سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين (19)

اشارة

عنوان و نام پديدآور : حديث عليكم بسنتي و سنه الخلفاء الراشدين/علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1429ق=1387.

مشخصات ظاهري : 88ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 19

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1289502

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 7

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين.

وبعد:

فهذه رسالة أُخري كتبتها حول حديث آخر …

إنّه حديث في وجوب إطاعة الأمراء واتّباع سُنّة الخلفاء الراشدين، وإن كانت السُنّة والإمارة علي خلاف الموازين …

أخرجوه في غير واحدٍ من أهمّ أسفارهم، وجعله غير واحدٍ منهم من أصحّ أخبارهم …

ثمّ اتّخذوه مستنداً لتبرير أُمورٍ وأحكامٍ سابقة، ومستمسكاً لأعمالٍ وقضايا لاحقة …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 8

لقد بحثت

عن هذا الحديث بحثاً شاملًا، وحقّقته تحقيقاً كاملًا، فجاءت رسالة نافعة للمحقّقين، لا تخفي فوائدها علي الباحثين.. فإليهم أُقدّم هذا الجهد، واللَّه من وراء القصد.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 9

(1) مخرِّجو الحديث وأسانيده … ص: 9

رواية الترمذي: … ص: 9

أخرج الترمذي قائلًا:

«(1) حدّثنا عليّ بن حجر، حدّثنا بقيّة بن الوليد، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، قال:

وعظنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوماً بعد صلاة الغداة موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال رجل: إنّ هذه موعظة مودّعٍ، فاذا تعهد إلينا يا رسول اللَّه؟

قال: أُوصيكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن عبدُ حبشي، فإنّه من يَعِش منكم يري اختلافاً كثيراً، وإيّاكم ومحدثات الأُمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 10

المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ.

قال أبو عيسي: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روي ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم نحو هذا، حدّثنا بذلك:

(2) الحسن بن علي الخلّال وغير واحدٍ، قالوا: أخبرنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، نحوه.

والعرباض بن سارية يكنّي: أبا نجيح.

(3) وقد روي هذا الحديث عن حجر بن حجر، عن عرباض بن سارية، عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، نحوه» «1».

رواية أبي داود: … ص: 10

وأخرج أبو داود قائلًا:

«حدّثنا أحمد بن حنبل، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ثور بن يزيد،

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 4/ 308- 309 كتاب العلم باب ماجاء في الأخذ بالسنّة واجتناب البدع الرقم 2685.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 11

حدّثني خالد بن معدان، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر، قالا:

أتينا العرباض بن سارية- وهو

ممّن نزل فيه: «وَلَا عَلَي الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» - فسلّمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال العرباض:

صلّي بنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب.

فقال قائل: يا رسول اللَّه، كأن هذه موعظة مودّعِ، فماذا تعهد إلينا؟

فقال: أُوصيكم بتقوي اللَّه والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء المهديّين الراشدين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواخذ، وإيّاكم ومحدثات الامور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة» «1».

رواية ابن ماجة: … ص: 11

وأخرج ابن ماجة قائلًا:

«(1) حدّثنا عبداللَّه بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، قال:

حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا عبداللَّه بن العلاء- يعني ابن زبر-،

__________________________________________________

(1) سنن أبي داود 3/ 206 كتاب السنّة باب في لزوم السنّة الرقم 4607.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 12

قال حدّثني يحيي بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية يقول:

قام فينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ذات يوم، فوعظنا موعظةً بليغةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. فقيل: يا رسول اللَّه، وعظتنا موعظة مودّعٍ فاعهد إلينا بعهد.

فقال: عليكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم والامور المحدثات، فإنّ كلّ بدعةٍ ضلالة.

(2) حدّثنا إسماعيل بن بشر بن منصور وإسحاق بن إبراهيم السوّاق، قالا: حدّثنا عبدالرحمنم بن مهديّ، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، أنّه سمع العرباض بن سارية يقول:

وعظنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم

موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقلنا: يا رسول اللَّه، إنّ هذه لموعظة مودّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟

قال: قد تركتكم علي البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك، من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 13

وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد.

(3) حدّثنا يحيي بن حكيم، قال: حدّثنا عبدالملك بن الصباح المسمعي، قال: حدّثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو، عن العرباض بن سارية، قال:

صلّي بنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم صلاة الصبح، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظةً بليغةً. فذكر نحوه» «1».

رواية أحمد: … ص: 13

وجاء في مسند أحمد:

«(1) حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا عبدالرحمن بن مهدي، ثنا معاوية- يعني ابن صالح-، عن ضمرة بن حبيب، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، أنّه سمع العرباض بن سارية، قال:

وعظنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. قلنا: يا رسول اللَّه، إنّ هذه لموعظة مودّعٍ فماذا تعهد إلينا؟

قال: تركتكم علي البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 1/ 71- 73 باب اتّباع سُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين الأرقام 42- 44.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 14

هالك، ومن يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشيّاً، عضّوا عليها بالنواجذ، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد» «1».

(2) حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا الضحّاك بن مخلد، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحممن بن

عمرو السلمي، عن عرباض بن سارية، قال:

صلّي لنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الفجر، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت لها الأعين، ووجلت منها القلوب. قلنا- أو قالوا-: يا رسول اللَّه، كانت هذه موعظة مودّعٍ فأوصنا.

قال: أُوصيكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنّه من يعش منكم يري بعدي اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأُمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وإنّ كلّ بدعة ضلالة.

(3) حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ثور بن يزيد، ثنا خالد بن معدان، قال: ثنا عبدالرحمن بن عمرو السلمي

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 5/ 109 حديث العرباض بن سارية الرقم 16692.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 15

وحجر بن حجر، قالا:

أتينا العرباض بن سارية- وهو ممّن نزل فية: «وَلَا عَلَي الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» - فسلّمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين. فقال عرباض:

صلّي بنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الصبح ذات يومٍ ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول اللَّه، كانت هذه موعظة مودّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟

فقال: أُوصيكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، فتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأُمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.

(4) حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، ثنا حيوة بن شريح، ثنا بقية، حدّثني بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن ابن أبي بلال، عن عرباض بن سارية، أنّه حدّثهم أنّ رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة … فذكره.

(5) حدّثنا عبداللَّه، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل، عن هشام الدستوائي، عن يحيي بن أبي كثير، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 16

عن خالد بن معدان، عن ابن أبي بلال، عن العرباض بن سارية، أنّه حدّثهم: أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعظهم يوماً بعد صلاة الغداة … فذكره» «1».

رواية الحاكم: … ص: 16

وأخرج الحاكم قائلًا:

«(1) حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا العبّاس بن محمّد الدوري، ثنا أبو عاصم، ثنا ثور بن يزيد، ثنا خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، عن العرباض بن سارية، قال: صلّي لنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم صلاة الصبح، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول اللَّه، كأنّها موعظةً مودّع فأوصنا.

قال: أُوصيكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن أُمِّرَ عليكم عبدٌ حبشي، فإنّه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ بدعة ضلالة.

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 5/ 109- 110 حديث العرباض بن سارية الرقم 16694- 16697.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 17

هذا حديثٌ صحيحٌ ليس له علة.

وقد احتجّ البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد، وروي هذا الحديث في أول كتاب الاعتصام بالسُنّة.

والّذي عندي أنّهما- رحمهما اللَّه- توهّما أنّه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد، وقد رواه محمّد بن إبراهيم بن الحارث المخرّج حديثه في الصحيحين عن خالد بن معدان.

(2) حدّثنا أبو عبداللَّه الحسين بن الحسن بن أيّوب، ثنا

أبو حاتم محمّد بن إدريس الحنظلي، ثنا عبداللَّه بن يوسف التنيسي، ثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن محمّد بن إبراهيم، عن خالد بن معدان، عن عبدالرحمن بن عمرو، عن العرباض بن سارية- من بني سليم، من أهل الصُفّة- قال:

خرج علينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يوماً فقام فوعظ الناس ورغّبهم وحذّرهم وقال ما شاء اللَّه أن يقول.

ثمّ قال: اعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئاً، وأطيعوا ممن ولّاه اللَّه أمركم، ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبداً أسودَ، وعليكم بما تعرفون من سُنّة نبيّكم والخلفاء الراشدين المهديّين، وعضّوا علي نواجذكم بالحقّ.

هذا إسناد صحيح علي شرطهما جميعاً، ولا أعرف له علّةً.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 18

وقد تابع ضمرة بن حبيب خالد بن معدان علي رواية هذا الحديث عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي.

(3) حدّثناه أبو الحسن أحمد بن محمّد العنبري، ثنا عثمان بن سعيد الدارمي. وأخبرنا أبو بكر محمّد بن المؤمل، ثنا الفضل بن محمّد، قالا: ثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح.

وأخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا عبدالرحمن- يعني ابن مهدي-، عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب، عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي، أنّه سمع العرباض بن سارية قال:

وعظنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول اللَّه، إنّ هذا لموعظة مؤدّعٍ فماذا تعهد إلينا؟

قال: قد تركتكم علي البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك، ومن يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سُنّتي وسُنّة الخلفاء المهديّين الراشدين من بعدي، وعليكم بالطاعة وإن [كان

عبداً حبشياً، عضوّا عليها بالنواجذ.

فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: فإنّ المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 19

وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو علي روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة من الثقات الأثبات من أئمّة أهل الشام:

منهم: حجر بن حجر الكلاعي:

(4) حدّثنا أبو زكريّا يحيي بن محمّد العنبري، ثنا أبو عبداللَّه محمّد بن إبراهيم العبدي، ثنا موسي بن أيوب النصيبي وصفوان بن صالح الدمشقي، قالا: ثنا الوليد بن مسلم الدمشقي، ثنا ثور بن يزيد، حدّثني خالد بن معدان، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر الكلاعي، قالا:

أتينا العرباض بن سارية- وهو ممّن نزل فيه: «وَلَا عَلَي الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ» - فسلّمنا وقلنا: أتيناك زائرين ومقتبسين.

فقال العرباض:

صلّي بنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الصبح ذات يوم، ثمّ أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول اللَّه، كأنّها موعظة مؤدعٍ فما تعهد إلينا؟

فقال: أُوصيكم بتقوي اللَّه، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، فإنّه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 20

الراشدين المهديّين، فتمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومحدَثات الأُمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.

ومنهم: يحيي بن أبي المطاع القرشي:

(5) حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عيسي بن زيد التنيسي، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي، أنبأ عبداللَّه بن العلاء بن زيد «1»، عن يحيي بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية السلمي

يقول:

قام فينا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ذات غداةٍ فوعظنا موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها الأعين. قال: فقلنا: يا رسول اللَّه، قد وعظتنا موعظة مودّعٍ فاعهد إلينا.

قال: عليكم بتقوي اللَّه- أظنّه قال: والسمع والطاعة-، وستري من بعدي اختلافاً شديداً- أو: كثيراً-، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء المهديّين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم والمحدثات، فإنّ كلّ بدعة ضلالة.

ومنهم: معبد بن عبداللَّه بن هشام القرشي:

وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب، فتركته.

