آيه المباهله

اشارة

عنوان و نام پديدآور : آيه المباهله/علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1429ق=1387.

مشخصات ظاهري : 112ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 12

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1289514

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 7

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين، والصّلاة والسلام علي محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين.

وبعد

فهذه رسالة وضعتها في تفسير (آية المباهلة) وبيّنت دلالتها علي الإمامة والولاية بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله علي ضوء روايات أهل السنّة، وتعرّضت خلالها لكلمات كبار علمائهم الحفّاظ، راجياً من اللَّه تعالي أن يجعلها نافعةً لأهلها وهو الموفّق المستعان.

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 9

الفصل الأوّل: في نزول الآية في أهل البيت عليهم السلام … ص: 9

اشارة

قال اللَّه عزّوجلّ: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ

إِلَّا اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ».

وقد خرج النبيُّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلي المباهلة بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.

ذكر من رواه من الصحابة والتابعين: … ص: 9

وروي هذا الخبر عن جماعةٍ من أعلام الصحابة والتابعين، نذكر

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 10

هنا مَن جاءت الرواية عنه في كتب غير الإماميّة، فمنهم:

1- أمير المؤمنين علي عليه السلام.

2- عبداللَّه بن العباس.

3- جابر بن عبداللَّه الأنصاري.

4- سعد بن أبي وقّاص.

5- عثمان بن عفان.

6- سعيد بن زيد.

7- طلحة بن عبيداللَّه.

8- الزبير بن العوام.

9- عبدالرحمن بن عوف.

10- البراء بن عازب.

11- حذيفة بن اليمان.

12- أبو سعيد الخدري.

13- أبو الطفيل الليثي.

14- جدّ سلمة بن عبديشوع.

15- أُمّ سلمة زوجة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وآله.

16- زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام.

17- علباء بن أحمر اليشكري.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 11

18- الشعبي.

19- الحسن البصري.

20- مقاتل.

21- الكلبي.

22- السدّي.

23- قتادة.

24- مجاهد.

أمّا أمير المؤمنين عليه السّلام، فقد ناشد القوم في الشوري بنزول الآية فيه … وسيأتي الخبر قريباً.

وأمّا عثمان، وطلحة، والزبير، وسعيد بن زيد، وعبدالرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقّاص، فقد أقرّوا لعليٍّ عليه السلام في ذلك.

كما روي سعد الخبر، وكان ممّا به اعتذر عن سبّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، كما في صحيح الأثر … وسيأتي نصّه.

وأمّا أبو الطفيل فهو راوي خبر المناشدة.

وأمّا الآخرون … فستأتي نصوص الأخبار في روايتهم.

ومن رواته من كبار الأئمة في الحديث والتفسير: … ص: 11

وقد اتّفقت كتب الحديث والتفسير والكلام علي رواية حديث

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 12

المباهلة، إمّا بالأسانيد، وإمّا بإرساله إرسال المسلّمات، من أشهرهم:

1- سعيد بن منصور، المتوفّي سنة 227.

2- أبو بكر عبداللَّه بن أبي شيبة، المتوفّي سنة 235.

3- أحمد بن حنبل، المتوفّي سنة 241.

4- عبد بن حُميد، المتوفّي سنة 249.

5- مسلم بن الحجّاج، المتوفّي سنة 261.

6- أبو زيد عمر بن شبّة البصري، المتوفّي سنة 262.

7- محمّد بن عيسي الترمذي، المتوفّي سنة 279.

8- أحمد بن شعيب

النسائي، المتوفّي سنة 303.

9- محمّد بن جرير الطبري، المتوفّي سنة 310.

10- أبو بكر ابن المنذر النيسابوري، المتوفّي سنة 318.

11- أبو بكر الجصّاص، المتوفّي سنة 370.

12- أبو عبداللَّه الحاكم النيسابوري، المتوفّي سنة 405.

13- أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني، المتوفّي سنة 410.

14- أبو إسحاق الثعلبي، المتوفّي سنة 427.

15- أبو نعيم الأصفهاني، المتوفّي سنة 430.

16- أبو بكر البيهقي، المتوفّي سنة 458.

17- أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، المتوفّي سنة 468.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 13

18- محيي السُنّة البغوي، المتوفّي سنة 516.

19- جار اللَّه الزمخشري، المتوفّي سنة 538.

20- القاضي عياض اليحصبي، المتوفّي سنة 538.

21- أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفّي سنة 571.

22- أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفّي سنة 579.

23- أبو السعادات ابن الأثير الجزري، المتوفّي سنة 606.

24- الفخر الرازي، المتوفّي سنة 606.

25- عزّ الدين ابن الأثير الجزري، المتوفّي سنة 630.

26- محمّد بن طلحة الشافعي، المتوفّي سنة 652.

27- شمس الدين سبط ابن الجوزي، المتوفّي سنة 654.

28- أبو عبداللَّه القرطبي الأنصاري، المتوفّي سنة 656.

29- القاضي البيضاوي، المتوفّي سنة 685.

30- محبّ الدين الطبري، المتوفّي سنة 694.

31- نظام الدين الأعرج النيسابوري، المتوفّي سنة

32- أبو البركات النسفي، المتوفّي سنة 710.

33- صدر الدين إبراهيم الحموئي، المتوفّي سنة 722.

34- أبو القاسم ابن الجزّي الكلبي، المتوفّي سنة 741.

35- علاء الدين الخازن، المتوفّي سنة 741.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 14

36- أبو حيّان الأندلسي، المتوفّي سنة 745.

37- شمس الدين الذهبي، المتوفّي سنة 748.

38- ابن كثير الدمشقي، المتوفّي سنة 774.

39- ولي الدين الخطيب التبريزي، المتوفّي سنة

40- ابن حجر العسقلاني، المتوفّي سنة 852.

41- نور الدين ابن الصبّاغ المالكي، المتوفّي سنة 855.

42- جلال الدين السيوطي، المتوفّي سنة 911.

43- أبو السعود العمادي، المتوفّي سنة 951.

44- الخطيب الشربيني، المتوفّي

سنة 968.

45- ابن حجر الهيتمي المكّي، المتوفّي سنة 973.

46- علي بن سلطان القاري، المتوفّي سنة 1013.

47- نور الدين الحلبي، المتوفّي سنة 1033.

48- شهاب الدين الخفاجي، المتوفّي سنة 1069.

49- الزرقاني المالكي، المتوفّي سنة 1122.

50- عبداللَّه الشبراوي، المتوفّي سنة 1162.

51- قاضي القضاة الشوكاني، المتوفّي سنة 1250.

52- شهاب الدين الآلوسي، المتوفّي سنة 1270.

وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 15

من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة: … ص: 15

وهذه ألفاظٌ من الأخبار الواردة في نزول الآية المباركة في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، كما رواها الحفّاظ بأسانيدهم، في الكتب المعتبرة:

* أخرج ابن عساكر بسنده، وابن حجر من طريق الدارقطني، عن أبي الطفيل: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام ناشد أصحاب الشوري واحتّج عليهم بجملةٍ من فضائله ومناقبه، ومن ذلك أن قال لهم:

«نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد أقرب إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في الرحم، ومن جعله رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم نفسه وأبناه أبناءه ونساءه نساءه، غيري؟!

قالوا: اللّهمّ لا» «1».

أقول:

ومناشدة أمير المؤمنين في الشوري رواها عدد كبير من علماء الفريقين، بأسانيدهم عن: أبي ذرّ وأبي الطفيل، وممّن أخرجها من حفّاظ الجمهور: الدارقطني، وابن مردويه، وابن عبدالبرّ، والحاكم، والسيوطي، وابن حجر المكّي، والمتّقي الهندي.

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق- ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام- 3/ 90 ح 1131.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 16

* وفي «المسند»: «حدّثنا عبداللَّه، قال أبي: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال:

سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول له، وخلّفه في بعض مغازيه، فقال عليّ رضي اللَّه عنه: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!

قال: يا

علي! أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبوّة بعدي؟!

وسمعته يقول- يوم خيبر-: لأُعطينَّ الراية غداً رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله.

فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً رضي اللَّه عنه فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية «نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضوان اللَّه عليهم أجمعين، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي» «1».

* وأخرج مسلم قائلًا: «حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عبّاد- وتقاربا في اللفظ- قالا: حدّثنا حاتم- وهو ابن إسماعيل- عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن

__________________________________________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1/ 185.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 17

أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟!

فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم:

سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول له [وقد] خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: يا رسول اللَّه! خلّفتني مع النساء والصبيان!

فقال له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الراية رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية: «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم

عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي» «1».

* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ، فقال:

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 7/ 120.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 18

«هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه» «1».

* وأخرج النسائي: «أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمّار الدمشقي، قالا: حدّثنا حاتم، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أبا تراب؟!

فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فلن أسبّه، لأن يكون لي واحدة منها أحبّ إليَّ من حمر النعم:

سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول له، وخلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول اللَّه! أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!

فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينَّ الراية غداً رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله.

فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه.

ولما نزلت «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

__________________________________________________

(1) صحيح الترمذي 5/ 596 كتاب المناقب، مناقب عليّ.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 19

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» «1».

* وأخرج الحاكم فقال: «أخبرني جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي، ثنا موسي بن هارون، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: لمّا نزلت هذه الآية «نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» دعا رسول

اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي اللَّه عنهم فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه» «2».

* ووافقه الذهبي في (تلخيصه).

* وستأتي رواية الحاكم عن جابر.

* وأخرجه عن ابن عبّاس، قال: «ذِكر النوع السابع عشر من علوم الحديث: هذا النوع من هذا العلم معرفة أولاد الصحابة، فإنّ من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.

أوّل ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك: أولاد سيّد البشر محمّد المصطفي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ومن صحّت الرواية عنه منهم:

__________________________________________________

(1) خصائص أمير المؤمنين: 48- 49.

(2) المستدرك علي الصحيحين 3/ 150.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 20

حدّثنا عليّ بن عبدالرحمن بن عيسي الدهقان بالكوفة، قال:

حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري، قال: ثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: ثنا حبّان بن عليّ العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله عزّوجلّ: «قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ- إلي قوله: - الْكَاذِبِينَ» نزلت علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وعليّ نفسه، «وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ»: فاطمة، «وأَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ»:

حسن وحسين، والدعاء علي الكاذبين نزلت في العاقب والسيّد وعبدالمسيح وأصحابهم» «1».

* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة: «ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقّاص عند مسلم والترمذي، قال: قال معاوية لسعدٍ: ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟!

قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فلن أسبّه …

فذكر هذا الحديث، وقوله: لأُعطينَّ الراية رجلًا يحبّه اللَّه ورسوله … وقوله: لمّا نزلت «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي» «2».

__________________________________________________

(1) معرفة علوم الحديث: 49-

50.

(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/ 60.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 21

تنبيه:

الملاحظ أنّهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكالٍ مختلفة، مع أنّ السند واحد، والقضيّة واحدة!!

بل يرويه المحدّث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.

بينما رواه بلفظٍ آخر عن بكير بن مسمار، قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال معاوية لسعد بن أبي وقّاص: ما يمنعك أن تسبَّ ابن أبي طالب؟!

قال: لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لأنْ يكون لي واحدة منهن أحبّ إليَّ من حمر النعم، لا أسبّه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه ثمّ قال: ربّ هؤلاء أهل بيتي- أو: أهلي- … » «1».

ورواه بلفظ ثالث: إنّ معاوية ذكر عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فقال سعد بن أبي وقّاص: واللَّه لأنْ لي واحدة من خلالٍ ثلاث أحبّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

لأن يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك: أما ترضي أن تكون

__________________________________________________

(1) خصائص أمير المؤمنين: 81.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 22

منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبيّ بعدي؛ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأن يكون قال لي ما قاله له يوم خيبر: لأُعطينّ الراية رجلًا يحب اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه علي يديه، ليس بفرّار؛ أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له، أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس» «1».

ورواه بلفظٍ رابع عن سعد، قال:

«كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فقلت: لقد سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول في عليٍّ خصالًا ثلاث، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعته يقول: إنّه منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبيّ بعدي.

وسمعته يقول: لأُعطينّ الراية غداً رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله.

وسمعته يقول: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه» «2».

ورواه ابن ماجة بلفظٍ خامس فقال: «قدم معاوية في بعض حجّاته،

__________________________________________________

(1) خصائص أمير المؤمنين: 116.

(2) خصائص أمير المؤمنين: 49- 50.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 23

فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا الرجل سمعت رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

وسمعته يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّاأنّه لا نبيّ بعدي.

وسمعته يقول: لأُعطينّ الراية اليوم رجلًا يحبّ اللَّه ورسوله» «1».

أقول:

إنّه لو فرض حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث علي وجه صحيح، ولا يكون هناك تحريف، فلا ريب في تحريف القوم للّفظ في ناحيةٍ أُخري وهي قضيّة سبّ أمير المؤمنين عليه السلام والنيل منه، خاصّةً مع السند الواحد! فإنّ أحمد ومسلماً والترمذي والنسائي وابن عساكر «2» كلّهم اشتركوا في الرواية بسندٍ واحدٍ، فجاء عند غير أحمد: «أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً … سمعت … ».

لكنّ أحمد حذف ذلك كلّه وبدأ الحديث من «سمعت … » وكأنّه لم تكن هناك أيّة مناسبة لكلام سعدٍ هذا!!

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 1/ 45.

(2) تاريخ دمشق- ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام- 1/ 206 ح 271.

سلسلة اعرف الحق

تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 24

أمّا الحاكم، فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث!!

والنسائي، يحذف المناسبة في لفظٍ، ويقول: «إنّ معاوية ذكر عليَّ بن أبي طالب، فقال سعد … »!!

وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة «كنت جالساً فتنقّصوا عليّ ابن أبي طالب … »!!

وابن ماجة، قال: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال … ».

فجاء ابن كثير وحذف منه «فنال منه، فغضب سعد» «1».

وفي (الفضائل) لأحمد: «ذُكر علي عند رجلٍ وعنده سعد بن أبي وقاص، فقال له سعد: أتذكر عليّاً؟!» «2».

وأبو نعيم وبعضهم، حذف القصّة من أصلها، فقال: «عن سعد ابن أبي وقاص، قال: قال رسول اللَّه: في عليٍّ ثلاث خلال … » «3».

هذا، والسبب في ذلك كلّه معلوم! إنهم يحاولون التغطية علي مساوي ء سادتهم ولو بالكذب والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم،

__________________________________________________

(1) تاريخ ابن كثير 7/ 340.

(2) فضائل عليّ- لأحمد بن حنبل-: مخلوط.

(3) تاريخ ابن كثير 7/ 340، حلية الأولياء 4/ 356.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 25

كالنووي، حيث قال: «قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل علي صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلّاما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبّه، وإنّما سأله عن السبب المانع له من السبّ، كأنه يقول: هل امتنعت تورّعاً أو خوفاً أو غير ذلك؟! فإن كان تورّعاً وإجلالًا له عن السبّ فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.

ولعلّ سعداً قد كان في طائفةٍ يسبّون فلم يسبّ معهم، وعجز عن الإنكار، وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال.

قالوا: ويحتمل تأويلًا آخر، أنّ معناه: ما منعك أن تُخَطئه في

رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنّه أخطأ؟». انتهي «1».

ونقله المباركفوري بشرح الحديث «2».

أقول:

وهل ترتضي- أيّها القارئ- هذا الكلام في مثل هذا المقام؟!

