أجلي البرهان

اشارة

عنوان و نام پديدآور : اجلي البرهان /علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1429ق=1387.

مشخصات ظاهري : 135ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 13

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1289506

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 7

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين، والصّلاة والسلام علي سيدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين.

وبعد

فقد ألّف الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بالعلّامة، المتوفي سنة 726 كتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة)، فمنَّ اللَّه عزوجلّ عليّ بشرحه وخرج منه حتي الآن ثلاث مجلدات بالإضافة إلي مدخلٍ تحت عنوان (دراسات في منهاج السنّة لابن تيمية).

وألَّف العلّامة أيضاً كتاب (نهج الحق وكشف الصدق) وهو من خيرة الكتب المصنفة في اصول الدين، فمنَّ اللَّه كذلك عليَّ بوضع كتابٍ درست فيه كتاب فضل اللَّه ابن

روزبهان الشيرازي من علماء

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 8

القرن التاسع «1» الذي وضعه في الردّ عليه، وأسماه ب (إبطال نهج الباطل)، إذ قرأته من أوّله إلي آخره، لأتعرّف علي عقائد هذا الرجل ونفسيّته، ولأجل المقارنة بينه وبين العلّامة الحليّ والمحاكمة بين كتابيهما، فجاءت تلك الدراسات في فصول طبعت في مقدمة كتاب (دلائل الصدق لنهج الحق) «2»، تحت عنوان (أجلي البرهان في نقد كتاب ابن روزبهان) فأقول وباللَّه التوفيق:

__________________________________________________

(1) توجد ترجمته في كتابه: الضوء اللّامع لأهل القرن التاسع 6/ 171.

(2) تأليف آية اللَّه الشيخ محمّد حسن المظفّر المتوفي سنة 1375، الطبعة الحديثة، بتحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 9

الفصل الأول: السبُّ والشتم … ص: 9

لقد سوّد الفضل ابن روزبهان صفحات كتابه بسبّ وشتم العلّامة الحلّي والشيعة الإماميّة عامّةً، بما لا يُسمع عادةً إلّامن الجهلة الأرذال والسوقة الأنذال.

ومن الواضح أن مثل هذه العبارات تدلّ- مضافاً إلي دلالتها علي عدم الورع والتقوي، وعلي سوء الأدب والأخلاق- علي بطلان عقيدة الشخص وعجزه عن الدفاع عنها.

ونحن نورد ما تفوّه به هذا الرجل:

«ثمّ ما ذكر … من المبالغات والتقعقعات الشنيعة، والكلمات الهائلة المرعدة المبرقة، التي يميل بها خواطر القلندرية والعوامّ إلي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 10

مذهبه الباطل، ورأيه الكاسد الفاسد» «1».

«هذا غاية الجهل والتعصّب، وهو رجلّ يريد ترويج طامّاته ليعتقده القلندرية والأوباش ورعاع الحلّة من الرفضة والمبتدعة» «2».

«هذا الرجل الطامّاتي الذي يصنّف الكتاب ويردّ علي أهل الحقّ، ويبالغ في إنكار العلماء والأولياء، طلباً لرضا السلطان محمّد خدابنده، ليعطيه إدراراً ويفيض عليه مدراراً» «3».

«هذا غاية التعصّب والخروج عن قواعد الإسلام، نعوذ باللَّه من عقائده الفاسدة الكاسدة» «4».

«هذا غاية الجهل والعناد والخروج عن قاعدة البحث، بحيث لو

نسب هذا الكلام إلي العوامّ استنكفوا منه» «5».

«والطامّات والخرافات التي يريد أن يميل بها خواطر السفهة إلي مذهبه غير ملتفت إليها» «6».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 171.

(2) دلائل الصدق 1/ 218.

(3) دلائل الصدق 1/ 246.

(4) دلائل الصدق 1/ 247.

(5) دلائل الصدق 1/ 276.

(6) دلائل الصدق 1/ 307.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 11

«إنّ الرجل كودَن طامّاتي متعصّب، فتعصّب لنفسه لا للَّه ورسوله، والعجب أنّه كان لا يأمل أن العقلاء ربّما ينظرون في هذا الكتاب فيفتضح عندهم! ما أجهله من رجل متعصّب! نعوذ باللَّه من شرّ الشيطان وشركه» «1».

«وهذه الطامّات المميلة لقلوب العوامّ لا تنفع ذلك الرجل، وكلّ ما بثّه من الطامّات افتراء» «2».

«ولا عجب من هذه الشيعة، فإنّ الكذب والافتراء طبيعتهم وبه خلقت غريزتهم» «3».

«يذكرون الأشياء عن الأئمّة، ويمزجون كلّ ما ينقلون عنهم بألف كذبة كالكهنة السامعة لأخبار الغيب» «4».

«ما ذكره من الطامّات والتنفير فهو الجري علي عادته في المزخرفات والترّهات» «5».

«هذا الرجل أصمّ أُطروش لا يسمع نداء المنادي، وصوّر لنفسه

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 317.

(2) دلائل الصدق 1/ 331.

(3) دلائل الصدق 1/ 334.

(4) دلائل الصدق 1/ 349.

(5) دلائل الصدق 1/ 381.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 12

مذهباً وافتري أنّه مذهب الأشاعرة ويورد عليه الاعتراضات … والعجب أنّه لا يخاف أن يلقي اللَّه بهذه العقيدة الباطلة التي هو إثبات الشركاء للَّه تعالي في الخلق مثل المجوس، وذلك المذهب أردأ من مذهب المجوس بوجه؛ لأنّ المجوس لا يثبتون إلّا شريكاً واحداً يسمّونه:

أهرمن، وهؤلاء يثبتون شركاء لا تحصر ولا تحصي إنّهم إذا قيل لهم:

لا إله إلّااللَّه يستكبرون» «1».

«مع ذلك، افتري علي الصادق- عليه السّلام- كذباً في حقّهم» «2».

«فعُلم أنّ هذا الرجل مفتر كودن كذاب، مثل

كوادن حلّة وبغداد، لا أفلح من رجل سوء» «3».

«والعجب أنّ هؤلاء لا يفرّقون بين هذين المعنيين، ثمّ من العجب كلّ العجب أنّهم لا يرجعون إلي أنفسهم ولا يتأمّلون … فإذا بلغ أمر الخلق إلي الفعل رقدوا كالحمار في الوحل ونسبوا إلي أنفسهم الأفعال، وفيه خطر الشرك» «4».

«وهذا يدلّ علي غاية حمق الرجل وحيلته وتعصّبه وعدم فهمه،

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 383.

(2) دلائل الصدق 1/ 400.

(3) دلائل الصدق 1/ 401.

(4) دلائل الصدق 1/ 454.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 13

أما كان يستحي من ناظر في كتابه؟!» «1».

«نعم، ربّما فهم ذلك الأعرابي الجافي، الحلّي الوطن، ذلك المعني من كلام اللَّه تعالي «2».

«ورأينا المعتزلة ومن تابعهم من الشيعة كاليهود، يخفون مذهبهم ويسمّونه التقيّة، ويهربون من كل شاهق إلي شاهق، ولو نسب إليهم أنّهم معتزليّون أو شيعة يستنكفون عن هذه النسبة» «3».

«وكأنّ هذا الرجل لم يمارس قطّ شيئاً من المعقولات، والحقّ أنّه ليس أهلًا لأن يباحث، لدناءة رتبته في العلم، ولكن ابتليت بهذا مرّةً فصبرت … وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه بها إلّا أمثاله في العلم والمعرفة» «4».

«لكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال اللَّه تعالي «وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ» «5»» «6».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 456.

(2) دلائل الصدق 1/ 462.

(3) دلائل الصدق 1/ 476.

(4) دلائل الصدق 1/ 484.

(5) سورة الزمر 39: 45.

(6) دلائل الصدق 1/ 508.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 14

«انظروا معاشر المسلمين إلي هذا السارق الحلّي الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطي ء الفرات، حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق؟! كيف أتي بالدليل وجعله اعتراضاً؟! والحمد للَّه الذي

فضحه في آخر الزمان وأظهر جهله وتعصّبه علي أهل الإيمان» «1».

«ومثله مع المعتزلة في لحس فضلاتهم كمثل الزبّال يمرّ علي نجاسة رجل أكل بالليل بعض الأطعمة الرقيقة كماء الحمّص، فجري في الطريق، فجاء الزبّال وأخذ من نجاسته وجعل يلحسه ويتلذّذ به.

فهذا ابن المطهّر النجس كالزبّال يمرّ علي فضلات المعتزلة ويأخذ منها الاعتراضات، ويكفّر بها سادات العلماء، ينسبهم إلي أقبح أنواع الكفر، يحسب أنّه يحسن صنعاً، نعوذ باللَّه من الضلال، واللَّه الهادي» «2».

«فانظر إلي هذا الحلّي الجاهل، كيف افتري في معني الكسب وخلط المذاهب والأقوال، كالحمار الراتع في جنّة عالية قطوفها دانية، واللَّه تعالي يجازيه» «3».

«العجب من هذا الرجل، أنّه يفتري الكذب ثمّ يعترض عليه،

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 519.

(2) دلائل الصدق 1/ 533.

(3) دلائل الصدق 1/ 537.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 15

فكأنّه لم يتّفق له مطالعة كتاب في الكلام علي مذهب الأشاعرة، وسمع عقائدهم من مشايخه من الشيعة وتقرّر بينهم أنّ هذه عقائد الأشاعرة، ثمّ لم يستح من اللَّه تعالي ومن الناظر في كتابه، وأتي بهذه الترّهات والمزخرفات» «1».

«هذا الرجل السوء الفحّاش، وكأنّه حسب أنّ الأنبياء أمثاله من رعاع الحلّة الّذين يفسدون علي شاطي ء الفرات بكلّ ما ذكره، نعوذ باللَّه من التعصّب فإنّه أورده النار» «2».

«فهذا كذب أظهر وأبين من كذب مسيلمة الكذّاب» «3».

«فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار، بل بكلّ شي ء، حتّي أنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب، لسقوطه عن مرتبة المعارضة، لانحطاط درجته في سائر العلوم، معقولها ومنقولها، أُصولها وفروعها، لكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت» «4».

«والعجب من هذا الرجل أنّه يبالغ في احتراز الأنبياء عن الكذب وينسب الكذب الصراح إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، نعوذ

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/

577.

(2) دلائل الصدق 1/ 695.

(3) دلائل الصدق 2/ 322.

(4) دلائل الصدق 2/ 350.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 16

باللَّه من هذا» «1».

«هذا الرجل لا يعرف ما يقول، وهو كالناقة العشواء يرتعي كلّ حشيش» «2».

«أيّها الجاهل العامّي، الضالّ العاصي، الشيعة ينسبون أنفسهم إلي الأئمّة الاثني عشر، أتري أئمّة أهل السُنّة والجماعة يقدحون في أهل بيت النبوّة والولاية؟! أتراهم يا أعمي القلب أنّهم يفترون مثلك ومثل أضرابك علي الأئمّة، ويفترون المطاعن والمثالب ممّا لم يصحّ به خبر، بل ظاهر عليه آثار الوضع والبطلان؟!» «3».

«ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي، البوّال علي عقبيه، ويضع لهم المطاعن، قاتله اللَّه من رجل سوء بطّاط» «4».

«إنّ هذا الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل [يعني أبا بكر] المطاعن، لعن اللَّه كلّ مخالف طاعن، وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحاً، ولا أذكر منه شيئاً، لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ويفرح بها المنافق الفاسد الدين، لأنّ من المعلوم أنّ هذا الدين قام في

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 447.

(2) دلائل الصدق 2/ 526.

(3) دلائل الصدق 2/ 589.

(4) دلائل الصدق 2/ 593.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 17

خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين، ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون فرح بأنّ الدين المحمّدي لا اعتداد به، لأنّ هؤلاء المطعونين- حاشاهم- كانوا مؤسّسي هذا الدين، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام، وتقوية كاملة للكفر أقدم به الروافض لا أفلحوا … » «1».

«ثمّ جاء البوّال الذي استوي قوله وبوله، فيجعله [أي: عثمان كالكفّار، ولا يقبل دفنه مع المسلمين، أُفٍّ له وتُفٍّ، والصفع علي رقبته بكلّ كَفّ» «2».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 594.

(2) دلائل الصدق 3/ 316.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 18

الفصل الثاني: التعاطف مع بني أميّة ومناوئي أمير المؤمنين … ص: 18

والفضل وإن كان يتظاهر

في كتابه بحبّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، ويعترف ببعض مناقبهم وفضائلهم، لكنّه يحاول الدفاع عن خصومهم وتبرئة مناوئيهم عن المثالب، وتبرير أو تهوين ما صدر عنهم تجاه النبيّ وأهل بيته الأطهار، ولا بأس بإيراد طرف من نصوص عباراته في ذلك:

1- عائشة:

فمثلًا نجده يقول عن خروج عائشة ضدّ أمير المؤمنين عليه السّلام، تقود الجيوش لحربه في البصرة، ما هذا لفظه:

«إنّها خرجت محتسبةً، لأنّ قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام، فخرجت تريد الاحتساب وأخطأت في هذا الخروج مع

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 19

الاجتهاد، فيكون الحقّ مع عليٍّ، وهي لم تكن عاصيةً، للاجتهاد … بل ذكر أرباب الأخبار أنّ بعد الفراغ من وقعة الجمل، دخل عليٌّ علي عائشة، فقالت عائشة: ما كان بيني وبينك إلّا ما يكون بين المرأة وأحمائها! فقال أمير المؤمنين: واللَّه ما كان إلّا هذا. وهذا يدلّ علي نفي العداوة … » «1».

فاقرأ واحكم في دين هذا الرجل وعقله بما يقتضيه العلم بالقرآن والأحكام الشرعية ومجريات الأُمور.

2- أُمراء بني أُميّة:

ويقول عن الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبداللَّه بن سعد ابن أبي سرح، وأمثالهم، ما نصّه:

«معظم ما يطعنون علي عثمان هو تولية بني أُميّة علي الممالك، وذلك لأنّه رأي أُمراء بني أُميّة أُولي رشد ونجابة وعلم بالسياسات …

وكان بنو أُميّة علي هذه النعوت» «2».

3- معاوية:

قال العلّامة تحت عنوان «مطاعن معاوية»: «وقد روي الجمهور منها أشياء كثيرة، وهي أكثر من أن تحصي منها: ما روي الحميدي، قال:

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 614- 615.

(2) دلائل الصدق 3/ 244.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 20

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية بصفّين، يدعوهم إلي الجنّة ويدعونه

إلي النار «1»؛ فقتله معاوية؛ ولمّا سمع معاوية اعتذر فقال: قتله من جاء به. فقال ابن عبّاس: فقد قتل رسول اللَّه حمزة لأنّه جاء به إلي الكفّار!» «2».

فقال الفضل: «قول أهل السُنّة والجماعة في معاوية: إنّه رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وصحبته ثابتة، لا ينكره الموافق والمخالف، وكان كاتب وحي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم.

وبعد أن توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم … ولّاه عمر في إمارة الشام.. ثم ولّاه عثمان الشام وأضافه ما فتحه من بلاد الروم، وكان علي ولايتها مدّة خلافة عثمان بن عفّان. ثمّ لمّا تولّي الخلافة أمير المؤمنين عليٍّ عزله من إمارة الشام …

ومذهب أهل السُنّة والجماعة: إنّ الإمام الحقّ بعد عثمان كان عليّ بن أبي طالب، ولا نزاع لأحد من أهل السُنّة في هذا، وإن كلّ من خرج علي عليٍّ كانوا بغاةً، علي الباطل، ولكن كانوا من أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، ينبغي أن يُحفظ اللسان عنهم،

__________________________________________________

(1) الجمع بين الصحيحين 2/ 461 ح 1794، وانظر: صحيح البخاري 1/ 194 ح 107.

(2) نهج الحقّ: 306، وانظر: دلائل الصدق 3/ 351.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 21

ويُكَفّ عن ذِكرهم وما جري بين الصحابة، لأنّه يورث الشحناء ويثير البغضاء، ولا فائدة في ذِكره.

وأمّا ما ذكره من مطاعن معاوية فلا اهتمام لنا أصلًا بالذبّ عنه، فإنّه لم يكن من الخلفاء الراشدين حتّي يكون الذبّ عنه موجباً لإقامة سُنّة الخلفاء وذبّ الطعن عن حريمهم، ليقتدوا بهم الناس، ولا يشكّوا في كونهم الأئمّة، لأنّ معظم الإسلام منوط بآرائهم، فإنّهم كانوا خلفاء النبوّة ووارثي العلم والولاية.

وأمّا معاوية فإنّه كان من

ملوك الإسلام، والملوك في أعمالهم لا يخلون عن المطاعن، ولكن كفّ اللسان عنهم أَولي لأنّ ذِكر مطاعنه لا تتعلّق به فائدة مّا أصلًا … وقد قال رسول اللَّه: لا تذكروا موتاكم إلّا بالخير … » «1».

أقول:

في هذا الكلام، ينصّ الفضل علي عدم اهتمامهم بالذبّ عن معاوية، لكنّ أبناء تيميّة وحجر وكثير والعربي وأمثالهم يهتمّون الاهتمام البالغ بالذبّ عنه، ولو سلّمنا صدق الفضل- ولو في حقّ نفسه في الأقلّ- في عدم الاهتمام بالذبّ عن معاوية والجواب عن مطاعنه، فقد وجدنا في كلامه المذكور:

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 351- 353.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 22

1- يصف معاوية ب «كاتب وحي رسول اللَّه»، وهو ما يزعمه أولياؤه له، وهو ممّا لا أساس له من الصحّة، ولا نصيب له من الحقيقة …

2- يدعو إلي الكفّ وحفظ اللسان عنه، بل يري أولوية ذِكره بالخير، ولذا قال- في جواب رواية العلّامة «إنّ معاوية قتل أربعين ألفاً من المهاجرين والأنصار وأولادهم..» «1»، وروايته دخول أروي بنت الحارث بن عبدالمطّلب علي معاوية وقولها له: «لقد كفرت النعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك … » «2» -: «إنّ هذه الحكايات والأخبار التي لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان، ترك ذِكرها أَولي وأليق، سيّما أنّها متضمّنة لنشر الفواحش، وعظام هذه الجماعة رميمة، ولم يبق لهم آثار … » «3».

3- ويقول بأنّه رجل من الصحابة وصحبته ثابتة، مشيراً إلي ما كرّره في كتابه من وجوب تعظيم الصحابة كلّهم! ومن ذلك قوله:

«مذهب عامّة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم، والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ اللَّه عظّمهم وأثني عليهم في غير موضع من كتابه … والرسول قد أحبّهم وأثني

عليهم في أحاديث كثيرة … ثمّ إن من تأمّل سيرتهم،

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 393.

(2) دلائل الصدق 3/ 393- 394.

(3) دلائل الصدق 3/ 395.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 23

ووقف علي مآثرهم وجدّهم في نصرة الدين، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة اللَّه ورسوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، لم يتخالجه شكٌّ في عظم شأنهم، وبراءتهم عمّا نسب إليهم المبطلون من المطاعن، ومنعه ذلك عن الطعن فيهم، ورأي ذلك مجانباً للإيمان» «1».

أقول:

لكنّ المنصف إذا تأمّل في هذه الكلمات ومناقشاته في استدلالات العلّامة، حصل له الشكّ والتردّد في صدق الفضل في مقاله بأن لا اهتمام له بالذبّ عن معاوية، لا سيّما بالنظر إلي قوله بالنسبة إلي الأخبار والحكايات التي استدلّ بها العلّامة: «لم تصحّ بها رواية، ولم يقم بصحّتها برهان» …

بل قوله في قضيّة سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السّلام: «أمّا سبّ أمير المؤمنين- نعوذ باللَّه من هذا- فلم يثبت عند أرباب الثقة، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه، حتّي إنّ المغاربة وضعوا كتباً ورسائل، وبالغوا فيه كمال المبالغة … » «2» يدلّ بوضوحٍ علي كونه في مقام الدفاع عن معاوية بكلّ اهتمام! وذلك لوجود أخبار سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السّلام، وحثّ الناس علي ذلك، في كثير من الكتب

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 398- 400.

