أدب الحوار

اشارة

عنوان و نام پديدآور : ادب الحوار في اصول الدين/علي الحسيني الميلاني

مشخصات نشر : قم: الحقائق، 1429ق=1387.

مشخصات ظاهري : 63ص.

فروست : اعرف الحق تعرف اهله؛ 11

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 1289505

كلمة المركز … ص: 5

نظراً للحاجة الماسّة والضرورة الملحّة لنشر العقائد الحقّة والتعريف بالفكر الشيعي، بالبراهين العقليّة المتقنة والأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة، من أجل ترسيخها في أذهان المؤمنين، ودفع الشبهات المثارة حولها من قبل المخالفين، فقد بادر (مركز الحقائق الاسلامية) بإخراج سلسلة علمية- عقائدية، متنوّعة، تميّزت بجامعيتها بين العمق في النظر والقوّة في الاستدلال والوضوح في البيان، تحت عنوان (إعرف الحق تعرف أهله)، وهي من بحوث سماحة الفقيه المحقق آية اللَّه الحاج السيد علي الحسيني الميلاني (دام ظلّه)، آملين أن نكون قد قمنا ببعض الواجب الملقي علي عواتقنا في هذه الأيام التي كثرت فيها الشبهات وازدادت الانحرافات، سائلين اللَّه عز و جل أن يسدّد خطانا علي نهج الكتاب والعترة الطاهرة كما أوصي الرسول الأكرم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، والحمد للَّه رب العالمين.

مركز الحقائق الاسلامية

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 7

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين والصّلاة والسلام علي محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ولعنة اللَّه علي أعدائهم أجمعين.

وبعد

فإنّ صاحب أيّة فكرةٍ أو عقيدة أو رأي يري من حقّه الطبيعي أنْ ينشرها بين الناس ويدعو الآخرين إليها.

إلّا أنّ لتقدّمه ونجاحه في مشروع الدعوة هذه شروطاً، كما أنّ دعوته إلي فكره بحاجةٍ إلي أدوات … لا سيّما إذا كان في مقابل رأيه رأي آخر وله أتباع يدعون إليه … فيقع الصراع العقيدي والفكري بين الجانبين، لأنّ كلّاً منهما يدّعي الحق والصواب ويحاول التغلّب علي

الآخر والسيطرة عليه فكريّاً.

إن للتغلّب في ميدان الصراع العقيدي اصولًا وأدوات تختلف

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 8

عنها في ميدان الحرب والمواجهة العسكرية.

وهذه مطالب موجزة في اصول البحث وأدب الحوار في اصول الدين وفي خصوص مباحث الامامة والخلافة بين علماء المسلمين، استخرجتها من الكتاب والسنة وحكم العقل السليم، وأرجو أنْ تكون مفيدةً لأهلها، وباللَّه التوفيق …

علي الحسيني الميلاني

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 9

علم الجَدَل: … ص: 9

لقد وضع العقلاء- وهم أصحاب الأفكار والآراء- حدوداً وقيوداً للصراع في هذا المجال، وأسّسوا للغلبة فيه أُسساً جعلوها المعيار والميزان للرضوخ لفكر أو لرفض فكر آخر … فكانت أساليب «الجدل» التي بُحث عنها ونقّحت مسائلها في كتب المنطق.

ولقد أحسنوا في اختيار هذا المصطلح لهذا العلم أو لهذه الصناعة، لشدّة ارتباط المعني اللغوي للكلمة بالغرض المنطقي منها …

قال الراغب الأصفهاني: «الجدال: المفاوضة علي سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من جدلت الحبل، أي: أحكمت فتله، ومنه الجديل، وجدلت البناء أحكمته، ودرع مجدولة، والأجدل: الصقر المحكم البنية، والمجدل: القصر المحكم البناء.

ومنه: الجدال، فكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحدٍ الآخر عن رأيه.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 10

وقيل: الأصل في الجدال الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه علي الجدالة، وهي الأرض الصلبة» «1».

الجدال في القرآن: … ص: 10

ولقد أقرّت الأديان السماوية أُسلوب «الجدال» واتّخذه الأنبياء السابقون طريقاً من طرق الدعوة … وقد ورد في القرآن الكريم نماذج من ذلك كما سيأتي.

وأمّا نبيّنا صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، ففي الوقت الذي أُرسل كما خاطبه اللَّه عزّوجلّ في الآية المباركة: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَي اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً» «2»

فقد حدّد له كيفية الدعوة وأداتها بقوله له: «ادْعُ إِلِي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ» «3»

ثمّ أمره بالجدال حين يكون هناك جدال منهم، فقال بعد ذلك: «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «4».

وفي الجملة، فإنّ الوظيفة الأوّلية هي البلاغ والدعوة إلي سبيل اللَّه، فإن كان هناك مَن تنفعه «الحكمة» فبها، وإن كان من عموم الناس

__________________________________________________

(1) المفردات في غريب القرآن: 87 مادّة «جَدَل».

(2) سورة الأحزاب 33: 45 و 46.

(3) سورة النحل 16: 125.

(4) سورة النحل 16: 125.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 11

فبالنصيحة والموعظة الحسنة،

فإن وجد في القوم من يريد الوقوف أمامه أو التغلّب عليه وجب عليه جداله.

ولعلّ المقصود- هنا- أهل الكتاب، كما في الآية الأُخري

«وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1».

وعلي ضوء ما تقدّم، فإنّ الجدال قد يكون حقّاً وقد يكون باطلًا، قال تعالي «وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ» «2».

وهناك في القرآن الكريم موارد من تعليم اللَّه سبحانه النبيّ الكريم صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم طريقة الاستدلال، ففي سورة يس مثلًا:

«وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ* أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَي أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَي وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ* إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» «3».

وفي سورة البقرة: «وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْ

__________________________________________________

(1) سورة العنكبوت 29: 46.

(2) سورة الكهف 18: 56.

(3) سورة يس 36: 78- 83.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 12

نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» «1».

وفي سورة البقرة أيضاً: «قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ» «2».

وفي سورة المائدة: «لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ» «3».

وفي سورة المائدة أيضاً: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم

بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ … » «4».

وفي سورة الأنعام: «قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا … » «5».

وفي سورة الأنبياء: «أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا … أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا

__________________________________________________

(1) سورة البقرة 2: 111.

(2) سورة البقرة 2: 94.

(3) سورة المائدة 5: 17.

(4) سورة المائدة 5: 18.

(5) سورة الأنعام 6: 71.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 13

بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي … » «1».

كما جاءت في القرآن الكريم موارد كثيرة من مجادلات واحتجاجات الأنبياء السابقين..

ففي قضايا إبراهيم عليه السّلام.. قال تعالي «أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» «2».

وقال تعالي «وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ ءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ» «3».

وقال سبحانه وتعالي «قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلَي أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَي رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ* قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء 21: 21- 24.

(2) سورة البقرة 2: 258.

(3) سورة الأنعام 6: 80.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 14

وَلَا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» «1».

وفي قضايا نوح عليه السلام … قال

تعالي «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَي بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ … قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا … » «2».

وهكذا.. في قضايا سائر الأنبياء، صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.

الجدل بالحقّ: إقامة الحجّة المعتبرة: … ص: 14

ثمّ إنّه قد جاء التعبير عن «الجدال بالباطل» ب «الجدال بغير سلطان» في قوله تعالي «إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ» «3»

و «السلطان» هو «الحجّة» سمّيت به لسيطرتها وتسلّطها علي القلوب «4».

ومنه يفهم أنّ المراد من «الجدال بالحقّ»، هو «الجدال بالحجّة».

لكنّ «الحجّة» إنّما يحصل لها «السلطان» علي القلوب إذا كانت

__________________________________________________

(1) سورة الأنبياء 21: 62- 67.

(2) سورة هود 11: 28- 32.

(3) سورة غافر 40: 56.

(4) انظر: المفردات في غريب القرآن: 244 مادّة «سلط».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 15

«بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1»

فلذا أمر اللَّه تعالي بذلك …

وفي هذا إشارة إلي آداب البحث والمناظرة والجدل …

لقد فُسّرت الكلمة ب: الطريقة التي هي أصلح وأقرب للنتيجة والنفع «2».. وهو تفسير صحيح يتناسب مع المواضع المختلفة التي استعملت فيها الكلمة في القرآن الكريم …

قال تعالي «وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» «3».

أي: بالطريقة التي هي أعود وأنفع له «4».

وقال تعالي «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ» «5».

أي: بأن يتكلّموا مع المشركين بالطريقة التي لا تعود بالفائدة علي الشيطان في تحصيل مقاصده من الوقيعة بين المؤمنين وبين

__________________________________________________

(1) سورة النحل 16: 125.

(2) انظر ما يقرب من ذلك في: تفسير الكشّاف 2/ 435، تفسير البحر المحيط 5/ 549، تفسير الطبري 10/ 141.

(3) سورة الأنعام

6: 152، سورة الإسراء 17: 34.

(4) انظر: تفسير الطبري 5/ 393، مجمع البيان 4/ 183.

(5) سورة الإسراء 17: 53.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 16

المشركين «1» …

فاللَّه سبحانه يريد من المؤمنين أن يكون جدالهم مقروناً بما يعينهم في إقامة الحجّة وإفحام الخصوم وظهور الحقّ علي الباطل.

وتلخّص: إنّ الجدال المقبول شرعاً وعقلًا هو: الجدال ب: الحجّة المعتبرة، مع رعاية الآداب …

الحجّة المعتبرة: الكتاب والسُنّة: … ص: 16

و «الحجة المعتبرة» عند المسلمين كافّة هو «القرآن الكريم» و «السُنّة النبوية».. وهم في كلّ مسألةٍ يقع الجدال بينهم فيها يرجعون إلي الكتاب والسُنّة، وهذا ما أمر به اللَّه تعالي إذ قال:

« … فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّهِ وَالرَّسُولِ» «2».

