الامام الصادق عليه السلام قدوة و أسوة

اشارة

مؤلف: سيد محمد تقي المدرسي

النشر : سيد محمد تقي المدرسي

تمهيد

توافق هذه الليلة - التي اشرع فيها بسرد قضية تاريخية جليلة عن حياة الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) - الخامس والعشرين من شهر شوال لسنة 1386 هجرية، حيث يحتفي العالم الجعفري بتجديد ذكري وفاة سادس أئمته ويفتخر بشرف الانتماء إليه مبدءاً ومذهباً. وإني إذ أقدم أسجي التعازي إلي المسلمين عامة، والجعفريين خاصة، أرجو من الله العلي القدير ان يسددهم في اتخاذ مبادئ صاحب هذه الذكري المفجعة ويهديهم للعمل الجاد بتعاليمه ومناهجه. وبالتالي فإني أشرِّف قلمي بالكتابة عنه، مشاطرة مني في تجديد الذكري مع الأمة الإسلامية، ولدعم المجتمع الإسلامي بالثقافة الحقة التي شرعها لنا ربّ السماء ورسوله، ومن ثم تأدية لمسؤوليتي تجاه مبدئي والحق الذي يمثله، وليس سداً لثغرة في التاريخ، فهناك عدد من الكتب الحديثة عالجت قضية الإمام الصادق (عليه السلام) ومذهبه ومذهب تابعيه بشتي الأساليب والصور.

الاصل الكريم

ميلاده

كانت الأمة الإسلامية تحتفل بالذكري الثمانين [1] من مولد الرسول الأعظم (ص)، في السابع عشر من شهر ربيع الأول، وكانت تسير في بيت الرسالة موجة كريمة من السرور والإبتهاج، ترتقب مجدا يهبط عليها فيزيدها رفعة وشموخاً. في تلك الليلة، وفي ذلك الجو الميمون ولد الإمام الصادق (ع) شعلة نور بازغة سخت بها إرادة السماء لتضيء لأهل الأرض، وتنير سبلها إلي الخير والسلام.

ابواه

ولد من أبوين كريمين عظيمين مباركين هما: 1 - الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي؛ الباقر (ع)، الذي انحدر من سلالة علي أباً وأماً، حيث كان حفيد الحسين بن علي، وكانت أمه حفيدة الحسن (ع). وهكذا بُني أول بيت فاطمي أصيل، فكان أشم وأروع قمة إنسانية ارتفعت علي بيت الرسالة. 2 - فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، التي كانت هي الأخري أول نقيبة من سلالة أبي بكر أماَ وأباَ. وجدها محمد بن أبي بكر كان له سابقة الجهاد بين يدي الإمام أمير المؤمنين (ع)، وكان ربيباَ له حيث تزوج الإمام بعد موت أبي بكر زوجته أسماء بنت عميس، فربي ولدها محمد في حجره، وغذاه من علومه، حتي أصبح فدائياَ مخلصاً للإسلام، وولاه مصراً فقتل فيها بأمر من معاوية. وهكذا يأتي الإمام عصارة جهاد مقدس، من أب وأم منحدرين من سلالة مباركة.

نشأته

لقد كانت ولادته في عصر جده الإمام زين العابدين الذي ملأ الآفاق فضله ومجده، ولم يزل في كنفه الوديع الذي كان يوحي إليه كل معاني السمو والعظمة، ويغذيه بكل معاني الفضل والكمال، ولم يزل يري من جده العبادة والزهادة والرفادة والإجتهاد في طاعة الله فتنطبع في نفسه آثارها، حتي بلغ سن الثانية عشر. وعندما انتقلت إلي أبيه مقاليد الإمامة العامة، وقام (ع) بأداء واجباتها ومسؤولياتها خير قيام، كان الإمام الصادق (ع) يترعرع ليصبح فتاً نموذجيا يرمق إليه الشيعة بأبصارهم ويرون فيه القدوة السادسة لهم.

سفرته إلي الشام

لقد كان الأمويون في الفترة الأخيرة من تسلطهم - حيث اختلفت علي الامة الإسلامية التيارات الفكرية المتناقضة - يمارسون آخر محاولاتهم لتمويه الحقائق وإثبات المتناقضات، ويعالجون الأحداث السياسية علي ضوء سياسة أسلافهم المنحرفين، والعجيب من أمرهم أنَّهم في تلك الحقبة كانوا يبدِّلون أزياء الخلافة كما تتبدل السنين، فلا تكاد تقبل سنة جديدة علي الناس إلاَّ بخليفة جديد، لأن الأمة تلفظهم وتأبي الخضوع لسيادتهم الباطلة. في هذا العصر - بالذّات - قاسي الإمام الباقر (ع) من ظلم الأمويين الشيء الكثير، لأنه كان مأوي الحق وأهله ومركز المضطهدين، الذين عارضوا سياسة الأمويين كما يتبين ذلك من سيرته المقدسة. أما الشيعة فقد إبتلوا بلاءً عظيماً من جراء الظلم الأموي، كما بين الإمام الباقر (ع) حين قال: «ثم جاء الحجاج فقتلهم - يعني الشيعة - شر قتله وأخذهم بكل ظنة وتهمة». حتي أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال له شيعي ينتمي لعلي (ع). ولأن الخليفة الأموي أراد إثبات سلطته علي الإمام الباقر (ع) واستعراض قوته أمامه - مثلما يصنعه الحاكم السياسي الظالم اليوم بمن يعارضه في الأمر -

قام باستدعائه إلي الشام، فسافر الإمام (ع) إليها مصطحباً ولده العزيز.

عهد امامته

اشاره

في سنة (117 ه_) - حيث انتقل الإمام الباقر (ع) إلي جوار ربه ضحية غالية لسياسة بني أمية الجائرة - أوصي إلي ولده الصادق (ع) وهو في سن الرابعة والثلاثين بمدرسته التي اجتمعت عليها المئات من ذوي الفكر والبصيرة، حتي كانت نواة المدرسة الكبري التي أسسها الإمام الصادق (ع) من بعد أبيه، كما أوصي له بالإمامة. وبهذا انتقلت إلي الإمام الصادق (ع) قيادة الأمة الدينية ومسؤولياتها السياسية الكبيرة.

المدرسة الكبري

لعلنا لن نجد في التاريخ الإنساني مدرسة فكرية استطاعت أن توجه الأجيال المتطاولة، وتفرض عليها مبادئها وأفكارها، ثم تبني أمة حضارية متوحدة لها كيانها وذاتيتها، مثلما صنعته مدرسة الإمام الصادق (ع). إن من الخطأ أن نحدد إنجازات هذه المدرسة في من درس فيها وأخذ منها من معاصريها وإن كانوا كثيرين جدا، وإنما بما خلّفته من أفكار، وبما صنعته من رجال غيرّوا وجه التاريخ ووجهوا أمته، بل وكوَّنوا حضارته التي ظلت قروناً مستطيلة. لقد أثبت التاريخ أن الذين استقوا من أفكار هذه المدرسة مباشرة كانوا أربعة آلاف طالب [2] ولكن ذلك لا يهمنا بمقدار ما يهمنا معرفة ما كان لهذه المدرسة من تأثير في تثقيف الأمة الإسلامية التي عاصرتها والتي تلتها إلي اليوم، وإن الثقافة الإسلامية الأصيلة كانت جارية عنها فقط، حيث أثبتت البحوث أن غيرها من الثقافات المنتشرة بين المسلمين إنما انحدرت عن الأفكار المسيحية واليهودية بسبب الدَّاخلين منهم، أو ملونة بصبغة الفلاسفة اليونان والهنود الذين ترجمت كتبهم إلي العربية، فبني المسلمون عليها أفكارهم وكوَّنوا بها مبادئهم. ولم تبق مدرسة فكرية إسلامية حافظت علي ذاتيتها ووحدتها وأصالتها في جميع شؤون الحياة كما بقيت مدرسة الإمام الصادق (ع)، ذلك لثقة التابعين بها وبأفكارها، مما دفعهم إلي التحفظ