(2) دلائل الصدق 3/ 385.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 24

المعتمدة عند القوم، حتّي في الصحاح! …

أخرج مسلم في صحيحه: «أمر معاوية سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول اللَّه صلّي

اللَّه عليه [وآله وسلّم يقول له- وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: يا رسول اللَّه! خلّفتني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول اللَّه-: أما ترضي … وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الراية … ولمّا نزلت: هذه الآية «تَعَالَوْاْ … » «1»

… » «2».

فهذا الحديث في كتاب التزموا بصحّة رواياته، ودلالته واضحة.

هذا، ولفظاعة صنع معاوية، ولأنّ النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «من سبّ عليّاً فقد سبّني» «3».. ومن سبّ رسول اللَّه فهو كافر بالإجماع، ولأنّ ثبوت كفر معاوية بهذا وغيره يؤدّي إلي الطعن في من نصبه وفي من سبقه، تحيّر القوم واضطربوا!! …

أمّا تكذيب الخبر- كما فعل الفضل- فمردود بأنّه في الصحيح …

__________________________________________________

(1) سورة آل عمران 3: 61.

(2) صحيح مسلم 7/ 120.

(3) أخرجه الحاكم وصحّحه، وأقرّه الذهبي في التلخيص؛ انظر: المستدرك علي الصحيحين 3/ 130 ح 4615.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 25

وأمّا الالتزام به لصحّته فيترتّب عليه ما ذكرناه، وهو هادم لأساس مذهبهم، فكأنّهم لم يجدوا بُدّاً من التلاعب في متن الحديث:

فرواه بعضهم بلفظ: «قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل علي سعد، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد … » «1».

ثمّ جاء ابن كثير فأسقط جملة: «فنال منه، فغضب سعد … » «2».

ورواه أحمد في المناقب باللفظ التالي: «ذُكر عليٌّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص، فقال له سعد: أتذكر عليّاً؟! … » «3».

ورواه النسائي في الخصائص بلفظ آخر، هو: «عن سعد، قال: كنت جالساً فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب، فقلت: لقد سمعت رسول اللَّه … » «4».

4- عبداللَّه بن الزبير:

ومن ذا الذي يشكّ في عداء عبداللَّه بن الزبير لأمير المؤمنين عليه السلام؟! ومع ذلك يعدّه الفضل في الخلفاء

الراشدين بزعمه! فيقول فيّ معني حديث الاثني عشر خليفة: «ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة، فقد اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم: هم الخلفاء بعد رسول اللَّه

__________________________________________________

(1) سنن ابن ماجة 1/ 45 ح 121، مصنّف ابن أبي شيبة 7/ 496 ح 15.

(2) البداية والنهاية 8/ 63.

(3) فضائل الصحابة 2/ 797 ح 1093.

(4) تهذيب خصائص الإمام عليّ عليه السّلام: 24 ح 10.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 26

صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلي ثلاثمائة سنة، وبعدها وقعت الفتن والحوادث، فيكون المعني أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر، كلّهم من قريش.

وقال بعضهم: إنّ عدد الصلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر، وهم:

الخلفاء الراشدون، وهم خمسة، وعبداللَّه بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وخمسة أُخر من خلفاء بني العبّاس. فيكون هذا إشارة إلي الصلحاء من الخلفاء القرشية» «1».

وإذا كان من «الخلفاء الراشدين» فما هو الأصل في أعمالهم بنظره؟!

قال: «الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء الراشدين علي الصواب» «2»!

5- أنس بن مالك:

وقال الفضل- وهو في الحقيقة يقصد الدفاع عن أنس بن مالك-:

«وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك، فاعتذر بالنسيان، فدعا عليه؛ فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض … » «3».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 486.

(2) دلائل الصدق 3/ 262.

(3) دلائل الصدق 2/ 540.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 27

وأقول:

ذكر هذا الخبر: ابن السائب الكلبي في جمهرة النسب، والبلاذري في أنساب الأشراف، وابن قتيبة في المعارف، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن حجر في الصواعق، وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ «1».

__________________________________________________

(1) انظر: جمهرة النسب 2/

395، أنساب الأشراف 2/ 386، المعارف: 320، شرح نهج البلاغة 19/ 218 وورد الخبر كذلك في 4/ 74 و ج 19/ 217، تاريخ دمشق 9/ 375- 376، الصواعق المحرقة: 198.

وراجع: فضائل الصحابة- لأحمد بن حنبل- 1/ 663 ح 900، حلية الأولياء عليّ عليه السّلام- للخوارزمي-: 378 ح 396، مجمع الزوائد 9/ 106.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 28

الفصل الثالث: التكذيب بقضايا ثابتة … ص: 28

اشارة

وكم من قضيّة ثابتة لا تقبل الجدل والتشكيك، كذّبها الفضل وأنكرها! وجعل يسبُّ ويشتم العلّامة لذِكرها!!

وقد رأينا أن نذكر عشرة موارد من هذا القبيل، تاركين الحكم للباحث المنصف الحرّ:

1- كون أبي بكر في جيش أُسامة:

قال الفضل: «قد صحّ أنّ أبا بكر لم يكن في جيش أُسامة، وقد قال الجزيري: من ادّعي أنّ أبا بكر كان في جيش أُسامة فقد أخطأ، لأنّ النبيّ بعد أن أنفذ جيش أُسامة قال: مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس؛ ولو كان مأموراً بالرواح مع أُسامة لم يكن رسول اللَّه يأمره بالصلاة بالأُمة» «1».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 11.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 29

أقول:

هذا كلامه!

ونحن للاختصار نكتفي بكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، فإنّه يقول ما ملخّصه:

«كان تجهيز أُسامة يوم السبت، قبل موت النبيّ بيومين … فبدأ برسول اللَّه وجعه في اليوم الثالث، فعقد لأُسامة لواءً بيده، فأخذه أُسامة، فدفعه إلي بريدة، وعسكر بالجرف. وكان ممّن ندب مع أُسامة من كبار المهاجرين والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم. فتكلّم في ذلك قوم … ثمّ اشتدّ برسول اللَّه وجعه فقال: أنفِذوا جيش أُسامة.

وقد روي ذلك عن: الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر … » «1».

2- تفرّد أبي بكر برواية

حديث «نحن معاشر الأنبياء … »:

وقال الفضل: «وأمّا ما ذكر أنّ أبا بكر تفرّد برواية هذا الحديث من بين سائر المسلمين، فهذا كذب صراح … فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب إنّ أبا بكر تفرّد برواية حديث عدم توريث رسول اللَّه صلّي اللَّه

__________________________________________________

(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8/ 192 ذ ح 4469.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 30

عليه [وآله وسلّم؟!» «1».

أقول:

هذا كلامه، ونحن نذكر أسماء بعض كبار أئمّة أهل السُنّة ممّن نصّ علي تفرّد أبي بكر بالحديث المزبور، ونشير إلي محالّ كلماتهم في ذلك:

القاضي الإيجي «2» …

الفخر الرازي «3» …

أبو حامد الغزّالي «4» …

سيف الدين الآمدي «5» …

علاء الدين البخاري «6» …

سعد الدين التفتازاني «7» …

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 43- 44.

(2) شرح مختصر ابن الحاجب في علم الأُصول 2/ 59 في مبحث خبر الواحد.

(3) المحصول في علم الأُصول 2/ 180- 181 في مبحث خبر الواحد.

(4) المستصفي في علم الأُصول 2/ 121- 122 في مبحث خبر الواحد.

(5) الإحكام في أُصول الأحكام 2/ 298 و 525 في مبحث خبر الواحد ومبحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد- في التخصيص بالأدلّة المنفصلة- المسألة الخامسة.

(6) كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي 2/ 688.

(7) فواتح الرحموت في شرح مسألة الثبوت- هامش المستصفي 2/ 132.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 31

جلال الدين السيوطي عن: البغوي وأبي بكر الشافعي وابن عساكر «1».

المتّقي الهندي، عن: أحمد ومسلم وأبي داود وابن جرير والبيهقي «2» …

ابن حجر المكّي «3».

3- كشف أبي بكر بيت فاطمة عليها السّلام:

وقال الفضل: «وأمّا ما ذكره من كشف بيت فاطمة، فلم يصحّ بهذا رواية قطعاً» «4».

أقول:

خبر كشف بيت فاطمة الزهراء عليها السّلام من أصدق الأخبار وأثبتها، وقد

رواه جمع كثير من الأئمّة الأعلام من أهل السُنّة في كتبهم المعروفة المشهورة، فمنهم من رواه بالإسناد، ومنهم من أرسله إرسال المسلّمات، وتنتهي أسانيدهم إلي أبي بكر نفسه، في خبرٍ يبدي فيه أبو بكر أسفه علي أُمورٍ فعلها ودّ لو تركها، في كلامٍ طويل، ونحن نذكر

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 86.

(2) كنز العمّال 5/ 605 ح 14071.

(3) الصواعق المحرقة: 25 و 53.

(4) دلائل الصدق 3/ 32.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 32

القدر المحتاج إليه هنا، وذلك قوله: «وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء وإن غلّقوه علي الحرب».

ومن رواته:

أبو جعفر الطبري، في التاريخ 2/ 353 …

وأبو عبيدالقاسم بن سلام، في كتاب الأموال: 174 …

وابن عبدربّه القرطبي، في العقد الفريد 3/ 279 …

والمسعودي، في مروج الذهب 2/ 301 …

وابن قتيبة، في الإمامة والسياسة 1/ 36 …

وسعيد بن منصور …

والطبراني، في المعجم الكبير 1/ 62 ح 43 …

وابن عساكر، في تاريخ دمشق 30/ 418- 422 …

وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي …

والمتّقي الهندي، عن الأربعة الأواخر، في كنز العمّال 5/ 631 ح 14113.

ولقد رواه الطبري قائلًا: «حدّثنا يونس بن عبد الأعلي قال: حدّثنا يحيي بن عبداللَّه بن بكير، قال: حدّثنا الليث بن سعد، قال: حدّثنا علوان، عن صالح بن كيسان، عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، أنّه دخل علي أبي بكر … » فأورد الخبر بطوله، وفيه: «فوددت أنّي لم أكشف

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 33

بيت فاطمة عن شي ء وإن كانوا قد غلّقوه علي الحرب» ثمّ قال بعد الخبر:

«قال لي يونس: قال لنا يحيي ثمّ قدم علينا علوان بعد وفاة الليث، فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به كما حدّثني الليث بن

سعد حرفاً حرفاً، وأخبرني أنّه هو حدّث به الليث بن سعد، وسألته عن اسم أبيه فأخبرني أنّه علوان بن داود».

ثمّ قال الطبري: «وحدّثني محمّد بن إسماعيل المرادي، قال:

حدّثنا عبداللَّه بن صالح المصري، قال: حدّثني الليث، عن علوان بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنّ أبا بكر الصدّيق قال … ثمّ ذكر نحوه ولم يقل فيه: (عن أبيه)» «1».

صحّة السند: … ص: 33

أقول: ورجال السند كلّهم ثقات، وأكثرهم من الائمّة الأعلام:

* فأمّا يونس بن عبد الأعلي الصدفي المصري، فهو من رجال مسلم والنسائي وابن ماجة، ومن مشايخ أبي حاتم وأبي زرعة وابن خزيمة وأبي عوانة وأمثالهم من الائمّة؛ وقد وُصف ب «ركن من أركان الإسلام» وقال الذهبي عنه: «كان كبير المعدّلين والعلماء في زمانه بمصر».. «كان قرّة عين، مقدّماً في العلم والخير والثقة»،

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 353- 354.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 34

توفّي سنة 264 «1».

* وأمّا يحيي بن عبداللَّه بن بكير، المصري، فهو من رجال الصحيحين وغيرهما، ووصفه الذهبي ب «الإمام المحدّث، الحافظ الصدوق … كان غزير العلم، عارفاً بالحديث وأيّام الناس، بصيراً بالفتوي صادقاً، ديّناً … ما علمت له حديثاً منكراً حتّي أُورده» مات سنة 231 «2».

* وأمّا الليث بن سعد، عالم الديار المصرية، فهو من رجال الصحاح الستّة.. قال الذهبي: «كان الليث رحمه اللَّه فقيه مصر ومحدّثها ومحتشمها ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم … » «3».

* وأمّا علوان بن داود، فقد أورده أبو حاتم في الثقات «4»، وحسّنه سعيد بن منصور كما سيأتي، وكذا ورد في سند الحاكم في مستدركه كما ستعلم كذلك.

وابن أبي حاتم ذكره بعنوان «علوان بن إسماعيل»، قال: «علوان بن إسماعيل الفرقسائي،

روي عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 12/ 348 رقم 144.

(2) سير أعلام النبلاء 10/ 612 رقم 210.

(3) سير أعلام النبلاء 8/ 136 رقم 12.

(4) كتاب الثقات 8/ 526.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 35

عبدالرحمن بن عوف … روي عنه: الليث … سمعت أبي يقول ذلك» «1».

وقيل علوان بن صالح «2»، وهكذا ورد في الإسناد الثاني الطبري «3»، وفي بعض الكتب أنّه توفّي سنة 180 «4».

* وأمّا صالح بن كيسان، فهو من رجال الصحاح الستّة، قال الذهبي: «صالح بن كيسان، الإمام الحافظ الثقة، أبو محمّد، ويقال:

أبو الحارث، المدني … » «5».

* وأمّا عمر بن عبد الرحمن بن عوف، فهو من رجال أبي داود، قال الحافظ ابن حجر: «مقبول» «6».

وتلخّص: صحّة الحديث علي ضوء كلمات علماء القوم، مضافاً إلي

1- إنّ الحاكم النيسابوري أخرج قطعةً منه، في كتاب الفرائض، من المستدرك علي الصحيحين، بإسناده عن علوان بن داود، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه؛ وهي قوله:

__________________________________________________

(1) الجرح والتعديل 7/ 38 رقم 206.

(2) الضعفاء الكبير 3/ 419 رقم 1461، لسان الميزان 4/ 188 رقم 502.

(3) تاريخ الطبري 2/ 354.

(4) ميزان الاعتدال 5/ 135 رقم 5769.

(5) سير أعلام النبلاء 5/ 454 رقم 203.

(6) تقريب التهذيب 1/ 722 رقم 4952.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 36

«وددت أنّي سألت النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم عن ميراث العمّة والخالة، فإنّ في نفسي منها حاجة» «1».

2- إنّ المتّقي الهندي أخرج الحديث، فأسنده إلي أبي عبيد في كتاب الأموال، والعقيلي، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة، الطبراني، ابن عساكر، سعيد بن منصور، وقال: «إنّه حديث

حسن» «2».

وسعيد بن منصور الذي حسّن الحديث من أعلام الأئمّة في الحديث والرجال، ومن رجال الصحاح الستّة.

فعن أحمد بن حنبل: كان سعيد من أهل الفضل والصدق.

وعن أبي حاتم الرازي: هو ثقة، من المتقنين الأثبات، ممّن جمع وصنّف.

وقال الذهبي: الحافظ الإمام، شيخ الحرم، مؤلّف كتاب السنن «3» «4».

3- إنّ سعيد بن عفير، الراوي الآخر للحديث عن علوان بن داود،

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 4/ 381 ح 7999.

(2) كنز العمّال 5/ 631 ذ ح 14113.

(3) قسم الفضائل من كتاب «السنن» مفقود، فلم يُطبع مع ما طُبع منه.

(4) سير أعلام النبلاء 10/ 586 رقم 207، تهذيب الكمال 7/ 305 رقم 2343.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 37

وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري، وينسب إلي جدّه، من رجال الصحيحين وغيرهما …

وقال ابن عديّ ما ملخّصه: «لم أسمع أحداً ولا بلغني عن أحدٍ من الناس كلام في سعيد بن كثير بن عفير، وهو عند الناس صدوق ثقة، وقد حدّث عن الأئمّة من الناس، ولا أعرف سعيد بن عفير غير المصري، ولم أجد لسعيد بعد استقصائي علي حديثه شيئاً ممّا ينكر عليه أنّه أتي بحديث به برأسه إلّا حديث مالك عن عمّه أبي سهيل، أو أتي بحديث زاد في إسناده إلّا حديث غسل النبيّ، وكِلا الحديثين يرويهما عنه ابنه عبيد اللَّه، ولعلّ البلاء من عبيداللَّه، لأنّي رأيت سعيد ابن عفير مستقيم الحديث» «1».

وذكر الذهبي كلام ابن عديّ وتعقّبه: «بلي لسعيد حديث منكَر من رواية عبداللَّه بن حمّاد الآملي، عن سعيد بن عفير، عن يحيي بن أيّوب، عن عبيداللَّه بن عمر، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً، في عدم وجوب العمرة … » «2».

وتلخّص: إنّ الرجل من أصدق الناس وأوثقهم،

وإنّ حديثه عن «علوان» ليس حديثاً منكراً.

هذا، وقد رواه عن علوان بن داود رجل آخر أيضاً، اسمه الوليد

__________________________________________________

(1) الكامل في الضعفاء 3/ 411 رقم 839.

(2) ميزان الاعتدال 3/ 224 رقم 3260.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 38

ابن الزبير، كما سيأتي في رواية ابن عساكر.

4- إنّ ابن عساكر أخرج هذا الحديث وليس فيه «علوان»، قال:

أخبرنا أبو البركات عبداللَّه بن محمّد بن الفضل الفراوي وأُمّ المؤيّد نازيين المعروفة بجمعة بنت أبي حرب محمّد بن الفضل بن أبي حرب، قالا: أنا أبو القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجاني، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسن، نا أبو العبّاس أحمد بن يعقوب، نا الحسن ابن مكرم بن حسّان البزّار أبو علي ببغداد، حدّثني أبو الهيثم خالد بن القاسم، قال: حدّثنا ليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن حميد ابن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، أنّه دخل علي أبي بكر … ».

قال ابن عساكر: «كذا رواه خالد بن القاسم المدائني عن الليث، وأسقط منه علوان بن داود.

وقد وقع لي عالياً من حديث الليث، وفيه ذكر علوان، أخبرناه … ».

ثمّ قال: «ورواه غير الليث عن علوان، فزاد في إسناده رجلًا بينه وبين صالح بن كيسان، أخبرناه أبو القاسم بن السوسي وأبو طالب الحسيني، قالا: أنا علي بن محمّد، أنا أبو محمّد بن أبي نصر، أنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان «1»، أنا أبو محمّد عبداللَّه بن زيد بن عبدالرحمن النهراني، نا الوليد بن الزبير، ثنا علوان بن داود البجلي، عن

__________________________________________________

(1) هو الأطرابلسي، صاحب «فضائل الصحابة».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 39

أبي محمّد المدني، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبدالرحمن ابن عوف، عن أبيه، قال: دخلت علي

أبي بكر … » «1».

قلت:

والظاهر وقوع السهو في هذا السند، فإنّ «أبو محمّد المدني» هو «صالح بن كيسان» لا غيره، و «الوليد بن الزبير» كأنّه الذي ذكره ابن أبي حاتم، قال: «سمع منه أبي بحمص وروي عنه … سئل أبي عنه فقال: صدوق» «2».

