منهج الرشاد لمن اراد السداد نص الرساله الجوابيه التي بعث بهاآالشيخ جعفر كاشف الغطاآ الي الامير عبدالعزيزبن سعود

اشارة

سرشناسه : كاشف الغطاآ، جعفربن خضر، ق 1228 - 1156

عنوان و نام پديدآور : منهج الرشاد لمن اراد السداد نص الرساله الجوابيه التي بعث بهاآالشيخ جعفر كاشف الغطاآ الي الامير عبدالعزيزبن سعود/ جعفر كاشف الغطاآ

مشخصات نشر : قم مركز الغدير للدراسات الاسلاميه 1420ق = 2000م = 1379.

مشخصات ظاهري : 122 ص نمونه يادداشت : عربي يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس موضوع : كلام شيعه اماميه -- قرن 13ق -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : كلام شيعه اماميه -- مناظره ها

موضوع : وهابيه -- عربستان سعودي شناسه افزوده : موسسه دايره المعارف فقه اسلامي مركز الغدير للدراسات الاسلاميه رده بندي كنگره : ‮ BP212/5 ‮ /ك2م8 1379

رده بندي ديويي : ‮ 297/4172

شماره كتابشناسي ملي : م 79-8672

مقدمة المركز

هذا الكتاب، في الاصل، رسالة ارسلها الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفي سنة 1228 ه_ 1813 م)، زعيم الامامية في عصره، الي الاميرعبدالعزيز بن محمد بن سعود (المتوفي سنة 1218 ه_ 1803 م)، امير آل سعود في دولتهم الاولي، ويسميه الشيخ جعفر في رسالته هذه الشيخ عبدالعزيزي بن سعود.كتبت هذه الرسالة وارسلت الي الامير السعودي سنة 1210 ه_ 1795 م، اي في زمن عرف متغيرات خطيرة: اولها سعي بريطانيا الي التفرد بالنفوذ في منطقة شبه الجزيرة العربية ومحيطها، بغية تامين سلامة المواصلات التجارية بين الهند وانكلترا... وثانيها تاسيس الدعوة الوهابية، وهي دعوة سلفية المعتقد، امارة تعمل علي التوسع في شبه الجزيرة العربية ومحيطها، بعد ان تم التحالف سنة 1157 ه_ آ1744 م، بين الداعية السلفي الشيخ محمد بن عبدالوهاب والامير الطموح محمد بن سعود. وثالثها عجز الدولتين الكبيرتين في المنطة، آنذاك، العثمانية والقاجارية عن مواجهة ما يحدث.نعرف، الان، ان هذه المتغيرات كانت بداية تحولات تاريخية في

المنطقة.. وفي ذلك الزمن ادرك الشيخ جعفر، بوضوح تام، ان خطرا مايهدد المنطقة وان مدينة النجف الاشرف بخاصة ستستهدف وان الاداة ستكون الدعوة الوهابية المتخذة مواقف معادية للشيعة... وقد حدث، في ما بعد، ما توقع الشيخ حدوثه، فغزا الوهابيون النجف الاشرف وقتلوا ودمروا ونهبوا...، وحققوا هدف الانكليز في اثارة الفتنة.انطلاقا من هذا الوضوح في الرؤية، بادر الشيخ كاشف الغطاء الي الحوار، ووجه الي امير الوهابيين رسالة دعوه فيها الي الحوار واتباع منهج الرشاد، بغية الوصول الي السداد، اي الي الصواب والاستقامة.فاقسم عليه باللّه تعالي ان ينظر ويتمعن «متوحشا من الناس وقت النظر متحذرا من النفس الامارة لالحذر، طالبا من اللّه كشف الحقيقة،سالكا في المناظرة واضح الطريقة، فلعله يظهر انه ليس بيننا نزاع».ان هذا السعي الي الاخر وحواره، بغية كشف الحقيقة باعتماد منهج الرشاد، منذ قرنين من الزمن ونيف، هو الذي دعانا الي اتلوقف ازاءهذه الرسالة وطباعتها، فهي، علاوة علي ما ذكرناه، كما يقول العلامة السيد محسن الامين «اول رسالة كتبت في هذا الموضوع»، وقد«حوت كثيرا مما لم يحوه بعض ما تاخر عنها، فهي من مفاخر ذلك العصر».فعسي ان يوفقنا اللّه في تحقيق مطلب الرسالة، وهو كشف الحقيقة ولعل هذا الكشف يظهر انه ليس بيننا نزاع، واللّه الموفق في كل حال.مركز الغدير للدراسات الاسلامية

مقدمة التحقيق

اشاره

هذه الرسالة حصيلة مراسلة بين شخصيتين كبيرتين تمثلتا بالشيخ جعفر كاشف الغطاء زعيم الطائفة الامامية في عصره، المتوفي سنة 1228ه 1813م، وبين الامير عبد العزيزبن سعود احد قادة الحركة الوهابية في عهدها الاول، المتوفي سنة 1218ه 1803م.والسبب الذي دعا الي تاليفها هو ان الامير عبد العزيز كتب رسالة الي الشيخ كاشف الغطاء انتقد فيها الممارسات التي يطبقها زوار المراقدالدينية المقدسة، وهي حسب

العقيدة الوهابية تقارب الشرك في مقام التوحيد، المبتنية علي مفردات نظرية، مثل الشفاعة، والتوسل،والاستغاثة.ولمعرفة ما تنطوي عليه هذه الاوراق من مناقشة وجدل يتحتم فهم الظروف التي كانت سائدة في منطقة الجزيرة، والتي بدات تؤثر في المناطق المحيطة تاثيرا بالغا وفعالا.فقد كانت منطقة الجزيرة العربية سياسيا واقعة تحت نفوذ السيادة العثمانية (عدا مسقط)، كما كان حال الدول الاخري، مثل العراق، وبلادالشام، ومصر. ولم تكن سيطرة الدولة العثمانية علي هذه البلدان سيطرة فعلية حيث تكتفي من الولاة بتقديم المبالغ المناسبة دليلالخضوع الوالي لها.وفي القرنين (الثاني عشر والثالث عشر الهجريين / الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين) بدا النفوذ البريطاني يدخل منطقة الشرق لتامين سلامة المواصلات التجارية بين الهند وانكلترا، ووصول بضائع شركة الهند الشرقية الانكليزية الي مواني الخليج.وكانت ايران تحت سلطة الافشاريين بعد سقوط الدولة الصفوية سنة 1135ه 1722م.وفي اوائل القرن الثالث عشر الهجري رالتاسع عشر الميلادي اصبح نفوذ البريطانيين شبه منفرد في المنطقة لانشغال الدولتين الكبيرتين:القاجارية والعثمانية باوضاعهما الداخلية المضطربة، والنزاعات المتكررة بينهما.ففي هذا الوسط ظهرت الدعوة الوهابية، وامتدت بتحالف تم عام 1157ه 1744م بين الشيخ محمدبن عبد الوهاب، والامير محمدبن سعود علي ان يكون صاحب السيف حارسا للدين، وناصرا للسنة، وان يستمر الداعية علي الجهر بدعوته الاصلاحية الجديدة.وقد اتسعت الامارة في عهد محمدبن سعود [1] فشملت اكثر نجد، حيث تكرست فتوحاته علي القري المحيطة بالدرعية، والتي نجح في القضاء علي زعاماتها المحلية ولم يبق خارجا عن قبضته سوي مدن الرياض، والاحساء، والقصيم.وقد حكم محمد بن سعود عشرين عاما حتي وفاته سنة 1179ه 1765م، حيث تولي الحكم بعده ولده عبد العزيز.اما ولده (المعني بهذه الرسالة) عبد العزيزبن محمدبن سعود فقد حكم (39) عاما، وخلال هذه الفترة الزمنية

اتسعت فتوحاته اتساعا امتدبسلطانه من شواطي الفرات الي راس الخيمة، وعمان، ومن الخليج الي اطراف الحجاز وعسير. ان العلاقة الوهابية الاثني عشرية مرت بمرحلتين:الاولي: في حياة شيخ الوهابية محمد بن عبد الوهاب حتي وفاته عام 1206ه 1792م.الثانية: ما بعد رحيل الامام محمد بن عبد الوهاب، اي خلال مرحلة حكم الامير عبد العزيزبن سعود (1206ه 1218ه).ففي المرحلة الاولي لم تشهد المدن المقدسة الشيعية اي هجوم وهابي. والسبب يعود كما ذكر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه «العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية» [2] الي علاقة الشيخ جعفر الطيبة مع الشيخ محمدبن عبد الوهاب. وبالرغم من ان المصادر التاريخية لم تشر الي علاقة كهذه سوي ما ذكر في «العبقات»، فان سياق الاحداث التاريخية يؤكد وجود علاقة بين الطرفين،ربما امتدت منذ اقامة الشيخ محمدبن عبد الوهاب ايام دراسته في بغداد، وبقيت حتي تولي الشيخ كاشف الغطاء زعامة الطائفة الامامية.اما المرحلة الثانية والتي تبدا بعد وفاة الشيخ محمدبن عبد الوهاب، فانها اتسمت بالحوار الدبلوماسي في سنيها الاولي، لكنها لم تستمر علي هذه الوتيرة بعد الغزو الوهابي لمدينة كربلاء عام 1216ه، واحلال الدمار والقتل فيها.وتتجلي اهمية هذا الحوار في المراسلات التي دارت بين الامير عبد العزيزبن سعود والشيخ كاشف الغطاء، حيث كتب الامير عبد العزيزرسالة (نقل قسما من مضامينها كاشف الغطاء)، ورد عليها برسالة اشبه ما تكون بالمناقشة الشاملة لما ورد من الشبهات التي اثيرت حول الفكر الامامي، ومما لم يرد منها ايضا.وقد تميز منهج كاشف الغطاء في رسالته بسمات، اهمها:1- امتازت الرسالة بالموضوعية والصدق، والواقعية، وغزارة المعرفة، وقوة الاستدلال، حيث نهج مؤلفها منهجا عقلانيا متكاملا رد فيه المنطق بالمنطق، والحجة بالحجة والبرهان، مما جعلها علي رغم انها نافت علي

القرنين من الزمن رسالة فتية ما زالت حجيتها قائمة،طرية الافكار، متينة المباني، عذبة المحاججة، خالية مما اعتاد عليه المؤلفون في مثل هذه الميادين من الخروج عن ذريعة العلم الي ذرائع اخري لا تتصل الي نهج المعرفة بصلة.2- يبدو ان كاشف الغطاء كان يدرك ان الفتوحات الجديدة تهدد امن المنطقة بشكل عام، وستصل الي العراق لضعف السلطة الحاكمة فيه، وانشغالها بالمشاكل الداخلية وغيرها.لذلك كان حديثه في الرد حديثا حاول من خلاله اقناع عبد العزيزبن سعود بما استطاع من امكانات بالرجوع عن معتقداته الدينية، والتخلي عن نظريته المذهبية التي اعتنقها وتبناها علي فرض الامكان، او احترام وجهات النظر المتغايرة علي فرض آخر، لذلك كان خطابه اليه خطابا يشعر انه خطاب صادر من سلطة دينية عليا الي سلطة قتالية عليا.وبالرغم من احترامه المتزايد للامير الفاتح الا ان رسالته لم تخل من واقعية في التعامل مع هذا الامير، فقد حدثه فيها باللغة المباشرة التي يفهمها هذا الامير العربي. وكان يعزو تبنيه للمذهب الوهابي الي عدم خبرته في اختيار المذهب الذي عليه ان يتبناه ويناضل من اجله،بسبب ض آلة معرفته الفكرية.3- تناولت الرسالة ردا للشبهات التي نشرها الوهابيون، وقد رتبها علي مقدمة، وفصول، ومقاصد، وكان لا يمل من تكرار كلمة «اخي»،و«اقسم عليك» نهاية كل موضوع بعد بيان النتيجة التي يتوصل اليها بعد ايراده جملة من الاحاديث النبوية لعل ذلك يكون سببالمراجعة المعتقد من جديد.4- استخدم في طيات رسالته اسلوب الموعظة، والفات النظر الي ان النفوذ الدنيوي مهما بلغ فانه سيؤول الي الزوال. وقد اطنب في اختيار بعض المرويات المتعلقة بنهاية الانسان وفنائه في الفصل الثالث، تحت عنوان: «في حياة سائر الموتي».5- نسب كاشف الغطاء نفسه في رسالته هذه الي انه

من تلامذة مدرسة «بغداد». وقد ذكر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ان الشيخ جعفرا اراد بذلك ان يظهر بمظهر اهل السنة ليتوصل الي اهدافه، ويقلع عبد العزيز عما هو عليه. ولم يكن هذا الراي موافقا للصواب لعلم الامير عبد العزيز بهوية كاشف الغطاء، ومخاطبته الصريحة في رسالته التي انتقد فيها زوار قبر الامام علي في النجف.ويمكن الاستنتاج ان العلاقة التي يشير اليها صاحب «العبقات» نفسه بين الشيخ كاشف الغطاء، وابن عبد الوهاب يمكن ان تكون ممتدة الي ايام تتلمذ الشيخ محمدبن عبد الوهاب علي يد شيوخ الحنابلة البغداديين. فاراد كاشف الغطاء ان يظهر امام عبد العزيزبن سعود انه بمنزلة شيخه الذي نهض باعباء الدفاع عن فكره، ونشر معتقداته بالقوة.6- لما كان المذهب الوهابي يعتمد علي صحاح الاحاديث السنية، فقد التزم كاشف الغطاء في نقل احاديثه، ومناقشاته علي الصحاح فقط، ولم يتطرق الي غيرها من كتب الحديث.كما نقل اقوال كبار علماء السنة في بحثه، ولم يتطرق الي كتب الحديث الشيعية سوي مانقله فقط عن كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي في حديث عام يتصل بالمجادلة بين النبي محمد(ص) وبعض المناوئين له من العصرالجاهلي.7- كتبت هذه الرسالة في سنة 1210ه_ 1795م، اي في حياة الامام السيد مهدي بحر العلوم الذي توفي سنة 1212ه_ 1797م. وكانت المرجعية في هذه المرحلة مقسمة بين عدد من المجتهدين، حيث تخصص بحر العلوم بالتدريس، وكاشف الغطاء بالزعامة والفتيا،والشيخ حسين نجف بالصلاة جماعة، مما يبرهن علي انحصار مرجعية التقليد السياسية والدينية في شخص كاشف الغطاء دون غيره من المجتهدين الكبار من طبقته.الشيخ كاشف الغطاء مدركا المتغيرات السياسية، والصراع القائم بين القوي المتنازعة علي الخليج، فحاول ان يظهر النجف مركزامستقلاعن مدار صراعات دول المنطقة، وان يجنب

المرجعية الدينية العليا الدخول في هذا الصراع.ومن هنا يمكن تفسير العلاقة الودية التي اقامها مع شيخ الوهابية بالمكاتبة مرة، وبتقديم الهدايا مرة اخري، ونجاحه في حفظ الكيان الشيعي بعيدا عن المتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة.وبمقدار النجاح الذي حققه كاشف الغطاء مع الشيخ عبد الوهاب، فانه اراد ان ينحو المنحي نفسه مع وريثه الامير عبد العزيزبن سعود،وهو وان نجح في تحييده قرابة العقد من الزمن الا ان ذلك لم يمنع ابن سعود من غزو مدينة كربلاء المقدسة عام 1216ه_، ونهب الكنوزالمودعة في حرم الامام الحسين بن علي(ع)، وقتل اهالي البلدة قتلة ماساوية شنعاء.ان الهجوم الوهابي علي كربلاء عام 1216ه_ لم يكن مستهدفا الشيعة بمقدار ما كان يهدف الي احلال الفوضي في الامبراطورية العثمانية، وتهديد سلامتها وسرقة الخزائن التي ملاها ملوك الهند والفرس بنفائس الجواهر في النجف وكربلاء.وبعد واقعة كربلاء عام 1216ه_ 1801م احس كاشف الغطاء بضرورة تحصين النجف، وتعبئة الاهالي للدفاع عنها، فتهيات لذلك مراكزتدريب قتالية خارج البلدة يشرف عليها الشيخ كاشف الغطاء بنفسه. كما تم تعيين عدد من المقاتلين للحراسة، وتنظيم المجاميع الاخري للتصدي للغزو الخارجي من وراء الاسوار [3] .وقد فشلت الهجمات الوهابية الخمسة التي تكررت علي النجف، والتي كان اعنفها الهجمة التي حدثت اواخر عام 1218ه_ 1803م، حيث دافع النجفيون دفاعا عنيفا، ولم تستطع القوة الغازية من اقتحام المدينة.وفي عام 1221ه_ 1806م تعرضت النجف لغارة مفاجئة، الا ان ثقة النجفيين بممارساتهم القتالية وتحصنهم بالاسوار والاسلحة جعلهم يتغلبون هذه المرة علي القوة المهاجمة بسهولة.

منهج الرشاد النسخة الخطية

وهي نسخة مكتوبة في حياة المؤلف، وقريبة لزمن التاليف، كتبها العلامة الشيخ قاسم الدلبزي سنة 1210ه_ 1795م، وعليها تعليق له.وهذه النسخة كما يظهر مطابقة للاصل تمام المطابقة، سليمة العبارة، صحيحة،

وهي تتكون من (55) صفحة، كل صفحة تحتوي علي(23) سطرا عدا الصفحة الاولي، ويتكون السطر الواحد غالبا من (12) كلمة.اما ناسخها العلامة الدلبزي فهو من العلماء المجهولين الذين اختفي تراثهم، ويبدو انه من تلامذة المؤلف كاشف الغطاء، والسيد مهدي بحر العلوم، كما يظهر من بعض المخطوطات انه كان حيا سنة 1231ه_ 1816م. واستظهر بعضهم انه مات بالطاعون سنة 1247هآ1831م. وولده الشيخ حسين الدلبزي المتوفي بالطاعون ايضا سنة 1247ه_ من العلماء المشهود لهم بالفضل، وغزارة العلم، والادباءالكبار الذين احتفظت المجاميع الادبية بنماذج من قصائدهم البليغة الجزلة.وعلي هذه النسخة (تملك) جملة من الاعلام، منهم: الشيخ سليمان العاملي، والسيد صدر الدين الصدر (صهر المؤلف)، والعلامة السيدعبداللّهبن محمد رضا شبر، والشيخ محمد رضابن علي بن محمد جعفر الاسترابادي.(وهذه النسخة الخطية هي من مقتنيات مكتبة آية اللّه العظمي المرعشي النجفي، برقم 3892 من تعداد الكتب الخطية).

النسخة المطبوعة

اما النسخة الثانية، فهي نسخة طبعت بالمطبعة الحيدرية في النجف، في شهر شعبان سنة 1342ه 1924م، باهتمام العلامة السيد عباس التبتي، وتقع في (82) صفحة.وعلي صفحتها الاولي كتب هذا النص: كتاب «منهج الرشاد لمن اراد السداد» من تاليف واحد الدهور، ونادرة العصور، افضل الربانيين،واعظم اساطين الدين، شيخ الطائفة الشيخ الاكبر (الشيخ جعفر النجفي) عطر اللّه مرقده، صاحب كتاب «كشف الغطاء»، و«شرح القواعد»،و«الحق المبين»، وغيرها من المؤلفات الشهيرة، المتوفي في رجب سنة ثمانية وعشرين بعد الالف والمائتين هجرية.كتبه بعنوان جواب مكتوب، كتبه اليه بعض امراء نجد من ابناء سعود، الذين هم الدعاة الي مذهب الوهابية. وهو كتاب جليل لم يكتب مثله في هذا الباب.وكان طبعه ونشره باتفاق حضرة حجة الاسلام، ومرجع الانام، وحيد الناس، سيدنا الاجل الحاج سيد عباس التبتي مد ظله العالي. طبعت بمطبعة

الحيدرية في النجف الاشرف سنة 1343ه».وقد ذكر الطهراني ان «منهج الرشاد» هو اول كتاب كتب في الرد علي الوهابية، ووصفه بانه حوي حقائق علمية، وحججا دامغة.اما العلامة الامين فذكر ان هذه الرسالة هي اول رسالة كتبت في هذا الموضوع (الا ان يكون سبقها كتاب سليمان بن عبد الوهاب اخي محمدبن عبد الوهاب). وامتدح مؤلفها وقال: «انها حوت كثيرا مما لم يحوه بعض ما تاخر عنها، فهي من مفاخر ذلك العصر».

جواب الامير عبدالعزيز بن سعود

عند وصول الرسالة الي الامير عبد العزيز بن سعود كتب الي مؤلفها الشيخ جعفر كاشف الغطاء هذه الرسالة المختصرة، وهذا نصها:يصل الخط ان شاء اللّه الي عبداللّه جعفر راعي «المشهد» بسم اللّه الرحمن الرحيم وبه نستعين السلام التام، والتحية والاكرام، يهدي الي سيد الانام، محمد عليه من اللّه افضل الصلاة والسلام، ثم ينتهي الي جناب الاجل الاكرم عبداللّهجعفر سلمه اللّه من كل شر، واسكنه يوم القيامة جنة المستقر، واعاذه من عذاب النار الذي يحذر.اما بعد، فوصل كتابك، وفهمنا ما تضمنه من خطابك، وما ذكرت انه بلغك عنا من حسن الطريقة، واستقامة السيرة من الصلاة، والزكاة،والصيام، والحج، وغير ذلك من شرائط الاسلام، فالحمد للّه الذي هدانا للاسلام، وجنبنا من عبادة الاصنام، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه،كما يحب ربنا ويرضي، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.

مقدمة المؤلف

اشاره

الحمد للّه الذي تفرد بالازلية والقدم، واشتق نور الوجود من ظلمة العدم، واسس قواعد الشرع علي وفق المصالح والحكم، وفضل امة محمد(ص) علي سائر الامم، وانزل القرآن فيه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات، وحذر عن اتباع الملاذ والشهوات،وامربالوقوف عند الشبهات، وانذر عن متابعة الاباء والامهات. والصلاة والسلام علي من قدمه علي جميع انبيائه، وفضله علي كافة اصفيائه، محمد المختار، صلي اللّه عليه وعلي آله، ما اظلم ليل، واضاء نهار.اما بعد، فقد ورد الي المقصر مع ربه، التائب اليه من ذنبه، الطالب من اللّه السداد، جعفر اقل طلبة اهل بغداد كتاب كريم، مشتمل علي كلمات كالدر النظيم، ممن لم يزل بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا زاجرا، الامر بعبادة المعبود، الشيخ عبد العزيزبن سعود. [4] فلمانظرته وتدبرته وتاملته وتصورته، خلوت في زاوية من الدار، وتصفحته تصفح الانصاف والاعتبار. وقلت متهما لنفسي

بالميل الي العصبية والعناد، والركون الي ما عليه الاباء والاجداد: يا نفس اعرفي قدر دنياك، واحذري شر من اغوي اباك، لقد تخليت عن نعيم الدنيابحذافيرها، وقنعت بقليلها، ولو بقرص شعيرها، وتجنبت دار العزة والوقار، واخترت العزلة والخمول في هذه الديار.فلو كنت في كبار البلدان، من ممالك بني عثمان، او في بعض بلدان فارس وايران، لجاءت اليك الدنيا من كل جانب ومكان، ونلت من النعيم ما لم ينله انسان، فاحذري ان تكوني مع الاعراض عن هذه النعم الفاخرة، ممن قد خسر الدنيا والاخرة.فلما شممت منها رائحة التصفية، ورايت ان نسبة المذاهب لولا اللّه عندها علي التسوية، وجهتها الي الكشف عن حقيقة الجواب عن الشبه الموردة في ذلك الكتاب، ورايت ان اشرح في الحال رسالة علي وجه الاختصار، مستمدا من فيض الواحد القهار، وسميتها: «منهج الرشاد لمن اراد السداد».فاقسم عليك بمن جعلك متبوعا بعد ان كنت تابعا، ومطاعا بعد ان كنت لغيرك مطيعا سامعا، واعزك بعدما كنت ذليلا، وكثر جمعك بعدما كان نزرا قليلا ان تنظر ما رسمته سطرا سطرا، وتمعن في تحقيق ما رقمته نظرا وفكرا، متوحشا من الناس وقت النظر، متحذرا من النفس الامارة كل الحذر، طالبا من اللّه كشف الحقيقة، سالكا في المناظرة واضح الطريقة، فلعله يظهر انه ليس بيننا نزاع، فنحمد اللّه علي الاتفاق والاجتماع. وقد رتبتها علي مقدمة، ومقاصد، وخاتمة.

