قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم

اشارة

عنوان : قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله)
پديدآورندگان : عبداللطيف بغدادي، عبدالطيف بن يوسف، 557-629ق.(پديدآور)
وضعيت نشر : قم: موسسه فرهنگي و اطلاع رساني تبيان، 1387
نوع : متن
جنس : كتاب
الكترونيكي
زبان : عربي
توصيفگر : قرآن 1]
صفات حضرت محمد ( ص )
صفات ثبوتيه رسول اكرم ( ص )
صفات ائمه معصومين ( ع )

كلمة طيبة

تفضل بها سماحة سيدنا الأمام الحجة المجاهد السيد علي نقي الحيدري -دام ظله- صاحب المؤلفات العلمية القيمة والمواقف الإسلامية الكبيرة [1] ننشرها مشفوعة بالشكر والتقدير.تقريض وتاريخ في أبيات …تفضل بها الخطيب البارع والعلامة الأديب السيد علي الهاشمي - حفظه الله - صاحب التآليف الكثيرة النافعة، فشكراً له وألف شكر:(قبس) بدد الظلام من الجهل ووافي لنا بصبح منيرفهـو سفر فيه اقتباس من الذكـ ـر وفــيـه من مرشدات الزبـورفــلأهــل الـعــلـوم مـنـه دروس ولأهــل الأعــواد خـيــر نـمــيـرفيه (عبد اللطيف) جلي علي الأ ـران من غاب منهم والحضورخـــذه والــثــمـه باعتزاز وأرخ لاح نــور مــن اللــطيف الخبير1388هـ الكاظميةعلي الهاشميالخطيببسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الذي أوضح سبل الحق ونشر أعلامه، وأنار طرق الرشاد وبين أحكامه، والصلاة والسلام علي أعلام الدين ونجوم العالمين محمد وآله الميامين.وبعد: فقد عرض عليَّ فضيلة الخطيب البحاثة الألمعي الشيخ عبد اللطيف البغدادي كتابه الجليل (قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم) وهو الحلقة الأولي من السلسلة الإسلامية القيمة (الإسلام واتباع أهل البيت(عليهم السلام)) فسرحت فيه نظري وأجلت فيه فكري فوجدته كتاباً جميل الأسلوب، محكم البراهين، غزير المادة، جمع فيه من المواضيع الجليلة ما طالما تشوقت لها النفوس، وتطلعت إليها الأنظار وتناولتها بعض الأقلام بالبحث والدرس فاختلفت فيها الآراء والنزعات فجاء فيها بما يشفي الغليل، ويروي الصادي، ويرشد الضال، بعبارات بليغة رقيقة، وأسلوب شيق ممتع، وأدلة محكمة متينة تكشف لك القناع عن صلب الحقيقة والواقع، وقد وفر لك الحجج والبراهين، وكثر لك الشواهد والفوائد، بما يغنيك عن الخوض في بطون الكتب والأسفار في مثل هذه البحوث الإسلامية القيمة، فجاء كتابه سجلاً حافلاً، ومرجعاً وثيقاً ومنهلاً عذباً يحتاجه العالم والمتعلم، والواعظ والمتعظ، والخطيب والمستمع، فلا يفوتنَّك اقتناؤه كي تمتع فيه نظرك، وتمعن فيه فكرك، فستخرج منه - إن شاء الله - بعلم غزير، ومادة دسمة، فهو صافي النمير، وافر المطالب، جم الفوائد، طيب الثمرات.فجزي الله مؤلفه خير جزاء المحسنين، فلعمري إنه من الخطباء المجاهدين الذين تزخر خطاباتهم بما ينفع الناس من التذكير بالله ورسوله وخلفائه(عليهم السلام) والتحذير من معصيتهم ومخالفتهم، فتراه - شكر الله سعيه - يتحين الفرص وينتهز المناسبات لنفع الناس وإرشادهم عن طريق المنبر الحسيني الشريف، وبواسطة خطاباته الإسلامية، ودروسه الوعظية، وبحوثه الدينية التي يعالج فيها أمراض المجتمع وعلله الأخلاقية التي عظم فتكها، واستفحل خطرها في هذه الأمة، وروجها دعاة الكفر وأئمة الضلال، وطّبل لها المردة والملحدون من أهل الخلاعة والميوعة، وأصحاب المفاسد والشهوات الذين لا يستضيئون بنور العلم ولا يلجأون إلي ركن وثيق.ولست أبتعد عن الحقيقة لو قلت: إن المتتبع لخطابات هذا الشيخ الفاضل لا يكاد يجد فيها إلا ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وقلما يجد فيها خطأ في قول أو خطلاً في رأي، فحياه الله من خطيب مجاهد، وبارك في جهوده ومساعيه ونفع بخطاباته وكتاباته إخواننا المؤمنين، إنه سبحانه خير موفق ومعين.الراجي عفو ربهعلي نقي الحيدري18 شهر ذي القعدة الحرام سنة 1389هـسفر العقيدةتفضل بها في رسالة [2] الخطيب الأديب العلامة السيد علي نجل حجة الإسلام العلامة الكبير السيد رضا الهندي 0 فله منا الشكر المتواصل.أخي المفضال الأستاذ الكبير الشيخ عبد اللطيف البغدادي الأمجد مع أعطر تحياتي وأوفر إخلاصي وإكباري لخدماتكم الإسلامية الجليلة المتمثلة بمؤلفكم الثمين (قبس من القرآن) أقدم ما جادت به القريحة، متمنياً لكم غاية التوفيق.اثنين مما قد نظمت إحذفهما [3] . الريب، ثم وساوس الشيطانوازدد مـن العــلم الغـزير يزفه عــبد اللطيف، محلق التبيانفــي خـــير سفر في العقيدة نير يـهدي إليك حقيقة الأيمانفــاقرأ وصـل علي النبي وآله فـهما خلاصة عالم العرفانإرشف هداه واقتبس تاريخه: إذ أنــه (قبس من القرآن)المخلصعلي رضا الهنديجاءتنا - والكتاب مشرف علي نهاية طبعه - رسالة كريمة من أخينا الفاضل الخطيب الأديب السيد شمس الدين الموسوي حياة الله وقد ضمنها شعوره الطيب نحو هذا الكتاب نثراً وشعراً ننشرها مع الشكر الجزيل والثناء العاطر.أخي وحبيبي العزيز الشيخ عبد اللطيف البغدادي المحترم.تحية الأخوة والولاءوبعد فمذ أطلعتني علي سفرك الميمون "قبس من القرآن" في صفات الرسول الأعظم جدنا محمد(صلي الله عليه و آله) ومذ علمت جهدك العظيم في البحث والتنقيب بين أسفار الكتب والتفاسير لا تكل ولا تمل كان في قرارة نفسي أن اقرض الكتاب بنظم يليق به ويثمن جهودكم ليكون ذلك تشجيعاً لأمثالكم من الباحثين فيطلعوا علينا بثمار جهودكم الخالدة النافعة لكل عصر وجيل وهاهي ذي الأبيات التي نظمتها أضعها بين يديكم راجياً أن تحظي بالقبول والرضا فذاك مهر بنات الأفكار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وسددك الله وأيدك ووفق الجميع لما يحب ويرضي وهو حسبنا.أخوكشمس الدين الخطيب الموسوي4/ ذي الحجة 1389 هجـ9/ 2/ 1970نــعـــم الــذخـيرة للضعيف الفاني عــلـم بـه يـحــيي بعمـر ثانمــا أنــعــم الـرحـمـن أكـبـر نعمة للــعبد من علم وحسن بيـانيجلو بها صدء القلوب من العمي ويزيل عنها الشك بالـبرهانوأجــل مــا يـعــنــي اللـبيب ببحثه ما كان مقتبساً من الــفرقانفـــي فــضــــل طــه، والأئمة بعده مـن كل غطريف عظيم الشاننـصّ الأله عـلـيـهـم فــــي كــل ما قـد أنـزل الـرحـمـن من تبيانتـوراة مــوسي والزبور وبعده الـ إنـجــيــل أطـراهـم بـكـل لـسانفـلــذا سعي (عبد اللطيف) بسفره فجلا سـدوف غـوابـر الأزمــانيــجــلو من التاريخ انصع صفحة مــن ســفــره ظهرت لكل عيانتــزهــو بطـلعـتهـا وحسن حديثها ولــمــثــلــهــا ما لم تر العينانلا غــرو فـهــو خـطـيـبها وكليمها فــأســأل مـنـابـره بـكـل مكانوكـمـا شأي الخطبا بحسن حديثه فـبــسـفـره قــد بــذ لــلأقـــرانفـأرجــع إلـيــه وخذ دروساً جمة في الفقه في تفسيرها ومعانيوأنظر هديت لنور شمس قد بدت تـجــلــو غياهب ظلمة الأذهانولــفــرط إعــجــابـي بــه قرضته بـبـديـع نـظـم فــاق كـل جـمانقــد قـلت يا من رام تاريخاً: بلي هذا به "قـبـس مـن الـقـرآن"الإسلام وأتباع أهل البيتالحلقة الأولي

الاهداء

إليكم يا هداة العباد.إليكم يا من جاهدتم في الله حق الجهاد.إليك يا رسول الله وإلي أهل بيتك الطاهرين.إليكم جميعاً أرفع هذا المجهود المتواضع وهو عنوان ولائي الخالص لكم راجياً التفضل عليَّ بالقبول وهو حسبي.المؤلف

آيات افتتاحية من الذكر الحكيم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيمبسم الله الرحمن الرحيم(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَي شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًي وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).(الجاثية: 19-22) [4] .

دعاء افتتاحي

اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك.اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك.اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني [5] .دعاء للإمام الصادق(عليه السلام)

الرسالة والنبوة

الفرق بين الرسول والنبي

قال تعالي: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ) وصف الله سبحانه نبينا محمداً(صلي الله عليه و آله) في هذه الآية بكونه رسولاً وكونه نبياً، وإليك الفرق بينهما لغة واصطلاحاً وحديثاً:في اللغة:(النبي) إما مأخوذ من مادة النبأ، بمعني الخبر المهم العظيم الشأن، ولكن أكثر العرب لا تهمزه، كما أن الثابت في القرآن غير مهموز، وأما بمعني الارتفاع وعلو الشأن.و(الرسول) الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذاً من قول العرب (جاءت الإبل رسلاً) أي متتابعة، وسمي الرسول رسولاً لأنه ذو رسول، أي ذو رسالة.

في الاصطلاح

النبي هو إنسان أوحي الله تعالي إليه وأنبأه بما لم يكن يعلم من خبر أو حكم، فيكون عالماً به بواسطة الوحي إليه علماً ضرورياً أنه من الله عز وجل فيخبر به عن الله بغير واسطة أحد من البشر.والرسول نبيٌّ أمره الله تعالي بتبليغ شرع ودعوة دين.يقول بعض المفسرين [6] :النكتة في تقديم الله تعالي كلمة الرسول علي كلمة النبي لكون الرسالة أهم وأشرف، وقيل أنهما - أي كلمتي الرسول والنبي - ذكرتا هنا بمعناهما اللغوي، كقوله تعالي في كل من موسي وإسماعيل (وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (سورة مريم/52 و55).

في الحديث

الذي يستفاد من الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام في الفرق بين الرسول والنبي هو:إن الرسول من يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ويعاين الملك في اليقظة كما يعاين بعضنا الآخر، ويبشره الملك يوم بعثته عند معاينته بأنه رسول الله إلي عباده أو إلي بعض عباده حسب اقتضاء الحكمة الإلهية.والنبي يسمع صوت الملك، ويراه في المنام، ولكن لا يعاين الملك في اليقظة. بل يوحي إليه بالعمل من طريق سماع صوت الملك ورؤيته في المنام [7] .وبالمثال يتضح الحال، فنقول:كان نبينا محمد بن عبد الله(صلي الله عليه و آله) قبل أن يبعث بالرسالة ومنذ ولد ونشأ نبياً يري الملك في نومه ويسمع صوته في يقظته، ويسلك به طرق الخير كلها كما قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبته المعروفة بالقاصعة:(ولقد قرن الله به صلي الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به) [8] .وبهذه المناسبة نقول: ربما يسأل عن أن نبينا محمداً(صلي الله عليه و آله) قبل أن يبعث بالرسالة هل كان يتعبد ويعمل بإحدي شرائع الأنبياء السابقين كشريعة إبراهيم أو موسي أو عيسي عليهم السلام أو كان يعمل بشريعته التي سيبعث بها إلي أمته؟والجواب المختصر علي هذا:إنه(صلي الله عليه و آله) لما كان نبياً منذ أن ولد ونشأ ويوحي الله تعالي إليه علي لسان أعظم ملك من ملائكته فهو بالقطع واليقين يعبد الله جل وعلا طبق ما يوحي إليه، سواء ما كان يوحي إليه من الشرائع السابقة أو من صميم شريعته التي بعث بها أخيراً … وهذا هو الأظهر.قال شيخنا المجلسي في (البحار) بعد أن ذكر أقوال العلماء وآراءهم حول الموضوع [9] :فاعلم أن الذي ظهر لي من الأخبار المعتبرة والآثار المستفيضة هو أنه صلي الله عليه وآله كان قبل بعثته مؤيداً بروح القدس يكلمه الملك ويسمع الصوت ويري في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولاً وكلمه الملك معاينة وأنزل عليه القرآن وأمر بالتبليغ، وكان قبل ذلك يعبد الله بصنوف العبادات، أما موافقاً لما أمر به الناس بعد التبليغ وهو الأظهر، أو علي وجه آخر - إلي آخر كلامه.وعلي كل، كان(صلي الله عليه و آله) أول أمره نبياً يري في المنام ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، وربما يعاينه ولا يسمع صوته، فلما آن وقت بعثه وكمل له من العمر أربعون سنة جاءه الملك - وهو أمين الوحي جبرائيل - عياناً وبشره بالرسالة من قبل الله عز وجل إلي عباده فصار رسولاً نبياً.وربما يسأل أيضاً: هل أن كل نبي لا بد وأن يرسل أخيراً؟فالجواب: لا، بل ربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد فيكون رسولاً نبياً وقد يبقي النبي علي نبوته ولا يرسل.ويجوز أن يرسله رسول زمانه - الذي هو إمام عليه - إلي قومه ليدعوهم إلي شريعته وأحكامه، كما أن إبراهيم بعث لوطاً إلي قومه بأمر ربه يدعوهم إلي شريعته [10] .ومن هنا اتضح الفرق بين الرسول والنبي، وهو أن كل رسول نبي ولا عكس، أي ليس كل نبي رسولاً، فكأن النبوة عامة والرسالة تخص أفراداً منهم، كما تقول مثلاً: كل حاكم درس الحقوق وليس كل من درس الحقوق حاكماً، لأن كلية الحقوق يتخرج فيها الألوف، ويحمل كل واحد منهم شهادة المحاماة وهو عارف بالقانون ولكن كلهم لا يتخذون حكاماً، إنما ينتخب منهم للحكم أفراد مخصوصون والذين ينتخبون للحكم بعضٌ يكون حاكماً علي القطر كله وبعضهم يكون حاكماً علي لواء أو قضاء أو ناحية، ولكل منزلته علي قدر مواهبه ومعارفه.فأنبياء الله كلهم عالمون بالقانون الإلهي بما يوحي إليهم، ويقومون بتوجيه العباد إليه تعالي، ويؤيدهم عز وجل بالمعاجز التي يعجز الناس عن الإتيان بمثلها، تصديقاً من الله لدعوتهم. ولكن بعضهم يبقي علي وظيفته من النبوة وبعضهم يترقي إلي منزلة الرسالة.

عدد الأنبياء والمرسلين

ومن هنا كان الأنبياء أكثر عدداً من المرسلين منهم، كما يظهر من كثير من الأحاديث:جاء في حديث أبي ذر مع رسول الله صلي الله عليه وآله أنه سأله: كم النبيون؟ قال(صلي الله عليه و آله): (مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي، فقال: كم المرسلون؟ قال صلي الله عليه وآله: ثلاثمائة وثلاثة عشر) الحديث [11] .وروي الرازي في تفسيره الكبير (مفاتيح الغيب) في تفسير قوله تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ)… الآية (الحج/ 53) عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه سئل: كم المرسلون؟ فقال: (ثلاثمائة وثلاثة عشر، فقيل: وكم الأنبياء؟ فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً) [12] .وحديث عدد الأنبياء والمرسلين هذا من الأحاديث الشهيرة المروية في كتب الفريقين.والمرسلون الثلاثمائة والثلاثة عشر لم تكن رسالتهم عامة بأجمعهم بل الأكثر منهم رسالته خاصة إلي طائفة معينة قلوا أم كثروا، كيونس(عليه السلام) الذي قال تعالي فيه: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَي مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات/ 148). قال الإمام الصادق(عليه السلام): يزيدون ثلاثين ألفاً [13] .من ذكرهم القرآن من الأنبياءوالقرآن يصرح في أن الله تعالي لم يقصص فيه لنبيه(صلي الله عليه و آله) جميع رسله، قال تعالي: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (المؤمن/ 79).والذين قصهم الله تعالي في كتابه بالاسم خمسة وعشرون نبياً وهم: آدم، نوح، إدريس، هود، صالح، إبراهيم، لوط، اليسع، ذو الكفل، أيوب، إلياس، يونس، إسحاق، يعقوب، يوسف، شعيب، موسي، هارون، داود، سليمان، زكريا، يحيي، إسماعيل صادق الوعد [14] ، عيسي، محمد صلي الله عليه وآله وعليهم أجمعين. ويذكر بعض العلماء الأدباء أسماء الرسل والأنبياء المذكورين في القرآن بقوله:الأنبياء والرسل في القرآن خــمــس وعشرون فخذ بيانيهـم آدم إدريـــس نــوح هود يــونــس اليــاس يــسع داودُثــــم شــعــيــب صالح أيوب إســحـــاق ثم يوسف يعقوبهارون إبراهيم لوط موسي ذو الكفل يحيي زكريا عيسيثــم ســلــيــمـان وإسماعيل خــاتــمــهــم مـحـمـد الـخـليلُوهناك عدة من الأنبياء لم يذكروا بأسمائهم بل بالتوصيف والكناية قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَي إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (البقرة/ 247).وقال تعالي: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَي قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَي عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّي يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) (البقرة/ 260).وقال جل وعلا: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) (يس/ 16). وقال عز وجل: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الكهف/ 66). وقال عز من قائل عطفاً علي بعض الأنبياء (وَالأَسْبَاطِ) (البقرة/ 141).وهناك من لم يتضح كونه نبياً، كفتي موسي في قوله تعالي:(وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّي أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف/61).ومثل ذي القرنين وعمران أبي مريم ولقمان الحكيم من الذين صرح الله تعالي بأسمائهم، ولكن لم يتضح كونهم من الأنبياء.

اولوالعزم سادة الأنبياء والمرسلين

خمسة من المرسلين المذكورين في القرآن الكريم رسالتهم عامة وهم أولو العزم من الرسل، وقد جمع الله تعالي لهم النبوة والرسالة والإمامة المطلقة، وهم سادة النبيين والمرسلين، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي، ومحمد صلي الله عليهم أجمعين.هؤلاء المرسلون هم أهل الشرايع العامة، وشريعة كل لاحق منهم نسخت شريعة السابق، كما روي شيخنا الصدوق بسنده إلي الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال: إنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنهم كانوا أصحاب الشرايع والعزائم، وذلك أن كل نبي بعد نوح كان علي شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلي زمن إبراهيم الخليل(عليه السلام) وكل نبي كان في أيام إبراهيم وبعده كان علي شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلي زمن موسي(عليه السلام)، وكل نبي كان في زمن موسي أو بعده كان علي شريعة موسي ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلي أيام عيسي(عليه السلام)، وكل نبي في أيام عيسي وبعده كان علي منهاج عيسي وشريعته وتابعاً لكتابه إلي زمن نبينا محمد(صلي الله عليه و آله).ثم قال الإمام الرضا(عليه السلام): فهؤلاء الخمسة أولو العزم، فهم أفضل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وشريعة محمد(صلي الله عليه و آله) لا تنسخ إلي يوم القيامة ولا نبي بعده إلي يوم القيامة. (الحديث) [15] .هذا ويمكن أن يقال - علي سبيل التقريب والمثال - إن مثل من سبق نبينا صلي الله عليه وآله وسلم من الأنبياء المرسلين في شرائعهم كمثل المصابيح، كل مصباح منها وضع في حجرة لا يضيء سواها. أما مثل نبينا في شريعته الخالدة كمثل الشمس الطالعة، فحينما ظهرت شمس الرحمة من البلاد العربية لم يبق هناك من حاجة إلي تلك المصابيح المحدودة المدي، وليس في مقدور أي نور أو مصباح أن يخلف هذه الشمس الطالعة المشرقة (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [16] .

مقتضيات الخلود في الشريعة الإسلامية

لما كان الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) هو خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، و(حلال محمد حلال إلي يوم القيامة وحرامه حرام إلي يوم القيامة) [17] كان مما اقتضته الحكمة الإلهية أمور ثلاثة:مرونة الشريعة الإسلامية:شاء الله تعالي بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل هذه الشريعة الخالدة أكمل الشرائع وأتمها وأوسعها وأسمحها، وأن يجعل فيها من المرونة ما يجعلها قابلة للتطبيق في كل عصر ومصر، وصالحة للعمل بها في كل زمان ومكان إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.نعم، لا ينكر أن العمل بالشريعة الإسلامية في زماننا هذا أصبح شاقاً علي كثير من الناس، بسبب انتشار المبادئ الهدامة، والأحزاب المخربة، والأهواء المضللة، والعصبيات البغيضة، والحكومات المستعمرة الكافرة، التي أشاعت في الملأ الإسلامي كل فسق وفجور، وكل دعارة وشرور.فلذا أصبح المؤمن اليوم كما وصفه المشرع الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في وصيته لعبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) بقوله(صلي الله عليه و آله): (يا ابن مسعود، يأتي علي الناس زمان الصابر فيه علي دينه مثل القابض علي الجمر بكفه، يا ابن مسعود، الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبي للغرباء...) إلي آخر الوصية.وهي وصية جليلة ونافعة، (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق/ 38)، ودليل صحتها بعد القرآن الوجدان والعيان.فما أحري رواد الحق بمراجعتها وتدبرها [18] .

وجود المعجزة الخالدة

وشاء الله تعالي بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل لخاتم أنبيائه ولشريعته الخالدة معجزاً خالداً مع خلود شريعته إلي يوم القيامة ليكون ذلك المعجز حجة الله علي جميع العباد، وهو القرآن المـجيد الـذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت/ 43).وسنذكر في بحث الصفة الثالثة في الآية (الأمي) كيف أن القرآن معجز خالد لنبينا وشريعته، وحقيقة إعجازه إن شاء الله تعالي.قال سماحة آية الله السيد أبو القاسم الخوئي أدام الله ظله [19] في كتابه (البيان في تفسير القرآن) تحت عنوان (القرآن معجزة خالدة) ما يلي [20] :قد عرفت أن طريق التصديق بالنبوة والإيمان بها ينحصر بالمعجز الذي يقيمه النبي شاهداً لدعواه، ولما كانت نبوات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم كان مقتضي الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد ومحدودة، لأنها شواهد علي نبوات محدودة، فكان البعض من أهل تلك الأزمنة يشاهد تلك المعجزات فتقوم عليه الحجة، والبعض الآخر تنقل إليه أخبارها من المشاهدين علي وجه التواتر فتقوم عليه الحجة أيضاً.أما الشريعة الخالدة فيجب أن تكون المعجزة التي تشهد بصدقها خالدة أيضاً، لأن المعجزة إذا كانت محدودة قصيرة الأمد لم يشاهدها البعيد، وقد تنقطع أخبارها المتواترة، فلا يمكن لهذا البعيد أن يحصل له العلم بصدق تلك النبوة، فإذا كلفه الله بالإيمان بها كان من التكليف بالممتنع، والتكليف بالممتنع مستحيل علي الله، فلا بد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة دائمة مستمرة.وهكذا أنزل الله القرآن معجزة خالدة ليكون برهاناً علي صدق الرسالة الخالدة، وليكون حجة علي الخلف كما كان حجة علي السلف وقد نتج لنا عما قدمناه أمران:الأول: تفوق القرآن علي المعجزات التي ثبتت للأنبياء السابقين وعلي المعجزات الأخري التي ثبتت لنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) لكون القرآن باقياً خالداً، وكون إعجازه مستمراً يسمع الأجيال ويحتج علي القرون.الثاني: إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة، والدليل علي انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها، لانقطاع زمان المعجزة التي شهدت بصدقها [21] .ثم أن القرآن يختص بخاصة أخري، وبها يتفوق علي جميع المعجزات التي جاء بها الأنبياء السابقون، وهذه الخاصة هي تكفله بهداية البشر وسوقهم إلي غاية كمالهم - إلي آخر كلامه رحمه الله.استمرار الخلافة إلي يوم القيامة:وشاء الله تعالي بقدرته التامة وحكمته البالغة أن يجعل لنبيه خلفاء وأوصياء وأئمة واحداً بعد واحد، قائمين مقامه صلي الله عليه وآله وسلم في تبليغ شريعته الخالدة إلي الأجيال وحفظها من الضياع [22] وأن يجعلهم مثالاً له صلي الله عليه وآله وسلم تماماً في التمسك بها والعمل طبق نهجها، والعلم بجزئيها وكليها، والإحاطة بجميع تفاصيلها وأسرارها وأن لا يخلي الأرض من واحد منهم يكون حجة علي أهل زمانه. كما جاء في الحديث النبوي قوله صلي الله عليه وآله وسلم (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ألا إن أئمتكم وفدكم إلي الله فانظروا من توفدون) [23] .هذا أهم ما اقتضته الحكمة الإلهية لبقاء الشريعة الإسلامية وحفظها، وهو وجود الأئمة من أهل بيته صلي الله عليه وآله الموجودين في كل خلف من أمته وأئمتها ووفدها إلي الله تعالي، وهم الأئمة الاثني عشر من أهل بيت نبيه علي والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين(عليهم السلام)، جعلهم الله تعالي خلفاءً في أرضه وحججاً علي عباده وحفظة لشريعته:ما غاب عن أفق الــشريعة كوكب إلا وجـــــاء بـــــكــــوكـــــب وقــــــادإن المهيمن لــيـس يـخــلي أرضــه مــن حــــجــة مـــتــســـتـــر أو بـــادلــولا إمــام الـحـق مـا بـقي الوري والــجـــســــم لا يــبــقــي بـغـير فـؤادكـن كـيـف شـئت فقد أصبت هدايتي بـــهـداهــــم وبــلــغـــت كــــل مـــرادما ضرني إن ضل عن طرق الهدي غــيـــري إذا كــتـــب الإلـــه رشاديمن صد عن عين الحـياة ومات من ظمأ فلا سقيت عظام الصادي [24] .وإمام الحق في زماننا الآن هو الحجة المهدي(عج الله فرجه) بن الحسن العسكري(عليه السلام) الغائب المنتظر، وهو موجود في الجماعة الإسلامية وبينها ولكنه لا يعرف بشخصه وعنوانه حتي يأذن الله له بالظهور.وإمامة هؤلاء الأئمة وخلافتهم عليهم الصلاة والسلام لم تكن دعوي مجردة من الدليل، بل هي ثابتة لهم بالأدلة الإسلامية القاطعة، كتاباً وسنة وعقلاً وإجماعاً، وستقف علي بعض تلك الأدلة في كتابنا هذا إن شاء الله، وتراها منتشرة في ألوف الكتب والمؤلفات لسائر المسلمين والحق ينطق منصفاً وعنيدا [25] والحق يعلو ولا يعلي عليه.

الامة و معجزته الخالدة

الامية صفة خاصة لنبينا

وصف الله سبحانه وتعالي رسوله الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم في الآية الكريمة (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمي…) بكونه أمياً، وهي صفة خاصة به دون غيره من الأنبياء والمرسلين. وهذه هي الصفة الثالثة التي وصفه الله تعالي بها في الآية الكريمة.أقوال المفسرين في المراد منهاوقد اختلف المفسرون في المراد من قوله تعالي (الأمي): فقيل نسبه الله تعالي إلي مكة، وذلك من قوله تعالي مخاطباً إياه(وَكَذَلِكَ أَوْحيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَي وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (سورة الشوري: 8).وقوله تعـالي(وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَي وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَي صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (الانعام/ 93).و(أم القري) هي مكة المكرمة كما يقول المفسرون، ودعيت مكة بأم القري لأنها أول قرية وبقعة من الأرض خلقها الله تعالي، ثم دحاها من تحت الكعبة - أي بسطها علي وجه الماء - فخلق منها بقية القري والأراضي [26] ، فلذلك دعيت بأم القري، ويقال لأهلها (أميون) نسبة لها.وهذا التفسير مروي أيضاً عن بعض أئمة الهدي(عليهم السلام) [27] .

هل كان النبي يقرأ و يكتب

وقيل: (الأمي) هو الذي لا يكتب ولا يقرأ والنبي صلي الله عليه وآله وسلم كان كذلك لا يكتب ولا يقرأ وكانت نبوته ورسالته - مع كونه أمياً - من جملة معاجزه العظام.وبيان ذلك أن تعلم الكتابة والقراءة أمر سهل التناول، فإن أقل الناس ذكاء وفطنة يتعلم الخط كتابة وقراءة بأدني سعي، وعدم تعلم الإنسان ذلك - بحسب العادة المطردة - يدل علي نقص بين في الفهم والذكاء والعقل والعلم، والحال أن نبينا صلي الله عليه وآله وسلم كان مع أميته أعظم الناس فهماً وأحدهم ذكاء وأكملهم عقلا وأغزرهم علماً، فكان الجمع بين هاتين الحالتين المتضادتين جارياً مجري الجمع بين الضدين وذلك مستحيل حسب العادة، فلا بد إذن من الجزم والقطع بأن الله عز وجل هو الذي أفاض عليه ما أفاض وأعطاه ما أعطاه من الفهم والذكاء والعقل والعلم ما فاق به جميع العالم من الأولين والآخرين، ليكون ذلك برهانا بينا ومعجزا عظيماً علي نبوته ورسالته.ثم إنه(صلي الله عليه و آله) أتي أمته بالقرآن الكريم من عند الله عز وجل وهو معجزه الخالد، فلو كان يقرأ ويكتب لوجد الجاحدون والمبطلون طريقاً إلي الشك في معجزه هذا ولقالوا: إن هذا القرآن جمعه من كتب الأولين لأنه يكتب ويقرأ ونحن لا نكتب ولا نقرأ.لأن أكثر العرب بل كلهم إلا قليلا منهم كانوا أميين ولكنه لما ساواهم في المولد والمنشأ وكان أمياً كما كانوا أميين، ثم أتي لهم بما عجزوا عنه وجب أن يعلموا علماً قطعياً أنه من عند الله عز وجل لا من عنده، إذ لم تجر العادة أن ينشأ إنسان بين قوم يشاهدون أحواله من صغره إلي كبره في حضره وسفره لا يتعلم شيئاً من غيره ولا يطالع كتاباً قط ثم يأتي من عنده بكتاب فيه تبيان كل شيء يعجز الكل عنه بل عن بعضه، ويقرأ عليهم قصص الأولين ويخبرهم بأنباء الآتين. هذا ما لا تجري به العادة، فإذن لا بد من أن يكون من عند الله تعالي لا من عنده وقد صرح القرآن الكريم بهذا المعني، حيث قال عز من قائل مخاطباً رسوله الأعظم صلي الله عليه وآله وسلم (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت/49).والآية كما تري صريحة كل الصراحة علي أنه(صلي الله عليه و آله) ما كان يقرأ ولا يكتب أي كتاب قبل إنزال القرآن عليه، وصرحت الآية أيضاً أن العلة في ذلك هي أنه لو كان يقرأ ويكتب قبل بعثته لحصل الريب - أي الشك - عند المبطلين من أهل الكفر والعناد في كون القرآن من عند الله تعالي، وتكون لهم بذلك شبهة.هذا ما صرحت به الآية الكريمة وأجمعت عليه كلمة المسلمين أجمعين أنه ما كان يكتب ولا يقرأ قبل بعثته، أما بعد بعثته وإنزال القرآن عليه فاختلف المسلمون في أنه هل كان يعرف الكتابة والقراءة بتعليم إلهي أو لا يعرفهما؟

النبي يعرف الكتابة والقراءة بعلم النبوة

الظاهر أن الذي عليه أكثر أهل السنة أنه صلي الله عليه وآله لا يعرفهما، والذي عليه أكثر المحققين من شيعة أهل البيت أن النبي(صلي الله عليه و آله) كان يعرف القراءة والكتابة بعلم النبوة والرسالة من غير معلم، معجزة له، ولكنه لم يكتب بالفعل وبعضهم يتوقف في ذلك كالسيد المرتضي علم الهدي حيث قال، كما نقل عنه شيخنا الطبرسي [28] : (هذه الآية تدل علي أن النبي ما كان يحسن الكتابة قبل النبوة [29] - فأما بعد النبوة فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالماً بالكتابة والقراءة، والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع علي أحد الأمرين. وظاهر الآية يقتضي أن النفي - أي (ولا تخطه بيمينك) قد تعلق بما قبل النبوة دون ما بعدها - ولان التعليل في الآية- أي: (إذن لارتاب المبطلون) يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة لان المبطلين إنما يرتابون في نبوته(صلي الله عليه و آله) لو كان يحسن الكتابة قبل النبوة، فأما بعدها فلا تعلق له بالريبة والتهمة، فيجوز أن يكون قد تعلمها من جبريل بعد النبوة …) انتهي.

التحدي بالنبي الأمي

تحدي الله تبارك وتعالي بالنبي الأمي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه ومعناه، إذ لم يتعلم عند معلم ولم يترب عند مرب ولم يتأدب عند مؤدب سوي الله عز وجل (أدبني ربي فأحسن تأديبي) [30] .تحدي الله تعالي به(صلي الله عليه و آله) الكافرين والمرتابين في رسالته بقوله تعـالي: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يونس/ 17).نعم كان(صلي الله عليه و آله) وهو أحدهم في تلك البيئة الأمية لا يتصدي لأخذ العلم من أحد، ولم يأت بشيء من شعر أو نثر نحواً من أربعين سنة وهو ثلثا عمره الشريف، ثم أتي بما أتي به من القرآن بما عجزت عنه فحولهم، وكلت دونه ألسنة بلغائهم، ثم بثه إلي أقطار الأرض فلم يجترئ علي معارضته أحد من عالم أو فاضل أو ذي لب وفطنة.وإليك بيان حقيقة إعجاز القرآن وفاء بالوعد واقتضاء للمقام:

حقيقة إعجاز القرآن والتحدي به

لا ريب في أن القرآن الكريم تحدي بالإعجاز في آيات كثيرة مكية ومدنية، تدل جميعها علي أن القرآن معجز خارق للعادة وخارج عن حد القدرة البشرية، فهو من عند الله عز وجل، حيث جعله الله دليلا قاطعاً وبرهاناً واضحاً علي صدق نبيه وحجة علي دعوته في رسالته.والآيات المشتملة علي التحدي مختلفة في العموم والخصوص، ومن أعمها تحدياً قوله تعالي:(قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإنس وَالْجِنُّ عَلَي أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء/89) [31] .والآية مكية، وهي ظاهرة في عموم التحدي، لعموم الثقلين من الإنس والجن ولو بإعانة بعضهم لبعض.ومعني عموم التحدي أنه لم يكن خاصاً ببلاغة القرآن وجزالة أسلوبه فقط إذ لو كان التحدي بذلك فحسب لما تحدي به سوي العرب العرباء من الجاهليين، ولكن لما رأيناه يتحدي جميع الإنس والجن علمنا أن التحدي هذا في هذه الآية الكريمة لا يختص ببلاغة القرآن وجزالة أسلوبه فقط، بل هو تحد عام في كل صفة خاصة اشتمل عليها القرآن، وفي جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات.فالقرآن معجز للبليغ ببلاغته ن وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه، وللفيلسوف في فلسفته، وللاجتماعي في اجتماعه، وللمقننين في تقنينهم، وللسياسيين في سياستهم، وللحكام في حكومتهم، وبالتالي هو معجز لكل فرد من أفراد الثقلين الجن والإنس من عامة وخاصة، أو عالم وجاهل، أو رجل وامرأة، أو فاضل ومفضول.وإنما تحدي القرآن عامة هذه الطبقات لان إفهام الناس لما كانت مختلفة اختلافاً ضرورياً - والكمالات فيهم كذلك - كان التحدي للعموم هو المقتضي، حتي إذا أدرك صاحب الفهم العالي والنظر الصائب حقيقة إعجاز القرآن في جميع الفنون والمعارف يرجع من هو دونه فهماً ونظراً إلي تلك الحقيقة، والفطرة حاكمة بذلك، والغريزة قاضية به، وبذلك يكون القرآن حجة قطعية علي الجميع.أما إذا كان التحدي خاصاً بذوي الافهام وأهل العلم والفضل أو أهل الفصاحة والبلاغة دون غيرهم من سائر الطبقات لكان بذلك مجال للجاهل أن يدعي ويقول: إن القرآن حجة علي أولئك الذين وجه التحدي إليهم وخصهم به ولم يكن حجة علي غيرهم.

و يجدر بنا الآن أن نتسأل و نقول

هل يتأتي للقوة البشرية أن تأتي بمعارف إلهية مبرهنة تقابل ما أتي به القرآن وتماثله في تمام حقيقته؟وهل يمكنها أن تأتي بأخلاق مبنية علي أساس الحقائق تعادل ما أتي به القرآن في الصفاء والمنزلة؟وهل يمكنها أن تشرع أحكاماً تامة فقهية تحصي جميع أعمال البشر، من غير اختلاف يؤدي إلي التناقض مع حفظ روح التوحيد وكلمة التقوي في كل حكم ونتيجة؟وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والإتقان الغريب من رجل أمي لم يترب إلا في بيئة قوم ليس لهم من حظوظ الإنسانية - علي مزاياها الكثيرة - إلا أن يرتزقوا بالغارات والغزوات ونهب الأموال، وأن يئدوا البنات [32] ويقتلوا الأولاد خشية الإملاق، ويفتخروا بالأباء وينكحوا الأمهات، ويتباهوا بالفجور، ويعادوا العلم، ويتظاهروا بالجهل، وهم بعد ذلك أذلاء لكل مستذل، وخطفة لكل خاطف، فيوماً لليمن، ويماً للحبشة، ويوماً للروم، ويوماً للفرس، فهذا حال عرب الجاهلية في الحجاز، كما أشارت إلي ذلك الصديقة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها الشهيرة [33] .وهل يجترئ عاقل علي أن يأتي بكتاب يدعيه هدي للعالمين، ثم يودعه أخباراً في الغيب فيما مضي ويستقبل من القصص والملاحم والمغيبات المستقلة، ثم لا يختلف شيء منها عن صراط الصدق؟.وهل يتمكن إنسان - مهما بلغ من التكامل - أن يتدخل في كل من شؤون العالم الإنساني، ويلقي إلي الدنيا معارف وعلوماً وقوانين وحكماً ومواعظ وأمثالا وقصصاً وأنباء في كل ما دق وجل، ثم لا يختلف حاله في شيء منها في الكمال والاستقامة فيما يلقي من تلك المعارف الدقيقة، بل يبقي علي حال واحد مستقيم؟.

هذا ما لا تجري به القوة البشرية

فالإنسان اللبيب القادر علي تعقل هذه المعاني لا يشك في أن هذه المزايا الكلية وغيرها مما اشتمل عليها القرآن الكريم كلها فوق القوة البشرية، ووراء وسائل الطبيعة المادية.فهذا ما تحدي به القرآن تحدياً عاماً لكل فرد في كل مكان وزمان [34] وقد مضي علي هذا التحدي أربعة عشر قرناً، وقد تقدم العلم وتقاربت البلدان وسهلت وسائل الاجتماع وكثر أعداء الإسلام كما هو المشاهد بالعيان.فهل استطاعوا حتي الان أن يأتوا بمثل هذا القرآن؟ …(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَي أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) (الإسراء/ 90).التحدي بعشر سور من القرآنبعد أن تحدي القرآن الكريم في سورة الإسراء الإنس والجن علي أن يأتوا بمثله، وأخبر أنهم (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)… خاطب العرب الذين زعموا أن القرآن افتراء محمد(صلي الله عليه و آله) وجاء به من عنده وادعي أنه من عند الله …العرب الذين برعوا في البلاغة وامتازوا بالفصاحة، وبلغوا الذروة في فنون الأدب حتي عقدوا النوادي وأقاموا الاسواق للمباراة في الشعر والخطابة، وبلغ من تقديرهم للشعر أن عمدوا لسبع قصائد من خيرة الشعر الجاهلي وكتبوها بماء الذهب في القباطي [35] وعلقت علي الكعبة، فكان يقال هذه مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره [36] .هؤلاء النابغون في الفصاحة والأدب، وهؤلاء الذين زعموا أن القرآن مفتري، خاطبهم يومئذ وتحداهم في أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وأن يدعوا كل من يستطيعون دعوته من دون الله تعالي من أوثانهم التي يزعمون أنها آله تقضي لهم الحاجات والمهمات وغيرها من سائر المخلوقين حتي تتم لهم جميع الأسباب والوسائل، ولا يبقي أحد ممن يطمعون في تأثير إعانته أو يرتجون الانتفاع به في ذلك إلا استعانوا به أن كانوا صادقين.قال تعالي (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود/ 14-15).ولا يتوهم فيما قدمنا بأن خطاب الآية للعرب الذين برعوا في فنون الفصاحة والبلاغة والادب، وأن التحدي أيضاً خاص بفصاحة عشر سور وبلاغتها فحسب. بل الحقيقة أن التحدي بالإتيان بما يماثل تماماً عشر سور من القرآن من كبار السور أو من صغارها فيما اختصت به السور من الفصاحة والبلاغة، وما تضمنته أيضاً من المعارف الحقيقية والحجج والبراهين الساطعة والمواعظ الحسنة والأخلاق الكريمة والتشريعات الإلهية، وتجدد المعارف التي لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب، وانتفاء الاختلاف فيها [37] وغير ذلك مما اختصت به السور القرآنية.وهذا المعني هو المتبادر إلي الذهن حينما يقال (هذا الشيء مثل هذا) أي هو مساو له في خصائصه ومماثل له في مزاياه، وهو غيره.هذا، والخطاب وإن كان موجهاً حين النزول إلي العرب ولكنه لا يزال يخاطب كل من يزعم أن القرآن مفتري حتي قيام الساعة(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود/ 15).نعم إن الله تعالي هو وحده القادر علي أن ينزله، وعلم الله وحده هو الكفيل بأن يكون علي هذا النحو مما اختص به من دلائل العلم الشامل لسنن الكون وأحوال البشر وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم وما يصلح لهم في نفوسهم وفي معاشرهم(لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

التحدي بسورة من القرآن و بحديث مثله

شاءت حكمة الله لاثبات الحجة علي عباده أن يكرر النداء والمصارحة في الاحتجاج، والتحدي لجميع المنكرين والمرتابين، بكون القرآن من عند الله تعالي ومعجزاً لرسوله صلي الله عليه وآله وسلم. فكرر التحدي عليهم ولهم مرة بعد أخري، فتارة يتحداهم في أن يأتوا بمثله، وأخري يتحداهم أن يأتوا ولو بسورة واحدة مثل سوره مما اختصت به السورة من بيان غرض تام جامع من أغراض الهدي الإلهي، مع الارتباط التام بين أهداف آياتها ومراعاة الفصاحة والبلاغة والسبك في ألفاظها.فحينئذ لهم أن يختاروا للمعارضة والمماثلة أي سورة شاءوا، حتي ولو كانت أقصر سورة كسورة الكوثر أو الإخلاص أو العصر أو غيرها من سور القرآن، وآونة يتحداهم في أن يأتوا بحديث مثل حديثه. والتحدي بالحديث يعم التحديات الثلاثة السابقة، لان الحديث يعم السورة والعشر سور والقرآن كله، فهو تحد بمطلق الخاصة القرآنية.هذا وقد جعل الله تعالي لهم إن استطاعوا أن يأتوا بشيء من ذلك أن تسقط عنهم هذه الدعوة، ويستريحوا من ثقلها الباهظ لضلالهم واتباع أهوائهم، كما جعل لهم المهلة والأناة ليعدوا عدتهم في المظاهرة والتعاون وهذا كله من باب المماشاة والمجاراة في الحجة، ولكن أني لهم أن يأتوا بما هو مستحيل عليهم، قال تعالي:(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 38-40).وقال تعالي: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَي عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة/ 24-25).وقال تعالي: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ(33)فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (الطور/ 34-35).وهكذا تكرر التحدي في القرآن الكريم، وتلقاه المنكرون عاجزين ووقفوا تجاهه صاغرين، وهكذا يقف أمامه كل أحد إلي يوم الدين تصديقاً لقوله تعالي (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).

تفسير آية التحدي

قوله تعالي: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم وأعوانكم عليه وتبين لكم عجزكم وعجز جميع الخلق عنه وعلمتم أنه من عندي فلا تقيموا علي التكذيب به.وقوله تعالي: (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولن تأتوا بسورة مثله أبداً لان (لن) تنفي علي التأبيد في المستقبل، فهذا الأخبار عن المستقبل أمر غيبي، وهو معجز خالد لصحة نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وأن الكتاب الذي جاء به هو من عند الله عز وجل، إذ لم يأتوا حتي الآن بسورة من مثله.وقوله تعالي: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) أي احذروا إذن النار المعدة للكافرين بمحمد(صلي الله عليه و آله) ومعجزه الذي هو القرآن الكريم، لأنكم علمتم أنه من عند الله تعالي، فاتقوا النار إذن لتنجوا بأنفسكم من عذابها.يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام) وهو الأب الثاني لهذه الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله والشفيق عليها والحريص كل الحرص علي نجاتها، يقول في بعض خطبه:(عباد الله، الله الله في أعز الانفس عليكم وأحبها إليكم، فإن الله قد أوضح لكم سبيل الحق، وأرانا طرقه، فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة) [38] .

نصيحة توجيهية موجزة

فيا أيها الإنسان العاقل الشفيق علي نفسه التي هي أعز الأشياء عليه، فكر في مستقبل أمرك لدنياك وآخرتك، ولا تقصر تفكيرك لدنياك الفانية فقط، وأنت تعلم علم اليقين بأنك غير خالد فيها، وقد علمت بإقامة الحجة عليك، وأمامك مسؤولية كبري بين يدي جبار السماوات والأرض، الخالق المنعم المتفضل.تعصيه لا أنت في عصيانه وجل من العقاب ولا من منه خجل [39] .فما يكون جوابك وعذرك غداً أمام تلك المحكمة الكبري، وقد أتم الله عليك الحجة وأوضح المحجة؟ …فأمن يا أخي بالله وبخاتم الأنبياء وبكتابه وخلفاء أنبيائه من بعده وباليوم الآخر، واثبت علي ذلك واطلب من الله تعالي العون، وجاهد نفسك - الأمارة بالسوء - بأن تعمل صالحاً وتتقي الله ما استطعت بإقامة الفرائض الواجبة وترك النواهي المحرمة لتحظي بخير الدنيا والآخرة(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرض لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأرض وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف/ 97).لا تبق مصراً علي التكذيب والتشكيك، لا تصر علي ترك واجب وفعل محرم، لا تستمر مكبا علي الذنوب والخطايا ليلا ونهاراً ومصبحاً ممسياً لا تندم ولا تتوب وباب التوبة مفتوح للتائبين (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَي أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَي أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًي وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (الأعراف/98-101).قصيدة غراء للسيد الحيدري:وبودي أن أختم هذه النصيحة باختيار المقطعين الأولين من مقاطع القصيدة العصماء التي ألقاها صديقنا العلامة الأستاذ الشاعر السيد محمد الحيدري معتمد مكتبة أهل البيت العامة في المهرجان العظيم الذي أقامته مدينة كربلاء المقدسة في ذكري ميلاد سيد الأوصياء علي(عليه السلام) سنة 1380هـ والتي اهتز لها الحفل وقوبلت باستحسان بالغ، وإليك المقطعين:بـالـديــن تـبـلـغ مجدها الأوطان فـاخـتـر ســـبيلك أيـــها الإنسانلا تـنـحـرف عــن منهج قد سنه لك فـي الـسـماء الـخالق الديانفـكـر فـــإنـك قـــد خلقت مـفـكراً وزن الأمــور وعـقـلـك الميزانوانظر بعقلك كيف كانت هذه الدنيا وقامت هذه الأكوانوانظر بـعــيـنـك للسماء مفكـراً فـبــها العــــقـول تحار والأذهانفانظر إلي هذي النجوم مضيـئة فــكـأنـهــا الـيـاقــوت والمرجانثم انحدر للأرض وانظر ما بـها فــلــسـوف يـــغمر قلبك الإيمانفــالله مـا تــرك الـعـبـاد بـحــيرة هيــهـات وهـو الـمحسن المنانبــل إنــه مــلا الـوجـود عــجائباً وهـي الـدلـيــل عليه والبرهـانأ تـراه يـخـلـق ثـم يـتـرك خــلقه عبثاً؟ فأين اللــطف والإحـسانآيــات ربـك أيـنـمـا وجد الـوري ودلائــل الـتـوحــيــد أنـي كـــانوالـكـنـمـا الإنـســان دون بـصـيرة وعــقــيــدة يحــــلو لها النكرانلـيعيش في هـذي الحياة بعيـشة لا يــرتــضــيها العقل والوجدانأهــدافــه سـحـق البلاد وقصـده مـحــق الرشاد وشأنه العصيانلــم يـرع أنظمة الحياة بـأسرها فكــأنــه فــي طــبـعـــه (حيوان)قــالــوا بـغــيــر تــدبــر وتـفــكر مــا تــقــشــعــر لـهــوله الأبدان(الدين أفيون الشعوب) وليـتهم سكتوا ولكن أوضـحــوا وأبانواوبـدت لنـا أفـكـارهــم مكشـوفة لا يـعــتــريــهـا اللبس والكتماناثنان قد راموا القضاء عليهما وهـــمــا هـما الأديان والأوطانوخـصومهم بين الشعوب ثلاثة (الله) و(الإســلام) و(الــقــــرآن)وتـجـلت الآراء وانكشف الغطا وهوي الضلال وزلزل الـطغيانورسـت قــواعـد ديننا وتوطدت أركــانــه وعـلا لـه ســـلــطــانوتـعــززت أنـصــاره وتـــلألأت أنــــواره وتــــــركــز الإيـــمـاننــادي وقد وقف الوجود بأسره يصــغـــي لتسمع صوته الأذانودعا الأنام إلي السلام فإنه الرمز الرفيع إليه والعنوانوإلـــي العلـوم فكل شعب رازح فــي جهله فمصيره الخسرانوإلي التـطـــور والتحرر والعلا فــبــهـا يقوم المجد والعمرانوإلي العدالـة فهي روح نظامه وبـهـــا حقوق العالمين تصانهــذا هـو الإســلام ديــن محمد فـعــلام بـيـن الـمسلمين يهاننعم … هذا هو الإسلام، دين السلام والأمان، دين العلوم والمعارف، دين التطور والتحرر، دين العدالة التامة التي بها تصان حقوق العالمين أجمعين، وبالتالي فهو دين الحياة القويم الذي أمر بكل خير وحث عليه ونهي عن كل شر وحذر منه.ولذا كان الدين الخالد الذي بشر به الأنبياء والمرسلون أممهم لتكون متمسكة به علي علم وبصيرة وتكون بذلك(خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران/110).وعلي هذا نري أن الله تعالي لما وصف نبيه محمداً(صلي الله عليه و آله) بالرسالة والنبوة والأمية التي بها ظهر برهان رسالته وتحقيق إعجاز كتابه، وصفه بعد ذلك بكونه مبشراً به في التوراة والإنجيل وتري التفصيل في الفصل آلاتي.

الرسول الأعظم و بشائر الأنبياء به اسم النبي في التوراة والإنجيل

اشاره

قال تعالي: (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ) هذه الآية تدل علي أن اسم النبي(صلي الله عليه و آله) وصفته والبشارة بنبوته ورسالته من الله عز وجل مكتوبة في توراة موسي وإنجيل عيسي(عليهما السلام)، وأن أهل الكتاب من اليهود والنصاري يجدون ذلك فيما عندهم من التوراة والإنجيل.وهذا من أعظم الدلائل علي ثبوت نبوة الرسول الأعظم وأحقية رسالته، لأنه لو لم يكن مكتوباً باسمه وصفته في الكتابين المذكورين لكان ذكر هذا الكلام من المنفرات لليهود والنصاري عنه وعن تصديق ما جاء به، وحاشا لله أن ينفر الناس عن نبيه وتصديقه، فإذن لا بد وأن يكون مكتوباً ذلك في الكتابين التوراة والإنجيل بصورة بينة جلية تتم بها إقامة الحجة عليهم.ومن هنا جاءت البشارات به(صلي الله عليه و آله) متواترة من الرسل والأنبياء والأوصياء والأحبار والرهبان والحكماء والعلماء من زمن موسي إلي أن ولد(صلي الله عليه و آله) وبعد مولده الشريف [40] .يروي شيخنا الكليني في (الكافي) [41] عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنه قال: لما أنزلت التوراة علي موسي بشر بمحمد(صلي الله عليه و آله) … ثم نزل الأنبياء تبشر به حتي بعث الله المسيح عيسي بن مريم، فبشر بمحمد(صلي الله عليه و آله)، وذلك قوله تعالي (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) أي أن اليهود والنصاري يجدونه مكتوباً عندهم باسمه وصفته في التوراة والإنجيل، وهو قوله تعالي يخبر عن عيسي(وَإِذْ قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف/ 7) انتهي.ولنأخذ دروساً مما تفيده هذه الآية الكريمة من سورة الصف أنبأنا الله تعالي بها من أن عيسي أخبر بني إسرائيل مؤكداً لهم أنه رسول إليهم. ولم يقل أنه الله ولا أنه ابن الله ولا أنه ثالث ثلاثة [42] - تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً - بل إنه يوحد الله وأنه رسول منه إليهم.هذا أولاً، وثانياً إنه مصدق لما بين يديه من التوراة، أي أنه يصدق بنبوة موسي ورسالته السابقة عليه وإنزال الكتاب المقدس إليه من الله عز وجل، وهو التوراة.وثالثاً: إنه مبشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله)، كما صح عنه أنه قال: إن لي أسماء أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي يمحو الله فيَّ الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي [43] .فأحمد من أسمائه المباركة، وسمي به لأنه أكثر حمداً لله تعالي من غيره، ويحمد أيضاً لما فيه من الأخلاق والمحاسن أكثر مما يحمد غيره [44] .قال الشاعر:صلي الإله ومن يحف بعرشه والطيبون علي المبارك أحمداهذا، ويمكننا أن نتصور من مفاد هذه الآية الكريمة أن الأنبياء والمرسلين كحلقات مترابطة يسلم بعضهم إلي بعض ويؤيد بعضهم بعضاً يصدق اللاحق منهم بالسابق ويبشر السابق منهم باللاحق، فهم حلقات متماسكة في حقيقتها واحدة في اتجاهها ممتدة من السماء إلي الأرض حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة.وهذه هي الصورة اللائقة بحكمة الله عز وجل ومنهجه في عباده في أن لا يخلي الأرض من عامل فيها بخير يكون حجة علي أهلها ودليلاً لهم، وهو منهج واحد في أصله ولكنه متعدد في صوره وفق استعداد البشرية وحاجاتها وطاقاتها، حتي تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري وحتي تجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة تخاطب العقل الراشد علي ضوء تلك التجارب السابقة.ولكن البشرية غالباً دأبها التكذيب والعصيان لرسل الله وأنبيائه وحججه الهداة، اتباعاً منها للهوي واستكباراً علي الحق، قال تعالي: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَي الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَي أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الْكَافِرِينَ) (سورة البقرة/ 89 - 91).نعم لما جاءهم ما عرفوا من رسالة نبينا المبشر بها لديهم كفروا به ولم يصدقه إلا قليل منهم.هذا مع أن البشارة بنبينا(صلي الله عليه و آله) لم ينفرد بتبليغها عيسي(عليه السلام) فحسب، بل صدع بها الأنبياء والمرسلون الذين سبقوا عيسي بأجيال، وأثبتت بكتب الوحي المنزلة من قبله بقرون، كما علمنا هذا من الآية المبحوث عنها(الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ)، كما نعلم ذلك أيضاً من الآية السابقة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) [45] .وعلي كل فتكذيب اليهود والنصاري نبوة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم تكذيب لموسي ومن جاء بعده من الأنبياء والمرسلين، وتصديقه تصديق لهم عليهم السلام.هذا وقد صدق به صلي الله عليه وآله وآمن برسالته كثير من علماء اليهود والنصاري ورؤسائهم قبل بعثته وبعدها، لما وجدوا وقرءوا من صفاته المثبتة في التوراة والإنجيل، كما ينقل لنا التاريخ ذلك، والروايات مستفيضة به من طرق علماء المسلمين بل وغيرهم أيضاً.ونكتفي هنا بذكر رواية واحدة - من روايات كثيرة - وردت عن أهل البيت عليهم السلام، يرويها شيخنا الصدوق بسنده عن الإمام موسي بن جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام [46] ورواها الحاكم البيهقي في الدلائل، ونقلها عنهما السيوطي في الدر المنثور 3/ 132، عن علي(عليه السلام) أيضاً أنه قال: إن يهودياً كان له علي سول الله(صلي الله عليه و آله) دنانير، فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما اعطيك قال: فإني لا افارقك يا محمد حتي تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك فجلس معه حتي صلي في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله(صلي الله عليه و آله) إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك. فقال: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت إلا لأنظر إلي نعتك في التوراة، فأني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب [47] ولا متزين (مترين) بالفحش ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وهذا مالي فأحكم فيه بما أنزل الله. وكان اليهودي كثير مال - إلي أخر الخبر.

بشائر النبي بخلفائه الإثني عشر من أهل بيته

وحيث إن الأنبياء والمرسلين وجميع حجج الله علي العالمين - كما مر علينا - هم كحلقات مترابطة في السلسلة الطويلة الممتدة من السماء إلي الأرض ما دامت الأرض باقية، يبشر السابق منهم باللاحق ويصدق اللاحق منهم بالسابق. وقد شاء الله تعالي أن يكون نبينا محمد صلي الله عليه وآله هو خاتم النبيين، ولا نبي بعده كما أخبر أمته بذلك كتاباً وسنة(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (الأحزاب/ 41).وقوله(صلي الله عليه و آله) فيما تواتر عنه: "علي مني بمنزلة هارون من موسي لا أنه لا نبي بعدي" [48] .وقوله(صلي الله عليه و آله): "وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي".ولكنه(صلي الله عليه و آله) عملاً بسنة الله في خلقه ومنهجه الحكيم في عباده من أن لا يخلي الأرض من عامل عليها بخير، ودليل إلي سبيل نجاة، (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [49] ، لذا بشر(صلي الله عليه و آله) الأمة الإسلامية بخلفائه من بعده الأئمة الهداة الاثني عشر من أهل بيته، فذكرهم بأسمائهم وألقابهم وخصائصهم [50] ومميزاتهم، ونص علي خلافتهم، وأعلن فضلهم الذي فاقوا به غيرهم وأن لا تخلو الأرض من أحدهم حتي تقوم الساعة [51] .ذكر(صلي الله عليه و آله) تلك البشارة الكبري للأمة تدريجاً حسب اقتضاء الحكمة في التبليغ، من مبدأ أمره إلي منتهي عمره، تلويحاً وتصريحاً مرة بعد أخري. في المجتمعات الخاصة والعامة، لتتم بذلك الحجة علي الجميع. كما أوجب علي الجميع أطاعتهم واتباعهم والاقتداء بهديهم.هذا ما اعتقدناه جازمين، وصدقنا به مؤمنين، بالأدلة القطعية ونحيا ونموت ونبعث عليه أن شاء الله تعالي.وقد سّرنا ذلك وأحببناه وأردناه أخذاً بقوله(صلي الله عليه و آله) واستجابة لدعوته التي أمر الله سبحانه بها عباده المؤمنين(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [52] .قال(صلي الله عليه و آله): "من سره إن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فأنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي [53] .وقال(صلي الله عليه و آله): من أحب أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعده، فأنهم لن يخرجوكم باب هديً ولن يدخلوكم باب ضلالة [54] .وقال(صلي الله عليه و آله):من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب، فأنه لن يخرجكم من هدي ولن يدخلكم في ضلالة [55] .وقال(صلي الله عليه و آله) حين أخذ البيعة الأولي علي الأنصار بنصرته: أنا آخذ عليكم بما أخذ الله علي النبيين من قبلي أن تحفظوني وتمنعوني عما تمنعون أنفسكم عنه، وتمنعوا عن علي بن أبي طالب عما تمنعون أنفسكم عنه، وتحفظوه فأنه الصديق الأكبر، يزيد الله دينكم، وأن الله أعطي موسي العصا، وإبراهيم برد النار وعيسي الكلمات يحيي بها الموتي، وأعطاني هذا علياً، ولكل نبي آية وهذا آية ربي، والأئمة الطاهرون من ولده آيات ربي، لن تخلو الأرض من أهل الإيمان ما أبقي الله أحداً من ذريته [56] .(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19)ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ(20)مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) (التكوير 20-22).