5- إنّ أبا عبيد … وهو القاسم بن سلّام، الإمام الحافظ، المجتهد، ذو الفنون، المقبول عند الكلّ، قال إسحاق بن راهويه: إنّ اللَّه لا يستحيي من الحقّ، أبو عبيد أعلم منّي ومن ابن حنبل والشافعي.. توفّي سنة 224 «3»، روي في كتاب الأموال قال: «حدّثني سعيد بن عفير، قال: حدّثني علوان بن داود- مولي أبي زرعة بن عمرو بن جرير-، عن حميد بن عبدالرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه عبد الرحمن، قال: دخلت علي أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه، فسلّمت عليه، وقلت: ما

__________________________________________________

(1) تاريخ دمشق 30/ 417- 420.

(2) الجرح والتعديل 9/ 5 رقم 19.

(3) سير أعلام النبلاء 10/ 490 رقم 164.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 40

أري بك بأساً والحمد للَّه، ولا تأس علي الدنيا، فواللَّه إن علمناك إلّا كنت صالحاً مصلحاً.

فقال: أما إنّي لا آسي علي شي ء إلّاعلي ثلاث فعلتهم وددت أنّي لم أفعلهم، وثلاث لم أفعلهم وددت أنّي فعلتهم، وثلاث وددت أنّي سألت رسول اللَّه عنهم.

فأمّا التي فعلتها ووددت أنّي لم أفعلها: فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا- لخلّة ذكرها، قال أبو عبيد: لا أُريد ذِكرها «1» - … » «2».

أقول:

لو كان ما فعله أبو بكر حقّاً، لما أعرض أبو عبيد عن ذِكره، ولو كان الخبر كذباً لكذّب الخبر قبل أن يكتم

تلك الخلّة ولا يذكرها!!

6- وإنّ ابن تيميّة- المعروف بنصبه وعناده لأهل البيت عليهم السّلام- يعترف بالقضيّة ثمّ يقول بلا حياء: «إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شي ء من مال اللَّه الذي يقسّمه وأن يعطيه لمستحقّه، ثمّ رأي أنّه لو تركه لهم لجاز، فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفي ء» «3».

__________________________________________________

(1) قال محقّقه هنا: وقد ذكرها الذهبي في الميزان وهي قوله: «وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أُغلق علي الحرب».

(2) كتاب الأموال: 174.

(3) منهاج السُنّة 8/ 291.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 41

4- تحريم عمر المغالاة في المهر:

وقال الفضل: «شأن أئمّة الإسلام وخلفاء النبوّة أن يحفظوا صورة سُنّة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم في الأُمّة، فأمرهم بترك المغالاة، والإجماع علي أنّ الإمام له أن يأمر بالسُنّة أن يحفظوها، ولا يختصّ أمره بالواجبات، بل له الأمر بإشاعة المندوبات، وهذا ممّا لا نزاع فيه، كما أجاب قاضي القضاة بأنّه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله، وأمّا تخطئة قاضي القضاة في جوابه، فخطأ بيّن، لأنّه لم يرتكب المحرّم، بل هدّد به … » «1».

أقول:

لقد حرّم عمر المغالاة بالمهر، وهذا ما فهمه الناس من كلامه، وهو ما رواه وفهمه كذلك أئمّة القوم من قوله.

أمّا أصل خطبته في ذلك، فقد أخرجه أحمد في المسند «2»، والدارمي والترمذي وابن ماجة والنسائي والبيهقي في سننهم في كتاب النكاح «3»، وقال الحاكم بعد أن روي الحديث ببعض طرقه: «فقد

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 133- 134.

(2) مسند أحمد 1/ 40- 41 و 48.

(3) مسند الدارمي 2/ 99 ح 2196، سنن الترمذي 3/ 422 ح 1114، سنن ابن ماجة 1/ 607 ح 1887، سنن النسائي 6/ 117، سنن البيهقي 7/

233.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 42

تواترت الأسانيد الصحيحة بصحّة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. وهذا الباب لي مجموع في جزء كبير، ولم يخرّجاه».

فقد نصّ علي تواتر الخبر، ووافقه الذهبي «1». ولكن لم يذكر اعتراض المرأة، ولا كلام عمر، ثمّ عدوله عمّا قاله! …

قال السيوطي: «وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلي- بسند جيّد- عن مسروق، قال: ركب عمر بن الخطّاب المنبر ثمّ قال: أيّها الناس! ما إكثار كم في صداق النساء، وقد كان رسول اللَّه وأصحابه وإنّما الصدقات في ما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوي عند اللَّه أو مكرمة لم تسبقوهم إليها؛ فلا أعرفنّ ما زاد رجل في صداق امرأة علي أربعمائة درهم. ثمّ نزل.

فاعترضته امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهنّ علي أربعمائة درهم؟! قال: نعم. فقالت:

أما سمعت ما أنزل اللَّه، يقول: «وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً» «2»

فقال: اللّهمّ غفرانك، كلّ الناس أفقه من عمر.

ثمّ رجع، فركب المنبر فقال: يا أيّها الناس! إنّي كنت قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهنّ علي أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 2/ 191- 193 ح 2725- 2728.

(2) سورة النساء 4: 20.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 43

ماله ما أحبّ.

وأخرج عبد الرزّاق وابن المنذر، عن أبي عبدالرحمن السلمي، قال: قال عمر بن الخطّاب: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر، إنّ اللَّه يقول: «وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً» - من ذهب.

قال: وكذلك هي في قراءة ابن مسعود-، فقال عمر: إنّ امرأة خاصمت عمر فخصمته.

وأخرج الزبير بن بكّار في الموفقيات، عن عبداللَّه بن مصعب، قال:

قال عمر: لا تزيدوا في مهور النساء علي أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة: ما ذاك لك! قال: ولِمَ؟! قالت:

لأنّ اللَّه يقول: «وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً». فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ» «1».

وتلخّص:

1- إنّ عمر حرّم.

2- وهدّد بإلقاء الزيادة في بيت المال.

3- وإنّ الناس فهموا من كلامه التحريم، فاعترضته المرأة القرشية.

4- وخصمته بالقرآن، فرجع عن تحريمه.

5- وظهرت جرأته علي اللَّه تعالي أو جهله بالأحكام الشرعية.

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور 2/ 466، وانظر: الأخبار الموفّقيات: 507 رقم 430.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 44

وهذا الموضع أيضاً من جملة المواضع التي يظهر فيها الفرق بين ابن روزبهان وابن تيميّة، فإنّ ابن تيميّة يصرّح بكون قوله مخالفاً للنصّ، وإنّه قد أخطأ فيه، إلّا أنّه كان مجتهداً، وهو لم ينفّذ اجتهاده لمّا علم ببطلانه «1».

5- ابتداع عمر صلاة التراويح:

وقال الفضل: «قد ثبت في الصحاح عن زيد بن ثابت أنّ النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم اتّخذ حجرةً في المسجد …، وعن أبي هريرة: كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة … ثمّ كان الأمر علي ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر، وعن أبي ذرّ …

وهذه الأخبار كلّها في الصحاح، وهذا يدلّ علي إنّ رسول اللَّه كان يصلّي التراويح بالجماعة أحياناً ولم يداوم عليها مخافة أن تُفرض علي المسلمين فلم يطيقوا …

فلمّا انتهي هذه المخافة جمعهم عمر وصلّي التراويح … فقال عمر: بدعة ونعمت البدعة! أراد به أنّه لم يتقرّر أمرها في زمان رسول اللَّه، وهذا لا ينافي كونها معمولة في بعض الأوقات … » «2».

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 6/ 76.

(2)

دلائل الصدق 3/ 213- 214.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 45

أقول:

ذكرالحافظ السيوطي في رسالته المصابيح في صلاة التراويح ما ملخّصه:

«سئلت مرّات: هل صلّي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم التراويح وهي العشرون ركعة المعهودة الآن؟ وأنا أُجيب بلا، ولا يقنع منّي بذلك، فأردت تحرير القول فيها؛ فأقول: الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان والضعيفة: الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه، من غير تخصيصٍ بعدد، وإنّه لم يثبت أنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم صلّي عشرين ركعة، وإنّما صلّي ليالي صلاةً لم يذكر عددها، ثمّ تأخّر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها.

وقد تمسّك بعض من أثبت ذلك بحديث ورد فيه، لا يصلح الاحتجاج به، وأنا أُورده و أُبيّن وهاءه، ثمّ أُبيّن ما ثبت بخلافه:

روي ابن أبي شيبة في مسنده، قال: حدّثنا يزيد، أنا إبراهيم بن عثمان، عن الحكم بن مقسم، عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللَّه كان يصلّي في رمضان عشرين ركعة والوتر …

قلت: هذا الحديث ضعيف جدّاً لا تقوم به حجّة. قال الذهبي في الميزان: إبراهيم بن عثمان، أبو شيبة الكوفي، قاضي واسط … (فذكر الكلمات في تجريحه). قال الذهبي: ومن مناكيره ما رواه عن الحكم بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 46

مقسم عن ابن عبّاس، قال: كان رسول اللَّه يصلّي في رمضان في غير جماعةٍ عشرين ركعة والوتر …

الوجه الثاني: إنّه قد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عائشة:

سئلت عن قيام رسول اللَّه في رمضان فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره علي إحدي عشرة ركعة.

الثالث: قد ثبت في صحيح البخاري عن عمر أنّه قال في التراويح:

نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل. فسمّاها بدعة،

يعني بدعة حسنة. وذلك صريح في أنّها لم تكن في عهد رسول اللَّه. وقد نصّ علي ذلك الإمام الشافعي وصرّح به جماعات من الأئمّة، منهم الشيخ عزّ الدين ابن عبدالسلام حيث قسّم البدعة إلي خمسة أقسام وقال: ومثال المندوبة صلاة التراويح، ونقله عنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات. ثمّ قال: وروي البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي عن الشافعي … وقد قال عمر في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه. يعني:

إنّها محدثة لم تكن. هذا آخر كلام الشافعي.

الرابع: إنّ العلماء اختلفوا في عددها، ولو ثبت ذلك من فعل النبيّ لم يُختلف فيه.

وفي الأوائل للعسكري: أوّل من سنّ قيام رمضان عمر، سنة أربع عشرة. وأخرج البيهقي وغيره من طريق هشام بن عروة عن أبيه، قال: إنّ

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 47

عمر بن الخطّاب أوّل من جمع الناس علي قيام شهر رمضان، الرجال علي أُبيّ بن كعب، والنساء علي سليمان بن أبي خثمة. وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة نحوه …

وأخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول اللَّه يرغّب في قيام رمضان، ولم يكن رسول اللَّه جمع الناس علي القيام» «1».

هذه خلاصة ما ذكره السيوطي في رسالته.

فالحاصل: أوّلًا: إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم لم يصلّ الركعات المعهودة عندهم في شهر رمضان، أصلًا.

وثانياً: إنّه لم يصلّ تلك الركعات جماعةً.

وثالثاً: إنّ القيام بهذه الصلاة جماعة من أوّليّات عمر وبدعه، وإنّ ذلك رأي الشافعي وجماعات كبيرة من الأئمّة الأعلام.

6- حكم عمر برجم الحامل والمجنونة:

وقال الفضل: «الأئمّة المجتهدون قد يعرض لهم الخطأ في الأحكام …

وإن صحّ ما ذكر من حكم عمر في الحامل والمجنونة، فربّما كان

__________________________________________________

(1) المصابيح في

صلاة التراويح- المطبوعة ضمن كتاب «الحاوي للفتاوي» - 1/ 347- 350.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 48

لشي ء ممّا ذكرناه، ولا يكون هذا طعناً.

وكيف يصحّ لأحدٍ أن يطعن في علم عمر وقد شاركه النبيّ في علمه كما ورد في الصحاح عن ابن عمر؟! … » «1».

أقول:

قد ثبت جهل عمر بآيات الكتاب والأحكام الشرعية، في موارد كثيرة، فإن أصرّ أولياؤه علي كونه عالماً بالكتاب والأحكام، لزمهم القول بجرأته علي اللَّه والرسول في تلك المواضع، ومخالفته للنصوص عن علم وعمدٍ …

ومن ذلك هذان الموضعان، وقد ثبت في المصادر أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام هو الذي منعه من رجمها، وتشكيك ابن روزبهان في صحّة الخبر مكابرة واضحة، تبع فيها ابن تيميّة الحرّاني «2».

أمّا قضيّة المرأة الحامل التي ولدت لستّة أشهر فهمّ عمر برجمها، فقد أخرجها:

عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني «3» …

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 130.

(2) منهاج السُنّة 6/ 41 و 45.

(3) المصنّف 7/ 350 ح 13444.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 49

وعبد بن حميد «1» …

وابن المنذر «2» …

وابن أبي حاتم «3» …

والبيهقي «4» …

وابن عبدالبرّ «5» …

والمحبّ الطبري «6» …

والمتّقي الهندي «7» …

قال ابن عبدالبرّ: فكان عمر يقول: لو لا عليٌّ لهلك عمر «8».

7- ضرب عثمان عبداللَّه بن مسعود:

وقال الفضل: «ضرب عثمان عبداللَّه بن مسعود ممّا لا رواية فيه أصلًا إلّا لأهل الرفض، وأجمع الرواة من أهل السُنّة أنّ هذا كذب

__________________________________________________

(1) انظر: الدرّ المنثور 7/ 441- 442.

(2) انظر: الدرّ المنثور 7/ 441- 442.

(3) كما في كنز العمّال 5/ 457 ح 13598.

(4) السنن الكبري 7/ 442.

(5) مختصر جامع بيان العلم وفضله: 265.

(6) الرياض النضرة 3/ 161.

(7) كنز العمّال 5/ 457 ح 13598.

(8) الاستيعاب 3/ 1103.

سلسلة اعرف

الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 50

وافتراء، وكيف يضرب عثمان عبداللَّه بن مسعود وهو من أخصّ أصحاب رسول اللَّه ومن علمائهم؟! … » «1».

أقول:

قال ابن قتيبة: «وكان ممّا نقموا علي عثمان أنّه … طلب إليه عبداللَّه بن خالد بن أسيد صلةً، فأعطاه أربعمئة ألف درهم من بيت مال المسلمين، فقال عبداللَّه بن مسعود في ذلك، فضربه إلي أن دقّ له ضلعين» «2».

وتجد ما كان بينه وبين ابن مسعود في:

تاريخ الطبري 2/ 595- 596 …

العقد الفريد 3/ 308 …

الأوائل- لأبي هلال العسكري-: 129 …

الكامل في التاريخ 2/ 477 …

أُسد الغابة 3/ 285 رقم 3177 …

الرياض النضرة 3/ 84 …

تاريخ الخلفاء: 185 …

تاريخ الخميس 2/ 261 …

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 273.

(2) انظر: المعارف: 112- 113.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 51

ومصادر كثيرة غيرها في التاريخ والسير ومباحث الإمامة «1».

فهل هؤلاء من أهل الرفض؟!

8- ضرب عثمان عمّار بن ياسر:

وقال الفضل: «وضرب عمّار بن ياسر ممّا لا رواية به في كتابٍ من الكتب، ونحن نقول في جملته: إنّ هذه الأخبار وقائع عظيمة تتوفّر الدواعي علي نقلها وروايتها، أتري جميع أرباب الروايات سكتوا عنه إلّا شرذمة يسيرة من الروافض؟! ولقد صدق مأمون الخليفة حيث قال:

أربعة في أربعة … والكذب في الروافض … » «2».

أقول:

إن كان هذا الخبر كذباً، فالقوم أكذب من غيرهم؛ لأنّهم يكذبون علي الخلفاء الراشدين عندهم!!

إنّ خبر ضرب عثمان عمّار بن ياسر رضي اللَّه عنه موجود في أشهر كتب القوم في التواريخ والسير، وغيرها …

قال ابن عبدربّه: «ومن حديث الأعمش- يرويه أبو بكر بن أبي شيبة- قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه، في صحيفة، فقالوا من يذهب بها إليه؟ فقال عمار: أنا. فذهب بها إليه،

فلمّا

__________________________________________________

(1) انظر مثلًا: أنساب الأشراف 6/ 146.

(2) دلائل الصدق 3/ 287.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 52

قرأها قال: أرغم اللَّه أنفك. قال: وأنف أبي بكر وعمر. قال: فقام إليه فوطئه حتّي غشي عليه. ثمّ ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: اختر إحدي ثلاث، إمّا أن تعفو، وإمّا أن تأخذ الأرض، وإمّا أن تقتصّ.

فقال: واللَّه لا قبلت واحدة منها حتّي ألقي اللَّه. قال أبو بكر: فذكرت هذا الحديث للحسن بن صالح، فقال: ما كان علي عثمان أكثر ممّا صنع» «1».

وفي الاستيعاب: «فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: واللَّه لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان» «2».

وروي الطبري وابن الأثير- في خبرٍ-: قال مسروق بن الأجدع لعمّار: «يا أبا اليقظان، علي ما قتلتم عثمان؟! قال: علي شتم أعراضنا وضرب أبشارنا. فقال: واللَّه ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين» «3».

وحتّي أئمّة اللغة أوردوا القصّة، ففي مادّة «صبر» ما نصّه عن ابن الأثير وابن منظور والزبيدي: «وفي حديث عمّار حين ضربه عثمان، فلمّا عوتب في ضربه إيّاه قال: هذه يدي لعمّار فليصطبر. معناه: فليقتصّ» «4».

__________________________________________________

(1) العقد الفريد 3/ 308.

(2) الاستيعاب 3/ 1136 رقم 1863.

(3) تاريخ الطبري 3/ 26، الكامل في التاريخ 3/ 119.

(4) النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 8، لسان العرب 7/ 277، تاج العروس 7/ 75.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 53

9- سبّ معاوية أمير المؤمنين عليه السّلام:

وقال الفضل: «أمّا سبّ أمير المؤمنين- نعوذ باللَّه من هذا- فلم يثبت عند أرباب الثقة، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه، حتّي إنّ المغاربة وضعوا كتباً ورسائل وبالغوا فيه كمال المبالغة. وأنا أقول شعراً … » «1».

أقول:

لا يدافع عن معاوية- رئيس الفرقة الباغية-

إلّا النواصب، بل إنّ أكثرهم وقاحة وأشدّهم نصباً لا يجرأ علي تكذيب سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه السّلام، لأنّ ذلك من ضروريات التاريخ …

وقوله: «فلم يثبت عند أرباب الثقة» يكفي في كذبه ما أخرجه مسلم في صحيحه: «قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟! فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه فلن أسبّه … » «2».

وقال السيوطي: «كان بنو أُميّة يسبّون عليّ بن أبي طالب في الخطبة، فلمّا ولّي عمر بن عبد العزيز أبطله وكتب إلي نوّابه بإبطاله وقرأ مكانه «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ» «3»

الآية. فاستمرّت قراءتها

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 385.

(2) صحيح مسلم 7/ 120 باب فضائل عليّ بن أبي طالب.

(3) سورة النحل 16: 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 54

إلي الآن» «1».

وقال الجاحظ: «إنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين! إنّك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن هذا الرجل؟ فقال:

لا واللَّه حتّي يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلًا» «2».

هذا، وابن تيميّة لم ينكر سبّ معاوية لأمير المؤمنين وأمره بذلك، وإنّما جَعَلَ يدافع عن ذلك! وكان ممّا صرّح به قوله: «ومعاوية رضي اللَّه عنه وأصحابه ما كانوا يكفّرون عليّاً … ومن سبّ أبا بكر وعمر وعثمان فهو أعظم إثماً ممّن سبّ عليّاً وإن كان متأوِّلًا» «3» فاقرأ واحكم!!

10- قراءة الشافعي علي محمّد بن الحسن الشيباني:

وقال الفضل- بجواب بيان العلّامة كيفية استناد العلوم الإسلامية كلّها ورجوعها إلي أمير المؤمنين عليه السّلام-: «وأمّا قوله: إنّ الشافعي قرأ علي محمّد بن الحسن، فهو كذبٌ باطل» «4».

