مراسم عاشوراء شبهات.. وردود..

اشارة

عنوان كتاب:مراسم عاشوراء شبهات وردود/ جعفر مرتضي العاملي

وضعيت نشر و پخش و غيره :بيروت: المركز الاسلامي للدراسات، 1430ق. = 1388.

مشخصات ظاهري:96ص.

زبان متن نوشتاري يا گفتاري و مانند آن:عربي

محل و شماره بازيابي:كتابخانه مجلس شوراي اسلامي1314758

شناسگر ركورد:

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيموالحمدلله، والصلاة والسلام علي خير خلقه، وأشرف بريته، محمد وآله الطاهرين، واللعنة علي أعدائهم إلي قيام يوم الدين.وبعد..فقد جاءت الآيات الشريفة لتأمر بالتذكير بأيام الله، وبتعظيم شعائر الله سبحانه.قال تعالي: (ذلك من يعظم شعائر الله، فإنها من تقوي القلوب) [1] .وقال سبحانه: (وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) [2] .وورد عن الأئمة الأطهار عليهم السلام أوامر كثيرة تحث بإحياء أمرهم عليهم السلام، [3] خصوصاً ذكري عاشوراء..ولا يصغي إلي الشبهات التي تثار حول كون عاشوراء من هذه الشعائر، أو من أيام الله، التي لا بد من التذكير بها، أو ليست منها، فإنها لا تعدو كونها شبهة في مقابل بديهة.هذا، وقد ظهرت عبر التاريخ أساليب متنوعة في هذا المجال، من قبل المتمسكين بحبل الله الممدود من السماء إلي الأرض، والمعتصمين بولاية أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة..وكان من هذه الأساليب، لطم الخدود والصدور، وضرب الظهور بالسلاسل. وحتي جرح الرؤوس.وهي أمور لم يستسغها البعض، فأثار عاصفة من التنفير منها _ علي اعتبار أنها من مظاهر الجهل والتخلف تارة.. وأن فيها أذي للجسد أخري، والأذي يدخلها في دائرة الضرر الذي يحرم الإقدام عليه شرعاً..كما أن هناك من يقول: إن هذه الأساليب توجب وهناً في المذهب، وإساءةً لسمعته، وتنفيراً للناس منه..فمست الحاجة، بعد أن وردت إلينا وعلينا أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع إلي معالجته بصورة علمية وموضوعية، معالجة تميط اللثام عن الواقع والحقيقة في هذه المسألة من

خلال النصوص الإسلامية، التي لابد من أن يكون أي رفض أو قبول مستنداً إليها ومرتكزاً عليها حتي التاريخية منها، مما كان بمرأي ومسمع من الأئمة عليهم السلام، ويستطيع أن يكون حجة ودليلاً علي هذا الأساس.فكانت نتيجة هذه المحاولة هي هذا البحث المقتضب الذي بين يدي القارئ الكريم، فنحن نقدمه إليه، ورجاؤنا الأكيد هو أن يتحفنا بملاحظاته، إن رأي أن هناك ما يلزم التنبيه عليه، ولفت النظر إليه، وسوف نكون من الشاكرين.والصلاة والسلام علي عباده الذين اصطفي محمد وآله الطاهرين.7/12/1422 ه_جعفر مرتضي العاملي

بداية و توطئة

وبعد..فقد ورد إلينا سؤال عن مشروعية جرح الرأس، وإيذاء الجسد باللطم، وبضرب السلاسل علي الظهور، ونحو ذلك مما يجري في مراسم عاشوراء، حيث إن هناك من يصّر علي الإعلان بتحريمه، وعلي رمي من يفعل ذلك بالجهل والتخلف. مع مزيد من الإصرار علي التشنيع علي من يفعل ذلك في موسم عاشوراء، بأسلوب مرّ وكريه وشرس، يختزن في طياته ما يعتمر في بعض النفوس من خلجات وانفعالات متراكمة لسبب أو لآخر، أريد التنفيس عنها بهذه الطريقة.ومهما يكن الحال، فإن هذا الأمر يحتاج في إيضاح وجه الحق فيه إلي جهات من البحث والبيان، نوجزها في ضمن ما يلي من نقاط:

ادلة القائلين بالحرمة

إن عمدة ما استدلوا به علي حرمة ذلك هو:أولاً: النواهي الشرعية عن إلقاء النفس في التهلكة.وما ذكروه دليلاً علي ذلك [4] هو الآية الشريفة: (وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة..) [5] .بالإضافة إلي آيات أخري، مثل قوله تعالي: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [6] .وقوله تعالي: (ويحذركم الله نفسه) [7] ، ونحو ذلك..ثانياً: إنه إيذاء للنفس، وإضرار بها. وهو محرم شرعاً وعقلاً..ثالثاً: إن ذلك يتضمن توهيناً للمذهب، وهو من موجبات السخرية والإستهزاء به..ونقول:إنه ليس في ذلك كله ما يصلح دليلاً للمنع عن إقامة هذه الشعائر، علي ما هو المتعارف فيها.. ونبين ذلك فيما يلي من مطالب..

مناقشة الدليل الاول

أما بالنسبة للدليل الأول. فنقول:أولاً: إن آية: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)، ناظرة إلي التهلكة في الآخرة، لأنها تتحدث عن الإنفاق في أمر الجهاد، وأن الإمتناع عن هذا الإنفاق يعرِّض الإنسان لعقاب الله سبحانه، وللهلاك في الآخرة..ثانياً: لو سلمنا أن الآية تشمل الهلاك في الدنيا أيضاً.. فإننا نقول: إنه ليس في شيء مما يمارسه محبّو الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء ما يؤدي إلي الهلاك في الدنيا..ولم نسمع ولم نر أحداً مات نتيجة لجرح رأسه، أو بسبب اللطم علي الصدور، أو ضرب الظهور بالسلاسل، أو نحو ذلك..بل لم نسمع أن أحداً مرض مرضاً خطيراً، أو حتي غير خطير بسبب ذلك، فلو كان لبان.ثالثاً: إنه حتي لو اتفق ذلك في حالات نادرة فسيأتي أنه لا يوجب التحريم أصلاً. إذ هو لا يعدو كونه أمراً نادراً، قد تكون له أسبابه الخاصة التي لا ربط لها بممارسة هذا الأمر.. تماماً، كما لو اتفق مثل هذا الأمر في أكلة بأكلها، أو في تعرّض

للهواء في ساعة باردة. أو حارة.. أو ما إلي ذلك...فإن ذلك لا يدعو إلي تحريم تلك الأكلة، ولا إلي المنع من الخروج في ساعات البرد أو الحر..بل إن ذلك قد يحصل من ركوب السيارة، إذ قد يتفق حصول حادث يؤدي إلي الوفاة، أو إلي نقص عضو، أو إصابة بمرض خطير، أو غيره..ويحصل ذلك أيضاً من ركوب الطائرة، والقطار، ومن غير ذلك من أمور.وأما سائر الآيات التي ذكروها دليلاً فهي لا تدل علي ذلك، إذ هي ناظرة إلي العذاب الإلهي في الآخرة، كما يظهر لمن يرجع إليها..فإن الله سبحانه حين يحذر الناس نفسه، إنما يحذرهم من العذاب الذي يواجههم به..كما انه قد حذّرهم من الفتنة من جهة، ومن العذاب الأليم من جهة أخري، والعذاب الأليم إنما هو في الآخرة، وأما الفتنة فليست هي الهلاك والموت، وذلك ظاهر..

مناقشة الدليل الثاني

وأما بالنسبة للدليل الثاني وهو أن في هذه الممارسات إيذاء للنفس، أو إضرارا بها وهو محرم شرعاً.. فنقول أيضاً:أولاً: إن من الواضح: أن جرح ولطم الإنسان نفسه وإيلامها ليس قبيحاً ذاتاً، كما هو الحال في الظلم.. إذ لو كان كذلك لم يجز الحكم بجواز الجرح حتي في مقام المعالجة..كما أن هذا الجرح ليس فيه اقتضاء القبح، فهو ليس من قبيل الكذب مثلاً، ليقال: إنه إن لم يطرأ علي الكذب عنوان حسن فإنه يبقي علي صفة القبح الذي تقتضيه طبيعته.وذلك لما سيأتي من شواهد تدل علي خلاف هذا الإدعاء.بل هو خاضع في حسنه وقبحه للعناوين الطارئة عليه، فقد يحسن، وقد يقبح، وقد يرجح، وقد يكون مرجوحاً.. كما سيتضح.ثانياً: بالنسبة للأدلة السمعية نقول: إن مقولة: إن كل إيذاء للنفس محرم؟! لم تثبت ولم يقل بها أحد ممن يعتد به من العلماء.

فإن القدر المتيقن منه هو ما يؤدي إلي الهلاك، أو ما كان ضرراً بالغاً جدا يصل إلي حد قطع عضو، أو التسبب بحدوث مرض عضال.وحتي هذا الأمر بالذات فإن في بعض أدلته مناقشات قوية، إذ أن دليله من الآيات هو آيات ناظرة إلي الهلاك في الآخرة. حيث استدلوا بقوله تعالي: (ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة)، وقد ذكرنا آنفاً أنها تنهي عن الهلاك بالتعرض لغضب الله عز وجل بسبب عدم امتثال أوامره في الإنفاق في الجهاد..ويمكن أن يستدل له بقوله تعالي: (ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيما). [8] حيث يمكن القول بدلالته علي حرمة قتل النفس، ولا سيّما بملاحظة الآية التالية لها، وهي قوله تعالي: (ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك علي الله يسيراً) [9] .وحتي لو نوقش في دلالة هذه الآية أيضاً علي حرمة قتل النفس، فإن الأمر في هذه المسألة سهل، إذ أن حرمة قتل الإنسان نفسه لا شك فيها ولا شبهة تعتريها، بل هي من الضروريات. فلا حاجة إلي إقامة الأدلة علي ذلك. وأما ما دون ذلك فسيأتي الحديث عنه.ثالثاً: استدلوا بحكم العقل بوجوب دفع ما فيه مضرة علي الإنسان.. بل يجب دفع الضرر المظنون، بل والمحتمل أيضاً..