__________________________________________________

(1)

كذا والصحيح: زبر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 21

وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء علي ما أدّي إليه اجتهادي، وكنت فيه كما قال إمام أئمّة الحديث شعبة- في حديث عبداللَّه بن عطاء، عن عقبة بن عامر، لمّا طلبه بالبصرة والكوفة والمدينة ومكّة، ثمّ عاد الحديث إلي شهر بن حوشب فتركه، ثمّ قال شعبة-:

لأن يصحَّ لي مثل هذا عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كان أحبّ إليَّ من والديَّ وولدي والناس أجمعين.

وقد صحّ هذا الحديث، والحمد للَّه، وصلّي اللَّه علي محمّد وآله أجمعين» «1».

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 1/ 174- 177 كتاب العلم الأرقام 329- 333.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 22

(2) نظراتٌ في أسانيده … ص: 22

نقاط حول السند والدلالة: … ص: 22

كانت تلك أسانيد هذا الحديث وطرقه في أهمّ كتب الحديث وجوامعه، ولابُدّ- قبل الورود في النظر في أحوال رجال الأسانيد والرواة- أن نشير بإيجاز إلي نكاتٍ جديرةٍ بالانتباه إليها …

1- إن هذا الحديث يكذّبه واقع الحال بين الصحابة أنفسهم، فلقد وجدناهم كثيراً ما يخالفون سُنّة أبي بكر وعمر، والمفروض أنّهما من الخلفاء الراشدين، بل لقد خالف الثاني منهما الأوّل في أكثر من مورد!! فلو كان هذا الحديث عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم

حقّاً لما وقعت تلك الخلافات والمخالفات …

هذا ما ذكره جماعة … وعلي أساسه أوّلوا الحديث، وقد نصّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 23

بعضهم كشارح مسلَّم الثبوت «1» علي ضرورة تأويله …

قلت: لكنّ هذا إنّما يضطرّ إليه فيما لو كان الأصحاب ملتزمين بإطاعة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ومنقادين لأوامره ونواهيه..

ولكن …

2- إنّ هذا الحديث بجميع طرقه وأسانيده ينتهي إلي «العرباض بن سارية السلمي» فهو الراوي الوحيد له.. وهذا ممّا يورث الشكّ في صدوره.. لأنّ الحديث كان في المسجد.. وكان بعد الصلاة.. وكان موعظة بليغةً من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.. ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب … ثمّ طلب منه أن يعهد إلي الأُمّة.. فقال …

فكيف لم يروه إلّاالعرباض؟! ولِمَ لَم يرووه إلّاعن العرباض؟!

3- إنّ هذا الحديث إنّما حُدِّث به في الشام، وإنّما تناقله وروجه أهل الشام! وأكثر رواته من أهل حمص بالخصوص، وهم من أنصار معاوية وأشدّ أعداء عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام «2».

فبالنظر إلي هذه الناحية، لا سيّما مع ضمّ النظر في متن الحديث إليه، لا يبقي وثوق بصدور هذا الحديث عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله

__________________________________________________

(1) فواتح الرحموت ب شرح مسلّم الثبوت 2/ 231.

(2) أُنظر كلمة ياقوت عن أهل حمص في معجم البلدان 2/ 349.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 24

وسلّم، إذ كيف يوثق بحديث يرويه حمصيّ عن حمصيّ عن حمصيّ!!..

ولا يوجد عند غيرهم من حملة الحديث والأثر علم به؟! وأهل الشام قاطبةً غير متحرّجين من الافتعال لما ينتهي إلي تشييد سلطان معاوية أو الحطّ ممّن خالفه!

4- إنّ هذا الحديث ممّا أعرض عنه البخاري ومسلم، وكذا النسائي من أصحاب السنن … وقد

بني غير واحدٍ من العلماء الكبار من أهل السُنّة علي عدم الاعتناء بحديثٍ اتّفق الشيخان علي الإعراض عنه، وإن اتّفق أرباب السنن علي إخراجه والعناية به …

قال ابن تيميّة بجواب حديث افتراق الأُمّة علي ثلاثٍ وسبعين فرقة:

«فإنّ هذا الحديث ليس في الصحيحين، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث كابن حزم وغيره، ولكن قد رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وابن ماجة، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد وغيره» «1».

قلت: ومن عجيب الاتّفاق أنّ حديث «عليكم بسُنّتي … » كذلك تماماً، فإنّه «ليس في الصحيحين، بل قد طعن فيه بعض أهل الحديث- كابن القطّان- ولكن قد أورده أهل السنن كأبي داود والترمذي

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 3/ 456.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 25

وابن ماجة، ورواه أهل المسانيد كالإمام أحمد».

بل إنّهم بنوا علي طرح الخبر إن أعرض عنه البخاري وإن أخرجه مسلم …

وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم … وسننقل عبارته … في الفصل اللاحق.

وقد جاء في آخرها: «ولو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به».

قلت: فكذا حديثنا.. فلو صحّ عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به … كيف وقد تبعه مسلم.. وهو بمرأيً ومشهدٍ منهما؟!

ثمّ جاء الحاكم النيسابوري … فأراد توجيه إعراضهما عنه بأنّهما «توهّما … »، أي: إنّ إعراضهما موهن، ولكنّهما توهّما … ولولا ذلك لأخرجاه …

وسنري أنّ الحاكم هو المتوهِّم …

5- ثم إن المخرجين له … منهم من صحّحه كالترمذي والحاكم، ومنهم من سكت عنه كأبي داود، ومنهم من عدّه في الحسان كالبغوي «1» ومنهم من حكم عليه بالبطلان كابن القطّان …

__________________________________________________

(1)

مصابيح السُنّة 1/ 159 كتاب الايمان باب الاعتصام بالكتاب والسنة الرقم 129.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 26

ترجمة العرباض بن سارية الحمصي «1»: … ص: 26

وبعد، فلننظر في ترجمة الراوي الوحيد لهذا الحديث، وهو الصحابي «العرباض بن سارية»:

كان من أهل الصُفّة، سكن الشام «2»، ونزل حمص «3». لم يرو عنه الشيخان، وإنّما ورد حديثه في السنن الأربعة «4»، مات سنة 75 «5».

كان يدّعي أنّه ربعُ الإسلام، وهو كذبٌ بلا ريب.. وكان عمرو بن عبسة أيضاً يدّعي ذلك، قال محمّد بن عوف: «كلّ واحدٍ من العرباض وعمر بن سارية وعمرو بن عبسة يقول: أنا ربع الإسلام، لا يُدري أيّهما أسلم قبل صاحبه؟!» «6».

وكان يقول: «عتبة خير منّي سبقني إلي النبي بسنة».

وهكذا كذب كذلك، وقد رواه أبناء عساكر والأثير وحجر …

بالإسناد عن عبداللَّه بن أحمد، عن أبيه، بسنده عن شريح بن عبيد، قال:

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 11/ 531.

(2) الاستيعاب 3/ 308.

(3) الإصابة 4/ 399، تحفة الاحوذي 7/ 366.

(4) الإصابة 4/ 399، تهذيب التهذيب 7/ 153.

(5) الإصابة 4/ 399، تهذيب التهذيب 7/ 154.

(6) تاريخ دمشق 11/ 532، تهذيب التهذيب 7/ 153.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 27

«كان عتبة يقول: عرباض خيرٌ منّي. وعرباض يقول: عتبة خيرٌ منّي سبقني إلي النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بسنة» «1».

والذي يبيّن كذبه بوضوح ما رواه ابن الأثير بترجمة عتبة بسنده إلي شريح، قال:

«قال عتبة بن عبدالسلمي: كان النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إذا أتاه الرجل وله الاسم لا يحبّه حوّله. ولقد أتيناه وإنّا لسبعةٌ من بني سليم أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه جميعاً» «2».

ومن جملة أكاذيبه ما أخرجه أحمد، قال:

«حدثنا عبداللَّه حدثني أبي ثنا عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية- يعني ابن صالح-، عن يونس بن سيف، عن الحرث بن زياد، عن أبي رهم، عن العرباض بن سارية السلمي، قال: سمعت رسول اللَّه

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وهو يدعونا إلي السحور في شهر رمضان، هلمّوا إلي الغذاء المبارك. ثمّ سمعته يقول: اللّهمّ علّم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب» «3».

فإنّه- وإن اكتفي ابن القطّان بتضعيفه «4» - كذب بلا ارتياب … وإلّا

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 11/ 534، أُسد الغابة 3/ 557، الإصابة 4/ 362.

(2) أُسد الغابة 3/ 557.

(3) مسند أحمد 5/ 111، العرباض بن سارية الرقم 16702.

(4) المغني عن حمل الأسفار- هامش إحياء العلوم- 1/ 37.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 28

لأُخرج في الصحاح وغيرها وعقد به لمناقب معاوية باب … إنّه حديث تكذّبه الوقائع والحقائق، والبراهين والوثائق … إنّه حديث تكذّبه الأدلّة المحكمة من الكتاب والسُنّة المتقنة، القائمة بتحريم ما استباحه معاوية من قتلٍ للنفوس، وتبديل للأحكام، وارتكاب للمحرّمات القطعيّة كبيع الخمر والأصنام، وشرب للخمر وأكل للربا.. وغير ذلك ممّا لا يحصي …

لكن الرجل سكن بلاد الشام، ونزل حمص بلد النواصب اللئام …

وفي ظروفٍ راجت فيها الأكاذيب والافتراءات … فجعل يتقوّل علي اللَّه والرسول التقوّلات، تزلّفاً إلي الحكّام، وطمعاً في الحطام.

* ثمّ إنّ رواة هذا الحديث عن «العرباض بن سارية» هم:

1- عبدالرحمن بن عمرو السلمي.

2- حجر بن حجر.

3- يحيي بن أبي المطاع.

4- معبد بن عبداللَّه بن هشام.

أمّا الرابع، فلم أجده إلّاعند الحاكم حيث قال: «ومنهم: معبد بن عبداللَّه بن هشام القرشي» ثمّ قال: «وليس الطريق إليه من شرط هذا الكتاب فتركته».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 29

ترجمة يحيي بن أبي المطاع الشامي: … ص: 29

وأمّا الثالث: «يحيي بن أبي المطاع»:

فأوّلًا: لم يروعنه إلّاابن ماجة «1».

وثانياً: قال ابن القطّان: «لا أعرف حاله» «2».

وثالثاً: إنّه كان يروي عن العرباض ولم يلقه.. وهذه الرواية من ذلك.. قال الذهبي: «وقد استبعد دحيم لقيه للعرباض،

فلعلّه أرسل عنه، فهذا في الشاميّين كثير الوقوع، يروون عمّن لم يلحقوهم» «3».

وقال ابن حجر: «وأشار دحيم إلي أنّ روايته عن عرباض [بن سارية] مرسَلة» «4».

وقال ابن عساكر والذهبي وابن حجر: «قال أبو زرعة: لدحيم تعجّباً من حديث الوليد بن سليمان، قال: صحبت يحيي بن أبي المطاع، كيف يحدّث عبداللَّه بن العلاء بن زبر عنه أنّه سمع العرباض مع قرب عهد يحيي؟! قال: أنا من أنكر الناس لهذا، والعرباض قديم الموت» «5».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 244.

(2) تهذيب التهذيب 11/ 244.

(3) ميزان الاعتدال 7/ 221- 222.

(4) تقريب التهذيب 2/ 315.

(5) تاريخ دمشق 68/ 147، ميزان الاعتدال 7/ 227، تهذيب التهذيب 11/ 244.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 30

ترجمة حُجر بن حجر الحمصي: … ص: 30

وأمّا الثاني: «حجر بن حجر»:

فأوّلًا: هو من أهل حمص.