أوّلًا: إن كان هناك مجالٌ لحمل كلام المتكلّم علي الصحّة وتأويله علي وجهٍ مقبول، فهذا لا يختصّ بكلام الصحابي دون غيره.

وثانياً: إذا كانت هذه قاعدة يجب اتّباعها بالنسبة إلي أقوال

__________________________________________________

(1) المنهاج- شرح صحيح مسلم بن الحجّاج- 15/ 175.

(2) تحفة الأحوذي- شرح جامع الترمذي- 10/ 156.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 26

الصحابة، فلماذا لا يطبّقونها بالنسبة لكلّ الصحابة؟!

وثالثاً: إذا كانت هذه القاعدة للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل علي صحابي! فلماذا يطبّقونها في الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يأخذوا بظواهرها، بل أعرضوا عن النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة، حيث لا تأويل فحسب، بل التعتيم والتحريف، كما سنري في الفصل الآتي.

ورابعاً: إن التأويل والحمل علي الصحّة إنّما يكون حيث يمكن، وقولهم: «ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبّه، وإنّما سأله» كذبٌ، فقد تقدّم في بعض النصوص التصريح ب «الأمر» و «النَيْلَ» و «التنقيص» وهذا كلّه مع تهذيب العبارة، كما لا يخفي

بل ذكر ابن تيميّة: أن معاوية أمر بسبّ علي «1».

بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي علي واقعها، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما، قال: «وعن سهل بن سعد، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً أن يسبّ أبا التراب، قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً …

أخرجه مسلم والترمذي» «2».

وخامساً: قولهم: «كأنّه يقول … فإن كان تورّعاً … فأنت مصيب

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 5/ 45.

(2) ينابيع المودّة: 193.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 27

محسن» يكذّبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أنّ سعداً خرج

من مجلس معاوية غضبان وحلف ألّا يعود إليه!!

وعلي كلّ حال … فهذا نموذج من تلاعبهم بمساوئ أسيادهم، لإخفائها، وستري في الفصل اللّاحق- نموذج تلاعبهم بفضائل عليٍّ عليه السلام، لإخفائها، وهذا دين القوم وديدنهم، حشرهم اللَّه مع الذين يدافعون عنهم ويودّونهم!!

* وروي ابن شبّة، المتوفّي سنة 262، قال: «حدّثنا الحزامي، قال:

حدّثنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن من حدّثه، قال: جاء راهبا نجران إلي النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يعرض عليهما الإسلام … قال: فدعاهما النبيّ إلي المباهلة وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم، فقال أحدهما للآخر: قد أنصفك الرجل.

فقالا: لا نباهلك.

وأقرّا بالجزية وكرِها الإسلام» «1».

* وروي الحسين بن الحكم الحبري «2»، المتوفّي سنة 286، قال:

«حدّثني إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، قال: لمّا نزلت هذه الآية «تَعَالَوْاْ

__________________________________________________

(1) تاريخ المدينة المنوّرة، المجلد 1/ 583.

(2) وهو أيضاً في طريق الحاكم في «المستدرك».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 28

نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» قال: فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين» «1».

* وأخرج الطبري: «حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسي بن فرقد، عن أبي الجارود، عن زيد بن عليّ، في قوله: «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» الآية، قال: كان النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».

«حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السُدّي، «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ» الآية، فأخذ- يعني النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم- بيد الحسن والحسين وفاطمة، وقال لعليٍّ: اتبعنا، فخرج معهم، فلم يخرج يومئذ النصاري وقالوا: إنّا

نخاف … ».

«حدّثنا الحسن بن يحيي قال: أخبرنا عبدالرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» قال: بلغنا أنّ نبيّ اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خرج ليلًا عن أهل نجران، فلمّا رأوه خرج هابوا وفرقوا فرجعوا.

قال معمر: قال قتادة: لمّا أراد النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم

__________________________________________________

(1) تفسير الحبري: 248.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 29

أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين، وقال لفاطمة: اتبعينا، فلمّا رأي ذلك أعداء اللَّه رجعوا».

«حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا ابن زيد، قال: قيل لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: لو لاعنت القوم، بمن كنت تأتي حين قلت «أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ»؟

قال: حسن وحسين».

«حدّثني محمّد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قال: ثنا المنذر ابن ثعلبة، قال: ثنا علباء بن أحمر اليشكري، قال: لمّا نزلت هذه الآية:

«فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ» الآية، أرسل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إلي عليٍّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين … » «1».

* وقال السيوطي: «أخرج البيهقي في (الدلائل) من طريق سلمة ابن عبديشوع، عن أبيه، عن جدّه: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كتب إلي أهل نجران.. فلمّا أصبح رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الغد بعدما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملًا علي الحسن والحسين في خميلةٍ له وفاطمة تمشي خلف ظهره، للملاعنة، وله يومئذٍ عدّة نسوة … ».

__________________________________________________

(1) تفسير الطبري 3/ 212- 213.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 30

«وأخرج الحاكم- وصحّحه- وابن مردويه، وأبو نعيم في (الدلائل) عن جابر، قال: …

فغدا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين …

قال جابر: فيهم نزلت: «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» الآية.

قال جابر: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ»: رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعليّ. «وَأَبْنَاءنَا»: الحسن والحسين. «وَنِسَاءنَا»: فاطمة».

«وأخرج أبو نعيم في (الدلائل) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: … وقد كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خرج ومعه عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إن أنا دعوت فأمِّنوا أنتم. فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه علي الجزية».

«وأخرج ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو نعيم، عن الشعبي … فغدا النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ومعه الحسن والحسين وفاطمة … ».

«وأخرج مسلم، والترمذي، وابن المنذر، والحاكم، والبيهقي في سننه، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية: «قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي» «1».

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 38- 39.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 31

* وقال الزمخشري: «وروي أنّهم لمّا دعاهم إلي المباهلة قالوا:

حتّي نرجع وننظر، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب- وكان ذا رأيهم-: يا عبدالمسيح! ما تري

فقال: واللَّه لقد عرفتم- يا معشر النصاري أنّ محمّداً نبيّ مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللَّه ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لنهلكنّ، فإن أبيتم إلّاإلف دينكم والإقامة علي ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلي بلادكم.

فأتي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وقد غدا

محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا.

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصاري إنّي لأري وجوهاً لو شاء اللَّه أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقي علي وجه الأرض نصرانيّ إلي يوم القيامة.

فقالوا: يا أبا القاسم! رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك علي دينك ونثبت علي ديننا.

قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا.

قال: فإنّي أُناجزكم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 32

قالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك علي أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا، علي أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حُلّة، ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعاً عاديّة من حديد.

فصالحهم علي ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلّي علي أهل نجران، ولو لاعنوا لمُسخوا قردةً وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللَّه نجران وأهله حتي الطير علي رؤوس الشجر، ولما حال الحول علي النصاري كلّهم حتّي يهلكوا.

وعن عائشة رضي اللَّه عنها: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خرج وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ، ثمّ قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ».

فإن قلت: ما كان دعاؤه إلي المباهلة إلّالتبيين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه، فما معني ضمّ الأبناء والنساء؟

قلت: ذلك آكد في الدلالة علي ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ علي تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك، ولم يقتصر علي تعريض نفسه له؛ وعلي ثقته بكذب خصمه حتي يهلك خصمه مع أحبته

وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 33

وخص الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّي يقتل، ومن ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمّون الذادة عنها بأرواحهم حماة الظعائن.

وقدّمهم في الذِكر علي الأنفس لينبّه علي لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنّهم مقدّمون علي الأنفس مفدون بها.

وفيه دليل لا شي ء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.

وفيه برهان واضح علي نبوّة النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لأنّه لم يروِ أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلي ذلك» «1».

* وروي ابن الأثير حديث سعد في الخصال الثلاثة، بإسناده عن الترمذي «2».

وأرسله في تاريخه إرسال المسلَّم، قال: «وأمّا نصاري نجران فإنّهم أرسلوا العاقب والسيّد في نفرٍ إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وأرادوا مباهلته، فخرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ومعه عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فلمّا رأوهم قالوا: هذه

__________________________________________________

(1) الكشّاف 1/ 369- 370.

(2) أُسد الغابة في معرفة الصحابة 4/ 26.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 34

وجوه لو أقسمت علي اللَّه أن يزيل الجبال لأزالها، ولم يباهلوه، وصالحوه علي ألفي حُلّة، ثمن كلّ حلة أربعون درهماً، وعلي أن يضيفوا رسل رسول اللَّه. وجعل لهم ذمّة اللَّه تعالي وعهده ألّا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا، وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به» «1».

* وروي الحاكم الحسكاني بإسناده: «عن أبي إسحاق السبيعي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة بن اليمان، قال: جاء العاقب والسيّد- أُسقفا نجران- يدعوان النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إلي الملاعنة، فقال العاقب للسيّد: إن

لاعن بأصحابه فليس بنبيّ، وإن لاعن بأهل بيته فهو نبيّ.

فقام رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فدعا عليّاً فأقامه عن يمينه، ثمّ دعا الحسن فأقامه علي يساره، ثمّ دعا الحسين فأقامه عن يمين عليّ، ثمّ دعا فاطمة فأقامها خلفه.

فقال العاقب للسيّد: لا تلاعنه، إنّك إن لا عنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا، فقال رسول اللَّه: لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف» «2».

أقول:

وهذا نفس السند عند البخاري عن حذيفة، لكنّه حذف من الخبر ما يتعلّق ب «أهل البيت» ووضع مكانه فضيلةً ل «أبي عبيدة» وسيأتي في

__________________________________________________

(1) الكامل في التاريخ 2/ 293.

(2) شواهد التنزيل 1/ 126.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 35

الفصل اللّاحق، فانتظر!!

* وقال ابن كثير: «وقال أبو بكر ابن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا أحمد بن داود المكّي، حدّثنا بشر بن مهران، حدّثنا محمّد بن دينار، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن جابر، قال: …

فغدا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين … قال جابر: وفيهم نزلت …

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه … ثمّ قال: صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا.

قال: وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، مرسَلًا. وهذا أصحّ.

وقد روي عن ابن عبّاس والبراء نحو ذلك» «1».

ولكنّه- في (التاريخ)- ذكر أوّلًا حديث البخاري المبتور! ثمّ روي القصّة عن البيهقي، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبديشوع، عن أبيه، عن جدّه؛ وليس فيه ذكر لعليٍّ عليه السلام، كما سيأتي.

* وقال القاري بشرح الحديث: «عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية- أي المسمّاة بآية المباهلة- «نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» أوّلها فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ

مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا

__________________________________________________

(1) تفسير ابن كثير 1/ 319.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 36

وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليّاً؛ فنزّله منزلة نفسه لِما بينهما من القرابة والأخوة، وفاطمة، أي لأنّها أخصّ النساء من أقاربه، وحسناً وحسيناً؛ فنزّلهما منزلة ابنيه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، أي:

أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. رواه مسلم» «1».

كلمات حول السند: … ص: 36

ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمّة القوم في قطعيّة هذا الخبر:

قال الحاكم: «وقد تواترت الأخبار في التفاسير، عن عبداللَّه بن عبّاس وغيره، أنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أخذ يوم المباهلة بيد عليٍّ وحسن وحسين، وجعلوا فاطمة وراءهم، ثمّ قال:

هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا، فهلّموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللَّه علي الكاذبين» «2».

وقال الجصّاص: «إنّ رواة السِيَر ونقلة الأثر لم يختلفوا في أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أخذ بيد الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة رضي اللَّه عنهم، ودعا النصاري الّذين حاجّوه إلي المباهلة … » «3».

__________________________________________________

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5/ 589.

(2) معرفة علوم الحديث: 50.

(3) أحكام القرآن 2/ 16.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 37

وقال ابن العربي المالكي: «روي المفسّرون أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ناظر أهل نجران حتّي ظهر عليهم بالدليل والحجّة، فأبوا الانقياد والإسلام، فأنزل اللَّه هذه الآية، فدعا حينئذٍ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ دعا النصاري إلي المباهلة» «1».

وقال ابن طلحة الشافعي: «أمّا آية المباهلة، فقد نقل الرواة الثقات والنقلة الأثبات نزولها في حقِّ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين» «2».

واعترف القاضي الأيجي والشريف الجرجاني بدلالة الأخبار الصحيحة

والروايات الثابتة عند أهل النقل علي أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دعا عليّاً وفاطمة وابينهما فقط، وستأتي عبارتهما كاملةً في فصل الدلالة.

كتاب الصلح: … ص: 37

وجاء في غير واحدٍ من الكتب: أنّ عليّاً عليه السلام كتب لهم كتاباً بأمرٍ من النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «3» وذكر ابن شبّة والبلاذري وغيرهما نصّ الكتاب، ويظهر منهم أنّ القوم كانوا يحتفظون به، قال

__________________________________________________

(1) أحكام القرآن 1/ 115. ط السعادة بمصر، وفي الطبعة الموجودة عندي 1/ 360 لا يوجد اسم عليّ، فليتحقّق.

(2) مطالب السؤول: 7.

(3) ومن ذلك أيضاً: سنن البيهقي 10/ 120.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 38

البلاذري: «وقال يحيي بن آدم: وقد رأيت كتاباً في أيدي النجرانيّين كانت نسخته شبيهةً بهذه النسخة وفي أسفله: وكتب علي ابن أبي طالب» «1».

القربات يوم المباهلة: … ص: 38

وبما أنّ يوم المباهلة يوم أظهر اللَّه فيه حقيّة نبوّة رسوله علي النصاري وأبان فيه مقام علي وأهل البيت للعالمين، فهو من أعظم الأعياد الإسلامية، وأشرف أيام سرور المؤمنين، وكان من واجب كلّ فردٍ أن يقوم بشكر هذه النعمة بما أمكنه من مظاهر الشكر …

ومن هنا، فقد ذُكر هذا اليوم من مسار الشيعة، وهو اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة «2».

ووردت فيه أعمال وقربات، من الغُسل، والصوم، والصلاة، والدعاء … كما لا يخفي علي من يراجع كتب هذا الشأن «3».

__________________________________________________

(1) فتوح البلدان: 76- 77.

(2) مسار الشيعة- للشيخ للمفيد-: 41.

(3) مصباح المتهجّد: 758- 767، الإقبال بصالح الأعمال: 515.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 39

الفصل الثاني: محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة … ص: 39

اشارة

ولمّا كانت قضيّة المباهلة، ونزول الآية المباركة في أهل البيت دون غيرهم، من أسمي مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الدالّة علي إمامته بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فقد حاول بعض المتكلّمين من مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك، كما سنري بالتفصيل.

لكن هناك محاولاتٌ بالنسبة إلي أصل الخبر ومتنه، الأمر الذي يدلّ علي إذعان القوم بدلالة الحديث وبخوعهم بعدم الجدوي فيما يحاولونه من المناقشة فيها …

وتلك المحاولات هي:

1- الإخفاء والتعتيم علي أصل الخبر: … ص: 39

فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله!! مع ما فيه من الأدلّة علي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 40

النبوّة وظهور الدين الإسلامي علي سائر الأديان … أذكر منهم ابن هشام «1» وتبعه ابن سيّد الناس «2» وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود، وهي ملخّص عبارة الأوّل:

«ثمّ بعث رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر أو جُمادي الأُولي سنة عشر، إلي بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلي الإسلام قبل أن يقاتلهم، ثلاثاً، فإن استجابوا فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم.

