنّ ترخيص الفعل بدون الشرائط الاختياريّة إنّما يكون عند الاضطرار، و الاضطرار إنّما يحصل إذا دار الأمر بين فوت أصل الواجب إمّا لضيق الوقت أو لطروّ المانع- و لو بحسب ظنّ المكلّف- ، و فوات شروطه و أجزائه الاختيارية، و أمّا إذا دار الأمر بين فوات التعجيل إلي الفعل و فوات تلك الشروط و الأجزاء الاختياريّة فلا يهمل جانب الشروط و يراعي التعجيل. و السرّ فيه: أنّ التعجيل المطلوب إنّما عرض للفعل بعد اعتبار الشروط و الأجزاء، فالمطلوب تعجيل الفعل المستجمع لها، فمتي لم يمكن
المكاسب، ج‌4، ص 357
تعجيل الفعل المستجمع لها و ارتقب زمان الاستجماع فلا يعدّ عاصيا في التعجيل، و هذا هو السرّ في التزام العقلاء في مقام الإطاعة مراعاة جانب الشروط و الأجزاء و إن تأخّر زمان الفعل، بل لا يعدّ هذا تأخيرا، لأنّ التأخير و التعجيل إنّما يعتبران بالنسبة إلي أزمنة الإمكان، فافهم. و أمّا توهّم أنّ الإمام عليه السلام لم يستفصل بين السفر الضروريّ و غيره فيأمره بترك غير الضروريّ المستلزم لتأخير القضاء إلي اللّيالي، فمدفوع بأنّ مقام السؤال لا يقتضي ذلك- كما لا يخفي- فترك الاستفصال لا يجدي. و منها: رواية أخري عن عمّار: «قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّي يطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع، أ يجوز أن يقضيها بالنهار؟ قال: لا يقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا يجوز و لا يثبت له، و لكن يؤخّرها و يقضيها باللّيل» «1». و يرد عليه: أنّ المنع التحريميّ عن قضاء الفريضة بالنهار ممّا أجمع علي خلافه الفتاوي و الأخبار، فإمّا يحمل علي التقيّة فلا يجدي، و إمّا علي الكراهة، و هي بعيدة عن مساقها و مخالفة لظاهر الأخبار، بل صريح كثير منها، فان لم يكن هذا كلّه موجبا لطرحها جاز الاقتصار علي موردها، و لا داعي إلي صرفها عن الحرمة إلي الكراهة، إذ كما أنّ الحرمة منافية للفتاوي و الأخبار، فكذلك الكراهة، كما لا يخفي. و منها: ما رواه في البحار عن السيّد ابن طاوس- في رسالة غياث سلطان الوري لسكّان الثري- عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام «قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك» «2»
. و التقريب: أنّ الظاهر من الدين إمّا خصوص الفريضة الفائتة أو الأعمّ، و لا وجه للتخصيص بالنافلة، فيدلّ علي جواز تأخير القضاء لنافلة اللّيل، ثمّ عدم الأمر بفعلها قبل الصبح يدلّ علي عدم الترتيب. و يرد عليه: أنّ ظهور لفظ الدين في الفريضة محلّ نظر، بل لا يبعد- عند من له ذوق سليم- أن يراد من الدين- في مقابل صلاة ليلته تلك- صلوات سائر اللّيالي، فيكون حاصل الجواب: ترجيح أداء نافلة تلك اللّيلة علي قضاء نافلة سائر اللّيالي.
و لو أغمض عن ذلك، فنقول: إنّ التمسّك بعمومه حسن لنفي الفوريّة، و أمّا نفي الترتيب فلا يستفاد منه خصوصا علي تفصيلي المحقّق «3» و العلّامة «4». و منها: ما عن السيّد- أيضا- في رسالة المواسعة، عن أمالي السيّد أبي طالب الحسيني بإسناده إلي جابر بن عبد اللَّه: «قال: قال رجل: يا رسول اللَّه كيف أقضي؟ قال صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: صلّ مع كلّ صلاة مثلها. قال:
يا رسول اللَّه قبل أم بعد؟ قال: قبل» «5». و فيه: أنّ الأمر بالصلاة ليس للوجوب قطعا. فيمكن أن يكون إرشادا لكيفيّة قضاء ذلك الشخص، فلعلّه كان القضاء مستحبّا في حقّه فيستحبّ له قبل كلّ صلاة أن يقضي صلاة. و منها ما عن الذكري، عن إسماعيل بن جابر: «قال: سقطت عن بعيري فانقلبت علي أمّ رأسي، فمكثت سبعة عشر ليلة مغمي عليّ، فسألته عن ذلك، قال: اقض مع كلّ صلاة صلاة» «6». و فيه: أنّ الاستدلال به مبنيّ علي وجوب القضاء علي المغمي عليه- كما اعترف به في الذكري- «7» و هو مخالف للأخبار الكثيرة «8». مع أنّ الرواية غير مذكورة- علي ما قيل- «9» في كتب الحديث، فلعلّ الشهيد أخذها من كتاب إسماعيل بن جابر أو من كتاب آخر أسندت فيه إلي إسماعيل، و هذا ممّا يوهن التمسك به. و منها: الأخبار المستفيضة الدالة علي مرجوحيّة قضاء الفريضة، أو مطلق الصلاة عند طلوع الشمس حتي يذهب شعاعها «10». و يرد عليه: أنّها مخالفة للأخبار الكثيرة الواردة علي خلافها، و أنّ ما يقوله الناس: «إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان» كاذب، و أنّه لو صحّ فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء مثل الصلاة «فصلّها و أرغم أنف الشيطان» «11»، و الأخبار الدّالّة صريحا علي عدم المنع عن قضاء الفريضة متي ما ذكرها، بل مطلق الصلاة، بل فعل ذات السبب مطلقا «12». فالأولي حملها علي التقيّة- و إن اشتمل بعضها علي ما يخالف العامّة «13»، فإنّه غير مناف للحمل عليها، خصوصا إذا لم يكن محمل غيرها- من جهة ورود الأخبار المعتبرة علي خلافها. و منها: الأخبار المرخّصة لقضاء صلاة اللّيل في النهار و قضاء صلاة النهار بالليل، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء «14» مثل مصحّحة ابن مسلم: «عن الرجل يفوته صلاة النّهار. قال: يقضيها، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء» «15»، و نحوها مصحّحة الحلبي «16»
إلي غير ذلك من الأخبار الدالّة علي الرخصة المزبورة، فإنّ الصلاة المقضيّة فيها أعمّ من الفريضة و النافلة، بل يتعيّن حملها في الصّحيحتين علي الفريضة بناء علي القول بحرمة النافلة- و لو قضاء- في وقت الفريضة، بل و علي القول بالكراهة أيضا، لظهورها في التساوي و عدم مزيّة في فعلها بعد العشاء. و يرد عليها: أنّ الظاهر من صلاة اللّيل و النهار- في هذه الروايات- نافلتهما، إذ الغالب التعبير عن الفرائض بأسمائها، كالظهرين أو المغرب و العشاء، مع أنّ الظاهر من فوت صلاة النّهار فوتها في النهار و فوت صلاة اللّيل في اللّيل، و حينئذ لا إشكال في أنّ الحكم قضاء الأوّل في الليل «17»، و الثاني في النهار. نعم هذا لا يتمشّي في بعضها، مثل قوله: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» «18» و نحوها، إلّا أنّه يمكن حملها علي دفع توهّم المنع الحاصل عن مثل رواية عمّار المتقدّمة المانعة عن قضاء فائتة النهار إلّا في اللّيل «19»، مع إمكان حمل النهار فيها علي النهار الآخر، لا يوم الفوات.

الطائفة الثانية من الأخبار: ما دلّ علي أنّه يجوز لمن عليه فائتة أن يصلّي الحاضرة في السعة

، و أن يتمّها بنيّتها إذا ذكر الفائتة في أثنائها، فمن جملة ذلك ما عن أصل الحلبي المتقدّم «20» من قوله: «و من نام أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصليهما، فليصلّهما، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء» «21». و دلالته علي المطلوب واضحة بناء علي أنّ وقت العشاءين يمتدّ للمضطرّ إلي طلوع الفجر. و حمل قوله: «بعد الفجر» علي القريب من طلوع الشمس بعيد جدّا، فحمل الأمر بتقديم الفجر علي الاستحباب أولي من ذلك التقييد، فيتمّ المطلوب، لكنّها لا تنفي التفصيل المتقدّم عن المختلف «22». و منها ما تقدّم عن كتاب الفاخر «23»- الّذي ذكر في أوّله: «أنّه لا يروي فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمّة»- من قوله: «و الصلوات الفائتات تقضي ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالّتي دخل وقتها و قضي الفائتة متي أحبّ». و ظاهره وجوب التقديم، إلّا أن يحمل علي الاستحباب، فيتمّ المطلوب و هي المواسعة المطلقة من دون تفصيل. لكنّ
المكاسب، ج‌4، ص 358
الإنصاف: أنّ عدّ هذين الكلامين من الرواية مشكل، فالظاهر كون الحكم المذكور من هذين الجليلين فتوي مستنبطة من ظاهر الروايات. و منها: ما أرسله الواسطي في كتابه عن الصادق عليه السلام: «إنّ من كان في صلاة ثمّ ذكر صلاة أخري فائتة أتمّ التي هو فيها ثمّ قضي ما فاته» «1». و حكي «2» عنه نسبة هذا إلي أهل البيت عليهم السلام في موضع آخر من كتابه، و دلالته علي المطلوب ظاهرة، فلا كلام إلّا في سنده. و منها: رواية أبي بصير المصحّحة: «إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء الآخرة أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر مقدار ما يصلّيهما جميعا فليصلّهما، و إن خشي أن يفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن يطلع الشمس فيفوته إحدي الصلاتين فليصلّ المغرب ثمّ ليدع العشاء الآخرة حتّي يطلع الشمس و يذهب شعاعها ثمّ ليصلّ العشاء» «3». و حكي نحوها عن رسالة السيّد ابن طاوس عن كتاب الحسين بن سعيد «4». و نحوها ما عن الفقه الرضويّ مسندا إلي العالم بزيادة قوله: «و إن خاف أن تعجّله طلوع الشمس و يذهب عنهما جميعا فليؤخّرهما حتّي يطلع الشمس و يذهب شعاعها» «5». و الدلالة فيها ظاهرة علي ما سبق في تقريب دلالة عبارة الحلبي «6». و أمّا الحكم فيهما بتأخير القضاء إلي ذهاب شعاع الشمس فهو غير موهن للرواية- كما أنّ صحيحة زرارة «7» الّتي هي العمدة في أدلّة الترتيب مشتملة علي هذا الحكم أيضا- لأنّ غاية الأمر حمل هذه الفقرة علي التقيّة و لا يوجب حمل ما في الخبر عليها، خصوصا مع احتمال حدوث سبب التقيّة بعد ذكر الفقرات السابقة. مع أنّ الرواية المرويّة عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن ابن مسكان- أو ابن سنان «8»- خالية عن الفقرة المذكورة. فالإنصاف ظهورها في المدّعي، نعم لا ينهض لردّ تفصيل المختلف، كما عرفت «9». ثمّ إنّه حكي عن المحقّق في العزيّة «10» أنّه أورد علي هذين الخبرين فقال: إنّ خبري أبي بصير و ابن سنان يدلّان علي أنّ وقت العشاء يمتدّ إلي الفجر، و هو قول متروك، و إذا تضمّن الخبر ما لا نعمل به دلّ علي ضعفه. ثمّ. قال: و أيضا فهما شاذّان، لقلّة ورودهما «11»
بعد العمل بهما. ثمّ أجاب عن الأوّل: بأنّا لا نسلّم أنّ القول بذلك متروك، بل هو قول جماعة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين، منهم أبو جعفر بن بابويه «12»-
و هو أحد الأعيان- و قد ذكر ذلك الشّيخ أبو جعفر الطوسي في مسائل من بعض أصحابنا «13»، فكأنّه مشهور، و قالوا: هو وقت لمن نام أو نسي. و لو سلّمنا أنّ الوقت ليس بممتدّ، فما المانع أن يكون ذلك للتقيّة في القضاء، فإنّ رواية زرارة «14»- الّتي هي حجّة في ترتيب القضاء- تضمّنت تأخير المغرب و العشاء حتّي يذهب الشّعاع، و من المعلوم أنّ الحاضرة لا يتربّص بها ذلك، فكيف ما يدّعي أنّه يقدّم علي الحاضرة؟ ثمّ أجاب عن الثّاني بأنّه لا نسلّم شذوذهما و قد ذكرهما الحسين بن سعيد «15» و الكليني «16» و الطوسي في التهذيب «17» و الإستبصار «18» و ذكره أبو جعفر بن بابويه في الفقيه «19» و قد أودع فيه ما يعتقد أنّه حجّة فيما بينه و بين ربّه «20»
(انتهي). و منها: مرسلة الوشّاء، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «قال: قلت: الرّجل يفوته الاولي و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة. قال:
يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضي ما فاته، الأولي فالأولي» «21». و عن المحقّق في المعتبر «22» روايته عن جميل «23»، فلعلّه أخذه من كتابه. و وجه الدّلالة أنّ المراد من تذكّر المنسيّ عند العشاء، إمّا تذكّره عند دخول مطلق وقته، و إمّا بذهاب الحمرة المغربيّة- بناء علي القول بأنّه آخر وقت المغرب كما هو مذهب جماعة- «24» و إمّا زمان تمحّض الوقت له، و هو ما بعد ثلث اللّيل أو ربعه- بناء علي انتهاء المغرب بذلك و بقاء العشاء إلي نصف اللّيل- و علي أيّ حال فقد دلّت الرّواية علي رجحان تقديم الحاضرة علي الفائتة، و التّعليل المذكور أمارة الاستحباب. و لو أبيت إلّا عن كون وقت العشاء قبل تضيّقه وقتا للمغرب أيضا- علي ما هو المشهور بين المتأخرين- أمكن حمل قوله: «بدأ «25» بالوقت الّذي هو فيه». علي المغرب و العشاء، فيكون المراد نسيان المغرب في أوّل وقته لا مطلقا. و يحتمل أيضا إرادة مغرب اللّيلة السّابقة. و يحتمل أيضا أن يكون قد وقع ذكره علي سبيل السّهو من السّائل في مقام ذكر المثال للفوائت، كما جمع في السّؤال عن تداخل الأغسال بين غسل العيد و عرفة و الجمعة «26». و إن أبيت إلّا عن كون الكلّ مخالفا للظّاهر، قلنا: إنّ عدم مناسبة ذكر المغرب لظاهر السّؤال لا يوجب سقوط الجواب عن قابليّة الاستدلال، فإنّ ظهور الرّواية في تقديم العشاء الحاضرة علي قضاء الظّهرين ممّا لا ينبغي إنكاره، و هو كاف في إثبات المواسعة المطلقة، خصوصا بملاحظة التّعليل المذكور فيها. و منها: موثّقة عمّار: «قال: سألته عن رجل يفوته المغرب حتّي يحضر العتمة؟ فقال: إذا حضر العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب، فإن أحبّ أن يبتدئ بالمغرب بدأ، و ان أحبّ بدأ بالعتمة ثمّ صلّي المغرب بعد.. الخبر» «27». بناء علي أنّ المراد: مغرب اللّيلة السابقة، أو علي القول المتقدّم من انتهاء وقت المغرب بدخول وقت العشاء، و دلالته حينئذ علي جواز تقديم الحاضرة واضحة. و لا ينافيه الحكم باستحباب تقديم الحاضرة، و لا استحباب تقديم الفائتة، لإمكان حمل التخيير فيه علي إرادة دفع توهّم تعيّن أحد الأمرين.
و منها: ما عن السيّد ابن طاوس في رسالة المواسعة عن كتاب الحسين ابن سعيد، عن صفوان، عن العيص ابن القاسم: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّي دخل وقت صلاة أخري؟ فقال: إن كانت صلاة الأولي فليبدأ بها، و إن كانت صلاة العصر صلّي العشاء ثمّ صلّي العصر» «28». بناء علي أنّ المراد بصلاة الأولي هي مطلق الصلاة الّتي بعدها صلاة، فتعمّ المغرب، و يكون المراد بوقت الصلاة الأخري: وقتها الّذي هو وقت اضطراريّ للأولي، فيكون حاصل الجواب: أنّ الصلاة الاولي مع بقاء وقتها الاضطراري يقدّم علي الصلاة الأخري، و أمّا مع فوات وقتها مطلقا فيقدّم عليها الحاضرة. و يمكن أن يراد من الصلاة الأولي صلاة الظهر، لشيوع إطلاقها عليها في الأخبار، و كونها أوّل صلاة صلّاها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم لكن تخصيصه بالذكر من باب المثال، فيعمّ الحكم المغرب أيضا.
المكاسب، ج‌4، ص 359
و يحتمل أن يراد ب «الاولي» خصوص الظهر، فيكون وجه تقديم الظهر المنسيّة علي العصر أنّه: «لا صلاة بعد العصر» «1». و في الرواية احتمالات أخر باعتبار رجوع كلّ من الضمير في قوله: «و إن كانت» و قوله: «فليبدأ بها» إلي كلّ من الحاضرة و المنسيّة، إلّا أنّ الأظهر ما ذكرنا، مع أنّ دلالتها علي تقديم العشاء الحاضرة علي العصر المنسيّ واضحة علي كلّ حال. و منها: المرويّة عن قرب الإسناد، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: «قال: و سألته عن رجل نسي المغرب حتّي دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال: يصلّي العشاء ثمّ يصلّي المغرب. و سأله عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر؟ قال: يصلّي العشاء ثمّ يصلّي الفجر. و سأله عن رجل نسي الفجر حتّي حضرت الظهر. قال: يبدأ بالظهر ثمّ يصلّي الفجر، كذلك كلّ صلاة بعدها صلاة» «2». فإنّ صدرها و ذيلها كالصريح في جواز تقديم الحاضرة علي الفائتة. و أمّا الحكم فيها بتقديم العشاء المنسيّة علي الفجر فعلي وجه الأولويّة، كالحكم بتقديم الحاضرة في الصورتين، لما ذكر من الضابط في ذيلها. لكن يرد عليها: أنّ ظاهرها فوات وقت المغرب للناسي مع سعة وقت العشاء، و هو خلاف المشهور و الأدلّة «3»، و إرادة آخر وقت العشاء يوجب الحكم بوجوب تقديم العشاء. هذا مع أنّ الضابط المذكور لا يخلو من إجمال، لأنّ المشبّه به المشار إليه بقوله: «كذلك كلّ صلاة بعدها صلاة» يحتمل أن يكون الفائتة، و يحتمل أن يكون الحاضرة، و وجه الشبه إمّا الحكم بالتقديم و إمّا الحكم بالتأخير، و المراد من ثبوت صلاة بعدها أمّا مشروعيّة صلاة بعدها- و لو نفلا- «4» و إمّا وجوب فريضة بعدها. نعم في بعض الأخبار ما يبيّن المراد منها، و هو ما عن الشيخ بإسناده عن الحسن الصيقل: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي الأولي حتّي صلّي ركعتين من العصر؟ قال: فليجعلهما «5» الاولي و ليستأنف العصر. قلت: فإنّه نسي المغرب حتّي صلّي ركعتين من العشاء ثمّ ذكر؟ قال: فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب. قال: قلت له: جعلت فداك، قلت حين نسي الظهر ثمّ ذكر و هو في العصر يجعلها الاولي ثمّ يستأنف. و قلت: هذا يتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب؟! قال: هذا ليس مثل ذلك، إنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة» «6».
و في معناها ما عن دعائم الإسلام بزيادة قوله: «انّ العصر ليس بعدها صلاة، يعني لا يتنفّل بعدها، و العشاء الآخرة يصلّي بعدها ما يشاء» «7». و هذا التفصيل محمول علي الأولويّة بشهادة التعليل- فإنّ قضاء الصلاة بعد العصر جائز إجماعا- أو علي التقيّة، ففيه دلالة علي المواسعة و تفسير لما سبق من التفصيل في رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة «8»، إلّا أنّ ظاهره متروك عندنا- معاشر القائلين بعدم خروج وقت الظهر، خصوصا للناسي، إلّا إذا بقي مقدار صلاة العصر من وقتها- ، و حينئذ ففي غير ذلك الوقت يجب العدول، و فيه يحرم، فلا مورد للاستحباب، و هكذا الحكم المذكور للمغرب، فافهم. و منها: ما عن الشيخ، عن إسماعيل بن هشام، عن أبي الحسن عليه السلام: «عن الرجل يؤخّر الظهر حتّي يدخل وقت العصر، انّه يبدأ بالعصر ثمّ يصلّي الظهر» «9». و فيه ما تقدّم، من أنّه لا يناسب ما هو المعروف من عدم خروج وقت الظهر إلّا إذا بقي مقدار صلاة العصر. و منها: ما عن الصدوق و الشيخ بإسنادهما عن إسحاق بن عمّار «قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: «تقام الصلاة و قد صلّيت؟.
قال: صلّها و اجعلها لما فات» «10». و دعوي اختصاص الصلاة الّتي صلّاها أوّلا بصورة نسيان وجوب القضاء، بعيدة. نعم ظاهر الرواية الاستحباب، فيمكن حملها علي محتمل الفوات.

الطائفة الثالثة: ما دلّ من الأخبار علي جواز النفل أداء، و قضاء، لمن عليه فائتة.

فمن جملة ذلك: ما استفاض من قصّة نوم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم عن صلاة الصبح حتّي طلعت الشمس، فقام فصلّي هو و أصحابه أوّلا نافلة الفجر ثمّ صلّي الصبح «11». و لا إشكال في سندها و دلالتها إلّا من جهة تضمّنها نوم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم، بل في بعضها ما يدلّ علي صدور السهو أيضا منه عليه السلام علي ما يقوله الصدوق «12» تبعا لشيخه ابن الوليد، بل عن ظاهر الطبرسي في تفسير قوله تعالي: وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا «13» نسبة ذلك إلي الإماميّة في غير ما يؤدّونه عن اللَّه «14». لكنّ الظاهر شذوذ هذا القول و مهجوريّته، خصوصا فيما يتعلّق بفعل المحرّمات و ترك الواجبات. نعم قال في الذكري- بعد ذكر رواية زرارة الدالّة علي نوم النّبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم- : إنّه لم نقف علي رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح بالعصمة فيه «15». و ظاهره أنّ قدح مضمونها في العصمة توهّم مخالف لما عليه الأصحاب ممّن تعرّض لذكر هذه الروايات. و يؤيّد ما ذكره ما عن رسالة نفي السهو للمفيد قدّس سرّه أنّه قال:
لسنا ننكر أن يغلب النوم علي الأنبياء صلّي اللَّه عليهم في أوقات الصلاة حتّي يخرج الوقت فيقضوها بعد ذلك، و ليس عليهم في ذلك عيب و لا نقص «16»، لأنّه ليس ينفكّ بشر من غلبة النوم، و لأنّ النائم لا عيب عليه، و ليس كذلك السهو، لأنّه نقص عن الكمال في الإنسان، و هو عيب يخصّ به من اعتراه، و قد يكون من فعل الساهي تارة كما يكون من فعل غيره، و النوم لا يكون إلّا من فعل اللَّه و ليس من مقدور العباد علي حال، و لو كان من مقدورهم لم يتعلّق عيب و لا نقص لصاحبه، لعمومه «17» جميع البشر، و ليس كذلك السهو، لأنّه يمكن التحرز منه، و لأنّا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم و أسرارهم من ذوي السهو و النسيان و لا يمنعون من إيداعها ممّن يغلبه النوم أحيانا، كما لا يمنعون من إيداعها ممّن يعرضه «18» الأمراض و الأسقام «19» (انتهي موضع الحاجة). و عن شيخنا البهائي- في بعض أجوبة المسائل- ما لفظه: «الرواية المتضمنة لنوم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم صحيحة السند، و قد تلقّاه الأصحاب بالقبول، حتّي قال شيخنا في الذكري: إنّه لم يجد لها رادّا، فقبول من عدا الصدوق من الأصحاب لها، شاهد صدق علي أنّهم لا يعدّون فوات الصلاة بالنوم سهوا، و إلّا لردّوها كما ردّوا غيرها ممّا هو صريح في نسبة السهو، و من شدّة وثوقهم بها استنبطوا منها أحكاما كثيرة ذكرتها في حبل المتين، منها: قضاء النافلة، و منها: جواز النافلة لمن عليه فريضة «20» (انتهي). و عن والده في رسالة مفردة منسوبة إليه: إنّ الأصحاب تلقّوا أخبار نوم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم بالقبول «21» (انتهي). و حينئذ نقول: إنّه لو لم نقل من جهة كثرة هذه الأخبار بجواز صدور ذلك عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم- وفاقا لظاهر من عرفت- لم يثبت بالعقل و لا بالنقل امتناع ذلك عليه، فلا يجوز ردّ الاستدلال بالأخبار بما لم يثبت امتناعه عقلا و لا نقلا و لا ادّعي أحد امتناعه. نعم
المكاسب، ج‌4، ص 360
حكي عن العلّامة أنّه قال:- بعد ذكر بعض الأخبار في ذلك- : إنّ حديثهم باطل، لاستحالة صدور ذلك عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم «1». و عن رسالة نفي السهو المتقدمة «2»- بعد الاعتراف بعدم امتناعه عقلا علي ما عرفت- ذكر أنّ الخبر في هذا المعني من جنس الخبر في السهو و أنّه من الآحاد الّتي لا توجب علما و لا عملا. و عن السيّد ابن طاوس أنّه- بعد ما ذكر عن بعض طرق العامّة أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم نام هو و أصحابه آخر اللّيل إلي أن طلعت الشمس، فأوّل من استيقظ أبو بكر ثمّ عمر، فكبّر عمر تكبيرا عاليا فأيقظ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم فأمرهم بالارتحال، و سار غير بعيد، فنزل فصلّي الصبح- قال: «انظر أيّها العاقل في وصفهم لعناية اللَّه سبحانه نبيّهم، و أنّه سبحانه لا يصحّ أن ينام، و أنّ جبرئيل عليه السلام ما كان شفقته علي نبيّهم دون عناية عمر حتّي كان يوقظه اللَّه أو جبرئيل، فإذا نظرت إلي روايتهم عن محمّد صلّي اللَّه عليه و آله و سلم أنّه تنام عينه و لا ينام قبله «3»، و تفسيرهم لذلك بأنّ نومه لا يمنعه عن معرفة الأحوال «4»، و نظرت في رواياتهم لوجوب قضاء ما فات عقيب ذكره، ثمّ يذكرون في هذه الرواية أنّه أخّر القضاء إلي بعد الارتحال، فإنّه قد نام قلبه حتّي لا يحسّ بخروج الوقت، فكلّ ذلك يشهد بالمناقضة في رواياتهم و مقالاتهم و تكذيب أنفسهم «5» (انتهي). و الإنصاف أنّ نوم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم أو أحد المعصومين صلوات اللَّه عليهم عن الواجب- سيّما آكد الفرائض- نقص عليهم ينفيه ما دلّ من أخبارهم «6» علي كمالهم و كمال عناية اللَّه تعالي بهم في تبعيدهم من الزلل، بل الظاهر بعد التأمّل أنّ هذا أنقص من سهو النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم عن الركعتين في الصلاة. و ما تقدّم «7» من صاحب رسالة نفي السهو ممنوع، بل العقل و العقلاء يشهدون بكون السهو عن الركعتين في الصلاة أهون من النوم عن فريضة الصبح، و أنّ هذا النائم أحقّ بالتعبير من ذلك الساهي، بل ذاك لا يستحقّ تعييرا. و كون نفس السهو نقصا دون نفس النوم، لا ينافي كون هذا الفرد من النوم أنقص، لكشفه عن تقصير صاحبه و لو في المقدّمات. و بالجملة، فصدور هذا مخالف لما يحصل القطع به من تتبّع متفرّقات ما ورد في كمالاتهم و عدم صدور القبائح منهم فعلا و تركا في الصغر و الكبر عمدا أو خطأ. و لعلّه لذا تنظّر في الأخبار «8» بعض المتأخّرين- علي ما حكي عنهم- منهم: شيخنا البهائي «9» بعد اعترافه بأنّ المستفاد من كلام الشهيد المتقدّم عن الذكري: تجويز الأصحاب لذلك «10» و عرفت أيضا ما عن المنتهي و غيره «11». اللّهمّ إلّا أن يقال بإمكان سقوط أداء الصلاة عنه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم في ذلك الوقت لمصلحة علمها اللَّه سبحانه، فإنّ اشتراكه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم مع غيره في هذا التكليف الخاصّ ليس الدليل عليه أوضح من الأخبار المذكورة حتّي يوجب طرحها، خصوصا بملاحظة بعض القرائن الواردة في تلك الأخبار، منها: قوله عليه السلام- في رواية سعيد الأعرج- : «إنّ اللَّه تعالي أنام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم إلي أن قال: و أسهاه في صلاته فسلّم في الرّكعتين.. إلي أن قال: و إنّما فعل ذلك رحمة لهذه الأمّة، لئلا يعيّر الرّجل المسلم إذا هو نام علي صلاته أو سها.. الخبر» «12» فتأمّل. و قوله صلّي اللَّه عليه و آله و سلم لأصحابه مخاطبا لهم: «نمتم بوادي الشيطان» «13». و لم يقل نمنا، فعلم أنّ النوم كان زللا منهم لا منه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم. ثمّ إنّ دلالة الأخبار المذكورة- بعد تسليمها- كغيرها من الأخبار المتضمّنة لجواز النفل لمن عليه قضاء، علي نفي المضايقة و فوريّة القضاء. و أمّا دلالتها علي نفي الترتيب فهي مبنيّة علي عدم المدرك له إلّا الفوريّة أو انعقاد الإجماع المركّب علي أنّ كلّ من قال بالمواسعة لم يقل بالترتيب، و كلاهما ممنوعان.

[الدليل الرابع: الإجماعات المنقولة]

الرابع من حجج القول بالمواسعة: الإجماعات المنقولة. منها: ما تقدّم عن الجعفي من نسبة ما يذكره في كتابه الفاخر إلي المجمع عليه «14». و منها: ما عن المعتبر من أنّ القول بالمضايقة يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة أن يأكل و أن ينام زائدا علي الضرورة، و لا يشتغل إلّا لاكتساب قوت يومه له و لعياله، و أنّه لو كان له درهم حرم عليه الاكتساب حتّي يخلو يده، و التزام ذلك مكابرة صرفة و التزام سوفسطائي. ثمّ قال: و لو قيل: قد أشار أبو الصلاح الحلبي إلي ذلك، قلنا «15»: نعلم من المسلمين كافّة خلاف ما ذكرنا، فإنّ أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلّي الإنسان منهم شهرين في يومه استكثره الناس «16» (انتهي). و عن المختلف ما محصّله: أنّ القول بتحريم الحاضرة في أوّل وقتها مع القول بجواز غيرها من الأفعال ممّا لا يجتمعان، و الثاني ثابت بالإجماع علي عدم إفتاء أحد من فقهاء الأمصار في جميع الأعصار بتحريم زيادة لقمة أو شرب جرعة، أو طلب الاستراحة من غير نصب شديد، أو المنع من فعل العبادات الواجبة، و المندوبة لمن عليه قضاء، فيلزم انتفاء الأوّل «17» (انتهي). و الجواب عن هذه الحجّة: أنّه إن أريد دعوي إجماع العلماء فهو واضح المنع، مع ما عرفت من كثرة القائلين بالمضايقة من القدماء و دعواهم الإجماع. و عبارة الجعفي يمكن حملها علي أنّ ما ذكر في كتابه مضمون الروايات المجمع عليها، بل يمكن دعوي ظهور قوله: «لا نذكر فيه إلّا ما اجمع عليه و صحّ من قول الأئمة عليهم السلام» فيما ذكرنا، فإنّ كلمة «من» بيان للموصول. و أمّا كلام المحقّق فمرجعها «18» إلي دعوي «19» سيرة المسلمين، و هي غير معلومة علي وجه يجدي في المقام، مع احتمال كونها ناشئة عن قلّة مبالاتهم في الدين، و لذا تراهم يشتغلون بما ذكر من المباحات من اشتغال ذممهم بحقوق من يطالبهم مستعجلا- و لو بشاهد الحال، كمستحقّي الصدقات الواجبة- و مع اشتغال ذممهم بحقوق اللَّه الفوريّة، كتعلّم العلم و اكتساب الأخلاق الجميلة و دفع الأخلاق الرذيلة، و تراهم يعاملون- بيعا و شراء- مع الأطفال الغير المميّزة و المجانين، و لا يجتنبون عن النظر إلي غير المحارم زائدا علي الوجه و الكفّين، كالشعر و الزند و الرجل إلي غير ذلك ممّا يطول الكلام بذكره. هذا مع أنّ استلزام المضايقة لتحريم الأمور المذكورة محلّ كلام في الأصول بين أعاظم الفحول، فلعلّ السيرة المذكورة دليل علي عدم الاستلزام، كما تمسّك بها بعض الأعلام في هذا المقام. و منه يظهر ما في دعوي العلّامة في المختلف. مضافا إلي أنّ نفي القول من فقهاء الأمصار بحرمة ما ذكر مع اعترافه قدّس سرّه «20» بذهاب السيّد و جماعة إلي الحرمة كما تري. و بالجملة فالتمسّك بالإجماع و السيرة في هذا المقام ليس إلّا لتكثير الأدلّة، مع أنّه لا ينفي الترتيب إلّا إذا كان منوطا بالفوريّة و مبنيّا عليها.

[الدليل الخامس: لزوم الحرج]

الخامس من حجج القائلين بالمواسعة: لزوم الحرج العظيم، الّذي يشهد بنفيه الأدلّة الثلاثة، بل الأربعة. و يرد عليه أنّ الحرج لا يلزم
المكاسب، ج‌4، ص 361
إلّا مع كثرة الفوائت، و حينئذ فإن كان لزومه علي وجه يرتفع به التكليف حكم بمقتضاه، كما يحكم القائل بالمواسعة عند ظنّ طروّ العجز، و كما يحكم بسقوط القيام في الصلاة عند تعسّره فلا يتعدّي إلي صورة عدم لزوم الحرج، لقلّة الفوائت. و ليس المقام ممّا يقضي لزوم الحرج بتشريع المواسعة في جميع الأفراد حتّي مع عدم الحرج، بأن يكون لزوم الحرج مؤسّسا للحكم، لأنّ ذلك إنّما هو فيما كان العسر في أغلب الموارد فيتبعها النادر، كما في تشريع القصر في السفر للحرج، و تشريع طهارة الحديد، و غير ذلك، و ليس كذلك ما نحن فيه قطعا «1». فاندفع ما يقال: إنّ غرض المستدلّ أنّ المشقّة النوعيّة الثابتة في فوريّة القضاء يقتضي- بحسب الحكمة المرعيّة في الشريعة السمحة السهلة- نفيها مطلقا، و إن انتفت المشقّة الشخصيّة في ثبوتها في بعض الأحيان. هذا مع إمكان معارضته بأنّ حكمه عدم وقوع المكلّف في تهلكة «2» بقائه مشغول الذمّة بالفوائت بعد الموت، اقتضت إيجاب المبادرة إليها إذ قلّما اتّفق للمكلّف أن يكون عليه فوائت كثيرة لم يبادر إليها في السعة إلّا و قد مات مشغول الذمّة بها أو بأكثرها. و كيف كان، فهذا الدليل- في الضعف- كسابقه، إلّا أنّه ينفي الترتيب أيضا و لو لم ينشأ من المضايقة، لأنّ مقتضاه وجوب الاشتغال بالفوائت تحصيلا للترتيب بين الحاضرة و بين ما يمكن تقديمه عليها من الفوائت، بل لو لم يشتغل بها أيضا كان في نفس تأخير الحاضرة حرج من جهة ضبط أواخر الأوقات بالساعات و العلامات إلّا إذا قلنا بأنّ الواجب تأخير الحاضرة عن مجموع الفوائت، لا عن كلّ فائتة حتّي يجب الاشتغال بها مهما أمكن، فافهم. و الحاصل: أنّ لزوم العسر علي من كثر عليه الفوائت مسلّم، سواء قلنا بالمضايقة أم قلنا بلزوم الترتيب من دون المضايقة، لكنّ الحكم بنفيهما «3» عموما حتّي في مورد عدم الحرج يحتاج إلي دليل آخر. و التمسّك بالإجماع المركّب في غير موضعه، لأنّ الفصل في الأحكام التكليفيّة بين موارد الحرج و غيرها، لكثرة وقوعه في الشريعة لا يعلم مخالفته في هذه المسألة لقول الإمام عليه السلام، و إن كان القطع به في بعض الموارد ممكنا، «4» إلّا أنّ غلبة الفصل بين الموردين في المسائل ممّا يمنع القطع غالبا، فافهم، فإنّه نافع في كثير من الموارد. و هذا خلاصة أدلّة القول بالمواسعة، و قد عرفت ضعف أكثرها، مع عدم الدلالة علي الترتيب خصوصا فيما عدا فوائت اليوم.

[أدلة القول بالمضايقة]

اشارة

و أمّا ما يمكن ان يستدلّ به للقول بالمضايقة فوجوه:

الأوّل: الأصل.

و المراد به: أصالة الاحتياط، إمّا من حيث الفوريّة، لتيقّن عدم المؤاخذة- علي تقدير التعجيل- و عدم الأمن منه- علي تقدير التأخير، مطلقا أو مع اتّفاق طروّ العجز. و إمّا من حيث تيقّن امتثال الحاضرة علي تقدير تأخيرها عن الفائتة أو إيقاعها في ضيق الوقت و الشكّ في الامتثال لو قدّمها علي الفائتة. و الجواب عنه: عدم وجوب الاحتياط لا من جهة الفوريّة و لا من جهة الترتيب، لما تقرّر في محلّه من دلالة العقل و النقل علي عدم المؤاخذة عمّا لم يعلم كونه منشأ لها، سواء كان الشكّ في التكليف الأصليّ أم كان في التكليف المقدّميّ، كالجزء، و الشرط. ثمّ إنّه لو قلنا بأصالة الاحتياط في الوجوب المقدّميّ من قبيل الجزء، و الشرط- علي ما هو مذهب جماعة «5»، و قد كنّا نقوّيه سابقا بدعوي اختصاص أدلّة البراءة- عقلا و نقلا- بالشكّ في التكليف المستقلّ، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو غسل الجمعة، لكن وجوب الاحتياط في التكليف الوجوبيّ المستقلّ مما لم يقل به أحد من المجتهدين و الأخباريّين علي ما ادّعاه بعض الأخباريين من اختصاص الخلاف بين الأخباريّين و المجتهدين في وجوب الاحتياط و عدمه بغير هذه الصورة من صور الشبهة في الحكم الشرعيّ. و علي هذا فوجوب الاحتياط من جهة الفوريّة و وجوب المبادرة إلي القضاء لمجرّد احتمال العقاب علي التأخير ممّا لم يقل به أحد. و أمّا أصالة الاحتياط من جهة الشكّ في اعتبار الترتيب- علي ما هو مذهب جماعة في الشكّ في الشرطيّة و الجزئيّة- فهي أيضا غير جارية في المقام و إن قلنا بجريانها في غيره، لأنّ الترتيب عند أهل المضايقة من جهة لزوم المبادرة، فالشكّ في اعتبار الترتيب مسبّب عن الشك في لزوم المبادرة، و إذا كان المرجع عند الشك في لزوم المبادرة أصالة البراءة عنه بالإتّفاق علي ما ذكر لم يجب الاحتياط عند الشكّ في اعتبار الترتيب. بل المرجع إلي أصالة البراءة الّتي هي الأصل في الشكّ، الّذي صار منشأ لهذا الشكّ، لما تقرّر في محلّه من أنّ أحد الأصلين إذا كان الشكّ في مجراه سببا للشكّ في مجري الآخر، فهو حاكم علي صاحبه، و لا يلتفت إلي صاحبه، و لذا لو شككنا في وجوب تقديم إخراج النجاسة عن المسجد علي الصلاة فيه، لأجل الشكّ في وجوب إخراج النجاسة الغير الملوّثة منه لم يكن هناك موضع إجراء أصالة الاشتغال باتّفاق من القائلين بجريانها عند الشكّ في اعتبار شي‌ء في العبادة المأمور بها. و الحاصل أنّ أصالة البراءة حاكمة علي أصالة الاشتغال، مع كون الشكّ في مجري الثانية مسبّبا عن الشكّ في مجري الأولي، و هذا هو الضابط في كلّ أصلين متعارضين، سواء كانا من جنس واحد، كاستصحابين أو من جنسين، كما فيما نحن فيه. و الظاهر أنّ تقديم البراءة علي الاحتياط- في مثل ما نحن فيه- ممّا اتّفق عليه الموجبون للاحتياط، و إن اختلفوا في الاستصحابين المتعارضين إذا كانا من هذا القبيل. ثمّ إنّ ما نحن فيه ليس من الشك في شرطيّة شي‌ء لعبادة أو جزئيته لها، بل الشكّ في صحّة العبادة لأجل الشكّ في ثبوت تكليف آخر أهمّ منه، فإذا انتفي بأصالة البراءة فلا مسرح للاحتياط الواجب، فافهم و اغتنم. و اعلم أنّ جميع ما ذكرنا إنّما هو علي تقدير تسليم الصغري، و هي أنّ الاحتياط في تقديم الفائتة، و أمّا لو أخذنا بظواهر العبائر المحكيّة عن جماعة من القدماء «6» كظاهر بعض الأخبار من وجوب تقديم الحاضرة و إن كانت موسّعة «7»، أو لاحظنا قول جماعة كثيرة بثبوت الوقت الاضطراري «8» فلا احتياط في المقام.

الثاني: إطلاق أوامر القضاء

، بناء علي كونها للفور أمّا لغة- كما عن الشيخ و جماعة «9»- ،
و إمّا شرعا- كما عن السيّد- مدعيا إجماع الصحابة و التابعين عليه «10»، و إمّا عرفا- كما يظهر عن بعض أدلة بعض المتأخرين. و الجواب: منع كونه للفور، لا
المكاسب، ج‌4، ص 362
لغة و لا شرعا و لا عرفا.

الثالث: ما دل علي وجوب المبادرة إلي القضاء

، فمن ذلك قوله تعالي: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «1» فعن الطبرسي- بعد ذكر جملة من معانيه- و قيل: معناه أقم الصلاة متي ذكرت أنّ عليك صلاة، كنت في وقتها أم لم تكن- عن أكثر المفسرين- و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام «2». و عن القمي: إذا نسيت صلاة ثمّ ذكرتها، فصلّها «3». و في الذكري: «قال كثير من المفسرين: إنّه في الفائتة، لقول النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها، إنّ اللَّه تعالي يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي. و في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «إذا فاتتك صلاة ذكرتها في وقت أخري، فإن كنت تعلم أنّك صلّيت الّتي فاتتك، كنت من الأخري في وقت فابدأ بالّتي فاتتك إنّ اللَّه عزّ و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي «4»» (انتهي). و مثلها- في تفسير الآية- : صحيحة أخري لزرارة الواردة في حكاية نوم النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم، و فيها قوله عليه السلام:
«من نسي شيئا من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها، إنّ اللَّه تعالي يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» «5». و منها: الأخبار الدالّة علي الأمر بالقضاء عند ذكره، مثل ما تقدّم في تفسير الآية، و مثل ما عن السرائر «6» في الخبر المجمع عليه بين جميع الأمة: «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها» «7». و مثل رواية حمّاد، عن نعمان الرازي:
«قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكرها عند طلوع الشمس و عند غروبها؟ قال: فليصلّها عند ذكرها» «8». و رواية يعقوب بن شعيب: «عن الرجل ينام عن الغداة حتي تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ، أو ينتظر حتّي تنبسط الشمس؟ قال: يصلّي حين يستيقظ» «9»، إلي غير ذلك مما هو بهذا المضمون «10». و مثل ما دلّ من الأخبار «11» علي أنّ عدّة صلوات يصلّين علي كلّ حال، منها: صلاة فاتتك تقضي حين تذكر. و تقريب الاستدلال بالآية و الروايات: أنّ توقيت فعل الصلاة بوقت الذكر ظاهر في وجوب إيقاعها في ذلك الوقت، فهو وقت للواجب، لا لمجرّد الوجوب، كما في قول القائل: أدخل السوق عند طلوع الشمس أو الزوال، أو افعل كذا حين قدوم زيد، و نحو ذلك. و حملها علي الاستحباب مخالف لظاهرها، خصوصا ظاهر الآية، حيث إنّ قوله تعالي أَقِمِ الصَّلاةَ «12» عطف علي قوله فَاعْبُدْنِي الصريح في الوجوب، و كذا حملها علي مجرد الإذن في المبادرة في مقام رفع توهّم الحظر عنها في بعض الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها تنزيها أو تحريما. و منها: ما دلّ علي عدم جواز الاشتغال بغير القضاء، مثل صحيحة أبي ولّاد- الواردة في حكم المسافر القاصد للمسافة، الراجع عن قصده قبل تمامها- و في آخرها: «فإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا، فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صليتها بالقصر بتمام، من قبل أن تبرح من مكانك» «13». و صحيحة زرارة: «عن رجل صلّي بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها، قال: يقضيها إذا ذكرها، في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة و لم يتمّ ما فاته فليقض، ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة الّتي قد حضرت، و هذه أحقّ بوقتها، فإذا قضاها فليصلّ ما قد فاته ممّا قد مضي، و لا يتطوّع بركعة حتّي يقضي الفريضة كلّها» «14». و الجواب: أمّا عن الآية «15» فبأنّه إن أريد إثبات دلالتها بنفسها علي فوريّة القضاء، فدونه خرط القتاد، إذ لا ظهور فيها إلّا في خطاب موسي عليه السلام بإقامة الصلاة، فإنّ قوله تعالي لِذِكْرِي يحتمل أن يكون قيدا لكلا الأمرين، أعني قوله فَاعْبُدْنِي- وَ أَقِمِ الصَّلاةَ خصوصا بعد ملاحظة أنّ في نسيان مثل موسي لصلاة الفريضة بل نومه عنها كلاما تقدّم شطر منه في نوم النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم «16» و «اللام» فيه يحتمل وجوها، و كذا «الذكر». و بالجملة، فعدم دلالة الآية بنفسها علي المدّعي بحسب فهمنا ممّا لا يحتاج إلي بيان وجوه إجمال الآية أو بعضها: و لذا لم يحك عن أحد من المفسّرين من تفسيرها «17» بخصوص الفائتة، حتّي يمكن حمل الأمر فيها علي الفور. و إن أريد دلالتها بضميمة ما ورد في تفسيرها- من الروايات المتقدّمة المستشهد بها فيها علي وجوب القضاء عند الذكر- منعنا دلالتها، لأنّ الرواية الأولي عاميّة «18» و الصحيحة الآخرة «19» لزرارة «20» مع اشتمالها علي نوم النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم و أصحابه عن منامهم بعد الاستيقاظ، و تقديم نافلة الفجر، بل الأذان و الإقامة. بل قد تدلّ مراعاة النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم للتجنب عن وادي الشيطان و عدم تأخيره نافلة الفجر عن فريضتها و عدم ترك الأذان و الإقامة علي عدم استحباب المبادرة إلي القضاء علي وجه يكون له مزيّة علي المستحبّات المذكورة. و أمّا الرواية الأولي لزرارة «21»، فلا دلالة فيها إلّا علي تقدير كون الأمر للفور و قد عرفت منعه سابقا «22»، فهي لا تدلّ إلّا علي الأمر بتقديم الفائتة الواحدة علي الحاضرة، و أين هذا من القول بالمضايقة و وجوب المبادرة، و بطلان الحاضرة لو قدّمها علي الفائتة و إن تعدّدت. و أمّا الأخبار «23»- غير صحيحي أبي ولّاد «24» و زرارة «25»- فهي بين مسوق لبيان أصل وجوب قضاء المتروك لعذر، و مسوق لبيان عدم اختصاص القضاء بوقت دون وقت في مقام رفع توهّم مرجوحيّته في بعض الأوقات. مع أنّه لو سلّم دلالتها علي الفور، فهي بنفسها لا يستلزم «26»
الترتيب، إلّا إذا قلنا باستلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضدّه، أو عدم الأمر به، كما أنّ ما دلّ بظاهره علي الترتيب لا يستلزم وجوب المبادرة، كما عرفت سابقا «27».
نعم لو ثبت إجماع مركّب أمكن الاستدلال بما دلّ علي أحدهما علي الآخر بضميمة الإجماع، و هو غير ثابت. و بهذا يمكن دفع الاستدلال بالصحيحتين الأخيرتين، أعني صحيحي أبي ولّاد و زرارة. مع أنّ دلالة صحيحة أبي ولّاد علي المطلب موقوفة علي القول بوجوب قضاء الصلوات المقصورة إذا بدا له عن السفر قبل إتمام المسافة، و هو- مع أنّه ممّا لم يقل به أحد- مخالف لصحيحة زرارة الأخري «28» الصريحة في نفي الإعادة علي من رجع عن قصد السفر بعد الصلاة قصرا، فالمتّجه حمل الرواية علي الاستحباب، فلا تدل علي وجوب المبادرة. و أما صحيحة زرارة «29» فهي- كبعض الأخبار الآتية «30»- عمدة أدلّة هذا القول. و ربّما يجاب عنها بأنّ إطلاق السؤال منها، فيها، يقتضي حمل القضاء- في الجواب- علي مطلق الأداء، كما استعمل فيه في آخر الخبر، فلا يكون الغرض إلّا إيجاب الفعل وقت الذكر. و هو ضعيف لمخالفته ظاهر السؤال، فضلا عن ظواهر فقرأت الجواب، لأنّ النوم عن الصلاة، و نسيانها لا يصدق عرفا، بل و لا لغة، إلّا إذا نام أو نسي
المكاسب، ج‌4، ص 363
في مجموع الوقت. و يتلوه في الضعف حمل السؤال علي كونه عن وقت القضاء مع العلم بأصل وجوبه، فيكون الجواب لبيان الرخصة في القضاء في أيّ ساعة ذكر و لو في أوقات يكون فعل الصلاة فيها مطلقا أو في الجملة مرجوحة، كما إذا دخل وقت الفريضة، و كما بعد صلاة العصر و الفجر. و يؤيّده قوله عليه السلام في صحيحة أخري لزرارة: «في أيّ ساعة ذكرتها و لو بعد صلاة العصر» «1». و وجه الضعف: أنّ دعوي كون السؤال عن وقت القضاء مع الفراغ عن أصل وجوبه ممنوعة، و مخالفة لظاهر السؤال، كما لا يخفي. فالأحسن تسليم ظهور الرواية- بنفسها- في وجوب المبادرة، و حملها علي ما ذكرنا: من بيان تعميم وقت الرخصة، أو علي الاستحباب بمعونة ظهور بعض ما تقدّم من أخبار المواسعة. و ربّما يشهد للأوّل كثرة الأخبار الواردة في أوقات قضاء النوافل و الفرائض في مقام السؤال عن تعيين وقت القضاء، و يظهر ذلك لمن لاحظ كتاب الوسائل في باب عدم كراهة القضاء في وقت من الأوقات «2». ثمّ لو سلّم دلالتها علي المبادرة لم يكن فيه دلالة علي الترتيب، إلّا إذا قلنا بكون الأمر بالشي‌ء مستلزما للنهي عن ضدّه الخاص، أو لعدم الأمر به، أو قام إجماع مركّب في البين و كلاهما ممنوعان.