__________________________________________________

(1) تاريخ الخلفاء: 290.

(2) شرح نهج البلاغة- لابن أبي الحديد- 4/ 57، النصائح

الكافية لمن يتولّي معاوية: 126، كلاهما عن كتاب الجاحظ في الدفاع عن النواصب.

(3) منهاج السُنّة 4/ 468.

(4) دلائل الصدق 2/ 522.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 55

أقول:

قال المزّي بترجمة الشافعي: «روي عن: إبراهيم بن سعد الزهري … ومحمّد بن الحسن الشيباني، ومحمّد بن خالد الجندي … » «1».

وقال الخطيب: «سمع من مالك بن أنس … ومحمّد بن الحسن الشيباني، وعبد الوهّاب بن عبد المجيد الثقفي … » «2».

بل قال الذهبي: «وأخذ باليمن عن … وببغداد عن: محمّد بن الحسن فقيه العراق، ولازمه، وحمل عنه وقر بعير … » «3».

فإن كان ابن روزبهان جاهلًا بمثل هذه الأُمور، فكيف يتكلّم في القضايا العقلية والمسائل العلمية، وإن كان عالماً متعمّداً في تكذيبه للعلّامة، فاللَّه حسيبه!

__________________________________________________

(1) تهذيب الكمال 16/ 39 رقم 5636.

(2) تاريخ بغداد 2/ 56 رقم 454.

(3) سير أعلام النبلاء 10/ 7 رقم 1.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 56

الفصل الرابع: الطعن في علماء أهل السُنّة … ص: 56

ثمّ إنّه عندما يستدلُّ العلّامة بروايةٍ من كتب علماء أهل السُنّة وينقل عنها الأخبار في مقام الاحتجاج بها، يضطرّ الفضل إلي الطعن فيهم أو في الكتب أو إلي إنكار كونهم من أهل السُنّة، ليردّ بذلك الحديث الذي استدلّ به العلّامة وأراد إلزام القوم به، ومن ذلك:

* قوله: «وأحمد بن حنبل قد جمع في مسنده الضعيف والمنكر، لأنّه مسند لا صحيح، وهو لا يعرف المسند من الصحيح ولا يفرّق بين الغثّ والسمين» «1».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 351.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 57

أقول:

بل الفضل لا يعرف المسند من الصحيح، وكأنّه توهّم أنّ من سمّي كتابه ب «المسند» فلا يكون ملتزماً بالصحّة كما التزم البخاري مثلًا في كتابه الموسوم ب «الصحيح»، والحال أنّ جماعةً من كبار أئمّة

أهل السُنّة كالحافظ أبي موسي المديني، والحافظ عبد المغيث بن زهير الحنبلي البغدادي، وغيرهما يصرّحون بالتزام أحمد بن حنبل في مسنده ب «الصحّة» «1»، وقد فصّلنا الكلام في ذلك في بعض كتبنا «2».

* وقوله: «فنحن لا نعرف ابن المغازلي وأشباهه ممّن يذكر عنهم المناكير والشواذّ» «3».

وقال أيضاً في ابن المغازلي: «رجل مجهول، لا يعرفه أحد من العلماء، من جملة المصنّفين والمحدّثين» «4».

أقول:

ونحن نذكر بعض من يعرفه من العلماء ليتبيّن صدق الفضل من كذبه!

__________________________________________________

(1) انظر: خصائص المسند- لأبي موسي المديني-: 12 و 14.

(2) انظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 2/ 10- 16.

(3) دلائل الصدق 3/ 474.

(4) دلائل الصدق 2/ 351.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 58

قال السمعاني في (الجُلّابي): «بضم الجيم وتشديد اللام وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلي الجُلّاب. والمشهور بهذه النسبة:

أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد بن الطيّب الجُلّابي، المعروف بابن المغازلي، من أهل واسط العراق، كان فاضلًا عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً علي سماع الحديث وطلبه، رأيت له ذيل التاريخ لواسط، وطالعته وانتخبت منه.

سمع أبا الحسن علي بن عبد الصمد الهاشمي، وأبا بكر أحمد ابن محمّد الخطيب، وأبا الحسن أحمد بن مظفّر العطّار، وغيرهم.

روي لنا عنه ابنه بواسط، وأبو القاسم علي بن طرّاد، الوزير ببغداد.

وغرق ببغداد في الدجلة، في صفر سنة 483، وحمل ميّتاً إلي واسط، فدفن بها.

وابنه: أبو عبداللَّه، محمّد بن علي بن محمّد الجُلابي، كان ولي القضاء والحكومة بواسط، نيابةً عن أبي العبّاس أحمد بن بختيار الماندائي. وكان شيخاً فاضلًا عالماً، سمع أباه، وأبا الحسن محمّد بن محمّد بن مخلّد الأزدي، وأبا علي إسماعيل بن أحمد بن كماري القاضي، وغيرهم.

سمعت منه الكثير بواسط في النوبتين

جميعاً، وكنت أُلازمه مدّة

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 59

مقامي بواسط، وقرأت عليه الكثير بالإجازة له عن أبي غالب محمّد ابن أحمد بن بشران النحوي الواسطي» «1».

* وقوله: «أكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي موضوعات» «2».

وقال: «هذا حديث موضوع منكَر لا يرتضيه العلماء. وأكثر ما ذكر من مناقب الخوارزمي فكذلك. وهذا الخوارزمي رجل كأنّه شيعي مجهول لا يعرف بحال، ولا يعدّه العلماء من أهل العلم، بل لا يعرفه أحد، ولا اعتداد برواياته وأخباره» «3».

أقول:

ونحن نذكر طرفاً ممّا قال العلماء بترجمة (الخوارزمي) ليتبيّن صدق الفضل من كذبه كذلك! …

1- قال الحافظ تقي الدين الفاسي: «الموفّق بن أحمد بن محمّد ابن محمّد المكّي، أبو المؤيّد، العلّامة، خطيب خوارزم، كان أديباً فصيحاً مفوَّهاً، خطب بخوارزم دهراً، وأنشأ الخطب، وأقرأ الناس، وتخرَّج به جماعة، وتوفّي بخوارزم في صفر سنة 568.

__________________________________________________

(1) الأنساب 2/ 137- 138.

(2) دلائل الصدق 2/ 449.

(3) دلائل الصدق 2/ 584.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 60

وذكره الذهبي هكذا في تاريخ الإسلام» «1».

2- وذكره الشيخ محيي الدين ابن أبي الوفاء عبد القادر القرشي الحنفي في طبقات الحنفية، وقال: «الموفّق بن أحمد بن محمّد المكّي، خطيب خوارزم، أُستاذ ناصر بن عبد السيّد، صاحب المغرب، أبو المؤيّد، مولده في حدود سنة 484. ذكره القفطي في أخبار النحاة، أديب فاضل، له معرفة بالفقه والأدب. وروي مصنّفات محمّد بن الحسن عن عمر بن محمّد بن أحمد النسفي، ومات سنة 568. فأخذ علم العربية عن الزمخشري» «2».

3- وقال الحافظ السيوطي: «الموفّق بن أحمد بن … المعروف بأخطب خوارزم، قال الصفدي: كان متمكّناً في العربية، غزير العلم، فقيهاً، فاضلًا، أديباً، شاعراً، قرأ علي الزمخشري، وله خطب وشعر. قال القفطي: وقرأ عليه ناصر

المطرزي، وُلد في حدود سنة 484، ومات سنة 568» «3».

هذا، وقد اعتمد علي الخطيب الخوارزمي ونقل عنه كبار العلماء، مع وصفه بالأوصاف الحميدة والألقاب الجميلة، كالشيخ الإمام

__________________________________________________

(1) العقد الثمين في أخبار البلد الأمين 7/ 310.

(2) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3/ 523 رقم 1718.

(3) بغية الوعاة في أخبار اللغويّين والنحاة: 358.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 61

أبي المؤيّد محمّد بن محمود الخوارزمي، صاحب جامع مسانيد أبي حنيفة، فقد روي عنه في الكتاب المذكور في مواضع عديدة، مع وصفه ب «العلّامة، أخطب خطباء خوارزم، صدر الأئمّة» ونحو ذلك «1».

* قوله: «فالطبري من الروافض مشهور بالتشيّع، مع إنّ علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره» «2».

أقول:

لقد ناقض الفضل نفسه، فاعتمد علي الطبري في كلامٍ له، كما ستعرف في فصل «التناقضات» … ولنذكر جملةً من كلمات علماء قومه في شأن الطبري ليتبيّن صدق الفضل من كذبه!

قال الذهبي: «محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير، الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان، مولده سنة 224، وطلب العلم بعد 240، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علماً وذكاءً وكثرة تصانيف، قلّ أن تري العيون مثله … واستقرّ في أواخر أمره ببغداد، وكان من كبار أئمّة الاجتهاد …

__________________________________________________

(1) جامع مسانيد أبي حنيفة 1/ 14 و 30 و 31.

(2) دلائل الصدق 3/ 79.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 62

وقال الخطيب: كان أحد أئمّة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلي رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، فكان حافظاً لكتاب اللَّه، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في

أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في أخبار الأُمم وتأريخهم، وله كتاب التفسير لم يصنّف مثله، وكتاب سمّاه لم أر سواه في معناه، لكن لم يتمّه …

قلت: كان ثقة صادقاً حافظاً، رأساً في التفسير، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف، علّامة في التاريخ وأيّام الناس، عارفاً بالقراءات وباللغة وغير ذلك …

قال الحاكم: سمعت حسينك بن علي يقول: أوّل ما سألني ابن خزيمة فقال لي: كتبتَ عن محمّد بن جرير الطبري؟ قلت: لا. قال:

ولم؟! قلت: لأنّه كان لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه.

قال: بئس ما فعلت، ليتك لم تكتب عن كلّ من كتبت عنهم وسمعت من أبي جعفر» «1».

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 14/ 267- 272 رقم 175، وانظر قول الخطيب في تاريخ بغداد 2/ 163 رقم 589.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 63

إذاً، كان بينه وبين الحنابلة فقط شي ء، لا بينه وبين «علماء بغداد»، وإنّهم كانوا يمنعون من الدخول عليه، لا أنّ العلماء «هجروه»!

وكم فرق بين كلام ابن روزبهان، وبين الحقيقة والواقع؟!

وأمّا رمي الطبري بالتشيّع أو الرفض، فلروايته حديث الغدير، واحتجاجه لتصحيحه، ردّاً علي ابن أبي داود!

وأيضاً: لقوله بجواز مسح الرجلين في الوضوء …

وقد قال الذهبي: «وكان ممّن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذي والشناعات، من جاهل وحاسد وملحد، فأمّا أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه وزهده في الدنيا ورفضه لها وقناعته بما كان يرد عليه من حصّةٍ من ضيعةٍ خلّفها له أبوه بطبرستان يسيرة» «1».

أقول:

فليلاحظ حال ابن روزبهان علي ضوء كلام الذهبي!

__________________________________________________

(1) سير أعلام النبلاء 14/ 274.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص:

64

الفصل الخامس: النقل والاعتماد علي المتعصّبين … ص: 64

هذا، وفي المقابل نراه يعتمد علي من هو موصوف عندهم بالتعصّب، ويدافع عمّن ذكروا له القوادح الكثيرة المسقطة عن الاعتبار؛ ومن ذلك:

* دفاعه عن الجاحظ:

لقد نقل العلّامة رحمه اللَّه عن الجاحظ مطلباً في مقام الاحتجاج والإلزام قائلًا: «قال الجاحظ، وهو من أعظم الناس عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام» «1».

فقال الفضل: «وأمّا ما ذكر أنّ الجاحظ كان من أعدائه،

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 253، وانظر: دلائل الصدق 2/ 564.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 65

فهذا كذب» «1».

أقول:

قال ابن تيميّة في كلام له: «نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالّذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم، يقولون: إنّه كان في قتاله علي الحقّ مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات، مثل المروانية الذي صنّفه الجاحظ» «2».

فانظر من الكاذب؟! وهل الفضل أكثر تعنّتاً من ابن تيميّة؟!

وإن شئت التفصيل، فارجع إلي الجزء السادس من كتابنا الكبير «3».

* اعتماده علي ابن الجوزي في كتاب «الموضوعات»:

لقد حكم الفضل علي كثير من أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام بالبطلان والوضع، ولمّا لم يكن عنده أيّ دليلٍ علي مدّعاه، ذكر كلام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الموضوعات!

فمن ذلك ردّه علي استدلال العلّامة بقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «كنت أنا وعليٌّ بن أبي طالب نوراً بين يدي اللَّه … » بقوله: «ذكر

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 565.

(2) منهاج السُنّة 4/ 399.

(3) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 6/ 260- 310.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 66

ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب الموضوعات من طريقين، وقال:

هذا حديث موضوع علي رسول اللَّه … » «1».

كما إنّه طعن في بعض الرواة الّذين نقل عنهم العلّامة،

ولم يذكر دليلًا علي طعنه إلّا كلام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات …

ومن ذلك قوله في الكلبي: «قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: «وكان من كبار الكذّابين: وهب بن وهب القاضي، ومحمّد بن السائب الكلبي، و … » قال: «والغرض أنّ محمّد بن السائب الكلبي من الكذّابين الوضّاعين» «2».

أقول:

ونحن مضطرّون هنا إلي ذِكر بعض كلمات أئمّة القوم في ابن الجوزي وفي خصوص كتاب الموضوعات، ليتبيّن السبب الحقيقي لاعتماد الفضل عليه وعلي كتابه في مقابلة العلّامة في مثل هذه المواضع، ولكي تعرف حقيقة حال الفضل أيضاً!

قال الذهبي- بترجمة أبان بن يزيد العطّار-: «قد أورده العلّامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه. وهذا من

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 349.

(2) دلائل الصدق 3/ 572.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 67

عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق» «1».

وقال بترجمة ابن الجوزي: «كان كثير الغلط في ما يصنّفه … له وهم كثير في تواليفه … » «2».

وقال ابن حجر الحافظ- بترجمة ثمامة بن الأشرس، بعد قصّة-:

«دلّت هذه القصّة علي إنّ ابن الجوزي حاطب ليلٍ لا ينقد ما يحدّث به» «3».

وقال السيوطي: «قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه» «4».

وقال السيوطي: «واعلم أنّه جرت عادة الحفّاظ- كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم- أنّهم يحكمون علي حديثٍ بالبطلان من حيثية سندٍ مخصوص، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجهٍ آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم علي المتن

__________________________________________________

(1) ميزان الاعتدال 1/ 130 رقم 20.

(2) تذكرة الحفّاظ 4/ 1347 رقم 1098.

(3) لسان

الميزان 2/ 83.

(4) طبقات الحفّاظ: 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 68

بالوضع مطلقاً، ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر» «1».

وقال السيوطي بشرح النواوي مازجاً بالمتن: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لا دليل علي وضعه، بل هو ضعيف، بل وفيه الحسن والصحيح، وأغرب من ذلك أنّ فيها حديثاً من صحيح مسلم! قال الذهبي: ربّما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّة» «2».

أقول:

فهل كان ابن روزبهان جاهلًا بحال ابن الجوزي وكتابه؟!

__________________________________________________

(1) التعقيبات علي الموضوعات- مقدّمة الكتاب/ طبعة الهند.

(2) تدريب الراوي- شرح تقريب النواوي 1/ 278.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 69

الفصل السادس: نقل المطلب عن كتابٍ وليس فيه ونفي وجوده في كتابٍ وهو فيه … ص: 69

ثمّ إنّه قد ينقل الحديث أو غيره من كتابٍ من الكتب، ويظهر بعد المراجعة عدم وجوده فيه … وبالعكس، عندما يستدل العلّامة بحديث أو ينسب إلي القوم عقيدةً أو قولًا، فينفي وجوده أو ما يفيده في الكتاب أو شي ء من الكتب.. وهذه موارد من ذلك:

* ذكر العلّامة أقوالًا للأشاعرة في الجواب عمّا أورد عليهم في مسألة الكسب، فقال الفضل:

«وأمّا هذه الأقوال التي نقلها عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم».

فذكر الشيخ المظفّر أنّها موجودة في شرح المقاصد.

والعجيب أنّه مع قوله: «فما رأيناها في كتبهم» يقول بالنسبة إلي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 70

القول الثاني من تلك الأقوال: «هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلّاني من الأشاعرة» «1».

* وذكر الفضل قصّة زنا المغيرة ودرء عمر الحدّ عنه، بنحوٍ ينزّه فيه المغيرة عن ذلك الفعل الشنيع وعمر عن تعطيل حدّ اللَّه فيه، فقال:

«هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة، وذكره البخاري

في تاريخه، وابن الجوزي، وابن خلّكان، وابن كثير، وسائر المحدّثين، وأرباب التاريخ في كتبهم» …

قال: «وعلي هذا الوجه هل يلزم طعن؟!» «2».

فقال الشيخ المظفّر في الجواب: «قبح الكذب عقلي وشرعي، ولا سيّما في مقام تحقيق المذهب الحقّ الذي يسأل اللَّه العبد عنه، وأقبح منه عدم المبالاة به وعدم الحياء ممّن يطّلع عليه.

أنت تري هذا الرجل يفتعل قصّةً وينسبها إلي كتبٍ معروفة، وما رأيناه منها خالٍ عن أكثر هذه القصّة، كتاريخ الطبري ووفيات الأعيان …

ولنذكر ما في تاريخ الطبري ووفيات الأعيان لتعلم كذبه في ما نسبه إليهما، ونستدلّ به علي كذبه في ما نسبه إلي غيرهما … » «3».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 540 و 541 و 547.

(2) دلائل الصدق 3/ 149.

(3) دلائل الصدق 3/ 149- 150.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 71

* وقال الفضل- في الدفاع عن عثمان في إيوانه الحكم بن أبي العاص وأهله-:

«روي أرباب الصحاح أنّ عثمان لمّا قيل له: لِمَ أدخلت الحكم ابن أبي العاص؟! قال: استأذنت رسول اللَّه في إدخاله فأذن لي، وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدّقاني، فلمّا صرت والياً عملت بعلمي في إعادتهم إلي المدينة. وهذا مذكور في الصحاح، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل لا يوافقه نقل الصحاح … » «1».

أقول:

قد ادّعي هذا قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزلي، واعترض عليه السيّد المرتضي علم الهدي- كما نقل العلّامة عنه- بأنّ هذا- قول قاضي القضاة- لم يُسمع من أحدٍ، ولا نُقل في كتاب، ولا يُعلم من أين نقله القاضي؟! أو في أيّ كتابٍ وجده؟! «2».

وهنا أيضاً يقول الشيخ المظفّر: «لا أثر لهذا الخبر في صحاحهم بحسب التتبّع، ولم أجد من نقله عنها، ولو كان موجوداً فيها فلِمَ

لم يعيّن الكتاب ومحلّ ذِكره منه بعد إنكار المرتضي رحمه اللَّه … » «3».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 258.

(2) نهج الحقّ: 292، وانظر: دلائل الصدق 3/ 256.

(3) دلائل الصدق 3/ 259.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 72

* وذكر الفضل مطلباً- في مقام الدفاع عن عثمان وتبرئته عن تعطيل حدّ اللَّه في عبيداللَّه بن عمر- ونسبه إلي التواريخ قائلًا:

«هذا ما كان من أمر الهرمزان علي ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره … » «1».

فقال الشيخ المظفّر: «عجباً لهذا الرجل من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به، فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلي الطبري وغيره، وقد نظرت تاريخ الطبري وغيره ممّا حضرني من كتبهم، فلم أجد بها … » «2».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 310.