فخرج خالد حتّي قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كلّ وجه ويدعون إلي الإسلام، ويقولون: أيّها الناس أسلموا تسلموا، فأسلم الناس ودخلوا في ما دعوا إليه، فأقام فيهم خالد يعلّمهم الإسلام، وكتب إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بذلك.

فكتب له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أن يقبِلَ ويقبِل معه وفدهم، فأقبل وأقبل معه وفدهم، منهم قيس بن الحصين ذي الغصّة … وأمّر عليهم قيس بن الحصين.

فرجعوا إلي قومهم في بقيّة من شوال أو في ذي القعدة، فلم

__________________________________________________

(1) السيرة النبوية لابن هشام 2/ 592.

(2) عيون الأثر في المغازي

والسير 2/ 244.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 41

يمكثوا إلّاأربعة أشهر حتّي توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم».

2- الإخفاء والتعتيم علي حديث المباهلة: … ص: 41

وهذا ما حاوله آخرون، منهم:

* البخاري- تحت عنوان: قصة أهل نجران، من كتاب المغازي-:

«حدّثني عبّاس بن الحسين، حدّثنا يحيي بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: جاء العاقب والسيّد- صاحبا نجران- إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، يريدان أن يلاعناه.

قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فواللَّه لئن كان نبيّاً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنّا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلًا أميناً ولا تبعث معنا إلّاأميناً، فقال: لأبعثنّ معكم رجلًا أميناً حق أمين.

فاستشرف له أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فقال: قُم يا أبا عبيدة بن الجرّاح، فلمّا قام، قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: هذا أمين هذه الأُمّة.

حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، قال:

سمعت أبا إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي اللَّه عنه قال: جاء أهل نجران إلي النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فقالوا: ابعث لنا رجلًا أميناً. فقال: لابعثنّ إليكم رجلًا أميناً حقَّ أمينٍ، فاستشرف له الناس،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 42

فبعث أبا عبيدة بن الجرّاح» «1».

أقول:

قد تقدّم حديث حذيفة بن اليمان، رواه القاضي الحسكاني بنفس السند … لكنّ البخاري لم يذكر سبب الملاعنة! ولا نزول الآية المباركة! ولا خروج النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام!

ولا يخفي التحريف في روايته، وعبارته مشوّشة جدّاً، يقول:

«جاء … يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل» فقد جاءا «يريدان

أن يلاعناه» فلابدّ وأن حدَثَ شي ء؟ «فقال أحدهما لصاحبه … »

فما الذي حَدَث؟!!

لقد أشار الحافظ ابن حجر في شرحه إلي نزول الآية وخروج النبيّ للملاعنة بأهل البيت عليهم السلام، لكنّها إشارة مقتضبة جدّاً!!

ثمّ قال: «قالا: إنّا نعطيك ما سألتنا» والنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم يسأل شيئاً، وإنّما دعاهما إلي الإسلام وما جاء به القرآن، فأبيا، فآذنهم بالحرب، فطلبا منه الصلح وإعطاء الجزية، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب عليّاً عليه السلام.

ثمّ إن البخاري- بعد أن حذف حديث المباهلة وأراد إخفاء فضل

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5/ 217. ط دار إحياء التراث العربي- بيروت.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 43

أهل الكساء- وضع فضيلةً لأبي عبيدة، بأنّهما قالا للنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «ابعث معنا رجلًا أميناً» فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح …

لكن في غير واحدٍ من الكتب أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أرسل إليهم عليّاً عليه السلام، وهذا ما نبّه عليه الحافظ وأراد رفع التعارض، فقال: «وقد ذكر ابن إسحاق أنّ النبيّ بعث عليّاً إلي أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم، وهذه القصّة غير قصّة أبي عبيدة، لأنّ أبا عبيدة توجّه معهم فقبض مال الصلح ورجع، وعلي أرسله النبيّ بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممّن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. واللَّه أعلم» «1».

قلت:

ولم أجد في روايات القصّة إلّاأنّهما «أقرّا بالجزية» والتزما بدفع ما تضمّنه الكتاب الذي كتبه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لهم، ومن ذلك: ألفا حُلّة «في كلّ رجبٍ ألف، وفي كلّ صفرٍ ألف» وهذه هي الجزية، وعليها جري أبو بكر وعمر، حتّي جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك! وكان ممّا كتب: «إنّي قد

وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حُلّة لوجه اللَّه»! «2».

ثمّ إنّ رجوعهما إلي قومهما كان في بقيّة من شوال أو

__________________________________________________

(1) فتح الباري- شرح صحيح البخاري- 8/ 77.

(2) فتوح البلدان: 77.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 44

ذي القعدة «1». فأين رجب؟! وأين صفر؟!

فما ذكره الحافظ- رفعاً للتعارض- ساقط.

ولعلّه من هنا لم تأتِ هذه الجملة في رواية مسلم، فقد روي الخبر عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، قال: «جاء أهل نجران إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه! ابعث إلينا رجلًا أميناً، فقال: لأبعثنّ إليكم أميناً … » «2».

ثمّ إنّه قد تعدّدت أحاديث القوم في «أمانة أبي عبيدة» حتّي أنّهم رووا بلفظ «أمين هذه الأُمّة أبو عبيدة»، وقد تكلّمنا علي هذه الأحاديث من الناحيتين- السند والدلالة- في كتابنا الكبير بالتفصيل «3».

* ابن سعد، فإنّه ذكر تحت عنوان «وفد نجران»: كتب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إلي أهل نجران، فخرج إليه وفدهم، أربعة عشر رجلًا من أشرافهم نصاري فيهم العاقب وهو عبدالمسيح …

ودعاهم إلي الإسلام، فأبوا، وكثر الكلام والحجاج بينهم، وتلا عليهم القرآن، وقال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلُم أُباهلكم، فانصرفوا علي ذلك.

__________________________________________________

(1) عيون الأثر 2/ 244، وغيره.

(2) صحيح مسلم 7/ 139.

(3) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 11/ 315- 338.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 45

فغدا عبدالمسيح ورجلان من ذوي رأيهم علي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فقال: قد بدا لنا أن لا نباهلك، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم علي …

وأَشهَدَ علي ذلك شهوداً، منهم: أبو سفيان بن حرب،

والأقرع ابن حابس، والمغيرة بن شعبة.

فرجعوا إلي بلادهم، فلم يلبث السيد والعاقب إلّايسيراً حتّي رجعا إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيّوب الأنصاري.

وأقام أهل نجران علي ما كتب لهم به النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم حتّي قبضه اللَّه … » «1».

ثم قال في خروج الأمراء والعمّال علي الصدقات: «وبعث عليّ بن أبي طالب إلي نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم» «2».

* وقال ابن الجوزي: «وفي سنة عشر من الهجرة أيضاً قدم العاقب والسيّد من نجران، وكتب لهم رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كتاب صلح» «3».

__________________________________________________

(1) الطبقات الكبري 1/ 357- 358.

(2) تاريخ الطبري 3/ 147.

(3) المنتظم في تاريخ الأُمم- حوادث السنة العاشرة- 4/ 3.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 46

* وقال ابن خلدون: «وفيها قدم وفد نجران النصاري في سبعين راكباً، يقدمهم أميرهم العاقب عبدالمسيح من كندة، وأُسقفهم أبو حارثة من بكر بن وائل والسيّد الأيهم، وجادلوا عن دينهم، فنزل صدر سورة آل عمران، وآية المباهلة، فأبوا منها، وفرقوا وسألوا الصلح، وكتب لهم به علي ألف حُلّة في صفر وألف في رجب، وعلي دروع ورماح وخيل وخمل ثلاثين من كلّ صنف، وطلبوا أن يبعث معهم والياً يحكم بينهم، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح، ثم جاء العاقب والسيّد وأسلما» «1».

3- الإخفاء والتعتيم علي اسم عليّ!! … ص: 46

وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم عليٍّ عليه السلام:

* فحذفوا اسمه من الحديث، كما في الرواية عن جدّ سلمة بن عبديشوع المتقدّمة.

* بل تصرّف بعضهم في حديث مسلم وأسقط منه اسم «عليّ» كما سيأتي عن «البحر المحيط»!!

* والبلاذري عنون في كتابه «صلح نجران» وذكر القصّة، فقال:

«فأنزل اللَّه تعالي «ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ

الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَ

__________________________________________________

(1) تاريخ ابن خلدون 4/ 836- 837.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 47

مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ- إلي قوله: الْكَاذِبِينَ» فقرأها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليهما، ثم دعاهما إلي المباهلة، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين، فقال أحدهما لصاحبه: اصعد الجبل ولا تباهله، فإنّك إن باهلته بؤت باللعنة.

قال: فما تري قال: أري أن نعطيه الخراج ولا نباهله … » «1».

* وابن القيّم اقتصر علي رواية جدّ سلمة، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره، قال: «وروينا عن أبي عبداللَّه الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبدالجبّار، عن يونس بن بكير، عن سلمة ابن عبديشوع، عن أبيه، عن جدّه، قال يونس- وكان نصرانياً فأسلم-: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم كتب إلي أهل نجران … » فحكي القصّة إلي أن قال:

«فلمّا أصبح رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الغد بعدما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملًا علي الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما في خميل له وفاطمة رضي اللَّه عنها تمشي عند ظهره للمباهلة، وله يومئذٍ عدّة نسوة … » «2».

* وكذا فعل ابن كثير في تاريخه … «3».

__________________________________________________

(1) فتوح البلدان: 75- 76.

(2) زاد المعاد في هدي خير العباد 3/ 39- 40.

(3) البداية والنهاية 5/ 53.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 48

* واختلف النقل عن الشعبي علي أشكال:

أحدها: روايته عن جابر بن عبداللَّه، وفيها نزول الآية في عليٍّ وفاطمة والحسنين.

والثاني: روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ!! رواه عنه جماعة، وعنهم السيّوطي، وقد تقدّم.

وجاء عند الطبري بعد الخبر عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن

الشعبي؛ وليس فيه ذكر عليٍّ: «حدّثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، قال:

فقلت للمغيرة: إنّ الناس يروون في حديث أهل نجران أنّ عليّاً كان معهم!

فقال: أمّا الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أُميّة في عليّ، أو لم يكن في الحديث» «1».

والثالث: روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ! وإضافة «وناس من أصحابه»!! وهو ما نذكره:

4- حذف اسم عليّ وزيادة «وناس من أصحابه»: … ص: 48

وهذا الخبر لم أجده إلّاعند ابن شبّة، عن الشعبي، حيث قال:

«حدّثنا أبو الوليد أحمد بن عبدالرحمن القرشي، قال: حدّثنا

__________________________________________________

(1) تفسير الطبري 3/ 211.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 49

الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا إبراهيم بن محمّد الفزاري، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، قال: قدم وفد نجران، فقالوا لرسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أخبرنا عن عيسي … قال: فأصبح رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وغدا حسن وحسين وفاطمة وناس من أصحابه، وغدوا إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فقالوا: ما للملاعنة جئناك، ولكن جئناك لتفرض علينا شيئاً نؤدّيه إليك … » «1».

فإذا كان المراد من «وغدا حسن … » أنهم خرجوا مع رسول اللَّه ليباهل بهم، فقد أخرج صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مع أهل بيته «ناساً من الصحابة»!!

وإذا كان قد خرج مع النبي «ناس من الصحابة» فلماذا لم يجعل الراوي عليّاً منهم في الأقل!!

لكنّ الشعبي- إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة عنه- معروف بنزعته الأُموية، ولعلّ في أحد الروايات التي نقلناها سابقاً عن تفسير الطبري- إشارة إلي ذلك … وقد كان الشعبي أمين آل مروان، وقاضي الكوفة في زمانهم، وكان نديماً لعبدالملك بن مروان مقرَّباً إليه، وكلّ ذلك وغيره مذكور بترجمته في الكتب فلتراجع.

__________________________________________________

(1) تاريخ المدينة المنوّرة

1/ 581- 582.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 50

5- التحريف بزيادة «عائشة وحفصة»: … ص: 50

وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي، قال: «وفي لفظٍ: أنّهم وادعوه علي الغد، فلمّا أصبح صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعليّ رضي اللَّه عنهم وقال: اللّهم هؤلاء أهلي …

وعن عمر رضي اللَّه عنه، أنّه قال للنبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: لو لاعنتهم يا رسول اللَّه بيد من كنت تأخذ؟ قال صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: آخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.

وهذا- أي زيادة عائشة وحفصة- دلّ عليه قوله تعالي «وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ» وصالحوه … » «1».

6- التحريف بحذف «فاطمة» وزيادة: «أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده»: … ص: 50

اشارة

وهذا لم أجده إلّاعند ابن عساكر، وبترجمة عثمان بالذات!! من تاريخه، قال:

«أخبرنا أبو عبداللَّه محمّد بن إبراهيم، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي، أنبأ أبو الحسن العتيقي، أنا أبو الحسن الدار قطني، نا

__________________________________________________

(1) إنسان العيون- السيرة الحلبية 3/ 236.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 51

أبو الحسين أحمد بن قاج، نا محمّد بن جرير الطبري- إملاءً علينا- نا سعيد بن عنبسة الرازي، نا الهيثم بن عديّ، قال: سمعت جعفر بن محمّد، عن أبيه في هذه الآية «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ». قال: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعليٍّ وولده» «1».

ورواه عنه: السيوطي «2» والشوكاني «3» والآلوسي «4» والمراغي «5» ساكتين عنه!! نعم قال الآلوسي: «وهذا خلاف ما رواه الجمهور».

أقول:

كانت تلك محاولات القوم في قبال حديث المباهلة، وتلاعباتهم في لفظه … بغضّ النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث ب «قيل» و «روي» ونحو ذلك ممّا يقصد منه الاستهانة به عادةً.

هذا، والأليق بنا ترك التكلّم علي هذه التحريفات- زيادةً ونقيصة- لوضوح كونها من أيدٍ أُموّية، تحاول كتم المناقب العلويّة، لعلمهم

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق- ترجمة عثمان بن

عفّان-: 168- 169.

(2) الدرّ المنثور 2/ 40.

(3) فتح القدير 1/ 348.

(4) روح المعاني 3/ 190.

(5) تفسير المراغي 4/ 175.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 52

بدلالتها علي مزايا تقتضي الأفضليّة، كما حاولت في (حديث الغدير) و (حديث المنزلة) ونحوهما.

وفي (حديث المباهلة) أرادوا كتم هذه المزيّة، ولو بترك ذِكر أصل القضيّة! أو بحذف اسم عليٍّ أو فاطمة الزكيّة، …

ولولا دلالة الحديث علي الأفضلية- كما سيأتي- لما زاد بعضهم «عائشة وحفصة» إلي جنب فاطمة!!

بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه المزية في أهل البيت عليهم السلام، فوضع علي لسان أحدهم- وهو الإمام الباقر، يرويه عنه الإمام الصادق- ما يدلّ علي كون المشايخ الثلاثة في مرتبة عليٍّ، وأنّ وُلدهم في مرتبة وُلده!!

وضعوه علي لسان الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ليروج علي البسطاء من الناس!!

وكم فعلوا من هذا القبيل علي لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام وأولادهم، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل «1»!

