النبي و المستقبل الدعوة

اشارة

نويسنده : فارس الحسون
ناشر : فارس الحسون

مقدمة المركز

بسم الله الرحمن الرحميمالحمد لله رب العالمين والصلاة علي خاتمالمرسلين محمد وآله الغرّ الميامينمن الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلي قيمها السليمة ومبادئها الاصلية، الامر الذي يمنحها الارادة الصلبة والعزم الاكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التي تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الافكار المنحرفة والاثار الضالة باستخدام أرقي وسائل التقنية الحديثة.وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الاصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة (عليهم السلام) بأبهي صورها وأجلي مصاديقها.هذا، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمي السيّد علي السيستاني ـ مد ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمي العقيدة ومفاهيمها الرصينة، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالي.ومركز الابحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي اُسس لاجل نصرة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وتعاليمه الرفيعة.ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) علي مختلف الجهات، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالي بها [ صفحه 2] عليهم ـ إلي مطبوعات توزع في شتي أرجاء العالم.وهذا المؤلَّف «النبي و مستقبل اللدعوة» الذي يصدر ضمن «سلسلة الرحلة إلي الثقلين» مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعي.علي انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتي الطرق والاساليب، مضافاً إلي استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسني جمعها في كتاب تحت عنوان «التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت».سائلينه تبارك وتعالي أن يتقبل هذا القليلبوافر لطفه وعنايتهمركز الابحاث العقائديةفارس الحسون [ صفحه 7]

مقدّمة المؤلف

رحلتيكانت انطلاقتي مع رزيّة الخميس، وهي ليست رزيّة يوم يسمّي الخميس لان أثرها مازال للان، ولن يزول إلي أن يرث الله الارض ومن عليها.كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) علي فراش مرضه، وفي لحظات الوداع الاخيرة يتوجّه إلي أصحابه الذين امتلات غرفته بهم ويقول (صلي الله عليه وآله وسلم): «ا ئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ابداً» [1] ومن الذي لا يرضي بكلام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ ومن لا يحب هذه الهدية من رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ أنّه الامان من الضلال والتيه، ولكن ماذا جري؟ فها هي الامة منذ ذلك اليوم تائهة ومنقسمة إلي فرق ومذاهب، وقد صارت لعبة بيد الاعداء. فماذا حدث ياتري حتي ضلت الامة؟ ومن الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب؟في صحيح البخاري، تكلم عمر بن الخطاب، فقال: «إنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد [ صفحه 8] غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله» [2] وفي رواية أخري: «فقالوا: ماشأنه أهجر؟! استفهموه فذهبوا يردون عليه، فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): «دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه» [3] .وهكذا ضلّت الامة، وبدأ الانحراف فيها من يوم الخميس ذاك حين رفض عمر وبعض الصحابة طلب النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).وبالرغم من أنني كنت متعلقاً ببعض الشخصيات إلا أنّ هذه الحادثة أوقفتني، وصُدمت عند ما بحثت عنها في صحيح البخاري ووجدتها وقد دفعتني لاراجع موروثاتي، وفعلاً كان حديث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) «ستفترق أمتي إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة في الجنة» [4] يدور [ صفحه 9] بانتباهة عنيفة في خلدي.وهذه الواحدة الناجية أشار لها (صلي الله عليه وآله وسلم) بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتي يأتي أمر الله وهم ظاهرون» [5] .وحين ضممت حديث «إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتّي يردا عليّ الحوض» [6] .وحديث: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك» [7] .انكشف لي الامر واضحاً كالشمس. وكان لي صديقٌ متبعٌ لاهل البيت (عليهم السلام) يشعر بأمري، وكنت قد خجلت من مواجهته، فلي كانت معه جولات وجولات في البحث والنقاش، وكثيراً ما أبت نفسي المعاندة الاعتراف له، ولكن في النهاية وبعد صراع مرير مع ذاتي انضممتُ لصديقي دون أن اشعره بذلك، وعند ما صارحته بما صرت إليه ـ وبنفس منكسرة ـ فرح ولم يبدِ أية شماتة أو سخرية كنت أتوقعهما، وقال: لقد كنت أدعو لك في كل صلاة. [ صفحه 10] وهكذا استمرت أمطار رحمة الله بالانهمار عليّ حتي غمرتني، وشعرت بأنني في عالم آخر، في وسط سفينة نوح، تلك السفينة التي مازالت تسير في أبحر الحياة محصَّنةً بالنجاة والامان.ومن وسط هذه السفينه اُطلُّ عليك قاريء العزيز بهذا البحث لعلنا نري قسماً من وجه الحقيقة.1 ـ رمضان ـ 1419 هـاربد ـ الاردنمروان خليفات [ صفحه 11]

توطئة

لقد امتازت رسالة نبينا محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) عن سائر الرسالات السماوية بميزات عدة.فهي خاتمة الرسالات، قال تعالي: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُوْلَ الله وَخاَتَمَ النَّبِيينَ) [8] .وامتازت بأنّها عامة وموجَّهة لجميع الناس، قال تعالي: (يَا أَيُهَا النَّاس إِنِّي رَسولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيْعاً) [9] و (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [10] وباقية إلي يوم القيامة.ومن الطبيعي فإنّ رسالة كهذه لا بدّ أن تنظر لها السماء نظرة خاصة، فتُعِدُّ مشروعاً يحفظ بقاءها وسلامتها من التحريف النصّي والدلالي بعد موت صاحبها (صلي الله عليه وآله وسلم)، ويمكن التعرّف علي طبيعة هذا المشروع الالهي وتكوين مفرداته من خلال الرجوع إلي سنة النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) الفعليّة والقوليّة. [ صفحه 12] لا شك أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ميت لكن رسالته باقية، إذن فمن يديم مسيرته المباركة؟ كيف يقيم الله حجته علي الناس ويأخذ بيدهم نحو الكمال؟وبعبارة أوضح: ما هي حقيقة المشروع الالهي الذي اُعدَّ لهداية الانسان بعد ختم النبوة؟ما موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من مستقبل الاسلام؟ فهل اتَّخذ (صلي الله عليه وآله وسلم) الترتيبات اللازمة لحفظ رسالته وضمان انتشارها؟ما موقفه (صلي الله عليه وآله وسلم) من الكتاب والسنة وهما عهد الله إلي خلقه؟إنّ الاجابة علي هذه الاسئلة وغيرها قد يكون لها تأثير كبير علي حياة الانسان.و لو عرضت هذه الاسئلة علي المدارس والفرق الاسلامية لكانت أجوبتها متوافقة مع انتماءاتها المذهبيّة، وهذه إحدي مشاكلنا، فنحن ننتمي ثم نجيب ولو علي حساب الحقيقة.ولا أطيل عليك عزيزي القارئ فقد حاولنا قدر الامكان تجلية تلك الصورة وإبراز حقيقتها المستوحاة من القرآن الكريم والسنة الشريفة.أجل إنّ هناك نظريات مختلفة حول موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من مستقبل دعوته، وأشهر هذه النظريات اثنتان. [ صفحه 13]

موقف النبي

اشاره

وهذه النظرية تمثل رأي شريحة كبيرة من المسلمين وهم أهل السنة ـ أشاعرة وسلفية ـ ويتضح موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من مستقبل دعوته في الاسطر التالية.