(2) دلائل الصدق 3/ 310.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 73

الفصل السابع: التحريفات في الروايات والكلمات … ص: 73

وما أكثر تحريفات الفضل في الأخبار والروايات وكلمات العلماء، بزيادةٍ أو نقيصة، وهو في نفس الوقت يتّهم العلّامة والشيعة بالاختلاق والافتراء، ونحن نذكر من ذلك موارد، ليزداد الباحث المنصف بصيرةً واطّلاعاً علي واقع حال الفضل وقومه:

* قال العلّامة- في مبحث أنّ الأنبياء معصومون، في ذكر ما في كتب القوم من الإهانة والقدح في الأنبياء-: «وفي الصحيحين، عن عبداللَّه بن عمر: أنّه كان يحدّث عن رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم أنّه دعا زيد بن عمرو بن نفيل، وذلك قبل أن ينزل الوحي علي رسول اللَّه، فقدّم إليه رسول اللَّه سفرةً فيها لحم، فأبي أن يأكل منها، ثمّ قال: إنّي لا آكل ما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل ممّا لم يذكر اسم اللَّه عليه».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 74

قال العلّامة: «فلينظر العاقل: هل يجوز

له أن ينسب نبيّه إلي عبادة الأصنام والذبح علي الأنصاب ويأكل منه، وأنّ زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف باللَّه منه وأتمّ حفظاً ورعاية لجانب اللَّه تعالي نعوذ باللَّه من هذه الاعتقادات الفاسدة» «1».

فقال الفضل:

«من غرائب ما يستدلّ به علي ترك أمانة هذا الرجل وعدم الاعتماد والوثوق علي نقله: رواية هذا الحديث. فقد روي بعض الحديث ليستدلّ به علي مطلوبه، وهو الطعن في رواية الصحاح، وما ذكر تمامه، وتمام الحديث: أنّ رسول اللَّه لمّا قال زيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام قال: وأنا أيضاً لا آكل من ذبيحتهم وممّا لم يُذكر اسم اللَّه عليه؛ فأكلا معاً.

وهذا الرجل لم يذكر هذه التتمّة من الطعن في الرواية، نسأل اللَّه العصمة من التعصّب، فإنّه بئس الضجيع» «2».

أقول:

الحديث رواه العلّامة عن مسند أحمد والكتابان موجودان- كما ذكر الفضل-، وقد قال الشيخ المظفّر في جوابه: «من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل وينسب الكذب إلي آية اللَّه المصنّف رحمه اللَّه،

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 155، وانظر: دلائل الصدق 1/ 662.

(2) دلائل الصدق 1/ 662.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 75

وشدّد النكير عليه وعلي علمائنا أهل الصدق والأمانة.

وإذا أردت أن تعرف كذبه فراجع المسند ص 111 من الجزء الأوّل، تجد الحديث مشتملًا علي لفظ (خليفتي).

وهكذا نقله في الكنز عن المسند، وعن ابن جرير، قال: وصحّحه، وعن الطحاوي والضياء في المختارة «1» … » «2».

* وقال العلّامة في حديث تزويج أمير المؤمنين بالزهراء عليهما السلام: «في مسند أحمد بن حنبل: إنّ أبا بكر وعمر خطبا إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم فاطمة عليها السلام، فقال: إنّها صغيرة؛ فخطبها عليٌّ فزوّجها منه «3»» «4».

فقال الفضل: «صحّ في الأخبار أنّ

أبا بكر وعمر خطبا فاطمة فقال رسول اللَّه: إنّي أنتظر أمر اللَّه فيها، ولم يقل: إنّها صغيرة، وهذا افتراء علي أحمد بن حنبل، وكلّ من قال هذا فهو مفتر علي رسول اللَّه وناسباً «5» للكذب إليه … » «6».

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 128 ح 36408.

(2) دلائل الصدق 2/ 360.

(3) فضائل الصحابة- لأحمد بن حنبل- 2/ 761 ح 1051.

(4) نهج الحقّ: 222، وانظر: دلائل الصدق 2/ 447.

(5) كذا في الأصل، والصحيح: «ناسبٌ» بالرفع.

(6) دلائل الصدق 2/ 447.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 76

فقال الشيخ المظفّر: «ما نقله المصنّف رحمه اللَّه عن المسند قد رواه بعينه النسائي في أوائل كتاب النكاح من سننه، في باب تزويج المرأة مثلها في السنّ «1»، ورواه الحاكم وصحّحه علي شرط الشيخين ولم يتعقّبه الذهبي «2» … » «3».

* وقال العلّامة- في اعتراضات عمر علي النبيّ بسوء أدب-:

«وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي، في مسند عبداللَّه بن عمر بن الخطّاب: إنّه لمّا توفّي عبداللَّه بن أبي سلول، جاء ابنه عبداللَّه إلي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فسأله أن يصلّي عليه، فقام رسول اللَّه ليصلّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه! أتصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول اللَّه: إنّما خيّرني اللَّه تعالي «4» … » «5».

فقال الفضل: «غيَّر الحديث عن صورته، والصواب- من رواية

__________________________________________________

(1) سنن النسائي 6/ 62، السنن الكبري للنسائي أيضاً- 3/ 265 ح 5329 و ج 5/ 143 ح 8508.

(2) المستدرك علي الصحيحين 2/ 181 ح 2705، ورواه ابن حبّان في صحيحه 9/ 51 ح 6909.

(3) دلائل الصدق 2/ 447- 448.

(4) الجمع بين الصحيحين 2/ 219 ح 1335.

(5)

نهج الحقّ: 338، وانظر: دلائل الصدق 3/ 503.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 77

الصحاح- أنّ عمر قال لرسول اللَّه: أتصلّي عليه وهو قال كذا وكذا؟! وطفق يعدّ مثالبه وما ظهر عليه من نفاقه، فقال رسول اللَّه: دعني! فأنا مأمور ومخيَّر؛ فصلّي عليه، فأنزل اللَّه تصديقاً لفعل عمر ونهيه عن الصلاة عليه قوله: «وَلَا تُصَلِّ عَلَي أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلَا تَقُمْ عَلَيَ قَبْرِهِ» «1»

الآية؛ وهذا من مناقب عمر حيث وافقه اللَّه علي فعله وأنزل علي تصديق قوله القرآن … » «2».

فقال الشيخ المظفّر في جوابه: «قد روي البخاري هذا الحديث بألفاظه التي ذكرها المصنّف رحمه اللَّه «3»، وكذلك مسلم في فضائل عمر «4»، وفي أوّل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم «5».. فما نسيه الفضل إلي المصنّف رحمه اللَّه من تغيير صورة الحديث جهل وتحامل.

بل الفضل هو الذي غيّر صورة الحديث الذي صوّبه … » «6».

* وقال العلّامة- في زيادة عمر في الأذان: الصلاة خير من النوم-:

«روي الحميدي في الجمع بين الصحيحين في حديث أبي محذورة

__________________________________________________

(1) سورة التوبة 9: 84.

(2) دلائل الصدق 3/ 503.

(3) صحيح البخاري 6/ 129 ح 190 و 192.

(4) صحيح مسلم 7/ 116.

(5) صحيح مسلم 8/ 120.

(6) دلائل الصدق 3/ 504.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 78

سمرة بن مِعْيَر لمّا علّمه الأذان «1» … » «2» فلم يذكر فيه: «الصلاة خير من النوم».

فقال الفضل: «روي مسلم في صحيحه، وكذا الترمذي والنسائي في صحيحهما، عن أبي محذورة، قال: قلت: يا رسول اللَّه! علّمني الأذان، فذكر الأذان وقال بعد (حيّ علي الفلاح): فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم» «3».

فقال الشيخ المظفّر: «ما أصلف وجهه وأقلّ حيائه، كيف افتري في حديث أبي

محذورة هذه الزيادة علي صحيح مسلم وهو بأيدي الناس، ولا أثر لها فيه «4»، كما إنّه لا وجود لهذا الحديث في صحيح الترمذي حتّي بدون الزيادة، وإنّما أشار إليه إشارة «5».

نعم، هو موجود بالزيادة في صحيح النسائي، في الأذان في السفر، من طريق واحدٍ ضعيف «6»، ورواه قبله من طرق بدون هذه الزيادة «7» … » «8».

__________________________________________________

(1) الجمع بين الصحيحين 3/ 503 ح 3061.

(2) نهج الحقّ: 351، وانظر: دلائل الصدق 3/ 554.

(3) دلائل الصدق 3/ 555.

(4) صحيح مسلم 2/ 3 الحديث الأوّل من باب صفة الأذان.

(5) سنن الترمذي 1/ 366 ح 191 و 192.

(6) سنن النسائي 2/ 7.

(7) سنن النسائي 2/ 4- 6.

(8) دلائل الصدق 3/ 555.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 79

* وقال العلّامة: «روي البخاري ومسلم في صحيحهما: قال عمر للعبّاس وعليّ: فلمّا توفّي رسول اللَّه قال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللَّه، فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها.. فقال أبو بكر: قال رسول اللَّه: لا نورّث ما تركنا صدقة.

فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً؛ واللَّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ.

ثمّ توفّي أبو بكر فقلتُ: أنا وليّ رسول اللَّه ووليّ أبي بكر؛ فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللَّه يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ … ».

قال العلّامة: « … إنّه وصف اعتقاد عليّ والعبّاس في حقّه وحقّ أبي بكر بأنّهما كاذبان آثمان غادران خائنان.. فإن كان اعتقاده فيهما حقّاً وكان قولهما صدقاً، لزم تطرّق الذمّ إلي أبي بكر وعمر، وأنّهما لا يصلحان للخلافة.. وإن لم يكن كذلك، لزم أن يكون قد قال عنهما بهتاناً وزوراً إن كان اعتقاده مخطئاً، وإن كان مصيباً لزم

تطرّق الذمّ إلي عليٍّ والعبّاس حيث اعتقدا في أبي بكر وعمر ما ليس فيهما «1» … » «2».

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 5/ 152، وسيأتي ما في صحيح البخاري.

(2) نهج الحقّ: 364- 366، وانظر: دلائل الصدق 3/ 600.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 80

أقول:

هذا ما نقله العلّامة من الصحيحين وعلّق عليه بأُمور منها ما ذكرناه.

فقال الفضل: «هذا كلام أدخله هذا الكاذب في الحديث الصحيح من رواية البخاري … وليس فيه ما قال: (فرأيتماه كاذباً غادراً خائناً) حتّي يحتاج إلي الاعتذار» «1».

أقول:

قال العلّامة: «روي البخاري ومسلم في صحيحهما … » فذكر القصّة عنهما، ونحن نذكر لك واقع حال اللفظ الذي أنكره الفضل ونسب إدخاله في الحديث إلي العلّامة، كي تعرف الحقيقة، وأنّ العلّامة لم يُدخِل في الحديث، وإنّما الخيانة من البخاري ومن لفّ لفّه!!

أخرج مسلم في صحيحه عن مالك بن أوس: إنّ عمر قال مخاطباً لعليٍّ والعبّاس:

«فلمّا توفّي رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول اللَّه؛ فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول اللَّه: ما نورّث ما تركنا صدقة؛ فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللَّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 603.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 81

تابع للحقّ. ثمّ توفّي أبو بكر، وأنا وليّ رسول اللَّه ووليّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً، واللَّه يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ» «1».

هذا نصُّ الحديث في صحيح مسلم.

وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، ولكنّه في كلّ موضع بلفظٍ يختلف عن غيره!

* فأخرجه في باب فرض الخمس باللفظ التالي: « … فقبضها أبو بكر، فعمل فيها

بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، واللَّه يعلم أنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ؛ ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر، فكنت أنا وليّ أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بما عمله رسول اللَّه وما عمل فيها أبو بكر، واللَّه يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ» «2».

فحذف البخاري من الحديث كلتا الفقرتين: «فرأيتماه … »

و «فرأيتماني … ».

* وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير: «فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم،

__________________________________________________

(1) صحيح مسلم 5/ 152، كتاب الجهاد، باب حكم الفي ء.

(2) صحيح البخاري 4/ 180 ضمن ح 3.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 82

وأنتم حينئذٍ- فأقبل علي عليٍّ وعبّاس وقال: - تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان، واللَّه يعلم أنّه فيه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّي اللَّهُ أبا بكر، فقلت: أنا وليّ رسول اللَّه وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه بما عمل فيه رسول اللَّه وأبو بكر، واللَّه يعلم أنّي فيه صادق بارّ راشد تابع للحقّ … » «1».

فأسقط فقرة: «فرأيتماه … » وجعل مكانها «تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان»، وحذف الفقرة الثانية.

* وأخرجه في كتاب النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنته:

«فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وأنتما حينئذٍ- وأقبل علي عليٍّ وعبّاس- تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا؛ واللَّه يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ؛ ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلتُ: أنا وليّ رسول اللَّه وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول اللَّه وأبو

بكر … » «2».

فأسقط الفقرة الأُولي وجعل مكانها: «تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا» وأسقط الفقرة الثانية.

* وأخرجه في كتاب الفرائض، باب قول النبيّ: لا نورّث ما

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 5/ 207 ضمن ح 78.

(2) صحيح البخاري 7/ 114 ضمن ح 93.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 83

تركنا صدقة:

«فتوفّي اللَّه نبيّه فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللَّه، فقبضها فعمل بما عمل به رسول اللَّه، ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ رسول اللَّه، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول اللَّه وأبو بكر … » «1».

فحذف الفقرتين معاً، ولم يجعل شيئاً مكانهما!

* وأخرجه في كتاب الاعتصام، باب ما يكره من التعمّق والتنازع:

«ثمّ توفّي اللَّه نبيّه فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللَّه، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول اللَّه، وأنتما حينئذٍ- وأقبل علي عليٍّ وعبّاس فقال: - تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا، واللَّه يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ؛ ثمّ توفّي اللَّه أبا بكر فقلت: أنا وليّ رسول اللَّه وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول اللَّه وأبو بكر … » «2».

فحذف الفقرة الأُولي ووضع مكانها «تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا»، أمّا الفقرة الثانية فقد حذفها!

فممّن هذا التلاعب بالأخبار؟! وهل الفضل يجهل هذا أو يتجاهل؟! ولماذا يتّهم العلّامة والإماميّة؟!

* وقال العلّامة- في مبحث عصمة الأنبياء-: «وروي الحميدي

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 8/ 267 ضمن ح 5.

(2) صحيح البخاري 9/ 178 ضمن ح 76.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 84

في الجمع بين الصحيحين، قالت عائشة: رأيت النبيّ يسترني بردائه وأنا أنظر إلي الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر «1».

وروي الحميدي عن

عائشة، قالت: دخل علَيَّ رسول اللَّه وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث، فاضطجع علي الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبيّ. فأقبل عليه رسول اللَّه وقال: دعها. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا … » «2».

فقال الفضل: «وأمّا منع أبي بكر عنه، فإنّه كان يعلم جوازه في أيّام العيد، وتتمّة الحديث: أنّ النبي قال لأبي بكر: «دعهما، فإنّها أيّام عيد» فلذلك منعه أبو بكر، فعلّمه رسول اللَّه أنّ ضرب الدفّ والغناء ليس بحرام في أيّام العيد» «3».

أقول:

أين هذه التتمّة؟! ومن أين جاء بها الفضل؟!

قال الشيخ المظفّر: «وأمّا ما ذكره من تتمّة الحديث، فمن إضافاته، علي إنّها لا تنفعه بالنظر إلي تلك الأُمور السابقة، ومن أحبّ الاطّلاع علي كذبه في هذه الإضافة- أعني قوله: (فإنّها أيّام عيد)- تعليلًا لقوله

__________________________________________________

(1) الجمع بين الصحيحين 4/ 52 ح 3168.

(2) نهج الحقّ: 149، وانظر: دلائل الصدق 1/ 631.

(3) دلائل الصدق 1/ 632.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 85

لأبي بكر: «دعها» فليراجع الباب الثاني من كتاب العيدين من صحيح البخاري «1»، وآخر كتاب العيدين من صحيح مسلم «2»» «3».

* وآخر تحريف من الفضل نذكره: تحريفه كلام الحافظ القاضي عياض، وتفصيل ذلك:

إنّ العلّامة رحمه اللَّه ذكر- في معرض ما في كتب القوم من الصحاح وغيرها من الهتك لنبيّنا وسائر الأنبياء عليهم السّلام- قصّة «الغرانيق» «4».

فأنكر الفضل وجود القصّة في الصحاح.. ثمّ قال في آخر كلامه:

«وذكر الشيخ الإمام القاضي أبو الفضل موسي بن عياض «5» اليحصبي المغربي في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفي أنّ هذا من

__________________________________________________

(1) صحيح البخاري 2/ 54 ح 2.

(2) صحيح مسلم 3/ 22.

(3) صحيح مسلم 3/ 22.

نقول: إنّ جملة «فإنّها أيّام عيد» غير موجودة

في الحديثين المشار إليهما، والتي ادّعي الفضل أنّها موجودة فيهما؛ ولذلك تمسّك الشيخ المظفّر قدس سرّه بتكذيبه.. إلّا أنّ هذه الجملة مذكورة بعينها في حديث آخر من صحيح البخاري هي غير محلّ النزاع، فانظر: صحيح البخاري 2/ 68 ح 34؛ فلاحظ!

(4) نهج الحقّ: 143، دلائل الصدق 1/ 598.

(5) كذا! والصواب: أبو الفضل عياض بن موسي بن عياض.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 86

مفتريات الملاحدة ولا أصل له، وبالغ في هذا كلّ المبالغة» «1».

فقال الشيخ المظفّر: «وأمّا ما نسبه إلي القاضي عياض في كتاب الشفا فافتراء عليه؛ لأنّه إنّما قال: «صدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلي الناس ببعض الأهواء والتفسير وتعلّق بذلك الملحدون «2»» «3».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 1/ 604.

(2) الشفا بتعريف حقوق المصطفي 2/ 125.

(3) دلائل الصدق 1/ 604.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 87

الفصل الثامن: التناقض … ص: 87

وكم من مورد ناقض الفضل فيه نفسه … نكتفي من ذلك بذِكر موردين:

* وقال العلّامة طاب ثراه في مباحث أفضلية أمير المؤمنين عليه السّلام المستلزمة لإمامته: «المطلب الثاني: العِلم. والناس كلّهم- بلا خلاف- عيال عليه في المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية والأحكام الشرعية والقضايا النقلية … وروي الترمذي في صحيحه: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها «1» … » («2»).

__________________________________________________

(1) اللفظ الموجود فعلا في سنن الترمذي هو: «أنا دارالحكمة و علي بابها» و جاء في ذيله: «و في الباب عن ابن عباس» … و من المعروف أن حديث ابن عباس هو: «أنا مدينة العلم و علي بابها» كما في مصادر الحديث، و قد ذكر ابن حجر هذا الحديث نقلا عن الترمذي و غيره. انظر: سنن الترمذي 5/ 596

ح 3723، الصواعق المحرقة: 189.

(2) نهج الحقّ: 235- 236، وانظر: دلائل الصدق 2/ 515.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 88

فقال الفضل في جوابه: «ما ذكره من علم أمير المؤمنين، فلا شكّ أنّه من علماء الأُمّة، والناس محتاجون إليه فيه، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحدٍ فيه.

وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي، فصحيح «1» … » «2».

أقول:

قال الفضل في حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام بأنّه «من علماء الأُمّة».. فإن أراد أنّه «من علماء الأُمّة» بمعني أنّ في الأُمّة من يساويه في العلم، فهذا لا يجتمع مع كونه «وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف»، فيحصل التناقض.

وإن أراد أنّه «من علماء الأُمّة» لكن لا يساويه غيره فيه، لكونه

__________________________________________________

(1) نقل غير واحد من علماء الشيعة والسُنّة حديث: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» من صحيح الترمذي وصرّحوا وأقرّوا بوجوده فيه وبصحّته، لكنّ هذا الحديث غير موجود في نسخ صحيح الترمذي المتداولة اليوم، فهو من الأحاديث الصحيحة التي أسقطتها يد الخيانة والعداء لأهل البيت عليهم السّلام من الصحاح والمسانيد والسنن!