بطلان دليل العقل

ولكننا نقول:إن هذا الدليل لا يمكن القبول به، ولا الإلتفات إليه. وذلك يحتاج إلي بعض التوضيح، في ضمن مطالب، وجهات من البيان، فنقول:

العقلاء واحتمالات الضرر

إننا قبل كل شيء نبذل محاولة للدخول إلي السلوك العام للعقلاء في مواجهة المخاطر، بهدف أن نتلمس تنوعاً يفيد في إعطاء صورة عن جهات البحث وموارده.وأول ما يواجهنا في هذا المجال هو: أن هناك الكثير من الموارد التي يحتمل فيها الهلاك، وقد جري عليها العقلاء وهي من سنن الحياة فيهم التي لم يمنع عنها الشارع، بل عمل علي تنظيمها، والحفاظ عليها..ومن تلك الموارد التي أجازها نذكر:حمل المرأة مع احتمال حصول الموت حال الولادة، وذلك كثير، وقد اعتبر الشارع من تموت حال الولادة بمثابة شهيدة..وفي سياق آخر فإن العقلاء يمارسون ركوب الطائرة، والسيارة, والصعود إلي الأبنية الشاهقة لمعالجة الأعمال فيها في مواضع خطرة جدا. والتعرض للمهالك وقد حدث ذلك أحيانا فهلكت أنفس كثيرة في تلك الموارد كلها. ولم يمنعهم الشارع عنها أيضاً.ولا مجال لاستقصاء الموارد التي من هذا القبيل، وهي تدل علي أن احتمال الضرر _ ولو كان هذا الضرر هو الهلاك _ لا يوجب امتناع الناس العقلاء عن السعي نحو أهدافهم، فكيف إذا كان اقل من ذلك.ولو كان ذلك مما تمنعه العقول، لتوقفت كثير من الأعمال وفشلت كثير من الخطط..وعلي كل حال، إن العقلاء يقدمون علي الصعود إلي مواضع خطرة جدا، واحتمال الخطر فيها أقوي من احتمال السم في ماء الكوب، ولا يرون في العقل ما يمنعهم من ذلك.بل ان هناك أعمالاً تشتمل علي مجازفات كبري يقدم عليها طلاب الشهرة وغيرهم، ولا يلومهم الناس عليها، حتي لو وقعوا في البلاء العظيم. بل هم يمدحونهم ويثنون عليهم، ويشجعونهم. والناس ليسوا مجانين قطعاً.وهذا يدل

علي أن ثمة حيثيات أخري تدخل في حسابات العقلاء، في إقدامهم وإحجامهم، حيث يكون للمنافع والمضار وغير ذلك دور في القبول وفي الرفض.

العقلاء والضرر المحتم

وفي سياق آخر تلاحظ: أن ثمة إقداماً من العقلاء علي أمور فيها الهلاك المحتم لأنفسهم، إذ أن من الطرق التي يتبعها العقلاء الإضراب عن الطعام حتي الموت، وذلك من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية مثلاً، أو من أجل الإحتجاج وتسجيل الموقف في قضية سياسية أو غيرها.. ولا يستقبح ذلك الناس منهم، ولا ينكرونه عليهم بل يعطونهم كل الحق في ذلك، فلو كان قبيحاً عقلاً لوجب أن يكون الأمر مختلفاً.

قاعدة وجوب دفع الضرر

إن ذلك يحتاج إلي بيان، إذ هناك ضرر كبير يصل إلي حدّ التسبيب بهلاك الإنسان، فهذا يجب دفعه بلا ريب..وهناك ضرر دون ذلك، فإن كان بالغاً إلي حد قطع عضو أو ابتلاء بمرض عضال.. فكذلك هو حرام أيضاً، وذلك موضع إجماع، كما ذكره علماؤنا قدس الله اسرارهم. [10] .ولكن الضرر الذي هو دون ذلك كالجرح اليسير الذي لا يؤدي إلي إتلاف عضو، والمرض اليسير ونحوه، فلا يحكم العقل بلزوم دفعه، بل هو تابع للعناوين والحالات الطارئة. في كل مورد بخصوصه..

توضيح حول مراتب الضرر وحالاته

ولمزيد من التوضيح لما نرمي إليه نقول:1 _ إن هناك ما هو قبيح ذاتاً، فلا يمكن أن يكون حسناً مهما طرأ عليه من أحوال، وذلك مثل الظلم. وهناك ما هو حسن كذلك كالعدل..2 _ ثم هناك ما فيه اقتضاء القبح، بمعني أنه لو خلي وطبعه، لكان علي ما هو عليه من الإقتضاء المؤثر.. إلا إذا ورد عليه عنوان حسن، وذلك كالكذب فإنه إذا طرأ عليه عنوان نجاة نبي من القتل مثلا فإنه يصبح واجباً وفي مقابله ما يكون فيه اقتضاء الحسن كالصدق مثلا. فقد يصبح حراماً كالمثال المذكور.وقتل النفس من هذا القبيل، فإنه ليس قبيحاً ذاتاً من الناحية العقلية.. إذ لو كان كذلك لم يصح الأمر به علي سبيل العقوبة، أو القصاص..فإن القبح ذاتاً لا يمكن أن يصبح حسناً أصلاً، تماما كما هو الحال في الظلم مثلاً، فإنه كلما وجد، لا يوجد إلا علي صفة القبح وحين يزول عنه القبح فإنه لا يعود ظلماً، بل يصير عدلاً، أو إحساناً.وكذلك الحال في قطع الأعضاء، فإن فيه اقتضاء القبح، فإذا توقف العلاج عليه، أصبح سائغاً أيضاً.3 _ وهناك ما لا اقتضاء فيه لحسن ولا لقبح، بل هو

في ذلك تابع للعناوين التي تطرأ عليه، وذلك مثل القيام، فقد يحرم إذا كان تعظيماً لفاجر وقد يكون راجحاً محبوباً إذا كان تعظيماً لمؤمن..وليكن من هذا القبيل ما يفعله الناس في حياتهم العادية, من ثقب الأنوف والآذان لتعليق الخزائم والأقراط، وكذلك الوشم وغير ذلك، مع أنه يتضمن جرحاً ووخزاً بالأبر، وادماءً وألماً. ولكنهم لا يفعلون ذلك من أجل العبث واللهو.وليس ترك البعض لمثل هذه الأعمال لأن عقولهم تحكم بقبحها ذاتاً وإنما استثقالاً منهم للألم، وإيثاراً للراحة وحباً بها.وفيما بين هذين الحدين: أعني قتل النفس من جهة والوشم وثقب الأذن من جهة أخري.. مراتب بعضها أشد من بعض، ومنها المرض اليسير، الذي حكم كثير من الفقهاء [11] بأنه لا يسوغ الإنتقال من الوضوء إلي التيمم.ومن هذه المراتب ما ورد عن الشارع الأمر به استحباباً، أو طلباً لتأكيد الصحة والسلامة، مثل ما ورد من الحث علي الحجامة، أو الأمر بالفصاد، ونحو ذلك مما فيه جرح. [12] .وليس جرح الرؤوس في مراسم عاشوراء، وكذلك ضرب السلاسل، فضلا عن اللطم بأشد من أمر الحجامة، فضلاً عما هو أعظم من ذلك كما سنري..وفي مختلف الأحوال.. فإن ذلك كله إذا تعنون بعنوان راجح: واجب أو مستحب، فإنه يأخذ حكم ذلك العنوان.. وإذا تعنون بما هو مبغوض ومرجوح، فكذلك..وهذا الذي ذكرناه توضحه نصوص كثيرة، كما سيتضح.

النصوص المتواترة

وهذا الذي ذكرناه توضحه نصوص كثيرة، تفوق حد التواتر، وهي علي درجة كبيرة من التنوع، في سياقاتها، وفي مضامينها.وقد تحدثت عما فيه أذي وجرح واقع حتم قد يصل إلي حد إتلاف بعض الأعضاء أو دون ذلك.وتحدثت أيضا عما فيه خوف ضرر تارة, وما فيه خوف هلاك أخري..وكل ذلك قد جاء في نصوص تضمنت أقوالاً، وأفعالاً، للأئمة

أنفسهم عليهم السلام تارة, وفي حضورهم أخري..وفيها المرسل والمسند، وفيها الصحاح والحسان، وغير ذلك..وكلها تؤكد حقيقة واحدة، وتشير علي أمر فارد، وهو أن جميع ذلك ليس قبيحاً في ذاته عقلاً، بل في بعضه اقتضاء للقبح.. وبعضه ليس فيه اقتضاء ذلك أصلاً..وكلا الصنفين يكون في موارده خاضعاً للعناوين الطارئة، وتابعاً في أحكامه، للوجوه والإعتبارات المختلفة.فإذا كان جرح الرأس، واللطم وغير ذلك هو من موارد إحياء أمرهم عليهم السلام، وتعظيم هذه الشعيرة الإلهية فإن ذلك من أهم العناوين المحبوبة والمطلوبة لله تعالي كما ظهر من الأحاديث الواردة عن الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم..بل لقد صدر عن الأنبياء والأئمة عليهم السلام أو بحضورهم كما نطقت به النصوص والآثار الآتية.

ما هو اعظم من اللطم او جرح الرؤوس

وكفي شاهداً علي ذلك فعل يعقوب علي نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام..فإلي ما يلي من نصوص وآثار تظهر هذه الحقيقة وتؤكدها..