بشائر الله لأنبيائه بنبينا و أهل بيته

تشير بعض الآيات القرآنية الكريمة مع ما ورد في تفسيرها وتأويلها عن النبي وأهل بيته عليهم السلام من طرق عديدة أن الله جل وعلا- كما بشر أنبياءه ورسله بخاتمهم محمد(صلي الله عليه و آله) كذلك بشرهم الله بأهل بيته وأعلن لهم فضلهم وأنهم خيرة خلقه [57] وأخذ عليهم العهد من بعده.وفي كثير من الأخبار تصريح بأن الأنبياء والمرسلين كانوا إذا ابتلاهم الله عز وجل بما ابتلاهم به في الدنيا - والدنيا دار بلاء وامتحان - كانوا يتوسلون بهم إلي الله تعالي أن يكشف عنهم ذلك البلاء فيستجيب الله لهم دعاءهم. وقد استفاض النقل بذلك من طرق الفريقين ولا سيما من طريق أهل البيت وشيعتهم، وإليك بعض النماذج مما ورد من طرق أهل السنة:قال تعالي: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (الزخرف/ 46).روي كثير من المفسرين والمحدثين من أهل السنة بأسانيدهم عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة أن النبي(صلي الله عليه و آله) لما أسري به إلي السماء جمع الله بينه وبين الأنبياء وأوحي إليه علي لسان ملك من ملائكته أن سلهم يا محمد علي ماذا بعثتم؟ فسألهم فقالوا: بعثنا علي شهادة لا إله إلا الله، وعلي الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب [58] .روي ذلك الثعلبي في تفسيره ونقله عنه:العلامة النيسابوري في غرائب القرآن 25/58، وهذا نصه قال: وعن أبن مسعود أن النبي(صلي الله عليه و آله) قال: أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت علام بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه (قال): رواه الثعلبي.ونقله آية الله العلامة الحلي عن ابن عبد البر المالكي.وخرجه العز المحدث الحنبلي عن عبد الله بن مسعود (كشف الغمة 1/312).ورواه جلال الدين السيوطي الشافعي بسنده في ذيل اللالي ص60، بعين ما تقدم عن الثعلبي.ورواه العلامة الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 في كفاية الطالب الباب الخامس ص23 بسنده عن عبد الله (يريد عبد الله بن مسعود) قال: قال النبي صلي الله عليه واله: يا عبد الله آتاني ملك فقال: يا محمد وأسال من أرسلنا من قبلك علي ما بعثوا. قال: قلت علي ما بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.ورواه الحاكم النيسابوري في النوع الرابع والعشرين من معرفة علوم الحديث (المصدر السابق).ورواه صاحب كتاب المناقب السبعين في الحديث 49 قال ما نصه: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): لما أسري بي في ليلة المعراج فاجتمع علي الأنبياء في السماء، فأوحي الله تعالي إلي: سلهم يا محمد بماذا بعثتم فقالوا: بعثنا علي شهادة أن لا إله إلا الله وحده، وعلي الإقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب. قال رواه الحافظ أبو نعيم (ينابيع المودة الباب 56 ص238).ورواه أبو نعيم الاصبهاني في حلية الأولياء عن ابن مسعود وأبي هريرة (كما نقلته المصادر المثبتة).ورواه العلامة الحمويني الشافعي في فرائد السمطين ص68 الباب 15 بسنده عن ابن عبد الله بن مسعود.ورواه موفق بن احمد اخطب خوارزم الحنفي المتوفي سنة 568 في كتابه المناقب في الفصل 19 ص221 بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): يا عبد الله آتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ قال: قلت علي ما بعثوا؟ قال: علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.ورواه الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ص 82 الباب15، وهذا نصه قال: موفق بن احمد والحمويني وأبو نعيم الحافظ بأسانيدهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): لما عرج بي إلي السماء انتهي بي السير مع جبرئيل إلي السماء الرابعة، فرأيت بيتا من ياقوتا احمر، فقال جبرئيل: هذا البيت المعمور، قم يا محمد فصل إليه، قال النبي: جمع الله النبيين فصفوا ورائي صفا فصليت بهم، فلما سلمت آتاني آت من عند ربي فقال يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك: سل الرسل علي ما أرسلتهم قبلك. فقلت: معاشر الرسل علي ماذا بعثكم ربي من قبلي؟ فقالت الرسل: علي نبوتك وولاية علي بن أبي طالب، وهو قوله تعالي (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) - الآية.ثم قال صاحب الينابيع أيضا: رواه الديلمي عن ابن عباس.ثم روي عن طلحة بن زيد عن جعفر الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): ما قبض الله نبيا حتي أمره الله أن يوصي إلي افضل عشيرته من عصبته، وامرني أن أوص إلي ابن عمك علي أثبته في الكتب السالفة، وكتبت فيها انه وصيك، وعلي ذلك أخذت ميثاق الخلائق وميثاق أنبيائي ورسلي، وأخذت مواثيقهم لي بالربوبية ولك يا محمد بالنبوة ولعلي بن ابي طالب بالولاية والوصية.

ايضاح و تعليق حول الآية والرواية

الآية في ظاهرها تدل علي ان الله سبحانه أمر رسوله محمد(صلي الله عليه و آله) أن يسأل الرسل الذين قبله ويقررهم هل جعل الله - الذي علي كل شئ قدير - آلهة يعبدون من دون الرحمن، الرحمن الذي وسعت رحمته كل شئ؟الجواب قطعا: لا.ونبينا(صلي الله عليه و آله) يعلم علم اليقين - قبل أن يؤمر بهذا السؤال من المرسلين وقبل أن يسألهم - إن الله لم يجعل آلهة يعبدون من دونه تعالي لاستحالة ذلك عقلا، وهو(صلي الله عليه و آله) سيد العقلاء وسيد الموحدين، فهو يعلم أن العبادة له سبحانه وحده لا شريك له. وهذا لا ريب فيه لكل مؤمن صادق الإيمان فضلا عن نبينا(صلي الله عليه و آله) المفضل علي الأولين والآخرين.فإذا لا بد من أن السؤال فيه ما قد خفي علي النبي(صلي الله عليه و آله)، لذا أمر أن يسأل عنه.فالروايات التي مرت علينا من طرق الفريقين أبانت لنا أن الشيء الذي كان قد خفي علي النبي(صلي الله عليه و آله) وأمره الله أن يسأل عنه المرسلين وأجاب به المرسلون بالفعل، هو انهم بعثوا علي الإقرار بتوحيد الله تعالي المعلوم عند النبي قبل أن يسال عنه، والإقرار بنبوته ورسالته وولاية وصيه وخليفته من بعده علي أمير المؤمنين. وهذان الأخيران هما اللذان ما كان يعلمهما النبي واعلمه بهما المرسلون قبله انهم بعثوا علي ولايته وولاية علي بن أبي طالب.ومن هنا نري إن اكثر الروايات المذكورة اكتفت بذكر نبوة نبينا وولاية ولينا، لأنهما الداعي إلي السؤال والتقرير من الرسل. والآية الكريمة بذاتها فيها أيضاً الدلالة علي الشهادات الثلاث تصريحا وتلويحا، أما الشهادة لله بالوحدانية فصريحة وظاهرة بالآية وأما الشهادة بنبوة النبي وولاية الوصي فملوح إليهما في الآية وبيان ذلك:أولاً - يجب أن نعلم إن المراد من العبادة إنما هي الطاعة لله في امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه والإخلاص له تعالي في ذلك بعد معرفته، دون غيره من أنواع الآلهة الموهومة [59] ، وهذا هو التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالي، وهو يقتضي أن ينصب الله - الرحمن الرحيم-لعباده رسلا وحججا معصومين منزهين يدعون العباد إلي عبادته لا شريك له في كل جيل ودور وفي كل أمة من الأمم لئلا يهلكوا، قال تعالي:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، أي اجتنبوا عبادة الطاغوت، والطاغوت مفرد يراد به الجمع، وهم رؤساء الضلال وأئمة الجور الذين تسلطوا بالقوة علي الأمم - بعضا أو كلا - فطاعة هؤلاء الرؤساء الذين لم ينصبهم الله ولم يأمر بإطاعتهم ومتابعتهم - في مقابلة إطاعة رسول الله وحججه - نوع من الشرك بالله والعبادة لغيره تعالي.فقوله عز من قائل في الآية الكريمة:(وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) يمكن أن يراد بالآلهة هنا رؤساء الضلال وأئمة الجور الذين لم يجعل الله لهم الإمامة والولاية. ولم يأمر بإطاعتهم ومتابعتهم، بل نصب رسلا وحججا علي كل أمة، وجعل لهذه الأمة - التي هي خير الأمم - نبيا هو افضل الأنبياء ووصيا له هو خير الأوصياء وحججا من ذريتهما هم افضل الحجج من بعدهما وهم جميعا الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم الذين بعث الأنبياء والرسل علي الإقرار بولايتهم العامة وفضلهم وتفضيلهم،كما قال الإمام الصادق(عليه السلام):ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا علي من سوانا.وأمر النبي(صلي الله عليه و آله) أن يسألهم عن هذه الحقيقة الواقعة، وأجابوه بها.(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [60] .

تحقيق شيخنا المظفر حول الموضوع

وإليك ما أفادنا به شيخنا الحجة الشيخ محمد حسن المظفر [61] موضحاً ومستدلاً بالآية والروايات المصرحة ببعثة الأنبياء علي ولاية النبي وعلي عليهما الصلاة والسلام بما يلي:ودلالتها علي إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) واضحة، فإن بعث الرسل وأخذ الميثاق عليهم في القديم بولاية علي عليه السلام وجعلها محل الاهتمام العظيم في قرن أصلي الدين الربوبية والنبوة لا يمكن أن يراد بها إلا إمامة من له الفضل عليهم كفضل محمد صلي الله عليه وآله، ولا سيما مع عطف الوصية عليها في رواية طلحة [62] ، فلا يضر حينئذ اطلاق الولاية علي معان كثيرة بعد هذه القرينة الصريحة في إرادة الإمامة.فإن قلت: لم تذكر الآية الكريمة النبوة والإمامة، بل ولا الإرسال بشهادة أن لا إله إلا الله، فإنها قالت: (اجعلنا) ولم تقل أرسلناهم بالشهادة.قلت: السؤال والاستفهام في الآية للتقرير، بمعني تقرير الرسل عن أمر أستقر عندهم نفيه، وهو جعل الآلهة من دون الرحمن يعبدون، لكن لما كان المناسب لتقرير الرسل بما هم رسل هو تقريرهم عما أرسلوا به كان الظاهر إرادة تقريرهم عن ذلك بما هم رسل بنفيه، وهو راجع إلي الإرسال بالشهادة بالوحدانية. فصح ما أفادته الروايات من أن المراد بالآية السؤال عما بعث به الرسل من الشهادة بالوحدانية، ولما كان بعثهم بهذا معلوماً للنبي صلي الله عليه وآله البتة لم يحسن أن يراد أن يقررهم به خاصة، بل ينبغي أن يراد تقريرهم به بضميمة مالا يعلم النبي إقرارهم به لعدم علمه بإرسالهم عليه، وهو الذي ذكرته الروايات - أعني إرسالهم علي نبوته وإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام).وإنما لم تذكره الآية الشريفة للاكتفاء بذكر الأصل، وهو بعث علي الشهادة بالوحدانية، كما أن بعض الروايات المذكورة اكتفت بذكر نبوة نبينا وإمامة ولينا، لأنهما الداعي إلي السؤال والتقرير مع وضوح بعثهم علي الشهادة بالوحدانية لكونه الأصل ولذكر الآية له، فما أعظم قدر نبينا الأطيب وأخيه الأطهر عند الله تبارك وتعالي حتي ميزهما علي جميع عباده وأكرمهما ببعث الرسل الأكرمين علي الإقرار بفضلها ورسالة محمد وإمامة علي، وأخذ الميثاق عليهم بهما مع الشهادة بالوحدانية فحق لذريتهما أن يفتخروا بما افتخر الشريف الرضي به، وهو قول الفرزدق:أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع

بشائر الله لآدم بنبينا و أهل بيته و توسله إلي الله بهم

قال الله تعالي: (فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة/ 37).مما جاء في تفسير الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه هي دعاؤه وتوسله إلي الله تعالي بالخمسة أهل الكساء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا ما تاب عليه فاستجاب الله دعاءه وتاب عليه.جاء هذا مروياً بوضوح في روايات كثيرة ومستفيضة من طرق الفريقين الشيعة [63] وأهل السنة، وإليك بعض روايات أهل السنة في ذلك:روي العلامة البيهقي في دلائل النبوة عن عمر بن الخطاب قال آدم: أسألك بحق محمد وآله إلا غفرت لي. إلي قوله: ولولا هو ما خلقتك (تفسير اللوامع 1/215).وروي العلامة ابن عساكر في كلا مسنديه عن عمر بن الخطاب بعين ما تقدم (المصدر السابق) نقلنا هذين الحديثين عن كتاب إحقاق الحق 3/77.وروي العلامة ابن المغازلي في (المناقب - مخطوط) بسنده عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: سأل رسول الله(صلي الله عليه و آله) عن الكلمات التي تلقاها آدم(عليه السلام)، فقال(صلي الله عليه و آله):سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فتاب عليه وغفر له [64] .وروي أبو الفتح محمد بن علي النطنزي المولود سنة 480هـ في كتابه (الخصائص) عن ابن عباس أنه قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك، فلما أسجد له الملائكة، قال: يا رب خلقت خلقاً هو أحب إليك مني؟ قال: نعم ولولاهم ما خلقتك. قال: يا رب فأرنيهم، فأوحي الله إلي ملائكة الحجب: أن رفعوا الحجب، فلما رفعت إذا آدم، هذا محمد نبيّي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيّي. ثم قال: يا آدم هم ولدك ففرح بذلك، فلما اقترف الخطيئة قال:يا رب أسألك بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي، فغفر الله له. فهذا الذي قال الله تعالي: (فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: اللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تُبت علّي، فتاب الله عليه [65] .وروي عبد الرحمن الصفوري الشافعي المتوفي سن 884 عن جعفر الصادق(عليه السلام) في قوله تعالي:(فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) جاء فيه:أن آدم لما كان في الجنة رفع رأسه إلي القبة فوجد خمسة أسماء مكتوبة من نور: أنا المحمود وهذا محمد، وأنا الأعلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ومني الإحسان وهذا الحسين، فقال جبرئيل: يا آدم احفظ هذه الأسماء فإنك تحتاج إليها فلما هبط آدم (أي من الجنة بعد اقترافه الخطيئة) بكي… ثم دعا بهذه الأسماء، وقال: يا رب بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، يا محمود يا أعلي يا فاطر يا محسن أغفر لي وتقّبل توبتي… [66] الحديث.ورواه العلامة المولي معين الكاشفي عن الصادق أيضاً في (معارج النبوة) ص9 [67] .وروي العلامة جلال الدين السيوطي الشافعي في تفسيره، عن ابن عباس عين ما تقدم عن ابن المغازلي رقم -3 [68] .ثم روي السيوطي في تفسيره أيضاً، عن علي(عليه السلام):سألت النبي(صلي الله عليه و آله) عن قول الله (فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) فقال: إن الله أهبط آدم بالهند… إلي أن قال: ومكث آدم باكياً علي خطيئته حتي بعث إليه جبرئيل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال: بلي، قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء وقد أخرجت من جوار الرحمن؟ قال: فعليك بهذه الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوء وظلمت نفسي فأغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوء وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم فهؤلاء الكلمات التي تلقي آدم [69] المراد من لفظة - هؤلاء - أي محمد وآله.وروي العلامة السيوطي أيضاً في (جمع الجوامع) في باب جامع الدعاء، قال: "روي أن الكلمات التي تلقاها آدم: اللهم أسألك بحق محمد وآل محمد، تب علي إنك أنت التواب الرحيم [70] .وروي العلامة ابن النجار عن ابن عباس بعين ما تقدم عن ابن المغازلي [71] .وروي العلامة الديلمي في (مسند الفردوس) بسنده عن علي. وقد تقدم الحديث برقم (8) [72] .وروي الشيخ علي الهندي الحنفي في (كنز العمال) عن علي، الحديث الذي تقدم برقم (8) نقله عن (مسند الفردوس) للديلمي، وذلك في تفسير سورة البقرة [73] .وروي الشيخ سليمان الحنفي عن ابن المغازلي بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس الحديث المتقدم برقم (3) [74] .وروي العلامة البدخشي في (مفتاح النجا) ص16 عن الدار قطني، وابن النجار، عن ابن عباس. كما تقدم برقم (3) [75] .والعلامة عبد الله الشافعي في (المناقب) المخطوط ص 33 [76] .العلامة محمد بن أحمد الحنفي في (در بحر المناقب) ص46 مخطوط [77] .العلامة جلال الدين السيوطي في (ذيل اللئالي) ص57 وقد أخرجه عن ابن النجار بسنده كما تقدم [78] .وروي الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) نقلاً عن (المناقب) عن المفضل، قال: "سألت جعفر الصادق عن قوله تعالي (وَإِذْ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنّ…َ) (البقرة/ 125)، قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تُبت عليّ، فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يا بن رسول، فما يعني بقوله: (فَأَتَمَّهُنّ)، قال: يعني أتمهن إلي القائم المهدي أثنا عشر إماماً تسعة من ولد الحسين(عليهم السلام) [79] .وروي صاحب كتاب (المناقب السبعين) عن ابن عباس الحديث المتقدم رقم (3) نقله عن ابن المغازلي [80] .وروي العلامة الشيخ جمال الدين محمد بن احمد الحنفي الموصلي الشهير بابن حسنويه المتوفي سنة 680 في كتابه (در بحر المناقب) ص265 مخطوط، روي الغفاري وحذيفة بن اليمان وأبي هيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وأبي الطفيل وعمرو بن وائلة [81] بعد أن دخلوا عليه وحدثهم النبي(صلي الله عليه و آله) عن فضل علي(عليه السلام) إلي أن قال: "فإني افضل النبيين، ووصي أفضل الوصيين، وأن آدم لما رأي أسمي وأسم أخي علي وأسم فاطمة والحسن والحسين مكتوباً علي ساق العرش بالنور، قال: إلهي خلقت خلقاً وهو أكرم عليك مني؟ قال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ولا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ولا خلقتك يا آدم. فقال: إلهي وسيدي فبحقهم عليك إلا غفرت لي خطيئتي، فكنا نحن الكلمات التي قال الله تعالي:(فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ)، ثم قال تعالي: أبشر يا آدم فإن هذه الأسماء من ذريتك، فحمد الله وأثني عليه وسبحه وهلله، وافتخر علي الملائكة بنا، فهذا من فضلنا عند الله تعالي، ومن فضل الله تعالي علينا…" [82] .

دلالة البشائر علي أفضلية أهل البيت و أنهم علة الوجود

تدل الآية المتقدمة مع ما ورد في تفسيرها بهذه الأخبار دلالة واضحة علي ما يلي:أولاً - أفضليتهم علي جميع العالمين، لأن توسل آدم - وهو أول خليفة لله في الأرض، وأول النبيين والمرسلين - بمحمد وآله بتعليم الله سبحانه وهم في آخر الزمان، والأعراض عن التوسل بأعاظم المرسلين وهم أقرب إليه زماناً، لأدل دليل علي فضلهم علي جميع العالمين.ثانياً - عصمتهم من كل زلل، وإن كان من قبيل المكروهات. فإن آدم إنما عصي بارتكاب المكروه، فلا يصح التوسل بهم في التوبة عما ارتكب من المكروه إلا لأنهم لم يرتكبوا معصية ومكروهاً قط. إذ ليس بين الله وبين أحد قرابة، إنما أحب العباد إليه وأقربهم زلفة لديه، أطوعهم له، كما قال تعالي:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 14)، فلو لم يكن محمد(صلي الله عليه و آله) وأهل بيته أطوع خلق الله لله، وقد علم الله تعالي منهم تمام الطاعة والانقياد بحيث لم يصدر منهم حتي المكروه، لما أمر تعالي آدم وغيره من الأنبياء والمرسلين بعده بالتوسل بهم إليه.ثالثاً - انحصار خلافة الرسول(صلي الله عليه و آله) في آله، لفضلهم علي الأنبياء دون سائر أمة محمد(صلي الله عليه و آله) إذ لا يمكن أن يكون المعصوم من كل زلة والمفضل حتي علي أعاظم الأنبياء والمرسلين رعية ومأموماً لسائر الناس ولا سيما لمن أفني أكثر عمره بالشرك وعبادة الأوثان وقضي باقيه بالفرار من الزحف والعصيان.وإذا ثبت تفضيلهم علي العالمين، وكانوا معصومين من كل معصية ومكروه، وكانوا خلفاء الرسول من بعده، تعين وجوب أطاعتهم واتباعهم والاهتداء بهديهم دون غيرهم ممن خالفهم.هذا ما دلت عليه الآية الكريمة مع الأخبار المروية في تفسيرها من الطريقين.علي أنه قد وردت أخبار كثيرة خاصة في باب بشارة الله لآدم بنبيه(صلي الله عليه و آله) وأهل بيته - وهو إذ ذاك في الجنة قبل هبوطه منها وقبل اقترافه المعصية - صريحة في تفضيلهم علي العالم كله، وأن العالم مخلوق لأجلهم، وقائم بهم، وأنهم علة الكائنات [83] .وإليك جملة من هذه الروايات:ما رواه شيخ الإسلام الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) وأبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه، ونقله عنهما العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في كتابه (أرجح المطالب) بسنديهما عن أبي هريرة، عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال:"لما خلق الله تعالي آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه، ألتفت آدم يمنة العرش، فإذا في النور خمس أشباح سجداً ركعاً، قال آدم هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم، قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم أسماء من أسمائي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا ولي الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزتي أنه لا يأتي أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجي وبهم أهلك، قال: إذا كانت لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسل. فقال النبي(صلي الله عليه و آله): نحن سفينة النجاة، من تعلق بها نجا ومن حاد عنها هلك. فمن كان له إلي الله حاجة، فيسأل بنا أهل البيت" [84] .ما رواه صاحب كتاب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) - من طريق أهل السنة - بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): "لما خلق الله عز وجل آدم نظر إلي سرادق العرش فرأي مكتوباً: لا إلي إلا الله، محمد رسول الله، وأسماء أربعة. فقال آدم: يا إلهي خلقت خلقاً من إنسٍ قبلي؟ فقال: لا، فقال: وما هذه الأسماء التي أراها؟ فقال: يا آدم هؤلاء خيرتي من خلقي وصفوتي، يا آدم لولا هؤلاء ما خلقت الجنة والنار، وإياك أن تنظر إليهم بعيد الحسد… ثم قال(صلي الله عليه و آله): فلما أكل آدم من الشجرة، وأخرج من الجنة ونال الخطيئة، وأراد التوبة قال في توبته وتضرعه إلي ربه: إلهي بحق الخمسة الذين علي سرادق العرش إلا غفرت لي فأوحي الله تعالي: يا آدم قد غفرت لك، فكان ذلك في سابق علمي فيك فقال آدم: بحق هؤلاء الخمسة إلا عرفتني من هؤلاء؟ قال تعالي: يا آدم هؤلاء الخمسة من ولدك شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي العظام، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العالي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، وأنا قديم الإحسان وهذا الحسين" [85] .ما رواه القاضي أبو عمر عثمان بن احمد أحد شيوخ أهل السنة، يرفعه إلي ابن عباس، عن النبي ص): "إن آدم نظر إلي أشباح تضيء حول العرش، فقال: يا رب إني أري أشباحاً تشبه خلقي، فما هي؟ قال: هذه الأنوار أشباح اثنين من ولدك، أسم أحدهما محمد أبدأ النبوة بك وأختمها به، والآخر أخوه وابن أخي أبيه، أسمه علي أؤيد محمداً به وأنصره علي يده، والأنوار التي حولهما أنوار ذرية هذا النبي من أخيه هذا، يزوجه أبنته، أجعلها سيدة النسوان، وأفطمها وذريتها من النيران، تنقطع الأسباب والأنساب يوم القيامة إلا سببه ونسبه. فسجد آدم شكراً لله أن جعل ذلك من ذريته فعوضه الله عن ذلك السجود أن أسجد له ملائكته" [86] .ما رواه العلامة ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) بسند عن جعفر بن محمد (أي الصادق) عن أبيه عن جابر رضي الله عنه مرفوعاً: "لما خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنة، وقالا: من أحسن منا؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم يُر مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار. قالا: يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة سيدة نساء ولدك. قال: ما هذا التاج علي رأسها؟ قال: علي بعلها، قال: فما القرطان؟ قال: أبناها، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام" [87] .ما رواه الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) عند عبد الله بن عباس رفعه: "لما خلق الله آدم وحواء يفتخران في الجنة، فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منا؟ فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يطفئ الأبصار. علي رأسها تاج وفي أذنيها قرطان، قالا: وما هذه الجارية؟ قال الله: هذه صورة فاطمة بنت محمد سيد الأولين والآخرين. قالا: ما هذا التاج؟ قال: هذا بعلها علي بن أبي طالب، قالا: وما هذان القرطان؟ قال: الحسن والحسين أبناها، أوجدت ذلك قبل أن أخلقك بألفي عام" [88] .ورواه بهذا النص السيد علي بن شهاب الهمداني في كتابه (مودة القربي) في المودة الحادية عشرة [89] .ما رواه العلامة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في (نزهة المجالس) قال: "قال الكسائي وغيره: لما خلق الله آدم… إلي أن قال: وعيه جارية لها نور وشعاع وعلي رأسها تاج من الذهب مرصع بالجواهر لم ير آدم أحسن منها، فقال: يا رب من هذه؟ قال: فاطمة بنت محمد، فقال: يا رب من يكون بعلها؟ قال: يا جبرئيل افتح له باب قصر من الياقوت، فرأي فيه قبة من الكافور فيها سرير من ذهب، عليه شاب حسنه كحسن يوسف، فقال: هذا بعلها علي بن أبي طالب، فقال آدم: ي رب هل لها أولاد؟ فأمر الله جبرئيل أن يفتح باب قصر من اللؤلؤ ففتح وفيه قبة من الزبرجد فيها سرير من العنبر عليه صورة الحسن والحسين…" [90] الحديث.ما رواه الحافظ أخطب خوارزم الحنفي بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): "لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم فقال: الحمد لله، فأوحي الله إليه: حمدتني عبدي، وعزتي وجلالي لولا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني؟ قال: نعم يا آدم أرفع رأسك وأنظر، فرفع رأسه فإذا هو مكتوب علي العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله نبي الرحمة، غلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، وأقسمت بعزتي أن أدخل الجنة من أطاعه وإن عصاني، وأقسمت بعزتي أن أدخل النار من عصاه وأن أطاعني" [91] .ونقله الشيخ سليمان الحنفي عن الخوارزمي في (ينابيع المودة)، حتي قوله: "علي مقيم الحجة" وأسقط بقية الحديث.ولقد أجاد العلامة الشاعر المعاصر، صديقنا السيد محمد الحيدري بقوله من قصيدة علوية غراء:بــشــرت باسمه النبيون طراً فــأســأل الأنــبــيــاء والأوصياءابـــشـــرت باسمه وباسم نبي هــاشــمـــي ســيـخــتــم الأنبياءافـــهـما عـلـة الخليقة إذ لولا هـمـا لــم يـــــكّـــون الأشــيـــاءاوهـمـا لـلـوجــود مصدر نور بــهــمــا الله يـكـشـف الـظـلـماءالـهــمـا طـأطـأ المــلائــك لما عــــــــلـــم الله آدم الأســـمــــاءاخـلـق الله نــورهــم فــاستقر الـنـور فـي آدم يـــشــع ســنــاءافــلـذا أوجـب الســجــود إليه حـيـث قـد كــان عـيـبـة ووعــاءاهكذا نــــصــت الأحاديث والأ نباء إن كـنت تسمع الأنباءا [92] .

توسل الأنبياء إلي الله بنبينا وأهل بيته

نعم، هكذا كانت بشارة الله جل وعلا لآدم بأهل البيت، وهكذا كان توسل آدم بهم إلي الله في قبول نبوته، وهكذا بشر الله أيضاً بأهل البيت عليهم السلام أنبياءه المرسلين من أولي العزم نوحاً وإبراهيم وموسي وعيسي، وغيرهم كإسماعيل ويعقوب ويوسف وأيوب وداود وسليمان… وتوسلوا بهم إلي الله في كشف ما ابتلوا به من أنواع البلاء، واستجاب الله لهم، كما صرحت بذلك الأخبار الأحاديث الواردة عن الصادق الأمين وأهل بيته الأطهار من طرق الفريقين ولا سيما من طرق أهل البيت وشيعتهم.راجع (عيون أخبرا الرضا) لشيخنا الصدوق [93] تري فيه بشارة الله لآدم، وأنه نظر إلي ساق العرش، ورأي أسماء الخمسة الأطهار، وأن الله أوحي إليه أن هؤلاء من ذريتك، وهم خير منك… الخ. والذي رواه أيضاً في كتابه (معاني الأخبار) [94] كما نقله عنه المجلسي [95] .وراجع (الأمالي) للصدوق أيضاً [96] ، تجد فيه عند ذكر قصة يوسف، حيث يرويها عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ما يأتي: "فهبط جبرئيل علي يعقوب، فقال: يا يعقوب ألا أعلمك دعاءً يرّد الله عليك به بصرك ويرد عليك ابنيك؟ قال: بلي، قال: قل ما قاله أبوك آدم فتاب الله عليه، وما قاله نوح فاستوت به سفينته علي الجودي ونجي من الغرق، وما قاله أبوك إبراهيم خليل الرحمن حين ألقي في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، فقال يعقوب: وما ذاك يا جبرئيل؟ فقال: قل: يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن تأتيني بيوسف وبنيامين جميعاً، وترد علي عيني، فما استتم يعقوب هذا الدعاء حتي جاء البشير فألقي قميص يوسف عليه فأرتد بصيراً، فقال لهم: ألم قل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون….".وروي الصدوق في (الأمالي) [97] أيضاً، بسنده عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: "أتي يهودي النبي(صلي الله عليه و آله) فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسي بن عمران النبي الذي كلمه الله، وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر وأظله بالغمام؟ فقال له النبي(صلي الله عليه و آله): إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول: إن آدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفرها الله له، وأن نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما نجيتني من الغرق فنجاه الله، وأن إبراهيم لما ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها فجعلها الله برداً وسلاماً، وأن موسي لما ألقي عصاه، وأوجس من نفسه خيفة قال: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني، فقال الله جل جلاله: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَي) (طه/ 69). يا يهودي إن موسي لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته نبوته. يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته فقدمه وصلي خلفه"(59).وروي الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي - المعاصر للإمام الحسن العسكري - في تفسيره حديثاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) في قصة إبراهيم وإلقائه في النار جاء فيه: "فدعا إبراهيم ربه بسورة الإخلاص: يا الله يا واحد يا أحد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، نجني من النار برحمتك. فالتقي معه جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلي ب العالمين فنعم، فدفع إيه خاتماً عليه مكتوب… لا إله إلا الله، محمد رسول الله، الجأت ظهري إلي الله، اسندت أمري إلي الله، وفوضت أمري إلي الله [98] ، فأوحي الله إلي النار: كوني برداً، فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتي قال: وسلاماً علي إبراهيم، وانحط جبرئيل معه في يحدثه في النار، ونظر إليه نمرود. فقال: من اتخذ إلهاً فليتخذ مثل إله إبراهيم… الحديث" [99] :وروي القمي أيضاً في تفسيره حديثاً بسنده عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) جاء فيه."وكان مما ناجي الله موسي(عليه السلام) يا موسي، لا أقبل الصلاة إلا لمن تواضع لعظمتي، وألزم قلبه خوفي، وقطع نهاره بذكري [100] ، ولم يبت مصراً علي الخطيئة، وعرف حق أوليائي وأحبائي، فقال موسي: يا رب تعني بأوليائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب؟ قال: هو كذلك، إلا أني أردت بذلك مّن من أجله خلقت الجنة والنار، فقال: ومن هو يا رب؟ فقال: محمد أحمد، شققت أسمه من أسمي، لأني أنا المحمود، فقال موسي: يا رب اجعلني من أمته. فقال: يا موسي أنت من أمته إذا عرفته وعرفت منزلته، ومنزلة أهل بيته… [101] فيمن خلقت كمثل الفردوس في الجنان لا ينتثر ورقها ولا يتغير طعمها، فمن عرفهم وعرف حقهم جعلت له عند الجهل علماً، وعند الظلمة نوراً، اجيبنه قبل أن يدعوني، واعطينه قبل أن يسألني"(64).وروي القمي أيضاً في (تفسيره) قال: "وحدثني أبي عن الحسن ابن محبوب، عن الحسين بن عمارة، عن ابن سيارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما طرح أخوة يوسف، يوف في الجب دخل عليه جبرئيل وهو في الجب فقال: يا غلام من طرحك في هذا الجب؟ فقال له يوسف: أخوتي، لمنزلتي من أبي حسدوني، لذلك في الجب طرحوني، قال: فتحب أن تخرج منها؟ فقال له يوسف: ذلك إلي إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، قال: فإن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب يقول لك: قل: اللهم إني أسألك فأن لك الحمد كله لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، صل علي محمد وآل محمد وأجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً وارزقني من حيث احتسب ومن حيث لا احتسب. فدعا ربه فجعل الله له من الجب فرجاً، ومن كيد المرأة مخرجاً، وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب" [102] .وهذا الحديث الشريف رواه كثير من علمائنا الأعلام. فمنهم القمي كما قرأت حديثه، ومنهم المحدث الجليل محمد بن مسعود العياشي الذي عاش في أواخر القرن الثالث الهجري، رواه في (تفسيره ج2/ 170) وشيخنا الصدوق في كتاب (دلائل النبوة)، كما رواه عنه شيخنا الطبرسي في (مجمع البيان) ج3/ 217، ونقله المجلسي عنهم في (البحار) ج12/ 247. ورواه شيخنا الكليني في (الكافي)، كما نقله عنه المولي محمد محسن الفيض في (تفسيره الصافي) ج4/ 825، كما نقله عن كل من القمي والعياشي والطبرسي، ورواه العلامة السيد هاشم البحراني في تفسيره (البرهان) ج1/ 497. وكذلك السيد نعمة الله الجزائري في (النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين) ص133 [103] .ومن أهل السنة حكاه الثعلبي في قصص الأنبياء المسمي بـ (عرائس التيجان) قال ما نصه:"فلما كان في اليوم الرابع أتاه جبرئيل(عليه السلام) قال: يا غلام من طرحك هاهنا في هذا الجب؟ قال: أخوتي لأبي، قال: ولم؟ قال: حسدوني علي منزلتي من أبي. قال: أتحب أن تخرج من هذا الجب؟ قال: نعم، قال: قل: يا صانع كل مصنوع، ويا جابر كل مكسور، ويا حاضر كل ملأ، ويا شاهد كل نجوي، ويا قريباً غير بعيد، ويا مؤنس كل وحيد، ويا غالباً غير مغلوب، ويا عالم الغيوب، ويا حياً لا يموت، ويا محيي الموتي، لا إله إلا أنت سبحانك، أسألك يا من له الحمد، يا بديع السماوات والأرض، يا مالك الملك، ويا ذا الجلال والإكرام، أسألك أن تصلي علي محمد وعلي آل محمد، وأن تجعل لي من أمري ومن ضيقي فرجاً ومخرجاً، ترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب. فقالها يوسف، فجعل الله له من الجب مخرجاً، ومن كيد أخوته فرجاً، وآتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب" [104] .

مما نظمه الشعراء في توسل الأنبياء بأهل البيت

نظم الشعراء قديماً وحديثاً بشائر الله لأنبيائه ورسله بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) وأهل بيته، وتوسلهم إليه تعالي بعظيم شأنهم عنده لرفع البلاء عنهم، واستجابة الله تعالي لهم دعاءهم بكشف البلاء عنهم بسببهم صلوات الله عليهم.فمن ذلك قول علاء الدين الحلي (المعروف بالشفهيني) من علماء وشعراء القرن الثامن الهجري، في بعض علوياته السبعة من قصائده العامرة. منها:وأســأل عـــن الـكـلـمـات لـما أنها حــقــاً تــــلــقـــي آدم فــَـتـــقـــبـــتــلاثــم اجــتــبـــاه فــأودعــا في صلبه شـــرفـــاً لــه وتــكـــرمــــاً وتــبــجّلاوتــقــلــبّــــا في الساجدين وأودعا في أطــهــــر الأرحــام ثـم تــنـــقــــلاحــتــي اسـتــقر النور نوراً واحداً في شيبة الحمد بن هاشم يجتلي [105] .قُــســمــا لـحــكـم ارتضاه فكان ذا نعم الــوصـــي وذاك أشـرف مرسلافـعــــلي نفس مــحـمـد ووصــيـــه وامــيــنــه وســواه مــأمـــون فـــــلاوشقيق نــبــعــته وخير من اقتفي مـــنـــهــاجــه وبــه اقــتــدي وله تلامــولــيً بــــــه قبل المهيمنُ آدماً لـــمــــا دعـــا وبـــه تـــوســّــــل أولاوبه استقر الفلك فــي طــوفــانـه لــمــا دعــا نـــــوح بـــه وتــوســـــلاوبه خبت نـــار الـخليل وأصبحت بــرداً وقـــد أذكـــت حــريــقــاً مشعلاًوبــه دعــــا يعقوب حين أصابه من فقد يوسف ما شـجــاه وأثــقـــلاوبـــه أماط الله ضّـــر نــبــيــــه أيــوب وهـــو الــمــســـتكين المبتليوبــه دعـــا داود حــين غشاهم جــالــوت مــقــتــحــماً يقود الجحفلاألــقاه دامــغـــة فــأردي شــلوه مــلـــقــــي وولــــي جــمـعـــه متجفلاوبـه دعــا لما عليه تسور الـــــ ـخصمان محراب الـصــلاة وأدخــــلاوقضي علي أحديهما بالظلم في حكم النــعــــاج وكــــان حكماً فيصلافتجاوز الرحمن عنه تـــكــرمــاً وبــه ألان لـــه الــحــديـــد وســــهّلاوبه سليمان دعا فتســــخــــرت ريــح الــرخــاء لأجــلــه ولـــــه علاوله استقر الملك حين دعــا به عــمــر الـحــيـــــاة فعاش فيه مخولاوبه توسـّــل آصــف لـــــما دعا بسرير بــلـــقـــيـــس فــجــاء معجلاوبه دعا عيسي فأحيا مـــيــتـــاً مــن قــبــره وأهــال عــنـــه الجندلاالعالم العلم الرضي المرتـضي نور الــهــدي ســيف العلا، أخ العلامن عنده علم الكتاب وحكـــمه ولـه تــأول مــتــقــنــاً ومـحــصـــــلاوإذا علت شرفاً ومجداً هـاشـم كان الوصي بها المعم المخولا [106] .وقال الشيخ صالح العرندسي الحلي من علماء وشعراء القرن التاسع:ولــولاهــم لــم يخــلـــق الله آدمـــاً ولا كان زيد في الأنام ولا عمروولا سطحت أرض ولا رفعت ســماً ولا طلعت شمس ولا أشرق البدرونــوح بهم في الفلك لما دعا نــجا وغيض به طوفانه وقضـي الأمرولــولاهــم نـــار الخليل لما غــدت سلاماً وبرداً وانطفي ذلـك الجمرولــولاهــــم يعقوب ما زال حــزنه ولا كان عن أيوب ينكـشف الضرولآن لداود الـــحـــديـــد بـــــسرهم فقدر في سرد يــحــيـــر به الفكرولما سليمان البـسـاط بـــه ســري أسليت له عين يفــيض له القطروســخــرت الـريح الـــرخاء بأمره فغدوتها شهر وروحــتــهــا شـهرولولاهم ما كان عيـــسي بن مريم لعازر من طي الـلـحود له نــشــرسري سرهم في الكائنات وفضلهم وكل نبي فيه من سرهم سر [107] .وقال الشيخ مغمس بن داغر الحلي من أعلام الشعراء في القرن التاسع في بعض قصائده:عرج علي المصطفي يا سائق النجب عــرج علــي خــير مبعوث وخير نبيعرج علي الـسيد المبعوث من مضر عــــــــــرج علي الــصــادق الـمنـــــعوت في الكتبعرج عــلـــي رحـمة الـباري ونعمته عــــرج علـي الأبطحي الطاهر النسبرآه آدم نـــــــوراً بــــيـــن أربــــعــــة لألاؤها فوق ســاق العـرش من كثبفــقــال: يـا رب مـــن هذا؟ فقـــيل له قول الــمحـب وما في القول من ريبهـــم أولـــيــائــي وهــم ذرية لــكــما فــقــرَّ عــيــنــاً ونــفــســاً فـيهم وطبأمــا وحــقــهــم لــولا مــكـــانـــــهــم مــنـــي لــمــا دارت الأفــلاك بـالقطبكــلا ولا كــان من شـمس ولا قــمـر ولا شــهــاب ولا أفـــق ولا حـــجــــبولا ســمــاء ولا أرض ولا شــجــــر للناس يهمي عليه وأكف السحب [108] .ولا جــــنــان ولا نــار مــؤجـــــجـــة جــعــلــت أعــدائــهـم فيها من الحطبوقــال لــلــمــلأ الأعــلـــي ألا أحــــد ينبي بأســمـــائــهـــم صــدقــاً بلا كذبفــلــم يــجــيـــبــوا فــأنـــبــا آدم بهم لهــا بــعــلـــم من الجبار مكتسب [109] .فـقــال لـلملأ الأعلي أسجــدوا كـملاً لآدم وأطــيــعــوا واتـقـــــوا غـــضـبيوصــيــر الله ذاك الــنــور ملــتــمعـاً فــي الوجــه مــنه بــوعـد منه مرتقبوخـاف نــوح فــنــاجــي ربــه فــنجا بهم علي دُسر الألــواح والــخـــشـــبوفي الجحيم دعا الله الـخـــليل بـهـم فأخــمــدت بـعــد ذاك الحـــر والــلـهبوقد دعا الله موسي إذ هوي صعقــاً بــحــقــهــم فــنــجــا مــن شـدة الكربفـــظــل منـتـقــلاً والله حــافــظـــــه ً عــلــي تــنــقــلــه مــن حـــادث النوبحــتي تقسم في عبد الإله مــعــــــاً ً وفي أبي طالب مـــن عــبــد مــطــلــبفــــأودع الله ذاك القـســـــم آمـنـة ً يــومــاً إلـــي أجل بالحمل مقترب [110] .إلي أن قال:يـا مـن بـه أنــبــيــاء الله قد ختموا فـــــليس من بعده في العالمين نبيإن كنت في درجات الوحي خاتمهم فــأنـــت أولـهـــم فــي أول الــرتـبقــد بـشــرت بــك رسل الله في أمم خلت فما كنت فيما بينهم بغبي [111] .وقال الحجة التقي الشيخ حسين نجف من أعاظم العلماء في القرن الثالث عشر، في بعض قصائده:كــل قـوم تــوسـلــت بـنـبــي وبه قــد تــوســلــت أنـبـيـــاهاوبه الرسل كلما اشتد أمــر دعــوا الله فـاســتـجاب دعاهاعنه سل آدماً بمن تاب عنه ربــه فــي خـطـيـئـة قــد أتاهاوبه قد نجت سفـيــنــة نـوحٍ حينما الموج قد طغي وطماهاوبه الله قال للـنــار كــونـي فـإذا بــرد زمـهــريــر لـظــاهاولـقــد كـان بــردها بــسلام لم يمــس الـخـلـيــل قط لظاهاوعلي به تــوسّـــل عيـسـي عــنــد آيـاتــه الـتــي أبــداهـاأخرت بعثة الـنــبــي زمـانـاً ذاك عن حكمة إلي أن أتاهـاعــلـمـت أنهــا بدون عــلي لا تـري قـــط من يجيب نداهافـعـلي بـه الـــنـبـوة قـامـت واســتــقـامت وقام فيه بناهاأول الـســابـقـين عند نداها للهــدي بــل هــو الذي نادهاوقال أعلي الله درجته في قصيدة أخري:سفينة نوح فيك كانت نجاتها بيوم به الطوفان قد جاءه الأمر [112] .

اكتشاف الحكومة السوفيتية لآثار سفينة نوح و توسله إلي الله بمحمد و أهل بيته

وقد شاء الله بقدرته وحكمته أن يظهر هذه البشائر ويحققها لعباده باكتشاف جديد في قرننا هذا، اكتشفته الحكومة السوفيتية، وأعلنته بعض مجلاتهم ومجلات وصحف بعض الدول الأخري، من توسل نوح شيخ المرسلين -أثناء غرق قومه المكذبين ونجاة سفينته - بأهل البيت وأن يساعده لأجلهم ولأجل اسمائهم المباركة فيوجهه تعالي نحو الطريق المستقيم.ننقله بالنص عن مجلة (البذرة) النجفية، العددان: الثاني والثالث، شوال وذي العقدة سنة 1385، السنة الأولي ص78-81 تحت عنوان: (أسماء مباركة توسل بها نوح) مترجم عن الأوردية."في تموز عام 1951 حينما كان جماعة من العلماء السوفيت المختصين بالآثار القديمة ينقبون في منطقة بوادي قاف، عثروا علي قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوسة وبالية مما دعاهم إلي التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا علي أخشاب أخري متحجرة وكثيرة كانت بعيدة في أعماق الأرض.ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها نتيجة تنقيب خشبة علي شكل مستطيل طولها (14) عقداً وعرضها (10) عقود سببت دهشتهم واستغرابهم، حيث لم تتغير ولم تتسّوس، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخري.وفي أواخر سنة 1952 أكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أن اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة نوح(عليه السلام) وأن الأخشاب الأخري هي أخشاب جسم سفينة نوح(عليه السلام).ومما يذكره المؤرخون أن سفينة نوح(عليه السلام) استوت علي قمة جبل قاف.وشهد أن هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلي أقدم لغة. وهنا ألفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الانتهاء من الحفر عام 1953 قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ومن أهم علماء الآثار، وهم:سولي نوف: استاذ الألسن القديمة في جامعة موسكو.ايفاهان خنيو: عالم الألسن القديمة في كلية لولوهان بالصين.ميشانن لوفارنك: مدير الآثار القديمة.تانمول كورف: استاذ اللغات في كلية كيفزو.دي راكن: استاذ الآثار القديمة في معهد لينين.ايم أحمد مولاد: مدير التنقيب والاكتشافات العام.ميجر كولتوف: رئيس كلية ستالين.وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها، اتفقوا علي أن هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح(عليه السلام) وأن النبي نوحاً(عليه السلام) كان قد وضع هذه اللوحة في السفينة للحفظ والتبرك.وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية أو السامية، وهي أم اللغات علي ما حقق ذلك صاحب كتاب (إيليا) عن كثير من المحققين وهي لغة نوح وأبنائه، ونسبت إلي أبنه (سام).وقد ترجمها العلماء الروس المختصون باللغات القديمة إلي اللغة الروسية، ثم ترجمها إلي الإنكليزية العالم البريطاني (اين ايف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة (مانجستر). وهذا نصها مع تعريبها:يا إلهي ويا معيني Omy God. My helperبرحمتك وكرمك ساعدني Keep my hands with mereyولأجل هذه النفوس المقدسة(عليه السلام)nd with your holy bodiesمحمد Mohamedإيليا aliaشبر Shabbaشبير [113] Shabbirفاطمة fatmaالذين جمعيهم عظماء ومكرمونThey are all biggest and honouralesالعالم قائم لأجلهمThe world established for themساعدني لأجل أسمائهم Help me by their namesأنت فقط تستطيع أن توجهني نحو الطريق المستقيم [114] You can reform to Rightوأخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبري أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة ومنزلة أصحابها عند الله تعالي حيث توسل بها نوح(عليه السلام).واللغز الأهم الذي لم يستطع تفسيره أي واحد منهم هو عدم تفسخ هذه اللوحة رغم مرور آلاف السنين عليها.وهذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو. (ترجم عن كتاب إيليا) من منشورات دار المعارف الإسلامية بلاهور باكستان، برقم 42.محمد حسين النقوي(ترجمة الدعاء من الروسية إلي الإنكليزية ومنها إلي الاوردية)

مصادر هذا الاكتشاف

لقد راجعت (محمد حسين النقوي) مترجم هذا المقال عن كتاب (إيليا) وطلبت منه رؤية الكتاب، فأبرزه لي، وإذا هو كتاب صغير الحجم، عدد صفحاته 45، وأسمه: إيليا مركز نجاة أديان العالم، واسم مؤلفه حكيم سيد محمود كيلاني، كان سابقاً من أهل الحديث من أهل السنة والجماعة، له تآليف عديدة، وقد عمل لفترة رئيساً لتحرير جريدة (أهل الحديث) ثم تشيع عن علم وبصيرة. أما تاريخ صدور الكتاب فهو 21 رمضان سنة 1381هـ.يستند المؤلف المذكور في نقل هذا الاكتشاف العظيم إلي المصادر التالية [115] :مجلة روسية شهرية تصدر في موسكو، تجد أسمها في الكليشة الثالثة: ص120 (تفادينزوب) عددها تشرين الثاني سنة 1953.مجلة (ويكلي ميرر) الأسبوعية Weekly Mirror اللندنية بعددها الصادر في 28 كانون الأول 1953.مجلة (أستار) اللندنية Britania Star في عددها/ كانون الثاني 1954.جريدة (سن لايت) Sunlight الصادرة في مانجستر 23 كانون الثاني 1954.جريدة (ويكلي ميرر) اللندنية Weekly Mirror في 1/ شباط/ 1945.جريدة (الهدي) القاهرية في 3 مارس 1954.ملاحظة:المصادر الأربعة الأخيرة نقلت ترجمة العالم البريطاني (إن أف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر.ويصور في كتاب (إيليا) صورة كف كانت موضوعة علي وسط اللوحة والكتابة مثبتة علي نفس الكف وفوقها وتحتها [116] .

تعليقنا علي هذا الاكتشاف

هذا الاكتشاف العظيم جاء مؤيداً لما تقدم من الأخبار والأحاديث عن الصادق الأمين(صلي الله عليه و آله)، والتي كانت صريحة في بشارة الله لأنبيائه بنبيه وأهل بيته(عليه السلام) وتوسل الأنبياء بهم وأنهم خيرة خلق الله، وأن الله ما خلق الخلق إلا لأجلهم. ذلك أن بقاء هذه اللوحة سالمة من التفسخ رغم مرور آلاف السنين عليها، شيء خارق للعادة قطعاً، فبقاؤها (إذن) آية إلهية كبري، أبقاها الله الذي هو علي كل شيء قدير، وهو بكل شيء محيط، سالمة وأظهرها علي أيدي أناسٍ لا يؤمنون إلا بالماديات والطبيعيات، لتكون تلك الآية حجة لله عليهم أولاً، وعلي كل من بلغته ثانياً، ولم يؤمن إيماناً قطعياً بالله ورسوله وأهل بيته وبفضلهم عند الله وتفضيله لهم علي سائر خلقه، ورجحان التوسل والتقرب بهم إلي الله تعالي، وما أكثر آياته التي لا تحصي وما أتمها حجة علي خلقه.فوا عجباً كيف يُعصي الإله أم كيف يجحده الجاحدولله فــي كــل تــحــريـــكــة وفي كل تسكينة شاهدوفـــي كـــل شـــيء لـه آية تــدل عــلــي أنه واحد"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ" (فصلت/ 54-55).أقرأ بتدبر وإمعان كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض خطبه: "فأين تذهبون وأني تؤفكون، والأعلام قائمة والآيات واضحة، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق، وأعلام الدين وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش. أيها الناس خذوها [117] من خاتم النبيين صلي الله عليه وآله وسلم أنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلي من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر [118] وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان…الخ" [119] .

دراسة تمهيدية لبشائر كتب العهدين بنبينا و أهل بيته

إن قيل: هل توجد البشائر بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) وأهل بيته في كتب اليهود والنصاري المقدسة عندهم، الموجودة الآن بأيدهم أم لا؟قبل أن نجيب علي هذا السؤال، نذكر لك أيها القارئ الكريم عدد كتبهم وأسماءها، وصورة موجزة عن بعض ما حوته هذه الكتب، وعن موضوع سندها، ثم نذكر لك نماذج من البشائر الموجودة فيها فنقول:إن ما بأيدي اليهود والنصاري من الكتب المقدسة بزعمهم كثيرة، وكلها عندهم منسوبة إلي الوحي الإلهي والإلهام أما المنسوبة إلي موسي ومن بعده من كتبهم فتسمي بـ (العهد القديم)، والمنسوبة إلي عيسي ومن بعده تسمي بـ (العهد الجديد)، والمجموع يسمي بالعهدين، أو بـ (الكتاب المقدس).

عدد كتب العهدين بأسمائها

فالعهد القديم - وهو ما عند اليهود - عدد كتبه تسعة وثلاثون كتاباً، منها التوراة المنسوبة لموسي وهي مشتملة علي خمسة أسفار: سفر التكوين (ويسمي سفر الخليقة أيضاً)ومنها: ما هو منسوب إلي الوحي والإلهام إلي من بعد موسي من الأنبياء، وإلي ما قبل زمان المسيح، وهي كتب المؤرخين، اثني عشر كتاباً، وهذه أسماؤها عندهم: كتاب يوشع، وكتاب قضاة بني إسرائيل، وكتاب راعوث، وكتاب صموئيل الأول، وصموئيل الثاني، وسفر الملوك الأول، والثاني، وسفر أخبار الأيام الأول، والثاني، والسفر الأول لعزرا، والثاني له، وسفر استيرنحيا.ومنها: كتاب أيوب، وأحد لا غير.ومنها: زبور داود المسمي عندهم بـ (مزامير داود)، واحد أيضاً.ومنها: ثلاثة كتب لسليمان، وهي: الأمثال، والجامعة، وتسبيح التسابيح (ويقال له: نشيد الإنشاد).ومنها: كتب النبوات، وهي سبعة عشر كتاباً: كتاب نبوة اشعيا، ونبوة أرميا، ومراثي أرميا، ونبوة حزقيال، ونبوة دانيال، ونبوة هوشع، ونبوة يوئيل، ونبوة عاموس، ورؤيا عوبديا، ونبوة يونان (وهو يونس بن متي)، ونبوة ميخا، ونبوة ناحوم، ونبوة حبقوق، ونبوة صفينا، ونبوة حجي، ونبوة زكريا، ونبوة ملاخي.فهذه 39 كتاباً يزعمون أنها كتب إلهية مقدسة. والحال إن القرآن لم يذكر منها سوي توراة موسي وزبور داود.وأما الذي عند النصاري من مقدسات الكتب من (العهد الجديد) فهي سبعة وعشرين كتاباً.منها: الأناجيل الأربعة، (إنجيل متي، ومرقس، ولوقا، ويوحنا) جمعوا فيها بزعمهم هدي المسيح وبشائره.ومنها: عدة رسائل، وهي 14 رسالة لبولس، كل رسالة لها أسم خاص باسم من أرسلها بولس إليهم، ويقال للمجموع: عدة رسائل.ومنها: رسالة يعقوب، ورسالتان لبطرس، وثلاث رسائل ليوحنا ورسالة ليهوذا، ورؤيا يوحنا المسماة بـ (المكاشفات والمشاهدات).فهذه 27 كتاباً ولم يذكر القرآن شيئاً من هذه الكتب المقدسة عند النصاري أصلاً. نعم، ذكر القرآن كتاباً سماوياً واحداً أنزله الله علي عيسي بن مريم، سماه (الإنجيل) وهو مفقود قطعاً [120] .والنصاري وإن كانوا لا يعرفونه ولا يعترفون به ظاهراً، إلا أن في بعض كتبهم المقدسة التي مّر ذكرها لقطات تتضمن الاعتراف بأنه كان للمسيح كتاب أسمه الإنجيل، وأن جماعة يحاولون تغييره وتبديله جاء هذا مذكوراً بصراحة في (عدة رسائل) لبولس [121] كما أجمع مؤرخو النصاري علي أنه كان في القرون الأولي للمسيح أناجيل كثيرة أخري كتبت في القرنين الأولين من الميلاد أنهاها بعضهم إلي مائة ونيف من الأناجيل، ومن ضمنها الأناجيل الأربعة، ولكن رجال الكنيسة قد اختاروا منها الأناجيل الأربعة فقط ورفضوا الأخري وتركوها.

ترجيح إنجيل برنابا علي سائر الأناجيل

ومن جملة الأناجيل المتروكة عندهم (إنجيل برنابا). وبرنابا هو أحد حواري المسيح وتلاميذه المقربين كما تذكر هذا كتب النصاري نفسها، وأنه كان رجلاً صالحاً ممتلئاً إيماناً ومن الدعاة إلي دين المسيح [122] وإنجيله الذي جمع فيه هدي المسيح وبشائره سليم من الكفر والتناقض والخرافات الموجودة في كتب العهدين، وهو أرقي من الأناجيل الأربعة في العلم الإلهي والثناء علي الخالق وفي علوم الأخلاق والآداب والفضائل، وهو يوافق في غالب قصصه في المسيح عيسي بن مريم ما قصه القرآن به، كما أنه يوافق القرآن في ما تضمنه من التوحيد لله، وأن عيسي عبد مخلوق لله، وعدم صلب المسيح وأنه قد شبه لهم، وما تضمنه من البشائر بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله)، الصريحة باسمه الشريف. وسننقل لك عنه بعض تلك البشائر.وهذا الإنجيل كان سراً مكتوماً عند ذوي السلطة الدينية من النصاري، وكان خروجه من زوايا الخمول والتحجب إلي عالم الظهور والتبرز علي نهج يشبه الاعجاز. وقد فصل بيانه مترجمه عن الإنكليزية إلي اللغة العربية، الدكتور خليل سعادة في مقدمة له علي الإنجيل المزبور [123] وكان ظهوره قبل قرنين ونصف تقريباً.والنسخة الوحيدة المعروفة الآن في العالم إنما هي نسخة إيطالية بالخط الإيطالي في مكتبة (بلاط فينا). وهي تعد من أنفس الذخائر والآثار التاريخية القديمة، ويقول خليل سعادة:-أول من عثر علي النسخة الإيطالية ممن لم يعف التاريخ أثرهم ولم تدرس الأيام ذكرهم هو (كريمرطولند) أحد مستشاري ملك بروسيا، وكان مقيماً وقتئذ في (امستردام) فأخذها سنة 1709م من مكتبة أحد مشاهير ووجهاء المدينة المذكورة، وأن الوجيه المذكور كان يحسب النسخة المنوه عنها ثمينة جداً فأقترضها (كريمرطولند) ثم أهداها بعد ذلك بأربع سنين إلي (البرنس أيوجين سافوي) الذي كان علي كثرة حروبه ومعاركه ووفرة مشاغله السياسية شديد الولع بالعلوم والآثار التاريخية، ثم انتقلت النسخة المذكورة سنة 1738م مع سائر مكتبة البرنس المنوه عنه إلي مكتبة البلاط الملكي في فينا حيث لا تزال هناك حتي الآن.وقد ترجم هذه النسخة من اللغة الإيطالية إلي الإنكليزية العالم المحقق (لونسدال راغ) نائب مطران الكنيسة الإنكليزية في (فنيس) وعقيلته (لورا راغ)، وإصدارها مع الأصل الإيطالي.وقد أذنا للدكتور خليل سعادة بمصر في ترجمة هذا الإنجيل إلي اللغة العربية عن ترجمتهما الإنكليزية [124] وترجمه إلي الفارسية أيضاً الحبر الفاضل سردار حيدر قلي بن نور محمد خان كابلي بإيران وطبعته شركة سعادت في كرمانشاه سنة 1311هـ شمسية.

بعض ما حوته كتب العهدين

والآن نعود إلي ذكر بعض ما حوته كتب اليهود والنصاري الموجودة الآن بأيديهم والتي يعتبرونها كتباً إلهية مستمدة من الوحي والإلهام، فنقول:هذه الكتب التي ذكرت لك أسماءها، وخصوصاً منها ما يسمونه بـ (توراة موسي) و(الأناجيل الأربعة) وإن اعتبروها كتباً مقدسة ولكن الحقيقة انه لا يصح الاستناد إليها في أي موضوع من المواضيع الدينية والتاريخية وغيرها، ولا سيما ما تفردت بنقله مما يخالف الحق المتفق عليه، وما يخالف الأدلة الإسلامية، والتاريخ الثابت الصحيح.ذلك انه قد ثبت بالأدلة القطعية تحريف الكتب المتقدمة وتبديلها وعدم بقائها كما أنزلت من عند الله علي موسي وعيسي… فقد تلاعبت بها أيدي العابثين فغيرت وبدلت وقلبت الكثير من عبائرها قلب المجن ظهراً لبطن، وأسقطت الكثير مما أنزله الله علي موسي وعيسي خصوصاً ما أنزل فيها من البشائر بنبينا(صلي الله عليه و آله)، كما أضافت إليها أشياء كثيرة مما ينافي قداسة الأنبياء، بل مما ينافي كونهم مؤمنين (والعياذ بالله).….بل تجد فيها أكثر من ذلك، تجد نسبة عدم الإيمان إلي موسي وهارون. وأن هارون صنع لبني إسرائيل عجلاً يعبدونه من دون الله، وأن الله غضب عليهم لذلك، وأراد ان ينتقم منهم، ولكن موسي قال للرب: أن غفرت خطيئتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت (أي امحني من ديوان النبوة) وأن الرب ندم علي الشر الذي قال انه يفعله بشعبه [125] .وتجد فيها نسبة الزنا والقتل والاحتيال إلي داود(عليه السلام) [126] ، ونسبة الميل لعباده الأوثان إلي سليمان واتخاذه بيوتاً لها وإعراضه وميل قلبه عن الله [127] ، ونسبة المعاصي وشرب الخمر الكثير إلي عيسي وغيره من الأنبياء [128] ، مع أن الخمر محرم في كتبهم…هذا إلي غير ذلك مما تقشعر منه الأبدان وتشمئز منه النفوس، بل تجد في كتبهم نسبة التجسيم والجهل والكذب والغش والاحتيال إلي الله تعالي عن ذلك علواً كبيراً [129] .… ومضافاً إلي ما فيها من التناقض الصريح في نفسها، ومناقضة بعضها مع البعض الآخر، وغير ذلك مما تنادي بصراحة من أنها مفتراة علي الله ورسله لاشتمالها علي أنواع الخرافات والكفر والتناقض، التي لا يعقل أن تكون صادرة من إنسان عاقل مفكر، فكيف بالله واهب العقول والألباب والتفكير:"فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" (البقرة/ 80).وما أشرنا إليه مما اشتملت عليه هذه الكتب ظاهر لكل من تصفحها، وأمعن النظر في غضونها، وهي موجودة في اغلب المكتبات العامة، فراجعها لتعلم صدقنا في ما أشرنا إليه.هذا وقد ألف علماء المسلمين في هذا الموضوع مؤلفات كثيرة مطبوعة ومنتشرة. منها كتاب (الفارق بين المخلوق والخالق) لمؤلفه عبد الرحمن الباچـه چـي، وبهامشه (الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة) و(هداية الحياري من اليهود والنصاري) ط، مطبعة التقدم بمصر سنة 1322.وكذلك (إظهار الحق) لمّلا رحمة الله الهندي العثماني (جزءان)، المطبعة العامرة، سنة 1305.و(الرحلة المدرسية) للعلامة المحقق شيخنا الشيخ محمد جواد البلاغي في ثلاثة أجزاء، المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف. و(الهدي إلي دين المصطفي) للعلامة البلاغي أيضاً، جزءان.و(ماذا في كتب النصاري) للسيد محمد مهدي الحسيني الشيرازي مطبعة الآداب في النجف.وأخيراً صدر في الأسواق، الجزء الأول من كتاب (البشارات والمقارنات بين القرآن والعهدين)، لمؤلفه العلامة البارع الأستاذ محمد الصادقي الطهراني. وهو كتاب قيم جليل، يحتوي علي دروس مقارنة بين الكتب السماوية الثلاثة: القرآن، والتوراة، والإنجيل، وفي أصول الدين وفروعه، والنبوات والأنبياء، والبشارات الموجودة في كتب الأنبياء، بحق الرسول الأعظم محمد(صلي الله عليه و آله) بصورة التساؤل والمناظرة.ومجموع هذه الكتب الإسلامية قد ذكرت ما في كتب العهدين من أنواع الخرافات والكفر والتناقض بضبط أسمائها وأسماء المنتسبة إليهم وبتعيين أرقام إصحاحاتها وآياتها عندهم، واثبات بطلان ما فيها من أنواع الأباطيل بالأدلة القطعية المجمع عليها عند عقلاء العالم، "أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة/ 76).