إنّ ما رواه ابن عساكر لم يخرّجه أحد من أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم، ولا يقاوم- بحسب قواعد القوم- ما أخرجه أحمد

__________________________________________________

(1) ذكرنا في بعض بحوثنا المنشورة نماذج من ذلك، ويا حبّذا لو تجمع وتُنشر في رسالة مفردة، واللَّه الموّفق.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 53

ومسلم والترمذي وغيرهم، ونصّ الحاكم علي تواتره، وغيره علي ثبوته.

بل إنّ هذا الحديث لم يعبأ به حتي مثل ابن تيميّة المتشبّث بكلّ حشيش!

إن هذا الحديث كذب محض، باطل سنداً ومتناً … ولنتكلّم علي اثنين من رجاله:

1- سعيد بن عنبسة الرازي: … ص: 53

ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها، وهو كذّاب، ذكره ابن أبي حاتم فقال: «سعيد بن عنبسة، أبو عثمان الخزّاز الرازي … سمع منه أبي ولم يحدّث عنه، وقال: فيه نظر.

حدّثنا عبدالرحمن،

قال: سمعت عليّ بن الحسين، قال: سمعت يحيي بن معين- وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي- فقال: لا أعرفه.

فقيل: إنّه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان، فقال: هذا كذّاب.

حدّثنا عبدالرحمن، قال: سمعت عليّ بن الحسين يقول: سعيد بن عنبسة كذّاب.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 54

2- الهيثم بن عدي: … ص: 54

وقد اتّفقوا علي أنّه كذّاب.

قال ابن أبي حاتم: «سُئل يحيي بن معين عن الهيثم بن عدّي، فقال:

كوفيّ وليس بثقة، كذّاب.

سألت أبي عنه، فقال: متروك الحديث» «1».

وأورده ابن حجر الحافظ في (لسانه) فذكر الكلمات فيه:

البخاري: ليس بثقة، كان يكذب.

يحيي بن معين: ليسس بثقة، كان يكذب.

أبو داود: كذّاب.

النسائي وغيره: متروك الحديث.

ابن المديني: لا أرضاه في شي ء.

أبو زرعة: ليس بشي ء.

العجلي: كذّاب.

الساجي: كان يكذب.

أحمد: صاحب أخبار وتدليس.

الحاكم والنقّاش: حدّث عن الثقات بأحاديث منكَرة.

__________________________________________________

(1) الجرح والتعديل 9/ 85.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 55

محمود بن غيلان: أسقطه أحمد ويحيي وأبو خيثمة.

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدار قطني في الضعفاء.

كذّب الحديث- لكون الهيثم فيه- جماعة كالطحاوي في «مشكل الحديث» والبيهقي في «السنن» والنقّاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات «1».

أقول:

هَب أنّ ابن عساكر روي هذا الخبر الموضوع في كتابه «تاريخ دمشق» فإنّ هذا الكتاب فيه موضوعات كثيرة، كما نصّ عليه ابن تيميّة «2» وغيره، فما بال السيوطي ومن تبعه يذكرونه بتفسير القرآن الكريم وبيان المراد من آيةٍ من كلام اللَّه الحكيم؟!!

__________________________________________________

(1) لسان الميزان 6/ 209.

(2) منهاج السنّة 7/ 40.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 56

الفصل الثالث: في دلالة آية المباهلة علي الإمامة … ص: 56

اشارة

«اعلم أنّ يوم مباهلة النبيّ صلوات اللَّه عليه وآله لنصاري نجران كان يوماً عظيم الشأن، اشتمل علي عدة آيات وكرامات.

فمن آياته: إنّه كان أول مقام فتَحَ اللَّه جلّ جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة في هذه الملّة الفاضلة عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته: إنّه أول يوم ظهرت للَّه جل جلاله ولرسوله صلوات اللَّه عليه وآله العزّة بإلزام أهل الكتاب من النصاري الذلّة والجزية، ودخولهم عند حكم نبوّته ومراداته.

ومن آياته: إنّه كان أوّل يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهية والقدرة النبويّة بمن كان يحتجّ

عليه بالمعقول والمنقول والمنكرين لمعجزاته.

ومن آياته: إنّه أوّل يوم أشرقت شموسه بنور التصديق لمحمّد

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 57

صلوات اللَّه عليه من جانب اللَّه جلّ جلاله بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر فيه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله تخصيص أهل بيته بعلوّ مقاماتهم.

ومن آياته: إنّه يوم كشف اللَّه جلّ جلاله لعباده أنّ الحسن والحسين عليهما أفضل السلام،- مع ما كانا عليه من صغر السنّ- أحقّ بالمباهلة من صحابة رسول اللَّه صلوات اللَّه عليه والمجاهدين في رسالاته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر اللَّه جلّ جلاله فيه أنّ ابنته المعظّمة فاطمة صلوات اللَّه عليها أرجح في مقام المباهلة من أتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته: إنّه يوم أظهر اللَّه جلّ جلاله فيه أنّ مولانا علي بن أبي طالب نفس رسول اللَّه صلوات اللَّه عليهما، وإنّه من معدن ذاته وصفاته، وأنّ مراده من مراداته، وإن افترقت الصورة فالمعني واحد في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته: إنّه يوم وَسِمَ كلّ من تأخّر عن مقام المباهلة بوَسمٍ يقتضي أنّه دون من قدِّم عليه في الاحتجاج للَّه عزّوجلّ ونشر علاماته.

ومن آياته: إنّه يوم لم يجرِ مثله قبل الإسلام في ما عرفنا من صحيح

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 58

النقل ورواياته.

ومن آياته: إنّه يوم أخرس ألسنة الدعوي وعرس في مجلس منطق الفتوي بأنّ أهل المباهلة أكرم علي اللَّه جلّ جلاله من كلّ مَن لم يصلح لِما صلحوا له من المتقربين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة يوم بيان برهان الصادقين، الّذين أمر اللَّه جلّ جلاله باتّباعهم في مقدّس قرآنه وآياته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة يوم شهد اللَّه جلّ جلاله لكلّ واحد

من أهل المباهلة بعصمته مدّة حياته.

ومن آياته: إنّ يوم المباهلة أقرب في تصديق صاحب النبوّة والرسالة من التحدّي بالقرآن، وأظهر في الدلالة، الّذين تحدّاهم صلوات اللَّه عليه بالقرآن قالوا: «لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا» «1»

، وإن كان قولهم في مقام البهتان. ويوم المباهلة ما أقدموا علي دعوي الجحود للعجز عن مباهلته لظهور حجّته وعلاماته.

ومن آياته: إنّه يوم أطفأ اللَّه به نار الحرب، وصان وجوه المسلمين من الجهاد والكرب، وخلّصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس، وعتقها من رقّ الغزو والبؤس لشرف أهل المباهلة

__________________________________________________

(1) سورة الأنفال: 8: 31.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 59

الموصوفين فيها بصفاته.

ومن آياته: إنّ البيان واللّسان والجَنان اعترفوا بالعجز عن كمال كراماته» «1».

واستدلّ علماء الإماميّة بآية المباهلة، وأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دعا إليها الإمام عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقط … علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

* استدلال الإمام الرضا عليه السلام: … ص: 59

اشارة

وأمّا وجه دلالة الآية علي الإمامة، فإنّ الإمامية أخذت ذلك من الإمام أبي الحسن عليّ الرضا عليه السلام، فقد قال الشريف المرتضي الموسوي طاب ثراه:

«حدّثني الشيخ- أدام اللَّه عزّه- أيضاً، قال: قال المأمون يوماً للرضا عليه السلام:

أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام يدلّ عليها القرآن.

قال: فقال له الرضا عليه السلام: فضيلته في المباهلة، قال اللَّه جلّ جلاله: «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ

__________________________________________________

(1) الإقبال بصالح الأعمال: 514.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 60

أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ».

فدعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الحسن والحسين فكانا ابنيه، ودعا فاطمة فكانت- في هذا الموضع- نساءه، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم اللَّه عزّوجلّ.

وقد ثبت أنّه ليس

أحد من خلق اللَّه سبحانه أجلّ من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بحكم اللَّه عزّوجلّ.

قال: فقال له المأمون: أليس قد ذكر اللَّه الأبناء بلفظ الجمع، وإنّما دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ابنيه خاصّة، وذكر النساء بلفظ الجمع، وإنّما دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ابنته وحدها. فلِمَ لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه ويكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره، فلا يكون لأمير المؤمنين عليه السلام ما ذكرت من الفضل؟!

قال: فقال له الرضا عليه السلام: ليس بصحيح ما ذكرت- يا أمير المؤمنين- وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره، كما يكون الآمر آمراً لغيره، ولا يصحّ أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة، وإذا لم يدعُ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم رجلًا في المباهلة إلّاأمير المؤمنين عليه السلام، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 61

اللَّه تعالي في كتابه، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.

قال: فقال المأمون: إذا ورد الجواب سقط السؤال» «1».

استدلال الشيخ المفيد … ص: 61

* وقال الشيخ المفيد- بعد أن ذكر القصّة-: «وفي قصّة أهل نجران بيانٌ عن فضل أمير المؤمنين عليه السلام، مع ما فيه من الآية للنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والمعجز الدّال علي نبوّته.

ألا تري إلي اعتراف النصاري له بالنبوّة، وقطعه عليه السلام علي امتناعهم من المباهلة، وعلمهم بأنّهم لو باهلوه لحلّ بهم العذاب، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجّة عليهم، وأنّ اللَّه تعالي حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّه

نفس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبيّ عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام، وأنّ اللَّه جلّ ذكره جعله وزوجته وولديه- مع تقارب سنّهما- حجّةً لنبيّه عليه وآله السلام وبرهاناً علي دينه، ونصّ علي الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه، وأنّ فاطمة عليها السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدعاء إلي المباهلة والاحتجاج؟!

__________________________________________________

(1) الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 38.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 62

وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأُمّة، ولاقاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه، وهو لاحق بما تقدّم من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، علي ما ذكرناه» «1».

* وهكذا استدلّ الشريف المرتضي حيث قال: «لا شبهة في دلالة آية المباهلة علي فضل من دُعي إليها وجعل حضوره حجّة علي المخالفين، واقتضائها تقدّمه علي غيره؛ لأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لا يجوز أن يدعو إلي ذلك المقام ليكون حجّةً فيه إلّامن هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة.

وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة، وأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير علي ذلك …

ونحن نعلم أنّ قوله «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لأنّه هو الدّاعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها، وإذا كان قوله تعالي «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» لابُدّ أن يكون إشارةً إلي غير الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وجب أن يكون إشارة

__________________________________________________

(1) الإرشاد في معرفة حجج اللَّه علي العباد 1/ 169.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 63

إلي أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم السلام في المباهلة» «1».

استدلال الشيخ الطوسي … ص: 63

* وقال الشيخ الطوسي: «أحد ما يستدلّ به علي فضله عليه السلام، قوله تعالي «قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ … » إلي آخر الآية.

ووجه الدلالة فيها: أنّه قد ثبت أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلي المباهلة، وأجمع أهل النقل والتفسير علي ذلك، ولا يجوز أن يدعو إلي ذلك المقام ليكون حجّةً إلّامن هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة، ونحن نعلم أنّ قوله: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» لا يجوز أن يعني بالمدعوّ فيه النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّه هو الداعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها.

وإذا كان قوله تعالي «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» لابُدّ أن يكون إشارةً إلي غير الرسول، وجب أن يكون إشارةً إلي أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم

__________________________________________________

(1) الشافي في الإمامة 2/ 254.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 64

السلام في المباهلة … » «1».

وقال بتفسير الآية: «واستدل أصحابنا بهذه الآية علي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أفضل الصحابة من وجهين:

أحدهما: إنّ موضوع المباهلة ليتميّز المحقّ من المبطل، وذلك لا يصحّ أن يفعل إلّابمن هو مأمون الباطن، مقطوعاً علي صحّة عقيدته، أفضل الناس عند اللَّه.

والثاني: إنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم جعله مثل نفسه بقوله:

«وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ … » «2».

استدلال الشيخ الإربلي … ص: 64

* وقال الإربلي: «ففي هذه القضية بيان لفضل عليًّ عليه السلام، وظهور معجز النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فإنّ النصاري علموا أنّهم متي باهلوه حلّ بهم العذاب، فقبلوا الصلح ودخلوا تحت الهدنة، وإنّ

اللَّه تعالي أبان أن عليّاً هو نفس رسول اللَّه كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في الكمال والعصمة من الآثام، وإن اللَّه جعله وزوجته وولديه- مع تقارب سنّهما- حجّةً لنبيّه

__________________________________________________

(1) تلخيص الشافي 3/ 6- 7.

(2) التبيان في تفسير القرآن 2/ 485.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 65

صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وبرهاناً علي دينه، ونصّ علي الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه، وأنّ فاطمة عليها السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدّعاء إلي المباهلة والاحتجاج؛ وهذا فضل لم يشاركهم فيه أحد من الأُمّة ولاقاربهم» «1».

استدلال الشيخ البياضي … ص: 65

* وقال البياضي: «ولأنّه مساوٍ للنبيّ الذي هو أفضل، في قوله «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» والمراد: المماثلة، لامتناع الاتَّحاد» «2».

استدلال النصير الدين الطوسي … ص: 65

* وقال المحقّق نصير الدين الطوسي- في أنّ عليّاً أفضل الصحابة-: «ولقوله تعالي «وَأَنفُسَنَا»».

* فقال العلّامة الحلّي بشرحه: «هذا هو الوجه الثالث الدالّ علي أنّه عليه السلام أفضل من غيره، وهو قوله تعالي «قُلْ تَعَالَوْاْ..».. واتّفق المفسّرون كافّة أنّ الأبناء إشارة إلي الحسن والحسين عليهما السلام والنساء إشارة إلي فاطمة عليها السلام، والأَنفس إشارة إلي عليٍّ عليه السلام.

ولا يمكن أن يقال: إنّ نفسهما واحدة؛ فلم يبق المراد من ذلك إلّا

__________________________________________________

(1) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة 1/ 233.

(2) الصراط المستقيم إلي مستحقّي التقديم 1/ 210.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 66

المساوي، ولا شكّ في أن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أفضل الناس، فمساويه كذلك أيضاً» «1».

استدلال العلامة الحلي … ص: 66

* وقال العلّامة الحلّي: «أجمع المفسّرون علي أن «أَبْنَاءنَا» إشارة إلي الحسن والحسين، و «أَنفُسَنَا» إشارة إلي عليٍّ عليه السلام.

فجعله اللَّه نفس محمّد صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والمراد المساواة، ومساوي الأكمل الأَولي بالتصرّف أكمل وأَولي بالتصرّف، وهذه الآية أدلّ دليلٍ علي علوّ رتبة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّه تعالي حكم بالمساواة لنفس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وأنّه تعالي عيّنه في استعانة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم في الدعاء.

وأيّ فضيلةٍ أعظم من أن يأمر اللَّه نبيّه بأن يستعين به علي الدعاء إليه والتوسّل به؟! ولمن حصلت هذه المرتبة؟!» «2».

أقول:

وعلي هذا الغرار كلمات غيرهم من علمائنا الكبار في مختلف الأعصار … فإنّهم استدلّوا علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بطائفتين

__________________________________________________

(1) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 304.

(2) نهج الحقّ وكشف الصدق: 177.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 67

من الأدلّة، الأُولي هي النصوص، والثانية هي الدالّة علي الأفضليّة، والأفضليّة مستلزمة

للإمامة، وهو المطلوب.

وخلاصة الاستدلال بالآية هو:

1- إنّ الآية المباركة نصّ في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّها تدلّ علي المساواة بين النبيّ وبينه عليه السلام، ومساوي الأكمل الأولي بالتصرّف، أكمل وأولي بالتصرّف.