بها وبملامحها الخاصة عبر قرون طويلة، حتي أنهم كانوا ينقلون عنها الروايات فماً بفم، وإذا كتبوا شيئا لا ينشروه إلاّ بعد الإجازة الخاصة ممن رووا الأفكار عنه. وإذا عرفنا بأن الثقافة الإسلامية - الشيعية منها أو السنّية - كانت ولا زالت تعتمد علي الأئمة من معاصري الإمام الصادق (ع) كالأئمة الأربعة ممن توقف المسلمون علي مذاهبهم فقط، وبالتالي عرفنا بان معظم هؤلاء الأئمة أخذوا من هذه المدرسة أفكارهم الدينية، حتي أن ابن أبي الحديد أثبت أن علم المذاهب الأربعة راجع إلي الإمام الصادق في الفقه. وقد قال المؤرخ الشهير أبو نعيم الأصفهاني: (روي عن جعفر عدة من التابعين منهم: يحيي بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وأبو عمرو بن العلاء، ويزيد بن عبد الله بن هاد، وحدث عنه الأئمة الأعلام: مالك بن أنس، وشعبة الحجاج، وسفيان الثوري، وابن جريح، وعبد الله بن عمر، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينه، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وإبراهيم بن طهمان، في آخرين، وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجاً بحديثه [3] . إذا عرفنا ذلك صح لنا القول بأن الثقافة الإسلامية الأصيلة ترجع إلي الإمام الصادق (ع) وإلي مدرسته فقط. ومن جانب آخر إذا عرفنا بأن تلميذاً واحداً من الملتحقين بهذه المدرسة ألّف زهاء خمسمائة رسالة في الرياضيات كلها من إملاء الإمام الصادق (ع)، وهو جابر بن حيان المعلم الرياضي الشهير الذي لا يزال العالم يعرف له فضلاً كبيراً علي هذه العلوم وأيادي طويلة علي أهلها. وروي عنه محمد بن مسلم ستة عشر ألف حديث في مختلف العلوم، وآخرون من هؤلاء الأفذاذ، حتي قال

قائلهم رأيت في هذا المسجد - أي مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: (قال: جعفر بن محمد). حتي أن أبا حنيفة كان يقول: (لولا السَّنتان لهلك النُّعمان). وأخيراً عرفنا بانه لم يرو عن أحد من الأئمة الإثني عشر - بل عن المعصومين الأربعة عشر وفيهم رسول الله (ص) - بقدر ما روي عن الإمام الصادق (ع). ولقد جمع المتأخرون من الشيعة ما روي عنهم في مجلدات ضخمة: فكان البحار للمجلسي يحوي مائة وعشرة مجلدات، وكان جامع الأخبار للنراقي مثيلاً له، وكان مستدرك البحار نظيراً له، وقد احتوت غالبية هذه الكتب ونظائرها علي أحاديث الإمام الصادق (ع) وأكثرها في الفقه والحكمة والتفسير وما إلي ذلك. أما في سائر العلوم فلم يصل إلي أيدينا إلاّ الشيء القليل، حيث ذهب معظمها ضحية الخلاف السياسي الذي أعقب عصر الإمام، فكم من كتب مخطوطة للشيعة أحرقتها نيران المنحرفين، وكان نصيب مكاتب الفاطميين بمصر أكثر من ثلاثة ملايين كتاباً مخطوطا، وكم من كتب لفتها أمواج دجلة والفرات وأحرقتها مطامع العباسيين ببغداد والكوفة، وكم من محدّث واسع المعرفة جمّ الثقافة ظلت العلوم هائجة في فؤاده لا يستطيع لها نشراً خوفاً من إرهاب العباسيين وإجرامهم، فهذا ابن أبي عمير ظلَّ في سجون بني العباس مدة طويلة - ومن المؤسف - أن ما كتبها هجرت في هذه المدة حتي عفنت واكلها التراب، وراحت أحاديث كثيرة منها صحيحة الأعمال. وهذا محمد بن مسلم حفظ ثلاثين ألف حديثاً عن الإمام الصادق ولم يرو منها شيئاً. إذا عرفنا كل ذلك أمكننا معرفة مدي شمول ثقافة هذه المدرسة العالم الإسلامي ومدي سعة أفقها الرحيب. والمشهور أن منهاج الإمام الصادق كان يوافق أحدث مناهج التربية والتعليم في العالم،

حيث ضمت حوزته اختصاصيين كهشام بن الحكم الذي تخصص في المباحث النظرية، وتخصص زرارة ومحمد بن مسلم وأشباههم في المسائل الدينية، كما تخصص جابر بن حيان في الرياضيات، وعلي هذا الترتيب. حتي أنه كان يأتيه الرجل فيسأله عما يريد من نوع الثقافة، فيقول الفقه فيدله علي إخصائيه، أو التفسير فيوميء إلي صاحبه، أو الحديث والسيرة، أو الرياضيات، أو الطب، أو الكيمياء، فيشير إلي تلامذته الاخصائيين، فيذهب الرجل بملازمة من أراد حتي يخرج رجلاً قديراً بارعاً في ذلك الفن. ولم يكن الوافدون إليه من أهل قطر خاص، فلقد كانت طبيعة العالم الإسلامي في عصره تقضي علي الأمة بتوسيع الثقافة والعلم والمعرفة في كل بيت.. حيث أن الفتوحات المتلاحقة التي فتحت علي المسلمين أبواباً جديدة من طرق العيش وعادات الخلق، وأفكار الأمم، كانت تسبب احتكاكاً جديداً للأفكار الإسلامية بالنظريات الأخري، ولسبيل الحياة عند المسلمين بعادات الفرس والروم وغيرهما من جارات الدولة الإسلامية، كما خلقت مجتمعاً حديثاً امتزج فيه المتأثر العميق بالوضع، والمنحرف الكامل عن الإسلام، مما سبب حدوث تناقضات في الحياة، قد ترديه وتحدث لديه انعكاسات سيئة جداً لذلك الامتزاج الطبيعي المفاجيء. لذلك هرعت الأمة يومئذ إلي العلم والثقافة والتصقت بأبي عبد الله الصادق (ع) مؤملة الخضب الموفور، ووفدت عليه من أطراف العالم الإسلامي طوائف مختلفة، وساعدهم علي المثول عنده مركزه الحساس، حيث اختار - في الأعم الأغلب - مدينة الرسول (ص) التي كانت تمثل العصب الحساس في العالم الإسلامي، ففي كل سنة كانت وفود المسلمين تتقاطر علي الحرمين لتأدية مناسك الحج المفروضة ولحل مسائلهم الفقهية والفكرية. فيلتقون بصادق أهل البيت (ع) وبمدرسته الكبري حيث يجدون عنده كل ما يريدون. ويجدر بنا المقام هنا أن نشير إجمالا

إلي موجة الإلحاد التي زحفت علي العالم الإسلامي في عهد الإمام الصادق (ع)، وقد اصطدمت بمدرسته، فإذا بها الصَّد المتين، والسَّد الرصين، الذي حطم قواها وجعلها رذاذاً، وباعتبار أننا نحاول أن نلخّص حياة إمامنا العظيم ونحدد ملامح مدرسته الكبري، يلزم أن نلم موجزاً بهذه الموجة الشاملة. لقد أشرنا قريباً إلي أن الفتوحات الإسلامية سببت احتكاكاً عنيفاً بين المسلمين وبين الداخلين، ولأن أغلب المسلمين لم يكونوا قد تفهموا الإسلام تفهماً قويماً، ولا وعوه وعياً مستوعباً، فإن نتيجة هذا الاصطدام كانت سيئة، إذ أدّي إلي تشعب المسلمين إلي فرقتين: الأولي: المحافظون المتزمتون الذين اتخذوا ظاهر الدين ولم يتفهموا جوهره وحقيقته، فإذا بهم يفقدون عقولهم ويفقدون معها مقاييس الأشياء، وكانت الخوارج من فرسان هذا الإتجاه، كما كانت الأشاعرة مع ملاحظة ما بين طوائفهم من اختلاف في الكمية والكيفية. والثانية: المتطورون المفرّطون الذين بالغوا في التأثر بالوضع وألغوا المقاييس، واكتفوا بما أوحت إليهم عقولهم الناقصة، حسب اختلاف النزعات وتطور الظروف، وكان في مقدمتهم الملحدون ثم - مع اختلاف كثير - كانت المعتزلة ومن إليهم من الفرق الأخري. وبطبيعة الحال كان الملحدون متسترين بسبب الوضع الاجتماعي القاسي الذي يعتبر فيه المرتد أسوأ حالاً من الكافر الأصيل، وكانوا أقلاء في نفس الوقت، بيد أنهم كانوا يستقون أفكارهم من فلسفة اليونان التي كان العرب لا يعرفها حتي ذلك اليوم، وحيث تمت صلتهم بها عن طريق حركة الترجمة المنتشرة من عهد الإمام فصاعداً. ولذلك كان القليل من المسلمين الذين تفهموا فلسفة الإسلام النظرية من جميع أبعادها، وعرفوا الاختلاف بينها وبين سائر النظريات، واستطاعوا أن يقيموا الحجة البالغة علي صحة مبادئ الإسلام الفكرية ودحض ما سواها. وقد اصطدم هؤلاء بمن اقتصرت معلوماتهم علي مجموعة