المعصوم و احتمال الضرر والهلاك

إننا إذا انتقلنا إلي عالم النصوص الواردة عن النبي وأهل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فسوف يكون أمامنا موارد كثيرة تدخل في هذا السياق، وتشير الي هذا الإتجاه بالذات، فهناك موارد أوجبها الشارع أو مارسها أهل الشرع قد كان فيها احتمال الهلاك ظاهراً.. أو كان فيها الضرر البالغ محققاً..ونذكر من ذلك ما يلي:1 _ الكليني: عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن عبد الله العلوي، وأحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن العباس، عن اسماعيل بن اسحاق جميعا عن أبي روح فرج بن قرة عن مسعدة بن صدقة، قال حدثني ابن أبي ليلي، عن ابي عبد الرحمن السلمي، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة, إلي أن قال:(وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل علي المرأة المسلمة، والأخري المعاهدة، فينتزع حجلها، وقُلبها، وقلائدها، ورعاثها، ما تمنع (تمتنع خ.ل.) منه إلا بالإسترجاع والإسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق له (لهم خ.ل.) دم.فلو ان امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان عندي به (به عندي خ.ل.) جديراً.) [13] .فهو عليه السلام لا يلوم من يموت من المسلمين أسفاً لسلب امرأة كافرة، ليس هو مسؤولاً عن حمايتها، لأنها معاهدة لمدة علي متاركة الحرب، حتي إذا انقضت تلك المدة فربما تعود إلي حرب المسلمين، وإلي السعي في أذاهم وقتلهم..بل إنه عليه السلام يري أن من يموت أسفاً لهذا الأمر جديرٌ بذلك.. رغم أن ما جري

لهذا الكافرة المعاهدة هو مجرد سلب حليها منها، دون أن تتعرض لضرب، ولا لهتك، ولا لأسر، ولا لقتل..فإذا كان الموت أسفاً علي سلب امرأة كافرة غير موجب للّوم، فالموت حزناً علي الحسين عليه السلام، وأسفاً لما جري عليه، وعلي أصحابه لا يوجب اللوم، بل يكون في محله..2 _ قد أوجب الله تعالي جهاد العدو أو أجازه _ ونقصد به الجهاد الإبتدائي لا الدفاعي _ مع ما في هذا الجهاد من احتمال القتل، أو قطع بعض الأعضاء، أو الجرح..3 _ قد أمر الله سبحانه بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقال:(وإذ قال موسي لقومه: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، فتوبوا إلي بارئكم، فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم عند بارئكم، فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم). [14] .وقال تعالي: (ولو أنا كتبنا عليهم: ان اقتلوا أنفسكم، أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه). [15] .فلو كان القتل قبيحاً ذاتاً، لم يأمرهم الله سبحانه به.4 _ وقد قال الله تعالي لنبيه: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات). [16] وقال: (فلعلك باخع نفسك علي آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) [17] .وقال تعالي: (لعلك باخع نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين) [18] .فهو صلي الله عليه وآله يعرض نفسه لأمور صعبة إلي حد الهلاك من أجل أناس يعلنون الحرب عليه، ويقتلون المسلمين، ويفتكون حتي بمثل عمه حمزة وعبيدة بن الحارث وغيرهم.ألا يحق لنا نحن أن نأسف إلي حد الموت لقتل الحسين أو إلي حد إلحاق بعض الأذي بأجسادنا؟.

رواية الفرار من الطاعون

وقد أظهرت الروايات: أن الفرار من الطاعون ليس واجباً، بل هو رخصة.فعن علي بن ابراهيم، عن أبيه عن ابن ابي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله عليه

السلام عن الوباء يكون في ناحية المصر، فيتحول الرجل إلي ناحية أخري، أو يكون في مصر فيخرج منه إلي غيره؟!فقال: لا بأس، إنما نهي رسول الله صلي الله عليه وآله عن ذلك لمكان ربيّة [19] كانت بحيال العدو، فوقع فيهم الوباء، فهربوا منه، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: الفارّ منه كالفارّ من الزحف، كراهية أن تخلو مراكزهم [20] .وقريب من ذلك: ما رواه الصدوق عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن فضالة، عن ابان الأحمر، عن أبي عبد الله عليه السلام.وثمة روايات أخري بهذا المضمون فراجع. [21] .ففي هذه الرواية:أولاً: إنه عليه السلام لم يحتم علي ذلك السائل التحول والإبتعاد عن موضع الخطر، بل قال له: لا بأس..إلا أن يقال: إن كلمة (لا بأس) قد وردت في مورد توهم الخطر، فهي تدل علي عدم العقاب علي الفعل الذي ارتكبه السائل متوهما حرمته.ثانياً: إنه عليه السلام قد أوضح أن النبي قد حتم علي ربية أن لا يهرب من الطاعون، لكي لا تخلو تلك المراكز منهم. واعتبر ذلك كالفرار من الزحف.وذلك معناه: أن الضرر النوعي مقدم علي الضرر الشخصي. فلا بد من دفع الأول ولو بقيمة تعريض النفس للثاني، فكيف يقال: إن فعل ما فيه ضرر قبيح ذاتا بحكم العقل؟!..أليس هذا يدل علي أن عروض عنوان ثانوي يوجب جعل هذا الأمر حسنا ومطلوبا؟.

افعل حتي لو مرضت

ومما يدل علي عدم لزوم التحرز عن جميع أنواع الأمراض، ولا عن أذي النفس. ما دلَّ علي لزوم القيام ببعض الأعمال، التي فيها أذي لا يرضي الناس به في الظروف العادية..ونستطيع أن نستفيد ذلك من الروايات التالية:1 _ روي

الشيخ عن محمد بن علي، عن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، وأحمد بن ادريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، وحماد بن عيسي، عن شعيب، عن أبي بصير.وفضالة عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن عبد الله بن سلميان، جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوَّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟.قال: يغتسل، وإن أصابه ما أصابه. [22] .فقد حتم عليه أن يغتسل، ويتحمل آثار ما أقدم عليه، فإذا كان الإقدام علي الضرر قبيحاً عقلاً لم يكن معني لتجويزه من قبل الشارع فضلاً عن الأمر به علي نحو الإلزام..2 _ وبهذا الإسناد، عن حماد، وعن حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة، ولا يجد الماء، وعسي أن يكون الماء جامداً؟فقال: يغتسل علي ما كان.حدثه رجل: إنه فعل ذلك، فمرض شهراً من البرد، فقال: اغتسل علي ما كان، فإنه لا بد من الغسل. [23] .

حزن حتي الموت

1_ وقد ذكر المؤرخون: أن الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، زوجة الإمام الحسين عليه السلام قد بقيت سنة بعد الحسين عليه السلام، "لم يظلها سقف بيت حتي بليت وماتت كمداً". [24] .وإنما نورد هذا شاهداً علي ما نقول، علي أساس أن الظاهر يقتضي أن يعلم الإمام السجاد عليه السلام بحالها، لا سيما بعد أن طال عليها الأمر، ومضت الأشهر الكثيرة حتي بليت وهلكت..فكيف لم ينهها عن هذا؟. ولو أنه نهاها، فلا نظن أنها كانت تعصي له أمراً

ما دامت محبة لأهل البيت عليهم السلام إلي حد التفاني فيهم، فهل هي تحب الوالد ولا تطيع لولده الوحيد أمراً..2_ عن محمد بن عبد الله بن علي الناقد، عن عبد الرحمن الأسلمي عن عبد الله بن الحسين، عن عروة بن الزبير، عن أبي ذر، أنه قال وهو يخبر عن قتل الحسين عليه السلام: (وانكم لو تعلمون ما يدخل علي أهل البحار، وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم _ والله، حتي تزهق أنفسكم إلخ..) [25] .وأبو ذر وإن لم يكن من المعصومين.. وليس قوله حجة بالنسبة لنا، لكننا نذكر كلامه علي سبيل الإستئناس به لا علي سبيل الإحتجاج.

الرخصة، لا تعني عدم الجواز

اشارة

وقد رخص الشارع لمن ظهرت في مواضع وضوئه قرحة، أو كسر، أو جرح بأن يمسح علي الجبيرة، أو رخص له بالتيمم في بعض الحالات.بل: إنه حتي لو فرض عليه التيمم فإن الإلزام بالحكم التخفيفي، قد جاء علي سبيل الإمتنان عليه، والرحمة والرفق به، فإن قوله تعالي: (ما جعل عليكم في الدين من حرج ونحو ذلك، إنما جاء علي سبيل الإمتنان عليهم..) ولا يدل ذلك علي حرمة أن يتسبب الإنسان بأي أذي لجسده. فإن عدم قصد الشارع إلي إيقاع المكلف في العسر والحرج، لا يعني تحريم أن يختار المكلف الأمر الأصعب. كما هو الحال بالنسبة لرسول الله صلي الله عليه وآله، الذي خاطبه الله بقوله: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي" وورد: أفضل الأعمال أحمزها.

الجرح قد يجب و قد يستحب

اشاره

وقد ورد استحباب أو وجوب جرح الإنسان نفسه في موارد عديدة.. نذكر منها ما يلي:1 _ الحجامة فإنها مستحبة والروايات فيها كثيرة.2 _ وثقب أذن المولود، فإن ثقب أذن الغلام من السنة، فقد روي الكليني ذلك بسند صحيح، حيث روي عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن عيسي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ثقب أذن الغلام من السنة وختان الغلام من السنة. [26] .وروي علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنية بالولد متي؟فقال: إنه قال: لما ولد الحسن بن علي هبط جبرئيل بالتهنية... إلي أن قال: ويعق عنه ويثقب اذنه، وكذلك حين ولد الحسين الخ.. [27] .3 _ والختان مستحب أيضا ورواياته كثيرة. فقد روي الكليني عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن

علي عليهما السلام: إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين. [28] .وهناك روايات صحيحة وردت في الكافي حول استحباب الختان.وقد يجب الختان لأجل الحج. مع أن الختان جرح للجسد، وفيه ألم وأذي.4 _ علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: خفض النساء مكرمة. [29] .وفي غير السياق المتقدم نذكر:5 _ إن الزهراء عليها السلام كانت تطحن بالرحي حتي مجلت يداها.. [30] .وعند الراوندي: (كانت فاطمة جالسة قدامها رحي، تطحن بها الشعير، وعلي عمود الرحي دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي) [31] .وهذه الرواية، تدخل كغيرها، إذا انضمت إلي ما سواها فإننا سوف نحصل علي تواتر علي قاسم مشترك يمكن الإعتماد عليه في التعرف علي الحكم الشرعي.6 _ جواز الفصد، وإخراج الدم.