في ان الافعال والكلمات تختلف باختلاف المقاصد والنيات

فمن قال: يد اللّه، وعين اللّه، وجنب اللّه، واراد الجوارح علي نحو ما في الاجسام، او قال: ان اللّه علي العرش استوي، او في جهة الفوق، وارادالحلول والاختصاص التام، او اسند الرحمة اليه، او الغضب، واراد رقة القلب، او ثوران النفس علي نحو ما يعرف بين الانام، او اسند الرزق الي المخلوق،

او دعاه، او استغاث به علي نحو ما يسنده الي الملك العلام، كان خارجا عن مقالة اهل الاسلام.واما من قصد بها معاني اخر، فليس عليه من باس ولا ضرر.وليس هذا كصنيع المشركين، فان الفرق ظاهر، كما سنبينه كمال التبيين،فالمستغيث بالمنسوب مستغيث بالمنسوب اليه، والمستجير بالمكان مستجير بمن سلطانه عليه.فمن اراد الاستجارة والاستغاثة بزيد فله طريقان:احدهما: ان يهتف باسمه.وثانيهما: ان ينادي بصفاته، او مكانه، او خدمه.وثانيهما اقرب الي الادب، وارغب لطباع ارباب الرتب، فلا يكون المستغيث ببيت اللّه، او بصفات اللّه، او برسل اللّه، او المقربين عند اللّه، الامستغيثا باللّه، فكلما دعا مخلوقا مقربا عند اللّه، او استغاث به قاصدا بحسن التعبير الاستغاثة باللطيف الخبير، فليس عليه باس في ذلك، بل هو سالك في الاداب احسن المسالك.وكذلك من اسند تلك الاشياء لمجرد الربط الصوري، لا علي قصد التاثير الحقيقي، كما يقال: «انبت الربيع البقل»، والمنبت هو اللّه، و«بني الامير القصر»، والباني ظاهرا بناه. [5] فاطلاق السيد والمالك علي غير اللّه، «واضافة العبد والمملوك في الاحرار الي غير اللّه» [6] ، ان اريد بها الملكية الحقيقية، كان خروجاعن الطريقة الشرعية، والا لم يكن في ذلك باس بالكلية.ولهذا ورد في الاخبار النبوية اطلاق السيد علي غير اللّه:روي ابو هريرة [7] عن النبي(ص) انه قال: انا سيد ولد آدم يوم القيامة [8] .وعن ابي سعيد الخدري [9] عن النبي(ص) انه قال: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة [10] .وعن علي(ع)، عن النبي(ص) انه قال: ابو بكر وعمر سيدا كهول اهل الجنة [11] .وعن فاطمة(ع): ان النبي(ص) اخبرني اني سيدة نساء العالمين. رواه الترمذي [12] .وروي ابو نعيم الحافظ، قال: قال النبي(ص): ادعوا لي سيد العرب عليا.وفي «حلية الاولياء» انه

قال النبي(ص) لعلي: مرحبا بسيد المؤمنين. [13] وعن ابي بكرة عن النبي(ص) انه قال للحسن: ابني هذا سيد. [14] وعن عائشة [15] عن النبي(ص) انه سال ابنته الزهراء، فقال لها: اما ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين، او نساءالمؤمنين؟ [16] .وروي ذلك عن الصحابة ايضا، فعن جابر [17] ان عمر كان يقول: ابو بكر سيدنا، واعتق سيدنا (يعني: بلالا)، رواه البخاري. [18] وعن ابي بكر رضي اللّه عنه انه قال: اتقولون هذا شيخ قريش وسيدهم؟ [19] وعن عائشة عن النبي(ص) انه قال: انا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب.وروي عن النبي(ص) ان سادات النساء اربعة: خديجة، وفاطمة، وآسية، ومريم.وعن علي(ع): انا سيد البطحاء.الي غير ذلك مما يزيد علي التواتر.فالجمع بين ذلك وبين ما روي في الكتب المعتبرة انه جاء وفد الي النبي(ص)، فقالوا: انت سيدنا، فقال: السيد اللّه [20] .باختلاف القصد في معني (السيد).وكذا ما ورد من المنع من قول السيد: عبدي وامتي، فقول العبد لمولاه: ربي، مع وجود ذلك في كلام يوسف [21] .وكذلك الاستغاثة بغير اللّه، ان اريد بها الصورة، او من باب استغاثة العبد بقصد المعبود، فلا باس بها، وعلي ذلك قوله تعالي: (فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عد وه) (القصص: 15)، وكذا قوله: (يستصرخه) (القصص: 18).وكذلك اطلاق الرب في بعض المعاني علي غير اللّه كفر، مع ان الصديق يوسف(ع) قال: (اذكرني عند ربك) (يوسف: 42)، وكذلك طلب الرزق من غير اللّه علي وجه الحقيقة كفر، وقال اللّه تعالي: (وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) (النساء: 5)، وقوله: (يا ايهاالعزيز مسنا واهلنا الضر) (يوسف: 88)، ونحوه: (استطعما اهلها) (الكهف: 77).ومن ذلك قول القائل: لولا (فلان) لكان (كذا). فان اراد

انه الفاعل المختار، دخل في اقسام الكفار، وان اراد العلية الصورية بمجرد رابطة جزئية، لم يكن عليه باس بالكلية.ولذلك ورد عن سيد الانام انه قال: لولا قومك حديثو عهد بالاسلام لهدمت الكعبة [22] .وعن سفيان الثوري انه قال: لولا هذه الدنيا لكان الملوك صعاليك.وعن عمر انه قال لعلي(ع) لما اشار عليه بعدم اخذ حلي الكعبة: لولاك لافتضحنا.وعن النبي انه قال لعلي: لولا ان تقول الناس فيك ما قالت النصاري لقلت فيك مقالا.وورد في صحيح الاثر، عن الفاروق عمر انه قال: «لولا علي لهلك عمر». ولم ينكر عليه احد من الصحابة، الي غير ذلك.وكذا الحلف بغير اللّه ان اريد به الحلف علي جهة اثبات الدعوي، كان خارجا عن الشريعة، والا لم يكن قسما علي الحقيقة.والحديث الذي فيه: «من حلف بغير اللّه، فقد اشرك» [23] محمول علي حقيقة الحلف، وسيجي ء تفصيله في المقصد الخامس. وكذلك اطلاق اليد، والرجل، والقدم، وغير ذلك بالنسبة الي اللّه علي الحقيقة، لا يوافق الطريقة من غير تاويل، لم يتوهمه سوي نزر قليل.مع انه روي ابو هريرة عن النبي(ص) ان النار لا تمتلي حتي يضع اللّه رجله فيها. [24] وعن انس عن النبي(ص) ان النار لا تمتلي حتي يضع اللّه قدمه فيها [25] .ومن ذلك نسبة الضحك والعجب الي اللّه تعالي، فان ارادة الحقيقة بعيدة عن الطريقة، مع ان ابا هريرة روي عن النبي(ص) انه قال: لقدعجب اللّه، او ضحك اللّه، عن فلان و فلانة، ونقل قصته [26] .فباختلاف المعاني اختلفت المباني، وكذلك في مسالة الافعال، فانها شبيهة الاقوال، فان القيام للتواضع قد ورد النهي عنه.روي ابو اسامة عن النبي(ص) انه خرج متكئا علي عصي، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم

الاعاجم بعضهم لبعض، رواه ابوداود. [27] وروي ابن عمر عن النبي(ص) انه قال: لا يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا [28] .وعن انس انه قال: لم يكن شخص احب اليهم من النبي(ص)، وكانوا اذا راوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك، رواه الترمذي،وقال: هذا خبر صحيح [29] .فينبغي ان ينزل المنع علي قيام خاص، كان يقوم منحنيا علي نحو ما يصنع الاعاجم. وفي الخبر ما يرشد اليه اختلاف الاغراض والمقاصد.كما روي عن معاوية ان النبي(ص) قال: من سره ان يتمثل له الرجال قياما، فليتبوا مقعده من النار. [30] وحديث «ولا يقوم الرجل»،ظاهره اختصاص الجالس مجلسه، وربما ينزل ما دل علي كراهته كذلك علي نحو كراهته لملاذ الدنيا، وزهده في القيام كزهده في مباحاتها.فقد روي ابو سعيد الخدري ان سعدا جاء علي حمار، فلما دنا من المسجد، قال النبي(ص) للانصار: قوموا الي سيدكم. [31] وعن عائشة قالت: كنت جالسة متربعة، فجاء النبي(ص) فاردت القيام، كما هي عادتي عند دخوله، فمنعني. [32] فان فيه دلالة علي ان ذلك كان معتادا لها، ولعل هذا المنع كان لسبب خاص، او كزهد الدنيا، وكسر النفس.وروي عن النبي(ص) انه لما قدم جعفر مبشرا بفتح خيبر، قام، فقال: ما ادري بايهما انا اشد فرحا، ابقدوم جعفر ام بفتح خيبر [33] .وقيام الاحتمال في هذه الاخبار لا يمنع الاستناد اليها، كما لا يخفي علي اولي الانظار، مع ما ورد في الاخبار الكثيرة، من استحباب تعظيم المؤمن، ويدخل في تعظيم شعائر اللّه علي نحو ما ورد في التفاسير المعتبرة.وعن ابي هريرة ان النبي(ص) كان يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فاذا قام قمنا لقيامه، حتي نراه دخل بعض بيوت ازواجه.وعن

واثلة [34] قال: قال رسول اللّه(ص): ان للمسلم لحقا اذا رآه اخوه تزحزح له، رواه البيهقي في شعب الايمان [35] .ولعل هذا مبني علي ان التواضع تختلف اقسامه باختلاف الازمان، وكيف كان، فالذي يظهر بعد التامل التام اختلاف الاقوال والافعال باختلاف المقاصد. ومن ذلك اختلاف احوال الزهاد. فبعض ترك الم آكل والملابس الحسان، واقتصر علي الجشب والخشن، وبعضهم ياكل من اطيب الماكول، ويلبس من انعم الملبوس. وباعتبار اختلاف النيات دخل العملان في قسم العبادات.ثم ان الافعال المختلفة، بعضها لا ينسب الي غير اللّه، كايجاد الكائنات، وصنع المصنوعات، وبعضها لا ينسب الي اللّه، كافعال القبائح والمنفرات، وبعضها تختلف معانيها ومقاصدها، فتنسب الي الخالق مرة، والمخلوق اخري. وهذا الحكم متمش علي قول من لم يثبت فاعلا سوي اللّه، وعلي قول من اثبت.والمعيار انه متي قام احتمال ارادة وجه صحيح بني عليه، لقوله(ص): «ادراوا الحدود بالشبهات»، «ولا تقل في الناس الا خيرا». وما دل علي النهي عن سوء الظن، فكيف بالشك.وعن عائشة عن النبي(ص): ادراوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم. [36] فالناس اذا في صدور امثال هذه الامور عنهم علي انحاء:بين علماء عاملين، مقاصدهم صحيحة، فلا يتعمدون بالاقوال والافعال، الا الوجوه السليمة من القيل والقال.وبين اعوام جهال بنوا علي ما بني عليه علماؤهم علي الاجمال، وليس لهم قابلية التفتيش علي حقيقة الحال، فهم ايضا معذورون عندرب العزة والجلال.وبين من بنوا علي طريق الضلال، وعليهم المؤاخذة بضروب النكال.والتحقيق ان تبدل الاحكام بتبدل الموضوعات، ليس من باب التشريع والابداع، مثلا يستحب للنساء التزين لرجالهن، فمتي كان لبس السواد زينة استحب، فاذا انعكس وصار الميل الي الاحمر والاصفر انعكس الخطاب. والوان اللباس تختلف باختلاف الناس، ففي كل بلاديستحب لون ونوع، فانه

قد يكون في مكان لباس شهرة، وفي آخر بعكسه، وفي موضع من لباس النساء، وفي موضع بعكسه.وكذا كانت رغبة الناس في طيب الكافور، فكرهه اليوم.وكذلك اكرام الضيف بالم آكل، وكذا المراكب، فيختلف الحال باختلاف الاحوال.وكذا طريق التواضع، وتعلية البناء، ولباس الزهد.والزهد في الماكول يختلف باختلاف الازمنة، والامكنة، والاحوال، والمقاصد، وعلي ذلك مبني كثير من اختلاف الاخبار.وكذا يستحب التاهب لجهاد الكفار باحسن السلاح، وكان اطيبها السيوف والرماح، وصار الاحسن في هذه الايام التفك [37] المعروف بين الانام.وكذا الوصول الي بعض الارضين لا يستحب، حتي تجعل مقبرة للمسلمين.فاختلاف الازمنة والامكنة والجهات، قد يبعث علي اختلاف الاحكام، لاختلاف الموضوعات، وربما بني علي ذلك اختلاف كثير من الاخبار، وطريقة المسلمين علي اختلاف الاعصار.وفقنا اللّه واياكم لسلوك الجادة المستقيمة، والاخذ بالطريقة السليمة، وردني اللّه اليك ان كنت انت علي الحق، وردك الي ان كان الحق معي، ومع اكثر الخلق.

في بيان اختلاف ظواهر الايات والروايات

وان لكل من الحق والباطل ماخذا، كما روي ان لكل حق حقيقة، ولكل صواب نورا، فمن اراد الحق اهتدي اليه، ومن اراد الباطل كان له ميدان في المجادلة عليه. فمن خرج عن جادة الانصاف، وسلك طريق الغي والاعتساف، ولم يرجع الي سيرة الصحابة والتابعين، امكنه ان يستند الي ظاهر القرآن المبين، في ما يخرج عن شريعة سيد المرسلين.فان الوعيدية المنكرين للعفو، الموجبين للمؤاخذة علي المعاصي، يمكنهم الاستدلال ب آية سورة الزلزال (فمن يعمل مثقال ذرة خيرايره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة: 7 و8)، والوعدية القائلين برفع المؤاخذة بالكلية، وان اللّه لا يعاقب علي معصية، لهم الاستناد الي قوله تعالي: (يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذ نوب جميعا) (الزمر: 53)، ووعده

لا خلف فيه.والمثبتون للرؤية في الاخرة يستندون الي قوله تعالي: (وجوه يومئذ ناضرة- الي ربها ناظرة) (القيامة: 22 و23)، والنافون الي قوله تعالي: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار) (الانعام: 103).والقائلون بان اللّه علي العرش ب آية (علي العرش استوي) (طه: 5)، والنافون بقوله تعالي: (ان اللّه معنا) (التوبة: 40) و (ان معي ربي سيهدين) (الشعراء: 62) و(ما يكون من نجوي ثلاثة الا هو رابعهم) (المجادلة: 7).والقائلون بالتجسيم علي الحقيقة يستندون الي مثل قوله: (يد اللّه فوق ايديهم) (الفتح: 10)، والنافون الي قوله: (ليس كمثله شي ء)(الشوري: 11) ونحوها.والقائلون بجواز المعصية علي الانبياء يستندون الي مثل قوله تعالي: (وعصي آدم ربه فغوي) (طه: 121)، والنافون بمثل قوله:(لاينال عهدي الظالمين) (البقرة: 124).والقائلون باستناد جميع الافعال الي اللّه، استندوا الي قوله:(خالق كل شي ء) (الانعام: 102) وقوله: (كل من عند اللّه) (النساء:78).والاخرون الي قوله: (ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك) (النساء: 79).والقائلون بان الكفار مخاطبون بالفروع بعموم: (يا ايها الناس اعبدوا ربكم) (البقرة: 21)، والنافون لذلك بخطاب: (يا ايها الذين آمنوا)(البقرة: 104)، الي غير ذلك.وكذا في الفروع الفقهية، فان كلا من الفقهاء له ماخذ من الكتاب والسنة، مغاير لماخذ صاحبه، كما لا يخفي علي المتتبع، فلمن اراد ان يبيح جميع الاشياء قوله تعالي: (خلق لكم ما في الارض) (البقرة: 29)، ومن قصر التحريم علي اربعة استند الي ما دل علي تحليل جميع الاشياء ما عدا الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما اهل به لغير اللّه، من جميع ما خلق اللّه.والحاصل ان كل من اراد العناد والعصبية، فله مدرك يتشبث به من آية قرآنية، او سنة محمدية، ويكون صاحب مذهب وراي، يباحث الفضلاء،

ويناظر اساطين العلماء، ما لم يكن له حاجب من تقوي اللّه.ولقد اجاد بعض القدماء، من فحول العلماء حيث يقول: ان المسائل الشرعية عندي بمنزلة الشمع اللين، اصوره كيف شئت لولا تقوي اللّه.ونقل ان بعض الفضلاء اخذ قطعة من قرطاس في محفل من الناس، فاورد عليهم براهين علي انها قطعة ذهب، حتي اقروا بذلك.ولكن من اراد رضا الجبار، ورجا الفوز بالجنة، وخاف عذاب النار، ينظر الي المعادلة في الدلالات، ثم ينظر المرجحات الخارجيات،واولاها التامل في طريقة الصحابة وسيرتهم، فانها اعظم شاهد علي ما حكم به الجبار، وجرت عليه سنة النبي المختار(ص)، فان لكل ملة طريقة يرجعون اليها، ويعولون عند وقوع الاشتباه عليها.وقد يحصل العلم بما عليه الامراء، من النظر الي عمل اتباعهم، واشياعهم، ورعاياهم، وخدمهم، وحشمهم، لان الاثر يدل علي مؤثره،والمنتهي يدل علي مصدره.وبعد العهد بيننا وبين زمان الصدور، ربما اخفي علينا كثيرا من الامور، فاذا حصل الاجماع والاتفاق، ارتفع النزاع والشقاق، وكذلك اذااشتهر امر بين السلف وظهر، فلا وجه للانصراف عنه الي ما شذ وندر.فقد علم ان الميزان الذي لا عيب فيه، ولا نقص يعتريه، هو الرجوع الي كلام الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، لانه موضح وكاشف لحكم سيد المرسلين.ولما اختلفت الاخبار في بعض ما اوردناه وشرحناه، لزم الرجوع اليهم، والاعتماد في تصحيح الاخبار بعد اللّه عليهم.علي ان الاخبار الدالة علي جواز ما منعه المانعون اكثر موردا، واوفر عددا، واقرب الي ظاهر الكتاب والسنة وكلام الاصحاب.وفقنا اللّه واياكم لادراك حقائق الامور، والتوفيق للسعادة يوم النشور، وجعلنا من المتمسكين بالعروة الوثقي، والمتشوقين الي دار الاخرة التي هي خير وابقي، واللّه ولي التوفيق، وبيده ازمة التحقيق.

في بيان الميزان التي يرجع اليها اذا تشابهت الامور

اشاره

وهي ما عليه الصحابة والتابعون، وما اجمع عليه المسلمون.قال اللّه تعالي: (...

ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي) (النساء: 115)،وقال: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت) (الاحزاب: 33).وعن ابن عمر، انه قال: لا تجتمع امتي او قال: «امة محمد» علي ضلال. ويد اللّه علي الجماعة، ومن شذ شذ في النار، رواه الترمذي [38] .وعن ابن عمر، عن النبي(ص) انه قال: اتبعوا السواد الاعظم، فانه من شذ شذ في النار [39] .وعن عمر، عن النبي(ص) انه قال: من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فان الشيطان مع الفرد، وهو من الاثنين ابعد. [40] وعن اسامة بن شريك [41] ، عن النبي(ص): ايما رجل يفرق بين امتي فاضربوا عنقه، رواه النسائي [42] .وعن النبي(ص): ان اللّه اجاركم من ثلاث خلال، وعد منها: ان تجتمعوا علي الضلال [43] .وعن النبي(ص): ما اجتمعت امتي علي الخطا [44] .وقال علي(ع) في بعض خطبه: عليكم بالسواد الاعظم، وان الشاذة للذئب [45] .وعن عمر، عن النبي(ص): اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم.وعن رزين، عن عمر، عن النبي(ص) قال: سالت ربي عن اختلاف اصحابي، فاوحي الي: ان اصحابك بمنزلة النجوم، بعضها اقوي من بعض، ولكل نور، فمن اخذ بما هم عليه من اختلافهم، فهو عندي علي هدي [46] .وعن النبي(ص): ان مثل اهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك [47] .وعن ابي هريرة، عن النبي(ص): لو سلك الناس واديا، وسلك الانصار واديا او شعبا، لسلكت وادي الانصار [48] .وعن زيدبن ارقم [49] ، قال: قام النبي(ص) خطيبا، فقال:ايها الناس انما انا بشر يوشك ان ياتيني رسول ربي فاجيب، وانا تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه فيه الهدي، واهل بيتي، اذكركم اللّه في اهل بيتي، رواه مسلم [50] .وعن جابر [51] ،

قال: رايت النبي(ص) في حجه يخطب، فسمعته يقول: يا ايها الناس اني تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب اللّه، وعترتي اهل بيتي، رواه الترمذي [52] .وقريب منه ما رواه زيدبن ارقم [53] .وعن حذيفة، عن النبي(ص): اقتدوا باللذين من بعدي: ابي بكر، وعمر [54] .وعن جبيربن مطعم [55] ، عن النبي(ص): ان امراته قالت للنبي(ص): ان لم اجدك فالي من ارجع، فقال: ائت ابا بكر. [56] وعن ابن عمر، عن النبي(ص): وضع الحق علي لسان عمر يقول به. [57] وعن ابي داود، عن ابي ذر، قال: ان الحق وضع علي لسان عمر يقول به. [58] وعن عقبة بن عامر، عن النبي(ص) انه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمربن الخطاب [59] .وعن سعد بن ابي وقاص ان النبي(ص) قال لعلي(ع): انت مني بمنزلة هارون من موسي [60] .وعن عبداللّهبن عمرو [61] ، عن النبي(ص) انه قال: ما اظلت الخضراء، ولا اقلت الغبراء، من ذي لهجة اصدق من ابي ذر.رواه الترمذي [62] .وعن النبي(ص) انه قال: اللهم ادر الحق مع علي حيثما دار.رواه الترمذي [63] .وعن عمار، ان النبي(ص) قال: اذا سلك الناس طريقا، وسلك علي غيره، فاسلك طريق علي(ع).وعن ابن مسعود، عن النبي(ص) قال: من كان مستنا فليستن بمن قد مات، اولئك اصحاب محمد(ص) كانوا افضل هذه الامة، ابرها قلوبا،واعمقها علما. الي ان قال: فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم علي اثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من اخلاقهم وسيرتهم، فانهم كانوا علي الهدي المستقيم، رواه رزين. [64] وعن عرباض بن سارية [65] ، قال: صلي بنا رسول اللّه(ص)، ووعظ ثم قال: انه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،

تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، واياكم ومحدثات الامور، فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، رواه احمد، وغيره [66] .وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه: من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية [67] .وعن الحارث الاشعري [68] ، عن النبي(ص) انه قال: من خرج عن الجماعة قدر شبر، فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه.وعن ابن عباس، عن النبي(ص): ان من فارق الجماعة قدر شبر مات ميتة جاهلية [69] .وعن عبداللّه بن عمرو، عن النبي(ص): ان امته تفترق ثلاثا وسبعين فرقة، وليس فيها ناج سوي واحدة، فسئل عنها، فقال:ما انا عليه اليوم واصحابي [70] .الي غير ذلك من الاخبار.ومقتضي ذلك انه من اللازم الرجوع الي سيرة الصحابة وطريقتهم، وانها الميزان اذا اشتكلت علينا الامور، وتعارضت علينا الادلة،وسيتضح ان جميع ما ينكر من هذه الافعال الموردة صادرة عن الصحابة، وطريقتهم مستمرة عليه، مع ان في السنة ما يدل علي جوازه.وما ورد عنه(ص) ان الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا [71] ، فلا ينافي ما ذكرناه، لان فرقة الاسلام بين طوائف الكفر كنقطة في بحر.وروي ابو سعيد الخدري عن النبي(ص): ما انتم في الناس الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود [72] وعوده غريبا في ايام الدجال،ونحوه يكفي في صدق الخبر.وروي عبداللّهبن مسعود [73] عن النبي(ص) انه قال: لا تقوم الساعة الا علي شرار الخلق، رواه مسلم [74] .وعن ابي سعيد الخدري [75] عن النبي انه قال: لا تقوم الساعة حتي لا يقال في الدنيا: اللّه [76] .وكل ما صدر في زمان الصحابة من الاعراب بمحضر منهم ولم ينكروه، فهو موافق لرضاهم، والا لانكروه. ولهذا اوردنا في هذه الرسالة كثيرا مما صدر في زمانهم من غيرهم.وعلي كل

حال، فلا كلام في ان الادلة فيها عام، وفيها خاص، وفيها ناسخ، وفيها منسوخ، وفيها مجمل، وفيها مبين، وفيها مطلق، وفيهامقيد، ومنها قطعي الصدور ظني الدلالة، ومنها قطعي الدلالة ظني الصدور، ومنها ظنيهما، ومنها قطعيهما.ومن جهة اختلاف السند:منها صحيح، وضعيف، وحسن، وموثق، وقوي الي غير ذلك.فاذا تعارضت الادلة، فلا بد من النظر الي المرجحات: من جهة السند، او من جهة الدلالة، او من جهة سبك العبارة، او من جهة كثرة الرواية، او من جهة شهرة الفتوي، او من جهة موافقة الاصول ومخالفتها، او من جهة موافقة العمومات ومخالفتها، او من جهة موافقة الكتاب وعدمها، الي غير ذلك.فاذا فقدت المرجحات، وقامت الحيرة، فلا يبقي مدار الا علي سيرة الاصحاب، وطريقتهم، والنظر الي ما هم عليه صاغرا عن كابر، وماعليه الاول والاخر.وما نحن عليه اليوم من طريقة القوم اكثر الروايات موصلة اليه، وطريقة الاصحاب والصحابة مستمرة عليه، وقد ذكرت منها قليلا من كثيرليعلم حال السلف، ويرتفع الانكار علي خلفهم.فيا اخي، فوحق من رفع السماء، وبسط الارض علي الماء، اني لما احببتك لمكارم اخلاقك، وحسن سيرتك مع الناس، وارفاقك، اخشي عليك من سراية القدح الي المشايخ الكبار [77] ، والعلماء الابرار، الذين هم للشارع نواب، ولابواب الشرع بواب. [78] عصمنا اللّهواياكم، وكفانا شر الجهل وكفاكم، واللّه الموفق.

في تحقيق ضروب الكفر

واقسامه كثيرة:اولها: كفر الانكار بانكار وجود الاله، او اثبات ان غير اللّه هو اللّه، او بانكار المعاد، او نبوة نبينا اشرف العباد.ثانيها: كفر الشرك باثبات شريك للواحد القهار، او في النبوة للنبي المختار.ثالثها: كفر الشك، بالشك في احدي الثلاثة التي هي اصول الاسلام في غير محل النظر، ولا عبرة بالاوهام [79] .رابعها: كفر الهتك لهتك حرمة الدين، بالبول علي المصحف، او

في الكعبة، او سب خاتم النبيين(ص).خامسها: كفر الجحود، بان يجحد باللسان اصول الاسلام، ويعتقدها بالجنان، قال تعالي: (وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم) (النمل: 14).سادسها: كفر النفاق، بان ينكر في الجنان، ويقر باللسان، كما قال تعالي: (ومن الناس من يقول آمنا باللّه وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين)(البقرة: 8).سابعها: كفر العناد، بان يقر بلسانه، ويعتقد بجنانه، ولم يدخل نفسه في ربقة العبودية، بل يتجرا علي الحضرة القدسية، كابليس (لعنه اللّه).ثامنها: كفر النعمة، بان يستحقر نعمة اللّه، ويري نفسه كانه ليس داخلا تحت منة [80] اللّه.تاسعها: كفر انكار الضروري [81] .عاشرها: اسناد الخلق الي غير اللّه علي قصد الحقيقة. وليست جميع المعاصي العظام مخرجة عن الاسلام، فان المعاصي لا تنفك علي الدوام، حتي في مبدا حدوث الاسلام، ولذلك وضعت الحدود والتعزيرات، واقيمت الاحكام علي ممر الاوقات.نعم قد يطلق علي كثير منها اسم «الكفر» تعظيما للذنب، وتحذيرا منه، وتشبيها لمؤاخذته، لعظمها بمؤاخذة الكفر.فهو اذا في الشرع قسمان: كفر صغير، لا يخرج عن اسم الاسلام. وكبير مخرج عن اسمه بلا كلام.ولو بنينا علي ان كل ما اطلق عليه اسم الكفر يكون مكفرا، لم تنج الا شرذمة قليلة من الوري. فاطلاق اسم الكفر قد يكون استعظاما للذنب كما مر، وقد يراد انه ربما انجر بالاخرة الي ذلك. كما ورد في الحديث: ان في قلب المؤمن نكتة بيضاء، فاذا عصي اللّه اسود منها جانب،وهكذا الي ان يتم سوادها، فذلك الذي طبع اللّه علي قلبه [82] .ومما يدل علي ان لفظ «الكفر» يطلق علي سائر المعاصي كثيرا في كلام الشارع منها: ما رواه انس، عن النبي(ص) انه قال: لا دين لمن لاعهد له [83] .وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه قال: لا يزني الزاني

حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن. [84] وعن ابي هريرة، عن النبي(ص): ان علامة النفاق الكذب، وسوء الخلق، والخيانة [85] .وعن عبداللّه بن عمرو، عن النبي(ص): ان النفاق عبارة عن اربع: الخيانة، والكذب، والغدر، والفجور [86] .وعن ابي هريرة، عن النبي(ص): ان المراء في القرآن كفر [87] .وعن النبي(ص) انه قال: لا يترك [88] حضور الجماعة الا منافق. [89] وعن ابي ذر، عن النبي(ص): المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه [90] .الشرك. [91] وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه قال: من قال: مطرنا بكوكب كذا، فهو كافر [92] .وعن زيد بن خالد [93] ، عن النبي(ص) انه من قال: مطرنا بنوء كذا، فهو كافر [94] .وعن ابي هريرة قال: قال رسول اللّه(ص): من اتي حائضا او امراته في دبرها، فقد كفر بما انزل علي محمد، رواه الدارقطني، وابن ماجة،والترمذي [95] .وروي عمر بن لبيد، عن النبي(ص): ان الرياء الشرك الاصغر. [96] وعن ابي سعيد، عن النبي(ص): ان الرياء الشرك الخفي [97] .وعن عمر بن الخطاب، عن النبي(ص): ان يسير الرياء شرك.وعن شداد بن اوس [98] ، عن النبي(ص): من صلي برياء [99] ، فقد اشرك، ومن صام برياء، فقد اشرك، ومن تصدق برياء، فقداشرك.وروي: ان تارك الصلاة كافر [100] ، الي غير ذلك.بل قلما يسلم شيء من المعاصي من اطلاق اسم الكفر، فلا تبقي ثمة حدود ولا تعزيرات، ولزم الحكم بالارتداد، وكفر العباد، ولا ينجومن الكفر الا قليل من الاحياء والاموات، ولنادت الخطباء بذلك علي رؤوس الاشهاد، ولشاع ذلك في اقاصي البلاد، مع ان المعهود من

سيرة النبي(ص) والصحابة والتابعين وتابعي التابعين معاملة الناس علي الاكتفاء باظهار الشهادتين.وعنه(ص): امرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا الشهادتين.وعن ابي هريرة ان رسول اللّه(ص) اتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء، فنفاه الي البقيع،فقيل: يا رسول اللّه، الا تقتله؟ فقال: نهيت عن قتل المصلين.وروي عبداللّه بن مسعود، عن النبي(ص): ان قتال المسلمين كفر. [101] وعن ابن عمر، عن النبي(ص): ان نسبة المسلم الي الكفر كفر. [102] وعن ابي هريرة، عن النبي(ص): اذا قال الرجل: هلك الناس، فهو اهلكهم [103] .وعن ابن عمر: قال رسول اللّه(ص): امرت ان اقاتل الناس حتي يشهدوا ان لا اله الا اللّه، وان محمدا رسول اللّه، ويقيمواالصلاة، ويؤتواالزكاة، فان فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم واموالهم، وحسابهم علي اللّه [104] .وعن انس انه قال: قال رسول اللّه(ص): من صلي صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة اللّه وذمة رسوله [105] .الي غير ذلك من الاخبار.وليس غرضي انه لا طريق للكفر سوي ذلك، ولكن يستفاد منها انه بعد اظهار الشهادتين يبني علي الاسلام ما لم يعلم شيئا ينافيه، ولاحاجة الي التجسس، بل نهي اللّه تعالي عنه.وبيان الامر علي التحقيق: هو انه قد علم ان لسان الشارع جار علي نحو لسان العرب، ففيه حقائق، ومجازات، واستعارات، وكنايات،وخطابات، تشتمل علي المبالغات، كما ان لساننا يشتمل علي ذلك من غير انكار، فان الذنب اذا صدر من شخص واردنا استعظامه، صح لنا ان نسميه كفرا، وان نسمي فاعله كافرا. ولا يزال ذلك يقع علي مرور الازمان من ايام النبي(ص) الي هذا الان، مع انه ليس في ذلك انكار، بل قد يعد من افعال الابرار، علي ان كل

من صدر منه ذنب ولو صغير، لم يف بجزاء نعم اللطيف الخبير.فاطلاق الكفر لعله من باب الكفر ببعض النعم الذي هو كفر صغير.علي ان انظار الانبياء والاولياء ليس الي المعاصي، حتي يكون فيها صغير وكبير، بل الي من عصاه الناس، وهو اللطيف الخبير.فاذا لاحظت ان المعصية كانت في حق اللّه، تجدها ولو صغرت اكبر من الجبال الرواسي، حتي انه بلسان الورع والتقوي دون الفقه والفتوي، ربما لا يفرق بين الصغائر والكبائر.بل ربما نقل عن بعض الاولياء انه لا فرق بين المكروه والحرام، والمسنونات وفرائض الاحكام، قال: لان الكل مطلوب للملك العلام.واذا بني علي هذا استحسن هذا الاطلاق، وحسن اطلاق اسم المعاصي والمحرمات علي فعل المكروهات، والفرائض والواجبات علي فعل المستحبات والمندوبات، وكبائر الخطيئات علي صغائر التبعات، والكفر والكفار علي كل من عمل ما يوجب دخول النار.ولولا ذلك للزم كفر اكثر من في الارض، لانه قلما خلت معصية من هذا الغرض، ولو عملنا بجميع ظواهر الاخبار، لاختلت علينا احكام ملة النبي المختار. وفقنا اللّه واياك، وهدانا اللّه الي الحق وهداك [106] .

في تحقيق معني العبادة

لا ريب انه لا يراد بالعبادة التي لا تكون الا للّه، ومن اتي بها لغير اللّه فقد كفر، مطلق الخضوع والخشوع والانقياد، كما يظهر من كلام اهل اللغة، والا لزم كفر العبيد والاجراء، وجميع الخدام للامراء، بل كفر الابناء في خضوعهم للاباء، وجميع من تواضع للاخوان، او لاحد من اصحاب الاحسان.وانما الباعث علي الكفران، الانقياد لبعض العباد مع اعتقاد استحقاقهم ذلك بالاستقلال من دون توجه الامر من الكريم المتعال، وان لهم تدبيرا واختيارا.ولفظ «العبد» و«العبادة» قد يطلق علي مطلق المطيع والطاعة، فقد ورد: ان العاصي عبد الشيطان، وانه عبد الهوي. وان الانسان عبدالشهوات، وان

من اصغي الي ناطق فقد عبده.ثم من اتبع قول قائل لانه مخبر عن غيره، فهو عابد للمخبر عنه، لا للمخبر. ومن خدم شخصا بامر آمر، فالمعبود هو الامر، ومن تبرك بشيء لامره، كان ذلك من عبادة الامر. فالملائكة في سجودهم لادم، ويعقوب في سجوده ليوسف، والناس في تقبيلهم للحجرالاسود والاركان، لم يعبدوا سوي من امرهم بذلك.ثم السجود والخضوع لعروض بعض الاسباب، لا ينافي الاخلاص لرب الارباب.روي ابو داود والترمذي، عن عكرمة، قال: قيل لابن عباس:ماتت (فلانة) بعض ازواج النبي(ص)، فخر ساجدا، فقيل له:تسجد في هذه الساعة؟ فقال: قال رسول اللّه(ص): اذا رايتم آية فاسجدوا، واي آية اعظم من ذهاب ازواج النبي(ص) [107] .فعلي هذا، لو سجد من راي ميتا، او قبرا، او شيئا عجيبا، ذاكرا لعظمة اللّه كما يصنعه بعض العارفين لم يكن به باس.وعبادة الاصنام وبعض الصالحين، مع نهي الانبياء والمرسلين الذين دلت علي صدقهم المعاجز [108] والبراهين، محض عناد وخلاف علي رب العباد، ولو انهم اخذوا عن قول اللّه ورسله، لم يكن عليهم ايراد.كما ان السيد لو قال لعبده: تبرك بثياب فلان، ونعله، وترابه، ففعل، كان عابدا للمولي. واما لو نهاه المولي، او اخذ بمجرد الظن الذي لايغني عن الحق شيئا، او الخرص [109] ، لكان عاصيا مخالفا.الا تري ان من جعل المرضعات امهات، ليس كمن جعل المصاهرات، ومن حرم الوصيلة، والسائبة، والحام [110] ، ليس كمن حرم [111] الجلالة من الانعام.وليس تحريم الاشهر الحرام كتحريم غيرها من باقي اشهر العام، وليس صيام آخر شهر رمضان كصيام اول شوال، كل ذلك للفرق بين الامروالاختراع، والقول بمجرد الابتداع [112] .ثم العبادة تختلف باختلاف النيات، فمن قصد حقيقة العبادة اختراعا وابتداعا، ومخالفة لامر اللّه سبحانه

كان كافرا، سواء قصد القرب الي اللّه زلفي او لا، بل هذا في الحقيقة عين العناد والشقاق بعد نهي الانبياء والرسل.كما قال قوم شعيب له: (يا شعيب اصلاتك تامرك ان نترك ما يعبد آباؤنا او ان نفعل في اموالنا ما نشاء) (هود: 87).وقال الصديق: (يا صاحبي السجن اارباب متفرقون خير ام اللّه الواحد القهار- ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم وآباؤكم)(يوسف: 39 و40).وحكي اللّه عن قوم نوح وعاد وثمود انهم ردوا ايديهم في افواههم، وقالوا: (انا كفرنا بما ارسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا اليه مريب)(ابراهيم: 9) الي غير ذلك من الايات الدالة علي ردهم علي الانبياء، وبنائهم علي الاختراع والابتداع.وفي الاحتجاج: في حديث طويل عن النبي(ص) انه اقبل في مشركي العرب، فقال لهم: وانتم فلم عبدتم الاصنام من دون اللّه؟ فقالوا:نتقرب بها الي اللّه زلفي، فقال: او هي سامعة مطيعة عابدة لربها حتي تتقربوا بها الي اللّه؟ قالوا: لا، قال: افانتم نحتموها بايديكم؟ فقالوا:نعم، قال: فلئن تعبدكم هي احري من ان تعبدوها، اذا لم يكن امركم بتعظيمها من هو العالم بمصالحكم، وعواقبكم، والحكيم في مايكلفكم [113] .فاذا كان اللّه قد نهي علي لسان انبيائه عن عبادة الاصنام والصالحين من الانام، علي نحو عبادة الصلاة والصيام، ففعلهم بعد ذلك رد لكلام العليم العلام.وكشف الحقيقة: ان العبادة ان اريد بها مجرد الامتثال والطاعة، كانت الزوجة، والامة، والعبد، والخادم، والاجير، ونحوهم، عابدين لغيراللّه.وان اريد الامتثال والانقياد للعظيم في ذاته، المستوجب للطاعة، لا بواسطة امر غيره، فاين ذلك من افعال المسلمين؟ فاقسم عليك بمن سلطك علي طائفة من عباده، ومكنك من كثير من بلاده، ان تخلي نفسك من حب الانفراد، الباعث علي الامتياز بين العباد،

وتحذر من قولهم: «لكل جديد لذة»، و«خالف تعرف»، كما اني احذر نفسي، واصحابي من حب اتباع الاباء والاجداد، وارادة الدخول في الجماعة، وكراهة الانفراد.واما ما صدر من اهل الاسلام، فانما هو عن امر زعموه، فان كان حقا اثيبوا، او كان خطا فكذلك.فاين حال المسلمين من حال من جعل الالهة ثلاثة، او اثنين، واتخذ الملائكة اربابا، واتخذ بعض المخلوقين اندادا وشركاء، يعبدون من دون اللّه او مع اللّه، اما لاهليتهم، او لترتب التقرب الي اللّه زلفي من دون امر اللّه لهم بذلك؟ قال تعالي: (ما انزل اللّه بها من سلطان) (يوسف:40).وروي ان قريشا كانوا يعبدون الاصنام، ويقولون: ليقربونا الي اللّه، ولا طاقة لنا علي عبادة اللّه. وسيجيء في بعض المقامات الاتية مايكشف عن حقيقة ذلك.وان اردت تمام الكلام في هذا المقام، فانظر بعين البصيرة الي ما نحاول في هذا المقام تحريره.اعلم ان الالفاظ اللغوية والعرفية العامة، قد تبقي علي حالها من المعاني القديمة، فتلك لا تحتاج الي بيان، سواء وردت في السنة اوالقرآن.واما اذا نقلت عن المعاني الاولية الي غيرها، او استعملت في المعاني الثانوية علي وجه المجازية، فهي من المجمل المحتاج الي البيان،كلفظ الصلاة والصيام والحج، فانه لو لم يبينها الشرع لبقيت علي اجمالها، حيث لا يراد منها مطلق الدعاء والامساك والقصد، بل معني جديد، تتوقف معرفته علي بيان وتحديد.ومن هذا القبيل ما نحن فيه من لفظ العبادة والدعاء ونحوهما، فانه لا يراد بهما في لحوق الشرك بهما المعني القديم، والا للزم كفر الناس من يوم آدم الي يومنا هذا، لان العبادة بمعني الطاعة والدعاء بمعني النداء والاستغاثة للمخلوق لا يخلو منها احد.ومن اطوع من العبد لسيده، والزوجة لزوجها، والرعية لملوكها، ولا زالوا ينادونهم، ويطلبون

اعانتهم ومساعدتهم، بل الرؤساء لم يزالوايستغيثون بجنودهم واتباعهم ويندبونهم.فعلم انه لا يراد بهذه المذكورات، المعاني السابقات، وتعين ارادة المعاني الجديدة، فصارت بذلك من المجملات والمتشابهات، فلايجوز الحكم بمقتضاها، الا في الموضع المعلوم دون المشكوك والموهوم.وانما هو خطاب الوضيع لمن شانه رفيع، علي ان يكون مالك التصرف، او خدمته الخاصة لرفعته الذاتية، وشرافته الاصلية، من دون امرآمر، ولا تكليف مكلف، بل من مجرد الابتداع والاختراع.واما ما كان عن امر آمر، فالمعبود هو الامر، ولا فرق بين ان يقول: ضع جبهتك في الصلاة علي الارض، او علي بدن انسان، او غير ذلك، وبين ان يقول: ضعها علي قبر كذا، او حجر كذا.وانما كفر عبدة الاصنام، لانهم فعلوا ما يعد عبادة من دون امر اللّه، ولانهم خالفوا انبياء اللّه في نهيهم عن تلك الاشياء، فكانت قصد تقربهم في ما نهي اللّه عنه. اما بناء علي ان الاصنام للجبار قاهرون، فيقربونهم قهرا، او كان استهزاء بالرسل، وتكذيبا لهم، وكل من الكفرين اعظم من الاخر، فان المتقربين محصل كلامهم انا نخالف امر اللّه وامر رسوله، ونعبد ما نهينا عن عبادته ليقربنا الي اللّه.

في الذبح لغير اللّه

لا يشك احد من المسلمين في ان من ذبح لغير اللّه ذبح العبادة (كما يذبح اهل الاصنام لاصنامهم حتي يذكروا علي الذبائح اسماءهم،ويهلون بها لغير اللّه) خارج عن ربقة المسلمين، سواء اعتقدوا آلهيتهم، او قصدوا ان يقربوهم زلفي، لان ذلك من عبادة غير اللّه تعالي.واما من ذبح عن الانبياء او الاوصياء، او المؤمنين ليصل الثواب اليهم، كما يقرا القرآن ويهدي اليهم، ونصلي لهم، وندعو لهم، ونفعل جميع الخيرات عنهم، ففي ذلك اجر عظيم، وليس قصد احد من الذابحين للانبياء او لغيرهم سوي ذلك.اما العارفون منهم، فلا كلام.