موقف النبي من القرآن

القرآن دستور الله ومعجزة نبيه الخالدة، فهل جمعه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في كتاب خاص ليحفظه من الضياع؟إنّ الناظر في كتب الحديث يري أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أوكل أمر القرآن إلي حفظ الصحابة وجمعهم له، فقد كان البعض يحفظ ما نزل منه، وكان آخرون يكتبون بعض سوره في الصحف، ولا تذكر المصادر أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) اتخذ موقفاً حاسماً بشأن القرآن فقام بجمعه حسب ترتيب نزوله في كتاب خاص.أجل، هناك قسم من العلماء يذهب إلي أنّ القرآن جُمع علي عهد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومنهم: الزرقاني، الزركشي، الباقلاني وغيرهم.إلاّ أنّ هذا القول يصطدم بروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر، فإذا كان [ صفحه 14] القرآن مجموعاً عند بعض الصحابة فلماذا يأمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمعه؟أخرج البخاري عن زيد بن ثابت، قال: «أرسل إليَّ أبو بكر، مقتل [11] أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر (رضي الله عنه): إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنيّ أخشي أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أري: أن تأمر بجمع القرآن.قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟!قال عمر: هذا والله خير.فلم يزل عمر يراجعني حتي شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر...قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن.قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟قال: هو والله خير.فلم يزل أبو بكر يراجعني حتي شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، [ صفحه 15] واللخاف، [12] وصدور الرجال..، حتي وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري لم أجدها مع أحد غيره! لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حتي خاتمة براءة.. فكانت الصحف عند أبي بكر، حتّي توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر (رضي الله عنه)» [13] .إنّ المتأمل في قول أبي بكر لعمر: «كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)»، وقول زيد لهما: «كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله» يتبين له بوضوح أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لم يجمع القرآن وإنما جمعه زيد بن ثابت بأمر أبي بكر الذي أقنعه عمر بذلك، وقد جمعه زيد من الصدور والسطور.قال ابن جزي: «وكان القرآن علي عهد رسول الله متفرقاً في الصحف [ صفحه 16] وفي صدور الرجال» [14] .

موقف النبي من السنة

إنّ الروايات متضاربة حول موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من سنته، وأشهر نص يطالعنا رواية النهي عن الكتابة:أخرج مسلم: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «لا تكتبوا عنّي شيئاً إلاّ القرآن، فمن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه» [15] .هذا نص عام في النهي ووردت روايات في الاذن بالكتابة للبعض كابن عمر [16] وأبي شاة [17] .وعلماء القوم مختلفون حول نسخ النهي في الحديث السابق، فمنهم من يقول بالنسخ، ومنهم من لا يلتزم بذلك [18] . [ صفحه 17] وبناءاً علي ما سبق فإنّ موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من سنته أنّه تركها مفرّقة في الصدور دون جمع إن لم نقل أنّه نهي عن تدوينها، وهو موقف بطبيعة الحال سلبيٌّ.وممّا سبق يظهر لنا تأكيد أهل السنّة علي أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ترك القرآن مفرقاً في الصدور والسطور ولم يجمعه في كتاب واحد، ونهي عن تدوين سنته أو تركها في صدور الرجال دون جمع أيضاً.أمّا عن الحوادث المستقبلية المستجدة التي لا حكم لها في الكتاب والسنة، فلا نجد أيَّ نص ـ عندهم ـ يشير إلي كيفية التعامل معها. [ صفحه 18]