سند التوراة والإنجيل في الميزان

علي أنه ليس لليهود ولا للنصاري سند متصل الإسناد، يثبت أنها نفس الكتب المنزلة علي موسي وعيسي، وقد اعترفوا هم أنفسهم بذلك واعتذروا بأعذار واهية.وجاء في كتاب (القاموس المقدس) تأليف: مستر هاكس الأمريكي، ومدارك أخر، كما في (تفسير الميزان) للعلامة الطباطبائي ج3/ 340 بالنسبة إلي توراة موسي:ان بخت نصر (نبوخذ نصر) ملك بابل استأصل جميع بني إسرائيل سنة خمسمائة وست وثمانين قبل المسيح فقتلهم وخرب ديارهم وخرب بيت الله المقدس، وأزال كل علامة دينية وجعل الهيكل تلاً من تراب وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت الذي كانت تجعل فيه، وأخرج البقية الباقية من بني إسرائيل أسري إلي بابل، وبعد خمسين سنة أخرجوا من الأسر.وبعد سنة أربعمائة وسبعة وخمسين قبل المسيح جمع لهم شخص يسمي بـ (عزرا) العهد العتيق بزعمه، وما جمعه هو التوراة الدائرة اليوم المقطوعة الإسناد بموسي، إلا بواحد هو عزرا المجهول الهوية عندنا من كل الجهات، إذ لا نعرفه أولاً، ولا نعرف كيفية إطلاعه وتعمقه ثانياً، ولا نعرف مقدار أمانته ثالثاً، ولا من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعاً، ولا ندري بالإسناد إلي أي مستند صحح الأغلاط الواقعة أو الدائرة عندهم خامساً، وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن الاعتماد عليه بتاتاً، ولا علي ما جمعه من التوراة.وأما الأناجيل، فمع قطع النظر عن عدم اتصال السند [130] لو فرض كونها نفس الأناجيل التي ألفها مؤلفها فليست هي الإنجيل الواحد المذكور في القرآن، الذي انزل علي عيسي، لأنها كتب ألفت وجمعت بعد عيسي، بل بعض مؤلفي تلك الكتب لم يدرك زمان عسي فكيف يمكن الاعتماد عليها؟نعم يمكن ان يكن فيها بعض ما في الإنجيل المنزل علي عيسي، وكذلك الحال في التوراة أيضاً ففيها بعض ما انزل علي موسي.إذا عرفت ذلك كله فاعلم أن من المواضيع المهمة التي لعبت فيها أيدي العابثين هي موضوع بشائر موسي وعيسي في التوراة والإنجيل بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله)، لعبت بها الأيدي الخائنة والعابثة بعد موسي، ومن بعد عيسي. ولعبت بها الأيدي أيضاً عند ترجمتها من لغة إلي أخري من العبرية والسريانية مثلاً إلي اللغة اليونانية، ومنها إلي الكلدانية، ومنها إلي العربية، حيث إن عادة أهل الكتاب سلفاً وخلفاً أنهم يترجمون غالباً أسماء الأعلام فيوردون بدلها معانيها حسب أهوائهم وآرائهم، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد.ولكن مع ذلك كله، وغير ذلك من الخبط والخلط والتحريف والتبديل، حيث ان بشائر موسي وعيسي بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) حقيقة ثابتة قد أكداها علي الناس في وقتهما وصدعا بها في كل مناسبة مع تلاميذهما وحواريهما، لذا ما استطاعت يد التحريف إزالتها بالمرة، بل بقي من تلك البشائر حتي الآن الشيء الكثير الذي يصلح أن يكون حجة عليهم بعد حجة القرآن المجيد علي كافة العباد.وإليك بعد هذه الدراسة التمهيدية نماذج من بشائر كتب العهدين (القديم والجديد) نذكرها مقرونة بإيضاح موجز إتماماً للفائدة وإقامة للحجة.ثم نذكر نماذج من بشائر إنجيل برنابا ليتضح لنا الفرق بين الحق والباطل، وبين المستقيم والمعوج.كما نختم تلك البشائر ببشارة إدريس النبي(عليه السلام) في كتابه، بالخمسة الطيبة الطاهرة باسمائهم، وكونهم علة الإيجاد، إن شاء الله تعالي.

نماذج من بشائر العهد القديم بنبينا محمد و أهل بيته

البشارة الأوليجاء في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، ص20 من الترجمة المطبوعة في اولنمشدر شركة طرفندن معارف عمومية [131] من خطاب الله لإبراهيم(عليه السلام) ما نصه في العدد..19. فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً، وتدعو أسمه إسحاق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده.20. أما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه واثمره وأكثره كثيراً جداً، اثنا عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة. (أو أجعله لشعب كبير، كما في النسخ القديمة).إيضاح وتعليقالخطاب هنا من الله لإبراهيم(عليه السلام)، وقوله: وأجعله أمة كبيرة أو لشعب كبير يشير إلي نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) لأنه لم يكن في نسل إسماعيل من كان أمة كبيرة ولشعب كبير غيره(صلي الله عليه و آله)، إذ بعد إبراهيم ما كان نبياً لشعب كبير وأمة كبيرة غير موسي وعيسي وهما من نسل إسحاق بالاتفاق، ونبينا محمد(صلي الله عليه و آله) من نسل إسماعيل بالاتفاق أيضاً، فتكون هذه البشارة به دون غيره، وهي واضحة القرينة، وجاءت هذه البشارة من الله لإبراهيم صريحة في (إنجيل برنابا) في الفصل 43 من عدد 13-19، وفي الفصل 96 من عدد 8-9 أيضاً. وسنذكرها في (البشائر الصريحة).ويؤيدها قول الله تعالي في القرآن المجيد حاكياً دعاء إبراهيم وإسماعيل في حقه(صلي الله عليه و آله) وحق ذريته الطاهرة: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة/ 128-130) [132] .والمراد من الرسول في قوله تعالي: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ" هو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) بإجماع المفسرين بلا خلاف. ومن هنا كان(صلي الله عليه و آله) يقول: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسي [133] ، وقد أشار بقوله(صلي الله عليه و آله): "أنا دعوة أبي إبراهيم إلي قوله: "وأبعث فيهم رسولاً منهم" وبقوله: وبشارة عيسي، إلي قوله: "ومبشراً برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد" وإبراهيم دعا بهذا الدعاء بمكة لذريته الذين يكونون بها وبما حولها ولم يبعث الله من ذريته - الذين هم بمكة - رسولاً إلا نبينا محمداً(صلي الله عليه و آله).وقوله - في سفر التكوين -: (اثنا عشر رئيساً يلد) بشارة واضحة بالأئمة الاثني عشر من أهل بيت نبينا(صلي الله عليه و آله) وهم من نسل إسماعيل، ولم يكن من نسله اثني عشر رئيساً معروفين عند عامة الناس غير أئمتنا عليهم السلام. إذ أن الأنبياء كما بشروا بنبينا، بشروا أيضاً بأهل بيته كما مر عليك.البشارة الثانيةوجاء في سفر التثنية، الإصحاح الثالث والثلاثين، ص280، العدد الأول وما بعده:وهذه هي البركة التي بارك فيها موسي رجل الله بني إسرائيل قبل موته.فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتي من ربوات القدس، وعن يمينه شريعة لهم.إيضاح وتعليقالمراد من مجيئه من سيناء: إعطاؤه التوراة لموسي من طور سيناء، وهو جبل معروف بسيناء -وعليه كلم الله موسي -. واشراقه لهم من سعير (أو ساعير علي ما في أكثر النسخ): إعطاؤه الإنجيل لعيسي. وساعير هو الجبل الذي بالشام، كان فيه عيسي.وتلألؤه من جبل فاران: إنزاله القرآن علي نبينا، لأن (فاران) جبل من جبال مكة، كما جاء هذا في بيان حال إسماعيل من سفر التكوين، الإصحاح الحادي والعشرون، ص25 عدد (20) و(21) من أن: إسماعيل نما وسكن برية فاران. ومن المتفق عليه بين المسلمين والكتابين أن نشأة إسماعيل وترعرعه كان بمكة، فتكون هذه قرينة واضحة علي أن المراد من تلألؤه من جبل فاران هو إنزاله القرآن علي نبينا محمد(صلي الله عليه و آله)، إذ لم يبعث نبي ولم ينزل كتاب مقدس في مكة علي غيره.وقوله: (وعن يمينه شريعة لهم) هي شريعة الإسلام الخالدة. والجدير بالذكر أن هذه البشارة جاءت من موسي قبل موته، كما في النص المذكور فتكون بشارة منه عند حضور أجله بعيسي وبنبينا من بعده، وعبروا عن هذه البشارة بالبركة التي بارك فيها موسي لبني إسرائيل، وما أدري ما بالهم يحيدون عنها.البشارة الثالثةوجاء في (مزامير داود)، المزمور الخامس والأربعون، ص73، ما نصه في العدد الأول وما بعده:افاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك [134] ، لساني قلم كاتب ماهر.أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة علي شفتيك، لذلك بارك الله (أي فيك) إلي الأبد.تقلد سيفك علي فخذك، أيها الجبار جلالك وبهاؤك.وبجلالك اقتحم اركب، من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف [135] .نبلك المسنونة في أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون.كرسيك يا الله إلي دهر الدهور، قضيب [136] استقامة قضيب ملكك.أحببت البر وأبغضت الآثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفاقك… إلي أن قال في الآية.16. عوضاً عن آبائك يكون بنوك تقيمهم رؤساء في كل الأرض.17. أذكر أسمك في كل دور فدور، ومن أجل ذلك تحمدك الشعوب إلي الدهر والأبد.إيضاح وتعليقمن المسلم به عند الكتابيين (يهود ونصاري) أن داود(عليه السلام) يبشر في هذا المزمور بنبي يكون ظهوره بعد زمانه، والحال انه لم يظهر (حتي الآن) نبي عند اليهود موصوف بالصفات المذكورة.ويدعي علماء النصاري أن هذا النبي هو عيسي، ولا برهان لهم علي هذه الدعوي، كما أن الصفات المذكورة في هذا المزمور غير منطبقة عليه تماماً ولا مجتمعة فيه. ويدعي المسلمون سلفاً وخلفاً أن هذا النبي المبشر به هو محمد(صلي الله عليه و آله)، إذ أن هذه الصفات كلها وجدت مجتمعة فيه(صلي الله عليه و آله) علي أكمل وجه، وهي كونه:أبرع جمالاً من بني البشر. وهذا ثابت في التاريخ لنبينا فقد كان أجمل أهل زمانه خلقاً، كما أنه أحسنهم خُلقاً. وفيه يقول حسان بن ثابت:وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساءخُـلـقــت مـبـرئاً من كل عيب كأنــك قد خُلقت كما تشاءكون النعمة منسكبة علي شفتيه، ذلك بما آتاه الله من الفصاحة والبلاغة وبما جاء به من القرآن المجيد الذي أعجز فصحاء الأمم وبلغاءها.كونه مباركاً إلي آخر الأبد.كونه متقلداً بالسيف.كونه قوياً يركب ويقتحم.كونه ذا حق ودعة وبّركون هداية يمينه بالعجب.كون نبله مسنونة في أعداء الله.سقوط الشعوب تحته، أي خضوع الشعوب له.استقامة حكمه.كونه محباً للبر، مبغضاً للإثم.كونه أفضل من رفقائه من الأنبياء السابقين عليه.إقامة أبنائه رؤساء في كل الأرض بدل آبائهم، وهو صريح في نصوصه علي إمامة أهل بيته الأثني عشر، كما أن عيسي لم يكن له أبناء بالإجماع ليقيمهم رؤساء وينص علي خلافتهم.كون اسمه يذكر في كل دور فدور، وهو صريح في الإعلان باسمه ورسالته علي المآذن والمنابر في كل جيل كما هو الحال.وكون الشعوب تحمده إلي آخر الأبد. وهو كناية عن أنه خاتم النبيين وصريح في أن الشعوب تحمده دائماً وأبداً.صلي الإله ومن يحّف بعرشه والطيبون علي المبارك أحمداالبشارة الرابعةوجاء في كتاب دانيال، الإصحاح الثاني، ص1081، عدد 44 ما نصه: (يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلي الأبد).إيضاح وتعليقيبشر النبي دانيال بالمملكة التي يقيمها إله السماوات وانها لن تنقرض أبداً، وهي مملكة الإسلام وشريعته الخالدة، وهي التي لن تنقرض حتي تقوم القيامة "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" (الرعد/ 18).وقوله: (وملكها لا يترك لشعب آخر) إشارة إلي نبينا الذي لا نبي بعده ولا أمة بعد أمته، وفي هذا القول إشارة إلي بقاء حكم الإسلام وظهوره علي الدين كله، كما صرحت بذلك الآية [137] ، لذا أخبر بفناء الممالك وثبوت هذه المملكة الحقة إلي الأبد، وإلي قيام المصلح العام الذي يفني كل الممالك ويقيم تلك المملكة الإلهية الحقة وهو الحجة المهدي الثاني عشر من خلفائه صلوات الله عليهم.البشارة الخامسةوجاء في كتاب دانيال أيضاً، في الإصحاح السابع منه، بعد ذكر خراب ممالك الأرض، في العدد 13، ص1091، ما نصه:(كنت أري في رؤيا الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن الإنسان أتي وجاء إلي القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض).وجاء في آخر الكتاب، الإصحاح الثاني عشر منه، ما لفظه: (طوبي لمن ينتظر).إيضاح وتعليقنري في هذه التعابير ذكر المملكة الأبدية، وأنها تكون لابن الإنسان، والبشارة لمن ينتظرها.والمقصود من ابن الإنسان إما نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) وإما سمّيه ولده المهدي الذي يعيد مملكة الإسلام الحقة، ويملأ كل الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، فتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة بعد أن يعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً أبدياً لن يزول ولن ينقرض إلي يوم القيامة.وهذا نظير ما جاء في الكتاب والسنة من قيام المصلح العظيم ومن معه من المؤمنين بعد نبي الإسلام لإقامة دولة الحق. قال تعالي في القرآن المجيد: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ" (الأنبياء/ 106).وجاء مضمون الآية القرآنية في مزامير داود، المزمور السابع والثلاثون، حيث يبشر بهلاك الأشرار ونجاة الأبرار وأنهم يرثون الأرض إلي الأبد، وهذا نّص عبارته في ص728:(الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلي الأبد)- 28.وفي نص 729:(أما الأشرار فيبادون جميعاً عقب الأشرار ينقطع) - 38.(أما خلاص الصـديقين فمن قبل الرب حصـنهم في زمان الضيق)-39.(ويعينهم الرب وينجيهم وينقذهم من الأشرار ويخلصهم لأنهم احتموا به) - 40.البشارة السادسةونظير هذه البشائر ما جاء في كتاب (نبوة حجي) الإصحاح الثاني، ص1148:(لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة -6. وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهي كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود -7. لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود -8. مجد هذا البيت الأخير أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود -9).إيضاح وتعليقالمراد من عبارة: هذا البيت، وهذا المكان… هو الكرة الأرضية بمجموعها. واسم أو لقب (مشتهي الأمم) مترجم عن الأصل العبري الذي هو (حمدوت) [138] ومعناه: الذي تحمده الأمم كثيراً وهو معني محمد وأحمد. فتكون هذه البشارة صريحة بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) وان الأرض تكون بشريعته مليئة بالمجد.وإنما تشتهيه كل الأمم وتحمده، لأن الأنبياء السابقين عليه بعثةً، بشروا أممهم به، وبأنه أفضلهم، وأن شريعته الخاتمة أكمل من شرائعهم.وعبارة (مجد هذا البيت الأخير أعظم من مجد الأول) تكون بشارة ثانية بظهور سمّيه المهدي الذي تشتهيه وتنتظره كل الأمم ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وعندها يعم السلام والأمان الأرض بأسرها كما تواترت بذلك الأخبار.

نماذج من بشائر العهد الجديد بنبينا محمد و أهل بيته

البشارة الأوليجاء في إنجيل متي، الإصحاح الرابع والعشرون، ص39:11- ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين.12- ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين.13-ولكن الذي يصير إلي المنتهي فهذا يخلص.14-ويكرز [139] ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهي.إيضاح وتعليقينبئ هذا الإنجيل لمتي علي لسان عيسي - في هذه العبارات الصريحة - عن قيام دجالين كذابين كثيرين يّدعون النبوة والوحي والإلهام كذبا" وزوراً، وأنهم يضلّون بدعواهم هذه كثيراً من الناس وهذا ما وقع بالفعل، ودليله ما جاء به الكذابون من بعد عيسي - باسم الوحي والإلهام - من كتب العهد الجديد وكل كتاب منها أدخل فيه منتحله ما أدخل من الكفر والتضليل والخرافات والمتناقضات ونسبه إلي من نسبه من أنبياء الله حسب ما دعاه إليه شيطانه، وما دلّه عليه هواه، كما قال الله سبحانه وتعالي في كتابه المجيد: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَي إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ" (الأنعام/ 113-114).نعم، هكذا قد أضلوا (بما اقترفوا وافتعلوا) كثيراً من الناس، ولكثرة صدور الآثم من قبلهم باسم الدين بردت محبة الكثيرين من عامة الناس للدين والتدين وأصبحوا في جاهلية عمياء، مرتدين ومترددين.ولكن هذا الإنجيل يبشر أخيراً بمجيء من يخلص العالم من ذلك الضلال وأنه يصير إلي المنتهي.ونري أن هذه البشارة هي بشارة بالمنقذ الأعظم نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) الذي هو خاتم الأنبياء والمرسلين من الله لعباده، وهو الذي صار بنبوته إلي المنتهي إذ لا نبي بعده.وقوله: (ويكرز ببشارة الملكوت) أي أن هذا المخلص يبشر بإقامة دولة الحق في جميع الأرض. وفي هذا إشارة واضحة إلي بشائر نبينا بقيام سمّيه وكنّيه وخليفته المهدي من أهل بيته في آخر الزمان، وأنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، بتجديد شريعة جده واقامة أحكامها في كل المسكونة كما تواتر هذا عنه(صلي الله عليه و آله).ولعل المهدي هو المقصود من عبارة هذا الإنجيل: (ثم يأتي المنتهي).ومما تجدر الإشارة إليه أن نظير ما أنبأ به إنجيل متي من قيام أنبياء كذبة - علي حد تعبيره - وما بشر به من إتيان المخلص، الذي هو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله)، قد جاء في إنجيل برنابا أيضاً علي لسان عيسي في الفصل 72، ص110 حيث قال:(أما من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص للعالم - 10. ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي-11)…الخ ما سيأتي في البشائر الصريحة بنبينا من إنجيل برنابا.البشارة الثانيةوجاء في إنجيل يوحنا، الإصحاح الرابع عشر، ص160، من الطبعة المذكورة:(15- ان كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. 16- وأنا أطلب من الأب [140] فيعطيكم (معزياً) آخراً ليمكث معكم إلي الأبد. 17- روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم… 26- وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم….. 29- وقلت لكم الآن قبل أن يكون حتي متي كان تؤمنون).البشارة الثالثةوجاء في آخر الإصحاح الخامس عشر من (يوحنا) أيضاً ص161:(26- ومتي جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب، روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي. 27- وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الأبتداء).البشارة الرابعةوجاء في (يوحنا) أيضاً، الإصحاح السادس عشر، ص162:(7- لكني أقول لكم: انه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن ان ذهبت ارسله إليكم. 8- ومتي جاء ذاك يبكت العالم علي خطيئته….. 12- ان لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. 13- وأما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلي جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. 14- وذاك يمجدني).إيضاح وتعليقيبشر هذا الإنجيل علي لسان عيسي في هذه الفقرات - علي ما فيها من التحريف والاضطراب وسوء الترجمة - برسول آخر يرسله الله إليهم من بعده، ويصفه بصفات نراها منطبقة تمام الانطباق علي نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) وأنه لم يأت بعد عيسي حتي الآن رسول انطبقت عليه كل هذه الصفات سواه. وهذه الصفات هي:-انه (يمكث معهم إلي الأبد) أي تبقي شريعته قائمة في العالم إلي قيام الساعة فلا يأتي بعده نبي ولا رسول. فكانت دعوي نبينا انه خاتم النبيين ولا نبي بعده صادقة كما أخبر عيسي، حيث تم علي مبعثه الشريف حتي الآن أربعة عشر قرناً تاماً ولم يبعث رسول من الله سواه، والحال ان أنبياء بني إسرائيل كانت تتري قبل عيسي.وحيث ان الأرض لا يمكن أن تخلوا من حجة لله أقام نبينا(صلي الله عليه و آله) علي أمته وحفظ شريعته من بعده خلفاء وأئمة هم مثال له، وهم أهل بيته وأخبر أن الأرض لا تخلوا من أحدهم، فهو(صلي الله عليه و آله) إذاً ماكث مع الناس إلي الأبد ببقاء شريعته ووجود حفظتها من بعده، أئمة الهدي من أهل بيته واحداً بعد واحد (كلما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة) علي حد تعبيره [141] .انه (روح القدس، وروح الحق، والذي يرشدهم إلي جميع الحق): وهذا ظاهر الانطباق علي نبينا. لأن ما جاء به عن الله عز وجل من العقائد والعبادات والأخلاق وسائر الآداب يتفق تمام الاتفاق مع الحق الصريح والعقل السليم والفطرة السليمة. كما شهد بذلك عقلاء العالم. وكان(صلي الله عليه و آله) أول المتحلين بالحق، الممثلين له، العاملين به.كما تشهد بذلك سيرته الثابتة، وبذلك حضي بروح التقديس من الخالق المتعال، وأستحق أن يطلق عليه أنه (روح القدس) و(روح الحق).أما قول الإنجيل -علي حد تعبيره -: (الذي لا يستطيع العالم أن يتقبله) فالمراد من ذلك غالب الناس الذين هم عن الحق أبعد وإلي الباطل أقرب وأميل، ولا سيما اليهود والنصاري، حيث وجدوا أن لغة خاتم الأنبياء عربية ليست عبرانية ولا سريانية، وهو من نسل إسماعيل، ولم يكن من بني إسرائيل بل كان غريباً عنهم شعباً وقبيلة ولغة وبلاداً، وقد جاء بدين يخالف ما هم عليه من تحريف دينهم السابق علي أيدي أسلافهم. وقد جرت العادة باتّباع طريقة الآباء والأسلاف خصوصاً في أمر الدين، فيشق علي النفوس ترك المألوف وان كان باطلاً ويعسر عليها الانخراط في دين جديد وان كان حقاً، ولا سيما إذا كان الدين الجديد خلاف الشهوات الحيوانية. فلذا قال علي حد تعبيره: (لا يستطيع العالم أن يقبله) والمراد من عدم الاستطاعة هو ما يلاقونه من الصعوبة علي أنفسهم الأمارة بالسوء إذا قبلوه وصدقوا به.وقوله في الإنجيل: (وأما أنتم فتعرفونه) المراد من المخاطبين بكلمة (أنتم): تلاميذه وخواصه من الحواريين الذين آمنوا برسالة عيسي وصدقوا بنبوته، فهم طبعاً يؤمنون بالرسول الذي يأتي بعده ويعرفونه من تأكيداته عليهم ووصـفه شـفاهاً لهم، وهم القليل: "وَقَلِيـلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ" (سبأ/ 14).انه يعلمهم كل شيء ويذكرهم بكل ما قاله عيسي لهم. وهذا أيضاً ينطبق علي نبينا وعلي ما جاء به من القرآن الذي فيه تبيان كل شيء، والشريعة الشاملة لكل ما يحتاجه الإنسان مما فيه سعادته وخيره في الدارين، وذكرهم بكل ما قاله عيسي لهم من أنه عبد الله ورسوله، وما دعا إليه من عبادة الله وحده لا شريك له.وقوله: (وقلت لكم الآن قبل أن يكون، حتي متي كان تؤمنون) تأكيد من عيسي علي أمته بالإيمان بهذا الرسول إذا بعث بالرسالة من بعده.وانه (ينبثق من عند الله): وهو كذلك، وقد أقام علي رسالته من عند الله أنواع المعاجز الخارقة للعادة، ومنها معجزته الخالدة: القرآن المجيد.وانه (يشهد لعيسي): أي برسالته وعبوديته وتبرئته مما روماه به المبطلون كاليهود وغيرهم. وقد شهد له بذلك كله في القرآن المجيد، وفي الأحاديث الثابتة الكثيرة.وانه (خير لهم ان ينطلق عيسي، لأنه إن لم ينطلق لا يأتيهم هذا الرسول الذي مجيئه خير لهم من بقاء عيسي بين ظهرانيهم). وهذا معناه أنه أفضل منه، وشريعته أكمل وأشمل من شريعته فلذا يكون مجيؤه خيراً لهم.وانه (متي جاء يبكت العالم علي خطيئته) أي يوبخه علي إفساده في العقائد والعبادات والأخلاق. وبالفعل قام نبينا عند بعثته في وجه العالم كله، مشمراً عن ساق الجد، حاسراً عن ساعد الاجتهاد لإزالة عقائدهم الباطلة وعباداتهم الفاسدة وأخلاقهم الذميمة، داعياً إلي عبادة الله وحده، متمماً لمكارم الأخلاق، آمراً بكل حسن، ناهياً علي كل قبيح، موبخاً العالم علي كل خطيئة.وانه (لا يتكلم من نفسه بل ما يسمع به) وهذا مفاد قوله تعالي في نبينا: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَي (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي) (النجم/4-6)، وقوله تعالي: (وَإِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَي إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (يونس/ 16).انه يخبرهم بأمور آتية قبل وقوعها. وهذا ما أثبته التاريخ الثابت الصريح المتفق عليه لنبينا من أنه أخبر بأمور وحوادث كثيرة قبل وقوعها، ثم وقعت كما أخبر.انه يمجد عيسي ويمدحه. ونبينا مجد عيسي ومدحه بما هو أهله من المدح ونزهه عن مغالاة الآفكين، كما مدح أمه وأثني عليها في القرآن وفي الحديث.قال تعالي: "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّي يُؤْفَكُونَ" (المائدة/ 76).وقال(صلي الله عليه و آله) في كتابه إلي النجاشي ملك الحبشة - بعد الحمد لله -: "وأشهد أن عيسي بن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلي مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسي فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه…." [142] .هذه عشر صفات مما جاء في هذا الإنجيل من الصفات الكيرة للرسول الذي يأتي من بعد عيسي، وقد رأينا انطباقها تماماً علي نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) دون غيره.ولكن يا تري ما أسم هذا الرسول المبشر به بهذه الصفات وغيرها؟ وهل ذكر أسمه عيسي أم لا؟.يصرح القرآن - وهو حجة الله علي جميع العباد، ومعجزة الرسول التي تحدي بها جميع المخلوقين إلي يوم القيامة - بأن عيسي بشر باسمه الصريح وأن اسمه (أحمد)، وأما الأناجيل التي بين أيدينا فتعبر عنه بتعابير مختلفة. فتارة تعبر عنه بلفظ (المعزي) كما في الترجمة التي نقلنا عنها، وتارة بلفظ (المخلص)، وأحياناً بلفظ (الفار قليط) أو (البير قليط) وهذه لفظة يونانية ومعناه بالعربية: رفيع المقام، سام، جليل….. وهي معان تقرب من معني (محمد) و(احمد).وبالقطع واليقين ان عيسي كان يتكلم باللغة العبرية، ونص كلامه مفقود قطعاً، فلعله نطق باسم (محمد) أو (احمد) ولكن المترجمين نقلوا الاسم بالمعني لا بالنص، كما هي عادتهم في نقل اسماء الأعلام ولا سيما المتأخرين منهم. ولذا تري النسخ والتراجم مختلفة.والخلاصة أن هذه العبائر من إنجيل يوحنا علي ما فيها من التحريف والاضطراب وسوء الترجمة - تثبت المطلوب من البشائر بنبينا ولله الحمد.البشارة الخامسةوجاء في كتاب رؤيا يوحنا اللاهوتي، المسمي بـ (المكاشفات والمشاهدات) في الإصحاح الثاني، ص376:26- ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلي النهاية فسأعطيه سلطاناً علي الأمم.27- فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر آنية من خزف، كما أخذت أنا أيضاً من عند أبي.28- وأعطيه كوكب الصبح.29- من له اذْن ليسمع ما يقوله الروح للكنائس.إيضاح وتعليقالمراد من الغالب الذي يعطيه الله سلطاناً علي الأمم ويرعاهم بقضيب من حديد - أي السيف - هو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) الذي أيده الله بقوته وأمده بنصر من عنده، وأعطاه سلطاناً كما قال تعالي في القرآن المجيد: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا(2)لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(3)وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا" (الفتح/ 1-4).والمراد من إعطائه (كوكب الصبح) إعطاؤه القرآن، أو القرآن والعترة الطاهرة التي قامت بنصره وحفظ شريعته. قال تعالي: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا" (النساء/ 174). وقال تعالي: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (التغابن/ 9) [143] .إلي هنا نكتفي من ذكر البشائر الأخري الكثيرة في الأناجيل الأربعة، وفي سائر كتب العهد الجديد التي تنطبق علي نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) حذراً من الإطالة.

ترقب أهل الكتاب للرسول المبشر به في كتبهم

ومما لا ريب فيه (تاريخياً) أن اليهود والنصاري من بعد عيسي وإلي أن يبعث نبينا كانوا ينتظرون مجيء هذا الرسول المُبشر به في كتبهم.ولذا لما بعث نبينا(صلي الله عليه و آله) وأعلن دعوته اعترف به كثير من رؤسائهم وملوكهم وعلمائهم، وصرحوا بأنهم كانوا ينتظرون رسولاً يبعث من بعد عيسي، وطبقوا تلك البشائر عليه نذكر بعضهم روماً للاختصار.فمنهم: النجاشي ملك الحبشة. فانه لما وصل إليه كتاب نبينا(صلي الله عليه و آله) يدعوه إلي الإسلام قال: "أشهد بالله أنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب"، وكتب إلي النبي(صلي الله عليه و آله) جواب كتابه جاء فيه: "أشهد أنك صادق ومصدق. وقد بايعتك وبايعت ابن عمك [144] . وأسلمت علي يديه لله رب العالمين" [145] .فالنجاشي الذي كان قبل الإسلام نصرانياً أسلم حين تبين له الحق وأعترف أنه هو النبي الذي ينتظره أهل الكتاب.وكتب المقوقس -ملك القبط في مصر - جواب كتاب النبي(صلي الله عليه و آله) له يقول:(بسم الله الرحمن الرحيم، إلي محمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعوا إليه، وقد علمت أن نبينا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك) [146] .وجاء الجارود بن العلا [147] .في قومه إلي رسول الله(صلي الله عليه و آله) فقال: والله لقد جئت بالحق، ونطقت بالصدق، والذي بعثك بالحق نبياً لقد وجدت وصفك في الإنجيل، وبشر بك ابن البتول، فطول التحية لك والشكر لمن أكرمك، لا أثر بعد عين، ولا شك بعد يقين، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، ثم آمن قومه. وهذا الجارود كان من علماء النصاري وقد أقّر بأنه قد بشّر به ابن البتول أي عيسي عليه السلام [148] .فظهر لنا جلياً أن الكتابيين، ولا سيما المسيحيين منهم كانوا منتظرين لخروج نبي بشر به عيسي، وأن هذا المنتظر يومئذ هو نبينا الذي رسله الله إلي كافة الناس."قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (الأعراف/ 159) [149] .البشائر الصريحة بنبينا محمد(صلي الله عليه و آله) في إنجيل برنابا وهي 12 بشارةأولاً - جاء في الفصل (39) عند ذكر خلق آدم، ص58:14- فلما انتصب آدم علي قدميه رأي في الهواء كتابة تتألق كالشمس نصها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).15- ففتح حينئذ آدم فاه وقال: أشكرك أيها الرب إلهي لأنك تفضلت فخلقتني.16- ولكن أضرع إليك أن تنبئني ما معني هذه الكلمات، محمد رسول الله.17- فأجاب الله: مرحباً بك يا عبدي آدم.18- وإني أقول لك: إنك أول إنسان خُلقت.19- وهذا الذي رأيته إنما هو أبنك الذي سيأتي إلي العالم بعد الآن بسنين عديدة.20- وسيكون رسولي الذي لأجله خلقت كل الأشياء.21- الذي متي جاء سيعطي نوراً للعالم.22- الذي كانت نفسه موضوعة في بهاء سماوي ستين ألف سنة قبل أن أخلق شيئاً.23- فضرع آدم إلي الله قائلاٍ: يا رب هبني هذه الكتابة علي أظفار أصابع يدي.24- فمنح الإنسان الأول تلك الكتابة علي إبهاميه علي ظفر إبهام اليد اليمني ما نصه (لا إله إلا الله).25- وعلي ظفر إبهام اليد اليسري ما نصه (محمد رسول الله).26- فقبل الإنسان الأول ذلك اليوم بحنو أبوي هذه الكلمات.27- ومسح عينيه، وقال: بورك ذلك اليوم الذي ستأتي فيه إلي العالم [150] .ثانياً - وجاء في الفصل (41) في تمام قصة آدم وخروجه مع حواء من الجنة ص63:30- فلما ألتفت آدم رأي مكتوباً فوق الباب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.31- فبكي عند ذلك وقال: أيها الابن عسي الله أن يريد أن تأتي سريعاً وتخلصنا من هذا الشقاء.ثالثاً - وجاء في الفصل (42) ص64:13- أجاب يسوع [151] : إن الآيات التي يفعلها الله علي يدي تظهر أني أتكلم بما يريد الله.14- ولست أحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه.15- لأني لست أهلاً أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا.16- الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي.17- وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية.رابعاً - وجاء في الفصل (43) ص67:13- الحق أقول لكم: إن كل نبي متي جاء فإنه إنما يحمل لامّةٍ واحدة فقط علامة رحمة الله.14- ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي ارسلوا إليه.15- ولكن رسول الله متي جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده.16- فيحمل خلاصاً ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه.17- وسيأتي بقوة علي الظالمين.18- ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان.19- لانه هكذا وعد الله إبراهيم قائلاً: "انظر فأني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيماً هكذا سيفعل نسلك". (وفي آخر هذا الفصل يعين أن نسله يكون من ولده إسماعيل لا إسحاق).خامساً - وجاء في الفصل (44) ص69:19- لذلك أقول لكم: ان رسول الله بهاء يسر كل ما صنع الله تقريباً.20- لانه مزدان بروح الفهم والمشورة.21- روح الحكمة والقوة.22- روح الخوف والمحبة.23- روح التبصر والاعتدال.24- مزدان بروح المحبة والرحمة.25- روح العدل والتقوي.26- روح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة أصناف ما أعطي لسائر خلقه.27- ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلي العالم.28- صدقوني أني رأيته وقدمت له الاحترام كما رآه كل نبي.29- لأن الله يعطيهم روحه نبوة.30- ولما رأيته امتلأت عزاً قائلاً "يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلاً أن أحل سير حذائك".31- لأني إذا نلت هذا صرت نبياً عظيماً وقدوس الله.سادساً - وجاء في الفصل (72) ص110:10- أما من خصوصي فأني أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص للعالم.11- ولكن احذروا أن تغشوا لانه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي.12- حينئذ قال (اندراوس): يا معلم اذْكر لنا علامة لنعرفه.13- أجاب يسوع: انه لا يأتي في زمانكم، بل يأتي بعدكم بعدة سنين حينما يبطل إنجيلي، ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمناً.14- في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر علي رأسه غمامة بيضاء [152] ، يعرفه أحد مختاري الله [153] وهو سيظهره للعالم.15- وسيأتي بقوة عظيمة علي الفجار ويبيد عبادة الأصنام.16- واني أسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي.17- وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان….22- وسيجيء بحق أجلي من سائر الأنبياء وسيوبخ من لا يحسن السلوك في العالم.سابعاً - وجاء في الفصل (96) ص146:1- ولما انتهت الصلاة قال الكاهن [154] بصوت عال: قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكيناً لامّتنا. 2- أجاب يسوع: أنا يسوع بن مريم من نسل داود، بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطي الإكرام والمجد إلا لله. 3- أجاب الكاهن: انه مكتوب في كتاب موسي أن إلهنا سيرسل لنا مسيا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله. 4- لذلك أرجـوك ان تقول لنـا الحق هل أنت مسـيا الله الذي ننتظره. 5- أجاب يسوع: حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي. 6- أجاب الكاهن: إنّنا نعتقد من كلامك وآياتك علي كل حال أنك نبي الله وقدوس الله. 7- لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي مسيا. 8- أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي [155] أني لست مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاً: بنسلك أبارك كل قبائل الأرض. 9- ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخري هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوي علي الاعتقاد بأني الله، وابن الله. 10- فيتنجـس بسـبب هذا كلامي وتعليمي حتي لا يكاد يبقي ثلاثون مؤمناً. 11- حينئذ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلقت كل الأشياء لأجله….. 15- وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً.ثامناً - وجاء في الفصل (97) ص149:13- فقال حينئذ الكاهن: ماذا يسمي مسيا، وما هي العلامة التي تعلن مجيئه. 14- أجاب يسوع: ان اسم مسيا عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه [156] ووضعها في بهاء سماوي. 15- قال الله: اصْبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والعالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتي أن من يباركك يكون مباركاً، ومن يلعنك يكون ملعوناً. 16- ومتي أرسلتك إلي العالم أجعلك رسولي للخلاص، وتكون كلمتك صادقة حتي أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً. 17- أن أسمه المبارك محمد(صلي الله عليه و آله). 18- حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله أرسل رسولك، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم.تاسعاً - وجاء في الفصل (112) ص170:15- لأن الله سيصعدني من الأرض، وسيغير منظر الخائن، حتي يظنه كل أحد إياي. 16- ومع ذلك فإنه لما يموت شر ميتة أمكث في ذلك العار زمناً طويلاً في العالم. 17- ولكن متي جاء محمد رسول الله المقدس، تزال عني هذه الوصمة.18- وسيفعل الله هذا لأني أعترف بحقيقة مسيا الذي سيعطيني لهذا الجزاء أي أعرف أني حي وأني بريء من وصمة تلك الميتة.عاشراً - وجاء في الفصل (124) ص188:8- الحق أقول لكم: لو لم يمح الحق من كتاب موسي لما أعطي الله داود أبانا الكتاب الثاني. 9- ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهد الله بإنجيله إليّ، لأن الرب إلهنا غير متغير ولقد نطق رسالة واحدة لكل البشر. 10- فمتي جاء رسول الله يجيء ليطهر كل ما أفسد الفجار من كتابي.حادي عشر - وجاء في الفصل (163) ص254:7- أجاب التلاميذ: يا معلم، من عسي أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي إلي العالم. 8- أجاب يسوع بابتهاج قلب: إنه محمد رسول الله. 9- ومتي جاء إلي العالم فسيكون ذريعة للأعمال الصالحة بين البشر، بالرحمة الغزيرة التي يأتي بها. 10- كما يجعل المطر الأرض تعطي ثمراً بعد انقطاع المطر زمناً طويلاً. 11- فهو غمامة بيضاء ملأي برحمة الله وهي رحمة ينثرها الله رذاذاً علي المؤمنين كالغيث.ثاني عشر - وجاء في الفصل (220) ص318:19- فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله علي أني كنت بريئاً في العالم، أراد الله أن يهزأ [157] الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا معتقدين أنني أنا الذي متّ علي الصليب لكي لا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة. 20- وسيبقي هذا إلي أن يأتي محمد رسول الله الذي متي جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله.

بشارة إدريس النبي بالأشباح الخمسة

يقول إدريس النبي(عليه السلام) في كتابه [158] حاكياً عن آدم(عليه السلام): …. إنه لما خلقني ربي بيده ونفخ من روحه جلست ناظراً إلي عرش ربي - فإذا بأنوار خمسة في غاية العز والجلال، والبهاء والكمال، - وقد أغرقتني وأولهتني بوارق أنوارهم!قلت: رب! من هؤلاء؟قال: هم أشرف خلائقي، وأبواب رحمتي، والوسائط بيني وبين خلقي."إني لِهو يَوه انا لِبرين وارخَ لا الشّماي ولا آل آرعا ولا البرس ولا الكيهن ولا الشمس ولا السَعر" (الأصل السرياني) أي لولاهم لما خلقتك،ولا السماء ولا الأرض، ولا الجنة ولا النار ولا الشمس ولا القمر.قلت: يا رب! ما أسماؤهم؟ قال: أنظر إلي العرش حيث الأنوار القادسة فنظرت وإذا كتائب من نور.بارَ قليطا - ايليا - طيطة - شبر - شبير - هَليلوه لِت آلهَ شُوق منّي "محمد(صلي الله عليه و آله) " انويّ دَالة لكلّه عالم" (الأصل السرياني).يعني: هم "محمد(صلي الله عليه و آله) " علي - فاطمة - حسن - حسين - هللوني وسبحوني يا خلائقي فلا إله إلا أنا ومحمد(صلي الله عليه و آله) رسولي"."وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" (مريم/ 57-58) [159] .هذا آخر ما تيسر لنا ذكره من بحوث الصفة الرابعة من صفات نبينا في الآية المبحوث فيها "الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ".

الرسول الأعظم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشاره

الصفة الخامسة والسادسة التي وصف الله بهما نبيه(صلي الله عليه و آله) في الآية قوله تعالي: (يأمرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ). يجوز أن تكون هاتان الصفتان والصفات الثلاث التي بعدهما موصوفا بها في التوراة والإنجيل، فيكون الكلام متصلا بما قبله، ويجوز أن تكون ابتداءً من قول الله تعالي مدحا للنبي(صلي الله عليه و آله) بأنه (يأمرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ...الخ.

معني المعروف والمنكر

المعروف: هو اسم جامع لكل عقيدة وفعل وقول يعرف حسنه بالعقل والشرع، وهو توحيد الله وطاعته، ومنها الإحسان إلي خلقه.والمنكر: ضده. أي هو اسم جامع لكل عقيدة وفعل وقول يعرف قبحه بالعقل والشرع، وهو أنواع: الشرك بالله وعصيانه، ومنه الإساءة إلي خلقه.فالمعروف صفة شريفة معروفة بالعقل والشرع، وهي الحق. والمنكر صفة رديئة منكرة بالعقل والشرع، وهي الباطل. فلا شئ من المعروف بمنكر، ولا شئ من المنكر بمعروف.

المثل الأعلي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مما لا ريب فيه أن جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم واقتدي بهديهم وهداهم من المصلحين قد قاموا بهذا الواجب المقدس تجاه أممهم: آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، وهذا سبيلهم ومنهاجهم. وفي طليعتهم المفضل عليهم في ذلك وغير ذلك، هو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) الذي جاء بأعلي أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك من جهات:من حيث أن دينه هو دين الإسلام - بكتابه وبسنته - هو الدين الوحيد الذي نفخ في جثمانه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل ما يسعه من روح الحياة، لأنه الدين الخالد وشريعته الغراء اشمل واجمع من الشرائع السابقة للأمر بكل أنواع المعروف والنهي عن جميع أنواع المنكر كانا ويكونان حتي قيام الساعة وذلك باعتبار أنها شريعة الأبد.أن نبينا قد طبق علي نفسه المقدسة التحلي التام بكل معروف جاء به عن الله واجبا ومندوبا، عزيمة ورخصة، والتخلي عن كل منكر، محرما أو مكروها وبلغ في ذلك - منذ نشأته الأولي حتي النهاية - الذروة العالية التي فاق بها العالمين والتي استحق من اجلها أن يخاطبه الله العظيم بقوله العظيم (وَإِنَّكَ لَعَلي خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 5) وبقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/160). قال شيخنا الطبرسي: "وفي هذه الآية دلالة علي تخصيص نبينا بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، ومن عجيب أمره(صلي الله عليه و آله) انه كان أجمع الناس لدواعي الترفع، ثم كان أدناهم إلي التواضع، وذلك انه كان أوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا، وأسخاهم وأشجعهم وأزكاهم وأفصحهم.. وهذه كلها من دواعي الترفع. ثم كان من تواضعه انه كان يرقع الثوب، ويخصف النعل، ويركب الحمار، ويعلف الناضح ويجيب دعوة المملوك، ويجلس في الأرض، ويأكل علي الأرض، وكان يدعو إلي الله من غير زأر [160] ولا كهر ولا زجر. ولقد احسن من مدحه في قوله:فما حملت من ناقة فوق ظهرها ابر وأوحي ذمة من محمد [161] .انه(صلي الله عليه و آله) قد قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -مع الشفقة والرافة والرحمة- بكل عزيمة وهمة وثبات وصبر ونشاط ومضاء في حين كانت الأرض مليئة من مشرقها إلي مغربها بالخرافات والسخافات واختلاف الديانات والاتجاهات. وكلها باطلة ومنكرة، فكان قيامه بالدعوة إلي الله ودينه في وجه العالم كله مشمرا عن ساق الجد، حاسرا عن ساعد الاجتهاد، لتهذيب عقائدهم الباطلة وأخلاقهم الفاسدة، وتكميل عقولهم الناقصة، وتكبير نفوسهم الصغيرة متحملا منهم في سبيل هدايتهم أنواع الأذي حتي قال(صلي الله عليه و آله) في الثابت الصحيح: "ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت به" وبلغ من همته العظيمة أن قال قولا لا يزال يرن صداه في أذان عظماء الرجال وأبطال العالم "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي علي أن اترك دعوتي هذه ما تركت" [162] .إن الجهود العظيمة التي بذلها الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) في هذا السبيل لا يدانيها أي جهد مهما عد عظيما في أنظار الناس اللهم إلا إذا تذكرنا المواقف الجريئة، والتضحيات الجسيمة، والأعباء الثقيلة التي تحملها أهل بيته، الأئمة المعصومون لإحياء دين الرسول، ونشر أحكامه، وبث فضائله... وهي بحق، قدوة طيبة لكل المؤمنين والمصلحين في هذه الأمة.فلذلك وغير ذلك وصف الله رسوله بهاتين الصفتين(يأمر هُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ) لظهورهما فيه وفي شريعته الشاملة وقيامه بهما علي اكمل وجه.وينبغي لكل مسلم مؤمن أن يقتدي بنبيه ويتأسي به في هاتين الصفتين، بان يكون آمراً بالمعروف ناهيا عن المنكر قدر استطاعته. (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 22). خصوصاً في هذا الزمان الذي عاد فيه الناس إلي جاهليتهم الأولي ففشي فيهم المنكر بكل أنواعه وقل المعروف بكل أشكاله.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و اثرهما في المجتمع

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرعان مهمان من فروع الدين وركنان أساسيان من أركانه، وهما فريضتان واجبتان بإجماع المسلمين أجمعين. بل هما من أهم الفرائض والواجبات التي تسعد بها الأمم وتبلغ أعلي مرتبة من الرقي والكمال حتي جاء في الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال:"أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم وتعمر الأرض، وينتصف من الاعداء، ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فان اتعظوا والي الحق رجعوا فلا سبيل عليهم، (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشوري/ 43)، هنالك [163] فجاهدوا بأيديكم وابغضوا بقلوبكم، غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا، ولا مريدين بالظلم ظفرا [164] حتي يفيئوا إلي أمر الله ويمضوا علي طاعته.(قال): وأوحي الله تعالي إلي شعيب النبي(عليه السلام) أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم فقال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحي الله تعالي إليه: داهنوا أهل المعاصي [165] ، ولم يغضبوا بغضبي" [166] .وإذا أمعنت النظر وأمعنت التدبير في هذا الحديث الوارد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) رأيت أن عليه مسحة من أنوار النبوة، وعبقة من ارج الرسالة، حديث يؤيد مضامينه العقل والوجدان، ويدل علي صدقه الكتاب والسنة الثابتة عن الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) الذي قال: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا علي البر. فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم علي بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء" [167] وقال(صلي الله عليه و آله): "إذا رأوا الناس منكرا فلم يغيروه عمهم الله بالعقاب" [168] .ومن تأمل في الأخبار والآثار، واطلع علي التواريخ والسير، وقصص الأمم السالفة وما حدث لهم من العقوبات، وضم ذلك إلي التجربة المشاهدة في عصره، من ابتلاء الناس ببعض البلايا السماوية والأرضية، من الطاعون والوباء والقحط والغلاء، وحبس المياه والأمطار، وتسلط الظالمين والأشرار، ووقوع القتل والغارات، وحدوث الصواعق والزلزال، وأمثال ذلك من أنواع الأهوال، يعلم أنها كلها عقوبات مسبوقة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن تركهما يؤدي حتما إلي تفسخ الأخلاق وتكالب الناس بعضهم علي بعض، بل هو علة العلل في تدهور الأمم وسقوطها في الدنيا، عدا ما هنالك من عذاب أخروي لتاركي هذه الفريضة المهمة.ومن هنا قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) منذرا أمته: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف: فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا" [169] .وفي رواية: " وعند ذلك يبتلي الناس بفتنه، يصير الحليم فيها حيران" [170] .ويقول أمير المؤمنين في وصيته للحسن والحسين بعد ما ضربه ابن ملجم المرادي بسيفه "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم" [171] . ونظير هذا ما ورد أيضاً عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) انه قال: "لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم" [172] فهل للمؤمن المسلم عذر بعد هذا في التهاون بهذه الفريضة والتقاعس عن القيام بها؟لا عذر له: بل المؤمن حقا هو الذي يغضب عند انتهاك حرمات الله، ويضحي بما لديه في سبيل إعلاء كلمة الله. وطوبي لنفوس اتعظت بنصائح أهل البيت العصمة فاتخذت منها منارا للعروج إلي حيث الطمأنينة والخلود، والكمال المنشود.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان كفائيان

ولكي نكون علي بصيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بهذا الواجب المقدس، نذكر بعض أحكامه وشرائطه فنقول:أن وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يختص بصنف من الناس دون صنف آخر [173] بل كما يجب علي العلماء مثلا عند اجتماع الشرائط التي سنذكرها، كذلك يجب علي سائر الناس، وكما يجب علي العادل الورع، كذلك يجب حتي علي الفاسق العاصي، وهكذا يجب علي الراعي والرعية، والأغنياء والفقراء، والرجال والنساء … كل بحسبه.قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [174] نعم وجوبه علي هذه الطبقات إنما هو علي نحو الوجوب الكفائي بمعني: أن قام به من تحصل الكفاية بهم سقط الوجوب عن الآخرين وان لم يقم به واحد آثم الجميع واستحقوا العقاب. وإذا رأي جماعة منكرا من شخص وقام بالإنكار أحدهم، فإن كان بإنكاره كفاية في الارتداع عن المنكر فبها ونعمت، وإذا ظن الآخر أن لمشاركته آثرا في الارتداع عن المنكر وتأييد وانتصارا للسابق بالإنكار وجب عليه أيضاً لان الغرض إيقاع المعروف وارتفاع المنكر، من شخص كان أو من شخصين أو من أشخاص.هذا والواجب إنما هو الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر المحرم، وأما الأمر بالمستحب والنهي عن المكروه فمستحب، ويكون القائم به مستحقا للثواب، وإذا تركه لم يكن عليه آثم وعقاب.

شرائط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

ويشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمور:معرفة المعروف والمنكر، تفصيلا أو إجمالاً، ليأمن من الغلط ن ولئلا يأمر بمنكر وينهي عن معروف من حيث لا يدري، كما هو شان بعض عوام الناس، تراهم ربما يأمر ون بأشياء بل يحثون عليها وهي بالحقيقة منكرة ومحرمة، أو لا ينبغي الإتيان بها، وبالعكس ربما ينهون عن أشياء، بل يشددون النكير عليها وهي في الحقيقة غير منكرة لا يمنعها العقل، والشرع يقرها ويبيحها أو يأمر بها ويوجبها، ولكنهم في آرائهم انهم أمروا بمعروف ونهوا عن منكر… والحال أن الدين لا يؤخذ بالرأي، بل أما بالاجتهاد والدليل، أو بالتقليد للمجتهد الجامع للشرائط والمبين للأحكام.فالآمر أو الناهي يشترط أن يكون عارفا علي بصيرة بما يأمر به أو ينهي عنه، وان لم تكن له الإحاطة بكل أنواع المعروف والمنكر، لكنه حينما يأمر بشيء، يجب أن يعلم انه معروف وحينما ينكر شيئا يجب أن يعلم انه منكر، وإلا فإن ضرره بأوامره ونواهيه سيكون اكثر من نفعه. قال تعالي: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَي اللَّهِ عَلَي بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف/109).احتمال تأثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في الشخص المأمور بالمعروف أو المنهي عن المنكر. فإذا لم يحتمل ذلك، بان علم أن الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر والنهي ولا يكترث بهما، ولا يتقبل نصح الناصح له، فانه يسقط الوجوب عن الأمر أو الناهي حينئذ لعدم تقبل المأمور للأمر والنهي واستفادته بهما.نعم، يجوز للآمر من باب إلقاء الحجة علي المأمور، ومن باب الدعوة إلي الدين أن يأمره وينهاه ويعّرفه فائدة المعروف الذي تركه وأضرار المنكر الذي عمله من طريق الرفق واللين وإظهار الشفقة، والمحبة، وله علي ذلك الأجر العظيم، ولكنه لا يجب عليه ولا يعاقب علي تركه، علي ما هو المشهور بين الفقهاء.وفي هؤلاء الذين لا يتقبلون الأوامر والنواهي يقول عز من قائل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَي مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَي الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أولئك الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا) (النساء/61-64).أن يكون المأمور والمنهي مصرا علي ترك المعروف وارتكاب المنكر. فحينئذ يجب أمره ونهيه علي ما فعل وأصر عليه، أما إذا كانت هناك أمارة علي إقلاعه وعدم إصراره علي ترك المعروف وارتكاب المنكر لظهور آثار الندم عليه مثلاً، أو الانصراف عما خالف به فانه لا يجب. لان الإنسان في الحياة معرض للأخطاء، تصدر عنه الزلات وتظهر منه العثرات، لأن الكمال لله وحده، والعصمة للأصفياء من عباده وحدهم لا يشاركهم فيها مشارك، ولا ينازعهم فيها منازع. أما الباقون من الناس فهم يذنبون ويسيئون ويخطئون، وخيرهم اقلهم زللا وأهونهم خطا وخطلاً، وأولئك النبلاء الذين تعّد هفواتهم، وتحصر زلاتهم، كما قال الشاعر:ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها كفي المرء نبلاً أن تعد معائبهفإذا صدر منكر من إنسان مؤمن واظهر الندم علي ذلك أو اعتذر إلي من أساء إليه واعتدي عليه، فينبغي للإنسان الآخر أن يقبل عذره ويعفو عنه، ويعفو عنه، لا أن يبقي مؤنبا له ساخطا عليه، يحاول الانتقام منه، كما هو شأن الكثير من الناس،وقد قيل ما من مسيء من اعتذر والمثل المشهور يقول: (والعذر عند كرام الناس مقبول).قال أمير المؤمنين(عليه السلام):اقبل عذر أخيك، وان لم يكن له عذر فالتمس له عذراً [175] وقال الشاعر:إذا اعتذر الصديق إليك يوما من التقصير عذر أخ مقرفصُنه عن جفائك وأعف عنه فان الصفح شيمة كل حّربل حتي لو علمت بكذب من يعتذر إليك، فالأولي لك أن تقبل عذره إبقاء للمودة، قال أمير المؤمنين(عليه السلام):لا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره، وان علمت انه كاذب [176] بل قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) في وصيته لعلي(عليه السلام):يا علي من لم يقبل العذر من متنصل صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي [177] .وروي أن موسي بن جعفر الكاظم احضر ولده يوماً فقال لهم:يا بني أني موصيكم بوصية، من حفظها انتفع بها: إذا أتاكم آت فاسمع أحدكم في الأذن اليمني مكروها ثم تحول إلي الأذن اليسري فاعتذر وقال: لم اقل شيئاً، فاقبلوا عذره [178] .(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت/35-36).أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر في النفس أو العرض أو المال علي الأمر أو علي غيره من المسلمين. أما إذا لزم الضرر عليه أو علي غيره من المسلمين لم يجب، إذ لا ضرر ولا ضرار في الدين، ولقوله تعالي: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَي التَّهْلُكَةِ) (البقرة/ 196).نعم، إلا إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب الجهاد والدفاع بالسيف للكافرين والباغين والمبتدعين، وهذا مشروط بإذن الإمام ونائبه المطاع الجامع للشرائط. وهو أعلي درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.قال أمير المؤمنين(عليه السلام):من رأي عدواناً يعمل به ومنكراً يدعي إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد اجر وهو افضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلي فذلك الذي أصاب سبيل الهدي وقام علي الطريق ونور في قلبه اليقين [179] .

لا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر عمن لا يتقيد بهما

هذه شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يجب عند توفرها القيام به، وإلا فلا يجب وهي كما تراها شرائط منطقية يؤيدها العقل ويدل عليها كل من الكتاب والسنة النبوية وأقوال أهل بيت العصمة(عليهم السلام).أما ما يقال علي أفواه بعض الناس، بل وما وجدناه في بعض الكتب أيضاً من أن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر يشترط أن يكون مؤتمرا بما يؤمر به من المعروف ومنتهيا عما ينهي عنه من المنكر وإلا يسقط عنه الأمر والنهي، فهو غير صحيح. وذلك لإطلاق الأدلة وعدم تقييدها بهذا الشرط، ولأن الواجب علي فاعل المنكر المشاهد فعله غيره أمران: تركه المنكر في نفسه، وإنكاره المنكر علي الغير. ومعلوم انه لا يسقط - بترك أحد الواجبين - الواجب الآخر، وإذا تركهما معا كان معرضا نفسه للعقابين: ارتكابه المنكر بنفسه، وتركه النهي عنه.ثم لو اشترط هذا الشرط المزعوم لاقتضي عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي كثير من الناس لعدم توفر هذا الشرط فيهم، وهو معلوم البطلان.