2- إن قضية المباهلة وما كان من النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلم- قولًا وفعلًا- تدلّ علي أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك لوجوه منها:

أولًا: إنّ هذه القضيّة تدلّ علي أنّ عليّاً وفاطمة والحسنين عليهم السلام، أحبّ الناس إلي رسول اللَّه، والأحبيّة تستلزم الأفضلية.

قال البيضاوي: «أي يدع كلّ منّا ومنكم نفسه وأعزّة أهله وألصقهم بقلبه إلي المباهلة … » «1».

فقال الشهاب الخفاجي في حاشيته: «ألصقهم بقلبه، أي: أحبّهم وأقربهم إليه».

وقال: «قوله: وإنّما قدّمهم …، يعني: أنّهم أعزّ من نفسه، ولذا

__________________________________________________

(1) تفسير البيضاوي بحاشية الشهاب 3/ 32.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 68

يجعلها فداءً لهم، فلذا قدّم ذكرهم اهتماماً به. وأمّا فضل آل اللَّه والرسول فالنهار لا يحتاج الي دليل» «1».

وكذا قال الخطيب الشربيني «2»، والشيخ سليمان الجمل «3»، وغيرهما.

وقال القاري: «فنزّله بمنزلة نفسه لِما بينهما من القرابة والأخوّة» «4».

وثانياً: دلالة فعل النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلم، إذ باهل خصومه بعلي وفاطمة وحسن وحسين فقط، ولم يدع واحدةً من أزواجه، ولا واحداً من بني هاشم، ولا امرأةً من أقربائه … فضلًا عن أصحابه وقومه … فإنّه يدلّ علي عظمة الموقف، وجلالة شأن هؤلاء عند اللَّه دون غيرهم، إذ لو كان لأحدهم في المسلمين مطلقاً نظير، لم يكن لتخصيصهم بذلك وجه.

وثالثاً: دلالة قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لأهل البيت، لمّا أخرجهم للمباهلة: «إذا أنا دعوت فأمّنوا».

__________________________________________________

(1) حاشية الشهاب علي تفسير البيضاوي 3/ 32.

(2) السراج المنير في تفسير القرآن 1/ 222.

(3) الجمل علي الجلالين

1/ 282.

(4) المرقاة في شرح المشكاة 5/ 589.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 69

فقال أسقُفهم: «إنّي لأري وجوهاً لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلًا من جباله لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة» «1».

فإنّ ذلك يدلّ علي دخلٍ لهم في ثبوت نبوّته وصدق كلامه، وفي إذلال الخصوم وهلاكهم لو باهلوا …، فكان لهم الأثر الكبير والسهم الجزيل في نصرة الدين ورسول ربّ العالمين. ولا ريب أنّ من كان له هذا الشأن في مباهلة الأنبياء كان أفضل ممّن ليس له ذلك.

قال القاساني: «إنّ لمباهلة الأنبياء تأثيراً عظيماً سببه اتصال نفوسهم بروح القدس وتأييد اللَّه إيّاهم به، وهو المؤثر بإذن اللَّه في العالم العنصري، فيكون انفعال العالم العنصري منه كإنفعال بدننا من روحنا في الهيئات الواردة عليه، كالغضب، والحزن، والفكر في أحوال المعشوق، وغير ذلك من تحرّك الأعضاء عند حدوث الإرادات والعزائم، وانفعال النفوس البشريّة منه كانفعال حواسّنا وسائر قوانا من هيئات أرواحنا، فإذا اتّصل نَفس قُدسي به كان تأثيرها في العالم عند التوجّه الإتصالي تأثير ما يتّصل به، فتنفعل أجرام العناصر والنفوس الناقصة الإنسانية منه بما أراد.

__________________________________________________

(1) الكشّاف 1/ 369، تفسير الخازن 1/ 242، السراج المنير في تفسير القرآن 1/ 222، المراغي 3/ 175، وغيرهم ممّن تقدّم أو تأخّر.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 70

ألم تَر كيف انفعلت نفوس النصاري من نفسه عليه السلام بالخوف، وأحجمت عن المباهلة وطلبت الموادعة بقبول الجزية؟» «1».

أقول: فكان أهل البيت عليهم السلام شركاء مع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلم في هذا التأثير العظيم، وهذه مرتبة لم يبلغ عشر معشارها غيرهم من الأقرباء والأصحاب.

وعلي الجملة، فإنّ المباهلة تدلّ علي أفضليّة أمير

المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والأفضل هو المتعيّن للإمامة بالإتّفاق من المسلمين، كما اعترف به حتي مثل ابن تيميّة «2».

ونتيجة الإستدلال بالآية المباركة وما فعله النبي وقاله، هو أنّ اللَّه عزّوجلّ أمر رسوله بأن يسمّي عليّاً نفسه كي يبيّن للناس أنّ عليّاً هو الذي يتلوه ويقوم مقامه في الإمامة الكبري والولاية العامّة؛ لأن غير الواجد لهذه المناصب لا يأمر اللَّه رسوله بأن يسمّيه نفسه.

هذا، وفي الآية دلالة علي أنّ «الحسنين» ابنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وهذا ما نصّ عليه غير واحدٍ من أكابر القوم.

وقد جاء في الكتب أنّ عليّاً عليه السلام كان الكاتب لكتاب

__________________________________________________

(1) تفسير القاسمي 2/ 857.

(2) نصّ عليه في مواضع من منهاجه، انظر مثلًا: 6/ 475 و 8/ 228.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 71

الصلح «1» وأنّه توجّه بعد ذلك إلي نجران بأمر النبي لجمع الصّدقات ممن أسلم منهم وأخذ الجزية ممّن بقي منهم علي دينه «2».

ثمّ إنّ أصحابنا يعضّدون دلالة الآية الكريمة علي المساواة بعدّةٍ من الروايات:

كقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لبريدة بن الحصيب عندما شكا عليّاً عليه السلام: «يا بريدة! لا تبغض عليّاً فإنّه منّي وأنا منه» ولعموم المسلمين في تلك القصّة: «عليّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم من بعدي» «3».

وقوله، وقد سئل عن بعض أصحابه، فقيل: فعليّ؟! قال: «إنّما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي» «4».

وقوله: «خُلِقت أنا وعليّ من نورٍ واحد».

وقوله: «خُلِقت أنا وعليُّ من شجرةٍ واحدة» «5».

وقوله- في جواب قول جبرئيل في أحد: يا محمّد! إنّ هذه لهي

__________________________________________________

(1) سنن البيهقي 10/ 120، وغيره.

(2) شرح المواهب اللدنّية 4/ 43.

(3) هذا حديث الولاية، وقد بحثنا

عنه بالتفصيل سنداً ودلالةً في الجزء الخامس عشر من كتابنا الكبير «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».

(4) كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: 155.

(5) حديث النور، وحديث الشجرة، بحثنا عنهما بالتفصيل سنداً ودلالةً في الجزء الخامس من كتابنا الكبير «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 72

المواساة-: «يا جبرئيل، إنّه منّي وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما» «1».

أقول: وستأتي أحاديث أُخر فيما بعد، إن شاء اللَّه.

وممّا يُستَدل به أيضاً: قوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «فاطمة بضعة منّي … » حيث استدلَّ به غير واحدٍ من أئمّة القوم بأفضليّة فاطمة علي أبي بكر وعمر، لكونها بضعةً من النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، وهو أفضل منهما بالإجماع «2»، فإنّ عليّاً عليه السلام أفضل منها بالإجماع كذلك.

ثم إنّ غير واحدٍ من أعلام أهل السُنّة اعترف بدلالة القصّة علي فضيلةٍ فائقةٍ لأهل البيت عليهم السلام:

قال الزمخشري: «وفيه دليل لا شي ء أقوي منه علي فضل أصحاب الكساء عليهم السلام» «3».

وقال ابن روزبهان: «لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلَّمة، ولكن لا تصير دالةً علي النصّ بإمامته» «4».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 4/ 437، المستدرك علي الصحيحين 3/ 11، تاريخ الطبري 3/ 17، الكامل في التاريخ 2/ 63 ومصادر أُخري في التاريخ والحديث.

(2) فتح الباري 7/ 132، فيض القدير 4/ 421، المرقاة في شرح المشكاة 5/ 348.

(3) الكشّاف 1/ 370.

(4) إبطال الباطل- مع إحقاق الحق- 3/ 63.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 73

أقول: فلا أقلّ من الدلالة علي الأفضليّة؛ لأنّ هذه الفضيلة غير حاصلة لغيره، فهو أفضل الصحابة، والأفضليّة تستلزم الإمامة.

ومن هنا نري الفخر الرازي لا يقدح في

دلالة الآية علي أفضليّة عليٍّ علي سائر الصحابة، وإنّما يناقش الشيخ الحمصي في استدلاله بها علي أفضليته علي سائر الأنبياء، وسيأتي كلامه.

وتبعه النيسابوري وهذه عبارته: «أي: يَدعُ كلّ منّا ومنكم أبناءه ونساءه ويأت هو بنفسه وبمن هو كنفسه إلي المباهلة، وإنّما يعلم إتيانه بنفسه من قرينة ذكر النفس ومن إحضار من هم أعزّ من النفس، ويعلم إتيان من هو بمنزلة النفس من قرينة أن الإنسان لا يدعو نفسه. «ثُمَّ نَبْتَهِلْ»: ثمّ نتباهل …

وفي الآية دلالة علي أنّ الحسن والحسين- وهما ابنا البنت- يصحّ أن يقال: إنّهما ابنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لأنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعد أن يدعو أبناءه ثمّ جاء بهما.

وقد تمسّك الشيعة قديماً وحديثاً بها في أنّ عليّاً أفضل من سائر الصحابة؛ لأنّها دلّت علي أنّ نفس عليّ مثل نفس محمّد إلّافي ما خصّه الدليل.

وكان في الريّ رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي- وكان متكلّم الاثني عشرية- يزعم أنّ عليّاً أفضل من سائر الأنبياء سوي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 74

محمّد. قال: وذلك أنّه ليس المراد بقوله: «أَنفُسَنَا» نفس محمّد، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، فالمراد غيره، وأجمعوا علي أنّ الغير كان عليّ ابن أبي طالب …

وأُجيب: بأنّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين علي أنّ محمّداً أفضل من سائر الأنبياء فكذا انعقد الإجماع بينهم- قبل ظهور هذا الإنسان- علي أنّ النبيّ أفضل ممّن ليس بنبي، وأجمعوا علي أنّ عليّاً عليه السلام ما كان نبيّاً …

وأمّا فضل أصحاب الكساء، فلا شكّ في دلالة الآية علي ذلك، ولهذا ضمّهم إلي نفسه، بل قدّمهم في الذكر … » «1».

__________________________________________________

(1) تفسير النيسابوري- هامش الطبري 3/ 214- 215.

سلسلة

اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 75

الفصل الرابع: في دفع شبهات المخالفين … ص: 75

وتلخّص الكلام في الفصل السابق في أنّ الآية المباركة دالة علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، إن لم يكن بالنصّ فبالدلالة علي العصمة وعلي الأفضليّة للأحبية والأقربية وغيرهما من الوجوه … ولم يكن هناك أيّ مجالٍ للطعن في سند الحديث أو التلاعب بمتنه …

فلننظر في كلمات المخالفين في مرحلة الدلالة:

* أمّا إمام المعتزلة، فقد قال:

«دليل آخر لهم: وربّما تعلّقوا بآية المباهلة وأنّها لما نزلت جمع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأنّ ذلك يدلّ علي أنّه الأفضل، وذلك يقتضي أنّه بالإمامة أحقّ، ولابدّ من أن يكون هو المراد بقوله: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» الآية. لأنّه عليه السلام لا يدخل تحت قوله تعالي «نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 76

وَنِسَاءكُمْ» فيجب أن يكون داخلًا تحت قوله: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ»، ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلّاوهو يتلوه في الفضل.

وهذا مثل الأوّل في أنّه كلام في التفضيل، ونحن نبيّن أنّ الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن في المباهلة.

قال شيخنا أبو هاشم: إنّما خصّص صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من تقرّب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل، ودلّ علي ذلك بأنّه عليه السلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهما السلام مع صغرهما لِما اختصّا به من قرب النسب. وقوله: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» يدلّ علي هذا المعني لأنّه أراد قرب القرابة، كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم: أنّه من أنفسهم.

ولا ينكر أن يدلّ ذلك علي لطف محلّه من رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم وشدّة محبّته

له وفضله، وإنّما أنكرنا أن يدلّ ذلك علي أنّه الأفضل أو علي الإمامة … » «1».

__________________________________________________

(1) المغني في الإمامة: 20 القسم 1/ 142.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 77

أقول:

ويتلّخص هذا الكلام في أُمور:

الأوّل: إنّ الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.

وهذا- في الواقع- تسليم باستدلال الإمامية بالآية علي أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام، وكون الإمامة في من ليس بأفضل لم يرتضه حتّي مثل ابن تيميّة!

والثاني: إنّ عليّاً لم يكن في المباهلة.

وهذا أيضاً دليل علي تماميّة استدلال الإماميّة، وإلّا لم يلتجؤا إلي هذه الدعوي كما التجأ بعضهم- كالفخر الرازي- في الجواب عن حديث الغدير، بأنّ عليّاً لم يكن في حجّة الوداع!

والثالث: إنّه لم يكن القصدُ إلي الإبانة عن الفضل، بل أراد قرب القرابة.

وهذا باطلّ، لأنّه لو أراد ذلك فقط، لأخرج غيرهم من أقربائه كالعبّاس، وهذا ما تنبّه إليه ابن تيميّة فأجاب بأنّ العبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين، فاعترف- من حيث يدري أو لا يدري- بالحقّ.

هذا، ولا يخفي أنّ معتمد الأشاعرة في المناقشة هو هذا الوجه الأخير، وبهذا يظهر أنّ القوم عيال علي المعتزلة، وكم له من نظير!!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 78

* وقال ابن تيميّة «1»:

«أمّا أخذه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة، فحديث صحيح، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقّاص. قال في حديث طويل: «لمّا نزلت هذه الآية: «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي».

ولكن لا دلالة في ذلك علي الإمامة ولا علي الأفضليّة.

وقوله:: (قد جعل اللَّه نفس رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والاتّحاد محال، فبقي المساواة له،

وله الولاية العامّة، فكذا لمساويه).

قلنا: لا نسلّم أنّه لم يبق إلّاالمساواة، ولا دليل علي ذلك، بل حمله علي ذلك ممتنع؛ لأنّ أحداً لا يساوي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لا عليّاً ولا غيره.

وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة، قال تعالي في قصّة الإفك: «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً» وقد قال في قصّة بني إسرائيل: «فَتُوبُواْ إِلَي بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ» أي: يقتل بعضكم بعضاً، ولم يوجب ذلك أن يكونوا

__________________________________________________

(1) أوردنا كلامه بطوله، ليظهر أنّ غيره تبع له ولئلّا يظن ظان أنا تركنا منه شيئاً له تأثير في البحث!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 79

متساوين، ولا أن يكون مَن عبدالعجل مساوياً لمن لم يعبده.

وكذلك قد قيل في قوله: «وَلَا تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ» أي: لا يقتل بعضكم بعضاً، وإن كانوا غير متساوين.

وقال تعالي «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ» أي: لا يلمز بعضكم بعضاً فيطعن عليه ويعيبه، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعضٍ هذا الطعن، مع أنّهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة، ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم.