جواز الجرح لرغبة دنيوية

7 _ وأوضح من ذلك كله.. أن الفقهاء يحكمون بجواز إجراء عمليات هدفها مجرد التجميل، لمجرد رغبة شخصية ولهدف دنيوي بحت، وهو أن يصير أكثر مقبولية لدي الجنس الآخر، مثلاً.ولا يعترض الشارع عليه، ولا يمنعه بل هو يسهل له الأمر، فيسمح له بالتيمم بدلاً عن الوضوء، ويسمح له بالصلاة من جلوس، أو في حال الإستلقاء، وأن يومئ للسجود إيماء فقط، ويعفو له عن دم الجروح في الصلاة.. وما إلي ذلك..وكل ذلك يدل علي أن ما يقال: من عدم جواز أن يجرح الإنسان نفسه، وأنه محرم بذاته لا يمكن قبوله. فإن المحرم بذاته لا يمكن أن يصير حلالاً، فضلاً عن أن يصبح مستحباً، أو واجباً في بعض الموارد.كما أننا لا نجد مصلحة في كثير من الموارد المشار إليها _ كمورد الجراحة للتجميل _ تلزم بالترخيص بهذا الحرام، فضلاً عن أن تجعله

واجباً.ومن الطريف هنا: أن بعض من لا يبيح جرح الرأس في عاشوراء قد أجاز الملاكمة وغيرها من الألعاب القتالية الخطرة، والتي لا شك في تأثيرها السلبي علي سلامة الأشخاص، وعلي حياتهم. والمسوغ لذلك عنده هو أن لهذه المباريات غرضا عقلائيا مع العلم بأن المباريات ترتكز في كثير من الأحيان إلي المقامرات والرهانات.

احتمالات الهلاك لا تمنع

وهذه باقة ريانة من النصوص الدالة علي جواز التعرض للأذي في إحياء ذكري الإمام الحسين عليه السلام، وهي طوائف.الأولي: ما دل علي جواز التعرض للقتل في سبيل إحياء الشعائر وذلك مثل:1 _ قال الشيخ المفيد في كتاب المزار: زيارة أخري في يوم عاشوراء، برواية أخري: إذا أردت زيارته بها في هذا اليوم فقف فقل... ثم ذكر الزيارة، وهي المعروفة بزيارة الناحية [32] وجاء فيها:(ولأبكينك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسفاً علي ما دهاك، حتي أموت بلوعة المصاب، وغصة الإكتئاب)وجاء فيها أيضاً: (تلطم عليك فيها الحور العين، وتبكيك السماء وسكانها)وهذه الزيارة، وإن لم تكن ثابتة من حيث السند، لكن ذلك لا يعني أن تكون مكذوبة ومخترعة.وإنما نذكرها هنا، لا لتكون هي الحجة والدليل، بل لتسهم مع مثيلاتها من الروايات الكثيرة الصحيحة والمعتبرة، وغيرها.فإنه عليه السلام قد أجاز لنفسه أن: تصل به لوعة المصاب وغصة الإكتئاب علي الإمام الحسين عليه السلام إلي حد الموت..2 _ وفيما يروي عنهم عليهم السلام، فإنهم قد حثّوا علي زيارة الإمام الحسين عليه السلام حتي مع احتمال الموت غرقا، فقد ذكر بعضهم: أنه قيل للإمام الصادق عليه السلام: يا ابن رسول الله، إن بيننا وبين قبر جدك الحسين لبحرا, وربما انكفأت بنا السفينة في البحر.فقال: لا بأس، فإنها إن انكفأت، انكفأت في الجنة [33] .3 _ عن محمد بن جعفر

القرشي الدزاز، عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن بشير السراج، عن ابي سعيد القاضي، عن أبي عبد الله عليه السلام يقول فيها: (ومن أتاه بسفينة فكفت بهم سفينتهم نادي مناد من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة). [34] .4 _ قال ابن قولويه: حدثني أبي رحمه الله، وعلي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد بن حمدان العلاني، عن محمد بن الحسين المحاربي، عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن عاصم، عن عبدالله بن النجار قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: تزورون الحسين عليه السلام، وتركبون السفن؟.قلت: نعم.قال: أما تعلم أنها إذا انكفت بكم نوديتم، ألا طبتم وطابت لكم الجنة. [35] .5 _ وقد كان خلفاء بني العباس يمارسون أعظم الجرائم في حق من يريد زيارة الإمام الحسين عليه السلام. وكان الشيعة يقدمون علي هذا الأمر، بملء إرادتهم، حتي ليقال: إن بعضهم جاء وقدم يده للقطع، فقيل: لماذا لا تمد يدك الأخري؟..فقال: لهم لقد قطعتموها في العام الماضي.وكان الشيعة رضوان الله عليهم يقدمون علي هذا الأمر. ولم نجد اعتراضاً علي ذلك من أحد من الناس، لا من العلماء ولا من الأئمة عليهم السلام، ولا قال لهم أحد من الناس: أن الشرع يمنع من إلقاء النفس في المهالك.ولا منعتهم عقولهم من هذا الأمر.ولا أدركت العقول قبح ذلك، ولزوم التحرز منه والإبتعاد. بل كان فعلهم عين الصواب. لأن مصلحة الإسلام، والحفاظ علي الشعائر أولي وأهم من سلامة الأعضاء، بل من حفظ النفس، فضلا عما هو دون ذلك كالأذي الناشئ عن اللطم أو عن جرح الرأس وغيره..6 _ وقد بكي الإمام السجاد عليه السلام حزناً علي الإمام الحسين عليه

السلام حتي خيف علي عينيه.. [36] .وفي سياق آخر، قيل له: إنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت علي هذا [37] .7 _ حدثني أبي رحمه الله عن جماعة مشايخي، عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: بكي علي بن الحسين علي أبيه حسين بن علي صلوات الله عليهما عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاما إلا بكي علي الحسين، حتي قال له مولي له: جعلت فداك يا بن رسول الله، اني أخاف عليك أن تكون من الهالكين.قال: إنما أشكو بثي وحزني إلي الله، واعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك [38] .8 _ وقدمنا: أن يعقوب عليه السلام قد بكي علي ولده يوسف حتي خافوا عليه من الهلاك أو أشرف عليه: (قالوا: تالله تفتؤ تذكر يوسف حتي تكون حرضاً أو تكون من الهالكين).9 _ عن أحمد بن محمد بن عياش عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل بن محمد، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام بن يسار (سيار خ ل) الكوفي، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسي بن أبي شيبة, عن نوح بن دراج، عن قدامة بن زيدة، عن أبيه، عن الإمام السجاد عليه السلام في حديث قال _ واصفاً حاله حين حملت النساء علي الأقتاب، ورأي الشهداء صرعي _:(..فيعظم ذلك في صدري، واشتد _ لِما أري منهم _ قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبري بنت علي عليه السلام، فقالت: ما

لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي، الخ..) [39] .

زيارة الحسين رغم المخاطر

ومما يدل دلالة واضحة علي أن الجرح ليس حراماً ذاتاً، وإنما هو تابع للوجوه والإعتبارات فإذا تعنون بعنوان إحياء ذكرهم جاز فعله، وأن الأئمة عليهم السلام لم يقيموا وزناً لاحتمال الضرر في مقابل زيارة الحسين عليه السلام. بل شجعوا علي الزيارة رغم وجود ذلك الخوف المستمر عبر القرون، وكانت القوات المسلحة ترصد الطرق وتأخذ كل من يحاول ذلك ليواجه الأذي والتنكيل، مع أن الزيارة مستحبة، وهؤلاء يدعون: أن دفع الضرر المحتمل واجب، فكيف إذا كان هذا الضرر هو الضرب، أو الحبس، أو هلاك النفس؟!.وكيف إذا كان ذلك الاحتمال قد كبر ونما حتي أوجد حالة قوية من الخوف؟.وعلي كل حال فإننا نذكر هنا النصوص التالية:1 _ حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حماد ذي الناب، عن رومي، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في من زار أباك علي خوف؟قال: يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر، الخ.. [40] .2 _ بإسناده عن الأصم أيضا، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان. وقلبي ينازعني إلي قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتي ارجع خوفا من السلطان، والسعاة، وأصحاب المسالح. [41] .فقال: يا ابن بكير، أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه الخ.. [42] .3 _ حدثني حكيم بن داود بن حكيم السراج، عن سلمة بن الخطاب، عن موسي بن عمر عن حسان

البصري، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يا معاوية، لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف. فإن من تركه رأي من الحسرة ما يتمني أن قبره كان عنده.أما تحب أن يري الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلي الله عليه وآله، وعلي وفاطمة والأئمة عليهم السلام الخ..) [43] .4 _ حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، قال حدثنا مدلج، عن محمد بن مسلم في حديث طويل قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: هل تأتي قبر الحسين عليه السلام؟!قلت: نعم، علي خوف ووجل.فقال: ما كان من هذا أشد فالثواب فيه علي قدر الخوف. ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي صلي الله عليه وآله ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان الله. ثم ذكر الحديث. [44] .5 _ عن أحمد بن محمد بن عياش، عن ابن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسي بن ابي شيبة، عن نوح بن دراج عن قدامة بن زائدة، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله أحياناً؟!فقلت: إن ذلك لكما.فقال لي: فلماذا تفعل ذلك، ولك مكان عند سلطانك، الذي لا يحتمل أحداً علي محبتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا، والواجب

علي هذه الأمة من حقنا؟فقلت والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.فقال: والله، إن ذلك لكذلك. يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً. فقال: أبشر، ثم أبشر، ثم أبشر. إلخ.. [45] .