وقال: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّيَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً» «3».

وقال: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» «4».

__________________________________________________

(1) انظر: تفسير البحر المحيط 6/ 49، تفسير الكشّاف 2/ 453.

(2) سورة النساء 4: 59.

(3) سورة النساء 4: 65.

(4) سورة الأحزاب 33: 36.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 17

فكلّ «شي ء» وقع التنازع فيه بين الأُمّة، وكلّ أمر «شجر» بينهم، يجب ردّه إلي «اللَّه والرسول»، وما كان لأحدٍ منهم «إذا قضي اللَّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»، بل «وربّك» إنّهم «لا يؤمنون» حتّي يحكّموا النبيّ، «ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً» ممّا قضي «ويسلّموا تسليماً».

إنّ الرجوع إلي القرآن الكريم واضح لا لبس فيه، فالقرآن نزل ب: «لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ» «1»

، فإن أمكن استظهار معني اللفظ فيه ولو بمراجعة المعاجم اللغوية والكتب المعدّة لمعاني ألفاظه فهو … إلّاوجب الرجوع إلي النبيّ صلّي اللَّه عليه

وآله وسلّم المبعوث به إلي الأُمّة.

فالمسلمون يحتاجون إلي السُنّة النبوية المعتبرة، لكونها المصدر الثاني، ولكونها- أيضاً- المرجع لفهم ما أُغلق من ألفاظ القرآن، ومعرفة قيد ما أُطلق، أو المخصّص لِما ورد ظاهراً في العموم فيه، وهكذا …

ف «الحجّة المعتبرة» في مقام «الجدال» هي «الكتاب والسُنّة».

أمّا «الكتاب» فلا ريب في حجّيّته، والمسلمون متّفقون علي تصديقه، والاحتجاج به في الخصومات.

واتّفقوا أيضاً علي حجّيّة «السُنّة» ووجوب تصديقها والاحتجاج

__________________________________________________

(1) سورة النحل 16: 103.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 18

بها، في كلّ باب، لكنّهم مختلفون في طريق ثبوتها … كما هو معلوم …

ومن هنا وجب ومن هنا وجب علي «المجادل» أن يحتجَّ منها بما هو حجّةً علي الطرف الآخر …

وبعبارةٍ أُخري فإنّ احتجاج المسلمين بعضهم علي بعضٍ في المسائل المختلفة يدور في الأغلب مدار القرآن والسُنّة، أمّا القرآن فقد اتّفقوا علي حجّيّته، وأمّا السُنّة فمنها ما اتّفقوا علي تصديقه، فيكون مرجعاً في الخصومة، ومنها ما اختلفوا فيه، وفي هذا القسم لابُدّ من أن يحتج كلٌّ بما يصدّقه الآخر، وإلّا لم تكن «حجّة معتبرة»، وهذا أمر مسلَّم به عند الكلّ، ونكتفي هنا بإيراد تصريحٍ به من أحد مشاهير العلماء:

قال ابن حزم الأندلسي- في معرض الحديث عن احتجاج أهل السُنّة علي الإمامية-:

«لا معني لا حتجاجنا عليهم برواياتنا، فهم لا يصدّقونها، ولا معني لاحتجاجهم علينا برواياتهم، فنحن لا نصدّقها، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم علي بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّة به، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه؛ لأنّ من صدّق بشي ء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري، فيصير حينئذٍ مكابراً منقطعاً إن ثبت علي ما كان عليه» «1».

فهذه هي «الحجّة المعتبرة» عند «الجدل بالحقّ».

__________________________________________________

(1) الفصل

في الملل والأهواء والنحل 3/ 12.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 19

آداب المناظرة والجدل: … ص: 19

وأمّا الآداب التي يجب علي الطرفين الالتزام بها- في الجدل المقصود من تحرّي الحقّ والوصول إلي الحقيقة- مضافاً إلي الحجّة المعتبرة، تلك الآداب التي جاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1»

فأهمّها:

1- أنّ يُدلي برأيه والحجّة المعتبرة عنده بكلّ رفقٍ وسكينةٍ ووقار.

2- أن يختار لمطلبه الألفاظ الواضحة والعبارات الجميلة.

3- أن يجتنب السبّ والشتم.

4- أن يجتنب الأساليب الملتوية، والخروج عن البحث، بما يشوّش علي الخصم فكره.

5- أن لا يتصرّف في كلام الخصم بزيادة فيه أو نقصان، ولا ينسب إليه شيئاً لا يقول به أو حجّةً لا يعتبرها.

هذا إذا كان البحث والجدل بالكتابة.

وأمّا إذا كان بالقول، فيضاف إليها آداب أُخري كأن لا يقاطعه كلامه، وأن لا يرفع صوته إلّابالمعروف …

هذا، وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ الجدل قد يكون بالحقّ، وقد يكون

__________________________________________________

(1) سورة النحل 16: 125.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 20

بالباطل، والجدل بالحقّ هو إقامة الحجّة المعتبرة عند الطرفين أو عند الطرف الآخر، مع رعاية الآداب والأخلاق السامية.

ولم نكن- في البحث الذي عرضناه علي ضوء آيات القرآن الكريم- بصدد التحقيق عن أنّ «علم الجدل» هو «علم المناظرة»، أو أنّ الأوّل هو العلم الباحث عن الطرق التي يُقتدر بها علي إبرام ونقض حجّة الخصم، والثاني هو العلم الباحث عن آداب المناظرة والبحث، فإنّ العلماء اختلفوا في هذا المطلب، لكنّه لا يعنينا الآن.. كما إنّا لم نفرّق هنا بين «الجدل» وبين «الاحتجاج» وبين «المناظرة»، فليتنبّه إلي ذلك.

علم الكلام:

قد أشرنا إلي أنّ «علم الجدل» لا يختصُّ بمطلبٍ دون غيره، أو مسألة دون أُخري فإنّه علم يستعمل في شتّي المسائل الخلافية، من

فقهٍ وحديثٍ وفلسفةٍ واقتصاد وسياسة … وغيرها من العلوم، إذ يقيم كلّ ذي رأي حجّته المعتبرة علي دعواه وما يتبنّاه، ثمّ يتناظران طبق القواعد المقرّرة والأُصول المؤسَّسة، حتّي يتميّز الحقّ عن الباطل، والصواب من الخطأ.

ومن العلوم التي كثر الجدل في مسائلها وما يزال هو: «علم الكلام».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 21

تعريف علم الكلام وفائدته:

والظاهر أنّ لا اختلاف كبير بين العلماء في تعريف علم الكلام، وفائدته، والغرض من وضعه وتأسيسه.

* قال القاضي عضد الدين الإيجي «1»:

«الكلام: علم يقتدر معه علي إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشُبه».

قال: «وفائدته أُمور:

الأوّل: الترقّي من حضيض التقليد إلي ذروة الإيقان.

الثاني: إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجّة، وإلزام المعاندين بإقامة الحجّة.

الثالث: حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين.

__________________________________________________

(1) هو: عضد الدين، أبو الفضل، عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالغفّار بن أحمد الإيجي الشيرازي الشافعي، القاضي، وُلد بإيج من نواحي شيراز بعد السبعمئة، عالم بالأُصول والمعاني والبيان والنحو والفقه وعلم الكلام، له مصنّفات، منها: الرسالة العضدية في الوضع، جواهر الكلام، الفوائد الغياثية، شرح مختصر ابن الحاجب، المواقف في علم الكلام.

توفّي مسجوناً بقلعة دريميان سنة 756 ه.

انظر: طبقات الشافعية الكبري للسبكي- 10/ 46 رقم 1369، الدرر الكامنة 2/ 196 رقم 2279، معجم المؤلّفين 2/ 76 رقم 6756، الأعلام 3/ 295.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 22

الرابع: أن يبني عليه العلوم الشرعية فإنّه أساسها.

الخامس: صحّة النيّة والاعتقاد، إذ بها يرجي قبول العمل».

قال:

«وغاية ذلك كلّه: الفوز بسعادة الدارين» «1».

* وقال سعد الدين التفتازاني «2»:

«الكلام هو: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلّة اليقينية».

قال: «وغايته: تحلية الإيمان بالإيقان».

«ومنفعته: الفوز بنظام المعاش، ونجاة المعاد» «3».

__________________________________________________

(1) المواقف في علم الكلام: 7- 8.

(2) هو: سعد الدين مسعود بن عمر

بن عبداللَّه التفتازاني، وُلد بتفتازان- قرية كبيرة من نواحي نَسَا، وراء الجبل، من مدن خراسان- سنة 712، وقيل: 732 ه؛ من أئمّة العربية والبيان والمنطق، عالم بالفقه والأُصول والتفسير والكلام، له مؤلّفات كثيرة، منها: تهذيب المنطق، المطوّل في البلاغة، حقائق التنقيح في الأُصول، حاشية علي تفسير الكشّاف للزمخشري، شرح العقائد النسفية، شرح المقاصد.

توفّي بسمرقند سنة 792، وقيل: 791 و 793.

انظر: الدرر الكامنة 4/ 214 رقم 4933، معجم البلدان 2/ 41 رقم 2545 و ج 5/ 325 رقم 11997، البدر الظطالع 2/ 164 رقم 548، معجم المؤلّفين 3/ 849 رقم 16856، الأعلام 7/ 219.

(3) شرح المقاصد في علم الكلام 1/ 163 و 175.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 23

* والفيّاض اللاهيجي «1»، شارح التجريد من أصحابنا، ذكر كِلا التعريفين في كتاب شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام «2».