(2) دلائل الصدق 2/ 515.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 89

«وصيّ النبي … » فقد اعترف بأعلمية الإمام عليه السّلام بالنسبة إلي غيره، وهذا هو المطلوب، ولكنّه لا يعترف به مكابرة وعناداً للحقّ.

* واستدلّ العلّامة رحمه اللَّه برواية أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المشهورين، في قضيّة إقدام عمر علي إحراق بيت أمير المؤمنين عليه السّلام «1» «2».

فأجاب الفضل قائلًا: «من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر، وهو إحراق عمر بيت فاطمة.

وما ذكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ، فالطبري من الروافض، مشهور بالتشيّع، مع إنّ علماء

بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره، وكلّ من نقل هذا الخبر فلا يشكّ أنّه رافضي متعصّب، يريد إبداء القدح والطعن علي الأصحاب، أنّ العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلف ظاهر عليه أنّ هذا الخبر كذب صراح وافتراء بيّن … » «3».

فهنا يطعن في الطبري صاحب التاريخ وفي كتابه، ويسقطه عن الاعتبار.

__________________________________________________

(1) تاريخ الطبري 2/ 233.

(2) نهج الحقّ: 271، وانظر: دلائل الصدق 3/ 78.

(3) دلائل الصدق 3/ 79.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 90

لكنّه في بعض الموارد الأُخري يعتمد عليه ويحتجّ بروايته …

فمثلًا: عندما يريد الدفاع عن عمر في قضيّة تعطيله حدّ المغيرة بن شعبة في الزنا، يقول بعد نقل الخبر: «هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة» «1» «2».

ومثلًا: عندما يريد الدفاع عن عثمان في تعطيله حدّ عبيداللَّه بن عمر في قتل الهرمزان، يأتي بخبرٍ فيقول:

«هذا ما كان من أمر الهرمزان علي ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره «3»» «4».

فاعتماده علي الطبري بعد كلامه المذكور في جرحه تناقض.

بل نقل في موردٍ آخر عنه وعن ابن الجوزي مع النصّ علي كونهما «من أرباب صحّة الخبر»! وهذا لفظه:

«خروج أبي ذرّ- علي ما ذكره أرباب الصحاح، وذكره الطبري «5»

__________________________________________________

(1) ولا يخفي أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري، وإنّما ذكرت القصّة باختلاف؛ راجع: تاريخ الطبري 2/ 492- 494.

(2) دلائل الصدق 3/ 149.

(3) ولا يخفي أنّ الخبر الذي أورده غير موجود في تاريخ الطبري.

(4) دلائل الصدق 3/ 310.

(5) انظر: تاريخ الطبري 2/ 615.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 91

وابن الجوزي من أرباب صحّة الخبر- أنّه ذهب إلي الشام، وكان مذهب أبي ذرّ أنّ قوله تعالي «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ

الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ» «1»

في أولاد مروان.. وهذا كلامه في الدفاع عن معاوية، حين قال العلّامة: «إنّه نزل في حقّه وحقّ أنسابه «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ» «2»

في أولاد مروان..

وهذا كلامه في الدفاع عن معاوية، حين قال العلّامة: «إنّه نزل في حقّه وحقّ أنسابه «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ»» «3»

قال:

«هذه الآية اختلف في شأن نزولها، قال بعضهم: نزلت في رؤيا رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم، وأنّه رأي في الرؤيا أولاد مروان ينزون علي منبره؛ ولم يذكر أحد من علماء السُنّة أنّه نزل في «4» معاوية «5»».

__________________________________________________

(1)

سورة التوبة 9: 34.

(2) سورة الإسراء 17: 60.

(3) نهج الحقّ: 312، وانظر: دلائل الصدق 3/ 390.

(4) دلائل الصدق 3/ 390.

(5) وهذا منه مغالطة، فالعلّامة لم يذكر نزولها في معاوية خصوصاً، بل مراده أنّها نزلت في بني أُميّة، ومعاوية منهم.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 92

* ومن تناقضاته: إنّه منع من لعن معاوية وذكر مساوئه، وقال بأنّ ذكر مطاعنه محض الغيبة الضارّة وقد قال رسول اللَّه: لا تذكروا موتاكم إلّا بالخير. وهو يقرّ بصحة حديث «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» ويعترف بأنّ أصحاب معاوية قتلوا عمّاراً، وهم الفئة الباغية «1».

* ومن تناقضاته قوله: «مذهب عامة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم والكفّ عن القدح فيهم، لأنّ اللَّه تعالي عظّمهم وأثني عليهم في غير موضع من كتابه» «2» ثمّ قوله عن سورة الجمعة: «فأنزل اللَّه الآية في شأن من يذهب ويترك رسول اللَّه قائماً، وفي كلّ طائفةٍ يكون عوامّ وخواصّ، ولا يبعد هذا عن الإنسان» «3».

أقول:

فهل يري وجوب تعظيم هؤلاء أيضاً؟!

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 353.

(2) دلائل الصدق 3/ 398.

(3) دلائل الصدق 3/ 423- 424.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 93

الفصل التاسع: الخروج عن البحث، والإباء عن الإقرار بالحق … ص: 93

وهذا

أيضاً ممّا يلوح للناظر في كتابه بكثرة:

* فمثلًا: قال العلّامة طاب ثراه: «الرابع عشر- من مسند أحمد ابن حنبل، وفي الصحاح الستّة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من عدّة طرق: إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ … » «1».

فانظر إلي كلام الفضل في جوابه: «اتّصال النبيّ بعليٍّ في النسب، وأُخوّة الإسلام، والنصرة والمؤازرة، غير خفيّ علي أحدٍ، ولا دلالة علي النصّ بخلافته، لأنّ مثل هذا الكلام قال رسول اللَّه لغير عليٍّ، كما ذُكر أنّه قال: الأشعريّون إذا قحطوا أرملوا، أنا منهم وهم منّي؛ ولا شكّ أنّ

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 218، وانظر: دلائل الصدق 2/ 420.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 94

الأشعريّين بهذا الكلام لم يصيروا خلفاء، فلا يكون هذا نصّاً» «1».

أقول:

وهكذا عارض الفضل حديث الصحاح الستّة وغيرها بحديث رووه في الأشعريّين …

ألا يعلم الفضل عدم ورود جملة «وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» في حقّ أحدٍ غير عليٍّ عليه السّلام؟!

ألا يعلم عدم ورود جملة «لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ» في حقّ أحدٍ سواه؟!

هذا، وقد جاءت جملة: «إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ» متعقَّبةً بهاتين الجملتين، لتدلّ علي معنيً غير المعني المراد منها في حديث الاشعريّين إن صحّ …

وكلّ هذه الأُمور يعلمها الفضل، لكنّه يخرج عن البحث فراراً من الإقرار بالحقّ!

* وكذلك تجده يأبي الإقرار بالحقّ في مسألة أشجعيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فالعلّامة رحمه اللَّه يقول: «أجمع الناس كافّة علي إنّ عليّاً عليه السّلام كان أشجع الناس بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 420.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 95

وآله وسلّم … » «1».

وهل

في هذا كلام لأحدٍ حتّي لا يعترف الفضل بالأشجعيّة، بل يقول: «شجاعة أمير المؤمنين أمر لا ينكره إلّا من أنكر وجود الرمح السماك في السماء … » «2».

* وكذلك في آية التطهير وحديث الكساء، فالعلّامة رحمه اللَّه ينقل عن مسند أحمد والجمع بين الصحاح الستّة عن أُمّ سلمة … ثمّ يقول: «وقد روي نحو هذا المعني من صحيح أبي داود وموطّأ مالك وصحيح مسلم في عدّة مواضع وعدّة طرق» «3».

فإن كان العلّامة كاذباً- والعياذ باللَّه- فليردّ عليه الفضل بعدم وجود الحديث في الصحاح، وإن كان صادقاً في النقل فليعترف بالحقّ … لكنّه يقول:

«إنّ الأُمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت، وظاهر القرآن يدلّ علي إنّها نزلت في أزواج النبيّ؛ وإن صدقَ في النقل عن الصحاح فكانت نازلة في آل العبا، وهي من فضائلهم، ولا تدلّ علي النصّ بالإمامة» «4».

فلماذا هذا العناد؟!

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 244، وانظر: دلائل الصدق 2/ 535.

(2) دلائل الصدق 2/ 535.

(3) نهج الحقّ: 228- 229، وانظر: دلائل الصدق 2/ 480.

(4) دلائل الصدق 2/ 480.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 96

الفصل العاشر: إنكار فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام … ص: 96

وهو بالإضافة إلي مناقشته في دلالات أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، فقد أنكر جملةً من الأحاديث والقضايا الواضحة الدلالة علي أفضليّته عليه السّلام، ومنها ما هو من خصائصه التي لا يشاركه فيها أحد أصلًا!

* فقد أنكر ولادة الإمام عليه السّلام في الكعبة المعظّمة، وهذه عبارته:

«المشهور بين الشيعة أنّ أمير المؤمنين وُلد في الكعبة، ولم يصحّحه علماء التواريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام وُلد في الكعبة ولم يولد فيها غيره» «1».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 507.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 97

أقول:

ليس هذا مشهوراً بين الشيعة فحسب، بل هو

مشهور عند الآخرين كذلك، بل الخبر به متواتر عندهم وكذا عند غيرهم كما نصّ عليه الحاكم النيسابوري «1».

* وأنكر أن تكون الراية يوم حنين بيد أمير المؤمنين عليه السّلام، وادّعي كونها بيد أبي بكر!

قال العلّامة قدس سرّه: «وفي غزاة حنين حين استظهر النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالكثرة، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين، فعانهم أبو بكر وقال: لن نُغلب اليوم من قلّة؛ فانهزموا بأجمعهم … » «2».

فأجاب الفضل بقوله: «وأمّا ما ذكر من أمر حنين وأنّ أبا بكر عانهم، فهذا من أكاذيبه، وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول اللَّه، وكان هو ذلك اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم … » «3».

أقول:

هنا مطالب:

1- إنّ أبا بكر قد عان المسلمين في ذلك اليوم، وإنّ ما ذكره العلّامة

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 550 ذ ح 6044.

(2) نهج الحقّ: 251، وانظر: دلائل الصدق 2/ 549.

(3) دلائل الصدق 2/ 551.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 98

موجود في غير واحدٍ من التفاسير، بتفسير قوله تعالي «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» «1» «2».

2- إنّ الراية كانت بيد أبي بكر؟! … من قال هذا؟!

3- بل إنّ من خصائص أمير المؤمنين عليه السّلام كون الراية بيده في جميع الحروب والغزوات، وهذا ما نصّ عليه غير واحدٍ من أعلام أهل السُنّة «3».

فمن الكاذب إذاً؟!

* ومن خصائصه عليه السّلام أنّه أوّل من أسلم، وإليك عبارة الفضل في ذلك:

«ما ذُكر أنّ عليّاً أوّل الناس إسلاماً، فهذا أمر مختلف فيه، وأكثر العلماء علي إنّ أوّل الناس إسلاماً هو خديجة، وقال بعضهم: أبو بكر، وقال بعضهم: زيد بن حارثة … » «4».

* وقال في آية التطهير: «أكثر المفسّرين علي إنّ الآية نزلت في

__________________________________________________

(1) سورة التوبة 9:

25.

(2) راجع منها مثلًا: الكشّاف 2/ 182، تفسير الرازي 16/ 23.

(3) انظر: الاستيعاب 3/ 1090 رقم 1855، أُسد الغابة 3/ 594 رقم 3783، فرائد السمطين 1/ 362 ح 289.

(4) دلائل الصدق 2/ 511.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 99

شأن الأزواج» «1».

أقول:

نصّ عبارة ابن حجر المكّي: «أكثر المفسّرين علي إنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين» «2».

* وقال في الآية «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ» «3»:

«اختلف المفسرون في الآية نزلت في من؟ قال كثير منهم: نزلت في صهيب الرومي … وأكثر المفسّرين علي إنّها نزلت في الزبير ابن العوّام ومقداد بن الأسود …

ولو كان نازلًا في شأن أمير المؤمنين عليّ … ليس هو بنصّ في إمامته» «4».

أقول:

فكثير من المفسّرين يقولون: «صهيب»، وأكثر المفسّرين يقولون:

«الزبير والمقداد».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 103.

(2) الصواعق المحرقة: 220.

(3) سورة البقرة 2: 207.

(4) دلائل الصدق 2/ 127- 128.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 100

أمّا أمير المؤمنين «لو كان نازلًا في شأنه … ».

لكنّك تجد القول بنزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه السّلام في ذيلها، لأنّه بات في مكان النبي صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم ليلة الهجرة، في كثير من التفاسير المشهورة لأهل السُنّة، كتفاسير: الرازي والقرطبي والثعلبي وأبي حيّان الأندلسي والنيسابوري والآلوسي «1»، بل في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي: «وقد روي المفسّرون كلّهم أنّ قول اللَّه تعالي «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي» الآية: نزلت في عليٍّ ليلة المبيت علي الفراش» «2».

وتجد الخبر بترجمة الإمام عليه السّلام، من تاريخ ابن عساكر وأُسد الغابة وتاريخ الخميس، وغيرها من كتب التواريخ والسير «3».

وتجده في باب الإيثار من كتاب إحياء علوم الدين للغزّالي 4/ 37.

وتجد الإيعاز إليه في حديث

عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس،

__________________________________________________

(1) تفسسير الفخر الرازي 5/ 222، تفسير القرطبي 3/ 16، البحر المحيط 2/ 118، روح المعاني 2/ 146، وانظر: أُسد الغابة 3/ 600 رقم 3783، وكفاية الطالب: 239 كلاهما نقلًا عن الثعلبي.

(2) شرح نهج البلاغة 13/ 261.

(3) تاريخ دمشق 42/ 67، أُسد الغابة 3/ 600 رقم 3783، تاريخ الخميس 1/ 325، تاريخ الطبري 1/ 567، الطبقات الكبري 1/ 176، تاريخ اليعقوبي 1/ 358، السيرة النبوية- لابن هشام- 3/ 8، السيرة الحلبية 2/ 191.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 101

المشتمل علي الفضائل العشر، التي هي خصائص لأمير المؤمنين، والصحيح سنداً بالقطع واليقين، وهو في مسند أحمد بن حنبل 1/ 330- 331، والخصائص- للنسائي-: 34 ح 23، والمستدرك علي الصحيحين 3/ 143 ح 4652.

وأخرج الحاكم في المستدرك بسندٍ- وافقه عليه الذهبي- عن عليّ بن الحسين عليه السّلام قال: «إنّ أوّل من شري نفسه ابتغاء رضوان اللَّه عليّ بن أبي طالب. وقال عليٌّ عند مبيته علي فراش رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم [من الطويل :

وقيتُ بنفسي خيرَ مَن وطي ء الحَصا ومن طافَ بالبيتِ العتيقِ وبالحِجرِ

رسول إلهٍ خاف أن يمكروا به فنجّاه ذو الطول الإله من المَكرِ

وباتَ رسول اللَّه في الغارِ آمناً موقّيً وفي حفظ الإله وفي سترِ

وبتُّ أُراعيهم ولم يتهَمُونني وقد وطّنتُ نفسي علي القتلِ والأَسرِ» «1»

* وقال العلّامة في أدلّة إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام من

__________________________________________________

(1) المستدرك علي الصحيحين 3/ 5 ح 4264.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 102

الآيات الشريفة:

«الثامنة: قوله تعالي «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي» «1»

روي الجمهور عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: انتهت الدعوة إليَّ وإلي

عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قطّ، فاتّخذني نبيّاً واتّخذ عليّاً وصيّاً» «2».

فقال الفضل: «هذه الرواية ليست في كتب أهل السُنّة والجماعة … » «3».

أقول:

هذه الرواية رواها الحافظ ابن المغازلي في كتابه مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب بسندٍ له عن ابن مسعود «4».

وقد استدلّ بها العلّامة في كتابه منهاج الكرامة فلم ينكرها ابن تيميّة في ردّه عليه «5»، لكنّ الفضل ينكر أصل وجودها في كتبهم،

__________________________________________________

(1) سورة البقرة 2: 124.

(2) نهج الحقّ: 179- 180، وانظر: دلائل الصدق 2/ 139.

(3) دلائل الصدق 2/ 139.

(4) مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: 239 ح 322.

(5) انظر: منهاج السُنّة 7/ 132.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 103

وكأنّه هنا أشدّ تعصّباً من ابن تيميّة المعروف بالنصب!!

* وقال العلّامة: «العاشرة: قوله تعالي «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» «1»

نقل الجمهور عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: أنا المنذر وعليٌّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون» «2».

فقال الفضل: «ليس هذا في تفاسير أهل السُنّة، ولو صحّ دلّ علي أنّ عليّاً هادي، وهو مسلّم؛ وكذا أصحاب رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم هداة: لقوله: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. ولا دلالة فيه علي النصّ» «3».

أقول:

وفي مثل هذا الموضع يمكن للباحث أن يطّلع علي حال الفضل عقيدةً وعلماً وعدالةً!!

أمّا أوّلًا: فلأنّه أنكر أن يكون تفسير «الهادي» في الآية المباركة في شي ء من تفاسير السُنّة، مع إنّ الأقوال بذلك عندهم كثيرة، والروايات به معتبرة، فلاحظ:

__________________________________________________

(1) سورة الرعد 13: 7.

(2) نهج الحقّ: 180، وانظر: دلائل الصدق 2/ 145.

(3) دلائل الصدق 2/ 145.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 104

مسند أحمد 1/ 126، تفسير الطبري 7/

343 ح 20160 و 20161، المستدرك علي الصحيحين 3/ 140 ح 4646، المعجم الصغير 1/ 261، مجمع الزوائد 7/ 41، تاريخ بغداد 12/ 372 رقم 6816، تاريخ دمشق 42/ 359، الدرّ المنثور 4/ 608، وغيرها «1».

ثمّ إنّ من رواته: ابن أبي حاتم، في تفسيره الخالي عن الموضوعات، كما ذكر ابن تيميّة «2»، وأيضاً فإنّ الهيثمي قال: رجال المسند ثقات «3»، وكذلك فقد صحّحه الحاكم، وأخرجه الضياء في المختارة، وبعض أسانيد ابن عساكر صحيح بلا كلام.

هذا، وقد رووا هذا الحديث عن جمعٍ من الصحابة، منهم: عليٌّ عليه السّلام، عبداللَّه بن العبّاس، عبداللَّه بن مسعود، جابر بن عبداللَّه، بريدة، سعد بن معاذ، أبو برزة الأسلمي … وغيرهم.

__________________________________________________

(1) انظر مثلًا: تفسير الحبري: 281، شواهد التنزيل 1/ 293- 303 ح 398- 416، فرائد السمطين 1/ 148 ح 111 و 112، تفسير ابن كثير 2/ 483، جامع الأحاديث- للسيوطي- 3/ 281 ح 8644، كنز العمّال 11/ 620 ح 33012، ينابيع المودّة 1/ 296- 297.

وراجع ما فصّلناه حول الآية في الجزء الثاني من كتابنا «تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات»، ص 140- 182.

(2) منهاج السُنّة 7/ 13.

(3) مجمع الزوائد 7/ 41.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 105

وأمّا ثانياً: فلأنّه ادّعي التساوي في الهداية بين «أمير المؤمنين» عليه الصلاة والسلام وبين سائر «أصحاب رسول اللَّه» صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، علي الإطلاق، وهذا ما لا يدّعيه أدني الناس إنصافاً وأقلّهم عقلًا.