توبيخ من لا يأتمر بما يأمر به، و لا ينتهي عما ينهي عنه

فان قيل: إذا ما معني الإنكار والتوبيخ من الله سبحانه بقوله: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (البقرة/ 45).قلنا: لم يوبخهم الله وينكر عليهم أمرهم بالبر وقولهم به، وإنما وبخهم وأنكر عليهم نسيانهم أنفسهم من البر، مع انهم يأمرون به ويعرفونه لأنهم يتلون الكتاب، لذلك استحقوا هذا التوبيخ، حيث أن ترك البر الواجب ممن يأمر به ويعرفه اقبح ممن لا يأمر به ولا يعرفه أو يجهل حسنه ودليله، وهذا واضح عند كل عاقل، لذا قال تعالي في ذيل الآية مخاطبا لهم: (أفلا تعقلون).وعلي هذا يحمل كل ما ورد في هذا الباب من التوبيخ و الإنكار في الكتاب والسنة بآيات عديدة، وأحاديث كثيرة… أما الآيات فمنها قوله تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-4).فالله تعالي ينكر بهاتين الآيتين علي هؤلاء، الإنكار الشديد، ويمقتهم المقت الكبير لمخالفة أفعالهم أقوالهم، ذلك لأن الله يريد من المؤمن أن يكون صادقا مستقيما علي طريق الحق وان يكون باطنه كظاهره وأن يطابق فعله قوله، وإلا يكون منافقا غي مؤمن إيماناً صادقاً حقيقياً.فإنكاره ومقته لهم من حيث نفاقهم وعدم فعلهم المعروف لا من حيث قولهم به.وهكذا قوله تعالي منددا بالمنافقين، مخاطبا رسول(صلي الله عليه و آله) يُعلمه بمخالفة أفعالهم لأقوالهم: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ وَكَفَي بِاللَّهِ وَكِيلًا) (النساء/ 82).ينبئ الله تعالي رسوله(صلي الله عليه و آله) بهذه الآية أن المنافقين يظهرون منتهي الطاعة لك، بحيث يخلص جوابهم كله للنبي بكلمة (طاعة) كأن لم يقولوا سواها لشدة تظاهرهم بمدلولها، ولكنهم إذا خرجوا من مجلسه(صلي الله عليه و آله) راح جماعة منهم يبيتون، أي انهم يدبرون في خفية كالذي يدبر في ظلام الليل، راحوا يبيتون غير الذي قال لهم، وغير ما اظهروا من الطاعة، وبينما هم في تبييتهم يظنون انهم في خفية، إذا النص القرآني يفاجئهم بأن الله رقيب عليهم يكتب ما يبيتون في الظلام.ومنها قوله تعالي: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (البقرة/ 206). وهذا هو المنافق الذي يتحدث فيصور لك نفسه انه خلاصة من الخير والإخلاص، شديد الرغبة في إفاضة البر والسعادة علي الناس، لذا يعجبك حديثه عن الخير البر والصلاح، وتعجبك ذلاقة لسانه وتعجبك نبرة صوته (وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ) أي يستشهد الله ويحلف به أن أقواله موافقة لما في قلبه (وَهُوَ) في الحقيقة (أَلَدُّ الْخِصَامِ) أي اشد الخصوم خصومة، فهو الذي يتناقض ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره، وهو الذي يتقن الكذب والتمويه، ويتفنن في التأثير والخداع ليكسب رضا الأكثرية من الناس.وقد قال(صلي الله عليه و آله):آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا أؤتمن خان [180] .وعن هؤلاء وأمثالهم حّدث النبي(صلي الله عليه و آله) واخبر عنهم في حديث الإسراء [181] حيث قال(صلي الله عليه و آله):رأيت ليلة أسري بي قوما تقرض شفاههم بمقاريض من نار وكلما قرضت وفت، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا (أو قال: خطباء من أمتك) تقرض شفاههم لأنهم يقولون ما لا يفعلون، أو قال: لأنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.فكل هذا التوبيخ والإنكار، والوعيد بعذاب النار في حديث الإسراء، إنما استحقه هؤلاء، لأنهم لا يأتمرون بما يأمرون به من المعروف، ولا ينتهون عما ينهون عنه من المنكر... فهم منافقون، و (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء/ 146-147).ولقد أجاد الشاعر أبو الأسود الدئلي حيث يقول:وإذا جريت مع السفيه كما جري فكلاكما في جريه مذموموإذا عتبت علي السفيه ولمته في مثل ما تأتي فأنت ملوملا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إذا فعلت عظيمفابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمفهناك يقبل ما وعظت ويقتدي بالعلم منك وينفع التعليمتصف الدواء وأنت أولي بالدوا وتعالج المرضي وأنت سقيمونراك تصلح بالرشاد عقولنا أبدا وآنت من الرشاد عديمقال بعض الأكابر قدس سره: "إن من اعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها و أتقنها وأشدها، خصوصا بالنسبة إلي رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهة، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة وينزهها عن الأخلاق الذميمة. فان ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر، خصوصا إذا اكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والرهبة. فإن لكل مقام مقال، ولكل داء دواء، وطب النفوس والعقول اشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة... وحينئذ يكون قد جاء بأعلي أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" [182] .تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي علماء الدين:ويتأكد وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر علي علماء الدين، وغيرهم من المثقفين بالثقافة الدينية، من كتاب ومؤلفين وخطباء ومتكلمين، لقوله تعالي: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 105) حيث دلت هذه الآية الشريفة علي وجوب الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ينتدب لهذا الأمر ويقوم به طائفة يدعوها الله في القران (أُمَّةٌ) تعظيما لها وتكثيراً، وصرحت الآية بانحصار الفلاح فيمن قام بهذا الأمر، فقال تعالي في ذيل الآية: (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) أي المفلحون في دعوتهم، لأنهم يدعون إلي الخير… والمفلحون في حياتهم لأنهم ينفقونها في أداء فريضة جامعة مكتوبة عليهم… والمفلحون في أخراهم بما قدموا بين أيديهم من حسنات.يقول نبينا الصادق الأمين(صلي الله عليه و آله) لعلي أمير المؤمنين(عليه السلام) لما بعثه إلي اليمن:والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت [183] .وقال له يوم خيبر أيضاً:يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم [184] .وقال(صلي الله عليه و آله):من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله وكتابه [185] وقال(صلي الله عليه و آله) حين سئل عن خير الناس:أمرهم بالمعروف، أنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله وأرضاهم له(3)… إلي غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة علي ما لمن قام بهذا الواجب من المنزلة السامية والأجر العظيم والفلاح والنجاح دنيا وآخره.والعقل بتأكد وجوب القيام بهذا الأمر من الدعوة إلي الخير والمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي من كانت له الأهلية واللياقة حفظاً للنظام، وسداً لأبواب الفساد، وهو وإن كان تكليفا ليس بالهين ولا باليسير إذا نظرنا إلي طبيعته وإلي اصطدامه بشهوات الناس وبنزواتهم، وفيهم الجبار المتكبر، وفيهم الحاكم المتسلط، وفيهم الهابط بتفسخه وسوء أخلاقه الذي يكره الصعود وفيهم الكارة الذي لا يهوي الدعوة إلي الخير، ولكنه تكليف محبب إلي النفوس المؤمنة بالله العارفة به وبدينه، التي لا تعتز إلا بالله ولا تخشي إلا إياه، انهم يشعرون أنفسهم أن عليهم في الحياة وظيفة، وان نفوسهم لا تعيش لذاتها المحدودة إنما تعيش لوظيفة أكبر ولمحيط أوسع لأفق أعلي من واقع الأرض وحدود الحية في الدنيا ويعلمون أن هذا التكليف هو السبيل الوحيد لضمان وحدة الأمة الدينية، وتوحيد مفاهيمها للدين، ومفاهيمها للحياة، وان الأمة ستظل إذا لم تجد بينها هؤلاء الدعاة الهداة لذا اخذوا علي عاتقهم القيام بهذا الواجب المقدس ولكنهم - ويا للأسف - قليلون (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) (سبأ/ 13).تأكد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للنفس والأهلوكما يتأكد وجوب الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي علماء الدين كذلك يتأكد هذا الوجوب في حق المكلف بالنسبة إلي نفسه وأهله من نسائه وأبنائه وبناته وسائر متعلقيه من أرحامه وأقربائه قال تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 7) هكذا يهيب القرآن بالذين آمنوا فيوجه الخطاب إليهم خاصة دون غيرهم من سائر الناس [186] فيأمرهم ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية الإسلامية والتوجيه والتذكير بعد أن يؤدوا واجبهم بالنسبة إلي أنفسهم فيقول سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) أي احفظوا واحرسوا وامنعوا أنفسكم وأهليكم من النار وذلك بأن تصبروا علي طاعة الله، وعن معصيته، وعن اتباع الشهوات المحرمة وان تدعوا أهاليكم إلي الطاعة وتعلموهم الفرائض وتحثوهم علي أفعال الخير، وتنهوهم عن القبائح والمعاصي، وإلا يكون مصيركم ومصيرهم إلي النار.إن تبعة المؤمن في نفسه وأهله تبعه ثقيلة ورهيبة، فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله، فعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر المخالفين هناك وهي نار فظيعة (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) أي حطب تلك النار الناس والحجارة وهي حجارة الكبريت كما عن ابن عباس [187] التي تزيد في قوة النار وتكون اشد حرا إذا أوقد عليها، فما اشدها عذابا وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون وهم الزبانية التسعة عشر وأعوانهم من الملائكة [188] وقد وصفهم الله سبحانه بقوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي هذا دلالة علي أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه فإذا جاءهم الأمر من الله بإدخال العصاة إلي النار وتعذيبهم بها فهم يمتثلون ويفعلون ما به يؤمرون لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامر الله والانتقام من أعدائه، إذا من الذي يخلصهم بعد ذلك من تلك النار؟ (وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (الانفطار/ 20).والذي يهون الخطب علينا ما رواه شيخنا الكليني في فروع الكافي (4) بسنده عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: لما نزلت هذه الآية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) جلس رجل من المسلمين يبكي قال: أنا عجزت عن نفسي كلفت بأهلي فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): حسبك تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهي عنه نفسك.وروي أيضاً عن أبي بصير انه سأل الصادق عن قوله عز وجل: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) قال: قلت: كيف أقيهم؟ قال(عليه السلام):تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عما نهاهم الله فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك.أما إذا لم يأمرهم بما أمر الله، ولم ينههم عما نهاهم الله، ولم يوجههم التوجيه الصحيح - كما هو شأن الكثير من الناس - فهو هالك كما انهم هالكون، وقد أجاد العلامة السيد صادق الهندي رحمه الله حيث قال:شبابنا من طيشه في كل واد قد سلكإن لم نوجه سيره أهلكنــا كما هلكوله تغمده الله برحمته أيضاً بالنسبة إلي سفور المرأة قال:يد التبشير قد مدت إلينا برفع حجاب ربات الحجالوما رفعت حجاب الصون إلا وأرخته علي عقل الرجال

تنبؤ الأحاديث عن المتبرجات في آخر الزمان

وهناك أحاديث واردة عن النبي(صلي الله عليه و آله) وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) موبخة للنساء المتبرجات ومنبئة عن أحوال النساء المسلمات في عصرنا هذا وعما يرتكبنه من الأعمال المحرمة وعن سلب الحياء عنهن وكذلك عن سلب الغيرة عن الرجال. روي عن النبي(صلي الله عليه و آله) في كتاب حياة الحيوان للعلامة الدميري في فصل الباء (باب البخت) أن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: (سيأتي في آخر الزمان رجال من أمتي نساؤهم كاسيات عاريات علي رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف [189] ألا فالعنوهن فإنهن ملعونات ولا يجدن ريح الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام) وذكر هذا الحديث الإمام احمد بن حنبل - إمام الحنابلة - في مسنده [190] ومراد النبي(صلي الله عليه و آله) من هذا التشبيه هو أما كي الشعر وتجعيده، أو جمعه في مقدم الرأس الذي تداول في عصرنا هذا وهو الأظهر.وقوله: كاسيات عاريات، أما يريد إنهن كاسيات ولكن عاريات لظهور الرأس والوجه والصدر والظهر واليدين والساقين الخ. وأما انه يشير إلي لباسهن أنواع النايلونات الشفافة التي تريك الجسم كما هو كأنه عار عنه، وأما انه يشير إلي ضيق الملابس التي تحكي الأعضاء تماماً كما هي، وكل هذه الوجوه ظاهرة في زماننا هذا ولعل النبي يشير إليها جميعا في هذا الحديث الشريف. وقوله: ألا فالعنوهن فإنهن ملعونات الخ. لأنهن متجاهرات بالفسق ومصرات عليه وقد قال الله تعالي: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة/ 21).… وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) أنه قال: (يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة نسوة كاشفات عاريات متبرجات من الدين خارجات في الفتن [191] داخلات مائلات إلي الشهوات مسرعات إلي اللذات مستحلات المحرمات في جهنم خالدات [192] هكذا ينبئ أمير المؤمنين باب مدينة علم الرسول(صلي الله عليه و آله) عن أوضاع نساء هذا العصر كأنه ينظر إليه و إلي ما يجري فيه من الاستهتار والخلاعة والمجون والرعونة.فـ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) واهتدوا بهدي نبيكم العظيم الموصوف بقول الله سبحانه(يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ).

تحليل الطيبات و تحريم الخبائث

اشاره

الصفة السابعة والثامنة التي وصف الله بهمانبيه في الآية قوله تعالي:(وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ)

معني الطيبات والخبائث

يستفاد من مجموع أقوال المفسرين في تعريف الطيبات والخبائث ان الطيبات هي كل ما تستطيبه النفس، ويستحسنه العقل، ويأمر به الشرع ويبيحه ولا يمنع منه، من الآكل والشرب والنكاح والكلام والمال وغير ذلك.والخبائث بضدها وهي كل ما تستقذره النفس، ويستقبحه العقل، وينهي عنه الشرع ويحذر منه من الأمور المذكورة، واليك أقوال بعض المفسرين في تعريف الطيبات والخبائث.قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان [193] في تفسير قوله تعالي: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [194] : الطيب هو الخالص من شائب ينغص، وهو علي ثلاثة أقسام، الطيب المستلذ، والطيب الجائز (أي في الشرع الشريف)، والطيب الطاهر (أي غير النجس والمتنجس)، والأصل (أي في اللغة) هو المستلذ، إلا انه وصف به الطاهر، والجائز، تشبيها، إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي تكرهه النفس وتنصرف عنه (إلي أن قال): واصل الباب الطيب خلاف الخبيث.وقال الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) [195] في قوله تعالي (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ): الواجب أن يكون المراد من الطيبات الأشياء المستطابة بحسب الطبع لان تناولها يفيد اللذة والأصل في المنافع الحل فكانت هذه الآية دالة علي ان الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحل إلا لدليل منفصل [196] .والخبائث كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس كان سبباً للألم والأصل في المضار الحرمة، إلا لدليل منفصل [197] .وقال السيد محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار): الطيب ما تستطيبه الأذواق من الأطعمة وتستفيد منه التغذية النافعة، ومن الأموال ما اخذ بحق وتراض في المعاملة. والخبيث من الأطعمة ما تمجّه الطباع السليمة وتستقذره ذوقاً كالميتة، والدم المسفوح، أو تصد عنه العقول الراجحة لضرره في البدن كالخنزير ـ الذي تتولد من أكله الدودة الوحيدة- أو لضرره في الدين كالذي يذبح للتقرب به إلي غير الله علي سبيل العبادة (إلي ان قال) والخبيث من الأموال ما يؤخذ بغير الحق كالربا، والرشوة، والغلو، والسرقة، والخيانة، والغصب، والسحت [198] .وتري إن هذه التعريفات للطيبات والخبائث كلها تلتقي إلي معني واحد وهو ما استفدناه وقدمناه.

نسبة التحليل والتحريم إلي النبي

ومن المعلوم أن الذي احل الطيبات وأباحها، وحرم الخبائث وحذر منها، إنما هو الله عز وجل، إذ هو المشرع لعباده لا غير، قال تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة/ 173-174).وإنما وصف رسوله الأعظم(صلي الله عليه و آله) بهاتين الصفتين، وكذلك الصفة الثالثة، ونسب التحليل والتحريم ووضع الاصر له(صلي الله عليه و آله) باعتبار انه المبلغ لهذا التشريع الإلهي الذي جاء به عن الله من طريق الوحي المنزل عليه، والموضح بسنته الغراء مصاديق الطيبات والخبائث ومصاديق وضع الإصر بتفصيل كامل شامل.(وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَي(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَي(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي) (النجم/ 4-6).

اختصاص الإسلام باستيعاب تحليل الطيبات و تحريم الخبائث

وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث، هما في الجملة من الفطريات التي أجمعت عليها الأديان الإلهية، قال تعالي: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 32-33).إلا أن الدين الذي جاء به نبينا(صلي الله عليه و آله) هو الدين الوحيد الذي أحصي جميع ما تتعلق به حياة الإنسان من الشؤون والأعمال، ثم قسمها إلي طيبات فاحلها، والي خبائث فحرمها، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرعة السابقة أي شريعة دينية، أو قانون اجتماعي.فالإسلام المحمدي اختص باستيعاب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، كما اختص بكمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ذلك من جهات…1- الإسلام احل ما كان محرماً علي اليهود من الطيباتأباح لنا الإسلام بعض الطيبات التي حرمها الله سبحانه وتعالي سابقاً علي اليهود - من أمة موسي(عليه السلام) في نفس شريعته المنزلة عليه- عقوبة لهم في الدنيا بسبب ظلمهم، كما هو صريح قوله تعالي:(فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء/ 161-162).وقد جاءت قبل هاتين الآيتين - من سورة النساء - آيات عديدة استعرض الله فيها فضائع أعمال اليهود، وقبائح أعمالهم، وفساد عقائدهم من اتخاذهم العجل وعبادتهم له (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ) وقولهم: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) واعتدائهم في السبت، ونقضهم الميثاق الغليظ الذي أخذه الله منهم، و(قَتْلَهُمْ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ) وغير ذلك من أنواع الكفر والظلم الذي اقترفوه علي عهد نبيهم موسي، وهو بين ظهرانيهم … كما استعرض جل وعلا - بالمناسبة - بعض جرائمهم من بعد موسي، من كفرهم (وَقَوْلِهِمْ عَلَي مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) وقولهم: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بعد هذا قال تعالي: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي بسبب ظلمهم السابق أيام نبيهم وقبله (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) وهو إعراضهم المتكرر في أنفسهم ومنعهم الغير عن سبيل الله، أي عن دينه (وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) أي بغير استحقاق ولا استيجاب، وهو ما كانوا يأخذونه من طريق الرشوة، وما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم ويقولون: هذا من عند الله، وما أشبه ذلك من المآكل الخبيثة، عاقبهم الله علي جميع ذلك في الدنيا بتحريم ما حرم عليهم من بعض الطيبات، بعد ما كانت في السابق حلالاً لهم وفي الآخرة هيأ للكافرين منهم، الذين جحدوا الله أو الرسل عذاباً أليماً، أي مؤلماً موجعاً.فجزاهم الله بمظالمهم جزاءين: جزاءً دنيوياً عاماً لهم وللمؤمنين منهم وهو تحريم بعض الطيبات عليهم وجزاءً أخروياً خاصاً بالكافرين منهم وهو العذاب الأليم. ولكن المؤمنين منهم لما صبروا علي طاعة الله وامتنعوا من تلك الطيبات امتثالاً لأمره أتاهم الله في الآخرة أجراً عظيماً كما تنبئ عنه ذيل الآية التالية في قوله تعالي: (أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا).ويقول بعض المفسرين [199] .ان الطيبات التي حرمها الله عليهم هي ما ذكرها الله وبينها في سورة الأنعام بقوله تعالي:(وَعَلَي الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (الأنعام/ 147)، وتوقف بعضهم فلم يجزم بتعيين ما حرم عليهم من الطيبات التي أجملها الله في آية النساء.وعلي كل، آية سورة الأنعام بينت لنا بعض الطيبات التي حرمها الله في شريعة موسي علي اليهود بقوله: (وَعَلَي الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي كل حيوان قدمه غير مشقوقة بل لها ظفر واحد كالابل، والنعام والإوز والبط وغيرها كما روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أي حرمنا عليهم كذلك شحم البقر والغنم إلا ما حملت ظهورهما من الشحم وهو الشحم المختلط باللحم، أو الشحم الملتف بالأمعاء وهو الحوايا، أو ما اختلط منه بعظم كالذنب وغيره من سائر العظام، وكان ذلك عقوبة لهم علي البغي والعدوان لذا قال: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) أي إنا صادقون في حكاية ما حرمنا علي اليهود، وصادقون في السبب الذي من اجله حرمناه عليهم وهو بغيهم وظلمهم.وهذه الطيبات التي حرمت في شريعة موسي علي اليهود نسخت في شريعة نبينا (صلي الله عليه و آله) وأحلت له، ولامته ولا مانع من أكلها إلي يوم القيامة، كما أحلت له ولامته الأسماك وصيدها بعدما كان محرما علي اليهود في يوم السبت.وقد جاء في حديث محاجة النبي(صلي الله عليه و آله) مع بعض اليهود قوله(صلي الله عليه و آله): (وان الله عز وجل جعل كتابي المهيمن علي كتبهم الناسخ لها ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما احلوا)، من ذلك أن موسي جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت، حتي إن الله قال لمن اعتدي منهم في صيدها يوم السبت: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة/ 66) فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتي صار صيدها حلالاً، قال الله تعالي: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ) (المائدة/ 97)، وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها [200] .(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة/ 128).2- لا رهبانية في الإسلام [201] :وأبطل الإسلام الرهبانية التي كانت سائدة عند النصاري من أمة عيسي - التي ذكرها الله تعالي بقوله: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَي آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد/ 28).ومعني الآية (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَي آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا) أي ثم اتبعنا -علي آثار الرسل السابقين من ذرية نوح وإبراهيم - رسلاً آخرين إلي قوم آخرين فكانت الرسالة ممتدة واحدة علي اثر واحدة (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ) بعدهم فأرسلناه رسولاً (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ) أي أنزلناه عليه (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه وهم الحواريون واتباعهم الذين احسنوا اتباعه (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) أي جعلنا في قلوبهم الرأفة والرحمة وذلك بالأوامر والنواهي، والترغيب والتهديد والتشويق ووعد الثواب ومن ذلك حصلت في قلوبهم الرأفة والرحمة (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ).ويستفاد من مجموع ما ورد في معني الرهبانية من الروايات، وأقوال المفسرين: ان رهبانيتهم الاعتزال عن النساء بترك التزويج، واتخاذ الصوامع للعبادة، والتجرد لله بالخلوة عن الناس، واللباس الخشن، وغير ذلك من مظاهر الزهد في الدنيا وطيباتها، والتجرد لعمل الآخرة.وهذه الرهبانية ما كتبها الله عليهم أي ما فرضها عليهم بل هم ابتدعوها وألزموا أنفسهم بها ابتغاء رضوان الله، كما إن الإنسان إذا جعل علي نفسه صوماً لم يفرض عليه فعليه ان يتمه ولكنهم ما أتموا رهبانيتهم إذ (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) وذلك أنهم من جهة أصبحت الرهبانية في إخلافهم غالباً طقوساً وشعائر خالية من الروح بل اتخذوها مظهراً عارياً من الحقيقة فلم يصبروا علي تكاليفها إلا عددا منهم قليلاً، ومن جهة أخري انهم لما بعث النبي(صلي الله عليه و آله) بالرسالة بعد عيسي ما آمنوا به وتركوا طاعته إلا قليلاً منهم فلذا قال تعالي في ذيل الآية (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم الذين آمنوا بالنبي ورعوا بذلك حق رهبانيتهم (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) أي كافرون خارجون عن طاعة الله إلي عصيانه ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن عبد الله بن مسعود قال: (كنت رديف رسول الله(صلي الله عليه و آله) علي حمار فقال(صلي الله عليه و آله): يا بن أم عبد هل تدري من أين احدث بنو إسرائيل الرهبانية فقلت الله ورسوله اعلم فقال(صلي الله عليه و آله): ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسي يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا قليل فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الأرض إلي إن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسي(عليه السلام) يعنون محمدا(صلي الله عليه و آله) فتفرقوا في غيران الجبال [202] وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا (صلي الله عليه و آله) هذه الآية (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) إلي آخر الآية ثم قال(صلي الله عليه و آله): يا بن أم عبد، أ تدري ما رهبانية أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: الهجرة، والجهاد، والصلاة، والصوم، والحج والعمرة.وفي حديث آخر قاله النبي(صلي الله عليه و آله) لابن مسعود أيضا في رهبان النصاري جاء في آخره: (من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون).والغرض أن الرهبانية التي كانت عند النصاري من التبتل والانقطاع في الأديرة والصوامع الذي يسبب حرمان النفس والجسم من التنعم بلذات الزواج والولد ولذات الطعام والزينة في اللباس وغير ذلك قد أبطلها الإسلام وحذر منها، لان في الرهبانية تقليل النسل، والرسول(صلي الله عليه و آله) يقول تناكحوا وتناسلوا حتي أباهي بكم الأمم، وفيها محذور الوقوع في الزنا مما يسبب تضييع النسل والابتلاء بأنواع من الأمراض الفتاكة وفيها من المشقة والتكليف فوق الطاقة م0ما يخالف سهولة الشريعة وسماحتها، بالإضافة إلي ما فيها من الكبت للغريزة الشهوية والحرمان من الطيبات وقد احلها الله، قال تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة/ 88).وقد روي المفسرون من الشيعة وأهل السنة عدة روايات في سبب نزول هذه الآية، ويستفاد من مجموع تلك الروايات ان رهطاً من المؤمنين من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) عزموا علي أن يرفضوا الدنيا ولذاتها فحرموا علي أنفسهم بعض المشتهيات الطيبة فبعضهم الزم نفسه ان يصوم النهار، وأخر ان يقوم الليل ولا ينام علي الفراش، وبعض قال لا أكل اللحم الدسم، وأخر لا اقرب النساء، وهمَّ بعضهم ان يجب مذاكيره، فبلغ ذلك رسول الله(صلي الله عليه و آله) فبعث عليهم وأنبأهم أولاً بما عزموا عليه فقالوا بلي يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال(صلي الله عليه و آله): (أني لم أؤمر بذلك وان لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وافطروا وقوموا وناموا فأني أقوم وأنام وأصوم وافطر واكل اللحم والدسم وأتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني).وفي بعض الروايات [203] أن رسول الله(صلي الله عليه و آله) جمع الناس علي اثر ذلك وخطبهم وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما أني لست أمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فانه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة أمتي الصوم، ورهبانيتهم الجهاد اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا علي أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع.وأنزل الله علي اثر ذلك قوله تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).والمعني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي أيها المؤمنون (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) بان تتعمدوا ترك التمتع بالطيبات تنسكاً وتقرباً إليه تعالي (وَلا تَعْتَدُوا) بذلك فتتعدوا حدود الله وأحكامه (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الذين لم يستقيموا ولم يلتزموا بما شرعه الله لعباده بل يبغضهم أي ينتقم منهم، ثم أمرهم أمر إباحة بضد مقتضي النهي الذي قبله ليؤكد لهم إباحة الطيبات فقال: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا) أي مباحاً لذيذاً سائغاً لا شائبة فيه.ولا يبعد ان المراد بالأكل في هذه الآية مطلق التصرف فيما رزقه الله من طيبات نعمه سواءً كان بالأكل الذي بمعني التغذي أو بسائر وجوه التصرف، إذ ان استعمال الأكل بمعني مطلق التصرف استعمال شائع ذائع عند العرب، وكثيراً ما تطلق العرب الخاص فتريد به العام ويعرف ذلك بالسياق والقرائن فقوله (وَكُلُوا) في الآية يعم كل ما ينتفع به من طعام وشراب ولباس ومتاع ومأوي ونكاح وغير ذلك من مطلق التصرف بما رزقه الله من الحلال الطيب بقرينة سبب نزولها (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي وخافوا عقاب الله وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه إذ انتم مؤمنون به فانتم أحق بطاعته فلا تحرموا ما احل لكم من الطيبات بل كلوا منها وتصرفوا فيها علي الوجه المشروع.يقول إمامنا موسي بن جعفر(عليه السلام) لبعض أصحابه: (اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال، ومالا يثلم المروءة ومالا سرف فيه، واستعينوا بذلك علي أمور الدين،فانه ليس من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه) [204] .نعم هكذا جاء الإسلام ليحقق التوازن المطلق، والتناسق الكامل بين طاقات الحياة البشرية جميعاً، فهو لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة الإنسانية، ولا يكبت طاقة من طاقات الإنسان بل يريد لها ان تعمل عملا سوياً ولا تخرج عن الجادة المستقيمة.ومن ثم حارب الرهبانية التي كان مذهبها الشائع بين أهلها انهم يتقربون إلي الله بتعذيب النفس والجسم واحتقارها وحرمانها من كثير من الطيبات المستلذة بحيث كانوا يرون التقرب إلي الله منحصراً في ذلك فحرموا علي أنفسهم كثيراً من الطيبات، وهذا معناه كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله لها النماء.لقد خلق الله هذه الحياة لتنمو وتتجدد وترتقي عن طريق النمو والتجدد، والرهبانية تصطدم مع منهج الحياة كما أراده لها الله، لأنها تقف بها عند نقطة معينة، بحجة التسامي والارتفاع والتسامي والارتفاع مفروضان في الحياة الإسلامية علي المسلمين، ولكن في يسر وبساطة، وفي حدود الطاقة، والإسلام يصل بالوسائل الطبيعية اليسيرة إلي أعلي ما تصل إليه مناهج الكبت دون مشقة ولا إرهاق فاعتبروا يا أولي الألباب.(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام/ 154).3- الإسلام يحل ما حرمت الجاهلية من الطيبات ويحرم ما أحلت من الخبائثوجاء هذا الوصف لنبيه(صلي الله عليه و آله): (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية قبل بزوغ نور الإسلام علي الجزيرة العربية. فان قسماً منهم كانوا يأكلون الخبائث كالميتة، يأكلونها ويقول قائلهم - علي من أنكر عليه أكلها -: مالكم تأكلون مما قتلتموه ولا تأكلون مما قتله الله؟ وكالدم يجعلونه في المصارين المعوية ثم يشوونه ويأكلونه، ويطعمونه الضيف، وكانوا إذا اجدبوا جرحوا ابلهم بالنصال وشربوا ما ينزل من الدم، ويأكلون كذلك لحم الخنزير، ولعلهم يقولون: ما الفارق بين هذا اللحم وذاك؟ إلي غير ذلك من أنواع الخبائث التي احلوها وأكلوها وجاء الإسلام فحرمها لخبثها [205] .وقسماً منهم كانوا قد حرَّموا علي أنفسهم بعض الطيبات كثقيف وخزاعة، وبني عامر بن صعصعة، وبني مدلج، وغيرها من قبائل العرب في الجاهلية، حرم هؤلاء علي أنفسهم من الأنعام البحيرة والسائبة، والوصيلة والحامي، وهذه نعوت أربعة لأربعة أنواع من الأنعام التي حرموها علي أنفسهم تقليداً لإسرافهم.أما (البحيرة) فقيل: هي الناقة التي أنتجت خمسة أبطن، وكانت البطن الخامسة ذكراً، بحروا أذن تلك الناقة (أي شقوا أذنها شقاً واسعا) وامتنعوا عن ركوبها ونحرها واكل لحمها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع من مرعي. وانشد أهل اللغة في البحيرة:محرمة لا يأكل الناس لحمها ولا نحن في شيء كذاك البحائروأما (السائبة) فهي ما كانوا يسيّبونه من الأنعام بالنذر لآلهتهم فان الرجل منهم إذا مرض، أو سافر، نذر انه إن عاد من سفره، أو برئ من مرضه ان يسيب ناقته ويقول: (ناقتي هذه سائبة) فيضع بها علامة معروفة عندهم ويطلقها تمضي حيث شاءت ويكون حكمها عندهم كحكم البحيرة في عدم الانتفاع بها وان لا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعي، وانشد أهل اللغة فيها:وسائبة لله أملـــي تشكراً أن الله عافي عامراً ومجاشعاوأما (الوصيلة) فهي الشاة إذا توأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيها ذكر، قالوا: إنها وصلت وحرموا لبنها ولحمها عليهم وإذا ولدت بعد ذلك فما تلده يجعلونه للذكور ويحرمونه علي الإناث وانشد تأبط شرا في الوصيلة:أجدك أما كنت في الناس ناعقا تراعي بأعلي ذي المجازالوصائلاوأما (الحامي) فهو الذكر من الإبل إذا انتج من صلبه (بواسطة اللقاح) عشرة أبطن قالوا قد حمي ظهره (أي منع ظهره من الركوب عليه) فلا يحمل عليه بعد ذلك ولا يمنع من ماء ولا مرعي، وانشد تأبط شراً في الحامي:حماها أبو قابوس في غير كنهه كما قد حمي أولاد أولاده الفحلاوجاءت من طرق الشيعة وأهل السنة روايات أخري في معاني هذه الأسماء البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحامي [206] ولكن المتيقن عليه من معانيها، أن هذه الأصناف من الأنعام كانت في الجاهلية محررة نوعا من التحرير والإعتاق وقد اختلقوا لها أحكاماً كثيرة كحرمة أكل لحمها ولبنها عليهم جميعا، وفي بعضها حرموا أكلها علي النساء دون الرجال، وكحماية الظهر من الركوب، وكعدم منعها من الماء والكلأ، وغير ذلك من الأحكام التي ابتدعها من ابتدعها منهم [207] وسار عليها الإخلاف تقليداً للأسلاف وزعموا أن الله هو الذي جعل لهذه الأصناف الأربعة من الأنعام هذه الأحكام وهو الذي حرم عليهم لحمها ولبنها لذا رد الله عليهم ما زعموه وأعلمهم أنه لم يشرع ذلك، فقال عز وجل:(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَي اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَي مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَي الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَ وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) (المائدة/ 104-105). ومعلوم أن هذه الأنواع الأربعة داخلة في أقسام الطيِّب دون الخبيث، والطيب أباحه الله ولم يحرمه والذي حرم هذه الطيبات أهواء الجاهلية العمياء.والجاهلية ليست فترة من الزمن كانت في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد مضت إلي غير رجعة.إنما الجاهلية كما عناها القرآن وحددها، هي حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، وتضع نظما وأحكاما مبتدعة وترفض الحكم بما أنزل الله لذا قال تعالي: (أ فَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة/ 51).فحينما جاء القرآن يعالج بهذه الآية (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَي اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) لم يكن يعالج جاهلية العرب في ذلك الوقت فحسب، وإنما جاء يعالج كل جاهلية ترفض الاهتداء بهدي الله والحكم بما انزل الله وتفتري الكذب علي الله وعلي دينه ونبيه.وإننا لنشهد اليوم - في جاهلية القرن العشرين - أحكاماً تستورد من الشرق أو الغرب وربما يضاف إليها وينقص منها حسب الأهواء ثم يحكم بها في بلاد الإسلام علي المسلمين، فإذا أنكرها المؤمنون والمسلمون قالوا: أنها من الدين ولا تعارض الدين أو أنها أحكام تتلاءم مع تطورات الزمن، والحال كل شرع غير شرع الله هو هوي، ذلك ما قرره الله تعالي ومصداقه تاريخ الحياة المخيم عليها الضلال والشقاء.لقد اختلفت الأهواء من عصر إلي عصر ومن بيئة إلي بيئة ومن أمة إلي أمة ولكنها كانت دائماً هوي وشرع الله وحده هو البريء من الأهواء (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون/ 72)، أن الله ليست له مصلحة مع هذا الفريق أو ذاك بل هو الغني عن الجميع والجميع مفتقرون إليه (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَي اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(16)وَمَا ذَلِكَ عَلَي اللَّهِ بِعَزِيزٍ) (فاطر/ 16-18)، وكل خلقه بالتساوي عنده لأفضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 14)، والخلاصة أما اتباع لشرع الله فهو الإسلام وأما اتباع للأهواء فهي الجاهلية في كل مكان وزمان.(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 87-88).

الحكمة في تحريم الميتة والدم و لحم الخنزير

لا ريب أن الإنسان كسائر الحيوان والنبات مجهز (بتقدير الحكيم القدير) بجهاز التغذي فيحتاج (بحسب طبعه) إلي الغذاء الكامل ليحفظ به بقاءه، وليقوم بوظيفته في الحياة، وان يكون ما يتغذي به (من طعام وشراب) مطابقاً لأصول التغذية الصحيحة، والنافعة غير الضارة، ليقي بذلك صحته من التعرض للأسقام والأمراض.وقد وجه الدين الإسلامي عنايته البالغة بالإنسان من هذه الناحية فأباح له كل غذاء طيب، نافع، كما حرم عليه كل غذاء خبيث، ضار… وتفصيل ذلك تتكفل بيانه كتب الفقه، باب الأطعمة والأشربة وغيرها [208] .ومن الأغذية الخبيثة والضارة التي نص القران المجيد علي تحريمها: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وقد نص القران علي تحريمها في آيات عديدة من سور عديدة مكية ومدنية.وأخر آية نزلت مؤكدة تحريمها هي آية المائدة، وهي قوله تعالي: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ..) إلي قوله تعالي: (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة/ 4)، وسئل إمامنا الصادق(عليه السلام) عن علة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير فقيل له - كما في تفسير العياشي - [209] : جعلت فداك، لم حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال(عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالي لم يحرم ذلك علي عباده واحل لهم ما سواه من رغبة منه - تبارك وتعالي - فيما حرم عليهم، ولا زهد فيما احل لهم ولكنه خلق الخلق، وعلم ما يقّوم به أبدانهم، وما يصلحهم فأحله وأباحه تفضلاً منه عليهم لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر وأحلَّه لهم في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره ان ينال منه بقدر البُلغة لا غير ذلكثم قال: أما الميتة فانه لا يدنو منها أحد ولا يأكلها إلا ضُعف بدنه ونحل جسمه، ووهنت قوته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة. وأما الدم فانه يورث الكلب [210] ، والقسوة للقلب، وقلة الرأفة والرحمة، لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه، ولا يؤمن علي حميم، ولا يؤمن علي من صحبه. وأما لحم الخنزير فإن الله مسخ قوماً في صور شتي شبه الخنزير والقرد والدب وما كان من الامساخ، ثم نهي عن أكله مثله لكي لا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته.هذا بعض ما ورد عن الإمام الصادق وأبيه الباقر(عليه السلام) في علة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير علي الإنسان، وفيه أولاً: التصريح بأن الله علم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأباحه، وما يضرهم فحرمه، وان المحرمات أباحها لهم عند الاضطرار، لان التغذية تكون منحصرة فيها، وهذا يعني ان تحريم هذه الثلاثة علي الإنسان لحفظ صحته وقوام بدنه.ثم بين أضرار الميتة بالخصوص، بأن أكلها يسبب ضعف البدن ونحولته ووهن قوته وانقطاع نسله، كما يسبب عليه بالأخير موت الفجأة. وما ذلك - طبعاً - إلا للأمراض الشديدة التي تتعلق به من أكلها وتكون نتيجته تلك العاقبة الوخيمة (قاتل نفسه بنفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره)، وأن الدم يورث الكلب، وقسوة القلب، وقلة الرأفة والرحمة، وبسبب ذلك لا يؤمن ان يعتدي بالقتل علي القريب والبعيد، وما ذلك إلا لما يؤثر الدم في أكله من الانفعالات السيئة، وان لحم الخنزير- بالإضافة إلي أضراره في الصحة - هو من أنواع الممسوخات التي شاء الله ان لا ينتفع بها، بيعاً وشراء واقتناء حتي لا يستخف بعقوبته سبحانه.

الطب الحديث يكشف عن أضرار هذه المحرمات

واليك الآن ما قرره الطب الحديث عن الميتة بأنواعها، والدم ولحم الخنزير مع تعريفها.أما الميتة: فهي كل حيوان فارقته الروح دون أن يذبح، سواء كان موته بحادثة من الحوادث، أو موتاً طبيعياً.ونبدأ بالميتة الطبيعية. ومعلوم أن كل كائن حي إذا مات هذه الميتة، فلا بد ان تكون ميتته أما عن مرض ظاهر أو خفي أو لشيخوخة أنتهي بها عمرها الطبيعي. وكل ذلك مما يؤدي إلي انحلال أنسجة الجسم، أما لضعف الشيخوخة الطبيعي، أو للأمراض الخفية التي تؤثر فيها تدريجياً حتي لا تبقي قيمة غذائية للحومها، ولا قابلية لهضمها، وحتي تصبح كلاً علي المعدة، وتحدث لذلك أمراضاً معدية خطيرة. وتحصل تلك الأمراض أحياناً عن جراثيم تغلبت سمومها حتي أماتت ذلك الحيوان.فإذا كانت الميتة بهذه الصورة فلابد أن تنشط في جسم الميتة بعد المــوت (البكتريا الرمّيــة) و(التعفنية)، فإذا أكلها الحي أمرضته بالضرورة... حسبما ثبت في علم (البكترلوجيا).ولا عبرة بأكلها دون ضرر في البلاد الباردة، لان ظهور الضرر في المناطق الباردة يقل غالباً بعكس البلاد الحارة.ولما كان الدين الإسلامي ديناً عاماً، انزل للعالم كله، بما فيه الأقاليم الحارة التي يحدث فيها التخمر والانفعال بسرعة مدهشة، كان من البديهي ان استعمال اللحوم السليمة التي تذبح ويصفي دمها أحسن غذاء وأصح وأسلم وليس فيها اقل ضرر، بخلاف الحيوان المريض المتخلّلة لحومه بالدم الذي لا يخلو من وجود الإفرازات السمية، ولذا لم يخص الإسلام تحريمها بمنطقة دون أخري، بل حرمها علي كل مسلم، وفي أي مكان وزمان.قال أحد الأطباء: لاشك أن الميتة تنعدم فيها جميع خواصها الطبية للبدن، وتزول كل موادها الحيوية فإذا أكلها الإنسان عقب موت الحيوان مباشرة أحدثت له مغصاً في المعدة، ونزلات معوية حادة أما إذا مضت علي موته مدة حتي تعفن فقد صار سماً ذعافاً، وأضّر في البدن ضرراً كاد أن لا يُتدارك، مثل: الفالج والسكتة وموت الفجاءة، وأحياناً بالمداومة قد يحدث العقم في النسل.وهكذا كان تصريح الإمام الصادق(عليه السلام) في جوابه السابق عن أكل الميتة قبل ثلاثة عشر قرناً.وأما الميتة التي تموت بحادثة من الحوادث فهي مشتركة معها في الأضرار، لوجود نفس الأسباب فيها، والتي نص القرآن علي حرمتها:المنخنقة: وهي البهيمة التي تموت بالخنق، وهو أعم من أن يكون عن اتفاق قد خنقت نفسها، أو بعمل عامل اختيارا، كما لو خُنقت بحبل يشد علي عنقها، ويُسد بضغطه مجري تنفسها، أو بإدخال رأسها بين خشبتين، كما كانت هاتان الطريقتان وأمثالهما دائرة بين الجاهليين قبل الإسلام.الموقوذة: وهي البهيمة التي تموت بالرمي، أو ضرب العصا أو الحجر.المتردية: وهي التي تموت من ترديها، أي: سقوطها من أعلي إلي اسفل كشاهق جبل أو بئر ونحوهما.النطيحة: وهي التي تموت بنطح حيوان آخر، وغالباً ما يحدث الموت من أثر النطح.ما أكل السبع: وهي التي أفترسها الوحش الضاري، كالأسد والذنب، والنمر، ونحوهما إذ كثيراً ما يعتدي الوحش علي قطعان الماشية فيتناول منها فريسته، ويتبعه الرعاة عادة للحيلولة بينه وبين الفتك بالفريسة، وقد يدركونها كلها بعد قتلها، وقد يدركون بعضها وتعتبر في كلتا الصورتين ملحقة بالميتة. وتحريم كل هذه الأقسام وما جاء الإسلام به أمر صحي حيوي، يريد الشارع المقدس به حفظ صحتنا والبقاء علي كياننا وجلب سعادتنا في حياة صحيحة هانئة. إذ أن هذه الأقسام من الميتة لا تصلح للأكل طبياً، كما قرر ذلك علم فحص اللحوم لتغير شكلها من الاسوداد، والكآبة واللزوجة وكراهة الرائحة التي تكون في هذه الأقسام، وفي بعضها تصل الجراثيم المدية أو القيحية إلي الجرح الذي حدث في الجثة من الضرب أو من السقوط أو النطح وربما انتقلت الجراثيم من فم السبع إلي الفريسة …. ولذلك وغيره حرم الإسلام جميع هذه الأقسام من الميتة، إلا إذا أدركت قبل موتها وذكيت بالذبح الشرعي. فلا مانع حينئذ من أكلها.أما الدم: والمراد منه هنا المسفوح طبعاً، لا ما خالط اللحم منه كالكبد وغيره، كما صرحت بذلك الآيات [211] فقد قال فيه الطب: أن الدم مرتع للجراثيم المرضية، ومحل صالح لنموها وتكاثرها، لذلك تري الأطباء إذا استعصي عليهم معرفة الداء كشفوه بتحليل الدم ومعرفة ما فيه. غير انه ما دام هو في داخل البدن فهو محفوظ من الضرر لوجود الكريات البيض التي قد جعلها الله سبحانه وتعالي فيه - بحكمته - كشرطة الحرس أو جند الدفاع لمكافحة كل عدو يهاجم الدم، ولكنه إذا خرج إلي الخارج ولاقي الهواء الفاسد فسد وزالت من كرياته البيضاء تلك المناعة والقدرة علي الدفاع، فيصبح الدم بعد ذلك جسماً فاسداً، يحمل إفرازات سمّية يجب التخلص منها، كما انه يحمل معه بعض محتويات البول، فلذا لا تقوي المعدة علي هضمه، ولا الأعضاء علي قبوله، بل يكون كلاً عليها، مضافاً إلي ما يحدثه من تهيج الأغشية المعدية المعوية.ثم إن أكثر الحيوانات، ولاسيما المواشي منها، اغلب ما تصاب به من الأمراض هو الطاعون، والحمّيات الخبيثة، والتدرن… وهذه ليس لجراثيمها مرتع سوي الدم الحيواني، فإذا دخل هذا الدم الملوث إلي بدن الإنسان أمرضه دون شك. زد علي ذلك أن هذين الدمين (أعني: دم الحيوان ودم الإنسان) إذا اختلطا في الداخل أحدثا ارتفاعاً عالياً في درجة حرارة البدن، وفي ضغط الدم. وقد يحدث منهما القيء المزعج، لما في الدم من حديد مجمد (فيرين) سريع الفساد.هذا بالإضافة إلي ما أبانه لنا الإمام الصادق من ان الدم يورث الكلّب، وقسوة القلب…الخ.أما لحم الخنزير، فأن أكله - مضافاً إلي ما فيه من قذارة منفرة - يحدث الداء المسمي (تريشينوز) وهو داء عسر العلاج، مخيف العوارض، إذ يصحبه إسهال شديد، وأحياناً دموي مع مغص، وحمي قوية، وانحطاط في القوي، وأوجاع مؤلمة في المفاصل، وجفاف في الحنجرة وأعضاء التنفس، وانتفاخ ظاهر في الوجه وخاصة حول العينين وأخيراً ضعف عام وهزال ناشئ عن عدم الأكل، ثم تشتد هذه العوارض وربما انتهت بالموت.وقد أكتشف هذا الداء الطبيب الإنجليزي (باجت) في سنة 1835م بمساعدة أستاذه (أوين) عند تشريح جثة إنسان كان يكثر من أكل لحم الخنزير، وبعد تجارب متعاقبة ظهر لديه أن هذا الداء ينشأ من دودة تسمي (تريشينلا) تعيش في أمعاء بعض الحيوانات ذوات الثدي كالفيران والجرذان والأرانب والكلاب والخنازير والقطط غير أنها في الخنازير أربي وأكثر توالداً خصوصاً وهي تأكل الجيف من كل حيوان يموت وفيه هذه الطفيلة.فإذا أكل الإنسان لحم هذا الخنزير المصاب بها، فلابد وأن يبتلع قسماً كبيراً من أكياسها الحية المخزونة في لحم الخنزير المصاب بها وبعد يومين من وصول هذه الأكياس إلي المعاء الغليظ من الإنسان، يذوب غشاؤها الكيسي، وتخرج الديدان ذكوراً وإناثاً فتتلاقح، ثم يخرج البيض، فيخرق جدر المعاء، ثم يسير من المجاري اللمفاوية إلي القلب ثم إلي أيسره حيث تختلط البيوض مع الدم، وتنتشر في جميع أنحاء البدن، وهناك تظهر الأعراض المذكورة آنفاً، ولا علاج له إلا بترك أكل لحم الخنزير. وقد لا يمكن التخلص منها - وإن عولجت - حتي الموت إذ لو بقي منها ولو قطعة صغيرة أو بويضة واحدة لعادت بعد مدة إلي ما كانت عليه أولاً، وهذا داء خطير مآله الفناء والموت.ويقول بيتي وديكسون: إن الإصابة بها تكاد تكون عامة في جهات خاصة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، ولكنها تكاد تكون نادرة الوجود في البلاد الشرقية لتحريم دين أهلها أكل لحم الخنزير.فإذا عرفت ذلك فهل يبقي لك شك في ان الشارع المقدس إنما حرم لحم الخنزير لم يرد بذلك إلا وقاية الأبدان والنفوس من مثل هذه الأدواء الخبيثة المهلكة، وحفظا لصحتها وإبقاء علي حياتها تفضلا وكرما.واستحضر ولا تنس جواب الإمام الصادق(عليه السلام) عن علة تحريم هذه الأنواع من المآكل بقوله: ولكنه خلق الخلق وعلم ما يقوّم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله وأباحه، تفضلا منه عليهم لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم.. الخ.(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/119). [212] .

الحكمة في تحريم الخمر

ان الدين الإسلامي الحنيف الذي تكفل بصلاح العالم معاشا، ومعاداً، والدين الذي بعث به خاتم الأنبياء ليتمم مكارم الأخلاق، لمن اكثر الأديان العامة اهتماماً بشؤون المجتمع، مادياً وأدبياً، صحياً وأخلاقياً، روحياً وبدنياً. لذلك تراه لم يأمر بأمر إلا وفيه الحكمة التي تنظر إلي ما ينفع الفرد في حياته الدينية والدنيوية، وأخيراً إلي ما ينفع المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. وكذلك لم ينه عن شيء إلا إذا كان فيه ما يضر الفرد في دينه ودنياه.. وأخيراً فيه ما يضر المجتمع. وهذه نقطة جوهرية تتمشي مع جميع الأوامر والنواهي الإسلامية الحكيمة.يقول الإمام الرضا(عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالي لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا لما فيه من المنفعة والصلاح، ولم يحرم إلا لما فيه الضرر والتلف والفساد) [213] فتحريم الأشياء إذاً وإباحتها علي أساس المصالح ودرء المفاسد لا غير.

الخمر في الكتاب

ولهذا الغرض، وهذه الحكمة التي نظرها الشارع المقدس للإنسان فقد شّدد النكير، وحّذر الجميع من استعمال الخمر، وأوجب اجتنابها حتي قرنها بالشرك وعبادة الأوثان بقوله تعالي: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/91) [214] وحتي بيّن لنا نتائجها الدنيوية المضرة والمقلقة للحياة، بقوله تعالي: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) (المائدة/ 92)، وأخبر أن الخمر والميسر فيهما إثم كبير بقوله تعالي: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) (البقرة/ 221).وقبل هذه الآيات حرم الخمر تحريماً صريحاً وسماها (إثماً) وجمعها مع الفواحش الظاهرة والباطنة، والبغي، والشرك بالله، والقول علي الله بغير علم، بقوله تعالي: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَي اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 33).ومعلوم أن الإثم هو اسم من أسماء الخمر، كما في (القاموس) باب الميم، فصل الهمزة، وغيره من كتب اللغة. وكما قال شاعر العرب:شربت الإثم حتي ضّل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقولوقال غيره من العرب أيضاً:نهانا رسول الله أن نقرب الخنا وأن نشرب الإثم الذي يعقب الوزراولو فرضنا أن الإثم في هذه الآية لم يكن المقصود منه الخمر بالذات، بل مطلق الإثم الذي هو الذنب المستوجب لصاحبه العقوبة وجمعه (آثام)، كما تنص علي ذلك كتب اللغة أيضاً… مع ذلك نستطيع أن نعلم علم اليقين أن القرآن قد نص علي حرمة الخمر، وذلك إذا جمعنا بين هذه الآية من سورة الأعراف وبين الآية السابقة من سورة البقرة، وهي قوله تعالي: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) يتضح لنا النص بحرمتها، حيث صرحت هذه الآية ان في الخمر والميسر إثما كبيراً، وآية سورة الأعراف النازلة قبلها صرحت بحرمة الإثم، فينتج من الآيتين ان الخمر محرمة لما فيها من الإثم الكبير.وهذه شبهة - كانت ولا تزال - نسمعها دائماً تدور علي السن الجاهلين المستهترين من عبدة الهوي وأتباع الشهوة، الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهي أن الخمر لم يحرم في القرآن، حيث لم ينص علي حرمته، بل قال: (فَاجْتَنِبُوهُ) ولم يقل: حرمته فاتركوه، وقال: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) ولم يقل: فانتهوا عنه.بل نُقل [215] عن بعض غلاة الفسق والفجور أنهم قالوا: سألنا القرآن هل أنتم منتهون؟ فقلنا: لا، ثم سكت وسكتنا.نعم، هكذا (شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَي إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ) (الأنعام/ 113-115).وقد سئل أحد من آتاهم الله الكتاب وأورثهم علمه بعد أن اصطفاهم، وهو إمامنا موسي بن جعفر(عليه السلام)، عن هذه بالمسألة بالذات، والسائل هو الخليفة العباسي محمد المهدي بن المنصور الدوانيقي، وذلك علي ما روي شيخنا الكليني في (الكافي) [216] بسنده عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل؟ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن(عليه السلام): (بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل، يا أمير المؤمنين). فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن؟ فقال: (قول الله عز وجل: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)… فأما قوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل (وَمَا بَطَنَ) يعني ما نكح الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي(صلي الله عليه و آله) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده، إذا لم تكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك.وأما الإثم فإنها الخمر بعينها، وقد قال الله تبارك وتعالي في موضع آخر: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عز وجل). قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه والله فتوي هاشمية، قال: فقلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت، قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي.

الخمر في الحديث النبوي

وإذا ثبت النص بحرمة الخمر في القرآن، ثبت أن الخمر من الخبائث لقوله تعالي: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) بل هي كما عبر عنها سيد الأنبياء في بعض أحاديثه الحكيمة التي منها قوله(صلي الله عليه و آله):(أجتنبوا الخمر فانها أم الخبائث).(إياك وشرب الخمر وكل مسكر، فانهما مفتاح كل شر) [217] .(إن الخمر رأس كل إثم) [218] .(كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر) [219] .(حرمت الخمر قليلها وكثيرها، وما أسكر من كل شراب) [220] .(شارب الخمر كعابد الوثن) [221] .(لا يزال المرء في صحة من عقله ودينه، ما لم يشرب مسكراً) [222] .(ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم) [223] .(يا علي، من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي(عليه السلام):لغير الله؟ قال: نعم والله، صيانة لنفسه، يشكره الله علي ذلك. يا علي، شارب الخمر كعابد وثن. يا علي شارب الخمر لا يقبل الله عز وجل صلاته أربعين يوماً، فان مات في الأربعين مات كافراً).(يا علي، كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام).(يا علي، جعلت الذنوب كلها في بيت، وجعل مفتاحها شرب الخمر).(يا علي، تأتي علي شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه عز وجل).(يا علي، من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر الزانية، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن) [224] .(إن الله عز وجل بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المزامير والمعازف وأمور الجاهلية والأوثان، وقد أقسم ربي أنه لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا إلا سقيته مثل ما يشرب منها من الحميم يوم القيامة، معذباً كان أو مغفوراً له) [225] .(من شرب الخمر بعد ما حرمها الله علي لساني، فليس بأهل أن يزوج إذ خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يصدق إذا حدث، ولا يؤتمن علي امانة، فمن ائتمنه بعد علمه فيه، فليس للذي ائتمنه علي الله ضمان ولا له اجر ولا خلف) [226] .(لعن رسول الله(صلي الله عليه و آله) الخمر، وعاصرها، ومعتصرها وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وآكل ثمنها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه) [227] .

الخمر في حديث أهل البيت

هكذا قد جاء الوحي السماوي محرماً الخمر، ومحذراً من فتكها وأضرارها، وجهر سفير السماء وسيد الأنبياء(صلي الله عليه و آله) بصوته الجهوري معلناً للناس تحريمها، كاشفاً لمجموعة البشر جملة من أخطارها وهكذا جاء بعده أهل بيته، سدنة شريعته، وخلفاؤه علي أمته عليهم السلام يتابعون صوته، ويذيعون كلمته في أضرار الخمر، وحكمة تحريمها وخبثها:فيقول أمير المؤمنين، لما قيل له: إنك تزعم أن شرب الخمر أشد من الزنا والسرقة؟ قال: (نعم، إن صاحب الزنا لعله لا يعدوه إلي غيره، وان شارب الخمر إذا شرب الخمر زني وسرق وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وترك الصلاة) [228] .وورد عنهم(عليهم السلام): (إن الله جعل للمعصية بيتاً، ثم جعل للبيت باباً، ثم جعل للبيت غلقاً، ثم جعل للغلق مفتاحاً، فمفتاح المعصية الخمر) [229] .وقال الصادق(عليه السلام): (من شرب النبيذ علي انه حلال خلد في النار، ومن شربه علي انه حرام عذب في النار) [230] .وعن الباقر(عليه السلام): (يأتي شارب الخمر يوم القيامة مسوداً وجهه، مدلعاً لسانه، يسيل لعابه علي صدره، وحق علي الله ان يسقيه من طينة خبال.. (أو قال: من بئر خبال). قال الراوي: قلت: وما بئر خبال؟ قال: بئر يسل فيها صديد الزناة) [231] .وعن أحدهما قال: (ما عصي الله بشيء اشد من شرب الخمر، ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة، ويثب علي أمه أو أخته أو ابنته وهو لا يعقل) [232] .وعن الباقر(عليه السلام): (إن شرب الخمر يدخل صاحبه في الزني، والسرقة، وقتل النفس التي حرم الله، وفي الشرك بالله، وأفاعيل الخمر تعلو علي كل ذنب، كما تعلو شجرتها علي كل شجرة) [233] .وعدَّ الإمام الصادق(عليه السلام) الكبائر من الذنوب إلي أن قال: (وشرب الخمر لان الله نهي عنها كما نهي عن عبادة الأوثان)(42).وعن إسماعيل بن يسار قال: "سأل رجل أبا عبد الله(عليه السلام) عن شرب الخمر، أشر أم ترك الصلاة؟ فقال: (شرب الخمر أشر من ترك الصلاة…) ثم قال: (وتدري لم ذاك؟) قال: لا. قال: (يصير في حال لا يعرف الله تعالي، ولا يعرف من خالقه).وروي أن زنديقاً قال للإمام الصادق(عليه السلام): لم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟ قال(عليه السلام): (حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر، تأتي علي شاربها ساعة يسلب فيها لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها، ولا رحماً ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيثما قاده) [234] .وقال: (أما الخمر فإن الله حرمها لفعلها وفسادها) وقال: (ان مدمن الخمر كعابد وثن، ويورثه ارتعاشاً، ويذهب بنوره، ويهدم مروءته، ويحمله علي ان يجسر علي المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر ان يثب علي حرمه، وهو لا يعقل ذلك، والخمر لا تؤدي إلا إلي كل شر) [235] .وقال(عليه السلام): (ما بعث الله عز وجل نبياً قط إلا وفي علم الله إنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراماً) [236] .وعن الإمام الرضا قال: (ما بعث الله نبيا قط إلا أتي بتحريم الخمر) [237] .نعم، لقد حرم الله الخمر علي عباده في جميع شرائعه، ومنعها عنهم منعاً باتاً إيصاداً لباب الشرور والمفاسد في وجوه الأشرار والمفسدين ولكن أحلته شريعة المسيحيين خلافاً لشريعة المسيح التي زعموا كذباً وافتراءً - أنهم متمسكون بها.عن محمد بن سنان قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسي ابن جعفر (وهو الإمام الرضا(عليه السلام)) يقول: (حرم الله عز وجل الخمر لما فيها من الفساد،ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إياهم علي إنكار الله عز وجل، والفرية عليه وعلي رسله، وساير ما يكون منهم من الفساد،والقتل، والقذف والزنا، وقلة الاحتجاز عن شيء من المحارم، فبذلك قضينا علي كل مسكر من الاشربة انه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبته ما يأتي من عاقبه الخمر، فليجتنب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا وينتحل مودتنا كل شارب مسكر، فانه لا عصمة بيننا وبين شاربه) [238] .وعن أحدهما عليهما السلام: قال: (الغناء عش النفاق والشرب مفتاح كل شر، ومدمن الخمر كعابد الوثن، مكذب بكتاب الله لو صدق كتاب الله لحرم حرام الله) [239] .عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: (شارب الخمر اذا شربها ضُرب(49) فان عاد ضُرب فان عاد قُتل في الثالثة) قال جميل: وقد روي بعض أصحابنا انه يُقتل في الرابعة [240] .عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (المضطر لا يشرب الخمر لأنها لا تزيد إلا شراً، فإن شربها قتلته، فلا يشربن منها قطرة) [241] .وسئل الإمام الصادق عن الرجل يشرب النبيذ ليس يريد به اللذة وإنما يريد به الدواء، فقال: (لا، ولا جرعة) ثم قال: (إن الله لم يجعل في شيء مما حّرم شفاءً ولا دواءً) [242] .وسئل(عليه السلام) عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر فقال: (حرمت المائدة…) [243] .

الخمر في نظر الطب الحديث

أخذنا هذا المقال من كتاب (القرآن والطب الحديث) ص 279، لمؤلفه فقيد العلم والأدب والطب، النطاسي المحنك الشيخ محمد الخليلي تغمده الله برحمته.قال الطب:الخمرة هي السائل الحاصل من تخمير بعض المواد كالقمح والشعير والذرة والأرز والعنب والتمر والبلح وكثير غيرها من الأثمار والفواكه والحبوب لمدة معينة. وان هذا السائل إذا شرب احدث في الدماغ والجهاز العصبي تنبيها ونشاطا موقتا، وبعث في النفس انبساطا وارتياحا فوريا،ولكنه سائل فتاك يجري مع الحياة فيدمرها،ويسيل مع الروح فينهكها.وقد ثبت أن الخمرة تتركب من الماء والكحول وجزء ثالث يسمي (كاندولين)، ومادة عفصية (أسيدتنيك)، ومن حامض الطرطريك، وحامض خلي، وثاني طرطرات البوتاس، وملح الصوديوم وغيرها مما تفصله الكتب الطبية الكيمياوية وكل ما ذكر من أجزائها التركيبية لا يضر كضرر (مادة الكحول) الفتاكة الموجودة في كل مسكر، والتي هي أساس أضراره، ومصدره شروره وأخطاره، لأنها تخثر زلال البدن وتجفف مائية الأعضاء بامتصاصها، وبذلك يحصل التغيير والتبديل في التركيب الكيماوي لمادة (البروتوبلازما) في حجيرات كل خلية من خلايا تلك الأعضاء كالدماغ والكبد والكلي. ومن اثر هذا التغيير تظهر أعراض السكر فتفقد الملكات العقلية،وحينئذ يظنها الجاهل نشاطا فيسعي اختياراً إلي أتلاف جسمه وعقله كليا لهذا الابتهاج الموهوم الموقت.وقد اجمع الأطباء كافة علي ان المادة الكحولية في كل مسكر سم قاتل، قوي الفتك، تحرمه قوانين الصحة ونواميس الطب لما يضم هذا المسكر بين خلاياه هذا العدو اللدود الذي لا يرحم الجسم ولا العقل.وقد يظن من يحتسي جرعات قليلة من الخمرة انه لا يلحقه منها ضرر بليغ وان أثرها ينتهي بانتهاء مفعولها الموقت،لأنها تتبخر ولا يبقي منها شيء يضر، ولكنه لو نظر إلي داخل كبده ومعدته ورئتيه وأوعيته الدموية لدهش وراعه ما يري من انحطاط قوي هذه الأعضاء وتلفها، ولعلم ان تلك الجرعة الخفيفة كيف أخذت تعدم مناعتها الفطرية، وكيف جعلتها مستعدة لقبول كل مرض أو ميكروب يداهمه وأزالت عنه كل مقاومة لصدها ومنعها.واليك الآن مجمل أضرارها [244] ، فإنها تسيء الهضم، وتمدد المعدة وترخيها، وتؤثر علي الدورة الدموية في سيرها إذ توسع الشرايين والأوردة، وتلهب الكلي والمثانة، وتورث الخلل في وظائف مطلق الأعضاء،فيحصل من ذلك الأرق، وسرعة الانفعالات النفسية، والغضب، وشدة التأثر والتهيج لأقل حادث، ثم ضعف أعصاب الحركة فتختل في المشي والجري، مضافاً إلي أثرها البليغ في القوي العقلية، والأفعال المخية، من فساد في التصورات، وعدم استقامة في التصرفات وفوق ذلك أضرارها بإفساد لحجرات الخصيتين.وبالجملة فإنها أم الخبائث، وجرثومة الفساد، وأساس كل ضرر ومفتاح كل فاحشة، وبذرة كل مرض خطر، بل هي السوسة التي تنخر مجد الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الأمة بأسرها.فلا غرو إذا ما حرمها الدين الإسلامي الحكيم في قرانه العظيم إذ ينظر الإنسان بعين اللطف والخير.أما ما أشار إليه القران من المنافع، فليس هو من جانب صحة الجسم، فانه لو اتفق ان أفاد الفرد فانه ليضر الآلاف من متعاطية. نعم، لقد كان الخمر يوصف إلي عهد قريب كدواء مقو، أو مدر للبول، أو قابض للمعدة، وأحيانا للناقهين والمصابين بداء السكر والحميات المتقطعة، ولكن أخيراً اتضح لديهم: ان الكحول لا تشفي من مرض البتة، بل بالعكس تزيد في وطأة كثير من الأمراض، طبقاً لما ورد في حديث أهل البيت عليهم السلام: (لا شفاء في مسكر) [245] .ولعل منافعها المشار إليها في القران هو ما يحصل للمعتصر والبائع والمّتجر وأمثالهم من الثروة والمال.نعم، قد تستعمل الكحول اليوم لدلك الجلد في بعض الأمراض، وأحياناً يستعمل قليل منه مع بعض المركبات الطبية.ولكن العاقل من سلم منه، وحفظ ماله وبدنه وشرفه وعرضه ودينه وأخلاقه، وإلا فسوف يقرع نابه ندماً ولات حين مندم.