الرابع: من أدلّة هذا القول: ما دلّ علي الترتيب و تقديم الفائتة في الابتداء

و العدول من الحاضرة إليها في الأثناء مثل صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء أو «3» كان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأوّلهن و أذّن لها و أقم، ثمّ صلّها، و ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة، إقامة لكلّ صلاة «4». و قال: قال أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها، فصلّ الغداة في «5» أيّ ساعة ذكرتها و لو بعد العصر، و متي ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها «6». و قال: إذا نسيت الظهر حتّي صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة، أو بعد فراغك فانوها الأولي، ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع. و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الأولي و أنت في صلاة العصر و قد صلّيتها «7» ركعتين، فانوها الأولي، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم و صلّ العصر. و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّي دخلت «8» المغرب و لم تخف فوتها، فصلّ العصر، ثمّ صلّ المغرب. و إن كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر. فإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فأتمّها بركعتين، ثمّ تسلّم، ثم تصلّي المغرب. و إن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم و صلّ المغرب. و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة. و إن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّي صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة. و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولي، أو الركعة الثانية من الغداة، فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و أذّن و أقم. و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتك جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلّي «9» الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء. فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب، ثمّ صلّ الغداة، ثمّ صلّ العشاء، فإن خشيت أن يفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما، لأنّهما جميعا قضاء أيّهما ذكرت، فلا تصلّهما «10» إلّا بعد ذهاب شعاع الشمس. قلت: لم ذاك «11»؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها» «12». و رواية صفوان بن يحيي، عن أبي الحسن عليه السلام: «قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتي غربت الشمس و قد كان صلّي العصر. قال: قال «13» أبو جعفر عليه السلام: و «14» كان أبي يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّي المغرب، ثمّ صلّاها» «15». و رواية أبي بصير: «عن رجل نسي الظهر حتّي دخل وقت العصر قال: يبدأ بالظهر، و كذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلّا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فيبدأ بالّتي أنت في وقتها، ثمّ تصلّي «16» الّتي نسيت» «17». و رواية زرارة- المتقدمة في تفسير الآية- «18». و رواية البصري: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتي دخل وقت صلاة أخري؟ فقال: إذا نسي صلاة أو نام عنها، صلّاها حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالّتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة، ثمّ صلّي المغرب ثمّ صلّي العتمة بعدها.. الخبر» «19». و رواية معمّر بن يحيي: «قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام: عن رجل صلّي علي غير القبلة، ثمّ تبيّن له القبلة و قد دخل وقت صلاة أخري؟ قال: يصلّيها قبل أن يصلّي هذه الّتي دخل وقتها، إلّا أن يخاف فوت الّتي دخل وقتها» «20». و المحكيّ «21» عن دعائم الإسلام: «قال»: روينا عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: من فاتته صلاة حتّي دخل وقت صلاة أخري، فإن كان في الوقت سعة بدأ بالّتي فاتت، و صلّي الّتي هو منها في وقت، و إن لم يكن من الوقت إلّا مقدار ما يصلّي الّتي هو في وقتها بدأ بها، و قضي بعدها الّتي فاتت» «22». و المحكيّ عن كتب الأصحاب «23»-
مرسلا- عن النبي صلّي اللَّه عليه و آله و سلم أنّه قال: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «24» و لا ريب في أنّه يصدق علي المكلّف- قبل تنجّز الحاضرة عليه و مشروعيّتها له- أنّه عليه صلاة، فينفي مشروعيّة الحاضرة و تعلّقها في ذمّته بمقتضي الرواية، و لا يجوز قلب الاستدلال بها فيما إذا فرض تذكّر الفائتة بعد تنجّز الحاضرة عليه كما لا يخفي بأدني التفات. و الجواب: أمّا عن صحيحة زرارة الطويلة «25» فبأنّ مواضع الدلالة فيها فقرأت: إحداها: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّي دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب.. الخبر». و لا يخفي- علي المتأمّل فيها- ظهورها في تضيّق وقت المغرب و فواتها بزوال الحمرة، و إلّا لم يناسب التفصيل- في فرض نسيان العصر إلي دخول المغرب- بين خوف فوات المغرب و عدمه، و حينئذ فلا ينهض الرواية دليلا علي المضايقة، بناء علي ما هو المشهور بين المتأخّرين من كون زوال الحمرة آخر وقت الفضيلة دون الإجزاء، فتعيّن حمل الأمر علي الاستحباب، و كون إدراك فضيلة المغرب أولي من المبادرة إلي الفائتة بحكم مفهوم القيد في قوله: «و لم تخف». الثانية: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين» و الظاهر أنّ الحكم بالعدول في هذه الفقرة مقيّد- كالحكم السابق- بعدم خوف فوات وقت المغرب. و حاصل الحكمين:
أنّه إذا لم يخف فوت المغرب قدّم العصر ابتداء و عدل إليها في أثناء المغرب، فيكون مفهوم القيد في قوله عليه السلام: «و لم يخف فوتها» مفيدا «26» لانتفاء الحكمين عند خوف
المكاسب، ج‌4، ص 364
وقت فضيلة المغرب، فيكون الراجح- عند خوف فوت وقت الفضيلة- تقديم الحاضرة، و هذا مخالف للقول بالمضايقة، فلا محيص عن حمل الأمر بالعدول علي الاستحباب.
الثالثة: قوله عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرتها- يعني: العشاء الآخرة- و أنت في الركعة الأولي أو الثانية من الغداة.. إلخ». و الإنصاف ظهور دلالة هذه الفقرة- بنفسها- علي وجوب العدول، لكنّه لا ينفع بعد وجوب حمل الأمر بالعدول عن المغرب إلي العصر علي الاستحباب، إذ يتعيّن حينئذ- من جهة عدم القول بالفصل- حمل الأمر بالعدول من الفجر إلي العشاء أيضا علي الاستحباب. اللَّهم إلّا أن يقال: إنّ الاستحباب «1» بعيد عن السياق من جهة أنّ الأمر في الصحيحة بالعدول من العصر إلي الظهر، و من العشاء إلي المغرب للوجوب قطعا، فرفع اليد عن الظهور المتقدّم في وقت المغرب أولي. الرابعة: قوله عليه السلام: «و إن كانت المغرب و العشاء فاتتاك.. إلي قوله: فابدأ بالمغرب». و حاله كحال الأمر بالعدول عن الغداة إلي العشاء في حمله علي الاستحباب بقرينة ما سبق، لعدم القول بالفصل بين تذكّر فوات العصر في آخر وقت فضيلة المغرب و بين تذكّر العشاء فقط، أو مع المغرب في وقت صلاة الفجر. و حاصل الجواب عن هذه الصحيحة: أن الاستدلال بها مبنيّة علي القول بكون آخر وقت إجزاء المغرب: زوال الحمرة، فإذا لم نقل بهذا سقط الاستدلال بجميع الفقرات الأربع، فتأمّل. هذا مع أن قوله عليه السلام في آخر الرواية «2» تعليلا لتأخير القضاء إلي ذهاب الشعاع ب «أنّك لست تخاف فوتها» ظاهر في عدم فورية القضاء، فلو تمّت دلالة الفقرات علي الترتيب، فلا يستلزم الفورية، لمنع الإجماع المركّب. بل الظاهر أنّ جمع الإمام عليه السلام في الحكم بالترتيب بين الحاضرتين و بين حاضرة و فائتة أمارة علي أنّ مناط الترتيب في الكلّ أمر واحد، فليس لفورية القضاء- لو قلنا بها- دخل في الترتيب، كما يزعمه أهل المضايقة. ثمّ لو سلّم الإجماع المركّب كان التعليل المذكور قرينة أخري علي استحباب الترتيب، فافهم. هذا مع أنّ الخبر مشتمل علي بعض الأحكام المخالفة للإجماع، مثل العدول عن اللاحقة إلي السابقة بعد الفراغ عنها، و مثل النهي عن القضاء الّا بعد ذهاب شعاع الشمس. و بما ذكرنا في الجواب عن هذه الصحيحة- من ابتناء الاستدلال علي ضيق وقت المغرب- يجاب عن رواية صفوان بن يحيي «3»، و بنظيره يجاب عن رواية أبي بصير «4»، فإنّ الظاهر من قوله: «نسي الظهر حتّي دخل وقت العصر» ابتناء الجواب علي تعدّد أوقات الظهرين و العشاءين و حينئذ فقوله: «يبدأ بالّتي نسيت إلّا أن يخاف أن يخرج وقت الصلاة» خروج الوقت المختصّ بها، فلو نسي العصر عند خوف وقت المغرب المغاير لوقت العشاء وجب البدأة بالمغرب ثمّ بالعصر، و هذا ممّا لا نقول به، و حمل وقت العصر علي المقدار الّذي يسع الفعل عن آخر الوقت مخالف للظاهر قطعا. و أمّا رواية معمّر بن يحيي «5» فالأمر يدور بين تقييدها بصورة الا ستدبار و حملها علي الاستحباب أو حمل الوقت علي ما تقدّم في رواية أبي بصير. فلم يبق إلّا رواية زرارة «6» الضعيفة بالقاسم بن عروة و رواية البصري «7» الضعيفة بمعلّي بن محمّد، و رواية الدعائم «8» المجهولة السند، و النبوي المرسل «9». و الجواب عنها- بعد الإغماض عن سندها و عن سوابقها بعد تسليم ظهور دلالتها- : أنّها معارضة بما تقدّم من الأخبار الظاهرة في عدم اعتبار الترتيب، بل في الأمر بتقديم الحاضرة، و هي أكثر عددا و أصحّ سندا و أظهر دلالة، لإمكان حمل هذه علي الاستحباب، و ليس في تلك الأخبار مثل هذا الحمل في القرب. ثمّ لو سلّمنا التكافؤ، فالمرجع إلي الإطلاقات و الأصول الدالّة علي عدم اعتبار الترتيب و عدم وجوب المبادرة.
و ربّما رجّح القول بعدم الترتيب بمخالفته لأكثر الجمهور- علي ما عن التذكرة- «10» و حكي أنّه مذهب الأربعة عدا الشافعي، بل له أيضا- بناء علي أنّ المحكيّ عنه- أولوية الترتيب «11»
إن لم نقل بوجوبه. فالأخبار الدالّة علي رجحان تقديم الحاضرة مخالف لفتوي الأربعة.

الخامس من الأدلّة: الإجماعات المنقولة

من أساطين القدماء، كالشيخ المفيد قدّس سرّه حيث حكي عنه أنه قال في رسالة نفي السهو: إن الخبر المروي- في نومه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم عن صلاة الصبح- «12» متضمّن خلاف ما عليه عصابة الحق، لأنّهم لا يختلفون في أنّ من فاتته صلاة فريضة، فعليه أن يقضيها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، ما لم يكن ما لم يكن الوقت مضيّقا لفريضة حاضرة، و إذا كان يحرم فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا فإنّه كان حظر النوافل عليه أولي، مع الرواية عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم أنّه «لا صلاة لمن عليه صلاة» مريدا به: لا نافلة له لمن عليه فريضة «13» (انتهي). و كالشريف أبي الحسين الحسن «14»
بن محمّد بن ناصر الرسّي في المسألة التاسعة عشرة من الرسيّات الّتي سئل عنها السيّد المرتضي قال «15» إذا كان إجماعنا مستقرا علي وجوب تقديم الفائت من فرائض الصلاة علي الحاضرة منها إلي آخر ما ذكره و قد أقرّه السيّد علي هذه الدعوي، و الشيخ في الخلاف «16» و السيّد في الغنية «17» و الحلّي في السرائر في بحث المواقيت «18». و حكي عنه «19» الشهيد في غاية المراد أنّه قال في رسالته المعمولة في هذه المسألة المسماة ب (خلاصة الاستدلال): إنّ ذلك مما أطبقت الإمامية عليه خلفا بعد سلف و عصرا بعد عصر و أجمعت عليه، و لا يعتدّ بخلاف نفر يسير من الخراسانيّين، فإنّ ابني بابويه و الأشعريين كسعد بن سعد و سعد بن عبد اللَّه صاحب كتاب الرحمة، و محمّد بن علي بن محبوب صاحب كتاب نوادر الحكمة، و القمّيّين أجمع عاملون بالأخبار المتضمّنة للمضايقة، لأنّهم ذكروا أنّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق برواته و حفظهم «20» الصدوق ذكر ذلك في كتاب من لا يحضره الفقيه، و خرّيت هذه الصناعة و رئيس الأعاجم أبو جعفر الطوسي مودع أحاديث المضايقة في كتبه مفت بها، و المخالف إذا عرف باسمه و نسبه لا يضرّ خلافه «21» (انتهي). و هذه الإجماعات المحكية- مع كون كل منها- بمنزلة خبر صحيح عالي السند- معتضدة بالشهرة المطلقة كما عن كشف الالتباس «22» خصوصا بين القدماء كما عن الروض «23» و غيره «24» و عن التذكرة «25» و الدروس «26» و غيرهما «27» نسبته إلي الأكثر، و عن كشف الرموز «28» و غيره «29» نسبته إلي الثلاثة و أتباعهم. و الجواب: أن حكاية الإجماع- مع وجود القول بالخلاف ممّن عرفت من القدماء و المتأخّرين- لا تنهض حجّة إلّا علي مدّعيها، لوهن احتمال صدقه حينئذ و قوّة احتمال استناد قطعه إلي ما لا ينبغي أن يوجب القطع، أو احتمال إرادته من الإجماع علي الحكم: الإجماع علي المبني الذي يستنبط منه هذا الحكم بزعم المدّعي، كأن يكون دعوي السيّدين الإجماع علي المضايقة باعتبار كون دلالة الأمر علي الفور عندهم إجماعيا، أو باعتبار الإجماع علي العمل بأخبار وجوب قضاء المنسيّ
المكاسب، ج‌4، ص 365
إذا ذكرها، الدالّة بزعمهم علي أنّ وقت الذكر متعيّن لوقت القضاء، فلا يجوز التأخير عنه، و لا يجوز فعل الحاضرة فيه، و قد أطلعنا علي موارد من هذا القبيل إمّا بتنصيص مدّعي الإجماع، و إمّا بانفهام ذلك من مطاوي كلامه. و من الموارد التي علم استناد المدّعي إلي ما لا ينبغي أن يوجب «1» القطع: ما تقدّم «2» من كلام الحليّ- في هذا المقام- من دعواه إجماع القمّيّين و الأشعريّين علي الحكم لأجل مقدّمتين: إحداهما: ذكر الثقات روايات المضايقة.
و الثانية: بناؤهم علي وجوب العمل بما يروونه من أخبار الثقات. و يكفي في رده- بعد النقض بأنّ الثقات رووا أخبار المواسعة أيضا، بل ظاهر المحكيّ عن غاية المراد «3» أنّ هؤلاء المجمعين رووا أخبار المواسعة أيضا الحلّ بما عن المفيد: في جوابه عمّن سأله عن عمل من سدّ عليه طرق العلم بالأخبار المسندة «4»
في كتب الصدوق- من «5» أنّه إنما روي ما سمع و نقل ما حفظ و لم يضمن العهدة في ذلك، و أصحاب الحديث ينقلون الغثّ و السمين، و ليسوا بأصحاب نظر و تفتيش «6» (انتهي).

السادس: ما عن المحقّق في المعتبر

في مقام الاستدلال لهذا القول: من أنّ الفوائت تترتّب، فتترتّب علي الحاضرة «7». و حكي في توجيهه وجهان:
أحدهما: أنّ الفوائت تترتّب في القضاء، لترتّب أزمنتها، و حيث تقدّم أزمنتها علي أزمنة الحاضرة فيتقدّم «8» عليها أيضا. ثانيهما: أنّ الحاضرة لو كانت فائتة وجب تأخيرها عمّا فاتت قبلها، فكذا إذا كانت حاضرة. و قد يرد الوجهان بأنّه قد يكون لمساواتها في الفوات و عدم مزيّة بعضها علي بعض من جهة الوقت مدخليّة في وجوب الترتيب، و لذلك يجب الحاضرة عند ضيقها، ثمّ يجب تأخيرها بعد فوتها المتأخّر عن ضيقها، فلا يكون ترتّب الأزمنة في اليومية سببا مستقلّا في وجوب رعاية الترتيب مطلقا، و مجرّد احتمال ذلك لا يكفي في الاستدلال. أقول: لا ريب في ضعف الوجهين لما ذكر و لغيره. نعم يمكن توجيهه بأنّ المراد: أنّ الترتيب بين الفوائت يكشف عن أنّ ذلك لأجل تقدّم كلّ فريضة علي لاحقتها «9» قبل تحقّق فوت تلك اللاحقة، فحيث كانت اللاحقة حال حضور وقتها متأخّرة عن الفائتة انسحب هذا الاشتراط بعد فواتها، فمنشأ الترتيب بين الفوائت الترتيب بين الفائتة و الحاضرة. و لا ينافي ذلك تقديم الحاضرة عند ضيق وقتها، لأنّه تقديم عارضي لما هو مؤخّر بالذات. و يمكن الاستدلال لما ذكر بإطلاق أدلّة وجوب قضاء ما فات «10»، فإنّها تدلّ بإطلاقها علي الاكتفاء بفعل الفائت، فلو اعتبر في الفائتة اللاحقة تأخّرها عن السابقة كان ذلك تقييدا لتلك الإطلاقات، بخلاف ما لو كان اعتبار تأخّرها لأجل اعتبار تأخّرها «11» حين كونها حاضرة، فإنّه لا يلزم من ذلك تقييد في تلك الإطلاقات، لأنّ فعل ما فات بجميع شروطه و أجزائه المعتبرة قبل الفوات لا يتحقّق إلّا بتأخيرها عن السابقة. هذا و لكن يندفع بأنّ التقييد لازم، إمّا في إطلاق الحاضرة فلا يحتاج إلي تقييد إطلاق أدلة القضاء، إذ لم يعتبر فيها حينئذ أمر زائد علي ما اعتبر فيها حال الأداء، و إمّا تقييد أدلّة القضاء باشتراط تأخّر لاحقها عن سابقها من غير اعتبار هذا الشرط في القضاء. و حيث لم يثبت التقييد في أحدهما بالخصوص، و علم من الخارج وجوب الترتيب بين الفوائت بأنفسها اقتصر عليه، و يرجع في حكم الحاضرة إلي الأصول. نعم لو ثبت وجوب تقديم الفائتة علي الحاضرة أمكن الاستدلال في مسألة الترتيب بين الفوائت بأنفسها، بناء علي ما ذكر من دلالة أدلّة وجوب قضاء ما فات علي اعتبار جميع ما اعتبر في الأداء في القضاء. هذا خلاصة الكلام في أدلّة القولين المشهورين: المواسعة المطلقة، و المضايقة المطلقة. و قد عرفت أنّ القول بالمواسعة و عدم وجوب الترتيب لا يخلو عن قوّة، خصوصا فيما زاد علي الفائتة الواحدة، إذ لم يكن فيما تقدّم من أخبار المضايقة ما يتضمّن لزوم ترتيب الحاضرة علي الفائتة المتعدّدة، إلّا ذيل صحيحة زرارة الطويلة الآمرة بتقديم المغرب و العشاء الفائتين علي الفجر.

بقي هنا أمور:

الأوّل:

أنّه علي القول بعدم وجوب الترتيب، هل يستحبّ تقديم الفائتة أو تقديم الحاضرة؟ وجهان، بل قولان، و الأقوي: التفصيل بين صورة ضيق «12» وقت الفضيلة للحاضرة الّذي قيل بكونه هو الوقت للمختار، فالمستحبّ حينئذ تقديم الحاضرة، و بين غيرها، فيستحب تقديم الفائتة. أمّا استحباب تقديم الحاضرة في صورة ضيق وقت فضيلتها، فلعموم أدلّة تأكّد «13» عدم تأخير الحاضرة عن ذلك الوقت إلّا من عذر أو علّة، حتّي قيل «14» بتعيّنه للمختار من جهة ظاهر الروايات الدالّة علي ذلك «15» و خصوص الصحيحة الطويلة المتقدّمة في مسألة تقديم المغرب الحاضرة علي العصر الفائتة «16» بعد حمل الوقت فيها علي وقت الفضيلة، و كذا رواية صفوان- المتقدّمة- فيمن نسي الظهر إلي أن غربت الشمس و أنّه يقدّم الظهر إن لم يخف فوت المغرب «17» و كذا رواية أبي بصير المتقدّمة فيمن نسي الظهر حتي دخل وقت العصر «18»، فراجع و لاحظ.
و لأجل هذه الأخبار الخاصة يحمل ما دلّ «19» بإطلاقه علي الأمر بتقديم الفائتة في السعة، المحمول علي الاستحباب- بناء علي القول بالمواسعة- علي إرادة سعة وقت الفضيلة، دون مطلق الوقت، فلا يوجد في المقام خبر يدلّ علي الأمر بتقديم الفائتة مع ضيق وقت الفضيلة. و دعوي موافقته للاحتياط، للخروج به عن خلاف من أوجب التقديم. معارضة بموافقة تقديم الحاضرة في هذه للاحتياط، للخروج به عن خلاف من جعل وقت الفضيلة وقتا اختياريا. مع أنّ أهل المضايقة «20» قائلون بهذا القول كالشيخين «21» و العماني «22» و الحلبي «23» فهم قائلون بوجوب تقديم الحاضرة في هذه الصورة. مضافا إلي ما عرفت في نقل الأقوال من ظهور عبارة بعض القدماء بوجوب تقديم الحاضرة «24». و أمّا استحباب تقديم الفائتة مع سعة وقت الفضيلة أو بعد فواته، فلما تقدّم من الأخبار الّتي استدلّ بها أهل المضايقة «25» من الأمر بتقديم الفائتة، أو العدول من الحاضرة إليها، المحمول علي الاستحباب. و أمّا ما تقدّم في بعض أخبار المواسعة من إطلاق تقديم الحاضرة «26» فمحمول علي صورة ضيق وقت الفضيلة و خوف فواته. ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرنا- من
المكاسب، ج‌4، ص 366
استحباب تقديم الفائتة- الأخبار الدالّة علي استحباب المبادرة أوّل الوقت، لأنّها بين دالّة علي استحباب إتيان الفريضة في الوقت الأوّل، و هذا يجامع تقديم الفائتة، و بين دالّة علي استحباب المبادرة في أوّل الوقت، الأوّل فالأوّل الّتي ينافي تقديم الفائتة، إلّا أنّه لا بأس بالحكم باستحباب الأمرين المتنافيين، فإنّ جلّ المستحبات كثيرا ما يتّفق تنافيها. ثمّ إنّ المحكيّ «1» عن الصدوق من استحباب تقديم الحاضرة بقول مطلق «2» ينافي أخبار «3» العدول عنها إلي الفائتة، إذ الظاهر منها أنّ العدول راجح، و معناه رجحان تقديم الفائتة، إلّا أن يكون رجحانه مختصا بالتذكّر في الأثناء أو يكون الأمر لمجرّد بيان الجواز. و كيف كان فلا بدّ من حمله علي التعبّد لا لإدراك رجحان تقديم الفائتة، و هو بعيد. و هذا ممّا يضعف القول باستحباب تقديم الحاضرة مطلقا، فإنّ حمل الأمر بتقديم الفائتة علي مجرّد بيان جواز الاشتغال بالقضاء في وقت الفريضة دفعا لتوهّم عدم جوازه الناشئ عن بعض الأخبار المانعة للنافلة «4»
أو مطلق الصلاة «5» أو خصوص بعض الفرائض كالكسوفين في وقت اليوميّة، «6» إلّا أنّ حمل أخبار العدول علي الجواز بعيد جدّا.

الثاني:

إذا قلنا بالفوريّة و الترتيب، فلا إشكال في وجوب الاشتغال بالحاضرة عند ضيق وقتها، و كذا بما هو ضروريّ التعيّش. و الظاهر أنّه لو كان للإنسان ضروريات يمكن الاشتغال بها بعد الحاضرة و قبلها لم يجب تأخير الصلاة عنها، لأنّ تأخيرها إلي وقت ضيقها ليس للتعبّد، و إنّما هو لئلّا يزاحم الفائتة، و المفروض سقوط التكليف بها حينئذ، لأنّ الوقت بقدر الفعل الضروري و الحاضرة، و كذا لو سقط عنه الفائتة بعذر آخر كما إذا بقي من وقت الظهر مقدار عشر ركعات و عليه رباعيّة، فإنّه لو اشتغل بها فات عنه ركعتان من العصر. نعم لو أخذ بإطلاق قوله- عليه السلام: «لا صلاة لمن عليه صلاة» «7» كان مقتضاه الاقتصار علي المتيقّن من وقت الاشتغال.

الثالث:

أنّه لا إشكال في ترجيح الحاضرة علي الفائتة في آخر وقتها المضروب لأدائها بالذات أو بالعرض، كطروّ حيض أو فقد طهور، و هل يرجّح عليها إذا ضاق وقت أصل الفعل بحيث إنّه يظنّ أنّه لا يتمكّن منها أصلا و لو قضاء كما إذا ظنّ دنوّ الوفاة أم لا؟ صرّح بعض محقّقي من عاصرناهم بالترجيح، و بأنّه ممّا لا كلام فيه، فجعله كضيق وقت الأداء. و فيه نظر، لأنّ الحاضرة إنّما رجّحت علي الفائتة عند ضيق وقتها، للنصّ «8» المعتضد بما علم من أهميته الحاضرة بالنسبة إلي المبادرة إلي الواجبات الأخر، و تعيّن ترك المبادرة إليها. و أمّا ترجيح فعل الحاضرة علي أصل فعل الفائتة، بأنّ يدور الأمر بين ترك الحاضرة أداء و قضاء، أو ترك الفائتة رأسا، فلم يعلم له وجه عدا إطلاق النصّ «9» الدالّ علي أنّ الحاضرة أحقّ بوقتها، لكنّه من صرف إلي صورة التمكّن بعد ذلك من القضاء. و أمّا إذا علم أنّ عمره لا يفي إلّا بفعل أحدهما، فدعوي دخوله في الإطلاق قابلة للمنع. نعم لا يبعد أن يستفاد من الأدلّة أهميّة فعل الفرائض في وقتها من جميع ما عداها من حقوق اللَّه، مع أنّ الاحتياط يقتضيه، لدوران الأمر بين التعيين و التخيير، إذ ينبغي القطع بعدم وجوب ترجيح الفائتة في هذه الصورة.

الرابع:

صرّح بعض بأنّه لا كلام في أنّ تضيّق الفائتة- علي القول به- ليس كتضيّق الحاضرة في وجوب الاقتصار علي أقلّ ما يحصل به الامتثال. و التحقيق: أنّ أدلّة فوريّة القضاء إن استفيد منها وجوب الاشتغال بالقضاء عن غيره في مقابل الاشتغال بغيره عنه، فهو كما ذكر، فيجوز له الإتيان في الفائتة مطلقا بجميع المستحبّات الصلاتية كالقنوت و الأذان و الإقامة و غيرها ممّا يستحبّ في أثناء الصلاة، أو في أوّلها. و إن استفيد منها وجوب الاشتغال به مع التمكّن- عقلا و شرعا- فيجوز حينئذ الإتيان بجميع المستحبّات الصلاتيّة إذا لم يجب بعد هذه الصلاة فائتة اخري، و إلّا لم يجز، لتفويتها المبادرة إلي الاشتغال بالفائتة المتأخّرة. و إن استفيد منها وجوب المبادرة إلي تحصيل المأمور به في أوّل أوقات إمكانه لم يجز الاشتغال بشي‌ء من المستحبّات، و وجب الاقتصار علي أقلّ الواجب في الفائتة مطلقا. و حيث إنّ عمدة أدلّة المضايقة عند أهلها دلالة الأمر علي الفور، فهو يقتضي الوجه الثالث، لأنّ فعل المستحبّات و الآداب في الفائتة السابقة يوجب التأخير في لاحقتها. مضافا إلي أنّ مقتضي فورية أصل الواجب: وجوب تحصيله في أوّل أوقات إمكان حصوله. إلّا أن يقال بعد ثبوت التخيير بين أفراد المأمور به «10» المختلفة في الطول و القصر، يكون المراد المسارعة إلي التلبّس بالفعل من غير التفات إلي زمان الفراغ عنه، الّذي هو زمان حصول المأمور به في الخارج، كما إذا وجبت الكفّارة المخيّرة بين الخصال فورا، فإنّ ذلك لا يوجب وجوب اختيار العتق علي صوم شهرين إذا كان يحصل في زمان أقلّ من الصوم. و فيه: أنّه مسلّم إذا كان المأمور به في هي الأمور المخيّرة شرعا، أمّا إذا كان التخيير عقليا، فمنشأ حكم العقل به ملاحظة كون كلّ من الأفراد مما يتحقّق به إتيان المأمور به علي الوجه الّذي أمر به، فإذا لم يتحقّق إتيانه علي النحو الذي أريد في ضمن بعض الأفراد، فلا يحكم العقل بجواز اختيار ذلك البعض، و لذا لا يجوز إذا أمر المولي بإحضار شي‌ء فورا الاشتغال بمقدّمات الفرد الّذي لا يحصل إلّا بعد زمان طويل، و كذا التلبّس بفرد لا يحصل تمام وجوده في الخارج إلّا بعد زمان طويل. نعم لو قامت القرينة علي أنّ الفورية راجعة إلي التلبّس بالمأمور به- لا إلي تحصيله في الخارج- صحّ الاكتفاء بالمبادرة إلي التلبّس و إن لم يفرغ إلّا بعد زمان يمكن الفراغ عن فرد آخر بأقلّ منه، لكنّه خلاف ظاهر الصيغة المفيدة للفور. نعم لو ادّعي ظهور هذا المعني من الأخبار «11» الدالّة علي وجوب الاشتغال بالفريضة الفائتة عند ذكرها، و أنّه إذا دخل وقت الحاضرة و لم يتمّها فليشتغل بها، بناء علي تمامية دلالتها علي الفور لم يكن بعيدا، خصوصا بعد ملاحظة تصريح الشارع بعدم سقوط الأذان و الإقامة «12» و عدم التعرّض لوجوب الاقتصار علي أقلّ الواجب ردعا للقاضي عن اعتقاد اتّحاد الأداء و القضاء حتي في الآداب الخارجة و المستحبّات الداخلة، فافهم. و أولي من ذلك لو كان المستند في الفورية
المكاسب، ج‌4، ص 367
الإجماع المحقق أو المحكيّ المنصرف إلي فوريّة الاشتغال فإنّه يسهل حينئذ دعوي عدم إخلال المستحبّات بالفورية المنعقد عليها الإجماع، هذا كلّه بالنسبة إلي المستحبّات. و أمّا الأجزاء و الشروط الاختيارية فليست منافية للفوريّة حتي يجب تركها مراعاة للتعجيل، لأنّ الواجب هو تعجيل الفعل المستجمع للأجزاء و الشرائط، إذ الطلب إنّما يعرض الفعل بعد ملاحظة تقييده بها، فلا يجوز ترك السورة- مثلا- مراعاة للفوريّة كما تترك عند ضيق الوقت، و كذا تطهير الثوب و البدن، بل التطهير بالماء، فلا يجوز التيمّم كما يجوز عند ضيق الوقت، و هكذا. هذا مع التمكّن منها. و أمّا لو لم يتمكّن منها، فإن لم يرج التمكّن، فلا إشكال في وجوب التعجيل.
أمّا مع ظنّ التمكّن فهل يراعي الفورية فيجب البدار أو يراعي تلك الأجزاء و الشروط فيجب الانتظار؟ وجهان، بل قولان: من أنّ الفورية لا صارف عنها، غاية الأمر عدم التمكّن في هذا الزمان من تلك الأجزاء و الشروط، فيسقط، لإطلاق ما دلّ علي سقوطها عند العجز عنها «1»، بل لو قيل بعدم فورية القضاء كان مجرّد الأمر كافيا في صحة الفعل حين تعذّر الشروط، إذ لا صارف عنه بعد اختصاص أدلّة اعتبار تلك الشروط بحال التمكّن، و لذا صرّح في نهاية الإحكام «2»، و كشف الالتباس «3»، و الجعفرية «4»، و شرحها «5»، و إرشادها «6»- مع قولهم بعدم فوريّة القضاء- بجواز المبادرة حال التعذر. نعم عن الثلاثة الأخيرة: استثناء ما لو فقد الطهارة، فأوجبوا التأخير حينئذ، بل عن الأوّلين و الأخير عدم استحباب التأخير لما في المبادرة من المسارعة إلي فعل الطاعة «7». و من أنّ الواجب هو الفعل المستجمع للأجزاء و الشروط، و العجز المسقط لاعتبار الأجزاء و الشروط الاختيارية هو العجز عن امتثال الأمر الكلّي و عدم التمكّن رأسا من إتيانه بتلك الشروط، و هذا هو الذي يحكم العقل بخروجه عن الخطاب بإتيان الفعل المستجمع، فيحكم بكفاية الفعل الفاقد للشرط المتعذّر في حق هذا الفرد العاجز. و أمّا من يتمكّن من الإتيان بالفعل المستجمع في الزمان المستقبل، فهو داخل تحت القادرين، لا دليل علي كفاية الفعل الفاقد لبعض الشرائط في حقّه، فيكون هذا الشخص- العاجز عن الشرط في الحال القادر عليه في الاستقبال- عاجزا عن المأمور به في الحال قادرا عليه في الاستقبال فيجب عليه ترقيب زمان القدرة علي المأمور به. و دعوي أنّه يستكشف من إطلاق، الأمر الشامل لهذا الشخص كونه مكلّفا بالفعل في هذا الزمان، فيكشف عن سقوط الشرط بالنسبة إليه. مدفوعة بأنّ الأمر إذا تعلّق بالفعل المستجمع للشرائط، فإطلاقه نافع عند تمكّن المكلّف عن المأمور به، فإذا فرض عجزه في زمان خرج عن الإطلاق. نعم لو فرض دليل دالّ- و لو بالإطلاق- علي أنّ مجرّد العجز عن الشرط- في جزء من أجزاء وقت الواجب- مسقط لاعتباره في ذلك الجزء، تعيّن بقاء التكليف بالفعل في ذلك الجزء من الزمان، فيأتي به بحسب الإمكان، لكن هذا لا ضابط له فقد يوجد في بعض الشروط و لا يوجد في الآخر، و الكلام في أنّ مجرّد العجز في جزء من الزمان يوجب سقوط اعتباره ليبقي إطلاق الأمر الشامل لذلك الجزء سليما عن التقييد بذلك الشرط.

الخامس:

أنّه لو كان عليه فوائت و لم يتّسع الوقت إلّا لمقدار الحاضرة و بعض تلك الفوائت، فقد عرفت أنّه يجب تقديم ذلك البعض علي الحاضرة عند أهل المضايقة، بناء علي أنّ اشتراط الترتيب ينحلّ إلي شروط متعدّدة عند تعدّد الفوائت، فالممكن منها لا يسقط بالتعذّر، لا أنّ الشرط تقديم المجموع من حيث المجموع حتي يسقط اعتباره عند تعذّر الجميع مع احتمال هذا أيضا و قد تقدّم ذلك في الجواب عن دليل العسر و الحرج «8» و حينئذ فهل يجب تقديم ما أمكن تقديمه و إن أفضي إلي اختلال الترتيب بين الفوائت، مثلا إذا كان عليه ظهر و صبح و ذكرهما في وقت لا يسع إلّا للحاضرة و صلاة الصبح، فهل يجب تقديم صلاة الصبح علي الظهر و إن لزم اختلال الترتيب بينهما و بين الظهر الفائتة، أو يجب تقديم الحاضرة، ليوقع الفوائت علي ترتيبها، فيدور الأمر بين إهمال الترتيب بين الحاضرة و بين الفوائت، و بين إهمال الترتيب بين نفس الفوائت. مقتضي القاعدة: الأوّل، لأنّ الترتيب إنّما يعتبر بين الحاضرة و بين الفائتة المستجمعة لجميع شرائطها الّتي منها ترتّبها علي سابقتها، فالمقدّم علي الحاضرة هي صلاة الصبح المتأخّرة شرعا عن سابقتها، فافهم. السادس: لو كانت الفائتة مردّدة بين اثنين أو أزيد بحيث يجب تكرارها من باب المقدّمة، و لم يتّسع الوقت إلّا للحاضرة و فعل بعضها، فهل يجب تقديم ما أمكن من المحتملات أم لا؟ وجهان، لا يخفي الترجيح بينهما علي الخبير بالقواعد.
هذا آخر ما تيسّر تحريره علي وجه الاستعجال مع تشويش البال. و الحمد للَّه أوّلا و آخرا علي كلّ حال، و السلام علي محمّد و آله خير آل.
المكاسب، ج‌4، ص 368

5- رسالة في قاعدة من ملك

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين. و بعد، قد اشتهر في ألسنة الفقهاء من زمان الشيخ قدس سره إلي زماننا، قضيّة كلّية يذكرونها في مقام الاستدلال بها علي ما يتفرّع عليها، كأنّها بنفسها دليل معتبر أو مضمون دليل معتبر، و هي: «إنّ من ملك شيئا ملك الإقرار به». فأحببت أن أتكلّم في مؤدّاها، و مقدار عمومها، و فيما يمكن أن يكون وجها لثبوتها. و المقصود الأصلي الانتفاع بها في غير مقام إقرار البالغ الكامل علي نفسه، إذ يكفي في ذلك المقام ما أجمع عليه نصّا و فتوي من نفوذ إقرار العقلاء علي أنفسهم «1»، لكن لا ينفع ذلك في إقرار الصبيّ فيما له أن يفعله، و إقرار الوكيل و الوليّ علي الأصيل. فلا وجه لما تخيّله بعض من استناد هذه القاعدة إلي قاعدة إقرار العقلاء.

[كلمات الفقهاء في القاعدة]

و ينبغي أوّلا ذكر كلمات من ذكرها بعينها أو بما يرادفها، ثمّ نتبعه بذكر مرادهم منها بمقتضي ظاهرها، أو بمعونة قرينة استدلالهم بها في الموارد الخاصة، فنقول- مستعينا باللّه- : قال شيخ الطائفة قدس سره في مسألة إقرار العبد المأذون في التجارة «2»: و إن كان- يعني المال المقرّ به- يتعلق بالتجارة، مثل ثمن المبيع و أرش المعيب و ما أشبه ذلك، فإنّه يقبل إقراره، لأنّه من ملك شيئا ملك الإقرار به، إلّا أنّه ينظر فيه، فإن كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل، و قضي «3» منه، و إن كان أكثر كان الفاضل في ذمّته يتبع به إذا أعتق «4» (انتهي). و حكي هذا عنه الحلّي في السرائر ساكتا عليه «5» مع أنّ دأب الحلّي عدم المسامحة فيما لا يرتضيه. و عن القاضي في المهذّب: أنّه إذا أقرّ المريض المكاتب لعبده في حال الصحة بأنّه قبض مال الكتابة، صحّ إقراره و عتق العبد، لأنّ المريض يملك القبض فيملك الإقرار به، مثل الصحيح «6». و قال المحقّق في الشرائع: لو كان- يعني العبد- مأذونا في التجارة فأقرّ بما يتعلّق بها صحّ «7»، لأنّه يملك التّصرف فيملك الإقرار و يؤخذ ما أقرّ [به] «8»، ممّا في يده «9» (انتهي). و قد استدلّ علي تقديم قول الوكيل في التصرّف: بأنّه أقرّ بما له أن يفعله «10». و نحوه العلّامة في القواعد في تلك المسألة «11»، و صرّح بهذه القضية في باب الإقرار «12» أيضا، و صرّح في جهاد التذكرة: بسماع دعوي المسلم أنّه أمّن الحربي في زمان يملك أمانه، و هو ما قبل الأسر، مدّعيا عليه الإجماع «13». و نحوه المحقّق في الشرائع «14» تبعا للمبسوط «15» من دون دعوي الإجماع. و ذكر فخر الدين في الإيضاح- في مسألة اختلاف الولي «16» و المولّي عليه- أنّ الأقوي أنّ كلّ من يلزم فعله أو «17» إنشاؤه غيره، كان إقراره بذلك ماضيا عليه «18». و هذه الكليّة و إن كانت أخصّ من القضية المشهورة إلّا أنّ الغرض من ذكرها الاستشهاد بتصريحهم علي إرادة نفوذ إقرار المالك للتصرّف علي غيره، و إلّا فقد صرّح بتلك القضية في غير هذا المقام. و ذكر الشهيد في قواعده: أنّ «19» كلّ من قدر علي إنشاء شي‌ء قدر علي الإقرار به إلّا في مسائل أشكلت: منها: أنّ وليّ المرأة الاختياري لا يقبل قوله، و كذا قيل في الوكيل إذا أقرّ بالبيع أو قبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل، و إذا أقرّ بالرجعة في العدة لا يقبل منه، مع أنّه قادر علي إنشائها، و قيل يقبل «20» (انتهي). و في تقييد الوليّ بالاختياري احتراز عن الوليّ الإجباري، فإنّه لا إشكال في قبول إقراره عليها، و لا خلاف بين العامة و الخاصة، علي ما يظهر من التذكرة «21»، و يلوح من الشيخ في المسألة دعوي الوكيل فعل ما وكّل فيه «22». نعم تأمّل فيه جامع المقاصد «23» علي ما سيأتي. قال في التذكرة: لو أقرّ الوليّ بالنكاح فإن كانت بالغة رشيدة لم يعتدّ بإقراره عندنا، لانتفاء الولاية. و أما عند العامّة فينظر إن كان له إنشاء النكاح المقرّ به عند الإقرار من غير رضاها قبل إقراره، لقدرته علي الإنشاء. و للشافعية وجه آخر: أنّه لا يقبل حتي تساعده «24» المرأة كالوكيل إذا ادّعي أنّه أتي بما هو وكيل فيه، و لو لم يكن له إنشاء النكاح المقرّ به عند الإقرار من غير رضاها لم يقبل «25» (انتهي). و يظهر منه الجزم بالتفصيل بين الوليّ الاختياري و غيره في مسألة ادّعاء «26» كلّ من العاقدين علي الوليّ سبق عقده علي المرأة، فيبطل اللاحق «27». هذا ما حضرني من موارد تعبير الفقهاء بهذه العبارة أو ما يرادفها أو ما هو أخص منها، و لا أظنّك ترتاب بعد ذلك في فساد ما يتخيّل من مساواة هذه القاعدة لحديث الإقرار، حتي يستدلّ عليها به.

[مفردات القاعدة و موارد جريانها]