فالغرض الذي من أجله وُضع علم الكلام من قبل علماء الإسلام هو إقامة الحجّة المعتبرة من العقل والنقل «بالتي هي أحسن» علي أُصول اللدين، إرشاداً للمسترشدين، وإلزاماً للمعاندين، ولتحفظ به قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين، ولأنّ العقائد الدينية هي الأساس للعلوم الشرعية والأحكام العملية، فمَن صحّت عقائده قُبلت أعماله الشرعية، وكيف تُقبل الأعمال عن العقائد الباطلة أو ممّن هو في شكٍّ من أمر دينه؟!

__________________________________________________

(1) هو: الشيخ عبدالرزّاق بن علي بن الحسين اللاهيجي الجيلاني، الملقّب بالفيّاض؛ كان عالماً محقّقاً مدقّقاً حكيماً، من علماء الكلام، درّس بقم، وهو من تلامذة المولي صدر الدين محمّد الشيرازي، وصهره علي ابنته، له مؤلّفات، منها: شوارق الأنوار وبوارق الأسرار في الحكمة، الكلمات الطيّبة في المحاكمة بين ملّا صدرا وبين المير داماد، ديوان شعر فارسي، حواشٍ علي حاشية الخضري، شوارق الإلهام في شرح تجريد

الكلام.

قيل: توفّي سنة 1051، وقال آقا بزرگ الطهراني: وهو اشتباه، والصحيح أنّه توفّي سنة 1072.

انظر: رياض العلماء 3/ 114، أعيان الشيعة 7/ 470، طبقات أعلام الشيعة/ 2/ 141 رقم 7185، الأعلام 3/ 352.

(2) شوارق الإلهام 1/ 5.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 24

فعِلم الكلام- بالنظر إلي موضوعه- من أهمّ العلومالضرورية للأُمّة؛ لأنّه المتكفّل لبيان ما علي المكلَّفين الالتزام به من الناحية الاعتقادية، كما أنّ علم الفقه يتكفّل بيان ما يجوز وما لا يجوز عليهم من الناحية العملية، مع جواز التقليد فيه.

وكما أنّ بقاء الشريعة المقدّسة في أحكامها الفرعية بعلم الفقه وجهود الفقهاء فيه، كذلك علم الكلام وآثار المتكلّمين في الحفاظ علي الأُصول الاعتقادية.

علي إنّ من الواضح أنّه إذا استوعب الإنسان الأدلّة والبراهين علي المعقدات الحقّة الصحيحة، تمكّن من الدفاع عنها والإجابة عن الشبهات المطروحة حولها، بل ودعوة الآخرين إليها بالقلم واللسان …

ومن هنا كثر اهتمام العلماء بهذا العلم، وكثرت الكتب المؤلّفة فيه من مختلف المذاهب الإسلامية …

من كتب الإمامية في أُصول الدين: … ص: 24

وهذه أسماء بعض الكتب المؤلّفة في أصول الدين من قبل علماء الإمامية في مختلف القرون:

1- أوائل المقالات: للشيخ أبو عبداللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، الملقّب بالمفيد، المتوفّي سنة 413.

2- الذخيرة في علم الكلام: للسيّد المرتضي علم الهدي علي بن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 25

الحسين الموسوي البغدادي، المتوفّي سنة 436.

3- تقريب المعارف: للشيخ أبي الصلاح تقي الدين الحلبي، المتوفّي سنة 447.

4- كنز الفوائد: للشيخ أبي الفتح الكراجكي، المتوفّي سنة 449.

5- الاعتقاد الهادي إلي طريق الرشاد: للشيخ أبي جعفر الطوسي، المتوفّي سنة 460.

6- الاعتصام في علم الكلام: للشيخ زين الدين علي بن عبدالجليل البياضي، من علماء القرن السادس.

7- المنقذ من التقليد: للشيخ سديد الدين

محمود الحمصي الرازي، من علماء القرن السادس.

8- التجريد: للشيخ نصير الدين محمّد بن محمّد الطوسي، المتوفّي سنة 672.

9- المسلك في أُصول الدين: للشيخ نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن، المحقّق الحلّي، المتوفّي سنة 676.

10- قواعد المرام في علم الكلام: للشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني، المتوفّي سنة 679.

11- مناهج اليقين في أُصول الدين.

12- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 26

13- نهج الحقّ وكشف الصدق.

14- نهج المسترشدين في أصول الدين.

15- الباب الحادي عشر، في أُصول الدين.

والخمسة الأخيرة كلّها للشيخ أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، المتوفّي سنة 726، وله كتب أُخري في أُصول الدين غير ما ذُكر.

من كتب أهل السُنّة في أُصول الدين: … ص: 26

ومن أشهر كتب أهل السُنّة في أُصول الدين:

1- تمهيد الأوائل: للباقلاني.

2- الأربعين في أُصول الدين: للفخر الرازي.

3- العقائد: للنسفي.

4- شرح العقائد النسفية: للتفتازاني.

5- المواقف في علم الكلام: للإيجي.

6- شرح المواقف: للشريف الجرجاني.

7- شرح المقاصد: للتفتازاني.

8- الإبانة عن أُصول الديانة: للأشعري.

9- بحر الكلام: للنسفي.

10- الصحائف: للسمرقندي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 27

11- طوالع الأنوار: للبيضاوي.

12- زبدة الكلام: لصفي الدين الهندي الأُرموي.

13- أبكار الأفكار: للآمدي.

14- مشارق النور: لعبدالقادر البغدادي.

15- شرح التجريد: للعلاء القوشجي.

موضوعات كتب أُصول الدين: … ص: 27

وموضوعات كتب أُصول الدين في الأصل هي: إثبات الصانع وصفاته، ومسائل العدل، ثمّ النبوّة والإمامة، والمعاد.

إلّا أنّ مناهج المتكلّمين في كتبهم في أُصول الدين مختلفة، ولكنّ المتعارف بينهم إيراد مسائل من باب المقدّمة، تتعلّق بالمعلوم، فيقسّمونه إلي الموجود والمعدوم، ثمّ يقسّمون الموجود إلي الممكن والواجب، والممكن ينقسم إلي الجوهر والعرض، ثمّ يذكرون ما للجوهر والعرض من الأحكام أو الأقسام.

ثمّ يشرعون في إثبات واجب الوجود.. ثمّ يبحثون عن صفاته تعالي من القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والإدراك، والتكلّم … وعمّا يستحيل عليه من الصفات، كالمماثلة لغيره، والتركّب، والتحيّز، وقيام الحوادث به، واستحالة رؤية غيره له سبحانه …

ثمّ يدخلون في مسائل العدل، ويتعرّضون هنا لمسألة الحسن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 28

والقبح العقليّين، وللجبر والاختيار …

ثمّ يأتي دور مباحث النبوّة، وصفات النبيّ، من العصمة ونحوها، ويبحثون في الإمامة بعد النبوّة فتطرح هنا جميع المسائل الخلافية في الإمامة والإمام بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

ثمّ يبحثون عن المعاد، في مسائل كثيرة …

هل علم الكلام من أسباب هزائمنا؟ … ص: 28

وإذا عرفنا موقع علم الكلام في الإسلام، ومدي تأثيره في حفظ الدين والشريعة المقدّسة، فسوف يكون من المقطوع به ضرورة تعلّم هذا العلم وتطويره ونشره، فكيف يصحّ القول حينئذٍ بأنّ علم الكلام من أسباب هزائم المسلمين أمام أعداء الإسلام؟!

فإنّه طالما بُنيت الاصول الاعتقادية علي الحقّ، وأُسّست علي الكتاب والسُنّة الصحيحة والعقل السليم، ثمّ قصد بالبحث عنها الوصول إلي الحقيقة والواقع في كلّ مسألةٍ خلافية، مع التزام الباحث- لا سيّما في مرحلة إقامة الحجّة علي الغير- بالعدل والإنصاف والأخلاق الكريمة والقواعد المقرّرة للمناقشة والمناظرة، هذه الأُمور التي أشار إليها القرآن بقوله: «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، كان علم الكلام من خير أسباب صمودنا وثباتنا أمام الأعداء،

ووحدتنا فيما بيننا.

أمّا إذا كان الغرض من علم الكلام والاستفادة منه هو التغلّب علي

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 29

الخصم- ولو بالسبّ والشتم- فلا شكّ أنّ هذا الأُسلوب فاشل، وأنّه سيؤدّي إلي تمزّق المسلمين وتفرّق صفوفهم، وإلي الهزيمة أمام الأعداء.

فالقول بأنّه «لقد فشل أُسلوب علم الكلام حتّي الآن» وأنّه «أحد أسباب هزائمنا» «1» علي إطلاقه ليس بصحيح.

وفي الجملة، فإنّ علم الكلام من العلوم الإسلامية الأساسية، ولم يكن العلم في يوم من الأيّام من أسباب ضعف المسلمين وهزيمتهم، بل كان- متي ما استخدم علي حقيقته واتّبعت أساليبه الصحيحة- من أسباب وحدة المسلمين ورصّ صفوفهم وصمودهم أمام الخصوم.

إنّا لا ننكر أنّ بعض المتكلّمين اتّخذوا علم الكلام وسيلةً لتوجيه عقائدهم الباظطلة وأفكارهم الفاسدة، إلّاأنّ هذا لا يختصّ بعلم الكلام، فقد اتخِذ غيره من العلوم الإسلامية وسيلةً للأهداف والأغراض المخالفة للحق والدين، وهذا لا يسوّغ اتّهام «العِلم»، بل علي الناس أن يفرّقوا بين المتكلّمين، فيعرفوا المحقّ منهم فيتّبعوه ويعرفوا المغرض فيحذروه.