وثانياً: لم يرو عنه إلّاأبو داود.

قال ابن حجر: «روي عن العرباض بن سارية. وعنه خالد بن معدان. روي له أبو داود حديثاً واحداً في طاعة الأمير. قلت: أخرج الحاكم حديثه» «1» قلت: وهو هذا الحديث الذي نحن بصدد تكذيبه، وإليه أشار الذهبي بقوله: «ما حدّث عنه سوي خالد بن معدان بحديث العرباض مقروناً بآخر» «2» يعني بالآخر: عبدالرحمن بن عمرو السلمي حيث جاء فيه عنهما قالا: «أتينا العرباض … ».

وثالثاً: قال ابن القطّان: «لا يُعرف» «3».

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 2/ 197.

(2) ميزان الاعتدال 2/ 207.

(3) تهذيب التهذيب 2/ 197.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 31

ترجمة عبدالرحمن بن عمرو الشامي: … ص: 31

وأمّا الأوّل: «عبدالرحمن بن عمرو»:

فهو المعروف في رواية هذا الحديث عن «العرباض بن سارية»، وإليه تنتهي أكثر طرقه في السنن وغيرها … وليس له فيها إلّاهذا الحديث، قال ابن حجر:

«له في الكتب حديث واحد في الموعظة، صحّحه الترمذي. قلت:

وابن حبّان والحاكم في المستدرك.

وزعم القطّان الفاسي أنّه لا يصحّ لجهالة حاله» «1».

فهذا حال رواة هذا الحديث عن «العرباض».

* ثمّ إنّ رواته عن هؤلاء هم:

1- خالد بن معدان.

2- ضمرة بن حبيب.

3- عبداللَّه بن العلاء بن زبر.

ترجمة عبداللَّه بن العلاء الدمشقي: … ص: 31

أمّا «عبداللَّه بن العلاء بن زبر»:

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 6/ 215 الرقم 4106.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 32

فأوّلًا: كان من أهل الشام، بل وصفه الذهبي ب «رئيس دمشق» «1».

وثانياً: أورده الذهبي في (ميزانه) وقال: «قال ابن حزم: ضعّفه يحيي وغيره» «2»

ترجمة ضمرة بن حبيب … ص: 32

وأما «ضمرة بن حبيب»:

فأوّلًا: كان من أهل حمص «3».

وثانياً: كان مؤذّن المسجد الجامع بدمشق «4».

ترجمة خالد بن معدان الحمصي: … ص: 32

وأمّا «خالد بن معدان» العمدة في رواية هذا الحديث، لكونه الراوي له عن «عبدالرحمن بن عمرو» و «حجر بن حجر» وجميع الأسانيد تنتهي إليه فهو:

أوّلًا: من أهل حمص «5»

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 7/ 350.

(2) ميزان الاعتدال 4/ 150.

(3) تهذيب التهذيب 4/ 422 تقريب التهذيب 1/ 445.

(4) تهذيب التهذيب 4/ 423.

(5) تاريخ دمشق 18/ 137، تهذيب التهذيب 3/ 108، سير أعلام النبلاء 4/ 536.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 33

وثانياً: شيخ أهل الشام «1».

وثالثاً: كان صاحب شرطة يزيد بن معاوية: روي الطبري في (ذيل تاريخه) قائلًا:

«حدّثني الحارث، عن الحجّاج، قال: حدّثني أبو جعفر الحمداني، عن محمّد بن داود، قال: سمعت عيسي بن يونس يقول: كان خالد بن معدان صاحب شرطة يزيد بن معاوية».

وعنونه ابن عساكر في (تاريخه) بقوله: «كان يتولّي شرطة يزيد ابن معاوية» ثمّ روي الخبر المذكور بسنده عن عيسي بن يونس كذلك «2».

* ثمّ إنّ رواة هذا الحديث عن هؤلاء هم:

1- محمّد بن إبراهيم بن الحارث.

2- معاوية بن صالح.

3- الوليد بن مسلم.

4- بحير بن سعيد.

5- ثور بن يزيد.

6- عمرو بن أبي سلمة التنيسي.

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 4/ 536.

(2) تاريخ دمشق 5/ 519.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 34

ترجمة محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي الدمشقي «1»: … ص: 34

أمّا «محمّد بن إبراهيم» الراوي له عن «خالد» عند أحمد والحاكم، فقد ذكر العقيلي عن عبداللَّه بن أحمد عن أبيه: «في حديثه شي ء، يروي أحاديث مناكير أو منكرة» «2».

ترجمة بحير بن سعد الحمصي: … ص: 34

وأمّا «بحير بن سعد» الراوي عن «خالد» عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة، فهو من أهل حمص.

قال ابن حجر: «بحير بن سعد السحولي أبو خالد الحمصي، روي عن: خالد بن معدان ومكحول، وعنه: إسماعيل بن عيّاش، وبقية بن الوليد، وثور بن يزيد- وهو من أقرانه- ومعاوية بن صالح، وغيرهم» «3».

ترجمة الوليد بن مسلم الدمشقي: … ص: 34

وأمّا «الوليد بن مسلم» مولي بني أُميّة «4» «الدمشقي» «5» «عالم

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 54/ 154.

(2) تهذيب التهذيب 9/ 6.

(3) تهذيب التهذيب 1/ 384.

(4) تاريخ دمشق 66/ 201 تهذيب التهذيب 11/ 133.

(5) تاريخ دمشق 66/ 205، تهذيب التهذيب 11/ 133.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 35

الشام» «1» الراوي له عن «عبداللَّه بن العلاء» عند ابن ماجة، فقد ذكروا بترجمته:

«مدلَّس، وربّما دلّس عن الكذّابين».

«روي عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل».

«كان يأخذ من ابن السفر حديث الأوزاعي، وكان ابن السفر كذّاباً وهو يقول فيها: قال الأوزاعي».

«وكانت له منكرات».

«وكان رفّاعاً».

«يرسل».

«يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي عن شيوخٍ ضعفاء. عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل: نافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي، عن عطاء … » «2».

ترجمة معاوية بن صالح الحمصي: … ص: 35

وأمّا «معاوية بن صالح» الراوي له عن «ضمرة بن حبيب» عند

__________________________________________________

(1) تهذيب التهذيب 11/ 133.

(2) الضعفاء المتروكون للدار قطني 415 تاريخ دمشق 66/ 212- 213، ميزان الاعتدال 7/ 142، تهذيب التهذيب 11/ 135- 136.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 36

أحمد وابن ماجة فهو:

أوّلًا: من أهل حمص «1».

وثانياً: كان قاضي الأندلس في الدولة الأُموية «2».

وثالثاً: كان يلعب بالملاهي، ولأجل ذلك ترك بعض المحدّثين الكتابة عنه «3».

ورابعاً: قال ابن أبي حاتم: «لا يحتجّ به» و «لم يخرج له البخاري» و «ليّنه ابن معين».

«وقال يحيي بن معين: كان ابن مهدي إذا حدّث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيي بن سعيد، وكان ابن مهدي لا يبالي» «4».

و «عن أبي إسحاق الفزاري: ما كان بأهل أن يُروي عنه».

و «قال ابن عمّار: زعموا أنّه لم يكن يدري أيّ شي ء في الحديث».

و «منهم من يضعّفه»، بل أورده كلّ من العقيلي وابن عديّ والذهبي

في «الضعفاء».

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 62/ 31، الكامل لابن عديّ 8/ 145.

(2) تاريخ دمشق 62/ 32، الكامل 8/ 145.

(3) الضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 183.

(4) وهذا الحديث أيضاً ممّا رواه ابن مهدي عنه!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 37

ترجمة ثور بن يزيد الحمصي: … ص: 37

وأمّا «ثور بن يزيد» العمدة في رواية هذا الحديث عن خالدٍ، حتي قال الحاكم في توجيه إعراض البخاري ومسلم عنه:

«والذي عندي أنّهما توهّما أنّه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد».

فهو:

أوّلًا: من أهل حمص، بل وصفه الذهبي ب «عالم حمص» «1».

وثانياً: كان لا يحبّ عليّاً عليه السلام: «وكان جدّه قتل يوم صفِّين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليّاً قال: لا أُحبّ رجلًا قتل جدّي» «2».

وثالثاً: كان يجالس السابّين عليّاً عليه السلام، فقد ذكروا أنّ «أزهر الحرازي وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يجلسون ويسبّون عليّ بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد لا يسب علياً، فإذا لم يسبّ جرّوا برجله» «3».

ورابعاً: كان مبدعاً.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 2/ 97 سير أعلام النبلاء 6/ 344.

(2) تهذيب الكمال 4/ 421، تاريخ دمشق 11/ 231.

(3) تهذيب الكمال 4/ 427، تهذيب التهذيب 2/ 32.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 38

قال الذهبي: «كان من أوعية العلم لولا بدعته» «1».

«وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه منها» «2».

و «تكلّم فيه جماعة بسبب ذلك» «3».

وأورده ابن عديّ في «الضعفاء» «4».

وخامساً: كان مالك يذمّه وينهي عن مجالسته وليس له عنه رواية «5»، وكان الأوزاعي سيّي ء القول فيه، يتكلّم فيه ويهجوه «6»، وكذا كان ابن المبارك «7».

وعن يحيي القطّان: «كان ثور إذا حدّثني عن رجلٍ لا أعرفه قلت:

أنت أكبر أم هذا؟! فإذا قال: هو أكبر منّي، كتبته، وإذا قال: هو أصغر منّي، لم

أكتبه» «8».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 6/ 344.

(2) تاريخ دمشق 11/ 237، تهذيب التهذيب 2/ 31- 32.

(3) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 1/ 154.

(4) الكامل في الضعفاء 2/ 309.

(5) تهذيب التهذيب 2/ 32.

(6) تاريخ دمشق 11/ 236، تهذيب الكمال 4/ 425.

(7) تهذيب التهذيب 2/ 32.

(8) تهذيب التهذيب 2/ 32.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 39

ترجمة عمرو بن أبي سلمة الدمشقي «1»: … ص: 39

وأمّا «عمرو بن أبي سلمة الدمشقي نزيل «تنّيس» الراوي له عن «عبداللَّه بن العلاء» عند الحاكم، فقد:

ضعّفه الساجي وابن معين. وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به. وقال العقيلي: في حديثه وهم. وقال أحمد: روي عن زهير أحاديث بواطيل» «2».

* ثمّ إنّ رواة الحديث عن هؤلاء هم:

1- بقيّة بن الوليد.

2- الضحّاك بن مخلد وهو أبو عاصم النبيل.

3- الوليد بن مسلم.

4- عبداللَّه بن أحمد بن بشير.

5- عبدالرحمن بن مهدي.

6- عبدالملك بن الصباح المسمعي.

7- يحيي بن أبي كثير.

8- أحمد بن عيسي بن زيد التنيسي.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 49/ 45.

(2) تاريخ دمشق 49/ 48- 49.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 40

أمّا «الوليد بن مسلم» الراوي له عن «ثور» عند أبي داود، فقد عرفته.

وأمّا «عبدالرحمن بن مهدي» الراوي له عن «معاوية بن صالح» عند أحمد وابن ماجة، فقد عرفت أنّه كان يزجر عن الرواية عن «معاوية» ولا يبالي.