فلنرجع إلي تفسير العبارة فنقول: إنّ المراد بملك الشي‌ء، السلطنة عليه فعلا، فلا يشمل ملك الصغير لأمواله، لعدم السلطنة الفعلية «28»، نعم يملك بعض التصرفات المالية، مثل الوصيّة و الوقف و الصدقة و هي داخلة في عموم القضية، و لهذا أطبقوا علي الاستناد إليها في صحة إقرار الصغير بالأمور المذكورة. و الدليل علي إرادة السلطنة الفعلية مضافا إلي اقتضاء اللغة- كما لا يخفي- هو عموم لفظ الشي‌ء للأعيان و الأفعال، مثل التصرّفات، فلا يمكن حمل الملك علي ملك الأعيان ليشمل ملك الصغير لأمواله، بل الظاهر أنّ لفظ الشي‌ء يراد به خصوص الأفعال، أعني التصرّفات- علي ما يقتضيه ظاهر «الإقرار به» لأنّ المقرّ به حقيقة لا يجوز أن يكون من الأعيان، و قولهم: الإقرار إخبار بحقّ لازم، معناه: الإخبار بثبوته، لا الإخبار بنفسه، إذ المخبر به لا يكون عينا. ثمّ التسلّط علي التصرّف أعمّ من أن يكون أصالة أو وكالة أو ولاية. و المراد من «ملك الإقرار بذلك»: التسلّط عليه. و المراد من «الإقرار به»: إمّا معناه اللغويّ، و هو إثبات الشي‌ء و جعله قارّا، سواء أثبته علي نفسه أو علي غيره. و إمّا معناه الظاهر عند الفقهاء، و هو الإخبار بحقّ لازم علي المخبر، فيختصّ بما أثبته علي نفسه. و يخرج منه دعوي الوكيل «29» أو الوليّ حقّا علي موكّله و المولّي عليه، أو شهادته لغيره عليهما، و علي هذا المعني فيساوي حديث الإقرار. و هذا المعني و إن كان أوفق بظاهر الإقرار في كلمات المتكلّمين بالقضية المذكورة، إلّا أنّه خلاف صريح استنادهم إليها في موارد دعوي الوكيل و الوليّ و العبد المأذون علي غيرهم كما سمعت مفصّلا، فلا بدّ من إرادة المعني اللّغوي. مع أنّ الظهور المذكورة قابل للمنع، كما يشهد به استعمالهم الإقرار في الإقرار علي الغير. ثمّ الظاهر من القضية: وقوع الإقرار بالشي‌ء المملوك حين كونه مملوكا، و أنّ ملك الإقرار بالشي‌ء تابع لملك ذلك الشي‌ء حدوثا و بقاء علي ما يقتضيه الجملة الشرطية الدالّة- عند التجرّد عن القرينة- علي كون العلّة في الجزاء هو نفس الشرط لا حدوثه و إن زال. و ما ذكرنا صريح جماعة،
المكاسب، ج‌4، ص 369
منهم: المحقّق، حيث اختار في الشرائع عدم قبول إقرار المريض بالطلاق في حال الصحّة بالنسبة إلي الزوجة ليمنعها من الإرث «1». و نصّ في التحرير علي عدم سماع إقرار العبد المأذون في التجارة بعد الحجر عليه بدين يسنده إلي حال الإذن «2». و قال- أيضا- : و كلّ من لا يتمكّن من إنشاء شي‌ء لا ينفذ إقراره فيه، فلو أقرّ المريض بأنّه وهب و أقبض حال الصحّة لم ينفذ من الأصل «3» (انتهي). و قد تقدّم منه في التذكرة التصريح بذلك في مسألة إقرار الوليّ بالنكاح في زمان ليس له إنشاؤه «4». و قد نصّ الشهيد رحمة اللَّه عليه علي ذلك أيضا في المسالك «5» كما عن نهاية المرام، تقييد قبول إقرار العبد المأذون بما إذا كان حال الإذن «6»، و هو ظاهر الشيخ و من عبّر بعبارته في العبد المأذون من أنّه يقبل إقراره و يؤخذ الدين ممّا في يده «7» فإنّ ظاهره عدم زوال الإذن بل هو صريحه في مسألة الجهاد المتقدمة. و علي هذا، فالحكم في مثل إقرار المريض بالهبة أو الطلاق البائن حال الصحّة «8» هو نفوذ إقراره بالنسبة إلي أصل الهبة و الطلاق، لأنّه المملوك له حال المرض، لا خصوص الهبة و الطلاق المقيّدين بحال الصحّة المؤثّرين في نفوذ الهبة من الأصل، و عدم إرث الزوجة منه. نعم، صرّح في المبسوط بعدم إرث الزوجة في مسألة الطلاق «9». و ظاهره تعميم قبول إقرار المالك لما بعد زوال الملك. و يمكن حمله علي أنّ إقراره إذا قبل في أصل الطلاق قبل في قيوده، لأنّ الطلاق في حال المرض لم يقع باعترافه، فلا معني للقبول «10» إلّا الحكم بوقوعه في زمان يحتمله. و يردّه: أنّ معني ما ذكرنا، نفوذ الإقرار بالطلاق المقيّد بالصحة بالنسبة إلي بعض أحكامه و هي البينونة، دون بعض آخر مثل الإرث، لا الحكم بوقوع الطلاق في حال المرض. فالظاهر أنّ مستند الشيخ قدس سره عموم نفوذ إقرار المقرّ علي ما «11» ملكه و لو في الزمان الماضي، لا عدم جواز التفكيك في الإقرار بين القيد و المقيّد. و ممن يظهر منه عموم القاعدة لما بعد زوال ملك التصرّف فخر الدين في الإيضاح- في مسألة اختلاف الوليّ و المولّي عليه بعد الكمال- حيث رجّح قول الوليّ و قال: إنّ الأقوي أنّ كلّ من يلزم فعله غيره يمضي «12» إقراره بذلك [الفعل] عليه «13». و ما أبعد ما بين هذا، و ما سيأتي منه من عدم نفوذ إقرار الزوج بالرجعة في العدة، و أنّ اعتباره من حيث كونه إنشاء لها لا إخبارا عنها «14». ثمّ معني «ملك الشي‌ء» يحتمل أن يكون هي السلطنة المطلقة بأن يكون مستقلّا فيه، لا يزاحمه فيه أحد، فيختصّ بالمالك الأصيل و الوليّ الإجباري. و يحتمل أن يراد به مجرّد القدرة علي التصرّف، فيشمل الوكيل و العبد المأذون، و هذا هو الظاهر من موارد ذكر هذه القضية في كلماتهم. و المراد ب «ملك الإقرار به» إذا كان أصيلا واضح، و إن كان غير أصيل- كالوليّ و الوكيل- فيحتمل أمورا: الأوّل: السلطنة علي الإقرار به، بمعني أنّ إقراره ماض مطلقا، و يكون كإقرار ذلك الغير الذي يتصرّف المقرّ عنه أو له، حتي أنّه لا يسمع منه بيّنة علي خلافه فضلا عن حلفه علي عدمه، و هذا المعني و إن كان بحسب الظاهر أنسب بلفظ الإقرار إلّا أنّه يكاد يقطع بعدم إرادته. الثاني: إنّ إقراره به نافذ بالنّسبة إلي الأصيل، كنفوذ إقراره، و إن لم يترتّب عليه جميع آثار إقراره، فالتعبير بالإقرار من حيث إنّه لمّا كان في التّصرف نائبا عنه و كان كالتصرّف الصادر عن نفسه، فالإخبار به كأنّه- أيضا «15»- صادر عن نفسه، ففعله كفعله و لسانه كلسانه، و لا فرق- حينئذ- بين أن يقع هناك دعوي و بين أن لا يكون، و لا بين أن يكون الدعوي مع ذلك الأصيل أو مع ثالث. و حينئذ فلو أخبر الوكيل بقبض الدين من الغريم، فإخباره يكون بمنزلة البيّنة للغريم علي الأصيل لو ادّعي عليه بقاء الدّين. و كذا أخبار الوليّ بالتّزويج إذا أنكرت المرأة علي الزوج التزويج. و كذا لو ادّعي البائع علي الأصيل شراء وكيله المتاع بأزيد مما يقرّ به الأصيل، فشهد له الوكيل. الثالث: أن يراد قبول قوله بالنّسبة إلي الأصيل لو أنكره، فيختصّ بالتداعي الواقع بينهما، فلا تعرّض فيه لقبول قوله بالنسبة إلي الأصيل لو كانت الدعوي ترجع علي ثالث، حتّي يكون كالشاهد للثالث علي الأصيل. و بهذا يجمع بين حكم المحقّق و العلّامة بتقديم قول الوكيل فيما إذا ادّعي علي الموكّل إتيان ما وكّل فيه، معلّلين بأنّه أقرّ بما له أن يفعله «16»، و تقديم قول الموكّل فيما إذا ادّعي الوكيل شراء العبد بمائة و ادّعي الموكّل شراءه بثمانين، معلّلين بأنّ الموكّل غارم.. «17» (انتهي). و
معني ذلك أنّ الوكيل لا يريد أن يدفع عن نفسه شيئا و إنّما يريد أن يثبت لغيره حقّا علي موكّله، فهو بمنزلة الشاهد علي الموكّل. و بعبارة اخري: إنّما يعتبر إقراره بما له أن يفعله فيما يتعلّق بنفسه لا فيما يتعلّق بغيره. قال في المبسوط: إذا وكّل رجلا علي قبض دين له من غريمه، فادّعي «18» أنّه قبضه منه و سلّمه إليه أو «19» تلف في يده، و صدّقه من عليه الدين، و قال الموكّل: لم يقبضه منه. قال قوم: ان القول قول الموكّل مع يمينه و لا يقبل قول الوكيل و لا المدين إلّا بيّنة، لأنّ الموكّل مدّع للمال علي المدين، دون الوكيل، لأنّه يقول: أنا لا أستحقّ عليك شيئا، لأنّك لم تقبض المال و إنّ مالي باق علي المدين. و لذا إذا حلف المدّعي طالب المدين، و لا يثبت بيمينه علي الوكيل شي‌ء، فإذا كان كذلك كان بمنزلة أن يدّعي من عليه الدين دفع المال إليه و هو ينكره، فيكون القول قوله، فكذلك هنا، و هذا أقوي. و إذا وكّله بالبيع و التسليم و قبض الثمن فباعه و سلم المبيع و ادّعي قبض الثمن و تلفه في يده أو دفعه إليه فأنكر الموكّل أن يكون قبضه من المشتري، كان القول قول الوكيل مع يمينه، لأنّ الوكيل مدّعي عليه لأنّه يدّعي عليه أنه سلّم المبيع و لم يقبض الثمن، و صار ضامنا، فالقول قوله «20» لأنّ الأصل أنّه أمين و أنّه لا ضمان عليه. و يخالف المسألة الأولي لأنّ المدّعي عليه فيها هو الّذي عليه الدين و هو الخصم «21» فإذا جعلنا القول قول الموكّل لم نوجب علي الوكيل غرامة، و في المسألة الثانية نوجب غرامة، فكان القول قول الوكيل (انتهي) «22». و المسألة الأولي نظير ما ذكره المحقّق «23» و العلّامة «24»- في اختلاف الوكيل و الموكّل في الثمن- من أنّ الوكيل ما يدّعي عليه بشي‌ء، بل يريد تغريم الموكّل. هذا، لكن المحقّق في الشرائع تنظّر في الفرق بين المسألتين الذي ذكره في المبسوط «25». قال في المبسوط: إذا أذن له في شراء عبد وصفه فاشتراه بمائة، ثمّ اختلف هو و الموكّل، فقال الموكّل: اشتريته بثمانين. و قال الوكيل: اشتريته بمائة و العبد يساوي مائة، قيل: فيه قولان: أحدهما: أنّه يقبل قول الوكيل كما يقبل قوله في التسليم و التلف. و الثاني: لا يقبل قوله عليه لأنّه يتعلّق بغيره. و كذلك كلّ ما اختلفا فيه مما يتعلّق بحقّ غيرهما من بائع أو مشتر أو صاحب حقّ، فإنّه علي قولين، و الأوّل أصح.. «26» (انتهي). ثمّ إنّ معني الملك- في الموضوع «27»- إمّا أن يكون هي السلطنة المستقلة، أو مجرّد أنّ له ذلك.
فعلي الأوّل: يختصّ بالمالك الأصيل و الوليّ الإجباري. و علي الثاني: يشمل الوكيل و العبد المأذون أيضا. و لا يخفي أنّ مراد جلّ الفقهاء، بل كلّهم هو الثاني. و يؤيّده تعبيرهم بأنّ له
المكاسب، ج‌4، ص 370
أن يفعل كذا فله الإقرار به. و قولهم: من يقدر علي إنشاء شي‌ء يقدر علي الإقرار به، و من يلزم فعله غيره يلزم إقراره به عليه. و أمّا ملك الإقرار، فيحتمل أن يراد به السلطنة المستقلّة المطلقة، بمعني أنّه لا يزاحمه أحد في إقراره، و أنّه نافذ علي كلّ أحد. و أن يراد به مجرّد أنّ له الإقرار به فلا سلطنة مطلقة له، فيمكن أن يزاحمه من يكون له- أيضا- سلطنة علي الفعل، فيكون ملك الإقرار بالشي‌ء علي نحو السلطنة علي ذلك الشي‌ء، فليس للبنت البالغة الرشيدة- بناء علي ولاية الأب عليها- مزاحمة الولي في إقراره، كما ليس لها مزاحمته في أصل الفعل. و كذا إذا قامت البيّنة علي إقرار الأب حين صغر الطفل بتصرّف فيه أو في ماله، فليس له بعد البلوغ مزاحمته. و هذا بخلاف الموكّل فإنّه يزاحم الوكيل في إقراره كما يزاحمه في أصل التصرّف. إذا عرفت ما ذكرنا في معني القضية، فاعلم أنّ حديث الإقرار لا يمكن أن يكون منشأ لهذه القاعدة: أمّا أولا- فلأنّ حديث الإقرار لا يدلّ إلّا علي ترتيب الآثار التي يلزم علي المقرّ دون غيرها مما يلزم «1» غيره، فإذا قال للكبير البالغ العاقل: إنّه ابني، فلا يترتّب عليه إلّا ما يلزم علي المقرّ من أحكام الأبوّة، و لا يلزم علي الولد شي‌ء من أحكام البنوّة. نعم لو ترتّب علي الآثار اللازمة علي المقرّ آثار لازمة علي غيره ثبت علي غيره، فلو كان الابن المذكور ممن ظاهره الرقيّة للمقرّ، فيسقط عنه حق «2» الغير المتعلّق بأمواله، مثل نفقة واجب النفقة و دين الغريم، لأنّ مثل ذلك تابع للمال حدوثا و بقاء، فهو من قبيل الوجوب المشروط بشي‌ء يكون المكلّف مختارا في إيجاده و إعدامه، لا من قبيل الحقّ المانع من الإعدام، كحقّ المرتهن و المفلّس و نحو ذلك، فإنّه حقّ لصاحبه، نظير الملكية للمالك، فذو الحقّ كالشريك. و الحاصل: أنّ دليل الإقرار لا ينفع في إقرار الوكيل و العبد و الوليّ علي غيرهم. و أمّا ثانيا: فلأنّ جلّ الأصحاب قد ذكروا هذه القضية مستندا لصحّة إقرار الصبي بما يصحّ منه، كالوصيّة بالمعروف و الصدقة، و لو كان المستند فيها حديث الإقرار لم يجز ذلك، لبنائهم علي خروج الصّبيّ من حديث الإقرار، لكونه مسلوب العبارة بحديث «رفع القلم» «3». و كيف كان فلا ريب في عدم استنادهم في هذه القضية إلي حديث الإقرار. و ربما يدّعي الإجماع علي القضية المذكورة، بمعني أنّ استدلال الأصحاب بها يكشف عن وجود دليل معتبر لو عثرنا به لم نعدل عنه، و إن لم يكشف عن الحكم الواقعي. و هذه الدّعوي إنّما تصحّ مع عدم ظهور خلاف أو تردّد منهم فيها «4»، لكنّا نري من أساطينهم في بعض المقامات عدم الالتزام بها أو التّردّد فيها، فهذا العلّامة في التذكرة رجّح تقديم قول الموكّل عند دعوي الوكيل- قبل العزل- التصرّف «5». و تردّد في ذلك في التحرير «6»، و تبع المحقّق في تقديم دعواه نقصان الثمن عما يدّعيه الوكيل «7». و يظهر من فخر الدين في الإيضاح عدم قبول دعوي الزوج في العدّة الرجوع، و جعل نفس الدعوي رجوعا «8». و تردّد في ذلك في موضع من القواعد «9». و تقدّم عن الشهيد في القواعد: الاستشكال في دعوي الزوج الرجعة «10». و أنكر المحقّق «11» هذه القاعدة رأسا، حيث تردّد في قبول إقرار العبد المأذون «12» و في قبول قول الوليّ في تزويج بنته لو أنكرت، بل و لو لم تنكر لجهلها بالحال. قال في جامع المقاصد في شرح قول العلّامة رحمه اللَّه: لو قيل للوليّ زوّجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم. فقال الزوج: قبلت.. إلخ بعد شرح العبارة ما لفظه:
و لو صرّح بإرادة الإقرار فلا زوجية في نفس الأمر إذا لم يكن مطابقا للواقع، و هل يحكم به ظاهرا بالنسبة إلي البنت؟ فيه احتمال، و ينبغي أن يكون القول قولها بيمينها ظاهرا إذا ادّعت كذب الوليّ في إقراره. و هل لها ذلك فيما بينها و بين اللَّه إذا لم تعلم بالحال؟ فيه نظر، ينشأ: من أصالة العدم، و أنّ الإقرار لا ينفذ في حقّ الغير، و لو لا ذلك لنفذ دعوي الاستدانة و إنشاء بيع أمواله. و من أنّ إنشاء النكاح في وقت ثبوت الولاية فعله و هو مسلّط عليه، فينفذ فيه إقراره، و ينبغي التأمّل لذلك.. «13» (انتهي). و قال في شرح قول العلّامة: «إنّ المقرّ قسمان مطلق و محجور، فالمطلق ينفذ إقراره في كل ما ينفذ تصرّفه» ما حاصله: إنّ هذه القضية لا تنقض بعدم سماع دعوي الوكيل فيما وكّل فيه، لأنّها شهادة و ليست بإقرار، إذ الإقرار إخبار بحقّ لازم للمخبر «14». «15» و ظاهر هذا الكلام: أنّ هذه الكلّية المرادفة لقضية «من ملك» مختصّة بإقرار المالك بما يتعلّق بنفسه لا غيره. هذا و لكنّ الإنصاف: أنّ القضية المذكورة في الجملة إجماعيّة، بمعني أنّه ما من أحد من الأصحاب- ممّن وصل إلينا كلامهم- إلّا و قد عمل بهذه القضية في بعض الموارد، بحيث نعلم أن لا مستند له سواها، فإنّ من ذكرنا خلافهم إنّما خالفوا في بعض موارد القضية، و عملوا بها في مورد «16» آخر، فإنّ المحقّق الثاني و إن ظهر منه الخلاف فيما ذكرنا من الموارد إلّا أنّه وافق الأصحاب في إقرار الصبي بما له أن يفعله، مستندا في جامع المقاصد إلي هذه الكلّية «17»، مع أنّه لا يمكن الاستناد إلي غيرها، لأنّ حديث الإقرار مخصّص بالصبي و المجنون لعدم العبرة بكلامهما في الإنشاء و الإخبار. و العلّامة و ان ظهر منه المخالفة في بعض الموارد، حتّي في مسألة إقرار الصبي بماله أن يفعله «18» و إقرار العبد فيما يتعلّق بالتجارة- علي ما في التذكرة «19»- إلّا أنّ صريحه في كثير من الموارد الاستناد إلي القاعدة، كما في إقرار الوليّ الإجباري بالعقد علي المولّي عليه، و جزم بسماع الدعوي عليه معلّلا بأنّه لو أقرّ لنفع المدّعي لأنّ إقراره ماض «20». بل تقدّم منه دعوي الإجماع علي قبول دعوي المسلم أمان الحربيّ في زمان ملك الأيمان «21». و كذا فخر الدين حيث أكثر العمل بهذه القاعدة «22»، فظهور المخالفة منه في مسألة الإقرار غير مضرّ، مع إمكان أن يكون مراده عدم الحاجة في تلك المسألة إلي تلك القاعدة، لأنّ مجرّد الإخبار بالرجعة رجوع، من غير حاجة إلي الحكم بمضيّ إقراره، فإنّ الشي‌ء مستند إلي أسبق سببية، فإذا كان أصل الأخبار بالشي‌ء إنشاء له في الحال، لم يحتج إلي إثبات صدق المخبر به بدليل خارج «23».
و كيف كان: فلم نجد فقيها أسقطه عن استقلال التمسّك، لكن الإجماع علي الاستناد إليه في الجملة إنّما ينفع لو علمنا أنّ إهمالهم له في الموارد من حيث وجود المعارض.
أمّا إذا ظهر- أو احتمل- كون الإهمال من جهة تفسير القضية بما لا يشمل تلك الموارد أو «24» اختلفوا في التفسير علي وجه لا يكون مورد متّفق عليه يتمسّك فيه بهذه القضيّة، لم ينفع الاتّفاق المذكور. فإنّ ظاهر العلّامة في التذكرة في مسألة إقرار الصبي عدم نفوذه و عدم العبرة بكلامه، حتّي فيما له أن يفعله «25». فالمراد بالموصول عنده في قضية «من ملك» هو البالغ العاقل. و كذا ظاهر فتواه في القواعد بأنّ المريض لو أقرّ بعتق أخيه و له عمّ فإنّه ينفذ إقراره من الثلث «26» فإنّ الظاهر أنّ مراده: حجب الأخ العمّ في مقدار الثلث
المكاسب، ج‌4، ص 371 من التركة، لا مثل العتق. و هذا المحقّق الثاني يسلّم شمول القضيّة للصبيّ، لكن ينكر شمولها للإقرار علي الغير كما تقدّم من عبارته «1»، حتي في الوليّ الإجباري الذي يظهر من العلّامة في التذكرة عدم المخالف فيه من العامّة و الخاصّة «2». فإذا لم يكن إقرار الصبي أو الإقرار علي الغير مما اتّفق علي شمول القضيّة و كان «3» إقرار البالغ العاقل علي نفسه داخلا «4» في حديث الإقرار، لم ينفع القضية المجمع عليها في الجملة في مورد من موارد الحاجة، إلّا أن يبني علي عدم العبرة بمخالفة العلّامة في التذكرة في شمول القضيّة للصبيّ. مع أنّ عبارتها لا تخلو عن الحاجة إلي التأمّل، مع رجوعه عن هذا في سائر كتبه «5» مع دعواه الإجماع علي قبول دعوي المسلم أمان الحربي في حال ملكه لأمانه «6»، و ظاهر ان ليس مستند له إلّا القضيّة المذكورة، و لذا يظهر من بعضهم دعوي الاتفاق علي أن من صحّح صدقة الصبي و وصيّته حكم بمضيّ إقراره فيهما. و علي عدم العبرة بمخالفة المحقّق الثاني في شمول القضيّة للإقرار علي الغير، لأنّ الظاهر ثبوت الاتفاق من «7» غيره علي سماع إقرار من ملك علي غيره تصرّفا عليه، خصوصا إذا كان وليّا إجباريّا عليه بحيث لا يملك المولّي عليه التصرّف. و قد سمعت أنّ الظاهر من التذكرة اتّفاق العامّة و الخاصّة علي سماع إقرار الوليّ الإجباري تزويج «8» المولّي عليه. و يؤيّده استقرار السيرة علي معاملة الأولياء- بل مطلق الوكلاء- معاملة الأصيل في إقرارهم كتصرّفاتهم. هذا غاية التوجيه لتصحيح دعوي الإجماع في المسألة، و لا يخلو بعد عن الشبهة، فاللازم تتبّع مدرك آخر لها، حتي يكون استظهار الإجماع عليها مؤيّدا له و جابرا لضعفه أو وهنه ببعض الموهنات، و لا بدّ أن يعلم أنّ المدرك لها لا بدّ أن يكون جامعا لوجه اعتبار قول الصبيّ فيما له أن يفعل حتي يحكم علي أدلّة عدم اعتبار كلام الصبيّ في الإنشاء و الإخبار الحاكمة علي حديث الإقرار، و اعتبار إقرار الوكيل و الوليّ علي الأصيل حتي يحكم علي أدلّة عدم سماع إقرار المقرّ علي غيره، لكونها دعوي محتاجة إلي البيّنة، لا إقرارا علي النفس. و من هنا يظهر أنّ التمسّك بأدلّة قبول قول من ائتمنه المالك بالإذن أو الشارع بالأمر و عدم جواز اتّهامه غير صحيح، لأنّها لا ينفع في إقرار الصبيّ، و الرجوع فيه إلي دليل آخر- لا يجري في الوكيل و الوليّ- يخرج القضيّة عن كونها قاعدة واحدة، علي ما يظهر من القضيّة: من أنّ العلّة في قبول الإقرار كونه مالكا للتصرّف المقرّ به. هذا مع أنّه لو كان مدرك القضيّة قاعدة الائتمان لم يتّجه الفرق بين وقوع الإقرار في زمان الائتمان أو بعده، مع أنّ جماعة صرّحوا بالفرق، فإنّ قولهم «إنّ من لا يتمكّن من إنشاء شي‌ء لا ينفذ إقراره فيه» ليس المراد منه عدم نفوذ إقراره بفعل ذلك في زمان عدم التمكّن، إذ لا معني لعدم النفوذ هنا لعدم ترتّب أثر علي المقرّ به، بل المراد: عدم نفوذ الإقرار بفعله حين يتمكّن من الفعل، و لذا فرّع في التحرير علي القضيّة المذكورة: أنّه لو أقرّ المريض بأنّه وهب و أقبض حال الصحّة، نفذ من الثلث «9» و صرّح فيه أيضا و في غيره بعدم نفوذ إقرار العبد المأذون- بعد الحجر عليه- بدين أسنده إلي حال الإذن «10» و قد عرفت ما في جهاد التذكرة «11». و الحاصل: أنّ بين هذه القاعدة و قاعدة الائتمان عموما من وجه. و هنا قاعدة أخري، أشار إليها فخر الدّين- علي ما تقدم من الإيضاح- بأنّ كلّ ما يلزم فعله غيره يمضي إقراره بذلك الفعل علي ذلك الغير «12» «13» و ظاهره- و لو بقرينة الاستناد إليها في قبول قول الوصيّ و أمين الحاكم إذا اختلفا مع المولّي عليه- إرادة مضيّ الإقرار علي الغير و لو بعد زوال الولاية. فإن أريد من لزوم فعل المقرّ علي الغير: مجرّد مضيّه و لو من جهة نصب المالك أو الشارع له كانت أعمّ مطلقا من القاعدتين، لشموله «14» لوليّ النكاح الإجباريّ النافذ إقراره علي المرأة. و إن «15» أريد منه لزومه عليه ابتداء لسلطنة عليه كأولياء القاصرين في المال و النكاح كانت أعمّ من وجه من كلّ من القاعدتين، لاجتماع الكلّ في إقرار وليّ الصغير ببيع ماله، و افتراق «قاعدة الائتمان» عنهما «16»
في إقرار الوكيل بعد العزل، و افتراق قضية «من ملك» في إقرار الصبيّ بماله أن يفعل، و افتراق ما في الإيضاح بإقرار الوليّ الإجباري بعد زوال الولاية بالنكاح في حالها.
ثمّ إنّه يمكن أن يكون الوجه في القضيّة المذكورة، ظهور اعتبره الشارع، و بيانه: أنّ من يملك إحداث تصرّف فهو غير متّهم في الإخبار عنه حين القدرة عليه، و الظاهر صدقه و وقوع المقرّ به. و إن كان هذا الظهور متفاوت الأفراد قوّة و ضعفا بحسب قدرة المقرّ فعلا علي إنشاء المقرّ به من دون توقّف علي مقدّمات غير حاصلة وقت الإقرار، كما في قول الزوج: رجعت، قاصدا به الإخبار مع قدرته عليه بقصد الإنشاء، و عدم قدرته لفوات بعض المقدّمات، لكنّه قادر علي تحصيل المقدّمات و فعلها «17» في الزمان المتأخّر، كما إذا أقرّ العبد بالدّين في زمان له الاستدانة شرعا لكنّه موقوف علي مقدّمات غير حاصلة، فإنّ الظاهر هاهنا- أيضا- صدقه، و إن أمكن كذبه باعتبار بعض الدواعي. لكن دواعي الكذب فيه أقل بمراتب من دواعي الكذب المحتملة في إقرار العبد المعزول عن التجارة الممنوع عن الاستدانة. و لو تأمّلت هذا الظهور- و لو في أضعف أفراده- وجدته أقوي من ظهور حال المسلم في صحة فعله، بمعني مطابقته للواقع. بل يمكن أن يدّعي أنّ حكمة اعتبار الشارع و العرف لإقرار البالغ العاقل علي نفسه: أنّ الظاهر أنّ الإنسان غير متّهم فيما يخبره مما يكون عليه لا له، و في النبويّ: «إقرار العقلاء» «18» إشارة إليه، حيث أضاف الإقرار إلي العقلاء تنبيها علي أنّ العاقل لا يكذب علي نفسه غالبا، و إلّا فلم يعهد من الشارع إضافة الأسباب إلي البالغ العاقل، و إن اختص السبب به، إلّا أنّه اكتفي عن ذلك في جميع الأسباب القوليّة و الفعليّة بحديث «رفع القلم» «19» فالصبيّ لمّا جاز له بعض التصرّفات مثل الوقف و نحوه و لم يكن إقراره مظنّة للكذب كان مقبولا، و لمّا كان بعض الأقارير- بحسب نوعه- لا ظهور له في الصدق لم يعتبره الشارع، كما في الإقرار المتعارف لإقامة رسم القبالة، و كما في إقرار المريض مطلقا أو إذا كان متّهما. و يؤيّده: أنّ بعض الفقهاء قد يحكم بسماع الإقرار و ان تضمّن دفع دعوي الغير مستندا إلي عدم كونه متّهما، كما في إقرار مالك اللقيط [بعتقه] «20» بعد إنفاق الحاكم عليه بإعتاقه قبل ذلك، فإنّ الشيخ رحمة اللَّه عليه حكم في المبسوط بسماعه، لكونه غير متّهم، لأنّه لا يريد العبد و لا يريد الثمن «21» فيستمع دعواه و إن تضمّنت دفع النفقة عن نفسه. و ليس الغرض ترجيح هذا القول في هذه المسألة، بل الغرض تقريب أنّ عدم اتّهام المخبر في خبره يوجب تقديم قوله، و مرجعه إلي تقديم هذا الظاهر علي الأصل، كما في نظائره من ظهور الصحّة في فعل المسلم و نحوه من الظواهر. هذا و لكنّ الظهور المذكور لا حجيّة فيه بنفسه حتي يقدّم علي مقابله من الأصول و القواعد المقرّرة، بل يحتاج إلي قيام دليل عليه أو استنباطه من أدلة بعض القواعد الأخر.
المكاسب، ج‌4، ص 372

6- رسالة في قاعدة لا ضرر

اشارة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم [و به ثقتي و اعتمادي] «1». الحمد للَّه ربّ العالمين. و الصلاة و السلام علي محمّد و آله الطاهرين «2». و لعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين. و الكلام يقع تارة في معناها. و اخري في مدركها و بيان حالها مع الأدلة المعارضة لها في الظاهر «3». و ثالثة في بعض ما يتفرّع عليها ممّا عنونه الفقهاء مستدلّين عليها بها. و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الّتي عثرنا عليها في حكم الضرر، فنقول و باللّه التوفيق: منها ما اشتهر عنه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم في قصّة سمرة بن جندب، و قد روي بألفاظ مختلفة: ففي موثّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق «4» في حائط «5» رجل «6» من الأنصار. و كان منزل الأنصاريّ بباب البستان، و كان يمرّ إلي نخلته و لا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء. فأبي سمرة. فجاء الأنصاريّ إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم فشكي إليه، فأخبره الخبر، فأرسل إليه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم و خبّره بقول الأنصاريّ و ما شكاه و قال: إذا أردت الدخول فاستأذن. فأبي. فلّما أبي ساومه حتّي بلغ به من الثمن له ما شاء اللَّه، فأبي أن يبيعه. فقال: لك بها عذق في الجنّة فأبي أن يقبل. فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم للأنصاري: اذهب فاقلعها و ارم بها إليه، فإنّه لا ضرر و لا ضرار» «7». و في رواية الحذّاء، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك، إلّا أنّه قال لسمرة بعد الامتناع: «ما أراك يا سمرة إلّا مضارّا، اذهب يا فلان فاقلعها و ارم بها وجهه» «8». و في رواية ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام نحو ذلك بزيادة لا تغيّر المطلب، و في آخرها:
«إنّك يا سمرة رجل مضارّ. لا ضرر و لا ضرار علي المؤمن. ثمّ أمر بها فقلعت، فرمي بها وجهه، و قال: انطلق فاغرسها حيث شئت» «9». و في هذه القصّة إشكال من حيث حكم النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم بقلع العذق، مع أنّ القواعد لا تقتضيه، و نفي الضرر لا يوجب ذلك، لكن لا يخلّ بالاستدلال. و منها: رواية عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام: «قضي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن. و قال: لا ضرر و لا ضرار» «10». و منها: ما عن التذكرة و نهاية ابن الأثير، مرسلا عن النبيّ صلّي اللَّه عليه و آله و سلم: «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» «11». و منها:
رواية هارون بن حمزة الغنوي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «رجل شهد بعيرا مريضا يباع. فاشتراه رجل بعشرة دراهم، فجاء و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد. فقضي أنّ البعير بري‌ء. فبلغ ثمنه دنانير. قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ. فإن قال: أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك. هذا الضرار. قد اعطي حقّه إذا اعطي الخمس» «12».
و منها: رواية أخري لعقبة بن خالد، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قضي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه: لا يمنع نقع البئر، و قضي بين أهل البادية أنّه:
لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلاء فقال: لا ضرر و لا ضرار» «13». هذه جملة ما عثرنا عليها من الروايات العامّة «14». و كثرتها تغني عن ملاحظة سندها. مضافا إلي حكاية تواتر نفي الضرر و الضرار عن فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن. و لم أعثر عليه «15». فالمهمّ بيان معني الضرر و الضرار. أمّا معني الضرر فهو معلوم عرفا. ففي المصباح: الضرّ- بفتح الضاد- مصدر ضرّه يضرّه. من باب قتل، إذا فعل به مكروها و أضرّ به. يتعدّي بنفسه ثلاثيا و بالباء رباعيّا، و الاسم: الضرر، و قد يطلق علي نقص في الأعيان. و ضارّه يضارّه مضارّة و ضررا بمعني ضرّه. «16» (انتهي). و في النهاية: معني قوله عليه السلام «لا ضرر»: لا يضرّ الرجل أخاه بأن ينقصه شيئا من حقوقه. و الضرار فعال من الضرّ. أي: لا يجازيه علي إضراره بإدخال الضرر عليه. و الضرر فعل الواحد، و الضرار فعل الاثنين، و الضرر ابتداء الفعل، و الضرار الجزاء عليه. و قيل: الضرر أن تضرّ صاحبك و تنتفع أنت به، و الضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع به. و قيل: هما بمعني واحد. و الضرار للتأكيد «17» (انتهي). و كيف كان فالتباس الفرق بين الضرر و الضرار لا يخلّ بما هو المقصود من الاستدلال بنفي الضرر في المسائل الفرعية. فالأهمّ في ذلك بيان معني النفي. فنقول: إنّ نفي الضرر ليس محمولا علي حقيقته، لوجود الحقيقة في الخارج بداهة، فلا بدّ من حمله علي محامل قال بكلّ منها «18» قائل: أحدها: حمله علي النهي. فالمعني تحريم الفعل «19». الثاني: الضرر المجرّد عن التدارك «20». فكما أنّ ما يحصل بإزائه نفع لا يسمّي ضررا، كدفع مال بإزاء عوض مساو له أو زائد عليه، كذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بلزوم تداركه نازل منزلة عدم الضرر، و ان لم يسلب عنه مفهوم الضرر بمجرّد حكم الشارع بالتدارك. فالمراد نفي وجود الضرر المجرّد عن التدارك، فإتلاف المال بلا تدارك ضرر علي صاحبه فهو منفيّ، فإذا وجد في الخارج فلا بدّ أن يكون مقرونا بلزوم التدارك. و كذلك تمليك الجاهل بالغبن ماله بإزاء ما دون قيمته من الثمن ضرر عليه فلا يوجد في الخارج إلّا مقرونا بالخيار. و هكذا.. الثالث: أن يراد به نفي الحكم الشرعي الذي هو ضرر علي العباد، و أنّه ليس في الإسلام مجعول ضرري «21». و بعبارة أخري: حكم يلزم من العمل به الضرر علي العباد، مثلا يقال: إنّ حكم الشرع بلزوم البيع مع الغبن ضرر علي المغبون، فهو منفيّ في الشريعة، و كذلك وجوب الوضوء مع إضرار المكلّف حكم ضرريّ منفي في الشريعة. ثمّ إنّ أردأ الاحتمالات هو الثاني، و ان قال به بعض الفحول «22»، لأنّ الضرر الخارجيّ لا ينزّل منزلة العدم بمجرّد حكم الشارع بلزوم تداركه، و إنّما المنزّل منزلته، الضرر المتدارك فعلا. و الحاصل:
إنّ إيصال الضرر إن كان لداعي النفع لا نضايق عن سلب الضرر عنه حقيقة، و ان كان قد يناقش فيه. و أمّا الضرر لا لداعي النفع و إن تعقّبه تدارك فهو ضرر حقيقيّ، لكن بعد أن اتّفق تداركه يمكن تنزيله منزلة ما لم يوجد، كما هو معني التدارك. و أمّا ما لم يتعقّبه تدارك فعلا فلا وجه لتنزيله منزلة ما لم يوجد في الخارج بمجرّد حكم الشارع بوجوب تداركه. فمنشأ هذا الاحتمال، الخلط بين الضرر المتدارك فعلا و الضرر المحكوم بلزوم تداركه. و المناسب للمعني الحقيقيّ- أعني نفي الماهيّة- هو الأوّل.
نعم لو كان حكم الشارع في واقعة بنفسه حكما ضرريا يكون تداركه بحكم آخر، كحكمه بجواز قتل مجموع العشرة المشتركين في قتل واحد، المتدارك بوجوب دفع تسعة أعشار الدية إلي كلّ واحد، و أمّا الضرر الواقع من المكلّف فلا يتدارك بحكم الشرع بلزوم التدارك لينزّل منزلة العدم. هذا مضافا إلي أنّ ظاهر قوله عليه السلام: «لا ضرر في الإسلام» كون الإسلام ظرفا للضرر، فلا يناسب أن يراد به الفعل المضرّ. و انّما المناسب الحكم الشرعي الملقي للعباد في الضرر في نظير قوله: «لا حرج في الدين «23»». هذا، مع أنّ اللازم من ذلك
المكاسب، ج‌4، ص 373
عدم جواز التمسّك بالقاعدة لنفي الحكم الضرريّ المتعلّق بنفس المكلّف «1»، كوجوب الوضوء مع التضرّر به، فإنّ فعل الوضوء المضرّ حرام، و الواقع منه في الخارج لم يجعل له الشرع تداركا، مع أنّ العلماء لم يفرّقوا في الاستدلال بالقاعدة بين الإضرار بالنفس و الإضرار بالغير. و أمّا المعني الأوّل فهو مناف لذكرها «2» في النصّ و الفتوي لنفي الحكم الوضعيّ، لا مجرّد تحريم الإضرار. نعم يمكن أن يستفاد منه تحريم الإضرار بالغير من حيث إنّ الحكم بإباحته حكم ضرريّ فيكون منفيّا في الشرع، بخلاف الإضرار بالنفس فإنّ إباحته- بل طلبه علي وجه الاستحباب- ليس حكما ضرريّا، و لا يلزم من جعله ضرر علي المكلّفين. نعم قد استفيد من الأدلّة العقليّة «3» و النقليّة «4» تحريم الإضرار بالنفس. فتبيّن ممّا ذكرناه: أنّ الأرجح في معني الرواية بل المتعيّن هو المعني الثالث، لكن في قوله: «لا ضرر و لا ضرار» من دون تقييد، أو مع التقييد بقوله: «في الإسلام».
و أمّا قوله: «لا ضرر و لا ضرار علي مؤمن» فهو مختصّ بالحكم الضرريّ بالنسبة إلي الغير، فلا يشمل نفي وجوب الوضوء و الحجّ مع الضرر. و

ينبغي التنبيه علي أمور:

[التنبيه] الأوّل

إنّ دليل هذه القاعدة حاكم علي عموم أدلّة إثبات الأحكام الشامل لصورة التضرّر بموافقتها، و ليس معها من قبيل المتعارضين، فيلتمس الترجيح لأحدهما ثمّ يرجع إلي الأصول. خلافا لما يظهر من بعض من عدّهما من المتعارضين «5»، حيث إنّه ذكر في مسألة «تصرف الإنسان في ملكه مع تضرّر جاره»: إنّ عموم: «نفي الضرر» معارض بعموم: «الناس مسلّطون علي أموالهم» «6». و ذكر نحو ذلك في مسألة جواز الترافع إلي حكّام الجور مع انحصار إنقاذ الحقّ في ذلك «7». و فيه ما تقرّر في محلّه من أنّ الدليل الناظر بدلالته اللفظية إلي اختصاص دليل عامّ ببعض أفراده حاكم عليه، و لا يلاحظ فيه النسبة الملحوظة بين المتعارضين، نظير حكومة أدلّة الحرج علي ما يثبت بعمومه التكليف في موارد الحرج «8»، و عليه جرت سيرة الفقهاء في مقام الاستدلال في مقامات لا تخفي، منها: استدلالهم علي ثبوت خيار الغبن «9» و بعض الخيارات الأخر بقاعدة «نفي الضرر» مع وجود عموم: «الناس مسلطون علي أموالهم» «10» الدالّ علي لزوم العقد و عدم سلطنة المغبون علي إخراج ملك الغابن بالخيار عن ملكه «11». ثمّ إنّ اللازم مما ذكرنا، الاقتصار في رفع مقتضي الأدلّة الواقعية المثبتة للتكاليف، علي مقدار حكومة القاعدة عليها، فلو فرض المكلّف معتقدا لعدم تضرره بالوضوء أو الصوم مثلا، فتوضأ ثمّ انكشف أنّه تضرر به، فدليل نفي الضرر لا ينفي الوجوب الواقعي المتحقّق في حقّ هذا المتضرّر. لأنّ هذا الحكم الواقعي لم يوقع المكلّف في الضرر، و لذا لو فرضنا انتفاء هذا الوجوب واقعا علي هذا المتضرّر- كأن يتوضّأ هذا الوضوء لاعتقاد عدم تضرره و عدم دخوله في المتضرّرين- فلم يستند تضرّره إلي جعل هذا الحكم، فنفيه ليس امتنانا علي المكلّف و تخليصا له من الضرر، بل لا يثمر إلّا تكليفا له بالإعادة بعد العمل و التضرّر. فتحصّل: أنّ القاعدة لا تنفي إلّا الوجوب الفعلي علي المتضرّر العالم بتضرّره، لأنّ الموقع للمكلّف في الضرر هو هذا الحكم الفعلي، دون الوجوب الواقعي الّذي لا يتفاوت وجوده و عدمه في إقدام المكلّف علي الضرر. بل نفيه مستلزم لإلقاء المكلّف في مشقّة الإعادة، فالتمسّك بهذه القاعدة علي فساد العبادة للمتضرّر بها في دوران الفساد مدار اعتقاد الضرر الموجب للتكليف الفعلي بالتضرّر بالعمل، كالتمسّك علي فسادها بتحريم الإضرار بالنفس في دورانه مدار الاعتقاد بالضرر الموجب للتحريم الفعلي، لأنّه الذي يمتنع اجتماعه مع الأمر، فلا يجري مع الضرر الواقعي و أن سلّم اجتماعه مع التحريم الشأني، كما تسالموا عليه في باب اجتماع الأمر و النهي من عدم الفساد مع الجهل بالموضوع أو نسيانه، و أنّ المفسد هو التحريم الفعليّ المنجّز.

[التنبيه] الثاني

إنّه لا إشكال- كما عرفت- في أنّ القاعدة المذكورة تنفي الأحكام الوجوديّة الضرريّة، تكليفيّة كانت أو وضعيّة، و أمّا الأحكام العدميّة الضرريّة- مثل عدم ضمان ما يفوت علي الحرّ من عمله بسبب حبسه- ففي نفيها بهذه القاعدة، فيجب أن يحكم بالضمان، إشكال: من أنّ القاعدة ناظرة إلي نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية، فمعني نفي الضرر في الإسلام أنّ الأحكام المجعولة في الإسلام ليس فيها حكم ضرريّ. و من المعلوم أنّ حكم الشرع في نظائر المسألة المذكورة ليس من الأحكام المجعولة في الإسلام، و حكمه بالعدم ليس من قبيل الحكم المجعول، بل هو إخبار بعدم حكمه بالضمان، إذ لا يحتاج العدم إلي حكم به. نظير حكمه بعدم الوجوب أو الحرمة أو غيرهما. فإنّه ليس إنشاء منه بل هو إخبار حقيقة. و من أنّ المنفيّ ليس خصوص المجعولات بل مطلق ما يتديّن به و يعامل عليه في شريعة الإسلام، وجوديّا كان أو عدميّا، فكما أنّه يجب في حكمة الشارع نفي الأحكام الضّرريّة، كذلك يجب جعل الأحكام الّتي يلزم من عدمها الضرر. مع أنّ الحكم العدميّ يستلزم أحكاما وجوديّة، فإنّ عدم ضمان ما يفوته من المنافع يستلزم حرمة مطالبته و مقاصّته و التعرّض له، و جواز دفعه عند التعرّض له. فتأمّل. هذا كلّه، مضافا إلي إمكان استفادة ذلك من مورد رواية سمرة بن جندب، حيث إنّه صلّي اللَّه عليه و آله و سلم سلّط الأنصاريّ علي قلع نخل سمرة معلّلا بنفي الضرر، حيث إنّ عدم تسلّطه عليه ضرر، كما أنّ سلطنة سمرة علي ماله و المرور عليه بغير الإذن ضرر. فتأمّل. و يمكن تأييد دلالته بما استدلوا به علي جواز المقاصّة مثل قوله تعالي جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.. وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «12». و قوله تعالي فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ «13»
فيقال: إنّ من فوّت علي غيره منفعة- كأن حبسه عن عمله- جاز له أخذ ما يساوي تلك المنفعة منه. إلّا أنّ دلالة هذه الآيات علي نفس ما استدلّوا بها عليه فضلا عن نظيره قاصرة جدّا.

[التنبيه] الثالث

ذكر بعض المعاصرين «14» جوابا عن إيراد أورده علي الاستدلال بنفي الضرر لرفع التكاليف الثابتة بعموم أدلّتها في مورد الضرر، مثل وجوب الحجّ و الصلاة و الوضوء و الصوم علي من تضرّر، و هو: أنّا قد حققنا أنّ الضرر ما لا يحصل في مقابله نفع، و أمّا ما يحصل في مقابله نفع دنيوي أو أخروي فلا يكون ضررا، فإذا ورد- مثلا- : حجّوا إذا استطعتم، أو صلّوا إذا دخل الوقت، أو صوموا إذا دخل شهر رمضان، دلّ علي عمومه علي وجوب هذه الأفعال و ان تضمّن ضررا كليّا. و الأمر يدلّ علي العوض فلا يكون ضررا.
فأجاب بما لفظه: «إنّ الأمر إنّما «15» يتعلق بالصلاة و الحجّ. و لازمة تحقق الأجر المقابل لماهيّة الحجّ و الصلاة المتحقّقة في حال عدم الضرر أيضا، و أمّا حصول عوض في مقابل الضرر و أجر له، فلا دليل عليه. نعم لو كان نفس الضرر ممّا أمر به فيحكم بعدم التعارض و بعدم كونه ضررا. كما في قوله: إذا ملكتم النصاب فزكّوا، و أمثاله» (انتهي). أقول: لا يخفي ما في كلّ من السؤال و الجواب:
المكاسب، ج‌4، ص 374
أمّا في السؤال فلأنّ المراد بالضرر هو خصوص الضرر الدنيويّ لا غير. و أمّا النفع الحاصل في مقابل الضرر الدنيويّ فهو إنّما يوجب الأمر بالتضرّر، لا خروجه عن كونه ضررا. فدليل وجوب شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته الموجب للنفع الأخرويّ مخصّص لعموم نفي الضرر، لا رافع «1» لموضوعه. فجميع ما أثبت التكاليف الضرريّة مخصّص لهذه القاعدة، كيف! و لو كان الأمر كذلك لغت القاعدة. لأنّ كلّ حكم شرعيّ ضرريّ لا بدّ أن يترتّب علي موافقته الأجر، فإذا فرض تدارك الضرر و خروجه بذلك عن الضرر فلا وجه لنفيه في الإسلام، إذ يكون حينئذ وجود الدليل العامّ علي التكليف- الكاشف بعمومه عن وجود النفع الأخرويّ في مورد الضرر- مخرجا للمورد عن موضوع الضرر. و أمّا في الجواب «2»: فلأنّه لو سلّم وجود النفع في ماهيّة الفعل أو في مقدّماته- كأن تضرّر بنفس الصوم أو بالحجّ أو بمقدّماته- يكون الأمر بذلك الفعل نفسيّا أو مقدّمة أمرا بالتضرّر، فلا يبقي فرق بين الأمر بالزكاة و الأمر بالصوم المضرّ أو الحجّ المضرّ بنفسه أو بمقدّماته. فالتحقيق: أنّ المراد بالضرر خصوص الدنيويّ، و قد رفع الشارع الحكم في مورده امتنانا. فتكون القاعدة حاكمة «3» علي جميع العمومات المثبتة للتكليف. نعم، لو قام دليل خاصّ علي وجوب خصوص تكليف ضرريّ خصّص به عموم القاعدة.

[التنبيه] الرابع

إنّ مقتضي هذه القاعدة أن لا يجوز لأحد إضرار إنسان لدفع الضرر المتوجّه إليه، و أنّه لا يجب علي أحد دفع الضرر عن الغير بإضرار نفسه، لأنّ الجواز في الأوّل، و الوجوب في الثاني، حكمان ضرريّان. و يترتّب علي الأوّل ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز إسناد «4» الحائط المخوف وقوعه إلي جذع الجار، خلافا للشيخ رحمه اللَّه مدّعيا عدم الخلاف فيه «5». و قد حمل علي ما إذا خاف من وقوعه إهلاك نفس محترمة، إذ يجب حفظ النفس المحترمة «6» غاية الأمر لزوم اجرة المثل للاستناد، كأخذ الطعام قهرا لسدّ الرّمق. و يمكن حمله علي ما لم يتضرر أصلا بحيث يكون كالاستظلال بحائط الغير. فتأمل. و يترتّب علي الثاني جواز إضرار الغير «7». إكراها أو تقيّة. بمعني أنّه إذا أمر الظالم بإضرار أحد و أوعد علي تركه الإضرار بالمأمور- إذا تركه- جاز للمأمور إضرار الغير، و لا يجب تحمّل الضرر لرفع الضرر عن الغير. و لا يتوهّم أنّ هذا من قبيل الأوّل- لأنّ المأمور يدفع الضرر عن نفسه بإضرار الغير- لأنّ المفروض أنّ الضرر يتوجّه إلي الغير أوّلا، لأنّ المكره مريد ابتداء تضرر الغير فيأمره و انّما يضرّه لأجل ترك ما أراده أوّلا و بالذات.

[التنبيه] الخامس

لا فرق في هذه القاعدة بين أن يكون المحقّق لموضوع الحكم الضرريّ من اختيار المكلّف «8» أو لا باختياره، و لا في اختياره بين أن يكون جائزا شرعا أو محرّما، فإذا صار المكلّف باختياره سببا لمرض أو عدوّ يتضرّر به سقط وجوب الصوم و الحجّ، لكونه حكما ضرريّا. و كذا إذا أجنب نفسه مع العلم بتضرّره بالغسل، أو قصّر «9» في الفحص عن قيمة ما باعه فصار مغبونا. نعم لو أقدم علي أصل التضرّر- كالإقدام علي البيع بدون ثمن المثل عالما- فمثل هذا خارج عن القاعدة، لأنّ الضرر حصل بفعل الشخص لا من حكم الشارع. فما ذكره بعض- في وجه وجوب ردّ المغصوب إلي مالكه و إن تضرّر الغاصب بذلك- من أنّه هو الّذي أدخل الضرر علي نفسه بسبب الغصب «10»، لا يخلو عن نظر. و يمكن أن يوجّه ذلك بملاحظة ما ذكرنا في الأمر السابق من أنّ مقتضي القاعدة عدم جواز الإضرار بالغير لئلّا يتضرر الشخص، و عدم وجوب التضرّر لأجل دفع الضرر عن الغير.
فكما أنّ إحداث الغصب- لئلا يتضرر بتركه- حرام، و جوازه منفيّ بقاعدة [نفي] «11» الضرر، كذلك إبقاؤه حرام غير جائز، لأنّ دليل حرمة الإبقاء هو دليل حرمة الأحداث، لأن كلّا منهما غصب. فإن قلت: حرمة الإبقاء سبب لوجوب التضرّر فيجب تحمّل الضرر عن الغير، و هو منفيّ. قلت: لا ريب أنّ ملاحظة ضرر المالك و نفي الحكم بجواز «12» الإضرار به- و إن استضرّ الغاصب- أولي من تجويز الشرع الإضرار بالغير و نفي وجوب تضرّر الغاصب لرفع إضراره بالغير بإمساك ما غصبه، لأنه غير مناف للامتنان، بخلاف الأوّل، فكلّ من جواز الإضرار بالغير و وجوب تحمّل الضرر لرفع إضراره بالغير حكم ضرريّ. لكنّ ثبوت الأوّل في الشريعة مراعاة لنفي الثاني- بأن يجوز للمضرّ الإبقاء علي إضراره لأنّه يتضرّر برفعه هو بنفسه- مناف للامتنان، و بناء الشريعة علي التسهيل و رفع الضرر عن العباد. هذا كله، مع إمكان أن يقال: إنّه إذا تعارض الحكمان الضرريّان، و فرض عدم الأولويّة لإثبات أحدهما و نفي الآخر، كان المرجع أدلّة حرمة الإضرار بالغير، لأنّ حرمته كحرمة الإضرار بالنفس ثابتة بأدلّة أخر غير قاعدة نفي الحكم الضرريّ، و إن كانت هي من أدلّتها أيضا. فإذا تعارض فردان من القاعدة يرجع إلي عمومات حرمة الإضرار بالغير و النفس.
هذا كله مضافا إلي الرواية المشهورة: «ليس لعرق ظالم حقّ» «13». فإنّ هذه الفقرة كناية عن كلّ موضوع بغير حقّ. فكلّ موضوع بغير حقّ لا احترام له، فإذا كان المغصوب لوحا في سفينة كان ما ألصق باللّوح و ما ركّب عليه من الأخشاب موضوعا بغير حقّ، فلا احترام له، و كذا ما بني علي الخشبة المغصوبة. نعم هذه الرواية لا تفي بجميع المراد لو فرضنا أنّ الردّ يتوقف علي تضرّر الغاصب بغير ما وضع علي المغصوب أو معه من الأمور الخارجة.

[التنبيه] السادس

لو دار الأمر بين حكمين ضرريين بحيث يكون الحكم بعدم أحدهما مستلزما للحكم بثبوت الآخر، فإن كان ذلك بالنسبة إلي شخص واحد فلا إشكال في تقديم الحكم الّذي يستلزم ضررا أقلّ ممّا يستلزمه الحكم الآخر، لأنّ هذا هو مقتضي نفي الحكم الضرريّ عن العباد، فإنّ من لا يرضي بتضرّر عبده لا يختار له إلّا أقلّ الضررين عند عدم المناص عنهما. و إن كان بالنسبة إلي شخصين فيمكن أن يقال أيضا بترجيح الأقلّ ضررا، إذ مقتضي نفي الضرر عن العباد في مقام الامتنان عدم الرضا بحكم يكون ضرره‌أكثر من ضرر الحكم الآخر، لأنّ العباد كلّهم متساوون في نظر الشارع، بل بمنزلة عبد واحد. فإلقاء الشارع أحد الشخصين في الضرر- بتشريع الحكم الضرريّ، فيما نحن فيه- نظير لزوم الإضرار بأحد الشخصين لمصلحته، فكما يؤخذ فيه بالأقلّ كذلك في ما نحن فيه. و مع التساوي فالرجوع إلي العمومات الأخر، و مع عدمها فالقرعة. لكن مقتضي هذا، ملاحظة الضررين الشخصيين المختلفين باختلاف الخصوصيّات الموجودة في كل منهما من حيث المقدار و من حيث الشخص، فقد يدور الأمر بين ضرر درهم و ضرر دينار مع كون ضرر الدرهم أعظم بالنسبة إلي صاحبه من ضرر الدينار بالنسبة إلي صاحبه، و قد يعكس حال الشخصين في وقت آخر. و ما عثرنا عليه في كلمات الفقهاء في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب. قال في التذكرة: لو غصب دينارا فوقع في محبرة الغير- بفعل الغاصب أو بغير فعله- كسرت لردّه، و علي الغاصب ضمان المحبرة، لأنه
المكاسب، ج‌4، ص 375
السبب في كسرها. و إن كان كسرها أكثر ضررا من تبقيته الواقع [فيها]، ضمنه الغاصب و لم تكسر. «1» (انتهي). و ظاهره أنّه يكسر المحبرة مع تساوي الضررين، إلّا أن يحمل علي الغالب من كثرة ضرر الدينار لو ضمنه. و في الدروس: لو أدخل دينارا في محبرته و كانت قيمتها أكثر و لم يمكن كسره، لم يكسر المحبرة و ضمن صاحبها الدينار مع عدم تفريط مالكه (انتهي). «2»
و لا بدّ أن يقيّد إدخال الدينار بكونه بإذن المالك علي وجه يكون مضمونا، إذ لو كان بغير إذنه تعيّن كسر المحبرة و ان زادت قيمتها. و ان كان بإذنه علي وجه «3» لا يضمن لم يتّجه تضمين صاحبها الدينار.