ومن هذا الباب قوله تعالي «ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ» أي:

يقتل بعضكم بعضاً.

وإذا كان اللفظ في قوله: «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» كاللفظ في قوله:

«وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ».. «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً» ونحو ذلك، مع أنّ التساوي هنا ليس بواجب، بل ممتنع، فكذلك هناك وأشدّ.

بل هذا اللفظ يدلّ علي المجانسة والمشابهة، والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأُمور، كالاشتراك في الإيمان، فالمؤمنون إخوة في الإيمان، وهو المراد بقوله: «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً» وقوله: «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ».

وقد يكون بالاشتراك في

الدين، وإن كان فيهم المنافق، كاشتراك

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 80

المسلمين في الإسلام الظاهر، وإن كان مع ذلك الإشتراك في النسب فهو أوكد، وقوم موسي كانوا «أَنفُسَنَا» بهذا الاعتبار.

قوله تعالي «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» أي: رجالنا ورجالكم، أي: الرجال الّذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والرجال الّذين هم من جنسكم، والمراد التجانس في القرابة فقط؛ لأنّه قال: «أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ» فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال، فعُلم أنّه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث من الأولاد والعصبة؛ ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء، ودعا فاطمة من النساء، ودعا عليّاً من رجاله، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسباً من هؤلاء، وهم الّذين أدار عليهم الكساء.

والمباهلة إنّما تحصل بالأقربين إليه، وإلّا فلو باهل بالأبعدين في النسب وإن كانوا أفضل عند اللَّه لم يحصل المقصود، فإنّ المراد أنّهم يدعون الأقربين كما يدعو هو الأقرب إليه.

والنفوس تحنو علي أقاربها ما لا تحنو علي غيرهم، وكانوا يعلمون أنه رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، ويعلمون أنّهم إن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلي أقاربهم، واجتمع خوفهم علي أنفسهم وعلي أقاربهم، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم وإلّا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في نعمةٍ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 81

ومال، وهذا موجود كثير، فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين، فلهذا دعا هؤلاء.

وآية المباهلة نزلت سنة عشر، لمّا قدم وفد نجران، ولم يكن النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قد بقي من أعمامه إلّاالعبّاس، والعبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين، ولا كان له به اختصاص كعليٍّ.

وأمّا

بنو عمّه، فلم يكن فيهم مثل عليٍّ، وكان جعفر قد قُتل قبل ذلك، فإنّ المباهلة كانت لمّا قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر، وجعفر قُتل بمؤتة سنة ثمان، فتعيّن عليّ رضي اللَّه عنه.

وكونه تعيّن للمباهلة إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه، لا يوجب أن يكون مساوياً للنبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في شي ء من الأشياء، بل ولا أن يكون أفضل من سائر الصحابة مطلقاً، بل له بالمباهلة نوع فضيلة، وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين، ليست من خصائص الإمامة، فإنّ خصائص الإمامة لا تثبت للنساء، ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة.

وأما قول الرافضيّ: لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء، لأمره تعالي بأخذهم معه؛ لأنّه في موضع الحاجة.

فيقال في الجواب: لم يكن المقصود إجابة الدعاء، فإنّ دعاء النبيّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 82

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وحده كافٍ، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه لدعا المؤمنين كلّهم ودعا بهم، كما كان يستسقي بهم وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، وكان يقول: وهل تُنصرون أو تُرزقون إلّابضعفائكم؟! بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم!

ومن المعلوم أنّ هؤلاء وإن كانوا مجابين، فكثرة الدعاء أبلغ في الإجابة، لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل!

ونحن نعلم بالاضطرار أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا أعظم الناس استجابةً لأمره، وكان دعاء هؤلاء

وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاء، لكن لم يأمره اللَّه سبحانه بأخذهم معه، لأنّ ذلك لا يحصل به المقصود.

فإنّ المقصود أن أُولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الّذين هم أقرب الناس إليهم، فلو دعا النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قوماً أجانب لأتي أولئك بأجانب، ولم يكن يشتدّ عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب، كما يشتدّ عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فإن طبع البشر يخاف علي أقربيه ما لا يخاف علي الأجانب، فأمر النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أن يدعو قرابته وأن يدعو أولئك قرابتهم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 83

والناس عند المقابلة تقول كلّ طائفة للُاخري ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت إحدي الطائفتين أجنبيّاً لم يرض أُولئك، كما أنّه لو دعا النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الأجانب لم يرض أُولئك المقابلون له، ولا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند اللَّه إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله.

فقد تبيّن أنّ الآية لا دلالة فيها أصلًا علي مطلوب الرافضي.

لكنّه- وأمثاله ممّن في قلبه زيغ- كالنصاري الّذين يتعلّقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة، ثمّ قدحه في خيار الأُمّة بزعمه الكاذب، حيث زعم أنّ المُراد بالأنفس المساوون، وهو خلاف المستعمل في لغة العرب.

وممّا يبيّن ذلك أنّ قوله: «نِسَاءنَا» لا يختصّ بفاطمة، بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلّافاطمة، فإنّ رقيّة وأم كلثوم وزينب كنّ قد توفّين قبل ذلك.

فكذلك «أَنفُسَنَا» ليس مختصّاً بعليٍّ، بل هذه صيغة جمع، كما أنّ «نِسَاءنَا» صيغة جمع، وكذلك «أَبْنَاءنَا» صيغة جمع، وإنّما دعا حسناً وحسيناً لأنّه لم يكن ممن يُنسب إليه بالبنوّة سواهما، فإنّ إبراهيم إن كان

موجوداً إذ ذاك فهو طفل لا يُدعي فإنّ إبراهيم هو ابن مارية القبطيّة التي أهداها له المقوقس صاحب مصر، وأهدي له البغلة ومارية وسيرين،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 84

فأعطي سيرين لحسّان بن ثابت، وتسرّي مارية فولدت له إبراهيم، وعاش بضعة عشر شهراً ومات، فقال النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم:

إنّ له مرضعاً في الجنّة تتمّ رضاعته، وكان إهداء المقوقس بعد الحديبيّة بل بعد حنين» «1».

أقول:

كان هذا نص كلام ابن تيميّة في مسألة المباهلة، وقد جاء فيه:

1- الاعتراف بصحّة الحديث.

وفيه ردُّ علي المشكّكين في صحّته وثبوته عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

2- الاعتراف باختصاص القضية بالأربعة الأطهار.

وفيه ردّ علي المنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام، المحرّفين للحديث بنقص «عليٍّ» منهم أو زيادة غيرهم عليهم!!

3- الاعتراف بأنّهم هم الّذين أدار عليهم الكساء.

وفيه ردُّ علي من زعم دخول غيرهم في آية التطهير، بل فيه دلالة علي تناقض ابن تيميّة، لزعمه- في موضع من منهاجه- دخول الأزواج أخذاً بالسياق.

4- الاعتراف بأنّ في المباهلة نوع فضيلةٍ لعليٍّ.

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 122- 130.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 85

وفيه ردّ علي من يحاول إنكار ذلك.

ثمّ إنّ ابن تيميّة ينكر دلالة الحديث علي الإمامة مطلقاً، بكلامٍ مضطرب مشتمل علي التهافت، وعلي جوابٍ- قال الدّهلوي عنه: - هو من كلام النواصب!!

* فأوّل شي ء قاله هو: إنّ أحداً لا يساوي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

ونحن أيضاً نقول: إنّ أحداً لا يساويه لولا الآية والأحاديث القطعيّة الواردة عنه، كقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «عليّ منّي وأنا من عليّ، وهو وليّكم بعدي» «1» وقوله- في قصّة سورة البراءة-: «لا يؤدّي عنّي إلّاأنا أو رجل منّي»

«2».

وقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- لوفد ثقيف-: «لُتُسْلِمنّ أو لأبعثنّ عليكم رجلًا منّي- أو قال: مثل نفسي- ليضربنَّ أعناقكم وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم» قال عمر: فواللَّه ما تمنّيت الإمارة إلّا

__________________________________________________

(1) هذا حديث الولاية، وهو من أصحّ الأحاديث وأثبتها، وقد بحثنا عنه سنداً ودلالةً في الجزء الخامس عشر من أجزاء كتابنا الكبير «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».

(2) وهذا أيضاً من أصحّ الأحاديث وأثبتها، راجع: مسند أحمد 1/ 3، 151، وصحيح الترمذي، والخصائص للنسائي، والمستدرك علي الصحيحين، وراجع التفاسير في سورة البراءة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 86

يومئذٍ، فجعلت أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفت إلي عليٍّ فأخذ بيده وقال: «هو هذا هو هذا» «1».

وقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم منزّلًا إيّاه منزلة نفسه: «إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» فاستشرف له أبو بكر وعمر وغيرهما، كلّ يقول: أنا هو؟ قال: لا؛ ثمّ قال: «ولكن خاصف النعل» وكان قد أعطي عليّاً نعله يخصفها «2».

إلي غير ذلك من الأحاديث.

فإذا كان هذا قول اللَّه وكلام الرسول، فماذا نفعل نحن؟!

* ثمّ إنّه أنكر دلالة لفظ «الأنفس» علي «المساواة» في لغة العرب، فقال بأنّ المراد منه في الآية هو من يتّصل بالقرابة، واستشهد لذلك بآياتٍ من القرآن.

لكن ماذا يقول ابن تيميّة في الآيات التي وقع فيها المقابلة بين:

«النفس» و «الأقرباء» كما في قوله تعالي «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً» «3»

وقوله: «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ» «4»

__________________________________________________

(1) راجع: الاستيعاب 3/ 1109، ترجمة أمير المؤمنين.

(2) أخرجه أحمد 3/ 33، والحاكم 3/ 122، والنسائي في الخصائص، وابن عبدالبر وابن حجر وابن الأثير بترجمته. وكذا غيرهم.

(3) سورة التحريم 66: 6.

(4) سورة الزمر 39:

15، وسورة الشوري 42: 45.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 87

فكذلك آية المباهلة.

غير أنّ «النفس» في الآيتين المذكورتين مستعملة في نفس الإنسان علي وجه الحقيقة، أمّا في آية المباهلة فهي مستعملة- لتعذّر الحقيقة- علي وجه المجاز لمن نُزِّل بمنزلة النفس، وهو عليّ عليه السلام، للحديث القطعي الوارد في القضيّة.

* ثمّ إنّه أكّد كون أخذ الأربعة الأطهار عليهم السلام لمجرّد القرابة بإنكار الإستعانة بهم في الدعاء، فقال: «لم يكن المقصود إجابة الدعاء، فإنّ دعاء النبيّ وحده كافٍ»!

لكنّه اجتهاد في مقابلة النصّ، فقد روي القوم أنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال لهم: «إذا أنا دعوت فأمّنوا» «1»، وأنّه قد عرف أُسقف نجران ذلك حيث قال: «إنّي لأري وجوهاً لو شاء اللَّه أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها» أو: «لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلًا من مكانه لأزاله بها» «2».

* ثمّ قال ابن تيميّة: «لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل … فإنّ المقصود أنّ أُولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً كأبنائهم ونسائهم ورجالهم … ».

وهذا كلام النواصب … كما نصّ عليه الدهلوي في عبارته الآتية.

__________________________________________________

(1)

تقدّم ذكر بعض مصادره.

(2) الكشّاف، الرازي، البيضاوي وغيرهم، بتفسير الآية.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 88

وحاصل كلامه: أنّه إنّما دعاهم لكونهم أقرباءه فقط، علي ما كان عليه المتعارف في المباهلة، فلا مزيّة لمن دعاه أبداً، فلا دلالة في الآية علي مطلوب الشيعة أصلًا، لكنّهم كالنصاري … !!

لكنّه يعلم بوجود الكثيرين من أقربائه- من الرجال والنساء- وعلي رأسهم عمّه العبّاس، فلو كان التعبير بالنفس لمجرّد القرابة لدعا العبّاس وأولاده وغيرهم من بني هاشم!

فيناقض نفسه ويرجع إلي الاعتراف بمزيّةٍ لمن دعاهم، وأنّ المقام ليس

مقام مجرّد القرابة … !! انظر إلي كلامه:

«ولم يكن النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قد بقي من أعمامه إلّا العبّاس، والعبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين، ولا كان له به اختصاص كعليٍّ، وأما بنو عمّه فلم يكن فيهم مثل عليٍّ … فتعيّن عليّ رضي اللَّه عنه.

وكونه تعيّن للمباهلة إذ ليس في الأقارب ممن يقوم مقامه لا يوجب … بل له بالمباهلة نوع فضيلة … ».

إذن!! لابُدّ في المباهلة من أن يكون المباهل به صاحب مقامٍ يمتاز به عن غيره، ويقدّمه علي من سواه، وقد ثبت ذلك لعليٍّ عليه السلام بحيث ناسب أن يأمر اللَّه رسوله بأن يعبّر عنه لأجله بأنّه نفسه، وهذا هو المقصود من الاستدلال بالآية المباركة، وبه يثبت المطلوب.

فانظر كيف اضطربت كلمات الرجل وناقض نفسه!!

* غير أنّه بعد الإعتراف بالفضيلة تأبي نفسه السكوت عليها، وإذ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 89

لا يمكنه دعوي مشاركة زيد وعمر وبكر … !! معه فيها كما زعم ذلك في غير موضعٍ من كتابه فيقول:

«وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين … ».

وهكذا قال- في موضعٍ من كتابه- حول آية التطهير لمّا لم يجد بُدّاً من الإعتراف باختصاصها بأهل البيت …

لكنّه غفل أو تغافل أنّ هذه المشاركة لا تضّر باستدلال الشيعة بل تنفع، إذ تكون الآية من جملة الدلائل القطعيّة علي أفضليّة بضعة النبيّ فاطمة وولديه الحسنين عليهم السلام من سائر الصحابة عدا أمير المؤمنين عليه السلام- كما دلّ علي ذلك حديث: «فاطمة بضعة منّي … » وقد بيّنا ذلك سابقاً- فعليّ هو الإمام بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بالآية المباركة والحديث القطعي الوارد في شأن نزولها.

* وقال أبو حيّان:

««نَدْعُ أَبْنَاءنَا

وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ».

أي: يدع كلٌ منّي ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلي المباهلة. وظاهر هذا أنّ الدعاء والمباهلة بين المخاطب ب (قل) وبين من حاجّه. وفُسّر علي هذا الوجه الأبناء بالحسن والحسين، والنساء بفاطمة، والأنفس بعليٍّ. قاله الشعبي. ويدلّ علي أنّ ذلك مختصُّ بالنبيّ مع من حاجّه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» دعا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 90

[وآله وسلّم فاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.

وقال قوم: المباهلة كانت عليه وعلي المسلمين، بدليل ظاهر قوله «نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ» علي الجمع، ولمّا دعاهم دعا بأهله الذين في حوزته، ولو عزم نصاري نجران علي المباهلة وجاؤا لها لأمر النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم المسلمين أن يخرجوا بأهاليهم لمباهلته.

وقيل: المراد ب «أَنفُسَنَا» الإخوان. قاله ابن قتيبة. قال تعالي

«وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ» أي: إخوانكم.

وقيل: أهل دينه. قاله أبو سليمان الدمشقي.

وقيل: الأزواج.

وقيل: أراد القرابة القريبة. ذكرهما علي بن أحمد النيسابوري.

… قال أبو بكر الرازي: وفي الآية دليل علي أنّ الحسن والحسين ابنا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

وقال أبو أحمد ابن علّان: كانا إذ ذاك مكلَّفين، لأنّ المباهلة عنده لا تصحّ إلّامن مكلّف.