وإنّنا لنعتقد أنّ طرح المسائل الخلافية بين العلماء، ثمّ عرضها علي الكتاب والسُنّة والعقل السليم والمنطق الصحيح المقبول لدي

__________________________________________________

(1) مجلّة الغدير، العددان 8- 9، الصفحة 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 30

العقلاء، وتحكيم الأدلّة المتينة والحجج المعتبرة، هو من خير الطرق لتحقيق الوحدة بين المسلمين …

وهذا هو الغرض الذي لأجله أُسّس علم الكلام، فهذا العلم في الحقيقة يدعو إلي الوحدة والوئام، ويحذّر من التفرّق والخصام، فهو لا يتنافي مع وحدة المسلمين وحسب، بل من أسبابها ووسائلها إن استخدم علي الطريقة الصحيحة وابتُغي به الحقّ والصواب، وباللَّه التوفيق.

أثر علم الكلام في التشيّع: … ص: 30

وكما ذكرنا.. فإنّه إذا كان الاستدلال منطقياً والبحث سليماً، وكانت الأدلّة مستندة إلي ما لا محيص عن قبوله

والتسليم به، فلا شكّ في تأثيره في القلوب الطالبة للحقّ، والمحبّة للخير والفلاح … وهذا هو السرّ في الأمر بالجدل بالتي هي أحسن …

وقد كان الجدل بالتي هي أحسن من أُولي الطرق والأساليب التي سلكها الأنبياء والأوصياء وسائر المصلحون في هداية البشرية إلي الصراط المستقيم.

وبالفعل.. فقد كان لعلم الكلام والجدل الصحيح، المستند إلي الكتاب والسُنّة والعقل والحجج المعتبرة المقبولة، الأثر البالغ في تقدّم مذهب الإمامية وتشيّع الأُمم …

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 31

فهناك المئات من الناس في مختلف البلدان تشيّعوا ببركة كتاب المراجعات لآية اللَّه السيّد عبدالحسين شرف الدين قدّس سرّه.

وتلك قصّة العلامة الحلّي وتشيّع أُمّةٍ بكاملها علي أثر مناظرة واحدة قام بها مع كبار علماء عصره من أهل السُنّة في البلاد الإيرانية.

وتشيّع بلاد جبل عامل كان علي يد أبي ذرّ الغفاري رضي اللَّه عنه، كما يحدّثنا كبار علماء المنطقة «1».

فظهر- بهذا المختصر- ما في قول القائل، وهو يتهجّم علي علم الكلام: «لم يتشيّع سُنّي إلّاعلي مستوي الأفراد والقناعات» «2».

من المسائل الخلافية في علم الكلام: … ص: 31

ولعلّ من أهمّ ما وقع فيه الخلاف بين الشيعة الاثني عشرية وبين غيرهم هي المسائل التالية:

1- في صفات الباري، وأنّها هل هي عين الذات أو زائدة عليها؛ فقال الإمامية بأنّ صفاته تعالي عين ذاته وليست زائدة عليها.

2- في التجسيم، وهذا ما نفاه الإمامية وعدّوا القول به كفراً، لكنّ بعض الفرق يقولون بأنّ للَّه يداً ورجلًا، وأنّه يصعد وينزل … تعالي اللَّه

__________________________________________________

(1) أمل الآمل في علماء جبل عامل 1/ 13، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 351.

(2) مجلّة الغدير، العددان 8- 9، الصفحة 90.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 32

عن ذلك علوّاً كبيراً.

3- في القرآن، فقالت الإمامية بحدوثه وقال الآخرون بقدمه، وللمسألة قضايا وحوادث

مذكورة في السير والتواريخ.

4- في أفعال العباد، فقال قوم بالجبر وقال آخرون بالتفويض، وذهبت الإمامية إلي أنّه لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين.

5- في مسائل العدل، فقالت الإمامية بأنّ اللَّه لا يفعل القبيح، وأنّه يريد الطاعات ويكره المعاصي، وأنّه يفعل لغرض وحكمةٍ، وأنّه يمتنع عليه التكليف بما لا يطاق.. إلي غير ذلك.

6- في الإمامة والخلافة بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فالإمامية يقولون بأنّ الخليفة بعده هو عليّ بن أبي طالب بنصٍّ من اللَّه ورسوله، وقال أهل السُنّة بأنّه أبو بكر بن أبي قحافة بانتخابٍ من الناس.

الإمامة:

وكانت الإمامة من بين المباحث في أُصول الدين والمسائل الخلافية منها، أشدّها حسّاسية وأهمّيةً، بل هي المسألة المتقدّمة علي غيرها بالزمان والمرتبة، ولذا قالوا:

«أعظم خلاف بين الأُمّة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيف في الإسلام علي قاعدة دينية مثل ما سُلّ علي الإمامة في كلّ زمان» «1».

__________________________________________________

(1) الملل والنحل 1/ 13.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 33

وجوب الإمامة:

والمسلمون لم يختلفوا في أصل «الإمامة» بل اتّفقوا علي وجوبها، وهذا ما نصّ عليه كبار العلماء من الشيعة والسُنّة.

قال ابن حزم: «اتّفق جميع أهل السُنّة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج علي وجوب الإمامة، وأنّ الأُمّة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام اللَّه، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتي بها رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم … والقرآن والسُنّة قد وردا بإيجاب الإمام … » «1».

أمّا الإمامية الاثنا عشرية فكان اهتمامهم بأمر الإمامة من جهة أنّها عندهم من صلب أُصول الدين كما سيأتي، وقد ورد في الروايات عن أئمّتهم عليهم السّلام في الإمامة:

«إنّ الإمامة أُسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي …

إنّ الإمامة

زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين» «2».

ومن كلماتهم عليهم السلام في الإمام:

«بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد، وتوفير

__________________________________________________

(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل 3/ 3.

(2) الكافي 1/ 224، إكمال الدين وإتمام النعمة: 677، معاني الأخبار: 97.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 34

الفي ء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف» «1».

وقال العلّامة الحلّي في مقدّمة كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة:

«أمّا بعد، فهذه رسالة شريفة، ومقالة لطيفة، اشتملت علي أهمّ المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة، التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان المستحقّ بسببه الخلود في الجنان، والتخلّص من غضب الرحمن» «2».

تعريف الإمامة:

وممّا يشير إلي أهمّية الإمامة وعظمتها عند المسلمين ما جاء في كتبهم في تعريفها، المتّفق عليه بينهم:

قال القاضي الإيجي: «قال قوم: الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا …

ونقض بالنبوّة …

والأَولي أن يقال: هي خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتّباعه علي كافّة الأُمّة» «3».

__________________________________________________

(1) الكافي 1/ 224، إكمال الدين وإتمام النعمة: 677، معاني الأخبار: 97.

(2) انظر: شرح منهاج الكرامة: 1/ 15 ط 1.

(3) المواقف في علم الكلام: 395.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 35

وقال التفتازاني: «الإمامة رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافةً عن النبيّ … » «1».

وقال العلّامة الحلّي بتعريف الإمامة: «الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابةً عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم» «2».

فقال الفاضل المقداد السيوري «3» بشرحه:

«الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخصٍ إنساني.

فالرئاسة جنس قريب، والجنس البعيد هو النسبة، وكونها عامّة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنوّاب. و (في أُمور الدين والدنيا) بيان

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد 5/

232.

(2) الباب الحادي عشر: 82.

(3) هو: شرف الدين أبو عبداللَّه مقداد بن عبداللَّه بن محمّد بن الحسين بن محمّد السيوري الحلّي الأسدي، كان عالماً فاضلًا متكلّماً محقّقاً مدقّقاً، من تلامذة الشهيد الأول الشيخ محمّد بن مكّي العاملي، له تصانيف، منها: شرح نهج المسترشدين في أُصول الدين، كنز العرفان في فقه القرآن، شرح مبادي ء الأُصول، تجويد البراعة في شرح تجريد البلاغة، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.

توفّي بالنجف الأشرف في 26 جمادي الآخرة سنة 826.

انظر: أمل الآمل 2/ 325 رقم 1002، طبقات أعلام الشيعة/ القرنين التاسع والعاشر 4/ 138، الذريعة 24/ 18 رقم 94، معجم المؤلّفين 3/ 906 رقم 17200، الأعلام 7/ 282.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 36

لمتعلّقها، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا.

وكونها لشخصٍ إنساني، فيه إشارة إلي أمرين:

أحدهما: إنّ مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من اللَّه تعالي ورسوله، لا أيَّ شخص اتّفق.

وثانيهما: إنّه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد.

وزاد بعض الفضلاء في التعريف: بحقّ الأصالة، وقال في تعريفها:

الإمامة رئاسة عامة في أُمور الدين والدنيا لشخصٍ إنساني بحقّ الأصالة.

واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية، فإنّ رئاسته عامّة لكن ليست بالأصالة.

والحقّ: إنّ ذلك يخرج بقيد العموم، فإنّ النائب المذكور لا رئاسة له علي إمامه، فلا تكون رئاسته عامّة.

ومع ذلك كلّه، فالتعريف ينطبق علي النبوّة. فحينئذٍ زاد فيه: بحقّ النيابة عن النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أو بواسطة بشر» «1».

هذا، وقد أورد الفيّاض اللاهيجي في شرح التجريد كِلا تعريفي الإيجي والتفتازاني، وارتضاهما «2» ممّا يدلّ علي أنّ المقصد واحد وإن

__________________________________________________

(1) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: 44.

(2) شوارق الإلهام

في شرح تجريد الكلام 1/ 5.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 37

اختلفت الألفاظ وتنوّعت التعاريف.

وهذا هو المهمّ في المقام، فإنّ علماء الفريقين متّفقون علي تعريف الإمامة بما ذُكر.

الإمامة من أُصول الدين:

ومن هذا التعريف- المتّفق عليه بين الشيعة والسُنّة- يتبيّن أنّ الإمامة من أُصول الدين وليست من الفروع، لأنّها نيابة عن النبيّ، فهي من شؤون النبوّة ومتعلّقاتها.