وأمّا ثالثاً: فلأنّه عارض الأحاديث الواردة في تفسير الآية المباركة بحديث «أصحابي كالنجوم»، وهي معارضة باطلة لا يزعمها إلّا جاهل أو متعصّب، وذلك لوجهين.

الأوّل: إنّ أحاديث تفسير الآية بأمير المؤمنين عليه السّلام متّفق عليها بين الطرفين، معتبرة عند الفريقين، كثيرة عدداً، وصحيحة سنداً

وحديث «أصحابي كالنجوم» خبر واحد انفرد به أهل السُنّة، ولا يكون حجّةً علي الإماميّة حتّي لو كان صحيحاً سنداً عندهم.

والثاني: إنّ حديث «أصحابي كالنجوم» باطل موضوعٌ عند كبار أئمّة القوم، فهل يجهل الفضل ذلك أو يتجاهل؟!

قال أحمد بن حنبل: حديثٌ غيرُ صحيح «1».

وقال ابن حزم: خبر مكذوب، موضوع، باطل، لم يصحّ قطّ «2».

__________________________________________________

(1) التيسير في شرح التحرير 3/ 243.

(2) رسائل ابن حزم 3/ 96، وانظر: البحر المحيط- لأبي حيّان- 5/ 528.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 106

وقال أبو حيّان: حديث موضوع، لا يصحّ بوجهٍ عن رسول اللَّه «1».

وقال ابن القيّم عن طرق الحديث: لا يثبت شي ء منها … فهذا كلام لا يصحّ عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم «2».

وقال ابن الهمّام: حديث لم يُعرف «3».

وقال الشوكاني: فيه مقال معروف «4».

وأورده الألباني المعاصر في الأحاديث الموضوعة والضعيفة «5».

* وقال العلّامة: «الثانية عشرة- قوله تعالي «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» «6»

… روي الجمهور عن أبي سعيد الخدري، قال: ببغضهم عليّاً عليه السّلام» «7».

فقال الفضل: «ليس في تفسير أهل السُنّة. وإن صحّ دلّ علي فضيلته لا نصّ علي إمامته» «8».

__________________________________________________

(1) البحر المحيط 5/ 528.

(2) إعلام الموقعين 2/ 242.

(3) التحرير في أصول الفقه- بشرح أمير بادشاه- 3/ 243.

(4) إرشاد الفحول إلي تحقيق علم الأصول: 127.

(5) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/ 78.

(6) سورة محمد 47: 30.

(7) نهج البلاغة: 181، وانظر: دلائل الصدق 2/ 153.

(8) دلائل الصدق 2/ 154.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 107

أقول:

أليس كتاب الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور من تفاسير السُنّة، ومؤلّفه الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي، صاحب المؤلّفات الكثيرة الشهيرة، رواه فيه بتفسير الآية عن غير واحدٍ من أئمّة

الحديث والتفسير «1»؟!

فإن كان الفضل جاهلًا بهذا فما الذي يحمله علي الإنكار إلّاالعناد لأهل بيت النبيّ الأطهار؟!

* وقال العلّامة: «روي ابن عبدالبرّ وغيره من السُنّة في قوله تعالي

«وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا» «2»

، قال: إنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم ليلة أُسري به جمع اللَّه بينه وبين الأنبياء ثمّ قال له:

سلهم يا محمّد علي ماذا بُعثتم؟ قالوا: بُعثنا علي شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وعلي الإقرار بنبوّتك، والولاية لعليّ بن أبي طالب» «3».

فقال الفضل: «ليس هذا من رواية أهل السُنّة … » «4».

__________________________________________________

(1) الدرّ المنثور 7/ 504.

(2) سورة الزخرف 43: 45.

(3) نهج الحقّ: 183، وانظر: دلائل الصدق 2/ 167.

(4) دلائل الصدق 2/ 167.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 108

أقول:

وهذا الإنكار كسابقه.. ومن رواة هذا الخبر من أعلام السُنّة:

الحاكم النيسابوري، في كتاب معرفة علوم الحديث: 96.

أبو إسحاق الثعلبي، في تفسيره الكبير.

أبو نعيم الحافظ، في كتاب ما نزل في عليّ، كما ذكر غير واحدٍ من الحفّاظ «1».

الديلمي، صاحب فردوس الأخبار «2».

والحافظ ابن حجر في زهرة الفردوس، كما ذكر ابن عَراق «3».

ورواه الحاكم الحسكاني، والخطيب الخوارزمي، وشيخ الإسلام الحمويني، والحافظ أبو عبداللَّه الكنجي، وغيرهم «4».

رووه عن أمير المؤمنين، وعن عبداللَّه بن مسعود، وابن عبّاس، وأبي هريرة … وبعض أسانيدهم صحيح بلا ريب …

__________________________________________________

(1) انظر: ينابيع المودّة 1/ 243 ح 19 و ج 2/ 246 ح 692، تنزيه الشريعة المرفوعة- لابن عَراق- 1/ 397 ح 147.

(2) انظر: ينابيع المودّة 1/ 224 ذ ح 19.

(3) تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 397 ح 147.

(4) شواهد التنزيل 2/ 156- 158 ح 855- 858، مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 312 ح 312، فرائد السمطين 1/ 81 ح

62، كفاية الطالب: 75، تاريخ دمشق 42/ 241.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 109

* وقال العلّامة: «الثامنة عشرة- سورة «هَلْ أَتَي» «1»

.. روي الجمهور: إنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول اللَّه … » «2».

فقال الفضل: «ذكر بعض المفسّرين في شأن نزول السورة ما ذكره؛ ولكن أنكر علي هذه الرواية كثير من المحدّثين وأهل التفسير، وتكلّموا في أنّه يجوز أن يبالغ الإنسان في الصدقة إلي هذا الحدّ، ويجوّع نفسه وأهله حتّي يشرف علي الهلاك؟ … وإن صحّ، الرواية لا تدلّ علي النصّ كما علمته» «3».

أقول:

الرواة لنزول السورة في أهل البيت عليهم السّلام من السُنّة كثيرون جدّاً، ومنهم:

أبو جعفر الطبري، وابن عبدربّه القرطبي، وأبو القاسم الطبراني، والحاكم النيسابوري، وابن مردويه الأصبهاني، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو إسحاق الثعلبي، والحاكم الحسكاني، وابن المغازلي الشافعي، وأبو الحسن الواحدي، وأبو عبداللَّه الحميدي، والبغوي، والزمخشري، والخوارزمي، وأبو موسي المديني، والفخر الرازي، وابن الأثير،

__________________________________________________

(1) سورة الإنسان (الدهر) 76: 1.

(2) نهج الحقّ: 184، وانظر: دلائل الصدق 2/ 172.

(3) دلائل الصدق 2/ 173.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 110

وأبو عمرو ابن الصلاح، وابن طلحة الشافعي، والقاضي البيضاوي، والمحبّ الطبري، والنسفي، والحمويني، والخازن، والقاضي الإيجي، وابن حجر العسقلاني، والجلال السيوطي، وأبو السعود العمادي، والشوكاني، والآلوسي … وغيرهم من أئمّة الحديث والتفسير.

رووه عن: أمير المؤمنين عليه السّلام، وعن ابن عبّاس، وزيد ابن أرقم، وسعيد بن جبير، والأصبغ بن نباتة، وقنبر، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبي صالح، وقتادة، والضحّاك … وغيرهم من الصحابة وأعلام التابعين، العلماء في علوم القرآن.

قال القرطبي: «وقال أهل التفسير: نزلت في عليّ وفاطمة … » «1».

وقال سبط ابن الجوزي: «قال علماء التأويل: فيهم نزل … » «2».

وقال الآلوسي: «والخبر مشهور» «3».

وكان هذا الخبر

ممّا احتجّ به المأمون علي علماء بغداد في أفضليّة عليّ وأهل البيت عليهم السّلام، في خبر طويل رواه ابن عبدربّه القرطبي الأندلسي «4» …

__________________________________________________

(1) تفسير القرطبي 19/ 85.

(2) تذكرة خواصّ الأُمّة: 281.

(3) روح المعاني 29/ 270.

(4) العقد الفريد 4/ 77.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 111

وورد في أشعار السيّد الحميري وغيره في عداد فضائل الإمام عليٍّ عليه الصلاة والسلام «1».

وذكر غير واحدٍ من العلماء: إنّ السوّال كانوا ملائكةً من عند ربّ العالمين، أراد بذلك اختبار أهل البيت عليهم السّلام «2».

وإذا كان هذا اختباراً من اللَّه، وفضيلةً من فضائلهم عليهم السّلام عند قاطبة العلماء، فأيّ قيمةٍ لقول من يقول بعدم جواز فعلهم؟!

وبه أسانيد معتبرة من طرقهم …

فقول الفضل: «إن صحّ» ومناقشته في القضيّة- نقلًا عن كثير من المحدّثين وأهل التفسير كما زعم- الظاهرة في تكذيبه للخبر أو تشكيكه، دليلٌ آخر علي جهله أو تعصّبه!

وأمّا المناقشة المذكورة، فقد أجاب عنها علماؤنا … ويكفي في الردّ علي الفضل ما قاله الشيخ المظفّر: كيف استشكل من جواز تلك الصدقة وهو قد ذكر في مبحث الحلول أنّ أبا يزيد البسطامي ترك شرب الماء سنة تأديباً لنفسه «3»، وعدّه منقبةً له «4»؟!

__________________________________________________

(1) انظر: شواهد التنزيل 2/ 415 الهامش.

(2) تفسير النيسابوري- هامش تفسير الطبري- 29/ 112، كفاية الطالب، 348 عن الحافظ أبي عمرو ابن الصلاح وشيخ الحرم بشير التبريزي وغيرهما.

(3) دلائل الصدق 1/ 246.

(4) دلائل الصدق 2/ 177.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 112

* وقال العلّامة: «قوله تعالي «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» «1»

.. روي الجمهور عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: هم أنت يا

عليّ وشيعتك … » «2».

فقال الفضل: «هذا غير مذكور في التفاسير، بل الظاهر العموم. وإن سُلم فلا نصّ» «3».

أقول:

أليس الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور من كتب التفاسير؟! رواه فيه عن ابن عديّ عن ابن عبّاس. وعن ابن مردويه عن عليّ عليه السّلام.

وعن ابن عساكر عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري. وعن ابن عديّ وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري «4».

فهم يروونه عن جماعةٍ من الأصحاب، بأسانيدهم، في الكتب قبل زمان الفضل وبعده … وابن مردويه- بالخصوص- من أشهر أئمّتهم في

__________________________________________________

(1) سورة البيّنة 98: 7.

(2) نهج الحقّ: 189، وانظر: دلائل الصدق 2/ 210.

(3) دلائل الصدق 2/ 210.

(4) الدرّ المنثور 8/ 589.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 113

التفسير والحديث.

* وقال العلّامة: «الرابعة والثلاثون- قوله تعالي «وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ» «1»

.. أجمع المفسّرون وروي الجمهور أنّه عليٌّ عليه السّلام» «2».

فقال الفضل: «اتّفق المفسّرون أنّ المراد من صالح المؤمنين أبو بكر وعمر … وإن صحّ نزوله في أمير المؤمنين فلا شكّ أنّه صالح المؤمنين، ولكن لا يدلّ علي النصّ المدّعي «3».

أقول:

أخرجه الحافظ السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن أبي حاتم عن عليّ عليه السّلام. وعن ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عبّاس. وعن ابن مردويه عن أسماء بنت عميس «4».

ورواه الثعلبي في التفسير الكبير عن أسماء «5».

وكذا الحافظ أبو نعيم عنها، في كتابه في ما نزل في عليّ من القرآن «6».

__________________________________________________

(1)

سورة التحريم 66: 4.

(2) نهج الحقّ: 191- 192، وانظر: دلائل الصدق 2/ 227.

(3) دلائل الصدق 2/ 228.

(4) الدرّ المنثور 8/ 224.

(5) كما في: مطالب السؤول: 81، وينابيع المودّة 1/ 278 ح 2.

(6) انظر: ينابيع المودّة 1/ 278 ح 2.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 114

ولعلّ العمدة هنا

رواية ابن أبي حاتم هذا الخبر في تفسيره، فقد نصّ ابن تيميّة علي إنّ تفسيره خالٍ من الموضوعات كما مرّ بنا سابقاً.

هذا، بالاضافة إلي روايات أصحابنا الإمامية.. فيكون الخبر متّفقاً عليه بين الفريقين. فما الحامل للفضل علي الإنكار؟!

* وقال العلّامة: «الخامسة والثلاثون- قوله تعالي «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي … » «1»

روي الجمهور عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم دعا الناس إلي عليّ عليه السلام في يوم غدير خمّ … » «2».

فقال الفضل: « … الذي ذكره من مفتريات الشيعة … » «3».

أقول:

وماذا تقول للفضل إذا علمت أنّ من رواة هذا الحديث- نزول الآية في أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير- من أهل السُنّة هم:

أبو جعفر الطبري …

وأبو الحسن الدارقطني …

وأبو حفص ابن شاهين، كما في شواهد التنزيل 1/ 156 ح 210 …

__________________________________________________

(1) سورة المائدة 5: 3.

(2) نهج الحقّ: 192، وانظر: دلائل الصدق 2/ 231.

(3) دلائل الصدق 2/ 232.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 115

والحاكم النيسابوري، في المستدرك علي الصحيحين 3/ 118 ح 4576 …

وابن مردويه الأصفهاني، كما في الدرّ المنثور 3/ 19 …

وأبو نعيم الأصفهاني …

وأبو بكر البيهقي …

والخطيب البغدادي، كما في تاريخ بغداد 8/ 290 رقم 4392 …

وأبو سعيد السجستاني …

وابن المغازلي، كما في مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 69 ح 24 …

والحاكم الحسكاني، كما في شواهد التنزيل 1/ 156- 160 ح 210- 215 …

وأبو القاسم ابن السمرقندي …

وأبو منصور الديلمي، كما في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام- للخوارزمي-: 135 ح 152 …

وابن عساكر الدمشقي، كما في تاريخ دمشق 42/ 237 …

وابن كثير الدمشقي، كما في البداية والنهاية 7/

279 …

وجلال الدين السيوطي، كما في الدرّ المنثور 3/ 19 «1».

__________________________________________________

(1) وللتفصيل راجع كتاب: تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات 2/ 267- 290.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 116

وغيرهم من أئمّة الحديث والتفسير.. فكيف يقول: إنّه من مفتريات الشيعة؟!

* وقال العلّامة: «السادسة والستّون- «وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ» «1»

.. هو عليٌّ، لأنّه كان مؤمناً مهاجراً ذا رحم» «2».

فقال الفضل: «ظاهر الآية العموم، ولم يذكر المفسّرون تخصيصاً بأحد، ولو خصّ فلا دلالة له علي النصّ، والاستدلال بأنّه مؤمن مهاجر ذو رحم لا يوجب التخصيص، لشمول الأوصاف المذكورة لغيره» «3».

أقول:

لماذا هذه المكابرة الواضحة الفاضحة؟!

أوّلًا: البحث يدور بين أمير المؤمنين عليه السّلام وبين أبي بكر، والآية المباركة تثبت الأولوية لمن جمع الأوصاف الثلاثة، وأبو بكر غير جامع لها كما لا يخفي علي الفضل، ولعلّه لذا قال: «لغيره» ولم يقل:

أبو بكر.

__________________________________________________

(1)

سورة الأحزاب 33: 6.

(2) نهج الحقّ: 203، وانظر: دلائل الصدق 2/ 287.

(3) دلائل الصدق 2/ 287.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 117

وثانياً: وإذا كان «الغير» ليس ابن أبي قحافة، فمن يقصد الفضل به؟!

ثمّ لماذا يدّعي الحبّ لأمير المؤمنين عليه السّلام ويسعي لإنكار فضائله ومناقبه حتّي بالأكاذيب والأباطيل؟!

* وقال العلّامة: «وأمّا السُنّة، فالأخبار المتواترة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم الدالّة علي إمامته، وهي أكثر من أن تحصي وقد صنّف الجمهور وأصحابنا في ذلك وأكثروا» «1».

فقال الفضل: «وأمّا ما ذكر من أنّ الأخبار متواترة عن النبي صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم علي إمامة عليّ، فنسأله أوّلًا عن معني التواتر؟!

فإن قال: أن يبلغ عدد الرواة حدّاً لا يمكن للعقل أن يحكم بتواطئهم علي الكذب.

فنقول: اتّفق جميع المحدّثين أنّه ليس لنا حديث متواتر

إلّا قوله صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: من كذب علَيَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار.

فهذا الحديث في كلّ عصر رواه جماعة، يحكم العقل علي امتناع تواطئهم علي الكذب. وبعضهم ألحق حديث: «البيّنة علي المدّعي واليمين علي من أنكر» بالتواتر.

فكيف هذا الرجل الجاهل بالحديث والأخبار، بل بكلّ شي ء حتّي إنّي ندمت من معارضة كتابه وخرافاته بالجواب، لسقوطه عن مرتبة

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 212، وانظر: دلائل الصدق 2/ 249.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 118

المعارضة، لانحطاط درجته في سائر العلوم، معقولها ومنقولها، أُصولها وفروعها، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت … » «1».

أقول:

يقال لهذا الشيخ العالم بالحديث والأخبار، بل بكلّ شي ء!! وبغضّ النظر عمّا ادّعاه من الاتّفاق علي انحصار التواتر بما ذكره: من أين لك القطع بأنّ العلّامة كان يقصد من «التواتر» خصوص التواتر «اللفظي»؟!

أليس التواتر ينقسم إلي: «لفظي» و «معنوي» و «إجمالي»؟!

لماذا هذا التهجّم وهذه السباب والشتائم؟!

فما الذي قاله العلّامة حتّي استحقّ كلّ ذلك وأمثاله، بل الأشدّ والأقبح منه، كما ذكرنا في فصل «السباب والشتائم»؟! هذا أوّلًا …

وثانياً: فإنّ جملةً من الأخبار الدالة علي إمامته متواترة يقيناً، وقد أقرّ كبار علماء القوم بذلك، وابن روزبهان جاهل أو يتجاهل لتعصّبه!

وسنذكر مناقشات الفضل في بعض استدلالات العلّامة من السُنّة، ليري الباحث المنصف مدي التزام الرجل بالآداب الدينية ورعايته لجانب الصدق والإنصاف، وليجد الفرق الواضح بين طريقة العلّامة وعلماء الإمامية، وبين طريقة الفضل وعلماء العامة في النظر والبحث والاستدلال.

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 350.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 119

* قال العلّامة: «الثاني: من مسند أحمد-: «لمّا نزل «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «1»

جمع النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم من أهل بيته ثلاثين، فأكلوا وشربوا ثلاثاً، ثمّ قال لهم:

من يضمن عنّي دَيني ومواعيدي ويكون خليفتي ويكون معي في الجنّة؟ فقال عليٌّ: أنا. فقال:

أنت … » «2».

فقال الفضل: «هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات في قصّة طويلة، وليس فيه (ويكون خليفتي)، وهذا من وضعه أو من وضع مشايخه من شيوخ الرفض وأهل التهمة والافتراء.

وفي مسند أحمد بن حنبل: (ويكون خليفتي) غير موجود، بل هو من إلحاقات الرفضة.

وهذان الكتابان اليوم موجودان، وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء … » «3».

أقول:

ماذا لو وجد الباحث «ويكون خليفتي» في «مسند أحمد»؟! وماذا لو وجد في الموضوعات حديثين في أوّلهما «وخليفتي من أهلي» وفي

__________________________________________________

(1) سورة الشعراء 26: 214.

(2) نهج الحقّ: 213، وانظر: دلائل الصدق 2/ 359.

(3) دلائل الصدق 2/ 359.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 120

الثاني «وخليفتي في أهلي»؟! هل يبالي الفضل وأمثاله من خجلة الكذب؟! وهل يبقي مناص لهم من قبول الحديث ودلالته علي الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين بعد النبيّ بلا فصل؟! وهل يبقي لهم من عذر في القول بإمامة غيره؟!