[التنبيه] السابع

إنّ تصرّف المالك في ملك إذا استلزم تضرر جاره، يجوز أم لا؟ الظاهر «4» أنّ المشهور علي الجواز. قال في المبسوط في باب إحياء الموات: إن حفر رجل بئرا في داره، و أراد جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر لم يمنع منه و إن أدّي ذلك إلي تغيير ماء البئر، أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه الكنيف و البالوعة، لأنّ له أن يتصرّف في ملكه بلا خلاف «5». و قال في السرائر في باب حريم الحقوق: و إن أراد الإنسان أن يحفر في ملكه أو داره بئرا، و أراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا بقرب تلك البئر لم يمنع من ذلك بلا خلاف و إن نقص ماء البئر الأولي، لأنّ «الناس مسلّطون علي أموالهم» «6». و قال «7» في مسألة «أن لا حريم في الأملاك»: إنّ كلّ واحد يتصرّف في ملكه علي العادة كيف شاء، و لا ضمان إن أفضي إلي تلف، إلّا أن يتعدّي. و قد اختلف كلام الشافعي في أنّه لو أعدّ داره المحفوفة بالمساكن خانا أو إصطبلا أو طاحونة، أو حانوتا في صفّ العطّارين، حانوت حدّاد أو قصّار- علي خلاف العادة- علي قولين: أحدهما: أنّه يمنع. و به قال أحمد، لما فيه من الضرر. و أظهرهما عنده: الجواز. و هو المعتمد، لأنّه مالك للتصرّف في ملكه. و في منعه من تعميم التصرّفات إضرار به. هذا إذا احتاط و أحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب علي الظنّ أنّه يؤدّي إلي خلل في حيطان الجار فأظهر الوجهين عند الشافعيّة ذلك، و ذلك كأن يدقّ في داره الشي‌ء دقّا عنيفا يزعج به حيطان الجار، أو حبس الماء في ملكه بحيث ينشر النداوة إلي حيطان الجار. فإن قلنا لا يمنع في الصورة الأولي «8» فهنا أولي.. إلي أن قال: و الأقوي أنّ لأرباب الأملاك أن يتصرّفوا في أملاكهم كيف شاءوا، فلو حفر في ملكه بالوعة و فسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، و لا ضمان بسببه. و لكن يكون قد فعل مكروها «9» (انتهي). و قريب من ذلك ما في القواعد «10» و التحرير «11». و قال في الدروس في إحياء الموات: و لا حريم في الأملاك، لتعارضها. فلكلّ أحد أن يتصرّف في ملكه بما جرت العادة به و إن تضرّر صاحبه و لا ضمان «12» (انتهي). و في جامع المقاصد في شرح مسألة تأجيج النّار و إرسال الماء في ملكه: إنّه لمّا كان الناس مسلّطين علي أموالهم كان للمالك الانتفاع بملكه كيف شاء، فإن دعت الحاجة إلي إضرام نار في ملكه أو إرسال ماء، جاز فعله و إن غلب علي ظنّه التعدّي إلي الإضرار بالغير «13». (انتهي موضع الحاجة). أقول: تصرّف المالك في ملكه إمّا أن يكون لدفع ضرر يتوجّه إليه، و إمّا أن يكون لجلب منفعة، و إمّا أن يكون لغوا غير معتدّ به عند العقلاء. فإن كان لدفع الضرر فلا إشكال، بل لا خلاف في جوازه، لأنّ إلزامه بتحمّل الضرر، و حبسه عن ملكه لئلّا يتضرّر الغير، حكم ضرريّ منفيّ. مضافا إلي عموم: «الناس مسلّطون [علي أموالهم] «14»». و الظاهر عدم الضمان أيضا عندهم، كما صرّح به جماعة، منهم الشهيد «15» رحمه اللَّه. لكنّه صرّح بالضمان في تأجيج النار علي قدر الحاجة مع ظنّ التعدّي. و هو مناف لتصريحه المتقدّم «16». فإن قلت: إذا فرض أنّه يتضرّر بالترك، فالضرر ابتداء يتوجّه إليه و يريد دفعه بالتصرف. و حيث فرض أنّه إضرار بالغير رجع إلي دفع «17» الضرر الموجّه علي الشخص عن نفسه بإضرار الغير. و قد تقدّم عدم جوازه، و لذا لو فرضنا كون التصرّف المذكور لغوا كان محرّما لأجل الإضرار بالغير.
قلت: ما تقدّم من عدم جواز إضرار الغير لدفع الضرر عن النفس إنّما هو في تضرّر الغير الحاصل لغير المتصرّف في مال نفسه، و أمّا إذا كان دفع الضرر عن نفسه بالتصرّف في ماله المستلزم لتضرّر الغير «18» فلا نسلّم منعه، لأنّ دليل المنع هو دليل نفي الضرر، و من المعلوم أنّه قاض في المقام بالجواز، لأنّ منع الإنسان عن التصرّف في ماله لدفع الضّرر المتوجّه إليه بالترك ضرر عظيم، بل سيجي‌ء أنّ منعه عن التصرّف لجلب النفع أيضا ضرر و حرج منفيّ، كما تقدّم في كلام العلّامة «19» رحمه اللَّه. ثمّ إنّه يظهر من بعض من عاصرناه «20» وجوب ملاحظة ضرر «21» المالك و ضرر الغير، و هو ضعيف مخالف لكلمات الأصحاب. نعم لو كان تضرّر الغير من حيث النفس أو ما يقرب منه ممّا يجب علي كلّ أحد دفعه و لو بضرر لا يكون حرج في تحمّله، فهذا خارج عن محلّ الكلام، لأنّ ما يجب تحمل الضرر لدفعه لا يجوز إحداثه لدفع الضرر عن النفس. و إن كان لغوا محضا، فالظاهر أنّه لا يجوز مع ظنّ تضرّر الغير، لأنّ تجويز ذلك حكم ضرريّ، و لا ضرر علي المالك في منعه عن هذا التصرّف، و عموم «الناس مسلّطون علي أموالهم» محكوم عليه بقاعدة «نفي الضرر». و هو الذي يظهر من جماعة كالعلّامة في التذكرة «22» و الشهيد في الدروس «23»، حيث قيّدا «24» التصرّف في كلامهما بما جرت به العادة، و المحقق الثاني «25» حيث قيّد الجواز مع ظنّ تضرّر الغير بصورة دعاء الحاجة، بل العلّامة في التذكرة حيث استدلّ علي الجواز- في كلامه المتقدّم- بأنّ منعه عن عموم التصرّف ضرر منفيّ، إذ لا شكّ أنّ منعه عن هذا التصرّف ليس ضررا «26» و قد قطع الأصحاب بضمان من أجّج نارا زائدا علي مقدار الحاجة مع ظنّ التعدّي «27». اللَّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الضمان لا يدل علي تحريم الفعل. فربّما كان مبني الضمان علي التعدّي العرفيّ و إن لم يكن محرّما، كما يظهر من كثير من كلماتهم. و أمّا ما كان لجلب المنفعة، فظاهر المشهور- كما عرفت من كلمات الجماعة- الجواز. و يدلّ عليه أنّ حبس المالك عن الانتفاع بملكه و جعل الجواز تابعا لتضرر الجار حرج عظيم لا يخفي علي من تصوّر ذلك. و لا يعارضه تضرّر الجار، لما تقدّم من أنّه لا يجب تحمّل الحرج و الضرر لدفع الضرر عن الغير، كما يدل عليه تجويز الإضرار مع الإكراه. و أمّا الاستدلال بعموم «الناس مسلّطون علي أموالهم» بزعم أنّ النسبة بينه و بين نفي الإضرار عموم من وجه، و الترجيح مع الأوّل بالشهرة مع أنّ المرجع بعد التكافؤ أصالة الإباحة، فقد عرفت ضعفه، من حيث حكومة أدلّة نفي الضرر علي عموم «الناس مسلّطون علي أموالهم».
و الحمد لله أوّلا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلّي اللَّه علي النبيّ محمّد و آله أجمعين. و جاء في آخر النسخة المخطوطة ما يلي: هذا آخر كلام المصنف دام ظله العالي و قد فرغ من تحريره تراب الأقدام محمّد بن محمد تقي الدرزابي في يوم النوروز الواقع في أوائل العشر الثاني من شهر شوال المكرم من سنة 1280.
المكاسب، ج‌4، ص 376
@@@@@

7- رسالة في الرضاع

[الخطبة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين. أجمع علماء الإسلام ظاهرا علي أن من جملة أسباب تحريم النكاح الرضاع في الجملة و الأصل في هذا الحكم قبل الإجماع قوله ص فيما رواه الفريقان: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و روي عن الصادق ع أيضا بعده طرق صحيحة و رواه عبد الله بن سنان و أبو الصباح الكناني و عبيد بن زرارة عن مولانا الصادق ع مع تخالف يسير في المتن و معني هذه العبارة أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب لا أن نفس من يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع كما يتراءي من ظاهر العبارة و إنما عبر بهذا للتشبية علي اعتبار اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع. و الحاصل بالنسب في التحريم صنفا مثلا الأم محرمة من جهة النسب فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل التحريم من جهة الرضاع و لو حصل بالرضاع ما يلازمه مثل أمومة أخيه لأبويه لم يحرم و كذا الأخت و البنت و غيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة النسب الحاصل بين شخصين أو بين أحدهما و زوج الآخر أو من في حكمه فإن أم الزوجة محرمة علي الزوج من جهة نسب بينهما و بين الزوجة يحدث باعتباره المصاهرة بعد التزويج و كذلك الأم الرضاعية للزوجة فحاصل معني هذا الحديث التسوية بين النسب و الرضاع في إيجاب التحريم و أن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية و تنزل مكانها فلا يتوهم أن تحريم أم الزوجة من جهة المصاهرة فينبغي أن لا تحرم من جهة الرضاع. توضيح الدفع أن معني هذه القضية السلبية و هي أن المحرم من جهة المصاهرة لا تحرم من جهة الرضاع علي قياس تلك القضية الموجبة هو أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة و لا ينزل منزلتها فإذا أرضعت ولدك امرأة فلا تحرم عليك أمها من حيث إنها جدة ولدك لأمه الرضاعية من جهة أن جده الولد لأمه إنما تحرم علي الأب لأجل نسب بينهما و بين زوجته و لا شك أن الزوجية هنا منتفية و مجرد إرضاع ولد الرجل لا يصير المرضعة في حكم الزوجة لما عرفت من أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة و أما أم الزوجة المرضعة لها في المثال الذي قدمناه فإنما قامت مقام أمها الوالدة لها فقد قام الرضاع مقام النسب لا مقام المصاهرة لأن زوجية الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدل بالرضاع و إنما المبدل به النسب الحاصل بين الأم و الزوجة. و ملخص الكلام أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقارب الآخر توقفت وجودها علي أمرين ثبوت الزوجية بين الرجل و المرأة و ثبوت القرابة بين شخص و بين أحدهما فكما يمكن استناد التحريم إلي المصاهرة الحاصلة بين المحرم و المحرم عليه من مجموع ذينك الأمرين و كذلك يمكن استناده إلي الأمر الأول من الأمرين بأن يقال إنه يحرم أم الزوجة علي الزوج من جهة زوجية بنتهما و له كذلك يمكن استناده إلي الأمر الثاني فيقال إنه تحرم أم الزوجة علي الزوج لأجل نسب بينها و بين زوجته و لا يوجب ذلك عدها في المحرمات النسبية من جهة قصرها علي ما استند فيه التحريم إلي النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما إذا عرفت ذلك فدخول الرضاع في المصاهرة إما بقيامه مقام الأمر الأول من الأمرين المذكورين مع بقاء الأمر الثاني بحاله كالأم النسبية للأم الرضاعية للولد النازلة منزلة الزوجة و إما بقيامه مقام الثاني منهما كالأم الرضاعية للزوجية الحقيقية. ففي الأول لا مجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع إلا إذا دل دليل خاص عليه لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب و جعل كل عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الحاصل بالنسب و معلوم أنه لم ينتف هنا إلا الزوجية و لم يدل دليل النشر علي تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة. و في الثاني لا ينبغي التأمل في التحريم لأنه إذا ألحق العنوان الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم و أقيم الرضاع مقام النسب في إناطة التحريم به فلا شك في أنه يكون الأم الرضاعية للزوجة بمنزلة الأم النسبية لها و لعل منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور توهم كون المراد بلفظ النسب فيه النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه علي حد قولهم سبب التحريم إما نسب أو رضاع أو مصاهرة و هذا خبط فاسد فإنه تقييد للمطلق من غير دليل بل المراد منه هو مطلق النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم
و المحرم عليه أم بين أحدهما و زوج الآخر أو غيره مثل المزني بها و الغلام و الموطوء و الملموسة و من هنا يصح التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب و أخته و بنته الرضاعيتين علي الموقب و إلا فأي نسب بينهما و بين الموقب و أما دعوي أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة النسب بل هو مستند إلي المصاهرة فقد عرفت الحال فيها و أنه يجوز استناد التحريم فيه إلي نفس المصاهرة و إلي كل واحد من الأمرين اللذين يتوقف وجودها عليها.

ثم اعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف علي شروط

الشرط الأول أن يكون اللبن عن وطء صحيح

فلو در لا عن وطء أو عن وطء بالزني لم ينشر علي المعروف بين الأصحاب و حكي عليه الإجماع في المدارك عن جماعة منهم جده في المسالك للأصل فإن إطلاقات التحريم بالرضاع منصرفة إلي غير ذلك و صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله ع عن لبن الفحل قال هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخري لا من حرام و مثلها حسنة ابن هشام ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخري. و يستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطي أنه لا حكم للبن الرجل و في حكمه لبن الخنثي المشكل أمره بناء علي أنه لو علم كون لبنه من الوطي فلا إشكال في كونها امرأة إلا علي ما ورد في بعض الأخبار من أن خنثي ولدت في أيام أمير المؤمنين فألحقه بالرجال بعد عد أضلاعه و عد في التحرير هذا الخبر من الشواذ و لا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير
المكاسب، ج‌4، ص 377
الحاصل من الوطي فإن اللبن إنما يحصل عن الوطي بعد العلوق و الحمل و تخلق الولد. و قد استفيد جميع ذلك من الصحيحة المتقدمة و هل يعتبر انفصال الولد أو يكفي الحمل وجهان بل قولان اختار العلامة أولهما في التحرير و ثانيهما في القواعد و هو الأظهر للإطلاقات. و قول الصادق ع في صحيحة يزيد العجلي: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخري من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ص إلي غير ذلك مما دل من الصحاح و غيرها علي إناطة التحريم بكون اللبن من الفحل كصحيحة الحلبي و موثقة جميل بن دراج بأحمد بن فضال و رواية أبي بصير و لا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان و حسنة المتقدمتين من لبن ولدك إذ يصدق علي ذلك اللبن أيضا أنه ابن الولد كما يشهد به العرف و دعوي عدم صدق الولد مضافا إلي الأب علي الحمل محل نظر مع أنها غير قادحة فيما نحن فيه لأن وجود الولد بالفعل لا يعتبر في إضافة اللبن إليه نعم في روايتي يونس بن يعقوب و يعقوب بن شعيب أن در اللبن من غير ولادة لا يوجب النشر لكنهما مع عدم صحتهما قابلتان للحمل علي در اللبن من غير ولادة رأسا حتي في المستقبل بأن يكون الدر لا عن حمل كما قد يتفق فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب و السنة إلا أن يمنع عمومها لدعوي انصرافها بحكم الغلبة إلي الإرضاع بعد الوضع فيرجع في غيره إلي أصالة الإباحة فتأمل. ثم إن الوطي الصحيح المعتبر كون اللبن عنه يشمل الوطي بالنكاح الدائم و المنقطع و ملك اليمين و التحليل و أما الوطي بالشبهة فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح و أخويه كما في غالب الأحكام و تردد فيه المحقق في الشرائع و عن الحلي الجزم بعدم النشر أولا ثم النشر ثانيا ثم النظر و التردد ثالثا و المسألة محل إشكال من إطلاق الكتاب و السنة فإن الفحل في صحيحة يزيد المتقدمة و غيرها أعم من الزوج و يؤيده كون وطء الشبهة بمنزلة النكاح من لحوق النسب و من الأصل و من انصراف الإطلاقات إلي غير هذا الفرد. و قوله في صحيحة ابن سنان و حسنة السابقتين ما أرضعت امرأتك و لو بني علي دعوي ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جري مثله في غيره من القيود فينسد باب الاستدلال علي اعتبار كثير من الشروط و تردد في المدارك و هو في محله إلا أن القول بالنشر لا يخلو عن قوة لأن دلالة المطلقات علي الإطلاق أقوي من دلالة المقيد علي الاختصاص مع أن تخصيص اللبن بالمرأة كما فرض استفادته من صحيحة ابن سنان و حسنته و نحوهما مخالف للإجماع للاتفاق علي النشر بالارتضاع من المملوكة و المحللة فلا بد من حمل التقييد فيها علي التمثيل بالفرد الغالب و إن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزني عن إطلاقهما لو سلم شمول الولد فيهما لولد الزني إلي دعوي الإجماع علي خروجه و يكشف عما ذكرنا عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة و لحوق وطء الشبهة بالنكاح في غالب الأحكام.

الثاني من الشروط كون شرب اللبن علي وجه الامتصاص من الثدي

فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع علي المعروف بين معظم الأصحاب لأن الارتضاع المنوط به النشر في الأدلة لا يتحقق عرفا إلا بالامتصاص فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم إنه ارتضع منها بخلاف ما لو امتص من ثديها و لو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير الامتصاص فلا مجال لإنكار انصرافه إليه فيكون ما عداه باقيا تحت أصالة الإباحة خلافا للمحكي عن ابن الجنيد فاكتفي بالوجور إما لدعوي صدق الإرضاع و إما لحصول ما هو المقصود منه من إنبات اللحم و شد العظم و إما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبد الله ع: قال و جور الصبي بمنزلة الرضاع و في الكل نظر لخلو الدعوي المذكورة عن البينة كدعوي كون المناط في النشر مجرد إنبات اللحم و شد العظم و ضعف المرسلة و معارضتها برواية زرارة عن الصادق ع: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين بناء علي جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع لا لقدره حتي يخالف الإجماع فالأقوي إذا القول المشهور إلا أن الأولي مراعاة الاحتياط.

الثالث حياة المرتضع منها

فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد موتها علي المشهور بل لم أعثر فيه علي حكاية خلاف صريح قيل لقوله تعالي وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ الظاهرة في مباشرة المرأة للإرضاع المنفية في حق الميتة فيدخل في عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لأصالة الإباحة إلي أن يثبت المزيل و قيل لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام فهي كالبهيمة المرضعة و بأن المتبادر من إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالارتضاع من الحي فيبقي غيره داخلا في عموم أدلة الإباحة و في الجميع نظر. أما ظهور الآية في مباشرة الإرضاع فلا يجدي للقطع بخروج الميتة عن حكم الآية و لا يلزم منه دخولها في قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم و لا التحليل فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث الحرمة بين الرضيع و غير الميتة ممن يتعلق به اللبن فيكفي لمدعي النشر عموم قوله تعالي وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و قوله ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و لا ظهور لهما في مباشرة المرأة للإرضاع مع أن مباشرة المرأة للإرضاع و قصدها إليه غير شرط إجماعا كما ادعاه في المسالك بل لو سعي إليها الولد و هي نائمة أو التقم ثديها و هي غافلة تحقق الحكم. و ما قيل من أن الآية دالة بظاهرها علي اعتبار الحياة و المباشرة و القصد و لا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول فاسد لأن دلالة لفظ الرضاع علي الجميع دلالة واحدة فلا يمكن التفكيك في مدلولها و لهذا لم يتمسك بالأخبار الدالة علي الإرضاع مع سلامتها عن بعض ما يرد علي الآية و أما التمسك بالأصل فهو صحيح لو لا الإطلاقات و أما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها فهو أمر مسلم لا كلام فيه. و إنما الكلام في نشر الحرمة بين الرضيع و أصوله و فروعه و بين غير هذه المرأة من الفحل و أولاده و أولاد المرضعة و غيرهم و أما دعوي تبادر غير الارتضاع من الميتة من الإطلاقات فهي علي إطلاقها ممنوعة فإنا لا نجد في السبق إلي الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه جميع الرضعات حال الحياة و بين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة رضعة إلا جزء واحد فأكملها بعد الموت.
نعم الإنصاف انصراف الإطلاقات إلي غير صورة ارتضاع جميع الرضعات حال الموت فالأحسن في الاستدلال علي اعتبار الحياة هو أن بعض فروض الارتضاع من الميتة خارج عن إطلاق مثل قوله وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ لانصراف المطلق إلي غيره كما عرفت فيدخل تحت قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ فيثبت عدم النشر في هذا
المكاسب، ج‌4، ص 378
الفرد بالآية. و يجب إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها لعدم القول بالفصل و قلب هذا الدليل بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها و يلحق الفرض الخارج منه بعدم القول بالفصل و إن كان ممكنا إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ بواسطة عدم القول بالفصل بين آيتي التحريم و التحليل فيجب الرجوع إلي أدلة الإباحة من العمومات و الأصول المعتضدة بفتوي معظم الفحول.

الرابع أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي رضاعه

فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين علي المعروف من مذهب الأصحاب و نقل عن التذكرة دعوي إجماعهم عليه و في المسالك نفي الخلاف عنه و يدل عليه حسنة الحلبي بابن هاشم عن أبي عبد الله ع قال: لا رضاع بعد فطام و نحوها رواية حماد بن عثمان عنه ع بزيادة قوله: قلت جعلت فداك و ما الفطام قال الحولين الذين قال الله عز و جل و نحوها رواية الفضيل بن عبد الملك: الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم و رواية منصور بن حازم ثم إن المراد بالفطام في الأخبار المطلقة هو زمان الفطام أعني الحولين كما دلت عليه رواية الفضيل و حماد فلا عبرة بنفس الفطام حتي أنه لو لم يفطم الرضيع إلي أن تجاوز الحولين ثم ارتضع بعدها قبل الفطام لم يثبت التحريم كما أنه لو فطم قبل الحولين ثم ارتضع قبلهما ثبت التحريم و حكي عن ابن جنيد المخالفة في الحكم الأول و ثبوت التحريم إذا وقع الرضاع بعد الحولين قبل الفطم و لعله لرواية داود بن الحصين المروية في الفقيه و التهذيب المردودة فيه بالمخالفة للأحاديث كلها. و في كلام محكي عن الشهيد أن هذه الفتوي مسبوقة بالإجماع و ملحوقة به و أما الحكم الثاني فلم يحك فيه الخلاف إلا عن موهم ظاهر كلام العماني حيث قال الرضاع الذي يحرم عشر رضعات قبل الفطام و عن المختلف الاستدلال له برواية الفضيل بن عبد الملك المتقدمة الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم و الجواب عنه بأن المراد قبل أن يستحق الفطم و هو حسن و جار في عبارة العماني أيضا فيرتفع الخلاف ثم إنه هل يعتبر في ولد المرضعة الذي يحصل اللبن من ولادته كونه في الحولين عند ارتضاع المرتضع من لبنه بحيث لا يقع شي‌ء من الارتضاع بعد تجاوزه إياهما أم لا فيه قولان المحكي عن أبي الصلاح و ابن زهرة و ابن حمزة الأول تمسكا بظاهر الخبر لإرضاع بعد فطام الشامل لفطام المرتضع و ولد المرضعة بل لم يفهم منه ابن بكير إلا فطام ولد المرضعة لما سأله ابن فضال عن امرأة رضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتي تمت لها سنتان أ يفسد ذلك بينهما قال لا لأنه رضاع بعد فطام و إنما قال رسول الله ص: لإرضاع بعد فطام أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج عن حد اللبن و لا يفسد بينه و بين من شرب منه و الأكثر علي الثاني و هو الأظهر للأصل و الإطلاقات لظهور الخبر المذكور في فطام المرتضع أو عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد المطلقات. و تفسير ابن بكير للخبر معارض بما فسره ثقة الإسلام و الصدوق في الكافي و الفقيه قال في الكافي معني قوله لإرضاع بعد فطام أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما يفطم لا يحرم ذلك الرضاع التناكح و قريب منه ما قاله في الفقيه ثم اعلم أن شيخنا في المسالك ناقش المحقق في نسبة حديث لا رضاع بعد فطام إليه ص و قال إنه لم يرد إلا عن الصادق ع و لا يخفي أن إسناد الحديث إلي رسول الله ص مشهور و قد عرفت أن ابن بكير نسبه إليه ص و كذا رواه في الفقيه مرسلا عنه ص و أصدق من ذلك ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص: لإرضاع بعد فطام و لا وصال في صيام و لا يتم بعد احتلام إلي آخر الحديث و مع ذلك فلا وجه للمناقشة المذكورة إلا أن يرجع إلي المناقشة في الإسناد إلي عدم ثبوت النسبة بطريق صحيح يجوز الإسناد علي وجه الجرم ثم إن المعتبر في الحولين الأهلة و لو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة و عشرون شهرا بعد المنكسر بالأهلة و إكمال المنكسر بالعدد من الشهر الخامس و العشرين كغيره من الآجال علي أظهر الاحتمالات في نظائر المسألة و الله العالم.

الخامس أن يكون اللبن بحاله غير ممزوج بشي‌ء

فلو ألقي في فم الصبي شي‌ء جامد كالدقيق و فتيت السكر أو مائع كيسير من الأطعمة المائعة ثم ارتضع بحيث امتزج اللبن حتي يخرج عن كونه لبنا لم يعتد به و كذا لو جبن اللبن و الوجه في ذلك عدم صدق الإطلاقات مع الخروج عن اسم اللبن أو عدم انصرافها إلا الخالص.

السادس الكمية

اشارة

أي بلوغ الرضا حدا خاصا فإنه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في أن مسمي الرضاع و مطلقة غير كاف في النشر و الأخبار بذلك متواترة معني يأتي الإشارة إلي أكثرها في بيان التقديرات. نعم قد يوهم الأخبار حصول الحرمة بالمسمي كما سيأتي ذكره في أدلة مذهب الإسكافي المكتفي بالرضعة التامة و خالف في المسألة بعض العامة فاكتفي بالمسمي و قدره بما يفطر الصائم و لم يقنع بذلك حتي ادعي إجماع أهل العلم عليه علي ما حكي في المسالك

ثم إن أصحابنا قدروا المقدار الخاص الذي اعتبروه بثلاثة تقديرات

أحدها بالأثر

و هو ما أنبت اللحم و شد العظم و حصول النشر مع تحقق هذا الأثر مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام و يدل عليه مضافا إلي الإجماع الأخبار المستفيضة منها صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله ع: قلت ما يحرم من الرضاع قال ما أنبت اللحم و شد العظم قلت يحرم عشر رضعات فقال لا لأنها لا تنبت اللحم و لا تشد العظم و منها حسنة ابن أبي عمير عن زياد القندي عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن ع قال:
قلت له يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث قال لا يحرم من الرضاع إلا ما اشتد عليه العظم و أنبت اللحم و منها رواية هارون بن مسلم تارة عن أبي عبد الله ع و تارة عن مسعدة بن زياد عنه ص قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم و أنبت اللحم و منها رواية عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول: ما يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و شد العظم و في غير واحد من الروايات وقع التقدير بإنبات اللحم و الدم مثل صحيحة عبيد بن زرارة و حسنة حماد بن عيسي بابن هاشم و لا يبعد تلازم التقديرين و مع الانفكاك فالأجود ثبوت النشر بتحقق كل منهما لاعتبار أدلة التقدير الثاني أيضا إلا أن الأصحاب لم يتعرضوا لتحقق الحكم به نفيا و إثباتا و لعله لعدم انفكاكه عن الأول فتدبر ثم إن مقتضي النصوص المذكورة اعتبار تحقق كلا الأمرين من إنبات اللحم و اشتداد العظم و هو المعروف
المكاسب، ج‌4، ص 379
بين الأصحاب أيضا. و حكي عن بعض عبارات الشهيد قدس سره الاجتزاء بأحد الأمرين و نسبه في المسالك إلي الشذوذ و كيف كان فالتقدير بهذا الأثر و إن كان اعتباره في غاية القوة و المتانة بل مقتضي أدلته الحاصرة للرضاع المحرم فيه أنه أصل لأخويه الآتيين إلا أنه قليل الفائدة لأن ظهوره للحس في موضع الحاجة أمر لا يكاد يطلع عليه إلا بعض أهل الخبرة و قلما يتفق شهادة العدلين منهم بذلك و لعله لذا كشف عنه الشارع بأخويه و جعلهما طريقا إليه كما يومئ إليه صحيحة ابن رئاب المتقدمة.

و ثانيها بالزمان

و قدر بيوم و ليلة علي المعروف بين الأصحاب و مستندهم فيه موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر ع هل للرضاع حد يؤخذ به فقال لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد و لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرهما فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتهما امرأة أخري من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحها و ليس فيها سوي عمار الذي نقل الشيخ عمل الأصحاب برواياته مع أن في السند ابن محبوب الذي أجمع علي تصحيح ما يصح عنه مضافا إلي اعتضادها بعمل الأصحاب و موافقة الكتاب و لا ينافيها ما دل علي حصر الرضاع المحرم فيما أنبت اللحم و شد العظم لفقد العلم بعدم كونه منه ثم إن ظاهر الرواية و الفتوي اعتبار الارتضاع في اليوم و الليلة كلما احتاج الرضيع إليه عادة أو طلبه و لا يعتبر في هذا التقدير إكمال الرضعة في كل مرة بل لو رضعته رضعة ناقصة ثم أكملتها مرة أخري لم يقدح و لو أطعم في الأثناء طعاما فإن كان مما يغتذي به بدلا من اللبن فالظاهر أنه قادح في التقدير كما أن شرب الماء للعطش غير قادح لو وقع في الأثناء و كذا ما يوكل أو يسقي دواء و يشكل فيما اعتاده من يسير من طعام بحيث لا يغنيه عما اعتاد شربه من اللبن و هل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم و انتهائه في آخر الليلة أو العكس أو يكفي الملفق لو ابتدأ في أثناء أحدهما وجهان أقواهما الثاني إما لصدق رضاع يوم و ليلة عرفا علي رضاع الملفق و إما لأن الرضاع في الملفق لا يكون أقل من رضاع يوم و ليلة بل يكون مساويا له فلا يدل الرواية علي انتفاء النشر به فيبقي داخلا تحت الإطلاقات الدالة علي النشر و التعويل علي الوجه الأول. و هل المعتبر في رضاع هذا الزمان حال متعارف أوساط الأطفال أو حال شخص ذلك الرضيع وجهان أقواهما الثاني لظاهر الرواية و تظهر الثمرة فيهما فيما إذا كان الطفل مريضا بمرض يحتاج إلي أزيد مما يحتاج إليه الصحيح كغلبة القي‌ء عليه لعارض أو عرضه ما يحتاج معه إلي الأقل مما يحتاج إليه الصحيح كما إذا أغمي عليه في أغلب اليوم و الليلة. و هل يعتبر احتمال تأثير اللبن في نبات لحمه و شد عظمه أم لا وجهان من إطلاق الرواية و من دلالة بعض الأخبار السابقة علي عدم النشر بما لا ينبت اللحم و لا يشد العظم و تظهر الثمرة فيما لو كان بحيث يعلم عدم تحلل اللبن في معدته لعدم استقراره فيها لغلبة إسهال أو قي‌ء و هنا فروع أخر طوينا عن ذكرها كشحا و أعرضنا عنها صفحا.

و ثالثها بالعدد

اشارة

و قد اختلف فيه الأصحاب بسبب اختلاف الروايات ظاهرا فالمحكي عن ابن الجنيد الاكتفاء به برضعة واحدة تملأ جوف الصبي إما بالمص أو بالوجور لإطلاق الكتاب و السنة و خصوص قول أبي الحسن ع و مكاتبة علي بن مهزيار في جواب سؤاله عما يحرم من الرضاع قليله و كثيره حرام و مضمرة ابن يعفور قال: سألته عما يحرم من الرضاع قال إذا رضع حتي يمتلئ بطنه فإن ذلك ينبت اللحم و الدم و ذاك الذي يحرم و رواية السكوني و النبوي: يحرم بالرضعة ما يحرم الحولان و العلوي: الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا و في آخر: انهوا نساءكم أن يرضعن يمينا و شمالا فإنهن ينسين فإن الإرضاع يمينا و شمالا مع النسيان بعد حين إنما يناسب عدم التحديد بأكثر من رضعة و هذا القول ضعيف في الغاية لاستفاضة الأخبار كاشتهار الفتوي بعدم النص بما دون العشر فلا مجال للتمسك بالإطلاقات و لا بالمكاتبة و المضمرة لقصورهما عن المقاومة مع موافقة ظاهرهما لفتوي بعض العامة مضافا إلي إمكان حمل المكاتبة علي تحريم أصل الارتضاع. و مما ذكرنا يظهر حال التمسك بالنبوي و العلويتين و لذا أعرض سائر الأصحاب عن هذا القول و اتفقوا علي عدم النشر بما دون العشر و إن اختلف فتاويهم كالروايات فحكي عن أكثر المتقدمين كالمفيد و الديلمي و القاضي و التقي و ابن حمزة التحديد بالعشر و تبعهم الفاضل في المختلف و ولده و الشهيد في اللمعة و ذهب الشيخ و المحقق و الفاضل في غير المختلف إلي التحديد بالخمس عشرة رضعة و تبعهم أكثر المتأخرين و قد نسب هذا القول إلي الأكثر و المشهور بقول مطلق و كيف كان فهو الأظهر للأصل و عدم دليل علي النشر بالعشر عدا الإطلاقات من الكتاب و السنة و خصوص رواية الفضيل الموصوفة بالصحة في كلام بعض عن الباقر ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا المجبور قلت و ما المجبور قال أم تربي أو ظئر تستأجر أو أمة تشتري ثم ترضع عشر رضعات يروي الصبي و ينام و مفهوم موثقة عمر بن يزيد قال: سألت الصادق ع عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين فقال لا يحرم فعددت عليه حتي أكملت عشر رضعات فقال إذا كانت متفرقة فلا و نحوها مفهوم رواية هارون بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم و أنبت اللحم و أما الرضعة و الرضعتان و الثلاث حتي بلغ عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس و في الجميع نظر أما في الإطلاقات فلأنها علي فرض تسليم إفادتها العموم و عدم ورودها لبيان أصل نشر الحرمة بالرضاع في الجملة مقيدة بصحيحة علي بن رئاب عن الصادق ع قال: قلت ما يحرم من الرضاع قال ما أنبت اللحم و شد العظم قلت فيحرم عشر رضعات قال لا لأنها لا تنبت اللحم و لا تشد العظم و موثقة عبيد بن زرارة بعلي بن فضال عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول عشر رضعات لا يحرمن شيئا و هذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس فيها إلا علي بن فضال و الظاهر أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه حيث ابتدأ به في السند و كتب بني فضال مما أمر العسكري ع بالأخذ بها في رواية قريبة من الصحة مع ما ذكر في ترجمة علي بن فضال من مراتب وثاقته و احتياطه في الرواية و موثقة أخري رواها الشيخ عن علي بن فضال عن أخويه عن أبيهما عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم و هذه قريبة من سابقتها في اعتبار السند و إن كان جميع رجالها فطحيين و تخصيص هذه الأخبار المعتبرة برواية الفضيل التي هي أخص منها بعد إخراج
المكاسب، ج‌4، ص 380
صورة تفرق الرضعات العشر عن عمومها و بمفهوم الموثقتين اللتين بعدها و إن أمكن إلا أن ذلك فرع سلامتها عن المعارضة موثقة زياد بن سوقة المتقدمة الصريحة في نفي النشر بالعشر و لو متوالية أو ترجيحها عليها و هو مسلم لو ثبت صحة رواية الفضيل بتوثيق محمد بن سنان الذي حكي عن غير المفيد من مشايخ الرجال تضعيفه و سلامتها من موهنات أخري مثل مخالفة حصرها للإجماع و خلو الفقيه من زيادة رواها الشيخ في ذيلها أعني قوله ثم ترضع عشر رضعات مع سبق الصدوق علي الشيخ زمانا بل و ضبط الأخبار كتابه فكيف يتصور في حقه أو في الكتب التي أخذ الحديث منها إهمال شطر من كلام المعصوم ع مربوط بما قبله غاية الارتباط و يحتاج إليه نهاية الاحتياج فلا يبعد أن يكون الزيادة المذكورة من تحريفات محمد بن سنان لأنه إنما وقع في التهذيب و ليس في سند الفقيه و حيث لم يثبت اعتبار الرواية سندا و سلامتها من الوهن و المفروض أن أخويها أيضا لا يبلغان حد الصحة بل صرح بضعف ثانيهما فترجيحها و إن كانت ثلاثا علي موثقة زياد و إن كانت واحدة غير معلوم إذ ليس في سند الموثقة إلا عمار و اعتبار رواياته عند الأصحاب محكي عن الشيخ في عدته مع أن الراوي عنه بواسطة هشام بن سالم الحسن بن محبوب الذي أجمع علي تصحيح ما يصح عنه من أن متنها أصرح دلالة لأن دلالتها علي نفي النشر بالعشر المتوالي بالمنطوق و دلالة الموثقتين علي ثبوته بها بالمفهوم مع احتمال مفهومها الحمل علي ما إذا وقعت العشر المتوالية في يوم و ليلة فإن مفهومها بهذا الاعتبار أعم من منطوق موثقة زياد و إن كان تخصيصهما به بعيد كما يظهر ذلك كله بالتأمل. و أما ترجيح تلك الثلاث علي موثقة ابن سوقة بموافقة الكتاب فحسن إن لم تجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد و إن كان صحيحا و إلا فموافقة الكتاب لتلك الروايات الثلاث بعد تخصيصه بصحيحة ابن رئاب و أخويها غير حاصلة إلا بعد ترجيح تلك الروايات المخصصة للصحيحة و أخويها علي موثقة ابن سوقة و هو أول الكلام و يلزم الدور أيضا كما لا يخفي فإذا لم يثبت ترجيح تلك الأخبار علي الموثقة بوجه فلا أقل من تكافؤهما الموجب بسلامة الأخبار النافية للنشر بالعشر عن المخصص فيجب الأخذ بعمومها المطابق لقاعدة الإباحة المستفادة من العمومات و الأصول وفاقا لجملة من تقدم و معظم من تأخر من الفحول و قد يستدل علي إثبات النشر بالعشر بصحيحة عبيد بن زرارة بناء علي سلامة علي بن الحكم الذي يروي عنه ابن عيسي قال: قلت لأبي عبد الله ع إنا أهل بيت كبير فربما كان الفرح و الحزن الذي يجتمع فيه الرجال و النساء فربما استحييت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها و بينه الرضاع و ربما استخف الرجل أن ينظر إلي ذلك فما الذي يحرم من الرضاع فقال ما أنبت اللحم و الدم فقلت و ما الذي ينبت اللحم و الدم قال كأن يقال عشر رضعات قلت فهل يحرم عشر رضعات فقال دع ذا و قال ما يحرم من النسب ما يحرم من الرضاع و أنت خبير بأنها لا دلالة فيها علي تحريم العشر بوجه إذ لم يرد المعصوم ع إلا أن نسب القول بذلك إلي شخص مجهول و لم يعلم رضاه بذلك و إلا لم يكرر الراوي السؤال عنه بل الظاهر عدم رضاه بهذا القول كما يشهد به مضافا إلي نسبته إلي القيل إعراضه عنه بقوله دع هذا السؤال و لو كان المراد هذا القول كان من أوضح الأدلة علي خلاف المطلق ثم اعلم أنه إذا ثبت عدم النشر بالعشر لما ذكرنا تعين القول بالنشر بالخمس عشرة لعدم القائل باعتبار أزيد منها من حيث العدد و إطلاق رواية عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله ع يقول خمس عشرة رضعة لا تحرم بعد سلامة سندها محمول علي صورة عدم التوالي للإجماع ظاهرا علي النشر بهذا العدد مع التوالي. نعم في بعض الأخبار دلالة علي التقدير بسنة أو سنتين مثل ما رواه العلاء بن رزين عن أبي عبد الله ع قال: سأله عن الرضاع فقال لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة و ما رواه زرارة عن أبي عبد الله ع قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين لكنهما شاذان مخالفان للإجماع كما ادعاه في المسالك و رد الشيخ في التهذيب الرواية الأولي بالشذوذ و حمل الثانية علي كون الحولين طرفا للرضاع لا قيدا لمقداره و هو علي بعده حسن في مقام الجمع و
عدم الطرح

ثم إنه يعتبر في الرضعات العشر أو الخمس عشرة المحرمة أمور

الأول إكمال الرضعة

فالرضعة الناقصة لا تعد من العدد ما لم يكمل علي وجه لا يقدح في الاتحاد فإذا لفظ الصبي الثدي فإن كان أعرض عنه إعراض ميل فهي رضعة كاملة و إن كان بغير ذلك كالنفس أو السعال أو الانتقال من ثدي أو الالتفات إلي ملاعب و نحوه ثم عاد في الحال فالمجموع رضعة و لو لم يعد إلا بعد مدة فالظاهر عدم احتساب مجموعهما من العدد و كذا لو أخرجت الثدي من فيه كرها فلم تلقمه إياه إلا بعد مدة ثم الدليل علي اعتبار إكمال الرضعة هو أن المتبادر من الرضعة الواردة في الأخبار هي الكاملة و المرجع في كمالها إلي العرف لأنه المحكم في أمثاله و حكي عن بعض تحديده بأن يروي الولد و يصدر من قبل نفسه و ليس ببعيد عن التفسير الأول. و في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع: الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتي يتضلع و يمتلئ و ينتهي من نفسه

الثاني توالي الرضعات

بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخري و الظاهر عدم الخلاف في اعتباره كما في المسالك و يدل عليه موثقة زياد بن سوقة المتقدمة حيث نص فيها علي تقييد الرضعات بأن لا يفصل بينها رضعة من امرأة أخري و يستفاد منها أن المعتبر في الفاصل القادح في التوالي أن يكون رضعة كاملة فلو فصل بينها رضعة ناقصة لم تخل بالتوالي خلافا للمحكي عن القواعد و ظاهر عبارة الشرائع فأبطل التوالي بفصل مطلق الرضاع و لعله لعدم صدق التوالي المقيد بالرضعات في رواية زياد بن سوقة عرفا إلا مع عدم فصل مسمي الرضاع و إن كان قوله ع فيها: لم يفصل بينها رضعة امرأة أخري ظاهرا في اعتبار عدم فصل الرضعة الكاملة إلا أن قيد التوالي المذكور قبله أخص منه إلا أن يقال إن قوله لم يفصل إلخ تفسير للتوالي فلا يعتبر فيه أمر زائد علي عدم الفصل بالرضعة الكاملة اللهم إلا أن يجعل تقييد الفصل المنفي بالرضعة واردة مورد الغالب حيث إن الفصل إذا اتفق لا يكون غالبا بأقل من رضعة كاملة و كيف كان فينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي و ادعي الاتفاق عليه في الحدائق فلو اغتذي بينها بمأكول أو مشروب فالتوالي بحاله.

الثالث أن يكون كمال العدد المعتبر من امرأة واحدة

فلو ارتضع بعضها من امرأة و أكملها من امرأة أخري لم ينشر الحرمة و لم تصر واحدة من المرضعتين أما للرضيع و لو كان الفعل واحدا و لم يصر الفحل أبا له أيضا و الظاهر عدم الخلاف في اعتبار ذلك بين من اعتبر تعدد الرضعات.
المكاسب، ج‌4، ص 381
و عن التذكرة أن عليه علمائنا أجمع و لعل المراد العلماء المعتبرين لتعدد الرضعات و إلا فمثل ابن الجنيد القائل بالنشر برضعة واحدة لا يتأتي في حقه اعتبار هذا الشرط اللهم إلا في مجموع الرضعتين الناقصتين المعدودتين برضعة كاملة أو في اللبن المؤجور في حلق الصبي و يدل علي اعتبار هذا الشرط موثقة زياد المتقدمة و يدل عليه أيضا كل ما دل علي تحقق الحرمة برضاع امرأة ولد أخري بعد تقييد الرضاع ببلوغه خمس عشرة فإن قوله ع في صحيحة يزيد العجلي: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخري من غلام أو جارية فذلك هو الرضاع الذي قال رسول الله ص بعد ما حكم بقرينة أدلة اعتبار العدد أن المراد منه أرضعت خمس عشرة رضعة فيكون من أدلة اعتبار اتحاد المرضعة و هكذا قوله ع في صحيحة عبد الله بن سنان و حسنته ما أرضعت امرأتك من لبنك إلخ و يدل عليه أيضا قوله تعالي وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ بعد تقييد قوله وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ بالإرضاع خمس عشرة رضعة. نعم في إطلاق بعض الأخبار دلالة علي كفاية اتحاد الفحل و عدم اعتبار اتحاد المرضعة مثل قوله ع في رواية أبي بصير: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه و صحيحة الحلبي و عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع: في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته و أم ولده قال تحرم فإن إطلاقها يشمل ما إذا وقع الرضاع المحرم من ارتضاع المرأة و أم الولد كليهما و مضمرة سماعة قال: سأله عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدي المرأتين فأرضعت جارية من عرض الناس أ ينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية قال ص لا لأنها أرضعت بلبن الشيخ دلت بعموم التعليل علي أن كل من أرضع بلبن الفحل سواء حصل الرضاع المعتبر من إحدي زوجاته أو من أكثر يحرم علي أولاده لكن هذه كلها مطلقات يجب تقييدها بما ذكرنا مضافا إلي إمكان منع استفادة العموم منها نظرا إلي ورودها في مقام بيان حكم آخر فتدبر.

الرابع أن يكون كمال العدد المعتبر من لبن فحل واحد

فلو كان من لبن فحلين لم يحصل النشر و لم يصر واحد منهما أبا للمرتضع و إن اتحدت المرضعة و لا تصير أيضا أما له و يتصور ذلك في المرضعة بأن ترضع الطفل من لبن فحله بعض العدد ثم يطلقها ذلك الفحل و تتزوج بآخر و تحمل منه ثم ترضع الطفل المذكور من لبن هذا الفحل تكمله الرضعات من غير أن يتخلل بين الإرضاعين إرضاع امرأة أخري بأن يستقل الولد في المدة الفاصلة بين الإرضاعين بالمأكول و المشروب بناء علي عدم إخلال فصلهما بتوالي الرضعات العددية و إن أخل برضاع اليوم و الليلة كما سبق و الظاهر أن اعتبار هذا الشرط مما لا خلاف فيه و حكي عن التذكرة الإجماع عليه و يدل عليه موثقة ابن سوقة المتقدمة و قوله ع في صحيحة يزيد: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخري من غلام أو جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ص فإنه بعد ما قيد الإرضاع فيه بما بلغ العدد المعتبر فيعتبر في العدد المعتبر أن يكون من فحل تلك المرأة و الظاهر من قوله فحلها الواحد لا جنس فحلها كما يدل عليه قوله ع بعد ذلك: و كل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد فإن ذلك الرضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله ص و أظهر من هذه الصحيحة صحيحة عبد الله بن سنان و حسنة ابن هاشم في تفسير لبن الفحل ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخري فهو حرام و تقريب الاستدلال فيهما كالسابقة و هذه الأخبار المعتضدة بعدم الخلاف يقيد إطلاقات الكتاب و السنة و اعلم أن هذا الشرط و سابقيه كما يعتبر في الرضاع المقدر بالعدد كذلك يعتبر في الرضاع المقدر بالزمان إلا أن معني الشرط الأول و هو التوالي في العدد و عدم تخلل رضاع آخر و في اليوم و الليلة عدم تخلل غذاء آخر سواء كان لبن غير المرضعة أم غذاء آخر و إن كان الشرط الثالث لا يتصور تخلفه في المقدر بالزمان الأعلي فرض نادر بأن يبقي لبن الفحل الأول إلي زمان حصول اللبن من الثاني و لا يحصل من اللبن الأول وحدة الرضاع المقدر بل يحصل رضاع يوم من الأول و ليلته من الثاني.
ثم إن هذه خلاصة الكلام في شروط نشر الحرمة بالرضاع فكلما انتفي بعض هذه الشروط الستة لم ينشر الحرمة بين المرتضع أو أحد من قبله و بين الفحل و المرضعة أو أحد من قبلهما

و هنا شروط أخر اعتبرها الأكثر في نشر الحرمة

اشارة

بين كل من المرتضعين من مرضعة واحدة و بين الآخر و جعلوه منخرطا في سلك شروط الرضاع باعتبار أنه شرط للنشر في الجملة

و هو اتحاد الفحل الذي يرتضع المرضعتان من لبنه

اشارة

فلو ارتضع أحد من امرأة من لبن فحل و ارتضع آخر من تلك المرأة من لبن فحل آخر لم يحرم أحد المرتضعين أو أصوله أو فروعه علي الآخر فالعبرة بالأخوة في الرضاع الأخوة من قبل الأب الرضاعي و هو الفحل و لا عبرة بالأم الرضاعي حتي أنه لو ارتضع عشرة من لبن فحل واحد كل واحد من إحدي أمهات أولاده صار الجميع إخوة يحرم بعضهم و فروعه علي البعض الآخر و فروعه و هذا معني قولهم اللبن للفحل.

و خالف الطبرسي صاحب التفسير في اعتبار هذا الشرط

و اكتفي باتحاد واحد من المرضعة و الفحل و ألحق الرضاع بالنسب في كفاية الأخوة من أحد الأبوين في نشر الحرمة تمسكا بعموم قوله تعالي وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و قوله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و شبه ذلك و خصوص رواية محمد بن عبيدة الهمداني: قال أبو الحسن الرضا ع ما يقول أصحابك قال قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتي جاءهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما تحرم من النسب فرجعوا إلي قولك قال فقال و ذاك أن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي اشرح لي لبن الفحل و أنا أكره الكلام فقال لي كما أنت حتي أسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتي فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا ليس كل شي‌ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتي يحرم علي ذلك الغلام قال قلت بلي فقال أبو الحسن ع فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل و لا يحرم من قبل الأمهات و إنما الرضاع من قبل الأمهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرم

و الأظهر ما عليه الأكثر

اشارة

بل حكي الإجماع عليه عن بعض أصحابنا غير واحد ممن تأخر لضعف الرواية بعد تسليم ظهورها في المدعي و الإغماض عن اختصاصها بأولاد المرضعة نسبا و لا خلاف في تحريمهم علي المرتضع و إن تعدد الفحل كما سيجي‌ء

و تقييد إطلاق الكتاب و السنة بالأخبار الدالة علي اعتبار اتحاد الفحل.

منها صحيحة الحلبي

قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له أن يتزوجها أختها لأمها من الرضاعة فقال إن
المكاسب، ج‌4، ص 382
كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس

و منها موثقة عمار الساباطي

الراوي عنه ابن محبوب بواسطة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله ع عن غلام رضع من امرأة أ يحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع فقال لا فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة قال فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة قال فقال لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس و لا يضر دلالتها علي اعتبار اتحاد المرضعة الذي ليس معتبرا بالإجماع. و منها صحيحة يزيد بن معاوية المتقدمة قريبا في الشرط الرابع من شروط الرضعات العددية و قد يرد استدلال الطبرسي علي مطلبه بقوله تعالي وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ بمنع كون المرتضعة من امرأة بلبن فحل أختا أميا رضاعيا للمرتضع من تلك المرأة بلبن فحل آخر لكون الأخت الرضاعي أمرا شرعيا و كون المذكورة مندرجة فيه محل النزاع فلا بد من دليل يدل عليه. و فيه أن صدق العنوانات الحاصلة بالنسب علي ما يحصل من الرضاع غير متوقف علي التوقيف من الشارع بالخصوص كيف و لو كان كذلك لم يثبت نشر الرضاع الحرمة في أكثر الموارد و لم يكتف الشارع في بيان تحريم نظائر النسب الحاصلة من الرضاع بقوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لأن إلقاء هذا الكلام علي هذا الفرض يصير من قبيل الإحاطة علي المجهول مع أنه لا يرتاب المتتبع و المتأمل في أن كل من يسمع هذا الكلام من النبي ص و الأئمة ع أو من عالم فلا يحتاج في تشخيص نظائر العنوانات النسبية من بين العلائق الحاصلة بالرضاع إلي بيان و توقيف و يشهد بذلك ما في رواية محمد بن عبيدة الهمداني: حيث قال للرضا ع إن أصحابي كانوا يقولون اللبن للفحل حتي جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلي قولك فليت شعري أي شي‌ء فهموا من هذا الكلام حتي رجعوا إلي القول بعدم اعتبار اتحاد صاحب اللبن في الإخوة الرضاعية و من هنا تري فقهاء الخاصة و العامة يتمسكون بهذا الحديث من غير تأمل في معناه من هذه الحجة.