مضافاً إلي أحاديث اتّفقوا عليها، كقوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية» وقد روي هذا الحديث بألفاظٍ مختلفةٍ، لكن لابُدّ وأن يكون المراد منها معنيً واحداً وهو ما دلّ عليه اللفظ المذكور.

وهو بهذا اللفظ في عدّةٍ من الكتب كشرح المقاصد «1».

وفي مسند أحمد وغيره بلفظ: «من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية» «2» …

__________________________________________________

(1) شرح المقاصد 5/ 239، شرح العقائد النسفية: 232.

(2) مسند أحمد 4/ 96.

وانظر: صحيح مسلم 6/ 22، مسند الطالسي: 259 ح 1913، المعجم الكبير- للطبراني- 19/ 388 ح 910، مسند الشاميّين 2/ 437 ح 1654، حلية الأولياء- لأبي نُعيم- 3/ 224 وقال: «هذا حديث صحيح ثابت، أخرجه مسلم بن الحجّاج في صحيحه عن عمرو بن علي، عن ابن مهدي، عن هشام بن سعد، عن زيد» وهو ما مرّ تخريجه آنفاً، جامع الأحاديث- للسيوطي- 7/ 384 ح 23114 و 23116، كنز العمّال 1/ 103 ح 464 وج 6/ 65 ح 14863.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 38

وبلفظ: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» كما في بعض الكتب «1»..

وله ألفاظ أُخري «2».

فإنّ هذا الحديث دليل صريح علي وجوب معرفة الإمام، والاعتقاد بولايته الإلهيّة، ووجوب طاعته والانقياد له، وإنّ الجاهل به أو الجاحد له يموت علي الكفر، كما

هو حكم من كان كذلك بالنسبة إلي نبوّة النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

__________________________________________________

(1) السنن الكبري للبيهقي- 8/ 156.

وانظر: صحيح مسلم 6/ 22، المعجم الكبير- للطبراني- 19/ 334 ح 769، إتحاف السادة المتّقين 6/ 122.

(2) انظر: السُنّة- لابن أبي عاصم-: 489 ح 1057، مسند أبي يعلي 13/ 366 ح 7375، المعجم الكبير- للطبراني- 10/ 289 ح 10687، المعجم الأوسط 1/ 127 ح 227، وج 6/ 128 ح 5820، شرح نهج البلاغة- لابن أبي الحديد- 13/ 242، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 7/ 49 ح 4554، مجمع الزوائد 5/ 225، جامع الأحاديث- للسيوطي- 7/ 384 ح 23113، كنز العمّال 1/ 103 ح 463.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 39

وبما ذكرناه غنيً وكفاية عن غيره من الأدلّة.

ومن هنا، فقد حكي عن بعض الأشاعرة، كالقاضي البيضاوي، موافقة الإمامية في أنّ الإمامة أصل من أُصول الدين «1»، وعن بعضهم، كالتفتازاني، أنّها بعلم الفروع أليق «2»، والمشهور بينهم كونها من المسائل الفرعيّة.

علي من يجب نصب الإمام؟ … ص: 39

وكأنّ الوجه في قول المشهور منهم بكون الإمامة من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلّفين: أنّ نصب الإمام واجب علي الأُمّة لا علي اللَّه..

قال السعد التفتازاني:

«نصب الإمام واجب علي الخلق سمعاً عندنا وعند عامة المعتزلة، وعقلًا عند بعضهم، وعلي اللَّه عند الشيعة … لنا وجوه … الأوّل- وهو العمدة-: إجماع الصحابة، حتّي جعلوا ذلك أهمّ الواجبات، واشتغلوا به عن دفن الرسول … » «3».

إنّهم قالوا بوجوب نصب الإمام …

__________________________________________________

(1)

منهاج الوصول في معرفة علم الأُصول- المطبوع مع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج-: 167.

(2) شرح المقاصد 5/ 232.

(3) شرح المقاصد 5/ 235- 236.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 40

ثمّ قالوا بأنّ النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم مات بلا وصيةٍ! وأنكروا

أن يكون هناك نصّ أو تعيين من اللَّه ورسوله بالإمامة لأحدٍمن بعده …

فكان وجوب نصبه من وظائف المكلّفين «1» …

والدليل العمدة علي ذلك: إجماع الصحابة، حتّي جعلوا ذلك أهمّ الواجبات واشتغلوا به عن دفن الرسول …

وإذا كان هذا هو العمدة في الأدلّة، فالأمر سهل.. ففي هذا الدليل نظر من وجوه «2»، أحدها: عدم تحقّق هذا الإجماع!

نعم، ترك أبو بكر وعمر ومن تابعهما جنازة رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم علي الأرض، وأسرعوا إلي سقيفة بني ساعدة حيث اجتمع جمع من الأنصار للنظر في أمر الخلافة … ثمّ أقبلوا علي بني هاشم ومن بقي معهم حول الجنازة، يطالبونهم البيعة لأبي بكر!

فالّذين «جعلوا ذلك أهمّ الواجبات».. «حتّي قدّموه علي دفن

__________________________________________________

(1) راجع- تثبيت الإمامة- لأبي نعيم-: 70- 73 ح 27- 30، غياث الأُمم- للجويني-: 55- 65، الأربعين في أُصول الدين- للفخر الرازي- 2/ 255- 256.

(2) منها: إنّه إذا كان نصب الإمام بعد النبيّ من أهمّ الواجبات، حتّي إنّ القوم تركوا جنازته علي الأرض- مع ما فيه من الوهن للإسلام والنبيّ- وراحوا يعيّنون الخليفة له والإمام بعده، فلماذا ترك النبيّ نفسه «أهمّ الواجبات» هذا، وترك الدين والمسلمين عرضةً للأهواء كما يزعمون؟!

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 41

النبيّ» هم طائفة من الصحابة، وليس كلّهم.

هذا بناءً علي أن يكون اجتماع الأنصار في السقيفة للنظر في أمر الخلافة.

أمّا بناءً علي ما قيل من أنّهم اجتمعوا هناك للنظر في شؤونهم الخاصّة بهم، وللاتّفاق علي رأي واحد في التعامل مع المهاجرين …

ونحو ذلك … فالأمر أوضح …

وتقول الشيعة:

1- أمر الإمامة بيد اللَّه سبحانه.

2- ويجب عليه نصب الإمام.

3- وإنّه قد فعل «1».

أمّا أنّ أمرها بيده، فيدلُّ عليه الكتاب والسُنّة، ومن ألطف ما

وجدته من السُنّة في هذا الباب، ما رواه أرباب السير:

«وذكر ابن إسحاق: أنّه صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم عرض نفسه علي كندة وكلب، أي إلي بطن منهم يقال لهم: بنو عبداللَّه، فقال لهم: إنّ اللَّه قد أحسن اسم أبيكم، أي: عبداللَّه، أي: فقد قال صلّي اللَّه عليه [وآله وسلّم: أحبّ الأسماء إلي اللَّه عزّوجلّ عبداللَّه وعبدالرحمن. ثمّ عرض

__________________________________________________

(1) انظر: الإفصاح في إمامة أميرالمؤمنين عليه السّلام: 27- 29، المقنع في الإمامة: 47- 54، الألفين: 31- 34.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 42

عليهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.

وعرض علي بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة، أي فقال له رجل منهم:

أرأيت إن نحن بايعناك علي أمرك، ثمّ أظفرك اللَّه علي من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

فقال: الأمر إلي اللَّه يضعه حيث شاء.

فقال له: أنقاتل العرب دونك- وفي رواية: أنهدف نحورنا للعرب دونك، أي: نجعل نحورنا هدفاً لنبلهم- فإذا أظهرك اللَّه كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك. وأبو عليه» «1».

فإنّ هذا الخبر جديرٌ بالملاحظة الدقيقة..

لقد كان رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم- حين عرض نفسه علي تلك القبيلة ودعاهم إلي التوحيد- في أصعب الظروف وأشقّها، إنّه كان يطلب من القوم- حسب هذه الأخبار- أن يؤمنوا به ويحموه من كيد المشركين وأذاهم.. «فيردّون عليه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم أقبح الردّ، يقولون له: أُسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك».

إنّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم كان يعنيه حتّي الرجل الواحد يؤمن به ويتّبعه ويمنعه من أن يلحقه الأذي من قريش وغيرها.

__________________________________________________

(1) السيرة النبوية- لابن هشام- 2/ 271- 272، السيرة الحلبية 2/ 154.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 43

ومع كلّ هذا، فلمّا

طلبت منه تلك القبيلة أن يعدَهم برئاسةٍ إن أظفره اللَّه علي من خالفه! أجاب بكلّ صراحةٍ وبلا أيّ تردّد: «الأمر إلي اللَّه يضعه حيث شاء» أي: ليس أمر خلافته من بعده بيده، كما لم يكن أمر نبوّته بيده..

إنّ هذا الخبر لمن أقوي الأدلّة السمعية علي إنّ نصب الإمام بيد اللَّه سبحانه وتعالي وليس الأمر بيد الرسول فضلًا عن أن يترك إلي الناس!!

وأمّا وجوب النصب علي اللَّه، فلوجوه، منها: وجوب اللطف عليه.

وأمّا أنّه قد نصب الإمام بعد النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم، فيدلُّ عليه الآيات الكثيرة من القرآن الكريم، والأحاديث القطعية عن النبيّ العظيم، وهذا هو موضوع كتب الإمامة التي ألّفها علماء الإمامية.

من هو الإمام بعد النبيّ؟! … ص: 43

تقول الشيعة: إنّ اللَّه سبحانه ورسوله صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم قد عيّنا عليّاً ونصباه خليفةً بعد رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم.

ويقول أهل السُنّة: بأنّ الخليفة بعد النبي هو أبو بكر، باختيار من الناس.