وقد طوّل المفسّرون بما رووا في قصّة المباهلة، ومضمنها: أنّه دعاهم إلي المباهلة وخرج بالحسن والحسين وفاطمة وعليٍّ إلي الميعاد، وأنّهم كفّوا عن ذلك ورضوا بالإقامة علي دينهم، وأن يؤدّوا الجزية، وأخبرهم أحبارهم أنّهم إن باهلوا عُذّبوا وأخبر هو صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنّهم إن باهلوا عذّبوا، وفي ترك النصاري الملاعنة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص:

91

لعلمهم بنبوّته شاهد عظيم علي صحّة نبوّته.

قال الزمخشري: فإن قلت … » «1».

أقول:

لعلّ تقديمه حديث مسلم عن سعدٍ في أنّ المراد من «أَنفُسَنَا» هو عليٌّ عليه السلام … يدلّ علي ارتضائه لهذا المعني … لكنّ الحديث جاء في الكتاب محرّفاً بحذف «عليّ»!!

وليته لم يذكر الأقاويل الأُخري فإنّها هواجس نفسانية وإلقاءات شيطانيّة، لا يجوز إيرادها بتفسير الآيات القرآنيّة.

لكن يظهر منه الإعتماد علي هذه الأقوال!! حين ينفي بها الإجماع علي أنّ المُراد من «أَنفُسَنَا» هو عليّ عليه السلام، ليبطل استدلال الشيخ الحمصي بالآية علي أفضليّة الإمام علي سائر الأنبياء.

* وقال القاضي الإيجي وشارحه الجرجاني:

ولهم- أي للشيعة ومن وافقهم- فيه أي- في بيان أفضلية علي- مسلكان:

الأوّل: ما يدلّ عليه- أي علي كونه أفضل- إجمالًا، وهو وجوه:

الأوّل: آية المباهلة، وهي قوله تعالي «تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ». وجه الإحتجاج: إنّ قوله تعالي

__________________________________________________

(1) البحر المحيط 2/ 479- 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 92

«أَنفُسَنَا» لم يرد به نفس النبيّ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد به عليّ، دلّت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل إنّه عليه السلام دعا عليّاً إلي ذلك المقام، وليس نفس عليٍّ نفس محمّد حقيقة، فالمراد المساواة في الفضل والكمال، فترك العمل به في فضيلة النبوة وبقي حجةً في الباقي، فيساوي النبيّ في كلّ فضيلةٍ سوي النبوّة، فيكون أفضل من الأُمة.

وقد يمنع: إن المراد ب «أَنفُسَنَا» عليٌّ وحده، بل جميع قراباته وخدمه النازلون عرفاً منزلة نفسه عليه السلام داخلون فيه، تدلّ عليه صيغة الجمع» «1».

أقول:

لا يخفي اعترافهما بدلالة الآية علي الأفضليّة، وبكون عليٍّ في المباهلة، «دلّت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل» وبدلالة «أَنفُسَنَا» علي

«المساواة».

غير انّهما زعما دخول غيره معه في ذلك، لكنّهما قالا: «وقد يمنع» وكأنّهما ملتفتان إلي بطلان ما زعماه، خصوصاً كون المراد «خدمه» بالاضافة إلي «جميع قراباته»، فإنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم يُخرِج معه حتي عمّه، فكيف يكون المراد «جميع قراباته وخدمه»؟!!

__________________________________________________

(1) شرح المواقف 8/ 367.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 93

* وقال ابن روزبهان:

«كان عادة أرباب المباهلة أن يجمعوا أهل بيتهم وقراباتهم لتشمل البهلة سائر أصحابهم، فجمع رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أولاده ونساءه، والمراد بالأنفس هاهنا: الرجال، كأنّه أمر بأن يجمع نساءه وأولاده ورجال أهل بيته، فكان النساء فاطمة والأولاد الحسن والحسين والرجال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم وعليّ.

وأمّا دعوي المساواة التي ذكرها فهي باطلة قطعاً، وبطلانها من ضروريات الدين، لأن غير النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من الأُمّة لا يساوي النبيّ أصلًا، ومن ادّعي هذا فهو خارج عن الدين، وكيف يمكن المساواة والنبيّ نبي مرسل خاتم الأنبياء أفضل أُولي العزم، وهذه الصفات كلّها مفقودة في عليٍّ. نعم، لأمير المؤمنين عليّ في هذه الآية فضيلة عظيمة وهي مسلّمة، ولكن لا تصير دالّةً علي النصّ بإمامته» «1».

أقول:

وفي كلامه مطالب ثلاثة:

الأوّل: إنّ ما صنعه النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم إنّما كان جرياً علي عادة أرباب المباهلة …

وهذا كلام النواصب في الجواب عن هذه الآية، كما نصَّ عليه

__________________________________________________

(1) إبطال الباطل. راجع: إحقاق الحق 3/ 62.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 94

صاحب «التحفة الاثنا عشرية»، ويرد عليه ما تقدّم من أنّه لو كان كذلك فلماذا لم يخرج العبّاس وبنيه وأمثالهم من الأقرباء؟ لكنّ فعل النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم دليل علي

أنّ للمقام خصوصيةً ولمن دعاهم مراتب عند اللَّه تعالي وليس جرياً علي عادة العرب في مباهلة البعض مع البعض.

والثاني: إنّ غير النبيّ من الأُمّة لا يساوي النبيّ أصلًا.

وقد تقدّم الجواب عنه عند الكلام مع ابن تيميّة.

والثالث: إنّ لأمير المؤمنين في هذه الآية فضيلة عظيمة، وهي مسلّمة.

قلت: هي للأربعة كلّهم لكنّ عليّاً أفضلهم، فهو الإمام بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

قوله: لكن لا تصير دالّة علي النصّ بإمامته.

قلت: إنّ الآية تدلّ علي المساواة بينه وبين النبيّ في الكمالات الذاتيّة، ولا أقلّ من كونها دالّةً علي فضيلة عظيمة- باعترافه- غير حاصلة لخصومه، فهو الأفضل، فهو الإمام دون غيره بعد رسول اللَّه.

* وقال عبدالعزيز الدهلوي ما تعريبه:

«ومنها آية المباهلة، وطريق تمسّك الشيعة بهذه الآية هو أنّه لمّا نزلت «فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ..» خرج رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من بيته ومعه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 95

عليّ وفاطمة وحسن وحسين، فالمراد من «أَبْنَاءنَا» الحسن والحسين، ومن «أَنفُسَنَا» الأمير، وإذا صار نفس الرسول- وظاهرٌ أنّ المعني الحقيقي لكونه نفسه محال- فالمراد هو المساوي، ومَن كان مساوياً لنبيّ عصره كان بالضرورة أفضل وأَولي بالتصرّف من غيره؛ لأنّ المساوي للأفضل الأَولي بالتصرّف، أفضلُ وأَولي بالتصرّف، فيكون إماماً، إذ لا معني للإمام إلّاالأفضل الأَولي بالتصرّف.

هذا بيان وجه الإستدلال، ولا يخفي أنّه بهذا التقريب غير موجود في كلام أكثر علماء الشيعة، فلهذه الرسالة الحقّ عليهم من جهة تقريرها وتهذيبها لأكثر أدلّتهم، ومن شكّ في ذلك فلينظر إلي كتبهم ليجد كلماتهم متشتتة مضطربة قاصرة عن إفادة مقصدهم.

وهذه الآية في الأصل من جملة دلائل أهل السُنّة في مقابلة النواصب، وذلك لأنّ أخذ

النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم الأمير وأُولئك الأجلّة معه، وتخصيصهم بذلك دون غيرهم يحتاج إلي مرجّح، وهو لا يخلو عن أمرين:

فإمّا لكونم أعزّةً عليه، وحينئذٍ يكون إخراجهم للمباهلة- وفيها بحسب الظاهر خطر المهلكة- موجباً لقوّة وثوق المخالفين بصدق نبوّته وصحّة ما يخبر به عن عيسي وخلقته، إذ العاقل ما لم يكن جازماً بصدق دعواه لا يعرّض أعزّته إلي الهلاك والاستئصال.

وهذا الوجه مختار أكثر أهل السنّة والشيعة، وهو الذي ارتضاه

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 96

عبداللَّه المشهدي في إظهار الحقّ، فدلّت الآية علي كون هؤلاء الأشخاص أعزّةً علي رسول اللَّه، والأنبياء مبرّأون عن الحبّ والبغض النفسانيّين، فليس ذلك إلّالدينهم وتقواهم وصلاحهم، فبطل مذهب النواصب القائلين بخلاف ذلك.

وإما لكي يشاركونه في الدعاء علي كفّار نجران، ويعينونه بالتأمين علي دعائه عليهم فيستجاب بسرعة، كما يقول أكثر الشيعة وذكره عبداللَّه المشهدي أيضاً، فتدلّ الآية- بناءً عليه كذلك- علي علوّ مرتبتهم في الدّين وثبوت استجابة دعائهم عند اللَّه.

وفي هذا أيضاً ردّ علي النواصب.

وقد قدح النواصب في كلا الوجهين وقالوا: بأنّ إخراجهم لم يكن لشي ءٍ منهما، وإنّما كان لإلزام الخصم بما هو مسلّم الثبوت عنده، إذ كان مسلَّماً عند المخالفين- وهم الكفّار- أنّ البهلة لا تعتبر إلّابحضور الأولاد والختن والحلف علي هلاكهم، فلذا أخرج النبيّ أولاده وصهره معه ليلزمهم بذلك.

وظاهر أنّ الأقارب والأولاد- كيفما كانوا- يكونون أعزّةً علي الإنسان في اعتقاد الناس وإن لم يكونوا كذلك عند الإنسان نفسه، يدلّ علي ذلك أنّه لو كان هذا النوع من المباهلة حقّاً عنده صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم لكان سائغاً في الشريعة، والحال أنّه ممنوع فيها. فظهر أن ما صنعه إنّما كان إسكاتاً للخصم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

آيةالمباهلة، ص: 97

وعلي هذا القياس يسقط الوجه الثاني أيضاً، فإنّ هلاك وفد نجران لم يكن من أهمّ المهمّات، فقد مرّت عليه حوادث كانت أشدّ وأشقّ عليه من هذه القضيّة، ولم يستعن في شي ء منها في الدعاء بهؤلاء، علي أنّ من المتّفق عليه استجابة دعاء النبي في مقابلته مع الكفّار، وإلّا يلزم تكذيبه ونقض الغرض من بعثته.

فهذا كلام النواصب، وقد أبطله- بفضل اللَّه تعالي أهل السُنّة بما لا مزيد عليه كما هو مقرّر في محلّه، ولا نتعرّض له خوفاً من الإطالة.

وعلي الجملة، فإنّ آية المباهلة هي في الأصل ردّ علي النواصب، لكنّ الشيعة يتمسّكون بها في مقابلة أهل السُنّة، وفي تمسّكهم بها وجوه من الإشكال:

أمّا أوّلًا: فلأنّا لا نسلّم أن المُراد «بأَنفُسَنَا» هو الأمير، بل المراد نفسه الشريفة، وقول علمائهم في إبطال هذا الاحتمال بأنّ الشخص لا يدعو نفسه غير مسموع، إذ قد شاع وذاع في القديم والحديث «دعته نفسه إلي كذا» و «دعوت نفسي إلي كذا» «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ» و «أمرت نفسي» و «شاورت نفسي» إلي غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة الواقعة في كلام البلغاء. فيكون حاصل «نَدْعُ أَنفُسَنَا»:

نحضر أنفسنا.

وأيضاً: فلو قررّنا الأمير من قبل النبيّ مصداقاً لقوله «أَنفُسَنَا» فمَن نقرّره مِن قبل الكفّار مع أنّهم مشتركون في صيغة «نَدْعُ». إذ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 98

لا معني لدعوة النبيّ إيّاهم وأبناءهم بعد قوله: «تَعَالَوْاْ».

فظهر أنّ الأمير داخل في «أَبْنَاءنَا» - كما أنّ الحسنين غير داخلين في الأبناء حقيقةً وكان دخولهما حُكماً- لأنّ العرف يعدّ الختن ابناً، من غير ريبةٍ في ذلك.

وأيضاً: فقد جاء لفظ النفس بمعني القريب والشريك في الدين والملّة، ومن ذلك قوله تعالي «يخرجون أنفسهم من ديارهم»

أي: أهل دينهم.. «وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ».. «لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً». فلمّا كان للأمير اتّصال بالنبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في النسب والقرابة والمصاهرة واتّحاد في الدين والملّة، وقد كثرت معاشرته والأُلفة معه حتي قال: «عليّ منّي وأنا من عليّ» كان التعبير عنه بالنفس غير بعيد، فلا تلزم المساواة كما لا تلزم في الآيات المذكورة.

وأمّا ثانياً: فلو كان المراد مساواته في جميع الصفات، يلزم الاشتراك في النبوّة والخاتميّة والبعثة إلي كافّة الخلق، والاختصاص بزيادة النكاح فوق الأربع، والدرجة الرفيعة في القيامة، والشفاعة الكبري والمقام المحمود، ونزول الوحي، وغير ذلك من الأحكام المختصّة بالنبيّ، وهو باطل بالإجماع.

ولو كان المراد المساواة في البعض، لم يحصل الغرض، لأنّ المساواة في بعض صفات الأفضل والأَولي بالتصرّف لا تجعل صاحبها

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 99

أفضل وأَولي بالتصرّف، وهو ظاهراً جداً.

وأيضاً: فإنّ الآية لو دلّت علي إمامة الأمير، لزم كونه إماماً في زمن النبيّ وهو باطل بالاتّفاق، فإن قيّد بوقتٍ دون وقت- مع أنّه لا دليل عليه في اللفظ- لم يكن مفيداً للمدّعي لأن أهل السُنّة أيضاً يثبتون إمامته في وقت من الأوقات» «1».

أقول:

وفي كلامه مطالب:

1- دعوي أنّ التقريب الذي ذكره للاستدلال بالآية غير وارد في أكثر كتب الشيعة، قال: «وكذلك الأدلّة الأُخري غالباً، … ».

وأنت تري كذب هذه الدعوي بمراجعتك لوجه الاستدلال في بحثنا هذا، إذ تجد العبارة مذكورة في كتب أصحابنا إمّا باللفظ وإمّا بما يؤدّي معناه؛ فلا نطيل.

2- نسبة المناقشة في دلالة الآية المباركة. بما ذكره إلي النواصب، وأنّ أهل السُنّة يدافعون عن أهل البيت في قبال أُولئك …

وقد وجدنا ما عزاه إلي النواصب في كلام ابن تيمية وابن روزبهان،

في ردّهما علي العلّامة الحلّي، فالحمد للَّه الذي كشف عن حقيقة حالهم

__________________________________________________

(1) التحفة الاثنا عشرية: 206- 207. وقد ذكرنا كلامه بطوله لئلّا يظنّ ظانّ أنا أسقطنا منه شيئاً ممّا له دخل في البحث مع الشيعة حول الآية المباركة.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 100

بما أجراه علي لسانهم …

3- عدم التسليم بأنّ المراد من «أَنفُسَنَا» هو «عليّ» بل المعني

«نحضر أنفسنا»، واستشهد- في الردّ علي قول الإمامية بأنّ الشخص لا يدعو نفسه- بعبارات شائعة في كلام العرب في القديم والحديث كما قال.