من الأحاديث التي يروونها عن أبي هريرة أو غيره، غير مبالين بما فيها من تناقضات جمة، وكانوا يحسبون أنهم علي حق، وأن لهم مقدرة كافية لإثبات مزاعمهم الباطلة، فتري أحدهم يشكل حزباً ويدعو إليه الناس سراً. لذلك تحتم علي الإمام الوقوف في وجههم وتبديد مزاعمهم. فرسم ثلاثة خطط حكيمة لذلك: الأولي: لقد خصّ فرعاً من مدرسته بالذين يعرفون فلسفة اليونان بصورة خاصة وغيرها بصورة عامة، ويعرفون وجهة نظر الإسلام إليها والحجج التي تنقضها، وكان من هؤلاء هشام بن الحكم المفّوه الشهير، وعمران بن أعين، ومحمد بن النعمان الأحول، وهشام بن سالم، وغيرهم من مشاهير علم الحكمة والكلام، العارفين بمقاييس الإسلام النظرية أيضا. الثانية: وكتب رسائل في ذلك، مثل رسالته المدعاة ب_ (توحيد المفضل)، ورسالته المسماة ب_ (الإهليلجة) وما إليها. الثالثة: المواجهة الشخصية لزعماء فكرة الإلحاد. وباعتبار أن هذه العملية الأخيرة كانت أبلغ في مقابلة الموجة من اللتين سبقتا، لذلك يجدر بنا الوقوف عندها قليلاً لقراءة بعض القصص والأحداث المهمة: 1 - كان ابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الأعمي وابن المقفع مجتمعين بنفر من الزنادقة في الموسم بالمسجد الحرام، وكان الإمام الصادق (ع) متواجداً آنذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات. فطلب القوم من ابن أبي العوجاء تغليظ الإمام وسؤاله عما يفضحه بين المحيطين به. فأجابهم بالإيجاب واتجه - بعد ان فرَّق الناس - صوب الإمام، وقال: يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات [4] ولا بدّ لكل من به سؤال أن يسأل، أفتأذن لي في السؤال؟ فقال له أبو عبد الله: سل إن شئت. فقال ابن أبي العوجاء: إلي كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع

بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير، فهناك من فكّر في هذا وقدّر بأنه فعل غير حكيم ولا ذي نظر. فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه؟ فقال الصادق (ع): «إن من أضله الله وأعمي قلبه استوهم الحق فلم يستحث به، وصار الشيطان وليّه وربّه يورده مناهل الهلكة ولا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم علي تعظيمه وزيارته، وجعله قبلة للمصلين له، فهو شعبة لرضوانه، وطريق يؤدي إلي غفرانه، منصوب علي استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما زجر، هو الله المنشئ للأرواح والصور». فقال له ابن أبي العوجاء: فأحلت علي غائب. فقال الصادق (ع): «كيف يكون يا ويلك غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم، لا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان، ولا يكون إلي مكان أقرب من مكان، تشهد له بذلك آثاره، وتدل عليه أفعاله، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد رسول الله (ص) الذي جاءنا بهذه العبادة، فإن شككت في شيء في أمره فاسأل عنه». فأبلس ابن أبي العوجاء ولم يدر ما يقول ثم انصرف من بين يديه، وقال لأصحابه: سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة [5] فألقيتموني علي جمرة. فقالوا له: أسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك وما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه. فقال: إليّ تقولون هذا، إنه ابن من حلق رؤوس من ترون - وأومأ بيده إلي أهل الموسم -. ومرة أخري جاء إليه يسأله عن حدوث العالم؟ فقال (ع): «ما وجدت صغيراً ولا كبيراً إلاّ إذا ضم إليه صار أكبر، وفي ذلك

انتقال عن الحالة الأولي، ولو كان قديماً ما زال ولا حال، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأزل دخول في القدم، ولن يجتمع صفة الحدوث والقدم في شيء واحد». فقال ابن أبي العوجاء: هب علمك في جري الحالتين والزمانين علي ما ذكرت استدللت علي حدوثها، فلو بقيت الأشياء علي صغرها من أين كان لك أن تستدل علي حدوثها؟ فقال (ع): «إنا نتكلم عن هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه ووضعنا عالماً آخر كان لا شيء أدلّ علي الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره، ولكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فتقول: إن الأشياء لو دامت علي صغرها لكان في الوهم أنه متي ضم شيء منه شيء إلي منه كان أكبر، وفي جواز التغّير عليه خروجه من القدم، إن في تغّيره دخوله في الحدث، وليس لك وراءه بشيء يا عبد الكريم» [6] . ومرة جاء وقد جمع كيده وحشد أدلته وحدّ اظفاره، فما أن تباحث مع الإمام حتي أفحم إفحاما، فقام ولم يرجع حتي هلك [7] ، وطوي بموته علي هذه الشاكلة صفحة إلحاد كان لها أنصار وأعوان، ومضي زعيم إلحاد كان له صولة وجولة وحزب كبير. 2 - يروي عن هشام بن الحكم أنه قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله علم، فخرج إلي المدينة ليناظره فلم يصادفه بها، وقيل هو بمكة فخرج إلي مكة - ونحن مع أبي عبد الله (ع) آنذاك - فانتهي إليه وهو في الطواف، فدنا منه وسلم. فقال له أبو عبد الله (ع): ما اسمك؟ قال: عبد الملك. قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله. قال: فمن

ذا الملك الذي أنت عبده، أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء. وأخبرني عن ابنك أعبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ فسكت. فقال: ابو عبد الله قل. فسكت. فقال له (ع): إذا فرغت من الطواف فأتنا. فلما فرغ ابو عبد الله (عليه السلا) من الطواف أتاه الزنديق، فقعد بين يديه - ونحن مجتمعون عنده - فقال أبو عبد الله (ع): أتعلم أن للأرض تحتاً وفوقاً؟ فقال: نعم. قال: دخلت تحتها؟ فقال: لا. قال: فهل تدري ما تحتها؟ قال: لا أدري إلاّ أني أظن أن ليس تحتها شيء. فقال: فالظن عجز ما لم تستيقن. ثم قال له: صعدت إلي السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟ قال: لا. قال: فالعجب لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد إلي السماء ولم تجد ما هناك فتعرف ما خلفن وأنت جاحد ما فيهن، وهل يجحد العاقل مالا يعرف. فقال الزنديق: ما كلمني بهذا غيرك. فقال أبو عبد الله (ع): فأنت من ذلك في شك، فلعل هو ولعل ليس هو. قال: ولعل ذلك. فقال ابو عبد الله (ع): «أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة علي من يعلم، ولا حجة للجاهل علي العالم، يا أخا أهل مصر تفهم عني، أما تري الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان يذهبان ويرجعان، - قد اضطرّا، ليس لهما مكان إلاّ مكانهما، فإن كانا يقدران علي أن يذهبا فلم يرجعان، وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً. والله يا أخا أهل مصر ان الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فإن كان هو يذهبهم فلم

يردهم، وإن كان يردهم فلم يذهب بهم، أما تري السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقطها علي الأرض ولا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومديرها». قال: فآمن الزنديق علي يدي أبي عبد الله (ع)، فقال لهشام: خذه الليلة وعلمه. 3 - وجاء إليه زنديق آخر وسأله عن أمور نظرية، فكان بينهما الحوار التالي: قال كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟ قال ابو عبد الله (ع): «رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء علي اماراته من عظمته دون رؤيته». قال: أليس هو قادر علي أن يظهر لهم حتي يروه فيعرفونه فيعبد علي يقين؟ قال (ع): «ليس لمحال جواب» [8] . قال: فمن أين أثبت أنبياءً ورسلاً؟ قال (ع): «إنما لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه، ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحتاجهم ويحتاجوه، ثبت أن له سفراء عباداً يدلونهم علي مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فنائهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن لهم معبّرين - هم الأنبياء وصفوته من خلقه - حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم علي مشاركتهم له في الخلق والتدبير، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتي وإبراء الأكمه والأبرص». قال: من أي شيء خلق الأشياء؟ قال (ع): من لا شيء! فقال: كيف يجيء بشيء من لا شيء؟ قال (ع): «إن الأشياء لا تخلو، إما أن تكون خلقت من شيء أو