ولفظ الحديث في مسند أحمد كما يلي:

«عن الأسود بن عامر، عن شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبّاد بن عبداللَّه الأسدي، عن عليٍّ رضي اللَّه عنه، قال: لمّا نزلت هذه الآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قال: جمع النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا؛ قال: فقال لهم: من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي؟

فقال رجل- لم يسمّه شريك-: يا رسول اللَّه! أنت كنت بحراً، مَن يقوم بهذا؟!

قال: ثمّ قال الآخر …

قال: فعرض ذلك علي أهل بيته.

فقال عليٌّ رضي اللَّه عنه: أنا» «1».

__________________________________________________

(1) مسند أحمد 1/ 111.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 121

أقول:

ولو

كان ثمّة إلحاقٌ فهو في كلمة «في أهلي»، فإنّها وإن كانت لا تضرّ بالاستدلال؛ لعدم الفرق بين أهله وغيرهم من المسلمين، إلّا أنّها غير موجودة في بعض المصادر …

وفي بعضها الآخر كلمة «فيكم» بدل «في أهلي».. روي ذلك ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي، قال صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: «يا بني عبد المطّلب! إنّي واللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوكم إليه؛ فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا؟

[قال عليٌ : فقلت- وأنا أحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً-: أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه.

فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا!

فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ» «1».

وفي تفسير البغوي بعد: فأيّكم يؤازرني علي أمري هذا: «ويكون

__________________________________________________

(1) كنز العمّال 13/ 131- 133 ح 36419.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 122

أخي ووصيّي وخليفتي فيكم» «1».

وفي لفظ ابن مردويه: «من يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي» «2».

وفي لفظ آخرجه أحمد وابن جرير والضياء المقدسي: «فأيّكم يبايعني علي أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟» «3».

وليس هذا الحديث في مسند أحمد فقط … فقد أخرجه باللفظ المذكور:

1- أبو جعفر الطبري وصحّحه، تاريخ الطبري 1/ 543 …

2- أبو جعفر الطحاوي …

3- الضّياء المقدسي في كتاب المختارة الذي التزم فيه بالصحّة «4»، وربّما قدّمه بعضهم علي بعض الكتب المعتبرة المشهورة …

4- ابن أبي حاتم، الذي نصّ ابن تيميّة علي إنّه لا يروي في تفسيره شيئاً من الموضوعات «5».

__________________________________________________

(1) تفسير البغوي 3/ 342.

(2)

كنز العمّال 13/ 149 ح 36465.

(3) كنز العمّال 13/ 174 ح 36520.

(4) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/ 144.

(5) منهاج السُنّة 7/ 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 123

5- أبو بكر ابن مردويه الأصبهاني …

6- أبو نعيم الأصفهاني …

7- أبو بكر البيهقي، في دلائل النبوّة 2/ 179 …

8- ابن الأثير الجزري، في الكامل في التاريخ 1/ 585- 586 …

9- الشيخ علي المتّقي الهندي، في كنز العمّال 13/ 131 ح 36419 و ص 174 ح 36520 …

فهؤلاء جملة من رواة هذا الحديث العظيم، الذي هو نصّ في إمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وإن رغمت أُنوف النواصب اللئام.

ومن أعجب العجب أن يكذب الفضل ويفتري علي العلّامة الكذب!

* وقال العلّامة: «السادس- في مسند أحمد وفي الجمع بين الصحاح الستّة ما معناه: إنّ رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم بعث براءة مع أبي بكر إلي أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه عليّاً فردّه، فرجع أبو بكر إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! أنزل فيَّ شي ء؟! قال: لا، ولكنّ جبرائيل جاءني وقال: لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك» «1».

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 215، وانظر: دلائل الصدق 2/ 379.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 124

فذكر الفضل الخبر بنحوٍ آخر بلا ذِكر مصدر، ثمّ قال: «هذا حقيقة الخبر، وليس فيه دلالة علي نصّ، ولا قدح في أبي بكر. وأمّا ما ذكر أنّ رسول اللَّه قال: لا، ولكنّ جبرائيل أتاني … فهذا من ملحقاته وليس في أصل الحديث هذا الكلام» «1».

أقول:

أوّلًا: إنّ العلّامة رحمه اللَّه ذكر مصدر حديثه، والفضل لم يذكر لِما ذكره مصدراً، وإن دقّقت فيه النظر

وجدته مختلَقاً موضوعاً!

وثانياً: الجملة المذكورة موجودة في مسند أحمد بنصّ الحديث، وهذا لفظه:

«عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت عشر آيات من براءة علي النبيّ، دعا النبيّ أبا بكر فبعثه بها ليقرأها علي أهل مكّة، ثمّ دعاني النبيّ فقال لي: أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلي أهل مكّة فاقرأه عليهم؛ فلحقته بالجحفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلي النبيّ فقال: يا رسول اللَّه، نزل فيَّ شي ء؟!

قال: لا، ولكنّ جبريل جاءني فقال: لن يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك» «2».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 380.

(2) مسند أحمد 1/ 151.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 125

فانظر من الكاذب المختلق؟!

* وقال العلّامة: «روي الخوارزمي عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: عليٌّ يوم القيامة علي الحوض، لا يدخل الجنّة إلّا من جاء بجواز من عليّ» «1».

فقال الفضل: «من ضروريات الدين أنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم صاحب الحوض المورود والشفاعة العظمي والمقام المحمود يوم القيامة. وأمّا أنّ عليّاً صاحب الحوض فهو من مخترعات الشيعة، ولم يرد به نقل صحيح. وهذا الرجل الذي ينقل كلّ مطالبه من كتب أصحابنا لم ينقل هذا منهم، وذلك لأنّه لم يصحّ فيه نقل عندنا … » «2».

أقول:

إنّما ينقل العلّامة الأحاديث من كتاب أو كتابين من كتب أهل السُنّة ولم يكن يقصد الاستيعاب والاستقصاء، وإنّما مراده بيان أنّ مناقب الإمام عليه السلام متّفق عليها بين الطرفين.

وهذا الحديث رواه من كتاب الخوارزمي «3»، وهو من علماء أهل

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ: 261، وانظر: دلائل الصدق 2/ 587.

(2) دلائل الصدق 2/ 588.

(3) مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 319 ح 324.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله،

أجلي البرهان، ص: 126

السُنّة كما ذكرنا في فصل «الطعن في علماء السُنّة».

ومن رواته أيضاً:

1- أحمد بن حنبل، كما في الصواعق المحرقة: 265.

2- أبو القاسم الطبراني، كما في الصواعق المحرقة: 265.

3- أبو عبداللَّه الحاكم، في المستدرك علي الصحيحين 3/ 148 ح 4669 وصحّحه.

4- ابن حجر المكّي، في الصواعق المحرقة: 265.

5- علي المتّقي الهندي، في كنز العمّال 13/ 145 ح 36455 و ص 157 ح 36484.

فاقرأ واحكم من الكذّاب المفتري!!

أقول:

وبهذا القدر ممّن ذكرتُه كفايةٌ.. وقد قال الشيخ المظفّر- في بيان موقف القوم من فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام المخرجّة في كتبهم، وما يروونه فضيلة لغيره-: « … ولذا لا يروون له عليه السلام فضيلة إلّا وطعنوا مهما أمكن بسندها أو دلالتها، ولا تنشرح نفوسهم لها، بخلاف ما إذا رووا فضيلة لغيره! ولا بُدّ أن يظهر اللَّه مخفيّات سرائرهم علي صفحات أرقامهم وطفحات أقلامهم، كما رأيته من هذا الرجل في كثير من كلماته» «1».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 566.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 127

أقول:

خصوصاً في ما رووه بفضل عمر! فقد ذكر ابن روزبهان: «وكان عمر من المحدَّثين، وكان وزير رسول اللَّه» «1».. «وكيف يصحّ لأحدٍ أن يطعن في علم عمر؟! وقد شاركه النبيّ في علمه، كما ورد في الصحاح عن ابن عمر، قال: سمعت رسول اللَّه يقول: بينا أنا نائم أُتيتُ بقدح لبن فشربت … » «2».

بل قال: «فضائله لا تعدّ ولا تحصي «3»!

والأعجب من ذلك محاولة إلزام الإمامية بما رواه قومه في حقّ الآخرين، خصوصاً عمر!! يقول: «روي في الصحاح عن سعد بن أبي وقّاص، قال: استأذن عمر بن الخطّاب علي رسول اللَّه وعنده نسوة من قريش تكلّمنه، عاليةً أصواتهنّ … فقلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ.

فقال رسول اللَّه: يابن الخطّاب! والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلّاسلك غير فجّك» «4».

__________________________________________________

(1)

دلائل الصدق 3/ 123.

(2) دلائل الصدق 3/ 130.

(3) دلائل الصدق 3/ 85.

(4) دلائل الصدق 3/ 84.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 128

فقال ابن روزبهان: «هذا حديث نقله جمهور أرباب الصحاح، ولا شكّ في صحّته لأحدٍ، وهذا حجّة علي الروافض حيث يقولون: إنّ بيعة أبي بكر كانت باختيار عمر بن الخطّاب؛ فإنّه لو صحّ ما ذكروا أنّه باختياره فهو حقّ لا شكّ فيه، بدليل هذا الحديث، لأنّه سلك فجّاً يسلك الشيطان فجّاً غيره … ».

قال: «وهذا من الإلزاميات العجيبة التي ليس لهم جواب عن هذا ألبتّة» «1».

قلت:

إي واللَّه، إلزام الإمامية بما لا يروونه ولا يرون صحّته، من الإلزاميات العجيبة!!

وبقيت هنا عدّة نقاط …

الأُولي إنّ هذا الرجل يحاول تنزيل بعض الفضائل الصحيحة الثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام علي حقّيّة خلافة المشايخ، فقد قال في حديث: «عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»: «هذا دليل علي حقّيّة الخلفاء، لأنّ الحقّ كان مع عليّ، وعليّ كان معهم، حيث تابعهم وناصحهم، فثبت من هذا خلافة الخلفاء» «2».

الثانية: إنّه يحاول الجمع بين حبّ عليّ وأهل البيت عليهم السلام،

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 85.

(2) دلائل الصدق 2/ 468.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 129

وبين حبّ الشيخين وعموم الصحابة؛ فهو يقول في موضع من كتابه، في حبّ الإمام عليه السّلام: «الحمد للَّه الذي جعلنا من أهل محبّته، وملأ قلوبنا من صفو مودّته» «1».. ثمّ يقول في موضع آخر: «الروافض لا يحكمون بالمحبّة إلّا بمثالب الغير» «2» …

ويقول في موضع ثالث: «كلّ ما نقل من فضائله وفضائل أهل بيت النبيّ ما لم يكن سبباً إلي الطعن في

أفاضل الصحابة. فنتسلّمه ونوافقه فيه، لأنّ فضائلهم لا تحصي ولا ينكره إلّا منكر نور الشمس والقمر …

فإنّ أهل السُنّة يعملون بكلّ حديث وخبر صحيح بشرائطها، ولكن كما صحّ عندهم الأحاديث الدالّة علي فضل عليّ بن أبي طالب وأهل بيت رسول اللَّه، كذلك صحّ عندهم الأحاديث الدالّة علي فضائل الخلفاء الراشدين، فهم يجمعون بين الأحاديث الصحاح وينزلون كلًّا منزله الذي أنزله اللَّه، ولا ينقصون أحداً ممّن صحّ فيه هذا الحديث.

والشيعة ينقلون الأحاديث من كتب أصحابنا ممّا يتعلّق بفضائل أهل البيت، ويسكتون عن فضائل الخلفاء وأكابر الصحابة، ليتمشّي لهم الطعن والقدح، وهذا غاية الخيانة في الدين، وأيّة البعض الآخر ممّا يتعلّق بعين ذلك الشي ء، ليتمشّي به مذهبه ومعتقده؟! ونعوذ باللَّه من

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 427.

(2) دلائل الصدق 2/ 565.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 130

هذه العقائد الفاسدة» «1».

بل إنّه يري في كلام آخر له أنّ التشكيك في فضائل أكابر الصحابة- كالخلفاء- ينافي الإيمان، وهذه عبارته:

«لا يشكّ مؤمن في فضائل عليّ بن أبي طالب، ولا في فضائل أكابر الصحابة كالخلفاء» «2».

فأوّلًا: إنّه يشترط في قبول الخبر الصحيح الوارد عندهم في فضل أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يكون سبباً إلي الطعن في من تقدّم عليه في الخلافة، وإلّا فالخبر غير مقبول؛ هذا كلامه.

وأيّ خبر في فضله عليه السلام لا يكون سبباً في القدح في القوم وإبطال تقدّمهم عليه؟!

وثانياً: إنّه في الوقت الذي لا يروي في كتابه روايةً واحدة من كتب الإمامية ليستدلّ بها علي العلّامة الحلّي أو يلزمه بها، يريد من الإماميّة قبول كلّ ما ورد في كتب قومه في فضل الصحابة، بل يقول إنّ التشكيك في ذلك منافٍ للإيمان!

وثالثاً: إنّه لم يرو في كتابه

رواية مسندةً- ولا واحدة- عن شي ء من كتب قومه، فكأنّه لم يكن له إلمام بعلوم الحديث والأسانيد والرجال،

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 588.

(2) دلائل الصدق 2/ 498.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 131

ومع ذلك يدّعي صحّة ما رووه في حقّ الصحابة!

ورابعاً: إنّه ينصّ هنا علي التسليم بما صحَّ في فضل عليّ عليه السلام، ولكنّه في كثير من الموارد التي يستدلّ العلّامة الحلّي فيها بالأحاديث الصحاح يكذّب بالحديث أو يشكّك في صحّته، تبعاً لابن تيميّة وإن لم يصرّح باسمه والأخذ منه!

وخامساً: إذا كان يدّعي حبّ عليّ عليه السّلام، وكان صادقاً بحمد اللَّه علي ذلك، فما باله قد والي أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه كمعاوية وابن العاص ومروان وأشباههم، ولم يحكم عليهم بالنفاق، مع اتّضاح حالهم في بغض الإمام واستمرارهم علي عداوته وسبّه؛ كما قال الشيخ المظفّر؟!

وسادساً: إنّه يتّهم الإمامية بالخيانة، وكأنّه يجهل أدني شرائط البحث والجدل!

وقد كرّر هذا الرجل أمثال هذه الكلمات، مع افتراءات وأباطيل أُخري فمثلًا: يقول في موضع: «والعجب، إنّ هذا الرجل لا ينقل حديثاً إلّا من جماعة أهل السُنّة، لأنّ الشيعة ليس لهم كتاب ولا رواة ولا علماء مجتهدون مستخرجون للأخبار، فهو في إثبات ما يدّعيه عيال علي كتب أهل السُنّة، فإذا صار كذلك، فلم لا يروي عن كتب الصحاح؟! … » «1».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 351.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 132

يقول هذا، وكأنّه يجهل أنّ ما يصنعه العلّامة الحلّي هو الصواب في مقام المناظرة! ويدّعي مع ذلك أن لا كتاب للشيعة ولا علماء، وأنّهم في إثبات إمامة أمير المؤمنين وإبطال خلافة من تقدّم عليه عيال علي أهل السُنّة!

لكنّه في موضع آخر يعترف بوجود كتب للشيعة، غير إنّه يرميها بأنّها من

موضوعات يهودي!! فيقول: «وصحاحنا ليس ككتب الشيعة التي اشتهر عند السُنّة أنّها موضوعات يهودي كان يريد تخريب بناء الإسلام، فعملها وجعلها وديعةً عند الإمام جعفر الصادق، فلمّا توفّي حسب الناس أنّه من كلامه، واللَّه أعلم بحقيقة هذا الكلام، وهذا من المشهورات، ومع هذا لا ثقة لأهل السُنّة بالمشهورات، بل لابُدّ من الإسناد الصحيح حتّي تصحّ الرواية.

وأمّا صحاحنا، فقد اتّفق العلماء أنّ كلّ ما عُدّ من الصحاح- سوي التعليقات في الصحاح الستّة- لو حُلف بالطلاق أنّه من قول رسول اللَّه أو من فعله وتقريره، لم يقع الطلاق، ولم يحنث» «1».

فانظر، كيف يتجاسر علي الإمام الصادق عليه السلام، وعلي عامّة الإمامية، ثمّ يحاول الخروج من عهدة ذلك!!

الثالثة: لقد قال في كلٍّ من عليٍّ وأبي بكر وعمر: «له فضائل لا تُعدّ

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 2/ 590.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 133

ولا تحصي …

هل هذا صحيح؟

ثمّ من الأفضل؟!

وهل تقديم المفضول علي الفاضل جائز أو قبيح؟!

لا يخفي أنّ العلّامة الحلّي رحمه اللَّه استدلّ لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بالنقل والعقل …

أمّا النقل، فالكتاب ونصوص السُنّة الصحيحة عند القوم والمعتبرة عند الفريقين …

وأمّا العقل، فبأفضلية أمير المؤمنين، وأنّ الأفضل هو الإمام.

وقد أجاب ابن روزبهان عن الأدلّة النقلية بأنّها ليست بنصّ علي الإمامة، وأمّا عن الوجوه العقلية فقد صرّح قائلًا: «إمامة المفضول عندنا جائزة» «1».

وهذا من أهمّ مواضع المقارنة بين آراء ابن روزبهان وآراء ابن تيميّة، فإنّه علي شدّة نصبه وعداوته لأمير المؤمنين عليه السّلام، ينصّ في غير موضع من كتابه منهاج السُنّة- كغيره من أعلام القوم- علي عدم جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل «2».

__________________________________________________

(1) دلائل الصدق 3/ 463.

(2) منهاج السُنّة

7/ 134 و ج 8/ 228.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 134

أمّا ابن روزبهان فيجوّز ذلك، بل يدّعي كونه مذهب أهل السُنّة إن كان مراده من قوله: «عندنا» ذلك-، ليتمكّن من تبرير إمامة أبي بكر بعد رسول اللَّه!

وهكذا، فقد وجدنا ابن روزبهان- في مواضع من كتابه- أشدّ عداءً لأمير المؤمنين من ابن تيميّة …

فمثلًا: لمّا استدلّ العلّامة في كتابه منهاج الكرامة بقوله تعالي

«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» «1»

وذكر الرواية الواردة في ذيلها عن طريق الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي «2»، لم يكذّب ابن تيميّة تلك الرواية، وإنّما طالب بصحّتها «3»!

أمّا ابن روزبهان فيقول: «هذه الرواية ليست من كتب أهل السُنّة والجماعة، ولا أحد من المفسّرين ذكر هذا» «4».. بل قد تكلّم في ابن المغازلي وطعن فيه كما تقدّم.

__________________________________________________

(1)

سورة البقرة 2: 124.

(2) منهاج الكرامة: 125 طبعة إيران، وانظر: مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 239 ح 322، دلائل الصدق 2/ 139.

(3) منهاج السُنّة 7/ 133.

(4) دلائل الصدق 2/ 139.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أجلي البرهان، ص: 135

ووجدنا إقرار ابن تيميّة بحكم عمر برجم الحامل والمجنونة «1»، وابن روزبهان يكذّب أو يشكّك في الخبر كما تقدّم.

هذا، وقد كان في النيّة أن نقارن بين ابن روزبهان وبين ابن تيميّة وكتابيهما في الردّ علي العلّامة الحلّي، ولكنّا تركنا ذلك إلي مجال آخر خوفاً من الإطالة.

والحمدللَّه أوّلًا وآخراً، وصلّي اللَّه علي سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً.

__________________________________________________

(1)

منهاج السُنّة 6/ 41 و 45.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.