ثم اعلم أن اتحاد الفحل إنما يعتبر في حصول الأخوة بين المرتضعين

الذين يكونان كلاهما ولدين رضاعيين للمرضعة و أما إذا كان أحدهما ولدا نسبيا لها فلا يعتبر في إخوة ولدها الرضاعي لولدها النسبي اتحاد فحلهما فلو أرضعت ولدا حرم عليه أولادها النسبية كلا و إن كانوا من غير صاحب لبن المرتضع لأن اعتبار اتحاد الفحل أمر مخالف لإطلاق الكتاب و الأدلة المثبتة له مختصة بالولدين الرضاعيين كما سيظهر لمن راجعها مضافا إلي موثقة جميل بن دراج بأحمد بن فضال عن أبي عبد الله ع:
إذا ارتضع الرجل من لبن المرأة حرم عليه كل شي‌ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي أرضعته بلبنه و هي صريحة في المطلوب لكن يظهر من بعض الأخبار اتحاد الفحل هنا أيضا مثل صحيحة صفوان عن أبي الحسن ع: و فيها قلت له فأرضعت أمي جارية بلبني قال هي أختك من الرضاعة قلت فتحل لأخ لي من أمي لم ترضعها أمي بلبنه قال فالفحل واحد قلت نعم هو أخي لأبي و أمي قال اللبن للفحل صار أبوك أبوها و أمك أمها فإن استفصال الإمام ع عن اتحاد الفحل مع تصريح السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسبا يدل علي تغاير حكمه مع حكم صورة تعداد الفحل

[قول العلامة في المقام]

اشارة

بقي هنا شي‌ء و هو أنه قد حكي عن العلامة في القواعد أن أم المرضعة من الرضاع أو أختها منه أو بنات أخيها منه لا تحرمن علي المرتضع لأن الرضاع الحاصل بين المرضعة و المرتضع بلبن فحل و الحاصل بينها و بين أمها أو أختها أو أخيها بلبن فحل آخر فلم يتحد الفحل فلا نشر و مثله عن المحقق الثاني في شرح هذه العبارة من القواعد و زاد علي فروض المتن عدم تحريم عمة المرضعة و خالتها من الرضاع علي المرتضع ثم نسب التحريم إلي القيل تمسكا بعموم الأدلة من الكتاب و السنة و أجاب عنه بأن ما دل علي اعتبار اتحاد الفحل المخصص خاص فلا حجة في العام

[مناقشة المؤلف في قول العلامة]

أقول و لا يخفي ضعف هذا القول أما أولا فلما عرفت من أن الدال علي اعتبار اتحاد الفحل المخصص لعموم الكتاب و السنة كان مختصا بالرضاع الموجب لإخوة المرتضعين بمعني أنه لا يحدث علاقة الأخوة بين مرتضعين أجنبيين نسبا إلا إذا اتحد فحلهما فلم يكن فيه إطلاق يشمل ما نحن فيه و أما ثانيا فلأن صحيحة الحلبي المتقدمة التي هي عمدة أدلة اعتبار اتحاد الفحل قد صرح فيها بتحريم أخت المرضعة من الرضاع علي المرتضع و هي أحد الموارد التي حكم في القواعد و شرحه بعدم التحريم تفريعا علي تعدد الفحل. و مثلها موثقة عمار الساباطي المتقدمة أيضا المعلل فيها تحريم أخت المرضعة من الرضاع بأن الأختين أرضعتا من امرأة واحدة بلبن فحل واحد مع أنه لا ريب في مغايرة فحل المرتضع لفحل أخت المرضعة فيفهم من التعليل أنه إذا اتحد الفحل بين المرأتين و تحققت الأخوة بينهما كفي ذلك في حرمة كل منهما علي فروع الآخر و لو من الرضاع
إذا ظهر ذلك فاعلم

أنه إذا حصل الرضاع المعتبر صارت المرضعة و الفحل أبوين للمرتضع

و فروعه لهما أحفادا و أصولهما له أجداد أو جدات و فروعهما له إخوة و أولاد إخوة و من في حاشية نسبهما عمومة و خئولة و تفصيل القول في ذلك يحصل ببيان اثنتين و ثلاثين مسألة حاصلة من ملاحظة كل من المرتضع و أصوله و فروعه و من في حاشية نسبه أو رضاعه مع كل من المرضعة و الفحل و أصولهما و فروعهما و من في حاشيتهما و قبل ذكر أحكامهما لا بد من بيان ضابطة للتحريم في الرضاع فنقول إن المستفاد من قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أن كل عنوان قد حمل عليه الشارع التحريم من جهة علاقة نسبية فهذا العنوان يحرم من جهة نظير تلك العلاقة من الرضاع و ذلك لا بمعني أن كل شخص حرم من النسب فهو بعينه حرام من الرضاع إذ لا شك في عدم إرادة هذا المعني لأن نفس المحرم بالنسب ليس محرما بالرضاع. فالمراد بما الموصولة في الحديث هو عنوان كلي مشترك بين ما يحصل بالنسب و بين ما يحصل بالرضاع تعلق التحريم به من جهة النسبية باعتبار بعض أفراده و هو الحاصل بالنسب و تعلق التحريم به من جهة الرضاع باعتبار بعض أفراده و هو الحاصل بالرضاع مثلا يصدق علي عنوان الأم الذي هو شي‌ء واحد بالوحدة النوعية الغير المنافية مع تكثر الأشخاص أنها يحرم من جهة النسب و يحرم من جهة الرضاع و لا يقدح في هذا المطلب كون استعمال لفظ ذلك العنوان في الحاصل بالرضاع استعمالا مجازيا إذ لم يقع في الكلام لفظ أحد تلك العناوين حتي يقال إن المراد به خصوص الحاصل بعلاقة النسب بل نقول إنه اعتبر مثلا قدر مشترك بين الأم الرضاعية و النسبية و أريد من الموصول و إن أبيت إلا عن أن المراد بالموصول خصوص العنوانات النسبية فلا بد في الكلام من تقدير بأن يراد أنه يحرم من الرضاع نظير كل عنوان من العنوانات النسبية التي يحرم من جهة النسب و هذا القدر هو
المكاسب، ج‌4، ص 383
الذي ارتكبه جمع كثير من الفقهاء المتأخرين في تفسير الحديث ثم إن العنوان الذي يحرم من جهة النسبة ليس إلا أحد العنوانات المتعلق بها التحريم في لسان الشارع كالأم و البنت و الأخت و غيرهن من المحرمات المذكورة في الكتاب و السنة و أما العنوان المستلزم لأحد هذه كأم الأخ للأبوين المستلزم لكونها أما أو كأم السبط المستلزمة لكونها بنتا و كأخت الأخ للأبوين المستلزمة لكونها أختا فليس شي‌ء منهن يحرم من جهة النسب إذ لا نسب بينهن من حيث هذا العنوان و بين المحرم عليه فإن أم أخ الشخص من حيث إنها أم أخ ليس نسبه له بل نسبته لأخيه و النسب الحاصل بين الشخص و بين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم و الشاهد علي ذلك أدلة المحرمات فإن منها يستفاد جهة تحريم المحرمات إذ لا يستفاد من قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلا أن جهة التحريم أمومة الأم للشخص و أما أمومتها لأخيه أو بنوتها لجديه أو أخواتها لخالته فلم يستفد من دليل كونها جهة للتحريم فيثبت بهذا أن النسب الذي يصلح كونها جهة للتحريم ليس إلا ما يكون مبدأ لإحدي الصفات المعنونة بها المحرمات في الكتاب و السنة و علي هذا فإذا أرضعت امرأة أخاك فلا تحرم عليك لأنها أم أخيك و لم يثبت حرمة أم الأخ من جهة النسب إذ لا نسب بينك و بينها من حيث إنها أم أخيك بل النسب بينها و بين نسبك و النسب بين شخص و بين نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم. و من هنا يظهر فساد ما ذهب إليه شرذمة من المتأخرين من عموم التنزيل في الرضاع و عدم الفرق بين أن يحصل بالرضاع أحد العناوين المذكورة في أدلة التحريم و بين أن يحصل به ما يستلزم أحدها فكما أن المرتضعة لبنتك محرمة عليك من حيث إنه حصل بالرضاع بنوتها لك فكذلك مرضعة ولد بنتك حيث إنه حصل بالرضاع أمومتها لولد بنتك و أم ولد البنت محرمة نسبا لكونها بنتا فكذلك أم ولد بنتك رضاعا إلي غير ذلك و قد عرفت وجه فساد ذلك و حاصله أن الحديث النبوي: إنما حرم بالرضاع ما حرم من جهة النسب و أم ولد البنت لم تحرم من جهة النسب إذ لا نسب بينها بهذا العنوان بين الشخص بل النسب بينها و بين نسيب الشخص و لم يثبت كونه جهة للتحريم فإذا لم يحرم أم ولد البنت من جهة النسب فكيف يحرم من جهة الرضاع مع أن دعوي عموم الموصول لكل عنوان من العناوين المذكورة في لسان الشارع و لما يستلزمه من العناوين الغير المحصورة موجب للتكرار في شمول العام. فإن قلت إذا صدق علي أم ولد البنت أنها بنت و صدق أن كل بنت محرمة من جهة النسب فلا مساغ لإنكار أن أم ولد البنت محرمة من جهة النسب فيضاف إلي ذلك قوله ع: كل ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع ينتج أن أم ولد البنت يحرم من جهة الرضاع. قلت لا يخفي أن المراد بالأم في قولنا أم ولد البنت بنت إما أن يكون هي خصوص الأم النسبية أو خصوص الرضاعية أو الأعم و كذلك المراد بالبنت فالاحتمالات تسعة و لا نسلم الصغري إلا في احتمالين منها إحداهما أن يراد من الأم و البنت النسبيتان و الثاني أن يراد من الأم النسبية و من البنت الأعم فإن أريد الأول منهما فالصغري و الكبري إلا أن الحاصل منها ليس إلا قولنا إن الأم النسبية لولد البنت النسبية محرمة من جهة النسب لكن الأصغر في هذه الصغري غير مندرج تحت الأوسط في كبري قوله ع: كلما يحرم من النسب يحرم من الرضاع لما عرفت من أن المراد بالموصول في الحديث هو العنوان الكلي المشترك بين العنوان الحاصل من علاقة النسب و الحاصل من علاقة الرضاع لأنه الذي يعقل أن يحكم عليه بالتحريم من كلتا الجهتين أعني الرضاع و النسب و ليس المراد به خصوص العنوان النسبي إذ لا يعقل الحكم علي نفس هذا العنوان بأنه يحرم من جهة الرضاع إلا أن يراد أنه يحرم نظيره كما ذكرنا سابقا و حينئذ نقول كون مرضعة ولد البنت نظيره للأم النسبية لولد البنت ممنوع لأن اللام النسبية لولد البنت كانت متصفة بالبنتية و باعتبارها ثبت لها التحريم و مرضعة ولد البنت ليست كذلك. نعم نظيره الأم النسبية لولد البنت النسبية الأم النسبية لولد البنت الرضاعية و الحاصل أن المحرم في النسب أم ولد البنت المقيدة بكونها بنتا فنظيرها المحرم في الرضاع أيضا أو ولد البنت المقيدة بذلك القيد غاية الأمر أن القيد المذكور في النسب من اللوازم للمقيد و في الرضاع قد يكون و
قد لا يكون فإذا كان فيثبت النظارة و إلا فلا نظارة فلا حرمة و إن أريد الثاني منهما فالمقدمتان مسلمتان و يستنتج منهما أن الأم النسبية لولد البنت مطلقا محرمة من جهة النسب و لو باعتبار بعض أفرادها و هي الأم النسبية فيصح أن يضم إليه قوله ع: كلما يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع فيصير حاصل هذا أن الأم النسبية لولد البنت مطلقا عنوان كلي مشترك بين أم ولد البنت النسبية و أم ولد البنت الرضاعية و هذا العنوان الكلي يصدق عليه أنه يحرم من جهة الرضاع كما يحرم من النسب و حينئذ فلا يستفاد من الحديث حكم مرضعة ولد البنت بوجه من الوجوه و بهذا تقدر علي دفع ما يورد في نظائر هذا العنوان و إن كان تقدير الدفع مخالفا في الجملة فإذا قيل مثلا أم الأخ للأبوين أم و كل أم محرمة فأم الأخ للأبوين محرمة ثم يضم إلي ذلك قوله: كلما يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع أجبنا عنه بأن أم الأخ لا يخلو من أن يراد به الاحتمالات التسعة المذكورة و علي فرض إرادة ما عدا احتمالين منهما يكون الصغري ممنوعة فإن التي يصدق عليها الأم ليس إلا الأم النسبية للأخ النسبي أو مرضعة الأخوين الرضاعيين فإن أريد بأم الأخ في الصغري خصوص الأول دفع بما دفع الأول في أم ولد البنت و إن أريد به الأعم من الأول أعني العنوان الكلي الملازم لصدق الأم فلا يدل النتيجة الحاصلة بعد ضم الحديث إليها علي تحريم مرضعة الأخ. و يمكن الجواب عن أصل الإيراد بمنع كون الموصول للعموم بل المتبادر منه الإشارة إلي العنوانات المعهودة المتداولة علي لسان الشارع و تعلق التحريم بها في كلامه ثم اعلم أن المراد بالنسب في الحديث ليس هو خصوص النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه حتي يخص الحديث بتحريم نظائر العنوانات السبع النسبية من الرضاع بل المراد به هو الأعم منه و من الحاصل بين المحرم و زوج المحرم عليه أو ما ألحق بزوجة كالمزني بها و الموطوءة بالشبهة أو الغلام الموطوء و نحو ذلك لأن التحريم في العنوانات كما أنها موجبة بجهة النسب كذلك في هذه العنوانات مثلا قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ دال علي تعلق التحريم بأم الزوجة من حيث أمومتها للزوجة فإذا ظهر نظير هذه الجهة من الرضاع حرمت. و الحاصل أنه لا فرق بين
المكاسب، ج‌4، ص 384
تحريم الأم و تحريم أم الزوجة و تعلق التحريم في كل منهما بعنوان النسبي فيحرم نظيره من الرضاع و سيأتي زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالي
إذا عرفت هذا

فلنرجع إلي بيان تفاصيل المسائل المذكورة

اشارة

فنقول

المسألة الأولي لا شك في تحريم المرتضع علي المرضعة

بالإجماع و الكتاب و السنة لأنها أمة.

الثانية لا تحرم أصول المرتضع المذكور علي المرضعة من جهة إرضاعها إياه

سواء في ذلك أبواه و أجداده لأب كانوا أو لأم أما عدم التحريم علي الأب فظاهر لأن المرضعة لم تزد علي أن صارت أما لولده و أم الولد أولي بالتحليل من كل أحد و أما علي أجداده لأبيه فلأنها لم تزد علي أن صارت أما لولد ابنه و أم ولد الابن إنما تحرم علي الجد لأنها زوجة ابنه و الزوجية للابن لا تحصل بإرضاع ولد الابن لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع. و بتقرير أوضح أن التحريم تعلق علي حليلة الابن و لا شك أن مرضعة ولد الابن ليست حليلة للابن و أما علي أجداده لأمه فلأن غاية ما حصل بالرضاع كون المرضعة أما لولد بنته و أم ولد البنت إنما تحرم إذا كان بنتا بالنسب أو الرضاع و هذه لم تصر إحداهما و قد مر مشروحا في تفسير الحديث النبوي أنه لا يدل إلا علي تحريم ما صدق عليه بعلاقة الرضاع أحد العناوين المحرمة علي لسان الشارع فيجب الرجوع في غيرها إلي أدلة الحل. و الحاصل أنه إذا حصل بالرضاع عنوان مستلزم في النسب لأحد العناوين المعلق عليها التحريم غير ملازم له في الرضاع لا يثبت له التحريم لأن ذلك العنوان النسبي الملزوم إنما حرم لتقييده باللازم و إن كان هذا المقيد غير منفك عنه فإن حصل هذا القيد في العنوان الرضاعي حتي يتم كونه نظيرا للعنوان النسبي و كونها تحت عنوان كلي ينتزع من الحاصل بالنسب و الحاصل بالرضاع حصلت الحرمة و إلا فلا ثم إذا لم يحرم أصول المرتضع نسبا علي المرضعة لم يحرم أصوله الرضاعية عليها بطريق أولي

الثالثة تحرم فروع المرتضع علي المرضعة

لأنهم أحفادها و لا فرق بين الفروع النسبية و الرضاعية. نعم يأتي علي قول العلامة و المحقق الثاني رحمهما الله في القواعد و شرحه عدم تحريم فروع المرتضع الرضاعية علي المرضعة حيث حكما بأن مرضعة المرضعة لا تحرم علي المرتضع فإن المرتضع من الفروع الرضاعية للمرتضعة من المرضعة و قد عرفت ضعف هذا القول و متمسكه.

الرابعة حواشي المرتضع أعني من في طبقته من الإخوة لا يحرمون علي المرضعة من جهة ارتضاع أخيهم منها

لأنها لم تزد علي أن صارت إما رضاعية لأخيهم و لا دليل علي تحريم أم الأخ. نعم هي محرمة في النسب من جهة كونه أما أو زوجة أب و لم يحصل شي‌ء منهما بالرضاع و أما الإخوة من الرضاع للمرتضع فهم أولي بعدم التحريم عليها و قد يزيد في الاستدلال علي ما ذكرنا بأن أمومة الأخ غير ملازمة للأمومة لتفارقهما في زوجة الأب و الأم التي ليس لها إلا ولد واحد و فيه أن لمتوهم التحريم أن يقول إن الأم النسبية للأخ من الأبوين محرم لأنها لا تنفك عن كونها إما فالأم الرضاعية له أيضا محرمة فالأجود الاقتصار علي ما ذكرناه و أن الملازمة بين العنوانين في النسب و إن كانت مسلمة إلا أن التحريم هناك من جهة أحد المتلازمين الغير الحاصل بسبب الرضاع ثم إن حكم فروع حواشي المرتضع حكم نفس الحواشي في عدم التحريم علي المرضعة لأن الفرع لا يزيد علي الأصل في الحرمة.

الخامسة يحرم المرتضع علي أصول المرضعة من النساء و يحرم المرتضعة علي أصولها من الذكور

لأن المرتضع من أحفادهم و لا فرق بين أصولها بالنسب و أصولها بالرضاع و لا إشكال فيه و لا خلاف ظاهرا و حكم حواشي أصول المرضعة من العمومة و الخئولة حكم نفس الأصول في التحريم سواء كانت من النسب أو الرضاع.

السادسة لا تحرم أصول المرتضع علي أصول المرضعة

لما تقدم في المسألة الثانية.

السابعة يحرم فروع المرتضع علي أصول المرضعة

لأنهم جدودتهم.

الثامنة لا يحرم حواشي المرتضع و فروعهم علي أصول المرضعة و حواشيهم

لما تقدم في المسألة الرابعة.

التاسعة يحرم المرتضع علي فروع المرضعة نسبا

و هم المتولدون منها و إن نزلوا سواء كان أبوهم فحلا للمرتضع أم لا لثبوت الأخوة من قبل الأم بينه و بينهم من جهة الرضاع و لا يشترط اتحاد الفحل هنا بلا خلاف علي الظاهر المصرح به في كلام غير واحد لإطلاق الكتاب و السنة مضافا إلي خصوص موثقة جميل بن دراج بأحمد بن الحسن بن فضال عن أبي عبد الله ع قال: إذا ارتضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شي‌ء من ولدها و إن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه و يؤيدها رواية محمد بن عبيدة الهمداني المتقدمة في استدلال الطبرسي قدس سره و أما فروع المرضعة من حيث الرضاع و هم أولادها من الرضاع فيشترط في تحريم المرتضع عليهم اتحاد الفحل علي المشهور خلافا للطبرسي و قد مر ضعفه لورود الخبر الصحيح و ما في حكمه علي خلافه.

العاشرة تحرم أصول المرتضع علي فروع المرضعة من النسب علي الأظهر

و إن كانت القاعدة لا تقتضي ذلك نظرا إلي أن فروع المرضعة لا تزيد علي أن تكون إخوة لولد أصول المرتضع و أخ الولد أو أخته لا دليل علي تحريمه من حيث إخوة الولد و إنما يحرم حيث يحرم إما من حيث كونه ولدا و إما من حيث كونه ولدا لأحد الزوجين و لذا حكي عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط عدم التحريم إلا أنه قد دل غير واحد من الأخبار المعتبرة علي التحريم مثل ما رواه في التهذيب عن أيوب بن نوح في الصحيح قال: كتب علي بن شعيب إلي أبي الحسن ع عن امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز أن أتزوج بعض ولدها فكتب ع لا يجوز ذلك لأن ولدها صارت بمنزلة ولدك و مثل ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن يحيي عن عبد الله بن جعفر قال:
كتبت إلي أبي محمد ع امرأة أرضعت ولد الرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا فوقع ع لا يحل. و اعلم أنه قد يتفرع علي هذا القول أنه لو أرضعت ولدا جدته لأمه بلبن جده أو غيره حرمت أمه علي أبيه لأن أمه من أولاد المرضعة فتحرم علي أصول المرتضع و أما تحريم الجدة المرضعة علي جده من جهة صيرورتها أما لولد بنته فقد تقدم في المسألة الثانية أنه لا وجه له هذا كله في فروع المرضعة نسبا و أما فروعها بالرضاع فلا دليل علي تحريمهم علي أصول المرتضع لأن الولد و البنت في الخبرين المتقدمين ظاهران في خصوص النسبي فيبقي حكم الرضاعي باقيا تحت أصالة الإباحة اللهم إلا أن يقال إنه إذا ثبت التحريم في الولد النسبي للمرضعة ثبت في الولد الرضاعي لها لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. و فيه أن الإمام ع حكم بتحريم ولد المرضعة علي أب المرتضع لا من حيث هو ولدها
المكاسب، ج‌4، ص 385
حتي يحرم ولدها الرضاعي أيضا بل لأجل كونه بمنزلة ولد أب المرتضع نسبا و هذا المعني غير معلوم في ولدها الرضاعي فتأمل مع أن هذا الكلام لا يصح في ولدها الرضاعي الذي ارتضع بلبن فحل غير فحل المرتضع الذي يكون الكلام في أصوله لعدم الأخوة بين ذلك الولد و بين المرتضع علي قول غير الطبرسي و من الظاهر بل المقطوع أن كون ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع فرع الأخوة الرضاعية للمرتضع المفقودة مع تعدد الفحل و إنما يصح هذا الكلام لو صح في صورة اتحاد الفحل و حدوث الأخوة بين ذلك الولد و بين المرتضع و حينئذ فيكون هذا الولد من أولاد الفحل رضاعا و سيأتي الكلام فيه في مسألة تحريم أصول المرتضع علي فروع الفحل. و اعلم أن الخبرين المذكورين و إن دلا علي تحريم أولاد المرضعة نسبا علي أب المرتضع لكن الظاهر تحريمهم علي أم المرتضع أيضا لأن كونهم بمنزلة ولد أبيه يستلزم كونهم بمنزلة ولد أمه و لذا استفيد من تحريم الأولاد علي الآباء تحريم الأبناء علي الأمهات.

الحادية عشر فروع المرتضع و إن نزلوا نسبا و رضاعا يحرمون علي فروع المرضعة في المرتبة الأولي

لأنهم خئولة لفروع المرتضع و لا فرق بين فروع المرضعة نسبا و فروعها رضاعا مع نشر الرضاع بينهم و بين نفس المرتضع و أما فروع المرضعة في غير المرتبة الأولي فلا يحرمون علي فروع المرتضع مطلقا لأنهم ولد خئولة لهم.

الثانية عشر من في حاشية نسب المرتضع أو رضاعه أعني إخوته أو أخواته النسبية أو الرضاعية لا يحرمون لأجل ارتضاع أخيهم

علي فروع المرضعة الرضاعية بلا إشكال و لا خلاف لأنهم لم يزيدوا علي أنهم صاروا إخوة لأخي أولئك الحواشي أو أولادا لأم أخيهم و لم يتعلق التحريم في الشريعة بأحد العنوانين و كذا فروع المرضعة النسبية و هم المتولدون منها لا تحرم عليهم حواشي المرتضع الرضاعية لما ذكر و أما تحريم حواشي المرتضع من النسب علي فروع المرضعة النسبية فاختلف فيه فالأشهر كما قيل عدم التحريم لما ذكر و هو الأظهر و قيل بالتحريم لأن فروع المرضعة إذا صاروا بمنزلة ولد أبوي المرتضع بحكم ما تقدم في المسألة العاشرة فقد صاروا إخوة لأولادهما الذين هم حواشي المرتضع. و فيه منع استلزام صيرورتهم إخوة لأولادهما إذ لا مستند له إلا تلازم عنواني البنوة للأبوين مع الأخوة لأولادهما و هو مسلم إذا حدثت بالرضاع نفس البنوة للأبوين كما إذا ارتضع شخص بلبنهما فإن بنوته لهما تستلزم إخوته لأولادهما و أما إذا حدث به شي‌ء آخر حكم الشارع بكونه بمنزلة البنوة للأبوين في أحكامها الشرعية فلا يلزم منه ثبوت الأخوة لأولادهما. و الحاصل أن العنوان الحاصل بارتضاع ولد الأبوين من امرأة ذات أولاد ليس إلا كون أولادها إخوة للمرتضع. و من المعلوم مما سبق في المسألة الثانية أن بمجرد هذا العنوان لا يحرم هؤلاء الأولاد علي أبوي المرتضع و لا علي إخوته لكن لما دل الدليل علي كون الأولاد بمنزلة أولاد الأبوين في جميع الأحكام الشرعية التي من جملتها تحريمهم عليهما حكم به لكن لا يستلزم ذلك كونهم بمنزلة الإخوة لأولادهما حتي يحرموا عليهم و كذا ليس من الأحكام الشرعية لأولاد الأبوين تحريم بعضهم علي بعض فإن التحريم في آية المحرمات إنما علق علي عنوان الأخ و الأخت لا علي ولد الأبوين أو أحدهما و من هنا ظهر ما في استدلال صاحب الكفاية علي التحريم بأن كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولدية و من جملة أحكامه تحريم أولاد الأب عليه إذ لا يخفي أن تحريم أولاد الأب علي الولد ليس من حيث الولدية للأب بل من حيث إخوته للأولاد اللهم إلا أن يقال إن الأخوة التي نيطت بها الحرمة في آية المحرمات ليس مفهومها العرفي بل الحقيقي إلا كون الشخصين ولدا لواحد فكونهم أولادا لأبيه أو لأمه عين كونهم إخوة له لا أنه عنوان آخر ملازم له و يشهد لذلك تعليل تحريم المرتضعة من لبن ولد علي أخيه من أبيه في صحيحة صفوان المروية في الكافي بصيرورة أبيه أبا لها و أمه أما لها و ليس هذا إلا لأنه إذا ثبت أبوه الرجل لشخص و أمومة المرأة له ثبت إخوة أولادهما له فيحرمون عليه من هذه الجهة فالقول بالتحريم في المسألة لا يخلو عن قوة وفاقا للمحكي عن الشيخ و بعض المتأخرين.

الثالثة عشر يحرم المرتضع علي من في حاشية نسب المرضعة

أعني إخوتها و أخواتها و كذا من في حاشية رضاعها و هم إخوتها و أخواتها من الرضاع بلا إشكال و لا خلاف و يدل علي تحريم إخوتها من الرضاع المستلزم لتحريم إخوتها من النسب بالأولوية و عدم القول بالفصل صحيحة الحلبي المروية في الكافي و التهذيب قال: سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاع فقال إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس و نحوها موثقة عمار المتقدمة منها في أدلة القول المشهور باعتبار اتحاد الفحل في مقابل الطبرسي فتأمل و في حكم أولئك الحواشي فروعهم فيحرم المرتضع عليهم.

الرابعة عشر لا يحرم أصول المرتضع علي من في حاشية نسب المرضعة

فيجوز لآباء المرتضع و إن علو التزويج في أخوات المرضعة و لإخوتها التزويج في أمهات المرتضع و لا يتوهم في الأول كون المرضعة في حكم الزوجة فلا يجوز العقد علي أختها لعدم ثبوت الزوجية بالرضاع و لا في الثاني كون أم المرتضع أما لولد أخت إخوة المرضعة و أم ولد الأخت محرمة لكونها أختا لما مر من أن الحرمة إنما تعلقت علي عنوان الأخت لا علي أم ولد الأخت و إن تلازم العنوانان في النسب.

الخامسة عشر تحرم فروع المرتضع علي حواشي نسب المرضعة و رضاعها

لكونهم خئولة لأبيهم بلا إشكال و لا خلاف و لا يحرمون علي فروع أولئك الحواشي.

السادسة عشر لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع علي من في حاشية نسب المرضعة

فيجوز لإخوة المرتضع التزويج في أخوات المرضعة و لإخوة المرتضع علي نفس المرضعة فعدم تحريمهم علي حواشيها أولي و المستند في الكل عدم الدليل إذ لم يحدث بينهم بالرضاع عنوان من العناوين المتعلق بها التحريم في النسب.

السابعة عشر يحرم المرتضع لو كانت أنثي علي الفحل إجماعا

لأنها بنته من الرضاع.

الثامنة عشر لا يحرم أصول المرتضع الإناث عن أمهاته و إن علون علي الفحل

أما أمة فواضح و أما جداته فكذلك علي الأشهر لأن غاية ما حصل بالرضاع كونهن جدات لولده و جدات الولد لا يحرمن علي الأب إلا من جهة كونهن جدات النفس الأب أو أمهات أزواجه و لم يحصل بالرضاع شي‌ء من العنوانين في المقام و نسب إلي ابن إدريس تحريم جدة المرتضع علي الفحل و هو ضعيف ثم إذا لم تحرم المرتضع علي الفحل لم يحرم فروع تلك الأصول عليه فعمة المرتضع و خالته لا تحرمان علي الفحل فإن الفرع لا يزيد علي الأصل.

التاسعة عشر يحرم فروع المرتضع و إن نزلوا علي الفحل لكونهم بمنزلة أحفاده من غير فرق بين فروعه الرضاعية و النسبية

بلا خلاف و لا إشكال في ذلك.
المكاسب، ج‌4، ص 386

العشرون لا تحرم من في حاشية نسب المرتضع

أعني أخواته علي الفحل علي الأشهر لعدم الدليل علي التحريم عدا ما يتخيل من كونها أخوات لولده و لا يخفي أن التحريم لم يتعلق بهذا العنوان و إنما تعلق بعنوان البنت أو الربيبة اللذين لا ينفك أحدهما عن عنوان أخت الولد في النسب و نسب إلي الشيخ في الخلاف و ابن إدريس تحريم أخت المرتضع علي الفحل و هو ضعيف.

الحادية و العشرون يحرم المرتضع علي أصول الفحل

لكونهم جدودة له بلا خلاف و لا إشكال.

الثانية و العشرون لا يحرم أصول المرتضع علي أصول الفحل

فيجوز لآباء المرتضع أن يتزوجوا في أمهات الفحل و كذا لآباء الفحل أن يتزوجوا في أمهات المرتضع لعدم الدليل إلا تخيل كون أمهات الفحل بمنزلة جدات المرتضع فيحرم علي أبيه و علي بعض أجداده و كذا أمهات المرتضع بالنسبة إلي آباء الفحل.

الثالثة و العشرون يحرم فروع المرتضع علي أصول الفحل لأنهم جدودة له

و قد مر تحريمهم علي الفحل لكونهم أحفادا له فيحرمون علي آبائه أيضا لأن المحرم علي شخص لأجل النسب محرم علي آبائه أيضا فكذلك في الرضاع.

الرابعة و العشرون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع علي أصول الفحل

لما تقدم من عدم حرمتهم علي نفس الفحل و يجري هنا الخلاف المنسوب إلي ابن إدريس في تلك المسألة.

الخامسة و العشرون يحرم المرتضع علي فروع الفحل نسبا و رضاعا و إن نزلوا

لأنهم إخوة و أولاد إخوة بلا خلاف في ذلك و يدل عليه بعد الإجماع أخبار كثيرة و لا فرق في الفروع بين كونهم من مرضعة المرتضع أو من غيرها فلو كان لرجل عشر نساء و كان له من كل منها بنت و ابن من الولادة و أرضعت كل واحدة منهن غلاما أو جارية بلبن ذلك الفحل حرم الذكور العشرون علي البنات العشرين.

السادسة و العشرون يحرم أصول المرتضع علي فروع الفحل

أعني المتولدين منه و إن لم يقتضه القاعدة من جهة أن فروع الفحل لم يزيدوا علي أن صاروا إخوة لولد أصول المرتضع و لا دليل علي تحريم إخوة الولد من حيث إنهم إخوة الولد و لهذا قيل هنا بعدم التحريم إلا أن الأظهر التحريم لصحيحة علي بن مهزيار قال:
سأل عيسي بن جعفر بن عيسي أبا جعفر ع الثاني عن امرأة أرضعت لي صبيا هل يحل أن أتزوج ابنة زوجها فقال ما أجود ما سألت من هنا يؤتي أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا لبن الفحل لا غيره فقلت له الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي بل ابنة غيرها فقال لو كن عشرا متفرقات ما يحل لك شي‌ء منهن و كن في موضع بناتك و الرواية و إن اختصت بتحريم ولد الفحل علي أب المرتضع إلا أن تحريمهم علي أمه أيضا ثابت بالإجماع المركب ظاهرا مع أن كونهم بمنزلة بنات أب المرتضع يستلزم كونهم بمنزلة أبناء أمه ثم إن ظاهر الرواية كما تري مختص بفروع الفحل نسبا و يلحق بهم فروعه رضاعا و لعله لقاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإذا حرم ولد الفحل نسبا علي أصول المرتضع حرم ولده رضاعا و لأن منشأ صيرورتهم أولادا لأصول المرتضع إخوته لولدهم و لا فرق بين الأخوة النسبية و الرضاعية.

السابعة و العشرون يحرم فروع المرتضع نسبا و رضاعا و إن نزلوا علي فروع الفحل نسبا و رضاعا

و المرتبة الأولي لأنهم عمومة لفروع المرتضع و أما فروع الفحل في غير المرتبة الأولي فلا يحرمون علي فروع المرتضع.
الثامنة و العشرون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع
و هم إخوته و أخواته علي فروع الفحل لأنهم لم يزيدوا علي أن صاروا بالرضاع إخوة لأخي أولئك و إخوة الأخ ليست موجبة للتحريم إذ قد يتزوج أخ الرجل لأبيه أخته لأمه و لو قيد بالأخ من الأبوين فلا يوجب التحريم و إنما يحرم إخوة الأخ للأبوين من جهة كونهم إخوة و لم يحصل بالرضاع هذا العنوان فالحاصل بالرضاع غير موجب للتحريم و الموجب للتحريم غير حاصل خلافا للشيخ و جماعة فحكموا بالتحريم لأن صيرورة الفروع بمنزلة الأولاد لأصول المرتضع بحكم صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يستلزم كونهم إخوة لإخوة المرتضع فيحرمون عليهم و قد سبق في المسألة الثانية عشر أن هذا القول لا يخلو عن قوة.

التاسع و العشرون يحرم المرتضع علي من في حاشية نسب الفحل أو رضاعه

لأنهم عمومة له و هذا مما لا إشكال فيه و لا خلاف

الثلاثون لا يحرم أصول المرتضع علي من في حاشية نسب الفحل

إذ لا يحدث بينهم بالرضاع رابطة من الروابط المحرمة.

الواحد و الثلاثون يحرم فروع المرتضع نسبا و رضاعا و إن نزلوا

علي من في حاشية الفحل نسبا أو رضاعا لأنهم عمومة لأبيهم و يحل لهم فروع أولئك الحواشي.

الثاني و الثلاثون لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع علي من في حاشية نسب الفحل

لأن حواشي المرتضع لا تحرم علي نفس الفحل فأولي بأن لا تحرم علي حواشيه و يجي‌ء علي القول المنسوب إلي ابن إدريس من تحريم أخت المرتضع علي الفحل تحريمها علي إخوته لكنه لا دليل عليه.

و ينبغي التنبيه علي أمور

الأول حيث عرفت أن الضابط في حصول الحرمة بالرضاع ملاحظة الرابطة النسبية التي علق عليها التحريم

فإن حصل بالرضاع نظيرها ثبتت الحرمة و إلا فلا إلا ما خرج بالدليل كما عرفت في المسألة العاشرة و السادسة و العشرين و لا عبرة بأن يحصل بالرضاع رابطة مغايرة للرابطة المعلق عليها التحريم مقارنة معها في الوجود دائما أو في بعض الأحيان و ما دل علي خروج المسألتين السابقتين أو نحوهما عن هذه الضابطة لا يعطي ضابطة كلية لتحريم كل عنوان ملازم في النسب لعنوانات التحريم بل يقتصر علي مورده و التعدي قياس لا نقول به. فاعلم أنه لا فرق في الرابطة النسبية التي يكون نظيرها الحاصل بالرضاع محرما بين أن يكون التحريم المعلق عليها لأجل وجودها بين نفس المحرم و المحرم عليه و يسمي بالمحرم النسبي كما في المحرمات السبع النسبية و بين أن يكون التحريم لأجل وجودها بين المحرم و زوج المحرم عليه أو من في حكمه و يسمي بالمحرم لأجل المصاهرة و هي عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر كأم الزوجة مثلا فإن التحريم علق علي أمومة الزوجة و هي رابطة نسبية بين المحرم و هي الأم و بين زوجة المحرم عليه و كأم المزني بها و الموطوءة بالشبهة و غيرهما و تسمية الأول بالمحرم لأجل النسب و الثاني بالمحرم لأجل المصاهرة باعتبار ملاحظة العلاقة الكائنة بين نفس المحرم و المحرم عليه و أنها قد تكون نفس الرابطة النسبية المعلق عليها التحريم في المحرمات السبع و قد يكون أمرا حاصلا منها كما في المحرمات بالمصاهرة و لكن التحريم في الكل معلق علي الرابطة
المكاسب، ج‌4، ص 387
النسبية أما في المحرمات السبع فظاهر و أما في المحرمات بالمصاهرة فلأن تحريم أم الزوجة لم تتعلق في الكتاب و السنة علي علاقة المصاهرة التي بينها و بين الزوج و إنما علق علي الرابطة النسبية التي بينها و بين زوجة الزوج و هي الأمومة و كذا غيرها و من هنا ظهر فساد ما ربما يسبق إلي الوهم من أن قوله ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إنما يدل علي تحريم نظائر المحرمات السبع الحاصلة بالرضاع و لا يدل علي تحريم نظائر المحرمات بالمصاهرة إذا حصلت بالرضاع كمرضعة الزوجة و رضيعتها و نحوهما لأن هؤلاء لا يحرمون من النسب حتي يحرم نظائرها من الرضاع و إنما يحرم من أجل المصاهرة. توضيح الفساد مضافا إلي ما ذكر أن المصاهرة و هي العلاقة الحاصلة بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر ليس مما علق عليها التحريم و إنما علق علي الرابطة النسبية التي هي منشأ لانتزاعها فتحرم أم الزوجة علي الزوج أيضا من جهة النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه بل النسب الحاصل بين المحرم و زوجة المحرم عليه و عمدة ما يوقع في هذا الوهم توهم أن المراد بالنسب في الحديث خصوص النسب الحاصل بين المحرم و المحرم عليه نظير ما اصطلحوا عليه من قولهم سبب التحريم إما نسب و إما مصاهرة حيث يجعلون المصاهرة قسيما للنسب و لا يخفي أنه لا داعي إلي تقييد النسب في الحديث بهذا الفرد الخاص بل المراد به أن كل ما يحرم علي شخص من جهة نسب حاصل بينهما أو من جهة نسب حاصل بين أحدهما و زوج الآخر و من في حكمه فيحرم نظيره من جهة الرضاع الحاصل بينهما أو بين أحدهما و زوج الآخر أو من في حكمه. و حاصل معناه بعبارة أضبط كل رابطة نسبية ثبت من جهتها تحريم شخص علي آخر فيثبت التحريم أيضا من جهة نظيرها الحاصل بالرضاع فإذا ورد أمهات الأزواج محرمة فنقول إن التحريم تعلق بالنساء المتصفات بالأمومة للزوجات و هي رابطة نسبية علق عليها التحريم فإذا حصل نظيرها بالرضاع يحصل الحرمة للحديث المذكور فظهر أنه كما يصدق علي أم الرجل أنها محرمة عليه من جهة النسب أي من جهة رابطة النسبية حيث إنها حرمت عليه بعنوان كونها أما له فكذلك يصدق علي أم زوجته أنها محرمة عليه من جهة النسب حيث إنها حرمت عليه من جهة كونها أما لزوجته فالموضوع في كل من الحكمين معنون بعنوان الأمومة إلا أنها في الأول بين المحرم و المحرم عليه و في الثاني بين المحرم و زوج المحرم عليه و من هنا تراهم يتمسكون في تحريم مرضعة الغلام الموقب و رضيعته علي الموقب بالحديث المذكور و إلا فأي نسب بين المرضعة و الموقب. و مما ذكرنا ظهر ما في استشكال صاحب الكفاية الحكم بإلحاق الرضاع بالنسب في الرابطة النسبية الموجودة بين أحد الزوجين و أقرباء الآخر الموجدة لعلاقة المصاهرة بين الزوجين في ثبوت أحكام المصاهرة بالنسبة إلي أحد الزوجين و بعض ذوي الرابط الرضاعية للآخر و أنه إن كان الإجماع علي ذلك فهو و إلا ففي دلالة الحديث المشهور علي ذلك إشكال و قد عرفت أنه لا إشكال في المسألة أصلا بحمد الله و سبحانه.

الثاني أن الرضاع كما يؤثر في ابتداء النكاح يؤثر في استدامته

فكل رضاع يمنع من النكاح إذا سبقه يبطله إذا لحقه بلا خلاف فيه علي الظاهر و يدل عليه إطلاق الحديث المشهور:
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب و خصوص بعض الأخبار الواردة في بعض فروع المسألة منها حسنة الحلبي بابن هاشم عن أبي عبد الله ع قال: لو أن رجلا تزوج جارية فأرضعتها امرأته فسد نكاحه و رواها في الفقيه بسند صحيح عن أبي جعفر ع بتفاوت يسير و نحوها حسنته الأخري عنه ع و يترتب علي ذلك أنه إذا تزوج برضيعة فأرضعتها بعض نساء آبائه و إن علو أو أولاده و إن نزلوا أو إخوته أو أخواته حرمت عليه و كذا لو أرضعتها زوجته الكبيرة بلبنه كما في الأخبار السابقة و تحرم الكبيرة أيضا مؤبدا و لو أرضعتها بلبن غيره فإن دخل بالكبيرة حرمت عليه أيضا و إن لم يدخل بها حرمت الكبيرة مؤبدا و حرمت الصغيرة جمعا بمعني جواز تجديد العقد عليها بعد بطلان النكاح الأول و الوجه في بطلان نكاحهما عدم جواز الحكم بصحة نكاحهما و لا بصحة نكاح أحدهما لأنه ترجيح من غير مرجح. و استشكل في الحكم صاحب الكفاية من حيث احتمال القرعة و هو ضعيف و لو أرضعت زوجته الصغيرة إحدي الكبيرتين بلبنه ثم أرضعتها الأخري حرمن جمع و حكي عن الإسكافي و الشيخ أنه تحرم المرتضعة و أولي المرضعتين و لعل وجهه أن أم الزوجة المحرمة هي من زوج ابنته بأن تتصف ابنته بالزوجية بمعني تصادق عنوان البنتية و الزوجية في زمان من الأزمنة حتي يصدق علي أمها في ذلك الزمان أم الزوجة و هاهنا ليس كذلك لأن المرضعة الثانية إنما صارت أما بعد ما انفسخ عقد الصغيرة فحصلت صفة البنتية للصغيرة بعد زمان الزوجية. و يؤيده ما رواه في الكافي بسند ضعيف بصالح بن أبي حماد عن علي بن مهزيار و رواه عن أبي جعفر ع: قيل له إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخري فقال ابن شبرمة حرمت عليه الجارية و امرأتاه فقال أبو جعفر ع أخطأ ابن شبرمة حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولا و أما الأخيرة فلا تحرم عليه نكاحها لأنها أرضعت ابنته و لا يبعد العمل بها لموافقتها للأصل ثم إنه كلما حكم بفساد عقد الصغيرة بالرضاع فإن كان الرضاع بسبب مختص بها بأن سعت إلي الكبيرة و هي نائمة و ارتضعت الرضاع المحرم. فقد صرح في الشرائع و التحرير و المسالك بسقوط مهرها و يحتمل عدم السقوط لأن المهر ثبت بالعقد و لا دليل علي سقوطه بفعل الصغيرة الذي حصل منها من غير قصد و تمييز و إن كان بسبب مختص بالكبيرة بأن تولت إرضاعها و كان لها مهر مسمي غرمه الزوج و قيل يغرم نصفه كالطلاق و هو محكي عن الشيخ و جماعة و لا دليل عليه بناء علي ملك الزوجة لكمال المهر بالعقد و في رجوع الزوج الغارم إلي المرضعة إشكال و لا يبعد عدم الرجوع فيها إذا كان الإرضاع واجبا عليها لفقد من يرضعها بما يسد رمقها لأنه حينئذ مأمور به فلا يتعقبه ضرر الضمان و الأقوي عدم الرجوع لعدم الدليل و نظائره كثيرة كما لو قتلت الزوجة أو ارتدت بعد الدخول أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه فإن المهر ثابت في جميع الصور علي الزوج و لا يرجع بعد غرامته إلي أحد نعم مقتضي قاعدة نفي الضرر رجوع الزوج بما يغرمه و إن لم نقل بضمان البضع فإن مقتضي ضمانه الرجوع إلي مهر المثل أو نحوه لا ما يغرمه و عدم الرجوع في الأمثلة المذكورة و لهذا يغرم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بطلاق الزوج الأول للمرأة المهر للثاني. و يؤيدها ما رواه في الفقيه بسند ضعيف عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت شيئا مما
المكاسب، ج‌4، ص 388
قاولت من صداق أو ضمنت من شي‌ء أو شرطت فذلك لي رضا و هو لازم لي و لم يشهد علي ذلك فذهب فخطب له و بذل عنه الصداق أو غيره مما طالبوه و سألوه فلما رجع إليه أنكر ذلك كله قال يغرم لها نصف الصداق عنه و ذلك أنه هو الذي ضيع حقها إذ لم يشهد عليه بذلك الذي قال دل بعموم التعليل علي أن التضييع سبب للغرامة و قد حصل فيما نحن فيه من المرضعة الغرور.

الثالث [ما حكي عن المحقق الثاني عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة]

اشارة

اعلم أنه قد حكي شيخنا المحقق الثاني في رسالته الرضاعية عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة و نسب ذلك إلي اشتباههم و ذكر أنه لا مستند لهم في ذلك و أنهم زعموا أن ذلك من فتاوي شيخنا الشهيد و ليس لهم إسناد يتصل بشيخنا في هذا الفتوي ثم قال نعم اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منه القاصر عن درجة الاستنباط أن يكون دليلا لشي‌ء من هذه المسائل أو شاهدا عليها إلي أن قال إن المسائل المتصورة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر و الذي سنح لنا الآن ذكره خارجا عن المسائل الثلاث المشار إليها صور ثم ذكر الصور ثم عقبها بذكر المسائل الثلاث التي ذكر أنه اختلف فيها الأصحاب.
أقول إن هذا المتوهم قد استند في دعوي النشر إلي عموم المنزلة في الرضاع المشهور في الألسنة و حاصل تفسيره أنه إذا حصل بالرضاع عنوان مصادف لعنوان الذي تعلق به التحريم في النسب حكم بتحريمه و إن لم يحصل بالرضاع نفس ذلك العنوان المنوط به التحريم مثلا إذا أرضعت امرأتك ولد بنتك فقد صارت المرضعة أما لولد ابنتك و أم ولد البنت حيث إنه عنوان مصادف في النسب لعنوان البنت محرمة فإذا حصلت هذا العنوان بإرضاع امرأتك ولد بنتك تحقق التحريم و بطلان نكاح الجد و المرضعة و إن لم يتحقق عنوان البنتية و هكذا فها أنا أذكر المسائل الثلاث التي ذكر المحقق أنه مما تعرض له الأصحاب و اختلفوا فيها ثم أذكر غيرها من الصور التي ذكر أن القول بالتحريم فيها توهم و أنه ليس به قائل معروف بين الأصحاب و أن نسبته إلي الشهيد غير ثابتة فنقول

أما المسائل المختلف فيها

فإحداها حرمة جدات المرتضع علي صاحب اللبن

اختلف فيها الأصحاب علي قولين و قريب منه أم المرضعة وجدتها بالنسبة إلي أب المرتضع. و قد تقدم في المسألة الثانية عشر نسبة القول بتحريم جدات المرتضع علي الفحل إلي ابن إدريس و عزي هذا القول إلي جماعة من الأصحاب و قد عرفت في تلك المسألة أنه لا وجد للتحريم عدا توهم صيرورة جدات المرتضع جدات لولد الفحل و جدة الولد محرمة لكونها أما أو أم زوجة و كلتاهما محرمتان و مثل هذا جار في أم المرضعة وجدتها بالنسبة إلي أب المرتضع و مرجع هذا الاستدلال إلي دعوي عموم المنزلة في الرضاع التي ذكرنا تفسيره قريبا و أثبتنا فساده لعدم الدليل عليه في المسألة الثانية من المسائل المتقدمة.

و ثانيتها أخوات المرتضع نسبا و رضاعا بشرط اتحاد الفحل هل يحللن للفحل أم لا

و قد حكي عن الشيخ و ابن إدريس القول بالتحريم و لعله لأنهن بمنزلة ولده كما أن أولاد الفحل بمنزلة ولد أب المرتضع لصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة. و قد عرفت في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة ضعف هذا القول لأن الحكم بكون أولاد الفحل و المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع لا يقتضي الحكم بكون أولاد أبوي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل بل غاية ما حصل من ارتضاع أخيهم بلبنه هو كون أخيهم بمنزلة ولده فهم إخوة ولده و أخ الولد لا يحرم إلا إذا كان ولدا.

و ثالثها أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و أولاد المرضعة ولادة هل تحرم علي أب المرتضع.

و قد عرفت في المسألة العاشرة و السادسة و العشرين أن الأصح التحريم للأخبار المتقدمة في المسألتين و إن كان القاعدة لا تقتضي التحريم نظرا إلي أنه لم يحصل بالرضاع إلا أخوة أولاد صاحب اللبن و المرضعة للمرتضع فهم إخوة ولد لأب المرتضع و أخ الولد لا يحرم إلا إذا صدق الولد عليه إما من النسب و إما من الرضاع لكن الأخبار المتقدمة قد دلت علي أنهم بمنزلة ولده فهذه المسائل الخلافية التي ذكرها المحقق في الرسالة و صرح في غير الأخيرة بعدم التحريم. أقول هنا مسألة رابعة اختلف فيها و هي مسألة تحليل أولاد صاحب اللبن نسبا و رضاعا و أولاد المرضعة نسبا علي إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا بلبن ذلك الفحل.

و أما المسائل التي ذكرها و نسب القول بالتحريم فيها إلي الوهم

اشارة

فهي ثلاثة عشر مسألة

الأولي أن ترضع المرأة بلبن فحلها

الذي هي في نكاحه حين الإرضاع أخاها أو أختها لأبويها أو أحدهما فيقال إن ذلك موجب لتحريم المرضعة علي زوجها من جهة أن المرتضع صار ولدا للفحل و المرضعة فهي أخت ولد الفحل و أخت الولد محرمة من النسب فكذا من الرضاع.
و بعبارة أخري الفحل يصير أبا رضاعا لأخ الزوجة أو أختها و كما أن أباهما النسبي محرم عليها فكذا الرضاعي و الحق أنه توهم كما ذكره شيخنا المحقق لما مر في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة من عدم تحريم من حاشية نسب المرتضع علي الفحل و أن الخلاف هنا محكي عن الشيخ و ابن إدريس و هو ضعيف لكن يرد علي شيخنا المحقق أن هذه المسألة هي ثانية المسائل التي ذكر فيها الخلاف بين الأصحاب فإن تحريم المرضعة في الفرض المذكور علي زوجها مبني علي تحريم أخوات المرتضع علي الفحل و هي عين المسألة الثانية من الثلاث المتقدمة. نعم لو كان قولهم التحريم ناشئا عن غير ما ذكر في توجيهه مثل صيرورة المرضعة أما لأخ الزوجة من أمها و هي محرمة علي الزوج أمكن كونها بهذا الاعتبار مسألة خارجة عن المسائل الثلاث.

الثانية

أن ترضع الزوجة المذكورة ولد أخيها.

الثالثة أن ترضع ولد أختها

فقد يتوهم التحريم في هاتين المسألتين من جهة صيرورة المرضعة عمه أو خالة لولد الفحل من الرضاع و عمة الولد محرمة جمعا و لأن الفحل في المسألة الأولي أب رضاعي لولد أخ المرضعة فكما أن الأب النسبي لولد أخيها محرمة عليها لأنه أخوها فكذا الأب الرضاعي له و لا يخفي أيضا فساد التوهمين لأن عمة الولد إنما يحرم لكونها أختا فإذا تحقق بالرضاع علاقة الأختية تحقق التحريم و قد عرفت ذلك في المسألة الثانية عشر و كذا الكلام في الأب النسبي لولد الأخ فإنه لا يحرم إلا لأجل عنوان الأخوة و أما خاله الولد فتحريمها علي الأب مما لا يتفوه به أحد إذ لم يحصل الجمع بين الأختين الذي هو مناط تحريم خاله الولد. نعم يصدق علي المرضعة أنها أم للمرتضع و خالته و الجمع بين الأختين المحرم هو أن يكون للشخص امرأتان يصدق علي إحداهما أنها أم لولده و علي الأخري أنه خاله لولده لا أن يكون له امرأة واحدة يصدق عليها أنه أم ولده و خالته و قد حكي عن السيد الداماد الجزم بالتحريم في
المكاسب، ج‌4، ص 389
هذه الصورة و هو بعيد

الرابعة أن ترضع الزوجة المذكورة ولد ولدها ابنا كان أو بنتا

و مثله ما لو أرضعت إحدي زوجيته و ولد ولد الأخري فيقال هنا بتحريم المرضعة في الفرض الأول و ضرتها في الفرض الثاني علي زوجهما من جهة صيرورتها جدة ولدها و جدة الولد محرمة علي الأب لأنها إما أم و إما أم الزوجة و كلتاهما محرمتان و الأقوي في هذه أيضا عدم التحريم كما نبهنا عليه في المسألة الثانية عشر من أن أصول المرتضع لا يحرمن علي الفحل ثم إن هذه المسألة أول المسائل الثلاث الخلافية التي ذكرها شيخنا المحقق أعني تحريم جدات المرتضع علي الفحل و قد يستند التحريم في هذه المسألة مع كون المرتضع ولد بنت الفحل إلي صيرورة المرضعة أما لولد بنته و أم ولد البنت من النسب محرمة لكونها بنتا فكذا تحرم من الرضاع و فيه ما مر في المسألة الثانية.

الخامسة

أن ترضع الزوجة المذكورة عمها أو عمتها.