مناقشة النظرية الاُولي

إنّ الناظر للوهلة الاولي في هذه النظرية يضع حولها مجموعة أسئلة واشكالات، فالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مبعوث للعالمين، والاسلام هو خاتم الاديان، وظهوره علي باقي الاديان أمر حتمي لا مفر منه، قال تعالي: (لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ)، [19] والقرآن باق إلي يوم القيامة فهو أبدي ولكل الناس، فكيف يترك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) معجزته الخالدة في صدور صحابته وفي العسب واللخاف؟إنّ الصحابة راحلون عمّا قريب، وستأتي الاجيال تتري وتتري، فأين ستجد معجزة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لتؤمن به ولتعمل بقرآنه؟ هل يبحثون عنه في صدور الصحابة؟ فالصحابة أموات، ولا يمكن القول أنّه كان في ذهن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقوم كل جيل بنقل القرآن عن الجيل الذي سبقه مشافهةً، إذ لا دليل علي هذا، وهو يؤدي إلي ضياع القرآن واندراس آياته، وقد وجدنا عبدالله بن مسعود ينكر المعوذتين من القرآن [20] . [ صفحه 19] ولو افترضنا بقاء أمر القرآن كما هو عليه من عدم الجمع، لجاء التابعون وأنكروا بعض السور، تبعاً لابن مسعود، وهذا الانكار قد يحدث في كل جيل، وقد يثور خلاف بين العلماء حول سور القرآن، بعد فقدان الذوق الادبي لدي الكثير منهم وعدم الادراك الحقيقي لاعجاز القرآن البياني.وهكذا سيكون مصير السنّة النبوية التي تبيّن مجمل القرآن وتخصّص عامه وتقيّد مطلقه، بل إنّ أمر السنّة في هذه النظرية أخطر من القرآن، فالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في تصوّرهم لم يكتفِ بعدم كتابة السنة بل نهي ـ علي رأي البعض منهم ـ عن تدوينها، وعلي هذا فإنّ تخطيط النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) المستقبلي هو أن تروي السنّة مشافهةً ولا تكتب، ولا يمكن تصوّر هذا، فإذا تصوّرناه في جيل التابعين وتابعي التابعين والجيل الذي بعدهم... فكيف نتصوره الان؟ عمّن نأخذ السنة؟ كم سيبلغ طول السند؟ هل سيتصل السند بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خلال هذه القرون الاربعة عشر أم لا؟ كيف سيتم الوثوق بهذا العدد الهائل من الرواة؟ وأيُّ كتاب سيتكفّل ببيان أحوالهم لنعرف صدقهم من كذبهم؟...وقد تأتي بعدنا أجيال وأجيال وتتضاعف المسافة بينهم وبين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وهنا ألا تزداد المشكلة تعقيداً علي تعقيد؟! ومن المعلوم أنّ أنهار الوضع في الحديث النبوي قد فاضت في القرنين الاولين، ولقد وصف الدارقطني هذه الحالة الرهيبة بقوله: «إنّ الحديث الصحيح في الحديث الكذب كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود»!!وقال حماد بن زيد: «وضعت الزنادقة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أربعة عشر [ صفحه 20] ألف حديث».وحين أُخذ ابن أبي العوجاء الزنديق ليُضرب عنقه قال: «لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرّم فيها الحلال وأحلل الحرام» [21] .ومع ملاحظة هذا الوضع في القرون الاولي فكيف سيكون الوضع في القرون اللاحقة؟إنّ عدم كتابة السنّة يؤذن بضياعها وتحريفها مع مرور الزمن، يقول ابن الصلاح: «ثمّ إنّه زال ذلك الخلاف ـ أي هل تكتب السنة أم لا ـ وأجمع المسلمون علي تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الاعصر الاخيرة» [22] .أجل هذه هي النتيجة، وهي توحي بأنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قد أخطأ ـ والعياذ بالله ـ بتركه كتابة السنّة، وبعد وفاته (صلي الله عليه وآله وسلم) أدرك العلماء والامراء خطورة هذا النهي فخالفوه وأباحوا كتابتها.كتب عمر بن عبد العزيز إلي عامله في المدينة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم: «أنظر ما كان من حديث رسول الله أو سنته فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء» [23] . [ صفحه 21] عجباً، فعمر بن الخطاب يخاف من ضياع القرآن، فيأمر أبا بكر بجمعه، ويخاف عمر بن عبد العزيز من ضياع السنّة فيأمر بكتابتها، فهل كان العمران أشدَّ حرصاً علي الاسلام من نبي الرحمة (صلي الله عليه وآله وسلم)؟لقد كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقرأ مستقبل الاسلام لصحابته وقد كُذب عليه في حياته وتنبأ بأنه ستكثر عليه الكذّابة، فقال: «من تعمّد عليّ كذباً فليتبوّأ مقعده من النار» [24] .فكيف لا يضع الضمانات ـ بتدوين سنته ـ لقطع الطريق علي هؤلاء الكذبة؟يقول ابوالحسن الندوي السلفي: «ثم إنّ الحديث زاخر بالحياة... ولم يزل باعثاً علي محاربة الفساد والبدع وحسبة المجتمع، ولم يزل يظهر بتأثيره في كل عصر وبلد من رفع راية الاصلاح والتجديد، وحارب البدع والخرافات والعادات الجاهلية، ودعا إلي الدين الخالص والاسلام الصحيح، لذلك كله كان الحديث من حاجات هذه الامة الاساسية، وكان لابدّ من تقييده وتسجيله ونشره» [25] .إذا كان الحديث من حاجات هذه الامة الاساسية، وكان لابدّ من [ صفحه 22] تقييده وتسجيله ونشره، فلماذا لم يَقُمْ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بتقييده وتسجيله؟!ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «ألا وإني أشهد لسمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في الاخري حتي يصلحها» [26] .فهل يمكن أن يصدق العقل السوي أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يهتم بانقطاع الشسع ويترك سنته دون تقييد وتسجيل؟!كان حمورابي شخصاً عادياً، ووضع مجموعة قوانين وقبل وفاته كانت مدوّنة حتي صارت مرجعاً بعده لا خلاف في صحتها، وحمورابي ليس نبياً وليس مبعوثاً لقومه ولا لجميع البشر، لكنه اتخذ التحوطات اللازمة لحفظ تلك القوانين، فهل كان حمورابي أكمل وأبعَد نظراً من سيّد الخلق (صلي الله عليه وآله وسلم)؟وفي العصر الحاضر لا نجد دولة إلاّ ولها دستورٌ مدوّنٌ في كتاب، فهل هذه الدول أكثر حضارةً وتنظيراً من دولة الاسلام؟هذه بعض الاشكالات التي ترد علي هذه النظرية.وقد يردّ علينا أصحابها بقولهم: لقد ترك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الكتاب والسنة دون جمع لانه كان يعلم أنهما سيجمعان مستقبلاً فتركهما للامة.وهذا ادّعاء لا دليل عليه، فقد كان الناس يقرأون في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) [ صفحه 23] (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ)، [27] فالدين كامل وجاهز كي ينتشر في أرجاء المعمورة، ومن مصاديق هذا الكمال كون الكتاب والسنّة مجموعين حتّي ينتشرا في البلاد المفتوحة، فالدين كامل قبل أمر عمر لابي بكر بجمع القرآن، وقبل ولادة الزهري ومالك والبخاري.وإضافة لهذا، فإنّ الصحابة ـ وكلَّ البشر ـ مكلَّفون وليسوا مؤلفين، وليس لهم شأن بجمع الكتاب والسنة لانهما من عندالله وهو الذي أنزلهما وهو الذي تكفل بحفظ كتابه (إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [28] .ومع هذا سنواصل السير مع أصحاب هذه النظرية ونفترض أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ترك الكتاب والسنة دون جمع، لعلمه أن سيجمعان مستقبلاً.فهل هذا الافتراض كاف لاقامة الحجة علي الناس؟ وكيف سيتمُّ التعامل مع الكتاب والسنّة؟ كيف سيُعرف الناسخ والمنسوخ، المحكم والمتشابه، الخاص والعام،...؟!ألا يحتاج القرآن إلي بيان صحيح وترجمة لمعانيه؟ فهل مثل هذا الرأي يتناسب مع كمال الدين وإتمام النعمة؟إنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عند هؤلاء لم يضع برنامجاً متكاملاً لكيفية التعامل مع [ صفحه 24] الكتاب والسنة، وهذا ما لا يمكن تصديقه، فهو (صلي الله عليه وآله وسلم) ذاك الانسان العظيم ذو النظر الثاقب الذي يرفض أنْ يري بعين نبوته المستقبل القاتم للامة وتشتتها وتناحرها، وهو ذلك الحريص الرحيم الذي وصفه الله بأروع وصف: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤمِنِيْنَ رَؤُوفٌ رَحِيْمٌ) [29] .فكيف نصدّق أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بيّن كيفيّة دخول الحمّام وآدابه الاخري ولم يشر إلي مفتاح التعامل مع الكتاب والسنة؟إن عدم وجود برنامج مستقبلي يحفظ الكتاب والسنّة نصّاً ودلالة مدعاة لاختلاف الامة وتفرقها.روي عن عبد الوارث بن سعيد أنّه قال: «قدمت مكة فألفيت بها أباحنيفة، فقلت له: ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل.فأتيت ابن أبي ليلي فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط باطل.فأتيت ابن شبرمة فسألته عن ذلك، فقال: البيع جائز والشرط جائز.فقلت في نفسي: سبحان الله! ثلاثة من فقهاءالعراق لايتفقون علي مسألة! [ صفحه 25] فعدت إلي أبي حنيفة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع وشرط، فالبيع باطل والشرط باطل.فعدت إلي ابن أبي ليلي فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن اشتري بريرة فأعتقها، البيع جائز والشرط باطل.قال: فعدت إلي ابن شبرمة فأخبرته بما قال صاحباه، فقال: ما أدري ما قالا لك، حدثني مسعد بن كداح بن محارب بن دثار عن جابر قال: بعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بعيراً وشرط حملانه إلي المدينة البيع جائز والشرط جائز!» [30] .وبعد غض النظر عن أمر الكتاب والسنة وجمعهما يعرض لنا اشكال آخر وهو: هل أشار النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إلي الحوادث المستجدة وكيفيّة استنباط أحكامها؟ولربما سيُجاب علي ذلك بأنّ هناك القياس والاستحسان وغيرهما من مصادر التشريع، فالعلماء يرجعون إلي هذه المصادر لاستنباط أحكام المسائل المستحدثةويبقي اشكالنا في محله، فمن أين اكتسبت هذه المصادر الصفة الشرعية [ صفحه 26] وصار يعتمد عليها كالكتاب والسنة؟ فهي لم ترد علي لسان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم ينزلها الله علي نبيه ولم يقس (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يستحسن، بل كان كما قال الله (إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوْحَي)، [31] ولم يكن (صلي الله عليه وآله وسلم) يري لرأيه واجتهاده دوراً في التشريع، قال تعالي: (إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ) [32] .فالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يحكم بما يريه الله ولم يقل بما رأيته وبما قسته وبما استحسنته.والملاحظ أنّ مصادر التشريع هذه محلُّ خلاف بين العلماء، فتجد الحنفية قد أفرطوا في الاعتماد علي القياس، بعكس الحنابلة الذين لم يعتمدوه إلاّ قليلاً، أمّا أهل الظاهر فقد أنكروه مطلقاً، وأنكر الشافعية والمالكية المصالح المرسلة، وأنكر الشافعي الاستحسان فقد ورد عنه: «من استحسن فقد شرّع» [33] .ولنفترض وجود القياس والاستحسان... من ضمن مصادر التشريع، ولكن ألا تحتاج إلي بيان كامل لمعالمها وكيفية تطبيقها عملياً؟ وقد تقرّر أُصولياً: أنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ووقت الحاجة متحقق [ صفحه 27] بموت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ومات النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولم يبين معالم هذه المصادر ولم يطبّق بعض الموارد عمليّاً.إنّ نسبة هذه الرؤية السلبية لمستقبل الاسلام إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كانت ثغرة نفذ منها بعض الكتاب وطعنوا بالنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والاسلام.قال إبراهيم فوزي: «كان المجتمع الاسلامي علي توالي العصور خالياً من السلطة التشريعية اللازمة التي تشرّع للناس علي الدوام حاجاتهم الزمنية المستجدة» [34] .وقال محمود أبو ريّة: «ولو أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قد عني بكتابة الحديث، كما عني بكتابة القرآن، وعني الصحابة من بعده بكتابته، لجاءت أحاديث الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) كلها متواترة في لفظها ومعناها، وليس شيء منها اسمه صحيح، ولا شيء اسمه حسن، ولا شيء اسمه ضعيف، ولا غير ذلك من الاسماء التي اخترعوها، مما لم يكن معروفاً زمن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وصحابته، وبذلك كان يرتفع الخلاف في حقيقته، وينحط عن كاهل العلماء أعباء البحث عن صحته، ووضع المؤلفات الكثيرة التي صنفت في علوم الحديث والبحث عن أحوال الرواة من حيث العدالة والضبط والجرح والتعديل وغير ذلك، وكان فقهاء الدين يسيرون علي نهج واحد، لا اختلاف بينهم في أصله ولا تباين... إذ تكون أدلتهم كلها متواترة كالقرآن الكريم، فلا يأخذون بما سموه الظن الغالب، الذي فتح أبواب الخلاف وفرّق صفوف [ صفحه 28] الامة وجعلها مذاهبَ وفرقاً ومما لا يزال أمره بينهم إلي اليوم وإلي ما بعد اليوم» [35] .