ما دل علي جرح الجسد

1 _ ورد في زيارة الناحية المقدسة: (ولأبكينك بدل الدموع دما) [46] .فإن الإمام عليه السلام وفقا لهذه الرواية قد تعهد بأن يبكي ولو أدي ذلك إلي أن تنزف عيناه دماً من أثر البكاء علي الإمام الحسين عليه السلام.2 _ وروي الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن ابراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضا عليه السلام: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا). [47] .فإن القرح هو الجرح. فالأئمة عليهم السلام قد بكوا علي الإمام الحسين عليه السلام حتي تقرحت جفونهم، فيجوز لنا إذن أن نفعل ما ينشأ عنه قرح وجرح، تأسيا بهم عليهم السلام. إلا إذا قيل: إن ذلك قد جاء منه عليه السلام علي سبيل المجاز والكناية عن شدة وكثرة البكاء.3 _ وقد حدّثنا التاريخ أن خلفاء بني العباس كانوا يرتكبون أعظم الجرائم حتي القتل في حق زوار الإمام الحسين عليه السلام، ويقدم الشيعة علي هذا الأمر باختيارهم. ولم ينقل عن الأئمة عليهم السلام أي اعتراض علي ذلك، أو تأفف منه، أو كراهة للإقدام عليه، رغم أنه من مفردات الضرر الجسيم، الذي لا يرضاه الناس لأنفسهم عادة.وقد تقدم أن الأئمة عليهم السلام كانوا يأمرون شيعتهم بالزيارة, ويحثونهم عليها، رغم وجود الخوف من مواجهة تعديات السلطة عليهم.4 _ ويذكرون أن الإمام السجاد عليه السلام كان يبكي عند شرب الماء

حتي يجري مع الدمع الدم في الإناء، فقيل له في ذلك، فقال: كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش. [48] .5 _ ويذكرون أيضا: أن السيدة زينب قد ضربت جبينها بمقدم المحمل حتي سال الدم من تحت قناعها [49] .6 _ وحين وصل السبايا إلي الكوفة، وخطب الإمام السجاد عليه السلام، وفاطمة بنت الحسين، وأم كلثوم بنت علي عليه السلام بكي الناس. أما النساء فقد "خمشن وجوههن ولطمن خدودهن إلخ.." [50] حسبما ذكره السيد ابن طاووس رحمه الله تعالي.7 _ وحين رجوع السبايا إلي المدينة (ما بقيت مخدرة إلا برزن من خدورهن مخمشة وجوههن، لاطمات خدودهن) [51] .8 _ ويدل علي جواز عمل ما يوجب تلف بعض الأعضاء خصوصا مع وجود غرض شرعي يتمثل هنا بإظهار جلالة وعظمة نبي من أنبياء الله عليهم السلام: ما فعله نبي الله يعقوب عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام، فإنه بكي علي ولده حتي (.. ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) [52] .ويعقوب عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام نبي مرسل، كان يتوقع رجوع يوسف إليه حياً، حيث قال: (عسي أن يأتيني الله بهم جميعا). [53] وقال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) [54] .ومن الواضح: أن عمي يعقوب أعظم خطرا من إدماء الرأس أو الظهر علي الإمام الحسين الشهيد عليه الصلاة والسلام، فضلا عن اللطم العنيف، أو غير العنيف.9 _ بل إن نبي الله يعقوب عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام قد حزن علي ولده يوسف الذي فارقه، ويتوقع الإجتماع به _ إلي حد أن أشرف علي الهلاك، حتي قال له أبناؤه:(تالله تفتؤ تذكر يوسف حتي تكون حرضا أو تكون من

الهالكين) [55] .10 _ أضف إلي ما تقدم ما رواه الصدوق عن أبيه، عن سعد، رفعه: (ان الدمع قد خدّ خدّي يحيي بن زكريا، وأكل منهما حتي وضعت أمه عليهما لبداً). [56] .11 _ وروي الصدوق عن محمد بن ابراهيم، عن عمر بن يوسف، عن القاسم بن ابراهيم، عن محمد بن أحمد الرقي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلي الله عليه وآله: (أن شعيب النبي (عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام) قد بكي حتي عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكي حتي عمي، فرد الله بصره، ثم بكي حتي عمي، فرد الله عليه بصره). [57] .وروي الصدوق عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني، يرفعه إلي أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاؤون خمسة... إلي أن قال: فأما آدم فبكي علي الجنة حتي صار في خديه أمثال الأودية. [58] .

اللطم

وجاء في أمر اللطم العديد من النصوص أيضا، نذكر منها:1 _ إن السبايا لما مروا بهم علي الحسين، وأصحابه صاحت النساء، ولطمن وجوههن، وصاحت زينب: يا محمداه الخ!! [59] .2 _ في زيارة الناحية المقدسة: (فلما رأين النساء جوادك مخزيا، والسرج عليه ملوياً، خرجن من الخدور، ناشرات الشعور، علي الخدود لاطمات، وبالعويل مبادرات..).3 _ وقد لطم النسوة الخدود في ليلة العاشر بحضور الإمام الحسين عليه السلام، فقال الإمام الحسين: (يا أختاه يا أم كلثوم، يا فاطمة، إن أنا قُتلت فلا تشققن علي جيباً، ولا تخمشن وجها ولا تنطقن هجرا). [60] .وعند السيد ابن طاووس رحمه الله أنه قال: (فلطمت زينب عليها السلام علي وجهها، وصاحت، فقال لها الحسين عليه السلام: مهلاً لا تشمتي

القوم بنا). [61] .فيلاحظ:أنه عليه السلام إنما نهاهن عن ذلك بعد موته.. وهذا ما صرح به أيضا حين قال لأخته زينب نفس هذه الكلمات، حيث قال في آخرها: (إذا أنا هلكت).وقد أظهر سبب وصيته هذه فيما ذكره في وصيته للنساء في وداعه الثاني، حيث قال لهن: (فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم) [62] .4 _ وحينما سمعت زينب أخاها ينشد: (يا دهر أفٍ لك من خليل..إلخ) لطمت وجهها وهوت إلي جيبها فشقته، ثم خرت مغشياً عليها [63] .5 _ وحين اقترب جيش ابن سعد من الإمام الحسين عليه السلام في اليوم التاسع، وهو جالس مُحتَبٍ بسيفه قالت له زينب: أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت (فرفع الحسين رأسه وقال: أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله الساعة في المنام، فقال لي: إنك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل إلخ..) [64] .6 _ روي الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد بن داود القمي في نوادره، عن محمد بن عيسي، عن أخيه جعفر، عن خالد بن سدير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام... إلي أن قال الإمام عليه السلام: (ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين بن علي، وعلي مثله تلطم الخدود، وتشق الجيوب) [65] .وفي الجواهر: "أن ما يحكي من فعل الفاطميات ربما قيل أنه متواتر" [66] .وقال ابن ادريس: "إن اصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاواهم". [67] .7 _ وقد روي الصدوق بأسانيده، وروي غيره: أن دعبل الخزاعي أنشد الإمام الرضا عليه السلام تائيته المشهورة، ومنها قوله:أفاطم لو خلت الحسين مج__دلا وقد م_ات عطشانا بش_ط فراتإذن للطمت الخد ف_اط__م عنده وأجريت دمع العين في الوجناتفلم يعترض عليه الإمام

عليه السلام، ولم يقل له: إن أمنا فاطمة عليها السلام لا تفعل ذلك لأنه حرام، بل هو عليه السلام قد بكي. وأعطي الشاعر جائزة، وأقره علي ما قال. [68] .8 _ وذكر في اللهوف: أنه لما رجع السبايا إلي كربلاء في طريقهم الي المدينة، (وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين، فتوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا علي ذلك أياماً). [69] .فهل كان الإمام السجاد عليه السلام غائبا عن كل هذا؟ ألم يكن معهم في كربلاء حين رجوع السبايا؟ فهم قد لطموا وأقاموا علي ذلك أياما والإمام السجاد عليه السلام معهم. ولم يذكروا أنه عليه السلام قد اعترض عليهم بمخالفة ذلك لأحكام الشريعة.9 _ وقد تقدم أنه حين وصل السبايا الي الكوفة وخطبهم الإمام السجاد عليه السلام وفاطمة بنت الحسين عليه السلام، وأم كلثوم بنت علي عليه السلام بكي الناس كما أن النساء (خمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور).10 _ وفي كامل الزيارات: (أن الحور قد لطمت علي الحسين في أعلي عليين)، فراجع. [70] .11 _ روي استحباب الجزع علي الإمام الحسين عليه السلام.. والأحاديث في ذلك كثيرة..وقد فسر الإمام الباقر عليه السلام الجزع بما يشتمل علي لطم الوجه والصدر..فقد روي الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر، والحسن بن علي جميعا، عن أبي جميلة، أن جابر قال للإمام الباقر عليه السلام: ما الجزع؟!فقال عليه السلام: (أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل، ولطم الوجه والصدر الخ..) [71] .وعن علي بن ابراهيم، عن

أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن جابر مثله.