من غير شيء، فإن كانت خلقت من شيء فإنَّ ذلك الشيء قديم، والقديم لا يكون حديثا ولا يتغير، ولا يخلو ذلك الشيء جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتي، ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء حيّاً، أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتاً، ولا يجوز أن يكون من حي وميت، لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً ان يكون الميت قديماً، لم يزل لما هو به من الموت لأن الميت لا قدرة به ولا بقاء». ثم قال: من أين قالوا أن الأشياء أزلية؟ قال (ع): «هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء، فكذبوا الرسل ومقالتهم والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسموا كتبهم أساطير ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم، وإن الأشياء تدل علي حدوثها من دوران الفلك بما فيه.. إلي آخر حديثه الطويل». وعندما ننهي الحديث عن هذه المحادثات الغزيرة بالنظريات الفلسفية من جانب، والنظريات الدينية من جانب آخر، ثم بالتوفيق بينهما ورد الأفكار الباطلة - عند ذلك - يجب أن نعرف أن الفلسفة الإسلامية لم تستطع أن تقوم لها قائمة إلاّ بعد قرن كامل من انقضاء مدرسة الإمام الصادق (ع)، فهناك استطاع المسلمون أن ينشئوا مدرسة ذات أصالة وملامح خاصة من بين مدارس العالم الفلسفية، ومع ذلك فإنا نري أن هذه النظريات التي استفاضت بها أحاديث الإمام الصادق تتمتع بأصالة وذاتية كاملة، في حين أن غيرها بدي مثل غثاء البحر الذي يجتمع إليه من كل جانب شيء دون أن يكون فيها أي تجاوب أو تناسب - هذا في صورتها - أما في

واقعها فإنها فشلت في التوفيق بين المبادئ الدينية والدراسات الفلسفية فشلاً ذريعاً، حتي التجأت إلي التأويل في النصوص الإسلامية الصريحة، أو الطرح لها رأساً، لدرجة لم تعد هي فلسفة الإسلام أبداً. بينما نري نظريات الإمام الصادق (ع) في دراساته لا زالت من صميم الفكرة الإسلامية وآيات الذكر وآثار النبي، ومن قوانين الإسلام ونظمه حتي لكأنه جزء لا يتجزأ من كيان موحد أصيل، في نفس الوقت الذي نري توفيقه الشامل لفطرة الإنسان ووحي ضميره سواء في المعني أو في الدليل.

مواقف مشرقة

عرض موجز للأحداث

بنو أمية عشيرة تنتسب إلي قريش عن طريق أمية بن حرب، وكانت تناوئ بني هاشم في الجاهلية، حتي جاء الرسول محمد (ص) وجاءت معه الدعوة الإسلامية فعارضتها هذه العشيرة أشد معارضة حتي فشلت أمام قوتها واستسلمت إلي حين. ومات النبي (ص) وجرت أحداث التاريخ هائجة طائشة، ولم يكن عند بني أمية أمل العودة إلي المسرح السياسي حتي حلت الخلافة في بيت عثمان، فوجدت بصيصاً من الأمل فراحت تتبعه. وشاء القدر أن يقتل عثمان، كما شاء التاريخ أن يقوم بنو عمه بطلب ثأره. من هنا بدأ تاريخ بني أمية ظاهراً في الحكومة الإسلامية. حارب معاوية علياً (ع) الخليفة الشرعي للأمة بحجة طلب الثأر لعثمان، فلما وجد أنصاراً كثيرين نصب نفسه علي الناس، ثم تطور وقال: إني وبنيِّ الملوك، والناس عبيد صاغرون لنا. وانحدرت سلسلة بني أمية تحكم الناس علي أنها المالكة لأمرهم وهم المطيعون، وإلاّ فالسيف وكل أنواع الفتك والتعذيب مآلهم. وانفجرت من الناس ثورات تعارض الوضع بكل صراحة ومع أنها فشلت آخر الأمر، لكنها أبقت ضمائرها لتحيا ذات مرة وتقود المسير. وكانت الثورات قد اتخذت طابعاً واحداً - تقريباً - هو الأخذ بثأر الإمام الحسين

(ع) ابن بنت رسول الأمة الذي جاهد الباطل للحق فقتل أفظع ما تكون قتلة في التاريخ. أما بنو العباس فهي فرقة تنتمي إلي عم الرسول، كانت لها سوابق لا بأس بها في تاريخ المعارضة السياسية لدولة بني أمية، أكسبتها مزيداً من الكرامة والاعتبار بين الشعب الساخط علي سياسة الأمويين. وجاءت سنة الثورة وأرسلت الثورات مبعوثها إلي خراسان - آخر نقطة تقريباً من البلاد الإسلامية - حيث يتواجد أنصار الدعوة، لتعلن الثورة في الوقت المعلوم. وكان أبو مسلم الخراساني فردا مؤمنا بضرورة قلب الأوضاع مهما يكن من أمر، ولم يكن يؤمن بغير ذلك أبداً. وهذا الإيمان في الواقع أصمّه وأعماه، وعدم إيمانه بغيرها هو الذي سبب نجاح بني العباس في ثورتهم دون غيرهم ممن خرجوا علي الدولة، حيث أن الثائرين علي الأغلب كانوا يتورعون من ارتكاب المحرمات ولو ضمنت نجاحهم الدائم، في نفس الوقت الذي لم يكن أنصار بني أمية محجمون عن أي عمل يدعم سلطانهم أو يفني عدوهم، فإذا حاربهم من كان مثلهم في هذه التبعية تساوي احتمال نجاح الطرفين. لم يكن أبو مسلم فريداً بين المنتمين إلي الدعوة العباسية الجديدة، بل إن الأكثرية الغالبة من قادتها كانوا من هذا الطراز، فلم يروا عائقا يمنعهم عن السيادة والاستئثار بالحكم إلاّ اعتبروا العمل لإزالته، عملاً حسناً بأي صورة كانت. لقد استلم أبو مسلم من مركز القيادة - الكوفة - واصدر أوامر كانت هذه بعض فقراتها: «إنك رجل منا - أهل البيت - إحفظ وصيتي، أنظر هذا الحي من اليمن فالزمهم واسكن من أظهرهم، واتّهم ربيعة في أمرهم، وأما مضر فإنهم العدو القريب الدار واقتل من شككت فيه، وإن استطعت ألا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل،

وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله ولا تخالف هذا الشيخ سليمان بن كيد ولا تعصه، وإذا أشكل عليك الأمر فاكتف به مني والسلام». وهو بالذات لا يحتاج إلي مثل هذه الأوامر لأنه - كما سبق - كان رجلاً سفاكاً إلي أبعد الحدود، فكم غدر بالقادة المعارضين له بعدما استضافهم في بيته، وكم أعطي الأمان لرجال صالحين ثم نكّل بهم وقتّلهم تقتيلاً، وكم قتل الأبرياء بغير جريمة، وكم هتك الحرمات بغير مبرر، وكم وكم.. أما القادة في الكوفة فلم يكونوا بأقل إجراماً منه، فقد بايعوا رجلاً من بني هاشم هو محمد بن عبد الله [9] ، وحينما وجدوا فرصة سرقوا الثورة واستأثروا بخيراتها وأنزلوا العذاب بمن ناصرهم في الأمس بل بالمؤسس للفكرة وبالذي بايعوه عن قريب فقد أخذوه وقتلوه غدراً. وهذا أبو مسلم الذي كان المؤسس للدولة قد غدر به المنصور فقتله شر قتله، وغدر بعيسي بن موسي وعزله عن ولاية العهد بعدما جعلها له إكراماً لما قدمه إليه من خدمات جليلة. كما غدر بنو العباس بكل من أبي سلمة الخلال، ويعقوب بن داود، وفضل بن سهل، وجعفر البرمكي، ويحيي الحسني، وغيرهم... ممن أسدوا إليهم خدمات كانت جديرة بأن تشكر وتجزي خير جزاء.