اقوال الأطباء والحكماء في الخمر

واليك كلمات بعض أساتذة الأطباء والحكماء من الغربيين وغيرهم:قال اوغلادستون: (إن مضار الخمر اشد وطأة من الآفات السماوية المهلكة، والأوبئة الجارفة، والقحط والحروب).وقال أوزلر: (ان الخمرة افضل سماد المكروبات في البدن عند ابتلائه بأحد الأمراض. فالخمر سرطان في جسم الفرد أين ما وجد يجب أزالته وفصله).وقال الدكتور ظيفل: (ان الخمرة تؤثر أسوء تأثير علي الجهاز العصبي حتي تورث الجنون)وقال المستر وليم ويلكوكس: (الكحول مادة تسمم خلايا الجسم الحية، وهو يؤثر مباشرة في الجهاز العصبي، والمخ، ويفسد ملكات الإنسان العليا كالحكم السديد والإدراك والضبط).وقال الأستاذ سمس وودهيد: (ان الكحول سم إجماعي)وقال السير اندرو كلارك: (أعتقد ان الصحة السليمة الجيدة تفسدها ولو جرعات قليلة من الكحول).وقال الدكتور حامد البدري - الطبيب المصري -: (ان الخمر تسبب تهيجاً في المعدة، وتؤثر في النبض وتزيد في دقات القلب وترفع الضغط، وتعرض شاربها للخطر وللموت البطيء، إذ يصاب بالشلل، وإنها تتلف الكبد، وتسبب ضموراً في خلاياها ونسيجها، واذا مرض الكبد تعرض الإنسان لأمراض كثيرة وبيلة).وقال الدكتور محمد وصفي - من مشاهير أطباء مصر -:(إن تأثير الخمر يقع علي المراكز العصبية… إلي قوله: فيحدث الخمول في هذه الأعصاب، وينتهي الأمر بتخديرها، وتعطيل عملها من ثم يتسبب الموت).وقال طبيب ألماني: (اقفلوا لي نصف الحانات اضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات والسجون) [246] .وقال حكيم فرنسا (ريشه): (إني لأعجب من الحكومات تمنع السموم ولا تمنع الخمور).وقال القائد الفرنسي - هنري -: (ان الخمور آخر سلاح لقتل المستعمرات وتمزيق شعورهم).وقال الدكتور - بوته -: (لا أعرف مرضاً أزاله الكحول) [247] .هذه شهاداتهم ومشاهداتهم في الخمر، وهو قليل من كثير مما افاضت به الكتب والمؤلفات والنشرات…أفلا تكون عبرة لمن اعتبر، وذكري لمن تعقل فازدجر؟!!إحصاءات عن نتائج السكر [248] .دلت الإحصاءات علي ان ربع المرضي في مستشفيات فرنسا هم من المدمنين. وأن اكثر من نصف مرضي المجانين هم من المدمنين.وان 90 % من سكان مستشفيات الأمراض الزهرية في العالم من مرضي الكحول.وان 90% من المصابين بالأمراض الرئوية، كالسل، في مستشفيات فرنسا من مدمني الكحول.أن 49% من الجرائم ضد المتاع سببها السكر.وأن 51% من الجرائم ضد الناس سببها الخمر.وأن 41 % من مجموع الجراثيم سببها الخمر أيضاً.وأن إحصائيات شركات التأمين علي الحياة تثبت قصر حياة شاربي الخمور.وأن 25% ممن أتلفوا أموالهم وصاروا يستجدون في الشوارع والأسواق هم من شراب الخمر.وأن 27% من الموجودين في الملاجئ منهم أيضاً.وأن 65% من الناس الذين عجزوا عن الأنفاق علي عائلاتهم كان سبب عجزهم هو الخمر.هذا وإن الطب أثبت أن متعاطي الخمور هم اقل مقاومة للأمراض وعلي كل، فان أقوال المصلحين من الأطباء والعلماء والزعماء في النهي عنها ونصح الجهال عن معاقرتها، والتلوث بجراثيمها اكثر من أن تحصي، حتي أن كثيراً من الدول المتمدنة والجمعيات الإصلاحية حرمت الخمر، أودعت إلي تحريمها حرصاً علي المصلحة العامة، وردعاً للأمم عن أخطارها، وأضرارها من الوجهة الصحية والأخلاقية والاجتماعية، مثل حكومة الافغان، وفنلندا، والنرويج، فإنها منعت من بيعها، ومثل بلجيكا فأنها منعت من شربها.وحرم بعض زعماء ألمانيا الخمر علي نفسه ونصح الشعب بعدم تناولها لأضرارها. ومثل أمريكا فقد منعتها منعا باتا مدة من الزمن.واليك اعظم تقرير طبي لأعظم مؤتمر طبي مؤلف من (250طبيبا) من خيرة أطباء أمريكا واروبا الذي عقد في شيكاغو عام 1919م، نذكر لك بعض فقرات من تعريبه:-ان الاعتياد علي تعاطي المشروبات الكحولية عظيم الضرر، كبير الخطر علي التركيب الجسماني، إذ لاتمر الكحول بعضو من أعضاء هذا التركيب البديع الدقيق إلا ويلحق به ضررا ويحيق به آذي… إلي ان يقول: ان الاعتياد علي تعاطي الكحول لمما يعجل الهرم، ويسرع بالمرء إلي هاوية الموت لأنه ينتج في الجسم تصلب الشرايين، وتضخم القلب… إلي ان يقول: ان الكلي يبطل عملها في تنظيف الجسم وتطهير الدم من الميكروبات حين يعتاد المرء شرب الخمر، وان مرض الكلي منتشر بين السكيرين. ثم يقول: ان الاعتياد علي شرب الخمر يخرج الناس من الصحة إلي المرض، ومن النعيم إلي الشقاء، ومن القوة إلي الضعف، ثم يقول: ان هذا المؤتمر يحكم بان انتشار الخمور هادم لسعادة الأمم، ومقوض لبناء الأخلاق.نصيحة موجهة لشارب الخمر من المسلمين [249] .انظر أيها المسلم إلي قول الله سبحانه، وأقوال رسوله وخلفائه صلوات الله عليهم أجمعين، وأقوال بعض الحكماء والأطباء بعين البصيرة، فقد أطلعناك علي جملة منها. فهل تجد بعد هذا من صالحك احتساء هذا الشراب الخبيث،والسم الفتاك الذي يطفئ منك نور الإيمان، ويجعلك من حزب الشيطان ويقضي علي جسمك وصحتك الغاليين عندك، وعلي مجدك وسمعتك، وعلي ثروتك ومالك، وعلي اهلك وأولادك، فتكون مثال الشر والفسق بين أصحابك، وجرثومة العلل والأسقام بين ذويك. وكرة إبليس يلعب بك حيث شاء له العداء، فينتزعك دينك وعقلك ومالك وصحتك وشرفك، وقد يتركك ألعوبة بين الأطفال والأحداث يتقاذفونك في الشوارع، ويقذفونك بالأحجار بين الأوحال والاوشال، سخرية الصبيان وأضحوكة الشيطان، فتارة ملقي علي مزبلة، وطورا في حفرة موحلة… أعجوبة المارين، وعبرة المتعظين، كحيوان خليع العذار.. لا كرامة له ولاوقار، قد خسر كل شي، وضاع منه كل شي، وتبرا منه كل شي، وهذا في الدنيا جزاء من أطاع عدوه واسلس له قيادة، وعصي ربه، وخالقه، ومرشده وهاديه. وأما في الآخرة فجزاؤه جهنم وبئس المصير، يصهر بها جلده حتي يطهر من تلك الجراثيم الكامنة فيه، ويستوفي منه حق التأديب، لعصيان بارئه وخالقه ومالكه قد (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج/ 12)، فارفق بنفسك أيها المسلم الذي تعترف أن لك خالقاً ومكلفاً قد أرسل لك نبياً علمك حلاله وحرامه، وهو حاشرك وناشرك ومحاسبك علي كل صغيرة وكبيرة:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) (الزلزال/ 8-9).ارفق بنفسك أيها المسكين المغرور في هذه الدنيا الغرارة، وأنظر هل يصلح لك أن تلقي بنفسك في هذه الهلكة، لاكتساب لذة موهومة وساعة مشؤومة؟كلا، ثم كلا. ما خلق الله سبحانه في الإنسان هذا العقل إلا ليميز به بين الضار والنافع، فيترك ذاك ويفعل هذا. وأنت تختار الضار وتفقد به عقلك وإدراكك الذي به تمتاز عن بهم الحيوان، فتكون أسوء حالا منها وتصبح كمن قال الله عنهم: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) (الفرقان/ 45)، لان الحيوان لا يهزأ به، لأنه لم يطفئ بنفسه نور عقله، ولم يوقع نفسه في طامورة الأمراض الفتاكة، فالله الله في نفسك وجسمك وعقلك ودينك واهلك وذريتك.أما نفسك وجسمك، فتكون في الدنيا بؤرة العلل والأسقام، وفي الآخرة طعمة العذاب والنار..وأما اهلك فتسلمهم إلي خير كفيل، وهو الفقر المدقع، والويل المهلك.وأما ذريتك فتورثهم أمراضك. ونعم ما تخلف لهم حتي يتمنوا انك مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

نداء موجه إلي أولياء الأمور

يا أولياء الأمور: إن أردتم الخدمة الصالحة لامتكم، والتقدم والرقي لشعبكم، فاسكبوا الخمور، في الحوانيت والقصور وأريقوها واقطعوا دابر الفساد بين العباد، وأنقذوا البلاد من هذه الأخطار.يا أولياء الأمور: إن أردتم أن تستريح المحاكم من اكثر المحاكمات في الأجرام الفظيع، وان تخلو السجون من الفسقة العابثين بالنفوس والأعراض والأموال، فسدوا حانات المسكرات، وأغلقوا نوادي الخمور. وأوصدوا رتاج التاجرين بما يمحق العقل والدين، ويسلب الصحة والثروة، والشرف والغيرة، واقطعوا دابر المفسدين لتنجوا البلاد من عيثهم وعبثهم.يا أولياء الأمور: ان أردتم زيادة الدخل في خزائن الدولة فاقضوا علي مستنزفات الأرواح والأموال. فكم من مبتلي بأمر قد حرمت الخزينة من عوائد عمله وفوائد إنتاجه، وما يدره من كسبه وصناعته عليها. ثم صارت تصرف الأموال الطائلة عليه وعلي أمثاله الكثيرين في المستشفيات والمستوصفات ممن ذكرنا إحصاءهم آنفاً، ثم يبتر عمره فتخسره خسران الأبد.وكم من ثراء بدد في سبيل الخمور فانقطع وارده وضرائبه عن الخزينة واصبح مبدد ذلك الثراء من ذوي البطالة الذين هم عالة علي الحكومة والمجتمع؟ وكم من سجين ابتلت به الخزينة المسكينة فصارت تصرف عليه بعد ما كان يصرف من أرباحه إليها؟وكم من قتيل أو جريح بأيدي العتاة السكاري الذين لا مانع لهم ولا وازع قد نقص من الأيدي العاملة التي كانت إحدي الأيادي اللاتي تكونت بها خزينة الدولة؟وكم من عائلة سابت وصارت عالة علي الحكومة والشعب، لان وليها الذي كان يكد لها قد التهمته أفواه البلايا والمنايا في الخمر والسكر، وترك بعده صبية يتضورون جوعا وعراء وفقرا، ومخدرات ابتذلن بعد الصون والمجد حتي قد يبلغ بهن الحال إلي ما تخجل منه جباه الإنسانية، وتنكس منه نواصي الشرف والعفاف كما وقع ووقع.وما وارد الخزينة من ضرائب المسكرات بالنسبة إلي هذه الخسائر الفادحة التي ذكرناها إلا النزر القليل. يا أولياء الأمور: ان أردتم ان تحكموا بحكم الله في هذه المشروبات السامة راس الفساد وأم الخبائث، فاسعوا في سن قانون يمنع استيرادها وتقطيرها وبيعها وشرائها بتاتا، وأريحوا النفوس والنفائس من هذه الجرثومة التي تنشر الأمراض وتوري نار الفتن، وتسبب الإخلال بالأمن، لتكونوا قد أسديتم بعملكم هذا خدمة تذكر وتشكر علي مر العصور والأجيال.وكم من حوادث لا تحصي وقعت في البلاد بسبب شرب الخمر وارتكاب هذا المنكر ذهبت ضحيتها نفوس كثيرة، وأموال طائلة، ولقد اطلعت بنفسي علي سكير ذي مال وثراء كانت عنده زوجة من أهل الشرف والعفاف، فكان يأتيها إلي داره وهو ثمل لا يعقل شيئا فيجمع جميع ثيابها وملابسها الفاخرة في وسط الدار فيحرقها،فإذا أفاق من سكره أسف لذلك واشتري لها بدلها وهكذا حتي استنزفت ثروته، وطلقت منه زوجته (وخَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [250] .يا أولياء الأمور: إن مما يوجب غضب الله وسخط رسوله والمؤمنين ان تفتحوا في أغلب الأقطار الإسلامية باب بيع الخمور علي مصراعيه وتبيحوا للناس التكسب به، بحيث لا يكاد يجد الإنسان بلدة من بلاد المسلمين إلا القليل لاتباع فيها الخمور سراً أو أعلاناً، وحتي تكاد ان تحكم بأنها اكثر استعمالاً من الماء لبعض مستعمليها.أو بعد هذا وأضعاف أمثاله من المنكرات العلنية التي تسيخ منها الأرض يريد المسلمون أن يحظوا بالشرف، ويسودوا في الدنيا، ويثابوا في الآخرة، وينصروا علي الأعداء، هيهات هيهات، (وَأَنَّي لَهُمْ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ).يا أولياء الأمور: هذه دول كثيرة، ومنها دولة أمريكا، قد حرمت الخمر - مدة من الزمن كما تعلمون - تحريماً عاماً وأذاعوا للملأ المنع من شربها بناءً علي أمر الأطباء وعلي الاكتشاف الحديث [251] لأبناءً علي تحريم الدين لها، لان دينهم بزعمهم لا يحرمها.وهذه معجزة إسلامية تؤيد ما جاء به نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) من تحريم الخمر، وقد كسبت أمة أمريكا من تحريم الخمر ومنع شربها سعة في الرزق، وأمناً في البلاد، وقّل القتل والاعتداء، وازدادت الأموال بنسبة مطردة… والمسلمون الذين يحرم دينهم الخمر وتحريمه من ضروريات دينهم وعليه إجماعهم مع ذلك فانهم يعاقرونها صباحاً ومساءً ولا منكر، ولا مانع، حتي عم الفساد في الأقطار الإسلامية عامة.إلي أين الفرار ولا مفر أما في هذه الدنيا مقرلقد عم الفساد فلا صلاح ولكن كل ما في الكون شروطبق هذه الدنيا ضلال تجرع سمّه بر وبحروأنكرت النفوس الدين حتي كأن لم يأتها نهي وامرولا عجب فان الدين حق وطعم الحق في الأفواه مروما ديني هذا العصر إلا كمسجون علي كفيه جمر

استفادة الحسن والقبح العقليين من الآية المبحوث فيها

ذهبت الأشاعرة من أهل السنة إلي أن العقل لا يقضي بحسن شيء ما أصلاً، ولا بقبح شيء ما علي الإطلاق. وعندهم أن الحاكم بالحسن والقبح في جميع الأفعال إنما هو الشارع لا غير، فما حسنه الشرع فهو الحسن عندهم، وما قبحه فهو القبيح، والعقل لا معّول عليه في شيء من ذلك بالمرة [252] .وذهبت الشيعة الإمامية، ومن تبعهم من المعتزلة من أهل السنة إلي ثبوت الحسن والقبح العقليين.إذ من المعلوم بالبداهة العقلية علي ان من الأفعال الإنسانية ما هو حسن في العقل قطعا، كالعدل والإحسان مثلا، ومنها ما هو قبيح قطعا كالظلم والعدوان. نعم هناك من الأفعال ما تعجز العقول عن العلم والجزم بحسنه أو قبحه ككيفية العبادات للخالق المتعال إذ لا مجال للعقل لإدراكها بخصوصياتها، فيكشف لنا الشارع المقدس عنها، فنأخذها من الشرع كما وردت، ويجب علينا الوقوف عنده، ومن هنا قيل: ان العبادة توقيفية، يعني: يجب ان نأخذها كما جاءت بها النصوص الشرعية، أما ما قيل: ان العقل لا يقضي بحسن شيء ما أصلاً ولا بقبح ما علي الاطلاق، فهو قول مردود، وغير صحيح.لأن من الأفعال ما نعلم- علم اليقين - بحسنه، وترتب الثناء والثواب علي فعله لصفة ذاتية له قائمة به، كالإحسان والعدل من حيث هما إحسان وعدل. ومنها ما نعلم بقبحه وترتب الذم والعقاب علي فعله لصفته الذاتية القائمة به، كالإساءة والجور من حيث هما إساءة وجور. والعاقل يعلم ان ضرورة قاضية بذلك، وليس جزم العقلاء بهذا اقل من جزمهم بكون الواحد نصف الاثنين، والبداهة الأولية قاضية بالفرق بين من احسن إليك دائماً وبين من أساء إليك دائماً، إذ يستقل العقل بحسن فعل الأول معك، واستحقاقه للثناء والثواب منك علي ما قام به من الإحسان لك، كما يستقل العقل بقبح فعل الثاني واستحقاقه للذم والقصاص. والمشكك في ذلك مكابر لعقله مخالف له ولو كان الحسن والقبح فيما ذكرنا شرعيين لا عقليين، لما حكم بهما منكرو الشرائع كالزنادقة والدهرية وسائر الملحدين، فانهم مع إنكارهم الأديان يحكمون بحسن العدل والإحسان ويرتبون عليهما ثناءهم وثوابهم، ولا يرتابون في قبح الظلم والعدوان، ولا في ترتب الذم والقصاص علي فعلهما، ومستندهم في هذا إنما هو العقل لا غير … هذا حكم الفطرة التي فُطر الناس عليها، فان الله جلت قدرته، فطر عباده علي إدراك بعض الحقائق بعقولهم، كما فطرهم علي الإدراك بحواسهم ومشاعرهم. ففطرتهم توجب إن يدركوا بعقولهم حسن العدل ونحوه، كما يدركون بأذواقهم حلاوة العسل ومرارة العلقم، ويدركون بمشامهم طيب المسك ونتن الجيف ويدركون بملامسهم لين اللّين وخشونة الخشن، ويميزون بأبصارهم بين المنظرين: الحسن والقبيح، وبأسماعهم بين الصوتين: صوت المزامير وصوت الحمير، تلك (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم/ 31).وقد أراد الأشاعرة أن يبالغوا في الإيمان بالشرع والاستسلام لحكمه، فأنكروا حكم العقل، وقالوا: لا حكم إلا للشرع، ذهولاً منهم عن القاعدة العقلية المطردة - وهي: (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ولا عكس) [253] .وإنما قلنا: ولا عكس، لأن هناك أفعالاً جاء بها الشرع في العبادات بكيفيات مخصوصة، وأوقات معينة لا مجال للعقل إلي إدراكها ككيفية الصلوات وأوقاتها، وكيفية الحج، ووقته، وكيفية الصوم وأحكامه… وهكذا.وهذه العبادات هي التي يجب أن نأخذها من الشرع في الكيفية التي جاء بها والأوقات التي عينها والأحكام التي شرعها، سواء أدركنا بالعقل أو العلم حسنها وفلسفتها أم لم ندرك. وما عدا ذلك فان العقل يستقل في إدراك المحاسن والقبائح في العقائد والأخلاق، وبالعقل يعلم الإنسان أن له خالقاً وموجداً، مدبراً وحكيماً، لطيفاً وخبيراً، والذي يسقط العقل عن إدراكه لهذه الحقائق وأمثالها، لا يستطيع أن يثبت الشرع الشريف بالدليل والبرهان، لان الاستدلال علي ذلك بالأدلة الشرعية يكون استدلالاً دورياً باطلاً، لا تتم به حجة، ولولا سلطان العقل لكان الاحتجاج بالعقل مصادرة بل لولا العقل ما عبد الله عابد، وما عرفه من خلقه كلهم واحد. وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلي مظانه من مؤلفات علمائنا الأعلام في علم الكلام.وعلي كل، الثابت أن للعقل سلطاناً وحكماً في تمييز العقائد والأفعال، الحق منها والباطل، والحسن والقبيح، والنافع والضار، والفضيلة والرذيلة، والخير والشر، والمعروف والمنكر، والطيب والخبيثومن هنا جاءت الآيات القرآنية الكثيرة تناشد العقل البشري في تمييز هذه الأمور، والتحلي بالمحاسن منها، والتخلي عن المساوئ:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر/10)، (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة/ 104)، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (الجاثية/ 22).ومن الآيات الكثيرة التي تثبت الحسن والقبح العقليين، هذه الآية المبحوث فيها فان قوله تعالي في صفات نبينا(صلي الله عليه و آله): (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) يدل علي أنه(صلي الله عليه و آله) يأمرهم بالمعروف بما هو معروف في ذاته بالعقل السليم، وينهي عن المنكر بما هو منكر في ذاته بالعقل السليم، وكذلك يحل لهم الطيبات بما هي طيبات في حقيقتها وذواتها. ويحرم عليهم الخبائث بما هي خبائث في حقيقتها وذواتها.قال السيد محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) [254] :(قوله: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ)… والمعروف ما تعرف العقول السليمة حسنه وترتاح القلوب الطاهرة له لنفعه وموافقته للفطرة والمصلحة بحيث لا يستطيع العاقل المنصف، السليم الفطرة أن يرده أو يعترض عليه إذا ورد الشرع به. والمنكر ما تنكره العقول السليمة، وتنفر منه القلوب، وتأباه علي الوجه المذكور أيضاً. وأما تفسير المعروف بما أمرت به الشريعة، والمنكر بما نهت عنه فهو من قبيل تفسير الماء بالماء…).هذا وقد جاء العلم الحديث، والاكتشافات الدقيقة مؤيدة لما دل عليه العقل والشرع أيضاً كما قرأت في بحوث هذه الصفات الأربعة فراجعها بتدبر وإمعان.وهذه هي دعوة الحق، دعوة أنبياء الله إلي أممهم، وهي معاكسة ومخالفة لدعوي الدجالين والمبطلين، الذين يدعون باسم الدين إلي ما يوافق أهواءهم وشهواتهم وأهواء الناس وشهواتها من كل منكر وقبيح وظلم وبغي وفساد [255] وقد قيل لأعرابي - وقد اسلم علي يد النبي(صلي الله عليه و آله) بعد أن عرف بعقله أحقية دعوته، وأنه رسول الله حقاً -: لأي شيء أسلمت؟ وماذا رأيت منه مما دلك علي صدقه وأنه رسول الله؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهي عنه، ولا نهي عن شيء فقال العقل: ليته أمر به، ولا احل شيئاً فقال العقل ليته حرمه، ولا حرم شيئاً فقال العقل ليته أباحه [256] ، وأنت تري أن هذا الأعرابي مع سلامة فطرته، وصحة عقله، برهن علي أحقية دعوة النبي(صلي الله عليه و آله) بأن كل ما جاء به من الأوامر موافق لكل ما هو حسن في العقل، ولا يتمني العقل النهي عنه وكل ما جاء به من النواهي موافق لما هو قبيح في العقل ولا يتمني الأمر به، وكذلك ما أحله وما حرمه.فيا أيها المسلمون، ويا أيها الناس: ما أعظم هذا الدين، وما أسعد المتمسكين به، وما أشقي التاركين له، والمخالفين لأوامره ونواهيه، الذين تغلبت شهواتهم السقيمة علي عقولهم السليمة، حتي صاروا لا يميزون بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والمعروف والمنكر، والطيب والخبيث، أو انهم يميزون ولكنهم يخالفون عقولهم ويتبعون شهواتهم واهواءهم.(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69)أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(70) وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون/ 70-72).يقول الأستاذ سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) معلقاً في الذيل علي قوله تعالي: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ): (…إشارة إلي إن التحليل أو التحريم في الشريعة الإسلامية يرجع إلي ذات المحلل والمحرم. فالطيب يحل والخبيث يحرم. ولا يكون التحريم عقوبة كما يقع لبني إسرائيل، وتقرير لحقيقة هامة وهي أن كل ما حرم في الإسلام فهو خبيث بذاته أو في المجتمع، ولو علم الله انه طيب لأحله، لأن هذه قاعدة التحليل والتحريم. وإذاً فليس هنالك من حرمان في اجتناب المحرم، فالحرمان لا يكون إلا من الطيب لا من الخبيث… ثم قال: وهناك خلاف أصولي في الموضوع، وهذا هو اختيارنا) [257] .وهكذا كثير من أهل السنة وافقونا أخيراً في إثبات الحس والقبح العقليين، وأن الشرع يتمشي دائماً مع العقل جنباً إلي جنب، فما حكم به العقل حكم به الشرع.(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَي وَيَنْهَي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90).

الاسلام هو الشريعة السهلة السمحة

اشاره

الصفة التاسعة التي وصف الله بهانبيه(صلي الله عليه و آله) في الآية قوله تعالي:(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)

معني الاصر والأغلال الموضوعين عن هذه الأمة

الإصر - بالكسر -: العهد، والذنب، والثقل. وجمعه: آصار. وأصله: الضيق والحبس. يقال: أصره أي ضيق عليه وحبسه ويقال للثقل إ صراً لأنه يأصر صاحبه من الحركة، لثقله.والمراد منه في الآية - علي ما ذكره أكثر المفسرين -: ان بعض التكاليف التي كانت علي الأمم الماضية كأمة موسي وعيسي، وخصوصاً علي بني إسرائيل، شاقة وثقيلة، وقد وضعها عن هذه الأمة رسول الله صلي الله عليه وآله بشفاعته لهم إلي الله عز وجل.والأغلال جمع، مفرده الغُل - بالضم - وهو في اللغة: طوق من حديد أو جلد يجعل في اليد، أو في العنق. ويقال: هذا غّل في عنقك، أي: لازم لك وأنت مجازيً عليه.والمراد منه في الآية - علي ما ذكر شيخنا الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير قوله: (وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، معناه: ويضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم، وجعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها، كما يقال: هذا طوق في عنقك. وقيل: يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل نفوسهم في التوبة، وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم [258] وما أشبه ذلك من تحريم السبت، وتحريم العروق والشحوم، وقطع الأعضاء الخاطئة ووجوب القصاص دون الدية عن اكثر المفسرين [259] .ولعل من الأغلال التي كانت عليهم ما تكلفها علماؤهم وابتدعها أحبارهم ورهبانهم من الأحكام المبتدعة التي جعلوها كالأغلال في أعناقهم. ويؤيد ذلك ما روي عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال:ما بعثت بالرهبانية الشاقة ولكن بالحنيفية السمحة [260] .وكل ذلك وغير ذلك من الإصر والأغلال وضعه عن هذه الأمة رسول الله صلي الله عليه وآله، شفقة منه عليهم، حيث سأل ذلك من ربه سبحانه لأمته ليلة الإسراء، كما جاء في كثير من الأخبار من طرق الشيعة وأهل السنة: أن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قد ألهمه الله ان قال داعياً ربه عز وجل: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) كل ذلك يقول الله تعالي: قد فعلت [261] . ومن هنا قال(صلي الله عليه و آله): بعثت بالحنيفية السهلة السمحة [262] وقال(صلي الله عليه و آله):ما بعثت بالرهبانية الشاقة ولكن بالحنيفية السمحة. وقال(صلي الله عليه و آله):إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر [263] .ووضع الإصر والأغلال، وإن كان مما يوجد في الجملة، في شريعة عيسي، كما يدل عليه أو يشير إليه قوله تعالي فيما حكي عنه في القرآن الكريم: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي) (آل عمران/ 51)، إلا أنه لا ريب في أن الدين الذي جاء به محمد(صلي الله عليه و آله) هو الدين الوحيد الذي نسخ جميع الأحكام الشاقة الموضوعة علي أهل الكتاب، وعلي اليهود منهم خاصة، كما ابطل ما تكلفه علماؤهم وابتدعه أحبارهم ورهبانهم من الأحكام.وهذا يعني ان الإسلام كما اختص بكمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيعاب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث كما قدمنا سابقاً كذلك اختص باستيعاب رفع الأحكام الشاقة وإلغاء كل إصر وغل فهو شريعة كاملة وسهلة سمحة لا حرج فيها ولا عسر، بل اليسر والسماحة هما أوضح سمات الشريعة الإسلامية، وهما عنوانها الواضح الذي يعرف به الإنسان البصير وجهها المشرق الناصع، إذ أي حكم يجئ إلي الناس باسم هذه الشريعة يخالف اليسر والسماحة يعلم انه دخيل علي تلك الشريعة.وليس هذا القول مجرد فرض أو إدعاء بل هو حقيقة من حقائق الإسلام تأخذ مكانها واضحة بارزة في نصوص شريعته كتاباً وسنة وقد تقدمت قريباً بعض النصوص الصريحة في هذه الحقيقة من السنة. وأما الكتاب فقد كشف عن حقيقة اليسر والسماحة في هذا الدين كما نفي العسر والحرج في مسائله وكافة أحكامه في آيات عديدة، منها قوله عز من قائل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء/ 29)، ومنها قوله تعالي: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) (البقرة/ 186)، ومنها قوله تعالي: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَي وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج/ 79).

من موارد اليسر في الشريعة الإسلامية

ذكر المفسرون والمحدثون كثيراً من التكاليف الشاقة والصعبة التي كانت علي أمة موسي وعيسي وغيرهما من الأمم، ووضعت عن هذه الأمة إجابة لرسول الله(صلي الله عليه و آله) وكرامة له، وفي بعضها نظر من ناحية صحتها وثبوتها، وإليك بعض النماذج التي لا تبعد صحتها مما نقله المفسرون من الفريقين:تخفيف الصلاة عن هذه الأمة من ناحية العدد:إن الصلاة التي كانت مفروضة عليهم في اليوم خمسين صلاة، وهذه الأمة جعلت الصلاة المفروضة عليهم في اليوم خمس، وثوابها كثواب الخمسين صلاة، كما صرح بذلك ورواه كثير من مفسري الفريقين [264] .بل روي الجميع أن الله فرض أولاً الصلاة علي نبيه وأمته ليلة الإسراء خمسين صلاة، ولكن موسي بن عمران(عليه السلام) قال للنبي(صلي الله عليه و آله) حين مر به في السماء: أرجع إلي ربك فأسأله أن يخفف عن أمتك فان أمتك أضعف الأمم ولا تطيق ذلك، وأن النبي(صلي الله عليه و آله) لم يزل يرجع إلي ربه بالدعاء طالباً التخفيف عن أمته حتي جعلها خمس صلوات، وأن النبي(صلي الله عليه و آله) لما هبط إلي الأرض نزل عليه جبرئيل وقال له: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إنها خمس بخمسين (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (ق/ 30). (أي: أنها خمس صلوات ولكن أجرها خمسين صلاة).وفي (تفسير القمي) وغيره عن الإمام الصادق، أن الله أوحي إلي نبيه يقول: ومن همّ من أمتك بحسنة فعملها كتبت له عشراً، وإن لم يعملها كتبت له واحدة. ومن هّم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة، وإن لم يعملها لم اكتب عليه شيئاً [265] فقال الصادق: جزي الله موسي عن هذه الأمة خيراً [266] .وقال النبي(صلي الله عليه و آله): فرض الله علي أمتي خمسين صلاة فراجعت ربي وسألته التخفيف حتي جعلها خمساً في العدد، وخمسين في الأجر [267] .وقال تعالي: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَي إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام/ 161).تخفيف الصلاة عن هذه الأمة من ناحية المكان:ومما خفف الله به عن هذه الأمة من الآصار التي كانت علي الأمم الماضية - بالنسبة إلي الصلاة أيضاً ان صلاتهم كانت لا تحل لهم ولا تجوز أو لا تقبل منهم إلا في بقاع من الأرض معلومة لديهم، وإن بعدت وهي البيع والكنائس والمحاريب، وهذه الأمة جعلت الأرض كلها مسجداً وطهوراً [268] ويشير إلي هذا المعني الحديث المتفق عليه وهو قوله(صلي الله عليه و آله):جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراوفي لفظ مسلم في (صحيحه) وغيره:جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء [269] .وجاء في حديث شريف عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال:ومنّ علي ربي وقال لي: يا محمد - صلي الله عليك - فقد أرسلت كل رسول إلي أمته بلسانها وأرسلتك إلي كل احمر واسود من خلقي، ونصرتك بالرعب الذي لم انصر به أحدا، وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لأحد قبلك، وأعطيتك لك ولأمتك كنزاً من كنوز عرشي، فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة [270] ، وجعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً وترابها طهوراً، وأعطيت لك ولأمتك التكبير، وقرنت ذكرك بذكري حتي لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبي لك يا محمد ولأمتك [271] ، وهنا فلتتذكر الأمة الإسلامية فضل الله عليها، وكرامة نبيه وإحسانه إليها في تخفيف هذه الفريضة التي هي أهم الفرائض الإسلامية، وتسهيلها عليهم. فمن ناحية كميتها، خمس صلوات بسبعة عشر ركعة لا تستغرق كلها أكثر من ساعة واحدة تقريباً من أربع وعشرين ساعة من الليل والنهار، يتفرغ فيها العبد لذكر ربه وعبادته قال تعالي: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/16)، وقال تعالي: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/ 46)، ومن ناحية أجرها فهو مضاعف، الواحد بعشر، خمس صلوات تقوم مقام خمسين صلاة كما مر عليك.ومن ناحية المكان يصليها أين ما شاء وأراد من بيته أو محل عمله أو غير ذلك من سائر الأماكن ما لم تكن مغصوبة ويعلم بغصبها، واما إذا صلاها في المسجد فحينئذ يتضاعف له الأجر الواحد بمئات، حتي ورد عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال في بعض خطبه:ومن مشي إلي مسجد من مساجد الله تعالي فله بكل خطوة خطاها حتي يرجع إلي منزله عشر حسنات وتمحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، ومن حافظ علي الجماعة حيثما كان مر علي الصراط كالبرق اللامع في أول زمرة مع السابقين ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر، وكان له بكل يوم وليلة حافظ عليها ثواب شهيدالخطبة [272] ، وقال الإمام الصادق(عليه السلام):عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فان كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة [273] ومن ناحية الطهارة، فلو لم يتمكن المصلي من الغسل لمن عليه الغسل مثلاً، أو لم يتمكن من الوضوء لمن عليه الوضوء لفقدان الماء أو لان الماء يضره أو غير ذلك من الأعذار الشرعية المذكورة في كتب الفقه والرسائل العملية فيكفيه ان يتيمم في الصعيد الطيب ويصلي.قال تعالي: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَي أَوْ عَلَي سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/ 7) [274] .ومن ناحية وقتها، فهو موسع علي الإنسان ولله الحمد، إذ أن صلاتي الظهر والعصر يبتدئ وقتهما من زوال الشمس - في منتصف النهار - ويستمر إلي غروبها، في أي وقت شاء أن يصليهما فله إلا أن الظهر يجب أن تقدم علي العصر، وأول الوقت أفضل من آخره، ومن أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله [275] ، وهكذا المغرب والعشاء يبتدئ وقتهما للمختار غير المضطر من بعد غروب الشمس، وذهاب الحمرة المشرقية علي الأحوط إلي منتصف الليل، ومعني هذا أن لا مانع من الجمع بيت الصلاتين ظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً، رخصة من الله سبحانه وعملاً بسنة رسول الله(صلي الله عليه و آله) كما هو الثابت في الصحاح جميعاً من طرق الفريقين [276] .ووقت صلاة الصبح يبتدئ من طلوع الفجر الصادق ويستمر إلي طلوع الشمس في أي وقت منه شاء ان يصلي يكفيه ويجزيه، قال تعالي: (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (الإسراء/ 79).وإذا كان الإنسان مسافراً يصلي قصراً أي الصلاة الرباعية تكون ركعتين وإذا كان مريضاً أو عاجزاً لا يستطيع تأدية الصلاة بالكيفية التي يؤديها الأصحاء فيصلي كيف ما يستطيع قاعداً أو مضطجعاً علي ظهره أو يمينه أو يساره أو إيماء وإشارة حسب حالته وقدرته.فبعد هذا التسهيل والتخفيف من نواح شتي ما أدري ما عذر المسلم إذا ترك الصلاة وهي أهم الفرائض الإسلامية بل هي عمود الدين حسب نص الصادق الأمين(صلي الله عليه و آله) ولا تعارض إقامتها أشغاله وأعماله مهما كثرت، مع العلم ان تاركها يعرض نفسه لسخط الله وعذاب النار.فيا أيها المسلمون إلا تسمعون إلي جواب أهل النار حين سئلوا:(أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) (المدثر/ 43-44).وأصبح الكثير من أبناء المسلمين - ويا للأسف - كما حكي الله تعالي عن بعض الأقوام (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) (مريم/ 60-61).تخفيف الصيام عن هذه الأمة من ناحية الزمان:ومما خفف الله به عن هذه الأمة من الآصار السالفة بالنسبة إلي الصيام، هو ان الصوم الذي كان علي الأمم الماضية من أهل الكتاب اشق من الصوم الذي فرض علي هذه الأمة، وذلك انه كان محرماً علي الكتابيين الأكل والشرب والجماع بعد النوم ليلاً إلي الليلة القابلة كما يظهر ذلك من بعض روايات أهل البيت، وأقوال المفسرين والمحدثين [277] وهذه الأمة أباح الله لهم ذلك من أول الليل إلي طلوع الفجر. وجاء في رواية عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال:فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر [278] هذا مع العلم أن الصيام في أول تشريعه لهذه الأمة كان كصوم بني إسرائيل، محرماً علي الصائمين النكاح مطلقاً ليلاً ونهاراً، كما كان محرماً عليهم أيضاً الأكل والشرب في الليل بعد النوم.ومعني هذا أنه ليس للصائم وقت لإفطاره إلا في أول الليل إلي حين النوم ثم نسخ هذا الحكم تخفيفاً وتسهيلاً علي هذه الأمة، وأبيح لهم الأكل والشرب والجماع من أول الليل إلي حين طلوع الفجر، وانزل الله تعالي في ذلك هذه الآية الكريمة: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْلِ) (البقرة/ 188)، وقد جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين- في سبب تخفيف الصيام عما كان عليه في أول تشريعه - انه سئل عن الناسخ والمنسوخ، وأجاب عن بعض موارده، إلي أن قال(عليه السلام):ومن ذلك أيضاً آصار غليظة كانت علي بني إسرائيل في الفرائض، فوضع الله تلك الآصار عنهم، وعن هذه الأمة فقال سبحانه: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ). ومنه انه تعالي لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان بالليل ولا بالنهار علي معني صوم بني إسرائيل في التوراة فكان ذلك محرماً علي هذه الأمة، وكان الرجل إذا نام في أول الليل قبل أن يفطر فقد حرم عليه الأكل بعد النوم أفطر أم لم يفطر وكان رجل من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله) يعرف بمطعم بن جبير شيخاً، فكان في الوقت الذي حضر فيه الخندق حفر في جملة المسلمين، وكان ذلك في شهر رمضان، فلما فرغ من الحفر وراح إلي أهله، صلي المغرب وأبطأت عليه زوجته بالطعام، فغلب عليه النوم فلما أحضرت إليه الطعام أنبهته فقال: لها استعمليه أنت فإني قد نمت وحرم عليّ، وطوي وأصبح صائماً، فغدا إلي الخندق وجعل يحفر مع الناس فغشي عليه فسأله رسول الله(صلي الله عليه و آله) عن حاله فأخبره، وفي رواية فرقّ له(صلي الله عليه و آله) ثم قال الإمام وكان من المسلمين شبّان ينكحون نساءهم بالليل سراً لقلة صبرهم فسأل النبي الله سبحانه في ذلك فانزل الله عليه (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ..) [279] .وهذا المعني مروي بروايات أخري، رواها الشيخ الكليني في (فروع الكافي) ج14 ص 98، والعياشي في (تفسيره) ج1 /83، والقمي في (تفسيره) ج1 / 66، والطبرسي في (مجمع البيان) ج1 /280 وغيرهم، إلا أنه لم يكن فيها تصريح أن الصوم أول ما فرض علي هذه الأمة، كان علي معني صوم بني إسرائيل في التوراة. وفي جميعها ان سبب نزول قوله تعالي (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَي نِسَائِكُمْ) هو ما كان يفعله الشبان من المسلمين من نكاح نسائهم سراً في الليل وقد كان محرماً عليهم، وسبب نزول قوله تعالي (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) إنما هي قصة مطعم بن جبير الأنصاري، أو خوات بن جبير الأنصاري علي ما جاء في أكثر الروايات [280] وما يقارب هذا المعني في سبب نزول الآية مروي أيضاً من طرق أهل السنة، إلاّ أن ظاهر رواياتهم ان حكم النكاح بالليل كان كحكم الأكل والشرب وأنها جميعها كانت محللة قبل النوم محرمة بعده في حين ان روايات أهل البيت عليهم السلام صريحة في ان النكاح كان محرماً في شهر رمضان بالليل والنهار جميعاً بخلاف الأكل والشرب فقد كانا محللين في أول الليل قبل النوم ومحرمين بعده، وسياق الآية يساعد ما جاء في روايات أهل البيت الذين هم مع القرآن والقرآن معهم لن يفترقا حتي يوم القيامة. وتدل بعض روايات أهل السنة علي أن الخيانة ما كانت تختص بالنكاح فقط، بل كانوا يختانون في الأكل والشرب أيضاً وسياق الآية لا يوافق رواياتهم تلك. وصرح اكثر مفسريهم أن من جملة من كان ينكح أهله سراًّ بالليل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب [281] .كما اختلفت رواياتهم في اسم الرجل الذي نام قبل ان يفطر ففي بعضها انه قيس بن صرمة الأنصاري وفي بعضها ابو قيس بن صرمة، وفي بعضها صرمة بن انس الأنصاري، وبعضها صرمة بن مالك. وعلي كل، الآية الكريمة حددت لنا أول الصوم وأخره بقوله تعالي: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْلِ) فابتداؤه بطلوع الفجر وانتهاؤه بدخول الليل، واجمع الفقهاء علي حرمة الصوم في الليل لنسخة في الشريعة الخالدة.

سقوط الصوم عن بعض المكلفين في حالات خاصة علي المذاهب الخمسة

ومعلوم ان الصوم واجب في شهر رمضان، ووجوبه فيه ثابت بالضرورة الإسلامية، ولا يحتاج إلي دليل بعد ان كان منكر وجوبه خارجا عن الإسلام بالإجماع، وهو فرض عين علي كل مكلف حسب الشروط المذكورة في كتب الفقه، ولا يجوز الإفطار إلا لأحد الأسباب التالية:الحيض، والنفاس، فلو حاضت المرأة أو نفست لا يصح منها الصوم، وتقضي ما فاتها من الصيام أيام حيضها أو نفاسها، وهذا بالاتفاق عند جميع المذاهب، وكذا الجنون لا يصح معه الصوم حتي لو طرأ عليه أثناء النهار قبل الزوال أو بعده.المرض وفيه تفصيل بين المذاهب، فالإمامية لا يجوز عندهم الصوم إذا احدث مرضا، أو ازاد في شدته، أو شدة آلمه، أو أخر البرء، لان المرض ضرر والضرر محرم، فلو صام والحال هذه لا يصح صومه، ويكفي في ترك الصيام، ان يغلب علي ظنه حدوث المرض أو زيادته أو يحتمل ذلك احتمالاً موجباً لصدق الخوف ويجب عليه القضاء لما فاته من الصوم إذا زال ما عنده من المرض أو الخوف من حدوثه قبل ان يأتي شهر رمضان الآخر. وأما المذاهب الأربعة فعندهم ان الإنسان إذا مرض، أو خاف بالصوم زيادة المرض، أو تأخر البرء، ان شاء صام، وان شاء أفطر، وانه لا يتعين علي المريض الإفطار، لانه رخصة لا عزيمة، إلا إذا علم أو غلب علي ظنه الهلاك أو تعطيل حاسة من حواسه فيتعين عليه ان يفطر وحينئذ لا يصح منه الصوم.السفر حسب الشرائط المعتبرة في صلاة القصر عند كل مذهب وفيه تفصيل بين المذاهب، فعند الإمامية إذا تمت للمسافر شروط قصر الصلاة يسقط عنه الصوم سقوط عزيمة ولا يصح منه، هذا إذا كان قد شرع بالسفر قبل الزوال، أما إذا شرع به وقت الزوال أو بعده فعليه ان يبقي علي صيامه ذلك اليوم، وإن أفطر فعليه كفارة من أفطر عمداً، وإذا وصل المسافر إلي وطنه أو محل إقامته عشرة أيام قبل الزوال ولم يكن قد تناول شيئاً من المفطرات وجب حينئذ عليه الصوم بقية ذلك اليوم فان أفطر كان كمن افطر عمداً.أما المذاهب الأربعة فعندهم إذا تمت للمسافر شروط السفر، فله الخيار حينئذ إن شاء صام وإن شاء افطر، إذ أن الإفطار في السفر عندهم رخصة لا عزيمة، بل عند الشافعي كما نقل عنه ابن كثير الدمشقي في تفسيره ج1 ص 217 أن الصيام في السفر افضل من الإفطار، وكذلك عند أبي حنيفة ومالك وغيرهم (راجع تفسير الرازي ج2 ص119) هذا مع انهم يروون أن أناساً من الأصحاب صاموا في السفر فنهاهم النبي(صلي الله عليه و آله) عنه فأفطر بعضهم، وبعضهم صام فقال رسول الله عمن صام: أولئك العصاة [282] واشتهر قوله (صلي الله عليه و آله): (ليس من البر الصوم في السفر) [283] وكذلك قوله(صلي الله عليه و آله): (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) [284] ورووا: ان رجلاً قال لا بن عمر: إني أقوي علي الصوم في السفر فقال ابن عمر: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الآثم مثل جبال عرفة [285] إلي غير ذلك من الأخبار الدالة علي حرمة الصيام في السفر هذا وقد كرر الله سبحانه في القرآن وضع الصيام عن المريض والمسافر والأمر لهما بالصوم في أيام أخر مرتين قال تعالي: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة/ 185-186).الحرج والمشقة بالنسبة إلي الشيخ والشيخة الهرمين اللذين يجدان حرجاً ومشقة في الصيام، يرخص لهما بالإفطار، مع الفدية عن كل يوم طعام مسكين، وكذلك المريض الذي لا يرجي برؤه في جميع أيام السنة وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنابلة قالوا: تستحب الفدية ولا تجب [286] .الحامل المقرب التي أوشكت علي الولادة، وكذا المرضع، وفيه تفصيل بين المذاهب، اما الإمامية فقالوا: إذا تضررت المرضع أو تضرر رضيعها، فعليهما ان تفطرا ولا يجوز لهما الصوم، لان الضرر محرم، واتفقوا علي أن عليهما القضاء، والفدية بمد إذا كان الضرر علي الولد، اما إذا كان الضرر علي نفسها، فبعضهم قال تقضي ولا تفدي لان حكمهما حكم المريض وآخرون قالوا تقضي وتفدي والأحوط الجمع بين القضاء والفدية.وأما المذاهب الأربعة فعندهم ان الحامل المقرب أو المرضع إذا خافت علي نفسها أو ولدها يصح صومها، ويجوز لها ان تفطر، وإذا افطرت فعليها القضاء بالاتفاق عندهم، ولكن اختلفوا في امر الفدية فقال الحنفية: لا تجب مطلقاً، وقال المالكية: تجب علي المرضع دون الحامل وقال الحنابلة والشافعية: تجب الفدية علي كل من الحامل، والمرضع ان خافت علي نفسها وعلي ولدها معا فانها تقضي ولا تفدي، والفدية عن كل يوم مد، والمد إطعام مسكين.من به داء العطش الشديد إذا شق عليه الصوم، فقد اتفقوا علي انه يجوز له ان يفطر، وإذا استطاع القضاء فيما بعد وجب عليه دون الكفارة عند الأربعة، وتجب عليه الكفارة بمد دون القضاء عند الامامية، واختلفوا في الجوع الشديد هل هو من مسوغات الإفطار كالعطش؟ قال الامامية: الجوع لا يبيح الإفطار إلا إذا استلزم المرض، والخوف منه، وقال الأربعة: الجوع والعطش سواء، كل منهما يبيح الإفطار.الإغماء، قال الإمامية: لا يجب الصوم مع الإغماء ولو حصل في جزء من النهار، إلا إذا كان قد نوي الصوم قبل الفجر، تم أغمي عليه ثم أفاق أثناء النهار فالاحوط ان يتم صومه.

زوال العذر

إذا زال العذر المبيح للإفطار كما لو برء المريض أو قدم المسافر أو طهرت الحائض استحب لهم الإمساك في يوم زوال العذر تأدباً عند الحنفية والحنبلية وقال المالكية لا يجب ولا يستحب [287] .وقد استعرضنا ذكر الأسباب المبيحة للإفطار ليعلم (إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر) [288] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 184-186).تخفيف الزكاة عن هذه الأمة من ناحية الكمية:ومما خفف الله تعالي به عن هذه الأمة من الآصار السالفة، بالنسبة إلي الزكاة، هو ان فرض الزكاة الذي كان علي بني إسرائيل ربع المال علي ما ذكر بعض المفسرين من أهل السنة وغيرهم [289] .والحال ان الزكاة المفروضة علي هذه الأمة أقل من الربع بكثير كما يأتي التفصيل، وفي كتاب (روضة الواعظين) ان ثوابه ثواب ربع المال.

ما تجب فيه الزكاة علي المذاهب الخمسة

والذي تجب فيه الزكاة من الأموال مختلف فيه بين المذاهب، فالإمامية عندهم وبإجماعهم ان الزكاة تجب في تسعة أشياء وهي: الأنعام الثلاثة (الإبل والبقر ويشمل الجاموس والغنم ويعم المعز) وفي الغلات الأربع (الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب) وفي النقدين (الذهب والفضة) المسكوكين وتستحب في مال التجارة، وفي الخيل وفي كل ما تنبته الأرض من الحبوب، كالعدس، والفول، والارز، وامثالها، ولكل من الوجوب والاستحباب شروط وقيود مفصّلة في مظانها من كتب الفقه والرسائل العملية لعلمائنا الأعلام.أما المذاهب الأربعة فاتفقوا مع الإمامية في وجوب الزكاة في هذه الأشياء التسعة وزادوا في ذلك، فبالنسبة إلي الزرع والثمار، عند الحنفية تجب الزكاة في كل ما أخرجته الأرض من الثمار والزرع والخضروات إلا الحطب والحشيش والقصب الفارسي [290] والسعف.وقال المالكية والشافعية: تجب الزكاة في كل ما يدخر للمؤنة كالحنطة والشعير والأرز والتمر والزبيب والعدس وغيرها، اما سائر الثمار فلا زكاة فيها. وقال الحنابلة: تجب الزكاة في كل ما يكال ويدخر من الثمار والزرع، وأوجب الأربعة علي الخيل والبغال والحمير الزكاة إذا كانت معدة للتجارة، كما في كتاب (الميزان) للشعراني ج2 /4 وأوجب الأربعة الزكاة في الذهب والفضة سبائك كانتا أو مسكوكين بسكة النقد، واختلفوا في الحليّ من الذهب فقال بعضهم بوجوب الزكاة فيها، وآخرون بعدم الوجوب، وأوجب الأربعة الزكاة في مال التجارة.

مقدار زكاة الإبل و نصابها

نصاب الإبل إذا بلغت خمساً ففيها شاة، وإذا بلغت عشراً ففيها شاتان، وخمسة عشر فثلاث شياه، وعشرين فأربع شياه هذا بالاتفاق عند الجميع، أما إذا بلغت خمساً وعشرين، فقال الإمامية:فيها خمس شياه، وقال الأربعة: فيها بنت مخاض، وهي من الإبل التي قد دخلت في السنة الثانية من عمرها، والإمامية أوجبوا بنت المخاض في الستة والعشرين من الإبل. وإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون بالاتفاق، وبنت اللبون هي التي دخلت في السنة الثالثة، وإذا بلغت ستة وأربعين ففيها حقّة بالاتفاق، والحقة هي التي دخلت في الرابعة، وإذا بلغت إحدي وستين ففيها جذعة بالاتفاق، والجذعة هي التي دخلت في الخامسة، وإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون بالاتفاق، وإذا بلغت إحدي وتسعين ففيها حقتان بالاتفاق، واتفقوا علي انه ليس فيما يزيد علي الإحدي والتسعين شي حتي تبلغ الإبل مائة وواحد وعشرين فإذا بلغتها فللمذاهب تفاصيل وأقوال تطلب من المطولات من كتب الفقه. فبان لنا ان النصب للإبل عند الإمامية أثني عشر نصابا، وعند أهل السنة أحد عشر، واتفق الجميع علي انه ليس فيما بين النصابين شي، مثلا الخمسة فيها شاة، فإذا كانت أربعة لا زكاة فيها، فإذا بلغت تسعا ففيها شاة واحدة، والعشر فيها شاتان، والأربعة عشر فيها شاتان وهكذا.

مقدار زكاة البقر و نصابها

للبقر نصابان بالاتفاق، الأول إذا بلغت ثلاثين وفيها تبيع أو تبيعه، والتبيع ما اكمل سنة ودخل في الثانية عند الجميع، إلا المالكية فعندهم ان التبيع هو ما اكمل سنتين ودخل في الثالثة، والنصاب الثاني إذا بلغت أربعين ففيها مسنة، وهي الداخلة في السنة الثالثة بالاتفاق إلا المالكية قالوا: المسنة هي التي أكملت الثالثة ودخلت في الرابعة، وفيما زاد يحسب علي هذا الحساب، مثلا من الستين تبيعان، ومن السبعين مسنة وتبيع، ومن الثمانين مسنتان، ومن التسعين ثلاث اتباع، ومن المئة مسنة وتبيعان، ومن المئة والعشرة مسنتان وتبيع، ومن المئة والعشرين ثلاث مسنات أو أربعة اتباع وهكذا، وما بين الأربعين والستين عفوا وكذا ما دون الثلاثين، وما زاد علي النصاب من الواحد إلي التسعة معفو عنه، ونصاب البقر علي هذا النحو متفق عليه عند الجميع. نعم الحنفية عندهم ما بين النصابين عفوا إلا ما زاد علي الأربعين إلي الستين فانه تجب الزكاة في الزيادة الواحدة الزائدة علي الأربعين ربع عشر مسنة وفي الاثنين نصف عشر مسنة.

مقدار زكاة الغنم و نصابها

زكاة الغنم من الأربعين شاة واحدة، ومن المئة والإحدي والعشرين شاتان، ومن المئتين والواحدة ثلاث شياه، هذا بالاتفاق، وقالت الإمامية إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه حتي تبلغ أربعمائة فصاعدا ففي كل مائة شاة، شاة واحدة، وقال الأربعة: الثلاثمائة والواحدة كالمئتين والواحدة فيها ثلاث شياه إلي الأربعمائة ففيها أربع شياه، وما زاد ففي كل مئة، شاة بالغا ما بلغ، وعلي هذا تكون النصب عند الإمامية خمسة وعند الأربعة اربعة، واتفق الجميع علي ان ما بين النصابين لا زكاة فيه كما لا زكاة فيما نقص عن الأربعين.

مقدار زكاة الزرع والثمار و نصابهما

زكاة الزرع والثمار العُشر أي عشرة بالمائة إذا سقي سيحا أو بماء السماء أو تمص عروقه من ماء الأرض، ونصف العشر إن سقي بالدلاء أو الماكنة أو الناعور أو نحو ذلك من العلاجات بالاتفاق، كما اتفق ما عدا الحنفية، علي أن النصاب معتبر في الزرع والثمار وانه خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا فيكون مجموع النصاب ثلاثمائة صاع [291] فما زاد بالغا ما بلغ، ولا زكاة فيما هو دون ذلك، وقال الحنفية لا نصاب للزرع والثمار والخضروات بل تجب الزكاة في القليل والكثير علي حد سواء [292] ومر علينا أن الإمامية عندهم لا تجب الزكاة من الحبوب إلا في الحنطة والشعير، ومن الثمار إلا في التمر والزبيب ولا تجب فيما عدا ذلك.

مقدار زكاة الذهب والفضة و نصابهما

نصاب الذهب عشرون ديناراً، وفيها نصف دينار، ولا زكاة في الأقل ولا فيما زاد عليها حتي يبلغ أربعة دنانير وفيها ربع عشرها وهكذا كلما زاد أربعة وجب فيها ربع العشر ونصاب الفضة مئتا درهم وفيها خمسة دراهم ثم أربعون درهماً وفيها درهم واحد وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم فمقدار الزكاة في النقدين ربع العشر أي اثنان ونصف بالمائة والتفصيل في الكتب الفقهية والرسائل العملية.هذا، وأصناف المستحقين للزكاة ثمانية، وهم المذكورون في الآية الكريمة من سورة التوبة وبها ختام الكلام عن الزكاة.(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 60).تخيير هذه الأمة في الحدود والديات بين القصاص والدية والعفو:ومما خفف الله به عن هذه الأمة من الآصار السالفة - ممّا يتعلق بالقصاص والعقوبات والديات - هو ان علي أهل التوراة وهم اليهود القصاص في القتل والجروح، أو العفو المطلق، وهذه الأمة جعل لهم الخيار بين القصاص والدية والعفو هذا ما قاله بعض المفسرين [293] وهو مؤيد بالقران المجيد، كما سيأتيك البيان. وقال آخرون: انّ القصاص كان حتماً علي اليهود ولم يكن لهم العفو ولا أخذ الدية، وخفف الله عن هذه الأمة ورحمهم فجعل لهم الخيار بين القصاص أو الدية أو العفو [294] وجاء في رواية عن النبي صلي الله عليه واله انه قال: (من أصيب بقتل أو جرح فانه يختار إحدي ثلاث، إمّا ان يقتص، وإما أن يعفو، وإما أن يأخذ الدية، فان أراد رابعة فخذوا علي يديه، ومن اعتدي بعد ذلك فله نار جهنم خالداً فيها أبدا) [295] والقرآن المجيد يستعرض الحكم الذي أنزله الله في التوراة وظاهره ان أهل التوراة وهم اليهود كانوا مخيرين بين القصاص أو العفو فيكون مؤيدا للقول الأول واليك الآية الكريمة: (وَكَتبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (المائدة/ 46).