الحجة الاخيرة

يذهب البعض إلي أنَّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) جعل أصحابه مرجعية للاجيال من بعده، بحيث يقومون بنقل القرآن والسنة لمن بعدهم، وتحيط هذا القول اشكالات كثيرة نشير لواحد منها: [36] أخرج البخاري عن أبي وائل، قال: قال عبدالله: قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنا فَرَطكم علي الحوض، ليُرفعنّ إليَّ رجال منكم حتي إذا أهويت لاناولهم اختلجوادوني،فأقول: أي ربّ أصحابي، فيقول: لاتدري ماأحدثوا بعدك» [37] .وأخرج مسلم عن عبدالله، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنا فرطكم علي الحوض ولانازعنّ أقواماً ثم لاغلبنّ عليهم، فأقول: يا رب! أصحابي، [ صفحه 29] أصحابي، فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك» [38] .وفي رواية أُخري للبخاري يقال للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «...انهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري» [39] .هذه الاحاديث صريحة في دخول جماعات من الصحابه في النار، وقد فسرها المفسرون بالمنافقين والمرتدين، وهذا التفسير مخالف لمعطيات الاحاديث.فعلّة دخول الصحابة في النار هي الاحداث والارتداد بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، والمنافق لا يرتد لانّه لم يسلم أصلاً وإنّما تظاهر بالاسلام، وكذلك لا يذكر لنا التاريخ أي إحداث للمنافقين بعد وفاة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ولا أي تحرك لهم! [40] والقول بأنّهم مرتدون، يرد عليه بأنّ المرتدين لم يحدثوا في دين الله، وقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «رجال منكم» «أعرفهم ويعرفونني» [41] دليل علي أنّهم ممن كانوا حول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من أهل مكة والمدينة، وقوله «أقواماً» [ صفحه 30] دليل علي كثرتهم، وهناك رواية تنص علي دخول الصحابه النار ولا يبقي منهم إلاّ القليل:عن أبي هريرة عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «بينما أنا قائم فإذا زمرة، حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، قال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلي النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم» [42] .قال ابن الاثير: «الهَمَل: ضوالُّ الابل، واحدها هامل، أي أنّ الناجي منهم قليل في قلة النّعم الضالة» [43] .فهذا نص صريح في دخول الصحابة النار ولا يبقي منهم إلا القليل.فبعد هذا كيف يمكن قبولهم مرجعية يحفظون لنا الكتاب والسنة وينقلونهما إلي الناس؟ والغريب أنّهم نسبوا أمر اختيارهم إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) مع أنه يقول: «فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَل النعم».ومما سبق يظهر لنا ضعف هذه النظرية التي تزعم بترك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) القرآن مفرقاً في الصحف والصدور وعدم جمعه للسنة والنهي عن كتابتها وارجاع الناس إلي صحابته. وحاشا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من هذا الموقف السلبي. [ صفحه 32]

موقف النبي الايجابي

اشاره

إنّ موقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الايجابي من دعوته يمرُّ بثلاث مراحل:

جمع القرآن

حين بدأ نزول القرآن شرع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بتدوينه، حيث كان يملي الايات النازلة علي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيكتبها بخطه:قال الامام علي (عليه السلام) في هذا الشأن: «فما نزلت علي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي» [44] .واستمرت عمليّة جمع القرآن في السطور حتّي آخر آية نزلت علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، وبتدوين آخر آية كان القرآن مجموعاً في كتاب واحد، وقد كان الصحابة يدونون بعض السور ولكنه كان تدويناً ناقصاً مقارنة بهذا التدوين.إنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في قيامه بهذا العمل يكون قد وضع أوّل الضمانات لحفظ دعوته من الضياع والنسيان، ولكنّ هذا ليس كافياً ولا يستطيع الناس معرفة الاسلام من خلال القرآن وحده، لهذا قام النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بخطوة أُخري. [ صفحه 33]

تدوين السنة

السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، وقد شرع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) بتدوينها تزامناً مع جمع القرآن، وكان تدوين السنّة عملاً مشتركاً بين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث كان (صلي الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي (عليه السلام) يكتب، وبوفاة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كانت السنة مجموعة في كتاب أو عدة كتب وقد أودعها النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أهل بيته (عليهم السلام) فكانت عند علي بن أبي طالب (عليه السلام).قالت أم سلمة: «دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتي ملا بطن الاديم وظهره وأكارعه» [45] .وعُرف الكتاب الذي يحوي السنة بالجامعة أو صحيفة علي (عليه السلام):قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام) [46] لاحد أصحابه وهو أبو نصير: «يا أبا محمد وإنّ عندنا (الجامعة) وما يدريهم ما الجامعة! [ صفحه 34] قال: قلت جعلت فداك، وما الجامعة؟قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتّي الارش في الخدش» [47] .وهذا الكتاب الذي عُرِف بالجامعة من أكبر الكتب التي كانت بحوزة آل البيت (عليهم السلام) [48] .ونقل عنها غير واحد من علماء أهل السنة أمثال:ابن سعد في آخر كتابه الجامع.البخاري، ذكرها في ثمانية مواضع من (الصحيح)، ورواها بثمان طرق.الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب، جمع ما نقل عنها في كتاب مستقل عنونه بـ (صحيفة علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): دراسة توثيقية [ صفحه 35] فقهية» [49] .وبالرغم من ذِكْر الكتب السنيّة لصحيفة علي (عليه السلام) إلاّ أنّها لم تعطها حقّها من البيان، بل قد يكون هذا البيان اليسير لصحيفة علي (عليه السلام) فيه ظلم وتزوير لاسباب سياسية وأُخري مذهبية، ولنأخذ هذه الرواية التي رواها البخاري ونقف عندها قليلاً:أخرج البخاري عن أبي جحيفة، قال: «قلت لعلي (عليه السلام): هل عندكم كتابٌ؟قال: لا، إلاّ كتاب الله، أو فَهْمٌ أعطيه رجلٌ، أو ما في هذه الصحيفة.قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟قال: العقلُ، وفكاك الاسير، ولا يُقتلُ مسلمٌ بكافر» [50] .يفهم من هذه الرواية وروايات أخري لم نذكرها [51] أنّه كان هناك تساؤلٌ يدور بين الناس حول أهمية وحقيقة امتلاك آل البيت (عليهم السلام) كتاباً خاصاً أم لا، مما دعا أبا جحيفة أن يسأل علياً (عليه السلام): «هل عندكم كتاب؟» وأجابه الامام أنّه عندهم صحيفة فضلاً عن كتاب الله.وقد وصفت الرواية الصحيفة بشكل فيه امتهانٌ وتنقيص لامير [ صفحه 36] المؤمنين (عليه السلام).فلماذا يحمل علي (عليه السلام) صحيفة فيها هذه المسائل الثلاث؟ وما الحكمة من ذلك؟ والواقع أّنه كانت عنده (عليه السلام) صحيفة كبيرة.وفي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وصف دقيق لهذه الصحيفة:روي أبوالحسن ابن بابويه، بسنده، عن الامام الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لامير المؤمنين (عليه السلام): أكتب ما أملي عليك.فقال: يا نبي الله، وتخاف عليَّ النسيان؟فقال: لستُ أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك ولا يُنسيك، ولكن، أكتب لشُركائك.قال: قلت: ومن شُركائي، يا نبي الله؟قال: الائمة من وُلدك...» [52] .وعن عذافر الصيرفي، قال: «كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر [53] (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرماً، فاختلفا في [ صفحه 37] شيء.فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا بني قم فأخرج كتاب علي (عليه السلام)، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه، وجعل ينظر حتّي أخرج المسألة.فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).وأقبل علي الحكم، وقال: يا أبا محمّد اذهب أنت وسلمه وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبريل (عليه السلام)» [54] .قالت أم سلمة: «دعا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بأديم وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يملي وعلي يكتب حتي ملابطن الاديم وظهره وأكارعه» [55] .وبتدوين النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لسنته يكون قد وضع الضمان الثاني لحفظ دعوته، ولكنّ جمع القرآن وتدوين السنّة لا يكفي لحفظ الدعوة، فترك القرآن والسنة بأيدي الامة مدعاة للاختلاف والفرقة، فالامة لا تستطيع بيان القرآن والسنة وتوضيح دلالتهما بياناً قائماً علي الجزم واليقين، وحديث [ صفحه 38] «اختلاف أمتي رحمة» الذي قد يحتج علينا البعض فيه حديث كما يقول الالباني لا أصل له، فقد قال فيه: «لا أصل له، ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له علي سند فلم يوفّقوا...».ونقل المناوي عن السبكي أنه قال: «وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له علي سند صحيح ولا ضعيف» وأقرّه الشيخ زكريا الانصاري في تعليقه علي تفسير البيضاوي (ق 92 / 2)»، [56] وقال فيه ابن حزم: «باطل مكذوب» [57] .فكما أنّ حكم الله كان واحداً في حياة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فكذا يجب أن يكون فبعد مماته، وكما أنّ الناس كانوا يرجعون لشخص النبي لحل مشاكلهم ومسائلهم الدينية فكذا يجب أن يخلف النبي من ينوب عنه ويقوم بمهامه ـ ما عدا الوحي ـ ويرجع الناس إليه ويبقي حكم الله واحداً، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خطوة ثالثة.