وأمّا «أبو عاصم» الراوي له عن «ثور» عند الترمذي وأحمد والحاكم فقد كان يحيي بن سعيد يتكلّم فيه، فلمّا ذكر له ذلك قال: «لست بحيٍّ ولا ميّت إذا لم أذكر»! «1».

وأورده العقيلي في «الضعفاء» وحكي ما ذكرناه «2».

وأمّا «يحيي بن أبي كثير» الراوي له عن «محمّد بن إبراهيم» عند أحمد، فقد «كان يدلِّس» «3».

وروي العقيلي عن همام قوله: «ما رأيت أصلب وجهاً من يحيي بن أبي كثير،

كنّا نحدّثه بالغداة فيروح بالعشيّ فيحدّثناه» «4».

وأمّا «عبدالملك بن الصباح المسمعي» الراوي له عن «ثور» عند

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 3/ 445.

(2) الضعفاء الكبير 2/ 222/ 223.

(3) تهذيب التهذيب 11/ 235.

(4) الضعفاء الكبير 4/ 423.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 41

ابن ماجة، فقد ذكره الذهبي في (ميزانه) وقال: «متّهم بسرقة الحديث» «1».

وأمّا «عبداللَّه بن أحمد بن بشير الدمشقي» شيخ ابن ماجة، فقد كان إمام الجامع بدمشق «2».

وأمّا «أحمد بن عيسي» الراوي له عن «عمرو بن أبي سلمة» عند الحاكم، فليس من رجال الكتب الستّة، وإنّما ذكره ابن حجر للتمييز «3».

قال ابن عديّ: له مناكير. وقال الدار قطني: ليس بالقويّ. وكذّبه ابن طاهر. وذكره ابن حبّان في الضعفاء «4».

ترجمة بقيّة بن الوليد الحمصي: … ص: 41

وأمّا «بقيّة بن الوليد» الراوي له عن «بحير بن سعيد» عند الترمذي وأحمد، فهذه كلماتهم فيه باختصار:

قال ابن حبّان: لا يحتجّ ببقيّة.

وقال أبو مسهر: أحاديث بقيّة ليست نقيّة، فكن منها علي تقيّة.

وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به.

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 4/ 401.

(2) تهذيب التهذيب 5/ 125.

(3) تهذيب التهذيب 1/ 60.

(4) تهذيب التهذيب 1/ 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 42

وقال ابن عيينة- وقد سئل عن حديثٍ من هذه الملح-: أنا أبو العجب، أنا بقيّة بن الوليد.

وقال ابن خزيمة: لا أحتجّ ببقيّة.

وقال أحمد: توهّمت أنّ بقيّة لا يحدّث المناكير إلّاعن المجاهيل، فإذا هو يحدّث المناكير عن المشاهير، فعلمتُ من أين أتي.

وقال وكيع: ما سمعت أحداً أجرأ علي أن يقول: قال رسول اللَّه، من بقيّة.

وقال شعبة: بقيّة ذو غرائب وعجائب ومناكير.

وقال ابن القطّان: يدلّس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا مفسد لعدالته.

وقال الفيروزآبادي: بقيّة محدّث ضعيف.

قال الزبيدي: محدّث ضعيف، يروي عن الكذّابين ويدلّسهم، قاله الذهبي في الميزان.

وقال الذهبي: قال

غير واحد: كان مدلّساً، فإذا قال: عن، فليس بحجّة «1».

__________________________________________________

(1) الموضوعات 1/ 67 و 102 و 157، ميزان الاعتدال 2/ 45، تهذيب التهذيب 1/ 434، تقريب التهذيب 1/ 134، فيض القدير 1/ 142، القاموس المحيط 4/ 440، وتاج العروس 19/ 211 (بقي).

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 43

وقفة مع الحاكم … ص: 43

وهنا كان من المناسب أن نقف وقفةً قصيرةً مع الحاكم، الذي أتعب نفسه وأصرّ علي تصحيح هذا الحديث، وأكدّ علي أن ليس له علّة، وتوهّم أنّ البخاري ومسلماً، اللذين لم يخرجاه- «توهّما أنّه ليس له راوٍ عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد» أي: ولولا هذا التوهّم لأخرجاه!!

ثمّ قال بالتالي: «قد استقصيت في تصحيح هذا الحديث و … كان أحبّ إليّ من والديّ وولدي والناس أجمعين» «1».

فنقول:

أوّلًا: قد أوقفناك علي بعض علل هذا الحديث في أسانيده وطرقه، وكيف تخفي هذه العلل علي مثل البخاري ومسلم ومن تبعهما كالنسائي حتّي يوجَّه إعراضهم بالتوهّم الّذي ذكرتَ، لا سيّما وأنّ الراوي الآخر عن خالد- وهو محمّد بن إبراهيم- قد خرّج حديثه في الصحيحين كما قلت؟!

وثانياً: ما نسبته إلي البخاري من الاحتجاج ب «عبدالرحمن بن عمرو السلمي» لم نستوثقه إلي هذا الحين … فاسم هذا الرجل غير وارد في كتاب ابن القيسراني المقدسي (الجمع بين رجال الصحيحين).

__________________________________________________

(1) المستدرك 1/ 175- 177.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 44

وثالثاً: قولك: «وروي هذا الحديث في أوّل كتاب الاعتصام بالسُنّة».

إن كنت تقصد البخاري وحديث العرباض بن سارية- كما هو ظاهر العبارة- فإنّا لم نجده.

ورابعاً: قولك «وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو علي روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة» فيه:

أنّ الثالث منهم تركته أنت، لعدم كون الطريق إليه من شرط الكتاب.

والثاني منهم،

لم يلق العرباض بن سارية حتي يروي عنه.

والأوّل، لم يرو عنه إلّاأبو داود، وقال ابن القطّان: لا يُعرف.

هذه نتيجة الجهد الذي بذله الحاكم في تصحيح هذا الحديث، وهذا شأن الحديث الذي كان تصحيحه أحبّ إليه من والديه وولده والناس أجمعين!!

ومن هنا تعرف شأن الحاكم ومستدركه وتصحيحاته، وتعطي الحقّ لمن قال: «واعتني الحاكم بضبط الزائد عليهما وهو متساهل» «1».

بل قال بعضهم: «طالعت المستدرك الذي صنّفه الحاكم من أوّله

__________________________________________________

(1) هذه عبارة النووي في التقريب 1/ 80 بشرح السيوطي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 45

إلي آخره، فلم أر فيه حديثاً علي شرطهما!» «1».

بل عن بعضهم أنّه: «جمع جزءاً فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة!» «2».

بطلان الحديث سنداً: … ص: 45

ومن هنا يظهر بطلان الحديث وأنّ الحقّ مع من قال في هذا الحديث بأنّه «لا يصحّ».

ومن هؤلاء الحافظ ابن القطّان الفاسي.. فقد ذكر ابن حجر بترجمة «عبدالرحمن بن عمرو السلمي» بعد أن أشار إلي هذا الحديث: «وزعم القطّان الفاسي أنّه لا يصحّ لجهالة حاله» «3».

ترجمة ابن القطّان: … ص: 45

والحافظ الكبير: أبو الحسن عليّ بن محمّد، المعروف بابن القطّان الفاسي، المتوفّي سنة 628، من كبار منتقدي الحديث والرجال، ترجم له الذهبي في تذكرة الحفّاظ وأثني عليه، وذكره السيوطي في طبقاته فقال:

«ابن القطّان، الحافظ العلّامة، قاضي الجماعة، أبو الحسن عليّ بن

__________________________________________________

(1) نقله السيوطي عن أبي سعيد الماليني في تدريب الراوي 1/ 81.

(2) ذكره السيوطي في تدريب الراوي 1/ 81.

(3) تهذيب التهذيب 6/ 215.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 46

محمّد بن عبدالملك بن يحيي بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي، سمع أبا ذرّ الخشني وطبقته.

وكان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدّهم عناية في الرواية، معروفاً بالحفظ والإتقان.

صنّف: الوهم والإيهام علي الأحكام الكبري لعبد الحقّ.

مات في ربيع الأوّل سنة 628» «1».

* وقال ابن العربي المالكي بشرح الترمذي:

«حكم أبو عيسي بصحّته، وفيه بقيّة بن الوليد، وقد تكلّم فيه» «2».

وهذا طعن صريح في سند الحديث، وإن كان غير شديد، إذ اكتفي بهذه الكلمة في قدح بقيّة بن الوليد، وقد ذكرنا طرفاً من كلماته فيه لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد …

ترجمة ابن العربي المالكي: … ص: 46

والقاضي ابن العربي: أبو بكر محمّد بن عبداللَّه، المتوفّي سنة 543 من كبار الحفّاظ والفقهاء البارعين … ترجم له ابن خلّكان في وفياته، والذهبي في تذكرته، وابن كثير في تاريخه … وإليك عبارة السيوطي

__________________________________________________

(1) طبقات الحفّاظ: 498.

(2) عارضة الاحوذي 10/ 144.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 47

بترجمته في طبقاته:

«ابن العربي العلّامة الحافظ، القاضي أبو بكر محمّد بن عبداللَّه بن محمّد الإشبيلي. ولد سنة 468، ورحل إلي المشرق، وسمع من طرّاد الزينبي، ونصر بن البطر، ونصر المقدسي، وأبي الحسن الخلعي.

وتخرّج بأبي حامد الغزالي وأبي بكر الشاشي وأبي زكريّا

التبريزي.

وجمع وصنّف وبرع في الأدب والبلاغة وبعدَ صيته.

وكان متبحّراً في العلم، ثاقب الذهن، موطّأ الأكناف، كريم الشمائل، ولي قضاء اشبيلية فكان ذا شدّة وسطوة، ثمّ عزل، فأقبل علي التأليف ونشر العلم، وبلغ رتبة الاجتهاد.

صنّف في الحديث والفقه والأُصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتاريخ.

مات بفاس في ربيع الآخر سنة 543» «1».

__________________________________________________

(1) طبقات الحفّاظ: 468- 469.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 48

(3) تأمّلاتٌ في متن الحديث ومدلوله … ص: 48

الاستناد إليه في العلوم: … ص: 48

وهكذا ثبت بطلان هذا الحديث من الأساس … فيبطل كلّ ما بُني عليه وفُرّع منه من قبل بعض الناس …

في علم الأخلاق:

فالمؤلّف في علم الأخلاق والسلوك يستدلّ به في مباحثه … فتري الغزّالي يذكره فيما يستدّل به في مباحث الزهد من كتابه «1».

في علم الحديث:

ومن المحدّثين من استند إلي هذا الحديث لتصحيح حديث غير صحيح!!

__________________________________________________

(1) إحياء علوم الدين 4/ 233.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 49

يقول القاري:

«حديث مسح العينين بباطن أنملتي السبّابتين بعد تقبيلهما عند سماع قول المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، مع قوله: أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيت باللَّه ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد عليه الصلاة والسلام نبيّاً.

ذكره الديلمي في الفردوس من حديث أبي بكر الصدّيق أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: من فعل ذلك فقد حلّت عليه شفاعتي.

قال السخاوي: لا يصحّ.

وأورده الشيخ أحمد الرداد في كتابه «موجبات الرحمة» بسندٍ فيه مجاهيل مع انقطاعه، عن الخضر عليه السلام، وكلّ ما يروي في هذا فلا يصحّ رفعه ألبتّة.

قلت: وإذا ثبت رفعه علي الصدّيق فيكفي العمل به!! لقوله عليه الصلاة والسلام: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين … » «1».