وام ا الجهال، فهم علي نحو عرفائهم.وقد روي عن النبي(ص) انه ذبح بيده، وقال: اللهم هذا عني، وعن من لم يضح من امتي. رواه احمد، وابو داود، والترمذي. [114] وفي سنن ابي داود ان عليا كان يضحي عن النبي(ص) بكبش، وكان يقول: اوصاني ان اضحي عنه دائما. [115] وعن علي(ع): ان النبي(ص) اوصاني ان اضحي عنه [116] .وعن بريدة، عن النبي(ص) ان امراة سالته: هل تصوم عن امها بعد موتها؟ وهل تحج عنها؟ قال: نعم [117] .وعن ابن عباس عن النبي(ص) انه قال: تقضي البنت نذر امها. [118] وروي ان العاص بن وائل اوصي بالعتق فسال ابنه عمرو النبي(ص) عن العتق له، فامره به.وروي عن عائشة ان النبي(ص) قال عند الذبح: اللهم تقبل من محمد، وآله، وامته.والحاصل: لا كلام ولا بحث في ان افعال الخير تهدي الي الموتي، ومن اولي بالهدايا من انبياء اللّه واوصيائه، فليس الذبح لهم وباسمهم،حتي يكون الاهلال لذكرهم، وانما ذلك عمل يهدي اليهم ثوابه كسائر الاعمال، حتي انه لو ذكر اسمهم علي الذبيحة، كان ذلك عندالمسلمين منكرا، فهو ذبح عنهم لا لهم.واني والذي نفسي بيده منذ عرفت نفسي الي يومي هذا، ما رايت، ولا سمعت احدا من المسلمين ذبح او نحر، ذاكرا لاسم نبي، اووصي، او عبد صالح، وانما يقصدون اهداء الثواب اليهم، فان كان في اطرافكم قبل تسلطكم مثل ذلك، (فصاحب الدار ادري بالذي فيها).ولا شك ان نجدا واعرابها قبل ان تظهروا فيها امر الصلاة والصيام، وتامروهم بالملازمة لعبادة الملك العلام، كانوا كالانعام او اضل سبيلا،وقد رفع اللّه عنهم الشقاق، وحصل بينهم الاتفاق، وفرقوا بين الحلال والحرام، وتوجهوا لاوامر الملك العلام.ويؤيد ذلك ما رواه ابن عمرو عن النبي(ص) انه قال:

اللهم بارك لنا في ش آمنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول اللّه، وفي نجدنا،فقال: اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا، ثم قالوا: يا رسول اللّه، وفي نجدنا، فاظنه قال في الثالثة: هناك موضوع الزلازل والفتن، وبهامطلع قرن الشيطان، رواه البخاري. [119] والحاق غير اهل نجد بهم من قياس الشاهد علي الغائب.وكيف يخفي علي فحول العلماء، واساطين الفقهاء الذين اقاموا الجمعات والجماعات، واقاموا الاحكام، واوضحوا الشبهات، وامعنوانظرهم في فهم الايات والروايات، ان الذبح لا يكون الا لجبار السماوات؟ مع ان ذلك تلقاه عن الاكابر الاصاغر، وعن الاوائل الاواخر. فلم يزل اهل الاسلام من قديم الايام يذبحون للانبياء والاوصياء والعباد الصالحين، ويهدون الثواب اليهم طلبا لمرضاة رب العالمين.واختيارهم للاماكن الشريفة، كحرم النبي(ص) ونحوه، لما ورد من ان الاعمال يتضاعف اجرها لشرف الزمان والمكان، كشرف الكوفة.روي الاصبغ بن نباتة [120] عن امير المؤمنين(ع) ان الخضر قال له: انك في مدينة لا يريدها جبار بسوء الا قصمه اللّه.وروي ان البركة فيها علي اثني عشر ميلا من سائر جوانبها.وان المسلمين كافة يتبرؤون ممن يدعو غير اللّه، او يستغيث بغير اللّه، او يذبح وينحر لغير اللّه، او يحلف بغير اللّه، علي النحو الذي وقع في نظركم انهم يقصدونه ويتعمدونه، ومعاذ اللّه ان يكونوا كذلك.والذي فلق الحبة، وبرا النسمة، لو علمت منهم ذلك، لكفرتهم، وهاجرت عنهم، معتقدا وجوب ذلك علي، لكن وحق من اشتق من ظلمة العدم نور الوجود، ما وجدت ذلك منهم، ولا صدر ذلك عنهم، ولا باس عليكم، فربما افتري الحاضرون لديكم تقربا بذلك اليكم، فاقتصرعلي حدودك التي انت فيها، فان النفس اذا قنعت، قليل من الدنيا يكفيها.وفي المشكاة: عن رسول اللّه(ص): اني لست اخشي عليكم

ان تشركوا بعدي، ولكن اخشي عليكم الدنيا ان تنافسوا فيها فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم [121] .وبعد التامل الصادق لا نجد عند من شاهدناه ممن يدعي الاسلام وينتسب الي ملة سيد الانام ذبحا، ولا نحرا، ولا نذرا، ولا عتقا، ولاتصدقا، ولا وقفا، ولا شيئا من العبادات مما يتعلق بالماليات او البدنيات، ولا توسلا، ولا تقربا، الا الي جبار الارضين والسماوات، ولواعلم ذلك منهم لما قبلت كلمة الاسلام الصادرة عنهم.فمهلا يا اخي، مهلا مهلا، فان القوم ليس حالهم كما وصل اليكم، وورد عليكم، فاني بهم خبير، وباحوالهم بصير، وليس غرضي تزكيتهم،ولكن واللّه هذا الذي علمته من سيرتهم، واللّه الموفق.

في النذر لغير اللّه

هذا المقام من مزال الاقدام، وانما كثرت فيه الاقاويل، لخفاء الموضوع الا علي القليل، فانه لا ينبغي الشك في ان النذر لغير اللّه علي انه اهل لان ينذر له، لانه مالك الاشياء وبيده زمامها، من الكفر والشرك، لان النذر من اعظم العبادات، وان اريد انه ينعقد بذلك وان لم يذكراسم اللّه عليه فهي مسالة فقهية فرعية. واعتقاد ذلك لا عن دليل تشريع حرام، لا يخرج عن ملة الاسلام.وليس المعروف في هذه البلدان النذر لغير اللّه الا علي معني انه صدقة يهدي ثوابها الي اولياء اللّه، فمعني النذر للنبي(ص) مثلا انه صدقة منذورة يهدي ثوابها له، وهكذا النذر لسائر الاولياء. فلا يزيد هذا علي من نذر لابيه وامه، او حلف، او عاهد ان يتصدق عنهم، كماروي عنه(ص) انه قال للبنت التي نذرت لامها عملا: ف بنذرك [122] .فان كان النذر للاباء والامهات كفرا، كان هذا كفرا، والا فلا.فمن حاول بالنذر حصول الثواب والتقرب الي اللّه زلفي من المنذور له، علي ان يكون الفعل له لا علي ان

يكون الثواب له، فهو ضال مضل. واما من قصد خلاف ذلك، فلا باس عليه.واختيار بعض الامكنة للنذور طلبا لشرف المكان، حتي يتضاعف ثواب العبادة، كما يختار بعض الازمنة لبعض العبادات، لا باس به، بل لا باس بتخصيص بعض الامكنة المباركة، وهو مستفاد من الاخبار، كما لا يخفي علي من حام حول الديار.روي ثابت بن الضحاك [123] ، عن النبي(ص) ان رجلا ساله انه نذر ان يذبح ببوانة، قال: هل كان فيها وثن يعبد؟ قال: لا، قال: فهل كان فيها عيد من اعيادهم؟ فقال: لا، فقال: ف بنذرك. [124] ثم اني اعلم واللّه انك لو وضعت مناديا ينادي في بلاد الاسلام، ويعلن بصوته في كل مقام، ليجد شخصا يعد من نوع الانسان يقصدبنذره غير وجه الملك الديان، لرجع اليك صفر اليدين، ولم يجد ناذرا للنبي(ص)، او الصحابة، او الحسنين 4. وكيف يقصدونهم بنذورهم وعباداتهم مع علمهم بمماتهم؟ واذا دخلوا الي مواضع قبورهم قراوا لهم القرآن، واهدوا اليهم من صلاتهم بعض ما كان، ودعوا لهم برفعة الدرجات، وزيادة الاجر عند رب السماوات، فان كانوا معبودين باعتقادهم، فكيف يهدون اليهم عبادة العبيد؟! ليت شعري كم من الفرق بين من يعبد ليقرب الي اللّه زلفي، وبين من يعبد اللّه عنه ليقربه اللّه زلفي.واللّه ما نذرت نذور، ولا جزرت جزور، ممن يتصف بالايمان، ويقر بالشهادتين بالقلب واللسان، الا لوجه الملك الديان، وطلبا لرضي الواحد المنان.فمن كانت هذه مقاصدهم، وعلي ذلك بنوا قواعدهم، كيف ينسبون الي عبادة غير اللّه، ويشبهون بعبدة الاصنام المثبتين شريكا للملك العلام؟! ليت شعري لو ان الرسل جاءت بالسجود للاحجار، او لبعض الكواكب والاشجار، لم يكن ذلك السجود الا عبادة للملك الجبار، لان الطاعة للامر لا لمن

يكن له في ذلك الاظهار.ولو ان الناظر لصور الكواكب وهيئة الافلاك، تدبرها تفكرا في عظمة الخالق، وسجد، كان عابدا لمدبرها.ثم ليس المراد بالعبادة مجرد الخضوع والتذلل، كما هو المعني القديم، بل يراد معني جديد، وهو التذلل الخاص، علي شرط ان يكون في كمال الصفاء والاخلاص.وعلي فرض ان يصدر من بعض اعوام المسلمين، لعدم قربهم من محال العلماء العاملين، فلا ينبغي معاملة الجميع بهذه المعاملات، والبناء علي نسبتهم الي الشرك من دون قيام البينات.فقف يا اخي في مواضع الشبهات، لئلا تقع في الهلكات.واني واللّه فرح مسرور بدفعك عن ابناء السبيل كل محذور، وامرك بالصلاة والصيام، وانفاذ ما شرع النبي(ص) من الاحكام، الا اني اخشي عليك ان تاخذ العالم بذنب الجاهل، والمنصف بورطة المعاند المجادل.وفقنا اللّه لطريق الصواب، والفوز برضاه في يوم الحساب، فانه ارحم الراحمين.

في القسم بغير اللّه

لا يرتاب مسلم في ان القسم بغير اللّه، علي وجه ارادة صاحب العظمة والكبرياء والملكوت والقدرة والجبروت، باعث علي الخروج عن ربقة المسلمين.واما ارادة مجرد التاكيد، فلا يلزم منه كفر ولا اشراك بديهة، اذ ليس مدار الكفر علي مجرد العبارات. ويدل علي ذلك انه قد ورد القسم بغيراللّه متواترا في كلام الصحابة والتابعين، بل في كلام خاتم النبيين(ص).ففي كتاب علي(ع) الي معاوية: لعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجدني ابرا الناس من دم عثمان [125] .وفي كلام له آخر: واما تحذيرك اياي ان يحبط عملي وسابقتي في الاسلام، فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك ان تحذرني ذلك.وفي كتاب معاوية: فان كنت ابا حسن انما تحارب عن الامرة والخلافة، فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من ان تعذر في حرب المسلمين.وقد وقع هذا القسم بلفظ «لعمري» في كلام الصحابة والتابعين، في

نثرهم وشعرهم كثيرا، بحيث يتعذر ضبطه.وعن بعض اهل البيت ان واحدا من اصحابه حلف عنده: وحق رسول اللّه(ص)، وحق علي ما فعلت (كذا)، واقره علي ذلك. وفي حديث طلحة: ان رجلا من اهل نجد جاء يسال عن الاسلام، فقال: افلح الرجل واللّه ان صدق [126] .وفي شرح مصابيح الطيبي عنه(ص): افلح الرجل وابيه واللّه. وحمل علي انها لم يرد بها حقيقة القسم، وانما تجري علي اللسان لمجردالتاكيد.وروي نصر بن مزاحم [127] ، عن رجاله، عن عمرو بن العاص انه سمع رسول اللّه(ص) وهو يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية، وكان ذكره لاهل الشام قبل وقعة صفين بعشرين سنة، فسمعه عبداللّه بن عمر العبسي، وكان اعبد اهل زمانه، فخرج ليلا واصبح في عسكر علي(ع)،فحدث الناس بقول عمرو، وقال شعرا:والراقصات بركب عابدين له ان الذي جاء من عمرو لماثور فما في مقال رسول اللّه في رجل شك، ولا في مقال الرسل تحبير ومن الشعر المنقول عن علي بن الحسين قوله:«نحن وبيت اللّه اولي بالنبي» وكم للصحابة والتابعين من حلف بشيبة رسول اللّه، وضريحه، وعينيه، وتربته، وليس هذا من القسم الحقيقي في شيء، اذ المراد مجرد التاكيد والتثبت دون حقيقة القسم التي هي مدار القضايا والحكومات، ويدور عليها ما لزم من الكفارات.فما ورد عن ابن عمر، عن النبي(ص): ان اللّه نهاكم ان تحلفوا ب آبائكم [128] .وفي الصحيحين: ان اللّه ينهاكم ان تحلفوا ب آبائكم، فمن كان حالفا فلا يحلف الا باللّه، او يصمت [129] .وعن عبد الرحمن بن سمرة، عن النبي(ص): لا تحلفوا بالطواغي، ولا ب آبائكم، رواه مسلم [130] .وعن ابي هريرة عن النبي(ص) انه قال: لا تحلفوا ب آبائكم، ولا بامهاتكم، ولا بالانداد، رواه ابو داود،

والنسائي [131] .وعن بريدة، قال: قال رسول اللّه(ص): من حلف ب آبائه فليس منا. [132] فهذه الاخبار محمولة علي من قصد اليمين الحقيقي المثبتة والنافية التي تترتب عليها الكفارة، فانها لا تكون الا باللّه، كما يرشد اليه ذكرالطواغيت، والانداد.ونقل عن احمد ان الحلف بالنبي(ص) ينعقد لانه احد ركني الشهادة، او يحمل علي الكراهة، كما في شرح «المنهاج» وفيه:الحلف بالمخلوق كالنبي، والكعبة، وغيرهما مكروه، لقوله(ص):لا تحلفوا ب آبائكم، ولا بامهاتكم، ولا تحلفوا الا باللّه.والتحقيق ان الحلف غير المقصود معناه لا باس به.روي ابو هريرة عن النبي(ص) انه قال: اليمين علي نية المستحلف.القسم الثاني: ان يراد به الاثبات والنفي، فان كان ماخوذا عن دليل، لم يكن فيه باس، وترتب عليه الاثر عند الفقيه المثبت له، ولم يكن عليه شيء، وان قصد بالحلف بالمخلوق انه ذو الكبرياء والجبروت والملك والملكوت، فهو كفر.وربما نزل عليه ما رواه ابن عمر، عن النبي(ص): ان من حلف بغير اللّه فقد اشرك، رواه الترمذي [133] .وروي عن ابن عمر، عن النبي(ص): ان من حلف بغير اللّه فقد كفر.او ينزل هذا علي المبالغة، كما ورد في كثير من فعل المعاصي وترك الواجبات، وما عدا هذا القسم والذي قبله بناؤه علي الكراهة، اذ لوكان حراما ما صدر من الصحابة بمحضر من الناس، ولم ينكر عليهم.مضافا الي انه مما توفر الدواعي علي نقله، ولو كان محرما للهجت به السنة الخطباء والوعاظ، ولم يخف علي الصبيان، فضلا عن العلماءالاعيان، وليس الغرض المهم سوي دفع الكفر عن الناس اذا صدر منهم مثل ذلك.وتفصيل الحال: ان القسم والعهد بغير اللّه ان قصد بهما ذو العزة والجلال، والعلو فوق كل عال، كما يحلف المربوب بربه، فذلك كفرواشراك.وان قصد ترتب الاحكام

عليه من اثبات حقوق الناس، ولزوم الكفارات، فذلك تشريع وعصيان، الا من اثبت ذلك بزعم الدليل والبرهان،وان راي وجوب العمل بذلك لمجرد الاكرام، لان عدم العمل ينافي الاحترام، فلا اري فيه باسا في المقام.وان اريد به مجرد التاكيد من دون ترتب شيء من الاحكام، فاولي بالدخول في المباح، والخروج من الحرام. وان وقع لغوا، وهذرا من غيرقصد، فلا يعد من الايمان، ولا مدار عليه في شيء كائنا ما كان، واللّه الموفق.

في الاستغاثة

لا يخفي ان الاستغاثة بالمخلوق علي انه الفاعل المختار مدخل للمستغيث في اقسام الكفار، وانما المراد منه طلب الشفاعة، وسؤال الدعاء.وقد روي النسائي، والترمذي في حديث الاعرابي، ان النبي(ص) علمه قول: يا محمد، اني توجهت بك الي اللّه، ونحوه ما في حديث ابن حنيف [134] .وروي البيهقي في خبر صحيح انه في ايام عمر رضي اللّه عنه جاء رجل الي قبر النبي(ص)، فقال: يا محمد، استسق لامتك فسقوا [135] .وروي الطبراني، وابن المقري، وابو الشيخ انهم كانوا جياعا، فجاءوا الي قبر النبي(ص) فقالوا: يا رسول اللّه، الجوع، فاشبعوا.وروي البيهقي عن مالك الدار خازن عمر رضي اللّه عنه، قال: اصاب الناس قحط، فذهب الي قبر النبي(ص) فقال:استسق لامتك فقدهلكوا، فاتاه النبي(ص) في المنام، وقال له:قل لعمر: انهم سقوا.ومن ذلك قوله تعالي: (فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه) (القصص: 15).وعن معاذ انه لما كان في اليمن جاءه نعي النبي(ص)، فرجع وهو يقول: يا محمداه، يا ابا القاسماه، وبقي علي ذلك برهة من الزمان. وفيه ظهور بالاستغاثة.وعن ابي بكربن محمدبن الفضل ان بلالا لما اخذ في النزع، قالت امراته: واويلاه، واحزناه، فقال لها: لا تقولي: واحزناه، فاني قصدت الذهاب الي م حمد، وحزبه.وروي الكازروني ندبة

الزهراء (عليها السلام)، وروي ندبة معاذ النبي(ص). وعن النعمان بن بشير، قال: اغمي علي عبداللّهبن رواحة،فجعلت اخته عمرة تبكي وتقول: واجبلاه [136] .وما روي عن ابي موسي عن النبي(ص) انه ما من ميت يموت، فيقوم باكيه ويقول: واجبلاه، واسيداه، الا وكل اللّه به ملكين يلهزانه ويقولان له: اكان هكذا؟ فمبني علي النهي عن العزاء والبكاء.وفي قصة ادريس ان المطر انقطع عن قومه عشرين سنة، فجاءوا اليه يدعو لهم.وعن رسول اللّه(ص) ان ملكا غضب اللّه عليه، فاهبط من السماء، فاتي ادريس، فاستشفع به، فدعا له، فاذن له في الصعود، فصعد.وفي الحقيقة ان المستغيث بالمخلوق ان اراد طلب الدعاء والشفاعة من المستغاث به، فلا باس به، وان اراد اسناد الامور بالاستقلال اليه،فالمسلمون منه براء.علي انا بينا في ما سبق ان الاستغاثة بدار زيد، وصفاته، وغلمانه، وخدمه، ربما اريد بها الاستغاثة به، فيكون هذا اولي في بيان ذل المستغيث، وانه لا يري لسانه اهلا لان يجري عليه اسم المولي ولهذا تري ان طاعة اللّه تذكر بعدها طاعة رسول اللّه(ص)، ورضاه يذكر بعدرضي اللّه، واذا انفردت احداهما دخلت فيها الاخري.روي ابو هريرة عن النبي(ص) انه قال: من اطاعني فقد اطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصي اللّه، ومن يطع الامير فقد اطاعني، ومن يعص الامير فقد عصاني [137] .وكيف يستغاث حقيقة بمن لا يدفع عن نفسه ضرا ولا شرا، ولا يملك رزقا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا، المبدي من تراب، ثم نطفة مودعة في الاصلاب، ثم جسم معرض للبليات، ثم بعدها يكون من الاموات.وانما شرفه بالعبودية والانقياد للحضرة القدسية، ولولا امر اللّه ما سمع له كلام، ولا رفع له مقام، وليس بيننا وبينه ربط سوي امر الملك العلام.فليس المراد

بالاستغاثة الا طلب الدعاء من المستغاث به، لما في الحديث القدسي: يا موسي، ادعني بلسان لم تعص ني فيه، فقال: يا رب واين ذلك؟ فقال: لسان الغير.فالمستغيث ان طلب اصالة واستقلالا من المستغاث به، كان معولا عليه في كل امر يرجع اليه، والا فالمستغاث به حقيقة هو الذي تنتهي اليه الامور.وكذلك الدعاء ان قصد ان المدعو هو الفاعل المختار الذي تنتهي اليه الاشياء، فذلك كفر برب السماء، وان اريد المجاز، فلا يدخل تحت حقيقة الدعاء.ولا ريب ان كل من قال لشخص: اعني علي بناء الدار، او قضاء الدين، او قال: اعطني، او غير ذلك، بقصد الدعاء، اعني: طلب المربوب من الرب، فهو كفر واشراك. وان قصد الطلب لا علي ذلك النحو، لم يكن كفرا.ولو كان المدار علي هذه الصورة، لكفرت الخلائق من يوم آدم الي يومنا هذا، بل صدور هذه العبارات عن الانبياء والاوصياء ابين من الشمس.وكذلك الاستجارة، والندبة، ونحوهما، فان كانت علي الطور المعهود، كقوله تعالي: (وان احد من المشركين استجارك فاجره) (التوبة: 6)،(فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه) (القصص: 15)، (فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض) (البقرة: 61)، فلا محيص عن القول بجوازه. فتفاوت العبارات باختلاف النيات.فمن كان داعيا دعاء الاصنام وسائر الارباب، او مستغيثا كذلك، فهو كافر مشرك. وان اراد المتعارف بين سائر الناس، فليس به باس.فبحق من شق سمعك وبصرك، ان تمعن في هذا المقام نظرك، وتصفي نفسك عن حب الانفراد، كما يلزمنا التخلية عن حب متابعة الاباءوالاجداد.ولا فرق بين الاحياء والاموات، لان من استغاث بالمخلوق او استجار، علي انه فاعل مختار، فقد دخل في اقسام الكفار، فالاستغاثة بعيسي او بمريم، حيين او ميتين، تقع علي القسمين.واعتقاد

ان الميت يسمع او لا يسمع، ليس من عقائد الدين التي تجب معرفتها علي المسلمين، فمن اعتقدها: فاما ان يكون مصيباماجورا،او مخطئا معذورا.ومن ذلك القبيل الالفاظ التي تفيد الرجاء، والتوكل، والاعتماد، والتعويل، والالتجاء، والاستعانة بغير اللّه، فان هذه العبارات لو بني علي ظاهرها لم يبق في الدنيا مسلم، اذ لا يخلو احد من الاستعانة علي الاعداء، والاعتماد علي الاصدقاء، والالتجاء الي الامراء، ونحوذلك.الا انه ان قصد الملتجا اليه والمعول عليه من المخلوقين له اختيار وتدبير في العالم لنفسه لا عن امر اللّه، فذلك كفر باللّه، والا فلاباس.ومما يناسب نقله في هذا المقام ما نقله القتيبي، قال: كنت جالسا عند قبر رسول اللّه(ص) فجاء اعرابي، فسلم علي النبي(ص)، ثم انشايقول:يا خير من دفنت بالقاع اعظمه فطاب من طيبهن القاع والاكم نفسي الفداء لقبر انت ساكنه فيه العفاف، وفيه الجود والكرم ثم قال: ها انا ذا يا رسول اللّه، فقد ظلمت نفسي، وانا استغفر اللّه واسالك يا رسول اللّه ان تستغفر لي. قال القتيبي: ثم نمت،فرايت النبي(ص) في المنام، فقال: يا قتيبي، ادرك الاعرابي وبشره انه قد غفر اللّه له، قال: فادركته وبشرته.