اعلان مرجعية آل البيت

اشاره

كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يشعر بدنو أجله وأحسّ المسلمون بذلك في حجة الوداع، وكان (صلي الله عليه وآله وسلم) يعلم أن الكتاب والسنة دون مبين لهما غير كافيين لمواصلة المسيرة المباركة التي ابتدأها، لذلك أعلن في حجة الوداع علي [ صفحه 39] مرأي ومسمع الالوف من الحجّاج مرجعية أهل البيت [58] (عليهم السلام) الفكرية والسياسية [59] .وقد نقل لنا مسلم هذه الوصية التاريخية في صحيحه وبعدة طرق: قال زيد بن أرقم ـ أحد رواة الحديث ـ: «قام رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يُدعي خُمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثني عليه ووعظ وذكَّر، ثم قال: أمّا بعد ألا أيُّها الناسُ فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدي والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحثّ علي كتاب الله ورغّب فيه ثمّ قال: «وأهلُ بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» [60] .وفي صحيح الترمذي ومستدرك الحاكم ـ وصححه ـ: «إني تارك فيكم [ صفحه 40] ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الاخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الارض، وعترتي أهل بيتي، لن يتفرقا حتّي يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما» [61] .ولقد روي هذا الحديث عن النبي خمسة وثلاثون صحابياً، [62] وصحّحه كثير من علماء الحديث، منهم: الحاكم في المستدرك، الذهبي في تلخيص المستدرك، الهيثمي في مجمع الزوائد، وابن كثير في تاريخه، والسيوطي في الجامع الصغير، [63] وابن تيمية ذكره في منهاج السنة عدّة مرات، وصححه من المعاصرين الالباني المحدّث السلفي، [64] والمحدث الاشعري الحسن السقّاف [65] .وبالرغم من أنّ الحديث صريح في وجوب اتباع الثقلين معاً الكتاب وأهل البيت (عليهم السلام)، إلاّأنّ البعض ـ كابن تيمية ـ شكك فيه وعندما اصطدم [ صفحه 41] برواية مسلم قال:«الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قد قاله!! فليس فيه إلاّ الوصية باتباع الكتاب، وهولم يأمر باتّباع العترة، ولكن قال: «أذكركم الله في أهل بيتي» [66] .ومن الطبيعي إنّ الذي يعتصر مخيلته ليصرف أحاديث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في أهل بيته (عليهم السلام) عن معانيهايقع في هذه المطبات، فإذا كان الامر مجرد تذكير، فلماذا يقرنهم بالقرآن فيقول: «إني تارك فيكم الثقلين» و«لن يفترقا» و«حتّي يردا».وقد أسعفنا الالباني برواية صحّحها، ترد علي ابن تيمية وكل من كرر كلامه، فعن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتّي يردا عليَّ الحوض» [67] .أمّا حديث «كتاب الله وسنتي» فهو غير صحيح، فقد قال فيه أحمد سعد حمدون: «سنده ضعيف» فيه «صالح بن موسي الطلحي»، قال فيه الذهبي: ضعيف، وقال يحيي: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر [ صفحه 42] الحديث، وقال النسائي: متروك» [68] .وذهب الحسن السقّاف ـ وهو المحدث الخبير ـ إلي أنّ لفظ «وسنتي» موضوع [69] .أمّا في مصادر الحديث، فقد ورد في موطأ مالك بدون سند، [70] ورواه الحاكم في مستدركه [71] بسندين أحدهما فيه ابن أبي أُويس وهو ضعيف [72] والاخر فيه صالح بن موسي الطلحي وهو مجروح [73] .ورواهُ البيهقي [74] بإسنادين، واحد: فيه ابن أبي أُويس، والثاني: فيه صالح بن موسي الطلحي، وقد عرفت حالهما، ووصل ابن عبد البر في [ صفحه 43] التمهيد [75] حديث الموطأ من حديث كثير بن عبدالله وهو مجمع علي ضعفه فلا يحتج بحديثه.وهكذا اتضح الحق مبيناً لكل ذي بصيرة لم ينخرها العناد بالفساد.

حديث السفينة

ونصُّه: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك».روي هذا الحديث ثمانية من الصحابة، وصححه كل من: الحاكم في مستدركه، والسيوطي في نهاية الافصال في تشريف الال، [76] والطيبي في شرح المشكاة، وابن حجر الشافعي حيث قال: «جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً...» [77] الحديث.وصححه محمد بن يوسف المالكي المعروف بالكافي حيث قال بعد كلام له: «ويدلك علي ذلك: الحديث المشهور المتفق علي نقله: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» [78] . [ صفحه 44] وقد روي هذا الحديث حتّي القرن الرابع عشر أكثر من مائة وخمسين عالماً من علماء أهل السنة [79] .ودلالة الحديث لا تخفي علي أحد في وجوب اتباع أهل البيت (عليهم السلام) لتحصيل النجاة.

حديث الامان

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «النجوم أمان لاهل الارض من الغرق وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» [80] .وهذا الحديث صريح في أنّ أهل البيت (عليهم السلام) أمان الامة من الاختلاف. [ صفحه 45]

نصوص قرآنية

قال تعالي: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعاً وَلا تَفَرَقُوا) [81] .وحبل الله فسّرته الروايات بآل البيت (عليهم السلام) [82] .وقد أمر الله الامة بسؤال أهل الذكر، قال تعالي: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) [83] وهم آل البيت (عليهم السلام) [84] .وهم الصادقون الذين أمرنا الله بأن نكون معهم: (يَا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [85] [86] .وقد وصف الله اتباع هذا الخط بخير البرية فحينما نزل قول الله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [87] قال [ صفحه 46] رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «يا علي هم أنت وشيعتك» [88] . [ صفحه 47]