وقد تمّ استدلال الشيعة الإمامية علي إمامة عليٍّ بعد رسول اللَّه في

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 44

ثلاثة فصول:

1- الأدلّة علي إمامته من الكتاب والسُنّة.

2- الدليل علي إمامته من العقل، وهو يتشكّل من قياس صغراه من الحديث والسيرة والتاريخ: إنّ عليّاً كان أفضل الخلق بعد النبيّ؛ وكبراه من العقل: إنّ تقدّم المفضول علي الفاضل قبيح.

3- الموانع من إمامة أبي بكر وصاحبيه، وذلك بالنظر إلي: تعريف الإمامة، والغرض منها، والشروط المعتبرة في الإمام …

ولقد أقامت الإمامية الحجج المعتبرة في هذه الفصول الثلاثة «بالتي هي أحسن».

إلتزام الإمامية بالجدل بالتي هي أحسن: … ص: 44

ومن ذلك احتجاجهم علي القائلين بإمامة أبي بكر بما يصدّقونه ويعتقدون به من الأدلّة والحجج، واستنادهم إلي كتب القوم وأقوال علمائهم كما هي القاعدة الأصلية في المناظرة..

ففي الاستدلال بحديث غدير خمّ علي إمامة عليٍّ عليه السّلام..

يقول الشيعي:

قال رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم: «ألستُ أَولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: بلي

قال: فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 45

عاداه … ».

فإذا قال بعض أهل السُنّة: هذا كذب «1»، لم يقله رسول اللَّه!

قال الشيعي: أخرجه فلان وفلان … من أعلام أهل السنّة «2».

وإذا قال الخصم: وأين كان عليٌّ في ذلك اليوم؟! كان باليمن … «3».

اضطرّ الشيعي لأن يقول: روي قدومه من اليمن: فلان وفلان … من أهل السُنّة «4».

__________________________________________________

(1) كابن تيميّة في منهاج السُنّة 7/ 313- 314.

(2) انظر مثلًا: سنن ابن ماجة 1/

43 ح 116، سنن الترمذي 5/ 591 ح 3713، السننن الكبري للنسائي- 5/ 107 ح 8397، مسند أحمد 1/ 84 ومواضع عديدة أُخري مصنّف ابن أبي شيبة 7/ 494 ح 2 ومواضع عديدة أُخري التاريخ الكبير- للبخاري- 1/ 375 رقم 1191، السنّة- لابن أبي عاصم-: 590- 593 ح 1354- 1376 بطرق عديدة، زوائد عبداللَّه بن أحمد بن حنبل: 413- 419 ح 197- 201، الذرّية الظطاهرة: 168 ح 228، مسند البزّار 2/ 133 ح 492 ومواضع عديدة أُخري مسند أبي يعلي 1/ 428 ح 567، صحيح ابن حبّان 9/ 42 ح 6892، المعجم الكبير 3/ 180 ح 3052 ومواضع عديدة أُخري المعجم الأوسط 2/ 10 ح 1115 ومواضع عديدة أُخري

(3) كالإيجي في المواقف: 405.

(4) انظر ذلك في: صحيح مسلم 4/ 40، سنن أبي داود 2/ 191 ح 1905، سنن النسائي 5/ 144، سنن ابن ماجة 2/ 1024 ح 3074، مسند أحمد 3/ 320، سنن الدارمي 2/ 34 ح 1851.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 46

فإن عاد فقال: صدر الحديث: «ألستُ أَولي … » لا أصل له «1».

قال الشيعي: رواية فلان وفلان … من أهل السُنّة … «2».

فإن أنكر مجي ء «المولي بمعني «الأَولي «3».

أخرج له الشيعي قائمة بأسماء كبار اللغويّين من أهل السُنّة القائلين بمجي ء «المولي بمعني «الأَولي «4».

ويستدلّ الشيعي بقول رسول اللَّه صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم:

«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها».

ويعترض بعض أهل السُنّة بأنّه كذبٌ علي رسول اللَّه «5».

__________________________________________________

(1) كالتفتازاني في شرح المقاصد 5/ 274.

(2) انظر صدر الحديث في: سنن ابن ماجة 1/ 43 ح 116، مسند أحمد

1/ 118 ومواضع أُخري مصنّف ابن أبي شيبة 7/ 503 ح 55 وموضع آخر، السُنّة- لابن أبي عاصم-: 591 ح 1361 وموضع آخر، مسند البزّار 2/ 133 ح 492 وموضع آخر، مسند أبي يعلي 1/ 429 ح 567، ومواضع عديدة من معاجم الطيراني الثلاثة.

(3) كالباقلاني في تمهيد الأوائل: 451، والآمدي في غاية المرام في علم الكلام: 378، والدهلوي في التحفة الاثنا عشرية: 208.

(4) هو المحكيّ عن الكلبي والزجّاج والفرّاء وأبي عبيدة كما في تفسير الفخر الرازي 29/ 228، وانظر كذلك: صحيح البخاري 6/ 259، تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس: 577.

(5) كابن الجوزي في الموضوعات 1/ 354، وابن تيميّة في الفتاوي الكبري 3/ 27.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 47

فيجيب الشيعي: أخرجه فلان وفلان … «1» وصحّحه فلان وفلان … «2» من أهل السُنّة.

فيرجع الخصم ليقول: فأبو بكر و … أبواب كذلك! «3».

__________________________________________________

(1)

أخرجه يحيي بن معين في معرفة الرجال 1/ 79 رقم 231 وج 2/ 242 رقم 831 و 832، وأحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2/ 789 ح 1081 بلفظ: «أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها»، والترمذي في السنن 5/ 596 ح 3723 كما في الفضائل، والطبراني في المعجم الكبير 11/ 55 ح 11061، الحاكم في المستدرك علي الصحيحين 3/ 137- 138 ح 4637- 4639، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 64، وابن عبدالبرّ في الاستيعاب 3/ 1102 والخطيب في تاريخ بغداد 4/ 348 وج 7/ 173 وج 11/ 48- 49، وابن المغازلي في مناقب الإمام عليّ عليه السّلام: 115- 120 ح 120- 129، والديلمي في فردوس الأخبار 1/ 42 ح 109، والبغوي في مصابيح السُنّة 4/ 174 ح 4772، وابن عساكر في

تاريخ دمشق 42/ 378- 382.

(2) وقد صحّحه علي سبيل المثال: يحيي بن معين كما في كنز العمّال 13/ 148 ح 36464، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» كما في فتح الملك العلي: 33، والحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي كما تقدّم في الهامش السابق، والحافظ أبو محمّد الحسن بن أحمد السمرقندي في «بحر الأسانيد في صحاح المسانيد» كما في فتح الملك العلي: 5، والسيوطي في «جمع الجوامع» كما في فتح الملك العلي: 33، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 13/ 149، وأحمد بن محمّد بن الصدّيق الغماري في «فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي».

(3) مؤدّي ذلك في حديث «أصحابي كالنجوم … » ورواية الديلمي في فردوس الأخبار 1/ 42 ح 108: «أنا مدينة العلم، وأبو بكر أساسها، عمر حيطانها، وعثمان سقفها … ».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 48

لكنّ الشيعي يثبت له- وعلي ضوء كتب أهل السُنّة- جهل أبي بكر وصاحبَيه بأبسط المسائل الدينية، حتّي عرّفهم بها المغيرة بن شعبة وأمثاله من جهلة الصحابة! «1».

فيلتجي ء بعضهم إلي أن يقول: ليس «عليٌّ» في الحديث علماً، بل هو وصف للباب، أي: مرتفع! «2».

فاستهجن منه ذلك غير واحدٍ من علماء طائفته وسخر منه آخرون «3»..

ويستدلّ الشيعة بالحديث في قصّة الطير:

فقد أُتي النبيّ صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم بطير ليأكله، فقال:

«اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي رسولك يأكل معي من هذا الطير».

فجاء عليٌّ فأكل معه.

فاضطراب كلام أعلام الخصوم في مقام الجواب عن هذا

__________________________________________________

(1) كمسألة الكلالة، والأبّ، والتيمّم، والمواريث، ومهور النساء؛ وللتفصيل راجع الأجزاء 6- 8 من موسوعة «الغدير» للعلّامة الأميني قدس سرّه.

(2) ذهبت الخوارج ومن قال بقولهم إلي هذا المقال؛ انظر: زين الفتي في شرح سورة هل أتي

1/ 163 ح 62.

(3) كابن حجر المكّي في المنح المكّية- شرح القصيدة الهمزية، والمناوي في فيض القدير- شرح الجامع الصغير 3/ 60 ح 2704، وغيرهما.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 49

الاستدلال:

فزعم أحدهم بأنّ هذا كذبٌ موضوعٌ! «1».

لكن قد أخرجه فلان وفلان.. من الأئمّة الكبار.. من أهل السُنّة..

وله أسانيد كثيرة، رجالها ثقات، بتوثيقٍ من فلان وفلان … من علماء الجرح والتعديل، من أهل السُنّة «2»..

فجعلوا يتشبّثون- في ردّ هذا الحديث الصحيح سنداً، والصريح في أفضلية عليٍّ أميرالمؤمنين عليه السّلام- باحتملاتٍ باردة، وبتعلّلات سخيفة …

لعلّ الدعاء كان لكراهة الأكل وحده!

ولعلّ عليّاً كان الأحبّ إلي اللَّه والرسول في الأكل فقط!

ولعلّ المراد من قوله: «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق … » هو: اللّهمّ اثتني بمن هو من أحبّ الخلق … !

وهكذا …

__________________________________________________

(1) منهاج السُنّة 7/ 371.