موقف الإمام

يعتقد البعض أن عصر الإمام الصادق (ع) كان يمكن أن يكون من أنسب العصور وأخصبها لو كان الإمام يشتغل للثورة الحقة التي ترجع الخلافة إلي المؤهل لها من عند الله عزّ وجلّ ومن لدن رسوله (ص)، لكونه عصر تطور - بالغ الخطورة - في التاريخ الإسلامي، حيث أزاح الستار عما كان الزمن قد ستره من الحقائق الدينية، ولكن الواقع ينبئ بغير هذا الزعم وهو أن الإمام الصادق (ع) لم يكن يستطيع

النهوض بإظهار الدعوة علي المسرح السياسي في يوم من الأيام، فأما في عصر الأمويين فلما سبق من أنهم لم يكونوا يتورعون من أي جريمة يرتكبونها في سبيل إخماد ثورة ضدهم، مع أن الإمام (ع) لم يلجأ إلي الباطل في طريق الحق ولم يستعن بالظلم لتطبيق العدل، وأما بنو العباس فلم يكونوا بأحسن أعمالاً من إخوانهم بني أمية ولا بأورع عن الفتك والمكر في سبيل توطيد ملكهم، ولذلك استطاعوا أن ينسفوا عرش بني أمية نسفا - وهكذا ضرب الباطل بالباطل وكان بينهما تبديلاً -. كما استغل العباسيون كل نشاط لدعوة بني هاشم، واستفادوا من الاستياء العام الذي صنعه الطالبيون - ولا زال الناس يلقون بآمالهم الكبيرة عليهم - لذلك لم يمكن النهوض بعبأ الثورة الشيعية لاسيما تلك التي يتورع فيها عن أي سفك للدماء البريئة وأي هتك للحرمات المقدسة. ويدلنا علي عدم وجود مؤهلات النهوض في عصر العباسيين أن طائفة من بني عمومة الإمام ثاروا - سواء في عصر الإمام (ع) أو بعده - فلم يفلحوا وكان مصيرهم نفس المصير الذي لقيه أباؤهم في عصر الأمويين أبداً. ومع ذلك كله فإن الإمام (ع) كان يدعم أسس الثورة الفكرية الجامحة التي تؤدي إلي الثورة السياسية أيضاً، وذلك بنشر الحقائق الدينية والتاريخية بصراحة وبدون غموض، مما أدي إلي تهيئة جوّ صالح لغرس نواة الانقلاب الفكري السياسي، حتي أنه قرر أن يكون الإمام موسي بن جعفر الكاظم - نجل الصادق (ع) - قائم آل محمد (ص) الذي كان تعبيراً عن رجوع الدولة المغتصبة والحق المضيع إليهم، حيث أن الشيعة لمسوا فيه رعايات واسعة لها تاثيرها في تحويل الوضع السياسي، ولكن أتباع الدعوة الشيعية خانوها بإفشاء سر النهج والطريق المرسوم،

وكانت النتيجة أن ألقي القبض علي الإمام الكاظم (ع) وسجن سنوات طويلة وأنزل علي الشيعة الويل والعذاب بشتي الصور. ولكن روح الثورة التي خلقها الإمام الصادق (ع) ظلت متوثبة - حتي - بعد موت هارون الرشيد في زمان الإمام الرضا (ع) حفيد الإمام، وانتهت بإعلان ولاية العهد الذي كان سبيلاً مباشراً لرجوع الخلافة إلي أبناء علي (ع) ولكن شاء القدر باستشهاد الإمام الرضا (ع) قبل موت المأمون. وعلي أي حال فإن الإمام الصادق (ع) خلق جوأً صالحاً للثورة في هذه السنوات التي تولي فيها إمامة المسلمين بعد أبيه (ع). ومن الطبيعي أن لا تتركه السلطات هادئاً يمشي في طريقه المرسوم وإن كان لا يعارضهم معارضة مباشرة، لأن مقاطعته للعباسيين كانت لهم نذير سوء، ومثيرة لسخطهم البالغ عليه وعنفهم الشديد له. فقد دعاه المنصور ليسير في ركابه كما سار غيره من أئمة الجور. حيث أرسل إليه يقول: ألا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فإجابه الإمام (ع): «ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك ولا نراك في نقمة فنعزيك بها. فما نصنع عندك»؟ فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه (ع): «من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك:». فقال المنصور والله لقد ميز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة. والآن حيث انتهيت من وضع الخطوط العريضة لسياسة الإمام الصادق (ع) مع السلطات المعاصرة ينبغي لي أن أشير إلي بعض الأحداث التي جرت علي الإمام (ع) أو علي بعض مواليه من المحن التي لاقوها من السلطة لا لشيء إلاّ لأنهم أرادوا الحق ودعوا إليه، تاركاً البحث حولها إلي مجال آخر. أشخص السفاح الإمام الصادق (ع)

من المدينة إلي الحيرة ليفتك به، ولكن كفاه الله من ذلك. وجاء دور المنصور فتعاهد الإمام بالأذي اثنتي عشرة سنة، وأشخصه سبع مرات في المدينة والربذة والكوفة وبغداد، وفي كل مرة يستدعيه المنصور، فإذا جاء إليه أنذر وأعذر وذهب بالذل، ورجع الإمام بالخير والمعروف. وإني إذ أنقل إليك أخي القارئ تفصيل هذا الاستحضار في أوائل خلافة المنصور وأواخرها ابتغاءً لبيان حدة الخلاف ونوعيته بين المنصور وبينه (ع). 1 - روي السيد ابن طاوس نقلاً عن الربيع حاجب المنصور أنه قال: لما حج المنصور - ربما يكون في سنة 140 أو 144 هجرية - وصار بالمدينة سهر ليلة فدعاني فقال: يا ربيع انطلق في وقتك هذا علي أخفض جناح وألين مسير، وإن استطعت أن تكون وحدك فافعل حتي تاتي أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع) فقل له هذا ابن عمك يقرأ عليك السلام ويقول لك: «إن الدار وإن نأت، والحال وإن اختلفت، فإنا نرجع إلي رحم أمس من يمين بشمال ونعل بقبال، وهو يسألك المصير إليه في وقتك هذا، فإن سمح بالمصير معك فأوطئه خدّك، وإن امتنع بعذر أو غيره فأردد الأمر إليه في ذلك، وإن أمرك بالمصير إليه في تأن فيسر ولا تعسر، واقبل العفو ولا تعنف في قول ولا فعل». قال الربيع: فصرت إلي بابه فوجدته في دار خلوته، فدخلت عليه من غير استئذان فوجدته معفراً خديه مبتهلاً بظهر كفيه قد أثر التراب في وجهه وخديه. فأكبرت أن أقول شيئا حتي فرغ من صلاته ودعائه ثم انصرف بوجهه. فقلت: السلام عليك يا أبا عبد الله. فقال: وعليك السلام يا أخي، ما جاء بك؟ فقلت: ابن عمك يقرأ عليك السلام.. حتي بلغت آخر الكلام.

فقال: ويحك يا ربيع! «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ» (الحديد/16) «أَفَاَمِنَ أَهْلُ الْقُرَي أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَي أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًي وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَاَمِنُوا مَكْرَ الله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ» (الاعراف/97-99) قرأت علي أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل علي الصلاة وانصرف إلي توجهه، فقلت هل بعد السلام من مستعتب أو إجابة؟ فقال: نعم قل له: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّي وَأَعْطَي قَلِيلاً وَأَكْدَي أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَي أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَي وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّي أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَي وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَي» (النجم/33-40) وإنا والله يا أمير المؤمنين قد خفناك وخافت بخوفنا النسوة اللاّتي أنت أعلم بهن، لابدّ لنا من الايضاح به، فإن كففت وإلاّ أجرينا اسمك علي الله عز وجل في كل يوم خمس مرات (أي دعونا عليك مع كل صلاة دعاء لا يرد لأنه مع إخلاص). وأنت حدثتنا عن أبيك عن جدك أن رسول الله (ص) قال أربع دعوات لا يحجبن عن الله تعالي، دعاء الوالد لولده والأخ لأخيه بظهر الغيب والمخلص. قال الربيع: فما استتم الكلام حتي أتت رسل المنصور تقفوا اثري وتعلم خبري، فرجعت فأخبرته بما كان فبكي، ثم قال: إرجع إليه وقل له الأمر في لقائك إليك والجلوس عنا، وأما النسوة اللاّتي ذكرتهن فعليهن السلام فقد أمّن الله روعتهن وجلا همهن. قال: فرجعت إليه فأخبرته بما قال المنصور، فقال: قل له وصلت رحماً وجزيت خيراً ثم اغرورقت