مقارنة بين النظريتين

سبق لنا إثبات بطلان النظرية الاولي التي تزعم بترك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للقرآن محفوظاً في صدور الصحابة وفي بعض الصحف، ونَهْيه عن تدوين السنة، أو قل تركها بلا جمع، لمن يذهب إلي أن حديث النهي قد نسخ.فلايمكننا أن نتصورصدورهذامن نبي الله، لاننا نروي عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «تركتكم علي المحجة البيضاء، ليلهاكنهارها، لايزيغ عنها بعدي إلاّ هالك» [89] .ونفهم من هذا النص أنّ المحجة البيضاء كانت موجودة بالفعل وقت قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لهذا النص، قبل أن يشير عمر علي أبي بكر بجمع القرآن، وقبل أن يأمر عمر بن عبد العزيز ابن حزم بجمع الحديث.والمحجة البيضاء التي تركهم (صلي الله عليه وآله وسلم) عليها هي اتِّباع آل البيت (عليهم السلام) وأخذ الاسلام منهم، لانّهم أعرف من غيرهم بالكتاب والسنة.ولو دققنا النظر في قول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «تركتكم علي المحجة البيضاء...» [ صفحه 48] وقوله: «تركت فيكم... كتاب الله وعترتي» تتضح ملاحظة التوافق بينهما، وأن حديث الثقلين يبيّن المقصود بالمحجة البيضاء، ففي كلا الحديثين يقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «تركت...».ويستحيل أن يترك النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) الناس علي طريقين مختلفين، فالمحجة البيضاء هي اتّباع الكتاب والعترة!وانظر إلي آخر حديث المحجة: «لا يزيغ عنها إلاّ هالك» وآخر حديث السفينة: «ومن تخلف عنها هلك»، فكلمتي «هالك» و«هلك» في الحديثين تبيّنان المقصود بالمحجة البيضاء، وهي ركوب سفينة آل البيت (عليهم السلام) والنجاة بهديهم من مهلكة الضلالة، فمن لم يسر علي المحجة البيضاء هالك كما أنّ من عدل عن سفينة آل محمّد هلك!والرواية التالية تلقي مزيداً من الضوء علي المحجة البيضاء:عن جابر قال: خط لنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) خطاً فقال: «هذا سبيل» ثم خط خططاً فقال: «هذه سبل الشيطان فما منها سبيل إلاّ عليها شيطان يدعو الناس إليه، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله عزّوجلّ فيه الهدي والنور من استمسك به وأخذ به كان علي الهدي ومن تركه وأخطأه كان علي الضلالة، وأهل بيتي أذكركم الله عزّوجلّ في أهل بيتي، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)» [90] . [ صفحه 49] ولو قال النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حديث المحجة مع عدم جمعه للكتاب والسنة وعدم إرجاع الناس إلي شخص ينطق بحكم الله الواقعي لكان ـ حاشاه ـ كحال أستاذ قال لتلاميذه ـ بعد أن أطفأ أنوارغرفة الدرس وتركها مظلمة ـ سأترككم في هذه الغرفة التي ظلامها كنورها ومن يرسب في الامتحان فهو هالك!كيف سيجيب هؤلاء التلاميذ علي أسئلة الامتحان وهم لا يرون أكفّهم؟ ونحن مسلمي هذا القرن، كيف سنصلي، نصوم، نحج... مع عدم وجود دليل لنا؟لقد جعل الله للانسان الحاجب والرموش لحماية عينيه وهذه من الامور البسيطة جداً إذا ما قيست بضرورة وجود حجة لله سبحانه علي خلقه يبين لهم تعاليم الاسلام، فهل يعقل أن يجعل الله لنا حاجباً ورموشاً لحفظ عيوننا، ولا يضع لنا دليلاً علي دينه!ولذلك لا نجد مصداقاً لقول النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «تركتكم علي المحجة البيضاء...» إلاّ في مدرسة آل البيت (عليهم السلام).فالكتاب والسنة مدوّنان، ويتجسّدان في سلوك أئمة آل البيت (عليهم السلام) وأقوالهم، والاسلام حي يمارس عملياً أمام الناس، فيكون أدعي للفهم والقبول لوجود الشخصية الاسلامية النموذجية الماثلة أمامهم في الحياة اليومية. [ صفحه 50] وبهذا يعرف الناس الاسلام من هؤلاء الائمة (عليهم السلام)، بدلاً من النظر في كتب الحديث والرجال والاصول... وبدلاً من أن يدب الخلاف بين أبناء الاسلام ويكفّر بعضهم بعضاً، وقد يقتتلون.فتري فقيهاً يقول: الحكم في هذه المسألة كذا والدليل هذه الاية، وآخر يقول: بل الحكم كذا والاية نفسها تؤيدني، حتّي أنّ الخلاف وصل بين فقهاء السنة إلي وحدة الاصول الفقهية وأصالتها، فهذا يقول بحجية القياس، وأهل الظاهر أنكروه، وأجاز مالك بن أنس الاستحسان، وقال الشافعي: «من استحسن فقد شرّع»...، حتّي جعلوا الاسلام حيص بيص، فكل واحد في جهة، ويقول دليلي من الكتاب والسنة.فبدلاً من هذا كله، ومن أن يصبح الاسلام الذي جاء رحمة للعالمين ـ والذي يعبر عن حكم واقعي واحد ـ مذاهب وأحزاباً، يعادي بعضها البعض.. هنالك مراجع جعلهم الله تعالي حججاً علي خلقه، أئمّة هداة، لا يصعب علينا أن نأخذ الاسلام صافياً منهم، دون الخوض في الكتب المختلفة، وبعيداً عن هذه التعقيدات التي توهن المسلمين وترجعهم إلي الوراء.يقول الاستاذ عبدالوهاب خلاّف: «مما لا يعرف فيه خلاف بين جمهور المسلمين، أنّ الله سبحانه لم يترك الناس سدي، وأنّ له حكماً في كل ما يحدث للمسلم من الوقائع، غير أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص علي كل أحكامه في مواد قانونية جامعه» [91] . [ صفحه 51] لا ندري كيف اتفقت كلمة جمهور المسلمين علي عدم ترك الله عباده سدي، مع ما هو موجود عندهم من ترك الله لكتابه مفرّقاً، ونهيه عن تدوين السنة علي لسان نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم)، وعدم وضعه مرجعية تزود الناس بحاجاتهم المستجدة؟!والعجيب قوله: «أنه سبحانه لحكمة بالغة لم ينص علي كل أحكامه في مواد قانونية جامعة»!فهل الحكمة في أن ينص الله علي كل أحكامه، ليطمئن المسلم إلي حكم الله، وتستقيم تربيته التشريعية؟ أم الحكمة في ترك أحكامه للاجتهاد المبني علي الظن، الذي يؤدي إلي تعدد الاراء والمذاهب والقتال والتكفير فيما بين اتباعها؟!نعم هذه هي الحكمة التي أشار إليها الاستاذ خلاف، ولا يوجد غيرها وقد عاشها المسلمون، وما زالوا يعيشونها من تكفير لبعضهم البعض، وأنا أجزم أنّ انقسام هذه الامة إلي فرق ومذاهب لم يحدث إلاّ بسبب اقصاء النخبة التي تمثل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن مواقعهم التي خَصَّهم الله سبحانه بها، فلو بقي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حيّاً إلي يوم القيامة مع طاعة الناس له لما حدث أي انقسام أو خلاف بينهم، وهكذا لو أطاع الناس خلفاء النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من آل بيته (عليهم السلام) لما تمزقت أمته (صلي الله عليه وآله وسلم) شيعاً متنافرة في دينه الذي جاء ليؤلف بين قلوب الناس وليس لتشتيتهم.أتي رجل من أهل الشام ليناظرالامام الصادق (عليه السلام) [92] وأصحابه، [ صفحه 52] فتصدي له هشام بن الحكم [93] فقال له: «يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم خلقه لانفسهم؟فقال الشامي: بل ربي أنظر لخلقه.قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟قال: أقام لهم دليلاً كي لا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم.قال: فمن هو؟قال: رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم).فقال هشام: فبعد رسول الله؟قال: الكتاب والسنة.قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنّا؟قال الشامي: نعم.قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرتَ إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ [ صفحه 53] فسكت الشامي.فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مالك لا تتكلم؟قال الشامي: إن قلتُ: لم نختلف كذبتُ، وإن قلتُ: إنّ الكتاب والسنة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلتُ لانهما يحتملان الوجوه، وإن قلتُ: قد اختلفنا وكل واحد منّا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة، إلاّ أنّ لي علي هذا حجة.فقال أبو عبدالله (عليه السلام): سله تجده ملياً.فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أم أنفسهم؟فقال هشام: ربّهم أنظر لهم منهم لانفسهم.فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟قال هشام:نعم.قال الشامي: من هو؟قال هشام: أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأما بعد النبي فعترته...» [94] .وقال هشام بن الحكم لاحد خصومه الذين ينكرون وجود مبيّن للاسلام:«أتقول أن الله عدل لا يجور؟ [ صفحه 54] قال: نعم هو عدل لا يجور.قال هشام: فلو كلّف الله المقعد المشي إلي المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلّف الاعمي قراءة المصحف والكتب، أتراه كان عادلاً؟قال: ما كان الله ليفعل ذلك.قال هشام: علمت أنّ الله لا يفعل ذلك، ولكن علي سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذا كان تكليفاً لا يكون السبيل إلي إقامته وإقامة أدامه؟قال: لو فعل ذلك لكان جائراً.قال هشام: فأخبرني عن الله عزّوجلّ كلّف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه، ولم يقبل إلاّ أن يأتوا به كما كلّفهم؟ فجعل لهم دليلاً علي وجود ذلك الدين؟ أو كلفهم ما لا دليل لهم علي وجوده، فيكون بمنزلة من كلف الاعمي قراءة المصحف والكتب والمقعد المشي إلي الجهاد والمساجد؟فسكت خصمه ساعة ثمّ قال: لا بدّ من دليل، وليس بصاحبك.فتبسّم هشام وقال: تشيّع شطرك وصرت إلي الحق ضرورة، ولا خلاف بيني وبينك إلاّ في التسمية» [95] .نعم لقد أخبر الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) بافتراق أُمته ثلاثاً وسبعين فرقة، واحدة [ صفحه 55] منها في الجنة، فهل كان يعلم هذا ولا يضع دليلاً علي دين الله الصحيح؟إن قيل: الكتاب والسنة هما الدليل.قلنا: الكتاب والسنة مدعاة للاختلاف لاختلاف العقول في فهمهما، ونحن نريد المقصود الشرعي، وهو واحد لا يتعدد، إضافة إلي أنّ الرسول (صلي الله عليه وآله وسلم) ربط بين الكتاب وآل بيته (عليهم السلام) ولذلك يلزمنا الجمع بينهما.وإن قيل: الاشعري والمذاهب الاربعة.قلنا: وأي عقيدة للاشعري تقصدون؟ أعقيدة المعتزلة أم الاشاعرة أم أهل الحديث؟ ولا أحد من الائمة الاربعة كان قد رأي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وسمع منه، وقد نهوا الناس عن تقليدهم! [96] .لم يدعْ من أموره أولاها قد علمتم أنّ النبي حكيمٌترجع الناس في اختلاف نهاها كيف تخلو من حجة وإلي منإنّ ترك الامة دون مبيّن للشرع، يدل علي قصور النظام الاسلامي، فالفقهاء كانوا يطرحون مسائل لم تقع، ويجتهدون في معرفة أحكامها، واشتهر الفقه الحنفي بالفقه الافتراضي، فهل هؤلاء الفقهاء أكمل وأبعد نظراً من التشريع الالهي؟! [ صفحه 56] يقول الامام علي (عليه السلام): «اللهمّ بلي لا تخلو الارض من قائم لله بحجة إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مستوراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته» [97] .قال هشام بن الحكم لاحد العلماء الذين ينكرون وجود الامام:«ألك عين؟قال: يابني أي شيء هذا السؤال؟فقال: هذه مسألتيقال: سل وإن كانت مسألتك حمقاء.قال: أجبني فيها.فقال: سل.فقال: ألك عين؟قال: نعم.قال: فما تصنع بها؟قال: أري الالوان والاشخاص.قال: ألك أنف؟قال: نعم. [ صفحه 57] قال: فما تصنع به؟قال: أشم به الرائحة.قال: ألك لسان؟قال: نعم.قال: فما تصنع به؟قال أتكلم به.قال: ألك أذن؟قال: نعم.قال: ما تصنع بها؟قال: أسمع بها الاصوات.قال: ألك يدان؟قال: نعم.قال: فما تصنع بهما؟قال: أبطش بهما وأعرف اللين من الخشن.قال: ألك رجلان؟قال: نعم.قال: فما تصنع بهما؟قال أنتقل بهما من مكان إلي مكان.قال: ألك فم؟قال: نعم.قال: فماتصنع به؟ [ صفحه 58] قال: أعرف به المطاعم والمشارب علي اختلافها.قال: ألك قلب؟قال: نعم.قال: فما تصنع به؟فقال: أميز به كل ما ورد علي هذه الجوارح.قال: أفليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟قال: لا.قال: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة؟قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته ردّته إلي القلب فيتقين بها اليقين ويبطل الشك.قال: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟قال: نعم.قال: إن الله تبارك وتعالي لم يترك جوارحك حتّي جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك...؟!!» [98] . [ صفحه 60]