(2) انظر مثلًا: سنن الترمذي 5/ 595 ح 3721، السنن الكبري للنسائي- 5/ 107 ح 8398، مسند أبي يعلي 7/ 105 ح 1297، المعجم الكبير 1/ 253 ح 730، المعجم الأوسط 6/ 418 ح 6561، المستدرك علي الصحيحين 3/ 142 ح 132، مجمع الزوائد 9/ 126.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 50

وأخيراً:

لعلّ أبا بكر وعمر لم يكونا حاضرين حينذاك في المدينة المنوّرة!!

موقف الشيعة من هجوم الخصوم: … ص: 50

وكُتُب الشيعة الإمامية الاثني عشرية في أُصول الدين، وفي الإمامة منها بالخصوص، يمكن تقسيمها إلي قسمين:

الأوّل: ما ألّفه علماء هذه الطائفة لبيان أدلّتها علي ما ذهبت إليه في أُصول الدين وفي خصوص الإمامة، وهي كتب ألّفوها لبيان عقائد الشيعة، مع الإشارة إلي أدلّتها، وفيها جاءت العقائد الشيعية مع المقارنة أحياناً بغيرها من عقائد الفرق؛ ومن هذا القسم:

أوائل المقالات: للشيخ المفيد البغدادي.

والذخيرة في علم الكلام: للسيّد المرتضي الموسوي البغدادي.

والاقتصاد الهادي إلي

الرشاد: للشيخ أبي جعفر الطوسي.

وتجريد الاعتقاد: للشيخ نصير الدين الطوسي.

وكتب العلّامة الحلّي، ككتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق» الذي سنتكلّم عليه بالتفصيل.

الثاني: ما ألّفه العلماء في «ردّ» أو «نقض» ما كتبه الخصوم ضدّ المذهب الإمامي.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 51

والظاهر أنّ كتبهم من هذا القسم أكثر عدداً منها من القسم الأوّل، وذلك لأنّ خصومهم قد دأبوا منذ عهدٍ بعيد علي الهجوم عليهم بالسبّ والشتم، وعلي المكابرة وإنكار الحقائق …

فمن السهل أن يقول القائل منهم في حديث: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك» «1»: «كذب موضوع»! «2» …

أو أنّ الحديث: «خُلقت أنا وعليٌّ من نور واحد» «3»: «موضوع بإجماع أهل السُنّة» «4»..

أو أنّ الحديث: «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلي

__________________________________________________

(1) انظر مثلًا: المعارف- لابن قتيبة-: 146 ضمن ترجمة أبي ذرّ الغفاري، المعجم الكبير- للطبراني- 3/ 45 ح 2636- 2638، المعجم الأوسط 6/ 147 ح 5870، المستدرك علي الصحيحين 3/ 163 ح 4720، مشكاة المصابيح 3/ 378 ح 6183 عن أحمد بن حنبل، الصواعق المحرقة: 234 عن مسلم.

(2) قال الذهبي بترجمة مفضّل بن صالح من ميزان الاعتدال 6/ 499 رقم 8734: «حديث سفينة نوح أنكر وأنكر»!

(3) انظر: فضائل الصحابة- لابن حنبل- 2/ 823 ح 1130، مناقب الإمام عليّ عليه السّلام- للخوارزمي-: 145 ح 169 و 170، فردوس الأخبار 2/ 178 ح 4884، تاريخ دمشق 42/ 67.

(4) انظر: التحفة الاثنا عشرية: 215- 216.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 52

رسولك … » «1»: «لم يروه أحد من أصحاب الصحاح، ولا صحّحه أئمّة الحديث» «2».

وكذا من السهل أن يقول القائل منهم مثلًا في حديث الغدير «3»:

«لم يقل أحد من

أئمّة العربية بمجي ء (المولي بمعني (الأَولي «4»..

وفي حديث الثقلين: «إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّي يردا علَيَّ الحوض» «5»: أنّه قال: « … كتاب اللَّه وسُنّتي» «6» …

وفي حديث سدّ الأبواب: «أُمرت بسدّ الأبواب إلّاباب عليّ» «7»:

__________________________________________________

(1) مرّ تخريجه في صفحة 41 ه 4.

(2) انظر: منهاج السُنّة 7/ 371.

(3) راجع تخريجه في صفحة 38 ه 2.

(4) انظر: ه 3 صفحة 39.

(5) انظر مثلًا: سننن الترمذي 5/ 621- 622 ح 3786 و 3788، مسند أحمد 3/ 14 و 17 و 26 و 59، سنن الدارمي 2/ 292 ح 3311، المستدرك علي الصحيحين 3/ 118 ح 4576 و 4577، السنن الكبري للبيهقي- 7/ 30، مجمع الزوائد 9/ 163.

(6) الموطّأ: 785 ح 3، سنن الدار قطني 4/ 136 ح 4559.

(7) سنن الترمذي 5/ 599 ح 3732، السنن الكبري للنسائي- 5/ 113 ح 8409 وص 118 ح 8423 و 8425، مسند أحمد 1/ 175، مسند أبي يعلي 2/ 61 ح 703، المعجم الكبير 2/ 246 ح 2031 وج 12/ 78 ح 12594، السمتدرك علي الصحيحين 3/ 135 ح 4631 وص 144 ذ ح 4652.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 53

«إنّ هذه الفضيلة كانت لأبي بكر فقلبته الرافضة إلي عليّ»! «1» …

وفي حديث المنزلة: «أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي «2»: «إنّه لا يدلّ علي عموم المنزلة» «3» …

إنّ كلّ واحدٍمن هذه الأقاويل سطر واحد أو سطران، لكن الجواب عنه يستدعي الكثير من البحث، وربّما يشكّل كتاباً برأسه، كما هو واضح.

فمن هنا نري كثرة

كتب الردّ والنقض في مؤلفات الإمامية، فهم- في الأغلب- في مقام الدفاع عن مباني المذهب، وأُسس الدين، وربّما لا نجد كتاباً لأحدهم وضعه للهجوم علي الخصوم.

* فلقد ألّف الجاحظ- المتوفّي سنة 255- كتاب العثمانية للهجوم علي الشيعة، وقد شحنه بالكذب وإنكار الضروريات وجحد البديهيات، وحتّي شجاعة أميرالمؤمنين- عليه الصلاة والسّلام- حاول

__________________________________________________

(1) انظر: الموضوعات- لابن الجوزي- 1/ 366، تذكرة الموضوعات- للفتني-: 95.

(2) انظر مثلًا: صحيح البخاري 5/ 89 ح 202، صحيح مسلم 7/ 120، سنن الترمذي 5/ 599 ح 3731، سنن ابن ماجة 1/ 42 ح 115، السنن الكبري للنسائي- 5/ 44 ح 8138- 8143، مسند أحمد 1/ 170 و 177، مسند البزّار 3/ 278 ح 1068.

(3) انظر مؤدّاه في الإرشاد- للجويني-: 335.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 54

إنكارها «1» - كما قال السمعودي-: «طلباً لإماتة الحقّ ومضادّةً لأهله، واللَّه متمّ نوره ولو كره الكافرون» «2».

لكنّه عاد فنقض ما كتبه، فكان أوّل من ردّ علي العثمانية «3».

ثمّ ردّ عليها جماعة من الإمامية وغيرهم بردود اشتهرت ب «نقض العثمانية»، منهم: أبو جعفر الإسكافي المعتزلي- المتوفّي سنة 240-، والمسعودي صاحب مروج الذهب- المتوفّي سنة 346-، والسيّد جمال الدين ابن طاووس الحلّي- المتوفّي سنة 673- في بناء المقالة الفاطمية، وهو مطبوع.

* وألّف القاضي عبدالجبّار بن أحمد المعتزلي- المتوفّي سنة 415- كتاب المغني، وتعرّض فيه لعقائد الإمامية بالردّ والنقد، وخصوصاً في باب الإمامة، إذ كان- كما جاء في خطبة كتاب الشافي- «قد بلغ النهاية في جمع الشُبه، وأورد قوي ما اعتمده شيوخه، مع زيادات يسيرة سبق إليها، وتهذيب مواضع تفرّد بها» «4».

فكتب السيّد المرتضي المتوفّي سنة 436- في الردّ عليه كتاب

__________________________________________________

(1) راجع: العثمانية: 45- 50.

(2)

مروج الذهب 3/ 237.

(3) الفهرست- للنديم-: 294.

(4) الشافي في الإمامة 1/ 33.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 55

الشافي في الإمامة، ثمّ لخّصه تلميذه الشيخ أبو جعفر الطوسي- المتوفّي سنة 460- واشتهر كتابه ب: تلخيص الشافي.

* ثمّ كتب شهاب الدين الشافعي الحنفي الرازي- من بني مشّاط- كتاباً سمّاه بعض فضائح الروافض، هاجم فيه الشيعة وتحامل عليهم.

فردّ عليه معاصره الشيخ نصير الدين عبدالجليل بن أبي الحسين القزويني «1» بكتاب بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض، وهو مطبوع.

* ثمّ ظهر أحمد بن عبدالحليم الحرّاني، ابن تيميّة، فألّف كتاب منهاج السُنّة، زعم أنّه ردٌّ علي كتاب منهاج الكرامة للعلّامة الحلّي، لكنّه- من أوّله إلي آخره- مجموعة سباب وافتراءات وما هو- في مجمله- إلّا بغض لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم الصلاة والسلام.

فكتب بعض معاصرية ردّاً عليه، هو كتاب الإنصاف والانتصاف لأهل الحقّ من أهل الإسراف، تمّ تأليفه سنة 757.

وكتب في الردّ عليه أيضاً: السيّد مهدي القزويني- المتوفّي سنة 1348- كتاب منهاج الشريعة.

ولهذا العبد العاجز- صاحب المقدّمة- كتاب دراسات في منهاج السُنّة، وهو كتاب جليل مطبوع منتشر في البلاد.

__________________________________________________

(1)

كان حيّاً سنة 556؛ انظر: معجم المؤلّفين 2/ 49 رقم 6558.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 56

كما جاء الردّ علي منهاج السُنّة في شرح منهاج الكرامة لهذا العبد، والجزء الأوّل منه مطبوع الآن.