في التوسل

ولا ريب انه من سنن المرسلين، وسيرة السلف الصالحين، ودلت عليه الاخبار والاثار.نقل ان آدم لما اقترف الخطيئة، قال: يا ربي، اسالك بحق محمد(ص) لما غفرت لي، فقال: يا آدم، كيف عرفت؟ قال:لانك لما خلقتني نظرت الي العرش، فوجدت مكتوبا فيه: «لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه»، فرايت اسمه مقرونا مع اسمك، فعرفته احب الخلق اليك.صححه الحاكم [138] .وعن عثمان بن حنيف ان رجلا ضرير البصر اتي النبي(ص) فقال: ادع اللّه ان يعافيني، فقال النبي(ص): ان شئت صبرت فهو خير لك، وان شئت

دعوت، قال: فادعه، فامره ان يتوضا، ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم اني اسالك واتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، اني توجهت بك الي ربي في حاجتي ليقضيها، اللهم شفعه في» [139] .وفيه دلالة علي جواز الشفاعة في الدنيا، وعلي الاستغاثة، رواه الترمذي، والنسائي، وصححه البيهقي، وزاد: «فقام وقد ابصر».ونقل الطبراني عن عثمان بن حنيف ان رجلا كان يختلف الي عثمان بن عفان في حاجته، فكان لا يلتفت اليه، فشكا ذلك لابن حنيف،فقال له: اذهب وتوضا وقل:... (وذكر نحو ما ذكر الضرير)، قال: فصنع ذلك، فجاء البواب، فاخذه وادخله علي عثمان، فامسكه علي الطنفسة، وقضي حاجته [140] .وروي انه لما دعا النبي(ص) لفاطمة بنت اسد، قال: اللهم اني اسالك بحق نبيك والانبياء الذين من قبلي... (الي آخرالدعاء) [141] .وفي الصحيح عن انس ان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان اذا اقحط الناس استسقي بالعباس، فقال: اللهم انا كنا نتوسل اليك بنبيك فتسقينا، وانا نتوسل اليك بعم نبيك، ونستشفع اليك بشيبته، ف سقوا [142] .وروي الشيخ عبد الحميد (بن ابي الحديد) عن علي(ع) انه قال: كنت من رسول اللّه كالعضد من المنكب، وكالذراع من العضد، رباني صغيرا، وواخاني كبيرا، سالته مرة ان يدعو لي بالمغفرة، فقام فصلي، فلما رفع يديه سمعته يقول: اللهم بحق علي عندك اغفر لعلي، فقلت:يا رسول اللّه، ما هذا؟ فقال: او احد اكرم منك عليه، فاستشفع به اليه [143] .وفي هذين الخبرين دلالة علي شفاعة الدنيا.وفي مسند ابن حنبل ان عائشة قال لها مسروق: سالتك بصاحب هذا القبر ما الذي سمعت من رسول اللّه (يعني: في حق الخوارج)، قالت سمعته يقول: انهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، واقربهم عند

اللّه وسيلة. [144] وعن الاعمش ان امراة ضريرة بقيت ستة ليال تق سم علي اللّه بعلي، فعوفيت.فما رواه جبير بن مطعم عن النبي(ص) انه اتاه اعرابي، فقال:جهدت الانفس، وجاع العيال، فاستسق لنا، فانا نستشفع بك الي اللّه،ونستشفع باللّه عليك، فقال النبي(ص): «ويحك انه لا يستشفع باللّه علي احد، شان اللّه اعظم»، فليس مما نحن فيه، لانه نهي عن الاستشفاع باللّه لا باحد الي اللّه.وعن علي انه قال لسعد بن ابي وقاص: اسالك برحم ابني هذا، وبرحم حمزة عمي منك الا تكون مع عبد الرحمن [145] .وعن عائشة رضي اللّه عنها ان النبي اسر الي فاطمة سرا، فبكت بكاء شديدا، فسالتها، فقالت: ما كنت لافشي سر رسول اللّه(ص)، فلماقبض سالتها وقلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق، (... الخبر) [146] .وروي ابو مخنف عن ابي الخليل، قال: لما نزل طلحة والزبير في موضع (كذا)، قلت: ناشدتكما اللّه وصحبة رسول اللّه(ص).وعن علي(ع) ان يهوديا جاء الي النبي(ص)، فقام بين يديه، وجعل يحد النظر اليه، فقال: يا يهودي، ما حاجتك؟ فقال: انت افضل ام موسي؟ فقال له: انه يكره للعبد ان يزكي نفسه، ولكن قال اللّه تعالي: (واما بنعمة ربك فحدث) (الضحي: 11)، ان آدم لما اصابته خطيئته التي تاب منها كانت توبته «اللهم اني اسالك بمحمد وآل محمد لما غفرت لي»، فغفر له [147] .وعن علي(ع) انه بعد دفن النبي(ص) قام عند قبره الشريف، فقال مخاطبا له: طبت حيا وطبت ميتا، انقطع عنا بموتك ما لم ينقطع بموت احد سواك من النبوة والانباء، واخبار السماء، (والحديث طويل)، الي ان قال: بابي انت وامي اذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك وهمك.ونقل الشيخ عبد الحميد ان معاوية

سال عقيلا عن علي(ع)، فقال له عقيل: يا معاوية، جاءته زقاق عسل من اليمن، فاخذ الحسين منهارطلا واشتري اداما لخبزه، فلما جاء علي ليقسمها قال: يا قنبر، اظن انه قد حدث بهذا حدث، قال: نعم، واخبره بقصة الحسين(ع)، فغضب،وقال علي بحسين فرفع الدرة عليه، وقال: بعمي جعفر، (وكان اذا سئل بحق جعفر سكن)، فاجابه الحسين بما اجاب.ونقل الشيخ عبد الحميد ان رجلا وفد من مصر، فاستعاذ بعمر.وكيف كان، فقد بان ان من توسل الي اللّه بمعظم من: قرآن، او نبي، او عبد صالح، او مكان شريف، او بغير ذلك، فلا باس عليه، بل كان آتيابما هو اولي وافضل.ولا باس بالتوسط بحق المخلوقات، فان للمولي علي عبده حق المالكية، وللعبد حق المملوكية، وللخادم حق الخدمة، وللارحام حق الرحم، وللصديق حق الصداقة، وللجار حق الجوار، وللصاحب حق الصحبة. فالحق عبارة عن الرابطة باي نحو اتفقت، وعلي اي جهة كانت.وعلي ذلك جرت عادة السلف من ايام النبي(ص) الي يومنا هذا، لا ينكره احد من المسلمين، والدعوات والمواعظ مشتملة عليه،والاجماع منعقد عليه، فلم يبق في المقام اشكال، ولا بقي محل للقيل والقال، واللّه ولي التوفيق، وهو ارحم الراحمين.

في الشفاعة

الشفاعة في الحقيقة قسم من الدعاء والرجاء، وليس من خواص الانبياء والاوصياء، وليس لاحد علي اللّه قبول شفاعته، وانما ذلك من الطافه ومننه، ولا شفاعة الا باذنه ورضاه، والاخبار فيها متواترة.روي محمد بن عمروبن العاص، عن النبي(ص) انه قال: من سال اللّه لي الوسيلة، حلت عليه الشفاعة، رواه مسلم [148] .وعن جابر عن النبي(ص): «من سمع الاذان ودعا بكذا، حلت له شفاعتي يوم القيامة»، رواه البخاري [149] .وعن عبداللّه بن عباس، عن النبي(ص) انه قال: ما من رجل مسلم يموت، فيقوم

علي جنازته اربعون رجلا، لا يشركون باللّه شيئا، الاشف عهم اللّه فيه، رواه مسلم [150] .وعن عائشة رضي اللّه عنها، عن النبي(ص) انه قال: ما من ميت تصلي عليه امة من الناس يبلغون مائة، كلهم يشفعون له الا شفعوا فيه،رواه مسلم [151] .وعن جابر، عن النبي(ص) انه قال: اعطيت خمسا... (وعد منها الشفاعة). [152] وعن ابن عباس عن النبي(ص): انا اول شافع واول مشفع في القيامة ولا فخر [153] .وعن جابر عن النبي(ص): انا اول شافع واول مشفع. ونحوه عن انس [154] ، وابي بن كعب [155] .وعن جبير بن مطعم، عن عثمان بن عفان، عن النبي(ص) انه قال: يشفع يوم القيامة ثلاثة (وعد منهم الانبياء).وعن ابي سعيد، عن النبي(ص) ان الشفاعة علي مراتب الناس في القابلية [156] .وعن عبداللّه بن مالك عن ابيه، عن النبي(ص) انه: اتاني آت من ربي، فخيرني بين ان يدخل نصف امتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة.وعن عبداللّه بن ابي الجذعاء، عن النبي(ص): انه والدارمي يدخل الجنة بشفاعة رجل [157] من امتي اكثر من بني تميم، رواه الترمذي والدارمي [158] .وعن انس قال: سالت النبي(ص) ان يشفع لي يوم القيامة، فقال: انا فاعل، قلت: فاين اطلبك؟ قال: اولا علي الصراط، قلت: فان لم القك؟قال: عند الميزان، قلت: فان لم القك؟ قال:عند الحوض، فاني لا اخطي هذه المواضع، رواه الترمذي. [159] وعن ابي سعيد الخدري، عن النبي(ص): ان اللّه يقول بعد فراغ الشافعين من الشفاعة: شف عت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق الا ارحم الراحمين [160] .وعن انس عن النبي(ص) انه يحبس المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا، فياتون آدم، فيعتذر بخطيئته، ثم ابراهيم، فيعتذر بثلاث كذبات كذبهن، ثم

موسي، فيعتذر بقتل النفس، ثم عيسي، فيقول: لست هناك، فيقول اللّه تعالي بعد ان اسجد له: اشفع تشفع.. (الخبر، وهوطويل) [161] .وعن النبي(ص) ان ملكا غضب عليه، فاهبط من السماء، فجاء الي ادريس فقال له: اشفع لي عند ربك، فدعا له، فاذن له في الصعود. وفيه دلالة علي الشفاعة في الدنيا. وستجيء في باب «زيارة القبور» اخبار كثيرة عن النبي(ص) انه قال: «من زارني كنت له شفيعا» [162] .وبيان الحال: ان الشفاعة ان كانت من قبيل الدعاء، فيرجع طلبها الي التماس الدعاء من الانبياء والاولياء، فتكون عبارة عن دعاء مخصوص لنجاة الغير، او قضاء حاجته في امور الدنيا والاخرة، فلا كلام ولا بحث في جواز طلبها من كل احد، فهي كما لو سالت اخوانك الدعاء.ويؤيد ذلك انه لما سئل ادريس(ع) الشفاعة دعا.ولا فرق بين الاحياء والاموات، فانا سنبين ان شاء اللّه تواتر الاخبار في ان الاموات يسمعون وينطقون، لكن الناس لا يسمعون كلامهم.فالشفاعة بهذا المعني لا غضاضة في طلبها، اذ لسنا في ذلك بمنزلة من قالوا: لا طاقة لنا بعبادة اللّه، ونحن نعبد الاصنام، وهم يوصلونناالي اللّه.وان اريد بالشفاعة منصب اعطاه اللّه لنبيه(ص) واوليائه، فيدفعون بالاذن العام عن الناس، بمعني ان اللّه اذن اذنا عاما لنبيه(ص) في انقاذبعض اهل العذاب من العذاب يوم يقوم الحساب، فبهذا المعني تكون مخصوصة في الاخرة.ولا ريب ان المستشفع بالنبي(ص)، والاولياء في دار الدنيا، يريد المعني الاول.فليت شعري ما الذي ينكر من طلب الشفاعة؟ امن جهة خطاب الموتي؟ فذلك لا يوجب كفرا ولا اشراكا، لو كان خطا، فكيف لو كان صوابا، او من جهة اسناد الامر الي غير اللّه سبحانه؟ وهذا اعجب من السابق، فان الداعي والساعي في حاجة احد

الي مولاه لا يرتفع عن درجة العبودية، ولا سيما اذا لم يحدث شيئا الا عن اذنه.ومن البديهة [163] ان العبيد والخدام القائمين بشرائط العبودية والخدمة مع الاذن يشفعون عند مواليهم في قضاء حوائج الناس، ولايخرجهم ذلك عن العبودية والخدمة، بل هذا نوع من العبودية.وفي احاديث الشفاعة ما يدل علي عموم الشفاعة في دفع المضار الدنيوية والاخروية.وقد نقل عن الصحابة بطرق معتبرة انهم كانوا يلجاون الي قبر النبي(ص)، ويندبونه في الاستسقاء ورفع الشدائد والاغراض الدنيوية.روي البيهقي بطريق صحيح عن مالك الدارخازن عمر رضي اللّه عنه انه اصاب الناس قحط، فذهب رجل الي قبر النبي(ص)، فقال: يارسول اللّه(ص)، استسق لامتك فقد هلكوا، فاتاه النبي(ص) في المنام، فقال له: قل لعمر: قد سقوا. [164] وقد روي ان من راي النبي(ص) في نومه فكانما رآه في يقظته، لان الشيطان لا يتمثل به [165] .وروي البيهقي بطريق صحيح ان رجلا في ايام عمر رضي اللّه عنه جاء الي قبر النبي(ص)، فقال: يا محمد، استسق لامتك [166] .وروي الطبراني وابن المقري انهم كانوا جياعا، فجاءوا الي قبر النبي، فقالوا: يا رسول اللّه، الجوع، فاشبعوا.والغرض ان ذلك ظاهر بين الصحابة والسلف، لا يتناكرونه ابدا، وحيث كان لا يزيد علي سؤال الدعاء، واتضح في البحث الاتي ان الانبياءوالاولياء احياء، لا يبقي كلام اصلا.

الخاتمة

في حياة الاموات بعد موتهم

في حياة النبي بعد موته

وانه يسمع الكلام ويرد الجواب، كما في حياته، غير ان اللّه حبس سمع الناس الا قليلا من الخواص، ولا بعد في ذلك بعد الاقرار بعموم قدرة الجبار، فان من اودع تلك النطفة روح الانسان، قادر ان يودعها في اي محل كان.ولا ينافي ذلك اطلاق اسم الموت عليه، وان الحياة انما هي وقت البعث، لان المراد ان عود تلك الاجسام علي

الحال السابق والكيفية السابقة، انما يكون في ذلك الوقت، وان ظهور ذلك للناظرين، انما يكون في ذلك الحين، ولا بد ان تتلقي ما ورد عن النبي الكريم، باشد القبول والتسليم.روي عن ام سلمة رضي اللّه عنها، قالت: رايت النبي(ص) والتراب علي شيبته، فسالته، فقال: شهدت قتل الحسين(ع).وعن ابن عب اس انه راي النبي(ص) في المنام، وفي يده قارورة، فقلت: وما هذه؟ فقال: هذا دم الحسين(ع) [167] .وقال المبارزي: نبينا حي بعد وفاته.وقال شيخ الشافعي [168] : نبينا حي بعد وفاته، فانه يستبشر بطاعات امته، ويحزن من معاصيهم، وتبلغه صلاة من يصلي عليه.وعن علي(ع) ان اعرابيا جاء الي قبر النبي(ص)، فقال: يا رسول اللّه، استغفر لي، فنودي من داخل القبر ثلاث مرات: قد غفر اللّهلك. [169] وروي ابو داود في مسنده، عن ابي هريرة، مرفوعا عن النبي(ص)، قال: ما من احد يسلم علي الا رد اللّه روحي حتي ارد عليه.وذكره ابن قدامة من رواية احمد ان النبي(ص) قال: ما من احد يسلم علي عند قبري الا رد اللّه علي روحي. وذكره بعض اكابر مشايخ البخاري.وفي خبر النسائي وغيره، عن النبي(ص)، قال: ان للّه ملائكة سياحين في الارض، يبلغونني من امتي السلام.فعلي هذا، لا فرق بين السلام من قرب، او بعد.وعن ابي هريرة عن النبي(ص) انه قال: من صلي علي عند قبري سمعته [170] .وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه قال: من صلي علي عند قبري، وكل اللّه به ملكا يبلغني [171] .وروي ابن اوس مرفوعا عن النبي(ص) انه قال: اكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فان صلاتكم معروضة علي، قالوا: او كيف تعرض عليك وانت رميم؟! فقال: ان اللّه حرم علي الارض لحوم الانبياء. [172] وهذا

يعم الانبياء صلي اللّه عليهم.وروي الحافظ عن النبي(ص) انه قال: علمي بعد مماتي كعلمي في حياتي [173] .وعن النبي(ص): ان اللّه وكل ملكا يسمعني اقوال الخلائق، يقوم علي قبري، فلا يصلي علي احد الا قال: يا محمد فلان بن فلان يصلي عليك، صلوا علي حيثما كنتم، فان صلاتكم تبلغني.وعن النبي(ص): ان اعمالكم تعرض علي [174] .والاخبار في ذلك اكثر من ان تحصي، وفيها دلالة علي انه(ص) يخاطب في مماته كما يخاطب في حياته، بل يظهر من بعض الروايات ان كلامه يسمعه [175] بعض الخواص.اخرج ابو نعيم في «دلائل النبوة»، عن سعيد بن المسيب، قال:لقد كنت في مسجد رسول اللّه(ص)، فما ياتي وقت صلاة الا سمعت الاذان من القبر.واخرج ابن سعد في «الطبقات»، عن سعيد بن المسيب، انه كان يلازم المسجد ايام الحرة، فاذا جاء الصبح سمع اذانا من القبرالشريف [176] .واخرج زبير بن بكار [177] في اخبار المدينة، عن سعيد بن المسيب، قال: لم ازل اسمع الاذان والاقامة من قبر رسول اللّه(ص) ايام الحرة، حتي عاد الناس.واخرج الدارمي في مسنده، عن مروان، عن سعيدبن عبد العزيز انه كان لا يعرف وقت الصلاة الا بهمهمة تخرج من القبر [178] .

في حياة سائر الشهداء والانبياء

قد سبق ان الارض لا تاكل لحومهم.قال البيهقي في كتاب «الاعتقاد» [179] : ان الانبياء بعدما قبضوا ردت اليهم ارواحهم، فهم احياء كالشهداء.وقال القرطبي في «التذكرة» [180] : الموت ليس عدما محضا، يدل علي ذلك ان الشهداء احياء، فالانبياء اولي، وقد صح ان الارض لاتاكل اجساد الانبياء، وان النبي(ص) اجتمع بالانبياء ليلة الاسراء في بيت المقدس وفي السماء.وقال الاستاذ ابو منصور عبد القاهربن طاهر البغدادي شيخ الشافعي: ان الانبياء لا تبلي اجسادهم، ولا تاكل الارض منهم

شيئا، وقد التقي نبينا محمد(ص) مع ابراهيم، وموسي بن عمران.وعن انس، عن النبي(ص) انه مر بقتلي بدر فكلمهم، فقال له اصحابه: كيف تكلم اجسادا لا ارواح فيها؟! فقال: لستم اسمع منهم لكنهم لايتكلمون.وعن قتيبة وابي الفضل، عن ابن عباس ان الحواريين قالوا لعيسي: احي لنا يحيي بن زكريا، حتي ننظر الي وجهه، فخرج معهم واحياه، واذانصف شعر راسه ابيض، وقد كان اسود فسالوه، فقال: لما نوديت زعمت انها القيامة، فقال عيسي: اتريد ان اسال اللّه ان يردك الي الدنيا؟فقال: ان مرارة الموت لم تخرج من حلقي بعد.وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه مر بابراهيم يصلي، وبموسي يصلي. وفي حديث المعراج انه مر بكثير من الانبياء يصلون.وقال الحافظ شيخ السنة ابو بكر البيهقي في «الاعتقاد»: ان الانبياء ترد اليهم ارواحهم بعدما يقبضون، فهم احياء عند ربهم كالشهداء، وقدراي النبي(ص) جماعة منهم، وصلوا خلفه، وقد اخبر هو عن ذلك، وخبره صدق، وان صلاتنا تعرض عليه، وان الارض لا تاكل من لحمه.وعن الشيخ عفيف الدين ان الاولياء من جملة خصائصهم رؤيا الانبياء.وقال الشيخ تقي الدين السبكي: ان حياة الانبياء والشهداء في القبور كحياتهم في الدنيا، ويدل عليه صلاة موسي وجماعة من الانبياء ليلة الاسراء مع النبي(ص).وروي الثقات عن انس مرفوعا، عن النبي(ص): ان الانبياء احياء في قبورهم.وعن النبي(ص) انه قال: مررت بقبر موسي بن عمران فرايته يصلي. [181] وقال اللّه تعالي في حق من قتلوا في سبيل اللّه: (احياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران: 169)، الي غير ذلك من الاخبار.