السادسة أن ترضع خالها أو خالتها

فيقال إن الزوجة تصير بالإرضاع إما لعمها أو لعمتها أو خالها أو خالتها و أم عم الزوجة أو عمتها أو خالها أو خالتها محرمة علي الزوج لأنها جدة الزوجة لأمها أو لأبيها أو أن الزوجة تصير بإرضاع زوجته لهؤلاء أبا لهم من الرضاع و هذه الزوجة تحرم علي أبيهم من النسب لأنه جدها فتحرم علي أبيهم من الرضاع و يظهر الجواب عن الوجهين بما مر مرارا فإن أم عمومة الزوجة و خئولتها إنما حرمت علي الزوج من جهة الدخول في أمهات النساء و لم يحصل هذا العنوان للمرضعة و كذا يحرم المرأة علي أب عمومتها و خئولتها لأجل كونه جدا لها و لم يحصل عنوان الجدودة للفحل بالرضاع و اعلم أن هذه المسألة من فروع المسألة الأولي لأن أخوات المرتضع إذا حرمت علي الفحل من جهة كونهن كالأولاد له حرمت عليه أولادهن و هذه المرضعة تصير من أولاد الإخوة و قد عرفت أن تلك المسألة من المسائل الخلافية فلا وجه لعد هذه المسألة مسألة أخري غير المسألة الأولي كما لا وجه لعد كلتيهما خارجة عن المسائل الخلافية.

السابعة

أن ترضع الزوجة المذكورة ولد عمها أو عمتها.

الثامنة أن ترضع ولد خالها أو خالتها

فقال في صورة إرضاع ولد العم أو الخال إن الفحل يصير أبا لهذا الولد فيحرم علي المرضعة لأنه إما أبو ولد عمها أو أبو ولد خالها و كلاهما محرمان عليها و إن الأول عمها و الثاني خالها و أما إرضاع الزوجة ولد خالتها أو عمتها فلم أعثر فيه علي ما يوجب توهم التحريم فيه إلا إذا قلنا بحرمة الجمع بين المرأة و ابنة أخيها أو أختها مطلقا حتي مع إذنها و حينئذ فيجري فيه التوهم الذي جري في المسألة الثالثة من إرضاع الزوجة ولد أختها فراجع. و قد صرح بعض من جزم بالنشر في صورة إرضاع ولد العم و الخال بعدم النشر في إرضاع ولد العمة و الخالة و يظهر الكلام في فساد توهم الحرمة هنا مما مر مرارا.

التاسعة أن ترضع الزوجة المذكورة أخ الزوج أو أخته

فيقال إن المرضعة صارت أم أخيه لأبويه أو أخته كذلك و هي محرمة لكونها أما و فيه أن حرمة أم الأخ للأبوين في النسب لعلاقة الأمومة بينهما و نظيرها لم يحصل بالرضاع و إنما حصل به أمومة الأخ و لم يتعلق التحريم بالنسب به.

العاشرة أن ترضع ولد ولد الزوج فيقال إنها صارت أما لولد ولده

و أم ولد الولد محرمة لكونها إما بنتا و إما زوجة ابن و فيه أن شيئا من عنواني البنت و زوجة الابن لم يحصل بالرضاع مع أن حصول زوجية الابن لا يجدي لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع إجماعا.

الحادية عشر أن ترضع ولد أخيه أو ولد أخته

و لا يخفي أنه ليس في إرضاع ولد الأخ هنا ما يوجب التوهم لأن المرضعة لم تزد علي أن صارت أما لولد أخي زوجته و أم ولد الأخ ليس حراما علي الشخص. نعم يقال في فرض إرضاع ولد الأخت إنما تصير أم ولد الأخت و هي محرمة لكونها أختا و فيه أن أم ولد الأخت ليست محرمة إلا لعنوان الأخوة الغير الحاصلة بالرضاع.

الثانية عشر

أن ترضع عم الزوج أو عمته.

الثالثة عشر أن ترضع خال الزوج أو خالته


فيقال إن المرضعة حيث إنها صارت إما لعمومه الزوج أو خئولته حرمت عليه لكونها جدة له و فيه ما مر غير مرة و حاصله أنه لم يثبت من أدلة إلحاق الرضاع بالنسب إلا أن الرضاع فرع النسب فكل علاقة حصلت بالرضاع إنما توجب الحرمة إذا كان نظيرها الحاصل بالنسب موجبا للحرمة إذ لا يعقل أن يثبت الحرمة لأجل علاقة رضاعية و لو فرض حصولها بالنسب لم يوجب التحريم لأن هذا مناف لفرعية الرضاع و أصالة النسب فنقول في هذه الصورة الثالثة عشر لم يحصل بالرضاع إلا علاقة الأمومة بين المرضعة و عمومة الزوج أو خئولته و نظيرها الحاصل بالنسب ليس موجبا للتحريم لأن الأم النسبية للعمومة و الخئولة لا تحرم علي الشخص من حيث أمومتها لعمومته أو خئولته بل من حيث علاقة جدودتها له فلا يحكم بالحرمة في الرضاع إلا إذا حصلت هذه العلاقة لا علاقة مستلزمة لها لا دخل لها في التحريم و لو حصلت من جهة النسب كما مر مرارا فراجع. الحمد لله أولا و آخرا
المكاسب، ج‌4، ص 390

8- رسالة في التحريم من جهة المصاهرة

الباب الأول في المصاهرة

و هي علاقة تحدث بين كل من الزوجين و أقرباء الآخر توجب حرمة النكاح من عقد علي امرأة حرم عليه أمها و إن علت تحريما مؤبدا و إن لم يدخل بالمعقودة علي المشهور بل عن الروضة أنه كاد يكون إجماعا. و في الرياض أن عن الناصريات و الغنية دعوي الإجماع عليه لعموم قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ السليم عن معارضة ما يصلح لتخصيصه عدا ما يتراءي من احتمال كون القيد في قوله مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ راجعا إلي هذه الجملة كما يرجع إلي الربائب اتفاقا فيسقط ذلك عن الحجية و ما يتوهم من الاتكال علي بعض الروايات في تخصيص الآية و شي‌ء منهما لا يقدح في ظهورها أما القيد الراجع إلي الربائب فلأن إرجاعه إلي قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ موجب لاستعمال كلمة من في معنيين لأنها بالنسبة إلي الربائب ابتدائية و بالنسبة إلي قوله وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لو رجع إليه بيانية و هو غير جائز و لو استعملت في القدر المشترك و هو مطلق الاتصال كان به مخالفا لظهورها في الابتداء و أما الرواية فلا تصلح مخصصة لمعارضتها بأكثر منها و أشهر و أقوي.
و منها المحكي عن تفسير العياشي عن أبي حمزة عن مولانا الباقر ع: أنه سئل عن رجل تزوج امرأة و طلقها قبل أن يدخل بها أ تحل له ابنتها قال فقال قد قضي في ذلك أمير المؤمنين ع لا بأس به إن الله يقول وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ و لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها قال قلت له أ ليس هما سواء قال فقال لا ليس هذه مثل هذه إن الله عز و جل يقول وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ لم يستثن في هذه كما اشترط في ذلك هذا هنا مبهمة ليس فيها شرط و ذلك فيها شرط فكذلك و قد استنهض بعض المعاصرين بهذه الرواية علي رجوع القيد الواقع عقيب الجمل المتعددة إلي الأخيرة نظرا إلي استدلال المصنف بإطلاق غير الأخيرة و فيه نظر لجواز كون الوجه في إطلاقها عدم صلاحيته برجوع القيد إليها كما عرفت. و محل النزاع في المسألة الأصولية فيما إذا صلح القيد لغير الأخيرة أيضا و كيف كان فالمحكي عن العماني من اشتراط الدخول في المعقودة في تحريم أمها ضعيف جدا و إن صحت روايته و يحرم أيضا بالعقد عليها بناتها و إن نزلن لكن مع عدم الدخول إنما تحرم جمعا بمعني تحرم الجمع بينها و بينهن لا عينا فإن دخل بالأم حرمن مؤبدا بقوله تعالي وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ و يدل عليه الروايات المستفيضة و تحرم المعقود عليها و إن لم يدخل بها علي أب العاقد و إن علا لعموم وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ و علي ابنه و إن نزل و يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم و فيها بعد الاستدلال علي حرمة أزواج النبي ص علي الحسن و الحسين ع بقوله و لا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إنه لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده و لو وطئ أحدهما زوجة الآخر لشبهة لم تحرم الموطوءة علي الزوج لأصالة بقاء الحل و فحوي ما في الروايات من أن الحرام لا يحرم الحلال و للرواية فيمن عقد علي أم زوجته و وطئها بشبهة و قيل يحرم علي الابن زوجته إذا وطئها أبوه بشبهة لعموم قوله تعالي وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ بناء علي أن النكاح هو الوطي و كذا لا تحرم الزانية علي أب الزاني و ابنه و له النكاح مطلقا علي رأي نسب إلي الأكثر لاستصحاب صحة العقد عليها قبل الزني و لا يعارضه استصحاب حرمة الوطي و النظر قبل العقد لأنا إذا ثبتنا صحة العقد بالاستصحاب لزمها ترتيب الآثار و لعموم قوله تعالي وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لما دل من الروايات علي عدم تحريم أم المزني بها و بنتها علي الزاني بناء علي عدم الفرق بين أصول الزاني و المزني بها و فروعهما في نشر الحرمة و عدمه خلافا للمحكي عن الأكثر فيحرم لرواية ابن أبي عمير عن أبي بصير و رواية علي بن جعفر عن أخيه ع و موثقة عمار و كذا لا تحرم أم المزني بها و لابنتها و إن تقدم لما مر من الأصل.
و العموم مضافا إلي رواية هشام بن المثني و حسن بن سدير و حنان بن أسد و رواية سعيد بن يسار و مرسلة ابن رباط و الأوليان تقبلان الحمل علي ما إذا وقع الفجور بعد العقد بخلاف الأخيرتين لكنهما معارضتان بغيرهما مما دل علي التحريم كصحاح محمد بن مسلم و عيص بن القسم و منصور بن حازم فلا بأس بحملهما علي ما إذا لم يحصل الزني و يراد بلفظ الفجور فيهما مثل اللمس و القبلة و نحوهما علي ما ذكره الشيخ في التهذيب و استثني من قال بعدم تحريم بنت المزني بها صورتين أشار إليهما المصنف قدس سره بقوله علي أن يزني بعمته أو خالته فإن بنتها تحرمان أبدا بلا خلاف و لكن النص مختص بالخال ثم إن الخلاف المتقدم فيما أن سبق الزني علي العقد و إن لم يسبق علي الوطي و إلا يسبق علي العقد و إن سبق علي الوطي فلا يحرم إجماعا للأخبار المستفيضة الدالة علي أنه لا يحرم الحرام و الحلال. نعم في بعض الروايات اشتراط عدم التحريم بتأخر الزني عن الوطي كرواية أبي الصباح و مفهوم الحصر في رواية عمار و كذا لا يحرم لأجل الوطي بالشبهة تزويج الموطوءة علي أب الواطئ و ابنه و لا علي الواطئ أمها و بنتها علي رأي المصنف و جماعة قدس أسرارهم و إن لحق به النسب للأصل و عموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ. نعم من قال بالنشر في الزني فالقول به هنا أولي و النظر إلي ما يحرم علي غير المالك للنظر لأجل الملك أو العقد أو التحليل النظر إليه و كذا لمسه لا ينشر الحرمة و إن كان الناظر أبا أو ابنا علي رأي المصنف و شيخه المحقق قدس سرهما للأصل و العموم و خصوص رواية علي بن يقطين و عن الشيخ و أتباعه النشر علي الأب و الابن لعموم وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ و لصحيحة ابن بزيع: إن جردها فنظر إليها بشهوة حرمت علي أبيه و ابنه و نحوها المحكية عن الفقيه. و عن المفيد تخصيص الحرمة بمنظورة الأب لصحيحة محمد بن مسلم: إذا جرد الرجل الجارية و وضع يده عليها فلا تحل لابنه و لا يخفي قصورها عن إفادة الاختصاص و عن الإسكافي و الشيخ في الخلاف تحريم أم المنظورة و الملموسة و بنتها علي الفاعل لعموم النبويين: لا
المكاسب، ج‌4، ص 391
ينظر الله إلي من نظر إلي فرج امرأة و بنتها و في الآخر: من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها و بنتها و الصحيحة يدل علي أنه إذا رأي من المعقودة ما يحرم علي غيره حرمت عليه بنتها و الكل ضعيف سندا و إفادة و القول الثاني لا يخلو عن قوة و حكم الرضاع في جميع ذلك الذي ذكرنا من موارد الوفاق و الخلاف كالنسب بلا خلاف ظاهر لعموم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإن معناه كما مر أن العلاقة الحاصلة بسبب الرضاع كالحاصلة بالنسب و كما أن العلاقة النسبية الثابتة بين الزوجة و أمها أوجبت حرمة الأم علي الزوج فكذلك الرضاعية الحاصلة بين الزوجة و بين مرضعتها و الحاصل أن العلاقة الحاصلة من الرضاع بمنزلة نظيرها الثابت بالنسب فمرضعة الزوجة أم و بناتها أخوات و كذا مرضعة الزوج و أصولها فلا يقال إن حرمة هؤلاء النسوة بالمصاهرة لا يوجب حرمتها في الرضاع لأن الرضاع إنما حرم منه ما حرم من النسب لا من المصاهرة. نعم نظير المصاهرة في الرضاع أم المرتضع بالنسبة إلي الفحل حيث إنه إذا صار المرتضع ولدا له فأمه بمنزلة زوجته و جدته بمنزلة أم الزوجة فربما يتوهم تحريمها عليه من هذه الجهة و هو غلط فإن المصاهرة لا تحصل بالرضاع و قد يتوهم التحريم هنا من جهة عموم المنزلة بأن يقال إن جده الولد النسبي محرمة كذلك جدة الولد الرضاعي و فيه ما مر في باب الرضاع و تحرم أخت الزوجة جمعا بالكتاب و السنة و الإجماع من غير فرق بين الدائمة و المنقطعة و كذا ملك اليمين و كذا تحرم مع بقاء علاقة الزوجية و لو بجواز الرجوع في المطلقة الرجعية العقد علي بنت أختها و أخيها إلا أن يجيز الخالة أو العمة و يدل عليه الأخبار المستفيضة خلافا للمحكي عن القديمين فجوزاه مطلقا لبعض الروايات و للمحكي عن الصدوق فمنعه مطلقا و لو مع الإذن لبعض آخر و هما ضعيفان لتقييد أوليهما بما دل علي اختصاص الجواز بصورة الإذن و عليه فإن عصي في موضع و فعل بطل النكاح علي رأي المحقق قدس سره و وقف علي الإجازة علي رأي كثير من المتأخرين أما البطلان منجزا فهو إما لرواية علي بن جعفر الدالة علي البطلان و إما للنهي عنه في الأخبار المقتضي للفساد و إما لأن الصحة في مثل هذا العقد المنهي عنه يحتاج إلي دليل خاص غير قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ لعدم ثبوت وجوب الوفاء و الحلية مع الحكم بالحرمة أما الحكم بالحلية فواضح و أما وجوب الوفاء فلأن ما كان ابتداؤه و إحداثه مبغوضا يكون البقاء عليه كذلك و إما لما يستفاد من الروايات الدالة علي صحة نكاح العبد بدون إذن مولاه و وقوفه علي الإجازة المعللة بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده و في بعضها أن هذان كإتيان من حرم الله من النكاح في العدة و اشتباهه. و أما الوقوف علي الإجازة فلعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مع ضعف رواية علي بن جعفر و منع دلالة النهي علي الفساد و لعدم منافاة الحرمة قبل الرضا لوجوب الوفاء إلا إذا ادعي أن النهي هنا لعدم قابلية المعقود عليها للعقد كسائر المحرمات في النكاح و غيره مثل تحريم الأصول و الفروع و تحريم بيع الخمر و شبهه و هو غير ثابت بل لا يبعد أن يكون النهي هنا لعارض و هو رضاء العمة و الخالة و هذا العارض يندفع بالإذن. و أما حكاية الأخبار الواردة في وقوف نكاح المملوك علي الإجازة معللا بأنه لم يعص الله و إنما عصي سيده فالمراد به معصية الله سبحانه في نكاح النساء المحرمات عليه لا مطلق المعصية لتحققها في نكاح المملوك قطعا و هنا قول ثالث و هو تخيير العمة و الخالة بين فسخ عقد أنفسهما و فسخ عقد البنت و إمضائهما لوقوع كليهما صحيحين أما عقد العمة و الخالة فواضح و أما عقد البنت فلأنه عقد صدر من أهله في محله فإذا وقع كلاهما صحيحا و كان الجمع بين العقدين موقوفا علي رضاهما تخيرتا بين الرضا بالجمع و دفعه بفسخ أي عقد شاءتا و هو ضعيف لأن العقد الأول وقع لازما و الأصل يقتضي بقاءه و دفع الجميع يحصل بفسخ العقد الطاري و لا يعلم قابلية العقد الأول للفسخ حتي يرتفع الجمع به فيبقي علي أصالة اللزوم. و هنا قول رابع يحكي عن الحلي و هو بطلان العقد اللاحق و تزلزل العقد السابق و هو ضعيف إذ مع بطلان اللاحق و صيرورته كالعدم لا وجه لتزلزل العقد السابق و القولان الأولان مترتبان في القوة و ثانيهما أقوي
و الأخيران مترتبان في الضعف كذلك و الاحتياط غير خفي و له إدخال العمة أو الخالة علي بنت أخيها أو أختها و إن كرهت المدخول عليها و لو تزوج الأختين و إن ترتب صح السابق لوجود المقتضي و عدم المانع و بطلان اللاحق لحرمة الجمع و إن اقترنا مع تعدد العقد أو اتحد العقد عليهما بطل الكل لأن صحة الكل ممتنعة شرعا و صحة أحدهما ترجيح من غير مرجح كما إذا عقد المرأة و أمها و بنتها في عقد واحد خلافا للمحكي عن الشيخ و أتباعه فيتخير في إمساك أحدهما لرواية جميل المرمية بالإرسال و الضعف علي رواية التهذيب و الكافي و الموصوفة بالصحة علي رواية الفقيه. و لو تزوج أخت الأمة الموطوءة بالملك حرمت المملوكة ما دامت الثانية زوجة أو في حكمها أما صحة التزويج فلعموم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ و لأن الجمع بين الأختين مطلقا ليس بمحرم و لهذا يجوز الجمع بينهما في الملك و أما أنه إذا حصل التزويج حرم وطء المملوكة دون المتزوجة فلأن الوطي بالنكاح أقوي من الوطي بملك اليمين لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا تتعلق بالوطء بالملك مع أن الغرض الأصلي من الملك المالية دون الوطي و من المتزوجة الوطي و لهذا يجوز تملك الأختين و لا يجوز تزويجها فيرجح المتزوجة في جواز الوطي و في التعليل تأمل. و اعلم أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في الوطي بملك اليمين كما لا يجوز الجمع في النكاح فعلي هذا لو وطئ إحدي الأختين بالملك حرمت الثانية أي تبقي علي حرمة الوطي كما كانت كذلك قبل وطئها بعد وطء الأول سواء أبقاها علي ملكه أو أخرجها و سواء كان عالما أو جاهلا إلا أن يخرج الأول عن ملكه فيحل الثانية أما حرمة الثانية و حلية الأولي فلاستصحابهما و أن الحرام لا يحرم الحلال و أما حليتها بإخراج الأولي من الملك فلعدم صدق الجمع حينئذ فلا مقتضي للحرمة. و في المسألة أقوال أخر أقواها دليلا ما تضمنته حسنة الحلبي بابن هاشم: في أختين وطئ المالك إحداهما ثم وطئ الأخري فقد حرمت الأولي حتي تموت الأخري قلت أ رأيت إن باعها أ تحل له الأولي قال إن كان يبيعها لحاجة و لا يخطر علي قلبه من الأخري شي‌ء فلا أري لك بأسا و إن كان إنما يبيعها ليرجع إلي الأولي فلا كراهة و نحوها رواية الكناني إلا أن فيها سقطا لا يخل بالمقصود فإن الظاهر اتحاد متنها مع متن رواية الحلبي و ظاهرهما و إن عم صورة الجهل إلا أن في بعض المكاسب، ج‌4، ص 392
الأخبار تخصيص ذلك بصورة العلم و لا يجوز للرجل أن يعقد علي أمته إجماعا و للتفصيل في قوله إِلَّا عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ و معني عدم الجواز هنا اللغوية و لا يجوز للحرة أي يحرم عليها أن تنكح عبدها إجماعا أيضا: و قد حد أمير المؤمنين ع امرأة أمكنت نفسها من عبدها

الثاني الكفر

اشارة

و فيه بحثان

الأول يحرم علي المسلم نكاح غير الكتابية

اشارة

من النساء الكوافر دائما و متعة و ملك يمين بلا خلاف كما صرح به غير واحد و إجماعا كما ادعاه آخرون للكتاب و السنة المستفيضة و فيها أي في الكتابية قولان من حيث حرمة مطلق النكاح أو خصوص الدوام و إلا فقد حكي في المسألة أقوال ستة و يحتمل أن يكون القولان المذكوران أشهر الأقوال في المسألة ثم الأشهر منهما و أقربهما عند المصنف و جماعة قدس سرهم حرمة الدائم و جواز المنقطع و ملك اليمين أما حرمة الدائم فلقوله تعالي وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ و قوله وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ مضافا إلي بعض الروايات كرواية الحسن بن الجهم و المحكي من نوادر الراوندي و أما جواز المنقطع فلبعض الروايات المصرحة بالجواز المنجبر ضعفها لو كان بحكاية الإجماع عن غير واحد مضافا إلي ما دل علي جواز النكاح بملك اليمين كآية أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ و خصوص الصحيحة في المجوسية إذا كانت أمه بعد ما استفيد من غير واحدة من الروايات أن المتمتعة بمنزلة الأمة كل ذلك مضافا إلي عموم قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ خرج منها نكاحهن دواما و ليس في مقابل المذكور عدا إطلاق الآيتين السابقتين و الروايات و تخصيصها بما ذكرنا طريق الجمع فالقول بالمنع مطلقا ضعيف و أضعف منه القول بالجواز مطلقا لعموم وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ و عموم بعض الأخبار الصحيحة و بعض الروايات و الآية نسخت بقوله لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ كما في بعض الروايات و بقوله تعالي وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ كما يظهر عن بعض آخر و الأخبار مقيدة بالمتعة مع موافقة عمومها لمذهب العامة علي ما حكي

و المجوسية كالكتابية

إما لما ورد من ثبوت كتاب لهم و نبي فقتلوا نبيهم و حرقوا كتابهم و إما للنبوي سنوا بهم سنة أهل الكتاب و إما لما ورد بالخصوص من جواز التمتع بالمجوسية مؤيدا بما في مصححة محمد بن مسلم من جواز نكاح المجوسية بملك اليمين بعد ضم كون المنقطعة بمنزلة الأمة و الصابئون و هم كما قيل طائفة من النصاري كما أن السامرة طائفة إن كانوا ملحدة الأولي منهم عند النصاري و الثانية عند اليهود فكالوثني لخروجهما حينئذ عن كلتا الملتين فلا يشار كأنهما في الحكم للاختلاف في أصول الملة و إن كانوا مبتدعة متوافقة معهم في أصل الملة فكالكتابي. و عن مجمع البحرين عن الصادق ع: أنه ليس للصابئة دين و لا كتاب و مقتضاه أنهم غير كتابيين و عن الشيخ التصريح بذلك و عن المصباح المنير أنهم يدعون أنهم علي دين صابئ بن شيث بن آدم ع و عن الصحاح أنهم من أهل الكتاب و حكي عن المحقق الثاني في شرح القواعد أن الصابئة فرقتان فرقة توافق النصاري في أصول الدين و الأخري تخالفهم و يعبدون الكواكب السبعة و تسند الآثار إليها و تنفي الصانع المختار قال و كلام المفيد قريب من هذا و قال إن جمهور الصابئين توحد الصانع في الأزل و منهم من تجعل معه هيولي في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل و يعتقدون في الفلك و ما فيه الحياة و النطق و أنها المدبر لما في هذا العالم الدائر عليه و عظموا الكواكب و عبدوها من دون الله و سماها بعضهم ملائكة و بعضهم آلهة و بنوا لها بيوتا للعبادات انتهي و عن تفسير القمي الصابئون قوم لا مجوس و لا يهود و لا نصاري و لا مسلمون و لكنهم يعبدون الكواكب و النجوم و عن التبيان و المجمع للطوسي و الطبرسي أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية من الصابئة لأنهم ليسوا من أهل الكتاب و كيف كان فجوز النكاح منهم في غاية الإشكال إذ لم يخرج من عموم أدلة التحريم إلا اليهود و النصاري و المجوس و كونهم منهم يحتاج إلي دليل إلا أن يقال إن الشك في دخولهم فيهم يوجب الشك في شمول العموم لهم فيبقي علي أصل الإباحة لكن الإنصاف أن المتبادر من اليهود و النصاري الخارجين عن العمومات هو ما يقابل الصابئة فالصابئة لو كانت منهم فرضا نشك في شمول الخاص لهم فيبقي تحت العام ثم اعلم أنه قال في المسالك لا فرق في الكتابي بين الذمي و هو القائم بشرائط الذمة منهم و الحربي و هو الناقض لها لعموم الأدلة و فيه إشكال لانصراف اليهود و النصاري إلي الذمي و الله العالم

[البحث الثاني] لو أسلم زوج المرأة الكتابية و المجوسية بقي علي نكاحه و إن لم يدخل

اشارة

بغير خلاف بين العلماء حتي المانعين من نكاح الكتابي ابتداء كما يظهر من غير واحد و يدل عليه ما سيأتي في من أسلم علي أكثر من أربع و إن أسلمت المرأة دونه أي دون الرجل فإن كان إسلامها قبل الدخول انفسخ النكاح لحرمة نكاح الكافر علي المسلمة وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا و لا عدة عليها هنا حتي يتوقف الانفساخ علي بقائه علي الكفر حتي تنقضي العدة كما فيما بعد الدخول و لا مهر لها أيضا لأن الحدث جاء من قبلها و يدل علي ذلك كله مضافا إلي أن الظاهر أنه المعروف من مذهب الأصحاب كما حكي الصحيح: في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها قال قد انقطعت عصمتها و لا مهر لها و لا عدة عليها منه و في رواية السكوني: وجوب نصف المهر لأن الإسلام لم يزدها إلا عزا و هو شاذ و إن كان إسلامها بعده أي بعد الدخول ينتظر العدة عدة الطلاق فإن أسلم فالزوجية باقية و إلا بطلت من حين إسلامها و هذا الحكم في غير الزوج الكتابي و المجوسي مما لا خلاف فيه ظاهرا كما يظهر من جماعة و أما الكتابي و المجوسي فحكمه أيضا كذلك عند المشهور بل عن الشيخ في الخلاف دعوي الوفاق و لكنه خالفه في التهذيبين و النهاية علي ما حكي عنه فحكم ببقاء النكاح و إن لم يسلم الكتابي إلا أنه لا يقربها و لا يتمكن من الخلوة بها لرواية محمد بن مسلم و فيها إرسال لكن عن ابن أبي عمير و مرسلة جميل بن دراج و فيها علي بن حديد: و لو أسلم أحد الحربيين قبل الدخول انفسخ العقد و لو كان المسلم هو الزوج لعدم جواز نكاح غير الكتابية ابتداء و لا استدامة إجماعا و عليه نصف المهر إن كان الإسلام منه و قيل عليه جميع المهر لثبوته بالعقد و لا دليل علي سقوطه و إلحاقه بالطلاق قياس و إلا لم يكن الإسلام منه بل كان الإسلام منها فلا شي‌ء لما تقدم و إن كان إسلام أحدهما
المكاسب، ج‌4، ص 393
بعده أي بعد الدخول ينتظر العدة فإن أسلم الآخر بقي النكاح و إلا يسلم انفسخ بلا خلاف ظاهرا كما صرح به في الرياض و فيه أنه حكي عليه الإجماع. و يدل علي حكم المسألة مع إسلام المرأة أولا المستلزم لثبوته مع العكس بالإجماع و الأولوية و رواية محمد بن مسلم عن ابن أبي عمير و علي كل تقدير عليه المهر لاستقراره بالدخول و إن كان الإسلام من المرأة لأن مطلق تفويت البضع لا يوجب الضمان و لهذا لو قتلت نفسها لم يسقط مهرها و كذا لا يضمن المهر من قتلها و لو انتقلت زوجة الذمي الذمية إلي غير الإسلام انفسخ النكاح في الحال و إن عادت قيل لقوله وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ و عموم قوله: فمن بدل دينه فاقتلوه فيجب عليه بعد التبديل القتل أو تدخل في الإسلام و تنظر في ذلك في المسالك من وجهين الأول أنه لا يجوز أن ينتقل إلي دين يصح عندهم التناكح فيه فلا ينفسخ ما دامت فيه الثاني أنها إن قتلت فالانفساخ بالقتل لا بالانتقال و إن أسلمت فينبغي هنا مراعاة انقضاء العدة و عدمه إذا كان بعد الدخول و علي كل تقدير لا يعد الفسخ الحاصل باختلاف الدين طلاقا كما هو واضح فإن كان قبل الدخول من المرأة فلا مهر كما تقدم و إن كان من الرجل فعليه من المهر علي ما حكي عن المشهور نصفه و قد تقدم أنه محل نظر و إن كان بعد الدخول فالمسمي من أيهما كان موجب الفسخ لاستقراره بالدخول و لو كان المهر المسمي فاسدا.

فمهر المثل مع الدخول

و إن كان أسلم قبله فعليه المتعة حملا له علي طلاق المفوضة و فيه نظر لعدم كونه طلاقا و لا المرأة مفوضة و لو ارتد من الزوجين أحدهما قبل الدخول انفسخ العقد في الحال لأن المرتد إن كان هو الزوج وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا و إن كانت الزوجة فلا يجوز البقاء علي نكاح غير الكتابية و المجوسية إجماعا و لا عدة قبل الدخول حتي ينتظر و حينئذ فإن كان الارتداد من الزوجة فلا مهر لها لأن الحدث جاء من قبلها و إلا يكن منها كان علي الزوج المرتد نصفه إلحاقا له بالطلاق كما تقدم مع النظر فيه و الخلاف و إن كان ارتداد أحدهما بعد الدخول فالجميع لازم لها لاستقراره و ينفسخ العقد في الحال إن كان المرتد هو الزوج و كان ارتداده عن فطرة لعدم قبول الإسلام فيه حتي ينتظر العدة كما في غيره من الكفار و إن كان ارتداده عن غيرها أو كانت المرتدة هي الزوجة وقف الانفساخ علي انقضاء العدة مع بقاء المرتد عنهما علي ارتداده و هذا الحكم و إن خلا عن النص بل في بعض الأخبار البينونة بمجرد الردة إلا أن وقوفه علي انقضاء العدة الظاهر أنه لا خلاف فيه. و صرح به في الرياض و حكي التصريح بالاتفاق عن بعض مضافا إلي أن الأصل بقاء النكاح فإن وطئها الزوج لشبهة في العدة قال الشيخ عليه مهران كما لو وطئ مطلقة في العدة البائنة هذا مع عدم الإسلام في العدة فيكشف ذلك عن بينونتها من حين الردة فتكون أجنبية كالمطلقة و فيه نظر لأنها بحكم الزوجة و لهذا لا يحتاج إلي تجديد نكاح بعد الإسلام فليست كالمطلقة

الباب الثالث العقد و الوطي

إذا عقد الحر غبطة أي دواما علي أربع حرائر أو حرتين أو أمتين حرم الزائد إجماعا علي الظاهر كما يظهر من جماعة و به روايات كحسنة زرارة و محمد بن مسلم: إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتي تنقضي عدة في ظاهر المرأة التي طلق و قال لا يجمع ماءه في خمسة و نحوها روايتا علي بن حمزة و محمد بن قيس و لا خلاف أيضا كما قيل في أنه لا يحل له ثلاث إماء و إن لم يكن معهن حرة. و في الرياض أنه حكي جماعة الإجماع عليه و استدل له في الرياض و الحدائق برواية أبي بصير: لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء و لكن تنظر فيه الرياض و لا خلاف أيضا ظاهرا من غير واحد أنه يحرم علي العبد تزويج ما زاد علي الحرتين أو حرة أو أمتين أو أربع إماء و يدل عليه رواية محمد بن مسلم عن العبد يتزوج حرتين و إن شاء تزوج أربع إماء قيل و المعتق بعضه كالحر في حق الإماء كما يظهر فلا يزيد علي أمتين و كالعبد في حق الحرائر فلا يزيد علي حرتين و المعتق بعضها كالحرة في حق العبد و كالأمة في حق الحر قيل و لعله لتغليب الحرام إذا اجتمع مع الحلال و العبد و الحر لو استكملا العدد في الدائم حل لهما بملك اليمين و المتعة ما أرادا أما عدم الحصر في ملك اليمين فموضع وفاق كما صرح في المسالك لعموم قوله تعالي أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و أما في المنقطع فهو المشهور و عن الحلي الإجماع عليه للروايات الكثيرة. و عن القاضي تحريم ما زاد علي الأربع لما ورد في بعض الروايات أنها أي المنقطعة عن الأربع و حمل علي الاستحباب لأنه متي جعلها من الأربع و اطلع عليه المخالفون أمكن أن يدعي أنها دائمات بخلاف ما إذا زاد و يدل عليه قول أبي الحسن ع لصفوان إنه قال أبو جعفر ع: اجعلوهن من الأربع قلت علي الاحتياط قال نعم و المراد به الاحتياط من المخالفين و اعلم أنه لو طلق واحدة من كمال العدد بائنا جاز له نكاح غيرها و أختها علي كراهية في الحال أما الجواز فلانقطاع عصمة المطلقة علي ما يستفاد من الروايات و أما الكراهة فلورود النهي عن الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة الشامل لغير الرجعية و كذا عن الأخت علي كراهة و لو كان الطلاق رجعيا حرمت الأخري و الأخت إلا بعد العدة لأنها بحكم الزوجة ما دامت في العدة ثم المحكي عن الأكثر بل المشهور إلحاق عدة المتعة بعده البائن و يشهد له تعليل الجواز في عدة البائن بانقطاع عصمتها الجاري في المنقطع أيضا. و في بعض الأخبار وجوب التربص إلي انقضائها فيتزوج أختها و حكي القول به عن المقنع و هو أحوط و قول المشهور أقوي و لو تزوج خمسا في عقد واحد أو تزوج اثنتين و معه ثلاث أو تزوج أختين في عقد واحد بطل العقد بالنسبة إلي كليهما للزوم الترجيح بلا مرجح و قيل يتخير و يدل عليه حسنة جميل و قد مر نظيره في الأختين أيضا و إذا طلقت الحرة ثلاثا بينهما رجعتان بالرجوع أو باستيناف العقد حرمت المطلقة إلا بالمحلل الذي يأتي تفصيله في باب الطلاق سواء كان المطلق حرا أو عبدا و الأمة تحرم بطلقتين سواء كانت تحت حر أو عبد بلا خلاف كما يظهر لما دل من أن الاعتبار في الطلاق و العدة بالزوجة دون الزوج فإن طلقت المرأة تسعا للعدة ينكحها بينهما رجلان بأن طلقها فراجعها في العدة و وطئها ثم طلقها ثم راجعها و وطئها ثم طلقها فتزوجها المحلل ثم بعد فراقه تزوجها فطلقها ثلاثا بينهما رجعتان مع الوطي ثم تزوجها المحلل ثم بعد فراقها تزوجها الأول فطلقها ثلاثا بينهما رجعتان مع الوطي حرمت أبدا. و إطلاق طلاق العدة علي المطلقات التسع مجاز لأن طلاق العدة ليس إلا ستة منها ثم إن غير واحدة من الروايات ليس فيها تقييد الطلقات بكونها للعدة كرواية أبي بصير المحكية عن الكافي
المكاسب، ج‌4، ص 394
و رواية جميل المحكية عن المشايخ الثلاثة و رواية أديم بن بياع الهروي المروية في التهذيب و المحكية عن الكافي و عن كتاب الحسين بن سعيد. نعم حكي عن الخصال في رواية عد المحرمات من الأزواج قول الصادق ع و تزويج الرجل امرأة طلقها للعدة تسع تطليقات و نحو ذلك حكي عن الفقه الرضوي و حيث إنهما في مقام البيان تدلان علي نفي الغير بالمفهوم مع أن في الرضوي دلالة بالمنطوق ظاهر و نحوهما فتوي علي بن إبراهيم الكاشفة عن وجود النص فيصلح هذا كله بعد اشتهار مضمونها لتقييد تلك المطلقات مضافا إلي رواية معتبرة رواها عبد الله بن بكير في عدم احتياج المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بعد انقضاء عدة كل طلاق إلي المحلل. فإن قوله ع فيها له أن يتزوجها أبدا معناه إلي أنه لا تصير المرأة عليه محرمة أبدا بل يجوز تزويجه أبدا بعد المحلل في كل ثلاث ثم بناء علي اختصاص الحرمة الأبدية بالمطلقة للعدة فلو كان في كل من الأدوار الثلاثة طلاق واحد للعدة لم يحصل التحريم الأبدي و كذا لو كان في بعض الأدوار طلاقان للعدة و في بعض آخر واحد هذا كله في الحرة و أما في الأمة فالحكم فيه بتحريمها مؤبدا محل نظر من أن الطلقات الست فيها بمنزلة التسع في الحرة حيث إنها تحرم بعد كل طلقتين حتي تنكح زوجا غيره و من أن حكم النص معلق علي تسع طلقات بينها محللان فإذا طلقت الأمة بين كل طلقتين محلل يصدق عليها أنها طلقت تسعا و نكحت بينها رجلان و إن كان قد نكحها بينها أكثر حينئذ إلا أن ذلك لا ينفي صدق الرجلين و من أن الظاهر المتبادر من النص هي الحرة. فينبغي أن تبقي الأمة علي أصالة الإباحة مع أن ظاهر تحلل الرجلين نفي الزائد فيصير هذا قرينة لإرادة الحرة و اعلم أن عقد علي امرأة في عدتها الرجعية أو البائنة دواما أو انقطاعا أو للوفاة عالما بالحكم و الموضوع حرمت المرأة عليه أبدا و إن لم يدخل بها و كذا إن جهل العدة و التحريم أو أحدهما و لكن دخل و لو لم يدخل بطل العقد و له استينافه بعد الانقضاء اتفاقا في الجميع كما يظهر من غير واحد و يدل عليها أخبار منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا و إن لم يدخل بها حلت للجاهل و لم تحل للآخر و إطلاق التحريم بالدخول مع الجهل يشمل ما لو وقع الدخول في العدة أو بعدها. و حسنته الأخري عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع و تتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا قال إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل له أبدا و اعتدت بما بقي عليها من الأول و استقلت عدة أخري من الآخر ثلاثة قروء و إن لم يكن دخل بها فرق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الأول و هو خاطب من الخطاب و صريحها الدخول في العدة و نحوها في الصراحة موثقة محمد بن مسلم لكن لا يخفي أن اختصاص موردها بصورة الدخول في العقد لا تقتضي اختصاص الحكم بذلك فبقي إطلاق رواية الحلبي السابقة و نحوها علي حالها. و صرح في المسالك باشتراط الدخول في العدة في التحريم و لعل وجهه أن الدخول مع الجهل إنما يوجب التحريم إذا وقع في زمان لا يصلح الزوجة للنكاح و بعد الدخول لا فرق بين الدخول بها و بغيرها فمن لم يعقد عليها العدة و جوابه واضح لاحتمال مدخلية العقد في ذلك مضافا إلي أنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النص إلا أن يدعي ظهور ذلك من النص ثم إن بعضهم صرحوا بلحوق عدة الشبهة بعده الطلاق و المتمتعة و في دلالة النصوص عليه تأمل لانصراف العدة إلي غيرها ثم إذا كان الدخول بالمعقودة في العدة لشبهة استحقت المهر مع جهلها و هل هو المسمي أو مهر المثل قولان أقواهما الثاني لفساد المسمي بفساد العقد و اعتدت من وطء الشبهة بعد إتمام عدتها الأولي للحسنة الثانية و رواية محمد بن مسلم المتقدمتين.
و في بعض الأخبار ما يدل علي الاكتفاء بعده واحدة و هل يلحق مدة استبراء الأمة فيه إشكال الأقوي العدم اقتصارا علي مورد الدليل و هل يلحق بالمعتدة ذات البعل قيل فيه وجهان من مساواتها لها في المعني و من انتفاء العدة التي هي مورد النص و في الوجهين نظر لا يخفي إذ السماوات لا تصلح دليلا للحكم الشرعي حتي يتعدي و لا النص مختص بالمعتدة حتي يقتصر بل الأقوي الإلحاق أما التحريم مع العقد عليها عالما لموثقة أديم بن بياع الهروي قال قال أبو عبد الله ع: التي تتزوج و لها زوج يفرق بينهما ثم لا يتعاودان خرج منه ما لو جهل و لم يدخل بقي ما لو علم أو دخل و نحوها مرفوعة أحمد بن محمد و عبارة الرضوي و يدل علي التحريم مع الدخول مضافا إلي الموثقة المذكورة موثقة زرارة: في المرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك ثم طلقها زوجها أو مات عنها قال تعتد عنهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ليس للآخر أن يتزوجها أبدا و نحوها خبر آخر و لا يعارضها الصحيح الآتي بالعموم من وجه لظهورها في صورة الجهل مع وجوب الرجوع علي هذا الفرض إلي عموم موثقة أديم بن بياع الهروي و نحوها مضافا إلي الأولوية الجلية فإن بقاء النكاح لو لم يؤكد التحريم لم ينفه قطعا. و أما عدم التحريم مع الجهل و عدم الدخول فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه و صرح بدعوي الإجماع في الرياض و في الحدائق ليس فيه خلاف يعرف و يدل عليه أيضا الصحيح: عمن تزوج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الآخر أ يراجعها قال لا حتي تنقضي عدتها و أما التحريم مع الدخول و العلم فهو اتفاقي لأنه زني بذات البعل و يدل عليه غير واحد من الأخبار و علي كل حال فإن دخل بها مع الجهل لحق به الولد إن جاء لستة أشهر منذ وطئها لأن وطء الشبهة بمنزلة الصحيح و فرق بينهما و عليه المهر مع جهلها لا علمها إذ لا مهر لبغي و تتم عدة الأولي لكونها فيها و تقدم سببها و تستأنف أخري كل ذلك علم مما سبق و لو زني بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت المزني بها علي الزاني أبدا بلا خلاف فيه ظاهرا.
و حكي في الرياض الإجماع عليه عن جماعة و في الحدائق عن غير واحد و يدل عليه فحوي ما تقدم من الحكم بالحرمة مع العقد عالما بدون الدخول و كذا الدخول مع الجهل مضافا إلي صريح المحكي عن الرضوي في تحريم الزني بذات البعل و أنه لا يحل للزاني تزويجها أبدا و أنه يقال لزوجها يوم القيامة خذ من حسناته ما شئت و يدل علي حكم المعتدة رجعيا بانضمام ما دل علي أنها بمنزلة الزوجة و قد يستدل بما تقدم من الدليل علي التحريم بالعقد و الدخول الشامل بصورة العلم و هو الزني و فيه نظر إذ لعل للزني المستند إلي العقد تغليظ عقوبة حيث استند في العمل القبيح إلي الأسباب الشرعية فجعلها واسطة في خلاف ما وضع لأجله و لذا عد معصية الله سبحانه فيما يكون بصورة العبادة أغلظ من غيرها و لهذا لو زني بغيرها من المعتدات لم تحرم عليه عند المصنف و غيره مع أن العقد عليها مع الدخول بها محرم
المكاسب، ج‌4، ص 395
إجماعا كما تقدم. نعم ربما يحتمل التحريم هنا من جهة فحوي حكم الدخول بها مجردا و العقد المجرد عليها عالما و فيه تأمل و في حكم المعتدات غيرها الخالية عن الزوج و الموطوءة بشبهة و الموطوءة بالملك و كذا الحكم فيما لو أصرت امرأته عليه أي علي الزني فإنه لا يوجب حرمتها عليه و إن عقد المحرم علي امرأة عالما بالتحريم حرمت مؤبدا و إن لم يدخل بها إجماعا حكاه في الرياض عن جماعة و يدل عليه المحكي عن الخصال و بعض الروايات و إن كان جاهلا فسد عقده إجماعا و لكن لا تحرم علي الأشهر بل عن التذكرة و المنتهي الإجماع عليه و يدل عليه المحكي عن كتاب الحسين بن سعيد و مفهوم الخبر المحرم إذا تزوج و هو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا خلافا للمحكي عن المقنع و سلار فحكموا بالتحريم لعموم ما دل عليه. و من أوقب غلاما أو رجلا و لو بإدخال بعض الحشفة الغير الموجب للغسل علي تأمل فيه من جهة انصراف النصوص و الفتاوي إلي غيرها حرمت عليه أمه و إن علت و بنته و إن نزلت و أخته لا بناتها اتفاقا في جميع ذلك علي الظاهر المصرح به في كلام بعض و المحكي في كلام آخرين و لا تحرم واحدة من هؤلاء لو سبق العقد عليها اللواط بشرط وقوعه حال الزوجية أما لو عقد علي إحداهن ففارقها ففعل ذلك القبيح فالظاهر حرمة تزويج المفارقة لأن عموم قوله: لا يحرم الحرام الحلال في الحلال بالفعل و هكذا حكم غير المسألة من مسائل المصاهرة و ما يلحقها ثم إن أصل الحكم في صورة العقد اتفاقي لا مخالف فيه فتوي و رواية إلا ما يظهر من بعض الروايات: من أن من أتي أخا امرأته حرمت عليه امرأته و هي محمولة علي إرادة أخ من صدق عليها أنها امرأته في الحال دون زمان الإتيان و إن كان مخالفا للظاهر لأن ظاهر الموضوعات المتصفة بعنوان ثبوت الوصف العنواني فيها حال عروض المحمول لها حال الإخبار عن وقوعها. و ظاهر إطلاق العبارة كسائر العبائر عدم الفرق في الفاعل بين الصغير و الكبير إلا أن المذكور في الأخبار هو الرجل و حمله علي كونه رجلا لها حال الحكاية بعيد كما عرفت و يؤيده الحكم بالتحريم عليه حيث إنه من عوارض أفعال البالغين اللهم إلا أن يقال إن المراد بالتحريم في هذه المقامات هو مجرد الفساد كما أن صيغة النهي قد تستعمل لمحض ذلك فكذا مادة التحريم و اعلم أن المشهور أنه لا يحرم علي المفعول بسبب هذا العمل أحد من أقارب الفاعل. و حكي عن شرح النافع حكاية نقل القول بإلحاقه بالفاعل عن بعض و من لا عن امرأة حرمت عليه أبدا بلا خلاف في ذلك ظاهرا كما صرح به غير واحد و سيأتي الكلام فيه و كذا لو قذفها صما أو خرسا فيما يجب اللعان لو لا خرسها أو صمها بأن يرميها بالزني مع دعوي المشاهدة و عدم البينة قيل و الحكم بالرواية مختص بجامعة الوصفين لكن المحكي عن الأكثر الاكتفاء بأخذ الأمرين و عن الغنية و السرائر الإجماع قيل و في بعض مواضع من التهذيب ذكر الرواية بعطف أحدهما علي الآخر بلفظ أو بدل الواو و الموجود عندي هو ذكر لفظ أو في الرواية المروية في التهذيب عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير و ذكر عبارة الفقيه قبل هذه الرواية بلفظ أو أيضا. نعم في بعض الروايات الاكتفاء بالخرس وحده و يثبت الاكتفاء بالصمم وحده بعدم القول بالفصل. و حكي عن الصدوق تعدي الحكم إلي ما لو قذف الزوجة زوجها الأصم للمرسل و كل مقام ثبت الحرمة فالواجب تمام المهر و إن كان قبل الدخول لأن إلحاقه بالطلاق قياس لا نقول به ثم هل ينفي بذلك الولد عن أبيه الملاعن أم لا وجهان و لو دخل الزوج بصبية لم تبلغ تسعا و تزوجها فعل محرما بلا خلاف كما يظهر من كلام بعضهم و لم يحرم عليه بذلك ما لم يفضها علي المعروف ممن عدا الشيخ و له إطلاق بعض الروايات فلو أفضاها بجعل مسلك البول و الحيض واحدا و ربما فسر بجعل مسلك الحيض و الغائط واحد و هو بعيد الوقوع حرمت عليه أبدا لمرسلة زيد بن يعقوب و عليه الإنفاق عليها حتي يموت أحدهما لرواية الحلبي و هل تبين منه بغير طلاق أم لا ظاهر رواية يزيد بن معاوية و رواية حمران المحكية عن الفقيه بل صريحهما الثاني و ظاهر المرسلة المتقدمة الأول و هو المحكي عن ابن حمزة و أيده في المسالك تبعا للمحقق الثاني علي ما حكي
بأن التحريم المؤبد ينافي النكاح إذ ثمرته حل الاستمتاع و لأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا كالرضاع و اللعان و القذف للزوجة الصماء و الخرساء. و فيه أن انحصار ثمرة النكاح في حل الاستمتاع إنما توجب عدم جواز ابتداء النكاح علي من يحرم الاستمتاع منه لا بقاءه و أما حرمة النكاح بالرضاع السابق الموجب لانفساخ اللاحق فلوجود الدليل. و الحاصل أن الخروج من أصالة بقاء النكاح حرمة الزوجة للغير لا بد له من دليل قاطع و لا اعتبار بالاعتبار قد طعن ابن إدريس علي هذا القول بما لا مزيد عليه بل ظاهره ثبوت الاتفاق علي عدم بينونتها بغير الطلاق علي ما حكي عنه ثم لو طلقها أو قلنا بأنه تبين منه بغير طلاق لو تزوجت فهل يجب علي المفضي الإنفاق عليها أيضا أم لا الأظهر الثاني و إن كان مقتضي إطلاق رواية الحلبي الأول و فيها يجب الإجراء عليها ما دامت حية لانصرافها علي صورة عدم تزوجها حيث إن الغالب عدم رغبة الأزواج فيها بعد الإفضاء كما تدل عليه الرواية القابلة بأنه قد أفسدها و أبطلها علي الأزواج مضافا إلي ما دل علي وجوب نفقة الزوجة علي زوجها الشامل لهذه الزوجة و ليس إطلاق تلك الأدلة أدون من إطلاق هذه الرواية فيتعارضان حيث يدل كل منهما علي وجوب الاتفاق عينا و يترجح تلك الأدلة باعتبار موافقتها للقواعد الشرعية من كون النفقة في مقابل التمكين و غير ذلك مما لا يخفي

الباب الرابع في موجب الخيار و هو العيب و التدليس

الأول في العيب

العيوب المجوزة لفسخ النكاح في الرجل أربعة الجنون و الخصي و الجب و العنة

و سيأتي الدليل علي كونها عيوبا و تفصيل أحكامها و هل الجذام و البرص عيب في الرجل فيه قولان الأشهر لا و المحكي عن القاضي و الإسكافي و الشهيد الثاني نعم لعموم الصحيح: إنما يرد النكاح من البرص و الجنون و الجذام و الفعل و لأدائه إلي الضرر لأنهما من الأمراض المتعدية باتفاق الأطباء. و في الخبر: فر من الجذام فرارك من الأسد مع أنها عيب في المرأة مع طريق التخلص للرجل إلي فراقها بالطلاق فثبوته في الرجل بطريق أولي حيث لا طريق للمرأة إلي فراقه بوجه آخر و رد باختصاص الصحيح بالمرأة بحكم سياقه و السؤال المذكور له في غير التهذيب و التخلص يمكن مع التضرر بإجبار الحاكم له علي الطلاق لو تضررت بالمباشرة و المعاشرة مضافا
المكاسب، ج‌4، ص 396
إلي أنه مستلزم لثبوت الفسخ بجميع الأمراض المعدية و هل يرد بالعمي المحكي عن القاضي و الإسكافي. نعم و ألحق الثاني به العرج و الزمن الثابت قبل العقد أو بعده و حكي عن الشيخ في المبسوط أنه عد من العيوب ما لو ظهر الزوج خنثي. و في المسالك أن موضع الخلاف ما إذا كان محكوما بالذكورية بالأمارات للتنفر عنه و عدم حصول الاطمئنان بالأمارات أما لو كان مشكلا تبين فساد النكاح و عيوب المرأة سبعة الجنون و الجذام و البرص و القرن بسكون الراء و هو العفل و هو لحم ينبت في قبل المرأة أو شي‌ء يخرج من قبل المرأة شبه الأدرة للرجل أعني انتفاخ الخصيتين أو عظم كالسن في قبل المرأة. و اتحاد العفل و القرن هو المحكي عن أكثر أهل اللغة و الفقهاء و يدل عليه الصحيح: المرأة ترد من أربعة أشياء البرص و الجذام و الجنون و القرن و هو العفل ما لم يقع فإذا وقع عليها فلا و نحوها خبر آخر كما قيل ثم إنه لا خلاف نصا و فتوي في أن هذه الأربعة عيوب في المرأة توجب الفسخ و لا فرق في الجنون بين المطبق و الأدواري و هل القرن عيب مطلقا أو بشرط كونه مانعا عن الجماع بسهولة و لذا أطلق في كلام جماعة من أهل اللغة أنه يمنع الوطي و لكن يستفاد من غير واحد من الأخبار إمكان وطئها و علي كل حال فالمحكي عن الشيخ و الأكثر هو عدم ثبوت الخيار مع إمكان الوطي للأصل و عدم ثبوت المقتضي للخيار فإنه إنما نشأ من حيث المنع عن الوطي و حكي عن الشيخ و الأكثر عدم ثبوت الخيار أيضا و مال إليه المحقق في الشرائع لإطلاق الأخبار و تصريح بعضها بالخيار و لو مع الدخول ثم إن الخيار إنما يثبت بالجذام و البرص إذا تحققا بشهادة أهل الخبرة و يظهر من بعض اعتبار التعدد فيه لأنها شهادة و في اعتبار العدالة نظر و قد يشتبه البهق بالبرص.