في علم الكلام:

والمتكلّمون منهم عندما يبحثون عن أدلّة الإمامة وشروطها وأوصاف الإمام وحكم الخارج عليه … يقولون بحرمة الخروج علي الإمام

__________________________________________________

(1) الأسرار

المرفوعة في الأخبار الموضوعة، للقاري: 306.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 50

حتي في حال تغلّبه علي الأمر بالقهر والسيف، وحتّي إذا صدر منه الفسق والجور والحيف … استناداً إلي أمثال هذا الحديث المختلق البيّن الزيف …

ولقد أفرط بعض النواصب المتعصّبين فقال في قضيّة استشهاد الإمام الحسين السبط عليه السلام بما لا يتفوّه به أحد من المسلمين..

وهذه عبارته:

«وما خرج إليه أحد إلّابتأويل، ولا قاتلوه إلّابما سمعوا من جدّه المهيمن علي الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذّر [عن الدخول في الفتن، وأقواله في ذلك كثيرة، منها [ماروي مسلم عن زياد بن علاقة عن عرفجة بن شريح قوله: صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «إنّه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأُمّة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان فما خرج الناس إلّابهذا وأمثاله … وَدَع الأمر يتولّاه أسود مجدّع حسبما أمر به صاحب الشرع صلوات اللَّه عليه وسلامه … ».

قال: «وأخرج البخاري عن عبداللَّه بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس علي عبدالملك بن مروان كتب: إنّي أقرّ بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين علي سُنّة اللَّه وسُنّة رسوله ما استطعت. وإنّ بنيَّ قد أقرّوا بمثل ذلك» «1».

__________________________________________________

(1) العواصم من القواصم: 264.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 51

ومنهم من جعله من أدلّة خلافة الخلفاء الأربعة، وذكره في مقابلة الأحاديث الدالّة علي خلافة أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه بلا فصل …

كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي حيث تمسّك به في مقابلة حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين «1».

في علم الفقه:

وفي الفقه استدلّوا بالحديث لتبرير بدع الخلفاء وما أحدثوه في الدين …

ولنذكر من ذلك نموذجين:

تحريم عمر المتعتين: … ص: 51

أحدهما: تحريم عمر المتعتين وقولته المشهورة المعروفة في ذلك

«2»، حيث اضطرب القوم في كيفيّة توجيه هذا الذي أحدثه عمر في الدين، وعارضه فيه كبار الصحابة والتابعين، فالتجأ بعضهم إلي تبريره بحديث: «عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين»!!

قال ابن قيّم الجوزيّة في كلام له في ذلك:

«فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن

__________________________________________________

(1) التحفة الاثنا عشرية في الردّ علي الإماميّة: 219.

(2) ذكرنا مصادر هذه الكلمة في بحثنا عن المتعتين.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 52

عبداللَّه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وأبي بكر حتّي نهي عنها عمر في شأن عمرو بن حريث.

وفيما ثبت عن عمر أنّه قال: متعتان كانتا علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنا أنهي عنهما: متعة النساء ومتعة الحجّ؟!

قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهي عنها، وقد أمر رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون … » «1».

أقول:

لنا في هذا الموضوع رسالة مستقلّة، هي احدي الحلقات من هذه السلسلة فراجعها.

زيادة عثمان الأذان يوم الجمعة: … ص: 52

والثاني: زيادة عثمان الأذان يوم الجمعة …

فقد أخرجوا عن السائب بن يزيد قوله: «كان الأذان علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وأبي بكر وعمر إذا خرج الإمام أُقيمت الصلاة، فلمّا كان عثمان زاد النداء الثالث علي الزوراء».

__________________________________________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2/ 184.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 53

وفي لفظٍ آخر: «فلمّا كان في خلافة عثمان وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذّن علي الزوراء، فثبت الأمر علي ذلك» «1».

ونصّ شرّاح البخاري علي أنّ عثمان هو الذي زاد

الأذان يوم الجمعة «2».

ونصّ الماوردي والقرطبي علي أنّ الأذان الذي كان من عثمان «محدَث» «3».

وقال ابن العربي بشرح الترمذي: «الأذان أوّل شريعةٍ غُيّرت في الإسلام علي وجهٍ طويلٍ ليس من هذا الشأن … فإنّ اللَّه تعالي لا يغيّر ديننا ولا يسلبنا ما وهبنا من نعمه» «4».

وقال المباركفوري بشرحه: «والمعني: كان الأذان في العهد النبوي وعهد أبي بكر وعمر أذانين، أحدهما حين خروج الإمام وجلوسه علي المنبر. والثاني حين إقامة الصلاة، فكان في عهدهم الأذانان فقط، ولم يكن الأذان الثالث. والمراد بالأذانين:

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 1/ 309 كتاب الجمعة باب الأذان يوم الجمعة الرقم 870 وسنن الترمذي 2/ 50 كتاب الجمعة باب ماجاء في أذان الجمعة الرقم 516.

(2) الكواكب الدراري 6/ 27، عمدة القاري 6/ 210 إرشاد الساري 2/ 585.

(3) تفسير القرطبي 18/ 100.

(4) عارضة الأحوذي 2/ 305.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 54

الأذان الحقيقي والإقامة» «1».

هذا، وقد رووا عن ابن عمر قوله عمّا فعل عثمان إنّه «بدعة» «2».

فهذا ما كان من عثمان … في أثناء خلافته … كما كان من عمر من تحريم المتعتين … في أثناء خلافته …

وقد اشتدّت الحيرة هنا وكثر الاضطراب … كما كان الحال تجاه ما فعل ابن الخطّاب …

1- فالسرخسي أراح نفسه بتحريف الحديث!! قال: « … لِما روي عن السائب بن يزيد قال: كان الأذان للجمعة علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم حين يخرج فيستوي علي المنبر، وهكذا في عهد أبي بكر وعمر رضي اللَّه تعالي عنهما، ثمّ أحدث الناس الأذان علي الزوراء في عهد عثمان» «3».

وقال: « … هكذا كان علي عهد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم والخليفتين من بعده،

إلي أن أحدث الناس الأذان علي الزوراء علي عهد عثمان رضي اللَّه عنه» «4».

__________________________________________________

(1) تحفة الأحوذي 3/ 39.

(2) فتح الباري 2/ 501.

(3) المبسوط في الفقه الحنفي 1/ 134.

(4) المبسوط في الفقه الحنفي 2/ 31.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 55

2- والفاكهاني أنكر أن يكون عثمان هو الذي أحدث الزيادة فقال:

«إنّ أوّل من أحدث الأذان الأوّل بمكّة الحجّاج وبالبصرة زياد» «1».

3- وشرّاح البخاري ادّعوا قيام الإجماع السكوتي!! علي المسألة …

قالوا: شرّع باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعاً سكوتيّاً» «2».

4- وقال ابن حجر: «والذي يظهر أنّ الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك، لكونه خليفةً مطاع الأمر» «3».

5- وقال بعض الحنفيّة: «الأذان الثالث الذي هو الأوّل وجوداً إذا كانت مشروعيّته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار صار أمراً مسنوناً، نظراً إلي قوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين» «4».

وأجاب هؤلاء- المدافعون عن عثمان- عمّا رووا عن عبداللَّه بن عمر، بما ذكر ابن حجر:

«فيحتمل أن يكون قال ذلك علي سبيل الإنكار. ويحتمل أنّه يريد

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 501، تحفة الأحوذي 3/ 40.

(2) إرشاد الساري 2/ 585، الكواكب الدراري 6/ 27، عمدة القاري 6/ 211.

(3) فتح الباري 2/ 501.

(4) تحفة الأحوذي 3/ 40.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 56

أنّه لم يكن في زمن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وكلّ ما لم يكن في زمنه يسمّي بدعة، لكن منها ما يكون حسناً، ومنها ما يكون بخلاف ذلك» «1».

قلت: كانت تلك الوجوه التي ذكروها لتبرير ما فعله عثمان:

* فأمّا الوجهان الأوّل والثاني. فلا يُعبأ بهما ولا يُصغي إليهما.

* وأمّا

الوجه الثالث. فقد اشتمل علي:

أ- اجتهاد عثمان.

وفي الاجتهاد- واجتهادات الخلفاء خاصة- بحث طويل ليس هذا موضعه، وعلي فرض القبول فهل يجوز الاجتهاد في مقابل النصّ؟!

ب- موافقة الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار.

وفيه:

أوّلًا: ما الدليل علي سكوتهم وعدم إنكارهم؟! فلقد أنكروا عليه يقيناً ولَمّا ينقل كما نقل قول ابن عمر.

وثانياً: إنّ السكوت أعمّ من القبول والرضا.

ج- الإجماع السكوتي.

وفيه:

__________________________________________________

(1) فتح الباري 2/ 501.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 57

أوّلًا: في حجّيّة الإجماع كلام.

وثانياً: أنّه يتوقّف علي السكوت الدالّ علي الرضا والموافقة.

وثالثاً: أنّه يتوقّف علي حجّيّة الإجماع السكوتي.

* وأمّا الوجه الرابع. ففيه: إنّ أخذ الناس بفعل عثمان لا يقتضي مشروعيّة فعله، والخليفة إنّما يُطاع أمره إذا كان آمراً بما أمر اللَّه ورسوله به، وبه أحاديث كثيرة.

* وأمّا الوجه الخامس. ففيه: إنّه يتوقّف:

أولًا: علي تماميّة هذا الحديث سنداً.

وثانياً: علي تماميّة دلالته علي وجوب اتّباع سيرة الخلفاء وإن كانت مخالفةً لسيرة النّبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

وثالثاً: علي أن يكون المراد من «الخفاء الراشدين المهديّين» شاملًا لعثمان وأمثاله.

أمّا الأمر الأوّل، فقد بيّنّاه في الفصل السابق، وعرفت أنّ الحديث باطل موضوع.

وأمّا الأمران الثاني والثالث، فسنذكرهما في هذا الفصل.

لكنّ المحقّقين من القوم لم يوافقوا علي دلالة الحديث علي وجوب متابعة سيرة الخلفاء- حتي بناءً علي أنّ المراد خصوص

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 58

الأربعة- فيما لو خالفت سيرتهم السيرة النبويّة الكريمة- كما في مسألتنا هذه- فإنّ عثمان خالف فيها النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وخالف أيضاً أبا بكر وعمر، لا سيّما وأنّ غير واحدٍ منهم يخصّص حديث:

«عليكم بسُنّتي … » بحديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1».

فيكون قد أمر صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بمتابعة

سيرته وسيرة أبي بكر وعمر فقط … !!

وعلي هذا الأساس أبطلوا استدلال الحنفيّة وأجابوا عنه بكلماتٍ قاطعة:

قال المباركفوري: «ليس المراد بسُنّة الخلفاء الراشدين إلّا طريقتهم الموافقة لطريقته صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

قال القاري في المرقاة: فعليكم بسُنّتي أي بطريقتي الثابتة عنّي واجباً، أو مندوباً، وسُنّة الخلفاء الراشدين، فإنّهم لم يعملوا إلّابسُنّتي، فالإضافة إليهم إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها انتهي كلام القاري.

وقال صاحب سبل السلام: أمّا حديث «عليكم بسُنّتي وسُنّة

__________________________________________________

(1) وهذا الحديث موضوع احدي حلقات سلسلتنا.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 59

الخلفاء الراشدين بعدي، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ». أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصحّحه الحاكم وقال: علي شرط الشيخين.