استطراد تاريخي

وثمة نصوص كثيرة لا تدخل في سياق الإستدلال، وإنما نذكرها لمجرد اطلاع القارئ عليها، وهي التالية:1 _ انه قد حصل اللطم في بيت يزيد بالذات، فقد ذكروا: أنه لما أدخل السبايا علي يزيد، (قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟!.قال: بل حرائر كرام، ادخلي علي بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت.قالت: فدخلت إليهن، فما وجدت منهن إلاّ سفيانية متلدمة.) [72] .2 _ ويقولون: إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء، فنظر إلي مصارع الشهداء، فبكي حتي كاد أن يموت..وكان مروره هذا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام بثلاثة أيام. [73] .3 _ إن ابن عمر قد ضرب علي رأسه لما بلغه خبر قتل الحسين عليه السلام. [74] .4 _ وقد ذكر في البحار قصة الأسد الذي كان يأتي كل ليلة إلي الجثث الطاهرة فيمرغ وجهه فيها..فراقبه ذلك الرجل الذي رآه _ وهو من بني أسد _ حتي اعتكر الظلام.وإذا الشموع معلقة، ملأت الأرض. وإذا ببكاء، ونحيب، ولطم مفجع، فقصد تلك الأصوات، فتبين له أن هؤلاء من الجن. [75] .5 _ وتذكر قضية أنه في سنة 346 هجرية لطم الناشي (الشاعر) لطماً عظيماً علي وجهه، حينما علم أن البعض قد رأي الزهراء عليها السلام في المنام. وأشارت الي قصيدة كان الناشي قد نظمها في الإمام الحسين عليه السلام، ولطم أيضاً أحمد المزوّق والناس كلهم، وكان أشد الناس في ذلك: الناشي، وأحمد المزوّق. [76] .6 _ ويذكرون أيضاً أن السيد المرتضي رحمه الله قد زار الحسين عليه السلام بكربلاء في يوم عاشوراء سنة 396 هجرية، مع جمع من أصحابه وتلامذته، فوجد

هناك جمعاً من الأعراب يضربون علي الخدود، ويلطمون علي الصدور، وينوحون ويبكون، فدخل معهم السيد وتلامذته، وهو يلطم علي صدره. ورأوه ينشد: كربلا لا زلت كرباً وبلا..الي آخر القصيدة المنظومة من قبل أخيه الشريف الرضي. [77] .7 _ وفي سنة 352 هجرية أمر معز الدولة البويهي بتعطيل الأسواق في عاشوراء.."وأن يخرج الرجال والنساء لاطمي الصدور والوجوه". ويذكر هذا اللطم أيضاً في سنة 402 هجرية، فراجع. [78] وكذا في سنة 423 هجرية. [79] .ونكتفي بهذا المقدار، فإن المقصود هو مجرد الإشارة.

الاضراب عن الطعام في عاشوراء

وفي عاشوراء ورد أيضاً ما يدل علي جواز الإضراب عن الطعام، حتي تظهر آثار ذلك في الوجه..فعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال:(قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا مسمع، أنت من أهل العراق... إلي أن قال: فتجزع؟!قلت: إي والله، واستعبر لذلك، حتي يري أهلي أثر ذلك علي، فامتنع من الطعام حتي يتبين ذلك في وجهي.قال: رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا الخ..) [80] .وذلك معناه: أنه يجوز فعل ما فيه أذي للنفس في عاشوراء، بل يستحب ذلك..

تواتر الاخبار

وبعد، فإن ما ذكرناه في هذه الدراسة الموجزة من آيات وروايات، رغم أننا لم نحاول الإستقصاء، واكتفينا بما تيسر لنا _ ان هذا الذي ذكرنا _ يوضح بجلاء نظرة الإسلام في هذا الإتجاه.. وقد ظهر أن النصوص كثيرة جداً، ودعوي تواترها لابد أن ينظر إليها بجدية وبخوع تام..

تعظيم الشعائر و احياء امرهم

ويوم عاشوراء، هو من أعظم أيام الله أثراً في إحياء الدين وحفظه، وحفظ جهود الأنبياء، وهو من أجلي مصاديق شعائر الله التي أمرنا بتعظيمها.. وإن المواكب والمراسم في هذا اليوم من أظهر مفردات هذا التعظيم، كما أنها من سبل إحياء أمرهم عليهم السلام، وقد أمروا عليهم السلام بهذا الإحياء.وضرب السلاسل، واللطم، وجرح الرؤوس قد جاء علي سبيل التعظيم، وبهدف إحياء أمرهم عليهم السلام؛ فيكون محبوبا لله سبحانه، ولأجل ذلك نقول: إن حلية اللطم، وضرب السلاسل، وجرح الرؤوس لا تحتاج إلي التهاب الأفئدة بحرقة المصاب إلي درجة ينتج عنها هذه الأفعال..بل إن نفس الظهور علي هذه الحالة، واظهار هذه الكيفية أو تلك هو بنفسه تعظيم للشعائر، وإحياء للأمر وهو محبوب لله تعالي، وهو عبادة وعد الله عليها الثواب.. حتي لو لم يصاحبه حرقة ولا بكاء، ولا حتي حزن.ويدل علي ذلك وجود أحاديث كثيرة تأمر بالتباكي علي الإمام الحسين عليه السلام، فالثواب يترتب علي البكاء الحقيقي تارة.. ويترتب علي التظاهر بالبكاء تارة أخري. وكذلك الحال في المراسم، فإن الثواب يكون علي نفس فعل هذه الكيفيات التي هي مصداق للتعظيم، أو لعنوان إحياء أمرهم عليهم السلام.

النوايا في المواكب الحسينية

وبعدما تقدم نقول:إن الفقيه يتكفل بأن يعطي حكم الله في الواقعة، وليس مطالباً بأن يفتش عن نوايا الناس، وعن قصودهم، فهو يقول: عظموا شعائر الله، وأحيوا أمر أهل البيت عليهم السلام، والناس هم الذين يختارون كيفيات ذلك ومفرداته كل بحسب حاله. ويقول: إن في المواكب الحسينية تعظيما لشعائر الله، وفيها أيضا إحياء لأمرهم عليهم السلام، وعلي الناس أن يقوموا بها لهذا الغرض، تحقيقا للأهداف الإلهية، وانصياعاً لأوامره سبحانه..وليس له أن يقول: فلان يقصد هذا الأمر أو لا يقصده، وفلان الآخر حزين أو

غير حزين.. وفلان الثالث يرائي في ما يفعل أو لا يرائي.. فإن الله لم يطلع أحدا علي غيبه ولا بد من حمل فعل المسلم علي الصحة.ولنفترض وجود مرائين أو منحرفين، فإن ذلك لا يجوِّز أن يسوقنا إلي الدعوة إلي إلغاء الشعائر وإلا لساقنا مثل ذلك إلي إلغاء الواجبات حتي الصلاة. فإن هناك من يحاول خداع الناس عن طريق التظاهر بالعبادة والتقي.وهل يمنع الحج لأن بعضهم يرائي فيه؟! وهل تمنع الصلاة جماعة لأجل ذلك أيضا.إن المطلوب هو: أن ندعو الناس إلي القيام بواجباتهم وبإحياء أمرهم وبتعظيم الشعائر بهذه المراسم، وسواها، ثم نهيئ نفوسهم لإخلاص النوايا لله تعالي بالدعوة إليه بالحكمة، والموعظة الحسنة.

مناقشة الدليل الثالث علي التحريم

وأما الإستدلال الثالث علي الجرح والأذي للنفس في مراسم عاشوراء، والذي يتضمن الحديث عن أن جرح الرأس بالسيوف، والضرب بالسلاسل يوجب توهين المذهب، فهو حديث غير مقبول لأكثر من جهة وسبب..فأولا: قد ذكرنا آنفاً: أن وظيفة الفقيه هي أن يخبر عن الحكم الشرعي، فيقول في مثل هذه الموارد التي نتحدث عنها: إن لزم من هذا الفعل توهين المذهب، فكذا..والمكلف هو الذي يتولي تطبيق هذا الحكم علي مورده، فإن كان هناك توهين للمذهب فعلا، فإن عليه أن يلتزم بحكم التوهين.. وإذا رأي الفقيه أن في ذلك توهينا، فإن رأيه هذا لا يلزم الآخرين في شيء، فإنه يكون في ذلك كواحد من الناس، يطبق لنفسه، وليس لصفة الإجتهاد أثر في تطبيقه هذا، ولا هي توجب ميزة له..ثانياً: إننا إذا أردنا مجاراة بعض الناس في الحديث عن التطبيقات الخارجية، بإعتبار أننا كسائر أفراد المجتمع الذين يريدون التصدي للتطبيق فإننا نقول: إن دعوي لزوم التوهين في جميع المواطن لا يمكن قبولها.. خصوصا في بلاد شيعة أهل البيت عليهم

السلام.وإذا أردنا أن ندرس واقع الذين يثيرون الإنتقادات علي هذه المراسم، فسوف نخرج بحقيقة: أن من ينتقدونها، ويشنِّعون عليها، تختلف دوافعهم، وأغراضهم من ذلك..فهناك من يرفض كل مظاهر الحزن في عاشوراء، انطلاقا من هوي مذهبي، أو تعصبا لجهة يري أن عليه أن يمنع من إفشاء ما يرتبط بها من حقائق تدينها، أو تقلل من احترام الناس لها..وهناك من يهاجم مظاهر الحزن في عاشوراء، لأنه يسعي إلي تشكيك الناس بدينهم، واضعاف حالة الإندفاع نحو الإلتزام بأحكامه. واسقاط محله في نفوس الناس، وابعادهم عن حالة التعبد والإنقياد، والتقديس.وقد يكون ذلك لأنه يري أن مظاهر الحزن علي الحسين عليه السلام، تنتج فكرا يضر بمصالحه، وتربي مشاعر وتثير وجدانا، وتعمق وعيا، لا بد له من رفضه ومحاربته، ووأده في مهده.وقد رأينا أنهم يحاولون السخرية بمن يصلي، وبمن يلتزم بالزكاة، ويهزأون أيضاً بأحكام الحج ومناسكه، فلا يعجبهم الطواف حول البيت، ولا رجم الجمار، ولا ذبح الأضاحي. ولا.. ولا الخ..بل إنهم قد حاولوا المنع من تعليم بعض سور القرآن التي تتحدث عن اليهود، وقد طبعوا القرآن، وأسقطوا منه أو حرفوا بعض آياته النازلة في بني إسرائيل واليهود.وتحدث القرآن أيضاً عن سخريتهم بالأنبياء، وذكر كيف أنهم واجهوا السخرية بمثلها في قوله تعالي فيما حكاه عن نبيه نوح عليه وعلي نبينا وآله الصلاة والسلام: (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) [81] .وهناك من يهاجم، ويدين، وينتقد بحسن نية، وسلامة طوية، ولكنه واقع تحت تأثير إعلام هؤلاء وأولئك، يظن صحة ما قالوه، فيبادر _ مخلصاً _ إلي تصحيح ما يراه خطأ خطيرا ومأزقاً كبيراً..ولو أردنا أن نخضع لهذا الجو الضاغط، فإن علينا أن نتوقع: أن نطالَب ربما بالخروج عن ديننا إلي