عيناه حتي قطر من الدموع في حجره قطرات. 2 - وعن محمد بن عبد الله الاسكندري كان من ندماء المنصور وخواصه، أنه قال: دخلت علي المنصور يوماً فرأيته مغتماً وهو يتنفس نفساً بارداً فقلت ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين! فقال لي: يا محمد لقد هلك من أولاد فاطمة مائة أو يزيدون وقد بقي سيدهم وإمامهم. فقلت له: من ذلك؟ قال: جعفر بن محمد الصادق. فقلت يا أمير المؤمنين: إنه رجل قد انَحَلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة. فقال: يا محمد لقد علمت أنك تقول به وبإمامته ولكن الملك عقيم وقد آليت علي نفسي الاَّ أمسي عشيتي هذه أو أفرغ منه. قال محمد: والله لقد ضاقت عليَّ الأرض برحبها، ثم دعا سيافاً وقال له: إذا أنا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحديث ووضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني وبينك فاضرب عنقه. ثم احضر أبا عبد الله (ع) في تلك الساعة ولحقته في الدار وهو يحرك شفتيه فلم أدر ما الذي قرأ، فرأيت القصر يموج كأنه سفينة في لجج البحار ورأيت أبا جعفر المنصور وهو يمشي بين يديه حافي القدمين مكشوف الرأس قد اصطكت أسنانه وارتعدت فرائصه يحمر ساعة ويصفر أخري، واخذ بعضد أبي عبد الله وأجلسه علي سرير ملكه وجثا بين يديه كما يجثوا العبد بين يدي مولاه، ثم قال: يا أبن رسول الله (ص) ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟ قال: جئتك طاعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين أدام الله عزه. قال: ما دعوتك والغلط من الرسول. ثم قال: سل حاجتك؟ فقال: أسألك الا تدعوني لغير شغل. قال: لك ذلك وغير ذلك. ثم انصرف أبو عبد الله (ع) سريعاً وحمد

الله عزّ وجلّ كثيراً. ودعا أبو جعفر المنصور بالدواويج - أي الألحفة والأغطية - ونام ولم ينتبه إلاّ في نصف الليل، فلما انتبه كنت عند رأسه فترة ذلك، وقال: لا تخرج حتي أقضي ما فاتني من صلاتي فأحدثك بحديث، فلما قضي صلاته أقبل علي محمد وحدَّثه بما شاهده من الأهوال التي أفزعته عند مجيء الصادق (ع)، وكان ذلك سبباً لانصرافه عن قتله وداعياً لاحترامه والإحسان إليه. يقول محمد قلت له: ليس هذا بعجيب - يا أمير المؤمنين - فإن أبا عبد الله وارث علم النبي (ص) وجده أمير المؤمنين (ع)، وعنده من الأسماء وسائر الدعوات التي لو قرأها علي الليل لأنار ولو قرأها علي النهار لأظلم ولو قرأها علي الأمواج في البحور لسكنت. وهكذا استمر المنصور يدعو الإمام مرة بعد أخري حتي دس إليه السم فقتله. ولم تقتصر مواقف الإمام المشرفة في التي وقفها مع المنصور فقط، بل، إن له مواقف مشابهة مع ولاة المنصور من ذلك ما يلي: 1 - ذات مرة كان الصادق (ع) عند زياد بن عبد الله فقال الرجل: يابني فاطمة ما فضلكم علي الناس؟ (فسكت كل من كان في المجلس من الفاطميين خوفاً علي أنفسهم من قتل الرجل). فقال الإمام: «إن من فضْلنا علي الناس أنا لا نحب أن نكون من أحد سوانا، وليس أحد من الناس لا يحب أن يكون منا». 2 - وكان داود بن علي والياً علي المدينة فأمر مدير الشرطة بإعدام (معلي بن خنيس) وهو من زعماء الشيعة البارزين ومن أصحاب الإمام الصادق (ع) المفوهين، فنفذ مدير الشرطة أمر الرئيس. فلما قتل (معلي) جاء الإمام وقد اشتد غضبه علي الحكم إلي الوالي يقول له: قتلت مولاي

وأخذت مالي!! أما علمت أن الرجل ينام علي الثكل ولا ينام علي الحرب. فاعتذر الوالي بانه لم يكن القاتل المباشر. فذهب إلي مدير الشرطة فاعترف بالجرم فأمر بضرب عنقه فقتله جزاءً علي قتله وقوراً.

مكارم الاخلاق

ثقافته الواسعة

لا نستطيع أن نحدد من ثقافة الإمام - أيّ إمام - إذا اعتقدنا بأن ثقافته صورة واضحة عن اتصاله بالله تعالي، حيث أنه يحدو بنا إلي الإعتقاد بأن الله يوحي إليه إلهاماً. وكذلك لا نستطيع أن نجد وصفاً شاملاً لثقافته إذا عرفنا بأن المفاهيم العادية التي نعيشها في حياة الإنسان لا تضبط كل ثقافته وكل معرفته، لأن للإمام وللنبي ولبعض الملهمين من الصالحين قوة يهبهم إياها الله القدير، تلتقط المعلومات عن الكون والحياة كما تلتقط آلة التصوير أو أفلام السينما صور الموجات، وكما تلتقط العين وأعصاب الأذن جمال الحياة وصوت الأحياء، فيعرف شيئاً جميلاً وفرداً متكلماً. وأعود فأقول: ليست ثقافة الإمام الصادق (ع) محدودة بما قال أو بما حفظ عنه من آثار في مختلف العلوم، بل أكبر من هذا سعة وأكثر رحابة وأبعد أفقاً، لأن ثقافته اتصلت بالموجودات رأساً كما تتصل السحابة بالبحر، والضياء بالشمس والعطر بالورد وحيث كان يستوحي أفكاره واتجاهاته ومعارفه من الله خالق البحر والشمس، ومفتح الورد. فالوحي من الله فالنبي فالإمام، وكذلك الإلهام من الله فالإمام. إن الحقيقة التي عبر عنها فم الإمام هي الحقيقة التي عرفها قلبه، وحواها فكره، وأدركتها روحه، والتي نفخها بارئ الحقيقة في روح الإمام (ع). وبعد كل هذا فإن هناك جانباً واحداً يهمنا من ثقافة إمامنا الصادق (ع) وهو أنها كانت معجزته كما كان معجزة النبي (ص) قرآنه، وإنه يعلم كل شيء يحتاج إليه الإنسان، وهذا الجانب وحده هو الذي حدا

بالجعفرية أن يتبعوا مدرسته الفكرية في كل عصر. وهنا يجدر بنا أن ننقل اعترافات بعض الزعماء والمفكرين بمدي سعة آفاق الإمام العلمية، ومدي رحابة مكانته الثقافية، التي جعلت من أعدائه منابر المدح ومنصات الثناء. قال فيه أبو حنيفة: «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد» و «جعفر بن محمد أفقه من رأيت». وقال فيه الشهرستاني: «وهو ذو علم غزير في الدين وأدب كامل في الحكمة». وقال فيه ابن حجر الهيثمي: «جعفر بن محمد الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروي عنه الأئمة الكبار». وقال فيه السيد أمير علي صاحب كتاب مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي: لا يفوتنا أن نشير إلي ان الذي تزّعم تلك الحركة هو حفيد علي بن أبي طالب المسمي بالإمام جعفر والملقب ب_(الصادق)، وهو رجل رحب أفق التفكير، بعيد أغوار العقل، ملم كل الإلمام بعلوم عصره، ويعتبر في الواقع أنه أول من أسس المدارس الفلسفية في الإسلام. ولم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب الفقهية فحسب، بل كان يحضرها طلاب الفلسفة المتفلسفون من الأنحاء القاصية. وقال العلاّمة هولميادر الكاتب الإنكليزي: «إن جابر هو تلميذ جعفر الصادق وصديقه، وقد وجد في إمامه الفذ سنداً ومعيناً وراشداً أميناً وموجهاً لا يستغني عنه، وقد سعي جابر إلي أن يحرر الكيمياء بإرشاد أستاذه من أساطير الأولين التي علقت بها من الإسكندرية، فنجح في هذا السبيل إلي حد بعيد، من أجل ذلك يجب أن يقرن اسم جابر مع أساطين هذا الفن في العالم أمثال (بويله) و (فوازيه) وغيرهما من الأعلام» [10] . وهناك مئات بل ألوف من الإعترافات التي أبداها كل من الكتَّاب المسلمين وغيرهم

من المحدثين والقدماء، وبصورة خاصة من معاصري الإمام (ع) حتي ملأ العالم فضله وعلمه الغزير وثقافته الوسيعة البالغة.