معني الآية

(وَكَتبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا) أي فرضنا علي اليهود - الذين تقدم لهم ذكر في الآيات السابقة - في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) وهذا يدل علي ان المراد به ان النفس تعادل النفس في باب القصاص والعين تقابل العين، والأنف يماثل الانف، وهكذا في باقي الجوارح فالباء للمقابلة كما تقول مثلا (بعت هذا بهذا) فيؤول معني الجمل المتسقة إلي ان النفس تقتل بالنفس، والعين تفقا بالعين، والأنف يجدع بالأنف، والإذن تصلم بالإذن، والسن تقلع بالسن، والجروح ذوات قصاص أي يعتبر في جزائها العدل والمساواة، ومعلوم ان هذا كله إذا قتلت النفس أو فقئت العين - وهكذا في باقي المذكورات - تعمدا وبغير حق، (فمن تصدق به فهو كفارة له) أي فمن عفي من أولياء القصاص كولي المقتول أو نفس المجني عليه والمجروح، عن الجاني ووهبه ما يملكه من القصاص فهو (أي العفو) كفارة لذنوب المتصدق يكفر الله به ذنوبه ويعفو عنه.(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) وهذا من قبيل وضع العلة موضع معلولها، والتقدير: وان لم يتصدق بما يملك فليحكم بما أنزل الله فإن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون.فالآية صريحة في القصاص، أو التصدق به وهو العفو في القتل أو الأعضاء أو الجروح، جاء عن ابن عباس في تفسير الآية (وَكَتبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) أنه قال: يريد: وفرضنا عليهم في التوراة أن النفس بالنفس أي من قتل نفسا بغير قود قيد منه، ولم يجعل الله له دية في نفس ولا جرح إنما هو العفو أو القصاص [296] ، وقال الضحاك: لم يجعل في التوراة دية في نفس ولا جرح إنما كان العفو أو القصاص [297] .أما ما ذكره بعض المفسرين الآخرين من أن القصاص كان حتماً علي اليهود ولم يكن لهم العفو ولا أخذ الدية، فالظاهر انهم يقصدون من هذا حكم اليهود المذكور في توراتهم الدائرة اليوم عندهم لا الحكم الواقعي الذي أنزله الله علي موسي في توراته، ويؤيد هذا ان التوراة الدائرة عند اليهود صريحة في القصاص، ولم يذكر معه العفو، جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من (سفر الخروج) من التوراة عدد 23- وان حصلت أذية تعطي نفساً بنفس 24 - وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل 25-وكياً بكي وجرحاً بجرح ورضاً برض [298] .وفي الإصحاح الرابع والعشرين من (سفر اللاويين) ما نصه عدد17- وإذا أمات أحد إنساناً فانه يقتل به 18- ومن أمات بهيمة فانه يعوض عنها نفساً بنفس 19- وإذا احدث إنسان في قريبه عيباً فكما فعل كذلك يفعل به 20- كسر بكسر وعين بعين وسن بسن كما احدث عيباً بالإنسان كذلك يحدث فيه [299] فهذا صريح توراتهم في وجوب القصاص بالمثل، ولم يذكر فيها العفو معه، ولعل إسقاط العفو كان من المتلاعبين الذين غيروا وبدلوا أحكام الله حسب ميولهم وشهواتهم والله من ورائهم حسيب. إما حكم الإسلام الخالد الذي أنزله الله في القرآن المجيد فقد ذكره الله سبحانه بقوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَي بِالأُنثَي فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة/ 179)، وفي توجيه الخطاب بهذه الآية إلي المؤمنين خاصة إشارة إلي كون الحكم فيها خاصاً بهذه الأمة، وإما غيرهم من أهل الذّمة فالآية ساكتة عنه. ويستفاد من مجموع ما ورد في سبب نزولها، ان أهل الجاهلية قبل بزوغ نور الإسلام علي الجزيرة العربية كانوا يسيرون علي غير نظام عادل ومتحد بل علي شريعة الغابات والفوضي التي لا حد لها حيث يقتلون لأتفه الأسباب ظلما وعدواناً، وربما يقتص أولياء القتيل من الأبرياء لا من الجاني نفسه، فإذا قتل رجل عادي مثله قتل أولياء القتيل عدداً كبيرا من ذوي القاتل وربما قتلوا عشرة بقتيل أو قتيلة وأدي هذا الظلم إلي الحروب الطاحنة بين القبائل وإبادة الكثير منها وأورث العداء والأحقاد بين الأبناء والأحفاد، فشرع الله القصاص في القتل وهو بمفهومه يفيد المساواة وإيقاع القتل علي القاتل نفسه أياً كان دون غيره من الأبرياء ودون زيادة أو نقصان خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَي) أي فرض عليكم وأوجب مراعاة المماثلة والمساواة في القتلي بأن يفعل بالقاتل ما فعله هو بالمقتول، ولا خلاف ان المراد من إيقاع القصاص في قتل العمد دون الخطأ المحض وشبه العمد [300] وربما يسأل: كيف قال (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَي) مع أن أولياء الدم مخيرون بين القصاص والعفو وأخذ الدية؟ فالجواب علي هذا أن القصاص مفروض إن اختاره أولياء المقتول، إذ الفرض الواجب قد يكون مضيقاً وقد يكون مخيراً فيه فإذا طالب أولياء المقتول بالقصاص فلهم الحق بذلك، ويجب حينئذ علي القاتل تسليم نفسه للقصاص وان امتنع يقام عليه قهراً. وقوله: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَي بِالأُنثَي) المعني واضح لا يحتاج إلي شرح وهو اعتبار المساواة في القصاص بين القاتل والمقتول في الحرية والعبودية والأنوثة، فيفهم إذا من سياق اللفظ أن الحر لا يقتل بالعبد، وان الرجل لا يقتل بالمرأة، ويؤيد هذا المفهوم النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام من طرق الفريقين شيعة وسنة فبالنسبة إلي الحر أو العبد قال الصادق(عليه السلام): ولا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضرباً شديداً ويُغرم دية العبد [301] وهذا هو مذهب الإمامية اتباعا لائمة الهدي حيث أن رواياتهم مجمعة علي أن الحر لا يقتل بالعبد، وقد جاءت فيه نصوص صريحة من طرق أهل السنة أيضا فقد رووا عن ابن عباس عن النبي(صلي الله عليه و آله) وعن جابر، عن عامر، عن علي(عليه السلام) أنه قال: لا يقتل حرُ بعبد [302] ورووا عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً قتل عبده متعمداً فجلده النبي(صلي الله عليه و آله) ونفاه سنة، ومحا سهمه من المسلمين، ولم يقده به [303] أي لم يقتله كما قتل عبده، وروي عمرو بن شعيب أيضاً عن أبيه عن جده، أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد [304] وهذا مذهب الشافعي، وكذلك عند مالك وأحمد أن الحر لا يقتل بالعبد، وأما عند أبي حنيفة يقتل الحر بعبد غيره، ولا يقتل بعبده، وقوله هذا مخالف لما عليه الجمهور، كما هو مخالف لنصوص أهل البيت واتفاق شيعتهم، ومخالف لمفهوم الآية: (الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) أما إذا قتل رجل امرأة، كان أولياء دمها بالخيار بين أن يأخذوا منه الدية فقط وقدرها نصف دية الرجل وبين أن يقتلوه علي أن يدفعوا لورثته نصف الدية، وإلا فلا يقتل وهذا هو حقيقة المساواة، لان نفس المرأة لا تعادل نفس الرجل بل هي علي النصف، فيلزم حينئذ انه إذا أخذت النفس الكاملة بالنفس الناقصة أن يرد فضل ما بينهما والآية صريحة علي ان بدل الأنثي أنثي فالمفهوم منها أن الرجل لا يكون بدلاً عنها، ولكن ثبت من دليل خارجي - وهي السنة - علي أن الرجل القاتل يجب عليه أن ينقاد للقصاص حين يلتزم ولي المرأة المقتولة بدفع نصف ديته، فيكون قتل الرجل القاتل بدلاً عن مجموع الأنثي التي قتلها، وعن قبض نصف الدية. وهذا بإجماع الإمامية اتباعا لائمة الهدي الذين هم المرجع في الدين بعد جدهم الأعظم(صلي الله عليه و آله) ونصوصهم بذلك ثابتة عنهم، ومن ذلك قول الإمام الصادق(عليه السلام): وان قتل رجل امرأة متعمدا فأراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف ديته إلي أهل الرجل [305] .أما المذاهب الأربعة فقد اتفقوا علي أن الرجل يقتل بالمرأة التي قتلها، من دون أن يدفع لأهل الرجل نصف الدية، وهذا الحكم يخالف مفهوم الآية الكريمة (الأُنثَي بِالأُنثَي) كما يخالف صريح أقوال أهل البيت المروية من طرقهم فضلاً عن طرقنا، فقد رووا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلي أوليائه نصف الدية، لان ديتها إلي النصف من دية الرجل [306] ومما ينبغي ذكره أن الفقهاء وسائر المذاهب اجمعوا علي جواز قتل المرأة بالرجل، وقتل العبد بالحر، لعدم دلالة الآية علي منعه، ولأنه لما أجازت الآية قتل القاتل بمثله فقتله اقتصاصا منه للأشرف أولي. وقوله تعالي: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ).الضميران في (له) و(أخيه) يعودان إلي القاتل علي قول اكثر المفسرين، ولفظة (شيء) تدل علي أن ولي الدم إذا عفا عن شيء يتعلق بالقاتل، كالعفو عن قتله مطلقاً ولا يشترط شيئاً، وحينئذ لا يلزم الجاني شيء، أو يعفو مع اشتراط الدية، والي الأخير أشار بقوله: (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) أي علي العافي أن لا يشدد في طلب الدية وينظره ان كان معسرا ولا يطالبه بالزيادة علي حقه، وعلي المعفو عنه وهو القاتل الأداء إليه بإحسان أي الدفع عند الإمكان من غير مماطلة ويشكره علي ذلك، وبهذا قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد، وهو المروي عن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام) [307] .قوله: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) معناه انه جعل لكم القصاص أو الدية أو العفو وخيرّكم بينها تخفيفاً من الله، ورحمة رحمكم بها، وقوله: (فَمَنْ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كان بعض أهل الجاهلية إذا عفوا واخذوا الدية ثم ظفروا بعد ذلك بالقاتل قتلوه، وجمعوا بين القتل وأخذ الدية، فنهي الله عن مثل هذا الاعتداء وتوعد فاعله بالعذاب الأليم في الآخرة، وقال جماعة من المفسرين يتحتم علي الحاكم أن يقتل من قتل القاتل بعد العفو عنه واخذ الدية منه، حتي ولو بذل الدية ورضي بها ولي المقتول، وهذا القول مجرد استحسان كما يقول بعضهم والله العالم.تأجيل مؤاخذة العصاة في هذه الأمة:مما خفف الله به عن هذه الأمة من الآصار السالفة علي اليهود، هو انهم كانوا إذا ارتكبوا الخطايا والذنوب عجّلت عليهم العقوبة [308] وحرم عليهم بسببها ما احل لهم من بعض الطيبات كما قال تعالي: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء/161-162).وهذه الأمة إذا ارتكبوا الذنوب والخطايا لا يعجل عليهم العقاب، ولا تحرم عليهم الطيبات، وإذا تابوا وندموا تاب الله عليهم، راجع ما اسلفناه في بحث الصفة السابعة والثامنة تحت عنوان (الإسلام احل ما كان محرما علي اليهود من الطيبات).الأمان في الدنيا من العذاب العام لهذه الأمة:ومما خفف الله به عن هذه الأمة، ورحمهم به كرامة لنبيهم، وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، هو أن الأمم الماضية ربما كانوا يمسخون قردة أو خنازير، ويصيبهم الغرق أو الخسف أو غير ذلك من أنواع العذاب العام الذي ينزل بهم في الدنيا، بسبب ارتكابهم الكبائر العظام وتماديهم في التكذيب، وإصرارهم علي العصيان، وهذه الأمة رفع عنهم ذلك كما قال(صلي الله عليه و آله): رفع عن أمتي المسخ والخسف والغرق [309] وعن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) أن النبي (صلي الله عليه و آله) لما دعا ربه قائلاً: (ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطأنا) فقال الله سبحانه: أعطيتك لكرامتك يا محمد، أن الأمم السالفة كانوا إذا نسوا ما ذكروا به، فتحت عليهم أبواب عذابي، ورفعت ذلك عن أمتك [310] وربما يشير إلي هذا الحديث قوله تعالي حاكياً لرسوله عن بعض الأمم من قبله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّي إذا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام /45-46).فهكذا كان العذاب ينزل ببعض الأمم المتمردة الظالمة بحيث يقطع دابرهم ولا تبقي منهم باقية بخلاف هذه الأمة، قال تعالي مخاطباً لرسوله صلي الله عليه وآله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال/ 34).والذي اختاره جمع من المفسرين والمحققين، وهو الظاهر أيضاً أن العذاب المنفي بهذه الآية إنما هو العذاب السماوي الإلهي، المستعقب للاستيصال الشامل للأمة، علي نهج عذاب بعض الأمم السابقة، كأمة نوح الذين أغرقهم الله بالطوفان العام، قال تعالي: (وَنُوحًا إِذْ نَادَي مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنبياء/ 77-78).وكعاد قوم هود(عليه السلام) الذين أهلكهم الله جميعاً وأبادهم بريح فيها عذاب أليم، قال تعالي: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَي الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَي كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7)فَهَلْ تَرَي لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (الحاقة/ 7-9).وكثمود قوم صالح(عليه السلام) الذين أهلكهم الله بالصيحة التي أبادتهم قال تعالي: أهلكهم (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (القمر/32).وكقوم لوط الذين قلب الله مدائنهم عاليها سافلها، قال عز من قائل: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود/ 83-84).وهكذا مسخ الله قوماً من بني إسرائيل قردة وخنازير قال سبحانه: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة/ 66). وقال: (وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة/ 61)، إلي غير ذلك من أنواع العذاب الذي أنزله الله علي بعض الأمم الماضية، المستأصل لهم أو الشامل للكثير منهم، والجدير بالذكر هو أن الله عز وجل ما عذب أمة من الأمم الماضية إلا وأمر نبيها أو الحجة الذي فيها بالخروج من بين أظهرهم قبل نزول العذاب بهم، كما جاء هذا صريحاً في القرآن المجيد في قصة نوح مع أمته، ولوط مع قومه وغيرهما من الأنبياء والحجج، فإذا خرجوا من بين أظهرهم واعتزلوهم أنزل الله بهم العذاب المستأصل.أما هذه الأمة فالله سبحانه نفي عنها العذاب، عذاب الاستيصال في الدنيا وآمنهم منه لسببين، الأول: وجود رسوله الأعظم محمد(صلي الله عليه و آله) والثاني: استغفارهم من ذنوبهم ومعاصيهم، كما هو صريح الآية:(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال/ 34).

الأمان الأول للأمة: النبي و أهل بيته

ولما قبض النبي(صلي الله عليه و آله) الذي جعل الله وجوده السبب الأول لأمان أمته، صار الأمان العام لهم بعده، وجود أهل بيته الذين هم منه وهو منهم، وهم الأئمة من بعده(صلي الله عليه و آله) علي وأبناؤه المعصومون(عليهم السلام) كما جاءت بذلك السنن الثابتة، من طرق عديدة، صور كثيرة تؤيد بعضها بعضاً.وإليك بعض تلك الطرق والصور لأحاديث الأمان بأهل البيت(عليهم السلام) وبعض من رواها عنه(صلي الله عليه و آله) من أصحابه من طرق أهل السنة.

طرق أحاديث الأمان

طريق سلمة بن الأكوع:أخرج الحفاظ: مسدد، وابن أبي شيبة، وأبو أحمد الفرضي وأبو عمرو ابن أبي عرزة، وأبو يعلي الموصلي، وأبو القاسم الطبراني، والحكيم الترمذي، وابن عساكر، والسيوطي الشافعي، وآخرون غيرهم من طريق سلمة بن الأكوع عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال:النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي.راجع (فيض القدير في شرح الدامع الصغير) للعلامة عبد الرؤوف المناوي ج6 ص297 متناً وشرحاً، و(كنز العمال) للامة المتقي الحنفي ج6 ص216، و(مجمع الزوائد) للعلامة علي بن أبي بكر الهيتمي ج9 ص174.(وفرائد السمطين) للعلامة الحمويني الشافعي ونقله عنه الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص20.و(نوادر الأصول) للحكيم الترمذي (أحياء الميت ص246 والمصدر السابق).و(ذخائر العقبي) لمحب الدين الطبري الشافعي ص17 قال: أخرجه أبو عمرو الغفاري.و(إسعاف الراغبين) للشيخ محمد الصبان، ص128 وقد نقله عن جماعة بأسانيدهم، مطبوع علي حاشية نور الأبصار.و(نظم درر السمطين) للعلامة الزرندي الحنفي ص234 مرسلاً.و(السراج) للعلامة العزيزي ج3 ص416. وقال لدي شرحه: أراد بأهل بيته علماءهم، ويحتمل الاطلاق لأن الله تعالي لما خلق الدنيا لأجله(صلي الله عليه و آله) جعل دوامها بدوام أهل بيته. (سيرتنا وسنتنا سيرة نبينا وسنته ص22).و(الصواعق المحرقة) لابن حجر الهيثمي ص111.وقال الحنفي: وأهل بيتي أي ذريتي فبسبب وجودهم يرفع البلاء عن الأمة. (سيرتنا وسنتنا ص22 للعلامة المجاهد الأميني).و(جواهر البحار في فضائل النبي المختار) ج1 ص361 للعلامة النبهاني وقد أخرجه عن أبي يعلي، وابن أبي شيبة عن سلمة بن الاكوع (إحقاق الحق ج9 ص296).و(الجامع الصغير) للعلامة السيوطي الشافعي ج2/ 160 كما ذكره في أحياء الميت المطبوع بهامش الإتحاف ص246 وقد أخرجه عن ابن أبي شيبة، ومسدد في مسنديهما، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبي يعلي، والطبراني.و(مفتاح النجا) للعلامة البذخشي ص7 مخطوط وقد أخرجه عن الحفاظ المذكورين وغيرهم (إحقاق الحق ج9 ص299).و(سنن الهدي) للشيخ عبد النبي القدوسي الحنفي ص564 المخطوط (المصدر السابق).و(فصل الخطاب) للعلامة محمد خواجه البخاري المخطوط (المصدر السابق) و(ينابيع المودة ص370).و(راموز الأحاديث) للعلامة الشيخ أحمد النقشبندي ص238 (إحقاق الحق ج9 ص299).و(ينابيع المودة) للشيخ سليمان الحنفي ص20 و188 و191.و(الفتح الكبير) للعلامة الشيخ يوسف النبهاني ج3 ص267 كما ذكره أيضاً في (الشرف المؤبد) ص29 (إحقاق الحق).و(أرجح المطالب) للشيخ عبيد الله الحنفي ص328.و(السيف اليماني المسلول) للسيد محمد التونسي ص64 ط الشام (إحقاق الحق ج9 ص300).ورواه أيضاً شيخنا الصدوق بسنده في (كمال الدين) ج1 ص312 وغيره من علمائنا الأعلام.طريق أنس بن مالك:أخرج احمد بن حنبل بإسناده من طريق أنس بن مالك عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال: "النجوم أمام لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون" وقال احمد: أن الله خلق الأرض من أجل النبي(صلي الله عليه و آله) فجعل دوامها بدوام أهل بيته وعترته(صلي الله عليه و آله).راجع (ينابيع المودة) ص20، و(الصواعق المحرقة) لأبن حجر ص91 وص140، وقد عد من الآيات النازلة في أهل البيت الآية السابعة قوله تعالي: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) فقال: أشار(صلي الله عليه و آله) إلي وجود ذلك المعني في أهل بيته وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو(صلي الله عليه و آله) أماناً لهم وفي ذلك أحاديث كثيرة يأتي بعضها، (وسرد بعض تلك الأحاديث، ومنها رواية احمد هذه ثم قال معلقاً عليها) قال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان، علماءهم، لأنهم الذين يهتدي بهم كالنجوم، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون، وذلك عند نزول المهدي لما يأتي في أحاديثه: أن عيسي يصلي خلفه، ويقتل الدجال في زمنه، وبعد ذلك تتابع الآيات (إلي أن قال): ويحتمل وهو الأظهر عندي أن المراد بهم سائر أهل البيت، فإن الله لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي(صلي الله عليه و آله) جعل دوامها بدوامه، ودوام أهل بيته، لأنهم يساوونه في أشياء، مرّ عن الرازي بعضها، ولأنه قال في حقهم: اللهم أنهم مني وأنا منهم، ولأنهم بضعة منه بواسطة أن فاطمة أمهم بضعته فأقيموا مقامه في الأمان.و(إسعاف الراغبين) ص128 نقلاً عن أحمد.و(نظم درر السمطين) للزرندي الحنفي ص234 وقد أشار إليه، وكتاب (شرف النبي) للعلامة الكازروني ص283 مخطوط روي الحديث بعين ما تقدم عن ينابيع المودة (إحقاق الحق ج9 ص303).وفي كتاب (الشرف المؤبد) للشيخ عبيد الله الحنفي، ص328.طريق عبد الله بن عباس:أخرج الحاكم في (مستدرك الصحيحين) ج3 ص149 بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف (أي من الدين) فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليسقال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد، ونقله عنه الشيخ علي المتقي الحنفي في (منتخب كنز العمال) المطبوع بهامش مسند احمد بن حنبل ج5 ص93.وذكر هذا الحديث ابن حجر في (الصواعق) ص91 وص140 وصححه أيضاً.وذكره الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص20 والشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص128، وقال معلقاً علي الحديث: وقد يشير إلي هذا المعني قوله تعالي: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أقيم أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه كما ورد في بعض الطرق.وقال سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين في (المراجعات) معلقاً علي هذا الحديث ص53: هذا غاية ما في الوسع من إلزام الأمة بأتباعهم، وردعها عن مخالفتهم. وما أظن في لغات البشر كلها أدل من هذا الحديث علي ذلك.ورواه العلامة السيوطي الشافعي في (أحياء الميت) المطبوع بهامش (الإتحاف) ص114.ورواه العلامة البذخشي في (مفتاح النجا) ص8 مخطوط (إحقاق الحق ج9 ص295).ورواه العلامة الشيخ حسن الحمزاوي في (مشارق الأنوار) ص90 (المصدر السابق).ورواه العلامة الشيخ احمد النقشبندي في (راموز الأحاديث) صفحة 238، ط الاستانة (المصدر السابق).ورواه العلامة رضي الدين حسن بن محمد الصغاني في مشارق الأنوار ص109 ط الاستانة (المصدر السابق).ورواه العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) ص329 طبعة لاهور.ورواه العلامة النبهاني في (الشرف المؤبد) ص29 ط مصر، كما رواه أيضاً في جواهر البحار في فضائل النبي المختار ج1 ص361 ط القاهرة (إحقاق الحق ج9 ص296).طريق جابر بن عبد الله، وأبي موسي الاشعري وابن عباس:أخرج الحاكم عن جابر بن عبد الله، وأبي موسي الاشعري، وابن عباس رضي الله عنهم قالوا: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.نقله عن الحاكم بهذا النص، الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص20.ونقل الشيخ علي المتقي الحنفي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند احمد بن حنبل ج5 ص93، عن مستدرك الحاكم عن جابر فقط ونصه فيه:النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنت فيهم فإذا ذهبت أتاهم ما يوعدون وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون.ورواه العلامة البذخشي في مفتاح النجا ص7 مخطوط بعين ما تقدم عن منتخب كنز العمال (إحقاق الحق ج9 ص302).ونصه في مستدرك الحاكم ج2 ص448 بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): وأنه لعلم للساعة فقال: النجوم أمان لأهل السماء (إلي أخر ما تقدم) ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير ج2 ص161 عن أبي موسي الاشعري بتغيير يسير.طريق محمد بن المنكدر عن أبيه:أخرج الحاكم في (المستدرك) ج3 ص457 بسنده عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي (صلي الله عليه و آله)أنه خرج ذات ليلة وقد أخر صلاة العشاء حتي ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد. فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: ننتظر الصلاة. فقال: أنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها. ثم قال: أما أنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم [311] ، ثم رفع رأسه إلي السماء فقال:النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتي السماء ما يوعدون وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتي أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتي أمتي ما يوعدون.طريق أبي سعيد الخدري، وابن عباس:أخرج الحمويني الشافعي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. أيضاً أخرجه الحاكم عن قتادة عن عطاء ابن عباس (ينابيع المودة ص20).طريق علي أمير المؤمنين(عليه السلام):أخرج احمد بن حنبل في كتاب (المناقب) عن علي(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض.نقله عنه محب الدين الطبري الشافعي في (ذخائر العقبي) ص17 والشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص19 ثم قال: أيضاً أخرجه ابن احمد في (زيادات المسند)، والحمويني في (فرائد السمطين) عن علي(عليه السلام) وأيضاً أخرجه الحاكم عن محمد الباقر عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنهم أ هـ.ورواه الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين) (إحقاق الحق ج9 ص306).والنبهاني في الشرف المؤبد ص29 ط مصر (المصدر السابق).والسيد أبو بكر الحضرمي في (رشفة الصادي) ص78 ط مصر (المصدر السابق).والشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) ص328 ط لاهور رواه نقلاً عن احمد في (المناقب)، وفي مسنده، والحاكم في (المستدرك) وأبي يعلي في (مسنده)، والترمذي في (نوادر الأصول) عن علي، بعين ما تقدم. وذكره علي بن سلطان الهروي في (مرقاة المفاتيح) في شرح (مشكاة المصابيح) ج5 ص610، (فضائل الخمسة ج2 ص60).وذكره ابن حجر في (الصواعق المحرقة) ص140 نقلاً عن احمد وغيره، رفعه بلا إسناد إلي أحد، وكذلك الشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) ص128، ولكن بتره ونصه فيه: وفي أخري لأحمد: "إذا ذهب النجوم ذهب أله السماء، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض".ورواه أيضاً الصدوق بسنده في (كمال الدين) ج1 ص312 وغيره من علمائنا رووه كما رواه أهل السنة.دلالة هذه السننهذه بعض طرق هذه السنن الثابتة عن الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) من طرق وهي:أولاً - من أدّل الأمور علي إمامة أهل البيت عليهم السلام ووجوب أطاعتهم وأتباعهم، إذ لا يكون المكلف أماناً لأهل الأرض أو للأمة إلا لكرامته علي الله تعالي، وامتيازه في الطاعة والإخلاص له جل شأنه، وهكذا سائر المزايا المقربة للعبد، مع كونه معصوماً، إذ أن العاصي لا يأمن علي نفسه فضلاً عن أن يكون أماناً لغيره، ولا سيما إذا كان عظيماً فإن المعصية من العظيم أعظم والحجة عليه ألزم، وإذا كانوا أفضل الناس في سائر المزايا الفاضلة، ومعصومين من الذنوب والخطايا فقد تعينت الإمامة لهم دون غيرهم، وثبت وجوب أطاعتهم وأتباعهم.ثانياً - هذه السنن دليل قاطع، وواضح جلي، علي استمرار بقائهم ودوام ما دامت الأرض قائمة (كلما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة) علي حد تعبير الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) وهذا هو مذهبنا، مذهب الحق الواضح [312] .ثالثاً - أن هذه الكرامة العظيمة وهي كونهم أماناً للأمة أو لأهل الأرض، قد جعلها الله أولاً لرسوله(صلي الله عليه و آله) قبل أهل بيته بقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ). فلو لم يكونوا أفضل أهل الأرض بعده، ومنزلتهم مقاربة لمنزلته، وهم مثال له، لما جعل لهم هذه الكرامة المجعولة له(صلي الله عليه و آله)، وهذا أوضح دليل في أنهم من بعده، قائمون مقامه، في الحُجية ووجوب الطاعة، كما هم قائمون مقامه في الأمان لأهل الأرض أو للأمة.ويؤيد هذا ما رواه الحمويني الشافعي بسنده عن محمد الباقر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): يا علي أكتب ما أملي عليك قلت: يا رسول الله أتخاف عليّ النسيان؟ قال: لا، وقد دعوت الله عز وجل أن يجعلك حافظاً، ولكن أكتب لشركائك الأئمة من ولدك، بهم تسقي أمتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف عن الناس البلاء، وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم، وأشار إلي الحسن، ثم قال: هذا ثانيهم وأشار إلي الحسين والأئمة من ولده، رضي الله عنهم. (ينابيع المودة ص20)، ورواه شيخنا الصدوق في (كمال الدين) ج1 ص313.وأخرج الحمويني أيضاً في (فرائد السمطين) ج1 ص33 بسنده عن سليمان بن مهران الأعمش، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين قال: نحن أئمة المسلمين، وحجج الله علي العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلا بأذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها، ثم قال: ولم تخل الأرض - منذ خلق الله آدم - من حجة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلي أن تقم الساعة من حجة الله فيها، ولو لا ذلك لم يُعبَدِ الله، قال سليمان: فقلت للصادق(عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب.ونقله عن الحمويني الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص21 وهذا الحديث الشريف رواه علماؤنا كالصدوق في (كمال الدين) ج1 ص213 وفي (الامالي) ص112، والطبرسي في (الاحتجاج) ج2 ص48 ونقله عنهم المجلسي في (البحار) ج23 ص6.فهذا هو الأمان الأول للأمة وهو وجود النبي(صلي الله عليه و آله) حسب نص الآية، ووجود أهل بيته من بعده حسب تلك السنن الثابتة.(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54).

الأمان الثاني للأمة: الاستغفار

والأمان الثاني حسب نص الآية، هو الاستغفار: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وظاهره النفي الاستقبالي المشروط، والمعني: ولا يستقبلهم الله بالعذاب ما داموا يستغفرون، أما إذا أرتد الكثير منهم عن دينه، وأنكروا ما أنكروا من ضرورياته، وتمادوا في التكذيب والعصيان، ولم يتوبوا ولم يستغفروا، فقد يكونون حينئذ مستحقين لنزول العذاب (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 63).ومن هنا جاءت بعض الآيات القرآنية، والسنن النبوية، تنذر المجرمين، والمرتدين (من هذه الأمة) بنزول العذاب بهم خاصة، (لا بالأمة بأجمعها) ومنها قوله تعالي:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إذا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ءالآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (يونس/ 51-52).وقد جاء في (تفسير القمي) ج1 ص312 في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي:(قُلْ أ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا). يعني ليلاً (أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ). قال: فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان علي فسقة أهل القبلة، وهم يجحدون نزول العذاب عليهم [313] .وفي (الدر المنثور) لجلال الدين السيوطي ج3 ص182، قال: واخرج احمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن النبي(صلي الله عليه و آله) قال:العبد آمن من عذاب الله ما استغفر اللهومعناه انه إذا لم يستغفر الله فهو غير آمن من نزول العذاب به عاجلاً أو آجلاً فيا أيها الناس (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (النحل/102).حكمة النسخ في الشرائع [314] .

النسخ في اللغة والاصطلاح

النسخ في اللغة يطلق علي معان، منها إزالة شيء وإقامة شيء آخر مقامه، ومنه يقال: نسخت الشمس الظل، أي أزالته، ومنه قولهم نسخت الكتاب، أي نقلته من نسخة إلي أخري، فالكتاب اذهب به وأبدل مكانه غيره، ومن هنا يعبر عن النسخ بالتبديل الذي بمعني التغيير كما في قوله تعالي: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) (النحل/102).وفي الاصطلاح هو: رفع حكم ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه - من الأحكام التي ترجع إلي الله تعالي بما أنه مشرع لعباده - والإنزال لحكم آخر يكون هو الاصلح للزمان الآخر حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية.

كيف يثبت النسخ

والجدير بالذكر أن الحكم الشرعي إذا ثبت بالطرق الصحيحة، وعمل به في مدة، قلت أو كثرت، فلا يثبت نسخه إلا بآية قرآنية، أو سنة متواترة تصل إلي الأمة أو علمائها بصورة قطعية، ذلك أن النسخ من الأمور العظيمة المهمة وكل ما كان كذلك لا يثبت بأخبار الآحاد، لأن كل مهم أياً كان نوعه لابد وأن ينتشر ويشتهر علي الألسن بحكم العادة، ألا تري (مثلاً) أن موت الرجل العظيم الشهير ينقله أكثر الناس، أما مت الرجل العادي فلا يعرفه إلا بعض الجيران والأرحام، والنسخ في الشريعة من الأمور المهمة قطعاً. فلابد وأن ينقل بالتواتر القطعي، وذلك لا يكون إلا بآية قرآنية ظاهرة، لأن القرآن قطعي الصدور عن الله سبحانه، أو بسنة ثابتة متواترة.

ما يشمله النسخ و ما لا يشمله

فإذا عرفت ذلك فأعلم أن نسخ الشرائع وتبديلها - المنزلة من عند الله عز وجل علي أنبيائه من لدن آدم إلي خاتم الأنبياء(صلي الله عليه و آله) - ولا يشمل الأسس التي أبانها الله لعباده، وأوصي بها المرسلين من أنبيائه وأوصيائهم، ودعوا جميعاً إليها كتوحيد ذاته تعالي، والإيمان بكتبه ورسله، والتصديق بالمعاد يوم القيامة، وكذا لا يتعلق النسخ والتبديل بالمبادئ العامة التي أوضحها الله في شرائعه، والتي يتوقف عليها بقاء الإنسان وحياته، وتكفل خيره وسعادته، إذ المبادئ العامة التي لا ينازع في حسنها وخيرها أحد من العالمين، كالعدل والإحسان واحترام حقوق الآخرين، ومحاربة الشر والظلم والعدوان من الفحشاء والمنكر والبغي، وسائر أنواع العبث والفساد في الأرض من المفاسد التي لا يشك في قبحها وذم فاعليها أحد من العقلاء، هذه لا تنسخ ولا تبدل بل تبقي هذه المبادئ وتلك الأسس ثابتة في كل شريعة، والأنبياء جميعاً لم يبعثوا علي خلافها ولم يؤمروا بما يعارضها ومن هنا قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي وَعِيسَي أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَي الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشوري/ 14).نعم هذه الأسس وتلك المبادئ قد يطرأ عليها تحريف لخطّها المستقيم من قبل المشركين والمجرمين والفاسقين الموجودين في كل أمة وفي كل جيل، الذين لا يهون عليهم أن يستقيموا علي توحيد الله عز وجل ولا يروق لهم أن يثبتوا علي الحق والعدل. فلذا يبعث الله تعالي من يجدد لما سبق من وحي، يؤكد لما نزل من قبل من تعاليم في أصول هذا الدين الواحد الذي لا تفاوت فيه - بين الأنبياء والأوصياء - ولا اختلاف.أما الذي يتعلق به النسخ والتبديل من الشرائع إنما هو في بعض الأحكام الفرعية وخصوص كيفياتها وأوقاتها، حسب ما يقتضيه اختلاف مصالح العباد، بحسب اختلاف الإعصار وتكامل الأفراد من البشر، فإذا نسخ حكم شرعي بحكم شرعي آخر، كانا معاً مشتملين علي مصلحة الدين، وكل من الحكمين أكثر انطباقاً علي مصلحة الوقت، وأصلح لحال المكلفين، ذلك لأن دخل خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام مما لا يشك فيه عاقل.

مطابقة النسخ للمصلحة

والأحكام منها ما يستمر إلي الأبد تبعاً لاستمرار المصلحة فيها، كحرمة الخمر -مثلاً - نظارً لوجود الضرر الحاصل من استعماله، وهكذا حرمة سائر الخبائث مضرة في حقيقتها، فإنها محرمة في كل الشرائع، ومنها ما لم تكن المصلحة في استمرارها، وإنما تتعلق المصلحة بها في وقت دون آخر، أو لأمة دون غيرها، أو لقوم دون آخرين وأن كانت عند تشريعها ظاهرها إنها أحكام مستمرة في كل وقت، ولكن بعد العمل بها بعض الحين - طال أو قصر- قد يأتي دليل أخر يثبت أن تلك الأحكام أو بعضها التي كانوا يقطعون بدوامها إنما هي - في واقعها - أحكام بأمد معين عند الله، ولكن الحكمة الإلهية استدعت إظهارها أولاً بمظهر الدوام والاستمرار.هذا ويمكننا أن نشبه - لتقريب المعني - نسبة الأحكام الشرعية إلي المجتمع البشري بنسبة الدواء الذي يصفه الطبيب الحاذق، للمريض بعد علمه بدائه، فكما أن الطبيب يأمر باستعمال الدواء ما بقي الداء موجوداً، والدواء نافعاً، فإذا عدم النفع به لتغير المرض تراه يبدله بدواء آخر، فكذا الأحكام إنما يؤمر المجتمع بها ما دامت مشتملة علي المصلحة وأن لم ينكشف وجه المصلحة لهم وإذا فقدت صفتها أبدلت بغيرها مما فيه الصلاح.وعلي هذا فكل ما شمله النسخ والتبديل، فكل ما شمله النسخ والتبديل، في شرائع الأنبياء السابقين أو في هذه الشريعة الإسلامية، أيام نبيه، إنما كان تابعاً لمصلحة الإنسان وخيره علم الإنسان أم لم يعلم قال تعالي:(وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (النحل/ 102)، وقال سبحانه: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة/ 107).وقد جاء في محاجة النبي(صلي الله عليه و آله) مع بعض اليهود علي أثر تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة، وهي محاجة طويلة نذكر منها محل الشاهد، وهي مروية عن أبي محمد الحسن العسكري، وهو الإمام الحادي عشر من أئمة الهدي، صلوات الله عليهم أجمعين، في التفسير المنسوب إليه أنه قال: وجاء قوم من اليهود إلي رسول الله(صلي الله عليه و آله) فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربعة عشر سنة ثم تركتها الآن، أفحقاً كان ما كنت عليه فقد تركته إلي الباطل فأن ما يخالف الحق باطل، أو باطلاً كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن علي الباطل؟فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): بل ذلك كان حقاً وهذا حق، يقول الله: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة/ 143)، إذا عرف صلاحكم أيها العباد في استقبالكم المشرق أمركم به، وأن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده وقصده إلي مصالحكم.إلي أن جاء في المحاجة أن اليهود قالوا له: يا محمد أ فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلي بيت المقدس حتي نقلك إلي الكعبة؟ فقال رسول الله: ما بدا له عن ذلك فأنه العالم بالعواقب والقادر علي المصالح، لا يستدرك علي نفسه غلطاً ولا يستحدث رأياً… ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده، وليس يبدو لمن كان هذا وصفه، وهو عز وجل يتعالي عن هذه الصفات علواً كبيرا.ثم قال لهم رسول الله(صلي الله عليه و آله): أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يُمرض ثم يُصح ثم يمرض أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبّد نبيه محمداً بالصلاة إلي الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلي بيت المقدس وما بدا له في الأول.ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، ابدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.ثم قال: أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر أ فبدا له في الصيف حين أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا.فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله): فكذلك الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء، ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشيء آخر. فإذا أطعتم الله في الحالتين استحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالي: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 116)، يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.ثم قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): يا عباد الله أنتم كالمرضي والله رب العالمين كالطبيب، فصلاح المرضي فيما يعلمه الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المرضي ويقترحه، ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين [315] .

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها

ويجب أن يُعتقد أن كل ما كلف الله به العباد من الأحكام في الشرائع كلها، مما نسخ ومما لم ينسخ ليس فيه تكليف فوق الطاقة، ولا أكثر من المقدور، لأن الله - الغني عن جميع مخلوقاته - عالم بكل ما في الإنسان من ضعف وكل ما فيه من قوة، فلا يفرض عليه من التكاليف أكثر مما يطيق وهو الغني عنه، وهذا ما أثبته العقل وصرح به الشرع، وقد جاء هذا المعني في القرآن المجيد بسور وآيات عديدة(59).نعم قد تكون أحكام لأمّة - امتحاناً واختياراً لها - فيها مشقة وشدة، كما قد تكون تلك الأحكام خلاف رغبتهم، ولكن التكليف بأمثال هذه الأحكام غير مستمر لها وإذا استمر فغير مفروض علي غيرها كما في الغالب، وإنما خصها الله بها لعلمه بصالحها في مثل تلك الأحكام وأن كانت شاقة كما كان الحال في بني إسرائيل.ولما كانت شريعة نبينا(صلي الله عليه و آله) هي الشريعة الخالدة فقد نسخ الله منها ما كان شاقاً مما شرعه أولاً وجمع فيها كل ما تفرق من خير في الشرائع السابقة، وجعلها اسمح الشرائع وأسهلها، وقابلة للتطبيق والعمل بها في كل دور فضل النبي(صلي الله عليه و آله) - المبعوث بها - علي الأنبياء، وأوصياءه علي الأوصياء وأمته علي الأمم.

حديث مهم في تفضيل النبي و ميزة شريعته

قال الإمام أبو عبد الله الصادق(عليه السلام) - فيما رواه شيخنا الكليني في الكافي [316] واحمد بن محمد البرقي في المحاسن [317] بسنديهما.أن الله تعالي أعطي محمداً شرائع نوح وإبراهيم وموسي وعيسي عليهم السلام: التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنيفية السمحة، لا رهبانية ولا سياحة، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فعرف فضله بذلك، ثم افترض عليه فيها الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحلال والحرام، والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله، وزاده الوضوء، وفضله بفاتحة الكتاب وبخواتيم سورة البقرة والمفصل [318] وأحل له المغنم والفيء، ونصره بالرعب وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسله كافة إلي الأبيض والأسود والجن والإنس، وأعطاه الجزية، وأسر المشركين وفداهم، ثم كلفه ما لم يكلف أحداً من الأنبياء، أنزل عليه سيفاً من السماء في غير غمد وقيل له: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ) (النساء/ 85).

قصيدة غراء للسيد الحيدري حول الموضوع

وقد أجاد فضيلة الأستاذ العلامة الشاعر الكامل السيد محمد الحيدري معتمد مكتبة أهل البيت العامة، حيث قال:نـبــي ســمـا فــــــوق النبيين قدره وشرعته تــسـمـو عــلـــي كل شرعةومنهجه في الأرض أقــوم مـنـهج ودعوته في الــنــاس أعــظــم دعــوةومن دينه قد أشرق الكون بالهدي وجـمـت أيـاديـــه الـحــســان وجــلتوأيــقــظ فــي آيــاتــه كــل نـــائــــم وأحـيا بـتــوجــيـــهــاتـــه كــل مــيـتبــه تــنـجلي عنا الخطوب وباسمه نحقق في إيــمــانــنـــاً كـــل مــنــيـــةوفـيــه تـحــل الـمـشـكلات بأسرها وفي ظل نــقــضــي عــلـــي كل أزمةواقسم لو سارت جـمـيـع شـعــوبنا عـــي ضوء هذا الدين في كل خطوةلـسـدُنــا جـمـيع الناس من كل أمةٍ وذــت لــنــا مــن ضــعــفها كل دولةفهــل يتسامي المرء من غير مبدأ وهل يــسـعد الإنسان من غير فكرةوهل تصلح الدنيا بغير محمد(ص) لـيــجعــل مـنــهــا جــنــة أي جـــنــةأقـول بـلا لـبــس بـكــل صــراحـــة وأعـلنهــا لـلــنــاس من غير خشيةبـأنـــا إذا لــم نـتــبــع ديــن أحـمـد سـنــبــقــي نـعـانــي نكسة بعد نكسةأفـيـقــوا رجال المسلمين ووحدوا صـفــوفــكــم جــمعاء في خير وحدةوكـونــوا كـمـا كــان الأوائــل أمة تــقــوم لــهــا الــدنــيــا بـكـل تــجـلةولا تــركــنــوا لـلـكـافــريـن فإنهم عــدو لــكــم مــن كــل جـنــس وملةوحــســبــكــم هــذا الـخــلاف فإنه يــهـــدم مــنــا كــل حــصـــن وقـلعةويــذهـــب عــنــا كــل عــز وهيبة ويــجـــتـــث مــنــا كـل غصن وأيكةفــلا تـعــمــلــوا شيئاً بغير بصيرة ولا تـبــرمــوا أمــراً بـغــيــر رويّــةولا تــنزلوا الميدان من غير عدة ولا تدخلوا في الحرب من غير أهبةومسجدنا الأقصي استبيح حريمه وما زال يرمي بالــلــتــيــا والّــــتـيوقـبـلـتـنـا الأولـي تـنـادي بحسرة فهل من سميع للــنداء ومــنــصـــتفــلــو أنـنــا يــا قــوم لـذنــا بربنا لـكان لــنــا عــونــاً بــكــل مــلــمـــةوأن لــنــا فــي الــدين أعظم قوة وأن لــنــا فــي الـحــق أمــنـــع جُنةفـحــتــي مـتــي نــرمـي بكل بلية وحتي متي نؤتــي علي حين غرة [319] .

الرسول الأعظم والنور الذي أنزل معه

خاتمة الآية و تفسيرها

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).قوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) إلي آخر الآية بمنزلة التفسير وإعطاء النتيجة المتفرعة علي قوله تعالي في صدر الآية:(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ)، وكانّ المراد إن اتباعه(صلي الله عليه و آله) الحقيقي الذي به يكون متبعوه مستوجبين للفلاح إنما هو متفرع عن نتيجة الإيمان به أولا، والتعزير والنصرة له ثانيا، واتباع النور الذي انزل معه ثالثا، وذلك هو حقيقة اتباعه الذي به يستوجب مّتبعوه الفلاح في الدنيا والآخرة، سواء كانوا من قوم موسي، أو من أي قوم سابقين أم لاحقين.وحقيقة الإيمان به هو التصديق والاعتقاد بنبوته ورسالته، وحقيقة ما جاء به، وما ثبت من سنته بأفعاله وأقواله وإقراره.وان يكون هذا الإيمان راسخا في القلب ثابتا فيه، فحينئذ يكون أهله مؤمنين حقا مستوجبين للفلاح، قال عز من قائل: (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [320] (الحجرات/ 15).والإيمان به(صلي الله عليه و آله) إنما هو فرع الإيمان بالله عز وجل، فالمؤمنون بالله يؤمنون برسله وأنبيائه، وخاتمهم هو نبينا محمد(صلي الله عليه و آله) الذي ثبتت نبوته ورسالته بالدلائل والمعاجز الخارقة للعادة التي أيده الله تعالي بها وهي - كما عبر عنها بعض العلماء وبدون مبالغة - اكثر من أن تحصي وأجل من أن تستقصي، والتي من جملتها ما ذكرناه في بحوث صفاته بالآية المبحوث فيها فراجعها بتدبر وإمعان تجدها آيات ساطعة ودلائل قاطعة، باعثة علي الإيمان به، والتصديق لكافة أفعاله وأقواله وسنته الثابتة عنه.وحيث أن مجرد الإيمان به لا يجدي شيئا ما لم يكن معه عمل يعضده ويدل عليه، لذا ذكر بعد الإيمان به قوله: (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) والمراد من التعزير هنا - كما يستفاد من أقوال اللغويين والمفسرين -: أن يمنعوه ويحموه من كل من يعاديه مع التعظيم والإجلال، لا كما يحمي بعض الناس ملوكهم مع الكره والاشمئزاز، (وَنَصَرُوهُ) أي علي عدوه باللسان والسنان مرة بعد أخري.النور والمراد منه في الآية الكريمةوقوله: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ) النور جسم شفاف، وهو كيفية ظاهرة بنفسها ومظهرة لغيرها، والنور في الأصل ما يصير سببا لظهور الأشياء، مثلا: الضياء نور حقيقي لان به تظهر ألوان الموجودات المادية وكيفياتها، والوجود يسمي نورا لأنه السبب في إدراك حقائق الأشياء المدركة به، نافعها من ضارها، وبه يبصر الإنسان عيوب نفسه فيصلحها، وهكذا سمي العلم نورا لأنه بسببه تتجلي الأشياء للعقل، وكل كامل بنفسه مكمل لغيره يسمي نورا.ومن هنا اختلف المفسرون في المراد من النور في قوله تعالي: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ) فقيل: هو القران المجيد، وقيل: هو علي أمير المؤمنين، أو علي والأئمة من بعده، وقيل: هو الحق والهدي أو البيان والوحي، حسب اختلاف تعابير المفسرين. والحقيقة أن النور هنا ينطبق علي هذه الأقوال الثلاثة، ولا اختلاف بينها إلا في التعبير، لان القران، وعلي والأئمة، والحق والهدي، يتفق بعضها مع بعض ويؤيد بعضها بعضا، وكل منها يوصف بالنور ويسمي به بلا ريب.تفسير النور بالقران:فتفسير النور في الآية بالقران - وهو الذي ذكره اكثر المفسرين من الفريقين - ليس بغريب ولا بعيد عن الحقيقة، لان القران ينير طريق الحياة للإنسان، ويضئ له الصراط الذي يسلكه إلي طريق السعادة والكمال، وهو نور في القلوب كما ان الضياء نور في العيون، ويهتدي به الخلق في أمور الدين كما يهتدون بالضياء في أمور الدنيا.وصف النبي وأهل بيته، القران بالنور:وقد وصف القران بالنور، النبي(صلي الله عليه و آله) الذي انزل القران عليه وأهل بيته الأطهار، فقد روي العياشي في (تفسيره) ج1 ص5 بسنده عن أبي عبد الله الصادق(صلي الله عليه و آله) أنه قال بعد كلام له(عليه السلام): وقال رسول الله(صلي الله عليه و آله):القران هدي من الضلالة، وتبيان من العمي، واستقالة من العثرة، ونور من الظلمة، وضياء من الأحزان، وعصمة من الهلكة، ورشد من الغواية وبيان من الفتن، وبلاغ من الدنيا إلي الآخرة، وفيه كمال دينكمثم قال الإمام الصادق(عليه السلام): فهذه صفة رسول الله للقرآن، وما عدل أحد عن القران إلا إلي النار. ونقله عن العياشي، المجلسي في (البحار) ج92/26.وروي العياشي أيضاً (ج1ص6) عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: قيل لرسول الله(صلي الله عليه و آله): إن أمتك ستفتتن فسئل ما المخرج من ذلك فقال(صلي الله عليه و آله): كتاب الله العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت/43). من ابتغي العلم في غيره أضله الله، ومن ولي من جبار فعمل بغيره قصمه الله وهو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، فيه خبر ما قبلكم، ونبا ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل … إلي آخر كلامه. ونقله المجلسي في (البحار) ج92 ص27.وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض خطبه في وصف القران:ثم انزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوءه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشي أسقامه، وعزا لا تهزم أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانهإلي آخرها [321] .وقال(عليه السلام) في خطبة أخري:عليكم بكتاب الله فانه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع [322] ، من قال به صدق، ومن عمل به سبق [323] وقال إمامنا الحسين(عليه السلام) في دعائه بالموقف يوم عرفة [324] :الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، إلي أن قال: منزل المنافع، والكتاب الجامع، بالنور الساطع …الخ.إلي غير ذلك من أقوال النبي وأهل بيته في وصف القران(صلي الله عليه و آله) بالنور المبين، والنور من الظلمة، والنور الساطع، والنور الذي لا تطفأ مصابيحه، والسراج الذي لا يخبا توقده، فالقران نور و يجب علي الأمة اتباعه، وهذا لا ريب فيه.

تفسير النور، بأهل البيت

أما تفسير النور في الآية بعلي أمير المؤمنين أو بعلي وأبنائه الطاهرين عليهم السلام، فقد وردت فيه نصوص صريحة من طرق أهل البيت او شيعتهم. منها ما روي العياشي في تفسيره ج2 ص31 عن أبي بصير في قول الله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ). قال أبو جعفر (أي الباقر)(عليه السلام):النور علي، وجاء في (تفسير علي بن إبراهيم القمي) ج1ص242 قوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) يعني رسول الله(صلي الله عليه و آله) (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ) يعني أمير المؤمنين(عليه السلام)، ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج23 ص 309.وروي شيخنا الكليني في (أصول الكافي) ج1 ص194 باب أن الأئمة نور الله عز وجل، بإسناده عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قول الله: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)قال: النور في هذا الموضع علي أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج23 ص310، وقال الشيخ ملا محسن الفيض في (تفسير الصافي) ج1ص618: (قيل: النور القرآن، والعياشي عن الباقر (علي)، وفي الكافي عن الصادق: النور في هذا الموضع علي والأئمة). وروي ابن شهر أشوب في المناقب ج3 ص81 عن الإمام الباقر انه: قد نزل فيهم (أي في الأئمة)(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ)، وقال السيد عبد الله شبر في (تفسيره) ص185. (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ): أي مع رسالته وهو علي(عليه السلام) أو القرآن.والذي يعضد تفسير النور في هذه الآية بعلي والأئمة ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) ج2ص371 بسنده، والكليني في (الكافي) ج1 ص194 بسنده، كلاهما عن أبي خالد الكابلي انه قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) (التغابن/9). فقال:يا أبا خالد النور - والله - نور الأئمة من آل محمد(صلي الله عليه و آله) إلي يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي انزل، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض، والله يا أبا الخالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ويتولانا حتي يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتي يسلم لنا، ويكون سلما لنا، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب، أمنه من فزع يوم القيامة الأكبر. ونقله عن القمي والكليني شيخنا المجلسي في (البحار) ج23 ص308، كما رواه مختصرا ابن شهر أشوب في كتاب (المناقب) ج3 ص81 نقلا عن بي خالد الكابلي عن الباقر(عليه السلام). ورواه أيضا الطريحي في (مجمع البحرين) كتاب الراء باب ما أوله النون ص290، وعبارته: وعنه(عليه السلام) (أي الباقر) في قوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) قال: النور والله الأئمة، وهم والله ينورون في قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم.هذا وقد ذكر شيخنا الكليني في (أصول الكافي) ج1 باب أن الأئمة نور الله عز وجل، سبعة أحاديث في تفسير النور في بعض الآيات بعلي والأئمة الطاهرين من أبنائه، من ص 194 - 197. وذكر شيخنا المجلسي في (البحار) ج23 باب انهم أنوار الله وتأويل آيات النور فيهم: اثنين وأربعين حديثا من مصادر عديدة، من ص 304 - 325.طرق أحاديث خلق الله تعالي نور النبي وأهل بيته من نوره، قبل خلق الخلقومن المؤيدات لأحاديث أهل البيت -هذه- التي تفسر بعض آيات النور بعلي والأئمة بعد النبي(صلي الله عليه و آله)، وأنهم نور الله الذي انزل، ونور الله في السماوات وفي الأرض - أحاديث أخري مروية من طرق علماء المسلمين من الشيعة [325] أهل السنة، عن الصادق الأمين(صلي الله عليه و آله) في إن الله خلقه وعليا من نوره ومن نور واحد قبل خلق الخلق، وقبل خلق الدنيا وآدم بألوف السنين، وانهما كانا نورا واحدا بين يدي الله عز وجل يسبحه ويقدسه، وان هذا النور قسم جزأين فجزء رسول الله صلي الله عليه واله وفيه النبوة، وجزء علي(عليه السلام) وفيه الوصية والإمامة.واليك بعض طرق هذه الأحاديث ومن رواها من الصحابة، وبعض صورها من طرق أهل السنة.

طريق سلمان الفارسي

روي أحمد بن حنبل إمام الحنابلة المتوفي سنة (241) في كتابه (الفضائل والمناقب) ص205 مخطوط بسنده عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول:كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزأين: فجزء أنا، وجزء علي.ونقله عن احمد في (المناقب)، محب الدين الطبري الشافعي المتوفي سنة 694 في (الرياض النضرة في مناقب العشرة) [326] ج2 ص217 تحت عنوان (ذكر اختصاص علي بأنه قسيم النبي في نور كان عليه قبل خلق الخلق).ونقله عن احمد في (الفضائل) سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفي سنة 654 في (تذكرة الخواص) ص 52.وذكره عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي المتوفي سنة 655 في(شرح النهج) ج2 ص450 وقال بعد ذكر الحديث:رواه احمد في (المسند)، وفي كتاب فضائل علي(عليه السلام)، ثم قال المعتزلي:وذكره صاحب كتاب (الفردوس) المتوفي سنة (509) وزاد فيه: ثم انتقلنا حتي صرنا في عبد المطلب فكان لي النبوة، ولعلي الوصية.ورواه العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في (ارجح المطالب) ص459 وقال: أخرجه احمد في المناقب وعبد الله بن احمد بن حنبل، والخوارزمي وابن عساكر، والحمويني، ومحب الدين الطبري، وابن المغازلي عنه (أي سلمان) ولا يخفي ان في حديث احمد هذا حذفا واختصارا ظاهرا، حيث رواه غيره بنصوص فيها زيادات بها يستقيم الحديث.فقد رواه الفقيه علي بن محمد الشافعي المعروف بابن المغازلي المتوفي سنة 482، في كتاب (المناقب) بسنده عن زاذان عن سلمان قال: سمعت حبيبي رسول الله صلي الله عليه واله يقول: كنت آنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل ان يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شئ واحد حتي افترقنا في صلب عبد المطلب ففي النبوة، وفي علي الخلافة، (غاية المرام ص66).ورواه اخطب خوارزم الحنفي المتوفي سنة 568 في المناقب ص88 بسنده عن زاذان عن سلمان (وفيه عن الحديث السابق اختلاف يسير ونصه) قال: "سمعت حبيبي المصطفي محمد صلي الله عليه واله يقول: كنت آنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل مطيعا يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل ان يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فجزء أنا، وجزء علي" (من المعلوم ان التجزئة والتقسيم للنور إنما كان بعد انتقاله من صلب عبد المطلب فصار جزء في عبد الله، والأخر في أبي طالب كما سيأتي).ورواه العلامة الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 بسنده في (كفاية الطالب) ص176، تحت عنوان (في ان عليا(عليه السلام) خلق من نور النبي(صلي الله عليه و آله)) وقال بعد ذكر الحديث:هكذا أخرجه محدث الشام في (تاريخه) [327] في الجزء الخمسين بعد الثلاثمائة قبل نصفه، ولم يطعن في سنده، ولم يتكلم عليه وهذا يدل علي ثبوته.ورواه الشيخ إبراهيم الحمويني المتوفي سنة 722 في (فرائد السمطين) ص30.ورواه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 في (لسان الميزان) ج2 ص 229، وقد أخرجه ابن عساكر في (تاريخه).ورواه الحافظ الذهبي الدمشقي المتوفي سنة 748 في (ميزان الاعتدال) ج1 ص235 ولكنه بتر الحديث وحرفه ونصه فيه عن زاذان عن سلمان عن النبي قال: كنت آنا وعلي نورا يسبح الله قبل ان يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام [328] .ورواه الشيخ سلمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص10 نقلا عن ابن المغازلي، والديلمي في (فردوس الأخبار).ورواه السيد محمد صالح الكشفي الحنفي المتوفي سنة 1025 في كتابه (المناقب المرتضوية) كما في ترجمته (الكوكب الدري) ص92 وقال:خّرجه أبو المكارم.والحسن الدامغاني في كتاب (الأربعين).وشرف الدين درزيني في (نزل السائرين) والخطيب الخوارزمي في (المناقب)، والسيد علي الهمداني في (مودة القربي) وأحمد ابن حنبل في (مسنده).وجعفر الحجة في (بحر الأنساب)، والكل رواه عن سلمان.ورواه أبو الفتح محمد بن علي المعروف بالنطنزي في (الخصائص العلوية) عن سلمان ونصه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خلقت أنا وعلي من نور (واحد) عن يمين العرش، نسبح الله ونقدسه من قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم نقلنا إلي صلب عبد المطلب وقسمنا نصفين فجعل النصف في صلب أبي عبد الله وجعل النصف الآخر في صلب عمي أبي طالب فخلقت من ذلك النصف وخلق علي من النصف الآخر، وأشتق لنا من أسمائه فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلي وأخي علي، والله فاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن والحسين، فكان اسمي في الرسالة، وكان اسمه (أي علي) في الخلافة والشجاعة فأنا رسول الله، وعلي سيف الله. (أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي ص459).ورواه بهذا النص الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) ص29.

طريق أبي ذر الغفاري

أخرج ابن المغازلي عن سالم بن أبي الجعد عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول:كنت أنا وعلي نوراً عن يمين العرش بين يدي الله عز وجل يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلم نزل أنا وعلي شيئاً واحداً حتي افترقنا في صلب عبد المطلب فجزءٌ أنا وجزء علي.ونقله عن ابن المغازلي بهذا النص الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص10، وفي (غاية المرام) ص67.ونقله عنه أيضاً العلامة الشيخ عبد الله الشافعي في (المناقب) ص89 مخطوط (إحقاق الحق ج5 ص246).ورواه الشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) ص459 نقلاً:عن الديلمي في (فردوس الأخبار) وفي آخر الحديثففيَّ النبوة وفي علي الخلافة.

طريق جابر بن عبد الله الأنصاري

روي العلامة الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي المتوفي سنة 884 في (نزهة المجالس) ج2 ص186 بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال: أن الله خلقني وخلق علياً نورين (نوراً) بين يدي العرش نسبح الله ونقدسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما خلق الله آدم أسكننا في صلبه، ثم أفترق النور من عبد الله، وثلثه في أب طالب، ثم أجتمع النور مني ومن علي في فاطمة، فالحسن والحسين نوران من نور رب العالمين.ورواه العلامة محمد صالح الكشفي الحنفي في (المناقب المرتضوية) كما في ترجمته (الكوكب الدري) ص92.نقلاً عن ترجمة صحيح البخاري المسمي (بهداية السعداء).وأخرجه ص93 عن كتاب (خزانة الجلالين) وفي آخره قال:فصار نصفين، نصف إلي عبد الله ونصفه إلي أبي طالب فخلقت أنا من جزء وعلي من جزء، فالأنوار كلها من نوري ونور علي.ورواه عن (نزهة المجالس) العلامة حسن بن المولوي في كتابه (تجيز الجيش) ص107 مخطوط.وروي العلامة الفقيه ابن المغزلي الشافعي في (المناقب) - مخطوط - حديثاً آخر بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي(صلي الله عليه و آله) قال:أن الله عز وجل أنزل قطعة من نور فأسكنها في صلب آدم فساقها حتي قسمها جزئين فجعل جزء في صلب عبد الله وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيناً وأخرج علياً وصياً.ورواه عن ابن المغزلي الشيخ عبد الله الشافعي في (المناقب) صفحة 89 مخطوط (إحقاق الحق ج5 ص248 وقد نقلنا عنه الأحاديث من 5 إلي 7).ورواه بسنده العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) ص460، وقال: أخرجه الفقيه ابن المغزلي.وروي العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) صفحة 260-261 حديثاً آخر بسنده عن جابر بن عبد الله قلا: سألت رسول الله عن ميلاد علي بن بي طالب فقال: سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح: أن الله تبارك وتعالي خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم أن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (عليه السلام) في أصلاب طاهرة إلي أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتي استودعني خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله مأتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة [329] فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم، فوثب العابد فقبل رأسه ثانية ثم قال: يا هذا أن العلي الأعلي ألهمني إلهاماً، قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وه ولي الله عز وجل فلما كانت الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:يا ربَّ هذا الغسق الدجي والقـمر المـنـبـلـج الـمــضيبين لنا مــن أمرك الخفي ماذا تري في أسم ذا الصبيقال: فسمع صوت هاتف:يا أهل بيت المصطفي النبي خـصــصــتم بالولد الزكيأن أســمه من شامخ العلي عــلــي اشــتق من العلي

طريق عبدالله بن عباس

روي العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص176 بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي(صلي الله عليه و آله): خلق الله قضيباً من نور قبل ان يخلق الدنيا بأربعين ألف عام فجعله أمام العرش، حتي كان أول مبعثي فشق منه نصفاً فخلق منه نبيكم، والنصف الآخر علي بن أبي طالب.قال الكنجي: هكذا أخرجه أمام أهل الشام عن:أمام أهل العراق كما سقناه، وهو في كتابيهما.ويعني بإمام أهل الشام ابن عساكر، وبإمام أهل العراق الخطيب البغدادي. ويعني بكتابيهما (تاريخ دمشق) لأبن عساكر، و(تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي.وقد أخرج هذا الحديث بهذا النص العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) ص461 وقال: أخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخه)، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) وخرجه الزرندي [330] وشهاب الدين أحمد، والحمويني [331] ويعني بشهاب الدين (ابن حجر العسقلاني الآتي حديثه).ورواه جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفي سنة 911 في ذيل (اللئالي) ص60، نقلاً عن الخطيب البغدادي.ورواه ابن حجر العسقلاني في (لسان الميزان) ج6 ص377 ولكنه اختصره ونصه فيه: (عن ابن عباس قال: قال النبي(صلي الله عليه و آله): خلق الله قضيباً من نور قبل أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام، خلقني من نصفه وخلق علياً من نصفه).وروي الحمويني في (فرائد السمطين) ص28 حديثاً أخر بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه و آله) يقول لعلي: خلقت أنا وأنت من نور الله تعالي.ونقله عن الحمويني الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص11.وروي جمال الدين الزرندي الحنفي المتوفي سنة 750 في (نظم درر السمطين) ص79 حديثاً آخر ونصه قال: روي ابن عباس (رض) قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم سلك ذلك النور في صلبه ولم يزل ينقله من صلب إلي صلب، حتي أقره في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه دمي فمن أحبه بحق أحبه، ومن أبغضه فيبغضني وأبغضه.ورواه المحدث السيد جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الهروي المتوفي سنة (1000هـ) في كتابه (الأربعين حديثاً) مخطوط كما تقدم في (نظم درر السمطين) لكنه أسقط قوله في آخر الحديث: (لحمه لحمي، ودمه دمي)، (إحقاق الحق ج5 ص2).

طريق أبي سعيد الخدري

روي العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص176-177 بسنده عن أبي سعيد (في حديث طويل يرفعه إلي النبي(صلي الله عليه و آله) جاء في آخره): خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد (وساق الحديث إلي أن قال): فضل علي علي سائر الناس كفضل جبرئيل علي سائر الملائكة. (قال الكنجي): قلت هذا حديث حسن عال.

طريق عثمان بن عفان

روي السيد علي الهمداني في (مودة القربي) المودة الثامنة، عن عثمان عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال: خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل ان يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام. فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل شيئاً واحداً افترقنا في صلب عبد المطلب ففيّ النبوة وفي علي الوصية. (ينابيع المودة ص256).ورواه العلامة السيد المولوي المتوفي أوائل القرن الرابع عشر في كتابه (انتهاء الإفهام) ص224 كما في (إحقاق الحق ج5 ص253).

طريق أبي هريرة

روي العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي الشهير بالاخوانيات المتوفي سنة 800هـ في (الرقائق) ص300 مخطوط قال: وعن أبي هريرة) قال: كنا جلوساً عند النبي(صلي الله عليه و آله) إذ أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه فقال رسول الله: مرحباً بأخي وابن عمي خلقت أنا وهو من نور واحد. (إحقاق الحق ج5 ص253).

طريق أنس بن مالك

روي العلامة الشيخ عبيد الله الحنفي في (أرجح المطالب) صفحة 462 بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله):خلقت أنا وعلي من نور واحد يسبح الله عز وجل في ميمنة العرش، قبل خلق الدنيا، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه فلم يزل ينقلنا الله من أصلاب طاهرة حتي انتهي بنا إلي عبد المطلب فجعل ذلك النور نصفين، فجعلني في صلب عبد الله وجعل علياً في صلب أبي طالب وجعل في النبوة والرسالة، وجعل في علي الفروسة ولفصاحة وأشتق لنا أسمين من أسمائه، فرب العرش محمود وأنا محمد وهو الأعلي وهذا علي. قال:أخرجه أبو حاتم.وأبو محمد احمد بن علي العاصمي في (زين الفتي) في شرح سورة هل أتي.

طريق عبدالله بن عمر

روي أخطب خوارزم الحنفي في (المناقب) ص37 بسنده عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله(صلي الله عليه و آله) وقد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ فقال: خاطبني بلغة علي بن أبي طالب عليه السلام فألهمني أن قلت: يا رب خاطبني أنت أم علي؟ فقال: يا احمد أنا شيء لا كالأشياء لا أقاس بالناس، ولا أوصف بالأشياء، خلقتك من نوري وخلقت علياً من نورك، وأطلعت علي سرائر قلبك فلم أجد في قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك.ورواه بنفس السند والمتن في كتابه الآخر (مقتل الحسين) ج1 ص42، ونقله عن الخوارزمي الشيخ سليمان الحنفي في:(ينابيع المودة) ص82.

طريق أبي سلمي راعي أبل رسول الله

روي العلامة أخطب خوارزم الحنفي المتوفي سنة 568 في (مقتل الحسين) ج1 ص95 بسنده عن أبي سلمي راعي أبل رسول الله(صلي الله عليه و آله) قال: سمعت رسول الله يقول: ليلة أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جلَّ وعلا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) قلت: والمؤمنون قال: صدقت يا محمد من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا رب. قال: يا محمد أني أطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد، ثم أطلعت الثانية اخترت علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلي وهو علي، يا محمد أني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين وأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم علي أهل السموات وأهل الأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد لو أن عبداً من عبيدي عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم، يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب فقال لي: ألتفت عن يمين العرش فألتفت فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد ابن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلون وهو في وسطهم (يعني المهدي) كأنه كوكب دري قال: يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي أنه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي.ورواه أيضاً - بعين ما تقدم - العلامة الشيخ إبراهيم الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) مخطوط إلا أنه ذكر بدل (من سنخ نور من نوري): شبح من نوري. ونقله عن الخوارزمي، والحمويني:الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ص486 إلا إنه أسند الحديث إلي (أبي سلمي) كما في (مقتل الخوارزمي) ج1 ص95 وكذا في (فرائد السمطين) المخطوط انه أبو سلمي. راجع ترجمته في (الاستيعاب) لابن عبد البر المالكي المولود سنة 363 ج4 ص94، و(الإصابة) لابن حجر العسقلاني الشافعي المولود سنة 773 ج4 ص95، وكل منهما نص علي انه أبو سلمي، وانه راعي رسول الله(صلي الله عليه و آله) وخادمه ويقال أن اسمه حريث، ونقلاً عنه حديثاً مرفوعاً.والذي يؤيد حديث أبي سلمي هذا حديث أخر رواه شيخنا الصدوق في (عيون أخبار الرضا) بسنده عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن حمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) عن رسول الله(صلي الله عليه و آله) ومعناه ولفظه مقاربان لحديث أبي سلمي [332] .