و الخامس من العيوب الإفضاء

و هو جعل المسلكين واحدا و لا خلاف ظاهرا في ثبوت الخيار به كما يظهر من غير واحد و يدل عليه مصححة الحذاء.

و السادس العمي

و لا خلاف فيه ظاهرا إلا ما يحكي عن ظاهر المقنع و المبسوط و يدل عليه مصححة داود بن سرحان و موثقة ابن مسلم.

و السابع العرج مطلقا

علي ما حكي عن الشيخين و الإسكافي و الحلبي و أكثر الأصحاب لمصححة داود بن سرحان و موثقة محمد بن مسلم أو بشرط كونه بينا كما ذهب إليه آخرون منهم المصنف قدس سره في المختلف و التحرير و يمكن أن يراد به ما كان كثيرا متفاحشا لبعد كون اليسير جدا عيبا بل الأخبار أيضا منصرفة إلي البين و قيل ليس بعيب مطلقا و قيل إنه عيب إن بلغ الإقعاد و الأول أقوي

و هل يثبت الخيار بالرتق

و هو علي ما حكي من أهل اللغة التحام الفرج بحيث لا يكون للذكر فيه مدخل و عن التحرير أنه لحم ينبت في الفرج فيرادف العفل فيه قولان أظهرهما نعم لعموم التعليل في رواية أبي الصباح: عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا قال هي لا تحبل و لا يقدر زوجها علي مجامعتها ترد و هي صاغرة قلت فإن كان دخل بها قال إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها يعني الجامعة ثم جامعها فقد رضي بها و إن لم يعلم إلا بعد ما جامعها فإن شاء طلق بعد و إن شاء أمسك و نحوها رواية الحسن بن صالح عن الفقيه و الكافي و المراد بالطلاق هو الطلاق اللغوي بالفسخ لا الطلاق الشرعي

و اختلف في المحدودة في الفجور

ففي كثير من المتقدمين بل عن أكثرهم أنها ترد للعار علي الزوج و لم أجد في الروايات ما يدل علي هذا الحكم. نعم في بعض الروايات عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت قال إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها و لها الصداق بما استحل من فرجها و إن شاء تركها و هذا يدل علي جواز الرجوع علي وليها بالصداق أو ليس إلا كونه عيبا يفسخ به و عن الشيخ أنه حكم بضمان الولي مع عدم الخيار و عن المختلف رده بأنهما لا يجتمعان و إثبات مثل هذا الحكم بمثل هذا المستند مشكل

و تفسخ المرأة نكاحها بالجنون الحاصل للرجل

و إن كان أدوارا سواء تجدد بعد الوطي أو كان سابقا عليه أو علي العقد بلا خلاف صريح إذا كان لا يعقل أوقات الصلاة و إن كان يعقل فإن كان قبل العقد أو مقارنا له فالمعروف عمن عدا ابن حمزة الفسخ أيضا و إن كان متأخرا عن العقد فالمحكي عن أكثر المتقدمين عدم الفسخ خلافا لكثير من المتأخرين و لهم إطلاق رواية علي بن حمزة عن أبي إبراهيم ع: عن المرأة يكون لها زوج و قد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض لها جنون فقال لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت و أضاف إليها في المسالك إطلاق صحيحة الحلبي أنه إنما يرد النكاح من البرص و الجذام و العفل و الجنون و اعترض بأن ظاهر السؤال المذكور في هذه الرواية في غير التهذيب هو حكم المرأة. نعم أورد في التهذيب من غير سؤال و استدل للقدماء بالمحكي عن الفقه الرضوي و المسألة محل إشكال

و تفسخ المرأة نكاحها بالخصاء

و هو سل الأنثيين و إخراجهما و في معناه حكما الوجاء و هو رض الخصيتين و حكي عن بعض أنه أفراد الخصاء فيعمه كلما دل علي ثبوت خيار الفسخ بالخصاء من الأخبار الكثيرة و ظاهر اتفاق الفتاوي. نعم حكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط أن الخصاء ليس بعيب لأنه يقدر علي الوطي و يبالغ فيه أكثر من غيره من جهة عدم الإنزال و هو ضعيف في مقابلة النصوص و إن لم يكن من أفراده فإلحاقه به مشكل و هذا الحكم في الخصاء ثابت إن كان حصوله سابقا علي العقد و إلا يكن سابقا فلا خيار لها لأصالة بقاء النكاح و اختصاص أدلة الفسخ بصورة تدليس الخصي و هو ظاهر بل صريح في تقدم خصائه علي العقد

و تفسخ المرأة أيضا نكاحها بالعنة

و هو كما قيل مرض يعجز معه من الإيلاج لضعف الذكر عن الانتشار من دون تقييد بعدم إرادة النساء و ربما حكي عن المصباح المنير عن بعض أهل اللغة اعتباره. و حكي عن الفقهاء الاكتفاء بالأول و يشهد بذلك رواية الكناني و رواية أبي بصير المعبرتان عن العنن بعدم القدرة علي النساء من دون تقييد بعدم إرادتهن و ثبوت الفسخ بها ثابت بالإجماع ظاهرا كما يظهر من غير واحد و يدل عليه الأخبار المستفيضة و إطلاق غير واحد منهما يدل علي ثبوت الخيار و إن تجددت بعد العقد قبل الوطي و أما لو تجددت بعد الوطي و لو مرة كما في روايتي السكوني و إسحاق أو عن عنها خاصة أو عن القبل خاصة فلا خيار خلافا في الأول للمحكي عن المصنف و جماعة لإطلاق بعض النصوص و قد عرفت أنها مقيدة بالروايتين المنجبرتين بفتوي الأكثر و حكاية الإجماع عن المعتبر و في الثاني عن المفيد خاصة فاكتفي بالعنة عنها خاصة لبعض الأخبار و يقيد
المكاسب، ج‌4، ص 397
بما في بعض آخر من اعتبار العجز عن إتيان النساء و لو ادعي الزوج الوطي لها أو لغيرها بعد ثبوت العنة صدق المدعي باليمين و علل بأنه فعله فلا يعرف إلا من قبله و تعذر الإشهاد عليه فكان كالعدة في النساء و قيل إن المرأة لو كانت بكرا نظر إليها من يوثق بها من النساء و إن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا حيث لا يعلم فإن ظهر شي‌ء منه علي العضو صدق ثم مع ثبوت العنة بإقراره أو بما في حكمه إن صبرت المرأة فلا فسخ و إلا تصبر رفعت أمره إلي الحاكم فيؤجله سنة من حين المرافعة بلا خلاف ظاهر كما ادعي للمحكي عن قرب الإسناد و رواية البختري عن علي ع أنه كان يقضي في العنين أنه يؤجل سنة من يوم مرافعة المرأة فإن وطئها أو غيرها كما مر مع خلاف المفيد فلا فسخ و إلا فسخت و لها نصف المهر لمصححة أبي حمزة و المحكي عن الفقه الرضوي و إلا فليس الفسخ طلاقا يوجب تنصيف المهر بل مقتضي الفسخ عدم المهر أصلا و لهذا لا شي‌ء لها لو فسخت لغيره أي غير العنن قبل الدخول. و في احتساب مدة السفر من السنة إشكال و لو رضيت بأن يقيم معها فطلقها ثم جدد العقد عليها فلا خيار لها مع العلم بأنه الزوج السابق أما لو وطئها في العقد الأول ثم عن في الثاني فلها الخيار و وجهه واضح. و أما الجب و هو قطع الذكر فإن استوعب العضو فسخت المرأة به و إلا يستوعبه بل بقي مقدار الحشفة فلا فسخ أما الفسخ في الأول فقد حكي عن المبسوط و الخلاف عدم الخلاف فيه و يدل عليه عموم رواية الكناني الدالة علي ثبوت الفسخ في امرأة ابتلي زوجها فلم يقدر علي الجماع مضافا إلي فحوي ثبوت الخيار في الخصي مع إمكان الوطي فيه بل قيل إنه يبالغ فيه أكثر من غيره. و في العنن مع إمكان زواله مضافا إلي نفي الضرر و أما عدم الفسخ لو بقي مقدار الحشفة فادعي عليه الإجماع مضافا إلي لزوم الاقتصار في مخالفة الأصل علي موضع النص و لهذا لو تجدد الجب بعد العقد فلا خيار و قيل بثبوته لعموم مصححة الكناني و رواية ابن مسكان عن أبي بصير في امرأة ابتلي زوجها فلم يقدر علي الجماع و فحوي ثبوته في العنن و كذا يتحقق الخيار مع الرتق و قد تقدم الكلام فيه هذا إذا لم يكن إزالته بشق موضع الالتحام أو غيره و أما إذا أمكن فإن لم يمتنع المرأة عن الإزالة فلا خيار للأصل و اختصاص ما سبق من الدليل بغير الفرض و لو امتنعت فالذي اختاره المصنف قدس سره هنا هو ثبوت الخيار و فيه إشكال بل لا يبعد أن يقال بإجبارها علي الإزالة مع عدم تضررها بها زائدا علي ألم الإزالة لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت لإمكانه و ما تقدم من دليل الخيار لا ينصرف إليه لأن التعليل المذكور في القرن أعني عدم القدرة علي مجامعتها يراد به عدم القدرة مع إمكان العلاج و إزالة المرض كما هو الظاهر المتبادر و الله العالم.

و اعلم أن الخيار في الفسخ و العيب و التدليس علي الفور

بلا خلاف يعرف كما صرح به جماعة هذا مع العلم بالخيار و الفورية و لو جهل أحدهما فلا يبعد معذوريته إلي زمان العلم لإطلاق الأخبار و استصحاب الخيار و نفي الضرر و إن كان العيب مما يحتاج إثباته إلي المرافعة كان المرافعة فورية فإذا ثبت العيب كان الفسخ فوريا و كذا مرافعة العنن إلي الحاكم و ما يتجدد من عيوب المرأة بعد العقد لا يفسخ به و إن كان تجدده قبل الوطي لأصالة اللزوم و اختصاص أكثر الأخبار كما قيل بصورة سبقها علي العقد. نعم بعضها مطلقة و لكن لا تنافي بين المطلقات و المقيدات حتي يحمل عليها إلا أن يدعي انصراف المطلقات إلي صورة تقدمها علي العقد كما ادعاه في الرياض و المسألة لذلك محل إشكال و يمكن أن يستدل علي ذلك بأن الأخبار و فتاوي الأصحاب أطبقت علي استحقاق الزوجة بشي‌ء من المسمي إذا فسخ قبل الدخول و لا يتأتي ذلك إلا مع سبق العيب علي العقد حتي يكون الصداق من أصله متزلزلا أما لو تجددت بعد العقد و المفروض تملك الصداق بالعقد و استقرار ملكها علي المشهور فإذا حصل العيب الحادث بعد العقد يحكم بثبوت المهر كلا لأن الفسخ ليس طلاقا و لا أقل من ثبوت نصف المهر لاستقراره بالعقد و عدم وجود عيب حين العقد حتي يوجب تزلزله اللهم إلا أن يقال إن استقرار نصف المهر المجمع عليه إنما هو بالإضافة إلي عدم اشتراطه بالدخول فلا ضرر في التزام تزلزله بالنسبة إلي العيب الحادث قبل الوطي فتأمل أما إذا تجددت بعد الدخول فينبغي القطع بعدم الخيار بل ادعي الوفاق عليه و يدل عليه كثير من الأخبار.
و حكي عن الشيخ ثبوت الخيار هنا أيضا و لا يشترط في الفسخ شرط من شروط الطلاق لأنه ليس طلاقا شرعيا و إن أطلق عليه التطليق في غير واحد من الأخبار و المراد الإطلاق و لا التلفظ بصيغة خاصة و لا أن تكون بحضور الحاكم خلافا للمحكي عن شاذ منا إلا في العنة فإنه لا بد من رفع الأمر إليه ليضرب الأجل و هذا الاستثناء منقطع لأن الفسخ في العنة لا يتوقف علي الحضور عند الحاكم إذ لها الفسخ بعد انقضائه أي بدون الحاكم و كما لا يشترط الحضور عند الحاكم لا يشترط حضور شاهدين لما عرفت من أن الفسخ ليس بطلاق و إذا اختلف الزوجان في العيب كان القول قول منكر العيب مع عدم البينة لأصالة السلامة و لزوم العقد و علي المنكر اليمين فإن نكل أحلف المدعي و يثبت العيب و إذا فسخت المرأة بالعيب أو التدليس قبل الدخول فلا شي‌ء بلا خلاف فتوي و نصا إلا في الخصي. فقد حكي عن الشيخ و جماعة ثبوت جميع المهر عليه بالخلوة و عن أخري ثبوت نصف المهر مع عدم الدخول مطلقا لروايتي قرب الإسناد و الفقه الرضوي إلا في فسخها لأجل العنة فإن لها النصف و إن كان فسخها بعده أي بعد الدخول كان لها المسمي لاستقراره بالدخول قال في المسالك و مقتضي القواعد أنه لا فرق بين الفسخ بالعيب الحادث قبل العقد و بعده لأن الفسخ لا يبطله من أصله و لهذا لا يرجع عليها بالنفقة الماضية و قال الشيخ في المبسوط إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمي لأن الفسخ إنما يستند إلي العيب الطاري بعد استقراره و إن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل لأن الفسخ و إن كان في الحال إلا أنه مستند إلي حال حدوث العيب فيكون كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب فيصير كأنه وقع فاسدا فيلحقه أحكام الفاسد فإن كان قبل الدخول فلا مهر و لا متعة و إن كان بعده فلا نفقة للعدة و يجب مهر المثل. ثم قال في المسالك و لا يخفي ضعفه لأن النكاح وقع صحيحا و الفسخ و إن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من
المكاسب، ج‌4، ص 398
أصله بل من حين الفسخ خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد فإن دليله لا يجي‌ء انتهي و إن فسخ الرجل قبله أي قبل الدخول فلا مهر لها و لا عدة عليها بلا خلاف نصا و فتوي و ادعي الإجماع في الرياض و إن كان بعده فلها المسمي و يرجع الزوج به علي المدلس كما يظهر من الحدائق و ادعي الإجماع عليه في الرياض و للأخبار فإن كان المدلس هي سقطت إلا أقل ما يمكن أن يكون مهرا لئلا تخلو البضع عن عوض و قيل أقل مهر مثلها و الأخبار خالية عن هذا الاستثناء و لهذا أنكره جماعة كما في الرياض و ارتضاه و لو لم تكن هي المدلس بأن خفي عيب المرأة عليها و علي وليها فلا رجوع للزوج علي أحد.

الثاني في التدليس

و هو إظهار صفة كمال في المرأة مع انتفائها عنها أو إخفاء صفة نقص و الفرق بينه و بين العيب أن منشأ الخيار في العيب مجرد ثبوته في الواقع و في التدليس اشتراط الصفة بحيث لو لا الاشتراط لم يثبت فلو تزوجها علي أنها حرة باشتراط ذلك في متن العقد لفظا أو ذكره قبله بحيث أجريا العقد علي ذلك فخرجت أمة فله الفسخ عملا بمقتضي الشرط إذ ليس فائدته إلا التسلط علي الفسخ مع عدمه و حكي عن الشيخ في الخلاف و المبسوط البطلان و علل تارة بعموم: المؤمنون عند شروطهم حيث إن مقتضي وجوب الوفاء بمقتضي الشرط عدم بقاء التزويج بدونه ثم رده المعلل باختصاص العموم بغير المستحق أما المستحق فلا يجب عليه الوفاء إذ له إسقاطه لأنه من حقوقه و أخري بأن نكاح الأمة بدون إذن المولي باطل و رده المعلل بأنه مختص بما إذا لم يكن التزويج بإذن مولاها و كيف كان فهذا القول ضعيف مع إذن المولي و عدمه أما مع إذن المولي فلعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ خرج منه الوفاء بالعقد قبل الإمضاء و بقي الباقي و منه هذا العقد بعد الإمضاء و أما مع عدم الإذن فلما تقدم من عدم وقوع العقد باطلا بل موقوفا علي إجازة المولي. و مما ذكرنا من الدليل و عمومه يظهر ثبوت خيار الفسخ و إن دخل بها فإن التصرف مع الجهل لا يزيل خيار الشرط فإن لم يفسخ الزوج فلا كلام و إن فسخ فإن كان قبل الدخول فلا مهر بلا خلاف ظاهر إلا أن سبب الفسخ حصل من قبلها كذا علل و إن كان بعد الدخول فإن كانت المرأة قد دلست نفسها بإذن المولي لها في التزويج فتزوجت مدلسة دفع المهر إلي المولي لأنه مالك بضع الجارية فله عوضه و لا يسقط حقه بتدليس غيره و تبعها به بعد عتقها إذ في جعلها في ذمتها قبله إضرار بالمولي و في الحكم بعدم استحقاق الزوج شيئا إضرار بالزوج مع إمكان تداركه بما ذكر و اتباعها بالمهر بعد العتق ليس منافيا لحق المولي. نعم لا يقدر المملوك لأن يشغل ذمته و لو علي هذا الوجه لأنه مملوك لا يقدر علي شي‌ء و لا ينافي ذلك تعلق شي‌ء بذمته قهرا و إن كان سببه اختياريا كما لو أقرض بدون إذن مولاه فلأنه إتلاف اختياري موجب لضمانه قهرا و إن دلسها مولاها فلا مهر لأن المملوكة لا يستحق مهرا و المولي هو المدلس و ثبوت الرجوع علي المدلس ينافي الحكم بوجوب الدفع إلي المولي ثم الارتجاع منه ما هو مسبب لغرامة ما يغترمه الزوج فلا معني لاستحقاقه له ثم الرجوع به عليه و لا يستثني في مقابل الوطي شي‌ء من مهر المثل أو أقل يتمول و وجهه في المسالك بعموم الدليل الدال علي الرجوع به علي المدلس. و ينبغي أن يراد بالدليل عموم التعليل في بعض الأخبار المتقدمة في العيب ففي بعضها في مقام بيان علة الرجوع إلي ولي المرأة المعيبة إذا دلسها قال ع: و إنما جاز عليه المهر لأنه دلسها و يستفاد هذا من غيره أيضا كما لا يخفي علي من راجعها و تعتق عليه أي علي مولي الجارية المدلسة لو تلفظ عند التدليس بما يقتضي إنشاء العتق أو الإخبار به علي وجه الإقرار و حينئذ فصح العقد مع إذن المرأة سابقا أو إجازتها لاحقا و لها المهر و لا خيار له و الولد حر و علي أبيه المغرور قيمته يوم سقط حيا للمولي و يرجع به علي الغار و لو كان الغار هو المولي فلا يستحق شيئا لأن الرجوع عليه لمكان غروره ينافي استحقاقه و لو كان الغار عبدا أتبع بالقيمة بعد العتق. و لو انعكس الفرض بأن تزوجت الحرة رجلا علي أنه حر فبان عبدا فلها الفسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي‌ء لها لأن الحدث جاء من قبلها و إن كان بعده ثبت لها المهر علي السيد إن أذن في العقد لأن إذنه يستلزم تعلق عوض الوطي بذمته و إن كان بغير إذنه أتبع العبد به بعد العتق و اليسار و مستند الخيار في هذا الفرض مضافا إلي أنه مقتضي الشرط مصححة محمد بن مسلم و لو شرط كون المرأة المعينة المعقود عليها بنت مهيرة أي حرة لأن ذات مهر دائما دون الأمة فإنها قد توطأ بالملك كما قد توطأ بالمهر فبانت بنت أمة كان له الخيار في ردها فإن رد قبل الدخول فلا شي‌ء و إن رد بعده فلها مهر المثل بما استحل من فرجها و يرجع به علي المدلس. و لا خيار هنا بدون ذكر الشرط في متن العقد و تبع المصنف قدس سره هنا المحقق
رحمه الله في الشرائع حيث أطلق الحكم بالخيار في السابق بحيث يمكن أن يعمم لما إذا ذكر الشرط سابقا و أجري العقد عليه و هنا قيد الحكم بما إذا شرط في متن العقد. و ذكر في المسالك الفرق بين هذه و السابقة من وجهين الأول إطلاق النص هناك حيث ورد السؤال فيها عن رجل تزوج حرة فوجدها أمة دلست نفسها الثاني أن الحرية أمر مهم ففواتها نقص بين يصلح لتسلط من قدم عليه علي الرد إذا ظهر خلافه بخلاف الحرة التي أمها حرة أو أمة فإن التفاوت بينهما ليس كالتفاوت بين الحرة و الأمة و لا قريبا منهما بل ربما لا يظهر التفاوت بينهما أو يكون الكمال في جانب بنت الأمة مع اشتراكهما في الوصف بالحرية فلم يكن لفواته أثر إلا مع الشرط في ضمن العقد عملا بعموم الوفاء بالشرط و بفواته يظهر تزلزل العقد هذا كله إذا وقع العقد علي المرأة معينة و شرط كونها بنت مهيرة فظهرت بنت أمة أما لو زوجه بنت مهيرة و أدخل عليه امرأة أخري هي بنت أمة لم يعقد عليها ردت وجوبا بمجرد العلم فإن رد قبل الدخول فلا شي‌ء لها عليه و إن كان بعده مع جهل الزوجة بعدم العقد عليها كان عليه مهر المثل لأجل وطء الشبهة و عليها العدة و يرجع الرجل به أي بالمهر علي السابق المدلس و مع علم الزوجة بالحال فلا شي‌ء لها لأنها بغي و لا عدة عليها مع علم الرجل لعدم احترام ماء الزني و كذا الحكم في كل من سبق إليه غير زوجته و قد ورد به غير واحد من الأخبار و لو شرط البكارة فظهرت ثيبا فلا فسخ لاحتمال زوال البكارة بعد العقد و الأصل تأخر الحادث و مع الشك في تاريخهما لا سبب للفسخ و إن لم يمكن الحكم بتأخر الثيبوبة عن العقد لأن الخيار لا يثبت إلا ذا علم سببه و هو تقدم الثيبوبة علي العقد و لو فرض حصول العلم بتاريخ الثيبوبة و شك في زمان العقد فلا خيار أيضا و إن
المكاسب، ج‌4، ص 399
كان الأصل تأخر العقد لأن أصالة تأخر العقد لا يثبت تقدم العيب و إن كانا متلازمين عقلا لأن ثبوت أحد المتلازمين عقلا بالأصول الشرعية الظاهرية لا يثبت الآخر كما قرر في محله. و بالجملة لا يحكم بالخيار إلا أن يعلم سبق الثيبوبة علي العقد ثم علي تقدير عدم الفسخ لعدم العلم بسبقها علي العقد أو اختيار البقاء في موضع له الفسخ هل له أن ينقص عن المسمي بنسبته ما بين المهرين أو لا ينقص مطلقا أو ينقص شي‌ء و لم يرد من الشارع تقديره و قد يفسد بالسدس قياسا علي الوصية بالشي‌ء أو تقديره موكول إلي نظر الحاكم أقوال و علي الأول بأن الرضا بالمهر المعين إنما حصل علي تقدير اتصافها بالبكارة فيلزم التفاوت كأرش ما بين الصحة و المعيب و ضعف بأن ذلك إنما يكون حيث تثبت فواته قبل العقد أما مع إمكان تجدده بعده فلا دليل علي سقوط شي‌ء من المسمي و هذا الإيراد يبني عن تسليم النقص مع تحقق سبق الثيبوبة. و وجه القول الثالث بوروده فإنه ينقص بقول مجمل فإما أن يحمل علي مسمي الشي‌ء أو يحمل علي السدس أو يفوض إلي الحاكم و وجه العدم مطلقا هو أن النقص علي خلاف الأصل فإن مقتضي العقد وجوب جميعه فإن أمضي العقد وجب العمل بمقتضاه و ليس للشرط تأثير إلا الخيار بين الرد و الإمساك و لهذا لا يحكم بشي‌ء مع فوات الوصف المشروط في المبيع و هذا أقوي لو لا الرواية المصححة الواردة في النقص و معها فيوجه وكوله إلي نظر الحاكم و حينئذ فالأولي أن يقال إن علي الحاكم أن ينظر في نفس هذه المسألة الخلافية و يحكم بما يؤدي إليه نظره بل قد يقال إن وكول ما ينقص إلي الحاكم لا دليل عليه لأن تعيين ما أبهمه الشارع ليس موكولا إلي الحاكم و يمكن أن يقال إن الظاهر من الرواية حيث لم يبين مقدار النقص هو نقص التفاوت لأنه المتعارف في تدارك الفائت و قد وكله الشارع إلي التعارف بل مقصود السائل أيضا السؤال عن نقص التفاوت كما لا يخفي علي من تأمل قليلا و لو شرط إسلامها فبانت كتابية فإن قلنا بجواز ابتداء النكاح الكتابية فله الفسخ قضية للشرط و لا خيار مع عدم ذكر الشرط في متن العقد لأصالة اللزوم كما في كل عقد لم يذكر في متنه شرط و لو تزوجت علي أنه حر فبان مملوكا فلها الفسخ و قد تقدم أن لها المهر مع الدخول و لو أدخلت امرأة كل من الزوجين علي الآخر فلها مهر المثل علي الواطئ بشبهة و المسمي علي الزوج و ترد زوجة كل منهما إليه و لكن لا يطأها إلا بعد العدة

مسألة لا خلاف بين الأصحاب كما صرح به جماعة في وجوب القسم بين الزوجات في الجملة

اشارة

و يدل عليه الأخبار المستفيضة أيضا و إنما الإشكال و الخلاف في أنه هل يجب بنفس العقد و التمكين فيجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع ليال و للاثنين ليلتان و للثلاث ثلاث و الفاضل عن تمام الأربع له يضعه حيث يشاء فإن كن أربعا فليس له شي‌ء للفاضل من الليالي و كلما فرغ دوره من القسمة يجب عليه الشروع في دوره أخري أم يتوقف وجوبه علي الشروع في القسمة و يتفرع عليه كما ذكره جماعة و نسبه بعض إلي الأصحاب عدم الوجوب للزوجة الواحدة و عدم وجوب الابتداء بها للمتعددة.
نعم لو بات عند واحدة ليلا يجب عليه المبيت عند غيرها فإذا انقضت دوره القسمة يجب عليه استيناف دوره أخري إلي أن يبيت عند بعضهن فيجب عليه إيفاء القسمة للباقيات ثم لا يجب عليه الاستيناف و هكذا و المشهور كما صرح به جماعة علي الأول و حكي عن الشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع و العلامة في التحرير الثاني و اختاره الشهيد و سبطه و صاحب الكفاية و صاحب الحدائق و قواه في الرياض.

و يمكن أن يستدل للمشهور بجملة من الآيات و الأخبار

فمن الآيات

قوله تعالي وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ دل علي وجوب معاشرة النساء في الجملة و لا يصدق عرفا بمجرد الاتفاق و لا بانضمام وطئها في كل أربعة أشهر مرة واحدة بأقل مما يوجب الغسل فدل علي وجوب آخر يوجب صدق المعاشرة و ليس غير المضاجعة بالإجماع فتعين وجوبها و أورد عليه في المسالك بأن المعاشرة تتحقق بدون المضاجعة بل بالإيناس و الإنفاق و تحسين الخلق و الاستمتاع بالنهار أو بالليل مع عدم استيعاب الليلة بالمبيت بل مع عدم المبيت علي الوجه الذي أوجبه القائل بل يمكن تحصيل المعاشرة بالمعروف زيادة في الأوقات مع عدم مبيته عندهن. و فيه ما عدا الإنفاق من هذه الأمور التي ذكرها غير واجب إجماعا و قد عرفت أيضا عدم تحقق المعاشرة عرفا بمجرد الإنفاق أو بانضمام أقل الواجب من الوطي فلم يبق هنا ما يصلح أن يكون واجبا إلا المضاجعة مع أن مثل هذا الإيراد لو توجه لم يمكن الاستدلال بالآية علي وجوب المضاجعة و القسمة في الجملة الذي لا خلاف فيه مع أنه قدس سره كغيره استدل بها عليه. و منها قوله تعالي فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أي لا تميلوا إلي تقديم إحدي الزوجتين حتي تذروا الأخري كالمعلقة لا ذات بعل و لا مطلقة فدلت علي تحريم الميل لأجل العلة المذكورة و هي أن تذرها كالمعلقة و لا ريب في تحقق هذه الغاية في ترك القسمة ابتداء فيتحقق التحريم. و منها وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا دل علي جواز الهجرة في المضاجع مع خوف النشوز أو مع علمها علي اختلاف في التفسير فيدل بمفهومه المعتبر هنا اتفاقا ظاهرا و إن كان مفهوم الوصف علي عدم جوازه مع عدم خوف النشوز و وجه اعتبار مفهوم الوصف هنا أنه في مقام تحديد الصنف الذي يجوز هجره من النساء مضافا إلي وجود القرينة في ذيل الآية و هو قوله فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا

و أما الأخبار

فمنها موثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: إذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرة علي الأمة قسم للحرة الثلثين من ماله و نفسه يعني النفقة و للأمة الثلث من ماله و نفسه و ردها في المسالك تارة بضعف الدلالة حيث إنها بظاهرها تدل علي وجوب ما ليس بواجب إجماعا لعدم وجوب قسم الحرة بالثلثين من تمام الأوقات و الأمة الثلث و أخري بضعف السند. أقول أما الإيراد بضعف الدلالة فضعيف لأن دلالتها علي وجوب ما ليس بواجب إجماعا لا يوجب طرح الرواية فإن التقييد و التخصيص في المطلقات و العمومات بواسطة الإجماع ليس بعزيز فكما أن المراد بالمال في الرواية خصوص النفقة كما فسره الإمام ع فكذا المراد من النفس
المكاسب، ج‌4، ص 400
المضاجعة إذ ليس غيرها واجبا إجماعا و أما الإيراد بضعف السند فإن كان بواسطة محمد بن قيس حيث إنه مشترك بين الثقة و الضعيف ففيه أن الظاهر كما استظهره غير واحد هو وثاقة من يروي عنه عاصم بن حميد كما في هذه الرواية مع أن ما سيجي‌ء من الرواية في العمل بكتب بني فضال كان في هذا المجال حيث إن الرواية مأخوذة ظاهرا من كتاب علي بن الحسن بن فضال و إن كان ضعفه بواسطة نفس علي بن فضال حيث إنه فطحي ففيه أنه غاية الوثاقة و الورع في دينه كما يظهر من ملاحظة ترجمته مضافا إلي أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه كما هو الظاهر من عادته فيمن يبتدئ به في السند. و قد ورد رواية حسنة كالصحيحة: في شأن علي بن فضال و أبيه و أخويه و كتبهم عن العسكري ع قال خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا مضافا إلي انجبار الرواية بالشهرة. نعم هذا الإيراد منهم حسن علي قاعدته من التأمل في الضعيف المنجبر و لو كان موثقا حيث قال في مقام آخر و لا أذكره إلا أن العمل بالموثق خروج عن قيد الإيمان و جبر الضعف بالشهرة مجبور بالشهرة. و منها موثقة عبد الرحمن بابن فضال و أبان عن أبي عبد الله ع و فيها: للحرة ليلتان و للأمة ليلة و منها صحيحة ابن مسكان: فإن تزوج الحرة علي الأمة فللحرة يومان و للأمة يوم و نحوها المحكي عن الفقيه مرسلا و رواية أبي بصير. و منها صحيحة الحلبي أو حسنة بابن هاشم قال: سألت أبا عبد الله ع عن قوله تعالي وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها إني أريد أن أطلقك فتقول لا تفعل إني أكره أن تشمت بي و لكن أنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت و ما كان سوي ذلك من شي‌ء فهو لك و دعني علي حالي فهو قوله تعالي فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً و هذا هو الصلح فإن الرواية كما تري ظاهره في كون الليلة حقا للزوجة و لهذا لها إسقاطها و المصالحة بها كسائر الحقوق علي ترك الطلاق و نحوها رواية أبي بصير و رواية زيد الشحام و المروي في تفسير العياشي عن البزنطي عن مولانا الرضا ع و رواية زرارة الواردة كلها في تفسير الآية الشريفة المذكورة و أظهر من الجميع رواية علي بن حمزة الواردة في تفسير الآية عن أبي الحسن ع قال: إذا كانت كذلك فهم بطلاقها فقالت له أمسكني و أدع بعض ما عليك و أحلك من يومي و ليلتي حل له ذلك و لا جناح عليهما و لا يقدح في هذه الرواية و في غيرها اشتمالها علي ذكر اليوم مع الليلة مع أن اليوم ليس حقا لها علي المشهور لأن ترك ظاهر الرواية في بعض موارده لا يوجب طرحها بالنسبة إلي الباقي مع أن كون الزوج عند الزوجة في صبيحة ليلتها من الحقوق المستحبة و قيلولته عندها من الحقوق الواجبة عند الإسكافي علي ما حكي عنه فليس شي‌ء من الرواية مخالفا للإجماع هذا كله مضافا إلي أن في هجر الزوجة في المضاجع ضرر عظيم عليها نفي بعموم لا ضرر و لا ضرار الذي تمسكوا بها كثيرا في موارد خيار الفسخ للزوجين و غيرها و بخصوص ما يستفاد من بعض الروايات من حرمة مضارة الرجل المرأة و المرأة الرجل ثم إن هذه الأدلة و إن اختص بعضها بوجوب القسمة مع تعدد الزوجة إلا أن بعضها يشمل صورة اتحادها مضافا إلي ما يظهر من المسالك من عدم القول بعدم الوجوب في الواحدة و الوجوب المتعددة و يمكن أن يستفاد من كلام غيره أيضا. نعم حكي في الرياض عن ابن حمزة التصريح باشتراط التعدد في وجوب القسمة قال بعده و حكي أيضا عن ظاهر جماعة كالمقنعة و النهاية و المهذب و الجامع انتهي كلامه رفع مقامه و يحتمل قويا أن يكون مراد ابن حمزة من القسمة التي اشترط فيها تعدد الزوجة هي القسمة بين الزوجات و لا ريب في اعتبار تعدد الزوجة في مفهومها و أما القسم للواحدة بمعني إعطائها قسما أو حظا من الليالي أو نصيبا من المعاشرة فلا يعتبر فيه التعدد و كيف كان فلعل مستند التفصيل اختصاص ما اعتبر سنده و دلالته من الأدلة المذكورة بصورة التعدد و عدم ثبوت الإجماع المركب و ضعف ما دل منها علي العموم سندا و دلالة علي سبيل منع الخلو فيرجع في صورة الاتحاد إلي أصالة البراءة و من ذلك يظهر مستند القائلين بعدم الوجوب مطلقا حيث إنهم ضعفوا دلالة ما اعتبر
سنده و سند ما اعتبر دلالته و لم يزيدوا علي ما في المسالك و قد ذكرنا و قد استدل له في المسالك مضافا إلي الأصل بقوله تعالي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ قال إن الآية تدل علي أن الواحدة كالأمة لا حق لها في القسمة المعتبر فيها العدل و لو وجبت لها ليلة من الأربع لساوت غيرها و كل من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد إلا مع الابتداء انتهي. و فيه أنه لا دلالة في الآية علي كون الواحدة كالأمة و عطفها عليها لا يدل علي اتحادهما بل المراد و الله العالم فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا بين الزوجات فانكحوا واحدة فتسلموا من الميل و الحيف أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ و لو كانت متعددة و لأن منافعها مملوكة للمولي فلا يلزم ظلم عليهن و لو ترك المولي استيفاء المنفعة من بعضهن لأن ترك الرجل الحق المختص به ليس ظلما و كيف كان فليس في الآية دلالة علي المطلوب و لا إشعار. نعم يمكن أن يتمسك لهم بما دل من الأخبار علي حصر الحق الواجب للمرأة في أن يكسوها من العري و يطعمها من الجوع كموثقة إسحاق بن عمار و رواية عمر ابن جبير العزرمي و رواية شهاب بن عبد ربه و نحوها و يمكن الجواب عنها بأن المراد بحق الزوجة في تلك الأخبار حقها المختص بها و لا ضير في حصره فيما ذكر فيها فإن القسم عند من يوجبه إنما هو من الحقوق المشتركة بين الزوجين و ليس مختصا بالزوجة فتأمل. و بالجملة فالمسألة محل التأمل و إن كان ما ذهب إليه المشهور لا يخلو عن قوة مع أنه أحوط
المكاسب، ج‌4، ص 401

9- رسالة في المواريث

مسألة «1» [1] المقتضي للإرث أمران: نسب، و سبب.

و المراد بالنسب: علاقة بين شخصين تحدث من تولّد أحدهما من الآخر، أو تولدهما من ثالث. و السبب أربعة: الزوجية، و ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة. و النسب ثلاث مراتب. المرتبة الأولي: الأبوان و الأولاد. و لا يرث معهم أحد عدا الزوج و الزوجة: بإجماع الإماميّة، و السنّة المتواترة معني عن أهل البيت عليهم السلام. فللأب المنفرد المال، و كذا الأم المنفردة. و لو كان معهما أو مع أحدهما ابن، فلكلّ واحد منهما السّدس، و الباقي‌للابن. و لو كانت «2» بنت أعطيت من الباقي نصف المال، و ردّ الباقي منه إليها و إليهما أو إلي أحدهما علي حسب السهام، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة. و لو كان للميّت إخوة بالشّروط الآتية- في حجبهم الامّ عن الثلث- فالمعروف- الّذي ادعي عليه الاتّفاق في المسالك «3»، و عدم معرفة الخلاف في الكفاية «4»- : أنّهم يحجبونها هنا عن حصّتها من الفاضل المردود، و لم أجد عليه دليلا. و استدلّ عليه بقوله تعالي فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ «5». و فيه: إنّ الظاهر كونه تتمّة لقوله تعالي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ «6» فيختصّ بصورة فقد الولد، مع أنّ إثبات السّدس لها بالفرض لا يستلزم نفي الزائد بالردّ، كما أنّ قوله تعالي وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ «7» لا يوجب نفي الردّ في صورة كون الولد بنتا «8» و لهذا يردّ الاستدلال للمطلب بهذه الآية بدعوي: أن ظهورها عرفا في نفي استحقاق الزائد، خرج من عمومها ما اتّفق فيه علي الردّ عليها، و بقي الباقي. و استدلّ عليه أيضا: بأنّ الإخوة إذا حجبوها عن فرضها الأصلي- و هو الثلث- فلأن يحجبوها عن المردود عليها بالقرابة أولي. و في الأولويّة منع. و استدلّ عليه- أيضا- بعموم ما علّل به حجبهم إيّاها عن الثلث من التوفير علي الأب لكون الإخوة عيالا له «9». و فيه: إنّه ظاهر فيما إذا كان المحجوب عنه «10» موفّرا بتمامه علي الأب، فلا يشمل ما إذا كان الموفّر عليه جزءا «11» قليلا من المحجوب عنه، كما هو المشهور بين القائلين بالحجب. نعم ذهب معين الدين المصري «12» منهم [إلي] اختصاص المحجوب عنه بالأب، و أنّه لا تعطي البنت منه شيئا، و قوّاه في الدروس «13». و يضعّف بما دلّ علي وجوب كون الردّ علي ذوي السهام المفروضة بقدر سهامهم، كعموم التعليل في رواية حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام في رجل ترك ابنته و امه: «إنّ الفريضة من أربعة أسهم لأنّ للبنت ثلاثة أسهم، و للأمّ السّدس سهم، و بقي سهمان فهما أحقّ بهما من العمّ و ابن الأخ «14»، لأنّ البنت و الامّ سمّي «15» لهما، و لم يسمّ لهم، فيردّ عليهما بقدر سهامهما» «16». دلّت علي أنّ كلّ من سمّي له فيردّ عليه بقدر سهمه، و في الطريق موسي بن بكر «17» الواسطي الواقفي، إلّا أنّ الظاهر كونه ثقة لما عن الفهرست من رواية صفوان عنه «18»، مع اعتضادها بالشّهرة، و برواية بكير «19» الموافقة لها من حيث المضمون. و بأنّ تخصيص الأب بالرّد دون البنت- مع كونها أكثر نصيبا منه- ترجيح من غير مرجّح، و إنّما انفرد بالردّ مع عدم الأولاد «20» لعدم قريب آخر معه. اللَّهمّ إلّا أن تعارض الروايتان بعموم ما دلّ علي حكم حجب الإخوة للأمّ «21» حيث إنّها ظاهرة في اختصاص المردود بالأب. و لو كان مع الأبوين أو أحدهما زوج أو زوجة كان لأحد الزوجين- مع عدم الولد- نصيبه الأعلي، و معه نصيبه الأدني، و الباقي للولد، فإن فضل عن فريضته «22» شي‌ء- كما لو كانت بنتا واحدة- ردّ عليها و علي أحد الأبوين، و لو لم يف الباقي بفريضته «23»- كما لو كانتا بنتين- دخل النقص عليهما دون الأبوين و أحد الزوجين، بالإجماع، و الأخبار المستفيضة الدالة علي بطلان العول «24»، و المصرحة بأنّ الأبوين و الزوجين لا يدخل عليهم النقص عن سهامهم النازلة أبدا «25».

مسألة [2] للزوج من تركة زوجته الربع إن كان لها ولد، و إلّا فالنصف،

و الباقي لسائر ورثتها بالنسب أو السبب. و لو لم يوجد منهم عدا الإمام ردّ الباقي علي الزوج، علي المعروف من غير سلّار «26» من علمائنا، و عن الشيخين «27» و السيّدين «28» و الحلّي «29» دعوي الإجماع، و به أخبار مستفيضة «30»، و بذلك يخصص عموم قوله: «لا يردّ علي الزوج و الزوجة» «31» و مع توجّه احتمال حمله علي التقيّة، أو وروده فيما إذا جامع أحد الزوجين لذي «32» فرض من اولي الأرحام- بحيث تزيد التركة علي فرضهما- كأحد الزوجين مع الأم «33» أو الأخ «34» [لها] «35».

مسألة [3] للزوجة من تركة زوجها الثمن إذا كان له ولد، و إلّا فالربع، و الباقي لسائر الورثة.

و مع عدمهم- عدا الإمام- ففي ردّ الباقي عليها، أو كونه للإمام، أقوال: ثالثها: الأوّل مع غيبة الإمام عليه السلام، و الثاني مع حضوره عليه السلام. و خيرها أوسطها للأصل، لأنّ ثبوت الزائد عمّا فرض لها في الكتاب يحتاج إلي دليل، و لا يعارض بأصالة عدم ثبوته للإمام عليه السلام لأنّه إذا ثبت- و لو بحكم الأصل- عدم ثبوت وارث و مستحق لهذا المال، ثبت كونه للإمام عليه السلام، لما دلّ علي أنّه وارث مع عدم الوارث «36»، و للأخبار المستفيضة «37» المعتضدة بفتوي الأكثر، إذ لم يحك الأوّل إلّا عن المفيد «38»، [و يدلّ عليه الصحيح] «39»: «عن رجل مات و ترك امرأته؟ قال: المال لها» «40» و يردّ بالشذوذ لأنّ القول به «41» مختصّ بالمفيد فيما وجدنا و مع ذلك فرجوعه عنه محكيّ عن الحلّي «42». و عن الانتصار: عدم عمل الطائفة بالرواية الدالّة علي الردّ علي الزوجة «43». و عن الحلّي: إنّه لا خلاف فيه بين المحصلين «44».
و القول الثالث «45» للصدوق قدّس سرّه «46» و جماعة من المتأخّرين، و لا مستند لهم سوي الجمع بين الأخبار، بتقييد مستند المفيد «47» بزمان غيبة الإمام عليه السلام و هو بعيد. و أفرط الحلّي- فيما حكي عنه «48»- في تبعيده «49» حيث إنّ قوله: «رجل مات» بصيغة الماضي، فحمله علي زمان غيبة الإمام عليه السلام المتأخّر عن زمان صدور هذا الكلام بأزيد من مائة عام لا وجه له [في المقام] «50»

مسألة [4] توارث الزوجين لا يتوقف علي الدخول،

بالإجماع- ظاهرا- و غير واحد من الأخبار «51»، مضافا إلي ظاهر الآية. و يثبت التوارث بين الزوج و مطلّقته
المكاسب، ج‌4، ص 402
رجعيّا في العدّة بلا خلاف، و في المسالك «1» و الرياض «2»: الإجماع عليه علي الظاهر لغير واحد من الأخبار «3»، و لأنّها بحكم الزوجة. و لا توارث بين الزوج و مطلّقته بائنا، إلّا أن يطلّق المريض رجعيّا أو غيره، فترث منه لو مات في المرض ما بينه و بين سنة إذا لم تتزوّج المرأة.

مسألة [5] المعروف من غير الإسكافي أنّ الزوجة غير ذات الولد من زوجها الذي مات لا ترث من جميع أمواله،

بل تحرم عن أشياء «4». و عن نكت الشهيد و غيره: دعوي الإجماع عليه «5»، و أنّه من متفردات «6» الإماميّة «7».
ثمّ اختلفوا فيما يحرم منه علي أقوال: أقواها: ما نسب إلي المشهور، من أنّها لا ترث من الأرض مطلقا عينا و لا قيمة، و ترث من قيمة البناء و الآلات المثبتة فيه من الأبواب و الأخشاب و الجذوع و القصب، و من «8» قيمة الشجر، لصحيحة مؤمن الطاق المرويّة في الفقيه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئا، و لهنّ قيمة البناء و الشجر و النخل، يعني بالبناء: الدور، و إنّما عني من النساء: الزوجة» «9». و ليس في السند- عدا محمّد بن موسي المتوكّل- من يتأمّل فيه، و هو و إن لم يحك عن الشيخ و النجاشي توثيقه، إلّا أنّه وثّقه العلّامة «10» و ابن داود «11»، و قد ترضّي الصدوق عليه «12» و كان من مشايخه «13». و بالجملة، لا يقصر حاله عن إبراهيم بن هاشم، مضافا إلي أنّ عمل الأكثر علي الرواية. و أمّا ذات الولد من الزوج «14»، فظاهر الكليني «15» و المحكي عن المفيد «16»، و الشيخ في الاستبصار «17»، و السيد «18»، و أبي الصلاح «19»، و ابن إدريس «20» إلحاقها «21» بغيرها، و هو ظاهر المحقق في النافع «22»، و المحكي عن تلميذه مصنف كشف الرموز «23»، و ذهب إليه كثير من متأخري المتأخّرين، و قوّاه في المسالك «24».
خلافا لجماعة، منهم: الصدوق «25»، و الشيخ في النهاية «26»، و القاضي «27» و ابن حمزة «28»، و المحقق في الشرائع «29»، و الفاضل «30» و ولده «31»، و الشهيد في اللمعة «32»، و الفاضل المقداد في كنز العرفان «33»، و نسب إلي المشهور- سيّما بين المتأخرين «34»- فحكموا بتوريثها من أعيان جميع التركة، للجمع بين أخبار كثيرة مانعة بقول مطلق أو عام «35»، و صحيحة ابن أبي يعفور الدالة علي مذهب الإسكافي «36»، و مقطوعة ابن أذينة: «في النّساء، إذا كان «37» لهنّ ولد أعطين من الرباع» «38». و الجمع خال عن الشاهد لحمل «39» رواية ابن أبي يعفور علي التقيّة، و المقطوعة لا تصلح لتخصيص عمومات كثيرة.

مسألة [6] إذا مات شخصان متوارثان، و لم يعلم تقدّم موت أحدهماعن الآخر،

فإن كان موتهما أو أحدهما حتف الأنف، فالأظهر عدم إرث واحد منهما عن الآخر لأنّ هذا الإرث مخالف للأصل الدالّ علي توقّف الإرث علي تحقّق حياة الوارث عن الموروث «40»، فيقتصر فيه علي مورد الدليل- و ليس في المقام- مضافا إلي دعوي الإجماع في المسالك، و نقله «41» فيه عن جماعة «42». و كذا إن كان موتهما بسبب غير الغرق و الهدم لما ذكر، خلافا لجماعة، فألحقوه بهما، و لم أجد لهم دليلا تطمئنّ إليه النفس. و إن كان موتهما بسبب الغرق و الهدم، فلا إشكال في توريث كل منهما عن الآخر لو ترك شيئا. و الظاهر عدم الخلاف فيه، مضافا إلي الأخبار المستفيضة. منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام: «عن رجل سقط عليه «43» و علي امرأته بيت، فقال: تورّث المرأة من الرجل و الرجل من المرأة» «44». و ظاهر هذه الصحيحة تقديم الأقل نصيبا في التوريث لو «45» ثبت عدم الفصل بين موردها و غيره، و قال به جماعة «46»، و استنبط منه المفيد و الديلمي قدّس سرّهما: أنّ كلّ واحد منهما يرث ممّا ورث من صاحبه، و لا يختصّ توارثهما بصلب «47» أموالهما «48»، و إلّا «49» كان تقديم الأقل نصيبا غير مفيد. و فيه- بعد تسليم دلالة الصحيحة علي وجوب التقديم- منع انحصار فائدته في توريث كلّ ممّا «50» ورث صاحبه منه، فلعلّه أمر «51» تعبديّ لا نعلمه. و لمّا ثبت أنّ هذا التوريث مخالف للأصل، فالمتيقن الخروج عنه هو «52» توريث كلّ عن «53»

صلب مال صاحبه، لا عمّا «54» ورث منه، وفاقا لغير هذين الجليلين من الأجلّاء المتقدّمين و المتأخّرين. مضافا إلي رواية حمران بن أعين، عمّن ذكره، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوم غرقوا جميعا؟ قال: «يورّث هؤلاء من هؤلاء، و هؤلاء من هؤلاء، و لا يورّثوا هؤلاء ممّا ورّثوا شيئا» «55». و يدلّ علي هذه- أيضا- صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج في أخوين غرقا، لأحدهما مال، قال: «المال لورثة الّذي ليس له مال» «56». و نحوها غيرها. و اللَّه العالم.