جوده وكرمه

1 - قال سعيد بن بيان: مرَّ بنا المفضل بن عمر - أنا وأخت لي - ونحن نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثم قال لنا: تعالوا إلي المنزل، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم دفعها إلينا من عنده حتي إذا استوثق كل واحد منا صاحبه قال المفضل: أما إنها ليست من مالي ولكن أبا عبد الله الصادق أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا أن أصلح وأفتد بها من ماله - فهذا مال أبي عبد الله -. 2 - وجاء إليه رجل وقال: لقد سمعت أنك تفعل في عين زياد - وكان ذلك اسم قرية له - شيئاً أحب أن أسمعه منك. فقال (ع): «نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم (أي يشق ويهدم) في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوا. وكنت آمر أن يوضع بنيات يقعد علي كل بنية عشرة، كلما اكل عشرة جاء عشرة أخري يلقي لكل منهم مدّ من رطب، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجيء فيكال لكل إنسان مدّاً فإذا أوفيت القوام والوكلاء آجرتهم وأحمل الباقي إلي المدينة ففرقت في أهل البيوت والمستحقين علي قدر استحقاقهم، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار وكان غلتها أربعة آلاف دينار» [11] . يعني ذلك أنه كان يصرف تسعة أعشار تلك الضيعة في الوجوه الخيرية بينما يجعل لنفسه عشراً واحداً منها فقط. 3 - وينقل هشام بن سالم أحد أصحاب الإمام البارزين فيقول: كان أبو عبد الله إذا اعتم - أي أظلم - وذهب من الليل شطره أخذ

خناً فيه لحم وخبز ودراهم فحمله علي عنقه ثم ذهب إلي أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه. فلما مضي «وتوفي» أبو عبد الله فقدوا ذلك، فعلموا أنه كان أبا عبد الله [12] . 4 - يحدّث الهياج البسطامي عن كرم الإمام فيقول: كان أبو عبد الله ينفق حتي لا يبقي شيء لعياله [13] . 5 - وقال بوابه المصادف: كنت مع أبي عبد الله بين مكة والمدينة فمررنا علي رجل في أصل شجرة وقد ألقي بنفسه فقال (ع) مل بنا إلي هذا الرجل (أي إعدل الطريق إلي جانبه) فإني أخاف أن يكون قد أصابه العطش، فملنا إليه فإذا هو رجل من النصاري طويل الشعر، فسأله الإمام: عطشان أنت؟ فقال: نعم فقال الإمام: إنزل يا مصادف فاسقه، فنزلت وسقيته ثم ركب وسرنا، فقلت له: هذا نصراني أفتصرف علي نصراني؟ فقال: نعم إذا كانوا بمثل هذه الحالة [14] . 6 - كان مريضاً ذلك النهار الذي دخل عليه الشاعر الملهم اشجع السلمي فجلس إليه يسأل عن أحواله فقال له الإمام (ع) تعدّ عن العلة واذكر ما جئت له. فقال الشاعر: ألبسك الله منه عافية في نومك المعتري وفي أرقك يخرج من جسمك السقام كما أخرج ذل السؤال من عنقك فقال الإمام: يا غلام أي شيء عندك؟ قال: أربعمائة. قال: أعطها لأشجع. 7 - وبعث إلي ابن عم له من بني هاشم صرَّة بيد أبي جعفر الخشعمي - وكان من وراته الموثوقين - فأمره بأن يكتمه عنه. فلما جاء إلي الهاشمي وأعطاه، قال: جزاه الله خيراً، ما يزال كل حين يبعث بها فنعيش به إلي عام قابل، ولكني لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله.

وحينما حضرته الوفاة أمر بسبعين ديناراً لابن عمه الحسن بن علي الأفطس، فقيل له: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ليقتلك؟ فقال عليه السلام: ويحكم أما تقرأون: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» (الرعد /20) «إن الله خلق الجنة فطيَّبها وطيَّب ريحها ليوجد من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم» [15] .

حلمه ورأفته

1 - كان (عليه السلام) إذا بلغه من أحد نيلاً منه أو وقيعة فيه قام إلي مصلاّه فأكثر من ركوعه وسجوده وبالغ في ابتهاله وضراعته وهو يسأل الله أن يغفر لمن ظلمه بالسب ونال منه. وإن كان من أقربائه الأدنين فكان يوصله بمال ويزيد في بره قائلاً: إني لأحب أن يعلم الله أني أذللت رقبتي في رحمي، وأني لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني. لله سيدي ما أعظمك واحلمك.. وماأكبرك نفساً وأرحبك صدراً وأحسنك خلقاً. 2 - وبعث غلامه إلي حاجة فأبطأ، فذهب علي أثره يتفقده فوجده نائماً علي بعض الأرصفة، فجاء حتي جلس بجانبه يروح له فلما انتبه قال له: يا فلان ما ذلك لك تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار. إذا أضفنا هذه القصة الصغيرة إلي الوضع الإجتماعي ذلك اليوم الذي كان الرقيق يعاملون معاملة البهائم فيشبعونهم ضرباً بمجرد أن تبدر منهم بادرة، نعرف مدي نضوج الإنسانية الرفيعة في فؤاده الكبير. 2 - بعث غلاماً له أعجمياً في حاجة فلما رجع بالجواب لم يستطع أن يفصح به العبد لأنه لم يكن يجيد العربية تماماً، فبدلاً من أن ينهره ويطرده - شأن الناس ذلك اليوم - سكن قلبه وهدأ اضطرابه وقلقه حيث قال له: لإن كنت عيّ

اللسان فما أنت بعيّ القلب ثم أضاف: «إن الحياء والعفاف والعيّ - عيّ اللسان لا عيّ القلب - من الإيمان» [16] . 3 - ونهي أهل بيته عن الرقي إلي السطح عبر سلّم مشيراً لهم بأفضلية الدرج المألوف للصعود، فدخل ذات مرة الدار ورأي إحدي الجواري التي كانت تربي ولداً له تتسلق السلَّم والطفل بيدها فلما بصرت الجارية بالإمام خافت وارتعدت فرائصها وسقط الصبي من يدها ومات. فخرج (ع) إلي مجلسه متغيراً لونه، فلما سئل عن ذلك قال: ما تغير لوني لموت الصبي، وإنما تغير لوني لما أدخلت علي الجارية من الرعب، في حين أن الإمام قال لها حينما شاهدها خائفة مذعورة: أنت حرة لوجه الله، أنت حرة لوجه الله [17] . 4 - كانت الحجاج تتقاطر علي مكة والمدينة وكان بعضهم يفضل المبيت في مسجد النبي (ص) بدلاً من أن يستأجروا مقابل بعض الدراهم، فكان أحدهم نائماً بالمسجد والإمام يصلي بجانبه فلما انتبه لم ير هميانه الذي حفظ فيه نقوده، فتعلق بالإمام - ولم يكن يعرفه - قائلاً له أنت سرقت همياني. قال له الإمام: كم كان عندك من النقود؟ قال: ألف دينار. فحمله إلي منزله وأعطاه ألف دينار فذهب الرجل ثم وجد هميانه وفيه ألف دينار فعاد بالمال إلي الإمام متعذراً، فأبي قبوله قائلا: شيء خرج من يدي لا يعود إليّ. فخرج الرجل يسأل الناس عن الإمام فقيل هذا جعفر بن محمد فقال: لا جرم هذا فعال مثله [18] .

صبره وأمانته

كان للإمام ولداً يدعي (إسماعيل) وكان أكبر أولاده، فلما شبَّ كان جمَّاع الفضائل والمكارم حتي حسب أنه خليفة أبيه والإمام من بعده، ولما اكتمل نبوغه صرعته المنية، فلم يخرج لوفاته بل دعا

أصحابه إلي داره لمراسم الدفن وأتي إليهم بأفخر الأطعمة وحثهم علي الأكل الهنيء، فسألوه عن حزنه علي الفقيد الفتي الذي اختطفه الموت في ربيعه ولما يكمل من الحياة نصيبه، قال لهم: ومالي لا أكون كما ترون في خير أصدق الصادقين - أي الرسول (ص) -: «إنك ميت وإنهم ميتون» 2 - وكان له ولد آخر كان في بعض طرقات المدينة يمشي أمامه غضاً طرياً، اعترضته غصة في حلقه فشرق بها ومات أمامه، فبكي (ع) ولم يجزع بل اكتفي بقوله مخاطباً لجثمان ولده الفقيد: «لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن أبليت لقد عافيت». ثم حمله إلي النساء فصرخن فأقسم عليهن ألا يصرخن. ثم أخرجه إلي المدفن وهو يقول: «سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إلاّ حبّاً». وقال بعد الدفن: «إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا، فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا».