ونحن لا نناقشه في المعاني المجازيّة لتلك العبارات، ونكتفي بالقول- مضافاً إلي اعتراف غير واحد من أئمّة القوم بأنّ الإنسان الداعي إنّما يدعو غيره لا نفسه «1» - بأنّ الأحاديث القطعيّة عند الفريقين دلّت علي أنّ المراد من «وَأَنفُسَنَا» هو عليّ عليه السلام، فما ذكره يرجع في الحقيقة إلي عدم التسليم بتلك الأحاديث وتكذيب رواتها ومخرّجيها، وهذا ما لا يمكنه الالتزام به.

4- إدخال عليٍّ عليه السلام في «أَبْنَاءنَا»..!!

وفيه: أنّه مخالفٌ للنصوص.

ولا يخفي أنّه محاولة لإخراج الآية عن الدلالة علي كون عليٍّ نفس النبيّ، لعلمه بالدلالة حينئذٍ علي المساواة، وإلّا فإدخاله في «أَبْنَاءنَا» أيضاً اعترافٌ بأفضليّته!!

واستشهاده بالآيات مردود بما عرفت في الكلام مع ابن تيميّة.

__________________________________________________

(1)

لاحظ: شيخ زادة علي البيضاوي 1/ 634.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 101

علي أنّه اعترف بحديث «عليّ منّي وأنا من عليّ» وهو ممّا لا يعترف به ابن تيميّة وسائر النواصب.

5- ردّه علي المساواة بأنّه: إن كان المراد المساواة في جميع الصفات، يلزم المساواة بين عليٍّ والنبيّ في النبوّة والرسالة والخاتميّة والبعثة إلي الخلق كافة ونزول الوحي … وإن كان المراد المساواة في بعض الصفات فلا يفيد المدّعي …

قلنا: المراد

هو الأوّل، إلّاالنبوّة، والأُمور التي ذكرها من الخاتميّة والبعثة … كلّها من شؤون النبّوة …

فالآية دالة علي حصول جميع الكمالات الموجودة في النبي في شخص عليٍّ، عدا النبوّة، وقد جاء في الحديث عنه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أنّه قال لعليّ: «يا عليّ! ما سألتُ اللَّه شيئاً إلّاسألتُ لك مثله، ولا سألت اللَّه شيئاً إلّاأعطانيه، غير إنّه قيل لي: أنّه لا نبيّ بعدك» «1».

6- وبذلك يظهر أنّه عليه السلام كان واجداً لحقيقة الإمامة- وهو وجوب الطاعة المطلقة، والأولوّية التامّة بالنسبة للأمّة- في حياة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، إلّاأنّه كان تابعاً للنبيّ مطيعاً له إطاعةً وانقياداً لم يحدّثنا التاريخ به عن غيره علي الإطلاق.

فسقط قوله أخيراً: «فإنّ الآية لو دلّت علي إمامة الأمير … ».

__________________________________________________

(1) أخرجه جماعة، منهم النسائي في الخصائص: ح 146 و ح 147.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 102

* والآلوسي:

انتحل كلام الدهلوي، بلا زيادةٍ أو نقصان، كبعض الموارد الأُخري وجوابه جوابه، فلا نكرّر.

* وقال الشيخ محمّد عبده:

«إنّ الروايات متّفقة علي أن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم اختار للمباهلة عليّاً وفاطمة وولديها، ويحملون كلمة «نِسَاءنَا» علي فاطمة، وكلمة «أَنفُسَنَا» علي عليٍّ فقط.

ومصادر هذه الروايات الشيعة، ومقصدهم منها معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّي راجت علي كثيرٍ من أهل السُنّة، ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها علي الآية، فإنّ كلمة «نِسَاءنَا» لا يقولها العربي ويريد بها بنته، لا سيّما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم، وأبعد من ذلك أنّ يراد ب «أَنفُسَنَا» عليّ- عليه الرضوان-.

ثمّ إنّ وفد نجران الّذين قالوا إنّ الآية نزلت فيهم لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم» «1».

أقول:

وفي هذا الكلام إقرارٌ، وادعاءٌ، ومناقشة

عن عناد.

أمّا الإقرار، فقوله: «إنّ الروايات متّفقة … » فالحمد للَّه علي أن بلغت

__________________________________________________

(1) تفسير المنار 3/ 322.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 103

الروايات في القضيّة من الكثرة والقوّة حدّاً لا يجد مثل هذا الرجل بُدّاً من أن يعترف بالواقع والحقيقة.

لكنّه لمّا رأي أنّ هذا الإقرار يستلزم الإلتزام بنتيجة الآية المباركة والروايات الواردة فيها، وهذا ما لا تطيقه نفسه!! عاد فزعم أمراً لا يرتضيه عاقل فضلًا عن فاضل!

أمّا الادّعاء، فقال: «مصادر هذه الروايات الشيعة … وقد اجتهدوا في ترويجها..».

لكنّه يعلم- كغيره- بكذب هذه الدعوي فمصادر هذه الروايات القطعيّة- وقد عرفت بعضها- ليست شيعيّة. لما كانت دلالتها واضحة «والمقصد منها معروف»، عمد إلي المناقشة بحسب اللغة، وزعم أنّ العربي لا يتكلّم هكذا.

وما قاله محض استبعاد ولا وجه له إلّاالعناد! لأنّا لا نحتمل أن يكون هذا الرجل جاهلًا بأنّ لفظ «النساء» يطلق علي غير الأزواج كما في القرآن الكريم وغيره، أو يكون جاهلًا بأنّ أحداً لم يدّع استعمال اللفظ المذكور في خصوص «فاطمة» وأنّ أحداً لم يدّع استعمال «أَنفُسَنَا» في «عليٍّ» عليه السلام.

إنّ هذا الرجل يعلم بأنّ الروايات صحيحة وواردة من طرق القوم أنفسهم، والاستدلال قائم علي أساسها، إذ أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم جعل عليّاً فقط المصداق ل «أَنفُسَنَا» وفاطمة فقط المصداق

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 104

ل «نِسَاءنَا» وقد كان له أقرباء كثيرون وأصحاب لا يحصون … كما كان له أزواج عدّة، والنساء في عشيرته وقومه كثرة.

فلابُدّ أن يكون ذلك مقتضياً لتفضيل عليٍّ عليه السلام علي غيره من أفراد الأُمّة، وهذا هو المقصود.

تكميل:

وأمّا تفضيله- بالآية- علي سائر الأنبياء عليهم السلام- كما عن الشيخ محمود بن الحسن الحمصي- فهذا

هو الذي انتقده الفخر الرازي، وتبعه النيسابوري، وأبو حيّان الأندلسي:

* قال الرازي- بعد أن ذكر موجز القصّة، ودلالة الآية علي أنّ الحسنين إبنا رسول اللَّه-:

«كان في الريّ رجل يقال له: محمود بن الحسن الحمصي، وكان معلّم الاثني عشرية «1» وكان يزعم أنّ عليّاً رضي اللَّه عنه أفضل من جميع الأنبياء سوي محمّد عليه السلام، قال: والذي يدلّ عليه قوله تعالي «وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» وليس المراد بقوله «وَأَنفُسَنَا» نفس محمّد صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد

__________________________________________________

(1) وهو صاحب كتاب «المنقذ من التقليد»، وفي بعض المصادر أن الفخر الرازي قرأعليه، توفّي في أوائل القرن السابع، كما في ترجمته بمقدّمة كتابه المذكور، طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة- قم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 105

به غيره، واجمعوا علي أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فدلّت الآية علي أنّ نفس عليٍّ هي نفس محمّد، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أنّ هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حقّ النبوّة وفي حقّ الفضل، لقيام الدلائل علي أنّ محمّداً عليه السلام كان نبيّاً وما كان عليّ كذلك، ولانعقاد الإجماع علي أنّ محمّداً عليه السلام كان أفضل من عليٍّ، فيبقي فيما وراءه معمولًا به.

ثمّ الإجماع دلّ علي أنّ محمّداً عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام، فيلزم أن يكون عليّ أفضل من سائر الأنبياء.

فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية.

ثمّ قال: ويؤيّد الاستدلال بهذه الآية: الحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله عليه السلام: من أراد

أن يري آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلّته، وموسي في هيبته، وعيسي في صفوته، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب.

فالحديث دلّ علي أنّه اجتمع فيه ما كان متفرّقاً فيهم، وذلك يدلّ علي أن عليّاً رضي اللَّه عنه أفضل من جميع الأنبياء سوي محمّد صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

وأمّا سائر الشيعة، فقد كانوا- قديماً وحديثاً- يستدلّون بهذه الآية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 106

علي أنّ عليّاً رضي اللَّه عنه مثل نفس محمّد عليه السلام إلّافي ما خصّه الدليل، وكان نفس محمّد أفضل من الصحابة، فوجب أن يكون نفس عليّ أفضل من سائر الصحابة.

هذا تقرير كلام الشيعة.

والجواب: إنّه كما انعقد الإجماع بين المسلمين علي أنّ محمّداً عليه السلام أفضل من عليٍّ، فكذلك انعقد الإجماع بينهم- قبل ظهور هذا الإنسان- علي أنّ النبيّ أفضل ممّن ليس بنبيّ، وأجمعوا علي أنّ عليّاً ما كان نبيّاً، فلزم القطع بأنّ ظاهر الآية كما أنّه مخصوص في حق محمّد صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، فكذلك مخصوص في حقّ سائر الأنبياء عليهم السلام». انتهي «1».

* وكذا قال النيسابوري، وهو ملخّص كلام الرازي، علي عادته، وقد تقدّم نصّ ما قال.

* وقال أبو حيّان، بعد أن ذكر كلام الزمخشري في الآية المباركة:

«ومن أغرب الاستدلال ما استدلّ به محمّد «2» بن علي الحمصي … » فذكر الاستدلال، ثمّ قال: «وأجاب الرازي: بأنّ الإجماع منعقد علي أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أفضل ممّن ليس بنبّي، وعلي لم يكن نبيّاً،

__________________________________________________

(1) تفسير الرازي 8/ 81.

(2) كذا، والصحيح: محمود.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 107

فلزم القطع بأنّه مخصوص في حقّ جميع الأنبياء».

قال: «وقال الرازي: استدلال الحمصي فاسد من وجوه:

منها قوله:

(إنّ الإنسان لا يدعو نفسه) بل يجوز للإنسان أن يدعو نفسه، تقول العرب: دعوت نفسي إلي كذا فلم تجبني. وهذا يسميّه أبو علي بالتجريد.

ومنها قوله: (وأجمعوا علي أنّ الذي هو غيره هو عليّ) ليس بصحيح، بدليل الأقوال التي سيقت في المعنيّ بقوله: «وَأَنفُسَنَا».

ومنها قوله: (فيكون نفسه مثل نفسه) ولا يلزم المماثلة أن تكون في جميع الأشياء، بل تكفي المماثلة في شي ءٍ ما، هذا الذي عليه أهل اللغة، لا الذي يقوله المتكلّمون من أنّ المماثلة تكون في جميع صفات النفس، هذا اصطلاح منهم لا لغة، فعلي هذا تكفي المماثلة في صفةٍ واحدة، وهي كونه من بني هاشم، والعرب تقول: هذا من أنفسنا، أي: من قبيلتنا.

وأمّا الحديث الذي استدلّ به فموضوع لا أصل له» «1».

أقول:

ويبدو أنّ الرازي هنا وكذا النيسابوري أكثر إنصافاً للحقّ من أبي حيّان؛ لأنّهما لم يناقشا أصلًا في دلالة الآية المباركة والحديث

__________________________________________________

(1) البحر المحيط 2/ 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 108

القطعي علي أفضليّة عليٍّ عليه السلام علي سائر الصحابة.

أمّا في الاستدلال بها علي أفضليّته علي سائر الأنبياء فلم يناقشا بشي ء من مقدّماته، إلّاأنّهما أجابا بدعوي الإجماع من جميع المسلمين- قبل ظهور الشيخ الحمصي- علي أنّ الأنبياء أفضل من غيرهم.

وحينئذٍ يكفي في ردّهما نفي هذا الإجماع، فإنّ الإماميّة- قبل الشيخ الحمصي وبعده- قائلون بأفضليّة عليّ والأئمة من ولده، علي جميع الأنبياء عدا نبيّنا صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ويستدلّون لذلك بوجوهٍ من الكتاب والسُنّة، أمّا من الكتاب فالآية المباركة، وأمّا من السُنّة فالحديث الذي ذكره الحمصي …

وقد عرفت أنّ الرازي والنيسابوري لم يناقشا فيهما.

ومن متقدّمي الإماميّة القائلين بأفضليّة أمير المؤمنين علي سائر الأنبياء هو: الشيخ المفيد، المتوفّي سنة 413، وله في ذلك

رسالة، استدلّ فيها بآية المباهلة، واستهلّ كلامه بقوله: «فاستدلّ به من حكم لأمير المؤمنين صلوات اللَّه وسلامه عليه بأنّه أفضل من سالف الأنبياء عليهم السلام وكافّة الناس سوي نبيٍّ الهدي محمّد عليه وآله السلام بأن قال … »

وهو صريح في أنّ هذا قول المتقدّمين عليه «1».

__________________________________________________

(1) تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام علي سائر الصحابة. رسالة مطبوعة في المجلّد السابع من موسوعة مصنّفات الشيخ المفيد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 109

فظهر سقوط جواب الرازي ومن تبعه.

لكنّ أبا حيّان نسب إلي الرازي القول بفساد استدلال الحمصي من وجوه- ولعلّه نقل هذا من بعض مصنّفات الرازي غير التفسير- فذكر ثلاثة وجوه:

أمّا الأوّل: فبطلانه ظاهر من غضون بحثنا، علي أنّ الرازي قررّه ولم يشكل عليه، فإن كان ما ذكره أبو حيّان من الرازي حقّاً فقد ناقض نفسه.

وأمّا الثاني: فكذلك، لأنها أقوال لا يعبأ بها، إذ الموجود في صحيح مسلم، وجامع الترمذي، وخصائص النسائي، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم … وغيرها … أنّ الذي هو غيره هو عليّ لا سواه … وهذا هو القول المتّفق عليه بين العامّة والخاصّة، وهم قد ادّعوا الإجماع- من السلف والخلف- علي أن صحيحي البخاري ومسلم أصحّ الكتب بعد القرآن، ومنهم من ذهب إلي أن صحيح مسلم هو الأصحّ منهما.

وأمّا الثالث: فيكفي في الردّ عليه ما ذكره الرازي في تقرير كلام الشيعة في الاستدلال بالآية المباركة، حيث قال: «وذلك يقتضي الاستواء من جميع الوجوه … » فإن كان ما ذكره أبو حيّان من الرازي حقّاً فقد ناقض نفسه.

علي أنّه إذا كان «تكفي المماثلة في صفةٍ واحدة، وهي كونه من بني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، آيةالمباهلة، ص: 110

هاشم» فلماذا التخصيص بعليٍّ منهم دون غيره؟!

بقي حكمه

بوضع الحديث الذي استدلّ به الحمصي، وهذا حكم لا يصدر إلآّ من جاهل بالأحاديث والآثار، أو من معاند متعصّب؛ لأنّه حديث متفق عليه بين المسلمين، ومن رواته من أهل السُنّة:

عبدالرزاق بن همّام، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه، والبيهقي، وأبو نعيم، والمحبّ الطبري، وابن الصبّاغ المالكي، وابن المغازلي الشافعي … «1».

هذا تمام الكلام علي آية المباهلة. وباللَّه التوفيق.

__________________________________________________

(1) وقد بحثنا عن أسانيده وأوضحنا وجوه دلالاته في الجزء التاسع عشر من كتابنا الكبير «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.