النتيجة

إن الله لم يقبض نبيه (صلي الله عليه وآله وسلم) حتّي أكمل علي يديه الدين وأتم النعمة وذلك بجعل آل البيت (عليهم السلام) خلفاء للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في القيادة والتبليغ، فكما يختار الله الانبياء كذلك يختار أوصياءهم، وكما يحتاج الناس للنبي، يحتاجون للامام، ولا يعقل أن يترك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دينه دون مرجع يبينه للناس، فهاهو يستخلف علياً (عليه السلام) علي أمانات خاصة، [99] فهل كانت هذه الامانات أعظم من الامانة الالهية حتّي يتركها دون وصي، ويضع وصياً علي أمانات دنيوية؟!بعد الذي قدمنا هل يبقي شك في أحقية مدرسة آل البيت (عليهم السلام) بالامامة وقيادة الامّة الاسلامية إلي طريق الله سبحانه؟المدرسة السنية تقول: إنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) أهمل أمر المرجعية بعده فلم يجعل للاجيال إلاّ قرآناً مفرقاً في الصحف والصدور.والمدرسة الشيعية تقول بجمع النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للقرآن والسنة، وأقام بأمر الله تعالي الائمة الاطهار ترجماناً لهما. [ صفحه 61] إن من يقف متأملاً بين النظريتين السابقتين لمستقبل الدعوة، فإنه سيهتدي إلي الحقيقة:فالنظرية الاولي تري أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) وبعد ثلاث وعشرين سنة من الجهاد وتحمل الاذي والصعاب لنشر دينه، ترك معجزته الخالدة مفرقة، ونهي عن تدوين سنته المبينة للقرآن، والتي لا يستغني عنها، وهو يعلم بحاجة الناس إليها، ولم يشر للمستجدات وكيفية التعامل معها...هذا ما وجدته في النظرية الاولي، وأي منصف يتأملها جيداً سيجد نفس الشيء، وأي محاولة تبريرية لهذه الحقيقة فهي فاشلة، وتغطية علي الواقع.هذا من جانب، ومن جانب آخر لا نري علي المدرسة الشيعية أي مؤاخذة في حق النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فهو ذلك القائد البصير الذي نظر للامد البعيد فلم يترك الامر بعده مهملاً فارغاً بل رتّبه أروع ترتيب، فالكتاب والسنة مدونان، ولحسم الخلاف في فهمهما جعل ناطقاً عنهما لا يخلو منه زمن.إنّ الفكر الذي يقدم هذه الاطروحات لصيانة الاسلام من التحريف وإدامته، لهو فكر عظيم، فلا يمتلك المرء إلاّ أن ينحني أمامه، وبهذا التصوّر نري المفارقة العجيبة بين النظريتين.والضِدّ يُظهر حُسنَهُ الضِدُّ!وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاللهم علي محمّد وآله الطاهرين