طريق علي أميرالمؤمنين

روي أخطب خوارزم الحنفي في كتابه (المناقب) ص88.وفي (مقتل الحسين) ج1 ص55، أيضاً بسنده عن محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام) عن أبيه عن جده قال. قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله تعالي أبي آدم سلك ذلك النور في صلبه فلم يزل الله تعالي ينقله من صلب إلي صلب حتي أقره في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين قسماً في صلب عبد الله وقسماً في صلب أبي طالب فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي ودمه دمي، فمن أحبه فبحبي أحبه ومن ابغضه فببغضي ابغضه.ورواه عن الحسين بن علي عن أبيه بالنص المذكور، الشيخ عبيد الله الحنفي في كتابه (أرجح المطالب) ص459.وقال بعد ذكر الحديث: أخرجه ابن مردويه، والخوارزمي.وشهاب الدين احمد.والمطرزي.والعاصمي.ورواه بهذا النص بسندين الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) ج1 ص30 و31.وروي الشيخ عبيد الله الحنفي حديثاً آخر في (أرجح المطالب) أيضاً ص458 عن علي قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): خلقت أنا وعلي من نور واحد من قبل ان يخلق أبونا آدم بألفي عام فلما خلق آدم صرنا في صلبه، ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلي مطهرات الأرحام حتي صرنا في صلب عبد المطلب، ثم انقسمنا نصفين فصرت في صلب عبد الله وصار علي في صلب أبي طالب، واختارني بالنبوة، واختار علياً بالشجاعة والعلم والفصاحة، وشق لنا اسمين من أسمائه فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلي وهذا علي.قال: أخرجه ابن السبوع الاندلسي في كتابه الشفاء.والصالحانيوالكلاعي.والسيد محمد جعفر مكي.وإبراهيم وصابي.وروي السيد علي الهمداني في (مودة القربي) المودة الثامنة حديثاً مختصراً ونصه: علي عليه السلام رفعه: خلقت أنا وعلي من نور واحد.ثم روي عن علي(عليه السلام) عن النبي(صلي الله عليه و آله) أنه قال: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) يا علي خلقني الله وخلقك من نوره فلما خلق آدم عليه السلام أودع ذلك النور في صلبه فلم نزل أنا وأنت شيئاً واحداً ثم افترقنا من صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة والرسالة وفيك الوصية والإمامة.ونقله عن الهمداني الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص256.ونقله عن الهمداني العلامة المولوي في كتابه (انتهاء الإفهام) ص224 (إحقاق الحق ج5 ص253).دلالة أحاديث النور:هذه بعض طرق أحاديث النور المروية من طرق أهل السنة، ولها طرق أخري عندهم كثيرة [333] ، وقد مر علينا بعضها في بحث الصفة الرابعة تحت عنوان (بشائر الله لآدم بنبينا وأهل بيته) وهي مروية من طرقنا عن أهل البيت والصحابة عن النبي(صلي الله عليه و آله) بأكثر وأشهر وأشمل، فظهر من هذا ان حديث النور متواتر بمعناه قطعي الصدور عنه(صلي الله عليه و آله) وهي بمجموعها تدل وتصرح بحقائق كثيرة منها ما يلي:أن النبي(صلي الله عليه و آله) وعلياً وأهل البيت مخلوقون من نور واحد وهم نور الله عز وجل، فهم إذاً نور من أصل خلقتهم فيكون وصفهم بالنور - كتاباً وسنة - وصفاً حقيقياً لا مجازياً.ومن هنا كانت تظهر لأنوارهم العظيمة آثارها العظيمة - علي النبي وأهل بيته في كثير من الأحيان كأيام ولادتهم وغيرها عند اقتضاء الحكمة الإلهية، وظهور آثار نورهم استفاض به النقل من طق الفريقين بالنسبة للنبي وأهل بيته جميعاً.ومن هنا أيضاً كان النبي(صلي الله عليه و آله) يعبر عن أهل بيته وعن أفراد منهم بأنه(صلي الله عليه و آله) منهم وهم منه، وهذا أيضاً مستفيض بل متواتر ولا سيما بالنسبة لعلي(عليه السلام) فإن قوله(صلي الله عليه و آله):علي مني وأنا من عليلكثرة وروده في الصحاح والسنن المسانيد وكتب التفسير والتاريخ والفضائل والمناقب اكثر من أن تحصي مصادره. نعم ضبط بعض مصادره من طرق أهل السنة فقط، فضيلة الأستاذ الفقيه العلامة البارع السيد شهاب الدين النجفي دام ظله في تعليقاته النفسية الواسعة علي السفر الجليل (إحقاق الحق وإزهاق الباطل) ج5 من ص274 إلي ص317 فراجعه لتعلم تواتر هذا الحديث وشهرته، وهكذا كان(صلي الله عليه و آله) يعبر عن كريمته الزهراء كقوله(صلي الله عليه و آله):أنت مني وأنا منك [334] وعن الحسن(عليه السلام) كقوله فيه:أما الحسن فانه مني وأنا منهوأما قوله(صلي الله عليه و آله):حسين مني وأنا من حسين، فهو حديث شهير محفوظ متداول علي ألسن المسلمين. ومنتشر في كثير من المؤلفات الإسلامية، وكذلك قوله(صلي الله عليه و آله) في علي وفاطمة والحسن والحسين:اللهم أنهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهمفقد روته الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من كتب الفضائل والمناقب والتفسير [335] .والمعني الحقيقي لكونهم (صلوات الله عليهم) من النبي والنبي منهم: هو أنهم خلقوا من نوره وهو من نورهم وكلهم من نور الله عز وجل.ومما تدل عليه أحاديث النور وتصرح به أن آباء النبي وأهل بيته وأمهاتهم من آدم وحواء إلي عبد الله وآمنة والدي النبي، وأبي طالب وفاطمة بنت أسد والدي علي كانوا جميعاً مؤمنين موحدين لله عز وجل لم يعبدوا صنماً ولم يتلوثوا بأنجاس كفر الجاهلية وأنجاس الزنا والسفاح. هذا ما يستفاد من نصوص الأحاديث السابقة مثل قوله(صلي الله عليه و آله): ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلي مطهرات الأرحام، وقوله: نقلنا من صلب آدم في أصلاب طاهرة إلي أرحام زكية. وقوله: استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، وقوله: ثم نقلنا من صلب طيب وبطن طاهر، إلي غير ذلك من تعابير الأحاديث حسب ورودها، وهذا ما تقرؤه في زيارة الحسين: لم تنجسك الجاهلية بانجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها [336] .وهذا المعني أشار إليه القرآن الكريم بقوله عز من قائل مخاطباً رسوله: (وَتَوَكَّلْ عَلَي الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ(217)الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ(218)وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء/ 218-220). قال أبو جعفر الباقر: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) في النبوة، (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) في أصلاب النبيين [337] .وعن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر عن قوله عز وجل: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ). قال: يري تقلبه في أصلاب النبيين من نبي إلي نبي حتي أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم [338] .وفي (مجمع البيان) [339] للشيخ الطبرسي قال: وقيل: معناه وتقلبك في أصلاب الموحدين من نبي إلي نبي حتي أخرجك نبياً، عن ابن عباس في رواية عطاء وعكرمة، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما، قالا: في أصلاب النبيين نبي بعد نبي حتي أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم.مما دلت عليه أحاديث النور وصرحت به هو أن علياً وصّي رسول الله علي الأمة والإمام والخليفة من بعده، وهو صاحب العلم والشجاعة والفصاحة كقوله(صلي الله عليه و آله) في الأحاديث السابقة: فكان أسمي في الرسالة وكان أسمه في الخلافة، وقوله: ففي النبوة وفي علي الوصية وقوله: وجعل في النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسة والفصاحة، وقوله: اختارني بالنبوة واختار علياً بالشجاعة والعلم والفصاحة، وقوله لعلي: ففي النبوة والرسالة وفيك الوصية والإمامة.وأنت تري أن هذه نصوص صريحة لا تقبل التأويل في إمامة علي ووصايته وخلافته وأنها مجعولة له من الله العليم الخبير الذي جعل الرسالة العامة والنبوة الخاتمة في خير خلقه محمد(صلي الله عليه و آله) كذلك جعل الإمامة والوصاية والخلافة في خير الخلق بعده علي أمير المؤمنين، وأوجب علي الأمة إطاعته وإطاعة أبنائه الطاهرين وجعلها كطاعة رسوله(صلي الله عليه و آله) تماماً (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلي اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النساء/ 60) [340] .ومما صرحت به أحاديث النور ودلت عليه هو ان الله سمّي نبيه ووصيه وكريمته وابنيه واشتق جلّ وعلا أسماءهم من أسمائه كما هو صريح بعض تلك الأحاديث كقوله(صلي الله عليه و آله): واشتق لنا من أسمائه فالله المحمود وأنا محمد، والله الأعلي وأخي علي، والله فاطر وابنتي فاطمة، والله محسن وابناي الحسن والحسين، وقوله: شق لنا أسمين من أسمائه فالله محمود وأنا محمد، والله الأعلي وهذا علي، وان الله خلق نورهم قبل خلق الخلق بألوف السنين.وهذا وغيره يدل علي أنهم بمجموعهم أفضل خلق الله وخير خلقه أجمعين، ولذا خلق الخلائق بأجمعها لأجلهم، وكانوا أحب الخلق إليه كما جاءت بذلك النصوص الصريحة الثابتة من طرق الفريقين وقد مر بعضها في الفصل الثالث من هذا الكتاب.وراجع إذا شئت (إحقاق الحق) ج5 من ص266-273 من الباب الخامس في مصادر ان الله اختار من أهل الأرض النبي(صلي الله عليه و آله) وعلياً(عليه السلام) وفي الباب السابع والثامن من نفس الجزء في أن علياً أحب الخلق إلي الله بعد النبي(صلي الله عليه و آله) من ص318-468 لتتأكد أكثر.حديث نبوي مهم في هذا المقامواقرأ الحديث التالي من أحاديث النور كما رواه العلامة الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص485 نقلاً عن (المناقب) مسنداً عن علي بن موسي الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم قال: قال رسول الله (صلي الله عليه و آله): ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي: فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال: يا علي ان الله تبارك وتعالي فضل أنبيائه المرسلين علي ملائكته المقربين، وفضلني علي جميع النبيين والمرسلين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من ولدك، فأن الملائكة من خدامنا وخدام محبينا، يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلي معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون وانه تعالي منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا أله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن تعبد معه أو من دونه فقالوا: لا أله ألا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر فلا ينال مخلوقه عظم المحل إلا به. فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العزة والقوة قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا واوجبه لنا من فرض طاعة الخلق إيانا قلنا: الحمد لله لتعلم الملائكة أن الحمد لله علي نعمته، فقالت الملائكة الحمد لله، فبنا اهتدوا إلي معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتكبيره وتحميده، وأن الله تبارك وتعالي خلق أدم (عليه السلام) فأودعنا في صلبه وأمر الله الملائكة بالسجود له تعظيماً له وكان سجودهم لله عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لأمر الله لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وأنه لما عرج بي إلي السماء أذن جبرئيل مثني مثني وأقام مثني مثني ثم قال: تقدم يامحمد. فقلت:يا جبرئيل أتقدم عليك؟ فقال: نعم، أن الله تبارك وتعالي فضل أنبيائه علي ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة علي جميعهم، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر، فلما انتهيت إلي حجي النور قال لي جبرئيل تقدم يامحمد وتخلف هو عني، فقلت: ياجبرئيل في مثل هذا الموضع تفرقني؟ فقال: يامحمد أن هذا انتهاء الحد الذي الله فيه، فأن تجاوزت احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله، فزج بي النور زجه حتي انتهيت إلي حيث ما شاء الله من علو ملكه فنوديت: يامحمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فأعبد وعلي فتوكل، وخلقتك من نوري، وأنت رسولي إلي خلقي، وحجتي علي بريتي، لك كرامتي، فقلت: يارب ومن أوصيائي؟ فنوديت: يامحمد أوصيائك المكتوبون علي سرادق عرشي، فنظرت فرأيت أثني عشر نوراً وفي كل نور سطر أخضر عليه أسم وصي من أوصيائي، أولهم علي وأخرهم القائم المهدي، فقلت يارب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يامحمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحجتي بعدك علي بريتي وهم أوصيائك، وعزتي وجلالي لأطهرن الأرض بأخرهم من الظلم، ولاملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب ولأنهزنه بجندي، ولأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة. (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) [341] .تفسير النور بالهدي والحق:أما من تفسير النور - في الآية المبحوث فيها - بالهدي والحق أو الوحي والبيان كالفجر الرازي، وابن كثير الدمشقي وغيرهما من مفسري أهل السنة فأنهم يذكرون هذا بعد ذكرهم التفسير الأول وهو القرآن، ولم يسندوه إلي نص مأثور عن معصوم، بل ولا نص عن أحد الصحابة وأنما هو رأي بيديه بعض مفسريهم وربما ينسبوه إلي القيل [342] .جماع القول في المراد من النورإنا لو أمعنا النظر إلي تلك العبارات التي أهمها وأجمعها (الهدي والحق) لوجدناها شاملة ومرجعة للتفسيرين الألين وهما القرآن وأهل البيت، إذ فيهما الهدي والحق بعد النبي(صلي الله عليه و آله) بل هما المثال الكامل الجامع للهدي والحق، وهما معاً النور الذي يستضاء بتعاليمه ويهتدي بإرشاداته، الذي يلزم الأمة جميعاً أتباعه في قوله تعالي: (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ).حديث الثقلين وبعض نصوصهكما هو بنصوص نبوية كثيرة، صحيحة وصريحة، والتي منها حديث الثقلين والخليفتين المتواتر عند جميع المسلمين في لفظه ومعناه [343] .ونص الحديث كمال في رواية زيد بن أرقم: (أني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم من الأخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخالفوني فيهما).وفي رواية زيد ابن ثابت: (أني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود من السماء والأرض، أو ما بين السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي،وأنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض).وفي رواية أبي سعيد الخدري: (أني أوشك أن أدعي فأجيب، وأني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل، وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخالفوني فيهما).وفي رواية أم سلمة قالت: قال رسول الله(صلي الله عليه و آله) في مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الغرفة من الصحابة: (أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا أني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتي يردا عليّ الحوض فاسألوهما ما أختلف فيهما.وفي رواية لحذيفة بن أسيد، وزيد بن ثابت، جاء في أخر حدثيهما قوله(صلي الله عليه و آله): لا تسبقوهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فهم أعلم منكم.وإذا كان القرآن وأهل البيت وعلي بالخصوص حسب تلك النصوص هما الثقلان والخليفتان اللذان خلفهما رسول الله علي الآمة، وخلافتهما مفروضة قطعاً من الله سبحانه، وأنة الهدي والحق لن يحصلا إلا بالتمسك بهما معاً، ومهما تمسكت الأمة بهما لن تضل أبدأ، وهما الحبل المتصل بين السماء والأرض، اللذان لن يفترقا حتي يردا علي النبي(صلي الله عليه و آله) الحوض.إذا لا تحقيق التمسك الصحيح بأحدهما دون الأخر، فمن زعم أنه متمسك بالقرآن وراجع أليه في حكمه وأحكامه وهو لم يرجع إلي العترة الطاهرة بأخذ دينه أصولاً وفروعاً عنها وبإرشادها لم يكن صادقاً بزعمه هذا الرجوع إلي القرآن والتمسك به.وهكذا من زعم أنه متمسك بأهل البيت وراجع إليهم وهو لا يختلق بأخلاق القرآن ولا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ولا يقيم فرائضه لم يكن صادقاً أيضاً في الرجوع إلي أهل البيت والتمسك بهم.إذا القرآن وأهل البيت يسيران معاً جنباً إلي جنب لا يفترقان ولا يختلفان في أي أمر يذهبنا إليه، فإذا أمر القرآن بأمر كان أهل البيت السامعين المطيعين يأتمرون بأمره ويسارعون أعلي تنفيذه، وإذا ذهب أهل البيت إلي أمر من الأمور ارتضاه القرآن ووافق عليه.القرآن يرجع الأمة إلي أهل البيت(عليهم السلام):ومن هنا نري أن القرآن يشهد لأهل البيت عليهم السلام بالعصمة والتطهير الكامل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/34).وهو الذي يبين للأمة وجوب مودتهم عليها وجعلها أجراً لأداء الرسالة (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشوري/24).وهو الذي أمر الأمة أن تكون معهم، وأنهم هم الصادقون:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119).وهو الذي حصر الولاية العامة علي الأمة فيهم بعد ولاية الله ورسوله:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ) (المائدة/ 56-58).وهو الذي علي الأمة طاعتهم وجعلها مقرونة بطاعة الرسول تماماً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النساء/ 60).وهو الذي أعلن للآمة أن فيه آيات محكمة وأخر متشابهات، وحصر العالمين بتأويله - بعد الله جل ذكره - والفاصلين بين محكمه ومتشابهة في قوم راسخ علمهم، ولا يعتريه تزلزل وشك، ولا شبه وريب وهذا الوصف لا ينطبق ألا علي محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران/8).إلي غير ذلك من مئات الآيات القرآنية في شأن علي وأهل البيت وفرض ولايتهم ووجوب أطاعتهم وبيان فضلهم وتفضيلهم [344] والتي توجب علي الأمة الرجوع إليهم وأخذ علوم القرآن وأسراره وعنهم دون غيرهم ممن خالفهم وبذلك أتضح لنا أن الرجوع إلي القرآن وأتباعه لا يتحقق ألا بالرجوع لأهل البيت وأتباعهم، بشهادة القرآن نفسه تصريحاً وتلويحاً.فإذا تركنا أهل البيت جانباً مع وجود تلك الآيات النازلة فيهم [345] معناه أنا تركنا القرآن جانباً قبل تركنا لأهل البيت.لا يمكن التمسك بالعترة دون الكتاب ولا بالعكس:أما التمسك بالعترة دون الكتاب فضلال حتماً لأن العترة هم حملة علوم القرآن، وخزنته وتراجمته والعالمون بتأويله، والناطقون بفضله والحاملون الناس علي تعاليمه ونصائحه، فكيف يمكن الأخذ بأهل التأويل مع ترك التنزيل.في حين أن التمسك بالعترة دون الكتاب لا يمكن أبداً - كما لا يمكن التمسك بالكتاب دونه العترة كما علم سابقاً - لانهم لا ينطقون أل عن وحيه ولا يدلون ألا عليه، فالاعتصام بهم لا ينفك بحال عن الاعتصام بالكتاب وبالنازل منه وبالنازل عليه.ومن هنا يتضح لك السر في تفسير أهل البيت النور في الآية بعلي أمير المؤمنين تارة، وبعلي والأئمة أخري حسب النصوص السابقة عنهم تحت عنوان (تفسير النور بأهل البيت) لأنهم هم النور والمرجعون إلي نور القرآن وإلي كل نور.وصية النبي(صلي الله عليه و آله) الأخيرة بالثقلين:وهذا المعني أوضحه النبي(صلي الله عليه و آله) الذي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين - إيضاحا جلياً لا غبار عليه، وذلك لوصيته لأنصار وبعدها للمهاجرين حينما حضرته الوفاة وقد رواها السيد الجليل علي بن طاووس المتوفي سنة 664هـ [346] في كتاب (الطرف) نقلاً عن كتاب (الوصية) لعيسي بن المستفاد الضرير عن الأمام موسي بن جعفر عن أبيه(عليه السلام) أنه قال [347] : لما حضر رسول الله(صلي الله عليه و آله) الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار قد حان وقت الفراق وقد دعيت وأنا مجيب الداع، وقد جاورتهم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج النفوس، والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفي، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل، قالوا: يا رسول الله فأبن لنا بمعرفتها فلا تمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام والنعمة من الله ورسوله علينا فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلغت ونصحت وأديت، وكنت بنا رؤفاً رحيما شفيعا، فقال رسول الله(صلي الله عليه و آله) لهم: كتاب الله وأهل بيتي، العمل مع كل واحد منهما مقرون بأخري، أني أري أن لافتراق بينهما جميعاً، ولو قيس بينهما بعشرة ما انقاست. من أتي بواحدة وترك الأخري كان جاحداً للأولي ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً [348] ، فأن الكتاب هو القرآن، وفيه النور والحجة والبرهان، كلام الله جديد غض طري، شاهد عادل محكم، ولنا قائد بحلال الله وحرامه وأحكامه، يقوم غداً فيحتاج أقواماً فينزل الله به أقدامهم علي الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض، ألا وأن الإسلام سقف تحيه دعامة لا يقوم السقف إلا بها، فلو أن أحدكم أتي بذلك السقف ممدوداً ولا دعامة تحته فأوشك أن يخر عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس الدعامة دعامة الإسلام وذلك قوله تعالي:(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر/11).والعمل الصالح طاعة الأمام ولي الأمر والتمسك بحبله، أيها الناس أفهمتم؟ الله الله في أهل بيتي مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة، منهم وصيي ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسي، ألا هل بلغت، معاشر الأنصار ألا فسمعوا ومن حضر، ألا أن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي فمن هتكها هتك حجاب الله…الخ.قال: ثم جمع المهاجرين وقال لهم: أيها الناس أني قد دعيت، وأنا مجيب دعوة الداع، وقد اشتقت إلي لقاء ربي واللحوق بإخواني من الأنبياء، وأني أعلمكم أني قد أوصيت إلي وصيي، ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموالكم شيئاً…إلي أن ألتفت الناس وهو مغضب فقال: أيها الناس أسمعوا وصيتي من أمن بي وصدقني بالنبوة، وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب، وطاعته والتصديق له، فأن ولايته ولايتي وولاية ربي، قد أبلغتكم فليبلغ الشاهد منكم الغائب أن علي بن أبي طالب هو العلم فمن قصر دون العلم فقد ظل، ومن تقدمه تقدم إلي النار، ومن تأخر عن العلم يميناً هلك، ومن أخذ يسار غوي وما توفيقي ألا بالله فهل سمعتم؟ قالوا: نعم.

الخاتمة

ولنختم هذه الحلقة (قبس من القرآن) في صفات الرسول الأعظم(صلي الله عليه و آله) بآيتين من القرآن وصف الله بهما الرسول بخمس صفات وهي:كونه (شاهداً) علي أمته وعلي الناس أجمعين، فيما يعتقدون ويعملون من إيمان أو كفر، وطاعة أو معصية، ليشهد لهم أو عليهم يوم القيامة، حتي يجاز كلٌ بما أعتقد وعمل.كونه (مبشراً) يبشر من أطاع الله وأطاعه بحسن العاقبة والجنة.كونه (نذيراً) ينذر من عصي الله وعصاه بسوء العاقبة والنار.كونه (داعياً) يدعوا إلي الله من الإقرار بتوحيده وامتثال أوامره ونواهيه.كونه (سراجاً منيراً) يصدر النور من جهته - بأفعاله وأقواله وإقراره - كما يصدر الضياء من جهة السراج.(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45)وَدَاعِيًا إِلَي اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)(الأحزاب/ 46-47).تم بعون الله