نظرته الإنسانية

إن نظرة الإمام الصادق (ع) الإنسانية تنبثق من نظرة الإسلام إليها في شتي صيغها ومفاهيمها، وإني لا أريد أن أورد بعض المثل في ذلك من سيرة الإمام، بينما أجعل البحث والتعليق لفرص أخري إن شاء الله تعالي، ذلك لكي نكشف عن مدي تفاني الإمام في حب الإنسانية وصراعاتها وتقدير حقوقها حتي ليجعل الصخر ينحني والنجم والشجر يسجدان إجلالاً وإكراماً لهذه النظرة العظيمة. 1 - أعطي بوابه ومولاه - مصادف - ألف دينار وقال له تجهز حتي نخرج إلي مصر (أي في رحلة تجارية) فإن عيالي قد كثروا، فتجهز وخرج مع التجار إلي مصر فلما دنوا منها استقبلتهم قافلة خارجة منها فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة؟ فأخبرهم أن ليس بمصر منه شيء فتحالفوا وتعاقدوا علي أن لا

ينقصوا من أرباح دينار ديناراً - يعني يجعلون الربح مضاعفاً - فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلي المدينة. فدخل مصادف علي أبي عبد الله (ع) ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار وقال: جعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر ربح فقال (ع): إن هذا الربح كثير ولكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدَّثه مصادف بقصة تجارتهم. فقال: «سبحان الله تحلفون علي قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلاّ بربح الدينار ديناراً؟ ثم أخذ أحد الكيسين فقال هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في الربح. ثم قال يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال» [19] . 2 - كان للإمام صديق لا يكاد يفارقه، فغضب يوماً علي عبده وسبه قائلاً: أين كنت يا ابن الفاعلة!! فلما سمع أبو عبد الله دفع يده فصك بها جبهة نفسه. ثم قال: سبحان الله تقذف أمه، قد كنت أري لك ورعاً. فقال الرجل: جعلت فداك إن أمه أمة مشركة، فقال (ع): أما علمت أن لكل أمة نكاحاً. 3 - انقطع شسع نعله وهو يسير مع بعض أصحابه يشيعون جنازة، فجاء رجل بشسعه ليناوله، فقال: أمسك عليك شسعك فإن صاحب المصيبة أولي بالصبر عليها. 4 - قال بعض أصحابه: أصاب أهل المدينة غلاء وقحط حتي أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله، وكان عند أبي عبد الله طعام جيد - فيه كفاية - قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه: إشتر لنا شعيراً واخلط بهذا الطعام، أو بعه فإنا نكره أن نأكل جيدا وياكل الناس رديئاً. وقال الآخر دخلنا علي أبي عبد الله في حائط - أي بستان - له وبيده مسحاة يفتح بها الباب وعليه قميص، وكان يقول إني لأعمل في بعض

ضياعي وإن لي من يكفيني ليعلم الله أني أطلب الرزق الحلال.

عبادته وطاعته

كل من وصف جعفر بن محمد الصادق (ع) بالعمل شفعه بالزهد والطاعة وإليك بعض كلماتهم في ذلك: قال مالك - إمام المذهب -: «كان جعفر لا يخلو من إحدي ثلاث خصال، إما مصلٍّ وإما صائم وإما يقرأ القرآن» [20] . وقال: «ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق (ع) علماً وعبادةً وورعاً» [21] . وقال الوزير أبو الفتح الأربلي:«وقف نفسه الشريفة علي العبادة وحثَّها علي الطاعة والزهادة واشتغل بأوراده وتهجده وصلاته وتعبده». ويروي بعض معاصريه: رأيت أبا عبد الله (ع) ساجداً في مسجد النبي (ص) فجلست حتي أطلت، ثم قلت: لأسبحنّ ما دام ساجداً فقلت: سبحان ربي وبحمده استغفر ربي وأتوب إليه ثلاثمائة ونيفاً وستين مرة فرفع رأسه [22] . «إنه كان يلبس الجبة الغليظة القصيرة من الصوف علي جسده، والحلة من الخز علي ثيابه ويقول: نلبس الجبة لنا والخز لكم [23] ، ويري عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه وفوقه جبَّة صوف وفوقها قميص غليظ». ويطعم ضيوفه اللحم ينتقيه بيده وهو ياكل الخل والزيت ويقول: «إن هذا طعامنا طعام الأنبياء» [24] .

من بلاغته

لقد زخرت الكتب الدينية بأحاديث بليغة عن الإمام الصادق (ع) ولك أيها القارئ بعض روائعه تاركين من يريد أكثر من ذلك يراجع كتاب «أشعة من بلاغة الإمام الصادق (ع)» للعلاّمة الفقيه الشيخ عبد الرسول الواعظي. «أوصي إلي المنصور الخليفة المعاصر له فقال: عليك بالحلم فإنه ركن العلم، واملك نفسك عند أسباب القدرة، فإن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفي غيظاً أو تداوي حقداً أو يجد ذكراً بالصولة، واعلم بانك إن عاقبت مستحقاً لم تكن غاية ما توصف به إلاّ العدل،

والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر». فقال المنصور: «وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت». ومن وصية له إلي ولده الإمام الكاظم (ع): «يا بني إفعل الخير إلي كل من طلبه منك. فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن له بأهل كنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلي يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره». قال سفيان الثوري لقيت الصادق ابن الصادق جعفر بن محمد (ع) فقلت: يابن رسول الله أوصني. فقال: يا سفيان لا مروءة لكذوب، ولا أخ لملوك، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيّئ الخلق. فقال: يابن رسول الله زدني. فقال لي: يا سفيان ثق بالله تكن مؤمناً، وارض بما قسم الله لك تكن غنياً، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً، ولا تصحب الفاجر معك يعلمك من فجور، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل [25] .

پاورقي

[1] يقول بعض المحققين أن أقرب الروايات إلي الحقيقة في تاريخ ميلاد الصادق (ع) هي التي تحدده بسنة (80) هجرية وهناك روايتان أخريتان 83 و 77 غير معتمد عليهما.

[2] لقد جمع الحافظ ابن عقدة الزيدي أسماء الرواة عن أبي عبد الله (ع) فكانوا أربعة آلاف، وجاء ابن القضائري فاستدل علي ابن عقدة فزاد عليهم.

[3] حلية الأولياء: (3 / 199).

[4] إن هذه الكلمة اعتادت العرب استعمالها عندما يريدون أن يقولوا شيئا مكتوباً يسترونه عن الناس.

[5] أي فراش يستريح عليه.

[6] الاحتجاج: (ص 76).

[7] ذكر العلامة المظفر في كتابه (الإمام الصادق) أن سليمان عامل الكوفة من قبل المنصور قتل ابن أبي العوجاء لالحاده وزندقته.

[8] إشارة إلي أن رؤية الله محالة، حيث ان الله ليس بحجم حتي يدركه البصر، ولا بمحاط حتي يحيط

به الفكر، ولا بحدود حتي يحدده الوصف، وإنما هو فوق ذلك كله، وقدرة الله وإن كانت شاملة إلاّ أن الشيء حيث لا يقبل إلاّ مكان فكيف يوجد.

[9] لقد بايع الهاشميون علي الأغلب وفيهم السفاح والمنصور هذا الرجل الذي رشحته كفاءاته الكثيرة للقيادة فنصب نفسه لها وأعانه عليه أقرباؤه جميعاً. كل ذلك في محل بين المدينة ومكة يسمي ب_ (الأبواء).

[10] نجد هذه الإعترافات وعشرات أمثالها في كتاب الإمام الصادق للأستاذ الدخيل فصل (الإمام في نظر العظماء والعلماء): (ص 86 - 111).

[11] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: (ج 2، ص 53).

[12] الإمام الصادق - محمد أبو زهرة: (ص 81).

[13] المصدر: (ص 81).

[14] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: (ج 4 ص 38).

[15] تجد هذه الأخبار كلها في كتاب الإمام الصادق للعلاَّمة المظفر في (ص 352- 255).

[16] بحار الأنوار: (ج 47، ص61).

[17] المناقب.

[18] الإمام الصادق (ع) للعلاّمة المظفر: (ج 1، ص 258).

[19] المصدر: (ص 267).

[20] تهذيب التهذيب: (ج 2، ص 105).

[21] المصدر: (ص 105).

[22] أعيان الشيعة: (ج 4، ص 138).

[23] الإمام الصادق للعلامة المظفر: (ج 1، ص 270).

[24] المصدر: (ص 270).

[25] الإمام الصادق (ع) للأستاذ الدخيل (ص 32).

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.