پاورقي

[1] «صحيح البخاري» كتاب المغازي، باب مرض النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) ووفاته.
[2] «صحيح البخاري» كتاب المرض، باب قول المريض قوموا عني. لقد فهم عمر أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان سيكتب لهم وصية بكتاب الله وشيء آخر اقترن معه دائماً في توصياته (صلي الله عليه وآله وسلم)، لهذا قال فوراً: «حسبنا كتاب الله» ومعناه يكفينا كتاب الله ولا نريد ذاك الشيء المقارن له، وكان النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يقرن كتاب الله مع أهل بيته دائماً ويوصي الامة باتباعهما معاً وسيمر علينا هذا خلال البحث، ومن أراد المزيد فليرجع إلي كتابنا: «وركبت السفينة».
[3] «صحيح البخاري» كتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته.
[4] راجع الحديث مثلاً في «مستدرك الحاكم» 1 / 128، «مسند أحمد» 2 / 332.
[5] «صحيح البخاري» كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ح 7311.
[6] وهذا ما يعرف بحديث الثقلين وله ألفاظ أخري، سيأتي بعضها، والرواية السابقة صححها الالباني.
[7] هذا الحديث صحيح وسيأتي في ثنايا البحث.
[8] الليل: 12.
[9] الاعراف: 158. [
[10] الانبياء: 107.
[11] أي: بعد مقتلهم.
[12] العسب: جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة. واللخاف: حجارة بيض عريضة رقاق، واحدتها لخفة، راجع «لسان العرب» 9/ 197 و12/ 261.
[13] «صحيح البخاري» كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 6 / 314. إنّ هذه الرواية وروايات أُخري تدّعي أنّ القرآن قد كتب بشهادة شاهدين، وهذه والله أكبر ضربة للقرآن، ومعني ذلك أنّ القرآن أخبار آحاد.
[14] «التسهيل» 10 / 6.
[15] «صحيح مسلم» كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم.
[16] راجع «مستدرك الحاكم» 1/ 105 ـ 106، «مسند أحمد» 2/ 162.
[17] «صحيح البخاري» 1/ 40 ـ 41.
[18] كالمحدث رشيد رضا حيث قال: «لو فرضنا أن بين أحاديث النهي عن الكتابة والاذن بها تعارضاً يصح أن يكون به أحدهما ناسخاً للاخر، لكان لنا أن نستدل علي كون النهي هو المتأخر بأمرين...» راجع «المنار» 10/ 766.
[19] الفتح: 28.
[20] «فتح الباري» 8 / 604 وصحّح ابن حجر ذلك.
[21] «لسان الميزان» 4/ 431.
[22] «مقدمة ابن الصلاح» 302.
[23] «تدريب الراوي» 1/ 40.
[24] «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب إثم من كذب علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).
[25] «مع رجال الفكر والدعوة» 78.
[26] «صحيح مسلم» كتاب اللباس، باب استحباب لبس النعل في اليمني أولاً.
[27] المائدة: 3.
[28] الحجر: 9.
[29] التوبة: 128.
[30] «التنبيه علي الاسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين» للبطليوسي 115 ـ 117.
[31] النجم: 4.
[32] النساء: 105.
[33] جميع كتب الاصول: مبحث الاستحسان.
[34] «تدوين السنّة» 15.
[35] «أضواء علي السنّة المحمدية» 218.
[36] ومن أراد الفصيل فليرجع إلي كتابنا «وركبت السفينة» فصل: اشكالات علي مرجعية الصحابة، 189 ـ 236.
[37] «البخاري» كتاب الفتن 9/ 83، وكتاب الرقاق، باب في الحوض.
[38] «مسلم» كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبينا وصفاته.
[39] «البخاري» كتاب الرقاق، باب في الحوض.
[40] وهذا أمرٌ ينبغي التأمل فيه مليّاً، فلماذا توقفت مؤامرات المنافقين؟ هل كان أبوبكر وعمر أذكي من النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فأوقفاهم عند حدهم وكشفاهم أم أنّ المنافقين حققوا أغراضهم بعد النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) فسكتوا؟!!.
[41] «البخاري» كتاب الرقاق، باب في الحوض.
[42] المصدر السابق.
[43] «النهاية في غريب الحديث» 5/ 274، وكذا في «لسان العرب» 15/ 135، وقريب منه في «فتح الباري» 11/ 392.
[44] «الاصول من الكافي»، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث.
[45] «المحدث الفاصل» للرامهرمزي 601.
[46] هو الامام السادس من أئمة آل البيت (عليهم السلام).
[47] «الوافي» للفيض الكاشاني.
[48] وقد يقال: ولماذا لم يخرج أئمة آل البيت (عليهم السلام) هذا الكتاب ليستفيد منه المسلمون؟ والجواب: أنّ الامة هي السبب إذ نحّتهم عن مركزهم الذي جعلهم الله فيه كما سيأتي.
[49] «تاريخ التشريع الاسلامي» للدكتور عبدالهادي الفضلي 35.
[50] «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب كتابة العلم.
[51] راجع «الرحلة إلي طلب الحديث» للخطيب البغدادي.
[52] «تدوين السنة الشريفة» للسيّد محمد رضا الجلالي 73 ـ 74، نقلاً عن «الامامة والتبصرة من الحيرة» 183 ح38، «بصائر الدرجات» للصفّار 167... وراجع كتاب السيّد الجلالي المذكور لتري تصريحات بعض العلماء بامتلاك أهل البيت (عليهم السلام) صحيفة أو صحفاً.
[53] هو محمد الباقر الامام الخامس من أئمة آل البيت (عليهم السلام).
[54] «فهرست النجاشي» 2 / 261.
[55] «المحدث الفاصل» للرامهرمزي 601، «تدريب الراوي».
[56] «سلسلة الاحاديث الضعيفة» 1 / 76 ح57.
[57] «الاحكام في أصول الاحكام» 5/ 61.
[58] ونعني بأهل البيت إضافة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والزهراء (عليها السلام) الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) أولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله فرجه، لمزيد من التفصيل انظر كتابنا «وركبت السفينة»533 ـ 596.
[59] ولسنا الان بصدد التعرض للنص الذي يعلن مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) السياسية ـ أعني نص الغدير ـ أجل فلندع أمر الخلافة قليلاً ولنري الان أمر ديننا فمن أين نأخذه؟.
[60] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام).
[61] «صحيح الترمذي» ج5 كتاب المناقب 663/ 3788، «المستدرك» 3/ 148.
[62] وكل رواياتهم من طرق أهل السنة فراجعها في: «عبقات الانوار» ج1 وج2 و«ملحق المراجعات» 327.
[63] راجع: «حديث الثقلين: تواتره ـ فقهه» لعلي الحسيني الميلاني.
[64] «صحيح الجامع الصغير» 2 / 217، رقم 2454.
[65] «صحيح صفة صلاة النبي» 289.
[66] «منهاج السنة» 4 / 85.
[67] «السنة» لابن أبي عاصم 337، رقم الحديث 754، «مسند أحمد» 5/ 182.
[68] «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لابي القاسم اللالكائي السلفي 8، تخريج أحمد سعد حمدون.
[69] راجع كلامه في «صحيح صفة صلاة النبي» 289 ـ 294.
[70] «الموطأ» كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر.
[71] «مستدرك الحاكم» 1/ 93.
[72] راجع ترجمته في: «تهذيب التهذيب» 1/ 271.
[73] راجع ترجمته في «تهذيب الكمال» 13 / 96، و«تهذيب التهذيب» 4 / 355.
[74] «السنن الكبري» 10 / 114.
[75] «التمهيد» 24 / 331.
[76] «خلاصة عبقات الانوار» 43.
[77] «الصواعق المحرقة» 150.
[78] راجع «خلاصة العبقات» 247.
[79] فراجع «مستدرك الحاكم» 3 / 150، «المعجم الكبير» للطبراني 130، «مجمع الزوائد» للهيثمي... انظر «وركبت السفينة» 407.
[80] «مستدرك الحاكم» 3 / 149 قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، «الصواعق المحرقة» 91 و140 وصححه، «مجمع الزوائد» 9 / 147.
[81] آل عمران: 102.
[82] «روح المعاني» للالوسي 4 / 16، «الصواعق المحرقة» 149.
[83] النحل: 43.
[84] راجع: «تفسير الطبري» 14 / 109، «تفسير ابن كثير» 2 / 591 ـ 592، «تفسير القرطبي» 11 / 272.
[85] التوبة: 119.
[86] راجع «الدر المنثور» 3/ 290، «فتح القدير» للشوكاني 2/ 295، «روح المعاني» 11/ 41، «تذكرة الخواص» 10.
[87] البينة: 7.
[88] «تفسير الطبري» 3/ 146، «فتح القدير» 5/ 477، «الدر المنثور» 6/ 379، «روح المعاني» 30/ 207، «الصواعق المحرقة» 96.
[89] «مسند أحمد» 4/ 126.
[90] قال أحمد سعد حمدان: رواه أحمد 1 / 87، «الفتح الرباني»، والمروزي في «السنة» 6، ورواه ابن ماجة موجزاً وابن أبي عاصم في «السنة» موجزاً ـ 16، وصحّح الالباني هذا الحديث، فراجع «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لابي القاسم الطبري، تحقيق أحمد سعد حمدان.
[91] «مصادر التشريع فيما لا نص فيه» 8.
[92] هو الامام السادس من أئمة آل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، وهو أستاذ أبي حنيفة رغم أنّه يصغره بسنتين، أنظر كتابنا «وركبت السفينة» 554 ـ 564.
[93] أحد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) المقربين، وقد نسبت إليه كثير من الاتهامات الباطلة.
[94] «الاحتجاج» 2 / 277 ـ 281.
[95] «الكشكول» ليوسف البحراني.
[96] وهذا أثبتناه فراجع «وركبت السفينة» 29 ـ 36 و«نحو الاسلام الاصيل» للمؤلف.
[97] «ينابيع المودة» في الباب المائة 523، «إحياء علوم الدين» 1/ 54، «حلية الاولياء» بايجاز 1/ 8، وقريب منه في «مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» 3/ 32 نقلاً عن «إعلام الموقعين» لابن القيم.
[98] «الاصول من الكافي» 1 / 169 ـ 171.
[99] قبل موته الشريف كان قد أوصي (صلي الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) بأن يسلّم بعض الامانات لاصحابها.

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.