پاورقي

[1] راجع كتاب: (الإمام الثائر السيد مهدي الحيدري) للباحث الجليل السيد أحمد الحسيني، ففيه ترجمة ضافية لسماحة السيد في ضمن ترجمة جده المجاهد العظيم وأعلام أسرته الكريمة والكتاب هو الثاني من (أعلام الإمامية). وقد لبي سماحة السيد الإمام الحجة المجاهد علي نقي الحيدري نداء ربه في 15 شوال سنة 1401هـ المصادف 15/8/1981م.
[2] رغب السيد علي الرضا بنشر رسالته بنصها.
[3] يحذف رقمان.
[4] تنبيه مهم للمطالعين: بما أنني معتقدٌ بأنّ البسملة آية من كل سورة وردت فيها في القرآن الكريم فإنّني ملتزمٌ في جميع مؤلفاتي أن أذكر الترقيم الكاشف عن هذه الحقيقة ولكني رأيت الأجمل أن نثبت ترقيم الآيات كما وردت في الكومبيوتر في أثناء سـرد الآية، ونثبت بعدها ترقيمنا -كما نعتقد- وبذلك جمعنا بين الأمرين، وهذا يطبّق في جميع كتبنا في المستقبل إن شاء الله.
[5] رواه شيخنا الكليني بسنده، والصدوق في (كمال الدين) بسند آخر، راجع كتاب (بشارة الإسلام) للسيد مصطفي آل السيد حيدر الكاظمي، الباب السابع ص 112.
[6] تفسير المنار 9/225.
[7] في الكافي 1/176: سئل أبو جعفر (الباقر) وأبو عبد الله (الصادق) عليهما السلام فقيل لكل منهما: جعلت فداك كيف يعلم أن الذي رأي في النوم حق وأنه من الملك؟ قال عليه السلام: يوفق لذلك حتي يعرفه (أي حتي يعرفه حق المعرفة)، ولقد ختم الله بكتابكم الكتب وبنبيكم الأنبياء.
[8] شرح ابن أبي الحديد 3/250.
[9] بحار الأنوار 18/277. [
[10] الكافي 1/174.
[11] البحار 11/32.
[12] مفاتيح الغيب 6/165.
[13] الكافي.
[14] إسماعيل صادق الوعد غير إسماعيل بن إبراهيم - راجع علل الشرائع 1/77.
[15] عيون أخبار الرضا 2/80، وعلل الشرايع 1/122.
[16] سورة البقرة: 106، ومعناها: (ما ننسخ من آية) بأن نرفع حكمها، (أو ننسها) بأن نمحو من القلوب رسمها، (نأت بخير منها) بما هو أعظم لثوابكم وأجلّ لصلاحكم (أو مثلها) من الصلاح، أي لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم (أ لم تعلم أن الله علي كل شيء قدير)، أنظر تفسير القرآن للسيد عبد الله شبر ص 56.
[17] حديث متفق عليه.
[18] تجدها في كتاب (مكارم الأخلاق) لشيخنا الجليل رضي الدين أبي نصر الطبرسي من أعلام القرن السادس، من ص 519 - 536.
[19] لبي سماحة آية الله السيد أبو القاسم الخوئي نداء ربه في.
[20] البيان في تفسير القرآن 1/28.
[21] ذكر سماحته في الذيل محادثة جرت بينه وبين حبر من أحبار اليهود تتصل بهذا الموضوع - راجعها إذا شئت.
[22] جميل قول الشيخ أبي حامد (الغزالي): (إن الشريعة أصل والملك حارس، وما لا أصل له فمهدوم وما حارس له فضائع)، وملوك الشريعة في الحقيقة وحراسها بعد النبي (ص) هم خلفاؤه الاثنا عشر، راجع قول الغزالي في كتاب (النظام السياسي في الإسلام) للشيخ باقر القرشي ص 11.
[23] بعض مصادر هذا الحديث من طرق أهل السنة: (الصواعق المحرقة) لابن حجر ص90 في الآية الرابعة من الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (الصافات: 25). الملا في سيرته - انظر (ذخائر العقبي) ص17 والمصدر السابق. (ينابيع المودة) للقندوزي ص297 , (شرف النبوة) لأبي سعيد - انظر (الصواعق المحرقة) ص141. (ذخائر العقبي) للطبري الشافعي ص17، رواه عن عمر أنَّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: (في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين) - إلي آخر الحديث. وهذا الحديث كما رواه السنة من طرقهم كذلك مروي عن أهل البيت عن طرقنا، وممن رواه من علمائنا الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين) 1/330 عن جعفر بن محمد (الصادق) عن آبائه عليهم السلام أن النبي(صلي الله عليه و آله) قال: (إن في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وإن أئمتكم وفودكم إلي الله عز وجل فانظروا من تقتدون في صلاتكم ودينكم).
[24] الأبيات من قصيدة في السجاد وأهل البيت (عليهم السلام) للشيخ إبراهيم بن يحيي العاملي- انظر كتاب (الإمام زين العابدين) للمقرم ص32.
[25] قال ابن الجوزي ما نصه: (إن الله لا يخلي الأرض من قائم له بالحجة، جامع بين العلم والعمل، عارف بحقوق الله تعالي، خائف منه، فذلك قطب الدنيا) - مفكرة التقويم العربي الحديث لسنة 1968. في 21 كانون الثاني الموافق 20 شوال 1387، لصاحبها سامي الأعظمي.
[26] يوم الدحو هو كما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام - هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة الحرام، وهو من الايام المباركة والمفضلة، ويستحب قيام ليله وصيام نهاره شكراً لله تعالي علي ما أنعم فيه علي عباده. روي شيخنا الكليني في الكافي بسنده عن محمد بن عبد الله الصقيل قال: خرج علينا أبو الحسن - يعني الرضا (ع) - بمرو في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة فقال: صوموا فإني أصبحت صائماً. قلنا: جعلنا فداك أي يوم هو؟ قال: يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم صلي الله عليه - الحديث، راجع مفتاح الجنات 3/337. وقد ذكرنا في بعض محاضراتنا الدينية في المجالس الحسينية فضل شهر ذي القعدة وما وقع فيه من الحوادث والذكريات الإسلامية في بحوث قوله تعالي في سورة التوبة/ 37: (عن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم).
[27] علل الشرائع ج1 ص125.
[28] مجمع البيان 4/287.
[29] المقصود: قبل إرساله بالنبوة.
[30] حديث نبوي متفق عليه.
[31] سورة الإسراء: 89، والظهير هو المعين، مأخوذ من الظهر، كالرئيس من الرأس والضمير في قوله تعالي (بمثله) عائد علي القرآن.
[32] المؤودة هي البنت المدفونة حية، وقد كان عرب الجاهلية يفعلون ذلك لإيثارهم الذكر علي الانثي، بل كانوا يرون وجود البنت عاراً عليهم، كما أخبر جل وعلا موبخاً لهم بقوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالانثَي ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَي مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَي هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)(سورة النحل/ 59 - 60)، وقد نقم الله عليهم وأدهم للبنات أيضاً بقوله عز وجل: (وَإِذَا الْمَؤُْودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (سورة التكوير/ 10 - 11).
[33] - وهي التي خطبتها بمسجد أبيها رسول الله (ص) بمحضر من المهاجرين والانصار وغيرهم فقالت: (وكنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونزهة الطامع، وقبسة العجلان وموطئ الاقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالي بأبي محمد صلي الله عليه وآله بعد اللتيا والتي …) وأما سبب الخطبة ومصادرها فإليك تفصيلها: لما منعت فاطمة الزهراء(عليها السلام) فدكاً بعد وفاة أبيها رسول الله(صلي الله عليه و آله) خطبت خطبة طويلة عظيمة جليلة في غاية الفصاحة والبلاغة والمتانة وقوة الحجة، حيث أقامت علي إرثها آيات محكمات، هن أم الكتاب حججاً لا ترد ولا تكابر. قال علي بن عيسي الاربلي في كتابه (كشف الغمة) ج2 / 105: (فإنها من محاسن الخطب وبدائعها، عليها مسحة من نور النبوة، وفيها عبقة من أرج الرسالة). وقد رواها علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنة بطرق عديدة، وإليك بعض مصادرها من طرق أهل السنة: 1- رواها أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور المولود ببغداد سنة 204 والمتوفي سنة 280 في كتابه (بلاغات النساء)، رواها من طرق ثلاثة: الطريق الاول والثاني: (ص12) عن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام وأنه قال: رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه (أي كلام فاطمة) عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم وقد حدثنيه أبي عن جدي يبلغ به فاطمة علي هذه الحكاية…ثم قال: وقد حدث به الحسن ابن علوان عن عطية العوفي أنه سمع عبد الله بن الحسن يذكره عن أبيه، ثم ذكر الخطبة علي رواية زيد الشهيد عن أبيه عن جده، وعن عبد الله المحض بن الحسن المثني بن الحسن السبط فراجع. والطريق الثالث: (ص 14) قال: حدثني جعفر بن محمد، رجل من أهل ديار مصر لقيته بالرافقة، قال حدثني أبي، قال: أخبرنا موسي بن عيسي، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: أخبرنا جعفر الاحمر، عن زيد بن علي رحمة الله عليه، عن عمته زينب بنت الحسين، قالت: … (وذكر الخطبة بطولها ثانية إلي ص19، فراجع)، والظاهر أن المراد من زينب بنت الحسين عني فاطمة الكبري بنت الحسين، الملقبة بزينب الصغري، راجع معالي السبطين ص 127. 2- ورواها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه (السقيفة) بأسانيده من عدة طرق، عن زينب بنت علي بن أبي طالب وعن الامام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر، وعن عبد الله المحض بن الحسن المثني بن الحسن السبط أنهم قالوا جميعاً: لما بلغ فاطمة … الخ. (راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج4 / 78 ط.دار الكتب العربية بمصر). ثم رواها عن محمد بن زكريا، عن محمد بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن عوانة بن الحكم، قال: لما كلمت فاطمة أبا بكر بما كلمته به، وذكر جواب أبي بكر لها … ورواها عن عمر بن شيبة المتوفي سنة 202 عن رجاله: (كشف الغمة ج2 / 106). 3- ونقلها ابن أبي الحديد في شرح النهج عن مصادر عديدة، ومنها المصادر السابقة الموثوقة عنده حتي أنه قال ما نصه: الفصل الاول: فيما ورد من الاخبار والسير المنقولة من أفواه أهل الحديث وكتبهم، لا من كتب الشيعة ورجالهم، لاننا مشترطون علي أنفسنا أن لا نحفل بذلك. وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في (السقيفة). ثم قال: وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الادب، ثقة، ورع، أثني عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته … الخ، ثم روي الخطبة عنه بالمصادر السابقة. 4- ورواها سيدنا المرتضي علم الهدي في كتابه (الشافي) الذي هو رد علي (المغني) لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي من طرق أهل السنة حيث قال: فقد روي أكثر الرواة الذين لا يتهمون بالتشيع ولا عصبية فيه من كلامها في تلك الحال، وبعد انصرافها عن مقام المنازعة والمطالبة، ما يدل علي ما ذكرناه من سخطها وغضبها … (ثم ساق الخطبة) فقال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدثني محمد بن أحمد الكاتب، قال: حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال: حدثني الزيادي، قال: حدثنا الشرقي بن القطامي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: (لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر علي منعها فدكاً لاثت خمارها علي رأسها، واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها …). (قال المرتضي: وأخبرنا المرزباني، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا أبو العيناء بن القاسم اليماني، قال: حدثنا بن عائشة، قال: لما قبض رسول الله(صلي الله عليه و آله) أقبلت فاطمة إلي أبي بكر في لمة من حفدتها …). ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا، ثم ذكر الخطبة، وقال بعد ذكرها: وقد روي هذا الكلام علي هذا الوجه من طرق مختلفة ووجوه كثيرة، فمن أرادها أخذها من مواضعها. (شرح النهج ج4 / 93). 5- ورواها موفق بن أحمد، أخطب خوارزم، الحنفي المتوفي سنة 568 في كتابه (مقتل الحسين) ص77 بسنده عن عروة عن عائشة. 6- ورواها سبط بن الجوزي الحنفي في كتابه (تذكرة الخواص) ص327 قال: قال الشعبي: لما منعت فاطمة ميراثها، لاثت خمارها … الخ. 7- وأشار إليها الزمخشري الحنفي في كتابه (الفائق) ج2 / 231 في باب اللام مع الميم، قال: (وفي حديث فاطمة رضي الله تعالي عنها أنها خرجت في لمة من نسائها تتوطأ ذيلها حتي دخلت علي أبي بكر …). 7- وأشار إليها أيضاً ابن الاثير الجزري في كتابه (النهاية) ج4 / 72 في باب اللام مع الميم. 8- وأشار إليها عبد الرحمن بن عيسي الشافعي المتوفي سنة 320هـ في كتابه (الالفاظ الكتابية) وقد استشهد في طي كتابه هذا ببعض كلمات الزهراء في خطبتها التي ألقتها علي أبي بكر، وعلي الصحابة في عدة مناسبات، ومن جملتها ما في ص65 قال: (وقالت فاطمة رضي الله عنها للانصار! أنتم حضنة الإسلام واعضاد الملة …). اقرأ الخطبة كاملة علي رواية عبد الله المحض بن الحسن المثني بن الحسن السبط عن آبائه في كتاب (الاحتجاج) لشيخنا الطبرسي ج1 / 131 - 146 لتعرف ما كان يومئذ بينها وبين القوم.
[34] الميزان في تفسير القرآن 1/57 (بتصرف).
[35] القباطي: الثياب القبطية، كان يكتب عليها أيام الجاهلية، تنسب إلي بلاد القبط، ومنها ماريا القبطية أم المؤمنين.
[36] العمدة لابن رشيق 1/78 - نقلناه عن البيان في تفسير القرآن ص25.
[37] قال تعالي: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا). (النساء/ 83).
[38] نهج البلاغة.
[39] البيت من قصيدة حكمية لشاعر أهل البيت الشيخ حسن الدمستاني، توجد في الدر النضيد ص174.
[40] راجع إذا شئت الجزء الخامس عشر من (البحار) للمجلسي باب 2 البشائر بمولده ونبوته من الرسل والأنبياء والأوصياء وغيرهم من سائر الخلق ص174 - 248. وقد ذكر شيخنا المجلسي في هذا الباب بعض الآيات القرآنية المبشرة بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم، وهي سبعة عشر آية مع تفسـيرها، ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة في البشائر وهي (60) حديثاً، وذكر في ضمنها من بشر وآمن به صلي الله عليه وآله وسلم قبل بعثته كتبع الأول وكعب بن لؤي بن غالب وقس بن ساعدة الأيادي وبحيراء الراهب وسيف بن ذي يزن وغيرهم، كما ذكر أيضاً بعض من بشر به، وطبق البشائر عليه صلي الله عليه وآله وسلم في الجزء المذكور الباب الثاني (تاريخ ولادته وما يتعلق به). وراجع كتاب (المناقب) لمحمد بن علي المعروف بابن شهراشوب المتوفي سنة 588هـ الجزء الأول باب ذكر سيدنا رسول الله (ص)، وفي أول هذا الباب فصل في البشائر بنبوته ص13 - 23، وشيخنا الصدوق في (كمال الدين) 1/265 - 307، وهكذا تجد البشائر بنبوته متواترة منتشرة في كتب التفسير والحديث والتاريخ لسائر المسلمين.
[41] روضة الكافي ص101 ط النجف، ونقل عنه المولي محسن الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي عند تفسير الآية 3/617.
[42] عقيدة التثليث عند النصاري هي أولاً يدعي ويقول جمهورهم من الملكانية واليعقوبية والنسطورية ثلاثة أقانيم جوهر واحد الأب والابن والروح القدس، ويقولون أيضاً الأب إله والابن إله وروح القدس إله، وهذه الثلاثة إله واحد، ويقولون أيضاً: الابن ليس هو الأب. ويلزمهم من مجموع هذه الدعاوي الباطلة والأقوال المتناقضة أن تكون ثلاثة آلهة، في حين هم ينكرون أنهم يقولون إن الآلهة ثلاثة بل الكل إله واحد، والحال هذا القول - أي الآلهة الثلاثة - يلزمهم حتماً، وهو معلوم البطلان ببداهة العقل، بل مما يستنكف العقل عن تعقله، إذ أن الثلاثة لا تكون واحداً والواحد لا يكون ثلاثة، فكانوا بهذا القول المتناقض قد أشركوا بالله تعالي وكفروا به. ولذا ذكر بعض الدعاة من النصاري أن مسألة التثليث من المسائل المأثورة من مذهب الأسلاف التي لا تقبل الحل بحسب الموازين العلمية. ويجب علي هذا الداعي أن يطالب بالدليل علي كل دعوي تقرع سمعه، سواء كانت من دعاوي الأسلاف أو من دعاوي الإخلاف، وإلا يرجع عن تلك الدعوي ويبرأ منها بعد علمه وإقراره أنها لا تقبل الحل بحسب الموازين العلمية، وقد رد الله تعالي عليهم هذه الدعوي وتوعدهم علي عدم الانتهاء عنها بالعذاب الأليم بقوله عز من قائل: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة المائدة/ 74). هذا أولاً في عقيدتهم التثليثية، وثانياً اتخذ كثير من جماهير النصاري المسيح إلهاً وأمه إلهة والله ثالث الثلاثة، وقد أشار القرآن المجيد إلي هذا المعني بقوله حاكياً خطابه لعيسي في يوم القيامة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (سورة المائدة/117). واتخاذ النصاري عيسي إلهاً معلوم مصرح به عندهم، حتي أنهم كتبوا علي كتبهم المقدسة بزعمهم هذه العبارة (كتاب العهد الجديد لربنا ومخلصنا يسوع المسيح)، فيسوع المسيح عندهم رب وإله، تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً. وأما اتخاذهم أمه إلهة لأنهم يعبدونها ويخضعون لها بصلاة ذات دعاء وثناء واستغاثة، وصيام ينسب إليها ويسمي باسمها، وكل ذلك يقرن بالخضوع والخشوع لذكرها وصورها وتماثيلها، ويصرحون بوجوب العبادة لها، ولكنهم لا يطلقون كلمة (إله) عليها بل يسمونها (والدة الإله). راجع تحقيق ذلك من طرقهم في تفسير المنار 7/263.
[43] مجمع البيان 5/280، وقد نص علي صحة الحديث وقال بعد ذكره: أورده البخاري في الصحيح ونقله أيضاً محمد دروزة في التفسير الحديث 8/217.
[44] مجمع البيان 5/280، وتفسير الفخر الرازي 8/144.
[45] قال ابن عباس في سبب نزول هذه الآية: أن اليهود كانوا يستفتحون - أي يستنصرون - علي الأوس والخزرج برسول الله قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب لم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون به، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن أبي البراء وداود بن سلمة: يا معشر اليهود اتقوا الله واسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم أحد يهد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم. فأنزل الله "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ" الآية. ذكر هذا الحديث شيخنا الطبرسي في مجمع البيان 1/158، والسيد الطباطبائي في الميزان 1/226. والسيوطي في الدر المنثور 1/88، وقال: اخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس. وروي السيوطي في سبب نزول الآية روايات عديدة يؤيد بعضها بعضاً، ومنها ما في الدر المنثور 1/88: اخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: كانت يهود بني قريضة والنضير من قبل إن يبعث محمد (ص) يستفتحون الله ويدعون علي الذين كفروا ويقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلا نصرتنا عليهم فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا - يريد محمداً(صلي الله علي و آله) - ولم يشكوا فيه كفروا به.
[46] امالي الصدوق ص279، واختصرها الفيض الكاشاني في الصافي 3/617.
[47] الصخاب صيغة مبالغة، من (الصخب) بالتحريك، وهو شدة الصوت، من تصاخب القوم تصايحوا وتضاربوا، والصخب الصيحة واضطراب الأصوات عند المخاصمة. وفي الحديث "إياك أن تكون مصاخباً". ومترين من ران أي تغلب، والمراد أن نبينا لا يتغلب عليه. الفحش وقول الخناء، والحنا مرادف للفحش.
[48] راجع مصادر هذا الحديث الشريف في كتاب احقاق الحق 5/132-243.
[49] سورة الفتح/ 24. وراجع البحار ج23 باب (الاضطرار إلي الحجة) وباب آخر في اتصال الوصية ص1-65.
[50] سنذكر بعض النصوص النبوية علي أسماء خلفائه وألقابهم الشريفة فيما بعد أن شاء الله تعالي.
[51] راجع قول ابن الجوزي، وقد ذكرناه في آخر بحوث الصفة الأولي والثانية في الذيل.
[52] سورة الأنفال/ 25. والآية الكريمة في تعبيرها عامة في كل ما دعا إليه الرسول(صلي الله علي و آله) مما به الحياة السعيدة في الدارين ومما يلائم الفطرة السليمة من علم نافع وعمل صالح، ومن جملة ما دعا إليه(صلي الله علي و آله) وحث الأمة عليه ولاية علي(عليه السلام) وأهل بيته من بعده. ويروي لنا بعض المفسرين، والمحدثين من الشيعة وأهل السنة عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام أن الآية الكريمة نزلت في ولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ونكتفي من ذلك بروايتين: أحدهما: يرويها شيخنا الكليني في روضة الكافي ص208 بسنده عن أبي الربيع الشامي قال. سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"؟ قال: أنزلت في ولاية علي عليه السلام. ونقلها عنه صاحب تفسير الميزان 9/59. الثانية: رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه في المناقب وصححها بإسناده مرفوعاً إلي الإمام الباقر عليه السلام إن هذه الآية قد نزلت في ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (انظر مناقب مرتضوي للعلامة محمد صالح الكشفي الترمذي ص56).
[53] هذا الحديث الشريف من الأحاديث الشهيرة المستفيضة المروية من طرق الشيعة وأهل السنة، وإليك بعض مصادره من طرق أهل السنة، من رواه مسنداً منهم ومن أرسله إرسال المسلمات: حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الاصفهاني المتوفي سنة 420، 1/86. اخرجه بسنده عن ابن عباس لكنه ذكر بدل قوله "بأهل بيتي من بعدي" الأئمة من بعدي، وذكر بدل قوله "فهمي وعلمي" فهماً وعلماً. كنز العمال لعلي المتقي الهندي الحنفي، أخرجه بسنده عن ابن عباس برقم 3819، ج 6/ 207. المعجم الكبير للطبراني الشافعي المتوفي سنة 310 (المصدر السابق). منتخب كنز العمال للهندي الحنفي المطبوع بهامش مسند أحمد ابن حنبل 5/94. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 2/450 نقله عن الحلية بلفظ صاحب الحلية. فرائد السمطين للعلامة الحمويني المتوفي سنة 722، أخرجه بسنده عن ابن عباس بلفظ صاحب الحلية في الباب 5 ص41. ينابيع المودة للشيخ الحنفي في الباب 43 ص126، روي الحديث عن الحمويني بلفظ صاحب الحلية لكنه ذكر بدل قوله (بالأئمة من بعدي) بالأئمة من ولده من بعده. وذكره أيضاً في باب 59 ص313. مفتاح النجا للعلامة البدخشي ص60 مخطوط، وقد أخرجه عن الطبراني في الكبير والرافعي في مسنده (انظر إحقاق الحق 4/112). مسند الرافعي (كنز العمال 6/ 217 ومفتاح النجا 60). تاريخ بغداد للحافظ الخطيب البغدادي 4/410.
[54] بعض مصادر هذا الحديث من طرق أهل السنة، وله عندهم فيما وقفنا عليه طريقان: طريق زياد بن مطرف الصحابي، وطريق من جهة أهل البيت عن الحسين عليه السلام. كنز العمال الهندي الحنفي ج 6/ 155 برقم 2578، وقد أخرجه بسنده عن زياد بن مطرف الصحابي. منتخب كنز العمال له أيضاً ج 5/32. الإصابة لابن حجر العسقلاني بترجمة زياد بن مطرف 1/541، وقد: أخرجه عن مطين. والبارودي. وابن جرير. وابن شاهين. وابن مندة. وعلق علي الحديث ابن حجر العسقلاني بقوله: في إسناده يحيي بن يعلي وهو واه. وأجاب علي تعليقه هذا سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين قدس الله روحه في المراجعات ص56 بأن: هذا غريب من مثل العسقلاني، فأن يحيي بن يعلي المحاربي ثقة بالاتفاق، وقد أخرج له البخاري في عمرة الحديبية من صحيحه وأخرج له مسلم في الحدود من صحيحه أيضاً، وأرسل الذهبي في الميزان توثيقه إرسال المسلمات، وعده الإمام العسقلاني وغيره ممن احتج به الشيخان وغيرهما. منتخب ذيل المذيل لمحمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 بسنده عن زياد بن مطرف (إحقاق الحق ج4/ 107). الكوكب الدري للسيد محمد صالح الحنفي ص111 بسنده عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من أحب أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدي ومصابيح الدجي من بعده، فأنهم لن يخرجوكم من باب الهدي إلي باب الضلالة" (مقام أمير المؤمنين للشريف العسكري ص61-62). المناقب للحافظ أخطب خوارزم الحنفي المتوفي سنة 568 ص34، وقد خرجه بسنده عن أبي جعفر محمد الباقر عن أبيه علي ابن الحسين سيد العابدين عن أبيه الحسين بن علي الشهيد قال: سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه يقول: " من أحب أن يحيا حياتي" الحديث، كما نقله محمد صالح الحنفي فيما تقدم إلا أن فيه زيادة "وأهل بيته الطاهرين" بعد كلمة "وذريته". ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي باب 43، خرج الحديث كما تقدم عن الخوارزمي الحنفي. وأخرجه أيضاً عن زياد بن مطرف نقلاً عن الإصابة لابن حجر العسقلاني ص126-127. وأخرجه أخطب خوارزم الحنفي في مقتل الحسين ج1/3.
[55] بعض مصادر هذا الحديث من طرق أهل السنة: مستدرك الصحيحن للحافظ النيسابوري المتوفي سنة 405 ج3/128، أخرجه عن زيد بن أرقم وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (أي البخاري ومسلم). كنز العمال للهندي الحنفي ج6/155 برقم 2577 بسنده عن زيد بن أرقم أيضاً، وقد نقله عن مستدرك الحاكم وعن حلية الأولياء. وعن المعجم الكبير للطبراني الشافعي المتوفي سنة 310. منتخب الكنز له أيضاً 5/32. حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني 1/86، وقد أخرجه عن حذيفة بهذا النص: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من سره أن يحيي حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده (يريد القدرة الإلهية) ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي ابن أبي طالب من بعدي". ثم رواه بسند آخر عن زيد بن أرقم. ورواه ثالثاً عن السدي عن زيد بن أرقم أيضاً. ورواه عن ابن عباس، ورواه 4/176 عن حذيفة. ونقله عنه ابن أبي الحديد 2/449، وعن: كتابي مسند أحمد بن حنبل المتوفي سنة 241. وكتاب فضائل علي بن أبي طالب له أيضاً (المعروف بالمناقب). كفاية الطالب لفقيه الحرمين العلامة الكنجي الشافعي المتوفي سنة 658 ص27 الباب التاسع، وقد رواه بسنده عن حذيفة بلفظ أبي نعيم المتقدم. ميزان الاعتدال للحافظ الدمشقي 1/151 (إحقاق الحق 4/106). لسان الميزان لابن حجر العسقلاني 2/34 (المصدر السابق). الكواكب الدرية للعلامة عبد الرؤف المناوي 1/44 بلفظ أبي نعيم (المصدر السابق). مفتاح النجا للعلامة البدخشي ص60 مخطوط بلفظ أبي نعيم (المصدر السابق). ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي باب 43 عن زيد بن أرقم 126. وعن أبي سعيد الخدري بتغيير في بعض ألفاظ الحديث (المصدر السابق)، وقد أخرجه عن أحمد في مسنده وأبي نعيم في حليته. فرائد السمطين للحمويني الشافعي باب 5 ج1/43 عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم.
[56] روي هذا الحديث السيد علي بن شهاب الهمداني في كتابه مودة القربي في المودة 10 عن زيد بن حارثة، ونقله عنه الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ص258.
[57] - روي الشيخ الجليل أبو الفتح الكراجكي في كتاب كنز الفوائد بسنده عن عبد الأعلي بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط إلا بمعرفة حقنا وتفضيلنا علي سوانا (البحار 18/ 299).
[58] راجع ما ورد في تفسيرها من طرق الشيعة البحار ج36 الباب 39 في سائر الآيات النازلة في أمير المؤمنين (ع) ص154-157 وراجعه أيضاً ج15/247 فأن فيه عن الجارود بن المنذر العبدي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنه قال للجارود: يا جارود ليلة أسري بي إلي السماء أوحي الله عز وجل إلي أن سل من رسلنا من قبلك من رسلنا علي ما بعثوا؟ فقلت: علي ما بعثتم؟ قالوا: علي نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما. ثم أوحي إلي أن ألتفت عن يمين العرش، فألتفت فإذا علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهـدي في ضحضاح من نور يصلون، فقال الرب: هؤلاء الحجج لأوليائي وهذا المنتقم من أعدائي. قال الجارود: فقال سلمان: يا جارود هؤلاء المذكورون في التوراة والإنجيل والزبور - الحديث. روي المجلسي هذا الحديث عن كتاب (مقتضب الأثري في النص علي الأئمة الاثني عشر) لمؤلفه أحمد بن محمد بن عياش، وفي الذيل للناشر عّين رقم الصفحة 37-43 من المقتضب. قال: أخرجه أيضاً الكراجكي في كنز الفوائد ص256-258، ونقله المجلسي أيضاً عن الكراجكي في باب المعراج ج 18/ 293. قول: وهو حديث طويل يتضمن بشارة قس بن ساعدة الايادي ونقلنا لك آخر الحديث الذي فيه تفسير النبي (ص) للآية الكريمة (واسأل من أرسلنا). وراجع البحار أيضاً 38/ 41-62 الباب 58 1ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في الكتب السماوية وما بشر السابقون به وبأولاده المعصومين عليهم السلام، حيث ذكر في هذا الباب ثلاثة عشر بشارة بنبينا وأهل بيته مما رواه الفريقان، ومنها ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/ 288-289 من قصة الراهب وإسلامه علي يد أمير المؤمنين وما أخرج له من الكتاب الذي فيه بشارة الله تعالي لعيسي وأمته بنبينا ووصيه علي أمير المؤمنين وصفاته، وأن علياً لما قرأ ذلك الكتاب بكي وقال(عليه السلام) الحمد لله الذي لم كن عنده منسياً، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار - الخ.
[59] الآلهة الموهومة المطاعة بغير أذن الله تعالي كثيرة: منها - رؤساء الضلال، قال تعالي أمراً باجتناب عبادتهم: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" (سورة النحل/36). ومنها - الأحبار والرهبان بالنسبة إلي اليهود والنصاري، قال تعالي "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (سورة التوبة/31). ومنها - الشيطان الذي عهد الله لبني آدم كافة النهي عن عبادته (أي أطاعته)، قال تعالي "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (سورة ياسين/60). ومنها - هوي النفس الأمارة بالسوء، قال تعالي "أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا" (سورة الفرقان/43). وصلوات الله علي الحسين حيث يقول معبرا عن اكثر الناس: " الناس عبيد الدنيا والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون". وصدق الله حيث قال: "وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَي حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَي وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (سورة الحج/11).
[60] سورة المائدة/ 54. راجع تفسير الآية والتحقيق حولها الميزان في تفسير القران 5/ 419 - 440.
[61] دلائل الصدق 2/109.
[62] تقدمت برقم 14.
[63] راجع تفسير العياشي 1/41، والبحار 11/95 نقلاً عن الكافي للكليني، والميزان 1/149 نقلاً عن الكليني أيضاً، وعيون أخبار الرضا 1/306، ومعاني الأخبار ص42 (كما في البحار 11/193)، وتفسير التبيان 1/169، ومجمع البيان 1/89، وكشف اليقين (البحار 11/175)، وقصص الأنبياء للراوندي (المصدر السابق 181). هذا وقد ذكر شيخنا المجلسي في البحار ج11 مصادر أخري من مصادرنا في تفسير الكلمات في الآية بتوسل آدم عند توبته بالخمسة الأطهار، كما ذكر بعض المصادر لذلك فيه أيضاً 44/245.
[64] ينابيع المودة، الباب 23، ص97 وص 238.
[65] الغدير ج7/300، أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي ص320.
[66] نزهة المجالس ج2/186.
[67] إحقاق الحق ج2/77.
[68] الدر المنثور ج1/60.
[69] الدر المنثور ج 1 / 60.
[70] إحقاق الحق ج3/78.
[71] الدر المنثور ج 1 / 60.
[72] المصدر نفسه.
[73] كنز العمال ج1/ 234.
[74] ينابيع المودة، الباب 24، ص97 و ص 238.
[75] إحقاق الحق ج9/102.
[76] إحقاق الحق ج9/102.
[77] إحقاق الحق ج9/102.
[78] إحقاق الحق ج9/102.
[79] ينابيع المودة ص97. وروي هذا الحديث شيخنا الصدوق في (معاني الأخبار) ص42، وفي كتابه (الخصال) في أبواب الخمسة، كما في (البحار) ج1/ 177، ورواه الصدوق أيضاً في (كمال الدين) ج2/ 28، ورواه السيد نعمة الله الجزائري في كتابه (النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين) ص91. وتمام الحديث: "قال المفضل: فقلت: يا بن رسول الله فأخبرني عن قول الله: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (الزخرف/29)، قال يعني الإمامة وجعلها الله في عقب الحسين إلي يوم القيامة".
[80] ينابيع المودة، الباب 56، ص238.
[81] ذكر هذا الحديث شيخنا المجلسي في (البحار) ج35/ 19 نقلاً عن كتاب (الروضة)، وكذلك في (روضة الواعظين) وفيه: "أبو الطفيل عامر بن واثلة"، ولعله هو الأصح.
[82] إحقاق الحق، ج5/ 11.
[83] هذه الحقائق أثبتتها الأخبار والأحاديث المتواترة من طرق الفريقين، كما قرأت في الأحاديث الماضية. وسنقرأ الأحاديث الصريحة في ذلك، والمؤيدة بالاكتشافات لآثار سفينة نوح - كما سيجيء قريباً - كما أن العقل لا يمنع ولا ينكر هذه الحقائق الثابتة لهم صلوات الله عليهم.
[84] فرائد السمطين ج1/25، وأرجح المطالب ص461.وهذا الحديث الشريف معروف بحديث الأشباح، وهو من الأحاديث الشهيرة عند الفريقين (السنة والشيعة) وقد نص علمائنا علي صحته لرواية الثقاة له، وإليك ما علق عليه شيخنا المفيد المتوفي سنة 413 هـ في رسائله المعروفة بـ (رسائل الشيخ المفيد) حيث قال في 44 ما نصه: (والصحيح في حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثقاة بأن آدم عليه السلام رأي علي العرش أشباحاً يلمع نورها، فسأل الله عنها آدم الله إليه أنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأعلمه أن لولا الأشباح التي يراها ما خلقه ولا خلق سماءً ولا أرضاً. والوجه فيما أظهره الله من الأشباح والصور لآدم عليه السلام ليدلّه علي تعظيمهم وتبجيلهم، وجعل ذلك إجلالاً لهم ومقدمة لما يفرضه من طاعتهم، ودليلاً علي أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم. ولم يكونوا في تلك الحال صوراً مجيبة ولا أرواحاً ناطقة، لكنها كانت صوراً علي مثل صورهم في البشرية يدل علي ما يكونون عليه في المستقبل من الهيئة والنور، والذي جعله عليهم دليلاً علي نور الدين بهم وضياء الحق بحججهم. وقد روي ان أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك علي العرش، وأن آدم لما تاب إلي الله وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه. وهذا غير منكر في العقول ولا مضاد للشرع المنقول. وقد رواه الثقاة المأمونون، وسلم لروايته طائفة الحق، فلا طريق إلي إنكاره والله ولي التوفيق).
[85] غاية المرام، الباب الأول ص7.
[86] غاية المرام للسيد هاشم البحراني، الباب 107، ص393.
[87] لسان الميزان، ج3/ 346.
[88] ينابيع المودة، باب 56، ص259.
[89] المصدر السابق.
[90] نزهة المجالس، ج2/ 180.
[91] المناقب ص227.
[92] وليد الكعبة، الكتاب الثامن من منشورات مكتبة أهل البيت العامة ببغداد، ص74. وقد وردت القافية في المصدر مفتوحة بلا ألف.
[93] عيون أخبار الرضا، ج1/ 306.
[94] ص42.
[95] بحار الأنوار، ج11/164.
[96] المجلس 43 ص151.
[97] المجلس 39، ص131.
[98] ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) ج1/54، وصاحب كتاب (جامع الأخبار) ص8، ونقله عنهم المجلسي في (البحار) ج16/ 366.
[99] تفسير القمي ج2/ 73. ورواه السيد الجزائري في (قصص الأنبياء) ص82. [
[100] المراد من الذكر لله هو ذكره سبحانه عندما أحل وحرم، راجع (البحار) ج93/ 151، باب ذكر الله تعالي. قال تعالي: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" (الأعراف/202).
[101] هنا سقط، حيث نقل هذا الحديث المجلسي في (البحار) ج16/ 361 نقلاً عن (معاني الأخبار) لشيخنا الصدوق ص20 وفيه: (إن مثل أهل بيته فيمن خلقت).
[102] المصدر السابق ج1/ 354.
[103] كما روي أيضاً في ص144 توسل يوسف إلي الله - وهو في السجن - بمحمد وأهل بيته (ع) عن قصص الراوندي بإسناده عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: ولما كان يوسف في السجن، دخل عليه جبرئيل فقال: أن الله ابتلاك وابتلي أباك، وان الله ينجيك م هذا السجن، فأسأل الله بحق محمد وأهل بيته أن يخلصك مما أنت فيه. فقال يوسف: اللهم إني أسألك بحق محمد وأهل بيته إلا عجلت فرجي وارحتني مما أنا فيه. قال جبرئيل(عليه السلام): فأبشر أيها الصديق فأن الله يخرجك من السجن إلي ثلاثة أيام ويمّلكك مصر وأهلها…" الحديث.
[104] عرائس التيجان ص157 ط بمبي و ص67 ط مصر.
[105] سيوافيك حديث النور هذا في الفصل السابع من بحث خاتمة الآية.
[106] راجع ترجمة الشاعر وشعره في (الغدير) ج6/ 336 إلي آخر الجزء.
[107] راجع ترجمة الشاعر وشعره في (الغدير) ج7/ 3-23.
[108] همي الماء: سال لا يثنيه شيء. الواكف: المطر المنهل.
[109] أشار شاعرنا في هذا البيت والذي قبله إلي ما ورد في تفسير قوله تعالي: "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا …إلي قوله: قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ " (البقرة/ 32، 33، 34).
[110] سنوافيك أيها المطالع الكريم بحديث النور، وتقسيمه من عبد المطلب إلي: عبد الله، وأبي طالب، وإلي أمنة بنت وهب، وفاطمة بنت أسد، في الفصل السابع من بحوث الآية.
[111] الغبي: المجهول المستور، راجع ترجمة الشاعر وشعره في (الغدير) ج7 ص24-32.
[112] نقلنا هذه الأبيات من كتاب (من كنت مولاه) ج8/ 145 للأستاذ العلامة الشيخ عبد المنعم الكاظمي رحمه الله.
[113] إليا: اسم علي أمير المؤمنين (ع)، سماه الله تعالي به في التوراة، علي ما رواه شيخنا الصدوق في (الامالي) في المجلس 35، ص115، وعلي ما رواه شيخنا الكليني في (فروع الكافي) ج4/ 183 ونقله عنه شيخنا المجلسي في (البحار) ج38/ 62، وشيخنا المفيد في (الإرشاد) في ذكر وقعة خيبر. وشبر وشبير: هما الحسن والحسين حيث تواترت الأخبار عن نبينا الصادق الأمين من طرق علماء المسلمين من الشيعة وأهل السنة أنه (ص) سمي أبناء علي حسناً وحسيناً ومحسناً بأسماء أبناء هارون: شبر وشبير ومشبر. وفي بعض الأحاديث تصريح بأنه (ص) سماهم بذلك بوحي خاص من الله علي لسان جبرئيل. وإليك الإشارة إلي بعض المصادر من طرق أهل السنة التي ذكرت تسمية النبي لأبناء علي بأسماء أبناء هارون: روي ذلك البخاري صاحب الصحيح في كتابه (الأدب المفرد) ص120، بسنده عن هانيء بن هانيء، عن علي (ع) في حديث يقول في آخره: (ثم قال (ص): إني سميتهم بأسماء ولد هارون، شبر وشبير ومشبر) فضائل الخمسة ج3/169. ورواه احمد بن حنبل في (مسنده) ج1/ 98. ورواه الحاكم في (مستدرك الصحيحين) ج3/165، وعلق عليه بقوله: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورواه الحافظ الذهبي في (تلخيص المستدرك) ونص علي صحته أيضاً. ورواه البيهقي في (سننه) ج6/ 165، وج7/ 63. أنظر (فضائل الخمسة ج3/170). ورواه ابن الأثير في (اسد الغابة) ج2/10، وج4/368 بذيل (الإصابة) في ترجمة الحسن(عليه السلام). ورواه ابن عبد البر في (الاستيعاب) ج1/ 368 بذيل (الإصابة) في ترجمة الحسن(عليه السلام). ورواه المتقي الهندي الحنفي في (كنز العمال) ج6/ 221، عن جمع من أئمة الحديث. وروي حديثاً آخر عن الطبراني وابن عساكر عن علي(عليه السلام) قال: أما حسن وحسين ومحسن فإنما سماهم رسول الله(صلي الله علي و آله). وروي ابن حجر في (الصواعق المحرقة) ص115، قال: اخرج البغوي، وعبد الغني في (الإيضاح) عن سلمان: أن النبي(صلي الله علي و آله) قال: سمي هارون أبنيه شبر وشبيراً، وإني سميت أبني، الحسن والحسين بما سمي به هارون أبنيه. ورواه المتقي أيضاً في (كنز العمال) عنهما، وعن ابن عساكر. وروي محب الدين الطبري الشافعي في (ذخائر العقبي) ص120، تحت عنوان (ذكر أن تسميتهما الحسن والحسين كانت بأمر الله تعالي)، قال: "وعن أسماء بنت عميس قالت: قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي(صلي الله علي و آله) فقال: يا أسماء هلمي أبني فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً بخرقة صفراء؟ فلففته بخرقة بيضاء، فأخذه وأذن في اذنه اليمني، وأقام في اليسري، ثم قال لعلي: أي شيء سميت أبني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا أسابق ربي، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد: إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسي، لكن لا نبي بعدك، فسم ابنك هذا باسم ولد هارون فقال: وما كان اسم ابن هارون يا جبرئيل؟ قال: شبر! فقال(ص: إن لساني عربي، فقال: سمه الحسن، ففعل(ص، فلما كان بعد حول، ولد الحسين فجاء نبي الله(صلي الله علي و آله) …" وذكرت مثل الأول وساقت قصة التسمية مثل الأول، وأن جبرئيل عليه السلام أمره أن يسميه باسم ولد هارون، شبير، فقال النبي(صلي الله علي و آله) مثل الأول: فقال: سمه حسيناً.
[114] وترجم أحد الأخوان هذه العبارات علي النحو التالي: (يا إلهي ومعيني. أدم يدي برحمتك، وبالأجسام المقدسة عندك: محمد، شبر، إيليا، فاطمة، شبير، انهم جميعاً أعظم وأكثر احتراماً وان العالم قد خلق من أجلهم. ساعدني بجاه أسمائهم، ووجهني إلي الصراط المستقيم).
[115] ترجم هذه المصادر عن الاوردية محمد حسن النقوي، وهو ابن السيد مصطفي النقوي، الذي كان مديراً فنياً في مشروع الماء والكهرباء في النجف الأشرف سابقاً.
[116] ونشرت هذا الاكتشاف - عن مجلة (البذرة) - الجمعية الخيرية بكربلاء في نشرة خاصة، ونقله عن تلك النشرة العلامة الشيخ عبد المنعم الكاظمي في تأليفه القيم (من كنت مولاه) ج8 ص146، كما نقله عن تلك النشرة أيضاً الأستاذ الجليل أحمد أمين في سفره الممتع (التكامل في الإسلام) ج7 ص46، جزي الله الجميع عن أهل البيت خير الجزاء.
[117] أي خذوا هذه القضية عنه(صلي الله علي و آله) وهي (أنه يموت الميت من أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت) لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره.
[118] عمل أمير المؤمنين(عليه السلام) بالثقل الأكبر وهو القرآن، وترك الثقل الأصغر وهو ولداه، ويقال عترته قدوة للناس، كذا قال الشيخ محمد عبده وغيره من شراح النهج.
[119] النهج ج1 ص152 من الخطبة 83. (المراجعات ص44).
[120] اقرأ - في كتاب (البشارات والمقارنات) ج1 ص9 - للعلامة البارع الدكتور الشيخ محمد الصادقي،المناظرات (حول إنجيل المسيح) التي دارت بينه وبين مدير المكتبة الإنجيلية بطهران (شارع قوام السلطنة) وذلك في بعض مراجعاته إلي تلك المكتبة، وكان المدير من علماء الإنجيل، فإنها بحق مناظرات قيمة وظريفة، وحلوة حسب تعبير المؤلف عنها، وقد عنون تلك المناظرات بعناوين كثيرة منها: هل يوجد هناك إنجيل المسيح؟ مدخل المناظرات، نبي بلا كتاب…الخ.
[121] منها رسالته إلي أهل غلاطية، الإصحاح الأول ص281، آية 6: (إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلي إنجيل آخر - 7. ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدوا أن يحولوا إنجيل المسيح) أي: يغيرونه.
[122] راجع كتاب (أعمال الرسل) للوقا، الإصحاح الحادي عشر من عدد 21، إلي 30، ص192.
[123] راجع المقدمة لإنجيل برنابا، ط مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر سنة 1958م.
[124] ترجم خليل سعادة إنجيل برنابا إلي العربية سنة 1325هـ وطبع يومئذ بمطبعة المنار.
[125] راجع الإصحاح (32) من سفر الخروج من أوله إلي آخره خمساً وثلاثين آية، من ص117 حتي ص119، ط معارف عمومية.
[126] راجع صموئيل الثاني، الإصحاح (11) من الآية الثانية وما بعدها ص420.
[127] راجع سفر الملوك الأول، الإصحاح (11) الآيات الأولي منه، ص467.
[128] راجع إنجيل لوقا، الإصحاح السابع، آية 33-36، ص95 والإصحاح (22) منه آية 14-18، ص125. وراجع إنجيل يوحنا الإصحاح الثاني، الآيات الأولي منه، ص134. وراجع سفر التكوين الإصحاح (19) من آية 30 إلي 38، ص23… تجده يصرح بأن لوطاً شرب الخمر في ليلتين متواليتين، وفي كل ليلة يزني بواحدة من ابنتيه، وولدتا منه معاً، وكانت منهما ذرية باقية…الخ. تقدس أنبياء الله مما ينسبه إليهم المرجفون والدجالون.
[129] راجع سفر التكوين، الإصحاح الثالث، ص3 من عدد 1- حتي عدد 34، وغيره من إصحاحاتهم.
[130] فصل عدم اتصال سندها إلي أربابها من مصادرهم العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان) ج3/ ص341-345 فراجع.
[131] كلما نقلنا وننقل من كتب العهدين في كتابنا هذا، إنما ننقله عن هذه الطبعة التي أشرنا إليها.
[132] راجع تفسير الآيات وتحقيق المراد من الأمة المسلمة لله، في (تفسير الميزان) للسيد محمد حسين الطباطبائي ج1/299.
[133] (مفاتيح الغيب للفخر الرازي ج1/ 493، و(مجمع البيان) ج1/ 210، و(تفسير الميزان) ج1/ 289، و(تفسير ابن كثير) ج1/ 184. ورواه من عدة طرق، ورواه السيد محمد رشيد رضا عن احمد بن حنبل في تفسير (المنار) ج1/ 472. وهو من الأحاديث الشهيرة، ورواه السيوطي في (الدر المنثور) ج1/ 139.
[134] لفظة الملك هنا كناية عن الله عز وجل.
[135] في بعض النسخ: (وتهدي بالعجب يمينك) ولعله هو الأصح.
[136] المراد من القضيب هو العصا.
[137] وهي قوله تعالي: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة/ 33).
[138] كما نص علي ذلك محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) ج9/ 298.
[139] يكرز كلمة سريانية معناه ينادي بالبشارة.
[140] تكررت كلمة (الأب) كثيراً في كتب العهد الجديد، وخاصة في الأناجيل الأربعة، وتطلقها غالباً علي الله، بزعم أنه هو الأب، وعيسي هو الابن، "قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا" (الكهف/ 5-6). هذا وينهي إنجيل متي أن يدعي أحد علي وجه الأرض أباً، لأن الأب واحد، وهو بزعمه في السماوات، تعالي الله عن المكان والمسكن، كما يشدد هذا الإنجيل النكير ويتوعد بالويل من يعلي نفسه ويسميها أبا من الكتبة والفريسيين. وإليك نص عبارته في الإصحاح الثالث والعشرين ص38: ولا تدعوا لكم أباً علي الأرض، لأن أباكم واحد، الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد وهو المسيح. وأكبركم يكون خادماً لكم. فمن يرفع نفسه يتضع. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تغفلون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون…الخ. فالمسيحيون خالفوا إنجيلهم هذا، ولم يهتموا بهذا التهديد، فأطلقوا كلمة (الأب) علي رؤسائهم كما هو الرسم الجاري عندهم قديماً وحديثاً، كقولهم: الأب فلان، والبابا فلان، والأباء اليسوعيون، ودار الكتب البابوية، والقصر البابوي…الخ. كما دعوا معلمهم المسيح رباً وإلهاً، واتخذوا كبراءهم الذين هم خدام (حسب نص الإنجيل) أرباباً يطاعون في كل ما يأمرون وأن خالفت أوامرهم الأناجيل وتهديداتها. وصدق الله إذ قـال حاكياً عنهم وراداً عليهم: "وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَي الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (التوبة/ 30-31).
[141] حديث للنبي(صلي الله علي و آله) قاله لعلي(عليه السلام) جاء في آخره: "ومثلك ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم مثل النجوم، كلما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة". رواه الحمويني الشافعي في (فرائد السمطين) ج2/ باب 46، بسنده المتصل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. ورواه الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) باب 44/ ص130. ورواه السيد أبو محمد البصري في (انتهاء الإفهام) ص206. كما في: (إحقاق الحق) ج4/ص482. كما رواه شيخنا الصدوق في (الآمالي) المجلس 45، ص162.
[142] (مكاتيب الرسول) لعلي بن حسين الأحمدي، ج1 ص121، وقد نقله عن أكثر من عشرين مصدراً تاريخياً بصحائف مرقمة، كما أثبت للكتاب صورة فوتوغرافية اكتشفت حديثاً، نقلها عن كتاب (مجموعة الوثائق) للبروفسور الهندي ص45، وإن له بحثاً حول هذا الاكتشاف.
[143] وسيأتيك التحقيق حول المراد من النور الذي انزل، في بحث قوله تعالي: "فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ".
[144] هو جعفر بن أبي طالب (ع) الذي جعله النبي (ص) أميراً علي المهاجرين إلي الحبشة، وهو من عظماء أهل البيت ومن أجلة الصحابة ومن السابقين إلي الإسلام وممن أبلي في سبيله بلاء حسنا.
[145] راجع كتاب النبي (ص) إلي النجاشي له، وإسلامه في كتاب (مكاتيب الرسول) لمؤلفه علي بن حسين الأحمدي ج1 ص121-132، وفيه تصوير فوتوغرافي لكتاب النبي (ص) إلي النجاشي.
[146] راجع ما دار بين الرسول (ص) والمقوقس، وما مدح به النبي، وما أهدي إليه. المصدر السابق ص97-104.
[147] نقل شيخنا المجلسي في (البحار ج15/241) عن كتاب (مقتضب الأثر في النص علي الأئمة الاثني عشر) لأحمد بن محمد بن عياش أنه: الجارود بن المنذر العبدي (أي من عبد القيس) قال: وكان نصرانياً فأسلم عام الحديبية، وحسن إسلامه، وكان قارئاً للكتب عالماً بتأويلها بصيراً في الفلسفة والطب، وروي عنه نفسه كيفية وفوده علي رسول الله مع قومه من رجال عبد القيس، وإسلامه، وإسلام قومه في قصة مطولة جاء في آخرها أنه قال: فأنصرفت بقومي وقلت: أتيتك يا بن آمنة الرسولا لكي بك أهتدي النهج السبيلا فقلت وكان قولك قول الحق وصدق ما بدا لك أن تقولا وبصرت العمي من عبد قيس وكل كان من عمهٍ ضليلا.
[148] تفسير المنار ج9 ص281.
[149] وهي الآية التالية للآية المبحوث فيها.
[150] روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (كان نقش خاتم آدم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، هبط به معه من الجنة) قصص الأنبياء للسيد نعمة الله الجزائري ص21.
[151] يسوع، هو عيسي.
[152] يؤيد هذا ما رواه شيخنا الصدوق في (كمال الدين) ج1 ص294 بسنده مرفوعاً: أنه لما بلغ رسول الله(صلي الله علي و آله) إرادة أبي طالب أن يخرج إلي الشام في عير قريش فجاء رسول الله وتشبث بالزمام فقال: يا عم علي من تخلفني، لا علي أم، ولا علي أب، وقد كانت أمه توفيت فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه، وكانوا إذا ساروا تسير علي رأس رسول الله(صلي الله علي و آله) غمامة - وفي بعض النصوص غمامة بيضاء - تظله من الشمس، فمرا في طريقهم برجل (راهب) يقال له بحيرا فلما رأي الغمامة تسير معهم، نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاماً وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلي طعامه، فقالوا له: يا بحيرا والله ما كنا نعهد هذا منك، قال: قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلفوا رسول الله(صلي الله علي و آله) في الرحل فنظر بحيرا إلي الغمامة قائمة فقال لهم: بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل فقال: لا ينبغي أن يتأخر عن طعامي أحد منكم، فبعثوا إلي رسول الله(صلي الله علي و آله) فلما أقبل قبلت الغمامة. فلما نظر إليه بحيرا قال: من هذا الغلام قالـوا: ابن هذا وأشاروا إلي أبي طالب، فقال له بحيرا: هذا أبنك قال أبو طالب: هذا ابن أخي قال: ما فعل أبوه قال: توفي وهو حمل فقال بحيرا لأبي طالب: رد هذا الغلام إلي بلاده فانه ان علمت منه (به خ ل) اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإن لهذا شأناً من الشأن هذا نبي هذه الأمة، هو نبي السيف. ونقله عن الصدوق شيخنا المجلسي في البحار ج15 ص200 وفيه أن الراهب أسمه: (بحيراء) بالمد. ومضمون هذا الحديث شهير في التاريخ من طرق الفريقين، ومن المعلوم ان من معاجز النبي(صلي الله علي و آله) أنه كانت تظله سحابة بيضاء فتسير لمسيره وتركد لركوده. "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" (الرعد/ 39).
[153] لعل المراد بقوله: (يعرفه أحد مختاري الله) هو علي أمير المؤمنين الذي سماه رسول الله(صلي الله علي و آله) المختار لان الله تعالي اختاره (راجع المناقب المرتضوية 119 ط بمبي فيما نقله عنه صاحب كتاب (إحقاق الحق) ج5 ص7). وعلي أمير المؤمنين هو الذي عرف رسول الله(صلي الله علي و آله) معرفةً لم يبلغها أحد من الناس ومن هنا قال(صلي الله علي و آله): "يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا". رواه الحافظ رجب البرسي في كتابه (مشارق أنوار اليقين) ص135، ونص علي صحته، واستشهد به الأستاذ الكبير أحمد أمين في سفره القيم (التكامل في الإسلام) ج2/ 92، ورواه فضيلة الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه (إمامة علي والعقل) ص97. ورواه الشيخ سليمان الحلبي في كتابه المختصر ص38، وصاحب منتخب البصائر ص125 علي ما في فهرس كتاب المختصر ص6.
[154] هذا قسم، وهو كقول نبينا: "والذي نفسي بيده".
[155] يؤيد هذا ما جاء في خطبة الزهراء(عليها السلام) الكبيرة حيث قالت: وأشهد إن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله بمآل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور…الخ.
[156] يؤيد هذا ما جاء في خطبة الزهراء(عليها السلام) الكبيرة حيث قالت: وأشهد إن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله بمآل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور…الخ.
[157] عبارة (يهزأ) في هذا المقام غير صحيحة، ولعل المراد أن الله (يمتحن) الناس به كما في قوله تعالي: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" (العنكبوت/ 1-4).
[158] نقلنا هذه البشارة من كتاب (البشارات والمقارنات) لمؤلفه الدكتور البارع الشيخ محمد الصادقي ج1 ص463، وينقلها الصادقي عن كتاب إدريس النبي(عليه السلام) المطبوع في لندن باللغة السريانية سنة 1895م في ص514-515 وقد نقلها باللغة العربية إلا نصين ذكرهما بالسريانية كما في الأصل وعربهما. هذا وقد اتصلت شخصياً بالشيخ الصادقي وسألته عن المصدر المذكور فقال: إني نقلت عنه بواسطة كتاب (أنيس الأعلام) ج2 لمولي محمد صادق فخر الإسلام، وهو ينقل عن كتاب إدريس النبي(عليه السلام) المطبوع في لندن باللغة السريانية وإنه عين الصحيفة المنقولة عنها هذه البشارة. وأن فخر الإسلام كان من كبار علماء المسيحية ولكنه استبصر وأسلم وحسن إسلامه، وأخذ يؤلف في الرد علي المسيحيين ومنها كتاب (أنيس الأعلام) وقد ذكر هو في مقدمة الكتاب سبب إسلامه وكيفيته بصورة مفصلة. ويقول الشيخ الصادقي: إني ذكرت أن من مصادر كتابي (البشارات والمقارنات) كتاب (أنيس الأعلام).
[159] قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان ج3 ص519: "واذكر في الكتاب" أي القرآن "إدريس" هو جد أب نوح(عليه السلام)، واسمه في التوراة اخنوخ، وقيل: أنه سمي إدريس لكثرة درسه الكتب، وهو أول من خط بالقلم. وكان خياطاً وأول من خاط الثياب، وقيل: ان الله تعالي علمه النجوم، والحساب وعلم الهيئة، وكان ذلك معجزة له. "إنه كان صديقاً" أي كثير التصديق في أمور الدين، وقيل: صادقاً مبالغاً في الصدق فيما يخبر عن الله تعالي "نبياً" أي علياً رفيع الشأن برسالات الله تعالي "ورفعناه مكاناً علياً" أي عالياً رفيعاً، وقيل: أنه رفع إلي السماء السادسة، عن ابن عباس والضحاك، وقال مجاهد: رفع إدريس كما رفع عيسي وه حي لم يمت، وقال آخرون: أنه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة، وروي ذلك عن أبي جعفر(عليه السلام) وقيل: ان معناه ورفعنا محله ومرتبته بالرسالة كقوله تعالي: "ورفعنا لك ذكرك" ولم يرد به رفعة المكان عن الحسن، والجبائي، وأبي مسلم. ونقل هذا عن الطبرسي شيخنا في البحار ج11/ 210 باب 9 بالنص المذكور.
[160] من غير زئير من زئير الأسد أي صات واخرج الصوت من صدره. والكهر: استقبالك الإنسان بوجه عابس، تهاونا به.
[161] مجمع البيان، ج1/527.
[162] حديث شهير متفق عليه، قال لعمه أبي طالب (ع).
[163] أي حين لم يتعظوا ولم يرجعوا إلي الحق بواسطة الإنكار بالقلب والوعظ باللسان وقد استمروا علي البغي، فهنالك الجهاد بالأبدان أي بالإنكار باليد، وهي المرتبة الثالثة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أوضح هذه المراتب الثلاث آية الله سيدنا السيد محسن الحكيم في رسالته العملية (منهاج الصالحين) ج1/279، مسالة (6) حيث قال: للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب: - الأول- الإنكار بالقلب بمعني إظهار كراهة المنكر أو ترك المعروف أما بإظهار الانزعاج من الفاعل أو الإعراض والصد عنه، أو ترك الكلام معه أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل علي كراهة ما وقع منه. الثاني- الإنكار باللسان والقول. بان يعظه وينصحه ويذكر له ما اعد الله سبحانه للعاصيين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعده الله تعالي للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنات النعيم. الثالث- الإنكار باليد، بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية. ولكل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف واشد. والمشهور: الترتيب بين هذه المراتب، فان كان إظهار الإنكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه، وإلا أنكر باللسان، فان لم يكف ذلك أنكره بيده. بل المشهور الترتيب بين مراتب كل واحدة، فلا ينتقل إلي الأشد في كل مرتبة إلا إذا لم يكف الأخف. وهو الأحوط.
[164] أي غير متوسلين إلي الظفر عليهم بالظلم بل بالعدل.
[165] أي: تركوا نصيحتهم، ولم يتعرضوا لهم، ولم يمنعوهم من قبائحهم.
[166] فروع الكافي، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ج5 /65، رقم (1) وقد أخذنا من الحديث محل الشاهد، وتركنا قسما من أوله.
[167] التكامل في الإسلام ج4/172، (والبحار) ج100 /94.
[168] التبيان لشيخنا الطوسي ج4 /41.
[169] فروع الكافي، ج5/59، الحديث رقم 14.
[170] جامع السعادات ج2/236.
[171] نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج2/83.
[172] فروع الكافي، ج5 /56.
[173] منهاج الصالحين، ج1/278.
[174] حديث متفق عليه، وممن رواه البخاري ومسلم في (صحيحهما).
[175] (كيف تكسب الأصدقاء في نظر أهل البيت) للأستاذ السيد محمد الحيدري ص 59.
[176] المصدر السابق.
[177] مكارم الأخلاق للطبرسي، ص501.(والبحار) ج77/47.
[178] الفصول المهمة، لابن صباغ المالكي، ص220. وقوله (من حفظها) أي: حافظ عليها وعمل بها.
[179] جامع السعادات ج2/239، منشورات جامعة النجف الدينية. وقد صحح الحديث علي (المستدرك) كتاب الأمر بالمعروف الباب الثالث، وعلي (الوسائل) من الكتاب المذكور والباب، ونقله شيخنا المجلسي في (البحار) ج100 /91 عن كتاب (مشكاة الأنوار).
[180] حديث شهير أعلنه النبي(صلي الله عليه و آله) لأصحابه مرارا عديدة، وجاء في ضمن وصيته(صلي الله عليه و آله) لعلي(عليه السلام)، كما في كتاب (مكارم الأخلاق) للطبرسي ص 507، ونقله سيد قطب في تفسيره (في ظلال القران) ج28/78 عن صحيحي البخاري، ومسلم، وسنن الترمذي، والنسائي عن أبي هريرة واظهر مصاديق هذا الحديث هو رواية أبو هريرة نفسه، راجع ترجمته في كتاب (شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي) للشيخ محمود أبو رية المصري.
[181] حديث الإسراء، هذا، من الأحاديث الشهيرة المروية من طرق الفريقين.
[182] منهاج الصالحين، ص 280، الطبعة الثالثة عشرة.
[183] - قال احمد زيني دحلان في (السيرة الدحلانية) في هامش (السيرة الحلبية) ج2/384: بعث رسول الله (ص) علي ابن أبي طالب إلي اليمن في شهر رمضان سنة عشر، وعقد له لواء وعممه بيده، وقال له: امض ولا تلتفت. فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله، ما اصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتي يقاتلوك وادعهم إلي قول (لا إله إلا الله) فان قالوا: نعم. فمرهم بالصلاة، فان أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك "والله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت" قال: وجاء في بعض الروايات انه (ص) بعث عليا إلي اليمن في رمضان سنة عشر، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، فكتب بذلك إليه (ص) فخر ساجدا لله ثم جلس، فقال: السلام علي همدان، وتتابع أهل اليمن علي الإسلام. وذكر هذا الحديث الشريف أهل السير والتواريخ من الخاصة والعامة. راجع: (أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين، ج2/401، حيث ذكر إرسال النبي (ص) عليا إلي اليمن كمن مصادر عديدة، وإن ذلك كان مرتين، في سنة ثمان من الهجرة، وفي العاشر منها. وذكر الحديث شيخنا الكليني في (فروع الكافي) ج5/28، بسنده عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله (ص) إلي اليمن، وقال لي: يا علي لا تقاتلن أحدا حتي تدعوه (أي إلي الإسلام)، وايم الله لأن يهدي علي يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت … الخ.
[184] رواه البخاري في (صحيحه) باب فضائل الصحابة، في مناقب علي بن أبي طالب، ص385، بإسناده عن سهل بن سعد (رض): ان رسول الله (ص) قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله علي يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها (أي يتجادلون ويختصمون فيمن سيعطي الراية غدا) قال: فلما اصبح الناس غدوا علي رسول الله (ص) وكلهم يرجوا ان يعطاها فقال (ص): أين علي بن أبي طالب فقيل: هو يا رسول الله، انه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فآتي به، فبصق رسول الله (ص) في عينيه ودعا له فبرئ، حتي كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتي يكونوا مثلنا؟ فقال (ص): أنفذ علي رسلك حتي تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلي الإسلام، واخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
[185] حديث شريف مشهور.
[186] سنذكر بحثا مفصلا حول اختصاص الخطاب للمؤمنين دون غيرهم من سائر الناس في سلسلة حلقاتنا (إتباع أهل البيت في الإسلام) إن شاء الله تعالي.
[187] مفاتيح الغيب للفخر الرازي المجلد الثامن ص 174.
[188] مجمع البيان لشيخنا الطبرسي المجلد الخامس ص318 (والمصدر السابق).
[189] الأسنمة جمع سنام، والبخت الإبل، والعجاف التي ذهب سمنها.
[190] أجوبة المسائل الدينية الدورة الخامسة العدد الرابع ص 104.
[191] قوله (ع)(في الفتن داخلات)إشارة إلي دخولهن في الأحزاب والجمعيات كما وقع هذا الأمر في قرننا هذا.
[192] المرأة في المجتمع الإسلامي ط مطبعة الأزهر بغداد بقلم محمد تقي المدرسي، نقلا عن وسائل الشيعة ج3 ص 59.
[193] ج1 ص 252 ط صيدا.
[194] البقرة / 168.
[195] ج4 ص299 ط مطبعة الخيرية الأولي بمصر.
[196] أي إلا ان يأتي دليل من الشرع يدل علي الحرمة، والأدلة الشرعية هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، لا اتباع الهوي والرأي، والاستحسان، والقياس.
[197] لا دليل في الشرع علي حلية الخبائث أياً كان نوعها إلا عند الاضطرار (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا أثم عليه).
[198] تفسير المنار ج9 ص228 ط الثانية إصدار دار المنار 1367.
[199] نقل القول عنهم محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) ج6 ص60.
[200] الاحتجاج لشيخنا الطبرسي ج1 ص 57، والبحار ج9 ص 292 و ج16 ص 329.
[201] جاء في حديث النبي (ص): (لا رهبانية و لا سياحة).
[202] غيران جمع غار مثل نيران جمع نار.
[203] كما في مجمع البيان ج3 ص236.
[204] روضة البحار ج78 ص321، وص346 عن فقه الرضا (ع).
[205] أقرأ الفصل الآتي: حكمة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وأنهن من الخبائث.
[206] راجع مجمع البيان ج2 ص 252 ط صيدا، ومفاتيح الغيب للفخر الرازي ج3 ص 457، والمنار ج7 ص 203، والميزان ج6 ص 171 وغيرها من كتب التفاسير.
[207] قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان ج2 ص 252: وقال المفسرون وروي ابن عباس عن النبي (ص) ان عمرو بن لحي بن قمعة ابن خندف كان قد ملك مكة وكان أول من غير دين إسماعيل واتخذ الأصنام ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمي الحامي قال رسول الله‚ فلقد رايته (أي ليلة الإسراء) في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه، ويروي يجر قصبة في النار.
[208] راجع فروع الكافي ج6 / 242 -437.
[209] ج1 / 291، في تفسير سورة المائدة، ورواه شيخنا الصدوق في علل الشرائع ص483 عن أبي جعفر الباقر (ع) من طريقين، ورواه شيخنا الكليني في (فروع الكافي) ج/ 242.
[210] الكلب بفتحتين: شدة الحرص، وداء يعرض للإنسان يشبه الجنون.
[211] الآية المصرحة بأن المراد من الدم هو المسفوح، في سورة الأنعام/145.
[212] وهي من الآيات النازلة في نبينا وأهل بيته صلوات الله عليهم، كما استفاض النقل بذلك من طرق الفريقين راجع كتاب (إحقاق الحق) ج 3 / 296 - 299، لتقف علي مصادر نزولها فيهم (ع).
[213] (الطفل بين الوراثة والتربية) ج 1 / 246، تأليف: الشيخ محمد تقي فلسفي، وتعريب: فاضل الحسيني الميلاني، نقلاً عن (مستدرك الوسائل) للمحدث النوري ج3 / 71.
[214] والخمر: ما يخمر العقل، أي يغطيه من كل مسكر مائع عمل بالتخمير. والميسر هو القمار مطلقا. والأنصاب هي الأصنام أو الحجارة التي كانت تنصب لذبح القرابين عليها للأصنام، وكانت تحترم ويتبرك بها. والأزلام هي الأقداح التي كانت يُستقسم بها، وهي نوع من أنواع القمار، المعبر عنه اليوم بـ (اليانصيب).
[215] راجع تفسير المنار، ج7 / 65.
[216] ج6 / 406، كما في (البحار) ج48 / 149. ورواه العياشي في (تفسيره) برقم 38 من تفسير سورة الأعراف،ج2 / 17.
[217] روضة البحار، ج77 / 145.
[218] فروع الكافي، ج6 / 403.
[219] فروع الكافي، ج6 / 408.
[220] المصدر السابق.
[221] تذكرة الخواص، ص376، وفيه سند الحديث.
[222] أخطار المسكرات لسماحة العلامة الحيدري، ص12.
[223] المغريات العشر للعلامة الشيخ محمد الخليلي، ص28.
[224] فقرات من وصية رسول الله (ص) الطويلة لأمير المؤمنين (ع) وهي من الوصايا الجامعة النافعة، تجدها في كتاب (مكارم الأخلاق) لشيخنا رضي الدين الطبرسي من ص 500إلي ص 519، وتجدها في (بحار الأنوار) لشيخنا المجلسي ج77 / 46- 61.
[225] روضة الواعظين، ج2 / 535، و (فروع الكافي) ج6 / 396.
[226] نفس المصدر.
[227] الكافي، ج6/398. والبحار ج79/126.
[228] الكافي، ج6 / 403.
[229] المصدر السابق، و (بحار الانوار) ج79 / 140.
[230] الكافي،ج6 / 398.
[231] الكافي،ج6 / 396 والصديد: القيح والدم.
[232] الكافي،ج6 / 403.
[233] بحار الانوار، ج79 / 141، والكافي ج6 / 429.
[234] أخطار المسكرات للعلامة الحيدري، ص16.
[235] تفسير العياشي ج1 / 291، ورواه شيخنا الصدوق في (علل الشرائع) عن ابي جعفر الباقر (ع) من طريقين، ص484، ورواه عن الصادق ص 476.
[236] فروع الكافي، ج6 / 395.
[237] كتاب التوحيد لشيخنا الصدوق، ص 243. والبحار ج79 / 135.
[238] علل الشرائع ص 475، و (عيون اخبار الرضا) ج2 / 98.
[239] علل الشرائع ص 476، والبحار ج79 / 133.
[240] المصدر السابق، ص 547.
[241] البحار ج79 / 137، وتفسير العياشي ج1 / 74.
[242] الكافي ج6 / 413.
[243] المصدر السابق ص 429.
[244] (القران والطب الحديث) ص279.
[245] (المغريات العشر) للعلامة الخليلي، ص 36.
[246] نقلنا هذه الكلمات التسع من كتاب (إخطار المسكرات) لسيدنا سماحة العلامة الحجة السيد علي نقي الحيدري، إمام جامع التميمي في الكسرة، ص18، 19. وهو الكتاب الأول من منشورات مكتبة أهل البيت العامة في بغداد.
[247] الكلمات الثلاث الأخيرة نقلناها من كتاب (المغريات العشر) ص31، للشيخ محمد الخليلي (ره).
[248] نقلناها عن كتاب (أطار المسكرات) للعلامة الحيدري.
[249] نقلناها عن كتاب (أخطار المسكرات).
[250] كتاب (أخطار المسكرات).
[251] راجع: (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية)، تأليف: الدكتور عبد الكريم زيدان، ص42، الطبعة الثالثة.
[252] المراجعات، ص 256، المراجعة 75 من مراجعة الشيخ سليم البشري المالكي، شيخ الجامع الأزهر في عصره.
[253] المراجعات، لسيدنا شرف الدين، ص 259، المراجعة 76 - بتصرف. 65- ج9 / 227.
[254] ج9 / 227.
[255] ومن ذلك - وما أكثر ذلك - ما دعي إليه البابا (بولس السادس) من إدخال الغناء في الكنائس، والموسيقي التي هي اكثر حيوية وعزفاً علي الأورغن، ويدعو إلي: ضرورة وجود عدد اكبر من النساء المنشدات في الكنائس ضمن الجوقة وعلي أنفراد، ويريد للمؤمن: ان يغني خلال الصلاة بدلاً من العبادة الصامتة، ويفرض علي القسيسين: ان يتأكدوا من ان المؤمن يعرف كيف يقرأ ويغني باللغة اللاتينية في تلك الأجزاء التي يعهد له غناءها من القداس، ويقول: ينبغي الإكثار من الآلات الموسيقية، وعلي العازفين ان يعينوا المصلين علي المشاركة والإحساس بالأناشيد المغناة، ويوصي ايضاً: بغناء قطع موسيقية مختارة بعناية دقيقة من قبل جميع الحاضرين في الأعراس ومجالس التعزية، ويقول: ان مساهمة المؤمنين ينبغي ان تكون ظاهرة بالإشارة والحركات الجسمية. وقد جاءت آراء البابا هذه وغير هذه في كتاب جديد نشرته الفاتيكان، ويتألف الكتاب من تسعة فصول و69 صفحة، ويتضمن تعاليم الموسيقي في الكنائس. نشرت هذا وغير هذا جريدة المنار العراقية في12 / 3 / 1967 م في الصفحة الثالثة بعناوين بارزة منها: (البابا يقول للكاثوليك:غنوا في الكنائس) مع تصوير البابا رافعاً يده للدعوة إلي هذه العبادة. وهكذا (شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَي بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَي إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (سورة الأنعام/113- 114). (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (سورة لقمان /7). راجع (الكافي) ج6 / 431، باب الغناء. ففيه 25 حديثاً، لتري حقيقة الغناء وعاقبته. وآخر حديث فيه أن رجلاً أتي ابا جعفر (ع) فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميز الله بين الحق والباطل فأنئ يكون الغناء؟ فقال مع الباطل، فقال (ع): قد حكمت.
[256] أصول المعارف، للعلامة المجاهد السيد محمد الكاظمي القزويني، ص 44.
[257] في ظلال القرآن، ج9 / 47.
[258] الظاهر أن قرض ما يصيبه البول من أجسادهم - ان صح - لم يكن تكليفا عاما في بني إسرائيل، وإنما هو حكم خاص لفئة معينة منهم شددوا علي أنفسهم فشدد الله عليهم من باب العقوبة والزجر أو كان الحكم - كما في بعض التفاسير - قرض ما يصيبه البول من ثيابهم لا من أجسادهم) راجع: مفاتيح الغيب ج2 / 390 (. وأما قطع الأعضاء الخاطئة كذلك يمكن ان يكون حكما خاصا في وقت خاص ثم نسخ، والله اعلم واحكم.
[259] مجمع البيان ج2 /487.
[260] مجمع البحرين لشيخنا الطريحي ص 172.
[261] هذا الدعاء من حديث طويل يرويه العياشي في (تفسيره) ج1 / 157، عن الإمام الصادق وجاء مضمونه في أحاديث كثيرة، راجع (تفسير القمي) ج1 / 95، و(ارشاد القلوب) للديلمي ج2 / 206 -211، في حديث طويل غير الحديث السابق يرويه عن الإمام موسي بن جعفر، عن آبائه عن علي (ع). ويتضمن الحديث ذكر كثير مما خفف الله به عن هذه الأمة كرامة لنبيها (صلي الله عليه و آله) مما سنذكر بعضها. ويرويه عن الديلمي: المجلسي في (البحار) ج16 / 341 - 352، وينقل بعضه في ج92 / 269 أيضاً وينقل بعضه عن الديلمي: المحقق النوري في (مستدرك الوسائل) ج5 / 15، و(مجمع البيان) ج1/404، وفيه عن النبي (ص) ان الله سبحانه قال عند كل فصل من هذا الدعاء: فعلت واستجبت، وكذلك (الميزان) ج13 /13 وراجع (تفسير الفخر الرازي) ج2 / 393، يروي الدعاء عن مقاتل بن سليمان، و(نظم درر السمطين) لجمال الدين الزرندي الحنفي ص 26، يرويه عن محمد بن كعب القرظي، وهو من التابعين الأولين، توفي سنة 118هـ، وهو أحد رجال الصحاح الستة، و(الدر المنثور) لجلال الدين السيوطي ج1 / 374، يرويه عن أحمد بن حنبل ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم، والبيهقي عن ابن عباس، وابن كثير الدمشقي في (تفسيره) ج1/ 338 أيضاً.
[262] (مفاتيح الغيب) للرازي، ج2 / 390. وج 4 / 299 و(تفسير القرآن) لابن كثير الدمشقي ج1 / 343 و 217، وج2 / 254. ونقله عنه محمد رشيد رضا في تفسير (المنار) ج9/ 229. ونصه: (بعثت بالحنيفية السمحة).
[263] تفسير ابن كثير الدمشقي، ج1/ 217.
[264] رواه من الشيعة: علي بن إبراهيم القمي في (تفسيره) ج2/ 12، في حديث الإسراء عن الإمام الصادق (ع) ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج18 / 330، والديلمي في (الإرشاد) في حديث آخر، ج2 ص207، ونقله عنه أيضاً المجلسي في (البحار) ج16 / 346، والطبرسي في (الاحتجاج) ج1/ 329، وحكاه صاحب كتاب (روضة الواعظين) ج2 / 356، ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج22 / 449. ومن أهل السنة: الفخر الرازي في تفسير (مفاتيح الغيب) ج2 /390 نقلاً عن المفسرين، وجمال الدين الزرندي الحنفي في كتابه (نظم درر السمطين) ص28، 29.
[265] صرحت كثير من المصادر الآتية وغيرها ان الأمم الماضية كانت حسنتهم بواحدة وسيئتهم بواحدة. ومن هّم منهم بالحسنة أو نواها لم تكتب له إلا إذا عملها، وان الله تعالي تفضل علي هذه الأمة فجعل حسنتهم بعشر، وسيئتهم بواحدة، ومن هّم بالحسنة كتبت له واحدة وإن لم يعملها، فإذا عملها كتبت له عشراً.
[266] ممن روي هذا المضمون من الشيعة شيخنا الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) ج1/125، وفي (علل الشرائع) ج1 / 132 ورواه أيضاً في (الأمالي) ص271، وص275 من طريق اخر ورواه في كتابه (التوحيد) ص 116، ونقل المجلسي عن هذه المصادر الثلاثة في (البحار) ج18 / 335 و348 في باب المعراج ورواه القمي في (تفسيره) ج2/12، ورواه الحر العاملي في (وسائل الشيعة) ج5/10 و13 و15، والمحقق الشيخ النوري في (مستدرك الوسائل)، و(مناهل الأشواق) لصفي الدين العاملي ص206 و207. ورواه أيضاً أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم وسننهم كالبخاري ومسلم، والنسائي، واحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، وابن مردويه وابن جرير، والبيهقي، وغيرهم كثير. وقد أخرجه عنهم ابن كثير الدمشقي في (تفسيره) ج3/ 3 -23، والسيوطي في (الدر المنثور) ج4 / 136 - 146، وغيرهما.
[267] تفسير الجواهر للشيخ طنطاوي جوهري، ص 17.
[268] صرح بهذا: القمي في (تفسيره) ج1 / 242، والديلمي في (الإرشاد) ج2/207، والمجلسي في (البحار) ج92 / 270 وج16 / 313، والطبرسي في (الاحتجاج) ج1 / 328، ونص عليه جمال الدين الزرندي في (نظم درر السمطين) ص28 وص29.
[269] جاء هذا الحديث عن النبي (ص) في كتب الشيعة المعتبرة وفي صحاح السنة وسننهم ومسانيدهم وتفاسيرهم، وهو مروي عن علي وأهل بيته، وعن عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي ذر الغفاري، وحذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر وأبي أمامة، وأبي هريرة وغيرهم (راجع كتاب: سيرتنا وسنتنا سيرة نبينا وسنته) لشيخنا الأميني ص 147 في ضبط مصادر الحديث من طرق أهل السنة، وقد احتج به وبغيره من عشرات الأحاديث المروية في كتبهم علي عدم جواز السجود علي غير الأرض وغير نباتها مما لا يؤكل ولا يلبس اختياراً.
[270] خاتمة سورة البقرة من قوله تعالي:(آمن الرسول)إلي آخر السورة آيتان، وفاتحة الكتاب هي سورة الحمد الفاتحة.
[271] علل الشرائع ج1/ 128 ولعل قوله: وأعطيت لك ولامتك التكبير الخ. إشارة إلي إعلان الأمم الماضية للصلاة بضرب الناقوس، وهذه الأمة إعلانها للصلاة بالأذان الذي يحتوي علي التكبير لله واقتران ذكر النبي (ص) بذكره تعالي.
[272] رواها الصدوق في كتابه (عقاب الاعمال) ص 50 راجع (تحفة الساجد) ص42 للحجة السيد محمد مهدي الخونساري.
[273] الامالي للصدوق المجلس 57 ص 216.
[274] وقد أمرت هذه الآية عند فقدان الماء ان يقصد الإنسان الصعيد الطيب فيمسح منه وجهه ويديه رفعاً للحرج وأن الله يريد بذلك تطهيره وإتمام نعمته عليه لعله يشكره. هذا وقد كان التيمم في نظر السلف امراً تعبدياً يعمل به المسلم وهو غير عارف بما فيه من الفوائد ولكن لماّ تقدم الإنسان في علومه وتجاربه أدرك وجهاً من وجوه الحكمة وعرف بعض السر في ذلك، فقد قال الطب الحديث: (ان التراب الخالص كالماء طاهر مطهر أي قاتل للميكروبات المضرة، مذيب للمواد الآلية المفسدة، وذلك لما يحوي من الحيوانات المجهرية المفيدة، والقاتلة للجراثيم المتجمعة علي سطح الجلد. والذي اكتشف ذلك (واكسيمان) أحد علماء الأجنة واثبت بمساعدة الدكتور (البرت) ان في التراب جراثيم نافعة يمكن استخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها، وفعلاً امكنهما استخراجها متفردة من التراب واستعمالها باسم (استربتومايسين) فعالجوا بها السل، والتيفوئيد، والجراحات المزمنة، والإسهال القوي، وذات الرئة، والتهاب الحلق، فكان ذلك خير من البنسلين ومن سائر المركبات الكبريتية (السلفات). فانظر إلي هذا الاكتشاف العظيم الذي غيّر مجري العلاج الطبي واصبح اعجوبة الفن ومعجزة المكتشفات في القرن العشرين، كيف دل علي جلالة مرامي الدين الإسلامي الحنيف، وحكمة قرآنه الحكيم، وقد قال نبي الإسلام قبل اربعة عشر قرناً من هذا الاكتشاف: اغسلوا من ولوغ الكلب ثلاثاً اولاهن بالتراب. عالماً (ص) ان في التراب حيوانات مجهرية صحية لا تراها العين المجردة، وهي تقتل كل ما يلامسها من جراثيم سامه ومضرة. وهذا من سر تشريع التيمم بالتراب ومسح الوجه واليدين به لظهور هذه الأعضاء وملامستها للهواء المليء بالجراثيم ومنها المرضية. فياله من دين حق يثبت احقيته بنفسه وتعاليمه وارشاداته. (عن كتاب: القرآن والطب الحديث للشيخ محمد الخليلي ص 116 باختصار وتصرف).
[275] لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها تعمداً حق يبقي منه مقدار ركعة ويأثم بذلك ولكنها لا تكون قضاءً.
[276] فصلنا القول تفصيلاً تاماً، وأشبعنا البحث بالأدلة الإسلامية القطعية كتاباً وسنة وإجماعاً، حول مسألتي أوقات الصلوات الخمس وجواز الجمع بين الصلاتين، في حلقة خاصة من سلسلة (الإسلام واتباع أهل البيت) وسميناها (حول الصلاة والجمع بين الصلاتين) علي ضوء الكتاب والسنة والإجماع وسيقدم إلي الطبع بآذن الله تعالي ومنه نستمد العون.
[277] راجع (البحار) ج93 / 9، نقلاً عن (تفسير القرآن) لمحمد بن إبراهيم النعماني، بسنده عن الصادق عن جده أمير المؤمنين (ع) وحكاه ابو جعفر محمد بن الفتال في كتابه (روضة الواعظين) ج2/ 356 من دون ان ينسبه إلي الإمام وعبارته فيه: (ومنها انهم كانوا إذا فرغوا من الطعام ليلة صيامهم حرم عليهم الطعام والشراب والجماع إلي مثلها من الغد، واحل الله لنا السحر والوطي في ليالي الصوم فقال: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ" يعني بياض النهار من سواد الليل وقال: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نساءكم) يعني: الجماع. ونقله عن (روضة الواعظين) المجلسي في (البحار) ج22 ص 449 بنصه. وراجع الدر المنثور لجلال الدين السيوطي الشافعي ج1 ص 176 و198. و(المنار) ج2 ص144 وص 174 و(نظم درر السمطين) ص 28 و29.
[278] الدر المنثور ج1 / 198 نقلاً عن ابن ابي شيبة، ومسلم، وابي داود، والترمذي، والنسائي.
[279] راجع (البحار) ج93 / 9 نقلاً عن (تفسير القرآن) لمحمد بن إبراهيم النعماني.
[280] راجع المصادر السابقة في الاصل.
[281] راجع (مفاتيح الغيب) للفخر الرازي ج2 / 135، و (الدّر المنثور) لجلال يلالدين السيوطي ج1 / 198، و(تفسير القرآن العظيم) لابن كثير الدمشقي ج1 / 220، و(المنار) للسيد محمد رشيد رضا ج2 / 174 نقلاً عن احمد بن حنبل، وأبي داود، والحاكم، وكذلك عن ابن جرير وابن ابي حاتم وغيرهم.
[282] رواه مسلم، والنسائي والترمذي، عن طريق الدراوردي، عن جعفر الصادق، عن ابيه محمد الباقر بن علي زين العابدين عن جابر، (كما في تفسير المنار ج2 ص 153).
[283] روي الحديث احمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وابو داود والنسائي في صحاحهم ومسانيدهم عن جابر (المنار) ج1 / 191 من طريقين، الأول عن ابن ابي شيبة، وابي داود، والنسائي عن جابر بن عبد الله، والطريق الثاني، عن ابن ابي شيبة، واحمد، وعبد بن حميد والنسائي، وابن ماجة، والحاكم وصححه، عن كعب بن عاصم الاشعري وكذلك رواه ابن كثير الدمشقي في (تفسيره ج1 /217)، والرازي في (مفاتيح الغيب) ج2/119.
[284] اخرجه النسائي، وابن ماجة، وابن جرير، عن عبد الرحمن ابن عوف، واخرجه ابن ابي شيبة وعبد بن حميد عن ابن عباس (الدر المنثور) ج1 / 191، واخرجه ابن ماجه مسنداً من طريق ابن عمر والطبري من طريق ابي سلمة، (المنار) ج2 / 154، وذكره الرازي في (مفاتيح الغيب) ج2 / 119.
[285] رواه احمد في (مسنده) من طريق طعمة: (المنار) ج2 / 154 وابن كثير الدمشقي في (تفسيره) ج1 / 217 عن ابن عمر، وجابر وغيرهما.
[286] الفقه علي المذاهب الأربعة.
[287] الفقه علي المذاهب الأربعة.
[288] حديث شريف رواه ابن كثير الدمشقي ج1 في تفسيره / 217.
[289] الفخر الرازي في (مفاتيح الغيب) ج2 / 390 نقلاً عن المفسرين، والزرندي الحنفي في (نظم درر السمطين) ص 28 و 29. والمجلسي في (البحار) ج2، ص 449 نقلاً عن كتاب (روضة الواعظين) ج2 ص 356 وعبارته: وزكاتهم ربع المال، وزكاتنا العشر وثوابه ثواب ربع المال.
[290] الفقه علي المذاهب الأربعة ج1 ص 496.
[291] قدر سيدنا المحسن الحكيم في رسالته العملية ج1 ص 241 ط13 النصاب بحسب الكيلوات 824 كيلو تقريبا.
[292] راجعنا فيما نقلناه من فقه أهل السنة، كتاب (الفقه علي المذاهب الأربعة) ج1 كتاب الزكاة.
[293] راجع (مجمع البيان) ج1 / 266، ج2 / 199، و(الدر المنثور) ج1 / 173، و (مفاتيح الغيب) ج3 / 408.
[294] روي هذا القول الثاني الديلمي في الإرشاد ج2 ص 210 نقلاً عن الإمام موسي بن جعفر عن ابائه عن علي (ع) وحكاه ابو جعفر محمد بن الفتال في روضة الواعظين ج2 ص 357 من دون ان ينسبه إلي الإمام وعبارته فيه: ومنها ان الله كتب عليهم في التوراة القصاص في القتل والجرح، ولم يرخص لهم في العفو واخذ الدية الخ، ونقله عنه المجلسي في البحار ج22 ص 449، والزرندي الحنفي في كتابه (نظم درر السمطين) ص 28، والسيوطي في تفسيره (الدر المنثور) ج1 ص 173، نقلاً عن ابن عباس في رواية اخرجها عنه كل من عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن ابي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن ابي حاتم، والنحاس في ناسخه، وابن حيان، والبيهقي، والطبراني في رواية اخري، والرازي في (مفاتيح الغيب) ج2 ص 101، وص 107، وصاحب (المنار) ج2 / 123.
[295] قال السيوطي في الدر المنثور ج1 ص 173: اخرجه عبد الرزاق، وابن ابي شيبة، وأحمد، وابن ابي حاتم والبيهقي عن ابن شريح الخزاعي عن النبي.
[296] مفاتيح الغيب، ج3 ص 408.
[297] (مجمع البيان) لشيخنا الطبرسي ج2 ص 199.
[298] نقلناه بواسطة (تفسير الميزان) للأستاذ الطباطبائي ج5 ص 391 وتفسير (المنار) للسيد محمد رشيد رضا ج6 ص 400.
[299] المصدران السابقان.
[300] قتل العمد أن يقصد الفعل والقتل معا كمن طعن آخر بسكين قاصداً نفس الطعن والقتل أيضاً، وكذلك إذا قصد الفعل القاتل فقط، أي قصد طعنه في قلبه ولكنه لم يقصد قتله، فان هذا من قتل العمد. والخطأ المحض ان يكون مخطئاً في قصده وفعله، كمن رمي= =حيوانا فأصاب إنسانا فان الإنسان غير مقصود لا بالرمي ولا بالقتل. وشبه العمد ان يكون عامدا في فعله مخطئاً في قصده، كمن ضرب صبياً للتأديب فمات فان الضرب مقصود، والقتل غير مقصود، وفي قتل الخطأ وشبه العمد تتعين الدية أو العفو، ولا يجوز القصاص.
[301] العياشي في (تفسيره) ج1 ص 75، والطبرسي في (مجمع البيان) ج1 ص 265، والكليني في (الكافي) ج7 ص 304، وقد روي في ذلك روايات عديدة فراجعها.
[302] سنن البيهقي ج8 ص 34 و 35، راجع: (البيان لسيدنا الخوئي ص 202).
[303] المصدر السابق نقلاً عن البيهقي ص36.
[304] المصدر السابق نقلاً عن البيهقي ص34.
[305] العياشي في (تفسيره) ج1 ص 75، (ومجمع البيان) ج1 ص 265 و(فروع الكافي) للشيخ الكليني ج7 ص 298، وقد روي في ذلك من طرق أهل البيت روايات عديدة.
[306] رواه بهذا النص ابن كثير في تفسيره ج2 ص 62، والجصاص في أحكام القران، نقلاً عن عطاء، والشعبي، والحسن البصري، عن علي (ج1 ص 139).
[307] مجمع البيان ج1 ص 265.
[308] راجع (مفاتيح الغيب) ج2 /390، و(نظم درر السمطين) ص28 و30، و(إرشاد الديلمي) ج2 /208، و(روضة الواعظين) ج2 ص357، ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج22 ص450.
[309] رواه الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) ج2/ 390 والظاهر أن يريد بقوله (رفع عن أمتي) أن الأمة كلها لا يصيبها ذلك إذ قد يصيب بعضها أفراداً منهم أو جماعات.
[310] (إرشاد القلوب) للديلمي ج2/ 207، ونقله عنه المجلسي في (البحار) ج16/ 345، وأشار إلي هذا المعني الزرندي الحنفي في (نظم درر السمطين) ص31.
[311] جاء في حديث عن علي أمير المؤمنين (ع): أن النبي (ص) رأي في السماء ليلة عرج به إليها ملائكة قياماً وركوعاً منذ خلقوا فقال: يا جبرئيل هذه هي العبادة، فقال جبرئيل: صدقت يا محمد فأسأل الله ربك أن يعطيك القنوت والركوع والسجود في صلواتهم، فأعطاهم الله عز وجل ذلك، فأمة محمد (ص) يقتدون بالملائكة الذين هم في السماء، قال النبي (ص): أن اليهود يحسدونكم علي صلواتكم وركوعكم وسجودكم… (الإرشاد ج2 ص211)، ونقله المجلسي في (البحار) ج16 ص351 وقال الزرندي الحنفي في (نظم درر السمطين) ص31-33: وخصه (ص) بالصلاة هو وأمته بأن جمع لهم فيها جميع صلوات المصلين من القيام والركوع والسجود والقعود، فإن بعضهم كانت صـلاتهم قياماً لا ركوع ولا سجود فيها، وبعضهم ركوع لا قيام ولا سجود فيها، وبعضهم سجود لا قيام ولا ركوع فيها، فجمع الله له ولأمته في صلاتهم عبادة العابدين وثواب جميع المصلين). فلعل قوله (ص) علي ما نقله الحاكم في المستدرك: (أما أنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم) يريد (ص) هذا المعني أو أن صلاة العشاء خصه الله تعالي وأمته بها ولم يعطها لأمة من الأمم قبلهم.
[312] راجع كتاب (كمال الدين) لشيخنا الصدوق ج1 باب العلة التي من أجلها يحتاج إلي الإمام من ص308 - 318.
[313] ونقله عن (تفسير القمي) المجلسي في (البحار) ج52 ص185.
[314] استعرضنا موضوع النسخ وحكمته لمناسبة ما مر في هذا الفصل من نسخ الشريعة الإسلامية لبعض الأحكام التي كانت علي الأمم الماضية وبعض الأحكام التي شرعت في مبدأ هذه الشريعة ثم نسخت لذا رأينا من المناسب استعراض هذا الموضوع المهم والتحقيق حوله من نواح شتي.
[315] التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري كما في الاحتجاج لشيخنا الطبرسي ج1 ص44.
[316] أصول الكافي ج2/17.
[317] المحاسن ص 287-288 ونقله عن المصدرين المجلسي في البحار 16/330.
[318] قال شيخنا الطريحي في (مجمع البحرين) ص448، في الحديث فضلت بالمفصل، قيل: سمي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور، قيل لقصر سوره، واختلف في أوله فقيل: من سورة ق، وقيل: من سورة محمد، وقيل من سورة الفتح، وعن النوري: مفصل القرآن من محمد، وقصاره من الضحي إلي آخره، ومطولاته إلي عم، ومتوسطاته إلي الضحي، وفي الخبر: المفصل ثمان وستون سورة.
[319] هذان المقطعان من القصيدة الرائعة التي ألقاها شاعرنا الفذ السيد محمد الحيدري في المهرجان الكبير الذي أقامه علماء الكاظمية وبغداد في مسجد براثا بمناسبة مرور أربعة عشر قرناً علي ذكري المبعث النبوي الشريف سنة 1387 هجرية، وكان ذلك بعد نكسة الخامس من حزيران عام 1967م التي فوجئنا بها من قبل أعداء الله وأعداء الشعوب، الصهاينة المجرمين وسائر الاستعمار وأذنابه، وقد نقل ذلك الحفل الكبير إلي العالم بواسطة الإذاعة العراقية والتلفزيون.
[320] قوله تعالي: (لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا) أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا.
[321] شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج2 ص566، والبحار ج 92 ص31.
[322] أشار بهذا إلي ما صرح به النبي (ص) بقوله: كلام الله غض جديد طري.
[323] نهج البلاغة كما في (البحار) ج92 ص23.
[324] راجعه في كتب الأدعية (كمفتاح الجنات) للسيد محسن العاملي ج3 ص428 - 443 وغيره، لتعلم عظيم آلاء الله وجليل نعمه علي خلقه ولا سيما الإنسان، وتعرف أيضا عظمة الحسين عليه السلام ورفيع مقامه من معرفة ربه عز وجل.
[325] روي بعض أحاديث النور من طرق علماء الشيعة بأسانيدهم شيخنا المجلسي في عديد من أجزاء البحار، ومنها ج15 باب بدء خلقه صلي الله عليه واله وبدء نوره وظهوره من ص4 - 25 وفيه 47 حديثا.
[326] علق شيخنا الاميني علي حديث العشرة المبشرة في كتابه القيم (الغدير) ج10 من ص 118 -131 وكشف النقاب عن واقعه، واثبت بالادلة القاطعة وضعه، فما اجدر رواد الحق بمراجعة الحديث والتعليق عليه سندا ومتنا.
[327] يعني بمحدث الشام، العلامة ابن عساكر الشافعي المتوفي سنة 571 بدمشق، وهو صاحب كتاب (تاريخ دمشق).
[328] الثابت في حديث سلمان ان خلق نورهم كان قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام لا أربعة آلاف.
[329] أي من حوائج الدنيا لزهده بها.
[330] سيأتي قريباً حديث الزندري في كتابه.
[331] وسيأتي حديثه.
[332] راجع (عيون أخبار الرضا) ج1 ص58 برقم 27.
[333] راجع (إحقاق الحق) ج5 ص8-11 ففيه حديث من أحاديث النور المفصلة، من طرق أهل السنة مروي عن عدة أصحاب رسول الله (ص) وهم سلمان، وعمار بن ياسر، وأبو ذر، وحذيفة ابن اليمان، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو الطفيل عمرو بن واثلة، وراجع من المصدر المذكور ص34 ففيه عن سليم بن قيس الهلالي احتجاج علي (ع) بحديث النور علي بعض المهاجرين والأنصار أيام خلافة عثمان.
[334] راجع كتاب (المناقب) لابن شهر آشوب ج3 ص320 و(البحار) ج43 ص33.
[335] راجع كتاب (إحقاق الحق) ج9 من ص593-595 في بعض مصادر الحديث.
[336] كما في زيارة وارث المطلقة، وزيارة ليلتي العيدين، وغيرهما.
[337] (تفسير القمي) مسنداً ج2 ص125، و(البحار) ج15 ص3 نقلاً عن القمي.
[338] (البحار) ج15 ص3 نقلاً عن كتاب (كنز جامع الفوائد) بسنده.
[339] ج4 ص207.
[340] ولنا حول هذه الآية بحوث ضافية بعنوان (أولياء الأمر في الإسلام) نسأل الله تعالي أن يوفقنا لاكمالها وتقديمها للطبع في الحلقات القادمة.
[341] سورة الأنبياء/ 105.
[342] راجع (مفاتيح الغيب) للفجر الرازي ج4 ص299، و(تفسير القرآن العظيم) لأبن كثير الدمشقي ج2 ص254.
[343] نظراً لضيق المجال في هذه الحلقة، أعرضنا عن بيان مصادر حديث الثقلين، ومن رواه من الصحابة البالغ عددهم 35 صحابياً ولنا عزم أن وفق الله تعالي أن نعود - بعض الحلقات القادمة - إلي دعم الحديث بأي القرآن المجيد، وتحقيق تواتره في لفظه ومعناه، وذكر من رواه من الصحابة، والمصادر التي ذكرت أحاديثهم، واستعرض مفاده ومقاصده ودلائله من جهة منطقية وعقلية.
[344] 1- روي العلامة الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص108 ط النجف بسند مفصل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: نزلت في علي بن أبي طالب ثلاثمائة آية (ثم قال الكنجي) قلت: هكذا أخرجه في تأريخه، وتابعه محدث الشام ورواه معنعناً. 2- ويعني بمحدث الشام ابن عساكر في (تأريخ دمشق). 3- وقد رواه عن ابن الخطيب البغدادي في (تأريخ بغداد) (المصدر السابق). 4- الصواعق المحرقة لأبن حجر ص76 في الفصل الثالث من الباب التاسع ونصه: وأخرج ابن عساكر عنه (يعني بن عباس) قال: ما أنزل في أحد من كتاب الله تعالي ما نزل في علي، وأخرجه عنه أيضاً قال: نزل في علي ثلاثمائة آية. 5- رواه جلال الدين السيوطي الشافعي في (تأريخ الخلفاء) صفحة 117 عن تأريخ ابن عساكر (إحقاق الحق ج3 ص480). 6-وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: نزلت في علي أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه. 7-كما في (ينابيع المودة) ص126 للشيخ سليمان الحنفي. 8-روي العلامة غياث الدين بن همام في (حبيب السير) ج2 ص13 بسنده عن علي كرم الله وجهه قال: نزل ربع القرآن في شأننا وربعه في أعدائنا، وربعه في السير والأمثال، وربعه في الفرائض والأحكام، ولنا كرائم كلام الملك العلام. 9- ورواه بهذا النص الحافظ أبو بكر أحمد بن موسي بن مردوية (المصدر السابق) كما في (إحقاق الحق) ج3 ص481. 10- وروي الشيخ أحمد سليمان الحنفي في (ينابيع المودة) ص126 عن المناقب عن الأصبغ بن نباته عن علي عليه السلام أنه قال:نزل القرآن في أربعة أرباع، ربع فينا وربع في عدونا، وربع في سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن. وهذا المعني مستفيض في كتب التأريخ والفضائل والمناقب والتفسير وفيما ذكرناه كفاية.
[345] نزول تلك الآيات المتقدمة في علي وأهل بيته ثابت لا ريب فيه (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَي السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (آية 38 من سورة ق). وربما نوفق بأذن الله تعالي في الحلقات القادمة إلي بيان ذلك الثبوت وتحقيقه.
[346] راجع ترجمته في (الكني والألقاب) للمحقق الشيخ عباس القمي ج1 ص333 لتعلم جلاله وقدره.
[347] نقل الوصية عن كتاب الطرف: المجلسي في (البحار) ج22 ص476، وكما نقلها عن كتاب الطرف الشيخ محمد مهدي الحائري في كتابه (الكوكب الدري) ج1 ص73، ونقلها عنه.
[348] أي لا يقبل الله منه عملاً ولا مستحباً ولا واجباً.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.