دينهم، والعياذ بالله، فإن جميع أعداء الدين والمذهب لا يرضون بما نحن عليه وقد قال تعالي: ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم [82] .إن هؤلاء لا يرضون منا أبداً بإقامة شعائر الله، والتزام أحكامه، وهم يسخرون منا كلما سنحت لهم الفرصة وواتاهم الظرف، ويحاربوننا بأساليب مختلفة يرون أنها تؤثر في إسقاط إرادتنا، لعل أهونها اتهامنا بالجهل والسقوط، والتخلف، والقسوة، و..و..ولو أردنا أن نخضع لهذه الأجواء، فإن علينا أن نلغي رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق لمجرد سرقته ربع دينار، والحكم بعدم جواز تزويج المطلقة ثلاث مرات إلا بعد أن تنكح زوجا آخر، وغير ذلك من التشريعات التي يعلن العلمانيون، برفضها ونقدها، ويهتمون بتسفيهها، ويتابعهم علي ذلك كثير من الناس الطيبين، الذين لا حظ لهم من العلم، ويأخذون الأمور ببساطة، وبسلامة نية..إن مراسم عاشوراء، حتي جرح الرؤوس، وضرب السلاسل، واللطم، وغير ذلك لم تثبت حرمته الشرعية، ولا هو مما يحكم العقل بقبحه فلماذا يكون فيه توهين للمذهب؟!. نعم قد يكون في ذلك بعض الحرج النفسي لدي فريق من الناس.... ولا يكفي مجرد الشعور بالخوف والرهبة لدي من يشاهد جرح الرؤوس.. إذ لو كان كافيا للزم أن لا يقتل القاتل. وأن لا يجلد الزاني أو أن يرجم، وأن لا نرضي بقوله تعالي: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين فإن هناك الكثير من الناس يخافون، ويرهبون حالات كهذه، ولا ترضي بالالتزام، والإلزام بمثل هذه الأمور..نعم، لو كان فعل ذلك في بعض المواضع موجبا لصدود الناس عن التفكير بالإسلام، فلا بد من مراعاة حالهم، عملا بالآية الشريفة: (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). لكن ذلك لا يعني أن تشن حملة علي كل

من يريد ممارسته في مواضع ليس في ممارسته فيها أي محذور.

خلاصة و توضيح

وختاما نقول:ان مسألة العزاء والمواساة والجزع علي الإمام الحسين عليه السلام وما يمثله من الحضور الدائم، لهذه الشخصية في الوجدان الانساني، له أثر عظيم في دفع هذا الانسان باتجاه العمل والسير نحو الهدف الأسمي الذي ضحي لاجله عليه السلام بكل ما لديه وبأغلي ما يملك.وله أثر عظيم في ربط الإنسان عاطفياً ووجدانياً وإنسانياً بأهل البيت عليهم السلام، وتفاعله مع قضاياهم، وتسليمه لهم بكل وجوده، وبكل مشاعره وأحاسيسه فيحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم.. وهل أعظم من واقعة كربلاء مناسبة يعبر فيها الإنسان عن هذا الارتباط وتلك العلاقة بهم عليهم السلام؟وقد يكون التعبير عن هذا الحزن والجزع بأشكال وطرق مختلفة تظهر الشعور الإنساني الفطري المرتكز إلي قداسة الأهداف والي مقام من ضحي من أجلها، ومنازل كرامته، وقداسة شخصيته، وحساسية موقعه من هذا الدين.وقد جاءت الأوامر الشرعية لتعطي الإنسان فسحة ومجالا واسعا من خلال تسجيل الأمر بإقامة العزاء علي عناوين عامة، مثل: أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا. حيث تركت له هو الحرية في اختيار الأسلوب والطريقة التي تناسبه، وفق أحكام الشرع، وحيث لا يصاحب ذلك أية مخالفة أو إساءة، فإنه لا يطاع الله من حيث يعصي، فالإنسان هو الذي يختار كل حسب حاله وظرفه وخصوصيته.فأحياها الشاعر بشعره.وأحياها الأديب بنثره.وثالث بإقامة مجالس العزاء.ورابع آثر أن يسقي الناس الماء ليذكرهم بعطش الحسين عليه السلام.وخامس علق يافطة سوداء علي الطريق العام.وسادس نظم مسيرة تحمل فيها الشموع في ليالي عاشوراء.وهكذا.. تستمر قائمة وسائل التعبير تتنامي وتتكاثر. وكان منها مواكب لمن آثر جرح رأسه بآلة حادة, أو آثر ضرب ظهره بالسلاسل، أو اللطم في المواكب والمجالس.وأثيرت أسئلة حول هذه الموضوعات الأخيرة،

وبذلت محاولات لتهجينها، والتنفير منها، والتشكيك بمشروعيتها رغم وجود فتاوي أكثر مراجع الأمة في هذه العصور المتأخرة بالمشروعية..وتظهر لنا شاشات التلفزة في هذه الأيام أن لدي المسيحيين أساليب حادة جدا للتعبير عن الحزن والمواساة، حتي بلغ بهم الأمر حد دق المسامير في أيديهم، وهم يحملون علي الصليب، هذا عدا عن حمل الصليب مسافاة طويلة علي الظهر تعبيرا عن الآلام.فلماذا نستسلم نحن لحملات التشنيع المغرضة علي عاشوراء، والتي تأتينا من جهات مغرضة من غربيين وغيرهم..وقد ظهر مما تقدم أنه لا مشكلة في جرح الإنسان رأسه لغرض عقلائي شخصي، دنيوي، دون ما لم يكن له أي غرض أصلاً, كأن يكون لأجل اللعب مثلاً، فإن هذا لا يقبله العقلاء ولا يوافق عليه الشرع أيضا.وأي غرض أعظم وأسمي وأشرف من إحياء أمرهم عليهم السلام إلا إذا أقيم في أمكنة لم يكن فيها من يقدر علي تحملها، بل هي تثير الذعر في نفوس أولئك الناس، وتخيفهم، وتجعلهم يهربون من هذا الدين فلا بد من مراعاة حالهم، والرفق بهم علي قاعدة: أدع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. فلا يصح ممارسة ذلك في أمكنة توجب نفرة الناس من الإسلام، فإن ذلك لا يكون مقبولا، لا عند العقلاء ولا عند الشرع.

توضيح و اعادة

ونعود فنلخص ما نرمي إليه علي النحو التالي:إنه تارة يكون تعظيم الشعائر بالوسائل والكيفيات التي جعلها الشارع مباشرة، وأخري يكون الأمر بالعنوان العام، وقد ترك إليك أمر الوسائل والتطبيقات التي يجب عليك اختراعها.مثال ذلك:لو أن الشارع أمرك بتعظيم والديك واحترامهما، فأنت الذي تختار، أو تخترع وسيلة ذلك، فتكرمهما بالهدية تارة، وبتقبيل اليد أخري، وبإجلاسهما في صدر المجلس ثالثة وهكذا..وكذلك حين أمرك بالتحية، فقد تكون تحيتك بالسلام، أو برفع اليد، أو بكلمة

مرحباً أو صباح الخير أو يوم سعيد، أو برفع القبعة، أو بالتحية العسكرية أو بضم اليدين مع انحناءة يسيرة، وما إلي ذلك.وكذلك الحال إذا أمرك بإحياء أمر الحسين عليه السلام.. فتارة يحدد لك هو الوسيلة، كالزيارة، والاغتسال لها، ونحو ذلك. فلا بد أن تفعل نفس ما أمرك به. ولو أن العالم كله غضب واستاء لذلك، فغضبهم واستيائهم لا يضر بذلك، ولا يمنعك منه احتقارهم، واستهزاؤهم وشتمهم وأذاهم، وحتي قتالهم لك، لأن الله قد حصر الطريقة التي تحقق الغاية بهذه الوسيلة، فوجب القيام بها كما أمر سبحانه، ولهذا فنحن لا نصغي لأي انتقاد منهم لصلاتنا، أو لحجنا، أو لملايين الأضاحي التي نذبحها قربانا في كل سنة في موسم الحج، أو لرمي الجمرات، أو للطواف، أو غير ذلك..وتارة يعطي لنا نحن الدور والخيار في اختيار الأسلوب والوسيلة كما هو الحال في الأوامر الشرعية بتعظيم شعائر الله وإحياء أمرهم عليهم السلام.. فقد لا نوفق نحن في اختيار الأسلوب، حيث تكون بعض مفردات هذه الأساليب والوسائل التي نختارها تسيء ولا تعطي النتيجة المرجوة أصلاً، أو أنها تعطي النتيجة في هذا المكان، ولا تعطيه في ذلك المكان، أو في هذا الزمان دون ذلك الزمان.فالأمر إذن بالنسبة إلي اختيار الأسلوب والوسيلة يكون متوقفا علي النتيجة لا علي نفس العمل من حيث هو..وعلي هذا نقول: إن موضوع التطبير وضرب الظهور بالسلاسل، قد يختلف الحكم فيه بحسب الأحوال، والأزمان، والأمكنة، فيكون معرضاً للأحكام الشرعية الخمسة: الإباحة، والوجوب، والاستحباب، والكراهة، والحرمة، إذن فقد يكون هذا العمل مستحبا هنا، ومكروها هناك، وقد يكون واجبا هنا، ومحرما هناك.فاتضح مما تقدم أن جرح الرأس أو اللطم، بذاته ليس محرماً شرعا، ولا قبيحاً عقلاً..والحمد لله، وصلاته وسلامه علي

عباده الذين اصطفي محمد وآله الطاهرين..