ومثله حديث: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر». أخرجه الترمذي وقال: حسن. وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبّان، وله طريق فيها مقال إلّاأنّه يقوّي بعضها بعضاً.

فإنّه ليس المراد بسُنّة الخلفاء الراشدين إلّاطريقتهم الموافقة لطريقته صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها.

فإنّ الحديث عامّ لكلّ خليفةٍ راشد لا يخصّ الشيخين، ومعلوم من قواعد الشريعة أنّه ليس لخليفةٍ راشد أن يشرّع طريقةً غير ما كان عليها النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم …

قال المباركفوري: إنّ الاستدلال علي كون الأذان الثالث الذي هو من مجتهدات «1» عثمان رضي اللَّه عنه أمراً مسنوناً ليس بتامّ … » «2».

ثمّ إنّهم أطالوا الكلام عن معني البدعة، فقال هؤلاء- في الجواب

__________________________________________________

(1) كذا، ولعلّه: محدَثات.

(2) تحفة الأحوذي 3/ 40- 41.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 60

عمّا ذكر ابن حجر وغيره- بأنّه:

«ولو كان هذا الاستدلال تامّاً وكان الأذانُ الثالث أمراً مسنوناً لم يطلق عليه لفظ البدعة، لا علي

سبيل الإنكار ولا علي سبيل غير الإنكار، فإنّ الأمر المسنون لا يجوز أن يطلق عليه لفظ البدعة بأيّ معنيً كان.

فتفكر» «1».

وتلخصّ أن لا توجيه لما أحدث عثمان، لا عن طريق هذا الحديث- علي فرض صحّته- ولا عن طريق آخر من الطرق المذكورة.

في علم الأُصول:

واستند الأُصوليّون إلي هذا الحديث في كتبهم، ولكن مع اختلافٍ شديدٍ بين كلماتهم:

1- فمنهم من استدلّ به للقول بحجّيّة سُنّة الصحابة، كالشاطبي، حيث قال: «سُنّة الصحابة رضي اللَّه عنهم سُنّة يعمل عليها ويرجع إليها، ومن الدليل علي ذلك أُمور:

أحدها …

والثاني: ما جاء في الحديث من الأمر باتّباعهم، وأنّ سنّتهم في طلب الاتّباع كسُنّة النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كقوله: فعليكم

__________________________________________________

(1) تحفة الأحوذي 3/ 41.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 61

بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ» «1».

2- ومنهم من جعله دليلًا علي حجّيّة رأي كلّ واحدٍ من خلفائه الراشدين من غير حصر في الأربعة، كصاحب «سبل السلام» كما عرفت من عبارته، وكالمراغي وغيره كما ستعلم من عبارة شارح المنهاج.

3- ومنهم من جعله حجّةً علي قول كلّ واحدٍ من الخلفاء الأربعة، ومن هنا جعلوا من السُنّة حرمة المتعتين لتحريم عمر، ووجوب الأذان الزائد يوم الجمعة لزيادة عثمان إيّاه.

4- ومنهم من احتجّ به للقول بحجّيّة ما اتّفق عليه الخلفاء الأربعة:

قال البيضاوي: «قال القاضي أبو خازم: إجماع الخلفاء الأربعة حجّة لقوله عليه السلام: عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي» «2».

وقال شارحه السبكي: «ذهب القاضي أبو خازم من الحنفيّة- بالحاء المعجمة- وكذا أحمد بن حنبل- في إحدي الروايتين- إلي أنّ إجماع الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ حجّة، مستدلّين بما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة

وصحّحه الترمذي والحاكم في

__________________________________________________

(1) الموافقات 4/ 40- 41.

(2) المنهاج بشرح السبكي 2/ 409.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 62

المستدرك- وقال: علي شرطهما- من قوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم:

عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي، تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ. الحديث.

فإن قيل: هذا عامّ في كلّ الخلفاء الراشدين.

قيل: المراد الأربعة، لقوله عليه الصلاة والسلام: الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكاً عضوضاً، وكانت مدةّ الأربعة هذه.

قيل: والصحيح أن المكمّل لهذه المدّة الحسن بن عليّ، وكانت مدّة خلافته ستة أشهر بها تكمّلت الثلاثون» «1».

وقال شارحه الأسنوي: « … وجه الدلالة: أنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أمر باتّباع سُنّة الخلفاء الراشدين كما أمر باتّباع سُنّته، والخلفاء الراشدون هم: الخلفاء الأربعة المذكورون. لقوله عليه الصلاة والسلام:

الخلافة بعدي ثلاثون سنة … » «2».

وقال شارحه البدخشي: «قال القاضي أبو خازم: … أوجب اتّباعهم إيجاب اتّباعه، ولهذا لم يعتدّ أبو خازم بخلاف زيد بن ثابت في توريث ذوي الأرحام، وحكم بردّ أموالٍ حصلت في بيت مال المعتضد باللَّه إلي ذوي الأرحام، وقبل المعتضد فتواه وأنفذ قضاءه.

__________________________________________________

(1) الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 410.

(2) نهاية السُول في شرح منهاج الأصول 3/ 267.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 63

قال المراغي: وفيه نظر، لعموم الخلفاء الراشدين وعدم الدليل علي الحصر في الأربعة.

قال العبري: وفيه نظر، لأنّ العرف خصّصه بالأئمّة الأربعة حتي صار كالعلم لهم.

أقول: وفيه نظر، لأنّ العرف طارئ فلا يخصّص عموم اللفظ الصادر قبل.

ثم عند الشيعة: إنّ إجماع الأربعة حُجّة لا من حيث هو، بل من حيث اشتماله علي قوله عليّ رضي اللَّه عنه» «1».

أقول:

أما القول الأوّل، فلا دلالة لهذا الحديث عليه أصلًا.

نعم، يدلّ

عليه الخبر: «أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم» لكنّه حديث موضوع باطل «2».

وأمّا القولان الثالث والرابع، فموقوفان علي قيام الدليل القاطع علي حصر المراد في الأربعة، سواء قلنا بحجّيّة قول كلٍّ منهم علي انفراد أو قلنا بحجّيّة قولهم إذا اتّفقوا …

ولا شي ء من الدليلين علي الحصر- وهما حديث «الخلافة بعدي

__________________________________________________

(1) مناهج العقول في شرح منهاج الوصول 2/ 402.

(2) وهو موضوع احدي حلقات هذه السلسلة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 64

ثلاثون سنة» و «أنّ العرف خصّصه بالأئمّة الأربعة فصار كالعلم لهم» - بحيث يصلح لرفع اليد به عن ظهور «الخلفاء» في العموم، ومن هنا قال الغزّالي:

«وقد ذهب قوم إلي أنّ مذهب الصحابي حجّة مطلقاً، وقوم إلي أنّه حجّة إن خالف القياس، وقوم إلي أنّ الحجّة في قول أبي بكر وعمر خاصّة لقوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: اقتدوا باللذين من بعدي، وقوم إلي أنّ الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتّفقوا.

والكلّ باطل عندنا … » «1».

وحينئذٍ يبقي الحديث علي ظهوره في وجوب اتّباع سُنّة كلّ واحدٍ من الخلفاء الراشدين من بعده صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

ولكن من هم؟

وما معني ذلك؟!

هذا ما سنبيّنه …

الاختلافات في متن الحديث … ص: 64

فلنعد إلي النظر في متن الحديث ودلالته … بعد فرض تماميّة سنده وصحّته … فبالنسبة إلي المتن … قد اتّفقت جميع ألفاظ الحديث

__________________________________________________

(1) المستصفي في علم الأُصول 1/ 260- 261.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 65

علي أنّه «عهد» و «وصيّة» من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم …

واشتملت ألفاظه علي أُمور أربعة هي:

الأمر بتقوي اللَّه عزّوجلّ …

والأمر بالسمع والطاعة للحاكم كائناً من كان …

والتحذير من محدَثات الأُمور …

والأمر باتّباع سُنّته وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعده …

وليس

في شي ء من ألفاظ الحديث الوصيّة بالقرآن والعمل به …

وربّما خلت بعض الألفاظ من الأمر بالتقوي …

ثمّ إنّ الأُمور الثلاثة- عدا الأمر بالتقوي- تختلف فيها الألفاظ تقديماً وتأخيراً.

ولربّما جاءت كلمة «عضّوا عليها … » بعد «الطاعة» لا بعد «السُنّة» …

وربّما قال: «وعضّوا علي نواجذكم بالحقّ».

لكن في أحد الألفاظ: «عليكم بتقوي اللَّه … أظنّه قال: والسمع والطاعة» فالراوي غير متأكّد من أنّه قال ذلك! ثمّ لمن السمع والطاعة؟!

والحافظ أبو نعيم رواه بترجمة العرباض بسنده: عن الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدّثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر.

«أتينا العرباض بن سارية- وهو ممّن نزل فيه … - فسلّمنا وقلنا:

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 66

أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين» «1».

رواه إلي هنا ولم يزد عليه.

ورواه بترجمة خالد من أوّله إلي آخره «2».

والأمر سهل …

ثمّ إنّه جاء في بعض ألفاظ الحديث في آخره:

«فكان أسد بن وداعة يزيد في هذا الحديث: فإنّ المؤمن كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد» «3».

لكنّ «أسد بن وداعة» - وهو من الّذين كانوا يجلسون ويسبّون عليَّ بن أبي طالب عليه السلام كما عرفت- لم يقع في شي ء من طرق الحديث، فبأيّ وجهٍ كان يزيد في هذا الحديث؟! وهل المؤمن كالجمل … ؟!

فلمّا رأي بعضهم أنّ هذا تلاعبٌ بالحديث بزيادةٍ باطلة من رجلٍ مبطِل، وأنّ ذلك قد يكشف عن حقيقة حال الحديث … صحّفه إلي:

« … فكان أشدّ [علينا] من وداعه، يزيد في هذا الحديث: فإنّ المؤمن … » «4».

__________________________________________________

(1) حلية الأولياء 2/ 17.

(2) حلية الأولياء 5/ 251.

(3) المستدرك 1/ 176 كتاب العلم الرقم 331.

(4) عارضة الأحوذي 10/ 145.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 67

لكن

تبقي كلمة «يزيد» بلا فاعل … !

فرجّح البعض الآخر إسقاط الجملة وإلحاق الكلام بالحديث، فقال:

«وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشيّاً، فإنّما المؤمن … » «1».

وليته أسقط الكلام أيضاً، لكنّه يقوّي المعني ويؤكّد وجوب الطاعة المطلقة لوليّ الأمر كائناً من كان!!

هذا ما يتعلّق بالمتن …

معني السُنّة:

والأمر المهمّ الذي اتّفقت عليه جميع ألفاظ الحديث إخباره صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالاختلاف الكثير من بعده، ثمّ أمره من أدرك ذلك باتّباع سُنّته وسُنّة الخلفاء بلفظ «فعليكم».

ففي جميع الألفاظ: «فإنّه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء … ».

و «السُنّة» هي الطريقة والسيرة، يقال: سنّ الماء، وسنّ السبيل، وسنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كذا، أي: شرّعه وجعله شرعاً.

__________________________________________________

(1) تهذيب الأسماء واللغات 3/ 156، النهاية والمصباح المنير «سن».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 68

وسُنّته عند أهل الشرع: قوله وفعله وتقريره، ولهذا يقال في أدلّة الشرع: الكتاب والسُنّة. أي: القرآن والحديث «1».