في حياة سائر الموتي

روي ابن عباس مرفوعا عن النبي(ص) انه قال: ما من احد يمر بقبر اخيه المؤمن فيسلم عليه الا عرفه، ورد عليه السلام.وفي رواية: ما من احد يمر بقبر

رجل يعرفه الا عرفه، ورد عليه السلام. [182] ونقل ابو عبداللّه البخاري ان الشهداء وسائر المؤمنين اذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوه، وردوا عليه السلام.وروي الثعلبي في تفسيره، وابن المغازلي الواسط ي في «المناقب»: ان النبي(ص)، واصحابه لما حملهم البساط، وصلوا الي موضع اهل الكهف، فقال: سلموا عليهم، فسلموا عليهم، ولم يردوا، فسلم النبي(ص) عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة اللّه. [183] واخرج الشيخ ابن حيارة في كتاب «الوصايا»، عن قيس، قال:قال النبي(ص): من لم يوص، لم يؤذن له في الكلام مع الموتي، قيل: يارسول اللّه، الموتي يتكلمون؟! فقال: نعم، ويتزاورون.وعن ابي هريرة، عن النبي(ص) انه راي جعفرا يطير في الجنة.ونقل ابو بكر محمد بن عبداللّه الشافعي ان عيسي لما دفن مريم، قال: السلام عليك يا اماه، فاجابته من جوف القبر:وعليك السلام حبيبي، وقرة عيني، فقال لها: كيف وجدت طعم الموت؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما ذهبت مرارة الموت من حلقي، ولا خشونته من لساني.وروي الحاكم عن سالم بن ابي حفصة قال: توفي اخ لي، فوضعته في القبر، وسويت عليه التراب، ثم وضعت اذني علي لحده، فسمعت قائلا يقول له: من ربك؟ فسمعت اخي يقول بصوت ضعيف: ربي اللّه، فقال له: وما دينك؟ فسمعت اخي يقول بصوت ضعيف: ديني الاسلام، فسمعته يقول له: ومن نبيك؟ فسمعته يقول بصوت ضعيف: محمد نبيي، فسمعته يقول له: نم نوم العروس، وسمعت الملك الاخر يقول له: ابشر بروح وريحان، ورب غير غضبان [184] .وفي الاخبار، عن عمر بن الخطاب انه قال: ما من ميت يموت، يوضع علي سريره، فيخط ي ثلاث خطوات، الا وينادي بنداء يسمعه ماشاء اللّه من الخلائق غير الثقلين، فيقول: يا اخوتاه، يا خدماه، يا حملة نعشاه،

لا تغرنكم الدنيا كما غرتني، ولا يلعبن بكم الزمان كما لعب بي، خلفت ما جمعت لورثتي، ولم يحملوا من خطيئتي شيئا، والديان يحاسبني، وانتم تشيعون جنازتي، ثم تدعونني في لحدي.وزيد في آخر: ثم تسلمونني الي منكر ونكير، واندامتاه، واندامتاه، واندامتاه [185] .وعن الفقيه الزاهد اسماعيل بن الحسن، عن عمربن الخطاب انه دخل المقابر، فنادي: يا اهل المقابر، الاموال قد قسمت، والدور قدسكنت، والازواج قد نكحت، فهذا خبر ما عندنا، فاخبرونا ما عندكم، قال: فهتف به هاتف، وهو ينادي ويقول:يابن الخطاب، وجدنا ماعملنا ربحا، وما خلفنا خسرانا، والجبار سالنا عن جميع ما فعلنا، ثم سكت.وعن كعب، عن النبي(ص) انه قال: لا يمر احد بالمقابر الا ويناديه اهل القبور: يا غافلا لو علمت بما نحن فيه لذاب لحمك وجسمك،كما يذوب الثلج في النار [186] .وعن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي(ص) انه قال: ان الموتي ينادون في كل يوم ثلاث مرات من قبورهم: يا اهل الديار، عجلوا عجلوا،فانما نحن محبوسون من اجلكم، الرحيل الرحيل، لا تحبسوا اخوانكم، خربوا ما بنيتم، واتركوا ما جمعتم، نورتم البيوت، واظلمتم القبور،وبنيتم البيوت، ونسيتم القبور، وعمرتم البيوت، وخربتم القبور، ووسعتم البيوت، وضيقتم القبور، (وذكروا غير ذلك) [187] .وعن ابي عبداللّه محمد بن عمر، يروي عن عمر، عن النبي(ص) انه قال: ما من يوم يمضي الا وملك يهتف: يا اهل القبور، من تغبطون اليوم؟ فيقولون: نغبط اهل المساجد، يصلون في مساجدهم، ويصومون ويصدقون، ولا نقدر نصلي ونصوم ونتصدق.وعن محمد بن ابي عبداللّه بن الفضل، عن محمد بن كعب، قال: مر عيسي علي قبر، فراي فيه عذابا شديدا، فدعا اللّه حتي احياه، فقال له عيسي: فلم تعذب؟ قال: كنت جالسا في سوق مصر، وقد

اكلت شيئا، فاخذت عودة من حزمة شوك لاخلل اسناني بها، ومت منذ اربعة آلاف سنة وانا في عذابها، ثم قال: يا روح اللّه، منذ اربعة آلاف سنة ومرارة الموت باقية في حلقي.فقال عيسي: اللهم يسر علينا سكرات الموت.وعن وهب بن منبة ان عيسي(ع) مر علي نهر فيه ماء عذب، وحوله خابية [188] ، كل ما يوضع فيها من ذلك الماء يصير مالحا، فقال:الهي، ما خبر هذا الماء المالح؟! فاذن اللّه للخابية بالكلام، فقالت: اني كنت آدميا، فبقيت في قبري ثلاثمائة سنة، ثم جاء لبان، فضرب ترابي لبنا، وبنيت في قصر ثلاثمائة سنة، ثم خرب القصر، فبقيت ترابا مائتي سنة، ثم جاء شخص فجعلني حبا، ووضعني سقاية علي شاط ي هذا النهر من مائة سنة، وكل ما يجعل في يكون مالحا، لما في من مرارة نزع الروح، وانا معذب منذ مت، لاني اخذت ابرة من جاري، وما رددتها حتي مت، فما ادري ان عذابي اشد ام مرارة الموت، فقال عيسي:اللهم يسر علي الموت، ونجني من عذاب القبر...(الحديث). وقد ذكرنا من مضمونه محل الحاجة.وعن عائشة، عن النبي(ص): ان اشد الاحوال علي الميت حين يدخل الغسال داره ليغسله، فيخرج خواتم الشبان من اصابعهم، وينزع قميص العروس من بدنها، ويرفع عمائم المشايخ عن رؤوسهم. فعند ذلك يقول بصوت يسمع الخلائق غير الثقلين:يا غسال، باللّه عليك انزع ثيابي برفق، فاني الساعة استرحت من مخاليب ملك الموت، فاذا صب عليه الماء صاح كذلك، فاذا رفع عن المغتسل، وشد مواضع قدميه بالكفن، يقول: باللّه عليك لا تشد راس كفني ليري وجهي اهلي واولادي وعروسي التي كنت احبها، وينظر الي وجهي اقربائي،واحبائي، واخواني، وجيراني، ورفقائي، فان هذه آخر رؤياي.فاذا خرج من الدار، نادي:

باللّه عليكم يا حملة نعشي، لا تعجلوا بي، حتي اودع داري التي بنيتها، وزينتها، ونقشتها بانواع النقوش، واهلي ومالي واولادي، فان هذا خروج لا مرد بعده الي يوم القيامة.فاذا رفعت الجنازة، نادي: يا حملة نعشي، باللّه عليكم لا تعجلوا بي، حتي اسمع اصوات اولادي الذين يعولون خلف جنازتي، وعروسي التي تبكي علي، ووالدي الذي تقوس ظهره لموتي، ووالدتي التي شدت وسطها بالمنديل لمفارقتي، وقد نشرت شعرها، وضربت صدرها، وتقوس ظهرها، وابيضت عيناها لفقدي.فاذا صلي علي جنازته، ورفع من المصلي، ورجع بعض اصدقائه، يقول: يا اخوتاه، كنت اعلم ان الميت ينساه الاحياء، لكن لا بهذه السرعة، رجعتم قبل ان تدفنوني، ونسيتموني بهذه السرعة، وجسمي بعد بين اظهركم.فاذا وضع في لحده، ووضع عليه التراب، ينادي: واورثتاه، تركت لكم الكثير، فلا تنسوني، تصدقوا عني علي فقرائكم، ولو بكسرة خبزمحترق، وعلمتكم القرآن والادب، فلا تنسوني من الدعاء، فاني صرت محتاجا، كفقرائكم علي ابوابكم، ومحتاجا الي دعائكم، كصاحب حاجتكم الي ساداتكم [189] .ومما يدل علي بقاء حياتهم في قبورهم، ما دل علي ان الميت بعدما يسال، يفتح له باب الي الجنة، ان كان من اهل الخير، او الي النار ان كان من اهل الشر، وبقاء اللذة والالم ظاهر في بقاء اثر الحياة.وعن عبداللّه بن عمر، قال: قال رسول اللّه(ص): اذا مات احدكم، عرض عليه مقعده بالغدوة والعشي، ان خيرا فخير، وان شرا فشر.وعن ابي هريرة، عن النبي(ص): ان الميت يس ال في قبره عن النبي(ص)، فان اجاب بالحق قيل له: نم نومة العروس، والا فتح له باب الي قبره يكون معذبا الي يوم القيامة [190] .وعن البراء بن عازب، عن النبي(ص)، قال: ياتيه ملكان يجلسانه، ثم ذكر انهما يسالانه، فان

اجاب بحق، فتح له باب الي الجنة، فياتيه من روحها وطيبها، والا يفتح له باب الي النار، فياتيه من حرها وسمومها. الي غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة علي انهم في قبورهم يتلذذون ويتالمون، وهذا من توابع الحياة ولوازمها.وكيف كان، فقد بلغت هذه الاخبار فوق التواتر، وبعد عموم قدرة الفاعل المختار، لا بعد ولا غرابة في مداليلها.وما دل من الكتاب والسنة علي ان الاحياء يكون عند النفخ في الصور، فقد بينا ان المراد: اما الحياة علي النحو المعهود من تلك الاشخاص الخاصة بعينها، او يراد انه يوم البروز والظهور علي عيون الاشهاد.واذا تبين بهذه الاخبار المتواترة، انهم يسمعون ويعقلون ويعرفون من يخاطبهم، صح لنا ان نخاطبهم مخاطبة الاحياء فنلتمس دعاءهم،ونقسم عليهم بالاقسام في ان يكونوا شفعاء لنا في الدنيا وفي يوم القيامة، لان الشفاعة اظهر فرديها انها دعاء خاص، واختصاص الخواص بها باعتبار قبولها.فلو قال قائل لنبي، او وصي، او عبد صالح: اشفع لي، او ادع لي، او اغثني، او اعني (اي بدعائك)، او قال: اقض لي حاجتي، او ارزقني مالا، وادفع الضرر عني، ونحو ذلك، ولا يريد سوي التوسط بالدعاء وسؤال اللّه، لم يكن عليه شيء.وقد وقع كثير من ذلك في كلام الصحابة والتابعين، بل ربما كان هذا التعبير اولي، لدلالته علي قرب منزلة العبد عند مولاه واحترامه، فتكون شهادة له بنبوته، وقرب منزلته.وليس علي من قال للعبد المقرب، او الي الخادم المقرب: اقض حاجتي، (بمعني: اسع لي في قضائها عند مولاك)، باس، بل هو انسب في التواضع الي المولي.واما من قال مثل ذلك معتقدا ان الانبياء والاوصياء بايديهم الامر اصالة، يفعلون ما يشاؤون، فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين.واني قد طفت بشطر من

بلاد المسلمين، وخالطت كثيرا منهم منذ سنين، فلم ار احدا يعتقد ان في الوجود فاعلا مختارا سوي الفاعل المختار العزيز الجبار تبارك وتعالي، وذلك مراد العوام في خطاباتهم، فضلا عن العلماء الاعلام، الا انهم لا يمكنهم كشف الحال، وان كان مقصدهم ذلك علي الاجمال. نسال اللّه واياكم طريق السداد والنجاة من اهوال يوم المعاد.

في الزيارات

في زيارة قبر النبي

روي الدارقطني في «السنن» وغيرها، والبيهقي، وغيرهما من طريق موسي بن هلال العبدي، عن عبداللّه العمري، عن نافع، عن ابن عمر،قال: قال رسول اللّه(ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي.وعن نافع، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعا، عن النبي(ص) انه قال: من جاءني زائرا ليس له حاجة الا زيارتي، كان حقا علي ان اكون له شفيعا يوم القيامة.وعن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعا عن النبي(ص):من حج وزار قبري بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي.وروي عن عائشة ايضا، وعن نافع، عن ابن عمر، عن النبي، قال:من زارني كنت له شهيدا او شفيعا.وعن نافع، عن ابن عمر، عن النبي(ص)، قال: من حج فلم يزرني، فقد جفاني [191] .وعن ابي هريرة مرفوعا، عن النبي(ص)، قال: من زارني بعد موتي، فكانما زارني حيا [192] .وعن انس مرفوعا، عن النبي(ص)، قال: من زارني في المدينة، كنت له شهيدا او شفيعا يوم القيامة [193] .وعن انس مرفوعا عن النبي(ص)، قال: من زارني ميتا كمن زارني حيا، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة.وعن ابن عباس، عن النبي(ص) قال: من زارني في مماتي، كان كمن زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني.وعن علي(ع) مرفوعا، عن النبي(ص): من زار قبري بعد مماتي، فكانما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني.وعن ابن عباس، عن

النبي(ص)، قال: من حج وقصدني في مسجدي، كانت له حجتان مبرورتان.وروي ابن عساكر، عن علي(ع)، قال: من زار قبر رسول اللّه(ص) كان في جوار رسول اللّه(ص).وعن بكر بن عبداللّه مرفوعا، عن النبي(ص)، قال: من اتي المدينة زائرا لي، وجبت له الجنة.وعن كعب الاحبار ان عمر لما فتح بيت المقدس، قال لي: هل لك ان تسير معي الي المدينة نزور قبر النبي(ص)؟ فذهبت معه، فلما دخل بدا بالمسجد، وسلم علي النبي(ص).وفي «الموطا» عن ابن عمر: كان يقف عند قبر النبي(ص)، فيسلم عليه، وعلي ابي بكر، وعمر.وسئل نافع: هل كان ابن عمر يسلم علي قبر النبي(ص)؟! فقال: رايته مائة مرة او اكثر يسلم علي النبي(ص)، وعلي ابي بكر، وعمر.وعن ابن عمر: ان سنة السلام من قبل القبلة.ونقل الدارقطني، عن علي(ع) انه دخل المسجد فسلم علي القبر. وروي عن آل الخطاب، وعن بعض الحفاظ زيارة النبي(ص).وكيف كان، فالروايات في استحباب زيارته وشفاعته لزواره، داخلة في قسم المتواتر، وعمل الصحابة، والتابعين، واهل البيت اجمعين علي ذلك.قال عياض: زيارة قبر رسول اللّه(ص) سنة، اجمع عليها المسلمون. وروي غيره اجماع المسلمين قولا وفعلا علي استحباب زيارته،وصريح بعضها [194] ان شد الرحال اليها لا مانع منه.وفي ما دل علي استحباب التعظيم، وان حرمة الاموات كحرمة الاحياء، كفاية.

في زيارة باقي القبور

قد مر في الاخبار الماضية زيارة الصحابة قبري الشيخين.وروي بريدة عن النبي(ص): اني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها. [195] ولعل السر واللّه اعلم انه في مبدا الاسلام كانت زيارة القبور وتذكار الموتي والقتلي، باعثا علي الجبن عن الجهاد، حتي اذا قوي الاسلام امرهم بها. ونحو ذلك في خبر آخر.وعن ابي هريرة، ان النبي(ص) زار قبر امه، ولم يستغفر لها، قال: امرت بالزيارة، ونهيت عن الاستغفار،

فزوروا القبور، فانها تذكر الموت [196] .وعن بريدة ان النبي(ص) كان اذا خرج الي المقابر، قال: «السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين»، رواه مسلم. [197] وعن عائشة ان النبي(ص) كان يخرج الي البقيع آخر الليل، فيقول: السلام عليكم... (الخبر)، رواه مسلم [198] .وكيف كان، فالاخبار متظافرة علي زيارة القبور، ولا حاجة لنقل جميعها. وفي ما ورد من ان حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا دلالة علي ذلك، وزيارة النبي(ص)، والصحابة لقبور الشهداء اوضح من الشمس في رابعة النهار.

في التبرك بالقبور ونحوها

اختلف العلماء من اهل السنة والجماعة في جواز التبرك بالقبور، فمنهم: من اجازه علي كراهة:قال النووي: لا يجوز ان يطاف بقبر النبي(ص)، ويكره الصاق البطن والظهر به. قال: ويكره مسه باليد وتقبيله، بل الادب ان يبعد عنه، كمالو حضر في حياته.وكلامه ظاهر في ان المس ابعد من التعظيم، وشبهة العبودية.وذكر ابن عساكر في «تحفه»، عن ابن عمر انه كان يكره مس قبر النبي(ص).ويظهر من بعضهم ندبه واستحبابه:نقل عبداللّه بن احمد بن حنبل في كتاب «العلل والسؤالات»، قال: سالت ابي عن الرجل يمس منبر رسول اللّه(ص)، يتبرك بمسه وتقبيله،ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثواب اللّه تعالي، فقال: لا باس به.وعن اسماعيل ان ابن المنكدر [199] يصيبه الصمات، فكان يقوم ويضع خده علي قبر النبي(ص)، فعوتب في ذلك، فقال: يستشفي بقبر النبي(ص). والاستشفاء اعظم من التبرك.ونقل عن ابن ابي الضيف، والمحب الطبري، جواز تقبيل قبور الصالحين، وظاهره الندب.وفي رواية عن ابن حنبل: اني لا اعرف التمسح بالقبر، اما المنبر فنعم، لما روي ان ابن عمر كان يفعله.ونقل عن مالك التبرك بالمنبر.وروي عن يحيي بن سعيد شيخ مالك انه حينما اراد الخروج الي العراق، جاء الي المنبر، وتمسح به.وقال السبكي: منع

التمسح بالقبر ليس مما قام الاجماع عليه، واستدل بما رواه يحيي بن الحسن، عن عمربن خالد، عن ابي نباته، عن كثيربن يزيد، عن المطلب بن عبداللّه، قال: اقبل مروان بن الحكم، فاذا رجل ملتزم القبر، فاخذ مروان برقبته وقال: ما تصنع؟! فقال: اني لم آت الحجر ولا اللبن، انما جئت رسول اللّه(ص). وذكر رواية احمد، قال: وكان الرجل ابا ايوب الانصاري.ونقل هذه الرواية احمد، وزاد فيها: انه قال: سمعت رسول اللّه يقول: لا تبكوا علي الدين اذا وليه اهله، ولكن ابكوا عليه اذا وليه غيراهله.وعن ابي الدرداء ان بلالا راي النبي(ص) في المنام، فقال له: ما هذه الجفوة يا بلال، اما لك ان تزورني؟! فانتبه حزينا خائفا، فركب راحلته،وقصد المدينة، فاتي قبر النبي(ص) فجعل يبكي عنده، ويمرغ وجهه عليه، الي ان ذكر حضور الحسنين وبكاء اهل المدينة، واذان بلال،قال: فما رئي اكثر باكيا ولا باكية بعد رسول اللّه(ص) من ذلك اليوم.وذكر ابن حملة ان بلالا وضع خديه علي القبر، وان ابن عمر كان يضع يده اليمني عليه.ونقل عن مالك، والزعفراني تحريمه، وهو الظاهر من كلام انس بن مالك، حيث قال: ما كنا نعرفه.وكيف كان، كيف يدعي المس والتبرك عبادة مع انه ابعد عن التعظيم؟ وقضية الذم علي عبادة يعقوق ويغوث ونسر، ليس من جهة التبرك، كما نص عليه المفسرون [200] ، حيث قالوا:تبركت الاباء فانتهي الامر الي عبادة الابناء، فوقع الذم علي الابناء.وتحقيق الحال، ان التقبيل علي انحاء:منها: تقبيل المحبة، لان من احب شخصا احب مكانه، وثيابه، وداره، ومزاره، فلا يكون تقبيل الاعتاب، والجدران، والابواب الا كتقبيل بعض ثياب الاحباب، فهو من قبيل قوله:امر علي الديار ديار ليلي اقبل ذا الجدار وذا الجدارا وما حب

الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا وسئل رسول اللّه(ص) عن تقبيل اليد، فنهي عن ذلك، الا في تقبيل يد الزوجة للشهوة، ويد الولد للمحبة.وعن علي(ع) انه قال: قال رسول اللّه(ص) بعد فتح خيبر: لولا ان تقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالا، لا تمر علي ملا من المسلمين الا اخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك انك مني وانامنك [201] .وروي عن علي(ع) انه قال: قدم علينا اعرابي بعد دفن النبي(ص) بثلاثة ايام، فرمي بنفسه علي القبر، وحثا من ترابه علي راسه.وعلي كل حال، فالذي يظهر بعد تحقيق النظر ان التقبيل للمحبة من قبيل تقبيل الوالد لولده [202] ، والارحام بعضهم لبعض، فلو قبل بعضهم جدران بعض، او ثياب بعض، او مكان بعض، حبا وارادة، لا تعظيما ولا عبادة، فليس فيه باس.واما قصد التعظيم والاكرام، فليس فيه خروج عن ملة الاسلام، قصاري ما هناك انه عده بعض العلماء من الاثام، فليس علي الفاعل عن دليل في الرد عليه من سبيل. واما من فعل مشرعا فهو عاص لربه، حتي يتوب عن ذنبه.ولقد نقل عن بعض امراء دار السلام (بغداد) انه وشي بعض الوشاة علي جماعة انهم يق بلون اعتاب الاولياء، فقال: سبحان اللّه، في كل يوم تقبلون جلد الميتة (يعني الفروة التي هو لابسها)، ولا تقبلون اعتاب ابواب الاولياء.وعلي اي تقدير، فالغرض انما هو نفي التكفير. ونسبة فعل هؤلاء الي فعل عبدة الاصنام خروج عن الانصاف في هذا المقام، لان الذاهبين الي الجواز منا انما اخذوا عن الدليل، لا لمجرد الاختراع والابتداع، فان اشتبهوا عذروا واجروا.فمن قبل الحجر الاسود، والركن اليماني، او

باقي الاركان، او مسها، او لزم المستجار، فقد تبرك بتلك الاحجار، لانها بامر من العزيز الجبار،ولو اخطا الامر، كان مثابا.ومن طاف بين المروتين، عملا بالكتاب وسنة سيد الثقلين، لم يكن عليه مؤاخذة في البين.وطوائف المسلمين باجمعهم لا يتبرك منهم احد بقبر او غيره، الا بزعم انه مامور من اللّه، ومن تبرك قاصدا للعبادة، فهو خارج عن ربقة المسلمين.ومن البين المعلوم انه لو امر المولي عبده بالتبرك بثياب عبده المقرب، او مكانه، او قبره، فامتثل، كان مطيعا لمولاه، لا للعبد الذي قربه وادناه.فاقسمت عليك بمن جمع بيننا في كلمة الاسلام، والف بين قلوبنا في هذه الايام، ان تنفرد عن الاصحاب اذا ورد عليك الكتاب، وتري نفسك كانك الان خلقت من تراب، وتبذل الجهد في تمييز الخطا من الصواب، فانه واللّه [203] لا حاجة بنا الا اليه، ولا اعتماد لنا الاعليه.وليس لنا مع الانبياء والاولياء قرابة نسب، ولا لهم علينا ما نخاف منه الطلب، وانما عظ مناهم لامر اللّه، واخذنا باقوالهم عملا بقول رسول اللّه، وما ابري ء نفسي، ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي.وكشف الحال علي وجه يدفع ما قيل او يقال: ان التواضع والتبرك والاكرام والاحترام لما هو معظم عند الملك العلام من تعظيم اللّه، كماان قرآنه، وبيته، ومساجده لانتسابها اليه، احترام له تبارك وتعالي. فمن عظم عيسي ومريم وعزير لعبوديتهم، وقرب منزلتهم، فهو معظم للّه.كما ان من عظم بيت السلطان وعبيده وغلمانه واتباعه من حيث التبعية، يكون معظما للسلطان. واما من وجدها قابلة للتعظيم، واهلا له من حيث ذاتها لا لاجل العبودية والتابعية، وان كان غرضه التقريب زلفي، انما يكون معظما لها، لا للسلطان.واني منذ ثلاثين حجة انظر في حال طوائف المسلمين،

محقيهم ومبطليهم، فلم اجد احدا يعظم كتابا، او نبيا، او مكانا، او عبدا صالحا من غير قصد قربة من اللّه، او انتسابه اليه، فقد ظهر ان هذا كله من باب طاعة اللّه وتعظيمه.واما عبدة الاصنام والعباد الصالحين، فانما ارادوا عبادتهم حق العبادة، كان يصلوا لهم، ويصوموا، ويكون ذلك لاستحقاقهم بربوبيتهم في انفسهم، او للتقريب زلفي، فهي عبادة حقيقية علي الوجهين.وعلي كل من الاحتمالين علي اني ذكرت مكررا انهم عاندوا الرسل، وكذبوهم، واستهزاوا بهم، وقالوا ايضا: لا طاقة لنا بعبادة اللّه، وانمانعبد الاصنام لان عبادتهم مقدورة لنا، وهم يقربونا الي اللّه زلفي، ولقد نقلت رواية مشتملة علي ذلك المعني في مقام آخر. فالفرق بين الامرين اوضح مما يري راي العين.فبحق من شق لك السمع والبصر، وسلطك علي طوائف من الاعراب والحضر، ان توجه ذهنك الوقاد، وفكرك النقاد، صافيا عن ملاحظة العصبية والعناد، وتجعل مناظرتنا كانها حين حلولنا في المقابر، وانصرافنا عن مرارة الدنيا، طالبين للنعيم الفاخر، وحضورنا يوم فصل القضاء بين يدي جبار الارض والسماء، وكان الملائكة بيننا شهود، وقد حضرنا في اليوم الموعود، وقد فارقنا الاموال والاولاد، وانقطعناالي رب العباد.اللهم اجمع بيننا بالحق، واعصمنا عن الميل الي رضا الخلق.