كلمة اخيرة

وقبل أن نودع القارئ الكريم، شاكرين له ثقته، ومقدِّرين له صبره، وتحمُّله معاناة قراءة هذا البحث.. فإننا نسأل الله أن يوفقنا وإياه للسير علي هدي أئمتنا عليهم السلام، وأن يجعل عواقب أمورنا خيراً، وأن لا يخرجنا من الدنيا حتي يرضي عنا، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول..والحمد لله، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين..بيروت في 12 ذي الحجة 1422 ه.قجعفر مرتضي العاملي

پاورقي

[1] سورة الحج الآية 32.

[2] سورة إبراهيم الآية 5.

[3] وسائل الشيعة ج 14 ص 501، والأمالي للطوسي ج 2 ص 228 والبحار ج 1 ص 200 وراجع كامل الزيارات ص 175 وقرب الاسناد ص 18 وتفسير القمي ج 2 ص 292 وثواب الأعمال ص 223.

[4] قد ذكر هذه الأدلة الشيخ الأنصاري رحمه الله في فرائد الأصول ج1 ص176 ط مؤسسة النعمان _ بيروت سنة 1411 ه_.

[5] سورة البقرة /195.

[6] سورة النور/ 63.

[7] سورة آل عمران/ 28و30.

[8] سورة النساء الآية29.

[9] سورة النساء الآية30.

[10] راجع: الجواهر ج5 ص104و105.

[11] جواهر الكلام ج5 ص105 عن المعتبر، والمبسوط، وظاهر تحرير الأحكام، والشرايع بل في المبسوط نفي الخلاف عنه وعن الخلاف والمنتهي: بل ربما استظهر الإجماع عليه. والموجود فيهما المرض لا يخاف منه التلف، ولا الزيادة فيه وذهب إليه صاحب الجواهر أيضا.

[12] ويلاحظ أن الشارع الحكيم، الذي شرع أحكاما تقوم علي أساس الرفق والرحمة بالحيوان، والمنع من التعدي عليه وأذاه. قد شرع لزوم شق سنام الإبل في حين الإحرام، وفي بعض الروايات أن ذلك بمنزلة التلبية، مع أن ذلك فيه بعض الأذي لذلك الحيوان....

[13] الكافي ج5 ص4 ونهج البلاغة، الخطبة رقم 27 والبيان والتبيين ج2 ص54 والكامل للمبرد ج1 ص20 والعقد الفريد ج4 ص66 ومصادر نهج البلاغةج1 ص395_397 عنهم والأخبار

الطوال ص211 وأنساب الأشراف ط الأعلمي ص442 ومعاني الأخبار ص309 والأغاني ج15 ص45 والغارات 476 ووسائل الشيعة وعن التهذيب للطوسي ج2 ص416 ط أمير بهادر والبحار ط حجرية ج8 ص699و700.

[14] سورة البقرة / 57.

[15] سورة النساء / 66.

[16] سورة فاطر / 8.

[17] سورة الكهف /6.

[18] سورة الشعراء /3.

[19] الربيئة: العين علي العدو، ولا يكون إلا علي جبل، أو شرف....

[20] الكافي ج8 ص93 ط مطبعة النجف _ النجف الأشرف / العراق _ والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص429 و430.

[21] معاني الأخبار ص254 والوسائل ط مؤسسة آل البيت ج2 ص430و431 وفي هامشه عن علل الشرائع ج2 ص520 ومسائل علي بن جعفر ص117.

[22] وتهذيب الأحكام ج1 ص198 والإستبصار ج1 ص162 وسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

[23] تهذيب الأحكام ج1 ص198 والإستبصار ج1 ص163،ووسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

[24] الكامل لابن الأثير ج4 ص39 المطبوع مع تاريخ القرماني، وسكينة بنت الحسين(ع) ص68، تأليف الدكتورة عائشة بنت الشاطئ.. ومصادر ذلك كثيرة، تجدها في ترجمة الرباب في مختلف كتب التراجم التي تعرضت لحالها.

[25] كامل الزيارات ص 74 وراجع البحار ج 45 ص 219 والخصائص الحسينية ص 186 عنه.

[26] الكافي ج6 ص36.

[27] الكافي ج6 ص34.

[28] الكافي ج6 ص37.

[29] الكافي ج6 ص34و37.

[30] البحار ج 43 ص 84.

[31] الخرائج والجرائح ج 2 ص 530 و 531.

[32] راجع البحار ج98 ص238و239و241و317و320 وراجع: المزار الكبير ص171 ومصباح الزائر ص116.

[33] نظرتنا الفقهية في الشعائر الحسينية ص11.

[34] كامل الزيارات ص134و135 والوسائل ج14 ص158 ط مؤسسة آل البيت وفضل زيارة الحسين ص 57 و 58 تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

[35] كامل الزيارات ص135 والوسائل ج14 ص159 ط مؤسسة آل البيت، وفضل

زيارة الحسين(ع) ص57و58، تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

[36] البحار ج46 ص 108 وفي هامشه عن المناقب لابن شهر آشوب ط نجف ج 3 ص 303.

[37] البحار ج 46 ص 109 عن المناقب أيضا.

[38] كامل الزيارات ص 107 والبحار ج79 ص87 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

[39] كامل الزيارات ص 261 (الزيادات)، والبحار ج28 ص57.

[40] كامل الزيارات ص125 وراجع: ارشاد العباد إلي لبس السواد ص59 ميرزا جعفر الطباطبائي ومكيال المكارم ج2 ص388 ميرزا تقي الأصفهاني.

[41] جمع مسلحة وهي المواضع التي فيها أناس مسلحون، من قبل السلطان.

[42] كامل الزيارات ص126.

[43] كامل الزيارات ص126.

[44] كامل الزيارات ص127.

[45] كامل الزيارات ص 260 و261 والبحار ج 45 ص 179.

[46] البحار ج 98 ص 317 و318.

[47] الأمالي للصدوق ص113 المجلس 27 ح2 والبحار ج44 ص284.

[48] تاريخ النياحة ج6 ص 146، عن جلاء العيون للسيد عبد الله شبر، وعن أعيان الشيعة.

[49] البحار ج45 ص115 والفردوس الأعلي ص19_22 المجالس الفاخرة ص298.

[50] اللهوف ص88 ط صيدا سنة 1929 والبحار ج45 ص112.

[51] اللهوف ص114 ط صيدا ودعوة الحسينية ص 117 والبحار ج 45 ص 147.

[52] سورة يوسف: الآية 84.

[53] سورة يوسف: الآية 83.

[54] سورة يوسف: الآية 94.

[55] سورة يوسف: الآية 85.

[56] بحار الأنوار ج67 ص 388.

[57] علل الشرائع ج1 ص 54 باب51 ط مكتبة الطباطبائي بقم. بحار الأنوار ج12 ص 380.

[58] بحار الأنوار ج79 ص87 وج11 ص204 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

[59] مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص39.

[60] مقتل الحسين للمقرم ص261 عن الإرشاد.

[61] كتاب الملهوف ط صيدا ص51 والبحار ج44 ص391.

[62] مقتل الحسين للمقرم ص337 عن جلاء العيون للمجلسي.

[63] الإرشاد للمفيد، ص232 ط مؤسسة الأعلمي سنة 1399ه_. ومقتل سيد الأوصياء للكاظمي

ص 98.

[64] الإرشاد للمفيد، ط مؤسسة الأعلمي ص230.

[65] تهذيب الأحكام ج8 ص325 وكشف الرموز ج2 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص392 الوسائل ج15 ص583 ط المكتبة الإسلامية. والمهذب البارع ج3 ص568 والمسالك للشهيد الثاني ج10 ص29.

[66] جواهر الكلام ج4 ص371.

[67] الجواهر أيضا ج33 ص184 وراجع أيضا كشف الرموز ج2 ص263.

[68] راجع علي سبيل المثال: عيون أخبار الرضا ج2 ص263و264 والبحار ج49 ص237و239 _ 252 مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص131 والغدير للعلامة الأميني، وغير ذلك كثير....

[69] اللهوف ص112و113 ط صيدا والبحار ج45 ص146، وجلاء العيون ج2 ص272و273.

[70] كامل الزيارات ص80 والبحار ج45 ص201.

[71] راجع: وسائل الشيعة ط المكتبة الإسلامية ج2 ص915.

[72] اقناع اللائم ص153، عن العقد الفريد لابن عبد ربه، عن المدائني.

[73] أعيان الشيعة ج25 ص 368 ط أولي....

[74] الخصائص الحسينية:ص 187.

[75] البحار ج45 ص194 وجلاء العيون ج2 ص292و293.

[76] تاريخ النياحة ج2 ص22، عن بغية النبلاء ص161.

[77] تاريخ النياحة ج2 ص26 عن كتاب المواكب الحسينية لعبد الرزاق الحائر الإصفهاني، عن كتاب عمدة الأخبار ص43.

[78] البداية والنهاية ج11 ص254و245، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص 402.

[79] راجع: تاريخ كاظمين (فارسي) لعباس فيض ص84.

[80] كامل الزيارات ص101.

[81] سورة هود /38.

[82] سورة البقرة / 120.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.