وعلي الجملة، فمعني السُنّة في الشريعة نفس معناها في اللغة لم يعدل بها عنها.

حجّيّة سُنّة النبيّ:

وسُنّة النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الثابتة عنه بالطرق المعتبرة حجّة بلا كلام، وضرورة دينيّة لا يخالف فيها إلّامن لاحظّ له من دين الإسلام …

وقد استدلّوا علي حجّيّتها بآياتٍ من الكتاب وأحاديث عن المصطفي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، لكن لا يتّم الاستدلال بها إلّاعلي وجهٍ دائر كما لا يخفي …

فالعمدة في وجه الحجّيّة هي «العصمة» ومن هنا يتعرّض العلماء- في بحثهم عن حجّيّة السُنّة- لعصمة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «2».

__________________________________________________

(1) النهاية «سنن» 2/ 368.

(2) لاحظ كتب الأُصول كإرشاد الفحول: 1/ 81.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 69

معني سُنّة الخلفاء:

قال ابن

فارس: «وممّا كرهه العلماء قول من قال: سُنّة أبي بكر وعمر، إنّما يقال: فرض اللَّه جلّ وعزّ وسنّته وسنة رسول اللَّه صلّي اللَّه تعالي عليه وآله وسلّم» «1».

قلت: وجه كراهية العلماء ذلك واضح، لأن كلمة «السُنّة» أصبحت في عرف المتشرّعة مختصّةً بما عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قولًا وفعلًا وتقريراً، لأنّه الحجّة بعد الكتاب، حيث يقال: الكتاب والسُنّة، لكنّهم كرهوا هذا القول مع كون حديث «عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين» بمرأيً منهم ومشهد، فإن كانوا في شكّ من صدور الحديث عن النبيّ فلا بحث، وإلّا فبم يفسِّرونه؟!

هنا مشاكل:

1- لقد ذكرنا أنّ «السُنّة» في اللغة بمعني «الطريقة»، وهي بنفس المعني في الشريعة بالنسبة إلي «سُنّة النبي» صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فهل تفسَّر «سُنّة الخلفاء» بنفس المعني كذلك؟!

2- لقد عطف صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «سُنّة الخلفاء» علي «سُنّته» وظاهر العطف هو المغايرة بين السُنّتين، فما معني هذه المغايرة؟!

__________________________________________________

(1) الصاحبي في فقه اللغة 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 70

وكيف يأمر صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم باتّباع سُنّتهم المغايرة لسُنّته؟!

3- أمره باتّباع سُنّتهم مطلق غير مقيّد كما هو الحال في وجوب اتّباع سُنّته، وهكذا أمرٍ يقتضي عصمة المتبوع بلا ريب، أمّا النبي فمعصوم بالإجماع، وأمّا الخلفاء فليس كلّهم بمعصومٍ بالإجماع، فكيف يؤمر- أمراً مطلقاً- باتّباع المعصوم وغير المعصوم معاً؟!

هذه مشاكل حار القوم في حلّها … واضطربوا اضطراباً شديداً تجاهها …

والواقع: إنّ كبار علمائهم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوهٍ متعسِّفة.

المشكلة الأُولي

أمّا الأُولي فلا مانع من حلّها بتفسير «السُنّة» هنا أيضاً ب «الطريقة» كما ذكر الشرّاح كصاحب «سبل السلام» والقاري والمباركفوري …

وهذا هو الذي اختاره الشوكاني حيث قال:

«الذي ينبغي

التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدلّ عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب، فالسُنّة هي الطريقة، فكأنّه قال: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنّهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملًا بها في كلّ شي ء وعلي كلّ حال، كانوا يتوقّون مخالفته في أصغر الأُمور فضلًا عن أكبرها».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 71

أقول:

وهكذا تنحلّ المشكلة الأُولي، وقد أكّد كلّهم علي أنّه «كانت طريقتهم نفس طريقته» متجاوزين ظهور الحديث في المغايرة، وقد أضاف الشوكاني بأن علّل اتّحاد الطريقة بقوله: «فإنّهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملًا بها في كلّ شي ء وعلي كلّ حال، كانوا يتوقّون مخالفته في أصغر الأُمور فضلًا عن أكبرها».

قلت: لكنّا وجدنا الخلفاء الثلاثة- وكذا أكثر الأصحاب- يخالفونه في أكبر الأُمور فضلًا عن أصغرها، حتي مع وجود النصوص الصريحة عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد سبق أن ذكرنا بعض الموارد المسلَّمة من تلك المخالفات … فالّذين كانت «طريقتهم نفس طريقته، فإنّهم أشدّ الناس حرصاً عليها وعملًا بها … » غير هؤلاء، فمن هم؟!

المشكلة الثانيّة:

وإذا كان المراد من «الخلفاء» غير الّذين يقول بهم أهل السُنّة فالمشكلة الثانية منحلّة أيضاً …

أمّا علي قولهم، فقد رأيتهم يتجاوزون هذه المشكلة.. إلّا الشوكاني … فإنّه قال بعد عبارته المذكورة:

«وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب اللَّه وسُنّة رسوله عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدّبر، وهذا الرأي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 72

عند عدم الدليل هو أيضاً من سُنّته، لِما دلّ عليه حديث معاذ لَمّا قال له رسول اللَّه: بما تقضي؟ قال: بكتاب اللَّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسُنّة رسوله. قال: فإن لم

تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال: الحمد للَّه الذي وفّق رسوله أو كما قال.

وهذا الحديث وإن تكلَّم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف، فالحقّ أنّه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به، وقد أوضحت هذا في بحثٍ مستقلٌ.

فإن قلت: إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سُنّته لم يبق لقوله:

«سُنّة الخلفاء الراشدين» ثمرة.

قلت: ثمرته أنّ من الناس من لم يدرك زمنه وأدرك زمن الخلفاء الراشدين، أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء، ولكنّه حدث أمر لم يحدث في زمنه، ففعله الخلفاء، فأشار بهذا الإرشاد إلي سُنّة الخلفاء إلي دفع ما عساه يتردّد إلي بعض النفوس من الشكّ ويختلج فيها من الظنون.

فأقلُّ فوائد الحديث أنّ ما يصدر منهم من الرأي وإن كان من سُنّته كما تقدّم، ولكنّه أولي من رأي غيرهم عند عدم الدليل.

وبالجملة، فكثيراً ما كان صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلي أصحابه في حياته، مع أنّه لا فائدة لنسبته إلي غيره مع نسبته إليه، لأنّه محلّ القدوة ومكان الأُسوة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 73

فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث، ولم أقف عند تحريره علي ما يوافقه من كلام أهل العلم. فإن كان صواباً فمن اللَّه، وإن كان خطأً فمنّي ومن الشيطان، وأستغفر اللَّه العظيم».

أقول:

لقد تنبّه هذا الشيخ الجليل إلي أنّ القول بأنّ «طريقتهم نفس طريقته» يتنافي وظاهر الحديث الدالّ علي «المغايرة»، ورفع اليد عن الظهور بلا دليلٍ غير جائز، فنقل الكلام إلي حجّيّة آراء الخلفاء واجتهاداتهم، وقال بذلك استناداً إلي حديث معاذ، ثمّ ذكر في هذا المقام دلالة الحديث علي المغايرة بصورة سؤال، وحاول الإجابة عنه بما هو في الحقيقة التزام بالإشكال!

وعلي الجملة،

فإنّ الكلام في إثبات أنّ «طريقة الخلفاء نفس طريقة النبي» والإجابة عمّا إن قيل بأنّه: كيف تكون طريقتهم نفس طريقته وظاهر الحديث المغايرة؟! وأنّه إذا «كانت طريقتهم نفس طريقته» لم يبق لقوله: «وسُنّة الخلفاء» ثمرة؟!

أمّا أنّ اجتهادات الخلفاء وآرائهم حجّة أو لا؟ فذاك بحث آخر ليس هذا موضعه، وخلاصة الكلام فيه أنّه لا دليل عليه إلّاحديث معاذ الذي أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد عن «الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة بن شعبة قال: حدّثنا ناس من أصحاب معاذ عن معاذ».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 74

فمن الحارث؟! ومن أصحاب معاذ؟!

ولذا اعترف الشوكاني بهوانه، بل عدّه بعضهم في (الموضوعات) كما لا يخفي علي من يراجع شروح السنن والكتب المطوّلات …

والحاصل: إنّ المشكلة الثانية باقية علي أساس أهل السُنّة، وأنّ هذا الذي ظهر للشوكاني في تفسير الحديث- ولم يقف علي ما يوافقه من كلام أهل العلم- يجب عليه أن يستغفر منه!

المشكلة الثالثة:

قد ذكرنا أنّ الأمر المطلق بالإطاعة والمتابعة المطلقة دليل علي عصمة المتبوع … وقد نصَّ علي ذلك العلماء في نظائره، كقوله تعالي

«أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ» قال الرازي بتفسيره ما نصّه:

«أنّ اللَّه تعالي أمر بطاعة أُولي الأمر علي سبيل الجزم في هذه، الآية، ومَن أمر اللَّه بطاعته علي سبيل الجزم والقطع لابُدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه علي الخطأ يكون قد أمر اللَّه بمتابعته فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيٌّ عنه، فهذا يفضي إلي اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنّه محال.

فثبت أنّ اللَّه تعالي أمر بطاعة أُولي الأمر علي سبيل الجزم، وثبت

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 75

أنّ كلّ من أمر اللَّه بطاعته علي سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ» «1».

وفي هذا المقام أيضاً نبّه الغزّالي علي ذلك، حيث قال بعد الحكم ببطلان الأقوال- في عبارته التي نقلناها آنفاً- ما نصّه:

«فإنّ من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه، فلا حجّة في قوله، فكيف يُحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ؟!

وكيف تُدّعي عصمتهم من غير حجّةٍ متواترة؟!

وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف؟!

وكيف يختلف المعصومان؟!

كيف؟ وقد اتّفقت الصحابة علي جواز مخالفة الصحابة، فلم ينكر أبو بكر وعمر علي من خالفهما بالاجتهاد، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد علي كلّ مجتهدٍ أن يتّبع اجتهاد نفسه؟!

فانتفاء الدليل علي العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه، ثلاثة أدلّة قاطعة» «2».

__________________________________________________

(1) التفسير الكبير 5/ 149.

(2) المستصفي في علم الاصول 1/ 261- 262.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 76

أقول:

نعم، هي- وغيرها ممّا ذكرناه ولم نذكره- أدلّة قاطعة علي أن ليس «الخلفاء» في هذا الحديث مطلق الصحابة، ولا مطلق الخلفاء، ولا خصوص الأربعة مطلقاً …

إنطباق الحديث علي مباني الإماميّة … ص: 76

لكنّه ينطبق من حيث الدلالة علي مباني الإماميّة في الأُصولَين، واستدلالاتهم من الكتاب والسُنّة المتواترين.. وبيان ذلك:

إنّ هذا الحديث وصيّة وعهد من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- قاله وكأنّه مودِّع- تعييناً لوظيفة الأُمّة وتكليفها إذا كان «الاختلاف الكثير» فإنّهم إذا تبعوا «سُنّته وسُنّة الخلفاء الراشدين» أمنوا من الهلاك والضلال … فهو صريح في حصر الاتّباع في «الخلفاء» من بعده اتّباعاً مطلقاً، فيجب كونهم معصومين …

والإشارة إلي حديث الثقلين: … ص: 76

وحديث الثقلين … كذلك … «1».