في بناء قبور الانبياء والاولياء وتعميرها وتعلية بنائها وتشييد اركانها

لا يخفي علي من امعن النظر، وتتبع الاثار والسير، ان الازمنة مختلفة الاحوال بالنسبة الي جميع الاقوال والافعال، فرب شيء كان في قديم الزمان في اعلي مراتب الاستحسان، فانعكس وصار ادني ما يكون او كان.وحيث ان الشارع حكيم، وبالعباد رحيم، يراعي احوالهم، ففي مبدا الاسلام لما كان المعاش ضيقا، والاسعار متصاعدة في الم آكل والملابس، حافظ النبي(ص)، والصحابة في ايامهم علي الم آكل الجشبة، والملابس الخشنة او الخلقة، لئلا تنكسر قلوب الفقراء، ولتطيب نفوسهم، فانهم اذا

راوا سيد الجميع لابسا رث اللباس، وآكلا ادني الماكول، استقرت نفوسهم، واطمئنت قلوبهم، وارتفعت كدورتهم.ثم لما توسعت احوال الناس، وقوي الاسلام، ورخصت الاسعار، استعمل الاكثر من الخلفاء احسن الملبوس، واكلوا اطيب الماكول، وهذاالتعليل مستفاد من الاخبار ايضا.وكذلك نقول في امر بناء المساجد والحضرات، فانهم كانوا لا يرفعون البناء، ولا يزينون الدور، لما بهم من القصور، فاذا كانت بيوت اللّه،وبيوت انبيائه لم يرفع بناؤها طابت نفوس الفقراء، واطمئنت قلوبهم.واما في مثل هذه الايام ونحوها، حيث ارتفع بناء الدور، فلا وجه لجعل بيوت اللّه اخفض منها، ومن يرضي بتعلية بيوت الخلق علي بيوت الخالق مع ان في تعليتها تعظيما لشعائر اللّه، وهي البيوت التي اذن اللّه ان ترفع ويذكر فيها اسمه.والقباب منها، لانها جعلت للعبادة، وليس في بناء القباب تجديد قبر، لان القبر باق علي حاله لم يجدد، وانما وضع اساس القبة بعيدا عنه،ليكون فيها علامة علي المزار الذي ندب الي زيارته العزيز الجبار، ولتكون ظلالا للزائرين، فلا تدخل في باب التجديد اصلا، وكذاصندوق الخشب، فانه اجنبي عن القبر لا دخل له به.وعلي كل حال، فاصل وضع البناء لهذه المقاصد الجليلة ليس فيه باس اصلا، ولو تركت العلامات ما امكن التوصل الي زيارة اكثرالاموات لاندراس آثارهم، فوضع هذا للتمكن من ادراك فضيلة زيارة القبور، وكلما كان الشاهد احكم، كانت دلالته علي المشعر ادوم.واما قضية الزينة، فقد روي عن علي(ع) ان بعض الصحابة اشاروا علي عمر ان ياخذ زينة الكعبة ليقوي بها جيوش المسلمين، فقال له علي(ع): ان الاموال قسمها النبي(ص) علي الفقراء، وكانت في ذلك اليوم الحلي موجودة ولم يقسمها، فلا تخالف وضع رسول اللّه(ص)،فقال عمر رضي اللّه عنه:«لولاك افتضحنا»، وابقي الحلي علي حالها.والاصل في بناء القباب

وتعميرها، ما رواه البناني (واعظ اهل الحجاز) عن جعفر ابن محمد، عن ابيه، عن جده الحسين، عن ابيه علي ان رسول اللّه(ص) قال له: واللّه لتقتلن في ارض العراق، وتدفن بها. فقلت: يا رسول اللّه، ما لمن زار قبورنا وعم رها وتعاهدها؟ فقال لي: يا اباالحسن، ان اللّه جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة، وان اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن اليكم، ويعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها، تقربا الي اللّه تعالي، ومودة منهم لرسوله. يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها، فكانما اعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الاسلام، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته امه.ونقل نحو ذلك ايضا في حديثين معتبرين: نقل احدهما الوزير السعيد بسند، وثانيهما بسند آخر غير ذلك السند، ورواه ايضا محمدبن علي بن الفضل.فبعد دلالة هذه الاخبار علي تعمير القباب، واستمرار طريقة الاصحاب، مع انها داخلة في المواضع المعدة للطاعات، كالمساجد، والمدارس، والرباطات، مع ان فيها تعظيما لشعائر الاسلام، وارغاما لمنكري دين النبي عليه الصلاة والسلام.وبعد ان بينا ان الحكم والمصالح تختلف باختلاف الاوقات، وذكرنا اعتضاد ذلك بالروايات، لم يبق بحث من جميع الجهات.وعلي تقدير ثبوت الخطا في هذا الباب، لا يلزم علي المخط ي تكفير ولا عصيان، بل ربما يثاب، لان الخالي من التقصير، وان اتصف بالقصور، معذور كل العذر، بل هو ماجور.فيا اخي، لا تعارض المسلمين في ما هم عليه ان لم تركن الي ما ركنوا اليه، واحملهم علي المحامل الحسان، فانا هكذا امرنا بحمل الاخوان. وفقنا اللّه واياكم، وهدانا وهداكم، واللّه ولي التوفيق.وحيث انتهي ما اردنا ذكره، واحببنا رسمه وسطره، علي غاية

من السرعة والاستعجال، وعدم التمكن لاستيفاء كثير مما يناسب هذاالمجال، والاستقصاء لما في كتب الاخبار والاستدلال، احببنا ان نضيف الي ذلك:

كشف الجواب عما تضمنه ذلك الكتاب

من الانكار علي اكثر المسلمين في جميع الاقطار [204] .اقول: ان اريد بدعوة غير اللّه والاستغاثة اسناد الامر الي المخلوق علي انه الفاعل المختار الذي تنتهي اليه المنافع والمضار، فذلك من اقوال الكفار. والمسلمون بجملتهم براء من هذه المقالة ومن قائلها، وما اظن ان احدا ممن في بلاد المسلمين يري هذا الراي، ولا سمعناه من احد الي يومنا هذا.وان اريد ان المدعو والمستغاث به له اختيار وتصرف في امر اللّه تعالي، فيحكم علي اللّه، فهذا اشد كفرا من الاول.وان اريد دعاؤه والاستغاثة به للدعاء والشفاعة، او من التصرف في العبارة، كما تقول: يا رحمة اللّه، ويا بيت اللّه، ويا عبد اللّه، ولا تريدالانداء اللّه ودعاءه، واستغاثته، فهذا من اعظم الطاعات، وفيه محافظة علي الاداب من كل الجهات.وكون الدعاء عبادة انما يجري في قسم منه، وهو الطلب من الخالق المدبر الذي جل شانه عن الاشباه والنظائر. ولو جعلت كل دعاء عبادة،للزم ان دعاء زيد لاصلاح بعض الامور، او دفع بعض المحذور، وطلب الافعال، كلها من قبيل الكفر.فالسؤال، والازواج، والعبيد، والخدام في طلب الم آكل والملابس مربوبون، ومقابلوهم ارباب، فيكون ذلك مكفرا، وان اقررت بالتخصيص خصصناه بما ذكرناه.وبيانه: ان لفظ «الدعاء» لا يراد به المعني اللغوي، والا لكفر جميع الخلق، فالمراد دعاء العبودية والمربوبية، كمن دعا الاصنام اوالصالحين، مع اعتقاد ربوبيتهم، وقصد عبوديتهم، مكتفين بها عن عبادة اللّه، او مشركين اولئك مع اللّه لقصد وصول النفع اليهم منهم،وليقربوا الي اللّه زلفي.واما ما ذكرته من النذر لغير اللّه تعالي والذبح لغير اللّه، وهذا ايضا ان اريد انهم

يذبحون مهلين باسم غير اللّه، او ينذرون تعبدا لغير اللّه. فذلك لم يصدر من احد من المسلمين، وكل من فعل ذلك، فهم منه براء، سواء كان ذلك عبادة لغير اللّه، او كان لاجل ان يقرب الي اللّه.واما لو كان من باب اهداء ثواب المذبوح والمنحور والمنذور الي اولياء اللّه وعباده الصالحين، فهو من اعظم الطاعات، وافضل القربات،وقد بينا ذلك في بعض المقامات.قولك: ان ذلك حقيقة دين المشركين اعداء رسل رب العالمين، كقوم نوح وعاد وثمود، وقوم ابراهيم، فاخبر اللّه عنهم بذلك في كتابه المبين، حيث يقول، وهو اصدق القائلين:(ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه) (يونس: 18)،فاخبر اللّه انهم ما عبدوهم الا ليقربوهم الي اللّه زلفي، وقال سبحانه وتعالي: (ما نعبدهم الا ليقربونا الي اللّه زلفي) (الزمر: 3).فتامل كيف اخبر اللّه سبحانه عنهم انهم ما قصدوا بعبادتهم غير اللّه الا التقرب الي اللّه والشفاعة عنده، والا فهم مقرون ان اللّه هو المدبر لامرهذا العالم العلوي والسفلي، كما اخبر اللّه عنهم انهم اقروا بذلك، قال اللّه تعالي: (قل من يرزقكم من السماء والارض امن يملك السمع والبصر ومن ي خرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون اللّه فقل افلا تتقون) (يونس: 31).اقول: ان لكل حق حقيقة، وعلي كل صواب نورا، ان عبدة غير اللّه قد اتخذوا آلهة دون اللّه تعالي او مع اللّه، وجعلوا لهم اندادا وامثالا للّه، قال اللّه تعالي: (اتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا) (المائدة: 76)، وقال: (فلا تجعلوا للّه اندادا) (البقرة: 22)، وقال: (وجعلواللّه شركاء الجن) (الانعام: 100)، وقال: (لقد كفر الذين قالوا ان اللّه

ثالث ثلاثة) (المائدة: 73)، وقال: (يا عيسي بن مريم اانت قلت للناس اتخذوني و امي ال هين من دون اللّه) (المائدة: 116)، وقال: (ائنكم لتشهدون ان مع اللّه آلهة اخري) (الانعام: 19)، وقال: (لقد كفر الذين قالوا ان اللّه هو المسيح بن مريم) (المائدة: 17).ثم المذمة لم تكن علي اعتقاد الشفاعة، او التقرب زلفي، بل علي العبادة بهذا القصد، والمراد بالعبادة اعمال خاصة كما بيناه.وقولك: «ان ذلك حقيقة دين المشركين، كقوم نوح وعاد وثمود»، كيف ذلك؟ وقد اخبر اللّه عنهم بقوله: (الم ياتكم نبا الذين من قبلكم قو م نوح وعاد وثمود) الي قوله: (فردوا ايديهم في افواههم وقالوا انا كفرنا بما ارسلتم به) (ابراهيم: 9)، واخبر عن قوم عاد انهم قالوا لهود: (ومانحن بتاركي آلهتنا عن قولك) (هود: 53)، وعن قوم صالح انهم قالوا له: (اتنهانا ان نعبد ما يعبد آباؤنا) (هود: 62)، وعن قوم شعيب انهم قالوا له:(اصلاتك تامرك ان نترك ما يعبد آباؤنا) (هود: 78)، وعن قوم ابراهيم انهم كذبوا الرسل.فهؤلاء الطوائف بصريح القرآن كذبوا الرسل، وردوا قولهم، وعاندوهم، فلو كانوا مقرين لكانوا كفارا لكفر العناد ككفر ابليس.فيا اخي، اقسمت عليك بمن خلقنا من تراب، ثم اودعنا الاصلاب ان تترك الجدال، وتتامل في حقيقة الحال، كيف تشبه اعمال المسلمين باعمال عبدة الاصنام وغيرها مع انهم انكروا نبوة الانبياء، وردوا عليهم بعد ان امروهم، ولم يسمعوا لهم قولا، ولا قبلوا لهم فعلا.ثم انهم عبدوا طواغيتهم بالعبادة الحقيقية، لاعتقاد ان لهم تصرفا في الاكوان، او في ارضاء الملك الديان، والا لم يذمهم الرحمن، ولا انكرعليهم كل فعل كان.ثم تعللوا بانا لا نقدر علي عبادة اللّه سبحانه، فنعبدهم ونكتفي بعبادتهم وهم يقربونا، كما اوردنا بذلك

بعض الروايات في بعض المقامات.وعلي كل حال، لا يتامل مسلم في ان العبادة الحقيقة من الصلاة والصيام وغيرهما لا تكون لغير اللّه، فان كان التصدق عن الاولياء والذبح لهم والنذر لهم عبادة، فنحن عبيد آبائنا وامهاتنا وامواتنا الذين نتصدق عنهم، او ننذر لهم، ونذبح لهم.وان كان طلب الدعاء منهم وندبتهم علي الدعاء والشفاعة كفرا، فعلي الاسلام السلام، فانه ليس في الوجود احد لا يلتمس الدعاء من اخوانه، او يستغيث بهم في طلب نجاته، وان دعاء المؤمن للمؤمن اسرع للاجابة لانه دعاء بلسان لم يعص به.فيا اخي، المقاصد متفاوتة، وانما الاعمال بالنيات، ولكل امري ما نوي [205] ، فرب كلمة ظاهرها الاسلام، تصير بالنية كلمة كفر،وبالعكس.واما قولك: فان الذي يفعل عندنا في مشهد علي رضي اللّه عنه من دعوة، واستغاثة، ورجاء، وخوف، وخشية. انه ليس بعبادة، فانهم ماقصدوا بدعوتهم عليا وغيره الا ليشفع لهم عند اللّه.فان قلت: اولئك يدعون الاصنام، ونحن لا ندعو الا الصالحين.قلنا: وكذلك المشركون منهم يدعون الصالحين ويعبدونهم مع اللّه، كعيسي ومريم والملائكة.فان قلتم: ان الدعوة لا تسمي عبادة.قلنا: بل هي عبادة واي عبادة، ففي الحديث عن رسول اللّه(ص): الدعاء هو العبادة. ويلي قوله تعالي: (ادعوني استجب لكم) (غافر: 60).واصل دين الاسلام هو اخلاص العبادة بجميع انواعها من الذبح، والدعوة، والنذر، والتوكل، والخشية، والرغبة، والانابة، ولا يقبل اللّه من الاعمال الا ما اجتمع فيه شرطان:الاول: الا يعبد الا اللّه وحده.الثاني: الا يعبد الا بما شرع علي لسان رسوله، كما قال اللّه تعالي: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا)(الكهف: 110).اقول: ان كان المدار علي الصور دون الحقائق، فسجود الملائكة لادم، وسجود يعقوب ليوسف، قاض بانهما عبدا غير

اللّه.وان قلت: بان تعلق ارادة الشرع دفعت المنع. فقد اوردنا من الاخبار وكلام الصحابة ما يفيد عدم المنع، من امثال الصور التي ذكرت.ثم باللّه عليك انصف، ما الفرق بين قول الصديق لصاحبه في السجن: (اذكرن ي عند ربك) (يوسف: 42) وبين قولنا لرسول اللّه(ص):«اذكرني عند ربك».ثم كيف باستغاثة ولي موسي [206] ولم يحكم عليه بالكفر؟! ثم كيف باستطعام موسي والخضر اهل القرية؟ [207] ثم كيف يقول اصحاب موسي: (لن نصبر علي طعام واحد فادع لنا ربك) (البقرة: 61)، ثم ما معني قول الاسباط ليعقوب: (استغفر لنا ذنوبنا) فقال:(سوف استغفرلك م ربي) (يوسف: 97 و 98)؟! وعلي كل حال، ان اريدت الحقائق في الاستغاثات والدعوات وغيرها، ففي ذلك خروج عن طريقة الاسلام، والا فلا باس، والا للزم الايخرج من الكفر احد من العالم، ولا يمكنك واللّه ولا يسعك الا ان تقول: انما يراد دعاء خاص، واستغاثة خاصة، ونحو ذلك، فيرتفع المحذور.واما من قصد حقيقة العبادة مع غير اللّه، ليتقرب الي اللّه زلفي، او لغير ذلك، فهو خارج عن ربقة الاسلام.وما ذكرتم من انا نفرق بين الصالحين وغيرهم، فمعاذ اللّه ان نفرق بين من يعبد موسي او محمدا(ص)، او يناديهم ويدعوهم، او يستغيث بهم احياء وامواتا، ويلجا اليهم علي ان لهم الامر او ليقربوه زلفي، وبين من يعبد فرعون، وهامان، وابليس. اين النفوس المقرونة بالابدان التي تتغير من ادني حوادث الزمان، ولا زالت موردا للامراض، ومحلا للاغراض، لا تدفع شيئا من حوادث الدهور، وليس لها في كل الامور من امر من رتبة المعبود ومن لا يصلح لغيره الركوع والسجود، انما هم عبيد زادت علينا عبوديتهم،وخدام سبقت خدمتنا خدمتهم؟ فان امرنا بتقبيل بنائهم، او تعظيم ابنائهم، او التماس

دعائهم، فعلنا امتثالا لامر ربنا، كما صنعنا ذلك في احجار الكعبة واركانها. وان نهاناتركنا، اذ لا خوف الا من اللّه، ولا رجاء الا له.واما قولك: انه قد ورد في الحديث عن الصادق الصدوق، قال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليهابالنواجذ، واياكم ومحدثات الامور، فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» [208] .وفي الحديث الثاني، قال: «افترقت اليهود والنصاري عن اثنين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الامة عن ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار الاواحدة». وسئل عن الواحدة، فقال: «ما انا عليه اليوم واصحابي» [209] .اقول: اللهم اني رضيت بسن ة الخلفاء الراشدين حكما، وما عليه اصحاب محمد متمسكا وملتزما، فاحل ما احلوه، وافعل ما فعلوه. وهذه اقوالهم وسيرتهم في هذه الرسالة اوضحتها، فلا ازيغ عنها، ولا ابعد مسافة منها، فتتبع ما رويت من اخبارهم، وما نقلت من آثارهم، رزقني اللّه واياكم حلاوة الانصاف، وجنبنا مرارة الجدال والاعتساف.واما قولك: «فلا تغتر بالكثرة وهذا الثابت عن نبيك، واللّه يقول:(وقليل من عبادي الشكور) (سبا: 13)، وقال: (ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل اللّه) (الانعام: 116). وفي الحديث:ان بعث الجنة من الالف واحد، فانت اختر لنفسك، والمهدي من هداه اللّه».اقول: يا اخي، الوصية مشتركة بيني، وبينك، فالذي علي الا تاخذني حمية الاباء والاجداد، وحب الطريقة المانوسة بين العباد، بل انظربعين البصيرة واخلاص السريرة.واما انت، فاني اخشي عليك من حب الانفراد، حتي لا تكون كبعض الاحاد، فان الاصابع لم تزل ممدودة الي من ركب جادة غير معهودة،وقد ورد في المثل: «خالف تعرف».ثم اني واللّه اخشي عليك من جهة انك كنت خالي البال، بعيدا عن هذه المحال، فوردت عليك شبهات لم تستطع ردها، وخيالات لم تبلغ

حدها، فكان الحال كما قال: «صادف قلبا خاليا فتمكنا». [210] . واما اليوم، فليس لك عند اللّه عذر، فقد علمت بالاخبار، وسمعت بطريقة الخلفاء الابرار، فاجد نظرك، واستعمل فكرك، واخلع عن نفسك ربقة التقليد، واطلب من ربك التاييد والتسديد.ثم ما ذكرت انما يدل علي ان الحق مع القليل من المكلفين لا من المسلمين، فان اكثر اهل الارض كفار، من يهود، ونصاري، ومشركين،وجاحدين، وغيرهم، حتي ان نسبة اقليم المسلمين الي سائر الاقاليم اقل قليل.فنحن نقول بان من اطاع اكثر الخلق ضال، لان اكثر الناس من اهل الكفر والضلال، وان الشكور قليل، وان بعث اهل الجنة من الالف واحد،ولو استندت في هذا الي حديث الفرق، فوحدة الفرقة لا تنافي زيادة افرادها علي الف فرقة.والحق انه لا ملازمة بين القلة والكثرة، وبين الحق والباطل، فكم من قليل هدي الي الصواب، وكثير حل عليه المؤاخذة والعقاب، وكم قدانعكس الامر في هذا الباب، والمدار علي طلب العصمة والنجاة من رب الارباب، ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم.تمت علي يد اقل العباد عملا، واكثرهم زللا، محمد قاسم ابن شيخ محمدبن حمزة الدلبزي في سنة الف ومائتين وعشرة.

پاورقي

[1] كانت امارة آل سعود لا تتعدي البلدتين، او الثلاثة، في زمن ابيه سعود بن محمد بن مقرن. وقد اتسعت الفتوحات بعد تولي محمد بن سعود الزعامة سنة 1139 ه_ 1727م.

[2] طبع كتاب «العبقات العنبرية للمرة الاولي محققا سنة 1998م.

[3] انتدب كاشف الغطاء الصدر الاعظم محمد حسين خان (وزير فتح علي شاه) ببناء سور محصن للمدينة، وفعلا فقد بدا العمل ببنائه سنة 1218 ه_ 1803م، واستمر العمل فيه ما يقارب العقد من الزمن، فاصبحت النجف بسببه بلدة محصنة يصعب اقتحامها، حيث تضمن

خندقا عميقا، وابراجا، ومراصد، ومخافر، وجعلت في طبقاته منافذ مختلفة لوضع فوهات المدافع والبنادق.

[4] عبد العزيز محمد بن سعود (امير آل سعود في دولتهم الاولي)، ولد سنة 1132 ه 1720م، وولي بعد وفاة ابيه عام 1179 ه 1765م، وكانت عاصمة حكمه الدرعية بنجد، واتسعت الفتوحات في ايامه، وامتد ملكه من شواط ي الفرات الي راس الخيمة وعمان، ومن الخليج الفارسي الي اطراف الحجاز وعسير. اغتاله رجل من اهل العمادية، من ديار الجزيرة، في جامع الدرعية، سنة 1218 ه 1803م. الاعلام للزركلي، ج 4، ص 27.

[5] في المطبوع: سواه.

[6] لا توجد في المخطوطة.

[7] ابو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، توفي سنة 57 ه 677 م في المدينة.

[8] سنن الترمذي (كتاب المناقب) حديث 3548 صحيح مسلم (كتاب الفضائل)، حديث 4223مسند احمد (باقي مسند المكثرين)، حديث 10549 سنن ابن ماجه، (كتاب الزهد)، باب 37 سنن الدارمي، المقدمة، باب 8.