مسألة [7] «57» المحكيّ عن الأكثر: أنّ التركة لا تنتقل إلي ورثة «58» الميّت مع اشتغال ذمته بدين يحيط بها «59»،

بل عن السرائر: إنّه لا خلاف في أنّ التركة لا تدخل في ملك الورثة و لا الغرماء، بل تبقي موقوفة علي قضاء الدين «60».
و عنه «61»- أيضا- أنّه الذي تقتضيه أصول المذهب «62». للأصل، و قوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «63». و الأخبار الظاهرة في توقّف الإرث علي براءة الميّت، مثل ما ورد في دية المقتول: إنّه يرثها «64» أولياؤه ما لم يكن عليه دين «65». و قوله عليه السلام في رواية عبّاد بن صهيب «66» المرويّة في زكاة الكافي: «إنما هو بمنزلة الدين «67»، ليس للورثة شي‌ء حتّي يؤدّوا «68» ما أوصي من الزكاة» «69» و نحو ذلك من الأخبار. و لأنّه لو انتقل إلي الوارث لأعتق عليه محارمه المملوكة للمورّث بمجرّد موته، و التالي باطل بلا خلاف. و لاستمرار طريقة الناس علي دفع النماء في الدين. خلافا للمحكيّ عن جماعة منهم الفاضل «70»، و الشهيد «71» و المحقّق الثانيان «72»، فقالوا بالانتقال إلي الوارث، و عن التذكرة: إنّه الحقّ عندنا «73» و إن تعلّق به حقّ الديّان لإطلاق الآيات مثل قوله إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «74» دلّ «75»

علي سببية هلاك المورّث لتملك الوارث، و قوله تعالي لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. «76» الآية، و قوله تعالي وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ «77». و لأنّه لو لم ينتقل إلي الوارث لزم إمّا كونه ملكا بلا مالك، أو بقاؤه علي ملك الميت، أو انتقاله إلي غير الوارث، و الأوّل باطل [إذ يترتّب عليه ما يتوقّف علي الملك، كورود البيع و الإجارة عليه، و ضمانه بالمثل و القيمة، و منه يظهر بطلان الثاني، مضافا إلي أنّ الملك من الإضافات المتوقفة علي تحقّق أطرافها، مضافا إلي ظهور الاتّفاق عليه كما عن حجر جامع المقاصد «78»] «79» و إن حكي عن الخلاف أنّه حكم بأنّ من أوصي بعبد ثمّ مات قبل هلال شوّال و لم يقبل الموصي له إلّا بعد الهلال، إنه لا يلزم فطرته علي أحد «80». و ظاهره- كما فهم الحلّي في محكي السرائر «81»- بقاء العبد بلا مالك، فتأمّل. و أمّا الميت فغير قابل للملك، مع أنّه لا يترتّب عليه أحكام المالك كانعتاق أقاربه، و انتقال عوض ماله إليه عند المعاوضة عنه، مع أن الإجماع علي عدم بقائه علي ملكه حقيقة، و انتقاله إلي غير الوارث مخالف للإجماع. و به يندفع احتمال انتقاله إلي اللَّه تعالي- كما صرّح به بعض «82» فيها- مع أنّ ملكيّته تعالي بالملكيّة المتعارفة بين الناس محلّ نظر، و إن قال به جماعة في الوقف العامّ «83». و لأنّه لو لم ينتقل إلي الوارث لم يشارك ابن
المكاسب، ج‌4، ص 403
الابن عمّه في ميراث جدّه [إذا مات أبوه قبل إيفائه دين جده] «1»، و التالي باطل إجماعا. و لأنّه لو لم «2» ينتقل إليه لم يجز له الحلف لإثبات مال لمورّثه علي غيره لظهور النصوص و الفتاوي في أنّ اليمين المنضمّة إلي الشّاهد الواحد هو يمين صاحب الحق.

مسألة [8] المحكيّ عن الأكثر: أنّ مال الميّت باق علي حكم ماله إذا كان عليه دين مستوعب،

بل عن موضع من السرائر- في مقام النقض علي من استدلّ علي انتقال الموصي به إلي الموصي له بموت الموصي، بأنّه لولاه لزم بقاء الملك بلا مالك- : إنّه لا خلاف في أنّ التركة لا تدخل في ملك الورثة و لا الغرماء، بل تبقي موقوفة علي قضاء الدين «3». و عن موضع آخر: أنّه الذي تقتضيه أصول مذهبنا «4». للأصل، و قوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «5»، و الأخبار «6» المستفيضة الواردة في توقّف الإرث علي براءة ذمّة الميت، كصحيحة سليمان «7» بن خالد: «قضي أمير المؤمنين عليه السلام في دية المقتول: إنّه يرثها الورثة علي كتاب اللَّه و سهامهم إذا لم يكن علي المقتول دين» «8». و في المصحّح عن عباد بن صهيب- الّذي قيل فيه: إنّه ثقة جليل «9»- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام «في رجل فرّط في «10»

إخراج الزكاة، فلمّا حضره الموت حسب جميع ما كان فرّط فيه ممّا يلزمه من الزكاة، ثمّ أوصي أن يخرج ذلك فيدفع ذلك إلي من يجب له ذلك، فقال عليه السلام: جائز، يخرج ذلك «11» من جميع المال، إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شي‌ء حتي يؤدّوا ما أوصي به من الزكاة» «12». و موثّقة زرارة الواردة «في عبد أذن له سيّده في التجارة، فاستدان العبد فمات المولي «13»، فاختصم الغرماء و ورثة الميّت في العبد و ما في يده، قال عليه السلام: ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد و ما في يده من المال و المتاع، إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا، فيكون العبد و ما في يده من المال للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده من المال للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من‌المال ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء رجعوا إلي الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئا «14»، و إن فضل «15» قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء ردّ علي الورثة» «16». إلي غير ذلك من الأخبار. و لأنّه لو انتقل المال إلي الوارث لا نعتق عليه من لا يستقرّ ملكه عليه من الأقارب بمجرّد موت المورّث إن كان عليه دين مستوعب. و التالي باطل بلا خلاف، كما عن الخلاف «17». و لاستمرار سيرة المسلمين علي دفع نماء التركة في الدين، و الإنكار علي من اقتصر علي دفع الأصل في الدين و إن قصر عن الدين، و هو كاشف عن بقاء الأصل في حكم مال الميّت، فيتبعه النماء. و للنظر في هذه الوجوه مجال لاندفاع الأصل بما يجي‌ء من أدلّة الانتقال إلي الوارث، و إمكان دعوي ظهور الآيات في تأخّر قسمة الإرث عن الوصيّة و الدّين لدفع توهّم مزاحمته لهما بتقسيط التركة علي الثلاثة، فمساق الآية مساق ما ورد من أنّه يبدأ بالكفن، ثمّ الدّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الإرث «18»، و ليس في مقام تأسيس حكم تملّك الورثة حتّي يقيّد بكونه بعد الوصيّة و الدين [و لو سلم ظهورها في تقييد أصل التملك، لوجب حملها علي تقييد استقرار الملك و استقلال الملك بالتأخّر عن الوصية و الدين، جمعا بينها و بين ما سيأتي] «19». و بهذا «20»

يمكن الجواب عن الأخبار، مضافا إلي أنّ ظاهرها تأخّر التملّك مطلقا عن الدين و لو لم يستوعب، و هو خلاف المعروف من الأصحاب، فيجب إمّا تقييد الدّين بالمستوعب، أو إرجاع القيد إلي الاستقرار و الاستقلال، بل هو ظاهر نفي السبيل في موثقة زرارة المذكورة «21». نعم، هذا لا يتوجّه علي ظاهر الآيات حيث إنّ المقيّد فيها بالتأخّر هو تملك الورثة سهامهم من مجموع ما ترك، و لا ريب في توقّفه علي عدم الدين و لو كان غير مستوعب. و أما لزوم انعتاق [القريب علي الوارث فبمنع الملازمة فإنّ عمومات أدلّة انعتاق] «22» بعض أقارب الرجل عليه معارض بما دلّ من النصوص و الفتاوي «23» علي تعلّق حق الديان بالتركة، و اختصاص التركة بالديّان إذا أبي الوارث عن ضمان الدين للغرماء، كما هو صريح موثقة زرارة المتقدّمة. و أما التمسك بالسيرة المذكورة ففيه: إنها مجرّد عادة مستحسنة عند العقل أو الشرع استقرّ بناء أهل المروءة عليها، مع أنّ الملازمة بين تملّك الوارث للأصل و استقلاله في النماء محلّ نظر، و إن كان ظاهرهم الفراغ عن هذه الملازمة، كما سيجي‌ء جعله من ثمرات المسألة. و لأجل ما ذكرنا من ضعف بعض «24» هذه الوجوه و إمكان رفع اليد عن بعضها، ذهب جمع- كما عن الخلاف «25»- إلي انتقال التركة إلي الوارث. و حكي ذلك عن المبسوط «26»، و جامع الشرائع «27»، و حكي عن الشهيد في محكي حواشي القواعد «28»، و تبعهم الفاضل في كثير من «29»

كتبه «30»، و الشهيد و المحقّق الثانيان «31»، و فخر الدين في حجر الإيضاح «32»، و كاشف اللّثام في شرح ميراث القواعد «33»، بل ظاهر بعض أنّه المشهور «34» و عن التذكرة: إنه الحق عندنا «35». و يدلّ عليه- مضافا إلي إطلاق آية الإرث مثل قوله تعالي إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «36» دلّ علي سببية الهلاك للإرث، و قوله تعالي لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. الآية «37» و آية أولوا الأرحام «38»- : أنّه لو لا ذلك لم يشارك ابن الابن عمّه في ميراث جدّه إذا مات أبوه قبل إيفاء الدّين، و التّالي باطل إجماعا. و أنّه لو لم «39» ينتقل المال إليه لم يجز له الحلف لإثبات دين لمورّثه إذا أقام شاهدا واحدا به إذ لا يمين لإثبات مال الغير، كما يظهر من النّصوص «40» و الفتاوي «41». و أنّه لو لم ينتقل إليه لزم إمّا خروج التركة عن الملك، أو بقاؤه بلا مالك، أو كون الميّت مالكا له «42»، و انتقاله إلي غير الوارث، و الكلّ باطل بالعقل و النقل. و يمكن الجواب عن الإطلاقات: بما ذكر من الآيات المقيّدة. و عن مشاركة ابن الابن: بأنّه لأجل وراثته لما «43» ترك أبوه من استحقاق الإرث لو لا الدّين، كمشاركة البعيد للقريب فيما ينتقل بالخيار، كما إذا باع الميّت بخيار فمات عن اثنين، فمات أحدهما عن ابن، فإن ابن الابن يشارك عمّه في المبيع لأجل وراثته الخيار عن أبيه. و عن جواز حلف الوارث: بأنّه لأجل الإجماع «44» علي كون المحاكمة للوارث فهو الدّليل علي جواز حلفه لإثبات مال مورّثه. و عن الوجه الأخير: بمنع عدم قابليّة الميت للملك، و إلّا بقي الكفن و مئونة التجهيز بلا مالك، أو خرج عن الملكيّة، و كذا دية الجناية عليه «45» بعد موته، و كذا العين الذي أوصي بدفعه اجرة للعبادة، و كذا تركة الحرّ إذا لم يخلّف «46» سوي قريب مملوك حيث حكموا بوجوب شرائه و عتقه ليرث الباقي. و لو التزم فيما عدا الأخير بانتقاله إلي الوارث- إلّا أنّه يتعين عليه صرفه إلي الوجه الخاص و محجور عما عداه من التصرّفات، كما حكي عن جامع المقاصد «47»، و التزم ذلك في الثلث الموصي به «48»- لم يتأتّ ذلك في الأخير إذ المفروض أنّ المملوك قبل العتق لا يرث. و احتمال انتقاله إلي اللَّه- كما في الوقف العام «49»- مشترك. اللَّهم إلّا أن يقال بانتقاله إلي الإمام عليه السلام، بمقتضي عموم ما دلّ علي أنّ الإمام يرث من لا وارث له «50» فإنّ وجود القريب الممنوع عن الإرث كعدمه، فالقريب المملوك كالقاتل و ولد الملاعنة و الكافر «51»، فيكون حكم الإمام عليه السلام بشراء المملوك و عتقه و إعطائه @@@
المكاسب، ج‌4، ص 404
الباقي «1» تفضّلا منه عليه السلام علي المملوك، فهو حكم شرعي ثانوي، و ليس من باب الإرث بالنسب حتي يكون مخصصا بالعمومات «إنّه لا يرث عبد حرا» «2»، فتأمّل. و أمّا احتمال كونه ملكا للَّه، فهو- مع أنّ الظّاهر كما ادعي الاتفاق علي عدمه- مناف لعموم ما دلّ علي أنّ ما كان للَّه فهو للإمام عليه السلام «3»، مع أنّ نسبة الملكيّة بالمعني المتعارف- أعني: الربط الخاص الموجود بين الأملاك و الملّاك- إلي اللَّه تعالي شأنه محل تأمّل و نظر، و أن قال به جماعة في الوقف العام «4». و أمّا احتمال انتقاله إلي الديّان أو أجنبيّ آخر فهو مخالف للإجماع،- كما ادعي «5»- فلم يبق من مقدمات الدليل المذكور إلّا إبطال خروج المال عن الملك، أو جواز بقاء الملك بلا مالك. و إن أبيت عن إبطالهما «6» بالاتّفاق كما ادّعاه علي ثانيهما ثاني المحققين، قال «7» في محكي المقاصد: فيكفي في إبطالهما صحة ورود عقود المعاوضات عليه، كالبيع و الإجارة و نحوهما، مما يتوقف علي ملكيّة مورده، و وجود مالك ينتقل إليه عوضه «8». و يمكن تقرير الدّليل المذكور بوجه آخر أسهل في إبطال اللوازم المذكورة، و هو أنّه لا ريب في تحقّق الوراثة الفعليّة شرعا و عرفا لجميع التركة بعد إيفاء الدين من الخارج، أو إبراء الدّيّان، أو تبرّع الأجنبيّ، و ليس معني الوراثة شرعا و عرفا إلّا انتقال المال من الموروث إلي الوارث، فلو خرج المال بموت المورث عن الملكية لم يتحقق [الانتقال، و لو بقي بلا مالك لم يكن الانتقال من الميّت، و لو انتقل إلي اللَّه أو إلي غير الوارث لم يكن الانتقال من الميّت إلي الوراث] «9» لأن الوراثة هي الانتقال بلا واسطة، و لذا لا يسمّي انتقال بعض التركة من الموصي له «10» إلي الوارث بالابتياع وراثة. و كيف كان، فالظاهر تماميّة مقدّمات الدليل المذكور، و به يثبت صحّة القول الثاني و إن سلّمنا مخالفته لظاهر الآيات، إلّا أنّ الوجه المذكور قابل لصرفها عن ظاهرها، و لكن المسألة مشكلة جدا، و اللَّه العالم.
هذا كله في الدين المستوعب، و أمّا ما لا يستوعب التركة، فتارة يقع الكلام فيما قابل الدين منها، و اخري في الفاضل عنه. أمّا الأوّل: فالظّاهر أنّ الخلاف فيه كما في الدّين المستوعب، و تدلّ عليه الأدلّة المتقدّمة. و أمّا الثاني: فملكيّته للوارث ممّا لا خلاف فيه علي الظاهر- كما يظهر من غير واحد- و إن كان ظاهر الأخبار المتقدّمة خلافه. و أمّا جواز تصرّفه فيه و عدم حجره عنه، ففيه قولان: أحدهما: نعم- و هو للفاضل «11»، و المحكي عن الجامع «12»، و الشهيد في حواشيه علي ميراث القواعد «13»، و المسالك «14»، و الكفاية «15»، و بعض آخر، بل ظاهر عبارة المناهل ظهور عدم الخلاف فيه «16»- لأصالة تسلّط المالك علي ملكه إلّا أن يثبت الحجر «17». و الثاني: لا «18»- و هو المحكي عن ميراث القواعد «19»، و رهن الإيضاح «20» و حجره «21»، و حجر جامع المقاصد «22»، و كتاب الدين من إيضاح النافع «23»، و ظاهر المبسوط «24» و السرائر، مدعيا عدم الخلاف فيه «25»، كما عرفت من عبارته المتقدّمة «26»- للأخبار المتقدّمة «27» الظاهرة في أنّ [الورثة لا يملكون شيئا إلّا بعد الأداء أو الضمان خرجنا عن ظاهرها في أصل الملكية بالنسبة إلي الفاضل] «28». و قد يتمسك- أيضا- بالآية المتقدّمة، و فيه نظر لأنّ التّقييد في الآية بما بعد الدين إمّا للتملّك، و إمّا [ل] «29» جواز التّصرف. و علي كل حال، فمفادها تقييد تملّك مجموع ما ترك الميّت أو التصرّف فيه بما بعد الدّين، و لا خلاف في ذلك. فالعمدة هي الأخبار، إلّا أنّها معارضة بما يخالفها مثل مرسلة البزنطي المصحّحة إليه: «عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إذا استيقن أنّ الّذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «30». و في معناها ما عن ثقة الإسلام و الشيخ في الموثّق عن ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام «31». و لعلّه «32» يجوز الإنفاق مع الشك في الإحاطة للبناء علي أصالة عدمها. فالأقوي الجمع بين هذين و بين الأخبار المتقدّمة بتقييد جواز التصرّف، بصورة ضمان الورثة أو وليّهم دين الغرماء، كما هو صريح موثّقة زرارة المتقدّمة «33». لكن «34» يأباه التفصيل في هذين بين صورتي الإحاطة و عدمها إذ مع الضّمان لا فرق بينهما في جواز التّصرف. فالأولي حملها علي الإنفاق بعد عزل القدر المتيقّن من الدين، و إنّ وليّ الميّت أو الورثة يجب عليه مع عدم الإحاطة أن لا يحبس حقّ الورثة لأجل الغرماء، بل يعزل حقّهم و ينفق الباقي.
فالأظهر- حينئذ- ما دلّت عليه الموثّقة المتقدّمة من عدم جواز التّصرف قبل الضمان. و أمّا ما دلّ بظاهره منها علي توقّف التصرّف علي الأداء، فمع وروده مورد الغالب من إقدام الوارث علي الأداء «35» من قيمة العين، لا ضمان الدين في الذمة، يجب تقييد مفهومه الغائي بمنطوق الموثقة. ثمّ لا يبعد أن يراد من الضّمان فيها هو مجرد التعهّد بالمال، مع إذن الغرماء صريحا، أو رضاهم بشاهد الحال، بحسب مقتضي حال الوارث من عزمه علي الأداء و وفائه بما يعزم عليه. و علي ما ذكرنا «36» ينطبق ما يشاهد «37» من استمرار سيرة المسلمين علي عدم الامتناع من التّصرف في مال مورّثهم- من بيته «38» و أثاث البيت و غير ذلك- إلي أن يستأذنوا الغريم الّذي له علي الميت ما يفي به جزء من مائة ألف جزء من تركة الميت. و حينئذ فالوارث إذا علم من نفسه- في خصوص أداء دين الميّت- حالة يعلم برضي الغريم بتصرّفه في التركة لو اطّلع علي ما في عزمه «39»، فالظاهر جواز التّصرف و إن استوعب الدين. و علي أيّ تقدير، فلو تصرّف الوارث في موضع الجواز فتلف باقي التركة قبل إيفاء الدين، فالظاهر رجوع الغرماء إلي الوارث، لعموم ما دلّ علي أنّه يبدأ «40» بالدين قبل الإرث «41»، و إطلاق ذيل موثّقة زرارة المتقدمة الآمرة برجوع الغرماء فيما بقي من حقوقهم إلي الورثة إن كان الميّت ترك شيئا «42». و لو أعسر الوارث حينئذ، فلا يبعد أن يكون للغريم نقض تصرفه فيما تصرّف فيه «43» من بعض التركة- كما ذكره في القواعد «44»- لكشف تلف بعض التركة عن عدم استحقاق الوارث لما تصرّف فيه، فتأمّل. نعم، لو عزل دين الميت فقبضه وليّ الميت- وصيّا «45» أو غيره- و تمكن من دفعه إلي الغريم فلم يدفع ثم تلف، كان عليه «46» ضمانه لا علي الورثة للأخبار «47»

الدّالة علي ضمان من اوصي إليه بإيصال حق فتمكّن منه و لم يفعل، و قد ورد بعضها في باب من تمكّن من إيصال الزكاة فلم يفعل «48»، كمصحّحة الحلبي [عن أبي عبد اللَّه: «أنه قال] «49» في رجل توفّي فأوصي إلي رجل- و علي الرجل «50» المتوفّي دين- فعمد الذي اوصي إليه فعزل الذي للغرماء، فرفعه في «51» بيته و قسّم الّذي بقي بين الورثة، فسرق «52» الذي للغرماء من الليل، ممن يؤخذ «53»؟ قال: هو ضامن حين عزله في بيته يؤدي من ماله» «54». و ما عن المشايخ الثلاثة عن أبان عن رجل [قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام] «55» عن رجل أوصي إلي رجل «56» أنّ عليه دينا، فقال: يقضي الرجل ما عليه من دينه و يقسّم ما بقي بين الورثة، قلت: فسرق ما كان أوصي به من الدّين، ممن يؤخذ [الدين، أ] «57» من الورثة أم من الوصيّ؟ [قال: لا يؤخذ من الورثة] «58» و لكن الوصيّ ضامن لها «59»» «60». و قريب منها رواية عبد اللَّه الهاشميّ المحكيّة عن التهذيبين في وصيّ أعطاه الميّت زكاة ماله فذهبت «61».

مسألة [9] «62» إذا مات المديون فالمحكي عن الأكثر: بقاء المال المقابل للدين علي حكم [مال] الميّت،

و لا ينتقل من حين الموت إلي الوارث إلّا الفاضل عن الدين «63». و عن جماعة منهم العلّامة «64» و الشهيد الثاني «65»: [الذهاب] «66» إلي انتقال المال بالموت إلي الوارث و إن استغرق الدين التركة. للأوّلين: ظاهر قوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ «67» بناء علي أنّ ظاهر اللّام في آيات الإرث التمليك، فمقتضي القيد توقف الملك علي إيفاء الوصيّة و الدين. و ظاهر الأخبار الكثيرة، مثل قوله في الدية: «يرثها أولياء المقتول إذا لم يكن علي الميّت دين» «68». و قوله في الرواية المرويّة في باب الزكاة: «إنّما هو بمنزلة الدين لو كان عليه، ليس للورثة شي‌ء حتي يؤدّوا ما أوصي به من الزكاة «69». و قوله عليه السلام في موثّقة زرارة: «في عبد أذن له سيّده في التجارة، فاستدان العبد فمات المولي فاختصم الغرماء و الورثة فيما في يد العبد، قال: ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد و ما في يده من المال و المتاع، إلّا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا، فيكون العبد و ما في يده من المال للورثة، فإن أبوا كان العبد و ما في يده من المال للغرماء، يقوّم العبد و ما في يده من المال، ثم يقسّم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد و ما في يده عن أموال الغرماء رجعوا إلي الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا، و إن فضل قيمة العبد و ما في يده عن دين الغرماء رد علي الورثة» «70». و ممّا استدلّ به الشيخ في المبسوط لهذا القول أيضا: إنّه لو انتقل المال إلي الورثة لانعتق قريب الوارث عليه بمجرّد موت المورث و إن كان عليه دين مستوعب، و التالي باطل بلا خلاف «71». و للآخرين: إنه لو لم ينتقل إلي الوارث لبقي مالا بلا مالك، و هو محال عقلا. و إنّه لو لم ينتقل لم يشارك ابن الابن عمّه في ميراث جده إذا مات أبوه قبل إيفاء الدين. و التالي باطل إجماعا. و للنظر في كل من أدلّة الطرفين مجال، إلّا أنّ الأقوي هو القول الثاني لأن كون التركة ملكا ممّا لا يقبل الإنكار، لما قد ثبت له من الأحكام المتوقّفة علي الملك، كالبيع و الإجارة، و ضمانه عينا و منفعة عند التلف، إلي غير ذلك، و توقّف الملك علي المالك- أيضا- كذلك لأن الملكيّة من الإضافات المتوقّفة علي تحقّق أطرافها، و ليس هنا من يملك إلّا الوارث لأنّ مالكيّة الديّان منتفية إجماعا «72». و أورد عليه النقض ب: ثمن الكفن، و مئونة التجهيز، و الزكاة، و دية الجناية علي الميت- التي ورد النص بأنّها ليست للورثة بل يتصدّق [بها] للميّت في وجوه البر «73»- و بالوقف العام. فإن قيل: إنّه ملك للَّه تعالي. قلنا بمثله في مال الميّت، إلّا أنّ الفارق وجوب صرف هذا في ديون الميّت. و يمكن الجواب- فيما عدا النقض بالوقف- : بالتزام ملكيّة الكفن و نحوه للورثة، و نحوه المال الموصي به في مصرف مخصوص كاستئجار العبادة و نحوه، و دية الجناية للفقراء، و الزكاة لهم أو لكافّة المسلمين. و أمّا احتمال كونه كالوقف ملكا للَّه، فهو مخالف للإجماع علي أنّ الملك هنا ليس للَّه تعالي لأنّ أصحابنا بين قائل بانتقاله إلي الوارث، و بين قائل بكونه في حكم مال الميّت «74»، مع أنّ ثبوت الملك بالمعني المتعارف للَّه تعالي محلّ تأمّل، و إن قيل به في الوقف العام، مع أنّ انتقال الملك إلي اللَّه ليس بناقل اختياريّ، و الاضطراري غير ثابت. فإن قلت: الانتقال إلي الوارث- أيضا- غير ثابت. قلت: انتقاله إليه في الجملة ثابت، إنّما الكلام في كون ذلك قبل إيفاء الدين أو بعده، فيحكم بثبوت الانتقال قبل الإيفاء بأصالة عدم الانتقال إلي غيره، نظير ما إذا ثبتت الحقيقة العرفيّة للفظ و شكّ في كونه في اللّغة كذلك، فإنّه يحكم بثبوت الحقيقة العرفية في اللّغة- أيضا- بأصالة عدم النقل، و لا يجري هنا أصالة تأخّر الوارث «75». فحاصل الاستدلال: أنّ الأمر دائر بين تملك الميت، أو تملك الوارث، أو كون الملك للَّه تعالي. و الأوّل باطل قطعا، فيدور الأمر بين الأخيرين و حيث إنّ تملك الوارث ثابت في الزمان المتأخّر، و يشك في ثبوته عند الموت، فيحكم بثبوته هناك، نظير ما ذكر في الحكم بسبق المعني العرفي و عدم مسبوقيّته لوضع آخر، هذا، و لكنّ العمدة في نفي احتمال ملكيته للَّه هو الإجماع المركّب كما عرفت، و إلّا فإثبات سبق التملّك بهذا الأصل غير صحيح، و المعتمد في إثبات سبق الحقيقة العرفيّة عند الشكّ علي أمور أخر، فتدبّر. نعم، يمكن أن يوجّه الاستدلال المذكور بأنّ الإرث عرفا و شرعا هو انتقال ما كان للميت من مال أو حق منه إلي الوارث، و لا يتحقق هذا المعني إلّا بعد عدم توسّط مالك ثالث بين الميت و الوارث، و إلّا لانتقل المال إلي الوارث منه لا من الميّت، فحينئذ فيدور الأمر- قبل إيفاء الدين- بين تملك الميّت و تملك الوارث، و الأوّل باطل لكونه خرقا للإجماع، و لأن الميت إمّا أن يراد به نفس الجسد، و لا يخفي عدم قابليته للتملك، و إمّا أن يراد به النفس الباقية بعد الموت، و هو و إن تصوّر فيه الملك نظير ما يقال في حصول الملكيّة للَّه تعالي في الوقف العام، إلّا أنّ ملاحظة أحكام الملك و المالك يكشف كشفا قطعيّا عن بطلانه، كيف و لو كان كذلك لزم انتقال عوض التركة إليه إذا باعها الوارث، و انعتق عليه من يعتق عليه إذا انتقل إليه، إلّا أن يمنع ذلك من أجل الحجر عليه و إن كان مالكا، و لجاز الربا في المعاملة الواقعة من الوارث إذا كان مع ولد الميت أو زوجته، و لجاز نقل الملك إليه، و الوقف عليه، إلي غير ذلك مما هو متّفق البطلان. و لو فرض تسليم قابليّة النفس الناطقة للملك، لكن نقول: لا بد من التزام انتقال المال من الإنسان لأنّ المالك في حال الحياة ليس خصوص النفس الناطقة- كما لا يخفي- و قد علمت أنّ الإرث انتقال المال من الميت إلي الحيّ لا إلي النفس، و منه إلي الوارث. و كيف كان، فهذا الوجه هو المعتمد في الاستدلال. و أمّا ما ذكر من اشتراك ابن الابن لعمّه إذا مات أبوه قبل الإيفاء فهو أعم من المطلوب لاحتمال كونه لأجل انتقال تأهّل الملكيّة بعد الدين إليه من أبيه، و انتقال سبب الملك كاف في استحقاق النصيب، كما لو كان للميّت خيار، فإن ابن الابن يرث الخيار من أبيه فيشارك مع عمّه في البيع المستردّ بالخيار، و نحوه ورثة الموصي له، فإنهم إذا قبلوها تنتقل إلي ورثة الموصي له حين موته لا حين قبولهم لأنّهم إنّما ورثوا قابليّة الملك و القبول للموصي به. و كذا الوقف المنقطع الآخر الذي قيل: إنّه يرجع بعد الانقطاع إلي ورثة الواقف، بناء علي انتقاله إلي ورثته حين الموت لا حين انقراض الموقوف عليهم، و يحتمل الانتقال إلي ورثته حين الانقراض، بناء علي أنّه يقدّر انتقاله إلي الميت من ذلك الحين، و الفرق بينه و بين الخيار و الوصيّة أنّهما إنّما ينتقلان من الميت إلي وارثه، ثمّ منه إلي وارثه، و هكذا، و انتقال المال تابع للخيار و الوصيّة، بخلاف الوقف فإنّه يقدّر انتقاله إلي الميت من حين الانقراض. و وجه الاحتمال الأوّل: هو أن الواقف له تأهّل انتقال الوقف إليه لو انقرض الموقوف إليه «76». و بهذا المعني ينتقل إلي وارثه، ثم إلي وارثه، و هكذا، فيكون انتقال المال تابعا لانتقال ذلك التأهّل، كانتقال المال في الخيار و الوصيّة. و يدلّ علي تملّك الوارث- مضافا إلي ما ذكرنا- إطلاقات الإرث، مثل قوله تعالي لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.. الآية «77». و قوله تعالي إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ «78». دل علي سببيّة الهلاك لتملّك الوارث. و يؤيّدها آية اولي الأرحام «79» و قوله تعالي وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ «80». و تقييدها بما بعد الوصيّة و الدين لوجود الآيات المقيّدة ممنوع، أوّلا: بما سيجي‌ء من عدم دلالة تلك الآيات إلّا علي كون القسمة بين الورثة بعد الدين، لا أنّ التملك بعده. و ثانيا: لو سلمنا دلالتها علي ذلك لكن نقول: لا يمكن تقييد الآيات المطلقة بها لأنّا إن قلنا بظهور اللّام- وضعا أو انصرافا- في الملكيّة المستقرة السليمة عن مزاحمة الغير، فلا يخفي أنّ تقييد هذه الملكيّة بما بعد الدين- كما تضمنته الآيات- متفق عليه. [علي أن التقييد في هذه] «81» الآيات ليس بأولي من حمل الملكية- المستفادة من اللام- و الأولوية و المولوية علي ما لا ينافي مزاحمة حقّ الغير المانع من التصرف المنافي له، و إن كانت ظاهرة في غير ذلك «82». إلّا أنّ الآيات المطلقة المذكورة كما يمكن تقييد الملكيّة المذكورة المستفادة منها بما بعد الدين بقرينة الآيات المقيّدة، كذلك يمكن أن يراد من الملكيّة فيها- الظاهرة في الفرد المستقر- مطلق الملكيّة المجامع مع عدم الاستقرار و مزاحمة الغير. و دعوي أولويّة تقييد المطلق من إرادة الإطلاق من المطلق المنصرف إلي بعض أفراده، ممنوعة. و إن قلنا بعدم ظهور في أزيد من مطلق الملكيّة فيدور الأمر بين تقييد الآيات المطلقة بما بعد الدين، لشهادة الآيات المقيدة، و بين تقييد الملكيّة المقيّدة بما بعد الدين- في الآيات المقيّدة- علي خصوص الملك المستقرّ المستقلّ السليم عن مزاحمة الغير في التصرّف، فبقي إطلاق ثبوت أصل الملك في الآيات المطلقة غير مقيّد بشي‌ء، و كيف [كان] «83» فلا يتعيّن تقييد الآيات المطلقة بالآيات المقيّدة. و أمّا ما استدلّ به الأكثر علي عدم الملك من الوجوه الثلاثة: فأمّا أصالة عدم الانتقال إلّا بعد الإيفاء و إن كانت جارية هنا و لا تعارضها أصالة عدم الانتقال إلي مالك آخر فضلا عن أن تقدّم عليها، و إنّما تقدّم عليها في تعيين أوضاع الألفاظ لوجوه أخر- كما عرفت سابقا- إلّا أنّ الأصل يخرج عنه بما ذكرنا من الدليل. و أمّا التمسك بلزوم انعتاق من ينعتق علي الوارث بمجرّد الموت مع إحاطة الدين، فيرد عليه: منع عموم الدّليل علي الانعتاق بمجرّد الملك، حتّي فيما إذا كان متعلّقا لحق الغير و كان المالك ممنوعا من التصرّف. و عموم ما دلّ علي أنّه لا يملك الرجل محارمه معارض بعموم ما تقدّم من الدليل، علي أنّ الورثة إذا أبوا عن ضمان الدين كان التركة للغرماء يقوّمونه و يأخذون حقّهم «84». و أمّا التمسك بالآيات المتضمّنة لقوله مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ.. أَوْ دَيْنٍ «85» ففيه: أوّلا: انّ الظاهر من الآية سوقها لبيان كيفيّة القسمة- بعد كون مالكيّة الورثة و استحقاقهم في الجملة مفروغا عنه- لا لتأسيس الحكم بأصل التملّك، فالمتأخر عن الوصيّة و الدين هي قسمة الإرث بين الورثة علي النحو المذكور في الآيات، فالمراد: أنّ الورثة لا يزاحمون الموصي له و لا الديّان. فمساق الآية مساق ما ورد من أنّ أوّل شي‌ء يبدأ به من المال: الكفن، ثم الدين، ثم الوصيّة، ثم الميراث «86». و ربما يظهر ما ذكرنا من بعض فقرأت الآيات، مثل قوله تعالي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ.. إلخ «87»، فإنّ قوله وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ دل علي أنّ قوله فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ و قوله فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مسوق لبيان كيفيّة القسمة، فالمقيّد بقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ هي القسمة بين الأبوين، لا أصل إرث الأبوين لمال الميت. فالمقصود من القيد بيان عدم مزاحمة إيفاء الوارث للوصيّة و الدين. و ثانيا- سلّمنا أنّ القيد يرجع إلي الملكيّة لكن نقول: لمّا كان الظاهر من الملكيّة المستفادة من اللّام- الموضوعة للاختصاص المطلق- هو استقلال المالك و عدم مزاحمته في التصرّف، فالقيد راجع إلي الملكيّة علي هذا النهج، و تأخّرها عن الدين ممّا لا خلاف فيه. اللَّهمّ إلّا أن يقال: إنّ خصوصيّة الاستقلال في الملك و التسلّط، و عدم تسلّط الغير ليس من الأمور المستفادة من «لام التمليك»، بل و لا «لام الاختصاص» لأنّ غاية الاختصاص المطلق المستفاد من اللّام هو الاستقلال، بمعني عدم مدخليّة الغير في الملكيّة و نفي تشريك الغير.
و أمّا عدم مدخلية الغير في مزاحمة المالك و منعه عن التصرّف، فهو من الأحكام الشرعيّة الثابتة للأملاك لو خلّيت و أنفسها، و أظهر من ذلك- في الخروج عن مدلول اللّام- استقرار الملك و عدم تزلزله بتسلط الديّان علي إبطاله عند امتناع الوارث من أداء الدين، فإنّ هذا ليس من أحكام الملك- فضلا عن مدخليّته في نفس الملك- ليكون داخلا في مفاد اللّام، بل هو مقتضي استصحاب الملك. و أمّا تنجّز الملك و عدم مراعاته بضمان الدين، أو مقتضي إطلاق الحكم بالملكيّة، فاتّضح إنّ شيئا من الخصوصيّات المذكورة للملك- اعني الاختصاص بمعني عدم مدخليّة الغير في المنع عن التصرّف، و استقرار الملك و تنجّزه- ليس مستفادا من نفس اللفظ حتّي يرد عليه التقييد، فيكون مؤدّاه توقّف الملك الخاص علي إيفاء الدين، فلا ينافي حصول أصل الملك قبل الإيفاء. نعم، لو سلّم عدم دلالة اللّام علي أكثر من مطلق الملك- لكن ادعي أنّ المراد من المطلق: الملك الخاص، اعني المنجّز المستقرّ السليم عن المزاحمة، فالتقييد وارد علي هذا المقيّد المراد من المطلق- كان حسنا بشرط إثبات الدليل من الخارج علي ثبوت أصل الملك، حتي لهذا التقييد المذكور. نعم، يمكن أن يقال- كما أشرنا سابقا- : إنّ إبقاء الملكيّة- المقيّدة في هذه الآيات بما بعد الدين- علي إطلاقها موجب لتقييد الآيات المطلقة المتقدّمة «88» بهذه الآيات، فيدور الأمر بين تقييد الملكيّة المطلقة- في آيات الدين- بالملكيّة المستقرة السليمة عن مزاحمة الغير في التصرّف، و بين تقييد أصل الملكيّة- في تلك الآيات المطلقة- بما بعد الدين، و لو لم نرجّح التقييد الأوّل، فلا نرجّح الثاني. لكنّ الإنصاف إنّ التقييد الثاني أرجح، و حينئذ فمع الإجمال في الآيات المطلقة و الآيات المقيّدة، فالمرجّح ما ذكرنا من الدليل العقلي، لا إطلاقات الآيات المتقدّمة، مضافا إلي قوّة احتمال ورودها في مقام بيان استحقاق الأقارب في مقابل الحرمان بالكلية، و يشهد له: أنّ الآية الأولي إنّما نزلت في ورثة بعض الأنصار حيث إنّ إخوة الميّت أخذوا المال و حرموا أولاده الصغار و امرأته «89»، فيكون مساقها مساق جميع الإطلاقات الواردة في أنّ للأبوين كذا، و للأخ كذا، و للخال كذا، و للعمّ كذا، إذ لا يرتاب أحد في ورودها في مقام تشخيص المستحقّين إذا فرض ثبوت الإرث و الاستحقاق لأصل الوارث في وقت. و يؤيّده إطلاقهم- ظاهرا- علي أنّ الوارث له حقّ المحاكمة، بمعني أنّه لو ادّعي لمورّثه مالا علي أحد، فأقام شاهدا واحدا، فله الحلف و أخذ الحقّ، و إن كان علي الميت دين يحيط بالحقّ. و قد دلّت النصوص «90» و الفتاوي علي أن اليمين المثبتة هي اليمين لإثبات مال لنفسه، و لا يمين لإثبات مال للغير بلا خلاف ظاهرا «91»، مع صراحة النصوص في أنّ المعتبر في جزء البيّنة يمين صاحب الحق، و مشروعيّة الحلف من الوارث، مع ما ثبت من أنّه لا يمين لإثبات مال للغير يدلّ علي أنّ التركة مال الوارث. و اعلم أنّ الظاهر إنّ حكم الوصيّة و حكم الدين واحد، كما صرّح به بعض، حاكيا له عن جمع الجوامع «92» و فقه الراوندي «93» و غيرهما من مصنّفي آيات الأحكام «94». ثم إنّ الثمرة بين القولين تظهر في مواضع: منها: وجوب فطرته- لو كان عبدا- علي الوارث، بل وجوب زكاة المال، علي أحد الوجوه كما سيجي‌ء. و منها: استحقاق الوارث لنمائه لأنّه نماء ملكه، و في تعلق حقّ الديّان بالنماء- كما في فوائد الرهن علي أحد القولين- احتمال، و إن نسب إلي الأصحاب القطع بخلافه في المدارك «95». و يؤيد هذا الاحتمال: عموم قوله عليه السلام في الرواية المتقدّمة: «ليس شي‌ء للورثة حتي يؤدوا ما عليه» «96»، و قوله: «ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد و ما في يده» «97»، و قوله عليه السلام في ولد المكاتب المطلق: «ليس له شي‌ء حتي يؤدي ما علي أبيه» «98» فإنّ الظاهر.. «99». نعم، مقتضي الأصل و قاعدة «تسلّط الناس علي أموالهم» ما نسب إلي الأصحاب. و منها: جواز بيع التركة قبل الإيفاء، ذكره في الدروس «100»، فإن أراد الجواز مع عدم الضمان، و عدم إذن الغرماء، فهو مناف لما سبق من الأخبار «101»- و حكي عليه الإجماع في الإيضاح «102» و المسالك «103» و كشف اللثام «104»- من عدم استقلال الوارث بالتصرف. نعم، حكم الفاضل بجواز رهن التركة «105»، و لعلّه لأنّه يري كون تعلق الدين بالتركة تعلق الرهن، لكن صرح بعض بأنّه لم يعهد ذلك من قائل عدا ما حكاه الشهيد في قواعده عن السيد رضي الدين قدّس سرّهما «106». نعم ظاهر محكي جامع المقاصد موافقة الفاضل في باب الرهن «107»، لكنّه عدل في باب الحجر «108» كما عرفت. و إن أراد الجواز مع الضمان أو إذن الديّان، فالظاهر جوازه علي القولين لأنّه و إن لم يكن مالكا- علي قول الأكثر- إلّا أنّ له ولاية التصرف بإذن الغرماء، إلّا أن يمنع الولاية. بل له إمّا إعطاء الأعيان بإزاء الدين بعد التقويم أو ضمان الدين ثم التصرف فيها بما يشاء، كما يظهر من قوله عليه السلام: «ليس للورثة سبيل علي العبد و ما في يده حتّي يضمنوا للغرماء» «109». و منها: وجوب الزكاة علي الوارث و عدمه، و توضيحه: إنّه إذا مات المالك و عليه دين و ترك نخيلا- مثلا- فإمّا أن يكون موته بعد ظهور الثمرة و تعلّق الزكاة بها، أو قبله. و الأوّل سيجي‌ء حكمه. و علي الثاني: فإمّا أن تكون التركة فاضلا عن الدين. و إمّا أن يكون الدين محيطا بالتركة. و علي التقديرين: فإمّا أن يكون الموت بعد الظهور أو قبله. فالأقسام أربعة: فعلي الأوّل يحسب الزكاة في الفاضل إذا بلغ نصابا، لانتقاله إلي الوارث. و ممنوعيته عن التصرّف فيه- علي أحد القولين المتقدّمين في الفاضل عن الدين «110»- لا يوجب نفي الزكاة إذ غايته انّه كالمرهون المقدور علي فكه و لو ببيعه، بل هو أولي. نعم، لو قيل بعدم الزكاة في ما تعلّق به حقّ الغير كالرهن و لو تمكّن من فكّه، كما هو أحد الأقوال في الرهن، لم تجب الزكاة. و كذلك الحكم علي الثاني، و كذلك علي الثالث، إن قلنا بملك الوارث. و الكلام في حجره عن التصرّف كما تقدّم من أنّه لا يزيد عن الرهن المقدور علي فكّه، الذي صرّح الشهيدان في الروضة «111» و البيان «112» بوجوب الزكاة فيه، فما في المسالك- من أنّ التركة المحاطة بالدين لا تجب زكاتها علي الوارث و لو علي الانتقال، لمنعه عن التصرّف «113»- لا يخفي ما فيه. ثمّ إنّه إذا أخرج الوارث الزكاة من العين فهل يغرم بدلها للديّان؟ الظاهر ذلك إذ لم يجب عليه دفع الزكاة من العين، و لا دفع الدين منها، فالوجوب في كل منهما تخييري الأداء من العين و غيره، فلا يلزم من العمل بخطابي أداء الزكاة و أداء الدين محذور لعدم التعارض، و تعلق الزكاة بالعين لا ينافي كون الخطاب تخييريّا. نعم لو قلنا: إنّ دفع القيمة مسقط للتكليف بالإخراج من العين حيث إنّه لولايته الشرعية نقل العين المستحقة للفقراء إلي نفسه فسقط تكليفه بإخراج العين لا أنّ دفع العين أحد طرفي التخيير، أمكن القول بأنّ تعلق حق الفقراء بالعين بمنزلة تلف بعض التركة بغير اختيار الوارث، فلا يجب عليه الغرامة، مع إمكان القول بالوجوب حينئذ نظرا إلي عموم ما دل علي أنّه لا يجوز للوارث التصرّف ما لم يضمن للغرماء حقهم، كما في الرواية المتقدّمة في قوله عليه السلام: «ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد و ما في يده حتي يضمنوا للغرماء» «114». و حينئذ فوجوب التصرف بدفع الزكاة لا ينافي توقف هذا التصرف علي الضمان. و إن كان واجبا- أيضا- فيجب الضمان من باب المقدّمة، و مجرّد الحكم بوجوب إخراجه من العين لا يوجب كون الإخراج مجّانا و من غير عوض، كما أنّ وجوب أخذ مال الغير في الاضطرار لا ينافي ضمانه الثابت بالقاعدة. فنتيجة القاعدة هي وجوب الأخذ بعد الضمان. فإن قلت: بعد تسليم تعلّق الزكاة به و اشتراك الفقراء فإخراج الزكاة ليس تصرفا في متعلّق حقّ الغرماء لأنّه خارج عن الإرث، فلا يشمله ما دل علي منعه علي التصرّف في الميراث إلّا بعد الضمان. قلت: مع أنّ هذا مبنيّ علي تعلّق الشركة فيه، إنّه إنّما يستقيم لو كان تعلّق التكليف بأداء الزكاة متأخرا عن مشاركة الفقراء، نظير التكليف بأداء حصّة الشريك إليه في سائر الأموال المشتركة، و هو ممنوع. و كذا علي الرابع، إن قلنا بملك الوارث، و ليس هنا مانع الحجر لأنّ الثمرة تظهر في ملك الوارث، و قد تقدّم أنّ المنسوب إلي الأصحاب القطع بعدم حجره عن التصرّف في النماء «115». ثمّ لو قلنا: بأنّ التركة في حكم مال الميّت فظهرت الثمرة و زادت التركة و دخلت المسألة في الصورة الثانية. و لو زادت التركة عند بلوغ حدّ الوجوب في الصورة الثالثة، اتحد زمان تملّك الوارث للفاضل و زمان نفي الوجوب، و الظاهر وجوب الزكاة علي الوارث للعمومات. و لو كان موت المالك بعد تعلّق الوجوب، فلا إشكال في وجوب الزكاة في هذا المال و إن كان الميّت مديونا لأنّ الدين لا يمنع الزكاة. و لو ضاقت التركة عن الدين و الزكاة، فإن كان عين المال الزكوي تالفا، بأن كانت الزكاة في ذمة الميّت فهي كأحد الديون يوزّع المال علي الجميع، و إن كانت العين باقية فالظاهر دفع الزكاة أوّلا، أمّا علي تقدير تعلّق الشركة فواضح، و أمّا علي تقدير تعلّقه كتعلّق الدين بالرهن و دية الجنابة بالعبد الجاني فلسبق تعلّق ذلك الحقّ، فيكون حقّ الغرماء بعد الموت تعلّق بمال تعلّق حقّ الغير به، فلا بدّ من فكّ الحقّ المتقدّم. ثمّ علي القول بالانتقال إلي الوارث فالظاهر منعه من التصرّف مع مطالبة الورثة «116» مطلقا و لو كان الدين غير مستوعب- وفاقا للإيضاح «117»، و المحكيّ عن الكركي «118»- لعموم الروايتين المتقدّمتين في قوله: «ليس للورثة شي‌ء» «119»، و قوله: «ليس للورثة سبيل علي رقبة العبد و ما في يده» «120». و ربّما يستدلّ لذلك بالآية، و يقال: إنّ مقتضاها أنّ تسلّط الورثة من جميع الوجوه متأخّر عن الدين و الوصيّة، خولف ذلك في أصل الملك لما دلّ عليه من الدليل العقلي و النقلي فيبقي الباقي علي المنع. و فيه: انّ مقتضي الآية تأخّر التسلّط المطلق عن الدين، لا تأخر مطلق التسلط، فالعموم في قوله: التسلّط من جميع الوجوه، مجموعي لا أفرادي. و كيف كان، فمقتضي تلك الروايات هو المنع مطلقا، إلّا أنّ في بعض الأخبار دلالة علي جواز التصرف إذا لم يحط الدين بالتركة، نحو مرسلة البزنطي- المصحّحة إليه- : «عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إذا استيقن أن الّذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال» «121». و ما سيجي‌ء من صحيحة الحلبي الدالّة علي أنّ الوصيّ إذا عزل الدين و قسّم الباقي بين الورثة ثم تلف المعزول غرمه «122» إذ لو لم تجز القسمة قبل إيفاء الدين إلي صاحبه لكان حقّ الديان. و في معناها ما عن الكليني و الشيخ في الموثّق عن ابن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام «123» أن ينفق علي الورثة مع عدم الاستغراق، و يوفّي الدين- أيضا- لوجوب إيصال حقّ كل من الورثة و الديان إليهم، لكن لا يخفي أنّه ليس في الرواية ما يوجب اختصاص ذلك بالوصيّ للميت- الولي الشرعي للصغار- بل ظاهر مطلق المتولي لأمور الميت و الورثة، فلا يبعد جواز ذلك لنفس الوارث، فيجوز له التصرف في بعض التركة مع حفظ بعضها الآخر للديان إلي زمان إمكان الأداء. نعم، لو اتّفق تلف ما للديّان بعد الإنفاق علي الورثة فالضمان علي الولي المتصرف إذا تمكّن من إيصال حقّ الدّيان إليهم فلم يفعل لما ورد في ضمان من اوصي إليه دفع مال إلي مستحقه فتمكّن و لم يفعل، المروي في باب: من تمكّن من إيصال الزكاة فلم يفعل «124». و لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّه قال: في رجل توفّي فأوصي إلي رجل، و علي الرجل المتوفّي دين، فعمد الذي اوصي إليه فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته، و قسّم الذي بقي بين الورثة، فسرق الذي للغرماء من اللّيل، ممّن يؤخذ؟ قال: هو ضامن حين عزله في بيته، يؤدي من ماله» «125». و رواية أبان- المحكيّة عن الفقيه بطريق موثّق «126»، و عن الشيخ بطريق صحيح إليه مرسل «127»، و عن الكليني بسند ضعيف مرسل «128»- أنّه سأل رجل، أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل أوصي إلي رجل أنّ عليه دينا، فقال: «يقضي الرجل ما عليه من دينه و يقسّم ما بقي بين الورثة، قلت: فسرق ما كان أوصي به في الدين، ممن يؤخذ؟ أمن الورثة أم من الوصي؟ قال: لا يؤخذ من الورثة و لكن الوصيّ ضامن له» «129». و قريب منها رواية عبد اللَّه الهاشمي المحكية عن الاستبصار «130» و التهذيب «131» في وصيّ أعطاه الميت زكاة ماله فذهبت. و لا بد من حمل هذه الروايات- وفاقا للمحكيّ عن الشيخ في التهذيبين- علي صورة تمكّن الوصيّ «132» لما تقدّم من التقييد في رواية الوصيّ الذي أمر بدفع مال إلي غيره، المرويّة في باب الزكاة «133». و لو لم يتمكّن من الدفع، فالظاهر المطابق للقاعدة أن الضمان علي الورثة إذ لا يستقر ملك الرجل علي شي‌ء من التركة قبل إيفاء الدين، لما تقدّم من الروايتين الظاهرتين في المنع من التصرف «134»، المحمولتين- بقرينة رواية الإنفاق «135» و هذه الروايات- علي أنّه ليس لهم شي‌ء علي سبيل الاختصاص المستقرّ و الملكيّة الثابتة حتي يؤدوا الدين. و لو أفلس الوصي، فالظاهر رجوع الغرماء إلي الورثة، بل لا يبعد رجوعهم من أوّل الأمر إلي الورثة. و
المراد بضمان الوصيّ وجوب غرامته فيكون ما يغرمه كأصل مال الميّت، لا أنّ الوصيّ ضامن للديان بمعني عدم تسلّطهم علي الورثة. فقوله عليه السلام في الرواية الثانية: «لا يؤخذ من الورثة» و إن كان ظاهرا في ذلك إلّا أنّه لا يبعد حمله علي أنّ الضمان لا يستقرّ علي الورثة، بمعني أن لا يرجع أحدهما إلي الوصيّ، بل الضمان يستقرّ علي الوصيّ، فإن أخذ الديّان منه فهو، و إن أخذوا من الوارث رجع الوارث إلي الوصيّ، كلّ ذلك لما تقرّر من أنّ الإرث لا يستقرّ ما لم يبرئ ذمة الميّت.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.