* وألّف يوسف الأعور الواسطي الشافعي كتاب الرسالة المعارضة في الردّ علي الرافضة.

فردّ عليه: الشيخ عزّ الدين الحسن بن شمس الدين المهلّبي الحلّي، في سنة 840 بكتاب الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية، قال:

«التزمت فيه علي أنّ لا استدلّ من المنقول عن الرسول صلّي اللَّه عليه وآله وسلّم إلّابما ثبت من طريق الخصم، ولا أفعل كما

فعل الناصب في كتابه» «1».

كما ردّ عليه أيضاً: الشيخ نجم الدين خضر بن محمّد الحبلرودي الرازي بكتاب التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور، وذلك في سنة 839 في مدينة الحلّة بالعراق.

* وألّف ابن حجر الهيتمي المكّي- المتوفّي سنة 974- كتاب الصواعق المحرقة في الردّ علي أهل البدع والزندقة، قال في خطبته:

«فإنّي سئلت قديماً في تأليف كتابٍ يبيّن حقّية خلافة الصدّيق وإمارة ابن الخطّاب، فأجبت إلي ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب، فجاء بحمد اللَّه أُنموذجاً لطيفاً، ومنهاجاً شريفاً، ومسلكاً منيفاً.

__________________________________________________

(1) انظر: الذريعة 2/ 419 رقم 1657.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 57

ثمّ سئلت في إقرائه في رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكّة المشرّفة أشرف بلاد الإسلام، فأجبت إلي ذلك، رجاء لهداية بعض من زلّ به قدمه عن أوضح المسالك … » «1».

فردّ عليه القاضي نور اللَّه التستري- الشهيد في الديار الهندية سنة 1019- بكتاب الصوارم المهرقة في الردّ علي الصواعق المحرقة، وقد طبع غير مرّة.

* وكتب من يدعي محمّد نصر اللَّه الكابلي- وهو نكرة لم يعرف، ولعلّه اسم مستعار- كتاب الصواقع الموبقة.

* ثمّ جاء المولوي عبدالعزيز الدهلوي- المتوفّي سنة 1239- فأخذ مطالبه وانتحلها في كتابه تحفه اثنا عشريه بالفارسية.. وهو كتاب في التهجّم علي الشيعة الاثني عشرية، في الأُصول والفقهيات وغير ذلك …

* ثمّ إنّ النعمان الآلوسي البغدادي نشره بالعربية ملخّصاً باسم مختصر التحفة الاثنا عشرية، فزاد عليه في الهوامش بعض أتباع بني أُميّة وأعداء الدين الحنيف ما سوّلت له نفسه الخبيثة من الأكاذيب والأراجيف، وطبعته الأيدي الاثيمة من أذناب الكفر العالمي

__________________________________________________

(1) الصواعق المحرقة: 9.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 58

مرّات عديدة.

فكُتبت علي التحفة الردود الكثيرة من

قبل كبار علماء الشيعة في البلاد الهندية، في الأبواب المختلفة، وفنّدوا مزاعمه، وكشفوا أباطيله، وزيّفوا تمويهاته، جملةً وتفصيلًا، وقد تناول السيّد مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي- المتوفّي سنة 1306- باب الإمامة منه بالردّ والنقد، في كتابه العظيم عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار.

كما كُتبت علي مختصر التحفة ردود أُخري كذلك.

ومن شاء التفصيل عنه وعن سائر الردود علي كتاب التحفة فليرجع إلي كتابنا دراسات في كتاب العبقات «1».

وهكذا، توالت كتب التهجّم علي الشيعة حتّي زماننا هذا، بل كثرت فيه وتضاعفت، وما زالوا يكرّرون الشتائم والأكاذيب والتهم والأباطيل، التي تفوّه بها السابقون منهم، ورُدّ عليها الردّ الجميل من علماء الإمامية.

وما زال علماء الطائفة في موقف الدفاع عن المذهب وصدّ الهجمات الواردة من مختلف البلاد.

__________________________________________________

(1) طبع مستقلًا وفي مقدّمة الجزء الأوّل من «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 59

نهج الحقّ وكشف الصدق للعلّامة الحلّي … ص: 59

ومن كتب أصحابنا في اصول الدين: كتاب نهج الحقّ وكشف الصدق أحد كتب العلّامة الحلّي رحمه اللَّه، نعرّف به علي نحو الإجمال، للوقوف علي مواضيع كتبنا في الباب وأساليب علمائنا ومناهجهم في الموضوع.

لقد ألّف العلّامة هذا الكتاب في الأُصولين والفقه، مع المقارنة بآراء المخالفين في مسائل العلوم الثلاثة، وهو من خيرة الكتب المقارنة بين المذاهب الإسلامية.

قال رحمه اللَّه في المقدّمة: «وقد وضعنا هذا الكتاب الموسوم ب (نهج الحقّ وكشف الصدق) طالبين فيه الاختصار وترك الإكثار، بل اقتصرنا فيه علي مسائل ظاهرة معدودة، ومطالب واضحة محدودة،

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 60

وأوضحت فيه لطائفة المقلّدين من طوائف المخالفين إنكار رؤسائهم ومقلّديهم القضايا البديهية، والمكابرة في المشاهدات الحسّيّة، ودخولهم تحت فرق السوفسطائية، وارتكاب الأحكام التي لا يرتضيها لنفسه ذو عقل ورويّة، لعلمي بأنّ

المنصف منهم إذا وقف علي مذهب من يقلِّده تبرّأ منه وحاد عنه، وعرف أنّه ارتكب الخطأ والزلل، وخالف الحقّ في القول والعمل.

فإن اعتمدوا الإنصاف، وتركوا المعاندة والخلاف، وراجعوا أذهانهم الصحيحة، وما تقتضيه جودة القريحة، ورفضوا تقليد الآباء، والاعتماد علي أقوال الرؤساء، الّذين طلبوا اللذّة العاجلة، وأهملوا أهوال الآجلة، حازوا القسط والدنوّ من الإخلاص، وحصلوا النصيب الأسني من النجاة والخلاص، وإنّ أبوا إلّااستمراراً علي التقليد، فالويل لهم من نار الوعيد، وصدق عليهم قوله تعالي «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ» «1».

وإنّما وضعنا هذا الكتاب حسبةً للَّه ورجاءً لثوابه، وطلباً للخلاص من أليم عقابه بكتمان الحقّ وترك إرشاد الخلق … » «2».

وكانت عناوين مسائل هذا الكتاب:

__________________________________________________

(1) سورة البقرة 2: 166.

(2) نهج الحقّ وكشف الصدق: 37.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 61

1- في الإدراك.

2- في النظر.

3- في صفاته تعالي

4- في النبوّة.

5- في الإمامة.

6- في المعاد.

7- في أُصول الفقه.

8- في ما يتعلّق بالفقه.

وفي كلّ فرعٍ من فروع هذه المسائل يقول: «قالت الإمامية» و «قالت الأشاعرة» و «قالت المعتزلة»، معتمداً في الاحتجاج وكذا في نقل آراء الآخرين علي أشهر كتب القوم وأتقنها، أمثال:

الصحاح الستّة …

والجمع بين الصحيحين …

ومسند أحمد بن حنبل …

والأُمّ، للشافعي …

وسنن البيهقي …

ومصابيح السُنّة، للبغوي..

والمغازي، للواقدي..

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 62

وتاريخ الطبري..

وأنساب الأشراف، للبلاذري..

والاستيعاب، لابن عبدالبرّ …

وإحياء علوم الدين، للغزّالي..

والمغني، للقاضي عبدالجبّار …

والكشّاف، للزمخشري..

والتفسير الكبير، للرازي..

وهو في أغلب الموارد- حين يذكر القولين أو الأقوال- يخاطب الناظر فيها وأبناء المذاهب الأُخري بكلمات الوعظ والنصيحة، كقوله في موضع:

«فلينظر العاقل في المقالتين، ويلمح المذهبين، وينصف في الترجيح، ويعتمد علي الدليل الواضح الصحيح، ويترك تقليد الآباء والمشايخ الآخذين بالأهواء،

وغرتهم الحياة الدنيا، بل ينصح نفسه ولا يعوّل علي غيره، ولا يقبَل عذره غداً في القيامة: إنّي قلّدت شيخي الفلاني، أو وجدت آبائي وأجدادي علي هذه المقالة، فإنّه لا ينفعه ذلك يوم القيامة، يوم يتبرّأ المتبَعون من أتباعهم ويفرّون من أشياعهم، وقد نصّ اللَّه تعالي علي ذلك في كتابه العزيز.

سلسلة اعرف الحق تعرف اهله، أدب الحوار، ص: 63

ولكن أين الآذان السامعة، والقلوب الواعية؟! وهل يشكّ العاقل في الصحيح من المقالتين؟! وأنّ مقالة الإمامية هي أحسن الأقاويل، وأنّها أشبه بالدين؟! … » «1».

وكقوله في موضع آخر:

«فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية علي عقله، ويتّبع ما يقوده عقله إليه، ويرفض تقليد من يخطي ء في ذلك، ويعتقد ضدّ الصواب، فإنّه لا يقبل منه غداً يوم الحساب، وليحذر من إدخال نفسه في زمره الّذين قال اللَّه تعالي عنهم: «وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ» «2»» «3».

فهذا هو أُسلوب العلّامة رحمه اللَّه في كتابه.

وكذلك اسلوب سائر علماء الإماميّة في كتبهم.

وآخر دعوانا أنْ الحمد للَّه رب العالمين.

__________________________________________________

(1) نهج الحقّ وكشف الصدق: 79.

(2) سورة غافر 40: 47.

(3) نهج الحقّ وكشف الصدق: 103.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.