__________________________________________________

(1) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة القطعية الصدور، المتّفق عليها بين المسلمين، أخرجه من أهل السُنّة مسلم في صحيحه، وكذا أصحاب السنن والمسانيد والمعاجم كافّة … عن أكثر من صحابيّ وصحابيّة … عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بألفاظ مختلفة في مواقف متعدّدة … راجع: الأجزاء 1- 3 من كتابنا: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الاطهار.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 77

إنّه وصيّةٌ وعهدٌ منه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، قاله غير مرّة، بعد أن نعي نفسه الكريمة، فهو تعيين للوظيفة وبيان للتكليف من بعده..

فأمر باتّباع «عترته أهل بيته» مع «كتاب اللَّه سبحانه» و قال: «لن تضلّوا ما إن اتّبعتموهما» …

ومن ذلك ما ورد في حديث مرض وفاته صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد جاء فيه التصريح بلفظ الوصيّة، وهو أنّه:

«فخرج يعتمد عليهما حتّي جلس علي المنبر وعليه عصابة، فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أمّا بعد، أيّها الناس، فماذا تستنكرون من موت نبيّكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خلّد أحد ممّن بعث قبلي فيمن بعثوا إليه فأخلد فيكم؟!

ألا إنّي لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لم تضلّوا، كتاب

اللَّه بين أظهركم تقرأونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم اللَّه، ألا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 78

ثمّ أُوصيكم بعترتي أهل بيتي» «1».

والجدير بالذكر تعبيره عنهما- في بعض الألفاظ- ب «خليفتين» «2».

وهذا الحديث دليل واضح علي عصمة الّذين أمر باتّباعهم من «عترته أهل بيته» لوجوهٍ عديدةٍ منها ما ذكروه حول آية «إطاعة أُولي الأمر» كما عرفت.

الإشارة إلي حديث الاثني عشر خليفة: … ص: 78

وقد حدّد عليه وآله الصلاة والسلام عدد الّذين أمر بالتمسّك بهم في حديثٍ آخر متواتر أجمعوا علي روايته، ذاك حديث «الاثنا عشر خليفة» وهو أيضاً عهد من رسول اللَّه عليه وآله الصلاة والسلام …

أخرج البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال- واللفظ للأول-:

سمعت النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول: يكون اثنا عشر أميراً. فقال: كلمة لم أسمعها. فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش» «3».

__________________________________________________

(1) جواهر العقدين: 234.

(2) مسند أحمد 6/ 232 حديث زيد بن ثابت الرقم 21068 الجامع الصغير 1/ 157 حرف الهمزة الرقم 2631، الدر المنثور 2/ 107.

(3) أُنظر كتاب الأحكام باب الاستخلاف من صحيح البخاري 6/ 2640 الرقم 6796 وكتاب الإمارة باب الثامن تبع لقريش والخلافة في قريش من صحيح مسلم 4/ 100- 102 الأرقام 1821 وذيواله و 1822 وذيله.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 79

وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجهٍ عن جابر بن سمرة … وفي الباب عن ابن مسعود وعبداللَّه بن عمرو» «1».

وأخرجه أحمد في غير موضع «2».

وأخرجه الحاكم «3» وغيره كذلك.

فإذا ما ضممنا هذا الحديث إلي حديث الثقلين عرفنا أنّ النّبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يوصي بالتمسّك بالكتاب والأئمّة

الاثني عشر، ويجعلهما الخليفتين بعده …

وإذا كان حديث الثقلين دالّاً علي العصمة فالأئمّة الاثنا عشر معصومون …

ومن كان معصوماً كانت سُنّته حجّةً …

وعلي هذا، يثبت حجّيّة سُنّة أهل البيت …

__________________________________________________

(1) سنن الترمذي 4/ 95- 96 باب ما جاء في الخلفاء كتاب الفتن الرقم 2230.

(2) مسند أحمد 6/ 93- 122 من حديث جابر بن سمرة الأرقام 20319، 20416- 20418، 20420، 20421، 20508، 20515، 20528، 20534 وغيرها.

(3) المستدرك علي الصحيحين 3/ 715 كتاب معرفة الصحابة (ذكر جابر بن سمرة السوائي) الرقم 6586 و 3/ 716 كتاب معرفة الصحابة (ذكر أبي جحيفة السوائي) الرقم 6589.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 80

وبهذا البيان تنحلّ جميع مشكلات حديث «عليكم بسُنّتي … » التي ذكرها الغزّالي … والتي ذكرناها … فلقد دار أمر وجوب الاتّباع مدار وجود العصمة، وإذا كانت العصمة فلا تغاير بين «سُنّة الخلفاء الراشدين» و «سُنّة الرسول الأمين» … وإذا كانت العصمة فلا اختلاف..

وإذا كانت العصمة فالمخالف هو المخطي ء …

نعم، قد حاول القوم- عبثاً- صرف حديث «الاثنا عشر خليفة» عن الدلالة علي ما تذهب إليه الإماميّة … لكنّهم حاروا في كيفيّة تفسيره وتضاربت كلماتهم …

حتّي كان لكلّ واحدٍ منهم قول، وببالي أنّي رأيت من يصرّح منهم بوجود أربعين قولًا في معني الحديث …

لكنّ المهم اعترافهم بالعجز عن فهم معني الحديث …

فابن العربي المالكي يقول- بعد ذكر رأيه: «ولم أعلم للحديث معنيً» «1».

وابن البطّال ينقل عن المهلّب قوله: «لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث، يعني بشي ء معين … » «2».

__________________________________________________

(1) عارضة الأحوذي 9/ 69.

(2) فتح الباري 13/ 262.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 81

وابن الجوزي يقول: «قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث وتطلّبت

مظانّه وسألت عنه، فلم أقع علي المقصود به» «1».

فهي إذن محاولات يائسة.. والحديث صحيح قطعاً … فليتركوا الأهواء والعصبيّات الجاهليّة، وليعترفوا بواقع الأمر الذي شاءه اللَّه ورسوله …

وتلخّص: إنّ معني الحديث:

عليكم بسُنّتي وسُنّة الأئمّة الاثني عشر الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي …

ويؤكّد ذلك ما رووه عن أبي ليلي الغفاري عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «سيكون بعدي فتن، فإذا كان ذلك فالزموا عليَّ بن أبي طالب، فإنّه فاروق بين الحقّ والباطل».

وعن كعب بن عجزة أنّه قال: «تكون بين أُمّتي فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه علي الحقّ. يعني عليّاً» «2».

__________________________________________________

(1) فتح الباري 13/ 263.

(2) تاريخ دمشق 45/ 345، أُسد الغابة 6/ 265، كنز العمّال 11/ 281 و 285 كتاب الفضائل باب ذكر الصحابة و فضلهم الأرقام 32961 و 33013.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 82

هل يأمر النبي بإطاعة الأمير كائناً من كان؟! … ص: 82

وممّا ذكرناه يظهر أنّ ما جاء في هذا الحديث من أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم يأمر ب «السمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً» … كذب قطعاً …

وأنّ هذا من زيادات أمثال «أسد بن وداعة» … ويشهد بذلك عدم جزم الراوي بأنّ النبيّ قاله … لأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لا يأذن بأن يتسلّط علي رقاب الناس إلّامن توفّرت فيه الصفات والشروط التي اعتبرها الشرع والعقل ولا يجوّز- فضلًا عن أن يأمر- الاستسلام والانصياع التامّ لمن تأمّر وتولّي شؤون المسلمين كيفما كان وكيفما تسلّط!

وعلي الجملة: فإنّ هذه الفقرة من الحديث إنّما زيدت فيه- بناءً علي صدوره في الأصل- لحمل الناس علي إطاعة معاوية وعمّاله وإن ظلموا وجاروا، وإن فسقوا وفجروا …

إنّها زيدت فيه كما زيد تعليل مفاده بأنّه «فإنّما المؤمن … »

ويؤكّد ما ذكرنا

اضطراب القوم كذلك في معناها، ونكتفي بما ذكره شارحا الترمذي:

قال ابن العربي «قوله: اسمعوا وأطيعوا. يعني ولاة الأمر وإن عليكم عبد حبشي.

فقال علماؤنا: إنّ العبد لا يكون ولياً …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 83

والذي عندي فيه: أنّ النبي أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله حتي توضع الولاية في العبيد، فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا، تغليباً لأهون الضررين، وهو الصبر علي ولاية من لا تجوز ولايته، لئلّا يغيّر ذلك فيخرج منه إلي فتنةٍ عمياء صمّاء لا دواء لها ولا خلاص منها» «1».

وقال المباركفوري: «أي صار أميراً أدني الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته. أو: لو استولي عليكم عبد حبشي فأطيعوه مخافة إثارة الفتن.

ووقع في بعض نسخ أبي داود: وإن عبداً حبشياً، بالنصب. أي: وإن كان المطاع عبداً حبشياً.

قال الخطابي: يريد به إطاعة من ولّاه الإمام عليكم وإن كان عبداً حبشياً، ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبداً حبشياً، وقد ثبت عنه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنّه قال: الأئمّة من قريش» «2».

أقول:

أمّا ما ذكره الخطابي فحمل بلا دليل، علي أنّه قد تقدّم أنّ العلماء لا يجوّزون ولاية العبد.

وأمّا ما ذكره ابن العربي- وكذا ابن حجر «3» - فهو عبارة أُخري عن

__________________________________________________

(1) عارضة الأحوذي 10/ 148- 149.

(2) تحفة الأحوذي 7/ 366.

(3) فتح الباري 13/ 153.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص: 84

الأمر بالتقيّة التي يشنّعون- بألسنتهم- بها علي الإماميّة مع ورود الكتاب والسُنّة بها، ويلتزمون بها عملًا …

وعلي هذا- وبعد التنزّل عمّا تقدّم- يكون المعني:

إن أمّر عليكم أئمّةُ الجور بعضَ من لا أهليّة له للإمارة وكان في مخالفتكم له ضرر كبير فعليكم بالسمع والطاعة …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، حديث عليكم بسنتي …، ص:

85

خاتمة البحث … ص: 85

لقد استعرضنا أهمّ أسانيد الحديث في أهمّ الكتب … فظهر أنّه حديث من الأحاديث المفتعلة في زمن حكومة معاوية، لأعراضٍ سياسيّة.

وهو من حيث الدلالة حديثٌ باطل لا يمكن قبوله بالنظر إلي الأسس المقرّرة عند أهل السُنّة، فضلًا عن أن يستند إليه ويجعل قاعدةً في شي ء من المسائل العلميّة.

وعلي هذا، فإنّه لا يصلح مبرّراً لِما «أحدثه» الخلفاء والأمراء في الدين … ومستنداً للأقوال المتعدّدة في باب حجّيّة قول الصحابي وإجماع الخلفاء الأربعة … فتبقي تلك البدع بلا مبرّر، وتلك الأقوال بلا دليل …

نعم، يصلح دليلًا- إن صحّ سنداً- علي ما تذهب إليه الإماميّة من حجّية قول الأئمّة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام … ووجوب إطاعتهم والانقياد لهم والاقتداء بهم …

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي الرسول الأمين وآله الطاهرين الميامين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.