[9] ابو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الخدري الانصاري، توفي في المدينة سنة 74 ه 693م، وهو من الصحابة، ورتبهم اسمي مراتب العدالة والتوثيق. [

[10] سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3701، 3714 ابن ماجة (المقدمة)، حديث 115مسند احمد (باقي مسند المكثرين)، حديث 10576، 11166، 11192،11351. ورواه ايضا في (باقي مسند الانصار)، حديث 22240، 22241.

[11] سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3597، 3599. ومثله حديث 3598 سنن ابن ماجه (المقدمة)، حديث 92، 97مسند احمد بن حنبل (مسند العشرة المبشرين بالجنة)، حديث 568.

[12] سنن الترمذي، حديث 3828.

[13] حلية الاولياء، ج 1، ص 66.

[14] البخاري (كتاب المناقب-، حديث 3357، 3463. وكذلك رواه في (كتاب الصلح، حديث 2505والترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3706.

[15] عائشة بنت ابي بكر التيمية، ام المؤمنين، توفيت في المدينة سنة 58 ه 678م.

[16] صحيح البخاري

(كتاب المناقب)، حديث 3353 صحيح مسلم (فضائل الصحابة)، حديث 4486، 4488الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3807 سنن ابن ماجه (ماجاء في الجنائز)، حديث 1610مسند احمد (باقي مسند الانصار)، حديث 23343 ، 24829، 25210.

[17] جابر بن عبداللّه بن عمرو الانصاري، صحابي، اقام في المدينة، وتوفي فيها سنة 78 ه 697م.

[18] صحيح البخاري (باب مناقب بلال بن رياح)، ج 4، ص 217 ، حديث 3471 سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 3589.

[19] صحيح مسلم (باب فضائل سلمان، وصهيب، وبلال)، ج 4، ص 1947.

[20] سنن ابي داود (كتاب الادب)، حديث 4172 ومسند احمد (مسند المدنيين)، حديث 15717، 15726. وجاء فيه: «انت سيد قريش، فقال النبي (ص): السيد اللّه».

[21] اشارة الي قول يوسف (ع): (قال معاذ اللّه انه ربي احسن مثواي) (يوسف: 23) وقوله ايضا: (فلما جاءه الرسول قال ارجع الي ربك فاساله ما بال النسوة التي قطعن ايديهن) (يوسف: 50).

[22] عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه (ص): «يا عائشة، لولا ان قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة، فالزقتها بالارض . صحيح مسلم (كتاب الحج)، حديث 2370البخاري (كتاب العلم)، حديث 123وكذلك رواه في (كتاب الحج): حديث عهدهم بالجاهلية، حديث 1480، 1483.

[23] سنن الترمذي (كتاب النذور والايمان)، حديث 1455.

[24] صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن)، حديث 4472 صحيح مسلم (كتاب الجنة وصفة نعيمها واهلها)، حديث 5082.

[25] صحيح البخاري (كتاب التوحيد)، حديث 6895 صحيح الترمذي (كتاب صفة الجنة)، حديث 2480، 2484.

[26] صحيح البخاري (كتاب المناقب)، حديث 3524 صحيح مسلم (كتاب الاشربة)، حديث 3829، 3830 سنن الترمذي (باب تفسير القرآن)، حديث 3226.

[27] سنن ابي داود (كتاب الادب باب قيام الرجل للرجل)، حديث 5230.

[28] مسند احمد، ج 2، ص 17.

[29] سنن الترمذي (كتاب الادب باب كراهية قيام الرجل) للرجل، حديث 2678.

[30]

سنن ابي داود (كتاب الادب)، حديث 4552 سنن الترمذي (كتاب الادب)، حديث 2679.

[31] المصدر نفسه، حديث 5216.

[32] المصدر نفسه، حديث 5217.

[33] علق العلامة الشيخ قاسم الدلبزي (ناسخ الكتاب) علي هذا الموضوع بقوله: «لقائل ان يقول: ان حديث (جعفر) ليس فيه دلالة علي المطلوب لان قول النبي (ص): «ما ادري بايهما انا اشد فرحا» لا دلالة فيه لاحتمال ان يكون من جمعة الفرح، يعني: ماادري فرحي لقدوم جعفر، او لفتح خيبر، لان مطلوبنا القيام، وهذا لا دلالة فيه علي ان القيام كان من النبي لجعفر من جمعة فرحه بفتح خيبر. وكذلك حديث ابي هريرة، وحديث واثلة، لان قول الاصحاب (قمنا قياما)، حتي قوله: (دخل بيوت بعض ازواجه) لا دلالة فيه علي انهم قائمين هكذا وردت في الاصل آله (ص)، وكذا قوله في حديث واثلة: (فاذا رآه اخوه تزحزح له) لاحتمال ان يكون التزحزح، والتفسح بمعني واحد. والمنكر لا ينكر التفسح .

[34] واثلة بن الاسقع بن كعب، توفي سنة 83 ه 702م بدمشق عن 105 سنين.

[35] سنن البيهقي (كتاب شعب الايمان).

[36] المستدرك، الحاكم، ج 1، ص 384.

[37] وفي نسخة (البندق)، ويقصد بها البنادق.

[38] سنن الترمذي (كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة).

[39] مسند احمد بن حنبل، ج 4، ص 383.

[40] سنن الترمذي، حديث 2165.

[41] اسامة بن شريك الثعلبي الذبياني، كان من الصحابة، سكن الكوفة.

[42] سنن النسائي (كتاب تحريم الدم)، حديث 3957 صحيح مسلم، ج 3، ص 1479.

[43] سنن ابي داود، حديث 4253.

[44] سنن ابن ماجه، حديث 3950.

[45] نهج البلاغة، الخطبة 127.

[46] كنز العمال، المجلد الاول، ص 181، حديث 917.

[47] مستدرك الحاكم، ج 3، ص 150.

[48] صحيح مسلم، حديث 135.

[49] زيد بن ارقم بن زيد بن قيس الانصاري الخزرجي، اقام بالكوفة

ايام المختار، وتوفي فيها سنة 66ه، وقيل: سنة 68 ه 687م.

[50] صحيح مسلم (فضائل الصحابة)، حديث 4425 مسند احمد بن حنبل، (مسند الكوفيين)، حديث 8464 سنن الدارمي (فضائل القرآن)، حديث 3182.

[51] جابر بن عبداللّه الانصاري، توفي سنة 78 ه 697م، عن 94 عاما.

[52] سنن الترمذي (باب مناقب اهل بيت النبي (ص)، حديث 3786.

[53] المصدر نفسه، حديث 3788.

[54] المصدر نفسه، حديث 3662.

[55] جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي، توفي سنة 59 ه 260م.

[56] سنن الترمذي، حديث 3676.

[57] المصدر نفسه، حديث 3682.

[58] المصدر نفسه، حديث 3682.

[59] سنن الترمذي، حديث 3686.

[60] المصدر السابق، حديث 3731.

[61] هو ابن عمرو بن العاص السهمي القرشي، صحابي، اقام في مصر، وتوفي في الطائف سنة 63 ه 683م.

[62] سنن الترمذي، حديث 3801 سنن ابن ماجه (المقدمة)، حديث 152.

[63] المصدر السابق (كتاب المناقب)، حديث 3647.

[64] صحيح مسلم، ج 4، ص 1962.

[65] عرباض بن سارية السلمي الحمصي، صحابي، اقام في الشام، وتوفي سنة 75 ه 694م.

[66] مسند احمد بن حنبل (مسند الشاميين)، حديث 16692، 16694، 16695 سنن الدارمي، (المقدمة)، حديث 95الترمذي (كتاب العلم)، حديث 2600 ابن ماجه المقدمة)، حديث 42، 43.

[67] وفي النسخة المطبوعة ورد الحديث كالاتي: «من مات، ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية . صحيح مسلم (كتاب الامارة)، حديث 3441.

[68] هو الحارث بن الحارث الاشعري، صحابي، اقام في الشام.

[69] مسند احمد بن حنبل (مسند الشاميين)، حديث 16718 (ضمن حديث طويل)، وحديث 17344.

[70] سنن الترمذي (كتاب الايمان)، حديث 2565.

[71] صحيح مسلم، حديث 145.

[72] صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن)، حديث 4464 صحيح مسلم (كتاب الايمان)، حديث 327مسند احمد بن حنبل (باقي مسند المكثرين)، حديث 10892.

[73] في صحيح مسلم ورد اسم عبداللّه بن عمرو بن العاص.

[74]

صحيح مسلم (كتاب الامارة)، حديث 3550.

[75] في المصادر «انس بن مالك .

[76] مسلم (كتاب الايمان)، حديث 211الترمذي (كتاب الفتن)، حديث 2133مسند احمد (باقي مسند المكثرين)، حديث 11632. وزاد في المصادر كلمة «اللّه» مرة ثانية في نهاية الحديث.

[77] في المطبوع: من حمل راية القدح في المشايخ الكبار.

[78] في نص مخطوطة «العبقات : «لمدائن الشرع ابواب .

[79] في المطبوع زيادة عبارة: «التي هي كخيالات المنام .

[80] في المطبوع: نعمة.

[81] في المطبوع: الانكار للضروري.

[82] الموطا (باب الكلام)، باب (18).

[83] مسند احمد بن حنبل، ج 3، باب 135، 154، 210، 251.

[84] صحيح البخاري (كتاب الاشربة)، حديث 5256 صحيح مسلم (كتاب الايمان)، حديث 86النسائي (كتاب قطع السارق)، حديث 4787.

[85] صحيح مسلم، حديث 107.

[86] المصدر نفسه، حديث 106.

[87] سنن ابي داود (كتاب السنة)، حديث 4مسند احمد بن حنبل (الباب الثاني)، حديث 2، 258، 286.

[88] في المطبوع: يفوت.

[89] صحيح مسلم، ج 1، ص 451.

[90] البيهقي، ج 10، ص 187.

[91] المستدرك، للحاكم، ج 4، ص 217.

[92] صحيح مسلم، ج 1، ص 84.

[93] زيد بن خالد الجهني المدني، ابو عبد الرحم ن، صحابي، اقام بالكوفة، وتوفي في المدينة سنة 68 ه 687م.

[94] صحيح مسلم (باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء).

[95] سنن ابن ماجة، ج 1، ص 209، حديث 639 سنن الترمذي، ج 1، ص 243.

[96] مسند احمد بن حنبل، ج 5، ص 428.

[97] ابن ماجة، ج 2، ص 1406، حديث 4204.

[98] شداد بن اوس بن ثابت الخزرجي، توفي سنة 58 ه 678م عن(75) عاما.

[99] في المطبوع: «وهو يرائي . [

[100] سنن ابن ماجة، ج 1، ص 342.

[101] صحيح مسلم، ج 1، (باب بيان قول النبي (ص): سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ص 81.

[102] صحيح مسلم، ج 1، (باب بيان حال ايمان من قال لاخيه المسلم: يا

كافر) ص 79.

[103] مسند احمد بن حنبل، ج 2، ص 465.

[104] صحيح مسلم، ج 1، ص 53، حديث 36.

[105] النسائي (باب المناسك)، حديث 211.

[106] في المطبوع: «وفقنا اللّه واياكم، وهداك الي الحق المبين .

[107] سنن ابي داود، ج 1، ص 311، حديث 1197 سنن الترمذي، ج 5، ص 665، حديث 3891.

[108] في المطبوع: «المعجزات .

[109] الخرص: الحدس، والكذب والافتراء.

[110] من معتقدات العرب ان الوصيلة من الغنم (وهي الشاة) اذا ولدت انثي فهي لهم، واذا ولدت ذكرا اوقفوه لالهتهم، فان ولدت ذكرا وانثي قالوا: وصلت اخاها، فلم يذبحواالذكر لالهتهم. اما السائبة، فقد كان الرجل اذا نذر القدوم من سفر، او الشفاء من علة، فان ناقته ستكون سائبة (اي لا تستخدم للانتفاع بها، ولا تخلي عن ماء، او تمنع عن مرعي). والحام هو الذكر من الابل اذا انتجت من صلب الفحل عشرة ابطن قال العرب: قد حمي ظهره، فلا يحمل عليه. وقد حرم القرآن هذه المعتقدات، كما ورد في سورة المائدة، آية (103) قوله تعالي: (ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون علي اللّه الكذب واكثرهم لا يعقلون). والبحيرة هي الشاة التي تبحر اذنها (اي تشق) علامة علي تحريم الانتفاع بها.

[111] الحيوان الجلال: هو الذي ياكل العذرة، وقد ورد النهي عن اكل لحمه، وشرب لبنه.

[112] في المطبوع: «للفرق بين الامر والاتباع، والقول بمجرد الاختراع والابتداع .

[113] اوردها احمد بن علي الطبرسي (من علماء القرن الخامس الهجري) في كتاب الاحتجاج، ج 1، (بيروت، 1981)، ص 26.

[114] مسند احمد بن حنبل، ج 3، ص 356 سنن ابي داود، ج 3، ص 99، حديث 2810 سنن الترمذي، ج 4، ص 77، حديث 1505.

[115] سنن ابي داود، ج 3، ص 94، حديث

2790.

[116] مسند احمد بن حنبل، ج 1، ص 150.

[117] صحيح مسلم، ج 2، ص 805، حديث 1149.

[118] سنن ابن ماجة، ج 2، ص 904.

[119] صحيح البخاري، ج 9 (باب الفتن)، حديث 16 سنن الترمذي (كتاب المناقب)، حديث 73.

[120] الاصبغ بن نباتة المجاشعي التميمي الكوفي، توفي اوائل القرن الثاني الهجري.

[121] صحيح البخاري (كتاب المغازي)، حديث 17 (كتاب الجهاد)، حديث 38 صحيح مسلم (كتاب الزكاة)، حديث 121 سنن ابن ماجة (كتاب الفتن)، حديث 18مسنداحمد بن حنبل، الباب الخامس، حديث 48.

[122] صحيح البخاري (كتاب الاعتكاف)، حديث 5، 15، 16 صحيح مسلم (كتاب الايمان)، حديث 27 سنن ابي داود (كتاب الايمان)، حديث 22 سنن الترمذي (كتاب النذور)، حديث 12 ابن ماجة (كتاب الطلاق)، حديث 36.

[123] ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي الانصاري، مات سنة 45 ه 665م.

[124] سنن ابي داود (كتاب الايمان)، حديث 22 سنن ابن ماجة (باب الكفارات)، حديث 18مسند احمد بن حنبل، الباب الاول، حديث 90.

[125] نهج البلاغة، 367.

[126] صحيح البخاري (كتاب الايمان)، حديث 3 سنن ابي داود (كتاب الصلاة)، حديث 1 سنن النسائي (كتاب الصلاة)، حديث 4 سنن الدارمي (كتاب الصلاة)، حديث 208.

[127] وقعة صفين لنصر بن مزاحم، ص 343.

[128] سنن النسائي (كتاب الايمان والنذور)، ج 4، ص 4.

[129] صحيح مسلم (كتاب الايمان)، باب النهي عن الحلف بغير اللّه تعالي، حديث 3.

[130] المصدر نفسه، حديث 6. والطواغي هي الاصنام، ومفردها: طاغية، وكل من طغي وجاوز الحد المعتاد من الشر سمي طاغية.

[131] سنن ابي داود، ج 3، ص 222، حديث 3248 سنن النسائي (كتاب الايمان والنذور)، ج 4، ص 5.

[132] المصدر نفسه، ص 223، حديث 3253.

[133] سنن الترمذي (كتاب النذور)، باب 9 سنن النسائي (كتاب الايمان)، باب 4 ابن ماجة (كتاب الكفارات)، باب

2 سنن الدارمي (كتاب النذور)، باب 6.

[134] سنن الترمذي (كتاب الدعوات)، باب 118 سنن ابن ماجة (كتاب اقامة الصلاة والسنة فيها)، باب 189، حديث 1385. وابن حنيف هو عثمان بن حنيف الانصاري،سكن الكوفة، ومات في خلافة معاوية.

[135] سنن البيهقي، ج 3، ص 326.

[136] المصدر نفسه، ج 4، ص 64.

[137] ) صحيح البخاري (كتاب الجهاد)، باب 109 صحيح مسلم (كتاب الامارة)، باب 23 سنن النسائي (كتاب البيعة)، باب 27 ابن ماجة (المقدمة)، باب 1. وقد رويت(الامام)، (اميري).

[138] مستدرك الحاكم، ج 2، ص 615.

[139] سنن الترمذي (كتاب الدعوات)، باب 119، حديث 3578 سنن ابن ماجة (كتاب اقامة الصلاة)، باب 189، حديث 1385.

[140] سنن ابن ماجة (كتاب اقامة الصلاة)، باب 189، حديث 1385.

[141] كنز العمال، ج 6، ص 189.

[142] صحيح البخاري (كتاب الاستسقاء)، باب 3، و(كتاب فضائل اصحاب النبي)، باب 11.

[143] شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 558.

[144] سنن الدارمي (كتاب الجهاد)، باب 39مسند احمد بن حنبل، ج 1، ص 140 سنن ابن ماجة (المقدمة)، باب 12، حديث 170.

[145] الترمذي، ج 5، ص 607.

[146] صحيح البخاري، ج 4، ص 210 صحيح مسلم، ج 4، ص 1905الترمذي، ج 5، ص 658.

[147] كنز العمال، ج 11، ص 455.

[148] صحيح مسلم (كتاب الصلاة)، باب 11ابي داود (كتاب الصلاة)، باب 36 سنن الترمذي (كتاب المناقب)، باب 1 سنن النسائي (كتاب الاذان)، باب 37مسند احمد بن حنبل (كتاب الثاني)، الباب 168.

[149] البخاري (كتاب الاذان)، باب 8 صحيح مسلم (كتاب الصلاة)، باب 11 سنن ابي داود (كتاب الصلاة)، باب 36.

[150] صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب 19 (من صلي عليه اربعون شفعوا فيه)، حديث 59.

[151] المصدر نفسه، باب 18، حديث 58.

[152] المصدر نفسه (كتاب المساجد ومواضع الصلاة)، باب 5، حديث 3.

[153] المصدر نفسه (كتاب الفضائل)، باب 2

(تفضيل نبينا (ص) علي جميع الخلق)، حديث 2278.

[154] المصدر نفسه (كتاب الايمان)، باب 330.

[155] سنن الدارمي (المقدمة)، الباب 8.

[156] سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1443.

[157] في المطبوع: «بشفاعتي رجال .

[158] الترمذي، ج 4، ص 541.

[159] المصدر نفسه، ج 4 (باب صفة القيامة)، ج 4، ص 537.

[160] المصدر نفسه، ج 4، ص 541.

[161] المصدر نفسه، ج 4، ص 537.

[162] سنن البيهقي، ج 5، ص 245.

[163] في النسخة المطبوعة: «الامور البديهية .

[164] البيهقي، ج 3، ص 344.

[165] صحيح مسلم (كتاب الرؤيا)، باب 1، حديث 11.

[166] البيهقي، ج 3، ص 350.

[167] تاريخ ابن عساكر، ص 263.

[168] عبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفراييني، ولد ونشا في بغداد، ورحل الي خراسان واستقر في نيسابور، ومات في اسفرائين. له مؤلفات كثيرة.

[169] كنز العمال، ج 1، ص 506.

[170] كنز العمال في سنن الاقوال والافعال، ج 1، ص 488، الباب السادس في الصلاة عليه وعلي آله، حديث 2197.

[171] كنز العمال، حديث 2196.

[172] كنز العمال، ج 1، الباب السادس، حديث 2141.

[173] كنز العمال، ج 1، الباب السادس، حديث 2242.

[174] صحيح مسلم (كتاب المساجد)، باب 57مسند احمد بن حنبل، الكتاب الخامس.

[175] في النسخة المطبوعة: «الاخبار».

[176] الطبقات الكبري، ج 5، ص 132.

[177] الزبير بن بكار: من اهل المدينة، توفي سنة 256 ه 870م عن 84 عاما، له مؤلفات في الانساب والتاريخ.

[178] سنن الدارمي، ج 1، ص 56.

[179] الاعتقاد والهداية الي سبيل الرشاد، للحافظ البيهقي الشافعي، طبع في بيروت سنة 1988م.

[180] التذكرة في احوال الموتي وامور الاخرة، لشمس الدين محمد بن احمد القرطبي، المتوفي سنة 671ه، وهو مطبوع بالقاهرة سنة 1981، ضمن جزءين.

[181] تراجع هذه الاحاديث في كنز العمال، المجلد الخامس، الفصل الثالث: في زيارة القبور.

[182] كنز العمال، ج 5، ص 646.

[183] ابن المغازلي، مناقب علي بن ابي طالب، ص 232، 234.

[184]

كنز العمال، ج 15، ص 605.

[185] كنز العمال، ج 1، ص 596.

[186] في النسخة المطبوعة: الملح بالماء.

[187] كنز العمال، ج 15، ص 626.

[188] الخابية: الجرة الكبيرة المستعملة لحفظ الماء.

[189] تراجع هذه الاحاديث في الجزء الخامس عشر من كنز العمال في الباب الاول (في ذكر الموت وفضائله)، حديث 42094 حتي حديث 43011 (من ص 548 حتي ص 758).

[190] سنن الترمذي (كتاب الجنائز)، باب 70 ما جاء في عذاب القبر حديث 1071.

[191] تراجع هذه الاحاديث في سنن البيهقي، ج 5 (كتاب الحج)، باب زيارة قبر النبي (ص).

[192] كنز العمال، المجلد الخامس (باب زيارة قبر النبي)، حديث 12382.

[193] كنز العمال، المجلد 15 (باب زيارة قبر النبي (ص)، حديث 42584.

[194] في النسخة المطبوعة: «وصرح بعضهم .

[195] صحيح مسلم، المجلد الثاني (كتاب الجنائز)، باب 36، حديث 106 سنن ابن ماجة (باب ما جاء في زيارة القبور)، باب 47، حديث 1571.

[196] صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب استئذان النبي (ص) ربه في زيارة قبر امه، حديث 108.

[197] صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب ما يقال عند دخول القبور، حديث 104.

[198] صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب ما يقال عند دخول القبور، حديث 102.

[199] محمد بن المنكدر القرشي التيمي، احد الائمة التابعين، توفي سنة 130 ه 748م.

[200] في تفسير الاية (23) من سورة نوح.

[201] نهج البلاغة، ج 2، ص 449.

[202] في النسخة المطبوعة: «الوالدة لولدها».

[203] في النسخة المطبوعة: «فانا وانت .

[204] ورد في النسخة المطبوعة: «واللّه الملهم للسداد والصواب، فنقول: اما ما ذكرت من الانكار علي كثير من الناس الاستغاثة بغير اللّه ودعوة غير اللّه».

[205] البخاري (بدء الوحي)، باب 1 صحيح مسلم (كتاب الامارة)، باب 155 النسائي (كتاب الطهارة)، باب 59 ابن ماجة (كتاب الزهد)، باب 26.

[206] اشارة الي الاية (15)

من سورة القصص: (فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه).

[207] اشارة الي قوله تعالي في سورة الكهف، الاية 77: (فانطلقا حتي اذا اتيا اهل قرية استطعما اهلها فابوا ان يضيفوهما).

[208] سنن الترمذي، ج 5، حديث 2676 سنن ابي داود، ج 4، حديث 4607 سنن ابن ماجة، ج 1، حديث 42.

[209] كنز العمال، ج 1، ص 1060.

[210] اشارة الي قول القائل: عرفت هواها قبل ان اعرف الهوي فصادف قلبا خاليا فتمكنا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.